كتاب النكاح

هوية الکتاب

كتاب النكاح

تقرير لبحث آية الله العظمى السيد علي العلّامة الفاني الاصفهاني (قدس سره)

على شرائع الإسلام للمحقق الحلّي (قدس سره)

بقلم الشيخ علي العفي

دار التعارف للمطبوعات

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1438ه- - 2017م

العنوان: بيروت - حارة حريك - شارع دكاش - بناية الحسنين

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتاب النكاح

تقرير لبحث آية الله العظمى السيد علي العلّامة الفاني الاصفهاني (قدس سره)

على شرائع الإسلام للمحقق الحلّي (قدس سره)

بقلم الشيخ علي العفي

دار التعارف للمطبوعات

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1438ه- - 2017م

دار التعارف للمطبوعات

العنوان: بيروت - حارة حريك - شارع دكاش - بناية الحسنين

ت: 009611271907 - 009613823620

المستودع: حارة حريك - خلف كنيسة مار يوسف - بناية دار الزهراء

ص: 4

الصورة

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين وباعث الخلق في يوم الدين والصلاة والسلام على خير عباده أجمعين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بطلب العلم ووفقنا لطلب العلم في النجف الأشرف في جوار سيّد الأوصياء وإمام المتقين باب مدينة علم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام حيث تلقّيت دروس الفقه والأصول على جملة من العلماء الأعلام منهم آية الله العظمى السيد علي العلامة الفاني الاصفهاني (قدس سره) في الفترة بين 11 شوّال 1392 وجمادى الأولى 1393ه- وقد امتازت هذه الفترة الوجيزة بالنسبة إليّ بالرعاية التي كنت أتلقّاها من سماحته (قدس سرّه) إذ كان حريصاً جداً على تدريبنا على كيفية التعامل مع المسائل الفقهية التي تطرح في حضرته، كان إذا سأل أحدٌ مسألة ونحن في مجلسه الشريف يتوجه بطرح السؤال على الطلاب الحاضرين واحداً واحداً ثم يقول ما عنده في المسألة مبيّناً أوجه الخلل والصحة في أجوبتنا. وقد انقطع البحث عندما انتقل من النجف الأشرف إلى قمّ المقدّسة. وبقي التواصل بيننا حيث كنت أزوره عندما

ص: 7

أذهب إلى قم وفي سنة 1405ه- جاء لزيارة السيدة زينب علیها السلام في دمشق وقد دعوته لزيارة لبنان واصطحبته إلى بعلبك وبقي عندي وفي ضيافتي أسبوعاً اطّلع خلالها على ما كتبته من تقرير بحثه في النجف وطلب مني حينها أن أطبعه مكرراً ذلك مراراً ولانشغالي لم أتمكن من إجابة طلبه خاصة وأن الأمر كان يتطلّب منّي إعادة النظر فيما كتبته لترتيبه وصياغته وتخريج مصادر الروايات وذكر بعض الملاحظات إلى أن وفقني الله لذلك وعزمت على الاستجابة لمطلبه ولو متأخراً استجابة لالتماسه (قدّس سرّه) وحفظاً لبعضٍ من الوفاء لهذا العالم الجليل الذي أنار لي بعض الدروب في طريق تحصيل العلم وعرفاناً منّي بالجميل أهدي ذلك إلى روحه الطاهرة راجياً من الله عزّ وجلّ التسديد ومنه القبول .

والحمد لله ربِّ العالمين أولاً وآخراً .

بعلبك في 26 شعبان المعظم 1438ه-

23 أيار 2017

علي العفي

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب النكاح

كتاب النكاح (1)

وأقسامه ثلاثة (2) :

القسم الأول : في النكاح الدائم والنظر فيه

القسم الأول

في النكاح الدائم والنظر فيه يستدعي فصولاً (3)

الفصل الأول: في آداب العقد والخلوة ولواحقهما

الفصل الأول: في آداب العقد والخلوة ولواحقهما:

أما آداب العقد «فالنكاح مستحب لمن تاقت نفسه إليه» اتفق العلماء كافة على استحباب النكاح مع اشتياق النفس إليه لكنهم اختلفوا فيما إذا لم تتق النفس إليه إذا كان الشخص متمكناً من الصبر على تركه وقد ذهب

ص: 9


1- النكاح في اللغة: قال في مجمع البحرين نكح ينكح من باب ضرب والنكاح الوطء ويقال على العقد فقيل مشترك بينهما وقيل حقيقة في الوطء مجاز في العقد قيل وهو أولى إذ المجاز خير من الاشتراك عند الأكثر. وفي الشرع عقد لفظي مملك للوطء ابتداءً وهو من المجاز تسمية للسبب باسم المسبب.
2- دائم، ومنقطع، وملك يمين.
3- فصول أربعة: الأول: فى آداب العقد والخلوة ولواحقها. الثاني: في العقد والنظر في الصيغة والحكم. الثالث: في أولياء العقد. الرابع: في أسباب التحريم.

جماعة إلى عدم استحبابه حينئذٍ لكن المشهور الأقوى أنه مستحب حتى مع عدم التوقان ولا بد من النظر إلى الأدلة لاستظهار الحكم فيها فنقول قال الله سبحانه وتعالى في سورة النور الآية 32 ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فإنه تعالى طلب من الأولياء والسادة إنكاح الأحرار والعبيد ووعد الفقراء بالإغناء ردعاً لتوهُّم أن الزواج مظنّة للفقر. نعم قال سبحانه وتعالى في مكان آخر: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ) النور 33 حيث يستشفّ منها أن من لا يجد نكاحاً بمعنى أنه لا يجد سبباً للنكاح أي صداقاً ووسيلة ويكون لفظ النكاح مستعملاً في الصداق ولو مجازاً. وعلى كل حال لا يظهر من الآية رجحان النكاح بنفسه مطلقاً حتى للفقير بل الأمر بالعكس حيث إنّ لام الأمر للغائب يظهر منه الوجوب أو لا أقل من الإرشاد إلى لزوم الاستعفاف عقلاً في صورة عدم وجدان صداق أو مهر.

ولكن يمكن أن يُقال إنّ آية وليستعفف إنما تدلّ على لزوم العفّة بالنسبة إلى غير القادر مطلقاً استدامة أو انقطاعاً أو استيهاباً فهي واردة مورد لزوم الأخذ بالعفة لغير القادر لا رجحان ترك النكاح للفقير وكم من فرق بين الأمر بالعفة لمن عجز عن النكاح وعدم رجحان النكاح لقسم خاص من أهل الإيمان وهم الفقراء.

وأما الأخبار الدالّة على استحبابه فهي كثيرة وقد وصلت إلى حدّ الاستفاضة بل قد يقال بتواترها ولو معنوياً وإن كانت مختلفة لساناً فإنّ بعضها يظهر منه استحباب النكاح لأجل كسر الشهوة ولو لم يكن للشخص توقان إليه كما في صحيح (1) زرارة الذي رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين (قد) بسنده إلى زرارة بن أعين عن أبي عبد الله علیه السلام - في حديث -

ص: 10


1- الفقيه 3: 239/ 1133 ، وسائل الشيعة، أبواب مقدمات النكاح 1 - باب استحبابه ح 1.

قال إن الله عزّ وجلّ خلق آدم من طين ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل فقال آدم يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه فقال الله يا آدم هذه أمتي حوّاء أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعاً لأمرك؟ فقال: نعم يا رب ولك بذلك عليَّ الحمد والشكر ما بقيت. فقال الله عزّ وجلّ: فاخطبها إليَّ فإنها أمتي، وقد تصلح لك أيضاً زوجة للشهوة وألقى الله عليه الشهوة وقد علَّمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء فقال يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك فقال الله عزّ وجلّ رضاي أن تعلمها معالم ديني، فقال ذلك لك عليَّ يا رب إن شئت ذلك لي، فقال الله عزّ وجلّ وقد شئت ذلك وقد زوّجتك فضمها إليك. فقوله قد تصلح لك أيضاً زوجة للشهوة كلام الله تعالى مخاطباً به آدم علیه السلام يظهر منه أن النكاح مستحب لكسر الشهوة.

وبعضها يظهر منه استحباب النكاح لتكثير النسل كما في صحيح محمد بن مسلم (1) الذي رواه الشيخ الصدوق في الفقيه مسنده عن علي بن رئاب عن محمد بن مسلم أن أبا عبد الله علیه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غداً في القيامة حتى أن السقط يجيء محبنطناً على باب الجنة فيُقال له ادخل الجنّة فيقول لا حتى يدخل أبوايَ الجنة قبلي.

والمحبنطئ: العبوس.

وكما في معتبر (2) جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:

ص: 11


1- الفقيه 3 - 1144/242، الوسائل، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 1/ح2.
2- الفقيه 3 - 1139/241 ، الوسائل، المصدر السابق ح3. وهذا الخبر ليس بمعتبر وذلك لأن فيه عمرو بن شمر أولاً وقد قال عنه النجاشي - 765 - ضعيف جداً زيَّد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والأمر ملتبس. وثانياً أن طريق الصدوق إليه فيه علي بن الحسين السعدآبادي ولم يوثقه الأردبيلي في جامع الرواة وإن وثقه السيد الخوئي في المعجم لوروده في إسناد كامل الزيارات لكنه عدل عن ذلك التوثيق أخيراً .

ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً ؟! لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله. وكيف كان فإن هذه الروايات وأمثالها تدل على أن استحباب النكاح لأجل الغايات المترتبة عليه من كسر الشهوة، وازدياد النسل، وتكثير القائل لكلمة لا إله إلّا الله .

إلّا أن جملة وافية من الروايات تدل على استحباب النكاح في نفسه بمعنى أن التزويج نفسه وارتباط الرجل والمرأة بعقد شرعي موجب لتحقق الزوجية بينهما محبوب بنفسه لنفسه بنظر الشارع ففي صحيح (1) عبد الله بن الحكم عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزَّ وجلّ من التزويج. وهذا التعبير ربما يكون أحسن ما ورد في الباب لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم جعل التزويج بناءً كسائر الأبنية الإسلامية حيث قال: ما بُني في الإسلام بناء أحبّ إلى الله من التزويج وليس في هذا التعبير بنظري تشبيه لأن التزويج مستلزم للاجتماع العائلي فإن كان المقصود بالبناء المادي كالمساجد ونحوها فوجه أفضلية هذا عليه واضح وإن كان المقصود به كل أمر يتحقق في الإسلام فالاستحباب أظهر وأكد وليس في هذه الرواية ما يدل على أن التزويج مستحب لغاية من الغايات.

وكذا ما في حديث الأربعمائة المروي في الخصال (2) بإسناده عن علي علیه السلام قال تزوجوا فإن التزويج سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فإنه كان يقول مَن كان يحب أن يتبع سنتي فإن من سنّتي التزويج واطلبوا الولد فإني مكاثر بكم الأمم غداً . . . يفهم منه أن التزويج محبوب لذاته أولاً وهو محل الشاهد

ص: 12


1- الفقيه 3 - 241/ 1143. للمناقشة في صحة الخبر مجال لأن للصدوق طريقان إلى عبد الله بن الحكم وكلاهما ضعيف كما في جامع الرواة والمعجم الأول فيه الحسين بن أحمد بن إدريس وسهل بن زياد وابن عمران الأرمني والثاني فيه محمد بن حسان وابن عمران الأرمني.
2- الخصال: 114، الوسائل، الباب السابق ح6 .

واستحباب طلب الولد ثانياً وهذا غاية أخرى لاستحبابه. ولا منافاة بين الغايتين إذ يمكن الجمع بينهما وكون الثاني لأجل تثقيل الأرض بكلمة لا إله إلا الله ولأجل مباهاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم سائر الأمم بكثرة أمته. هذا وهناك جملة(1) من الصحاح يفهم منها استحباب النكاح لنفسه أو لغاية مترتبة .

وبالجملة يُفهم من إطلاق الأخبار الواردة في الباب أن استحباب النكاح ليس مقصوراً على صورة اشتياق النفس وتوقانها حيث لا يكون استحبابه بصورة دفع الشهوة بل قد يكون لطلب الولد أو لغاية أخرى وقد لا يكون هناك غاية منظورة للرجل والمرأة بل لشعور الرجل نفسه بالحاجة للمرأة وبالعكس ولذا نرى أن تزويج الصغيرين موردٌ للنصوص الواردة عنهم علیهم السلام.

وقد يتوهم أن لا استحباب للنكاح في صورة عدم توقان النفس ويستدل عليه بمدح الله ليحيى علیه السلام لأنه كان حصوراً إلّا أن لا تم لأن الحصر بمعنى المنع بمعنى أنه كان علیه السلام ممنوعاً عن المحارم فلا ميل له إلى المحارم وهذا لا يدل على استحباب ترك التزويج أو عدم استحبابه لمن لم تشتق نفسه إليه .

صحيحة محمد بن خلاد قال سمعت علي بن موسى الرضا علیه السلام يقول ثلاث من سنن المرسلين العطر وأخذ الشعر وكثرة الطروقة .

صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام قال لما لقي يوسف علیه السلام أخاه قال يا أخي كيف استطعت أن تزوج النساء بعدي؟ فقال إنّ أبي أمرني فقال إن استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فافعل.

ص: 13


1- ص محمد بن خلَّاد، الكافي 3/320/5 ، الوسائل الباب السابق، ح7. ص عبد الله بن سنان، الكافي 4/329/5 ، الوسائل، الباب السابق ح9. ص صفوان بن مهران، الكافي 1/328/5، الوسائل الباب السابق ح10.

صحيحة صفوان بن مهران عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تزوجوا وزوّجوا ألّا من حظ امرىء مسلم إنفاق قيمة أيمة وما من شيء أحب إلى الله عزّ وجلّ من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني بالطلاق.

مسائل

الأولى:

أفتى الأصحاب بكراهة العزوبة واستدلوا على ذلك بما ورد في موثق ابن القداح قال: «قال أبو عبد الله علیه السلام ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب» (1) وفي رواية الصدوق بسنده عن عبد الله بن ميمون وقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره» (2) ومثلهما رواية ابن القداح عن أبي عبد الله علیه السلام قال جاء رجل إلى أبي علیه السلام فقال له هل لك من زوجة؟ قال لا، فقال أبي إنّ لي الدنيا وما فيها إني بت ليلة وليست لي زوجة ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبى سبعة دنانير ثم قال تزوج بهذه ثم قال أبي قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم.

ورواية الحميري في قرب الإسناد عن محمد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون القداح مثله وزاد ما أفاد عبد فائدة خيراً من زوجة صالحة إذا رآها سرّته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله (3). ولكن هذه الروايات وما شابهها بالمضمون مما دل على تفضيل عبادة المتزوج على عبادة الأعزب لا

ص: 14


1- الكافي 1/328/5، التهذيب 1044/239/7.
2- الفقيه 1147/242/3 .
3- الروايتان مع ما سبقهما في الوسائل، كتاب النكاح، أبواب مقدماته، باب 2 ح4 + ح 5 + ح3 .

تدل على كراهة العزوبة فإن ترك المستحب ليس بمكروه اصطلاحاً نعم يمكن أن تدل على تعدد مراتب الفضل بالنسبة إلى عبادة المتزوج وعبادة الأعزب وهذا أمر قد يكون بالنسبة إلى عبادة الشخص نفسه فالصلاة متحنكاً أو لابساً للرداء أو لابساً لخاتم من العقيق أفضل من الصلاة لفاقدة هذه الأمور أو لأحدها والتجرد عن هذه لا يقتضي حزازة في الصلاة تستوجب كراهتها . فكون صلاة المتزوج أفضل لا يكون بنفسه دليلاً على كراهة العزوبة . نعم ورد في معتبر (1) محمد الأصم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم رذال موتاكم العزاب (2) . وفي بعض الروايات الواردة عن طرق أهل السنة شرار موتاكم وكلمة أعزب لغة رجل لا أهل له ويكفي هذا المقدار لإفادة الكراهة في التعزب مضافاً إلى (3) ما يستلزمه التعزب من مفاسد.

منها: هجوم الخيال على المنفرد ومن البديهي أنه يؤثر في القوة العاقلة .

ومنها: اشتغال الأعزب بأموره المادية وعدم تفرغه للعبادة.

ومنها: ما ورد من أنه سيأتي زمان على أمتي لا يسلم لذي دين دينه إلى أن يقول حلت العزوبة إذ فيه مبالغة في شدة حوادث آخر الزمان من فتنة بحيث يكون تحصيل النفقة من الطرق المحللة من الصعوبة بمكان بحيث يقال حلت العزوبة وإلا هي بنفسها مفسدة فردية بل اجتماعية كما هو المشاهد والمحسوس.

ص: 15


1- الرواية ضعيفة إذ مضافاً إلى الأهم بأن عبد الرحمن بن خالد الراوي عنه لم يوثق أيضاً.
2- الكافي 3/329/5، التهذيب 7/ 1045/239.
3- هذه وجوه استحسانية لا يثبت بها حكم شرعي، نعم الزواج أفضل لما فيه من الإحصان المرغوب والاستقرار النفسي ولكن لا يعني بذاته أن العزوبة مكروهة. إذ قد يكون ارتفاع الاستحباب موجباً لثبوت الإباحة. لتعدد الأضداد في الأحكام التكليفية فارتفاع أحدها يكون المحل قائلاً لعروض أي من الأحكام الأربعة الباقية.

الثانية:

هل يشترط في استحباب النكاح قصد القربة أم لا يشترط فيه ذلك؟

التحقيق أن النكاح مستحب ولو لم يقصد الزوج التقرب به إلى الله سبحانه لأن الأعمال المأمور بها على قسمين من هذه الحيثية قسم يكون الملاك في ذوات متعلقاتها من دون النظر إلى صدوره عن فاعل بخصوصه فضلاً عن صدوره مع قصد التعبد والقربة. مثلاً إنقاذ الغريق في ذاته مصلحة بأي سبب حصل فإن نجاة الغريق نفسه محبوب ذاتي لله سبحانه كما أن بعض الأعمال يكون فيه مفسدة بحسب ذاته من دون النظر إلى صدوره من فاعل ما مثلاً انتهاك حرمة القرآن - كما لو فرض تلوثه والعياذ بالله بسبب طفل او حيوان أو أمر غير اختياري فإن هذا مبغوض لله ويجب إزالة التلوث عنه . وقسم آخر يوجد فيه الملاك إذا صدر من فاعل ولو مجرد عن قصد القربة كإكرام المؤمن وتزويجه نعم الشبع محبوب لكن المأمور به بالنسبة إلى الفاعلين هو الإكرام والإطعام.

وهناك قسم ثالث يكون رجحانه منوطاً بصورة تحققه مع قصد القربة وهو الماهيات المخترعة لهذا الغرض أي الماهيات التعبدية التي وضعها الشارع ثم أقرّ بها فهناك أمران الأول اختراع الماهية من حيث التعبد. الثاني الأمر بالماهية بعد اختراعها فهي جعلية بالوضع الجعلي ومأمور بها بالأمر الاستحبابي أو الوجوبي، وهذا القسم يكون رجحانه مقصوراً بصورة التعبد للشارع أي تعلق بالأمر بالماهية المجعولة وهذه الماهية لا بد أن تقع خارجاً عن إطاعة الأمر المتعلق بها لتكون مصداقاً للعبادة ولذا يُقال روح العمل العبادي إنما هو قصد القربة فلو وقع العمل دون قصد القربة وإطاعة الأمر لم يكن فيه أي مصلحة أو ملاك . ولذا لو سأل سائل لمَ جعل الطواف سبعة أشواط والرمي والسعي سبعة سبعة . . لم يكن هناك جواب وذلك لأن هذه

ص: 16

مناسك خاصة وضعت للتعبد بها على هذا الوجه. ومراسيم العبادة موجودة في كل ملة. أما النكاح فليس من الأعمال العبادية كالصلاة والصيام مثلاً . . . بل الملاك فيه كامن في ذات النكاح والتزويج نفسه من دون اشتراط القربة في محبوبيته ورجحانه. فهو سُنّة مشروعة ولو لم يقصد المتزوج به القربة. نعم لو قصد المتزوج إحياء السنّة قربة إلى الله كان نوراً على نور لأنه حينئذٍ يكون آتياً بما يرضي الله من حيث تعلق الأمر به - وإن كان يمكن تحققه مع غضّ النظر عن الأمر - فيكون آتياً بالمحبوب الذاتي وهذا حسن وقصده امتثال السنّة حسن آخر مثل إطعام المسكين لله حيث يكون مجمعاً لجهتين الحسن الذاتي إضافة إلى التقرّب به إلى الله عزّ وجلّ والتحقيق أن النكاح مستحب لحسنه الذاتي وإن لم يقصد به القربة إلى الله.

الثالثة:

هل استحباب النكاح محصور بالواحدة فيسقط بالنسبة إلى الثانية أم لا؟

التحقيق عدم السقوط بالزواج بالأولى لقوله تعالى: (فَاٝنكِحُوا مَا طَابَ لَكُم منَ النِّسَاءِ) (1) ، والتحقيق أن الأمر ليس في مقام بيان استحباب الزواج بالثانية بل هو وارد مورد توهم الحظر كما يظهر من ملاحظة مورد نزولها ومما ورد في تفسيرها والحق أنها مطلقة فلا دلالة فيها على سقوط الأمر بالزواج من الأولى. يضاف إلى ذلك إطلاق الأخبار الواردة في الباب الأول من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ففي صحيح محمد بن مسلم أن أبا عبد الله علیه السلام قال إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غداً في القيامة (2) . . . حيث يبقى الغرض مع الزواج من الثانية والثالثة. وفي معتبر معمر بن خلاد قال سمعت علي بن موسى الرضا علیه السلام يقول ثلاث من

ص: 17


1- سورة النساء، الآية: 3.
2- باب 2، ح2، وسائل أبواب مقدمات النكاح، الفقيه 1144/242/3.

سنن المرسلين العطر وأخذ الشعر وكثرة الطروقة (1) . . ولا يختص ذلك بالزواج من الأولى بل ينطبق على الزواج من الثانية والثالثة. وغيرها من روايات الباب. نعم لو ترتب مفسدة على الزواج بأكثر من واحدة فهي مسألة أخرى، والكلام في الأزيد من الأولى بالعنوان الأولي. فالاستحباب ثابت لإطلاق الروايات بل الآية الكريمة.

الرابعة:

إطلاق الروايات الشامل للزواج بالثانية والثالثة . . يشمل المتمتع بها أيضاً ولا اختصاص له بالزواج الدائم لأن المتمتع بها زوجة وإن ورد التعبير عنها في الكتاب الكريم بكلمة الاستيجار في قوله تعالى: ﴿فَأتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (2). وفي بعض الروايات هنَّ مستأجرات كما في صحيح زرارة عن أبي عبد الله علیه السلام قال ذكرت المتعة أهي من الأربع؟ فقال تزوج منهن ألفاً فإنهنَّ مستأجرات (3). وفي صحيحة الآخر قال قلت ما يحل من المتعة قال کم شئت (4) . إلى غيرها من أخبار الباب الرابع من أبواب مقدمات النكاح. كما أن الاستحباب يتحقق بالتسري وذلك لقيام الأمة مقام الزوجة في جلّ الفوائد المترتبة على النكاح .

مسألة: ذكر الفقهاء موارد يكون النكاح فيها واجباً.

منها: إذا وقع متعلقاً للنذر أو اليمين أو العهد ولكن هذا الوجوب نشأ من قبل الأمر بالوفاء فيكون عنواناً غير متأصل في الخارج بل ينطبق على الفعل المأتي به خارجاً فالنكاح الواقع في مورد النذر يجب بعنوان الوفاء

ص: 18


1- باب 2، ح 7، وسائل أبواب مقدمات النكاح، الكافي 3/320/5.
2- سورة النساء، الآية: 24.
3- الكافي 7/452/5، التهذيب 1120/258/7 .
4- الكافي 3/451/5، التهذيب 1118/258/7.

بالنذر وهو ليس إلا الإتيان بالعمل المنذور وعليه فوجوبه وجوب وفائي. وكذا متعلق اليمين والعهد.

ومنها: إذا كان النكاح مقدمة لواجب مطلق وحينئذٍ يجب بالوجوب المقدمي ولكن هذا يتم بناءً على وجوب مقدمة الواجب المطلق وإذا أنكرنا وجوب المقدمة وقلنا إنّ المقدمات تجب لأجل تحقق الواجب المطلق بإرشاد العقل فلا وجوب حينئذٍ إلّا لذي المقدمة .

ومنها: إذا كان ترك النكاح مظنة للوقوع في الضرر فيجب لأن دفع الضرر المظنون واجب. وهذا متوقف على القول بأن وجوب الشيء يقتضي تعبداً وجوب مقدماته وإلّا كان وجوب النكاح وجوباً عقلياً إرشادياً نعم إيقاع النفس في الضرر محرّم شرعاً. أما القول بالوجوب الشرعي لما يكون مقدمة لدفعه فلا نلتزم به إذ لا دليل على هذا الاستلزام.

ومنها: ما إذا كان ترك النكاح موجباً للوقوع في الزنا أو في محرّم آخر لأن مقدمة ترك الحرام واجبة وهذا أيضاً موقوف على كون ترك الحرام واجباً وكون مقدمة الواجب واجبة وكلاهما ممنوع إذ لا يكون للشارع في مورد الحكم بالحرمة حكماً آخر بوجوب ترك الحرام تعبداً فضلاً عن وجوب مقدمة هذا الترك.

هذا وقد ذكروا موارد يكون ترك النكاح فيها حراماً .

منها: إذا أفضى ترك النكاح إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب أو ترك حق من الحقوق الواجبة وهذا موقوف على القول بأنّ ترك مقدمة الواجب حرام وأن يكون الأمر بالواجب نهياً عن ضده العام - بمعنى الترك - وكون مقدمة هذا الترك حراماً لكون مقدمة الحرام حراماً وهذا يبتنى على أمرين:

الأول: أن يكون الأمر بالشيء نهياً عن ضده العام، الثاني: أن تكون

ص: 19

مقدمة الحرام حراماً وكلاهما ممنوع إذ إنّ الأمر بالشيء لا يدل على حرمة تركه بأي من الدلالات الثلاث كما أن النهي عن الشيء لا يقتضي النهي عن مقدماته .

ومنها : الزيادة على الأربع حيث إنّ النكاح الدائم مستحب بالنسبة إلى أربع زوجات وأما الزواج من الخامسة فهو حرام لكن هذه الحرمة حرمة وضعية بمعنى أنه فاسد وغير ممضي من الشارع فتبقى أجنبية وإن عقد عليها ويكون وطؤها زنا مُحرّماً تكليفاً لا لأنها زوجة خامسة. والتحقيق أن النكاح الحرام بالحرمة التكليفية غير موجود في الشريعة.

وأما انقلاب استحباب النكاح إلى الكراهة فقد قالوا إنّ النكاح إذا كان مقدمة لفعل مكروه أصبح مكروهاً لكنك عرفت أن المقدميّة لشيء لا تستلزم كسب حكم تكليفي شرعي من ذلك الشيء.

وأما انقلاب استحباب النكاح إلى الإباحة فقد قالوا إنّ النكاح إذا كانت فيه مصلحة وكان في تركه مصلحة أخرى موازية لمصلحة الفعل فتتعارض المصلحتان وينقلب الحكم الاستحبابي إلى الإباحة. والتحقيق أن النكاح يبقى على استحبابه ولو كان هناك مصلحة منطبقة على تركه إذ لا يعقل أن يكون الترك ذا مصلحة بما هو ترك لأنه أمر عدمي وعليه لا بدّ من كون المثال هكذا إذا كان الترك مقارناً لفعل فيه مصلحة تكون مصلحته مساوية لمصلحة فعل النكاح إلا أنه حتى مع هذا الفرض يكون المورد من موارد التزاحم وفي كلية مورد التزاحم في المندوبات لا ينقلب المندوب إلى الإباحة مثلاً لو تعارض عيادة المريض مع صلاة النافلة فلو أتى بالنافلة لا يكون قد أتى بفعل وعمل مباح بتقريب أن ترك النافلة يكون هو الموجب لعيادة المريض. وهذا التزاحم موجود دائماً في المستحبات . كل هذا بالنظر إلى أصل النكاح .

ص: 20

وأما أقسام النكاح بالنسبة إلى المرأة التي يُراد تزويجها فهي:

1 - ما يجب نكاحها كما لو كان ترك التزويج من امرأة يؤدي إلى الوقوع في الزنا بها كما لو عشق رجل امرأة وخاف أن يزني بها لو لم يتزوجها لكنك عرفت أن الزنا حرام وتركه واجب عقلي ومقدمته - الزواج بها - واجب عقلي وجوب إرشادي .

ب - ما يحرم نكاحها إما بالأصل كنكاح المحارم وإما بالعرض كالجمع بين الأختين وقد ذكرنا أن حرمة مثل هذا النكاح حرمة وضعية ووطء مثل هؤلاء زنا وحرمته لذلك وليس لأنها زواح أخت مثلاً أو جمع بین أختين .

ج - ما يستحب نكاحها كما لو اجتمعت فيها صفات ممدوحة لما ورد في الروايات من استحباب نكاح البكر العفيفة الولود (1) .

د - ما يكره نكاحها كما لو كانت المرأة واجدة في نفسها لصفات تضاد الصفات التي تستوجب استحباب نكاحها ككونها دنيئة سفيهة (2) .

التفرغ للعبادة أفضل أم النكاح؟

منشأ هذا الترديد ما ورد في جملة من الروايات المذكورة في أبواب مقدمات العبادات من كتاب الوسائل فإن التفرغ للعبادة مطلوب عند الله ومحبوب له ومنشأ أفضلية النكاح أمر اجتماعي وسبب لكثرة النسل وإيجاد العوائل المستلزمة لبناء المجتمع البشري ولقيام النظام الاجتماعي فهو وسيلة لبقاء النوع وبالتالي سبب لبقاء الدين. وأما التفرغ للعبادة فهو التغرب عن المجتمع البشري ومن البديهي أنه إذا كان بنحو يمنع من النكاح يكون

ص: 21


1- باب 6 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل.
2- باب 7 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل.

اعتزالاً وهذا هو الرهبانية المبتدعة إذ لا رهبانية في الإسلام بل ورد في جملة من الروايات الأمر بالاقتصاد في العبادة من أجل إعطاء الفرص لممارسة الشؤون الحياتية الأخرى فقد ورد عن المعصوم علیه السلام أصلي وأنام وأصوم وأفطر - يقصد بذلك إعطاء أنواع الغرائز الموجودة في الطبيعة البشرية حقها في الحياة وهو العدل الضروري المستلزم للعدل الاجتماعي وقد ذمّ الله جملة من المسلمين لانصرافهم عن الملذّات الدنيوية وانقطاعهم انقطاعاً تاماً عن الناس بقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَتِ مِنَ الرِّزْقِ...) (1) كما أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم وعقلاء المسلمين لاموهم على ذلك. وروى الصدوق (قده) بسند صحيح إلى عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من رجل أعزب يصوم نهاره ويقوم ليله . فإنه صلی الله علیه و آله و سلم قابل بين ركعتين من صلاة وبين شخص وصفه يصوم النهار ويقوم الليل على نحو الإطلاق والذي يفيد الاستمرارية وجعل ركعتي المتزوج أفضل في هذه المقابلة. بل لا فضيلة للتفرغ التام للعبادة لإيجابه الخلل في النظام العام للكائن البشري الذي طلب منه إعمار هذه الأرض التي جعله الله خليفته فيها.

ثم ذكر العلماء موافقة للأخبار والروايات الواردة في المقام آداب للخطبة وآداب لعقد الزواج وآداب للزفاف ولليلة الزفاف ولا بدّ ممن أراد الاطلاع عليها من الرجوع إلى الكتب المعدة لبيان هذه الآداب (2) . وذكر السيد الطباطبائي في كتابه الفقهي العروة الوثقى بعضاً من هذه الأمور (3). نعم بعض ما ذكروه لم يدل عليه دليل صحيح السند لكراهة إيقاع العقد في الأيام المنحوسة في الشهر وهي أيام 26/25/21/16/13/5/3 من كل شهر .

ص: 22


1- سورة الأعراف، الآية: 32.
2- ج20 طبعة مؤسسة أهل البيت، أبواب مقدمات العبادات.
3- العروة الوثقى، كتاب النكاح، المقدمة.

مسألة:

هل يجوز أكل النثار وأخذه في الأعراس وغيرها من المناسبات وهل يملك أم لا؟

اختلف العلماء في أن الإعراض مخرج للملك عن ملك مالكه أم أن الإخراج عن الملك لا بدّ له من سبب ناقل شرعاً كتمليك بعوض أو مجاناً أو الإصداق في المهر. ذهب جماعة إلى أن الاعراض مخرج بنفسه عن الملك مستدلين بجملة من الأخبار الواردة في البعير الذي يتعب ويكلّ عن المشي فيسيبه صاحبه وفي الشذايا التي يتركها المسافر في مواطن نزوله وغير ذلك . وذهب آخرون إلى أن الاعراض لا يوجب سلب علقة الملكية بين الملك والمالك مستدلاً بأن الملك سلطان ولا سلطة للشخص على سلطانه ومن البديهي بطلان هذا الدليل إذ الملكية ما هي إلا إضافة اعتبارية والأمر الاعتباري وجوده بالاعتبار وبقاؤه به عرفاً وشرعاً وليست أمراً متأصلاً في التحقق ولا في المقولات الحقيقية حتى الجدة . فلو عبرنا عن الملك بالجدة كما في الفلسفة يكون أيضاً أمراً اعتبارياً . نعم لا بدّ من إمضاء الشارع للأسباب العرفية في النقل كقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ (1) . أو (تِجَٰرَةً عَن تَرَاضِ) (2) وعدم نهيه عنها كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَلَكُم بَيْنَكُم بِاٝلْبَطِلِ) (3).

فما لم يردع الشارع عن الاعتبارات الجارية في العرف - كبيعهم ونكاحهم - تكون تلك الأمور نافذة، ومن البديهي أن الاعراض أمر كان موجوداً ولم يزل موجوداً عند العرف فالشذايا التي يعتبرها بعض نفايات فيتركها وإن كانت في نظر آخرين مرغوباً فيها ولذا نرى أنه في باب اللقطة لم

ص: 23


1- سورة البقرة، الآية: 275.
2- سورة النساء، الآية: 29.
3- سورة البقرة، الآية: 188.

يحترمها الشارع فحكم بملكها لواجدها . والنثار من نوع الاعراض وداخل فيه وإن قصد الناثر أن يأكله الآخذ لكن هذا القصد داعٍ لإعراضه وما استشكله الشيخ الأنصاري في المقام على هذا البيان في النكاح من أن الاعراض يتم في موردٍ قَصَدَ المعرضُ الخروجَ عن ملكية ملكه الذي ينثره وفي النثار هذا القصد استلزامي حيث إنّ الناثر يقصد أكل الأخذين وهو مستلزم للاعراض. وهذا يمكن الجواب عنه بأن الناثر بداعي الأبهة وإظهار الأهمية يعرض عن ملكه لإفادة المجتمعين فالداعي إفادة الحضور المنثور عليهم وهو المقصود له وهو بهذا الداعي يعرض عن الملك وعليه يمكن للآخذ النثار أن يمتلك ما يأخذه كما كان له أكله. مضافاً إلى قيام السيرة على معاملة ما ينثر في الأعراس معاملة المباحات الأصلية أي يأخذها كل من وجدها وبالتالي يتملكها بالحيازة .

في اللواحق وهي ثلاثة - الأولى جواز النظر إلى المرأة التي يُراد تزويجها

اتفق العلماء على جواز النظر إلى امرأة يريد الزواج منها إلى الوجه والكفين إلى مفصل الزند ظهراً وبطناً كما حدّده صاحب المسالك لكنهم اختلفوا في الزائد على ذلك كالنظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها كما عن المشايخ الثلاثة (قدّس الله أسرارهم) وقبل الخوض في توضيح الحال لا بدّ من النظر في أخبار الباب (1) حيث إنّها المرجع في هذه المسألة والظاهر اعتمادهم عليها فنقول ورد في صحيح محمد بن مسلم على الأصح من وثاقة إبراهيم بن هاشم أو الحسن بناءً على تحسينه والذي لا إشكال في حجيته كالصحيح على ما عبروا عن السند الذي يكون فيه إبراهيم بن هاشم وعلى كل حال فالرواية معتبرة وحجة عند الأصحاب قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن

ص: 24


1- باب 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه من الوسائل.

الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن (1)، وهذا الصحيح كما نرى جعل متعلق النظر المرأة على الإطلاق معللاً بعلة موجبة لتقوية هذا الإطلاق والمعنى أن من يريد أن يتزوج امرأة فلا بدّ من أن يراها ليكون على بصيرة تامة من قرينته وزوجته ولا يظهر من الخبر إرادة الصداق في قوله أغلى الثمن ليقال كان في الغالب الصداق كثيراً بل المراد من أغلى الثمن ما يدفعه الزوج مستقبلاً من حياته وجهده لذا كان المراد بها رفع الغرر بالنسبة إلى الزواج. واستشكل على هذا الإطلاق الشيخ الأنصاري(قد) في رسالته النكاحية بأن المتعارف في الغالب النظر إلى وجه المرأة وكفها لأن الباقي يكون مستوراً لكن يرد عليه:

أولاً: إنّه لم يعلم أن المتعارف ذلك في زمن صدور الرواية.

ثانياً: إنّ الرواية مخصصة لعموم حرمة النظر إلى المرأة مطلقاً لو كان في البيان عمومٌ فإن لسانه لسان تخصيص.

ثالثاً: إن التعليل المذكور في الرواية يقوي إطلاقها لأن النظر إلى الوجه والكفين فقط لا يكفي في التبصر التام فيها وإن قال الشيخ الأنصاري تبعاً لصاحب المالك بأن معظم الغرر يرتفع بالنظر إلى الوجه والكفين لأن حسن الخلقة وقبحها واللون كل هذه تعرف بالنظر إليها ... ولو قلنا إنّ دلالة الرواية مقصور على الوجه والكفين فقط فحينئذٍ ما الفرق بينها وبين ما دلّ على جواز النظر إلى الوجه والكفين من المرأة مطلقاً. ومن العجيب قول الشيخ الأنصاري بأنه لو كان الملاك رفع الغرر مطلقاً استلزم ذلك جواز النظر إلى العورة ولم يقل به أحد إذ يرد عليه :

أولاً : إنّ مجرد عدم الفتوى به مع كون الملاك في الإفتاء الإخبار لا يكون موجباً لعدم الجواز.

ص: 25


1- رواية رقم 1 ، الكافي 1/365/5 .

وثانياً : إنّ الإجماع بل الضرورة قائم على عدم جواز النظر إلى عورة من يراد تزويجها فيكون هذا الإجماع مخصصاً وكثيراً ما يكون للخاص مخصصٌ آخر .

وثالثاً : موافقة الاعتبار العقلائي على قبح هذا العمل - النظر إلى العورة - إذن لا موجب لرفع اليد عن إطلاق الرواية وحصر الجواز بالكف والوجه حيث إنّ المشهور جواز النظر إلى وجه الأجنبية .

وقد حاول صاحب المسالك بيان الفرق بين المسألتين جواز النظر إلى الأجنبية وجواز النظر إلى من يراد تزويجها مع أن الموضوع فيهما الوجه والكفين بأمور :

الأول : اتفاق الأصحاب على جواز النظر إلى وجه وكفّي من يريد تزويجها واختلافهم في جوازه في الأخرى. وفيه أن القائل بعدم الفرق يرد عليه الإشكال وليست مجرد الفتوى فارقاً بين الاخبار .

الثاني : إن النظر إلى الأجنبية يشترط فيه عدم خوف الفتنة وهذا الشرط غير موجود بالنسبة لمن يراد تزويجها . وفيه أن خوف الفتنة إذا كان مانعاً من الأخذ بالإطلاق بالنسبة إلى الأجنبية فهو كذلك بالنسبة لمن يراد تزويجها .

الثالث : جواز تكرار النظر بالنسبة لمن يراد الزواج منها بينما لا يجوز ذلك بالنسبة لغيرها وهو الأجنبية، قلنا إن المسألة خلافية في الموضعين فقد يُقال بجواز التكرار بالنسبة إلى الأجنبية مع عدم التلذذ وعدم خوف الافتتان كما أنه يمكن القول بعدم جوازه بالنسبة لمن يراد الزواج بها كما لو حصل الغرض من النظرة الأولى .

الرابع : إن النظر إلى من يُراد تزويجها مستحب بينما النظر إلى

ص: 26

الأجنبية مكروه وفيه أنه قد يُقال بعدم الاستحباب في الأول وبعدم الكراهية في الثاني وذلك لأن الأوامر الواردة في المقام واردة في مقام توهم الحظر فهي رافعة لهذا التوهم وليست مؤسسة لحكم بل لبيان الرخصة وحسب. وبالجملة الصحيحة مطلقة من حيث الوجه والكفّان والرقبة والصدر والشعر والمحاسن خرج ما خرج بالإجماع إن كان محصلاً وبقي غيره.

ومنها : صحيحة هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري كلهم عن أبي عبد الله علیه السلام قال : لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها (1) وهي كسابقتها سند لكنها تدل على جواز النظر إلى الوجه والمعاصم ولم تتعرض لغيرهما من المحاسن كما لا إطلاق لها بغيرهما . لكنها لا تنافي وجود إطلاق في غيرها يتناول المحاسن الأخرى ولا سيما أنه لا مفهوم للقب لتكون هذه الرواية مقيدة لغيرها .

ومنها : صحيح الحسن بن السري الكوفي وقد وثقه النجاشي قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام: الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها (وفي الوسائل إلى خلقها) وإلى وجهها؟ قال نعم، لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ينظر إلى خلفها (خلقها) وإلى وجهها (2). وقد رواها الكليني في الكافي عن أبي علي الأشعري (وهو ثقة) عن محمد بن عبد الجبار الصهباني (ثقة) عن صفوان بن يحيى (ثقة) وهو من أجلّة الرواة ومن أصحاب الإجماع ولا يروي إلا عن ثقة عن عبد الله بن مسکان وهو من أصحاب الإجماع عن الحسن بن السري وهو ثقة على الأظهر مضافاً إلى رواية واعتماد نفر من أصحاب الإجماع عليه. وأما دلالة الحديث فإن فقهه يتوقف على استنطاق كلمة يتأملها والتأمل يعني التفكر من

ص: 27


1- الباب السابق ح 2 ، الكافي 2/365/5 .
2- الباب السابق ح3 ، الكافي 3/365/5 .

أجل الوصول إلى المطلب الذي يفكر فيه فيساوق التعمق خارجاً والظاهر من الرواية عدم حصر جواز النظر بالوجه بل شمل الخلف والإمام يقرر السائل جوازاً حيث يقول لا بأس بأن ينظر إلى المرأة . . . فيجعل النظر متعلقاً بالمرأة وإطلاق لفظ المرأة شامل لجميع جسدها من القرن إلى القدم والمراد حينئذٍ بالخلف الوراء وبالوجه الأمام. وقد حمل الشيخ الأنصاري (ره) كلمة الوجه في الرواية على الوجه الواجب غسله في الوضوء وكلمة الخلف على القامة المستورة ثم قال ولو لم نقل بمفهوم اللقب إلّا أن الوجه في تخصيص النظر بالوجه والخلف هو عدم الإطلاق فيكون مقيداً لإطلاق المرأة وبه تقيّد سائر المطلقات ولكن ليس المراد بالوجه والخلف ما ذكره (قد) بل ما قلناه هذا أولاً .

وثانياً : إن جواب الإمام تقرير للسؤال وليس للقضية عقد سلبي سواء قلنا بمفهوم اللقب أم لا .

ثالثاً : إن المفهوم لو قلنا به لا يعارض المنطوق وسيأتي دلالة جملة من الروايات على جواز النظر إلى شعر المرأة التي يُراد الزواج منها ومحاسنها فمناقشة الشيخ ليست في محلها .

ومنها : عن الحسن بن السري عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها؟ قال نعم: فلِمَ يعطي ماله (1)؟! وهي ضعيفة لأن في سندها معلي بن محمد وهو مضطرب الحديث كما قيل وإن كان من مشايخ النشر ونشر كتب الأصول والرواية، ولو سلم الأخذ بروايته إلّا أن هذه الرواية مرسلة وإن كانت من حيث الدلالة مطلقة كمال الإطلاق.

ومنها : ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا ... عن أبي عبد الله علیه السلام قال قلت أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟

ص: 28


1- الباب السابق ح4، الكافي 4/365/5.

قال لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً (1) . وهذه الرواية من حيث السند مرسلة فهي ضعيفة. وهي من حيث تجويزها النظر إلى الشعر والمحاسن مطلقة ومن حيث تقييد النظر بعدم التلذذ مقيدة ويمكن الاستشكال في المحاسن من ناحية الإجمال واختلاف التفاصيل فعن بعضهم هي المواضع الحسنة من الجسد وعن آخرين هي مواضع الزينة وعن ثالث الوجه والكفان والقدمان وعن رابع المنقول عن التذكرة الوجه والكفان ومع العموم وإجمال المخصص يرجع في المشكوك إلى التمسك بالعموم. ولكن هذا الإشكال مدفوع لأن التفاصيل المذكورة ليست تفاصيل للمحاسن بل هي أقوال للعلماء في استفادتها من الرواية.

ومنها : ما رواه الشيخ بسنده إلى عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إلى شعرها؟ فقال نعم إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن (2) . وهذه الرواية من حيث الدلالة نص في جواز النظر إلى شعر من يريد تزويجها ولكن في سندها الهيثم بن أبي مسروق النهدي ولم يوثقه أحد إلّا أن مذهبه مذهب حق وقال عنه النجاشي عند ترجمته أنه قريب الأمر كما قال الكشي عنه إنّه فاضل وقريب الأمر إشارة إلى أنه ليس بغالٍ وإنه إمامي وقريب من المعارف الحقة فيؤخذ بقوله . كما أن في سندها أيضاً الحكم بن مسكين وقد أخذ بروايته أستاذ الشيخ المفيد في كتابه كامل الزيارات وقد ذكر ابن قولويه أنه لا يروي فيه إلّا عن ثقة لكننا كثيراً ما نجد فيه المراسيل إلّا أنه يعرف حال الحكم بن مسكين من رواية جماعة من أصحاب الإجماع عنه (3).

ومنها : ما رواه الشيخ (قده) بسنده عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن

ص: 29


1- الباب السابق ح5 ، الكافي 5/365/5 .
2- الباب السابق في الوسائل ح7. التهذيب 7/ 435/ 1734.
3- لكن هل يكفي رواية أصحاب الإجماع عن رجل في توثيقه؟؟.

أبيه عن علي علیه السلام في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها قال لا بأس إنما هو مستام فإن يُقضَ أمر يكون (1) . ومن حيث سند الرواية فعن غياث بن إبراهيم الذي اختلفت فيه كلمات الشيخ الطوسي بينما وثقه النجاشي وهو أدقّ وأعمق فإن غياث هذا ثقة وإن كان زيدياً .

وكلمة مستام في الرواية اسم فاعل من باب الافتعال أجوف واوي مستوم داخل في السوم وهو المعاملة والمساومة تتقدم المعاملة لأنها عبارة عن تقدير الثمن بالنسبة للمثمن وطلب المشتري النقيصة (2) .

ومنها : ما رواه الشيخ عن الحسن بن محبوب عن داود بن أبي يزيد العطار عن بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : إياكم والنظر فإنه سهم من سهام إبليس وقال لا بأس بالنظر إلى ما وصفت الثياب (3). وقد علّق الحرّ في الوسائل بعد روايته للحديث قائلاً هذا مخصوص بمن يريد تزويجها وقد أورده الشيخ في هذا الباب. وهذه الرواية لا حجية فيها لإرسالها لكن لما كان الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع فهو لا يروي إلّا عن ثقة ولذا تقبل روايته وتكون الرواية معتبرة (4) ولكن دلالتها مطلقة لمن يريد التزويج منها ولغيرها ولكن الفقهاء لما رأوا أن النظر إلى ما وصفت الثياب على خلاف المتسالم عندهم من عدم جواز نظر الأجنبي إلى ما وصفت الثياب من الأجنبية خصصوا الرواية بمن يريد تزويجها لذا أوردها الشيخ في هذا الباب كما نقلنا عن الشيخ الحر العاملي أيضاً ، إلا أن الإنصاف أن الرواية لا بدّ من ذكرها في باب عدم جواز النظر إلى الأجنبية مطلقاً :

ص: 30


1- الباب السابق ح 8 وسائل، التهذيب 1735/435/7.
2- لعل المساومة والمعاملة مترادفان لمعنى واحد وهو ما يسبق إيقاع العقد من محاولة الاتفاق بين البيعين على الثمن المفترض.
3- الباب السابق ح9 . التهذيب 1736/435/7.
4- المرسل للرواية داود بن يزيد العطار وليس الحسن بن محبوب .

ومنها : ما رواه بسنده إلى يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة وأحب أن ينظر إليها؟ قال تحتجز ثم لتقعد وليدخل فلينظر قال قلت تقوم حتى ينظر إليها؟ قال نعم، قلت فتمشي بين يديه؟ قال ما أحب أن تفعل وسند هذه الرواية من الموثق فإن يونس بن يعقوب وثقه الشيخ والكشي والعلامة في الخلاصة وإن نوقش فيه من ناحية مذهبه لكنهم اتفقوا على وثاقته فالخبر حجة سنداً . وأما دلالته على الحكم في المسألة (جواز النظر إلى من يريد الزواج منها) فإن السائل فهم من قول الإمام تحتجز وتقعد دلالته على وجوب القعود لا الإرشاد إلى كيفية متعارفة مؤدية ثم سأل فقال قلت تقوم حتى ينظر إليها ومن الواضح أن متعلق النظر شخص المرأة بأجمعها (الوجه والكفين والقدم والساق والرقبة والشعر)(1) فأجاب علیه السلام نعم أي إنّ الأمر بالقعود إرشادي وإلا من حيث الشرع يجوز أن تقوم لينظر إليها قائمة فأضاف إلى السؤال فتمشي بين يديه قال ما أحب أن تفعل وهذه لا تدل على الحرمة بل يُستفاد منها الجواز مع حظر وأخذ يقظة بحيث لا يبلغ مرتبة الكراهة .

ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في العلل بسند معتبر إلى يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز له أن ينظر إليها؟ قال نعم وترقق له الثياب لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن (2) . والرواية موثقة لما عرفت من حال يونس وأنه ثقة مضاف إلى الأخرين الواردين في السند وأمّا دلالة فإنّ النظر فيها مطلق لم يقيد بحالة خاصة

ص: 31


1- صحيح أن متعلق النظر شخص المرأة لكن لا يقتضي جواز النظر إلى ما ذكره (قده) من الرقبة والساق والشعر وذلك لأن معنى تحتجز لغة كما ذكره في مجمع البحرين الحُجْزة معقد الإزار ثم قيل للإزار حُجْزة للمجاورة وعليه معنى الرواية تأتزر ثم تقعد فلينظر لها مأتزرة جالسة وهذا لا يتنافى مع نظره لها قائمة لأنها متسترة وأين استفادة النظر إلى الساق إلخ . . .
2- الباب السابق ح 11 الوسائل، علل الشرائع 1050 باب 260 .

وقوله ترقق له الثياب واردة مورد توهم الحظر لذا يُستفاد منها الإباحة لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن. وقد يُقال إن هذا الإطلاق يشمل النظر إلى العورة فيدل على الجواز أيضاً ولذا ذهب الشيخ الأنصاري إلى أن عدم جواز النظر إلى العورة قرينة على عدم الإطلاق في الرواية لكن يُجاب عنه أن الإطلاق والتعليل شاملان للعورة ولكن دعوى الشيخ الأنصاري على عدم جواز النظر إلى العورة فهو للإجماع على عدم الجواز وحينئذٍ يكون الإجماع مقيداً للإطلاق فيجوز النظر إلى ما عدا العورة. مضافاً إلى أن النظر إلى العورة مستقبح ومستنكر عند العرف العام وعيوب العورة موجبة لخيار الفسخ فالغبن والضرر ناحيتها مأمون. وكيفما كان فإن النظر إلى العورة لا يجوز لاعتراف الكل بإجماع الكل واستقباح العرف العام وإلا فإطلاق الروايات شامل حتى لجواز النظر إلى العورة. وهناك خبر يدل على الجواز (1) لكن في طريقة مسعدة وهو لم يوثق .

والغريب أن صاحب المسالك استشكل في أخبار الباب على مبناه في الرجال لذا عبَّر عن صحيح عبد الله بن سنان بأن فيه مجاهيل وفرادة الحكم بن مسكين وهيثم بن أبي مسروق وقد عرفنا أن هيثم قال عنه النجاشي قريب الأمر وقال الكشي عنه وعن ابنه أنهما فاضلان لذا لا يصح وصفه بأنه مجهول ولذا كان يكفيه أن يقول كلامهما لا يدل على الوثاقة. والحكم بن مسكين وإن لم يرد فيه توثيق لكن روى عنه أصحاب الإجماع. لذا لا یصح أن يُقال عنه مجهول.

وكذا بالنسبة للموثقات الأخيرة حيث ردها لمجرد كون يونس بن

ص: 32


1- عن مسعدة بن أليسع الباهلي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لا بأس أن ينظر الرجل إلى محاسن المرأة قبل أن يتزوجها فإنما هو مستام فإن يقض أمر يكن. قرب الإسناد : 581 وسائل، الباب السابق ح 12 ولا صراحة فيه على ما ذكره (قده) لكنه قد يكون قصده الإطلاق لا الصراحة ولكن يمنع منه ما ادعاه من الإجماع والاستقباح.

يعقوب في طريقها وقد عرفت أن الاختلاف في مذهبه وليس في توثيقه. والمراد من كلامنا هنا أن الإفراط في تضعيف الرجال كالإفراط في توثيقهم موجب للانحراف عن الجادة المستقيمة .

ثم إنّهم اشترطوا لجواز النظر إلى من يريد تزويجها أموراً :

الأول : صلاحيتها للتزويج بأن لا تكون ذات بعل أو معتدة.

وهذا الشرط مقوم للموضوع لأن من يُراد تزويجها هي المرأة القابلة فخروج ذات البعل خروج تخصصي .

الثاني : احتمال الإجابة إذ مع عدم هذا الاحتمال يقطع بعدم ترتب الأثر المقصود من النظر إليها .

الثالث : عدم معرفتها سابقاً إذ مع معرفته لها يكون النظر بلا ملاك مرخص إلّا إذا كان النظر الفعلي موجباً لمزيد الاطلاع.

الرابع : عدم تكرار النظر كما في العروة لكن إذا لم يحصل الغرض من النظر الأول فيجوز . وكأن مراد من جوّز التكرار ومن لم يجوّزه واحد.

ثم هل يشترط فيمن يراد تزويجها أن تكون متعيّنة كفلانة بنت فلان أم يجوز وإن لم تكن متعيّنة فينظر إلى أي امرأة حتى يحصل على امرأة توافقه . فيه خلاف وقد ذهب بعض الفقهاء إلى الاشتراط لأن القدر المتيقّن من النصوص ذلك . لكن الحق مع من أطلق الجواز فيجوز أن ينظر إلى امرأةٍ مريداً التزويج حتى يظفر بامرأةٍ صالحة توافق مزاجه.

ثم هل يشترط في جواز النظر إلى من يريد الزواج منها عدم إمكان معرفة حالها بوجه آخر كتوكيل امرأة برؤيتها ثم تخبره عن حالها أم لا يشترط؟ الحق عدم الاشتراط لأمرين :

الأول : إن المقصود اطلاع نفس الشخص على محاسنها لأنه كثيراً ما تختلف الأنظار في تحديد الحسن والقبح لاختلاف الأذواق من جهة الرجل الطالب للنكاح واختلاف الألوان والملامح والمحاسن من جهة المرأة.

ص: 33

الثاني : إطلاق الروايات وهو العمدة فإن الشارع لما رخص بالنظر في المقام لم يقيد ذلك بعدم إمكان معرفة حالها بطريق آخر فما قاله في العروة بعد اختياره عدم الفرق أن الأحوط الاقتصار على الأول وهو عدم التمكن من تكليف امرأة في ذلك لا وجه له إذ لا مقتضى لهذا الاحتياط إلّا أن يدعي انصراف الروايات إلى صورة عدم التمكن من معرفة حالها بطريق آخر لكن لا مجال لدعوى هذا الانصراف .

ثم هل يجوز للمرأة المخطوبة أن تنظر إلى من يخطبها قاصداً الزواج منها أم لا؟ فيه خلاف بينهم فذهب جماعة إلى جواز النظر لها معللين الحكم بشمول العلة - حيث يجوز ذلك للرجل - لها فإنه لما كان يجوز ذلك للرجل لأنه یشتري بأغلى الثمن فكذلك المرأة لأنها تدفع عمرها ثمناً للعيش معه فهي تشتري أيضاً بأغلى الثمن. وذهب آخرون إلى أن هذا التعليل لا يشمل المرأة لأن الثمن المقابل للبضع يدفعه الرجل وليس الزوجة فيبقى عموم حرمة نظر المرأة إلى الأجنبي على حاله وتعديته إليها قياس مع الفارق. وهذا مبني على أمرين :

الأول : وجود عموم يدل على تحريم نظر كل امرأة، إلى كل رجل مع قطع النظر عن الإجماع إذ لو كان الدليل هو الإجماع أو ضرورة المذهب أمكن أن يقال بأنهما دليلان لبيَّان ولا إطلاق لهما فيقتصر على القدر المتيقّن ولا إجماع في المقام لغرض الاختلاف في المسألة .

الثاني : احتمال الإجابة إذ مع عدم هذا الاحتمال يقطع بعدم ترتب الأثر المقصود من النظر إليها .

وقد يُقال لما حرّم الشارع عليها إبداء زينتها لغير ما استثني في الآية الكريمة دلَّ ذلك بالالتزام على حرمة نظر المرأة إلى الرجل لكن يمكن المناقشة في هذه الدلالة الالتزامية لعدم وجود اللزوم خارجاً. ووجود المناط بالنسبة إليها - الذي هو الافتتان - أضعف بكثير من الرجل.

ص: 34

الثاني : عدم شمول العلة لها ولقد أجاد الشيخ الأنصاري (قد) حيث قال فإن من منع المرأة أن تنظر إلى مَن يريد نكاحها لم يدقق النظر في العلة وجه الإجادة أنك عرفت مما ذكرنا أن المراد من العلة ليس الصداق . . إذ ليس هو في مقابل البضع بل في دعوى ذلك تسامح - فإن الصداق مهما بلغ كثرة لا يقابل بالمرأة الجميلة الكاملة الأديبة ولا ينطبق عليه أنه أغلى الثمن بل المراد العمر والحياة وجعل شخصه وقفاً للعيش معها وهذا الوجه موجود بالنسبة إلى المرأة فإنها أيضاً بنكاحها للرجل تجعل نفسها موقوفة عليه طيلة عمرها فكما له الحق في النظر إليها ينبغي أن يكون لها الحق في النظر إليه .

ومن هنا فإن البضع لا يقابل بالثمن ولذا لا يقع عليه النظر ولا يرى والصداق أمر زائد لأن النكاح هو الارتباط بين الشخصين ليس إلّا فالأقوى جواز نظر المرأة إلى من يريد الزواج منها .

ثم إنّه يجوز النظر إلى أمةٍ يريد شرائها وهذه المسألة حررت تارة في باب البيع وأخرى في باب النكاح وملخّص القول إنّ القوم إلّا جماعة قليلة منهم ابن إدريس ذهبوا إلى جواز النظر إليها لوجوه :

الأول : قصور الأدلة الدالة على التحريم .

الثاني : ما دلَّ من الروايات على جواز ذلك :

منها : رواية السكوني الدال على ذلك وقد يناقش في السند لضعف السكوني فإنه عامي لكن يُجاب بأن ضعفه منجبر بعمل الأصحاب وقد يُقال إنّ عملهم غير جابر لضعفه لكن الصحيح أن السكوني ثقة وإن كان عامياً نصّ على ذلك الشيخ الطوسي في العدة في باب حجية خبر الواحد قائلاً قد عملت الطائفة بأخباره معللاً بكفاية الوثاقة ولا يشترط في الراوي كونه إمامياً. وقد قال السيد الداماد في الرواشح السماوية المؤلف في الرجال من الأغلاط المشهورة تضعيف السكوني وهذه الشهرة ليست في محلها وقد بلغت حداً بحيث أصبح يشبه كل خبر ضعيف بخبر السكوني. إذن الرواية

ص: 35

معتبرة ولا حاجة لجبرها بالعمل. وما يُقال من أن الشهرة غير جابرة للسند فلا بد من التفصيل فيه بين الشهرة الاستفادية عند القدماء وغيرها فإن أخذ المشهور من القدماء برواية جعلوها مستنداً ومدركاً لحكم يكون سبباً لحصول الاطمئنان بصدور الرواية وذلك لعلمنا بأن القدماء (قدس سرهم) كانوا على جانب كبير من الدقة في دراسة الأسانيد والرجال كما كانوا متحرزين من إسناد الفتوى أو الرواية إلى المعصوم علیه السلام ولذا لو لم يكن عندهم قرائن على وثاقة الرجل لما أخذوا بقوله . وهذه هي الشهرة الجابرة لضعف السند دون غيرها (1) .

ص: 36


1- لم يذكر السيد الأستاذ (قد) الرواية ولم أعثر عليها في الوسائل ولكن فيه في كتاب التجارة باب جواز النظر إلى وجه أمة يريد شرائها . . .الباب 20 من أبواب بيع الحيوان ذكر أربع روايات : أ - عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ قال لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها، ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه. رواها عن التهذيب والفقيه. لكن في مسندها علي بن أبي حمزة وضعفه معروف . ب - عن حبيب بن المعلى الختعمي قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام إني اعترضت جواري المدينة فأمنيت؟ فقال أما لمن يريد الشراء فليس به بأس . . . رواها عن التهذيب أيضاً وفيها محمد بن زياد ولم يوثق . ج - ما عن عمران الجعفري عن أبي عبد الله علیه السلام قال لا أحب للرجل أن يقلب إلّا جارية يريد شراءها. وهذه الرواية قال الأردبيلي أن عمران الجعفري هو الحرث بن عمران الجعفي (الجعفري)، الذي يروي عن أبي عبد الله علیه السلام وقد وثقه النجاشي والعلامة وعليه فالرواية معتبرة وتصلح حجة على الحكم في المقام. د - رواية قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي علیه السلام أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها . والرواية معتبرة سنداً وتصلح دليلاً في المسألة أيضاً. ولكني لم أعثر على الرواية في قرب الإسناد في المكان الذي يشير إليه المعلق في الوسائل وهو قرب الإسناد : 49، وعلى كل حال هذا ما يصلح أن يكون دليلاً على المسألة في المقام وليس ما ذكرها السيد الأستاذ(ره) من الرواية عن السكوني فإني لم أجد ذلك في الكتب الأربعة.

الثالث : إنّ تعريض السيد أمته للبيع إذن منه وتحليل لرؤيتها من قبل من يريد شراءها ولذا جوّز بعضهم النظر حتى إلى العورة وبعضهم قيّد الجواز في ذلك بالإذن الصريح حيث قال إن النظر إلى وجه الأمة ومحاسنها جائز ولو بغير إذن مولاها وأما النظر إلى العورة فهو مشروط بإذن المالك، ومن المعلوم جواز تحليل المالك لذلك .

ثم إن الفقهاء (رحمهم الله) قالوا إن وكيل المشتري ووليه لهما النظر إلى أمة يريدان شرائها للموكل أو المولى عليه لصدق عنوان مَن يريد شراء أمة، ولشمول بعض الأدلة أيضاً كالتعريض (تعريض المولى أمته للبيع، فإنه بنفسه إذن من السيد. نعم أخرجوا الفضولي عن ذلك لأن الفضولي وإن كان ينشئ القبول إلا أنه ما لم يسند إنشاءه إلى الأصيل لا يعتبر ولذا قلنا إنّ الإجازة في باب الفضولي تصحح الإسناد. وهل لولي الصبي أن ينظر إلى امرأة يريد تزويجها للمولى عليه أم لا؟ ذهب جماعة إلى عدم جواز ذلك مستدلين عليه بأن الولي لا يتزوج لنفسه فلا يشمله دليل الجواز ويبقى عموم الحرمة - حرمة النظر إلى الأجنبية - على حاله إلّا أن التعليل - إنما يشتريه بأغلى الثمن - منضماً إلى أدلة الولاية يوجب القطع بجواز النظر بتقريب أن الشارع بجعله الولاية للولي في التزويج يكون قد أعطى له جواز النظر أيضاً لتتحقق المصلحة إذ أن مصلحة الطفل تقتضي جواز نظر الولي إلى مَن يريد تزويجها له لأن الولي قائم على مصالح الطفل فالأقوى جواز نظره إلى امرأة يريد تزويجها له نعم الدليل لا يشمل الوكيل لقصور الأدلة عن شمولها له في باب التزويج فضلاً عن الفضولي.

ثم إن المشهور بينهم جواز النظر إلى نساء أهل الذمة وظاهر العنوان يقتضي مفروغية جواز النظر إلى المشركات. أما النظر إلى نساء أهل الذمة فالدليل عليه :

الأول : أصالة البراءة عن حرمة النظر إلى الذميات بتقريب أن أدلة

ص: 37

حرمة النظر لاحترام المرأة والحفاظ على كرامتها ولا كرامة لغير المسلمة كما يظهر من خبر السكوني (1) . عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن. والرواية معتبرة فلا إطلاق لأدلة حرمة النظر بحيث يشمل الذميات .

الثاني : التعليل بأنهن بمنزلة الإماء وذلك إما بأنهنّ فيء للمسلمين كافة كالأرض الموات فإنها بالأصل ملك للإمام علیه السلام لكنه أباح تمليكها بالإحياء لكل من يحييها وقد ورد مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له. لكن يردّ عليه :

أولاً : إن قولهم إنهن بمنزلة الإماء لا يعني كونهنّ إماء بالفعل لأن المنزلة تفيد الإثنينية والمغايرة .

ثانياً : إن الذميّات لسنَ بالفعل إماء أو بمنزلتهن لأن مقتضى الذمام وهو الوثاق كونهنّ كالرجال الذميين تحت ذمة الإسلام وهذا يعني أن الذمة عبارة عن حفظ الدم والمال والعرض.

ثالثاً : لو سلّمنا أنهنَّ فيء للمسلمين بهذا المعنى إلا أن الفيئية لا تقتضي الملك بالفعل لأن ملك الذميّ والذميّة يحتاج إلى الاسترقاق .

رابعاً : إن الذميّة إذا كانت فيئاً للمسلمين فيه لهم كافة وحينئذٍ تكون كالأمة المشتركة لا يجوز التصرف فيها إلّا بإذن جميع الشركاء. نعم ورد في صحيح أبي ولاد - هم مماليك للإمام - وفي صحيح محمد بن مسلم (2) - إن

ص: 38


1- الوسائل، أبواب مقدمات النكاح، باب 112، ح 1، الكافي 5 : 1/524.
2- في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام إن أهل الكتاب مماليك للإمام علیه السلام، الكافي 11/358/5. وهو ما عبر عنه في الجواهر بصحيح محمد بن مسلم وتبعه السيد الأستاذ (قد) وهو اشتباه منهما فإن صاحب الحاشية في الجواهر وهو المحقق قال في الحاشية وهو صحيح أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام ج 29 من الجواهر ص 68 . وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر علیه السلام. . . لأن أهل الكتاب مماليك للإمام علیه السلام ألا ترى أنهم يؤدون الجزية . الوسائل، كتاب الطلاق، أبواب العدد باب 45 ح1 ، الكافي ج6 ص1/174 وأشار له في الجواهر المصدر السابق.

أهل الكتاب مماليك للإمام - إلا أن ذلك لا يوجب الملكية الفعلية للمسلمين كافة كما هو الظاهر .

الثالث : رواية السكوني عن أبي عبد الله علیه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن(1). والرواية معتبرة سنداً (2) . وأما الدلالة فإن معنى لا حرمة لا كرامة ثم علّق المعصوم الحكم بجواز النظر إلى شعورهن وأيديهن على ذلك والنظر إلى الشعور يستلزم النظر غالباً إلى الوجه ومن هنا لا نحتاج إلى القول بعدم الفصل لإثبات جواز النظر إلى الوجه. ولا يُقال إنّ هذا الكلام تخصيص بالنسبة إلى مورد الجواز لأنه لو كان النظر إلى أجسادهن جائزاً لكان الأولى التمثيل به فإن المصداق الأقوى أولى بالتمثيل من المصداق الأخفى وذلك لما ذكرنا من أن الوجه معتاد تعريته بخلاف غيره . فالعمدة في استفادة الإطلاق من كلمة لا حرمة ، اللهمَّ إلّا أن يُقال إن جملة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن مفسِّرة لعدم الحرمة فتنتفي الحرمة حينئذٍ عن حصة خاصة وهي النظر إلى الشعور والأيدي ولعله لهذا لم يفتِ المشهور بجواز النظر إلى غير هذه الموارد وإن كان الأظهر ما ذكرناه أولاً . والإشكال على السند بأن الراوي عن الإمام هو السكوني فقد ذكرنا أن الطائفة قد عملت بأخباره ولا يضر كونه عامياً بعد أن كان ثقة في نفسه وفي الصحيح عن أبي البختري (3) كما في قرب الإسناد - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال لا بأس بالنظر

ص: 39


1- الباب 112 من أبواب مقدمات النكاح ، ح 1 ، الوسائل، الكافي 1/524/5.
2- وإن كان في طريقها النوفلي فقد وثقه السيد الخوئي (قد) في المعجم.
3- الباب 112 من أبواب مقدمات النكاح ج2 الوسائل، قرب الإسناد 459. وقد عبّر السيد الأستاذ عن الرواية بالصحيح مع أن أبو البختري هو وهب بن وهب وقال عنه الرجاليون أنه أكذب البرية.

إلى رؤوس أهل الذمة وقال ينزل المسلمون على أهله الذمة في أسفارهم وحاجاتهم ولا ينزل المسلم على المسلم إلا بإذنه. وهذا الخبر، وإن جوّز النظر إلى رؤوسهنّ وسكت عن الأرجل والأيدي والصدور لكنه يمكن القول إنّ قوله علیه السلام ينزل المسلمون على أهل الذمة بمنزلة التعليل لجواز النظر لأنه بصدد بيان أمر واقعي لا تعبدي وهو أنهن غير ملتزمات بالحجاب والستر ولزوم الإذن. وعليه فلا حرمة في النظر لرؤوس الذميّات وهو ببركة ذيل الخبر مثال لما يكشف ولا يستر غالباً عندهنّ .

قال في العروة «والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهنّ على عدم ستره، نقول إن العادات بالنسبة إليهنّ لا تنضبط فإنها كانت وما زالت مختلفة جداً ونحن نرى اليوم أن العادة بالنسبة إلى نساء أهل الذمة وغيرهن جارية على عدم ستر أغلب أعضاء الجسد. لذلك قلنا إن المدار على ما يفهم من الروايات وهي مطلقة لم تخصص الحكم بالمعتاد كشفه ويؤكد هذا الإطلاق رواية قرب الإسناد لا بأس بالنظر إلى نساء أهل الذمة بجعل الرؤوس نسخة بدل (1) . وكيفما كان فلا وجه لهذا الاحتياط إلا التحفظ . وقد يلحق بهن نساء أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم وهو مشكل والدليل عليه ما رواه الكليني (قد) عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عباد بن صهيب قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج لأنهم إذا نُهوا لا ينتهون قال والمجنونة والمغلوبة على عقلها لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمد ذلك (2) . والرواية

ص: 40


1- في رواية قرب الإسناد المطبوع لم يشر إلى كلمة نساء وإنما ذكر كلمة رؤوس فقط، 459 قرب الإسناد. وكذا نقلها في الوسائل ولم نطلع على النسخة التي ادعى السيد الأستاذ أن فيها كلمة نساء.
2- وسائل، أبواب مقدمات النكاح، باب 113 ح 1، الكافي ج 1/524/5 .

معتبرة سنداً لهذا فإن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ثقة جليل . . . والحسن بن محبوب السراد من أصحاب الإجماع وعباد بن صهيب وإن كان عامياً لكنه ثقة كما عن النجاشي مضافاً إلى أنه لم يغمز في مذهبه فظاهره أنه كان إمامياً عدلاً نعم ذكر الشيخ (ره) أنه بتري إلا أنه وثقه أيضاً فهو إذن إما ثقة وإما موثق ويؤكد ذلك رواية الحسن بن محبوب عنه لأنه من أصحاب الإجماع الذين لا يروون إلّا عن ثقة فالسند تام سلم وأما الدلالة فنقول تهامة قرية من قرى مكة والأعراب سكان القرى والمزارع وأهل البوادي الرحّل والعلوج جمع علج وهو كما في لسان العرب يطلق على معانٍ مختلفة كالغليظ وكثير اللحية والكافر من العجم وحمار الوحش والمناسب من هذه المعاني الذين ليس لهم آداب أخلاقية اجتماعية بحيث يتحفظون على ستر وجوههن ورؤوسهن وصدورهن لذا قال السيد اليزدي من الأعراب وغيرهم حيث استفاد كغيره بل المشهور أنه لا فرق بين من ذكر في الرواية ومن شابههم في الوتيرة. ثم إنّ التعليل كافٍ في عدم فهم الخصوصية بالنسبة لمن ذكر في الرواية فضلاً عن كون العلة بما هي علّة تشكل كبرى خارجية غير تعبدية . فإن الظاهر منها أنها واردة لبيان أمر واقعي خارجي مشكوك فالأخذ بما تفيده العلة بحسب الصناعة وتعميم الحكم بالنسبة إلى غير أهل البوادي والقرى ممكن. هذا وقد استشكل صاحب الجواهر في الحكم بلحاظ أن العلة ظاهرة في أن المدار على عدم العسر والحرج وجوّز التردّد في الأسواق. إلا أنه تأويل في العلة لا شاهد عليه فالعلة في رفع الحظر عن النظر الهين أن هؤلاء لا يتقيدن بستر إذا نهين .

وقد علّق بعض الأعاظم على قول السيد اليزدي وهو مشكل بأن الإشكال لأجل ضعف الخبر وهذا منه بعيد إذ لم نرَ في الرجال من ضعف عباد وقد عرفت ما نقلناه عن النجاشي والشيخ مضافاً إلى أن رأي المتأخرين استقر على حجية الخبر الموثق كالصحيح نعم لو تعارض الموثق والصحيح

ص: 41

قدم الصحيح إلا أن المورد ليس من موارد التعارض. ولو بنينا على حجيّة الخبر الواحد لبناء العقلاء فالأمر سهل . . . نعم ربما كان الوجه في الإشكال أن النظر إلى المرأة وإن كان كذلك مرغوباً عنه شرعاً وإن كان مقتضى الصناعة جواز النظر إلى كل من لا يعتني بالحجاب من النساء. ولما ذكرنا لا موجب إلى ما ذهب إليه ابن إدريس والعلامة في المختلف من عدم جواز النظر إلى أمثال هؤلاء بل روى الكليني عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال : النظر إلى عورة مَن ليس بمسلم مثل النظر (مثل نظرك) إلى عورة الحمار (1) . وهذه الرواية وإن كانت مرسلة والإرسال بطبعه يقتضي عدم الحجيّة في الخبر إلا أن ابن أبي عمیر لا يرسل إلا عن ثقة ومشهور بينهم أن مراسليه كالمسانيد وأطرف ما رأينا في حقه ما ذكره المجلسي الأول في شرحه على الفقيه أنه بعد خمسين عاماً التفت إلى أحوال ابن أبي عمير بصورة تتعذر على غيره من حيث كمال دقته . وقد يُقال إنّ الرواية مهجورة حيث لم يعمل بها الأصحاب وقال المجلسي الأول إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) (2) ويفهم منه أن الله في مقام بيان تشريع الحكم وليس في مقام بيان نعمته على الإنسان وكلمة بني آدم عام يشمل المقام وأنت خبير إن هذا منه (قد) لكمال تورعه واحتياطه وإلا فلا ربط للآية بالتشريع مضافاً إلى أن خبر الواحد يخصص عموم الكتاب كما هو مختار المعظم وإن هجر الخبر من القوم فالإنصاف لم يصل إلى حدّ الإعراض الموهن لو قلنا إنّ الإعراض موهن لحجية الخبر الواحد فهي أيضاً شاهدة على أنه لا حرمة

ص: 42


1- الكافي ج 501/6/ ح 27، وسائل ج 2 أبواب آداب الحمام باب 6 ح1، وفي الفقيه روى الصدوق عن الصادق علیه السلام أنه قال إنما كره النظر إلى عورة المسلم فأما النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار. الفقيه / ج 63/1 / 236، وسائل ج2، الباب السابق ح2.
2- سورة الأعراف، الآية: 26 .

لغير المسلم فالنظر حتى إلى عورته كالنظر إلى عورة الحمار لكن الأحوط كما هو معلوم الوجه أن يترك النظر إلى غير ما أفتى به المشهور من الوجه وما أشبه .

ثم إن الفقهاء قيّدوا جواز النظر في موارده بعدم التلذذ وعدم الريبة . قال المحقق في الشرايع - ولا يجوز ذلك بتلذذ ولا بريبة. لكنهم اختلفوا في معنى الريبة فقال في كشف اللثام ما يخطر بالبال من النظر دون التلذذ وخوف الافتتان والظاهر منه أن مجرد خلجان الأمور الشهوية حرام تكليفاً مع أن هناك روايات كثيرة تدل على أن العزم على المعصية لا يكتب حتى الوسوسة في الخلق فكيف إذا كان خطوراً بالبال نعم التصور الشهوي الموجب لانحراف العقل والإنسان نحو الشهوات أمر مستقبح عقلاً. إلّا أن الدليل العقلي على حرمة مثل هذا الخطور غير موجود ولذا فسر الريبة بعضهم بخوف الافتتان وبعضهم الآخر كالعلّامة في التذكرة ذكر الثلاثة وفي الجواهر ما يخاف معه الوقوع في الحرام. ثم قال إنّ الأمر سهل بعد الحكم بالحرمة عند الأصحاب إلا أن الأمر ليس كذلك إذ لم نجد في رواية من الروايات أن الخطور بالبال أو خوف الفتنة حرام. فعمدة الدليل على الحرمة إذا كان النظر مقروناً بخوف الفتنة هو الإجماع وما يظهر من الأخبار من أن النظر سهم من سهام إبليس وما ورد في الخلوة مع الأجنبية من أن الشيطان ثالثهما وما ورد في تكرار النظر وأنه ليس للإنسان إلا النظرة الأولى إن لم نقل إنّ هذه الروايات والأمور واردة موارد الإرشاد إلى حكم العقل بقبح ذلك تحمل على أن اللازم على المؤمن الورع التحفظ على نفسه وأن لا يدخل فيما يوجب دخوله في المحرّم . وأما النظر إلى نساء أهل الذمة مع التلذذ فالدليل على حرمته الإجماع إن حصل وما رواه الكليني (قد) (1) عن

ص: 43


1- الكافي ج 5 ، ص 365 ح 5 ، الوسائل، أبواب مقدمات النكاح باب 36 ح 5.

العدة عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن الفضل عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله علیه السلام قال قلت أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً. وهذه الرواية من حيث السند مرسلة أولاً .

وثانياً : موردها المرأة المسلمة التي يريد تزويجها .

وثالثاً : أن يكون القيد ناظراً إلى القصد وأنه إرادة التزويج وهذا يعني مفهوماً أنه لا يجوز النظر مع انتفاء القيد ويمكن دعوى التسالم الفقهي على حرمة النظر بتلذذ إلى النساء اللاتي سبق جواز النظر إليهنّ وإلّا فالأخبار مطلقة وتدل على جواز النظر إلى نساء أهل الذمة أو تهامة أو البوادي مطلقاً بتلذذ أم لا بريبة أم لا نعم العقل يرشد إلى لزوم الاحتياط والورع عن المحرمات الشرعية ومقدماتها .

قال في الشرايع : (ويجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته شيخاً كان أو شاباً ، حسناً كان أو قبيحاً ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ وكذا المرأة).

بذلك أفتى المشهور من العلماء بل هو من الضروريات الدينية وعليه إجماع المسلمين في جميع الأعصار والأمصار كما ذكر في الجواهر بل السيرة جارية على جواز نظر كلٌّ إلى مثله ولم يرد منع من الشارع فلا حاجة للاستدلال على ذلك بما روي عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم مرسلاً من أن وفداً قدم على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وفيهم غلام حسن الوجه فأجلسه الرسول وراءه وكان ذلك بمرأى من الناس ولم يأمره بالاحتجاب عنهم .

وهذا ليس حجة لأنه نبوي لم يرد من طرقنا . وقيدوا الجواز بعدم التلذذ والريبة . قال صاحب الجواهر بحرمته إن كان كذلك وليس للناظر الاعتذار بأن النظر إلى الوجه الحسن من الغلام كالنظر إلى رسم جميل وذلك لأن

ص: 44

هذا من مكائد الشيطان ومصائده. وقد يُقال إن ارتكاز المتشرعة على عدم الجواز ومنشأ هذا الارتكاز فتاوى العلماء الفقهاء والإنصاف أن هذا ليس بدليل نعم إذا أريد منه السيرة العملية الممضاة أو الإجماع كان دليلاً . إذن لا دليل سمعي على حرمة هذا النظر .

ثم ذهب المشهور إلى جواز نظر المسلمة إلى الذمية والكافرة وبالعكس لكن الشيخ الطوسي والراوندي بل صاحب الحدائق وربما يميل إليهم كاشف اللثام ذهبوا إلى عدم جواز نظر الذمية إلى المسلمة حتى الوجه والكفين وعليه يجب على المسلمة التستر من الذمية والكافرة وذلك لأن قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) (1) . . . فإن الاستثناء لم يشمل الذمية وغيرها من الكافرات فيبقى عموم النهي عن الإبداء للذميات والكافرات على حاله ولكنك خبير بأن دعوى كون المراد من نسائهن خصوص المؤمنات عرية عن الشاهد والمحتملات في الشاهد المفترض كثيرة :

منها : ما قاله في الجواهر من أن المراد من يُماثلهن وهو شامل للمرأة المسلمة وغيرها. وقال بعضهم المراد من نسائهن الإماء والحرائر اللاتي في خدمة المسلمات وهذا أيضاً شامل لغير المسلمة ويحتمل أن يكون المراد من نسائهن الأخت والعمة والخالة . . . وإن كان هذا الاحتمال بعيد جداً . وكيفما كان فهي إما ظاهرة فيما قاله صاحب الجواهر وإما مجملة ومن المعلوم أن العام إذا حُفّ بخاص مجمل لا يكون حجة إلّا فيما هو الأعم من المحتملات أي الجامع للقيود. هذا وقد ورد في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله علیه السلام قال لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي

ص: 45


1- سورة النور، الآية : 31 .

اليهودية والنصرانية فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن (1) لكنه لا يكون دليلاً على وجوب التستر على المرأة المسلمة أمام اليهودية والنصرانية .

أولاً : إن لفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة وإن ذهب صاحب الحدائق إلى ظهورها في الحرمة.

ثانياً : إن الرواية معللة لترك الانكشاف بعلة استحسانية ويفهم منها أن اطلاع غير المسلم على محاسن المسلمة أمر مرغوب عنه ومستهجن وهذا ملاك يساعده الاعتبار العقلي.

ثالثاً : إنّ هذا يتم في مورد الوصف وهو وجود المحاسن فلو كان مظنة التوصيف ضعيفة كما لو كانت المسلمة غير حسنة فلا يتم. ولذا لم يفت جمهور الفقهاء بالحرمة فالأقوى أنه يجوز نظر الذمية إلى المسلمة وبالعكس.

قال في الشرائع : (وللرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطناً وظاهراً) بتلذذ أو بدونه حتى العورة على الأصح الموافق لفتوى المشهور بل المجمع عليه عند الأصحاب بل يجوز غير النظر من سائر الاستمتاعات لأن الزوجة معدّة لذلك. وعنوان هذا البحث من أجل تعميم الجواز إلى عورة الزوجة إذ إنّه قد ورد في بعض الروايات المنع من نظر الزوج إلى عورة زوجته حال الجماع ففي موثق سماعة (2) قال سألته عن الرجل ينظر إلى فرج المرأة وهو يجامعها؟ قال لا بأس إلا أنه يورث العمى. وفي الفقيه والعلل بإسناده عن أبي سعيد الخدري (3) في وصية النبي صلی الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام قال ولا ينظر أحد إلى فرج امرأته وليغض بصره عند الجماع فإنّ النظر إلى الفرج يورث العمى في

ص: 46


1- الوسائل باب 98 ح 1، كأبواب مقدمات النكاح، الكافي ج 5 ص 519 ح5.
2- الوسائل، باب 59/ح3، أبواب مقدمات النكاح . التهذيب ج 7 ص414/ ح1656 .
3- الوسائل، المصدر السابق ح5، الفقيه ج 3 ص 359 ح 1712 .

الولد. وموثق سماعة نص في الجواز حيث قال لا بأس ورواية أبي سعيد تعلل النهي عن النظر بأنه يورث العمى فالنظر بما هو جائز بل موثق اسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله علیه السلام في الرجل ينظر إلى امرأته وهي عريانة؟ قال لا بأس بذلك وهل اللذة إلّا ذلك وهذا الخبر في غاية الاعتبار من حيث السند (2) ووضوح الدلالة فإن النظر إلى جسد المرأة وهي عريانة شامل حتى للعورة والسؤال التقريري يوجب وصول ظهور الإطلاق للموثق إلى حدّ الصراحة بالنسبة إلى العورة لأنه إذا كان المراد في جواز النظر إليها حال كونها عارية هو اللذة فمن البديهي أن النظر إلى العورة حينئذٍ يكون ألذّ فالقول بالكراهة أيضاً قابل للمنع .

قال في الشرائع (وإلى المحارم ما عدا العورة) يجوز النظر إلى ما عدا العورة من المحارم من غير تلذذ وريبة وفي الجواهر بلا خلاف في شيء من ذلك بل هو من الضروريات وعن ظاهر التحرير ليس للمحرم التطلع على العورة والجسد عارياً ونقل في المستند عن ظاهر التنقيح المنع إلّا الثدي حال الإرضاع وعن ثالث جواز النظر إلى المحاسن خاصة وفسرها بمواضع الزينة. ويمكن الاستدلال للمنع عن النظر إلى غير الوجه والكفين والقدمين بما يظهر من روايتي (3) العلل وعقاب الأعمال الآتيتين الدالتين على حرمة النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج أو غيرهن . ورواية العلل عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز أن ينظر إليها قال نعم وترقق له الثياب لأنه يريد أن يشتريها بأغلى ثمن ص 500.

ص: 47


1- الوسائل، المصدر السابق ح1 ، الكافي 497/5 ح 6 ، التهذيب 7 ص 413 ح 1652 وقد عبر عنه السيد الأستاذ بالموثق مع العلم أن ابن أبي عمير يرويه عن رجل عن إسحاق بن عمار وهذا لا يكون كما ذكره إلّا بناءً على أن مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده وهو محل تأمل بل منع عند كثيرين.
2- قد عرفت أن هذا محل تأمل بل منع نعم لا إشكال في وضوح الدلالة.
3- العلل ص 500 .

بدعوى شمولها مفهوماً للمحارم لأنهن لا يمكن أن يتزوجهن المحرم . وصحيح هشام بن سالم (1) و حماد بن عثمان وحفص بن البختري كلهم عن أبي عبد الله علیه السلام قال لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها. وصحيح الحسن بن السري قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال نعم. لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ينظر إلى خلفها وإلى وجهها (2) .

يستدل على المسألة بمفهوم هاتين الصحيحتين وهو أن المفهوم المنطوق الجواز لمن يريد تزويجها عدم الجواز إلى الأجنبية التي لا يريد تزويجها بدعوى عموم من لا يريد تزويجها للمحارم . ويمكن الاستدلال بخبر ابن الجارود المروي في تفسير علي بن إبراهيم القمي في ذيل تفسير آية النهي عن إبداء الزينة من سورة النور عن أبي جعفر علیه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (3) فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار والزينة ثلاث زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج . . . أما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج وما دونه والخلخال وما أسفل منه (4) . . . الخ . .

بتقريب أن الزينة كناية عن موضع الزينة أو دالة بالالتزام عن موضع الزينة فتكون دالة بالحصر على المواضع الجائز النظر إليها وبمقتضى مفهوم الحصر تدل على المنع من النظر إلى الزائد عن تلك المواضع. ويمكن الاستدلال لهم بمعتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه علیه السلام قال لا بأس أن ينظر إلى شعر أمه أو أخته أو بنته (5) بتقريب أن مفهومه

ص: 48


1- رواية هشام، الوسائل، المصدر السابق باب 36 ح 2، الكافي ج 5 ص 365 ح2.
2- المصدر السابق ح3، الكافي ح3.
3- سورة النور، الآية: 3.
4- تفسير علي بن ابراهيم ج 2 ص 101.
5- أبواب مقدمات النكاح باب 104 ح7.

عدم جواز النظر إلى سائر الجسد. وأنت خبير بأن صحيحي هشام والحسن بن السري لا مفهوم لهما لأن الشرطية فيهما مسوقة لبيان تحقق الموضوع من قبيل أن رزقت ولداً فاتخذته فلا معنى لجعل عدم الحكم عند عدم الموضوع فإن من لا يريد تزويجها ليست محلاً للابتلاء . ثم لو قلنا بالمفهوم لهما قلنا إن الأجنبية على قسمين أجنبية يريد تزويجها وأخرى لا يريد تزويجها وحينئذٍ للرواية مفهوم لهذا المعنى لكن من يريد تزويجها إنما يجوز النظر إليها مع قابليتها للتزويج وإلا لكانت خارجة بالتخصيص بمعنى أنها لا تكون داخلة في المنطوق وما كان كذلك لا يمكن وقوعه في المفهوم لأن المفهوم ظل للمنطوق وهذا يعني أنه لا بدّ من التوافق في موضوعي القضية التي لها المفهوم. وأما خبري العلل وعقاب الأعمال فسيأتي الكلام في سندهما ولو صح السند فشمولها للمحارم أول الكلام لعدم إنسباق الأم والأخت والبنت وغيرها من المحارم إلى الذهن من دليل المنع عن النظر إلى الأجنبيات ولو سلمنا العموم لهن فهو مخصص بالنسبة إلى الشعر بمعتبره السكوني حيث يكون مرجع الضمير في قوله أو شيء من جسدها المرأة التي لا يجوز النظر إلى شعرها. وكذا قوله الشعور وما شافهها. فالإنصاف أنه لا يمكن الاستدلال بشيء من الأدلة على حرمة النظر إلى المحارم ولو بالنسبة إلى غير الأمور المرخص فيها. وعمدة الدليل على الجواز هو عدم وجود دليل معتدّ به على المنع وحينئذٍ تكفينا أصالة البراءة عن حرمة النظر إلى المحارم ما عدا العورة. مضافاً إلى وجود الدليل السمعي الاجتهادي على الجواز وهو ما ورد في جملة من النصوص الواردة في أبواب تغسيل الميت الدالة على جواز مباشرة تغسيل المحرم من محارمه رجلاً كان أم امرأة.

منها : صحيح منصور بن حازم قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها ؟ قال نعم وأمه وأخته ونحو هذا يلقي

ص: 49

على عورتها خرقة(1). وفي رسالة الصدوق نحوها يلقي على عورتها خرقة ويغسلها (2) . ونحوهما غيرهما من الروايات التي ذكرها في الوسائل باب 20 من أبواب غسل الميت ومن المعلوم حسب النصوص المتواترة وفتاوى الفقهاء كافة أنه لا فرق في جواز النظر وعدمه بين الميت والحي ومن هذه الروايات يفهم صراحة جواز النظر إلى ما عدا العورة من المحرم رجلاً كان أم امرأة . وقد قيد الفقهاء الجواز بعدم التلذّذ وعدم الريبة ومن المعلوم أنه لا يمكن الاجتراء على مخالفة المشهور فقولهم أحوط وفي باب الفروج أحفظ .

ثم لو اشتبهت الأجنبية بغيرها فإن كانت الشبهة محصورة وجب اجتناب النظر إلى الجميع بمنجزية العلم الإجمالي عقلاً باجتناب جميع المصاديق القابلة لانطباق الحرام عليها . وإن كانت الشبهة غير محصورة فإذا كان من يجوز النظر إليه محصوراً ومشتبه بعدد غير محصور من الأجنبيات مثلاً لو كان عندنا خمسون امرأة معظمها أجنبي وقليل منها محارم وجب الاجتناب أيضاً عن النظر إلى الخمسين وأما العكس بأن كان عدد الأجنبيات محصوراً ومن يجوز النظر إليهن غير محصور مثلاً لو كان عدد الأجنبيات عشراً والمحارم مائة فلا يجب الاجتناب عن الجميع لكن بشرط تفسير غير المحصور بما فسرناه به في محله من أنه عبارة عن عدم انضباط دائرة العلم الإجمالي فلو لم تكن دائرة العلم الإجمالي مضبوطة محصورة لم يجب الاجتناب عن جميع الأطراف لعدم تنجز العلم الإجمالي بالنسبة لكل مورد.

ولما كان العلم الإجمالي منجزاً للتكليف فيما لو كانت أطرافه

ص: 50


1- أبواب تغسيل الميت باب 20 ح 6 الوسائل ح 1 + ح 2، الكافي ج 8/158/3، التهذيب ج1 ص439 ح 1418 ، والاستبصار . . . الفقيه ج1 433/94 .
2- أبواب تغسيل الميت باب 20 ح 6 الوسائل ح1 + ح2، الكافي ج 8/158/3، التهذيب ج1 ص439 ح 1418 ، والاستبصار . . . الفقيه ج1 433/94 .

محصورة تحريماً بالاجتناب ووجوباً بالإتيان بكل الأطراف . . . وأما لو كانت الأطراف غير محصورة فلا تنجيز له اجتناباً أو إتياناً في الشبهة التحريمية أو الشبهة الوجوبية لكنهم اختلفوا في تحديد الشبهة غير المحصورة فقال بعضهم المراد من غير المحصورة العدد الكثير كاشتباه الواحد في ضمن الألف ولما كان هذا التعريف شاملاً لما إذا كان الألف قابلاً لصيرورته تحت الابتلاء كحبة حنطة نجسة أو مغصوبة في ضمن ألف حبة عدل بعضهم إلى إرجاع معرفة المحصور من غير المحصور إلى العرف لأنه لم يرد له تحديد شرعي فقال الشبهة غير المحصورة ما كانت أطرافها غير منضبطة تحت دائرة العلم الإجمالي وهذا التعريف وإن كان بصدق مع كثرة العدد غالباً إلا أن الكثرة بما هي ليست مقدمة له وعليه فإذا اشتبهت أجنبية فيما لا يحصى من جهة دائرة العلم الإجمالي فلا بأس بالنظر إلى أطراف هذا العلم كما أنه إذا اشتبهت ذات محرم كالعمة نسباً أو رضاعاً بين عدد غير محصور بهذا المعنى صح النكاح في أطراف هذا العلم وهذه الشبهة بمعنى عدم وجوب اجتناب جميع الأطراف لكون الشبهة غير محصورة . نعم اختلفوا في مقدار الجواز ذهب السيد الداماد في رضاعيته إلى جواز نكاح ما شاء منهن إلى أن يبقى عدد محصور فيثبت المنع ونقل المحقق في شرح القواعد احتمال الجواز إلى أن يبقى واحدة استصحاباً لما كان ولأن الاشتباه في المجموع وهو عندي غير ثابت لبقاء الالتباس فيما بقي مع محصورية العدد . ويذكر صاحب الجواهر عن المحقق الكركي هذا القول بهذه العبارة «له تكرار النكاح بعد الطلاق إلا إذا أفحش فإن فيه تردداً» المنع قريب مع احتمال الجواز إلى أن تبقى واحدة استصحاباً لما كان ولأن الاشتباه في المجموع . فيظهر من عبارة هؤلاء الأعاظم بأن للشخص في موارد الشبهة غير المحصورة من ذات محرم أن يتزوج بأي واحدة إلى أن يبقى عدد محصور أي ينقلب مورد الاحتمال إلى المحصور ويستوحشون من

ص: 51

فتوى المحقق الكركي من احتمال الجواز إلى أن تبقى واحدة فيستشكل السيد الداماد عليه بأنه غير سائغ لبقاء الالتباس فيما بقي مع محصورية العدد. فنقول لو كان العلم الإجمالي بوجود ذات محرم موجوداً في العدد المحصور بعد التزويج من غير هذا العدد فالأمر كما ذكره من لزوم الاجتناب لكن هذا خلاف فرض عدم تشكيل العلم الإجمالي في المحصور وإن لم يبق العلم الإجمالي كما هو المفروض فمجرد احتمال ذات محرم في المحصور لا يكفي في تنجز المعلوم بالإجمال . فهو نظير بعض أطراف العلم الإجمالي المتشكل بين ما هو مورد لمحل الابتلاء وما هو خارج عن مورد الابتلاء حيث إنّ احتمال الحرمة بالنسبة إلى الطرف المبتلى به موجود لكن لا أثر له لأنه كالشبهة البدوية فإن العلم الإجمالي بالنسبة لذاته لا يؤثر وإنما التأثير بالنسبة للمعلوم وهو التكليف وإذا لم يتعلق التكليف في الشخص لا ينجز في حقه. نعم لو قلنا في باب النكاح بأحد أمرين على سبيل منع الخلو لصح ما ذكر من لزوم الاجتناب في العدد المحصور الباقي وهما :

الأول : أن يحتاج جواز التزويج إلى إحراز القابلية مسبقاً بمعنى أن الشارع قسم النساء إلى محرم وأجنبية وكل منهما عنوان وجودي لا بد من إحرازه في مورد النكاح وإذا كانت الشبهة غير محصورة أمكن القول بتحقق هذا العنوان - كونها أجنبية - لكثرة الأجنبيات حينئذٍ وعند صيرورة العدد الباقي محصوراً واحتمل وجود المحرم بينهن لزم إحراز أجنبية المرأة كي يجوز تزويجها . لكن هذا الأمر لم يثبت شرعاً فإن الأصل الأولي أن يتحقق الزواج بين رجل وامرأة غير معنونة بأي عنوان (كما هو الحال بالنسبة إلى الرجل أيضاً) مانع من العناوين الطارئة الموجبة للحرمة كعنوان أخت أو أم أو بنت . . . كما في عنوان أخ أو أب أو ابن ... وهذه العناوين لا يفرق فيها بين نسبية أو رضاعية أو مصاهرة كما سنشير إلى ذلك إن شاء الله .

ص: 52

فالغرض أن ما يوجب تحريم النكاح أمر عرضي وأما جواز النكاح فموضوعه ذات المرأة بما هي مرأة .

الثاني : أصالة الحرمة في النكاح حيث إنهم يقولون بجريانها في الأموال والنساء والدماء ولما ورد من لزوم الاحتياط في هذه الأمور وقد ذكرنا في ذلك المقام أنه ما المراد من أصالة الاحتياط أو الحرمة؟ فإذا كان المراد الاحتياط الوجوبي فلا بدّ له من مدرك نعم مطلق الرجحان عقلاً بالنسبة لمحتمل الحرمة أمر ضروري عند كل ذي وجدان سليم وقد ورد عن الإمام علي علیه السلام أترك ما لا بأس به حذراً عمّا به البأس . وإن كان المراد من أصالة الحرمة أو الاحتياط في الفروج لزوم إحراز العنوان فقد ذكرنا أنه لم يثبت من الأدلة كونه معلقاً على غير عنوان المرأة .

فإن قلت : إنا نستكشف من أدلة تحريم ذوات النسب والرضاع والمصاهة عنوان أن تكون المرأة غير محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا بدّ من إحرازه .

قلت : العنوانات أو العناوين المسماة بالمعدولة - كما في المقام - لا معنون لها خارجاً بل هي انتزاعات عقلية فإذا قلت زيد عالم غير فاسق لم يكن لمعنون غير فاسق مطابق في الخارج فلا بدّ من أن يكون منتزعاً من العلم والخلو من الفسق أو عنواناً مشيراً إلى عدم صدور الفسق من هذا المعنون بالعالم. وبذلك أجبنا عن شبهة النائيني (قد) في استصحاب العدم الأزلي حيث يقول إنّه لا يوجب اتصاف الموضوع بعنوان نعتي فاستصحاب عدم فسق زيد لا يستلزم استلزام زيد كونه غير فاسق. فهذه الأوصاف هي إما انتزاعات وإما إشارات إلى خلوّ الموضوع من عنوان وجودي. وملخّص الكلام أنه لم يثبت لزوم إحراز العنوان الوجودي في المرأة لصحة نكاحها كما ذهب إليه أو احتمله مع ترجيح ما صاحب الجواهر في هذا المقام .

ص: 53

ومن هنا يظهر حكم الخنثى المشكل وهو من كان مبتلى بالصنفين فيكون بالنسبة إلى كل صنف نظير ما يخالف هذا الصنف فهو مع الأنثى كالذكر ومع الذكر كالأنثى وذلك لتشكل العلم الإجمالي فإذا حضر في مجلس مع الرجال والنساء يعلم إجمالاً بحرمة نظره إلى هذه الطائفة أو تلك الطائفة. وأما إذا لم يكن الصنفان مورداً لابتلائه فلا يتشكل في حقه العلم الإجمالي الموجب لتنجز التكليف .

قال في الشرائع (ولا ينظر الرجل إلى الأجنبية إلّا لضرورة).

المشهور بين الفقهاء جواز النظر إلى الوجه والكفين من الأجنبية بدون تلذذ وريبة وأضاف آخرون القدمين واستثنى بعض هؤلاء من القدمين باطنهما كل هذا مع التسالم على حرمة النظر ولو من دون تلذذ إلى الشعر أو شيء من الجسد فهنا مقامان:

الأول : حرمة النظر إلى الأجنبية والدليل عليه السيرة المستمرة إلى زمن المعصومين علیهم السلام بل هو من الضروريات في الدين وحيث نرى استغناء الفقيه عن الاستدلال عليه بالكتاب والسنّة بالضرورة لكن لا بدّ من النظر إلى ظهور الروايات فإن كلاً من السيرة والضرورة مستند إلى الكتاب والسنة خاصة وأن الظاهر بالوجدان اختلاف النساء في مختلف البلاد ولو في زمن المعصومين علیهم السلام فنقول استدل الفقهاء على حرمة النظر إلى الأجنبية بالكتاب والسنة .

أما الكتاب: فآية الغض وهي قوله تعالى في سورة النور الآية 30 و31، قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وتقريب الاستدلال بها أن الله سبحانه أمر بغض البصر مطلقاً والأمر دال على الوجوب وحذف

ص: 54

المتعلق يفيد العموم خرج منه ما خرج بالأدلة المخصصة وبقي الباقي تحت العموم ويؤيد هذا ما ورد في سبب نزول الآية المباركة كما في رواية الكافي (1) بسنده إلى سعد الاسكاف عن أبي جعفر علیه السلام قال استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال والله لآتين رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و لأخبرنه، فأتاه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرائيل علیه السلام بهذه الآية (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (2) والأمر الوارد فيها أمر بترك النظر إلى الأجنبية مطلقاً كما يُستفاد بمساعدة مورد النزول . لكن قد يشكل على دلالتها .

أولاً : إنّه قد ورد في جملة من الروايات أن كل آية في القرآن ورد فيها ذكر الفرج فهو كناية عن الزنا إلّا هذه الآية فإنها واردة في مورد النظر إلى الفرج ولم يعلم أن نظر الشاب الأنصاري إلى أي عضو كان من جسد تلك المرأة لأن الرواية تنص على أنها لما جازت جعل ينظر خلفها .

ثانياً : إنّ الرواية ضعيفة بسعد الاسكاف إذ إنّه لم يوثق في الرجال(3).

ثالثاً : إن الغضّ ليس مساوقاً مفهوماً لترك النظر .

رابعاً : إن قوله تعالى في الآية ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهمْ﴾ ناظر إلى صفة نفسانية

ص: 55


1- الكافي 5/531/50 ، الوسائل أبواب مقدمات النكاح باب 104 ح4.
2- سورة النور، الآية: 30.
3- سعد الاسكاف ورد في جامع الرواة ومعجم رجال الحديث أن سعد الاسكاف هو سعد الخفاف وهو سعد بن طريف ونقل الأردبيلي مدح الكشي له كما قال الشيخ الطوسي في سعد بن طريف أنه صحيح الحديث ولذا استظهر السيد الخوئي (قد) وثاقته كما في المعجم وإن كان النجاشي قال يعرف وينكر . . .

حسنة وهي تزكية النفس عن التورط في المهالك وحينئذٍ: لا يكون الأمر بالغض ظاهراً في الوجوب التعبدي (1) .

وأما السنة فهي طوائف مختلفة الطائفة .

الطائفة الأولى : رواية (2) جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال لعن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم رجلاً ينظر إلى فرج امرأة لا تحل له . . . يظهر منها حرمة النظر إلى عورة الأجنبية وهو مما لا إشكال فيه . ولكنها ضعيفة السند بالإرسال وغيره وقد سبق ورود بعض الروايات المصرحة بأنّ النظر إلى عورة غير المسلم كالنظر إلى عورة الحمار ولا بأس بها إن لم يكن معرضاً عنها عند الأصحاب .

الطائفة الثانية : رواية عقبة بن خالد (3) عن أبي عبد الله علیه السلام قال سمعته يقول النظرة سهم من سهام إبليس مسموم وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة ومثلها روايته الأخرى (4) قال قال أبو عبد الله علیه السلام النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها لله عزّ وجلّ لا لغيره أعقبه الله أمناً وإيماناً يجد طعمه . ورواية الكاهلي (5) قال قال أبو عبد الله علیه السلام النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة . إلّا أن هذه الأخبار أغلبها ضعيف السند - الأولى والثانية روايتا عقبة - والأخيرة صحيحة السند لكن لم يعلم منها المولوية والتعبد من الشارع كما لم يفهم منها أن النظر يتحفظ منه لذاته أو لكونه مدخلاً للزنا .

ص: 56


1- وهذا يعني بقرينة التزكية للنفس يكون طلب الغض إرشادياً وليس مولوياً.
2- أبواب مقدمات النكاح باب 104 ح3، الكافي ج 5 ص 14/559 بسند آخر، التهذيب أبواب آداب القاضي باب 8 ح5.
3- الكافي ج5 ص559 ح12 ، الوسائل، المصدر السابق ح1.
4- الفقيه ج4 : 2/11 ، الوسائل المصدر السابق ح5.
5- الفقيه ج4 : 3/11 ، الوسائل المصدر السابق ح6 .

الطائفة الثالثة : رواية محمد (1) بن سنان عن الرضا علیه السلام- كما في العلل وعيون الأخبار فيما كتبه إليه من جواب مسائله وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال الخ. . . وقد أوردها الشيخ الصدوق بأسانيد متعددة حيث ينقلها عن جماعة (2) من مشايخ إجازته وهم وإن ورد توثيقهم في كتب الرجال لكن رواية الشيخ الصدوق عنهم مترحماً عليهم ومترضياً عنهم يكشف عن اعتماده عليهم بل قد يقال إنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى توثيق وتحقيق الأمر موكول إلى محله . بل ما نحن فيه حيث يزيد بكثرة الطرق يكون موجباً للاطمئنان بصدوره لكن هذه الرواية من حيث دلالتها على حرمة النظر إلى الشعر فهي لا تدل على حرمة النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها اللهم إلّا أن يقال إذا حرم النظر إلى الشعر حرم النظر إلى غيره بطريق أولى . وفي رواية (3) عقاب الأعمال عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال من أطلعَ في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات النساء في الدنيا . . إلخ . . . إلى أن يقول ومن ملأ عينيه من امرأةٍ حراماً حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار وحشاهما ناراً حتى يقضي بين الناس ثم يؤمر به إلى النار . وهذه الرواية سندها يصعب القول باعتباره والرواية وردت في خطبة طويلة للنبي صلى الله عليه و آله و سلم ذكرها في عقاب الأعمال بطولها ومنها هذه الفقرة . وتدل على حرمة النظر إلى عورة الرجل وشعر المرأة الأجنبية طبعاً وعلى حرمة إملاء العينين من امرأة حراماً والتطلع المذكور

ص: 57


1- الوسائل المصدر السابق ح12.
2- الكلام في وثاقة مشايخ الإجازة أو كفاية الترحم والترضي في التوثيق لا يقول به كثير من الرجالين كما لا نقول به ونؤيد ما ذكره السيد الخوئي (قده) فيها في مقدمة المعجم من المناقشة.
3- الوسائل المصدر السابق ح16 ، عقاب الأعمال 332.

في الرواية خيانة واضحة للجار لذا يدخله الله النار مع المنافقين وملء العين يُراد به إشباع النظر وكيف كان فالرواية ضعيفة السند و من هذه الطائفة صحيح هشام بن سالم وصحيح الحسن بن السري المتقدمين الدالين على جواز النظر إلى وجه ومعاصم وخلف من يريد تزويجها فيفهم منهما عدم جواز النظر إلى من لا يريد تزويجها لكن الإشكال فيهما في كلمة لا بأس.

أولاً : إن مفهومها فيه البأس وهذا غير ظاهر في الحرمة وإن ذهب إليه صاحب الحدائق لكن يخالفه الظهور العرفي العام.

ثانياً : إنه وردت نصوص دلّت على جواز النظر إلى وجه الأجنبية وإن لم يرد تزويجها وطبعاً المنطوق الدال على الجواز أقوى من المفهوم من كلمة فيه البأس مع أن الصحيحين مشتملان على لفظ الوجه الذي نفى عنه البأس منطوقاً فيهما فلا بدّ من حمل النظر بقرينة تلك الروايات على النظر المستمر. نعم في قرب الإسناد بسند صحيح أعلائي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا علیه السلام قال سألته عن الرجل يحل أن ينظر إلى . . . . قال لا . . . لكن هذا الصحيح وارد في الشعر أيضاً وتعميم الحكم إلى غير الشعر يحتاج إلى الفحوى والأولوية.

ويظهر من الأخبار الواردة في تغسيل الميت اشتراط المماثلة في الذكورة والأنوثة بين الغاسل والميت فتكون هذه الأخبار ظاهرة في حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية فإن حرمة الميت المسلم كحرمة الحي ومن هذه الأخبار صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء؟ قال تدفن كما هي بثيابها . ويفهم منه أن مفسدة النظر عند الشارع أعظم من مصلحة التغسيل. وفي

ص: 58


1- الفقيه ج1 ص95 ح435، الوسائل أبواب غسل الميت باب 21 ح1.

صحيح (1) عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألته عن امرأة ماتت مع رجال؟ قال تلفّ . وفي صحيح (2) المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم ولا تمس ولا يكشف شيء من محاسنها التي أمر الله بسترها قلت فكيف يصنع بها؟ قال يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها . وفي السند البزنطي. ثم إنّ كلمة ما أشبه الشعور في معتبر العلل عبارة عن محاسن المرأة وجسدها فإن غير الشعر من المحاسن تهييجه أكثر فيرتفع الإشكال بأن الخبر دالّ على الحرمة في الشعر فقط . ويظهر من هذه الأخبار الواردة في تغسيل الميت جواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها ظهراً وبطناً كما يفهم أن تغسيل الميت في هذه الصورة قابل للتبعيض إلّا إذا حمل التغسيل المذكور على إزالة الوسخ والقذارة عن تلك المواضع وحينئذٍ لا يكون هذا الغسل رافعاً للحدث الحاصل بالموت . وقد يتوهّم أن قول الإمام علیه السلام في معتبر العلل - لما فيه من تهييج الرجال إلى ما فيه الفساد - إن حرمة النظر طريقية فلو لم يكن فيه احتمال الزنا لم يكن فيه الحرمة لأن الرواية حرمت النظر لما فيه من تهييج الرجال نحو الفساد. مضافاً إلى ما ورد في صحيح (3) علي بن سويد المروي في الكافي في باب الزاني قال قلت لأبي الحسن علیه السلام إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال لي يا علي لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق وإياك والزنا فإنه

ص: 59


1- التهذيب ح1 ص441 - 1425 ، الوسائل أبواب غسل الميت باب 21 ح3.
2- التهذيب ج1 ص442 ح1429 ، الوسائل أبواب غسل الميت باب 22 ح1. قد صحح السيد الأستاذ السند باعتبار أن فيه البزنطي ولكن هذا يصح بناءً على تصحيح ما يصح عنه أو أنه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة ولكن الصحيح أن عبد الرحمن بن سالم الذي يروي عنه البزنطي ضعفه الرجاليون.
3- الكافي ج5 ص542/ ح6 .

يمحق البركة ويهلك الدين فيفهم منه أن النظر إلى الأجنبية خالياً عن الخوف من الوقوع في الزنا ليس بحرام. وما ورد في رواية العلل من التعليل وإن كان ظاهره بيان علة الحكم لكنه في الحقيقة من بيان الحكمة وليس العلة وهو مثل ما ورد في بيان علة عدم قضاء الصلاة على الحائض ووجوب قضاء الصوم حيث قال علیه السلام إن أول من قاس إبليس وما هو إلا توطين نفس السائل لقبول الحكم من دون تحسس من العلة ومع ذلك فقد وردت حكم كثيرة في الفرق بين قضاء الصوم وقضاء الصلاة على الحائض.

منها : تكرر الصلاة كل يوم وعدم تكرر الصوم.

ومنها : إن وجوب قضاء الصلاة عليها فيه المشقة بخلاف قضاء الصوم فالحكم في صحيح علي بن سويد مطلق كما يبدو لأول نظرة حيث يرفع البأس من النظر إلى المرأة الجميلة وإن كان مقروناً بالإعجاب ولذا قال في الجواهر أن المراد من هذا الصحيح - أني مبتلى من حيث صناعتي - ككونه طبيباً مثلاً وليس المقصود أن الناظر كان عمدياً منه فيعجبه جمالها فيرخص له الإمام في ذلك ثم يعقّب بقوله إياك والزنا زنا العين. وهذا منه تأويل لظاهر الدليل بدون شاهد إلا الاحتياط في الفروج لأن ظاهر الابتلاء بحسب الأشغال العامة بل غيرها كما يمكن أن يقال إنّ الظاهر من الابتلاء الابتلاءُ بحسب قلبه إذ قوله يعجبني ظاهر في الإعجاب حال النظر وكيف كان فإن صاحب الجواهر أول هذا الصحيح وقد تعجب منه المحقق الأنصاري والصحيح لا بدّ من حمله في المقام إما على موارد الضرورة وإما أن يجعل قرينه على حرمة النظر الطريقية . لكن كلا الأمرين ربما كان على خلاف التسالم العرفي وعلى خلاف ظاهر النصوص فإن النظر بما هو حرام خصوصاً ما ورد في أخبار تغسيل الميت. وقد روى (1) عبد الله بن جعفر الحميري في کتاب قرب الإسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال سمعت جعفراً

ص: 60


1- الوسائل باب 109 من أبواب مقدمات النكاح ح5، قرب الإسناد 270.

وسُئل عما تظهر المرأة من زينتها؟ قال الوجه والكفين والرواية صحيحة لتوثيق النجاشي . كلٌّ من هارون بن مسلم ومسعدة بن زياد . وفي قرب الإسناد (1) أيضاً في مسائل علي بن جعفر وسألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال الوجه والكف وموضع السوار.

ومسائل علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام مشهورة عند الفقهاء كافة وإن لم تطبع مستقلة إلّا في الأزمنة المتأخرة ويظهر من الكشي والنجاشي وغيرهما أنها كانت معروفة وللمشايخ الثلاثة والنجاشي أسانيد مختلفة إلى علي بن جعفر أخي الإمام موسى علیه السلام العريضي الثقة الجليل لكن الحميري الجامع لقرب الإسناد التفت إلى نكتة لم يسبه إليها أحد وهي جمع متون الأخبار في أسانيد قريبة الاتصال بالمعصوم علیه السلام ولذا ألّف كتابه إلى صاحب الأمر والرضا والكاظم علیه السلام بأسانيد قليلة الوسائط مثلاً مسائل علي بن جعفر التي رواها كثيرون أسانيدها في كتبهم مشتملة على خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك من الوسائط بينما يرويها الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر وعبد الله بن الحسن هذا هو حفيد علي بن جعفر ولم يذكر في كتب الرجال بعنوانه ومستقلاً لذا ربما يتخيل المتتبع غير الفاحص أنه مهمل حيث لا يراه في الباب المعد لذكر الرجال بعنوان عبد الله لكنه مذكور في طي ذكر عبد الله بن جعفر جامع قرب الإسناد مثلاً فیفهم (2) الفاحص أن الحميري اختار حفيد علي بن جعفر عبد الله بن الحسن

ص: 61


1- قرب الإسناد 890 .
2- لم يذكر عبد الله بن الحسن في كتب الرجال بعنوانه وإنما ذكر مرة في طريق النجاشي إلى علي بن جعفر حيث قال: وأخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر بن محمد قال: حدثنا علي بن جعفر وذكر غير المبوب. أي من مسائل علي بن جعفر. ولم يذكر أيضاً كتب الرجال ضمن ما ذكروه عن عبد الله بن جعفر الحميري حيث لم يرد له ذكر في غير ما أشرنا إليه، رجال النجاشي ولم يرد فيه توثيق أو مدح . . في أي من كتب الرجال. إلا في ذلك الطريق الآنف الذكر.

ليروي عنه مسائله عن أخيه الكاظم علیه السلام ومن المعلوم أن عبد الله هذا يكون شیخ نشر بالنسبة إلى هذه المسائل فقط فهو يروي مسائل جده عن موسى بن جعفر علیه السلام ولذا يعتني العلماء بها ويعبرون عن هذا السند تارة بالصحيح وأخرى بالمعتبر والصحيح هو الثاني للقرائن الكثيرة الدالة على توثيقه وفي الخبر المروي نرى بوضوح أن الوجه والكف وموضع السوار خارج عما لا يصلح للرجل أن ينظر إليه ويبقى غيرها داخلاً في مفهوم ما لا يصلح النظر إليه والمعنى أنه لا يصلح للرجل أن ينظر إلى غير هذه المواضع على أشكال في موضع السوار وسنشير إليه . وأما ما يقال من أن لفظ يصلح وما لا يصلح ليسا بظاهرين في الحل والحرمة لأن التعبير بيصلح شامل للمستحبات وما لا يصلح شامل للمكروهات فنقول إن هذا التعبير بسبب لحن كلام علي بن جعفر بالنسبة إلى الأمور المحللة والمحرمة ولذا لا يمكن النقاش في أن كلمة لا يصلح المستفادة بالمفهوم لا تدل على الحرمة .

ثم إنّه لم نجد في الأخبار المجوّزة للنظر إلى الوجه والكفين من الأجنبية ما تضمن استثناء القدمين إلا مرسلة مروك بن عبيد عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله علیه السلام قال قلت له ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال الوجه والكفان والقدمان (1) . لكنها ضعيفة والمشهور لم يستثنهما من حرمة النظر. وقد يدعى أن أدلة حرمة النظر قاصرة عن شمول القدمين لأن أوسع وأطول لباس للمرأة كان الجلباب وقد اختلف في تفسيره وآخر حدّ لطوله ما يصل إلى القدمين فستر الجلباب للقدم لو لم يكن معلوم العدم فلا أقل من عدم كونه معلوماً ولذا أفتوا في الصلاة بجواز انكشاف ظهر القدم ولم يعلم وجوب تستر المرأة عن الأجنبي بأزيد مما تتستر به في صلاتها وكذا الملحفة فإنه لم يعلم شمولها للقدمين. وحينئذٍ يكون النظر إلى القدمين

ص: 62


1- الوسائل باب 109 من أبواب مقدمات النكاح ح2 ، الكافي ج 5 ص 521 ح2، الخصال 78/302.

مشمولاً لأصالة البراءة إلّا أن يقال إن هذا خروج عما تسالمت عليه كلمات الأصحاب من وجوب سترهما عليها وحرمة نظر الرجال الأجانب إليهما . ثم إنّه ذهب العلامة في التذكرة وغيره في غيرها إلى عدم جواز النظر إلى الأجنبية مطلقاً وإن كان بدون ريبة حتى الوجه والكفين وبالغ صاحب الجواهر في تشييد هذا الأمر مستدلاً عليه بأمور :

الأول : إطلاق آية الغض فإن حذف المتعلق يفيد العموم.

وفيه : إنّه لا إطلاق لها كما ذكرنا سابقاً إما لكونها ظاهرة في حفظ الفرج عن النظر وإما لإجمال الآية من حيث متعلق النظر وإن من جهة إجمال الغض وعدم فهم ترك النظر من غض البصر .

الثاني : معلومية كون المرأة عورة. وهذا الدليل لا يخرج عن المصادرة من حيث الموضوع والحكم معاً. أما الأول فلم يعلم كون المرأة بجميع أبعاد بدنها عورة وأما الثاني فلم يعلم وجوب ستر جميع بدنها من الأدلة بل هذا عين المتنازع فيه وما نقل عن كنز العرفان من إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة لا يزيد على دعوى شخص واحد الإجماع. والإجماع لو كان محصلاً واحتمل كونه عن مدرك لم يكن حجة فضلاً عن المنقول ولا سيما إذا لم يكن النقل مستفيضاً .

الثالث : إشعار آية الحجاب .

وفيه أن معنى الجلباب مختلف فيه عند اللغويين ولم يعلم كونه ما يستر جميع البدن من القرن إلى القدم وأما الرخصة في وضعه للقواعد من النساء فلا يفيد عدم الرخصة بالنسبة إلى غيرهن إذ الرخصة للقواعد أوسع.

الرابع : سيرة المتدينين .

وفيه أنها غير عامة لجميع المتدينين في جميع الأعصار والأمصار ثم

ص: 63

إنها إما مأخوذة من فتاوى العلماء لو سلمنا تحققها حتى بالنسبة إلى الوجه والكفين وإما لكرامة النساء حيث إنّ التحفظ على العفاف أمر ارتكازي لهذا الصنف والتحفظ يستلزم التحجب مهما تيسر ولذا يوجد في النساء من تتحجب عن محارمها. ومن الغريب قوله إن التطلع إلى وجوه النساء المتسترات لعله من المنكرات في دين الإسلام إذ لم يعلم المراد من التطلع وإنه هل هو النظر من دون ريبة وخوف الافتتان وتكراره مثلاً أم هو أضيق مفهوماً من هذا لأن التطلع من حيث التبادر العرفي عبارة عن التجسس والتوسم وهو قبيح عند العقلاء كافة حتى إنّ السافرة تتجنّب تطلّع الرجل إليها فاستنكاره للتطلع المنكر لا يدل على وجود دليل على حرمة النظر إلى وجه وكفّي الأجنبية.

الخامس : ما ورد في الكافي من أن النظر زنا العين وقد مضى ضعف السند والدلالة لتلك الأخبار .

السادس : ما ورد في مكاتبة محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إلى الفقيه علیه السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر؟ ... فوقع علیه السلام تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء الله (1). لكن هذا الأمر إرشادي إلى حفظ كرامة المرأة المحتشمة من البروز بين يدي الشهود وإرشاد إلى إمكان تحقق الشهادة ولو مع النقاب أضف إلى ذلك أن النقاب لم يعلم كونه ساتراً للوجه بل لعله لو كان ساتراً لجميع الوجه لخالف الشهادة ولو سلمنا إشعار المكاتبة بذلك فإنها لا تعارض النصوص الصريحة المرخصة بالنظر إلى الوجه والكفين من الأجنبية .

السابع : رواية سعد الاسكاف الواردة في قضية الشاب الأنصاري وقد مرّ ضعفها سنداً ودلالةً.

ص: 64


1- التهذيب ج6 ص 255 ح666 والاستبصار ج3 ص19 ح58 ، الوسائل كتاب الشهادات باب 43 ح2.

الثامن : مناسبة حرمة النظر مع عدم الوقوع في الزنا ولذا كان علي علیه السلام يكره السلام على الشابات. ولكن هذا استحسان لا نقول به فإن سنّ القانون إنما هو بيد صاحب القانون.

التاسع : إن ما ورد في استثناء الوجه والكفين من حرمة النظر ضعيف سنداً ودلالة وجملة منها مختلفة من حيث مورد الاستثناء وغير دالة على جواز النظر إلى الوجه والكفين . إذ يمكن القول إنّ الشارع أجاز للمرأة أن تظهر زينتها الخاصة بالوجه والكفين دفعاً للعسر والحرج ولم يرخص للرجال النظر إلى مواضع الزينة .

وفيه : إنّ جملة دامغة من تلك الأخبار معتبرة سنداً وفيها تنصيص على حلّ النظر من الرجل إلى هذه المواضع المستثناة مضافاً إلى أن الدلالة الالتزامية البينة بالمعنى الأخص موجودة بالنسبة إلى ما يكون دالاً منها على جواز إبداء زينتها فإن الملازمة خارجاً ثابتة بين جواز إبداء الزينة منها للناظر وجواز نظر الناظر حيث إنّ النظر إلى الوجه السافر في الخارج قهري. ومع ذلك كله فالأحوط عدم جواز نظر الرجل إلى المرأة مطلقاً.

قال في الشرايع (ويجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها على كراهة فيه مرّة ولا يجوز معاودة النظر) تقدم الكلام في أصل الجواز إلى الوجه والكفين وبقي الكلام في الفرق بين النظرة الأولى والثانية حيث قال المحقق بجواز الأولى وحرمة الثانية والدليل ما ورد في صحيح الكاهلي (1) قال قال أبو عبد الله علیه السلام النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة. وما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في معاني الأخبار (2) يا علي لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الأخيرة .. وما

ص: 65


1- الوسائل أبواب مقدمات النكاح باب 104 ح6 ، الفقيه ج4 ص11 ح3.
2- معاني الأخبار 1/205 الوسائل أبواب مقدمات النكاح باب 104 ح14.

ورد فيه أيضاً عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم يا على أول نظرة لك والثانية عليك لا لك (1) . وما ورد في حديث الأربعمئة قال لكم أول نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها نظرة أخرى واحذروا الفتنة وفي مرسل أول نظرة لك والثانية عليك لا لك والثالثة فيها الهلاك (2).

والجواب أنها أخبار ضعيفة السند ومع الإغماض نقول إنها ظاهرة في الإرشاد لتصريح بعضها بقوله احذروا الفتنة وفي آخر تزرع الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة وفي بعضها تثليث النظرات وببركة هذا الأخير نفهم أن لفظة عليك لا تدل على الحرمة إذ لا معنى حينئذٍ للإتيان بقسم ثالث فيه الهلاك. والخلاصة مقتضى الجمع الدلالي حملها على الإرشاد. وفيه يتبين أن حملها على الكراهة بعيد أيضاً. فإنا لا نقول بحرمة مقدمة الحرام فضلاً عن حرمة أو كراهة ما يمكن أن يقع في طريق الحرام وإن كان للشارع التعبد بالكراهة بملاك التحفظ كما أفتى العلماء بكراهة بعض الحرف والمهن كبيع الأكفان والصيرفة حذراً من حب موت الناس أو الدخول في الربا .

ثم إن المشهور بينهم بل ادعي عليه الإجماع من بعضهم حرمة نظر المرأة إلى الرجل واستثناء الوجه والكفين واستدل له بأمور:

الأول: الإجماع ولكن لم يثبت فإن العلامة كثيراً ما يدعي الإجماع ولا سيما في كتابيه المنتهى والتذكرة في موارد الاختلاف وهنا قال في التذكرة منع أكثر علمائنا نظر المرأة إلى الرجل وكذا العكس ويعلم منه عدم وجود الإجماع المحصل بل لو وجد وعلم المدرك لكان مدركياً وسقط عن الحجية .

ص: 66


1- الوسائل أبواب مقدمات النكاح باب 104 ح13 ، معاني الأخبار 127، الفقيه 11:4، 4
2- الوسائل أبواب ومقدمات النكاح باب 104 ح8 ، الفقيه ج3 ص 304 ح1460 .

الثاني: آية الغض ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ) (1) والإنصاف أنها لا تدل على حرمة نظر المرأة إلى الرجل .

الثالث: ما ورد في تغسيل الميت وأنه مع فقد المماثل والمحرم والزوجة يدفن دون غسل ويفهم منها أنه مع دوران الأمر بين تغسيل الأجنبية له . حينئذٍ وبين دفنه بلا تغسيل يرجح ترك الغسل تحفظاً من تغسيل الأجنبية له. وقد ورد في بعض تلك الأخبار أن الأجنبية تصبّ عليه الماء ولا تلمسه ويفهم منها أن صب الماء كذلك أوجب سقوط وجوب الغسل عنهن لأن الشارع راعى في التكاليف القدرة العرفية حيث لا يرضى بالمشقة والحرج ولذا كانت أدلة نفي الحرج حاكمة على الأدلة الأولية من حيث لزوم الإتيان بها لا من حيث تشريعها فلو كان الوضوء حرجياً ولم يكن ضررياً وتحمل شخص الحرج وتوضأ نقول بصحة وضوئه. والمقصود بيان أن المولى يراعي الكلفة النوعية في التكاليف فإذا زادت بالنسبة إلى شخص يرفع الحكم عنه بمعنى رفع المؤاخذة عنه فينقلب ما أوجبه العقل إلى ما يؤمنه الشرع ولما كان تغسيل الميت يستلزم غالباً التقليب واللمس لإزالة الوسخ وحفظ الترتيب بين الأعضاء وهذا أمر لا يمكن تحققه في الخارج دون المباشرة باليد أسقط الشارع وجوب التغسيل عنهن إذا كان الميت أجنبياً. وكذا حمل الشيخ الطوسي الأخبار الواردة في غسل النساء له بصبهن للماء عليه على الاستحباب وعليه لا يمكن استفادة حرمة النظر من أخبار غسل الميت. ومع المناقشة في ذلك نقول وجهة نظر هذه الأخبار غير معلومة لأن سقوط الغسل لازم أعم من حرمة النظر وحرمة اللمس ونحوهما فلا ملازمة بين سقوط الغسل عن الأجنبية وحرمة نظرها إلى الأجنبي .

الرابع : ما رواه الكليني في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن

ص: 67


1- سورة النور، الآية: 31.

أبي عبد الله قال استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلی الله علیه و آله و سلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما قوماً فادخلا البيت فقالتا إنه أعمى فقال إن لم يركما فإنكما تريانه (1) . وفي مكارم الأخلاق عن أم سلمة قالت كنت عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال: احتجبا، فقلنا يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ (2).

ولكن الروايتين مرسلتان ومضمرتان هذا أولاً :

وثانياً : حرمة نظر المرأة إلى الرجل لا تستلزم وجوب دخول البيت وهذا ما يجعل الأمر أخلاقياً لا تعبدياً نظير ما ورد أيضاً في مكارم الأخلاق من أن فاطمة علیها السلام قالت له صلی الله علیه و آله و سلم في حديث خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهنّ الرجال فقال صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة منّي (3) .

الخامس : ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال قال قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم اشتدّ غضب الله على امرأة ذات بعل ملئت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله عزّ وجلّ كلّ عمل عملته، فإن أوطأت فراشه غيره كان حقاً على الله أن يحرقها بالنار بعد أن يعذبها في قبرها (4) . و سند الرواية ضعيف مضافاً إلى معنى ملأ العين من النظر فإنه مجمل وليس مجرد النظر الاعتيادي. ثم إنّ هذه الرواية وردت في امرأة ذات بعل ولا يمكن فيها إلغاء الخصوصية لتشمل غير المتزوجة إذ لا مساواة ولا أولوية

ص: 68


1- الوسائل أبواب مقدمات النكاح باب129 ح1، الكافي ج 5 ص534 ح2. وابن مكتوم كان أحد مؤذني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يؤذن للإعلام قبل الفجر ويؤذن بلال للصلاة
2- الباب السابق ح4 ، مكارم الأخلاق ص 267.
3- المصدر السابق ح3 ص 267 من مكارم الأخلاق أيضاً.
4- المصدر السابق ح2.

ولعدم تمام الأدلة المذكورة على حرمة النظر إلى وجه وكفّي الرجل من قبل المرأة نعلم أن الأصل في ذلك عدم الحرمة والشهرة الفتوائية على تقدير العمل بها يقتصر فيها على خصوص ما اتفقوا عليه فإشكال صاحب الجواهر بأن التلازم بين الرجل والمرأة في حرمة نظر كل منهما إلى الآخر مسلم لكن استثناء الوجه والكفين إن قلنا به بالنسبة إلى المرأة لا نقول به في الرجل . . . ثم يقول إنه لما قوّينا القول بحرمة نظر الرجل إلى وجه وكفي الأجنبية يكون الأمر سهلاً . إذ ما ذكره من الدليل على هذه الكلية غير تام وعلى تقدير الأخذ بالإجماع يلزمه الوقوف على حدّه لأن الإجماع دليل لبّي لا إطلاق فيه ولا يمكن التعدي عن مورده وهو القدر المتيقن من حجيته على تقديرها فالمتيقن من المساواة بين الرجل والمرأة في حرمة النظر يقتضي المساواة أيضاً فى المستثنى .

ثم إنه ربما يظهر من الروايات الآتية جواز كشف الرأس للجارية التي لم تبلغ حيث يعرف من السؤال والجواب ارتكاز لزوم الستر في الأذهان كما أن ترك النظر من المرأة للرجل كان ارتكازياً أيضاً وحينئذٍ فالاحتياط لا ينبغي تركه بل لا يترك .

قال في المسالك «واعلم أن إطلاق المصنف الأجنبية شامل للكبيرة والصغيرة وكذا إطلاقه الحكم في المرأة يشمل النظر إلى الصغير والكبير ولا بدّ من استثناء الصغيرة التي ليست مظنة الشهوة من الحكم وكذا العجوز المسنّة البالغة حداً تنتفي الفتنة والتلذذ بالنظر إليها على الأقوى لقوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) (1) الآية . ومن استثناء الصغير غير المميز بالنسبة إلى المرأة وهو الذي لم يبلغ مبلغاً بحيث يصلح لأن يحكي ما يرى لقوله تعالى : (أَوِ

ص: 69


1- سورة النور، الآية: وفيها ليس عليهن جناح بدل من لا كما ورد في المسالك. ولعله خطأ مطبعي .

الطِفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) (1) ولأنه حينئذٍ بمنزلة سائر الحيوانات. وأما المميز فإن كان فيه ثوران شهوة وتشوق فهو كالبالغ فيجب على الولي منعه منه . وعلى الأجنبية التستر عنه (2) .

أقول : إن ما ذكره من جواز النظر إلى الصغيرة هو مقتضى قصور الأدلة المانعة عن النظر عن شمولها لها لو كان هناك إطلاق لفظي وأما الإطلاق المستفاد من الموارد المختلفة ونسميه بالإطلاق الاصطيادي فهو ليس كاللفظي من حيث الشمول لجميع المصاديق مثلاً لم يرد عندنا في نجاسة الدم - الدم نجس - أو اغسل ثوبك من الدم بل نجاسته متصيدة من الموارد المختلفة مثل ما ورد في الدم المرئي في منقار الطائر وهذا الإطلاق لا يمكن الاعتماد عليه في فهم الحكم من الشارع بالنسبة إلى كل دمٍ دم فلا يمكن القول مثلاً بنجاسة دم مخلوق الساعة بمعنى لو وجد دم ولم نعلم أنه دم أي شيء فلا يحكم بنجاسته أو الدم الذي يوجد في البيض. وكيف كان فالقول بجواز النظر إلى الصغيرة وإن كانت مظنة الشهوة موافق للصناعة . وأما القواعد من النساء فقد ورد في رواية علي بن أحمد بن يونس (عن يونس) قال ذكر الحسين أنه كتب إليه يسأله عن حدّ القواعد من النساء التي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها وذراعها؟ فكتب علیه السلام من قعدن عن النكاح (3) . وهذا الحد قريب مما ذكر في الآية الكريمة (الَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحَا) (4) وهو كناية عن بلوغهن حدّاً لا ترغب المرأة معه في النكاح . وأما الحكم ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحَا) ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال الجلباب (5) .

ص: 70


1- سورة النور، الآية: 31.
2- المسالك ج7 ص 48 - 49 . الطبعة الحديثة .
3- الوسائل أبواب مقدمات النكاح باب 110 ح5، التهذيب ج7، ص 467 ، ح1871.
4- سورة النور، الآية: 60.
5- باب 110 ح1 أبواب مقدمات النكاح.

وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قرأ (أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) قال الخمار والجلباب قلت بين يدي من كان؟ فقال بين يدي من كان غير متبرجة بزينة فإن لم تفعل فهو خير لها (1).

وفي صحيح محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله علیه السلام قال القواعد من النساء ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن قال تضع الجلباب وحده (2) .

وفي صحيح حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قرأ يضعن ثيابهن قال الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنّة (3).

وفي خبر علي بن أحمد بن يونس المتقدم في السؤال إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها وذراعها؟

ونفهم من هذه الروايات أن التحفظ على لبس الجلباب مرغوب فيه شرعاً إلّا أنه لا جناح عليها في وضعه حتى الخمار لأن مقتضى الجمع الدلالي بين ما يجيز وضع الخمار وما لا يجيز إلا وضع الجلباب هو حمل المانع على الحكم التنزيهي. ثم إن الجلباب فسّر بتفاسير متعددة منها الملحقة ومنها الخمار وما يشبه الدرع إلّا أن اللغويين قالوا إنّ الجلباب هو أوسع وأطول الملابس النسائية فالقناع ما يستر الرأس والرقبة والملحفة ما يستر إلى نصف البدن والقميص يستر البدن والدرع ما يلبس فوق القميص والإزار ما يستر العورة إلى الركبتين أو الساق والجلباب ما يستر البدن بأجمعه وهو نظير العباءة في عرف اليوم. وربما يكون الجلباب غير ساتر لظهر القدم بل حققنا ذلك في مبحث لباس الصلاة للمرأة . ولم يظهر من تلك الأخبار الواردة في المقام أن للصلاة ساتر خاص وإن تعارف بين

ص: 71


1- باب 110 ح2 أبواب مقدمات النكاح.
2- باب 110 ح3 أبواب مقدمات النكاح.
3- باب 110 ح4 أبواب مقدمات النكاح.

المؤمنات تخصيص لباس للصلاة أطول وأستر حتى من الجلباب الذي كان ولم يزل متعارفاً بين المسلمات في أقطار الأرض .

وأما نظر الرجل إلى القواعد فيظهر من هذه الأخبار بالملازمة جوازه بالنسبة إلى ما يستره الخمار فضلاً عن الجلباب لأن الخمار ساتر للرأس والجلباب ساتر للبدن ويمكن المصير إلى القول بجواز النظر إلى أكثر من ذلك نعم القول بتحقق الإجماع على عدم جواز النظر إلى عورة العجوز المسنة ليس ببعيد . وسبيل الاحتياط واضح .

وأما الجارية التي لم تبلغ فيفهم من الروايات جواز كشفها لرأسها أمام الأجنبي ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبينه محرم؟ متى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة (1) . وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال لا يصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تختمر إلا أن لا تجده (2) .

وأما الصبي فللمرأة الأجنبية أن لا تغطي رأسها وشعرها منه إلى أن يبلغ كما في صحيحي البزنطي (3) عن الرضا علیه السلام قال يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم وفي صحيحه الآخر عنه علیه السلام قال لا تغطي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ الغلام . ويظهر منها جواز نظر الصبي بل الغلام المراهق إلى المرأة بالملازمة بل لا يحتاج إلى استفادة حكمه من الأخبار الواردة في المقام - البحث عن أحكام النظر - لكفاية ما دلّ على رفع قلم التكليف عن الصبي حتى يحتلم الذي

ص: 72


1- أبواب مقدمات النكاح باب 126 ح2 .
2- ح1 المصدر السابق، الكافي ج5 ، ص533 ح2، ح1.
3- أبواب مقدمات النكاح باب 126، ح3 + ح4 .

ذكرنا أنه يفيد رفع المؤاخذة شرعاً وإن كانت الأحكام مجعولة له أيضاً والأول تسهيل والثاني امتنان في حقه إذ الامتنان ليس في رفع الحكم بل في رفع المؤاخذة . ولا يفرق في ذلك بين وجود الشوق عنده وفوران الشهوة وبين عدمه لإطلاق الأدلة كما عرفت من الصحيحين فما ذكره في المسالك من وجوب منع الولي إياه من النظر لا دليل عليه .

نعم إذا كان فيه مفسدة يبغضها الشارع من حيث أصل ذاتها ووجدنا أنها ستتحقق خارجاً ولو من غير المميز وجب كفاية على المسلمين دفعها وإذا تحققت رفعها ويسمى مثل هذه بالمبغوضات الذاتية . كهتك القرآن وقتل المؤمن والإهانة للنبي والأئمة علیهم السلام ولم يعلم أن نظر غير البالغ إلى المرأة الأجنبية فيه مفسدة على حد هذه الأمور المبغوضة ذاتاً. وقد كرّرنا القول إنّ سبيل الاحتياط واضح .

قال في الشرايع «ولا ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا لضرورة . . . وكذا الحكم في المرأة ويجوز عند الضرورة» والكلام في جواز النظر لكل من المرأة والرجل إلى الآخر عند الضرورة وقد تقدم الكلام في باقي المسألة، فنقول : قد زادوا على النظر اللمس إذا اقتضته الضرورة وفي المسالك وسع الدائرة حيث إجازة عند الحاجة أو المعاملة مع المرأة ليعرفها وحكى الإجماع على جواز النظر للحاجة وطبعاً وهي أوسع مفهوماً من الضرورة. ولذا أشكل عليه بأنه لا دليل على جواز النظر إلى الأجنبية عند الحاجة مطلقاً والمتيقن من كلمات الأصحاب مورد الضرورة وحسب.

نعم هناك اختلاف في موارد الضرورة فاقتضى الأمر بيانها .

فمنها : مورد المعالجة وقد تسالمت عليه كلمات الأصحاب وورد فيه نص ففي صحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر علیه السلام قال سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر وإما جرح في مكان لا يصلح

ص: 73

النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها؟ قال إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت (1) . ويستفاد من الرواية أمور :

الأول : إن في جسد المرأة ما يصلح النظر إليه . ما لا يصلح النظر إليه لأن المعصوم قرر السائل على هذا التنويع .

الثاني : إن مورد جواز النظر هنا الاضطرار.

الثالث : إن مجرد الأرفقية فضلاً عن الأصلحية كاف في الجواز.

الرابع : أنه يستفاد منها جواز اللمس لقوله علیه السلام فليعالجها حيث يتوقف في كثير من الموارد على اللمس لا سيما في ذلك الوقت لعدم وجود آلات تقوم مقام اللمس في بعض الأمور المهمة كالإطلاع على الحرارة والنبض . وكيف كان فالرواية نص في جواز النظر بل أزيد من ذلك في مقام الضرورة (2) . نعم لو كان الرجل والمرأة متساويين في الشؤون العلاجية مطلقاً لم يجز للرجل مباشرة المريضة. وقد يستدل للمورد بما دلّ على أن الاضطرار رافع للحرمات كقوله صلى الله عليه و آله و سلم : «كل شيء اضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله» وفيه أن الاضطرار يرفع الحكم عن المضطر والطبيب ليس مضطراً ولذا

ص: 74


1- أبواب مقدمات النكاح باب 130 ح 1 ، الكافي ج5 ص543 ح1.
2- وهناك في نفس الباب من الوسائل روایتان معتبرتان : الأولى : عن السكوني عن أبي عبد الله علیه السلام قال سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن الصبي يحجم المرأة؟ قال إذا كان يحسن يصف فلا . الثانية : في مسائل علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال سألته عن المرأة يكون بها الجرح في فخذها أو بطنها أو عضوها هل يصلح للرجل أن ينظر إليه يعالجه؟ قال لا . ونقول إنّ الرواية الأولى موردها خاص وقد لا يكون ضرورة فلا تعارض رواية أبي حمزة بخلاف الثانية فإنها في موقع المعارضة لصحيحة ابن أبي حمزة. وقد يكون في رواية الصدوق - المرسلة، قال إذا لم يكن عورة فلا بأس. شاهد جمع على تفصيل ما.

عدل من أشكل على هذا الدليل إلى الاستدلال بقاعدة لا ضرر من غير التفات إلى أن لا ضرر أيضاً حكم كلي انحلالي والضرر إنما يتوجه من ناحية المرض للمريضة والطبيب المباشر لا ضرر عليه . من ترك النظر إليها فلا بدّ من إتمام الدليل ببيان أن الواجبات النظامية - ومنها معالجة المرضى - كفائية حيث يجب على الطبيب مباشرة المرضى كفاية ومنهم النساء وحينئذٍ یتزاحم وجوب العلاج مع حرمة النظر وحيث إنّ ملاك العلاج أقوى من مفسدة النظر يقدم عليه وسنشير إلى ذلك قريباً إن شاء الله .

ومنها : مورد تحمل الشهادة أو أدائها وهو مورد إجماعي وموافق للنص الوارد في مكاتبة الصفار (1) قال كتبت إلى الفقيه علیه السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أو لا تجوز الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع علیه السلام تتنقب وتظهر للشهود إن شاء الله . ورواه الصدوق وقال وهذا التوقيع عندي بخطه علیه السلام. وهذا الأمر بالتنقب إرشادي إلى حفظ كرامة المرأة إذا أرادت الاحتجاب مهما أمكن وإلّا فالظهور للشهود منافِ للحجاب الكلي ويفهم منها أن مورد تحمل الشهادة أو أدائها إذا اقتضى النظر إلى المرأة جاز ذلك .

ومنها : مورد الشهادة على الزنا حيث ذهب بعضهم إلى جواز ذلك مستدلاً عليه بأن ترك النظر إلى فرج الزانيين يؤدي إلى الفساد وتعطيل ركن من أركان الإسلام لأنه بتركه لا يمكن الاطلاع على الزنا. لكن فيه أن هذا من الأمور الاستحسانية غير المشرعة إذ لم يثبت الدليل على وجوب تحمل مثل هذه الشهادة وإن وجب أداؤها إذ تحققت . والفرق كبير بين وجوب أدائها وحرمة كتمانها وبين وجوب تحصيل العلم بها بل الأمر في الزنا على

ص: 75


1- کتاب الشهادات باب 43 ح2 الوسائل ، التهذيب ج6 ص255 ح666 .

عكس ما توهمه هذا القائل فإن الشارع علّق وجوب إقامة الحدّ في صورة رؤية أربعة شهود «كالميل في المكحلة» وهذا بطبعه مما يتعسر تحققه في الخارج وعدم ثبوت الزنا في طول الأجيال إنما هو للاهتمام الشرعي بالموضوع ولذا قلنا إنّ عدم جعل الطريق من قبل الشارع أو عدم إمضائه للطرق المتداولة لا يوجب الإشكال علينا بأنه لما علق الشارع حكم حدّ الزنا على شهادة أربعة لأنا نقول إن الشارع لا يرضى بظهور الزنا وتفشي أمره بين الناس وكما درأ الحدّ بالشبهات كذا قيّد ثبوت الزنا الواقع في صورة العلم به بأربعة شهود وهذا العدد لو تُصدي لتحصيل العلم به لم يقدروا عليه غالباً . وكيف كان لا دليل على جواز النظر إلى فرج الزاني والزانية لتحمل الشهادة.

ومنها : مورد الاطلاع على الولادة أو النظر إلى الثدي للاطلاع على الرضاع وقد علل هذان الموردان بأن الولادة والرضاع من مهام الدين ومما

فيه المصلحة. لكن القياس غير جائز في شرعنا كالاستحسان أيضاً .

قال في الشرايع مسألتان : الأولى هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل نعم وقيل لا وهو الأظهر لعموم المنع وملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء .

اختلف الفقهاء في جواز نظر الخصي إلى النساء كما اختلفوا في جواز نظر المملوك إلى سيدته وبين المسألتين عموم من وجه إذ قد يكون الخصي مملوكاً أو المملوك خصياً ويفترق كل منهما عن صاحبه في مورده وذهب العلامة في المختلف إلى جواز نظر الخصي المملوك إلى سيدته تمسكاً بقوله تعالى : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ) (1) بتقريب أن ما اسم موصول عام للعبيد والإماء خرج الفحل بالإجماع إن ثبت وبقي غيره تحت العموم. ورجح

ص: 76


1- سورة النور، الآية: 31 .

صاحب المسالك جواز نظر المملوك إلى سيدته وإن كان فحلاً ومنشأ الاختلاف أمور ثلاثة.

الأول : الاحتياط في الفروج واستنكار أذهان الشيعة من نظر الأجنبي إلى الأجنبية وإن كان خصياً أو مملوكاً مع كون الأجنبية مالكة. ومن المعلوم أن رجحان الاحتياط لا ينكر لكن لا بدّ من النظر في أخبار الباب .

الثاني : الإجماع الذي ادعاه العلامة على عدم جواز نظر الفحل إلى المرأة وإن كان مملوكاً لها ولا يظهر منه جواز نظر الخصي إلّا إلى مالكته وقد بالغ صاحب الجواهر في دعوى الإجماع وأما العلماء فقد تسالمت كلمتهم على حرمة النظر إلى الأجنبية سواء كان الناظر خصياً أم مملوكاً أم غيرهما لكن في تحقق الإجماع يمكن المناقشة إذ المحصل منه غير حاصل وعلى تقديره فهو مدركي والمنقول منه ليس بحجة .

الثالث : اختلاف الأخبار والروايات الواردة في المسألتين لظهور بعضها في عدم جواز نظر الخصي أو المملوك إلى الأجنبية أو المالكة وبعضها الآخر يظهر منه الجواز وقد حمل الشيخ الطوسي (قد) أخبار الجواز على التقية فلا بدّ من النظر إلى الروايات فتقول إن ما دلّ على المنع من نظر الخصي إلى الأجنبية فروايات باب 125 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل :

1 - عن عبد الملك بن عتبة النخعي ح 1 قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أم الولد هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال لا يحل ذلك (1) . وهذه الرواية معتبرة من حيث السند فهي حجة لأنها من الموثق الذي كالصحيح ومورد الرواية صورة نظر الخصي إلى الأجنبية حال اغتسالها من غير إشارة في السؤال إلى أن المنظور إليه الجسد عارياً كما هو

ص: 77


1- الكافي ج5 ص532 ح1.

الشأن حال الاغتسال أو خصوص الوجه والكفين والشعر . . . والتعدي عن مورد الرواية وهو المرأة المغتسلة إلى غير مورد الاغتسال لا يمكن بحسب الصناعة وعلى فرض الإجمال لا يكون دليلاً على المنع بخصوصه وعليه تبقى عمومات المنع على حالها لو لم يدل دليل آخر على الجواز.

2 - في قرب الإسناد . . . عن صالح بن عبد الله الخثعمي ح8 عن أبي الحسن علیه السلام قال كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سنّ رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها وتنكشف بين يديه قال فلم يجبني فيها . ح8. وتقريب الاستدلال أن عدم الجواب منه علیه السلام يشعر بالتقية ولا سيما كتابة ويستفاد من الرواية أن السؤال عن وضع جميع الثياب بين يدي الخصي ولذا حمل السؤال على إرادة معرفة حكم النظر إلى الوجه والكفين والشعر بعيد (1) .

3 - ح9 في مكارم الأخلاق قال قال علیه السلام لا تجلس المرأة بين يدي الخصي مكشوفة الرأس لكن هذه الرواية مرسلة .

4 - ح10 عن ابن الجنيد قال في كتابه الأحمدي على ما نقل عنه روي عن أبي عبد الله وابن الحسن موسى علیه السلام كراهة رؤية الخصيان الحرة من النساء حراً كان أو مملوكاً. لكن بعد حمل الكراهة في كلمات القدماء على الحرمة. إلا أن الرواية مرسلة وليست ظاهرة في الحرمة لأن الكراهة في كلمات القدماء وإن كانت مستعملة في الحرمة وليس في الكراهة المصطلحة عند المتأخرين إلا أن ظهور هذه الرواية في الحرمة ممنوع جداً خاصة بعد أن عرفنا أن دأب القدماء في أمثال تلك المراسيل كان على نقل المقتبس من النصوص مضموناً.

5 - ح2 في الكافي عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا الحسن موسی علیه السلام قلت يكون للرجل الخصي يدخل على نسائه فيناولهن الوضوء

ص: 78


1- الرواية ضعيفة لأن صالح بن عبد الله الختعمي لم يوثق في الرجال.

فيرى شعورهن؟ قال لا يحل. وهذه الرواية حجة سنداً لأن فيها ابن أبي عمير وظاهرة في الحرمة لأن كلمة لا ناهية وهي ظاهرة في الحرمة ومتعلق النهي ما ورد في السؤال وحينئذٍ يكون الجواب لا يرى شعورهن . إلّا أنه في مقابل هذه الرواية الوحيدة روايات تدل على جواز نظر الخصي إلى المرأة غير المقنّعة وهي صحيحة إسماعيل بن بزيع قال سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن قناع الحرائر من الخصيان؟ فقال كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن علیه السلام ولا يتقنّعن قلت فكانوا أحراراً؟ قال لا قلت فالأحرار يتقنع منهم قال لا . الحديث 3 من الباب نفسه . وهذا الخبر نص في عموم الحكم لكل خصي وإن لم يكن مملوكاً وهو نص في عدم وجوب التقنع على المرأة وإن لم تكن مالكة للخصي والقناع ما يستر رأس المرأة وشعرها وقد رويت هذه الرواية في كتبت المشايخ الثلاثة بأسانيدهم المعتبرة ولا موجب لحملها مع ما كان مثلها في المضمون على التقية . وذلك لأن الحكم مختلف فيه عند فقهاء العامة كما في المسالك . ولم يعلم أن سلاطين الوقت كانوا يدخلون الخصيان على نسائهم حتى يُقال كما قال الأنصاري (قد) بأن التقية إنما هي منهم ومجرد اختلاف الفقهاء لا يكون موجباً لرفع التقية. ثم إنّ الحمل على التقية إنما هو في طول عدم وجود الجمع الدلالي وهو موجود هنا بحمل ما دلّ على النهي على الكراهة .

وأما جواز نظر المملوك إلى شعر سيدته وساقها فقد دلّ عليه جملة من النصوص المعتبرة كموثق يونس (1) بن عمار ويونس بن يعقوب جميعاً عن أبي عبد الله علیه السلام قال : لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شيء من جسدها إلا إلى شعرها غير متعمد لذلك. وحمله على النظر الاتفاقي كما في الجواهر بعيد لأن النظر الاتفاقي لا يتحدد بالشعر فإنه لا يُعقل القول بحرمة النظر الاتفاقي من الأجنبي إلى الأجنبية. وتعليل ذلك بما إذا كانت مقدمات

ص: 79


1- أبواب مقدمات النكاح باب 124 ح1 ، الكافي ج5 ص 535 ح4.

النظر اختيارية وإن لم يكن هو اختيارياً ليس بأهون من حمل التعمد الوارد على غير الظاهر أو بقائه على إجماله .

وأما جواز نظر المملوك إلى شعر سيدته وساقها فقد دل عليه جملة من النصوص المعتبرة ففي موثق يونس بن يعقوب (1) استثناء الشعر من عدم جواز النظر لكن مع تقييده بعدم التعمد حيث يقول إلا إلى شعرها غير معتمد لذلك. وحمله على الاتفاقي كما عن صاحب الجواهر «ره» بعيد لأن النظر الاتفاقي لا يتحدد بالشعر فلو أن العبد أو غيره نظر إلى الشعر أو غيره من الأجنبية اتفاقاً لا يعقل القول بحرمته. وتعليل ذلك بما إذا كانت مقدمات النظر اختيارية وإن لم يكن هو اختيارياً ليس بأهون من حمل التعمد الوارد على غير الظاهر أو إبقاؤه على إجماله. وفي صحيح (2) معاوية بن عمار بعد السؤال عن المملوك يرى شعر مولاته وساقها قال علیه السلام : لا بأس. وفي موثق (3) عبد الرحمن البصري بعد السؤال عن المملوك يرى شعر مولاته قال لا بأس، وفي صحيح (4) معاوية بن عمار يا بني لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق وفي موثق إسحاق (5) بن عمار أينظر المملوك إلى شعر مولاته قال نعم وإلى ساقها .

ومن الغريب حمل مثل هذا الأخير على النظر الاتفاقي وأبعد منه حملها على المملوك الخصي دون الفحل إذ أن هذا الحمل مع كونه بلا شاهد حمل للمطلق على الفرد النادر . نعم هناك أخبار أخر تدل على المنع وربما يتوهم التعارض بينها وبين أخبار الجواز .

ص: 80


1- باب 124 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح1 وح4 .
2- باب 124 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح3.
3- باب 124 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح4 .
4- باب 124 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح2 ، الكافي ج5 ص531 .
5- الفقيه ج3 ص300 ح1433 .

منها خبر القاسم (1) الصيقل المضمر وفيه حكاية مكاتبة أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم وجاء في الجواب سئلت عن كشف الرأس بين يدي الخادم لا تكشفي رأسك بين يديه فإن ذلك مكروه. وهذا الخبر ضعيف لأن في طريقه القاسم الصيقل هذا أولاً وثانياً هو مضمر لأنه لم يعلم المكتوب إليه من هو وثالثاً أن لفظ مكروه غير ظاهر في الحرمة المصطلحة مضافاً إلى أنه لو حمل على الحرمة لأمكن الجمع بينه وبين الأخبار المتقدمة بالحمل على الكراهة .

ومنها ما روى في الوسائل عن قرب الإسناد عن جعفر علیه السلام (2) عن أبيه عن علي علیه السلام كان يقول لا ينظر العبد إلى شعر سيدته وتقريب الاستدلال به أن كلمة لا ناهية والنهي ظاهر في التحريم وجوابه أن النهي بحسب المفهوم اللغوي لا يكون ظاهر في الحرمة نعم كون المولى في مقام التشريع ناهياً عن شيء يكون موضوعاً لحكم العقل بوجوب الاجتناب عن ما نهى عنه وهذا الظهور مستند إلى المقام ومشروط بعدم ورود الترخيص بالفعل فيه ومن البديهي أن الأخبار المتقدمة نص في الترخيص . وإن شئت قلت هذا الخبر ظاهر في الحرمة وما تقدم نص في الجواز والنص حاكم على الظاهر. والنتيجة هي الكراهة . ثم إنّ ما استدل به على عدم الجواز ما عن الخلاف للشيخ الطوسي عن بعض الكتب الأخرى (تفسير الراوندي) أنه روى أصحابنا في قوله تعالى (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ﴾ [النُّور: 31] أن المراد بالموصول الإماء دون العبيد الذكران . وقال الأنصاري «ره» إن هذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن اشتهار العمل بها بل اشتهارها بنفسها كما يستفاد من نسبتها إلى الأصحاب ربما يوجب الاعتماد عليها في تفسير الآية

ص: 81


1- التهذيب ص457 ح1828 ج7.
2- باب 124 أبواب مقدمات النكاح ح8 ، قرب الإسناد 50 .

الكريمة. وهذا الكلام منه بعد بنائه في الأصول على عدم حجية مطلق الشهرة عجيب إذ يرد على ما ذكره أمور :

1 - إن الشهرة منقولة لا محصلة .

2 - إن الشهرة الجابرة للضعف في الخبر هي الشهرة الاستنادية دون غيرها وهنا يحتمل استنادهم في الفتوى بعدم الجواز إلى غيرها .

3 - إن قول الشيخ روى أصحابنا ليست كاشفة عن الشهرة الروائية . لأن المقصود من هذا التعبير أن هذا التفسير مسند منسوب إلى هذه الطائفة وهم الرواة وأصحاب الحديث لا أن أصحابنا بأجمعهم رووا هذا الحديث . وهذه النكتة يجب أن تكون على ذكر كل متتبع لكلمات الأصحاب ليعلم أن إسناد رواية إلى أصحابنا لا يدل على بل لا يشعر بأن الرواية مروية عن كل واحد منهم. نعم يدل على أنها صادرة من هؤلاء.

4 - لو سلمنا إرادة الإماء من الموصول في الآية الشريفة لكن نقول إن التخصيص بالأخبار المستفيضة المتقدمة لآية حرمة الإبداء يثبت بلا كلام بناءً على ما هو الحق من جواز تخصيص الكتاب العزيز بخبر الواحد. فللسيدة إبداء زينتها ومحلها من الوجه والكفين والشعر بل أيضاً الساق لمملوكها . نعم الاحتياط أمر آخر وقد بلغ الأمر في حسنه إلى حد اللزوم بنظر بعض أركان الطائفة قال في الجواهر «ره» كل ذلك بعد الاغضاء عما هو معلوم من حال متديني الإمامية من عدم ذلك، فلا يحل للمؤمن التردد في ذلك مخافة أن يكون ذلك سبباً للجرأة من غيره . ومن الغريب أنه بعد ذلك تهجم على صاحب الروضة والكفاية السبزواري والرياض ممن مالوا إلى الجواز أو قالوا به. والمقصود من ذكر كلامه بيان أن الاحتياط أمر آخر.

ص: 82

قال في الشرائع «المسألة الثانية لا يجوز للأعمى سماع صوت الأجنبية» أقول اختلف الفقهاء «ره» في جواز سماع صوت الأجنبية (بمعنى الاستماع) وعدمه. وقد نقل اتفاقهم على حرمته إذا كان بتلذذ وريبة . قال الشيخ الأنصاري «قده» يحرم للتلذذ أو مع الريبة اتفاقاً . والظاهر أن اتفاقهم لو سلم كان منشأه الأخبار فإن القدر المتيقن منها ما إذا استمع الأجنبي صوت الأجنبية بتلذذ أو ريبة. مضافاً إلى ما نراه من وجود القائل بالجواز ولو مع أحد الوصفين. وأما مع عدم أحدهما فالاختلاف موجود فقد ذهب المحقق والعلامة وغيرهما إلى عدم الجواز. وفي مقابلهم جماعة آخرون - ربما تكون الشهرة في جانبهم - ذهبوا إلى الجواز مع الكراهة مطلق أي إذا كانت المرأة شابة أو غير شابة . واستدلوا للحرمة بأخبار :

منها : ما ورد (1) من النهي عن السلام على المرأة كما في موثق مسعدة بن صدقة لا تبدأوا النساء بالسلام.

ومنها : ما في موثق غياث (2) بن ابراهيم لا تسلم على المرأة.

ومنها : ما ورد (3) في حديث المناهي في قوله صلی الله علیه و آله و سلم نهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم لها أكثر من خمس كلمات لابد لها منها .

ومنها : ما في عقاب الأعمال (4) ومن فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكل كلمة كلمها في الدنيا ألف عام . بل ربما يستدل بصحيحة ربعى ابن عبد الله (5)

ص: 83


1- باب 131 أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح1 ، الكافي ج 5 باب التسليم على النساء ح1 .
2- باب 131 أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح2 ، الكافي ج5 باب التسليم على النساء ح2 .
3- باب 106 أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح2 ، الفقيه ج4 ص3 ح1 .
4- باب 106 أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح4 ، عقاب الأعمال 334.
5- باب 131 أبواب مقدمات النكاح ح3 ، الكافي باب التسليم على النساء ح3.

عن أبي عبد الله علیه السلام قال كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يسلم على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين علیه السلام يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما طلبت من الأجر. لكن قد استدل بعضهم بهذه الصحيحة على الجواز إذ لا يعقل أن يصدر من النبي صلی الله علیه و آله و سلم خلاف الأولى فضلاً عن الحرام والتفصيل الوارد فيها دليل على عموم سلام النبي صلی الله علیه و آله و سلم على النساء . بل ورد أنه من أخلاقه صلی الله علیه و آله و سلم أنه كان يسلم على النساء والصبيان. وهذه الرواية اختلف في متنها إذ في بعضها فيدخل علي من الذنب أكثر مما طلبت من الأجر. إلا أن الإنصاف من عدم إمكان استفادة الحرمة من تلك الأخبار. أما موثق مسعدة بن صدقة فإن دلالته على جواز استماع صوت المرأة بل إدخالها في الكلام أوضح من دلالته على الحرمة لأن النهي إنما ورد عن ابتداء النساء بالسلام ولا دلالة فيه على عدم ابتدائهن بالسلام. إذن فلابدّ أن يكون النهي إرشادياً إلى عدم دخول الرجل في الكلام معهن للتحفظ عن الفساد. وهكذا موثق غياث بن ابراهيم لأنه أيضاً ينهى عن السلام على المرأة فيبقى جواز السلام منها على الرجل وتسميتها للعاطس على عموم الجواز مضافاً إلى ما ورد في صحيح ربعي وغيره من تسليم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على النساء. وأما حديث المناهي فهو ضعيف سنداً وسياقاً مضافاً إلى ضعفه من حيث التحديد. أما السند فواضح وأما السياق فإن جملة من مناهيه محمولة على الكراهة لا الحرمة وأما التحديد فلأنه أجاز خمس كلمات مما لابدّ لها منه ، فلو أنها اضطرت إلى أكثر من ذلك تحرم عليها الزيادة مع أن الكلام الذي لابدّ منه ليس بأشد مبغوضية من سائر المعاصي الكبيرة التي تحل بالاضطرار. وأما رواية عقاب الأعمال، فليست ناظرة إلى التكلم مع النساء بل المنهي عنه مفاكهتهن والظاهر أنها ما كانت تمهيداً للفساد. مضافاً إلى ضعف سندها وإلى ما ورد في خبر أبي بصير إن قلنا إنّ شيخوخة شيخ الإجازة تحتاج إلى التوثيق لأن معلى بن محمد لم يوثق وفيه

ص: 84

أن أبا عبد الله علیه السلام قال لأبي بصير أيسرّك أن تسمع كلامها قال فقلت نعم إلى أن يقول ثم دخلت فتكلمت فإذا هي امرأة بليغة . وإلى ما ورد من الخطب البليغة لسيدة النساء الزهراء علیها السلام مضافاً إلى السيرة القطعیة المتصلة بزمن المعصومين علیهم السلام من كلام النساء مع الرجال واستفتائهن من الأئمة والعلماء مضافاً إلى ما في موثق عمار الساباطي (1) من أنه سئل أبا عبد الله علیه السلام عن النساء وكيف يسلمن إذا دخلن على القوم قال المرأة تقول عليكم السلام والرجل السلام عليكم . وهو ظاهر كالنص في جواز سلام المرأة على الرجل . وابتداء المرأة بالسلام مضافاً إلى خروجه عن النصوص المانعة مورداً للترخيص . وحينئذٍ فلا مناص من حمل ما يشعر بالحرمة على الإرشاد إلى التجنب عما يفضي إلى الفساد. ثم إنّه لم يذكر في الشرائع حكم لمس المرأة الأجنبية والظاهر من النصوص والفتاوى حرمة لمسهن ويدل عليه الأخبار المستفيضة (2) الواردة في تغسيل المرأة للميت الأجنبي وأنه يدفن بثيابه وأنها لا تمس جسده والرجل لا يمس جسد المرأة. وما ورد في باب (3) المصافحة من المنع عن مصافحتها بمباشرة البشرة فالحكم بالحرمة غير قابل للمناقشة .

ثم إنّه قد استشكل في دلالة موثقة (4) سماعة على حرمة لمس الأجنبية مطلقاً بأنها واردة في مورد المصافحة بالكف فإن المصافحة حرام وأما سائر الأعضاء فحرمة لمسها ثابتة بالإجماع. ويرد عليه أن المناسبات المركوزة في الأذهان قرينة على إلغاء خصوصية الكف ثم إن التعدي من الكف إلى سائر الأعضاء ليس قياساً لأن القياس هو التعدي عن موضوع ذي حكم إلى آخر من دون اندماج لهما تحت إطلاق ومن غير علم بالمناط القطعي ثم هو

ص: 85


1- باب 131 ابواب مقدمات النكاح من الوسائل ح4 ، الفقيه ج3 ص301 ح 1436.
2- باب 21 من أبواب غسل الميت من الوسائل.
3- باب 115 أبواب مقدمات النكاح من الوسائل .
4- باب 115 أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح 2 .

لا يكون إلا في القضايا الشخصية، لا الكلية . أما لو علم المناط بالأولوية أو المساواة فإسراء الحكم حينئذٍ، ليس من الخاص إلى الخاص بل يفهم أن هذا الفرد داخل تحت عموم يتناول الفرد الآخر وليس هذا من القياس المنهي عنه . ثم إنّ النهي عن العمل بالقياس إرشادي إلى عدم طريقيته بطبعه فلا يتوهم إنّ النهي عنه نهيٌ تعبديٌ من الشارع. وهنا النهي عن المصافحة يدل على أن مناط الحرمة إنما هو المباشرة ولا خصوصية للكف توجب اختصاص المنع به دون غيره من سائر الأعضاء . أضف إليه ما ذكر مما ورد في تغسيل الأجنبي للأجنبية الميتة والعكس من النهي عن لمس الجلد وما ورد في مبايعة النساء للنبي صلی الله علیه و آله و سلم ففي (1) خبر المفضّل بن عمير قلت لأبي عبد الله علیه السلام كيف ماسح رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم النساء حين بايعهنَّ فقال علیه السلام : دعا بمركنه الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء ثم غمس فيه يده اليمنى فكلما بايع واحدة منهن قال اغمسي يدك فتغمس كما غمس رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فكان هذا مماسحته إياهنّ . فلاحظ تعبير الراوي وتقرير الإمام . وإعادته بلفظه يدل على أن مناط الحرمة هو المباشرة. ولا إشكال في استفادة هذا الحكم من الأدلة التعبدية أما الإجماع فلا ينهض دليلاً على الحرمة وكذا ارتكاز الشيعة فإن الإجماع مستند إلى فهم الفقهاء من الروايات وعليه فلا يمكن أن يترك الأصل ويؤخذ بالفرع وارتكاز الشيعة غالباً تابع لفتاوى الفقهاء فلا يكون دليلاً كاشفاً عن رأي المعصوم.

ثم إنّه لا يجوز للمرأة النظر إلى الأعمى كالبصير وذلك لإطلاق الآية (2) الآمرة بغض النساء من أبصارهن الشامل للأعمى والبصير ويؤيده ما ورد مرسلاً (3) من أنه استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلی الله علیه و آله و سلم وعنده عائشة وحفصة

ص: 86


1- الكافي باب صفة مبايعة النبي صلی الله علیه و آله و سلم النساء ج5 ح1.
2- سورة النور، الآية : 31.
3- باب 129 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح1 .

فقال لهما قوما فادخلا البيت فقالتا إنه أعمى فقال إن لم يركما فإنكما تريانه . وما في مكارم (1) الأخلاق عن أم سلمة مرسلاً قالت كنت عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال احتجبا فقلنا يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أليس أعمى لا يبصرنا قال أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه. وهذان وإن لم يكونا حجة استنادية للفقيه لإرسالهما وعدم العلم بانجبارهما بعمل الأصحاب من القدماء إلا أنهما يؤيدان المطلب .

قال في القواعد: العضو المبان كالمتصل على إشكال. أقول وجه المساواة إنّ اسم الذات يصدق على كل بعضٍ بعض من أجزاء الذات بالحقيقة. والمرأة عنوان منطبق على الأجزاء من غير اشتراط الاتصال في عالم التسمية. وكذا بقية العناوين ولذا لا نحتاج في تعميم حكم النجاسة إلى جميع أجزاء الكلب بعد تفصيل أعضائه إلى غير ما ورد من أن الكلب رجس نجس لأن العرف يفهم أن كل جزء منه قذر فلا حاجة في إثبات إتيان النجاسة إلى الاستصحاب . وكذا الحال بالنسبة إلى العضو المبان من المرأة. فإن حرمة النظر ثابتة لهذا الموضوع الخارجي باعتبار أنه جسد أجنبية وأجزاؤه يثبت لها الحكم نفسه حتى بعد تفرقها . نعم لو قلنا بقصور الدليل الأولي عن شمول ما لا حياة فيه منها كأن يقال إن أدلة الحرمة ناظرة إلى الموجود الحي وبعد الإبانة تزول الحياة عن العضو فلا يشمله إطلاق الأدلة لاحتجنا حينئذٍ إلى الاستصحاب والإشكالُ في الاستصحاب حينئذٍ بأنه لا يجري لعدم بقاء الموضوع إذ أنه من البديهي اشتراط وحدة الموضوع في القضية المستصحبة مع القضية المتيقنة، مدفوع بأن المدار في باب الاستصحاب على العرف . فإن الموضوع إما عقلي وهذا يرتفع ولو بارتفاع ملابساته من الزمان والمكان. وإما بحسب لسان الدليل وهو ما يستظهره العرف من الألفاظ

ص: 87


1- باب 129 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح4 .

الواردة في الأدلة السمعية. وإما عرفي وهو ما يراه العرف موضوعاً وما يشترط بقاؤه في الاستصحاب من هذه هو هذا الأخير أي الموضوع بحسب العرف ولذا بنينا على جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية كالزمان وكذا في موارد الشك في البقاء بسبب نقص الموضوع - كالكرية - وحينئذٍ فلا بأس بجريان استصحاب الحرمة . ثم إنّ الظفر والشعر والسن خارجة عن هذا الحكم بالسيرة القطعية المغنية عن الاستدلال على خروجها بأنها ليست إلا توابع للذات فإذا انفصلت فلا تبعية، مضافاً إلى ما ورد في جواز وصل شعر المرأة بشعر غيرها مع ما يعلم من الاستلزام الخارجي للوصل من النظر. فلا يقال إنّ الدليل ناظر إلى حيثية الوصل وليس بناظر إلى جواز نظر الرجل إليه، لأنا قلنا إنّ الاستلزام الغالبي للوصل مع النظر موجود . فيفهم من هذا جواز نظر الأجنبي إلى الشعر المبان من الأجنبية .

وأما لمس المحارم فهو جائز كما يفهم من موثقة (1) سماعة الواردة في مصافحة الرجل لذات محرم له ولغيرها مضافاً إلى السيرة القطعیة وعدم وجود دليل على المنع .

فروع:

الأول : يجوز النظر إلى الزوجة المعتدة بوطء الشبهة إذ لم تخرج بذلك عن الزوجية وإن وجب عليها الاعتداد تعبداً وكذا المطلقة الرجعية لأنها زوجة كما في النص ولذا يكون الرجوع أخذاً بالزوجية ثم إنّ النظر إليها إذا لم يكن بقصد الرجوع فلا رجوع قطعاً ما لم يكن بتلذذ، وأما إذا كان بقصد الرجوع ولم يكن بتلذذ فقد استشكل بعض في كونه رجوعاً بتقريب أن النظر ليس من أمارات الزوجية حتى يكون أمارة على إرجاعها إليها نعم إذا كان بتلذذ يكون رجوعاً إلا أن التحقيق أن كلّ ما يكون مبرزاً لإنشائه الرجوع إلى

ص: 88


1- باب 115 من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ح2.

الزوجية يكفي في الرجوع وذلك لأن قوله تعالى ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) (1) ناظر إلى الرد الإنشائي بمعنى أن المطلقة تكون في طريق الخروج عن الزوجية ما دامت في العدة الرجعية فإذا أراد ردها إلى الزوجية جاز حسب إطلاق الآية من غير فرق بين كل ما دل على الرجوع فإذا قبلها أو لامسها كان رضا منه وليس معنى كونه رضا منه أنه كذلك بحسب الذات ومن دون قصد الرجوع ولو تعبدا لأنه لا يظهر من بيان تلك المصاديق أن الشارع له تعبد خاص في باب الرجوع فيفهم من مجموع الأخبار أن المدار في الرجوع على ما يبرز إنشاء الرد إلى الزوجية. ومن هنا ظهر فساد من أفرط في المقام فقال إنّ كشف قناع المطلقة أو لمسها أو تقبيلها أو نحو ذلك رجوع قهراً. نعم إذا قبلها أو لامسها أو استمتع بها بغير ما ذكر وكان مبالياً بالدين تكون هذه منه كاشفة عن ارتكاز قصد الرجوع إلى الزوجية أو يقال إن معاملتها معاملة الزوجة يكشف عن قصد الرجوع. فتلخص أن النظر إلى المطلقة الرجعية جائز وإن كان بقصد الرجوع كان رجوعاً .

الثاني : قال في العروة لابأس بتقبيل الرجل الصبية ووضعها في حجره قبل أن يأتي عليها ست سنين إذا لم يكن عن شهوة. وهذه العبارة تنحل إلى أحكام ثلاثة :

1 - جواز تقبيل الصبية الأجنبية .

2 - التحدید بست سنین .

3 - التقييد بعدم كونه عن شهوة. أما الأول فهو ظاهر جملة من النصوص .

منها : ما رواه الصدوق بإسناد (2) صحيح إلى عبد الله بن يحيى

ص: 89


1- سورة البَقَرَة، الآية : 228 .
2- الفقيه ج 3 ص 275 ح1307.

الكابلي الثقة قال سألته عن جارية (جويرية) ليس بيني وبينها محرم تغشاني فأحملها وأقبلها فقال علیه السلام إذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها على حجرك .

ومنها : خبر زرارة المرسل (1) (ممكن قوته) يرويه حميد بن زياد الثقة

عن حسن بن محمد بن سماعة الثقة عن غير واحد عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن (2) بن يحيى عن زرارة. فغير الواحد الذين روى عنهم حسن بن محمد بن سماعة يمكن أن يقال بوجود ثقة بينهم إلا أن الرواية مرسلة على كل حال . عن أبي عبد الله علیه السلام إذا بلغت الجارية الحرة ست سنين ليس لك أن تقبلها. وفي المرسل (3) : عن الرضا علیه السلام أن بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله فأتي بصبية له فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم فلما دنت منه سأل عن سنها فقيل خمس فنحاها عنه .

وفي مرفوع (4) زكريا المؤمن عن أبي عبد الله علیه السلام إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام وفي مرسل (5) علي بن عقبة إذا أتت على الجارية ست سنين لم يجز أن يقبلها رجل ليست بمحرم له ولا يضمها إليه . وكذا في خبر 6 عبد الرحمن بن بحر إذا بلغت الجارية ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبلها وهذه الأخبار وإن لم تكن حجة لقصورها سنداً لكن تعاضدها موجب للاطمئنان بصدورها أو صدور بعضها ، نعم يمكن أن يقال إنّ كلمة ينبغي ظاهر في الكراهة ويظهر منها ايضاً التحديد بست سنوات وأما التقييد بعدم الشهوة فهو مقتضى الإجماع المسلم عند القوم بل يمكن أن يدعى أن

ص: 90


1- باب 127 أبواب مقدمات النكاح عن الوسائل ح2 ، الكافي ج5 ص533 ح2 .
2- عبد الرحمن بن يحيى لم يوثق .
3- باب 127 أبواب مقدمات النكاح ح3 ، الكافي ج5 ص533 ح3.
4- باب 127 أبواب مقدمات النكاح ح4 ، الفقيه ج3 ص276 ح1311.
5- باب 127 ابواب مقدمات النكاح ح6 ، التهذيب ج7 ص461 ح1841. (6) باب 127 أبواب مقدمات النكاح ح7 ، التهذيب ج7 ص481 ح 1929.

مصب تلك الأخبار إنما هو مورد عدم كون التقبيل أو الحمل أو الوضع في الحجر مقروناً بالالتذاذ الجنسي.

الثالث : لا يدخل الولد على أبيه إذا كانت عنده زوجته إلا بعد الاستئذان ولا بأس بدخول الأب على ابنه بغير إذنه ففي صحيحة (1) الخزاز عن أبي عبد الله علیه السلام قال : يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ولا يستأذن الأب على الابن. وهذا الصحيح مطلق من حيث كون الوالد عنده زوجته أم لا إلا أن الفقهاء استفادوا القيد من معتبر محمد بن (2) علي الحلبي وإنما كان معتبراً لأن ليس في السند إلا أبي جميلة (3) وقد قلنا إنّ الأقرب اعتبار قوله ولا سيما أن الراوي عنه ابن فضال وفيها قلت لأبي عبد الله علیه السلام الرجل يستأذن على أبيه فقال نعم قد كنت أستأذن على أبي وليست أمي عنده إنما هي امرأة أبي توفيت أمي وأنا غلام الخ . . الوسائل (4) إلا أنها ظاهرة في الحكم الأدبي الأخلاقي لكن المعروف بين الفقهاء الحكم بالوجوب ولابد من الوقوف معهم. ولو نوقش (5) في مسند هذه الرواية نقول إن صحيح الخزاز وإن كان مطلقاً إلا أن القرينة قائمة على هذا القيد إذ من البعيد تعبد الشارع بوجوب الاستئذان على الولد كلما أراد الدخول على والده مطلقاً .

الرابع : لا ملازمة بين جواز النظر وجواز اللمس فالذي يقول بجواز

ص: 91


1- الوسائل باب 119 أبواب مقدمات النكاح ح2 + ح1 ، الكافي ج5 ص 528 ح3 + ح4 .
2- الوسائل باب 119 أبواب مقدمات النكاح ح2 + ح1 ، الكافي ج5 ص 528 ح3 + ح4 .
3- أبي جميلة لم يوثق في كتب الرجال ويظهر من السيد الأستاذ اعتباره لكون الراوي عنه ابن نضال كما صرح بذلك وهذا فيه كلام بين الرجالين من ناحية كفاية رواية أمثال ابن فضال في توثيق المروي عنه .
4- الوسائل باب 119 أبواب مقدمات النكاح ح2 وفيها وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجاهما عليه ولا يحبان ذلك مني والسلام أحسن وأصوب، الكافي ج5 ص528 ح4 .
5- للنقاش في أبي جميلة.

النظر إلى الوجه والكف لا يقول بجواز لمس هذه الأعضاء بناءً على استفادة العموم من الأخبار على وجه تقدم والوجه واضح وهو ان العموم حجة في مفاده ما لم يرد دليل على تخصيصه وقد ورد في مورد المنع عن النظر استثناء الوجه والكفين ولم يرد في الأخبار ما يدل على جواز لمسها .

الخامس : قد مضى أنه يجوز النظر أو اللمس للمعالجة أو لغير ذلك من الأمور المهمة التي ملاكها أقوى من مفسدة النظر أو اللمس كإنقاذ الأجنبية من الغرق أو الحرق أو غير ذلك لكنه لابدّ من أن يقتصر على مورد الضرورة فإذا أمكن معالجة أجنبية بالنظر ولم يكن العلاج موقوفاً على اللمس لم يجز للطبيب المباشر اللمس كما إذا كان الأمر بالعكس كان الجائز العكس.

السادس : قال في العروة : إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع وكذا بالنسبة إلى من يجب التستر عنه ومن لا يجب . . وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية فإن شك في كونه مماثلاً أو لا أو شك في كونه من المحارم النسبية أو لا فالظاهر وجوب الاجتناب لأن الظاهر من آية وجوب الغض أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلاً أو من المحارم فمع الشك يعمل بمقتضى العموم لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع حتى يكون من موارد أصل البراءة بل من قبيل المقتضي والمانع. ومع إحراز المقتضي والشك في المانع يؤثر المقتضي أثره .

وقال المحقق النايئيني في حاشيته على ذلك «يدل نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر، وعدم جواز الاقتحام عند الشك فيه ويكون من المداليل الالتزامية العرفية» .

ص: 92

أقول : إن البحث في المقام إنما هو في جهات :

1 - هل يفهم من الآية أن النظر مطلقٌ فيه ملاك الحرمة على نحو العموم؟

2 - إنّه لو سلمنا استفادة ذلك العموم من الآية فهل التخصيص بنفسه أنواعي أم لا؟

3 - إنّ التخصيص هل يستلزم التنويع أم لا؟

أما الجهة الأولى : فإنه لا يظهر من الآية أن المفسدة كامنة في مطلق النظر من كل ناظر إلى كل منظور حتى يكون الخارج إنما خرج لطرو مانع عن تأثير هذا الاقتضاء كما على الحال بالنسبة لكل تخصيص فلو قلنا أكرم العلماء يكون ملاك وجوب الإكرام وجود صفة العلم وتخصيص هذا الكلام العام بلا تكرم الفاسق إنما هو لكون الفسق صفة رذيلة مانعة من تأثير صفة العلم في إيجاب الإكرام وأما ما نحن فيه فليس من هذا القبيل فإن آية الغض لم يذكر فيها المنظور إليه بالنسبة إلى الرجال كما أنه لم يذكر فيها استثناء. نعم يفهم من الاستثناءات الواردة في آية الغض بالنسبة إلى النساء حكم الرجال بالملازمة. وحينئذٍ كما يمكن أن يقال إنّ المتعلق في آية الغض بالنسبة إليهم مطلق خرج ما خرج كذلك يمكن أن يقال إن المتعلق هو الجنس المخالف بل ذلك هو المتيقن لوجود القرينة عرفاً وشرعاً أما عرفاً فمن الواضح أن نظر الرجل إلى مماثله أو العجوز من غير المماثل ليس فيه اقتضاء المنع وأما شرعاً فلما ورد في العلل (1) من قوله علیه السلام محرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج (2) لما فيه من التهييج إلى الفساد. فالعلة

ص: 93


1- الوسائل باب 12 من أبواب مقدمات النكاح ح12 ، علل الشرايع ص564 ح1 .
2- . . . وإلى غيرهن لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل له ولا يجمل . نص الرواية .

المذكورة في الرواية لا تكون إلا في الجنس المخالف وحينئذٍ لنا أن نقول إنّ استثناء المماثل إخراج لمن ليس فيه جهة المنع فإذا شك في كون المنظور إليه مماثلاً حتى لا يكون فيه جهة المنع أو مخالفاً فقد شك في المصداق إذ لا عموم في البين يقتضي حرمة النظر مطلقاً . وأما آية غض النساء فهي وإن كانت مخصصة بالنسبة إلى حرمة إبداء الزينة بالزوج والأب وغيرهما لكن يمكن أن يقال إنّ تلك الآية مطلقة بالنسبة إلى كل منظور إليه مماثلاً أو مخالفاً ولا سيما بعد ما نرى من استثناء (نساءِهن) حيث إنّه لو لم تكن الآية عامة لكان الاستثناء منقطعاً إلا أنه مع ذلك لا عموم فيها لأن نساءهن إما مجمل من حيث المراد وإما مراد منها الجواري والخدم من النساء لاختلاف المفسرين في المراد منها فذهب صاحب الكشاف إلى أنه الجواري وعن الشهيد الجواري والخدم من النساء وعن بعض الخدم من الحرائر وعن رابع الأرحام نعم قد احتمل في الجواهر أما المراد فطلق النساء وبه يمكن استفادة العموم لكنه غير مسلّم .

الجهة الثانية : أنه على فرض استفادة العموم من الآية فهل التخصيص يوجب التنويع أم لا . فنقول إنه قد يتوهم أن التخصيص في أي مورد قد يوجب التنويع بتقريب أن الإهمال بالنسبة إلى موضوع الحكم إذا كان الحاكم ملتفتاً محال . فإنه في عالم أخذ الموضوع إمّا أن يرى موضوع حكمه مطلقاً غير مقيد بقيد وإما أن يراه مقيداً بقيد دخيل فيه ولذا لا يمكن إهمال الموضوع في الواقع عند تعليق الحكم عليه . فإذا ورد عام ثم ورد خاص نفهم بالدلالة الالتزامية أن موضوع العام مقيد لا مطلق وهذا القيد إنما يعلم من دليل الخاص. فإذا ورد أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم الفساق منهم وشككنا في كون زيد العالم فاسقاً أم لا لا يمكن أن نتمسك بالعام ويقال بوجوب إكرامه لكونه من مصاديق العام إذ إنّه بعد التخصيص ينقلب عنوان العالم عن إطلاقه إلى التقييد بكونه غير فاسق . وهذا المبنى للمرزا

ص: 94

النائيني «قده» ومن الغريب أنه مع ذلك يقول فيما نحن فيه بأن الرخصة قد علقت على أمر وجودي ونفس هذا التعليق يدل بالدلالة الالتزامية على لزوم إحراز هذا العنوان الوجودي حيث يُرَدُّ عليه هنا بمثل (1) أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم قيقال قد علق المنع عن الإكرام بأمر وجودي وهو الفسق ويدل هذا التعليق على لزوم إحراز كون هذا فاسقاً كما يرد عليه قوله في مبحث العام والخاص على ما يقوله في المقام من أن استثناء المماثل يوجب انقلاب عنوان العام عن الإطلاق إلى التقييد بكونه غير مماثل وإذا شككنا في أن المنظور إليه هل هو مماثل أم غير مماثل يكون التمسك بإطلاق الآية تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية، إذ لم يحرز كونه من مصاديق العام - أعنى من ليس بمماثل أو من ليس بمحرم نسبي - وكيف كان يرد على ما قاله في مبحث العام والخاص بأن العدم غير ناعت ولا دلالة التزامية في التخصيص على تقييد العام بقيد عدمي متصيد من دليل الخاص. وذهب جمع آخرون إلى أن المعنون بعنوان خاص خارج عن العام والباقي تحت العموم غير معنون بعنوان بخصوصه بل كل عنوان كان مع العام وكان العام متعلقاً به لا يمنع من شمول الحكم له ما لم يكن هذا العنوان الخارج بخصوصه. وهذا ما ذهب إليه الخرساني في الكفاية. وملخصه أن أكرم العلماء شامل للنحوي والعرفي وغيرهما والخارج إنما هو الفاسق ولذا لا يرى التمسك بقوله أكرم العلماء لوجوب إكرام زيد العالم المشكوك فسقه تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية. وهذا ما ناقشه النائيني مفصلاً بما ذكرنا ورددنا عليه .

والتحقيق أن التخصيص (وهو إخراج بعض الأفراد التي يكون العام ظاهراً فيها مما تحت الحكم العام) ينقسم إلى أقسام.

ص: 95


1- علي بن الحكم بن الزبير النخعي الأنباري، قال النجاشي أبو الحسن الضرير مولى له كتاب وقال الطوسي الكوفي ثقة جليل القدر له كتاب.

الأول : ما إذا كان العام مشتغلاً على ملاك يوجب الحكم ک أكرم العلماء حيث يعلم أن مناط وجوب إكرامهم إنما هو اتصافهم بهذه الصفة المشرفة فإذا خرج الفساق مع علمنا بأن الفسق صفة رذيلة موجبة لذم الفاسق فيكون وزان هذا الخاص بالنسبة إلى ذلك العام وزان المانع بالنسبة إلى المقتضى. هذا بحسب عام الإثبات والمناسبات التي يفهمها العرف من الموضوعات وأحكامها وأما بحسب عالم الثبوت فلا يكون موضوع العام إلّا المتصف بالصفة التي توجب هذا الحكم ليس إلّا . وذلك لأن عدم الفسق بما هو عدم متوغلٌ في الإبهام والليسية. فليس للعدم وإن أضيف إلى ماهية من الماهيات أيُّ دخلٍ تأثيري في أي أثر يتصور كما ترى من صحة انتزاع عنوان عدمي وعقد قضية منها تسميها باسم القضية المعدولة فإن هذا لا يدل على أن العدم أو الوصف المعدول له تقرر في غير عالم الذهن بل هو إشارة إلى خلوّ الموضوع من وصف وجودي أو شيء آخر من الأغراض التي تكون موجبة لعقد القضية. فإذا قلت زيد لا عادل لا تعني به اتصافه بصفة لا عادلية بحسب الخارج بل تريد أن تسلب عنه وصف العدالة. فبحسب الثبوت لا يعقل دخل الوصف العدمي في الحكم. نعم الصفة المانعة تكون دخيلة بالدخل الإخلالي للحكم ولكن ذلك لا يوجب أخذ نقيضها في موضوع الحكم ولذا قلنا إنّ العدم ليس بناعت مریدین به الاتصاف بحسب الحقيقة ولبّ الواقع لا بحسب عالم الألفاظ إذ نحن نرى أن القضايا معدولة الموضوع أو المحمول أو الطرفين موجودة في صناعات العلوم خصوصاً المنطق. فما قاله النائيني (ره) من أن التخصيص يدل بالدلالة الالتزامية على تقييد العام بغير عنوان الخاص فاسد جداً إذ قلنا إنّ العدم ليس له دخل تأثيري في ملاك الحكم وأن الوصف الموجود في ناحية التخصيص هو الذي يكون له الدخل الإخلالي في تأثير مقتضى الحكم . هذا إن أراد من كلامه - كما هو الظاهر - أخذ عنوانٍ عدمي من دليل التخصيص

ص: 96

ووصف العام به أما لو أراد اتصاف العام بعنوان يضاد العنوان الموجود في المخصص يكون كلامه أوضح فساداً من الأول حيث إنّه لو فرض عدم اتصاف عالمٍ بالعدالة وبالفسق يعني في كلية موارد الضدين اللذين ليس لهما ثالث لما أمكن القول به بل لا يلتزم هو أيضاً بعدم شمول الحكم له. وكيف كان الإهمال الواقعي لا يرتبط في مقام التخصيص فإذا شك في اتصاف موضوع العام بوصف الخاص لا يكون التمسك بالعام فيه تمسكاً بالشبهة المصداقية إذ من المقطوع به أن المشكوك معنون بعنوان العام وإنما الشك في اتصافه بوصف يكون سبباً لخروجه عن دائرة العموم. نعم لا بدّ من علاج هذا الشكّ حيث نقول إنّه لو كان له حالة سابقة وجودية أو عدمية لارتفعت المشكلة إذ نقول هذا العالم كان فاسقاً ولم نعلم زوال فسقه فيتنقح موضوع الخاص باستصحاب الفسق وحينئذٍ لا يشمله العموم وإن كان عادلاً نقول لم يكن في السابق فاسقاً والآن كما كان فيتنقح بهذا الأصل فرداً من افراد العام ولا أقول إنّه يثبت له بذلك وصف عدم الفسق إذ إن ذلك بلا ملزم ولا موجب لما عرفت من أن الخارج هو الفاسق لا أن الداخل غير الفاسق بل لو لم يكن له حالة سابقة أيضاً لأمكن استصحاب العدم الأزلي للوصف المانع إذ لا نريد لهذا الأصل توصيف المشكوك فيه بما يتناقض الوصف المأخوذ من المخصص بل نريد بالأصل في المقام أن نرفع الشك عن وجود المانع وحينئذٍ يؤثر المقتضي . فإن كان مراد من يقول بالأخذ بالمقتضي وعدم المانع أن المورد الذي ثبت فيه الاقتضاء من عموم دليل ولم يثبت المانع عن شمول الحكم له ورفع الشك ببركة الأصل الجاري في المورد من ناحية الوصف تكون قاعدة المقتضي والمانع صحيحة موافقة للبرهان. إذ لا برهان أقوى من إطلاق دليل أو عمومه . وأما عدم رجوع ذلك - هذه القاعدة - إلى الاستصحاب فلأن الاستصحاب أعم جرياناً بالنسبة إلى مورد وجود إطلاق دليل أو عمومه شككنا في وجود المقيد أو المخصص له خارجاً

ص: 97

بالشبهة الحكمية أو الموضوعية وإلى غيره . وأما قاعدة المقتضي والمانع فهي مختصة بموارد وجود دليل دال على الاقتضاء. وبهذا التقريب تعرف أن القاعدة لها صغريات لا تحصى وكبرى برهانية .

القسم الثاني : أن يكون التخصيص أنواعياً وذلك عندما يكون مخرجاً لنوع ومبقياً لآخر بمعنى أن يكون الباقي تحت العام بعد إخراج المخصص نوعاً مقابلاً لما أخرجه المخصص . مثلاً لو قال الصلاة فيما لا يؤكل لحمه فاسدة فالحيوان من حيث حلّ أكله ينقسم إلى ما يؤكل وما لا يؤكل ولا ثالث لهما والمشكوك لا يمكن إحراز حكمه لا من دليل عام ولا من دليل خاص وفي مثله يرجع إلى الأصول الجارية في المسألة فإذا كان لبس غير المأكل مبطل للصلاة وذلك بأن لا يكون شرط حل الصلاة إتيانها بلباسٍ من مأكول اللحم حسب ما يظهر من الأدلة المانعة ومن معلومية صحة الصلاة في القطن والكتان فحينئذٍ يرجع إلى أصالة عدم المانع ولو باستصحاب العدم الأزلي بتقريب أن المانع له هو (محرم الأكل) ومن البديهي أن هذا العنوان مركب من الحيوان ومن كونه محرم الأكل ولكل موجود حادث عدم أزلي لا محالة سواءاً كان مركباً من ذاتٍ ووصف أم ذاتيين أم كان بسيطاً فنقول إنّ الحيوان غير محلل الأكل لم يكن والعام يبقى على حاله كما كان، ولا نرید به إثبات عدم كون هذا اللباس (من المورد لابتلاء المصلي من حيث اللبس) محلل الأكل أو إثبات أنه متصف بوصف عدم المأكولية بأن يكون العدم المجرور من الأزل نعتاً للمشكوك ولذا بينّا في باب لباس المشكوك بأن مثل هذا الأصل جارٍ وببركته يجوز الصلاة في الماهوت وغيره من الألبسة المتخَذة مما لا يعلم كونه من مأكول اللحم. وعلى فرض عدم جريان أصالة العدم نتمسك فيها بأصالة الحل وكيف كان فالذي يظهر من الأخبار فيما نحن فيه أن المقام من قبيل القسم الثاني إذا كان فالذي يظهر من الأخبار فيما نحن فيه أن المقام من قبيل القسم الثاني إذا كان الشك

ص: 98

بالنظر إلى المماثل أو المحرم السببي وذلك لأن الإنسان على صنفين مماثل وغيره وأعني بذلك أنه ينقسم إلى رجل وامرأة فإخراج المماثل إبقاء للمخالف وبالعكس فتعليق جواز النظر على المماثل لا يستلزم إطلاق عموم المنع بالنسبة إلى المشكوك بتقريب أن الجواز معلق على عنوان المماثل أو بتقريب أن المقام من قبيل المقتضى والمنع .

أما الأول - وهو مختار النائيني - فلأن كل حكم واقعي يتعلق بمتعلقه واقعاً فالمدلول المطابقي لكلِّ دليل إثبات الحكم لموضوعه من غير نظر من هذا الدليل إلى المرتبة المتأخرة عنه وهي مرحلة الإحراز أو الشك أو الظن وإن شئت قلت أن الدليل متمحّض في بيان الحكم الواقعي وما عداه خارج عن حوصلة الدليل . مضافاً إلى ما اخترناه في الأصول من أن الشارع ليس له إعمال أي تعبد في باب الطرق والإمارات. فلا مدلول التزامي للدليل المتكفل للحكم على موضوع بالنسبة إلى لزوم إحراز ذلك الموضوع بل هذا الحكم إنما هو حكم عرفي عقلائي إذ كيف يعقل إحراز الحكم من دون إحراز الموضوع فإذا قال المولى أكرم زيداً ولم نحرز كون شخص ما أنه زيد فكيف يعقل القول بوجوب إكرامه .

وأما الثاني : فإنه مضافاً إلى ما ذكرنا من أن ملاك حرمة النظر إنما هي في الجنس المخالف لما أسمعناك من خبر العلل (تهييج الفساد) ومن المعلوم عدم جريان هذه العلة لمورد النظر إلى المماثل يرد عليه أن إخراج المماثل يستلزم إبقاء غير المماثل والفرق كبير بين ما إذا كان للعام مع قطع النظر عن خروج عنوان الخاص عناوين مختلفة كإخراج نوعٍ من جنس ذي أنواع وبين ما إذا كان الخارج مستلزماً لبقاء ما يقابله محضاً من الداخل فإخراج المماثل إبقاء للمخالف وحده كما أن إدخال المحارم النسبية في المخصص إبقاء لغير المحارم في العموم. نعم لو كانت جهة الحل عارضة

ص: 99

كالزوجية والرضاع واليمين حيث إنّ تلك الأمور من النسب أو الصفات أو الحالات العارضة الموجبة لقلب الموضوع وقلب الحكم فالأجنبية ببركة العقد تحرز نسبة اعتبارية وتنقلب موضوعاً عن كونها أجنبية إلى كونها زوجة وينقلب الحكم من الحرمة إلى الحلّ . . وكذا الرضاع وملك اليمين. فإن العام في هذه الموارد يكون حجة بالنسبة للفرد المشكوك فيكون المورد من قبيل القسم الأول بتقريب أن حرمة النظر إلى الأجنبية ثابت وصيرورة هذه الأجنبية بسبب وقوع العقد زوجة مشكوك أو مملوكة مشكوك أو أخت رضاعية مشكوك فالأصل عدم طرو هذه الأسباب والجهات الموجبة للحل ومن المعلوم أن هذه الإضافات لها حالة سابقة. ولا مانع من جريان الاستصحاب فيها حينئذٍ، وإن كان استصحاباً عدمياً.

القسم الثالث : المشكوك كون التخصيص على نحو الاقتضاء والمنع أو على نحو الأنواعي فإذا انعقد للعام ظهور في العموم وشككنا في فرد للشك في طرو عنوان مانع فلا بد من الرجوع إلى الأصول العملية. أما إذا كان الشك في كون الأجنبية زوجة أم مملوكة أم رضيعة مثلاً فيرجع إلى الأصول العدمية وذلك لأن هذه أمور حادثة جعلها الشارع أسباباً لأحكام شرعية فإذا شك في تحققها تجري أصالة العدم . وأظن أن الفقهاء إنما ذهبوا إلى الاحتياط في الفروج ببركة الأصول العدمية وليس ذلك منهم لكون الاحتياط واجباً تعبدياً شرعياً لأن الأوامر الواردة في الشرع بالنسبة إلى الاحتياط إرشادية كلها فإن مدلول مادة الاحتياط يناقض الجعل التعبدي بالنسبة إلى حكم الاحتياط إذ المفهوم من هذه المادة هو دَرْك الواقع وحيث لا علم بالحكم الواقعي فالمدار على الأصل العدمي.

- السابع - لو كان الشك في أن المنظور إليه إنسان أو حيوان فلا ينبغي الإشكال في جواز النظر إليه لا لدعوى الانصراف كما ذهب إليه بعضهم إذ غضّ البصر بنفسه من الأفعال ذات الإضافة والمتعلق في المقام غير مذكور

ص: 100

ولا يعقل أن يكون عاماً بالنسبة إلى كل شيء لضرورة العقول والأديان على عدم وجوب غض البصر عن الأشياء كافة فلا بد من تعيين المتعلق إما بالقرائن وإما بالأخبار وإما بالإجماع وإلا فلا بدّ من القول إنّ الآية مجملة . وكيف كان لا يمكن القول إنّ لآية الغضّ إطلاق وهو متصرف إلى الإنسان ومن هذا يظهر أنّه لو شك في كون شخص بالغاً أم لا؟ مميزاً أم لا؟ تكون الشبهة مصداقية إذ المتيقن من متعلق غضّ البصر هو غير المماثل البالغ المميز لأن ملاك الحرمة إنما هو في مثله . مضافاً إلى جريان استصحاب عدم التمييز وعدم البلوغ . وطريق الاحتياط واضح .

- الثامن - يجب على النساء ستر جميع أعضائهن احتياطاً مؤكداً في غير الوجه والكفين لما عرفت من الأدلة . ويحرم على الرجال النظر إليهن كما عرفت نعم لا يجب على الرجال الستر من النساء للاتفاق وقيام الضرورة القطعية عليه . نعم يحرم على النساء النظر إلى الرجال لما عرفت من تسالم الفقهاء على الملازمة بين حرمة نظر الرجال إلى النساء وبين حرمة نظر النساء إلى الرجال. كل هذا بالنسبة إلى غير العورة أما هي فيجب سترها على الرجال أيضاً بالنسبة إلى غير الزوجة والمملوكة لاستفاضة الأخبار الواردة في ابواب التخلي والحمام وغسل الميت. وقال في العروة - يجب على الرجال التستر مع العلم بتعمد النساء في النظر من باب حرمة الإعانة على الإثم واستشكل عليه بعضهم بأنه لا بدّ في صدق الإعانة على الاثم من القصد ويمكن أن يقال إنّ العلم بالتسبب من قبل المباشر كافٍ لحرمة التسبيب بالنسبة إلى موجد السبب ولكن الإشكال إنما هو في موضوع الحرمة شرعاً وهل هو عبارة عن إعداد المقدمات أو تهيئة ما يمكن أن يكون سبباً . وذلك لأن الإعانة لا يمكن أن يُراد منها العلة التامة لأن العلة التامة إنما هي الحركة الفاعلية من المباشر. فإذا أعطى زيد عمراً سيفاً فقتل به خالداً فالعلة التامة هي إرادة عمرو كما لا يمكن أن

ص: 101

يكون المراد منها إيجاد المعدات ولذا ذهب جماعة إلى جواز بيع العنب ممن يعمله خمراً كما هو منصوص أيضاً. والالتزام بأن جواز ذلك وصفاً وتكليفاً أو تكليفاً فقط مشروط بعدم قصد البائع إعانة المشتري على صنعه خمراً غير مدعوم بدليل . وحينئذٍ يمكن أن يقال إنّ مجرد عدم ستر الرجل صدره مثلاً في مورد علمه بنظر الأجنبية إليه ليس إعانة على الحرام. وزاد بعضهم احتمال نظر النساء فاحتاط بالتستر وهو وإن كان راجحاً أن لزوم هذا الاحتياط لا دليل عليه .

- التاسع - هل المُحرَّم من النظر ما يكون على وجه يتمكن من التمييز بين الرجل والمرأة وأنه العضو الفلاني أو غيره أو مطلقاً، فلو رأى الأجنبية من بعيد بحيث لا يمكن تمييزها أو تمييز أعضائها أو لا يمكنه تميز كونها رجلاً أو امرأة بل أو لا يمكنه تميز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً أم لا يكون حراماً . أقول قد يتوهم من آية الغضّ العموم حتى بالنظر إلى تلك الموارد كما أنه قد يتوهم اشتراط التمييز بدعوى الانصراف وكلا الدعويان مخالفة لما مر من أن الآية الكريمة ليست مطلقة نعم قالوا إنّ حذف المتعلق يفيد العموم لا أنه بنفسه دال عليه بالدلالة اللفظية . وقد عرفت أنه لا يمكن أن يراد من المتعلق والمناسبة والأخبار موجبة لتعيين المتعلق وهو النوع المخالف فإذا شك في كون المنظور إليه إنساناً أو حيواناً أو شك في كون شيء عضواً من المرأة أو خشية مثلاً تكون الشبهة مصداقية والمرجع فيها إصالة إبرائه .

الثاني من اللواحق ويتعلق بمسائل

الأولى : قال في الشرايع (الوطي في دبر المرأة فيه روايتان أشهرهما الجواز) وهذه المسألة كانت مورداً للاختلاف بين العلماء فالشيخ المفيد والطوسي والسيد المرتضى ذهبوا إلى الجواز وأكثر المتأخرين . . إلا أن

ص: 102

بعضاً من العلماء كالقميين وأبو حمزة ذهبوا إلى الحرمة. ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار جوازاً ومنعاً. وقبل البحث في الأخبار الواردة في المقام لا بد من أن يقال هل الأصل الجواز أم المنع؟ فنقول مقتضى الأصل في الشبهة التحريمية بناءً على مسلك الأصوليين هو البراءة هذا إذا لم نقل بإمكان استفادة جواز كلّ استمتاع من الزوجة من مجموع الأدلة الواردة في باب النكاح . وكيف كان فلو أغمضنا النظر عن الأخبار في المقام يكون الأصل البراءة(1) ولذا نقول إنّ صاحب المسالك يلزمه القول بالجواز في المقام بعد استشكاله في أدلة الطرفين كتاباً وسنةً إذ إنه(ره) قال ما ملخصه إنّ الأخبار من الطرفين غير صحيحة ولذا أضربنا عنها ثم قال إنّ الاستدلال على الجواز بقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) غير تام لأن كلمة أنّى مشتركة بين المكان والكيفية. ثم خرج من المسألة من دون نتيجة ولذا اعترض عليه في الجواهر بذلك ولكني أظن بأن صاحب المسالك خرج منها غير مشير إلى الجواز أو المنع لأجل رجحان الاحتياط مطلقاً ولا سيما في المقام . وكيف كان فلو قلنا إنّ الأدلة غير قابلة للاستناد فالمرجع هو الأخذ بعمومات جواز الاستمتاع بالزوجة مطلقاً وإن استشكل في هذا العموم فالمرجع أصالة البراءة بناءً على جريانها في الشهبة التحريمية كما هو الحق. لكن لا تصل النوبة إلى ذلك لأن الأخبار الواردة في المقام والمجوزة أخبار صحيحة. وإشكال المسالك إنما هو في بعض الرواة والذين نص النجاشي على توثيقهم من حيث كونه مشكوك المذهب وقد قال الكشي عن بعضهم أنه فطحي وعلي بن الحكم (2) مشترك بين ثقة

ص: 103


1- لعل المناسب أن يقال الأصل الإباحة لا البراءة إلا أن يراد إصالة البراءة من الحرمة بمعنى البراءة من الإثم إلّا أن يدلّ دليل حاكم على هذا الأصل. والرجوع إلى الأصل هنا يفيدنا لو تعارضت الأخبار والروايات وتساقطت . . .
2- علي بن الحكم بن الزبير النخعي الأنباري قال النجاشي أبو الحسن الضرير مولى له كتاب وقال الطوسي الكوفي ثقة جليل القدر له كتاب.

وضعيف. لكن الموثق هو كالصحيح إذ إن المناط في حجية الأخبار هو الوثوق العرفي بصدق الراوي وبناء العقلاء قائم على الاعتماد على قول من يوثق بقوله فإذا أحرزوا صدق شخص أخذوا بقوله وليس للشارع طريقة خاصة في موارد الطرق العقلائية بل ذكرنا أن مثل هذا الطريق لا يحتاج إلى الإمضاء الشرعي إذ لو كان هناك منع من الشارع لوجب عليه البيان وعليه فمجرد كون الراوي فطحي المذهب بعد الاعتراف بكونه ثقة لا يوجب سقوط قوله والخلل في المذهب لا ينافي صدق الكلام فكيف يجترئ الشهيد الثاني على عدم الاعتماد على الموثقات وهل قام عنده دلیل تعبدي على إخراج مثل هذا القسم عن الخبر المصطلح عليه عند المتأخرين بالموثق عن الحجية. وأما علي بن الحكم فقد اشتبه حاله لأن الكشي عبَّر عنه بتعبير والنجاشي بآخر والطوسي بثالث فعنوانه الأول بالأنباري والثاني بالنخعي والثالث بالكوفي وحيث إنّ اجتماع هذه العناوين ممكن بل لهم شواهد على تطابق مثل هذه العناوين على شخص واحد . فيكون علي بن الحكم واحداً لا متعدداً والذي يظهر لنا أن اكتفاء كلّ واحد منهم في علي بن الحكم بشخص واحد دليل بارز على الاتحاد وأما ذكر الشيخ الطوسي الرجل مرة هو بالنسبة إليه ليس بنادر فلا ينافي ما قلنا . فالإنصاف أن علي بن الحكم واحد . وعلى فرض التعدد فإنه يعرف من الراوي عنه وهو أحمد بن محمد الذي يروي عن الثقة. وعليه فرواية صحيحة . ولو تنزلنا فإن تعاضد الأخبار يوجب الاطمئنان بل العلم بصدور مثل هذا المتن - المجوز - عنهم علیه السلام . وإذا أغمضنا النظر عن ذلك أيضاً فلا ريب في أن مستند الفقهاء القدماء في الجواز كان تلك الأخبار واستنادهم إليها مع كمال دقتهم في الأخبار سنداً وفي الأحكام تجنباً عن الاقتراح بالحكم يوجبُ انجبا ضعفها إن سلمناه ولن نسلم أبداً .

وبالجملة الأخبار المجوزة فيها صحاح وموثقات فعن الصحاح ما عن

ص: 104

صفوان (1) يقول قلت للرضا علیه السلام إنّ رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك عنها قال ما هي قال قلت الرجل يأتي المرأة في دبرها قال نعم ذلك له قلت وأنت تفعل ذلك قال لا أنا لا أفعل ذلك . وموثق (2) عبد الله بن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله عن . . . قال لا بأس إذا رضيت قلت فأين قوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ (3) قال هذا في طلب الولد .

وهذا الخبر وإن عدَّ من قسم الموثق إلّا أن التحقيق أنه صحيح لأن إسناد الشيخ الطوسي (ره) إلى أحمد بن محمد بن عيسى صحيح وأحمد هذا من ثقاة المشايخ وهو يروي عن علي بن أسباط وهذا على ما في رجال النجاشي كان فطحياً إلا أنه رجع عن ذلك وهو كوفي ثقة بل قال عنه أنه كان أوثق الناس وأصدقهم لهجة وهو يروي عن محمد بن حمران النهدي بقرينة رواية ابن أسباط عنه وهو ثقة على ما قاله النجاشي وهو يروي عن عبد الله بن أبي يعفور الذي قال في حقه النجاشي ثقة جليل في أصحابنا كريم على أبي عبد الله علیه السلام فعدُّ هذا الخبر من الموثق إنما هو باعتبار علي بن أسباط لكنه كما ذكرنا قد رجع عن الفطحية بل يظهر من الأخبار أن جماعة من الفطحية رجعوا عنها وانضموا إلى أصحاب موسى بن جعفر والرضا والجواد علیهم السلام ولذا نرى أن النجاشي وهو أعظم الرجاليين قدراً ومنزلة وأثبتهم وأضبطهم لمَّا يذكر معاوية بن حكيم لا يغمز في مذهبه ويطلق عليه كلمة ثقة الظاهرة في كونه إمامياً عدلاً وكذا بالنسبة إلى محمد بن الوليد الخزاز حيث يقول عنه ثقة ومع ذلك نرى أن الكشي ينقل عن أبي عمرو قوله محمد بن الوليد الخزاز ومعاوية بن حكيم ومصدق بن صدقة ومحمد بن

ص: 105


1- باب 73 من أبواب مقدمات النكاح ح1 ، عن التهذيب ج7 ص415 ح1663 ، الكافي ج5 ص 540 ح2.
2- باب 73 من أبواب مقدمات النكاح ح2 ، التهذيب ج7، ص 414 ح1657.
3- سورة البقرة، الآية : 223 .

سالم بن عبد الحميد هؤلاء كلهم فطحية وهم من أجلّاء العلماء والفقهاء والعدول وبعضهم أدرك الرضا علیه السلام وكلهم كوفيون. ولكن يمكن أن يقال إن نظر الكشي أو من نقل هذه العبارة إنّ هؤلاء كانوا من الفطحية بشهادة النجاشي على وثاقة الخزاز ومعاوية مثلاً بل ربما يقال إنّ كلمة العدول المسندة إلى هؤلاء دالّة على كونهم إمامين . وكيف كان فبعد رجوع علي بن أسباط واستناد رواياته إليه بقاءً بمعنى عدم إبراز كذبه فيها لا بدّ من أن تعدّ روایاته بالنظر إلى شخصه صحيحة وهذا منا تسليم ومماشاة مع المصطلحات وإلا فقد كررنا القول إنّ حجية الخبر لا تدور مدار المذهب بل مدار صدق الراوي إذ لا دليل لنا شرعاً على اعتبار وصفٍ زائدٍ على ما يعتبره العرف في اعتبار خبر المخبر .

وهذا الخبر إنما يدل على أمور أربعة : 1 - الجواز. 2 - تقييده برضا المرأة . 3 - إنّ المرتكز في ذهن ابن أبي يعفور أن آية ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله) (1) ناظرة إلى حصر موضع الإتيان بالقبل . 4 - أن آية ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (2) دالة بالتعميم على الدبر . أما الجواز فهو مما يدل عليه سائر الروايات المجوزة أيضاً وأما التقييد برضاها فإن المطلقات قوية الإطلاق وبعضها ظاهر في أن هذا التصرف إنما هو للرجل كما في صحيح علي بن الحكم الذي ذكرناه (ذلك له) ويظهر من هذه المطلقات ومن قوله تعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ (3) أن الأمر لا يدور مدار رضا المرأة نعم لا بد من حمل هذه الشرطية (لا بأس إن رضيت) على الجهة الأخلاقية كما يظهر هذا اللسان أيضاً من قوله هي لعبتك فلا تؤذها كما في المرسل (4) عن أبي عبد الله علیه السلام .

ص: 106


1- سورة البَقَرَة، الآية : 222 .
2- سورة البَقَرَة، الآية : 223 .
3- سورة البَقَرَة ، الآية : 223 .
4- الوسائل باب 72 أبواب مقدمات النكاح ح4 ، الكافي ج5 ص540 ح1 .

ومن الأخبار الدالة على الجواز صحيح (1) حماد بن عثمان أو الموثق به وهو ما ذكره الشيخ الطوسي بإسناده عن الأشعري عن معاوية بن حكيم عن أحمد بن محمد عن حماد بن عثمان عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يأتي امرأته في دبرها قال لا بأس به وهذا الخبر هو الذي أشرنا إلى تضعيف صاحب المسالك له لوجود معاوية بن حكيم فيه لأن الكشي قال عنه إنّه فطحي وقد أجبنا عن إشكاله بأنه كان فطحياً ورجع لشهادة النجاشي بكونه ثقة. وعلى فرض كونه فطحياً فقوله حجة لا محالة .

ومنها : ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد (2) بن محمد بن عیسی الأشعري عن علي بن الحسن بن فضال وهو وإن كان غير صحيح المذهب إلا أنه ثقة جليل عن الحسن بن الجهم وهو ثقة عن حماد بن عثمان وهو من أصحاب الإجماع قال سألت أبا عبد الله علیه السلام وأخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع وفي البيت جماعة فقال ورفع صوته قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من كلف مملوكه ما لا يطيق فليعنه وفي رواية فليبعه ثم نظر في وجه أهل البيت ثم أصغى إلي فقال لا بأس به. وهذا الخبر يصلح شاهداً على أن ما ورد من الأخبار في مقام المنع وارد مورد التقية. إذ العامة بأجمعهم إلا مالكاً ذهبوا إلى التحريم. فنرى أن هذا السؤال كان مع وجود جماعة عنه الإمام علیه السلام. ويظهر من الذيل أنّه كان فيهم من يتقي منه الإمام علیه السلام ولذا ذكر ذلك الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ثم أجاب السائل خفية عن الموجودين. ومن هنا يمكن أن يقال إنّ الأخبار المانعة واردة مورد التقية وذلك أن الحمل على التقية وإن كان متأخراً رتبة عن الجمع الدلالي والجمع الدلالي إنما يكون في صورة تعادل الخبرين في الحجية إلا أن الحمل على التقية يشاهد

ص: 107


1- الوسائل باب 73 أبواب مقدمات النكاح ح5 ، التهذيب ج7 ص 415 ح1662.
2- الوسائل باب 73 أبواب مقدمات النكاح ح4 ، التهذيب ج7 ص 414 ح1657.

موجود في الأخبار ليس بعزيز بل ظفرنا عليه في جملة من الموارد وفي بعضها يكون الجمع الدلالي موجوداً. وبيان ذلك توضيحاً للمطلب أنه لا

ريب في ورود أخبار مانعة عن الوطي في الدبر كما أسند إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأرسل عنه من قوله صلی الله علیه و آله و سلم (محاش النساء على أمتي حرام)(1) وما ورد في بعض أخبارنا الضعيفة عن أبي عبد الله علیه السلام قال هاشم (لا تعري ولا تفرث) وابن بكير قال لا يفرث أي لا يأتي من غير هذا الموضع (2) مع تفسير لا تعرى أي لا يأتي من غير هذا الموضع وأمثال ذلك إلّا أن تلك الأخبار المانعة ليس فيها ما يعتمد عليه سنداً إلا خبر بل صحيح معمر بن خلاد وهو ما رواه (3) الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن معمر بن خلاد وهو ثقة (النجاشي) قال قال أبو الحسن علیه السلام أي شيء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن قلت إنّه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأساً فقال إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله تعالى : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (4) من خلف أو قدام خلافاً لقول اليهود ولم يعنِ في أدبارهن .

أما الأخبار الضعيفة فهي ساقطة عن الاعتبار وأما هذا الصحيح فهو غير دال أيضاً على التحريم مضافاً إلى معارضته بصحيح ابن أبي يعفور أو موثقة حيث يستشهد الإمام علیه السلام للجواز بقوله تعالى : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) والمعارضة واضحة لا يمكن التأويل فيها فلا بد إذن من حمل صحيح معمر بن خلاد على التقية . وجعل المراد من قوله لم يعنِ في أدبارهن أن الأدبار غير مقصودة بالخصوص في الآية وإن شملتها بالعموم

ص: 108


1- الوسائل باب 72 من أبواب مقدمات النكاح ح2 ، التهذيب ج7 ص416 ح1664 .
2- الوسائل باب 72 أبواب مقدمات النكاح ح3 ، التهذيب ج7 ص416 ح1665.
3- الوسائل باب 72 أبواب مقدمات النكاح ح1 ، التهذيب ج7 ص415 ح1660.
4- سورة البقرة، الآية : 223 .

والإطلاق . مضافاً إلى أن الجمع الدلالي بين الأخبار المجوزة والأخبار المانعة موجود وهو الحمل على الكراهة والشاهد على هذا الجمع موجود في الأخبار المجوزة والأخبار المانعة ففي الطائفة الأولى يسأل الراوي الإمام علیه السلام وأنت تفعل ذلك؟ فيجيبه الإمام علیه السلام لا إنا لا نفعل ذلك؟ وهذا يدل على حزازة هذا العمل وتجنب المعصوم له . وفي الطائفة الثانية قوله هي لعبتك فلا تؤذها. ومع قطع النظر عن ضعف إسناد الأخبار المانعة وعن وجود الجمع الولائي بينها بالحمل على الكراهة لا مناص من حملها على التقية لما قلناه من دلالة موثق حماد بن عثمان عليه . هذا كله مقتضى الأخبار في المسألة.

وأما الاستدلال بالكتاب على الجواز من قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْتُ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) مع قطع النظر عما ورد في مصحح أو صحيح معمر بن خلاد عن عدم كون الآية ناظرة إلى جواز الإتيان في الأدبار فتقريبه بوجهين :

الأول : إنّ كلمة أنَّى مكانية للتبادر ولكثرة استعمالها وإرادة المكان منها . وأما استفادة الكيفية منها في قوله تعالى (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) فيمكن أن يقال إنّها لأجل الكناية فإنه كما تقول من أين لي المال أو الكتاب وتريد به عدم وجود سبب لذلك كذا في أنى فتكني عن عدم وجود المال بعدم وجود مكان لك منه المال فيفهم بالكناية أنك تريد بيان الكيفية. ولو سلمنا أن كلمة أنى مشتركة بين المكانية والكيفية فنقول إن القرينة المعينة للمكان هنا موجودة وهي كلمة حرث فإن الحرث مكان ويناسبه استعمال لفظ أنى في المكان. وأما ما يقال من أنَّ أنى وإن استعملت في المكان إلا أنه لا دلالة فيها على موضع المرأة الخاص (الدبر) لأنها دالة على المحل وهذا غريب فإنه إذا قلنا إنّها مكانية فمن البديهي أن اطلاق كل مكان مكان من المرأة لبيان جواز الاتيان كاف لاستفادة جواز الإتيان في الدبر. وأما ما يقال إنّ

ص: 109

الحرث يناسبه القبل إذ إنّه الموضع المناسب لصيرورة الولد فاستعمال لفظ الحرث إنما هو لكون المرأة محلاً للولد فهو قرينة على القبل ومن المعلوم أن الدبر ليس له ذلك فلا يشمله ففيه أن هذا التعبير إنما هو لبيان وضوح الرخصة - أي الاستمتاع بالمرأة - وأنها كمزرعة أو بستان إذ من البديهي أن إتيان الحرث لا يكون دائماً لأجل الزرع إذ قد يأتي المالك إلى الحرث لأغراضٍ شتى . فهذا التعبير التشبيهي ليس له عقد سلبٍ بالنسبة إلى الدبر كما لا يكون له قرينية لتغيير إطلاق أنى وتخصيصه بالقبل .

وكيف كان لولا مصحح معمر لكانت الآية بإطلاقها دالة على الجواز. فإشكال صاحب المسالك في الاستدلال بالآية مع قطع النظر عن الرواية

غير وارد.

وأما بحسب صحيح معمر فقد عرفت معارضته بغيره . فيكفي في المقام الأدلة المجوزة بل أصالة البراءة إذ إنّه لم يدل دليل قاطع على الحرمة .

الثاني : إنّه لو سلمنا بأنّ استعمال أنَّى في الكيفية واقعا فلا ريب في أن إطلاق الكيفية مستلزم هنا لإطلاق المكان بيانه أن اطلاق تجويز كل كيفية من كيفيات الإتیان المكنى به عن الاستمتاع يستلزم جواز الوطي في الدبر لأن هذا من كيفيات إتيان المرأة إذن الكيفية تستلزم المكان فيما نحن فيه واطلاقها يستلزم اطلاقه فإن بعض الإطلاقات مستلزم لبعضها الآخر ألا ترى أن العموم الأزماني في قوله تعالى أوفوا بالعقود مثلاً يستلزم العموم الإفرادي أو بالعكس والأمر سهل . فإن قلت: هذا صحيح فيما إذا كان الاستلزام غالبياً كالعفو عن الثوب والبدن المتنجس بالدم الأقل من الدرهم المستفادة من الأدلة الدالة على أن الدم الأقل من الدرهم معفوٌ عنه في الصلاة حيث إنّ الدم بنفسه لا يصلَّى فيه بل هو إما أن يكون في الثوب أو في البدن والعفو عنه يستلزم العفو عن الثوب أو البدن. وأما استلزام ذلك

ص: 110

العفو لما تنجس بالدم (مثل الماء والحليب) فلا والفرق أن الاستلزام في الأول غالبي أو دائمي وفي الثاني ليس كذلك فإن مقارنة الدم لمايع آخر من المصادفات. ولذا قلنا إنّ وجوب التقية أو جوازها حتى في الماهيات العبادية لا يستلزم صحة الصلاة لأن اطلاق قوله علیه السلام التقية ديني لا يستلزم صحة ما يؤتى به من العبادات الناقصة . قلت : الأمر كما ذكرت إلا أن هذه الكيفية بخصوصها تكون من الكيفيات البارزة بالنسبة إلى الاستمتاعات فإخراج هذا الموضع من إطلاق الآية بلحاظ أن لفظ أنَّى ليس مكانياً اخراج لحصةٍ عديمة من الكيفية. وبالجملة لو لم يكن في البين صحيح معمر بن خلاد لأمكن الاستدلال بالآية على الجواز . . . وربما يظهر من بعضهم الاستدلال بالآية المباركة (هَؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ (1) بتقريب أن قوم لوط لم يكن لهم المام بالنساء ورغبة بالوطء في القبل ويؤيد ما ادعاه هؤلاء ما ورد من أن الوطي في الدبر أحلته آية من كتاب الله وهي (هَؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) إلا أنه يمكن المناقشة بضعف (2) سند الرواية وعدم دلالة الآية إذ لم لا يجوز أن يكون ذلك ردعاً لهم عما يعملون وايقاظأُ لفطرتهم الأولية التي توجب رغبة الرجل في المرأة . وفيما قدمنا من الأدلة غني وكفاية عن الاستدلال بالآيتين ولا سيما الأخيرة.

فروع

الأول: هل يتحقق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطيها دبراً أم لا؟

ذهب إلى ذلك صاحب الجواهر (قد) مستدلاً بقوله علیه السلام (3) في صحيح علي بن الحكم ( نعم ذلك له) بجعل اللام متعلق باستقر والظاهر أن المراد

ص: 111


1- سورة هود، الآية : 78.
2- الوسائل باب 73 أبواب مقدمات النكاح ح3. التهذيب ج7 ص414 ح1659.
3- الوسائل باب 73 أبواب مقدمات النكاح ح1 . التهذيب ج7 ص 415 ح1663. الكافي ج5 ص540 ح2.

من المشار إليه بذلك الدبر فحينئذٍ يدل لفظ اللام على الاختصاص الحقي ويكون مفادها أن الوطي في الدبر حق ثابت للزوج، ولو كان المراد باللام الصلة لكان المناسب أن يقول حينئذ نعم يجوز ذلك له .

وجعل المشار إليه بلفظ ذلك الجواز بعيد عن الظاهر نعم ورد في موثق (1) ابن أبي يعفور تقييد جواز الإتيان في الدبر برضاها إلا أنك عرفت أنه كاشف عن أمر أخلاقي. ويظهر من قوله هي لعبتك (2) فلا تؤذها . وبعضهم قال إنّ موثق إبن أبي يعفور دال على منع كون الوطي في الدبر من حقوق الزوج لتقييد الجواز فيه برضاها لكنك خبير بأن الموثق لم يأخذ به المشهور من حيث لزوم التقييد بل ذهب المشهور إلى الجواز مطلقاً وليس ذلك إلّا لعدم إمكان تقييد النصوص بلزوم رضاها بهذا الموثق. نعم الإشكال في كون عدم التمكين من الوطي دبراً نشوزاً ناشيء من عدم وجود إطلاق دال على أن كل مخالفة للزوج نشوز فلو منعت المرأة تقبيل وجهها وكانت ممكنة من نفسها قبلاً لا يمكننا القول إنّها ناشزة والمسألة لها تفصيل يأتي في باب النفقة إن شاء الله تعالى .

الثاني : هل يكفي الوطء في الدبر بالنسبة إلى ما يجب على الزوج من وطي الزوجة في كل أربعة أشهر أم لا . قد يقال إنّه يكفي أن يصدق الوطي وهو موضوع للوجوب في كل أربعة أشهر. لكن الإنصاف أن القول بذلك مشكل إذ من الواضح أن الناظر في تلك الأخبار يرى أن هذا الوجوب إنما هو للإرفاق بالزوجة واطفاء الشهوة فيها وقد قلنا إنّ الوطي في الدبر لا يكون موجباً لرغبة المرأة فكيف يكون مما فيه الإرفاق بالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم كفاية الوطي في الدبر عن الوطي الذي يكون حقاً للزوجة على الزوج .

ص: 112


1- الوسائل: باب 73، أبواب مقدمات النكاح ح2. التهذيب ج7، ص414، ح1657.
2- الوسائل: باب 72، أبواب مقدمات النكاح ح4. الكافي ج 5، ص540، ح1.

الثالث : قد ورد في الموثق (1) السابق أن الخَلْف أحد المأتيين فيه الغسل حيث سئل الراوي عن رجل أتى أهله من خلفها فأجابه الإمام بقوله علیه السلام هو أحد المأتيين فيه الغسل فيظهر منه أن الدبر والقبل موضوع لكون وطيه موضوعاً للأحكام الشرعية مثل الغسل وثبوت النسب وغيره. وقد ذهب علماؤنا إلى ذلك والحق معهم حيث إنّ الأخبار الواردة في تعليق الأحكام على الوطي شاملة للوطي في الدبر فيجب على الواطىء والموطوءة الغسل ويجب على الزوج المهر فيقرر المسمى إذا كان العقد صحيحاً وإذا طلقها بعد وطيها دبراً عليه تمام المهر ومهر المثل إذا كان العقد فاسداً ولم يعلم به، ويتحقق النسب بالوطي في الدبر لإمكان سبق الماء وهذا وإن كان نادراً إلّا أنه ليس مما لا يتحقق فالفراش الذي هو إمارة للنسب محقق بالنسبة إلى الواطىء في الدبر .

وكذا يتحقق به حد الزنا إذا كان الوطي لا عن شبهة وتتحقق به المصاهرة أيضاً فلو وطئها دبراً حرمت عليه ابنتها أبداً واختها جمعاً. نعم لا يتحقق به التحليل لأنه يفهم من الأخبار الواردة فيه أن هذا الحكم إنما هو تشديد له لأمر الطلاق وسد لبابه مهما أمكن ولذا ورد أنه لا بد (2) من أن يذوق الزوج المحلل عسيلتها ولو لم يكن في البين كلمة وتذوق عسيلته كما في التذكرة والمبسوط وهي من غير طرقنا لاكتفينا بما ورد في أخبارنا الخاصة من ذوق الزوج عسيلة الزوجة إذ لا يذوق عسيلتها من حيث الدبر كما يذوق من حيث القبل بحسب الفطرة الإنسانية الأولية ولذا نحن لما سئلنا عن كفاية الوطي في القبل بواسطة بعض الآلات المصطنعة في هذا

ص: 113


1- الوسائل : باب 73، أبواب مقدمات النكاح ح7 . التهذيب ج7، ص414، ح1658 . والرواية مرسلة وليست من الموثق ولعله على مبناه من كون في السند ابن أبي عمير وهو لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة .
2- مستدرك الوسائل، باب7، أبواب أقسام الطلاق ح5 .

العصر الموجبة لعدم مماسة البشرة للبشرة استشكلنا في ذلك وقلنا إنّ الوطي الواقعي لا يتحقق بذلك، فنحن وإن قلنا بوجوب الغسل من الجنابة ولو مع عدم الإنزال إلّا أنّنا لا نكتفي به في باب التحليل .

فلو قلنا كما قالوا بخروج الوطي في الدبر عن حكم تحقيق التحليل كان ذلك لانفهام الخصوصية في باب التحليل ولا يكون الوطي في الدبر خارجاً عن عنوان الوطي كما هو واضح . وكذا لا يتحقق الإحصان فلو لم يقدر إلّا على دبر زوجته وزنی قبلاً بالأجنبية لم يرجم وذلك لأن الاحصان لا يتحقق بالوطي في الدبر والشبهة فيه حكمية والحدود تدرأ بالشبهات.

ثم إنّ الوطي في الدبر لا يكفي في الرجوع في باب الإيلاء لو اختار الزوج الفئة بعد مضي أربعة أشهر إذ إنّ الموجود في أخبار الإيلاء وإن كانت الفاظاً مختلفة كالهجر والايغاظ والمجامعة والمماسة والصلح إلّا أن الجمع الدلالي بينها يوجب الجزم بأن المراد من الإيلاء عدم الوطىء في القبل لأنه هو الذي يوجب غضب المرأة وغيظها ولذا قال في الجواهر بأن خروج هذا المثال عما نحن فيه تخصصي ولا يحتاج إلى الاستثناء ومنه يظهر أن خروج الوطي في الدبر عن الوطي الواجب في كل أربعة أشهر أيضاً تخصصي. وكذا لا يتحقق اللزوم في الاستنطاق بالنكاح بالوطي دبراً بل يكفي سكوتها لكشفه عن رضاها وذلك لأن البكارة وهي الأصل في كفاية سكوت الباكر حين الاسترضاء لنكاحها . نعم قد يتوهم أنّ الملاك حياء المرأة وهو يزول بالوطي دبراً لكنه مخالفة للنص من غير دليل إذ كون الحياء ملاكاً لا ينافي تعميم الحكم بالنسبة إلى باكر لا حياء لها لانفتاحها على المجتمع ومخالطتها الرجال فليس الحياء علة للحكم يدور مدارها .

الرابع : قد يستشكل في جواز وطي الحائض دبراً وإن جوزناه مطلقاً إلّا أنه إشكال ضعيف لما حققناه في باب الحيض من أن الممنوع من

ص: 114

استمتاعات الزوجة بسبب الحيض هو الوطي في القبل خاصة إذ إنّ الأذى - الدم - إنما هو من القبل وفي الأخبار (1) إنما يتقي موضع الدم ونحوه فالأقوى جواز وطي الحائض دبراً بل وإن منعناه في غير حالة الحيض.

الخامس : قال في العروة (2) إذا حلف على ترك وطي امرأته في زمان أو مكان يتحقق الحنث بوطيها دبراً ثم قال إلّا أن يكون هناك انصراف إلى الوطي في القبل من حيث كون غرضه عدم انعقاد النطفة. وقيل في وجه الإطلاق أنّه نوع من الوطي المنذور تركه . والتحقيق أن النذر أو الحلف أو العهد من الإيقاعات المنشأة وسعة وضيق المنشاءات من الايقاعات والعقود إنما هو بسعة وضيق قصد المنشيء فلا معنى للاستدلال بالاطلاق فإن الوطي دبراً نوع من الوطي كما لا معنى لقول الماتن بالانصراف لو لم يكن غرضه عدم شمول قصد الحالف للوطي دبراً وحيث إنّ القصد من الأمور النفسانية المعلومة لدى واجدها لا بد من ايكال الأمر إلى الحالف فلا قصد في حلفه الوطي المطلق بأن كان من دأبه التعميم مثلاً فيحصل الحنث بالوطي دبراً حينئذ ولو لم يكن من قصده الحلف ترك وطيها دبراً فلا . نعم الاستظهار من الفاظ الحالفين والناذرين كاستظهار مرادات الموصين أمر أخر إذ عالم الاستظهار اللفظي غير عالم الواقع القصدي. والتفصيل موكول إلى محله . .

ص: 115


1- الوسائل باب 25 أبواب الحيض ح 2 صحيح معاوية بن عمار عن ابن عبد الله علیه السلام قال سألته عن الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال ما دون الفرج . وح6 صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله علیه السلام في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض؟ قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع . ح5 مرسلة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله علیه السلام قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم. لكن في صحيحة عمر بن يزيد ح8 قلت لأبي عبد الله علیه السلام ما للرجل من الحائض؟ قال ما بين اليتيها ولا يوقب.
2- فصل 1 المسألة 5 العروة الوثقى .

السادس: لا يجوز ترك وطي الزوجة أكثر من أربعة أشهر لصحيح (1) صفوان عن الرجل عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر أو السنة لا يقربها ليس يريد الاضرار بها يكون له مصيبة أيكون في ذلك آثماً قال إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك. وفي رواية (2) أخرى إلا أن يكون ذلك بإذنها . وفي صحيح البختري (3) إذا غاضبَ الرجلُ امرأتَه فلم يقربها الخ . . والمشهور اختصاص الحكم بالزوجة الدائمة إلّا أن التحقيق العموم لإطلاق المرأة الخارج عنه الأجنبية لأن الحرام لا يكون تركه حراماً وكلمة المرأة الشابة شاملة للدائمة والمتمتع بها مضافاً إلى معلومية مناط الحكم وهو الارفاق بالمرأة وأن لا تترك مهملة الغرائز فتردد صاحب الكفاية ليس في محله. ثم إنّه هل يشمل الحكم غير الشابة أم لا؟ الظاهر من التعبير بالشابة اختصاص الحكم بها إلّا أن الظاهر أن وصف الشابة إنما هو لبيان جهة الحكم وملاكه حيث إنّ رغبة المرأة الشابة في الوطي أكثر من رغبة غيرها . مضافاً إلى إطلاق صحيح البختري فالأقوى والأحوط عموم الحكم إلى غير الشابه . اللهم إلا أن لا يكون عندها رغبة فيكون الترك حينئذٍ لأن السالبة لا موضوع لها ولأن الترك يكون برضا منها وقد خصص الحكم بما إذا كان الترك بإذنها كما في الرواية التي ذكرناها وكذا يكون الحكم مخصصاً بالعذر اجماعاً ولأن الضرورات تبيح المحظورات .

ص: 116


1- الوسائل باب 71 أبواب مقدمات النكاح ح1 الفقيه ج3، ص256، ح1215 التهذيب ج7، ص412 ، ح1647.
2- الوسائل باب71، أبواب مقدمات النكاح ذيل ح1 ، التهذيب ج7، ص 419، ح 1678.
3- الوسائل باب1، كتاب الإيلاء ح2 ، الكافي ج6 ، ص133، ح12. صحيح البختري عن أبي عبد الله علیه السلام قال إذا غاضب الرجلُ امرأتَه فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه فإما أن يفيء وإما أن يطلق فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل .

تذنيب قد يقال إنّ من فوارق الوطي في القبل عن الوطي في الدبر أنه لو خرج المني من دبر المرأة بعد الوطي لا غسل عليها وإن خرج من قبلها بعده ففيه تفصيل بين ما إذا علم كونه من مني الرجل وبين ما إذا لم يعلم ففي الأول لا يجب عليها الغسل بخلاف الثاني فإنه مع الشك يجب عليها الغسل. لكنه فاسد لأن خروج المني من القبل بعد وطي الرجل لها يوجب الشك في إضافة هذا المني إليها وذلك يكفي للشك في وجوب الغسل عليها فتجري البراءة هذا كله بناء على القول إنّ لرحم المرأة قوة إخراج المني وإنّه لو خرج المني منها تصير جنباً وقد مرَّ الكلام في ذلك في مبحث الجناية .

المسألة الثامنة من اللواحق

ثم إنّ القوم اختلفوا في جواز العزل عن الحرة وحرمته بعد الاجماع على جواز العزل عن الأمة واختلفوا في وجوب الدية عليه لعزله عن المرأة وعدمه ويظهر من المحقق والعلامة رحمه الله وجوب الدية وهي عشرة دنانير إلّا أن المشهور بين الفقهاء بل ربما استقر عليه المتأخرون كافة أن العزل مكروه وليس فيه دية. ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار بل واختلاف الأنظار في فهمها أيضاً فمن ذهب إلى الحرمة ووجوب الدية استدل عليه بما ورد في باب الديات (1) من أن علياً (صلوات الله عليه) أفتى في ذلك بعشرة دنانير دية النطفة وجعل الدية يستلزم الحرمة، وتعميم الحكم للرجل نفسه بأن يقال لا فرق بين الأجنبي والزوج في ذلك وحيث إنّ العازل متلفٌ لمائه هو القاتل للنطفة لا يرث من هذه العشرة بل ترجع بتمامها للزوجة. مضافاً إلى ما أرسل عن النبي (2) صلی الله علیه و آله و سلم من أنه الوأد الخفي مريداً به العزل. ومن قال

ص: 117


1- الوسائل باب19 أبواب ديات الأعضاء ح1 الكافي ج7، ص342، ح1.
2- سنن البيهقي، ج7، ص231.

بالحرمة دون الدية استدل له بهذا المرسل أيضاً وبما ورد(1) من أن علياً علیه السلام كان لا يعزل . كان يكره ذلك . إلّا أن الحق ما عليه المشهور من عدم الحرمة وعدم وجوب الدية لاستعاضة الأخبار الصحيحة الدالة على الجواز ففي صحيح (2) البصري ما مضمونه أنه ماؤه يصرفه كيف شاء، وغيره كذلك وفي بعض الأخبار إن(3) أحب صاحبها وإن كرهت وهذا صريح بأن أمر المني ليس بيد المرأة فحتى مع كراهتها لا يحرم على الرجل إفراغ منيه خارج الرحم. نعم ربما يظهر من بعضها كراهة العزل وقد أُضيف إليه أنه يوجب عدم التذاذ المرأة وأجيب عن هذا الأخير بأن إفراغه خارج الرحم لا يوجب عدم التذاذها. لكن الحق أن الإفراغ خارج الرحم مستلزم للاستعجال ومن المعلوم وجداناً وحسب النصوص أن اللبث والتريث وعدم الاستعجال مستحب وهذا إنما هو للارفاق بالمرأة . وكيف كان يرد على حجة المانعين أن الخبر الوارد في دية النطفة لا يشمل الزوج (4) صاحب المني فتعدي الحكم من الأجنبي إليه قياس منهي عنه . ثم إنّ جعل الدية بما هو حكم وضعي لا يستلزم الحرمة تكليفاً . نعم ربما يظهر ذلك في بعض الموارد التي يفهم منها أن هذا الجعل إنما هو عقوبة لأجل جريمة فيفهم الحرمة وإلا فلا ملازمة بين الحكم الوضعي بالضمان وبين الحكم التكليفي بالحرمة. وما عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم من أنه الؤد الخفي فليس حجة سنداً لارساله

ص: 118


1- الوسائل باب 75 أبواب مقدمات النكاح ح6 ، مختصر البصائر: ص95.
2- الوسائل باب 75 أبواب مقدمات النكاح ح1 ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العزل؟ فقال ذاك إلى الرجل يصرفه حيث يشاء .
3- الوسائل باب 75، أبواب مقدمات النكاح ح4 وفيه لا بأس بالعزل عن المرأة إن أحب صاحبها وإن كرهت ليس لها من الأمر شيء.
4- الوسائل باب 19، أبواب ديات الأعضاء ح1 وفيه وأفتى علیه السلام في مني الرجل (يفزع عن) عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير الظاهر منه أن العزل لم يكن بإرادته .

ولا دلالة لأنه لم يظهر من الروايات أن القتل الخفي حرامٌ. نعم قتل النفس حرام أما عزل المني فلا لعدم الدليل على حرمته مضافاً إلى أن ما دل على الحرمة أو يدعى دلالته على ذلك لا يمكنه مقاومة النصوص الكثيرة الدالة على الجواز والمعتبرة سنداً والمعمول بها عند الأصحاب. فالحق أن العزل جائز إلّا أنه لاستلزامه العجلة مكروه وأما كون العزل مخالف لكثرة النسل فالانصاف أنه بمجرده لا يوجب الحرمة لأنه لا يخرج عن الاستحسان والأحكام التعبدية لا تثبت بالاستحسانات الذوقية .

تذنيب : لو عزل وظهر الحمل بعد ذلك لم يكن له نفي الولد كما قلنا في مورد الوطء في الدبر إذ يمكن سبق الماء إلى الرحم وجذب الرحم له بسرعة وإمارية الفراش تدل على كون الولد للعازل وتلك الإمارية عرفية وقد أمضاها الشارع.

ص: 119

قال في الشرائع:

الفصل الثاني : في العقد والنظر في الصيغة والحكم

الفصل الثاني

في العقد والنظر في الصيغة والحكم

أما الأول فالنكاح يفتقر إلى ايجاب وقبول دالين على القصد الرافع للاحتمال . وقال المحقق الأنصاري (قد) اجمع علماء الإسلام كما صرح به غير واحد على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح وأن النكاح لا يباح بالإباحة ولا بالمعاطاة وبذلك يفترق عن السفاح لأن فيه التراضي أيضاً غالباً. وقال في المستند يجب في النكاح الصيغة باتفاق علماء الإسلام بل الضرورة من دين سيد الأنام صلی الله علیه و آله و سلم ثم إنّ المشهور بينهم اشتراط أمور في الصيغة كالماضوية والعربية وتقدم الإيجاب على القبول والموالاة بينهما وكون العقد بلفظ حقيقي صريح وغير ذلك وتحقيق المقام يستدعي البحث عن أمور :

الأول : هل الحقيقة الشرعية ثابتة في المعاملات أم لا؟ نقول لا ينبغي الإشكال في أنه ليس للشارع نهج جديد في بيان مقاصده وتوضيح القوانين الشرعية إذ ليس ذلك من وظيفته لأنها ليست إلّا بيان ما يتعلق بالموضوعات من الأحكام الشرعية وأما الإتيان باصطلاح خاص أو نقل لفظ من معناه اللغوي إلى معنى جديد أو وضع لفظ خاص لمعنى خاص شرعي فليس من وظيفته ولم يدل دليل على ذلك في عالم الإثبات .

ص: 120

ثم إنّ من المعلوم أن المعاملات كانت موجودة في الأمم قبل بعثة نبينا صلی الله علیه و آله و سلم فالبيع كان ولم يزل وكذا الإجارة والنكاح و . . . فمن الغريب دعوى صاحب المستند أن معنى التزويج في اللغة أمر غير مراد هنا ولا نعلم في عرف الشارع أو العرف العام له معنى مضبوط معين بخصوصه إذ نحن نعلم بأنه لم يتصرف الشارع في معنى التزويج الذي سنشير إليه عن قريب. وأغرب من هذه الدعوى ما ذكره في المسالك من أن النكاح فيه شوبٌ من العبادات فإن الزوجية عبارة عن العلقة بين الرجل والمرأة وليست من الماهيات المخترعة شرعاً للتعبد والعبودية عبارة عن عنوان قصدي وفعل جانحي يبرز بما جعله الشارع مبرزاً له لا أقول إنّ العبادات لها حقائق شرعية بل إن مصاديق ما يتعبد به إنما هي جعلية وضعية ومن المعلوم أن النكاح ليس كذلك .

الثاني : إنّ الزوجية عبارة عن إضافة اعتبارية بين الزوج والزوجة كما يظهر من مفهومها لغةً وكما هو عند العرف على اختلاف مللهم ومذاهبهم ولذا كان لكل قوم نكاح . والغرض الاسنى من الزوجية إنما هو تشكيل الأسرة لبناء المجتمع وقد يكون الدافع إليها الغريزة الجنسية لكنه غرض ليس بمنظور بل الغرض ما ذكر أولاً وبهذا يتبين الفرق بين النكاح والزنا وأن الغرض في الزنا هو إطفاء ثائرة الشهوة وحسب. فالنكاح مباين حقيقةً وماهية للسفاح. ولذا لو كان المبرز للزوجية عند قوم من الأقوام فعلاً من الأفعال بحيث يكونوا ملتزمين بالزوجية عند تحقق هذا الفعل المبرز لإنشاء الزوجية لالتزمنا بجريان المعاطاة في النكاح أيضاً وإنما يمنعنا عن المصير إلى ذلك ما أسمعناك من الضرورة واجماع علمائنا من القديم إلى الآن على اعتبار الصيغة اللفظية فيه. فما ذكره الشيخ الأنصاري من أن النكاح لا يباح بالإباحة ولا بالمعاطاة صحيح إذ عدم تحققه بالإباحة واضح لأنها ليس إلا ترخيص في اعمال الشهوة والتصرف في البضع ولذا كان خروج الإباحة عن

ص: 121

حقيقة النكاح خروجاً تخصصياً وأما المعاطاة فهي خارجة تخصيصاً لأن الشارع لم يعتبر المعاطاة مصداقاً مبرزاً للزوجية. فما ذكره النائيني من أن المعاطاة لا تجري في النكاح إذ ليس الفعل مصداقاً للنكاح فاسدٌ لأن كون المعاطاة في البيع مبرزاً ليس إلّا بنظر العرف واعتباره فكذلك كون المعاطاة مبرزاً لإنشاء الزوجية إلا أن الذي يمنعنا من القول بشمول المطلقات لمورد تحقق إنشاء الزوجية بالمعاطاة إنما هو الإجماع المحصل بل الضرورة الدينية. فتلخص أن الزوجية أمر إنشائي اعتباري قائم بين الزوجين وهو أمر موجود في جميع الملل والأمم ولم يتصرف في حقيقته الشارع أبداً بل التصرف الوحيد المجمع عليه اعتبار الصيغة فيه .

الثالث : بعد أن تبين عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المعاملات والألفاظ الدالة عليها نقول إن الشارع إذا رأى أن المعاملات الدارجة بين الناس تحتاج من حيث التأثير إلى شرائط خاصة بحسب عالم التشريع أولها موانع بحسبه أو كان العرف مخطئاً في تطبيق العنوان المعاملي على فرد بعينه لزم عليه بيان تلك الأمور. فالطلاق (وهو إزالة العلقة الزوجية) قد تصرف فيه بجعل المبرز له كلمة خاصة وهي (طالق) فالمخرج عن الزوجية لما كان بنظر الشارع مخصوصاً بهذه الكلمة بينها ولذا لا يكتفى شرعاً في الطلاق بقول الزوج أنت خلية أو مطلقة . . . ونحوها من الألفاظ الدالة على إنشاء سلب الزوجية كلفظة طالق. وبالجملة ما لم يتصرف الشارع في المعاملات بجعل شيء خاص شرطاً لنفوذها أو مانعاً من نفوذها ولم يخطىء العرف في تطبيق العنوان على مصداق ما كمنعه عن بيع المنابذة ونكاح الشغار الدال على الإرشاد إلى عدم مصداقية المنابذة للبيع وأن العرف مخطىء في عده بيعاً إذ إنّها بحسب الدقة نوع من القمار نقول بنفوذ المعاملات من دون حاجةٍ إلى وصول امضاء من الشارع لها . ولا أقول إنّ عدم الردع عن المعاملة كاشف عن إمضاء الشارع لها كما قد يتوهم بل أقول إنّ عدم الردع

ص: 122

بنفسه كافٍ في نفوذ المعاملة. والدليل على ذلك أنه لا ريب في وجود معاملات عند العرف قبل الشرع وأنهم كانوا ملتزمين بنفوذها فإذا رأى الشارع أن ما جرى عليه ديدن العرف في المعاملات لا يكون فيه فساد بل كان فيه صلاح لم تكن هناك حاجة إلى الإمضاء بل يكون الإمضاء حينئذٍ لغواً لأن الامضاء حينئذٍ من قبيل تأسيس ما يكون مؤسساً وتحصيلٌ للحاصل. ولو تنزلنا عن ذلك نقول إنّ عدم وصول الردع من الشارع في معاملةٍ من حيث الشرط والمانع والمصداق يكون ذلك كاشفاً عن تقرير الشارع لما عند العرف من المعاملة بحسب اطلاق شرائطها وعدم وجود موانع لها وكونها بما لها من المصاديق ممضاة من الشارع. ولو تنزلنا فإن المطلقات اللفظية حين الشك في شرطية شيء أو مانعيته كافٍ في الحكم بنفوذ المعاملة مع عدم هذا الشرط المشكوك بشرطيته أو وجود هذا المانع المشكوك بمانعيته فإن نوقش في المطلقات بأنها ليست واردة لبيان حكم الشرائط والموانع حتى يتمسك بها لدفع الشك عن الشرطية أو المانعية فلا ريب في أن المطلقات المقامية كافية وتقريب ذلك أنه لا ريب في أن وظيفة الشارع إنما هي بيان الأحكام الشرعية في طول مدة تبليغ المعصومين علیهم السلام لها كان من الممكن بيان كل ما له دخل في النظم التشريعية بمعنى أنه لم يكن جميع تلك الأزمنة زماناً للتقية بل كان لهم علیهم السلام ولأصحابهم فرصة كافية لبيان الأحكام الواقعية فإذا لم نجد في الأخبار الواردة عنهم بعد الفحص الكامل خبراً يدل على اشتراط الماضوية مثلاً في صيغة البيع نقول إنّ الماضوية لو كانت شرطاً فيه كان من الممكن أن يبينه المعصومون في طول مدة تصديهم لبيان الأحكام الشرعية فلو كان أحدهم علیهم السلام ممنوعاً من البيان لتقية أو اضطهاد أو حبس كان من الممكن أن يبين ذلك الإمام الذي بعده. وهذا هو مرادنا من الإطلاق المقامي، فتلخص أنه إذا لم يدل دليل على عدم اشتراط قيد أو شرط في نفوذ النكاح لم يكن بد من القول بنفوذه. فتوهم أن

ص: 123

النكاح أمر سببي وجميع ذوات الأسباب مسبوقة بالعدم فلا بد من الأخذ بالمتيقن والحكم بعدم تحقق السبب حين الشك في سببية سبب له فاسد . إذ مبنى ذلك على لزوم إحراز إمضاء الشارع لكل معاملة مع كل كيفية دالةٍ عليها وسنشير إلى أزيد من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى .

الرابع : قال في الشرائع العبارة عن الإيجاب زوجتك وانكحتك وفي متعتك تردد وجوازه أرجح وعلل كلامه بالنسبة إلى زوجتك وانكحتك من حيث صحة انشاء الإيجاب بهما أنهما مشتقتان من الألفاظ الصريحة في ذلك وضعاً مضافاً إلى ورود القرائن بهما في قوله تعالى ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٝ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَكَهَا) وقوله (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم) بعد الإجماع على أن المراد من منكوحة الأب معقودة الأب ونحوه نوافقهم في صحة الإيجاب بهما لكن الحصر بهما فسيأتي الجواب عنه . وعلل تردده في صحة الإيجاب بمتعتك بأمور ثلاثة :

1 - إنّ متعتك مجاز في العقد الدائم لأن المتعة حقيقة في النكاح المنقطع والعقود اللازمة لا تقع بالألفاظ المجازية بل عن الطبريات الإجماع عليه وزاد على ذلك بعض بأن الإيجاب والقبول آلة لإيجاد الإنشاء المعاملي والمجاز لا يكون آلة بل لا بد من كون أمر الإنشاء بما هو إيقاعي حاصلاً من اللفظ الموضوع لمفهومه على نحو الحقيقة.

2 - إنّ النكاح فيه شوبٌ من العبادة .

3 - إنّ الشك في انعقاد النكاح بلفظ متعتك كافٍ في الحكم بعدم انعقاده لأن الأصل في المعاملات الفساد بالمعنى الذي ذكرنا من أن كل أمر مسبب عن سبب مسبوق بالعدم ما لم يتحقق سببه فإذا شككنا في سببية شيء يجري استصحاب عدمه.

وأجيب عن الأول بأن لفظ المتعة مشترك بين النكاح الدائم والمنقطع

ص: 124

كلفظ التزويج وكما أن لفظ التزويج يحتاج إلى قرينة ذكر الأجل لصيرورته منقطعاً كذلك لفظ المتعة ولذا لو نسي ذكر الأجل انقلب دائماً هذا أولاً وثانياً : أنه لا دليل على اعتبار الحقيقية في العقود اللازمة بل لا إجماع على ذلك نعم قال في المسالك المجاز في العقود أمر لا يرتضونه ومن المعلوم أن عدم ارتضاء الفقهاء لشيء ليس بنفسه دليلاً تعبدياً على منع نفوذ المعاملة بسببه .

وأعجب من ذلك ما ذكرنا عن بعضهم من أن المجاز لا يكون آلة للعنوان العاملي الإنشائي إذ قد حققنا في باب البيع والإجارة أن الإنشاء فعل جانحي واللفظ مبرز له والآلية بمعنى الإبراز أمر حاصل في الألفاظ المجازية وكما أن المعاني الأخبارية تفهم بحسب قانون المحاورة من الألفاظ المجازية فكذلك الأمور الإنشائية توقع وتوجد بالألفاظ المجازية فهذا القول منه مصادرة واضحة.

وأجيب عن الثاني : بعدم كون النكاح فيه شوب العبادة وقد أشرنا إلى توضیح ذلك فيما سبق وقلنا إنّ العبادة عبارة عن ماهية مخترعة شرعاً لإبراز فعل جانحي وهو التعبد والتخشع لله سبحانه ومن البديهي أن النكاح لا يكون كذلك ومجرد كونه محبوباً للشارع لا يلزم أن يكون عبادة إذ إنّه لا يستلزم الأمر الاستحبابي بل الوجوبي بشيء كون ذلك الشيء عبادة. فالنكاح ليس بأكد من انقاذ الغريق والحريق مع أنه لم يقل أحد بأنه عبادة.

والجواب عن الثالث : ما ذكرنا من أن عدم الردع في المعاملات من الشارع كافٍ في نفوذها أولاً ويكون ذلك كاشفاً عن إمضاء الشارع لها ثانياً إنّ المطلقات اللفظية دليل على نفوذها . ثالثاً وأن الإطلاق المقامي كاشفٌ عن عدم التصرف الشرعي رابعاً وهذا المقدار كافٍ في الخروج عن الأصل وهو استصحاب عدم تحقق المعاملة والزوجية في المقام.

ص: 125

بقي الكلام في قولهم إنّ المتعة مجاز في النكاح الدائم وأجيب عن ذلك بأن لفظ المتعة موضوع للقدر المشترك بين الدوام والانقطاع إذ فيهما معاً تكون المتعة كناية عن الزوجية ومن قبيل استعمال اللفظ في اللازم للعبور عنه إلى الملزوم إذ إنّ نقل لفظ المتعة شرعاً أو في عرف المتشرعة عن معناه اللغوي غير معلوم والأصل عدمه. ومن المعلوم أنه لو قلنا في باب إنشاء العقود اللازمة بكفاية الألفاظ الكنائية فلا بد من القول بكفاية لفظ المتعة في الدوام والانقطاع معاً وبجهةٍ واحدة إذ الاحتياج إلى القرينة في باب المحاورة إنما يكون في موارد عديدة : منها : القرينة لبيان الاستعمال المجازي ولذا تكون قرينة المجاز صارفة ومعينة معاً في مرحلة واحدة فقولك رأيت أسداً يرمي وأنت رأيت زيداً إنما هو صرف للفظ عما وضع له من الحيوان المفترس وتعين لمن يقدر على الرمي وهو الشجاع في وقت واحد . ومنها : القرينة على التطبيق كما إذا استعمل لفظاً في معنى عام ونصب قرينة على تطبيقه خارجاً على مصداق من مصاديقه وهذه القرينة تكون معينة للمصداق المطبق عليه العام ولا تكون قرينة مجاز مسوغاً كقولك جاء رجل مريداً به زيداً أو عمرواً . . . ومنها : القرينة على التعيين كما إذا كان اللفظ مشتركاً لفطياً وأردت من بين الأوضاع وضعاً خاصاً فاستعملت العين مثلاً في الجارية وأتيت بما يدل على ذلك لبيان إرادة هذا الوضع، وهذه القرينة ليست قرينة مجاز والفرق بينها وبين التي قبلها أن هذه الأخيرة ناظرة إلى تعين ما استعمل فيه وما وضع له في مرحلة واحدة والتي قبلها ناظرة إلى مرحلة التطبيق الخارجي لا المستعمل فيه فإن المستعمل فيه فيها هو نفس مفهوم العام الذي هو الموضوع له أيضاً. ومنها : القرينة على العبور وهي ما إذا كان اللفظ مستعملاً في معنى وتعلقت الإرادة الجدية بلازمة وملزومه وهذه ليست قرينة مجازٍ أيضاً حسب الفرض من استعمال اللفظ فيما وضع له بنفسه كقولك زيد جبان الكلب مريداً به أنه كثير القِرىَ إذ

ص: 126

كثرة اختلاف الضيوف إلى شخص يستلزم جبن كلبه لكن لم تستعمل لفظة جبان الكلب في هذا المعنى حتى يكون الإستعمال مجازياً. وربما يكون من قبيل ذلك الاستعارة وهي إيتاء بعض شؤون بعض الموضوعات لموضوعاتٍ أخرى مع استعمال الألفاظ في معانيها اللغوية كقولك (وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، وقولك (أنشبت المنية أظفارها بفلان). ومن البديهي أن الزوجية عبارة عن الربط بين شخصين والعلاقة بين رجل وامرأة وإنما أطلت الكلام في بيان أصناف القرينة على الإجمال لما رأيت من أن بعضهم لم يفرق بين الكناية والمجاز بل عبَّر عن الأجنبية عن اللغة العربية بالكناية كما سيأتي في دليل من اعتبر العربية حيث قال إن اللفظ العجمي كناية عن التزويج وكيف يقبل عاقل أن يكون التلفظ لكل أهل لغةٍ بلغتها كناية بالنسبة إلى اللغة الأخرى عند أهلها . وكيف كان فالتحقيق أن القدر المتيقن الذي لا يمكن الارتياب فيه هو لزوم الصيغة اللفظية بين الرجل والمرأة في التزويج النافذ شرعاً .

وأما انحصار لفظ الإيجاب بأنكحتك وزوجتك فلم يدل عليه دليل حتى إنَّ ما ورد في الكتاب ليس حصراً للإيجاب بل بياناً لبعض مصاديق ما يوجب النكاح مضافاً إلى أن الآية الأولى وهي قوله تعالى (زوجناكها) إن سلمنا كونها في مقام بيان ما أنشأ به التزويج من الصيغة ولم نقل بأنها أخبار عن إذن الله بتزويج النبي صلی الله علیه و آله و سلم لزوجة زيد فمن المعلوم أن الآية الثانية ليست بصدد بيان الصيغة التي بها يتحقق النكاح لمنكوحة الأب وهي قوله تعالى (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم) ولقد أجاد في الجواهو حيث ذهب إلى قوة القول باكتفاء كل لفظ لا يُستنكر العقد به في ذلك العقد ودالٍ بنفسه أو بالقرينة على القصد الخاص من دون اعتبار هيئةٍ خاصةٍ فيه . ووجه الجودة هو ما يظهر منه من أخراج الألفاظ المستنكرة في باب الإنشاءات اللازمة ولا سيما في النكاح المبني على الاحتياط بحسب طبع العنوان وإلا فقد مرَّ

ص: 127

القول إنّه ما لم يرد تعبد من الشارع بالنسبة إلى لفظ أو شرط أو غيرهما نأخذ بما جرى عليه العرف من المعاملات خارجاً ونكتفي بعدم الردع في نفاذ المعاملة كما مر.

وتوهم أن ما ورد في الأخبار إنما هو لفظة التزويج أو النكاح وذلك يوجب لزوم الاقتصار عليهما إما لكونهما متلقيين من الشرع أو لأن الأصل في ذوات الأسباب هو العدم إلى أن يتحقق السبب بما له من السببية المجعولة شرعاً ففيه أن الروايات ناظرة إلى أن النكاح يتحقق بكلمة التزويج وأن النكاح فيه الكلمة التي يعقد بها النكاح وفي بعضها الإشارة إلى تحقق الزوجية إخباراً عن ذلك بكلمة النكاح أو الزواج وأما الحصر فلا . وما قيل من أن المتيقن كذا والأصل عدم كفاية غيره فقد اسمعناك أن الأصل لا يقاوم اطلاقات أدلة النفوذ بل يكفينا الإطلاق المقامي.

قال في الشرائع والقبول أن يقول قبلت التزويج أو قبلت النكاح أو ما شابههما . وفي الجواهر مثل رضيت ونحوه . بل قالوا بكفاية كل لفظ دال على القبول بالطريق المتعارف في بيان أفعاله من المقاصد كما أنهم قالوا بجواز اختلاف القبول مع الإيجاب في اللفظ فإذا قالت الزوجة انكحتك نفسي وقال الزوج قبلت التزويج أو بالعكس صح . نعم لو اكتفى بقوله قبلت فقد ذهب بعض الشافعية إلى عدم الكفاية لِعلَّة أن قبلت كناية لا صريح لإمكان كون المراد غير ما أنشأ كما أن الاكتفاء بكلمة نعم فيه خلاف بين الأصحاب .

والتحقيق أن العقد عبارة عن أمر اعتباري إضافي حاصل بالاعتبار بين مالٍ ومال تارة مع كون المبدل عيناً أو منفعة وبين شخص وآخر تارة أخرى كالنكاح ولما كان الارتباط الاعتباري بين عين وعين أو بين عين ومنفعة أو بين شخص وآخر لا يتحقق في الخارج إلا مع صدوره من الشخصين فالبيع (وهو عقد مبادلي بين العين والمال) يكون في غالب الموارد صادراً عن

ص: 128

مالك العين ومالك المال ولذا يحتاج إلى شخصين وحيث إنّ العينين المتبادلتين تكونان غالباً مملوكتين لشخصين احتاج تحقق هذا الأمر المبادلي الاعتباري إلى تمليك وتملك بمعنى الخروج عن ملك احدهما والدخول في ملك الأخر معوَّضاً وعوضاً ولذا لو كانت إحدى العينين من الأعيان الزكوية وتصدي لبيعها الحاكم الشرعي أو كانت نماءً للوقف وباعها المتولي له لم يكن هناك خروج عن ملك وإن كان تمليكاً لعين بمال بل لو فرض تحقق المبادلة من الحاكم الشرعي بين عين زكوية ونماء وقفٍ لم يكن تمليكاً ولا تملكاً أبداً ومن هنا يظهر أنّ التولي للعقد من الطرفين وكونه من العقدة التي لا تتحقق إلّا بين اثنين والمفروض كونهما بنظر المشهور الموجب والقابل إنما هو لأن العناوين المعاملية لا تتحقق إلا بتولي الطرفين فالنكاح وهو أمر اعتباري بين الشخصين لا يتحقق إذا كان الشخصان بالغين رشيدين غير مولى عليهما إلا بتصدي أنفسهما لذلك فاحتياج الأمر المعاملي نكاحاً كان أم غيره إلى الإيجاب والقبول إنما هو لكون العقد بين شخصين نافذي التصرف أو مالين لشخصين كذلك ولذا لو فرضنا صدور هذا الأمر الاعتباري المعاملي الواقع بين شخصين أو مالين عن ولي للشخصين أو المالين أمكن القول بكفاية إنشاء الواحد وإن لم يُسمّ بالإيجاب بالمعنى المصطلح والقبول فما نرى من قوله تعالى في القرآن من التعبير بالتزويج بنفسه لشخصين كقوله (زوجناكها) و (زوجناهم بحور عين) يمكن أن يقال إنّ هذا نفسه عبارة عن إنشاء التزويج وإن كان أخباراً كان أيضاً ناظراً إلى إنشاء الواحد نعم إمكان المناقشة في الأول بأن الآية مسوقة لبيان تهيئة أسباب هذا التزويج كما هو المأثور والثانية ناظرة إلى هذه النعمة؛ الآخره أعني الزوجية بمعنى الاقتران بالحور العين واضح جداً فالأولى أن يقال لما كانت المعاملات جارية بين العرف ولم يرد تعبد بلزوم الإيجاب والقبول بها من حيث الموضوعية بمعنى عدم الحاجة إليهما بما هما إيجاب وقبول وإن

ص: 129

احتيج إليهما في غالب المعاملات لتسببيهما خارجاً لتحقق تلك المعاملات فحينئذ يمكن التمسك لنفوذها بمطلقات الصحة كقوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بل قد مضی منَّا كفاية عدم الردع الشرعي وكيف كان فكفاية قبلت أو رضيت أو نعم على هذا المبنى واضحة جداً والاحتياط لا سيما في المقام حسن بل لا ينبغي تركه .

قال في الشرائع ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي. لكنك قد عرفت بأن المدار في الصحة والكفاية على صدق الإيجاب والقبول عرفاً على الصيغة نعم قد عللوا اشتراط الماضوية في العقود ولا سيما في النكاح بأن الماضي صريح وأن المضارع يشبه الوعد وأن الأمر ظاهر في الطلب مضافاً إلى أن القدر المتيقن من نفوذ النكاح ما إذا تحقق بصيغة الماضي إيجاباً وقبولاً . ونفوذ ما عدا ذلك مشكوك واستصحاب الحرمة جارٍ. أضف إلى ذلك أنه لو قلنا بعدم اشتراط الماضوية في الإيجاب والقبول لزم انتشار الصيغة وعدم وقوفها على حدٍ أو قاعدة فيكون حينئذٍ عقد النكاح كالإباحة وعن بعضهم بدل انتشار الصيغة اشتهار الصيغة بمعنى انحرافها وعدم انضباطها تحت ضابط وهذه الأدلة كما تراها لا تكون دالة على تعبد من الشرع والعمدة إنما هو ذلك مضافاً إلى أنها غير خالية عن الإشكال أما أن الماضي صريح ففيه أن المضارع أيضاً صريح ثم إنّه ما معنى الصراحة وهل هي غير الظهور العرفي وإن كان حاصلاً من القرينة ولو قرينة المقام أم غير ذلك فإن كان المراد من الصراحة الظهور فحصوله وعدم حصوله خارجاً أمر وجداني وليس للفقيه الجزم بالظهور فيما لا يكون ظاهراً ولا عدمه فيما يكون ظاهراً نعم الإنشاء بصيغة الماضي إنما يكون انسب بالأمر الإنشائي من حيث إن هيئة الماضي تدل على الثبوت والإنشاء إنما يكون إثباتاً وإلا فالتحقيق أن هيئته فَعَلَ كضرب ونحوه إنما هي ناظرة إلى كون المبدأ صادراً من الذات أما كون الصدور في الماضي أو لا فذلك مما لا بد من انفهامه

ص: 130

من الخارج ولذا يكون اسناد هيئة الماضي إلى غير الزماني (كالله) اسناداً حقيقياً فنقول كان الله عليماً حكيماً في غير تجوز في هيئة الماضي والإنشائية والاخبارية صفتان عارضتان لصيغة الماضي.

وأنت ترى أن هذا أمر يمكن تحققه في صيغة المضارع إذ إنّ الاخبارية والإنشائية في المضارع إنما يتحققان بقصد اللافظ بصيغة المضارع مضافاً

إلى أن وقوع النكاح بصيغة المضارع أو الأمر وارد في النصوص.

أما وقوع النكاح في صيغة المضارع فهو موجود في الأخبار كرواية هشام (1) بن سالم الواردة في كيفية النكاح المنقطع عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سأله عن المتعة كيف أتزوجها وما أقول؟ قال : تقول لها : أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه كذا وكذا شهراً بكذا وكذا درهماً .

وفي صحيح (2) إبان فإذا قالت نعم ورضيت فهي امرأتك والإشكال في ذلك أولاً : بأن المتعة تفترق عن النكاح في الأحكام فلما لا يكون الاختلاف في الصيغة أيضاً منها وذلك بأن يكتفي الشارع في عقد المتعة بصيغة المضارع ولا يكتفي في الدائم بها فالشك باقٍ والاستصحاب جارٍ . ولكنك خبير بأن الاختلاف في الأحكام كالإرث والقسم وغير ذلك لا يستلزم الإختلاف في الحقيقة ومن المعلوم شرعاً وعرفاً أن النكاح المنقطع كالدائم إيجادٌ لعلقة الزوجية بين الشخصين وليست حقيقة المتعة خارجة عن حقيقة الزوجية فهي قسم من النكاح والمتمتع بها زوجه عرفاً وشرعاً ويشهد لذلك ما سيأتي من ورود النص بأن نسيان ذكر الأجل في متن العقد مستلزم

ص: 131


1- الوسائل باب 1 أبواب عقد النكاح ح 10 التهذيب ج7، ص 267 ح1151.
2- الوسائل باب 18 أبواب المتعة ح1. الكافي ج5 ، ص455 ، ح3. التهذيب ج7، ص 265 ح 1145. وقد ذكر السيد الأستاذ أن الرواية صحيحة حيث عبَّر عنها بصحيح أبان مع العلم أن الكليني رواها بطريقين وكلاهما ضعيف بإبراهيم بن الفضل حيث لم يرد فيه توثيق مضافاً إلى أن الطريق الثاني فيه سهل بن زياد أيضاً.

لصيرورة النكاح دائماً ففي بعض (1) النصوص بعد قول السائل (إني لا أذكر المدة استحياء مثلاً) فيقول الإمام حينئذ هو أضر عليك . ولذا قلت وأقول إنّ الزوجية إذا أُنشئت غير مؤجلة تكون بحسب طبعها مرسلة فالنكاح الدائم لا يحتاج تحققه الإنشائي إلى إنشاء الدوام حين انشاء الزوجية. نعم إذا حدد النكاح بمدةٍ كانت الزوجية محدودة بها، فلا يكون نسيان الأجل أو عدم ذكره فى العقد عمداً موجباً لانقلاب حقيقة العقد إلى حقيقة أخرى وتعبير الفقهاء بالانقلاب من المنقطع إلى الدوام مع نسيان ذكر المدة لابد أن يكون إشارة إلى حكم المسألة وإلّا فمن المعلوم أن العقود تابعة للقصود. ولذا لو أتى البائع بلفظ الهبة نسياناً لا يلزم بدفع المبيع مجاناً بدعوى انقلاب البيع إلى الهبة بمجرد نسيان لفظة البيع. فما ورد في النصوص وافتى به الفقهاء إنما هو على وفق القاعدة المذكورة والتقريب ما ذكرنا من أن حقيقة الزوجية ربط اعتباري اقتراني بين الرجل والمرأة وهذا حاصل في القسمين الدائم والمنقطع على حدٍ سواء فالإنقلاب إنما هو بحسب الداعي المركوز في نفس المتمتع وليس فيما أنشأه بصيغة الزواج إذ إنّ ما أنشأه ليس إلّا الزوجية وهي حاصلة بقوله أتمتعك كذا وكذا . . . والتحديد نشأ من كلمة كذا وكذا أو بقولها زوجتك . . . ونحوه فالإشكال بالفرق بين المنقطع والدائم ولذا يكفي إنشاء المتعة بصيغة المضارع دون الدائم ضعيف لضعف مبناه وهو اختلاف حقيقة القسمين .

وثانياً : إنّ اللازم من الأخذ برواية أبان الواردة في كيفية نكاح المتعة هو القول بعدم لزوم الإيجاب في عقد النكاح وذلك لأن المذكور في ذيل الرواية

ص: 132


1- الوسائل باب 20 أبواب المتعة ح2. وهو نفس الحديث الذي روى صدره في باب 18 من أبواب المتعة ح1 ، والشاهد هنا في ذيله حيث يقول الراوي وهو أبان بن تغلب قلت فإني استحي أن أذكر شرط الأيام قال هو أضر عليك قلت كيف قال لأنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة في العدة وكانت وارثاً ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة . الكافي ج5 ، ص475، ح3 .

أنها لو قالت نعم ورضيت فهي امرأتك ومن المعلوم أن نعم جوابٌ للقبول المتقدم يعني لما يقول الزوج أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه الخ . . .

فتقول الزوجة نعم يكون ذلك منها جواب للقبول وليس بنفسه إيجاب للزوجية مستقلاً من قبلها وقد أجمع الفقهاء على لزوم الإيجاب والقبول في عقد النكاح. ولتوضيح الجواب عن هذا الإشكال نقول قد تقدم القول في بيان إنشاء الربط الزوجي بين الزوجين وأن حقيقة الربط الإنشائي بحسب ماهيته الاعتبارية لا يحتاج إلى الصدور من شخصين ولا تتقوم بالإيجاب والقبول بحيث لو كان الموجد لهذا الأمر الإنشائي الولي لهما لكفى إيقاع واحد لتحقق هذا الأمر الإعتباري وإنما جاء الاحتياج إلى الإيجاب والقبول لأن ارتباط الشخصين يجب أن يكون من الطرفين وبرضاهما فلا يمكن القول بنفوذ إنشاء الزوجية من قبل الزوج فقط أو من قبل الزوجة فقط. ولذا يكتفي في المعاملات بعد انشائها بما يسمّى إيجاباً بالقبول والقبول هو المطاوعة والارتضاء بالأمر الحاصل فليس قبلت في جواب بعتك داري بكذا مفيداً لمعنى ملكتك كذا بدارك أو تملكت دارك بكذا بأن يكون القبول كناية أو مستعملاً في معنى إنشاء التمليك مستقلاً للثمن والتملك للمثمن ضمنا أو بالعكس بل ليس معناه إلّا ما يكون ظاهراً فيه وهو المفهوم العرفي أعني المطاوعة . وهكذا الحال بالنسبة لرضيت .

نعم يجوز إبراز الرضا بالمعاملة بإعادة الصيغة أو بإجراء إنشاء القبول في قالب قوله ملكتك ثمني بدارك أو تملكت دارك بثمني ونحوه وذلك كاشف جداً عن أن حقيقة المعاملة المبادلة بين الشيئين في البيع والشخصين في النكاح. ويتضح من هذا البيان أمر آخر وهو أن تقدم القبول على الإيجاب لا يكون فيه إشكال على مبنانا إذ لا معنى لتقدم القبول عليه حينئذٍ إلّا أن إنشاء الزوجية لم يتحقق بعد . فهو كاشف عن إنشاء الرضا بما سينشأ

ص: 133

وهذا الإنشاء يبقى مستمراً إلى آن تمامية إنشاء النكاح وحينئذٍ يكون القبول مقارناً أي المطاوعة حاصلة فإذا قال الزوج مثلاً قبلت النكاح يكون معناه إنشاء الرضا بما تنشيء الزوجة بعد ذلك فإذا قالت زوجتك نفسي يكون الاستمرار الوجودي لانشاء القبول كافياً وذلك لأن الإيجاب على

مصطلحهم الصادر من الزوجة هو المتكفل لإنشاء الربط بينهما .

ويظهر من هذا البيان أمر ثالث : وهو أن التولي لإنشاء الزوجية على هذا المبنى ليس منحصراً بالمرأة إذ للرجل أيضاً أن ينشيء هذا الربط الإنشائي ولقد أجاد شيخ الفقهاء المتأخرين - صاحب الجواهر - في المقام وإن ذكره بصورة الاحتمال قائلاً يمكن أن يكون النكاح كالصلح يصح وقوع إيجابه من كل من الطرفين فكلمة نعم تكون من المرأة قائمة مقام القبول، فالزوجية أمر يمكن أن ينشأ من كل واحد من الزوجين بشرط رضا الآخر به وبالجملة فالأقوى عدم لزوم إنشاء الزوجية بصيغة الماضي محضاً فيصح لو أنشأها بصيغة المضارع أيضاً .

قال في الشرائع ولو أتى بلفظ الأمر وقصد به الإنشاء كقوله زوجنيها فقال زوجتك قيل يصح كما في خبر (1) سهل الساعدي وهو حسن. أقول هذه الرواية رواها العامة والخاصة وقد ورد هذا المضمون أيضاً في صحیح (2) محمد بن مسلم المذكور في الباب 1 من أبواب عقد النكاح من الوسائل عن أبي جعفر علیه السلام قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقالت زوجني يا

ص: 134


1- المستدرك باب2 أبواب المهور ح2 والحديث يقول أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم جاءت إليه امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقال صلى الله عليه و آله و سلم لا إربة لي في النساء فقالت زوجني بمن شئت من أصحابك فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها فقال هل معك شيء تصدقها؟ فقال ما معي إلا ردائي هذا فقال إن اعطيتها إياه تبقى ولا رداء لك هل معك شيء من القرآن؟ فقال نعم سورة كذا وكذا فقال صلى الله عليه و آله و سلم زوجتكها على ما معك من القرآن .
2- الوسائل باب 1 أبواب عقد النكاح ح3 ، الكافي ج5 ، ص380 ، ح5.

رسول الله فقال من لهذه فقام رجل فقال أنا يا رسول الله قال ما تعطيها قال ما لي شيء إلى أن قال فقال أتحسن شيئاً من القرآن قال نعم قال قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه. ولذلك ذهب الشيخ وابن زهرة وابن حمزة إلى صحة إنشاء التزويج بصيغة الأمر مضافاً إلى دعوى صدق عقد النكاح لما إذا أنشأ العقد بصيغة الأمر فتشمله اطلاقات أدلة - وجوب الوفاء بالعقود مضافاً إلى ما مرَّ من أن الإطلاق المقامي بل عدم الردع من الشارع كافٍ في الحكم بالصحة وقد بينا سابقاً عدم ورود دليل تعبدي على لزوم الإتيان بصيغة خاصة في النكاح وعدم اعطاء الموضوعية والسببية للفظ خاص فيه على عكس ما هو في مورد الطلاق حيث إنّ الشارع تعبدنا بلزوم إيقاع الطلاق بلفظ إنتِ طالق ومع ذلك فقد ذهب جماعة إلى عدم الصحة منهم ابن ادريس في السرائر وصاحب الجامع والعلامة في المختلف ويمكن الاستدلال لهم بأمور .

الأول : ما نكرر على ألسنة جمع كثير من الفقهاء من أن استصحاب عدم الزوجية جار ما لم نقطع بسببية لفظ بخصوصه لنفوذ النكاح شرعاً . والجواب ما مرَّ من أن الاطلاق وإن كان المقامي منه كافٍ في الحكم بالصحة .

الثاني : إنّ الفقهاء اعتبروا الماضوية في صيغة النكاح لصراحة الماضي فيه وأما المضارع والأمر فهما كناية . والجواب أن معنى الكناية العِبرة من المستعمل فيه إلى لازمه أو ملزومه وليس الأمر في موردي المضارع والأمر على ذلك النحو . والصراحة بمعنى الظهور العرفي موجودة حسب نظر القائل بالصحة وبمعنى آخر لم يدل على لزومه دليل فالالتزام به التزام بلا ملزم ولا دليل .

الثالث : إنّ صيغة الأمر موضوعة لإنشاء الطلب وإن شئنا قلت مفاد

ص: 135

هيئة افعل ليس إلّا البعث نحو الشيء والمطلوب في باب انشاء التزويج هو إيجاده من قبل المنشيء في عالم الاعتبار فمفاد زوجني ايجاد لهذا المعنى الإنشائي ولذا قالوا إنّ الإنشاءات هي معانٍ إيجادية والمقصود من قولهم هذا أن المعنى الإنشائي يوجد بإنشاء المنشي فالإنشاء عبارة عن الإيجاد للمعنى المنشأ والأمر وإن كان انشاء إلا أنه إنشاء بالطلب كما قالوا فإنشاء طلب التزويج من الزوج أو الزوجة ليس إنشاءً لنفس التزويج منهما أو من أحدهما فكيف يمكن أن يقال بالصحة. وهذا الإشكال قوي جداً إلّا أنه يحصل لو كان آلة إنشاء التزويج صيغة الأمر بأن تكون هذه الصيغة صادرة عن المنشىء للتزويج بقصد إنشائه لا بقصد طلب التزويج من مخاطبه وحتى يرتفع الإشكال من هذه الجهة فلا بد من أن يقال إنّه لو فرض كون قصد اللافظ بصيغة الأمر أنشاء التزويج لكان القول بالصحة قوياً .

الرابع : إنّ صيغة الأمر من الألفاظ المستنكرة عند العرف في إنشاء التزويج لكن هذه الدعوى غير صحيحة لأنا نرى ورود مثل هذا النحو من الروايات كرواية (1) تزويج الجواد علیه السلام من ابنة المأمون فإنه علیه السلام بعد ذكر الخطبة قال للمأمون زوجتني يا أمير المؤمنين؟ مستفهماً فيمكن أن يكون الإنشاء الاستفهامي مقصوداً به إيجاد علقة النكاح .

الخامس : عدم صحة الاستدلال برواية سهل الساعدي ورواية محمد بن مسلم على صحة النكاح المنشأ بصيغة الأمر أما أولاً : فلأنه من الممكن أن يكون تزويج النبي صلی الله علیه و آله و سلم لهما إنشاء منه للنكاح للولاية العامة ولا أقل من كونه وكيلاً لهما في ذلك حيث إنّ المرأة طلبت منه الزوج وذلك يدل

ص: 136


1- الوسائل باب1 أبواب عقد النكاح ح2 ، الفقيه ج3، ص252، ح1199 وتفصيل الحديث في الإرشاد للشيخ المفيد ص321 ويظهر من الرواية أن المأمون أوجب النكاح وأن الجواد علیه السلام قبل ورضي.

بالوضوح على كونها راضية في تزويجها وموكلة أمرها إليه صلی الله علیه و آله و سلم في ذلك . وقوله صلی الله علیه و آله و سلم زوجتكها بعد طلب الرجل تزويجه بها إنشاء للتزويج وقد قلنا بقوة احتمال كفاية إنشاء واحد للربط الزوجي إذا كان المنشيء ممن له الولاية على الزوجين أو الوكالة له منهما . وأما ثانياً : فلأنه لم يذكر في الرواية عدم اتيان الرجل بالقبول أي إنّ الرواية لم تذكر أن الرجل قال بعد انشاء النبي صلی الله علیه و آله و سلم قبلت . وأما ثالثاً : فإن قول المرأة زوجني يا رسول الله يدل بقرينة المقام على إنشاء طلب الزوج لا إنشاء للزوجية بنفسها ومن المعلوم أنه لو قلنا بصحة إنشاء التزويج بصيغة الأمر فلابد أن تكون الصيغة مستعملة في ذلك أضف إلى ذلك أن قولها زوجني لو كان إنشاءً للزوجية لم تكن حاجة بعدُ لقوله صلی الله علیه و آله و سلم زوجتكها لأن إنشاءه حينئذ يؤول إلى تحصيل الحاصل بل اللازم حينئذٍ هو قبول الزوج ليس إلّا . وقد يقال إنّ كون قولها زوجني إيجاباً مستلزم للفصل بين الإيجاب والقبول . وما مقال من لزوم تولي الطرفين من الولي للصغيرين بأن لا يكتفي الولي الواحد لهما بإنشاء صيغة واحدة فقد قال في الجواهر إن المعروف بين الأصحاب لزوم الإيجاب من قبل أحد الصغيرين والقبول من الآخر في صورة كون المتولي لإجراء العقد واحداً كما إذا كان ولياً لهما . ولكن يمكن أن يقال كما سيأتي في باب المقارنة المعتبره بين الإيجاب والقبول إنّ المقارنة إن كانت شرطاً لصدق الإيجاب والقبول فعدمها حينئذٍ يستلزم عدم صدق العقد وعليه تكون الموالاة بينهما شرطاً مقوماً للموضوع لا أنها بما لها من المفهوم شرط شرعاً أو عرفاً في نفوذ عقد النكاح أو غيره من العقود . هذا عن الأول كما يمكن الجواب عن الثاني بما ذكرناه من كفاية تولي إنشاء النكاح بصيغة واحدة من شخص واحد في صورة الولاية على الصغيرين أو الوكالة عن الكبيرين . لكن يكفي في الإشكال على الرواية ما ذكرنا من أن قول المرأة زوجني ظاهر في الطلب لا

ص: 137

في الإيجاب. فلو فرض صدق العقد عرفاً كما لعله الظاهر على ما إذا أنشأ العقد بصيغة الأمر كان القول بالصحة متجها . والاحتياط أمر آخر .

قال في الشرائع لو قال الولي أو الزوجة متعتك نفسي بكذا ولم يذكر الأجل انعقد دائماً وهو ظاهر في انعقاد الدائم بنفس لفظ التمتع وقد مضى توضیح هذا المتن. لكن في الجواهر علل ذلك بأن التمتع إنما هو للقدر المشترك وهو تمليك الانتفاع بالبضع فلا يتشخص للمنقطع إلّا بذكر الأجل وفيه أن لفظ المتعة مستعمل في التزويج على نحو الكفاية لأن حقيقة الزوجية الربط بين الاعتباري الإضافي بين شخصين وليست هي - دائمة ومنقطعة - تمليك الانتفاع بالبضع لأن البضع ليس له ثمن في باب الزوجية ولذا لم يكن الصداق من مقدمات الزوجية.

وقال في الشرائع لا يشترط في القبول مطابقته لعبارة الإيجاب وذكر في الجواهر أنه بلا خلاف وقد مضى أنه لا خصوصية لألفاظٍ خاصة في الإيجاب أو القبول لصحة النكاح بل كل لفظ يكون ظاهراً ولو بحسب القرينة ولا يكون مستهجناً عرفاً في إنشاء عقد من العقود يكون كافياً في صدق العقد ويشمله حينئذ إطلاقات أدلة نفوذ العقود.

ولو قال أجنبي زوجت ابنتك من فلان فقال نعم فقال الزوج قبلت النكاح صح كما عن الشيخ وابن حمزة والنافع والارشاد والقواعد في الأخير على إشكال. هذا فيما إذا لم يعد اللفظ وفي الشرائع فيه تردد لأن نعم ليس من الألفاظ الموضوعة لانشاء النكاح بمعنى أنه لا يدل بحسب مفهومه على التزويج ومع احتمال اشتراط الفاظٍ خاصة في إنشاء التزويج لا يقوم مقامها ما يفهمها بل قال صاحب الرياض إنّ السؤال إنما هو استخبار عن وقوع النكاح وحيث إنّه لا بد من مطابقة الجواب له لم تكن كلمة نعم إلّا اخباراً ولا يكون من إنشاء التزويج في شيء لكن يرد على الأول أنه لم

ص: 138

يدل دليل على اعتبار الفاظ خاصة في النكاح وقيام نعم مقام سائر الصيغ ممكن لأن حقيقة الأمر الانشائي بما هو أمر إيجادي عبارة عن الفعل القلبي الجانحي نعم لا بد له من مبرز والمبرز يمكن أن يكون أي لفظ مفهم للمعنى المقصود بل لولا الإجماع بل الضرورة على اعتبار كون المبرز لفظاً لأمكن القول بكفاية الإشارة المفهمة في إبراز المعنى الإنشائي وغيره من الأفعال ويرد على الثاني أن كون اللفظ اخباراً أو انشاءً إنما هو بحسب قصد المتكلم ولذا لا يكون استعمال لفظ الماضي في الإنشاء استعمالاً في غير ما وضع له كما لا تكون هيئة الماضي مشتركة لفظاً بين الاخبارية والانشائية فقوله علیه السلام اغتسلت وصلَّت في الإنشاء ليس إلّا كقولك اغتسلت وصلت في مقام الأخبار من حيث المادة والهيئة معاً. وإن شئت قلت إن كلمة نعم الصادرة من الولي في مقام تزويج ابنته كيف تكون اخباراً مع قصده بها الإنشاء والمعاني تابعة للقصود .

وقال في الشرائع : ولا يشترط تقديم الإيجاب على القبول بل لو قال تزوجت فقال الولي زوجتك . . صح وقال في الجواهر وفاقاً للأكثر وفي المسالك والمبسوط الاتفاق عليه متمسكين بإطلاق الأدلة وظهور بعض النصوص وقد ورد في خطبة الإمام الجواد علیه السلام لابنة المأمون أنه قال علیه السلام زوجتني يا أمير . . قال بلى قال علیه السلام قبلت ورضيت وهذه الرواية تدل على المسألة السابقة أيضاً اللَّهم إلّا أن يقال إنّ قوله علیه السلام قبلت إنما هو القبول وقد تأخر . وكيف كان فقد قال في الجواهر هذا الحكم يؤيد بمراعاة الشارع الحياء في البكر ولذا اكتفى بسكوتها عن رضاها فلو قدم الزوج الصيغة مع ذكر الصداق وما يتعلق بالإيجاب ثم قالت البكر قبلت أو زوجت نفسي كان أوفق بحياء البكر من حيث تقليل الكلام. إلّا أن هذا لا يصح مؤيداً إذ المدعى أعم بمعنى أن تقديم القبول على الإيجاب إن كان صحيحاً كان صحيحاً بالنسبة إلى السيدة أيضاً مضافاً إلى أن البكر يمكنها توكيل غيرها

ص: 139

لتولي الإيجاب . والعمدة أنه لا دليل على اشتراط تقديم الإيجاب على القبول بل قلنا إنّ الزوجية عبارة عن ارتباط انشائي اعتباري بين الرجل والمرأة ويمكن أن ينشأ من قبل كل منهما ثم إنّه قد يستشكل في الصحة بأن القبول إنما هو في طول الإيجاب فكما أن الإنكسار انفعال ومقولة الانفعال إنما تتحقق بعد تحقق فعل موجد لها كذا القبول فإنه لا يمكن تقدمه بما له من المفهوم المطاوعي ويدفع أولاً : إنّ المقصود ليس تقديم كلمة قبلت أو رضيت بل المقصود صحة تقديم إنشاء التزويج من الرجل بأن يقول أتزوجك أو تزوجتكِ فتقول المرأة زوجتك نفسي وثانياً : إنّ إنشاء القبول يمكن كونه بعد إنشاء الإيجاب وليس من قبيل الإنكسار حيث إنّ الانفعال من المقولات الحقيقية التي لا تتحقق إلّا بالكسر بينما إنشاء القبول هو إيجاد لأمر اعتباري . ثم لو تنزلنا وقلنا بإمكان قياس الأمور الاعتبارية على الأمور التكوینیة نقول إنّ ما هو من قبيل الإنكسار من القبول هو المعنى الإنشائي نفسه بالمعنى الاسم المصدري منه وهذا في طول الإنشاء بالمعنى المصدري إذ كيف يمكن أن يكون فعل اختياري من شخص انفعالاً من فعل اختياري لشخص آخر . مضافاً إلى أن القبول عند إنشائه قبل الإيجاب يبقى في عالم الاعتبار إلى أن يتحقق الإيجاب فيتقارنان بقاءً أو يتأخر القبول عن الإيجاب من حيث موضوعيته للنفوذ فتدبر في ذلك جيداً .

قال في الشرائع لا يجوز العدول عن هذين اللفظين إلى ترجمتهما بغير العربية وفي الجواهر وما شابههما من الألفاظ العربية ومرادهما من اللفظين أنكحت وزوجت بناءً على لزوم الاقتصار عليهما واستدلوا على اعتبار العربية بأمور الأول : الإجماع نقله الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة . الثاني : الأصل السالم عن معارضة الإطلاق لأن المطلقات منصرفة إلى اللفظ العربي ولو بقرينة كون المتخاطبين عربيين أو كون القرآن عربياً . الثالث : إنّ غير العربي كناية وقد اشترط الفقهاء في الفاظ العقود

ص: 140

الصراحة. وفيما ذكروه نظر إذ يرد على الأول أن الإجماع المحصل منه غير حاصل والمنقول ليس بحجة . ولو فرض تحصله لم يكن حجة لأنه مدركي لا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم . بل لو احتمل فيه كونه مدركياً لم يكن كاشفاً. وعلى الثاني : إنّ الأصل منقطع لشمول الإطلاقات لما إذا انشأ النكاح بغير اللفظ العربي ودعوى انصرافها إلى العربي مدفوعة بأن الألفاظ مشيرة إلى المعاني فقوله تعالى أوفوا بالعقود ليس ناظراً إلى الألفاظ لأنها لا وفاء لها إذ هي من مقولة الكيف المسموع وليس له بعد وجوده تقرر بقائي به يصير موضوعاً لوجوب الوفاء . وعلى الثالث : إنّ الكناية عبارة عن كون المراد الجدي لازماً أو ملزوماً للمستعمل فيه اللفظ ومن البديهي أن غير العربي من الألفاظ يستعمل في المفهوم نفسه المنشأ بإنشاء المنشىء تزويجاً أو بيعاً أو غير ذلك فلا معنى لكون غير العربي مما يكون موافقاً في المعنى للعربي كناية عن العربي .

ثم إنّهم استثنوا صورة العجز فقال في الشرائع إلّا مع العجز عن العربية وقال في الجواهر على وجه يشق عليه التعلم واستدل على ذلك بفحوى ما ورد في إشارة الأخرس وقدم الملحون مادة واعراباً من اللفظ العربي على غير الملحون من ترجمته وقال إنّه لا يجب عليه التوكيل حينذاك فإذا عجز بنفسه عن العربية يجوز أن يأتي بغير العربية. ولكنك خبير بأن القدرة والعجز لا يكونان بالاصطلاح من الأمور التي يتغير الحكم بسببها . بمعنى أنه لو لم يفصل الشارع بين القدرة والعجز في الأحكام الوضعية لم يكن لنا الفصل اقتراحاً. ثم إنّه أي دليل دل على أن ترجمة العربي مع القدرة على توكيل العاجز غيره من القادرين على الإنشاء باللفظ العربي كافية. فالتحقيق أنه لا فرق بين اللفظ العربي وغير العربي و ما عبروا به عن اللغة غير العربية بأنها ترجمة العربية . فلا بد من أن يعلم بأن تسمية كل لغة عند أهل لغة أخرى تكون الأولى ترجمة للثانية إنما هو باعتبار كشف الستر عن معاني

ص: 141

الألفاظ غير المعلومة للجاهل بها له وإلا فإن كل لغة عند المتكلم بها هي اللغة الأصلية له . وبالجملة حيث لم يدل دليل على اعتبار العربية فيكفينا عدم الردع عما إذا تحقق النكاح بغير العربية .

وأما العاجز عن النطق كالأخرس فتكفي بالنسبة إليه الإشارة المفهمة للإنشاء كما يكتفي بإنشائه بالنسبة إلى الطلاق المنصوص عليه في صحيح البزنطي عن الرضا علیه السلام (1) وفي قراءته القرآن وسائر الأذكار للصلاة كما ورد في معتبر السكوني تلبية الأخرس وتشهده وقراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه (2) ومنه يعلم الاكتفاء بإشارته للتلبية في الإحرام أيضاً وفي موثق مسعدة (3) بن صدقة وفيه (وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك) وقال في كشف اللثام أنه مما قطع به الأصحاب. ومن أقسام الإشارة المفهمة الكتابة وقد ورد الأمر بها في الوصية لمن عجز عن النطق حال النزع وقد يقال بالاكتفاء بها للقادر على التكلم أيضاً . ويستشكل بأن الكتابة ليست صريحة بل هي كناية لكنه غير وارد لأنا قد بينّا حقيقة الكناية . ثم إنا أشرنا إلى أن الكناية تعتبر داخلة في المحاورة فهي ليست خارجة عنها ومن البديهي أن المقصود في المحامدات وهو تفهيم

ص: 142


1- الوسائل كتاب الطلاق باب 1 أبواب مقدماته وشرائطه، الفقيه ج3 ص333 ح1613، الكافي ج6 ص128 ح1 والحديث عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه سأل الرضا علیه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلم قال أخرس هو؟ قلت نعم ويعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها ايجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال لا ولكن يكتب ويشهد على ذلك قلت أصلحك الله فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال بالذي يعرف به من أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها. والرواية صحيحة في كل من الفقيه والكافي.
2- الكافي ج3 ص315 ح17 والرواية صحيحة عن أبي عبد الله علیه السلام قال تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه . الوسائل باب59 أبواب القراءة في الصلاة ح1 والرواية معتبرة . التهذيب ج5 ص305 ح93.
3- قرب الإسناد 24 ، الوسائل باب59 ابواب القراءة في الصلاة ح2 .

المقاصد وهذا حاصل بالكناية وبالكتابة والإشارة المفهمة . نعم الإجماع المستفاد من مجموع النصوص الواردة في النكاح يدل على اشتراط اللفظ ولذا نقول إنّه لا تكفي الكتابة في إنشاء النكاح للقادر على التلفظ. واشترط جماعة اتحاد المجلس فلو لم يكن المجلس متحداً بين المتزاوجين لا يصح النكاح واستدلوا له بأنه من قبيل الكناية كالفاضل الأصفهاني في كشف اللثام وهذا غريب إذ لا نفهم مرادهم من الكناية حيث يرون عدم كفاية الكتابة من الأمر المسلم ويجعلون الدليل على اعتبار أمور لم تصل إلينا من الشارع التعبد بها هو الكناية . والكنايةُ عبارة عن استعمال اللفظ وإرادة لازم معناه أو ملزوم معناه بالإرادة الجدية . والاختلاف في المجلس ليس من هذا القبيل. مضافاً إلى أنه لا دليل على كبرى هذا المطلب إذ لا دليل على اشتراط الصراحة في مقابل الكناية بأي معنى فسرت به الكناية في كلامهم. واستدلوا أيضاً عليه بأنه لا بد من عدم اعراض الموجب عن إنشائه إلى زمان تحقق القبول وهذا أمر يظهر إذا كان المجلس واحداً وأما مع تعدده فيحتمل إعراضه عن إنشائه. وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه لأن الاستصحاب كافٍ في بقاء الرضا بالإيجاب من الموجب وعدم إعراضه عنه. وقد يستدل بأن اختلاف المجلس يستلزم الفصل بين الإيجاب والقبول والموالاة معتبرة في العقود. ويرد عليه أنه لا تلازم أولاً بين اختلاف المجلس وبين الفصل بين الإيجاب والقبول إذ قد يختلف المجلس ولا يتحقق فصل عرفي بينهما كما لو كان المجلسان متقاربين وإنشاء الموجب بصوت عالٍ وقبل الطرف الثاني أو كان المجلسان متباعدين إلا أنه الواسطة الموجبة لسماع ورؤية كل منهما صاحبه كانت موجودة كما في (الهاتف المتلفز) و(التلفزيون). مضافاً إلى أنه لا دليل على اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول. فاشتراط اتحاد المجلس لأجل اعتبار الموالاة كاعتبار الموالاة ولو مع الاتحاد في المجلس لا دليل عليه . نعم لو كان الفصل طويلاً جداً بحيث لا يصدق على الإيجاب

ص: 143

والقبول عنوان العقد بنظر العرف أمكن القول بالبطلان لعدم صدق الموضوع حينئذٍ . لكن مع ذلك احتمل بعض الأعاظم كالأنصاري (قد) الصحة لكنه مشكل جداً إذا فرضنا أن الفصل الطويل يوجب عدم صدق العقد . نعم التخاطب العقدي مما لا اتحصل معناه حيث إنّ المدار ليس على صدق المخاطبة بل على صدق العقد. واشترطوا التنجيز في العقد وادعوا عليه الإجماع بل قال جمع بأن المعلق عليه إذا كان أمراً حاصلاً وعلم المُعَلِّق بحصوله أيضاً يكون التعليق حينئذٍ مبطلاً للعقد ذكر هذا الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام . وبعضهم قال بالبطلان فيما إذا علق الإنشاء على أمر حاصل ولكنه لم يعلم به كقولها إن كان هذا اليوم يوم الجمعة زوجتك نفسي وكان اليوم كذلك لكنها لم تكن عالمة به . ثم إنّه لا بد من أن يعلم التعليق بمعنى الدوران بين الوجود والعدم المساوق لمفهوم الشرط لا يعقل أن يكون في الإنشاء نفسه بما هو معنى إيجادي إذ إنّ الإيجاد دائر بين الوجود والعدم، نعم ما يعلق عليه ربما يكون مشكوك الحدوث ويعبر عن اللفظ المفهم لذلك الشرط وربما يعلم حصوله لكنه لم يكن حاصلاً حال الإنشاء كقوله صلِّ يوم الجمعة حيث علق الأمر بالصلاة بيوم الجمعة والمعلوم حصولها لا محالة بعد أيام إلا أنه لا يكون حاصلاً حال الإنشاء. ففي المورد الأول - إذا كان المعلق عليه مشكوك الحدوث - ربما يقال بالبطلان لأن الأمر الإنشائي لا يقبل التعليق حيث إنّ الإنشاء إما أن يكون موجوداً وإما لا ومع عدم العلم بالمعلق عليه لا يتحقق المعلق لكنك عرفت أن الإنشاء تام إلا أن هذا الإنشاء المفيد للحكم بالإكرام - أن جاء زيد فأكرمه - إنما أضيف إلى مجيء زيد فمجيئه وإن كان مشكوك الحدوث إلا أن إنشاء الإكرام حاصل ومن البديهي أن أنشأ حكم من الحاكم إنما هو فرع كون متعلق الحكم بما له من الموضوع ومن قيود الموضوع وعلل الحكم

ص: 144

موجودة وهذا حاصل في عالم الإنشاء . والإنشاء يتعلق بمتعلق ذهني يكون مرآة للخارج .

ويؤكد ذلك ما ذكرنا من أن المطابق بالخطاب إنما هو فعل المكلف وهو إن لم يتحقق خارجاً لم يكن له وجود عيني قابل لتعلق الحكم به . فالإنشاء ولو في القضايا الشرطية لا تعليق فيه بل فيه إضافة إلى أمر مشكوك الحدوث وذلك لا يقلبه إلى الوجود والعدم . نعم قد يتوهم استلزام الوجوب التعليقي لجر الزمان وقد أجبنا عنه في موضعه . وبالجملة التعليق لا يضر بالإنشاء نعم الإجماع ربما يكون محصلاً بالنسبة إلى مورد الشك في حصول المعلق عليه . وأما التعليق على أمر استقبالي كإنشاء الزوجية يوم الجمعة فربما يلتزمون به في المتعة وسيأتي الكلام فيه إلا أنهم لا يلتزمون بصحة النكاح في الدائم . والعمدة الإجماع لكنه لا يشمل ما لو كان التعليق على أمر حاصل لا سيما إذا كان مقوماً للموضوع أو كان بنفسه هو الموضوع كقوله المنشئ إن كانت زينب ابنتي فقد زوجتكها وكانت ابنته . وللكلام تتمة .

وقد استشكل في صحة التعليق في إنشاء النكاح بأنه لا ريب في أن الإنشاء عبارة عن الإيجاد اعتباراً وكما أن الإيجاد الحقيقي لا يقبل التعليق لاتحاد الإيجاد فيه مع الوجود حقيقةً وإن اختلفا اعتباراً فلما كان الإيجاد غير منوط بأمر مستقبل معلوم الحصول أو مشكوكه كان كل من الإيجاد والوجود متحققاً الأول بالوجدان والثاني لأنه عينه وأما إذا كان منوطاً بأمر استقبالي فلا يكون حاصلاً بالفعل وهذا بديهي. وكذلك الإنشاء بما هو إيجاد لأمر اعتباري وقد ذكرنا سابقاً أن الإيجاد دائر بين الوجود والعدم فكيف يمكن تعليقه على أمر غير حاصل .

وقد أجيب عن هذا بالفرق بين الإيجاد لأمر حقيقي والإنشاء الذي هو إيجاد لأمر اعتباري حيث إنّ القصد كما يتعلق بموضوع لحاظي يتعلق أيضاً

ص: 145

بأمر لحاظي كما إذا قصد شرب الدواء في صورة وجود الداء أو فرض الداء فيكون القصد إلى الشرب حاصلاً إلا أنه منوط بلحاظ وجود المرض فيمكن أن يتحقق الإنشاء متعلقاً بلحاظ أمر استقبالي حاصل في المستقبل أو مشكوكه كذلك (فالملحوظ غير حاصل وأما اللحاظ وهو المعتبر في عالم الإناطة حاصل). ولكنك خبير بأن فرض حصول الداء لا يوجب تحقق القصد الفعلي إلى شرب الدواء. لأنه فعل نفساني لا يمكن حصوله ما لم يحصل موجبه وهو المرض فلا معنى لتعلق القصد بالشرب بلحاظ فرض وجود المرض. وأما شرائط الأمور الإنشائية فليست لحاظاتها شرطاً لأن الملحوظ فيه الملاك واللحاظ فلا بد من أن يقال إنّ التعليق إنما هو في المنشأ لا في الإنشاء وذلك الإنشاء لأمر اعتباري إما أن يكون مطلقاً وإما أن لا يكون مطلقاً حيث لا ملاك في المطلق مثلاً وجوب إكرام زيد قد لا يكون معللاً بمجيئه فيكون تام الملاك في صورة المجيء وعدمه وربما يكون ملاك الإكرام موجوداً في صورة المجيء وحينئذٍ لا ينشئ المنشئ وجوب إكرامه مطلقاً لكنه ينشئُ في الحال إنشاءً موجوداً فعلاً لكن مقيداً بهذا القيد. أي ينشئ هذا الوجوب الفعلي على تقدير خاص ولذا لا يتعلق هذا الإنشاء بموضوعه خارجاً إلا بعد تحقق الشرط . وتوضيح ذلك أن الإنشاء له مراحل ثلاث :

1 - مرحلة الإيجاد : وهذه ليست مرحلة الإناطة وأمرها بيد المنشء ولذا يكون الخطاب الإنشائي بالنسبة إلى جميع المنشآت مطلقاً أو معلقاً أو مشروطاً على نسق واحد.

2 - مرحلة التعلق : وهي مرحلة وجود المكلف خارجاً وقيود التكليف في الإنشاءات التكليفية مثلاً . وهذه ليست بعد المنشئ ولذا قلنا إنّ تعلق الحكم بموضوعه ليس بشرعي فترتب الإنشاء على موضوعه خارجاً عبارة عن تعلقه به وهذا أمر عقلي خارج عن مرحلة الإنشاء فإذا كان الإنشاء تاماً

ص: 146

لكن لم يتحقق للموضوع وجود أو لقيود الحكم وجود لا يمكن أن يقال إنّه لا إنشاء حينئذٍ مثلاً أحكام الظهار منشأة له وهي تامة من حيث مرحلة إيجادها التشريعي وإن لم يتحقق في الخارج ظهار يتعلق به هذه الأحكام.

3 - مرحلة التنجيز : وهي مرحلة تأثير الإنشاءات في عالم الخارج فإذا أنشأ الشارع حرمة شرب الخمر وتحقق في الخارج المكلف والخمر وصار بصدد شربه لكنه لم يعلم أنّ الشارع حرّم هذا الشرب أو لم يكن مقصراً أو كان عالماً بالحكم لكن لم يعلم أنّ هذا المايع الخاص خمرٌ لم يكن الحكم واصلاً إلى مرحلته الثالثة .

فوجود الإنشاء التعليقي واضح والإنشاءات التعليقية فوق حد الإحصاء في جميع الملل ، وكيف يمكن أن يشكك بمثل هذا التشكيك الواهي، وهو أن الإنشاء إيجاد وكما أن الإيجاد الحقيقي لا يقبل التعليق فكذا الإنشاء.

نعم قد يقال إنّ الإنشاء إن كان حاصلاً وكان التعليق في المنشأ لزم الكذب في مثل قوله تعالى : (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾ (1) لأن الخبر يكون مطلقاً حينئذٍ والمخبر به يكون منوطاً ومعلقاً فلا بد من أن يكون الفساد حاصل لأنك تخبر بالإطلاق من وجوده الإناطي (أي وجود الفساد معلقاً على تعدد الآلهة).

وهذا الإشكال غريب لأنه في الشرطيات يكون النظر إلى ربط المحمول بالموضوع (المقدم بالتالي) وهي غير ناظرة إلى وجود موضوعاتها خارجاً فإذا كان الجزاء إنشاءً يكون فعلياً لكن بوجوده الربطي الطبيعي وإن كان خبراً لا يكون وجوده الفعلي حاصلاً لأن تطابق الحكاية مع المحكي عنه لابد أن يكون على وفق سنخ المحكي فإذا لم يكن للمقدم إمكان الوجود الخارجي لم يكن للجزاء هذا الإمكان أيضاً. وصدق الحكاية لا يتطلب أزيد من

ص: 147


1- سورة الأنبياء، الآية: 22.

صدق ربط هذا الجزاء بهذا الشرط والمقدم مثلاً قولنا شريك الباري ممتنع صادق مع أن المحمول قابل الإنطباق على الموضوع مع عدم معقولية تحقق الموضوع خارجاً والمحمول تفسير يشير إلى ذلك. فوجود المطابق للشرطيات في الخارج ليس له دخل في صدق تلك الشرطيات وتحقق الإنشاء خارجاً وفعليته لا تستلزم تعلق الإنشاء على الخارج فإن مرحلة التعليق عبارة عن مرحلة التطبيق الخارجي وليس منوطاً بالإنشاء كما أن صدق الحكاية إنما هو بصدق هذا الحمل الاشتراطي في القضايا الخبرية فإذا قلت إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود كانت صادقة ولو في منطقة لا تطلع فيها الشمس أبداً إن هذا المحمول لا بد من أن يكون محمولاً لهذا الموضوع والمفروض أن الموضوع مقدر بتقدير قد لا يتحقق خارجاً فلا ينطبق المحمول عليه مع أنّه محمول عليه لكن لا بالإطلاق بل بما هو مقيد فتدبّر جيداً .

فلا إشكال في الإنشاء التعليقي أبداً بل هو موجود في العرف والشرع كثيراً ومنه صحة الوصية والتدبير بل قلنا إنّ جملة وافرة من الأحكام الشرعية تعليقية حتى الصلاة هي نسخ من الواجبات التعليقية فاعتبار التنجيز في النكاح ولا سيما الدائم لا دليل عليه إلا الإجماع وهو لبّي لا إطلاق له بالنسبة إلى التعليق على أمر حاصل بالفعل ولم يعلم به العاقد وإن ذهب المحقق الأنصاري إلى البطلان هنا أيضاً مدعياً شمول الإجماع له . مسائل الأولى لا عبرة في النكاح بعبارة الصبي إيجاباً وقبولاً وقد مضى منه في كتاب البيع بعد اشتراط البلوغ والعقل والاختيار في المتعاقدين قوله فلا يصح بيع الصبي ولا شراؤه ولو أذن له الولي وكذا لو بلغ عشراً عاقلاً على الأظهر وقال صاحب الجواهر بلا خلافِ معتدٍّ به أجده بل يمكن تحصيل الإجماع عليه بل ربما كان من الضروريات سلب حكم ألفاظهم في جميع العقود فكانت كأصوات البهائم بالنسبة إليها . وقال في البيع بعد قول

ص: 148

المحقق على الأظهر الأشهر بل المشهور بل لا أجد فيه خلافاً إلى أن قال فصحّ حينئذٍ في الفقيه نفي الخلاف في المسألة على الإطلاق بل صح له دعوى تحصيل الإجماع كما وقع من بعضهم بل ربما كان كالضروري إلى أن قال بعد ذلك : وقول الطفل وفعله مسلوب القابلية في ذلك مشيراً بلفظ ذلك إلى القصد . وهاتان العبارتان منه متنافيتان ظاهراً إذ الظاهر من عبارته هنا أنه لا خلاف في المسألة بل هي من الضروريات ويظهر من عبارته في البيع أن المسألة مورد للخلاف واختار هناك الأشهر وهو اعتبار البلوغ ثم ادعى كونها ضرورية. وكيف كان فالمشهور اعتبار البلوغ في صحة العقود . والظاهر أن اعتبار البلوغ لا يكون في المنشآت بالمعنى الاسم المصدري فقط بأن لا يعتبر بيعه بالمعنى الاسم المصدري ومعنى اعتبار البلوغ فيه عدم نفوذ منشآته بيعاً أو إجارة أو نكاحاً بل يعتبر البلوغ في صحة نفس الإنشاء والفرق واضح إذ على الأول يمكن القول بصحة إنشاء الصبي وكالة عن الغير ولذا فصل جماعة بين إنشاء الصبي للنكاح للغير فقال بالصحة - وقد ورد ذلك في بعض الأخبار - وبين إنشائه لنفسه فقال بالبطلان . ويظهر من المحقق في البيع تفصيل آخر وهو بلوغ الصبي عشراً فيصح وعدمه فلا يصح وبه صرح جماعة بل فتوى جماعة كثيرون بصحة وصية الصبي وعتقه إذا بلغ عشراً . وبالجملة فالمسألة ليست إجماعية بجميع جوانبها بإجماع محصل نعم المشهور والمتسالم عليه بينهم اعتبار البلوغ في إنشاءات الصبي بالنسبة إلى ماله ونفسه وأما تحصيل الإجماع على سلب عبارته مطلقاً فصعب جداً بل لو فرض تحقق الإجماع فيها لم يكن بنفسه كاشفاً عن قول المعصوم لأنّا نرى أنهم يستدلون على اعتبار البلوغ بالأدلة السمعية . ومن هنا يظهر أن هذا الإجماع على تقدير حصوله مستندٌ إلى أدلة سمعية فاللازم البحث عما يمكن الاستدلال به على اعتبار البلوغ في كل كعقد فنقول إنهم استدلوا بأمور:

1 - ما عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم رفع القلم عن ثلاثة المجنون حتى يفيق والصبي

ص: 149

حتى يحتلم والنائم حتى يستيقظ . وإطلاق القلم يشمل الأحكام التكليفية والوضعية خرج عن الحكم بضمانه لمتلفاته أو جواز تعزيره أو لزومه في بعض الأحيان وبقي الباقي تحت الإطلاق . ويرد عليه أن ذكر النائم في الثلاثة مع ذهاب المشهور إلى كونه مكلفاً لكنه معذور بدليل وجود قضاء العبادات الفائتة منه وإن استوعب نومه جميع الوقت منضماً إلى أن القضاء يجب أن يكون بأمر جديد لكن بشرط فوت الفريضة والفوت لا يصدق إلا مع وجود التكليف الفعلي فلو لم يكن النائم مأموراً بالعبادة لم يكن لها فوت . يلزم منه أن يراد من رفع القلم ما يمكن تطبيقه على النائم المذكور في الثلاثة . مضافاً إلى أن الخبر امتناني ومن البديهي أنه لا امتنان في إخراج الصبي عن دائرة الأحكام مطلقاً حتى المستحبات مع ورود ما دلّ على كتابة الحسنات له دون السيئات .

2 - رواية حمزة بن حمران (1) وقد رواها الكليني وابن إدريس في السرائر عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال «الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع قال والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك . وتقريب الاستدلال بها واضح فإن المعصوم قيد دفع مال الجارية إليها بما إذا تزوجت ودخل بها وفي الغلام بما إذا بلغ خمس عشرة سنة أو احتلم أو ظهر شعر عانته ومع عدم هذه الأمور لا يجوز أمرهما في الشراء والبيع .

وفي هذا الاستدلال نظر من وجوه :

1 - إن المقصود بأحمد بن محمد هو الأشعري بقرينة رواية العطار عنه ومن عبد العزيز العبدي الكوفي بقرينة رواية السراد عنه لكن عبد العزيز هذا

ص: 150


1- الوسائل باب 14 أبواب عقد البيع وشرائطه ح1 ، الكافي ج7 ص197 ح1.

ضعف في الرجال كما أن حمزة بن حمران لم يوثق في الرجال أيضاً فمن لا يرى كفاية وجود أصحاب الإجماع في السند لاعتبار الرواية ومن لا يرى العمل بالمشهور لا يمكنه الاستدلال بها مضافاً إلى أن استناد قدماء الأصحاب في فتواهم باعتبار البلوغ في إنشاءات المتعاقدين إلى هذه الرواية غير معلوم والشهرة الجابرة لضعف السند هي الاستنادية دون غيرها .

لكن نحن إذا رأينا أن قدماء الأصحاب مع شدة ورعهم ودقّتهم واحترازهم في الإفتاء بحكم لا دليل عليه قد اعتمدوا على رواية قطعنا بصدورها إلا أن هذا يتم فيما لو علمنا بأن فتواهم كانت استناداً إلى الرواية الضعيفة وليس ما نحن فيه من هذا القبيل لوجود الاختلاف في أدلتهم . نعم على رأينا فإنّ وجود أحد أصحاب الإجماع في السند يكفي لاعتبار الرواية لا حاجة للنظر إلى الواسطة التي بينهم وبين المعصوم بعد فرض كونهم من أصحاب الإجماع . فإن قلت ألا يكفي نص الرجاليين على ضعف عبد العزيز في نقض الأخذ عن أصحاب الإجماع مطلقاً . قلت إن الضعف في الراوي إن كان منشأه اختلال عقيدته لا يضر في الأخذ بالرواية نعم المضر هو الضعف بمعنى عدم الصدق وظهور كذب الراوي من أول بلوغه إلى آخر أيامه وحينئذٍ لا بدّ من ترك جميع ما ورد عنه حتى ما رواه أصحاب الإجماع . أما إذا احتملنا أنه ذو حالتين (ضعف ووثاقة) ثم نقل عنه خبراً أحدُ أصحاب الإجماع فلا مانع من الأخذ به . لكنّ هذا يشكل على الرواية من وجهين آخرين :

1 - إنها واردة في البيع والشراء فيقتصر بها على موردها وتعديتها إلى النكاح قياس . نعم لا مانع من تعديتها إلى ما شابه البيع من الإجارة والهبة بإلغاء الخصوصية كما أنه يمكن أن تشمل بعض أفراد النكاح بالفحوى.

لكن لا يمكن المصير إلى استفادة سلب اعتبار عبارة الصبي مطلقاً منها .

ص: 151

2 - إن جواز الأمر ظاهر في نفوذ العمل والنفوذ مناسب البيع والشراء بمعنى الاسم المصدري لا بالمعنى المصدري . وبعبارة أخرى نظر الرواية إلى نفي النفوذ في عالم الاعتبار بالنسبة إلى ما تحقق منه وليست بصدد إلغاء اعتبار ألفاظه .

ويدل على ما ذكرنا صجيج (1) علي بن رئاب (الوسائل ج14 باب15 ح1 ص 269) قال علیه السلام إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم وكان مأجوراً فيهم، وذكر هذا الصحيح الكليني (2) في الكافي في مرتين كتاب الوصايا مع هذه العبارة قال لا بأس بذلك إذا أنفذ ذلك القيم لهم الناظر فيما يصلحهم فالمتن الصادر عن الإمام إن كان هذا الأخير فهو يدل نصاً على أن ما هو موكول بيد القيم هو إنفاذ البيع وإن كان الأول وهو الموافق للتهذيب والفقيه الظاهر في وقوع البيع بين المشتري والصغار فإنه حينئذٍ يفهم من الجواب (باع عليهم القيم لهم) أن المراد من البيع في هذه الجملة رضا القيم بالمعاملة وإجازته لها ثم إنّ الظاهر من قوله الناظر لهم في ما يصلحهم أو الناظر فيما يصلحهم أن الولاية ليست إلا الإشراف على العمل لا التولي له وتوضيحه أن الصبي إن قلنا إنّه مسلوب القول والفعل تكون ألفاظه الصادرة منه كأصوات البهائم على حدّ تعبير صاحب الجواهر وتكون الولاية عليه كالولاية على الحيوان بمعنى تولي أموره بالمباشرة مطلقاً . وإن قلنا إنّه ليس مسلوب القول والفعل بل يكون قصوره الطبعي عن لحاظ المصلحة في معاملاته المبنية على التغابن والمكايسة تكون الولاية بمعنى السلطنة على رعاية مصلحته وغبطته بالنسبة إلى الولي الجعلي .

ص: 152


1- الوسائل باب 15 من أبواب عقد البيع وشرائطه ح1 ، الكافي ج7 ص167 ح1.
2- في الكافي ج7 ص67 ح2 «إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم كان مأجوراً فيهم». وفي ج5 ص208 ح1 كتاب المعيشة كما في ج7 ولكن الرواية ضعيفة بسهل بن زياد .

وحيث لا فرق بين اليتيم وغيره من هذه الناحية تكون ولاية وليه الأصلي عليه كذلك .

هذا وإذا أمعنت النظر في قوله علیه السلام الناظر فيما يصلحهم ترى بوضوح أن الولاية إنما هي ولاية الإشراف والنظر فيما يصلح اليتيم من قبل القيّم عليه ففرق بيِّن بين قولك فلان يتولى أمور المجنون أو المغمى عليه أو النائم وبين قولك فلان يتولى النظر في مصالح السفيه أو الجاهل بالأسعار السوقية . إذ العبارة الأخيرة لا يظهر منها أزيد من النظر إلى ما يصلح القاصر. وبالجملة معتبر حمزة بن حمران ليس بصدد إلغاء اعتبار أقوال الصبي وأفعاله ولا يزيد فضلاً عن الجمع بينه وبين صحيح علي بن رئاب إلا ما يظهر من الأدلة الواردة في نكاح البكر وإن كانت بالغة رشيدة أن أمر البكر في النكاح موكول بيد أبيها إما لزوماً كما ذهب إليه جماعة وإما بنحو الاستحباب وسيأتي في محله (ولاية الأب) إن شاء الله .

3 - صحيح محمد بن مسلم (1) وفيه عمد الصبي وخطأه واحد. وتقريب الاستدلال به على سلب الاعتبار عن أقوال الصبي مطلقاً أن الشارع قد نزل عمد الصبي منزلة الخطأ والتنزيل إما أن يكون بحسب بعض الصفات فعندما نقول زيد أسد تكون نزلت زيد منزلة الأسد في الشجاعة مع أنهما متباينان وهكذا العلم نور . . . وربما يكون التنزيل على نحو الإطلاق على أن تعطي للمنزل منزلة المنزل عليه في جميع ما له من صفات وآثار فقول الشارع الفقاع خمر إن جعلناه لسان تنزيل يكون بإطلاقه ناظراً إلى أن الفقاع محكوم بجميع أحكام الخمر من النجاسة وحرمة الشرب وفساد البيع . . . ولذا لا بد في موارد التنزيل من وجود قرينة تدل على مصب التنزيل ومع عدمها لا بد من الأخذ بالإطلاق إن كان الكلام

ص: 153


1- باب 11 أبواب العاقلة ح2 الوسائل ، التهذيب ج10 ص233 ح 920.

وارداً مورد البيان وكان من الممكن الأخذ بالإطلاق وإلا فلا بد من المصير إلى إجماله والأخذ بالقدر المتيقن من التنزيل وفي المقام إطلاق إن كان الكلام وارداً مورد البيان وكان من الممكن الأخذ بالإطلاق وإلا فلابد من المصير إلى إجماله والأخذ بالقدر المتيقن من التنزيل وفي المقام إطلاق القول إنّ عمد الصبي وخطأه واحد يدل على أن الشارع لم يعتنِ بالصبي في عالم التشريع مطلقاً . فكما أن المخطئ إذا صلّى تكون صلاته حركات لا شعورية لا غنى فيها في عالم التعبد كذا صلاة الصبي تكون مجرد حركات لا شعورية وكذا إذا أنشأ أمراً إنشائياً فإنه لم يعتنِ الشارع بإنشائه فلا يكون بيعه معتداً به بالمعنى الاسم المصدري وغير نافذ وهكذا في غير البيع من معاملاته وتصرفاته . وذلك لأن جعل الحكم بوحدة العمد والخطأ تنزيلاً من الشارع يدل على ما ذكره صاحب الجواهر وجماعة من الفقهاء (قدس سرهم) من أن الصبي كالبهيمة وألفاظه كأصواتها وحركاته العبادية تمرينية تعليمية .

فإن قلت : ذكر المحدثون هذا الصحيح في باب أن الدية على العاقلة فلا بدّ من حمله على أن الشارع كان بصدد تنزيل قتله العمدي منزلة الخطائي في جعل الدية على العاقلة .

قلت : لا تنافي بين تنزيل أفعال وأقوال الصبي منزلة الخطأ في الأثر وجعل دية قتله على العاقلة . فما لم يكن قرينة على حمل المطلق على بعض أفراده لا بدّ من حمله على إطلاقه . وفيه (في أصل الدليل) أن تنزيل ما له الحكم منزلة ما ليس له الحكم يدل على نفي الحكم عن المنزل بهذا اللسان بمعنى أنه لو كان الخطأ مسلوب الحكم في عالم التشريع مطلقاً بمعنى أن جعل العمد منزلة الخطأ لا يصح إلا بنفي آثار العمد وإلغاء أحكامه على عكس ما لا بدّ من التنزيل من جعل المنزل منزلة المنزل عليه في الآثار الوجودية إلا أن حفظاً للتنزيل وصوناً للكلام عن اللغوية نقول إنّه في مثل

ص: 154

هذا النسخ من التنزيل لم يكن بدّ من المصير إلى أن لسان التنزيل لسان نفي الأثر عن المنزل لا لسان إعطاء المنزل بعض آثار المنزل عليه لوضوح أن المنزل عليه ليس له أثر أبداً. إذن فليس الجواب عن هذا الاستدلال أن لا بد في التنزيل على الحكم من ترتيب جميع آثار المنزل عليه أو بعضها . وليس هكذا في قوله عمد الصبي وخطأه واحد إذ لو كان المراد نفي الأثر عن العمد قولاً وفعلاً الصادر من الصبي لم يكن لهذا اللسان معنى وذلك لما قلنا من دلالة الاقتضاء على ذلك وكفاية جعل المنزل منزلة المنزل عليه في نفي الحكم والأثر عنه. فلهذا التنزيل حكومة على أدلة أحكام العمد كحكومة لا شك كثير الشك على أدلة الشكوك . فكما أن لسانه لسان نفي الأثر عن شك كثير الشك كذا يكون لسان عمد الصبي وخطأه واحد لسان نفي الأثر عن عمده قولاً وفعلاً. لكن لو كان للمنزل عليه أثر ولو بالنسبة إلى بعض حصصه لا يمكن القول إنّ لسان التنزيل لسان نفي الأثر من المنزل لأن بعض حصص المنزل عليه ليس لها أثر لا كلها فلا بدّ حينئذٍ إما من القرينة على أن التنزيل بلحاظ الحصص التي ليس لها أثر وإمّا بلحاظ الحصص الأخرى وإمّا من القرينة على أن التنزيل بلحاظ الحصة التي لها أثر أو الحكم بالإجمال . بيان ذلك أنه لا ريب في أن الأفعال الخطأية ليست لا أثر لها كلها فإذا أخطأ شخص وشرب الخمر لا يكون آثماً معاقباً لكن إذا أتلف مال الغير خطأً يكون ضامناً أو لاقى النجس برطوبة خطأ يتنجّس أو قتل خطأ فعليه الدية فليس كل فعل صادر خطأ يكون مسلوب الحكم تشريعاً بل هو على قسمين خطأ له أثر شرعي وخطأ ليس له أثر شرعي فعند التنزيل لا بد من وجود قرينة في البين تدل على أن الشارع بصدد إعطاء حكم الخطأ للعمد في هذا التشريع التنزيلي أو بصدد رفع الأثر عن العمد في هذا التنزيل بسبب عدم الأثر لقسم من الخطأ وهو الثاني . وإذا فقدت القرينة على هذا أو ذاك كان الكلام مجملاً . نعم حيث نرى وروده في موثق إسحاق بن

ص: 155

عمار (1) في باب الديات من أن عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة نرى أن هذا التزيل إعطاء حكم المنزل عليه للمنزل وأن العمد إنما هو محكوم بحكم الخطأ الانباتي - الإيجابي . فالدية في القتل الخطأ على العاقلة ويكون الحكم بثبوت الحكم في القتل العمدي بلسان التنزيل . فليكن هذا قرينة على جعل لسان الرواية الوارد في صحيح محمد بن مسلم لسان إعطاء حكم الخطأ للعمد ولعله للارتكاز المحاوري نقلوا هذا الحديث في باب الديات . وكيف كان فلا يظهر منه هذا المعنى أضف إليه استحالة العكس بإطلاق حديث محمد بن مسلم .

ومما يدل على أن المراد من قوله علیه السلام عمد الصبي وخطأه واحد ليس إلغاء اعتبار قول الصبي وفعله أنه على هذا المعنى يلزم تخصيص الأكثر إذ لا بد حينئذٍ من استثناء عباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ووصيته. قال في التذكرة «الصبي محجور عليه بالنص والإجماع سواء أكان مميزاً أم لا في جميع التصرفات إلا ما استثني كعباداته وتدبيره ووصيته . . . وإيصال الهدية وإذنه في دخول الدار». وأنت خبير بأن العبادات تستغرق قسماً كبيراً من أفعال الصبي وروح العمل العبادي القصد في العبادة أمر جانحي يكون العمل الجارحي كالركوع والسجود مبرزات له . فإذا استثنيت عباداته وإسلامه فكيف يمكن أن يلتزم بأن الصبي كالبهيمة وأن ألفاظه مطلقاً كأصوات البهائم فما ذهب إليه جمع من الفقهاء من اعتبار إنشاءاته وتوقف ما يرتبط منها بنفسه وماله على نظر الولي وإشرافه هو الأقوى . قال في مجمع الفائدة بعد بيان طويل لا يبعد جواز بيعه وشرائه وسائر معاملاته إذا كان بصيراً مميزاً رشيداً يعرف نفعه وضره في المال وطريق الحفظ . ثم إنّك قد عرفت في مطاوي ما ذكرنا عدم ثبوت إجماع محصل في البين بالنسبة إلى هذه الكبرى الكلية .

ص: 156


1- الوسائل باب11 أبواب العاقلة ح3 وفيه أن علياً علیه السلام كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة، التهذيب ج10 ص 233 ح921.

وقد استدل لصحة إنشاءات الصبي بأمور :

1 - ما في الكافي (1) عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله علیه السلام قال تزوج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أم سلمة زوجها إياه عمر بن أبي سلمة وهو صغير لم يبلغ الحلم .

2 - ما في معتبر السكوني (2) من نهي النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بیده فإنه إن لم يجد سرق. وتقريب الاستدلال واضح إذ النهي إن كان إرشاديا فصحة تعاملاته واضحة ظاهرة فكيف بإنشاءاته وإن كان تحريمياً تعبدياً فنقول إن التعليل والتقييد كاشفان عن صحة معاملاته والنهي إنما هو بالنسبة إلى كسب صغير خاص وهو ومن يحسن صناعة بيده وبعلةٍ مخصوصة (احتمال سرقته) . فإذا كان إنشاؤه لاغياً لم يكن التعليل صحيحاً إذ العدم لعدم المقتضي مقدم على العدم لوجود المانع ومن المعلوم أن اللغوية لقول الصبي تستلزم عدم وجود المقتضي لكسب الغلام وهو نفوذ إنشائه ومنشأته فكيف علّل نهي النبي بإمكان السرقة حيث لم يجد لا مطلقاً وهو مانع عن كسب الغلام . والسند معتبر لأن السكوني وإن كان عامياً إلا أنه ممن عملت الطائفة بأخباره على ما ذكر الشيخ في العدة.

3 - قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (3) وهذه الآية الشريفة تتضمن أمراً وجواباً وشرطاً وجزاءً فالشرطية هي «فإن آنستم . . . فادفعوا» والأمر بالابتلاء على ما يظهر من الأمر بدفع الأموال بعد إيناس الرشد منهم وعلى ما نقله الطبرسي في مجمع

ص: 157


1- الوسائل باب16 ابواب عقد النكاح ح1 وفي سندها مسلمة بن الخطاب وقد ضعفه النجاشي، الكافي ج5 ص391 ح7.
2- الوسائل باب33 أبواب ما يكتسب به ح1 ، الكافي ج5 ص 128 ح8.
3- سورة النساء، الآية : 6.

البيان عن جماعة من المفسرين كقتادة والسدي والحسن متوجه إلى الأولياء . نعم لو كان المال عند غير الولي أمكن القول بشمول إطلاق الآية له . وكيف كان فالآية الشريفة تدل على وجوب ابتلاء اليتامى أو على الإرشاد إلى لزوم ابتلائهم أو الترخيص التمهيدي لدفع الأموال إليهم في ابتلائهم. والابتلاء في المقام بقرينة دفع المال ابتلاء معاملي وهو إنما يكون بحسب البيع بالمعنى الاسم المصدري أو معاملات أخرى ربحية - ولذا ورد في نصوص كثيرة تفسير إيناس الرشد لحفظ المال . فالمراد أن المعاملات المالية الموقوفة على التغابن والمبنية على المكايسة يجب أن ينظر إليها بالنظر الاختباري إذا صدرت من غير البالغ وهذا موافق لما هو مرتكز عند العقلاء لأن الصبي من حيث أصل طبعه له قصور في ملاحظة المصلحة المالية بل هذا محسوس خارجاً وفي المثل «أن الصبي يبيع خاتماً من ذهب بتمرةٍ واحدة» فابتلاؤه إنما هو للنظر في أنه هل له نبوغ فطري زائد يوجب الوثوق فيه بالتصرف بالأمور المالية وحفظها عن الخسران أم لا . وحيث إنّ هذا القصور يمتد إلى زمن البلوغ بحسب طبع الإنسان جعل جواب الأمر مغيّاً بالبلوغ مشترطاً دفع المال إليه بحصول الرشد عند تلك الغاية. وعليه لا يمكن دفع أموال اليتامى إليهم قبل البلوغ وإن حصل لهم رشد . إن قلت هلا قيد دفع المال بعد البلوغ بالرشد فكيف أمر بالابتلاء . قلت لأن البلوغ حدّ طبعي لتمامية العقل والقدرة على حفظ المال إلا أنه يمكن أن يوجد في الأشخاص من لم يصل إلى الحد الطبيعي كالسفيه ولذا كان لا بد من الاشتراط بالابتلاء . ثم إنّ الابتلاء هل هو مطلق شامل لما يكون بمقدمات المعاملات ولنفس المعاملات أم لا؟ يجب أن يكون مورد الابتلاء نفس المعاملات الاكتسابية بمعانيها الاسمية لأن المقدمات ليست دخيلة في معرفة تمييز الصبي وعلمه بمصالحه المالية . فحمله على الابتلاء بالمقدمات حمل بلا شاهد بل الشاهد على خلافه نعم وجود الابتلاء بنفسه كاشف عن

ص: 158

اشتراط الإشراف على معاملاته فصحّ لنا القول إنّ الآية تدل على صحة معاملاته وعلى موقوفية الصحة الفعلية لها على إشراف الولى لا بإجازةٍ منه لأن الابتلاء إنما هو عبارة عن النظر إلى أمر الصبي لا الإذن له . وإن قلنا إنّ الشرطية ليست جواباً للأمر بالابتلاء مع غائية البلوغ بل تكون واردة في أول زمان الابتلاء إلى آخر زمان الصبا وهو الوصول إلى حد البلوغ فإذا ابتلي قبل البلوغ وأنس منه الرشد دفع إليه ماله . بل لو لم نقل بذلك أو قلنا به لم يفرق الأمر بالنسبة إلى ما نحن بصدده من عدم لغوية إنشاء الصبي إذ على الاحتمال الأول لا بدّ من إشراف الولي على معاملاته وعلى الاحتمال الثاني يكون نفس إيناس الرشد وإيكال الأمر إليه ودفع المال له إشراف من الولي على معاملاته فالمسألة بحسب الأدلة الأدلة صافية عن الإشكال .

4 - السيرة وهي مندمجة تحت العقلائية المستمرة إلى زمن حدوث النظم المالية في المجتمع البشري وهي عبارة عن تصدي الأطفال ولا سيما المميزين منهم إلى الكسب خطيرة كانت الأموال أم يسيرة وهذه السيرة لم يردع عنها الأئمة علیهم السلام ومن المعلوم أنها إذا استمرت إلى زمنهم ولم يردعوا عنها علیه السلام كانت كاشفة عن تقريرهم لها فتكون حجة لهذا الكشف . نعم قد يقال إنّها ناشئة من قبل غير المبالين بأحكام الدين ولا سيما مع ما نراه من شهرة الفتوى بلغوية إنشاءات الصبي قلت بل هي عامة شاملة للمتدينين المحتاطين وغيرهم على نهج واحد ولو سلّمنا الإشكال فيكفينا سائر الأدلة بل يكفي عدم ثبوت دليل على عدم نفوذ معاملاته فكيف بإنشاءاته .

قال في الشرايع : ولا بعبارة المجنون أي لا عبرة بعبارة المجنون ولذا يكون إنشاؤه للنكاح باطل للسيرة العقلائية فإن العقلاء لا يعتبرون أقواله ولا يعتدّون بمعاملاته فإن من زال عقله تكون حركاته لا شعورية وغير منتظمة ولا يتمكن من تطبيق الكبريات الارتكازية التي عنده على الموضوعات

ص: 159

الخارجية . ومقصودهم من أن المجنون لا قصد له ليس أن حركاته لاإرادية كيف وهو يمشي بالإرادة ويأكل ويشرب بالإرادة بل مرادهم أنها ليست متزنة وشعورية . والمسألة ليست محل إشكال .

قال في الشرايع : (وفي عقد السكران الذي لا يعقل تردد أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز) وذهب جماعة إلى صحة العقد سواء كان العاقد رجلاً سكراناً أم امرأة سكرى لكن مع الإجازة بعد الإفاقة ومنهم الشيخ في النهاية والصدوق في الفقيه والمقنع وغيرهما وفصل بعضهم بين السكران والسكرى فذهب إلى بطلان عقد الأول مطلقاً وإلى صحة عقدها مع إفاقتها وإجازتها ونظر هؤلاء إلى رواية (1) محمد بن إسماعيل بن بزيغ التي رواها الشيخ الطوسي بإسناده قال سألت أبا الحسن عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلاً في سكرها ثم أفاقت فأنكرت ذلك ثم ظنّت أنه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع ذلك الرجل على ذلك التزويج أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها فقال علیه السلام إذا أقامت معه بعدما أفاقت فهو رضا منها قلت يجوز ذلك التزويج عليها قال نعم . فمن ذهب إلى الصحة بشرط الرضا المتأخر في الرجل والمرأة الغى خصوصية الرواية من حيث ورودها في مورد السكرى والذي اقتصر على الحكم بصحة تزويج السكرى نفسها إذا رضيت بعد الإقامة نظر إلى أن الرواية كانت مخالفة للقواعد العامة المعتبرة للقصد اقتصر على مرودها وهو السكرى . وفصل العلامة في المختلف بين سكرٍ يصل إلى حدّ عدم التحصيل فقال بعدم الصحة وسكر لم يصل حدّ عدم التحصيل فقال بالصحة وحمل الصحيحة على ذلك إلا أن صاحب المسالك أشكل عليه بأن السكر إذا لم یبلغ حداً يزول القصد معه لا حاجة إلى الرضا بالعقد بعد الإفاقة وإذا بلغ

ص: 160


1- الوسائل باب14 أبواب عقد النكاح ح1 ، التهذيب ج7 ص392 ح1571 ، الفقيه ج3 ص259 ح1230 .

ذلك الحدّ فلا مقتضى للصحة وعليه فلا بد إما من طرح الرواية وإما العمل بها دون تفصيل ويرى أن طرحها أولى وإلى هذا ذهب صاحب الرياض بدعوى أنها مخالفة للقواعد . واحتمل صاحب الجواهر أنها واردة مورد توكيل السكرى شخصاً لتزويجها فيكون مورد الرواية العقد الفضولي . وقال قبل بيان هذا الاحتمال رداً على صاحب المسالك بأنها صحيحة سنداً ومعمول بها عند الاصحاب فلا موجب لطرحها. لكن التحقيق أن السكر الحاصل لمن ابتلي بشرب المسكر (المدمن) لا يصل غالباً إلى حدّ عدم التحصيل ومورد الرواية امرأة ابتليت بشرب الخمر ومن المعلوم وجود الفرق بين هذه العبارة وبين عبارة امرأة شربت النبيذ وقد رأينا جمعاً من المدمنين كانوا إذا شربوا لا يصل سكرهم إلى حدّ عدم التحصيل الذي ذكره العلامة . فمن هذه القرينة الخارجية وقرينة فزوّجت نفسها الظاهرة في تأتي قصد الإنشاء من السكرى ويستفاد ذلك من قوله فأنكرت ذلك ثم ظنت أنه يلزمها أي لا مناص لها من الإنكار حيث إنها زوجت نفسها فيلزمها هذا التزويج ولا بدّ لها من الإقامة مع زوجها . ففزعت منه وفي متن الرواية في من لا يحضره الفقيه فورعت منه وذلك يدلّ على صدور التزويج إنشاءً من السكرى . فإن قلت كما قال صاحب المسالك إنّه ما معنى اشتراط الرضا المتأخر عن الإفاقة إذ الإجازة إنما تعتبر في عقد الفضولي فإذا صدر العقد من أهله ووقع في محله لم تكن حاجة بعد للرضا المتأخر . قلت إن حالة السكر حالة تغلب على النفس من حيث ملاحظة الغبطة فإن ثوران الدم يستلزم حصول حالات غیر متعارفة كحالة الإسراف وحالة الصبر فالرضى الباطني بالعقد يكون مفقوداً ولذا يحتاج إلى الرضا المتأخر ويكون نفس التفكير في التدبر في المصلحة والقيام مع الزوج أو الزوجة كافياً فيه بمعنى أنه لا يلزم إنشاء ما يبرز الرضا كما في مورد الإجازة في البيع الفضولي وليس في الصحيحة إلا ذلك حيث يقول فأقامت مع الرجل . وأما السكر

ص: 161

الذي يصل إلى حدّ عدم فهم المعاني من الألفاظ يكون موجباً للهذيان فلا يقال إنّ فلانة زوجت نفسها إلا مجازاً للمشابهة الصورية بينها وبين من صدرت منها الصيغة مع القصد . فالحق كما ذهب إليه جمع من القدماء والمتأخرين هو القول بالصحة التأهلية لإنشاء السكران مطلقاً بشرط الرضى الباطني بالعقد بعد الإفاقة . ولا أقول إنّ هذا مخالف لبناء العقلاء وحيث إنّ المعاملات أمور اعتبارية عقلائية وللشارع الردع إلا أنه لم يظهره من الرواية كونها في صدد تأسيس حكم لا يكون في العرف .

تذنيب:

إذا أنشأ المكره العقد ثم رضي به بعد ذلك كان نافذاً لأنه بعد حصول الرضا يصير العقد تام الشرائط فيؤثر أثره فعقد المكره له صحة تأهيلية . وقد يتوهم أن حديث الرفع يدل على أنه لا أثر لما يصدر عن المكره فإنشاؤه بحكم حديث الرفع لا يكون موضوعاً للأثر الشرعي . وجوابه أن رفع الأثر عن إنشاء المكره إذا كان عن الغير يكون خلاف الامتنان في حق الغير وإن كان عن نفسه ثم رضي بعده يكون خلاف الامتنان في حقه وهو حديث امتناني فلا يكون رافعاً للاثر الذي يكون وضعه موافقاً للامتنان . لكن الإشكال في الحديث سنداً ودلالة حيث لا يظهر منه أنه في صدد تأسيس حكم تعبدي لأن رفع العقاب عن الجاهل بالحكم أو المضطر أو الناسي أو المكره إنما هو بحكم العقل حيث إنّ الخطاب ما لم يصل إلى المكلف بالعلم أو وصل لكن لم يقدر على امتثاله أو نسي أو اضطرّ إلى تركه لا يكون مع هذه كلها معاقباً عقلاً لعدم تنجز الخطاب في حقه وإنما تصح المؤاخذة مع تنجز التكليف ومع عدمه يرى العقل أن عقاب المولى للعبد على عدم امتثاله تكليفاً لم يكن منجزاً في حقه مجازفة محال في حقه تعالى . فحديث الرفع ورد مورد الحكم العقلي وحينئذٍ يدور أمره بين

ص: 162

أن يكون في صدد تقرير ما حكم به العقل وبين كونه مؤسساً لحكم تعبدي وقرينة مقام التشريع وإن اقتضت كون المولى في مقام البيان لحكم تشريعي تعبدي إلا أن وجود حكم العقل خارجاً يمنع عن اقتضاء المقام لإعمال المولوية حيث إنّ تأسيس حكم جديد مع وجود حكم العقل تحصيل للحاصل وهو لغو ولذا تكون البراءة العقلية بالنسبة إلى الشبهات الحكمية أو الموضوعية وبالنسبة إلى موارد الجهل بالحكم كافية عن البراءة الشرعية إذ لا يحتاج إلى تعبّد من الشارع في رفع العقاب . وأما شمول الحديث بإطلاقه لغير العقاب من الآثار والأخذ حينئذٍ بمقام التشريع والقول إنّه وارد في مورد التعبد فغير معلوم إذ الظاهر منه صدراً وذيلاً أنه بصدد بيان عدم العقوبة . وبالجملة فإنّ عقد المكره صادر ممن له أهلية الإنشاء وليس فيه إلا فقدان الرضا فإذا حصل بعد ذلك صار العقد تاماً وموضوعاً لأدلة النفوذ أعني مطلقات الصحة . أما السفيه فإنشاؤه العقد لغيره صحيح لعدم الموجب للبطلان لأن السفيه يصدر منه العقد وأما إنشاؤه لنفسه فله صحة تأهلية بمعنى أن صحته العقلية موقوفة على إجازة الولي ومعها ينفذ إنشاؤه .

قال في الشرايع : (الثانية : لا يشترط في نكاح الرشيدة حضور الولي) وسيأتي الكلام في هذه المسالة مفصّلاً إن شاء الله كما أنه (لا يشترط في شيء من الأنكحة حضور الشاهدين) خلافاً للعامة حيث اشترطوا حضور الشاهدين العادلين في النكاح قياساً منهم له على الطلاق بل نظير من الأخبار أنهم كانوا يعرضون بذلك على الشيعة حيث يعتبرون العادلين في الطلاق ولا يعتبرونهما في النكاح إلا أن القياس باطل عقلاً لأنه عبارة عن الأخذ باللوازم بمعنى التعدي بالحكم من موضوع لآخر لمجرد اشتراكهما في أمر يتوهم المقيس أنه العلة في ثبوت الحكم للموضوع الأول. ولذا لا نقول إنّ المنع من القياس تعبّد بل الأخذ به محق لأحكام الدين لأن الحدس

ص: 163

والأخذ باللوازم العامة موجب للانحراف عن الواقعيات ولذا قال المعصوم علیه السلام السنة إذا قيست محق الدين .

قال في الشرايع : ثم إنّ العقد (لو أوقعه الزوجان سراً) لم يجز لهما المؤامرة على الكتمان (ولو تآمرا عليه بالكتمان لم يبطل) لوجود المقتضي وعدم المانع خلافاً لمالك حيث قال لو لم يحضر العادلان كان للزوج والزوجة المؤامرة على كتمان الزوجية .

قال في الشرايع : (الثالثة : إذا وجب ثم حين إذا عمي عليه بطل حكم للإيجاب) وقال في العروة يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد فلو أوجب ثم جُنَّ أو أغمي عليه قبل مجيء القبول لم يصح وكذا لو أوجب ثم نام . والظاهر من أقوالهم بل المصرح به في الجواهر وغيره أن اشتراط عدم الفصل بالإغماء والجنون والنوم بل الغفلة بين الإيجاب والقبول شامل لما إذا تحققت الإفاقة قبل إنشاء القبول فلو أوجب ثم نام قبل إنشاء القبول ثم استيقظ قبل إنشاء القبول بحيث وقع القبول حال يقظة الموجب كان العقد باطلاً . فهذا الفصل وإن لم يوجب زوال المخاطبة بينهما حال إنشاء الصيغة من الإيجاب والقبول بل ولم يكن مزيلاً للإتصال العرفي يكون مبطلاً بحيث لو أوجب الموجب ثم نام القابل قبل إنشاء القبول بمقدار يسير لا يضر بالموالاة العرفية واستيقظ وقال قبلت لم يصح . نعم ذهب في المسالك إلى أنه لو نام القابل بعد الإيجاب ثم استيقظ لا يكون عروض النوم مانعاً عن الصحة كالوكالة . ثم إنّ اعتبار عدم الفصل بينهما بما ذكر مورد للتسالم الفقهي قال في الجواهر بلا خلاف أجده بينهم بل ادعى جمع من الأصحاب الإجماع عليه لكن الظاهر أن الإجماع لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً في المقام لأن الفقهاء لم يقتصروا عليه بل استدلوا على المطلب بأدلة أخرى وهذا مما يوجب الظن يكون اعتمادهم على تلك

ص: 164

الأدلة . والإجماع إن كان مدركياً أو مظنون المدركية لم يكن كاشفاً عن رأي المعصوم . فالعمدة النظر في الأدلة التي استدلوا بها على ذلك غير الإجماع.

يظهر من كلماتهم اشتراط استدامة بقاء شرائط صحة العقد من الرضا والقصد وغيرهما إلى حين تماميته بين المتعاقدين ولو فرض عروض الإغماء أو الجنون بعد الإيجاب أو القبول المتقدم ثم زال قبل الإتيان بالقبول مع عدم الإخلال بالموالاة بطل العقد ولم يصح واستدلوا له بأمور :

الأول : الإجماع الذي تكرر نقله في عبارات الأصحاب منهم صاحب الجواهر وأشار إليه في العروة وأشكل عليه بأن صاحب المسالك یرجح الصحة فيما لو تخلل الإيجاب والقبول نوم عارض زال قبل القبول بنحو لا يضر بالموالاة لكنه إشكال غير وارد لكون الإجماع دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن وخلاف صاحب المسالك لا يضرّ فيه والصحيح في الجواب عن الإجماع بأنه غير كاشف عن قول المعصوم ورأيه لما نراه من تمسك الفقهاء في هذه المسألة بأدلة آخر مما يوجب كون الإجماع مدركياً أو مظنون المدركية .

الثاني : انصراف المطلقات إلى غير هذا العقد المتخلل فيه الإغماء ونحوه وفيه أن إحراز الموضوع بالنسبة إلى المطلقات إنما هو بيد العرف والشارع إنما يشرع الحكم على عنوان كلّي مشير إلى مصاديقه الخارجية أما أن هذا المصداق مصداق أم لا فليس من وظيفة الشارع فلو قال الشارع أحلّ الله البيع ورأينا أن العرف يرى أن المعاطاة مصداقٌ للبيع نحكم بشمول ذلك المطلق له . فالصغريات للكبريات الشرعية كلها وجدانية إحرازية ومن المعلوم أنه لو أوجب البيع شخص ثم غفا ثم استيقظ بلا فصل وقبل القابل لا يرى العرف خروج هذا الفرد عن أفراد البيوع المتعارف عليها وإن شئت

ص: 165

قلت إن مجرد طرد ما يزيل للهيئة الاتصالية للعقد ليس موجباً لعدم صدق البيع على هذا العقد . وبالجملة لا نسلم الانصراف وعلى فرضه فهو بدوي لا عبرة به لعدم الفرق بين هذا الفرد من البيع وبين بقية الأفراد.

الثالث : ما يظهر من جماعة من الفقهاء لصاحب التذكرة والمسالك من أن الإيجاب من طرف الموجب جائز لا يؤول إلى اللزوم لأنه لا يكون لازماً قبل تحقق القبول . هذا ملخّص ما نقلناه عن التذكرة وقال في كلام له ولا تأثير للإيجاب بعد ذلك مشيراً إلى العارض المتخلل في البيع وإن زال وأشار إلى هذا الدليل في المسالك مع استثناء المنوم المتخلل في البين الزائل قبل القبول بدعوى أن النوم لا يبطل الوكالة في العقود الجائزة فكذا لا يبطل الإيجاب في العقود اللازمة . وأنت خبير بأن العقد الإذني يرتفع إذا عرض عارض موجب لزوال الإذن بزوال الصفة المقومة للإذن الموجودة في الآذن فقياس الإيجاب في العقود اللازمة على العقود الإذنية قياس مع الفارق . مضافاً إلى عدم تسليم الحكم في المقيس عليه . وكيف كان الإيجاب في العقد اللازم له لزوم شأني بمعنى أنه بعد انضمام القبول إليه يكون بنفسه موضوعاً للزوم بالنسبة إلى الموجب وتوضيح ذلك أن لزوم العقد يتعلق بكل من الموجب والقابل نعم ما لم ينضم القبول إليه وكذا العكس لا يتحقق هذا الموضوع المركب فجواز الإيجاب قبل القبول معناه وجود حالة منتظرة هي لحوق القبول للإيجاب فيكون للإيجاب لزوم شأني بهذا المعنى.

الرابع : ما ذكره شيخنا الأنصاري (ره) من اعتبار المعاقدة بین المتعاقدين وصدقها يتوقف على بقاء كل من الموجب والقابل على الأهلية إلى تمامية العقد واستشكل في ذلك بأن المعاملات لا يتوقف مفاهيمها على التخاطب فاشتراط التخاطب بتعليل أن المعاقدة تحتاج إلى التخاطب غير

ص: 166

صحیح وأجيب بأنه وإن كان كذلك إلّا أنها في حاق معانيها تحتاج إلى التخاطب ولعل مراد القائل أن التخاطب مقوم لتحقق التجارة ونحوها من المعاملات ثم قال لأن كل من الموجب والقابل كأنه يوحي إلى الآخر . وأنت خبير بأن عنوان العقد عنوان انتزاعي منشأ انتزاعه الإيجاب والقبول الصادران من الموجب والقابل وينتزع هذا العنوان باعتبار ارتباط إنشاء كل منهما بالآخر وهذا المعنى لا يحتاج في تحققه إلى أزيد من تحقق منشأ انتزاعه بركنيه وهما الإيجاب والقبول وأما اعتبار التخاطب في انتزاع هذا العنوان فهو مما يخالفه الوجدان الخارجي لأن العرف لا يرى بأساً بتخلل عارض يزول من دون فصل بين الإيجاب والقبول . ثم إنّ هذا المعنى - انتزاع العقد - لا يحتاج إلى المخاطبة بما لها من المفهوم ولذا لو توسط شخص بين الزوجين ونقل كلام كل منهما إلى الآخر صح العقد كما في التذكرة مع عدم تحقق المخاطبة بينهما .

فالتحقيق أن يقال إنّ العارض المتخلل بين الإيجاب والقبول إذا كان مانعاً من صحة أحدهما كالإغماء ونحوه لا مانع من القول بصحة العقد إذا ارتفع قبل إنشاء القابل قبوله ولم يكن الفصل بينهما به موجباً لفقدان الموالاة عرفاً فتفصيل صاحب المسالك بين النوم الزائل قبل إنشاء القبول مع بقاء الهيئة الاتصالية وجيه ولا موجب لمناقشة صاحب الجواهر له إلا أنه لا يختص بالنوم وحده ولا يكون دليله مجرد أن النوم لا يزيل أثر العقود الجائزة بل الدليل هو عدم الدليل على كون طرو هذه العوارض مانعة من نفوذ العقد . واشتراط عدم هذه الأمور بما هو عدم لا محصل له ثبوتاً فكيف إثباتاً إذ العدم لا تأثير له . فلا بدّ من إرجاع هذه الشرطية إلى مانعية هذه العوارض وقد قلنا بعدم مانعيتها . وقد عرفت من صاحب الجواهر أن الظاهر من أدلة اعتبار القصد والرضا في العقد اعتبار بقائهما ما دام لم يتم العقد بطرفيه من الإيجاب والقبول . فاشتراط الاستدامة مصادرة حيث لا

ص: 167

دليل عليها . نعم لو وقع القبول أثناء وجود العارض المذكور وقبل زواله أمكن القول بعدم نفوذ القبول حينئذٍ باعتبار أن العرف يرى الإيجاب كالمعدوم بالنسبة إلى الشرائط المقومة للموضوع كالعقد الذي يزول تارة بالإغماء وأخرى بالنوم فمن هذه الجهة يمكن بمساعدة القوم بتقريب أن الموجب إذا جنّ وقبل القابل لا يرى العرف بقاء الموضوع وباعتبار لحاظ فقدان الموضوع لا يرتبون الأثر على ما صدر منه من الإيجاب وإلا أمكن أن يقال إنّ الإيجاب صدر من أهله والقبول كذلك فلا حالة منتظرة لشمول أدلة الصحة من المطلقات ولا سيما على مبنانا من أن الزوجية عبارة عن الربط الاعتباري بين الزوج والزوجة وهذا الربط ينشئه من تقدم بالإنشاء أولاً فإذا قالت المرأة أنكحتك نفسي فقد أوجدت الربط بينها وبين قرينها وكذا الزوج لو كان هو المنشىء والقبول من المتأخر منها مطاوعة للمتقدم ورضا به فإذا أنشأت المرأة الزوجية ورضي الزوج بعد إغمائها أمكن القول بالصحة ولذا احتاط بعض المتأخرين في حاشية على العروة بأنه لو وقع مثل هذا العقد خارجاً يحتاط بالطلاق ولقد أجاد . ويظهر من المحقق الأنصاري أنه لا يرى أن المسألة ذات أدلة قوية فراجع .

وقد توهم بعضهم أن إطلاق كلامهم يشمل ما إذا كان في البين مثل الصبا والسفه ولكنك قد عرفت أن عقد الصبي صحيح عند العرف ولم يثبت إلغاء اعتباره شرعاً وما يعتبر فيه إنما هو إشراف الولي أما عقد السفيه فهو صحيح أيضاً من حيث أصل الإنشاء نعم نفوذه يحتاج إلى إشراف الولي فهذا التفصيل لا يجري في المقام . ولا يظهر من كلماتهم أي إطلاق.

قال في الشرايع : (الرابعة) : إن النكاح لا يدخله شرط الخيار نعم (يصح اشتراط الخيار في الصداق خاصة) وهذا إشارة منه إلى نفي صحة شرط الخيار في أصل عقد النكاح فنقول إن دخول الخيار في الصداق على وفق القاعدة لأن العرف يرى وروده في الصداق ولم يردع عنه الشارع

ص: 168

فيشمله عموم المؤمنون عند شروطهم وما أشبهه من المطلقات ولذا لا يفسد به العقد . إنما الكلام في عدم دخول خيار الشرط في النكاح ويمكن أن يستدل له بأمور :

قول الصادق علیه السلام (1) في صحيح زرارة لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبین الله . والبتّ القطع وتمامية الأمر ويقال في مورد عدم ورود خلل أو تزلزل في البين فالصحيحة تدل على أن النكاح الدائم مما لا يزيله شيء إلا ما رآه الشارع مزيلاً كالطلاق والعيوب . لكن يرد عليه أنها ناظرة إلى تنويع النكاح بحسب طبعه إلى بات أي دائم وغيره أي منقطع وهذا لا يدل على أكثر من أن الزوجية قابلة للامتداد والتحديد . أما ما نحن فيه من عدم قبول النكاح لخيار الشرط فليست الصحيحة في صدد بيانه .

الثاني : معتبرة (2) أبان بن تغلب حيث ذكر فيه أن المتمتع إذا لم يذكر الأجل في العقد انقلب دائماً (لأنك إن لم تشترط كان تزويج مقام) وتقريب الاستدلال بها أن نسيان الأجل وعدم اشتراطه يجعل العقد دائماً فلفظ مقام يدل على أن النكاح يدوم بنفسه ولا يمكن إزالته فلا يمكن جعل خيار الشرط فيه . والجواب ظهر مما تقدم فإن إدامة الزوجية عند عدم التحديد لها بمبرر خاص لا ينافي صحة ورود التزام في ضمن التزام الذي هو عبارة عن خيار الشرط .

الثالث : ما ورد من أنه إن لم يسمِّ الأجل فهو نكاح بات والتقريب والجواب قد مضيا .

الرابع : إنّ النكاح ليس معاوضة محضة ولذا لا يشترط العلم بالمعقود عليها ولا الوصف الرافع للجهالة فلا يرد فيه شرط الخيار لأنه يكون في

ص: 169


1- الوسائل باب 43 أبواب مقدمات النكاح ح3 ، الكافي ج5 ص387 ح1 ، التهذيب ج7 ص 249 ح1077 وفيه يتزوج المرأة متعة.
2- الوسائل أبواب المتعة باب 20 ح2 ، الكافي ج5 ص 455 ح3.

العقود المعاوضة . والجواب أن النكاح ربط اعتباري بين الزوجين وليس بمعاوضة إذ لا تمليك للبضع بالعوض كما مرَّ وسيأتي الإشارة إليه في الأبواب القادمة . وإنما الكلام في أن عقد النكاح هل هو قابل لورود الخيار فيه أم لا ولعل المستدل يرى اختصاص ورود الخيار في العقود المعاوضية وهذه مصادرة منه إذ لا دليل على اختصاص الخيار المذكور بها .

الخامس : إنّ النكاح فيه شائية العبادة والعبادات لا يدخلها الخيار . والجواب أنه ليس عبادة ولا نفهم معنى محصلاً لكلمة شائية العبادة مضافاً إلى كون هذا الشوب مانعاً من دخوله الخيار يحتاج إلى الدليل .

السادس : إنّ الفسخ بالخيار يوجب ابتذال المرأة وهو ضرر عليها وقد جبر الشارع هذا بجعل نصف الصداق لها مع الطلاق قبل الدخول . ويرد عليه أن الأخذ بالخيار إنما هو بعد صحة الخيار ومن البديهي أن جعل حق الخيار في أي عقد يكون بتراضي الطرفين وعليه فإن رضيت المرأة به لا يكون الأخذ به بعد ذلك موجباً لابتذالها ثم إنّ الأخذ بالخيار على فرض صحة الخيار لا يوجب الابتذال أكثر من المتعة مع أن المقطوع به أن نكاح المتعة إذا تمّ الأجل لا يكون ابتذالاً . وبالجملة كما أن تحديد النكاح بالمدة لا يوجب الابتذال في المرأة كذا جعل الخيار للزوج أو للمرأة لا يكون موجباً للابتذال .

السابع : إنّه يستفاد من أدلة الرد بالعيوب الخاصة أن النكاح لازم من غير تلك العيوب فلا يدخله الخيار . وأجيب بأن الحصر المستفاد من عقد السلب إضافي أي إنّه لا يرد من غير هذه العيوب من عيوب أخرى وأما أنه لازم من جميع الجهات بحيث لا يدخله الخيار فلا .

الثامن : إنّ النكاح لا يرد فيه الإقالة وما دام لا تدخله الإقالة لا يدخله الخيار لأن ورود الإقالة كاشف عن جواز رفع اليد عن الالتزامين من

ص: 170

المتعاقدين فإذا لم تدخل الإقالة والمعاملة كشف عن أنهما ليسا بمالكين لالتزامهما . وأجيب بأن ذلك منافٍ لإطلاق عقد النكاح وليس منافياً لمقتضى عقد النكاح بمعنى أن عدم ورود الإقالة في النكاح لا يكشف عن أن النكاح بحسب مقتضاه لازم . وتحقيق المقام أنه يستفاد من مجموع الأدلة الواردة في باب النكاح أنه وإن كان اعتبارياً عرفياً أمضاه الشارع إلا أنه للشارع أن يتصرف في الأسباب التي يتوصل بها إلى عقد النكاح وإنشائه كما له أن يتصرف فيما يوجب زوال علقة الزوجية وقد تصرف فعلاً فاعتبر اللفظ في إنشاء النكاح كما في بعض الإيقاعات كالنذر وشبهه ولذا ذكرنا أنه لا يصح إنشاء النكاح بالمعاطاة لأن الشارع لم يمضِ هذا النوع من النكاح وإن كان على طبق الاعتبار العرفي كما أنه قد تصرف في المخرج عنه فتعبدنا بألفاظ خاصة يكون بها سلب العلقة الزوجية لا غير (أنت طالق) وأعطى هذا المخرج بيد الزوج محضاً وليس للمرأة أن تخرج نفسها عن علقة الزوجية حتى إنهما لو شرطا ذلك في العقد لم يكن نافذاً ففي موثق ابن بكير (1) عن أبي عبد الله علیه السلام في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة واشترطا عليه أن بيدها الجماع والطلاق فقال علیه السلام خالفت السنّة وولي الحق من ليس أهله وقضى أن على الرجل الصداق وأن بيده الجماع والطلاق وتلك السنّة . وبمضمونه أخبار كثيرة وقد ورد أن قول الرجل أنت خلية أو بريّة أو حرام علي ونحوه مما يدل على الفرقة غير موجب للفراق فالطلاق لا يتحقق إلا بكلمة طالق وبيد من أخذ بالساق ولذا لا تكون الخيرة بيد الزوجة وقد ورد (2) في خبر إبراهيم قال سأل رجل أبا عبد الله وأنا عنده فقال رجل قال لامرأته أمرك بيدك قال علیه السلام أنّى يكون هذا والله يقول الرجال قوّامون على النساء ليس

ص: 171


1- الوسائل أبواب المهور باب29 ح1 ، الفقيه ج3 ص269 ح1276 ، الكافي ج5 ص403 ح7 ، التهذيب ج7 ص369 ح1497 .
2- الوسائل باب 41 أبواب مقدمات الطلاق ح6 ، التهذيب ج8 ص88 ح 302.

هذا بشيء . ومن البديهي أن ذلك ليس إلا بتصرف الشارع في حكم النكاح من حيث التزلزل والقرار أو الجواز واللزوم ومنه تبين أن الجواز واللزوم حكمان من أحكام المعاملات وليسا من ذاتيات أي معاملة إلا في العقود الإذنية التي يكون الإذن مقوماً لها يكون الجواز من ذاتياتها كما تبين أيضاً أنهما كما يكونان عرفيين يكونان شرعيين بمعنى أن الشارع قد يحكم بالجواز في معاملة كما قد يحكم باللزوم في معاملة أخرى كالهبة فإنها جائزة ما دامت العين قائمة ولم تكن لذي رحم ولازمة مع تلف العين أو كانت لرحم كما في الرواية (1) . وكذا ما نحن فيه فإن النكاح لو كان قابلاً للزوال بمعنى كونه قابلاً للإزالة من قبل الزوجين لم يكن معنى لمنع الشارع عن تولية أمر الإزالة فيه بيد المرأة وهل شرط الخيار إذا كان للمرأة أمر آخر غير إعطائها تولية فسخ النكاح بيدها. وهل اختيارها للبينونة برضا الزوج غير الإقالة ورفع اليد عن الزوجية . ثم انظر إلى قوله تعالى الرجال قوّامون على النساء، فترى أن استشهاد الإمام علیه السلام بالآية الكريمة لعدم جواز تخيرها كما تقول العامة إنما هو لبيان أن اللزوم في النكاح أمر تشريعي إلهي . فالتحقيق أن النكاح لازم تعبداً ومعنى هذا أن المخرج أمر تعبدي .

ثم إنّه لو شرط ذلك في النكاح كان الشرط لاغياً ولم يكن نافذاً لكنه هل يوجب بطلان العقد أم لا؟ ذهب المشهور إلى أنه فاسد في نفسه ومفسد للنكاح وخالفهم ابن إدريس (ره) وله في ذلك كلمات لم يستحسنها العلامة في المختلف والتحقيق أن الشرط بعد تحقق العقد لأنه التزام في طول التزام فإذا باع زيد عمراً كتاباً واشترط عليه خياطة ثوب لم يكن الالتزام بالبيع متقيداً بالالتزام بالخياطة فإن البيع لم يكن إلا عبارة عن إنشاء البدلية بين الكتاب والثمن من دون ربط لتحقق المعاملة هذه بالالتزام بالخياطة مثلاً . فبطلان

ص: 172


1- الوسائل كتاب الهبات باب 8، 9 ، 10 .

الشرط في أي عقد لم يكن إلا عبارة عن لغويته وعدم نفوذه وكونه بنظر الشارع كالعدم أما كونه مفسداً للعقد فلا بدّ من إقامة الدليل عليه ولذا تمسك بعضهم على ذلك بأن النكاح لما كان لازماً كان مقتضاه اللزوم شرعاً وشرط الخيار شرط مخالف لمقتضى العقد وكل شرط خالف مقتضى العقد فهو مبطل وليس كالشروط المخالفة للكتاب والسنّة بأنها باطلة غير مبطلة لكنك عرفت أن الشرط إذا كان التزاماً في طول التزام لم يكن منافياً لحقيقة المعاملة وشرط الخيار في النكاح كذلك لما عرفت من أن الجواز واللزوم حكمان للنكاح وليسا بمقومين له وما يكون منافياً لحقيقة العقد هو ما كان مناقضاً لمفهومه مثلاً كأن يقول بعتك بشرط عدم الثمن فيكون هذا الشرط باطلاً ومفسداً للمعاملة لأنه معه لا تتحقق المبادلة . والإنصاف أن الحق في هذه المسألة مع ابن إدريس من عدم إيجاب بطلان هذا الشرط بطلان النكاح .

ويصح اشتراط الخيار في الصداق بلا خلاف بينهم ظاهراً خلافاً يعتد به والدليل عليه عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلم المؤمنون عند شروطهم (1) بعد معلومية أن النكاح زوجية ولا دخل للصداق في تحققها فلا يوجب جعل الخيار في الصداق تزلزلاً فيها وحينئذٍ لو أخذ من له حق الخيار به لم ينفسخ العقد بل يكون كالنكاح بلا مهر يرجع إلى مهر المثل وسيأتي في باب المهور . نعم قد يتوهم عدم صحة اشتراط الخيار حتى في الصداق لوجهين :

الأول : إطلاق كلمات القوم بعدم صحة جعل الخيار في النكاح

ص: 173


1- الوسائل كتاب التجارة أبواب الخيار . ح1 - عن أبي عبد الله علیه السلام المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزّ وجلّ . ح2 - عنه علیه السلام المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز . ح3 - عن جعفر عن أبيه أن علياً علیه السلام كان يقول من شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً .

الشامل لجعله في الصداق . وفيه أن الأخذ بإطلاق كلماتهم مع تصريحهم بالتقييد خلاف أدب المحاورة بل دخول الخيار في الصداق عندهم من

المسلمات.

الثاني : إنّ جعل الخيار في الصداق يستلزم تزلزل الجزء وتزلزل الجزء دون الكل غير معهود في المعاملات وذلك كما إذا لم يكن العوض مقوماً لعقد لكن جعل فيه العوض مع الخيار كالصلح والهبة المعوضة. وفيه أن الشرط لا يكون إلا عندما لا يعد جزءاً في المعاملة فإن اشتراط الخياطة في البيع وعدم الوفاء بها بعده لا يكون اشتراطاً في جزء ولا يكون عدم الوفاء به بمنزلة تزلزل الجزء وذلك لأن الشرط التزام ثانوي وليس جزءاً لأحد العوضين وما قيل أو يقال من أن للشرط قسطاً من الثمن معناه ملاحظة الثمن أو المثمن مع الشرط لا أن المبادلة واقعة بين المثمن والثمن وهذا الشرط يكون جزءاً من أحدهما هذا إن كان المراد من قولهم أن الشرط نفسه يكون جزءاً أما إن كان مرادهم أن الصداق هو الجزء من النكاح كما هو ظاهر العبارة ففيه أن الصداق ليس بجزءٍ للنكاح . ثم إنّه لا يصح جعل خيار الشرط في صداق المتعة لأن المتعة وإن كانت نكاحاً فتأخذ أحكامه إلا أن لها كمال الشبه بالإجارة ولذا ورد في القرآن : ﴿فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (1) وفي الأخبار (هنَّ مستأجرات) وحينئذٍ لو وقع انفساخ في المتعة بالنسبة إلى الصداق تزول المتعة وحيث إنّ زوال النكاح بالشرط مجمع على بطلانه فلا يصح اشتراط الخيار في الصداق في المتعة وقد استشكل في العروة ولم يفتِ صريحاً ببطلان اشتراط الخيار في مهر المتعة إلا أنه يمكن القول إنّ انفساخ المتعة بالأخذ بالخيار المجعول في الصداق لا ينافي مقتضى العقد إذ معنى المنافاة هو انقلاب حقيقة عقد بالشرط إلى حقيقة أخرى . وأما

ص: 174


1- سورة النساء، الآية : 24 .

ارتفاع الموضوع بسبب الأخذ بالخيار لا يكون إلا من باب زوال الموضوع بالدليل. فيكون اشتراط الخيار فيه والأخذ به كشرط الأجل فيه الذي يستلزم ارتفاع الموضوع بانتهاء المدة. فلا يمكن القول إنّ اشتراط الأجل فيها منافٍ للنكاح. لكن الظاهر عدم صحة جعل الشرط في الصداق في المتعة مسلّم .

قال في الشرايع : الخامسة : إذا اعترف بزوجية امرأة فصدقته أو اعترفت هي فصدقها قضي بالزوجية ظاهراً وتوارثاً. وقد عبّر جمع من الفقهاء عن هذه المسألة ب- إذا ادعى الزوج زوجية امرأة وادعت الزوجة زوجية رجل . . . وتعبير صاحب الشرائع أوفق بالصناعة كما سيأتي ثم إنّه لا إشكال في المسألة فتوىً واستدل لها في المسالك بأن الحق محض فيهما وإقرار العقلاء (1) على أنفسهم جائز والظاهر من عبارته الأولى أنها صغرى لإقرار العقلاء لكن في العروة يظهر منه وجود دليلين: 1 - إنحصار الحق فيهما . 2 - إقرار العقلاء . وعليه فلا بدّ من القول إنّ قوله إنّ الحق منحصر بهما يرجع إلى الدعوى بلا معارض ويظهر من خبر الكيس (2) أنها مسموعة كما لو ادعى أحد مالاً ولم يعارضه أحد بدعواه حيث يقضى له بالمال. ولو أشكل بأن سماع الدعوى بلا معارض يقتصر فيه على مورد النص ولا يتعدى به إلى المقام لقلنا إنّه لا يفهم من الخبر إعمال تعبّد خاص بالنسبة إلى الكيس لأن بناء العقلاء جار في الدعاوى التي لا معارض لها وإن كان ذلك منهم مستنداً إلى الارتكاز العرفي فيقبل قول الشخص المدعي

ص: 175


1- الوسائل كتاب الإقرار باب3 ح2.
2- الوسائل باب 17 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح1 ، الكافي ج7 ص422 ح5 ، التهذيب ج6 ص292 ح820 والرواية صحيحة برواية الشيخ (ره) وإن كان فيها إرسال برواية الكليني (قد) منصور بن حازم عن أبي عبد الله علیه السلام قال قلت عشرة كانوا جلوساً ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضاً ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم لا وقال واحد منهم هو لي فلمن هو؟ قال للذي ادعاه.

ما لم يكن منافياً لحقوق الآخرين وإن استشكل بأن ذلك يكون في بعض الموارد كالإخبار بالنجاسة والطهارة في بدنه ولا يقبل فيما لو أخبر بنسبه واجتهاده. إلا أنه لو لم يؤخذ قولة بالنسبة إلى بعض شؤونه فهو إنما يكون لارتباط الأمر بغير المخبر . كما لو أخبر بفقره فإنه لما كان الأمر في الزكاة تفريغ عهدة المكلف فلا بد له من إحراز الموضوع ومجرد دعوى ذلك الشخص الفقر قد لا تكون موجبة لإحراز الموضوع عند صاحب الزكاة .

نعم أخذ قوله فيما يتعلق بنفسه ممكن إلا أن يقال إنّ هذا يرجع إلى ترتب الأثر بالنسبة إلى غيره في مثل الإرث فقولهما بالزوجية يوجب التوارث وذلك يستلزم نقصان إرث سائر الورثة وهذا يرد في الدليل الثاني (إقرار العقلاء) لأن قبول قولهما إن كان بهذه القاعدة فهي خاصة في مورد لا يكون إقرار المقر موجباً لزوال حقٍّ أو مال أو نقصهما بالنسبة إلى غير المقر . والإقرار بالزوجية يوجب نقصاً في إرث سائر الورثة.

والجواب عن هذا الإشكال أن الزوجين المعترفين بالزوجية لا يكون اعترافهما بنفسه تضييعاً لحقِّ ثابتٍ لأحد وذلك لأن الورثة إنما يتلقون الملك - التركة - من المورِّث وباعترافهما بالزوجية يكونان قد اعترفا بما يكون موضوعاً لتلقي تركة كل واحد منهما من الآخر بسهمه المقرر له شرعاً وليس قبل موتهما حق ولو شأنياً لأحد في مالهما ولذا قلنا إنَّ منجزات المريض تخرج من الأصل فمن الغريب صدور هذا الإشكال عن بعضهم إذ هلَّا يعترف هذا البعض بأن الشخص إذا أقر ببيع ماله أو هبته أو وقفه بأنه يؤخذ بإقراره ويحكم بخروج ماله عن ملكه حتى لو كان ذلك في مرض الموت ولم يكن متهماً في الإقرار مع أن هذا الإقرار بناءً على هذا الإشكال يكون منافياً لحق الورثة . ويمكن أن يقال إنّ إقرار العقلاء نافذ في حقهم لا في حق غيرهم والمفروض أنه في المقام يوجب نقصان سهام الورثة بالنسبة إلى هذا المقدار من المال . مضافاً إلى ما ورد في خبر عبد العزيز بن المهتدي

ص: 176

الذي سيأتي في المسألة التاسعة من قوله علیه السلام (1) يلزمك إقرارها الوارد فمن تزوج بزوجة أخيه بعد وفاته ثم ادعى عمُّه زوجيتها وأنكرت ذلك حيث قال علیه السلام يلزمك إقرارها ويلزمه إمهارها ولزوم الإقرار عبارة عن ثبوت الزوجية بينهما وإن استلزم ذلك حرمان العم بالنسبة من تركة المقر له لو كان العم ممن يرثه بعد موته . فتلخص أنه يمكن الاستدلال على الحكم في المسألة بأمور :

الأول : قاعدة الإقرار بالتقريب السابق .

الثاني : حجية قول من يخبر عن أمر لا يعلم إلا من قبله عند العرف حيث إنّ الطرق العقلائية إمارات على الواقع من دون تعبد فيها من الشارع وإن كان من حيث الإمضاء لما مرَّ من أنه يكفي عدم الردع من الشارع عن الأمور الدارجة في العرف عن الأخذ بالطرق وإجراء الأصول والجري على المعاملات المتعارف عليها إذ المحتاج إليه في عالم التعبد ما يكون تأسيساً من الشارع . نعم قد يكون الإمضاء مشيراً إلى ذلك فيكون إرشاداً إلى أنها غیر مردوع عنها . فانظر إلى قوله علیه السلام (2) عليك بالأسدي فإنه المأمون على الدين والدنيا معللاً الأخذ بقوله بكونه من كذا وكذا . . ونحن نرى بالوجدان أنه إذا لم يكن طريقاً موصلاً إلى الواقع إلا إخبار من يرتبط هذا الواقع به

ص: 177


1- الوسائل باب 23 أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص563 ح27.
2- قال الشيخ الأنصاري (قد) في كتاب الرسائل في حجية الخبر الواحد ما لفظه وقوله لشعيب العقرقوقي بعد السؤال عمن يرجع إليه عليك بالأسدي يعني أبا بصير وقوله لعلي بن المسيب بعد السؤال عمن يأخذ عنه معالم الدين عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا . وفي معجم رجال الحديث وردت عبارة المأمون على الدين والدنيا في ترجمة زكريا بن آدم ص272 ج3 كما في رجال الكشي وعبارة عليك بالأسدي في ترجمة أبي بصير يحيى أبي القاسم ص77 ج20 وذكرها الكشي في ترجمة ليث بن البختري ويعلق السيد الخوئي (قد) أن الرواية صحيحة السند وقد عرفت أن أبا بصير هو يحيى بن أبي القاسم .

يكون عند العقلاء حجة . وقد أشار إلى هذا الدليل صاحب الجواهر في ذيل هذه المسألة بالنسبة إلى بعض فروعها .

الثالث : إنّ اعترافهما بها ليس مما يلزم أحداً غيرهما بحقِّ أو مالٍ حتى يكون من الدعاوى الملزمة المحتاج سماعها إلى البينة أو اليمين المردودة . ومن المعلوم أن الدعوى إذا لم تكن على أحد أو لم تكن ملزمة لأحد لا تكون الدعاوى المسموعة بهذا المعنى - أي موجبة لاستحقاق اليمين على منكرها . ونحن نقول لا تكون مثل هذه الدعوى موضوعة لاستحقاق أحد البيّنة على مدعيها لأن المعترف بالزوجية إن كان زوجاً لا يكون اعترافه هذا دعوى ملزمة على زوجته المعترفة بزوجيتها له وكذلك العكس . فالقول إنّ الأخذ بهذا الاعتراف محتاج إلى دليل خالٍ من التحصيل فإنه لا دليل على لزوم الدليل . وذكر الفقهاء لهذه المسألة إنما هو في مقابل العامة حيث فصلوا بين ما إذا كان المعترفان غريبين فيسمع منهما من دون بيّنة وبين ما إذا كانا بلديين فلا يسمع منهما إلا بشهادة رجلين بناءً منهم لهذه المسألة على مبنى فاسد وهو اشتراط الإشهاد في النكاح لأن الغريبين لا يمكن لهما إقامة البيّنة حين الاعتراف دون البلديين . ومن المعلوم أن قولهم إذا لم يستند إلى دليل شرعي لا يكون إلا أخذاً بالقياس أو الاستحسان وهما ليسا بطريق إلى الواقع واشتراط الإشهاد في النكاح أمر افتعلته آراؤهم القياسية حيث قاسوه بالطلاق مضافاً إلى فساد التعليل في التفصيل لاختلاف إمكان إقامة البيّنة وعدمه باختلاف الأشخاص وربما كان الشاهدان في البلديين غريبين وبالعكس . هذا إذا لم يكن إنكار في البين وأما لو اعترف أحدهما بالزوجية قضى عليه بحكم العقد دون الآخر فإن كان المدعي هو الزوج واقام البينة أو حلف اليمين المردودة فيقضى له بزوجية المرأة المنكرة ووجب عليه الالتزام بأحكام الزوجية من عدم نكاح الخامسة وعدم نكاح أم الزوجة وبنتها إذا

ص: 178

دخل بها وإيصال مهرها إليها بأي وسيلة كما أن على المنكرة الهرب منه وعدم تمكينها له من نفسها إذ الأحكام النظامية وهي ما كانت صادرة من قبل الحاكم الشرعي إنما هي لفصل الخصومات ولذا عبرنا عنها بالأحكام النظامية أي الحافظة للنظم الاجتماعية لكنها ليست محرمة للحلال الواقعي ولا محللة للحرام الواقعي ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم بسند صحيح (1) ما مضمونه إذا حكمت بمال لشخص مستنداً إلى قيام البيّنة ولم يكن المال له بالواقع فقد اقتطعت له قطعة من النار وحينئذٍ فيجب على المنكرة عدم التمكين بمعنى حرمته عليها وحينئذٍ لا يجب على الزوج النفقة لأنه مشروط بالتمكين نعم قد يقال إنّ النشوز مانع من النفقة إلا أن يقال إنّ نفس إنكار الزوجية منها نشوز وسيأتي في باب النفقات أن الروايات وإن كانت دالة على وجوب النفقة ظاهرة بإطلاقها في أن النفقة حق للزوجة على الزوج والقدر المتيقن من الإجماع خروج الناشزة بعد عدم الدليل على اشتراط النفقة بالتمكين فلا تسقط نفقة المنكرة عن الزوج لادعائه الزوجية ولا نشوز لأن إنكارها ليس تمرداً عليه . إلا أن التحقيق في الروايات أن جملة منها في (2) مقام بيان مقدار النفقة من كفاية ما يسدّ جوعتها ويستر عورتها وبعضها (3) وارد في مقام أصل التشريع وأن من تجب نفقته على الشخص خمسة (الوالدان والولد والزوجة والمملوك) وبعضها (4) وارد في بيان منع صرف الزكاة في خمسة معللاً أنهم لازمون للشخص . اللهمَّ إلّا أن يقال إنّ

ص: 179


1- الوسائل باب 2 أبواب كيفية الحكم ح1 ، الكافي ج7 ص4145 ح1، هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إنما أقضي بينكم بالبينات والإيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من نار .
2- الوسائل أبواب النفقات باب1.
3- الوسائل أبواب النفقات ح9 .
4- الوسائل أبواب المستحقين للزكاة باب13 ح1 + ح2 .

المراد من الإطلاق هو المقامي بتقريب حررناه سابقاً إذ إنّه لم يرد من الشارع مقيد للمطلقات أو لتلك الأدلة وإن لم يكن لها إطلاق لفظي وعدم البيان في مورد البيان يدل على عدم اشتراط النفقة بالتمكين لكنه مخدوش بأنه وإن ورد في معتبر السكوني (1) ما مضمونه بأن المرأة إذا خرجت من بيتها بدون إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع الظاهر منه أن النشوز مانع من وجوب النفقة إلا أنّه في خبر الحسن بن علي بن شعبة (2) فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف مضافاً إلى الشهرة الفتوائية الواصلة لحدّ التسالم الفقهي على اشتراط النفقة بالتمكين مضافاً إلى ما هو مرکوز في أذهان المتشرعة في أن الزوجة إذا لم تمكّن زوجها لا تجب نفقتها عليه بل يمكن أن يقال إنّ النشوز المانع أعم مما لو كان عن طغيان وعناد أو عن إنكار للزوجية ومن المعلوم أن المنكرة تمنع المدعي للزوجية من حقوق الزوجية ولو كان ذلك لعلمها بعدم الموجب لهذه الحقوق عليها باعتبار أنها ليست زوجة بل هي أجنبية . فالإنصاف أنه لا يجب على الزوج النفقة عليها . ثم إنّ المنكرة يحرم عليها أخذ الصداق من الزوج ولذا قلنا إنّه يتوسل إلى إيصال المهر إليها بكل وسيلة ولو بدسّه في مالها ولو قلنا بوجوب النفقة عليه يجب عليها الامتناع من أخذها . وإن كان المدعي للزوجية المرأة فإن أقامت البيّنة أو حلفت اليمين المردودة فيقضى على الزوج بالزوجية وإلّا فيحلف الرجل ولكن المرأة حينئذٍ تؤخذ بإقرارها فيجب عليها عدم الخروج إلّا بإذنه ويحرم عليها التزويج بأبيه وابنه وهكذا . . وذكر في المسالك أنّ ترتب أحكام الزوجية بالنسبة للمعترف بها من الرجل أو المرأة لا يحتاج ولا يتوقف على حلف المنكر لأن هذه

ص: 180


1- الوسائل باب6 أبواب النفقات ح1 ، الكافي ج5 ص514 ح5 ، الفقيه ج3 ص278 ح1321 .
2- الوسائل باب6 أبواب النفقات ح2، تحف العقول 24.

الأحكام مترتبة على الدعوى نفسها بل نقول إنّ ترتب الأحكام موقوف على تحقق موضوعها واقعاً لأن ترتب الحكم على الموضوع ليس تعبدياً نعم إنشاء الحكم على الموضوع المقدر وجوده تعبدي لأن إنشاء الأحكام وظيفة الشارع وأما تعلق الأحكام بالموضوعات فهو أمر عقلي كترتب كل عرض على معروضه فالترتب بما هو معنى ربطي لا يحتاج إلى جعل تعبدي كما أن تنجزها أيضاً ليس بتعبدي إذ التنجز وهو مرحلة الانبعاث نحو الحكم إنما هو بالعلم والقدرة والاختيار وهذه لا تنطبق في مقام الجعل التشريعي فالعمل بأحكام الزوجية تكون نتيجة للعلم بالزوجية فدعوى الزوجية ليست بما هي موضوعة لأحكامها إذ ربما يكون المدعي كاذباً فيحرم عليه ترتيب جملة من أحكام الزوجية كما لو كان المدعي الزوج فيحرم عليه الاستمتاع بالمنكرة لأنها أجنبية في الواقع في حال نومها وكذا العكس كما أنه لو لم يكن الزوج مدعياً لها وكانت هي منكرة مع كونها في الواقع زوجة جاز له الاستمتاع بها جبراً أو حال نومها .

نعم بعد قضاء الحاكم الشرعي ربما يتوهم بأن لحكم القاضي موضوعية فلو كان المدعي للزوجية الرجل وأقام البيّنة وحكم له القاضي على المنكرة للزوجية بها حرم عليها الامتناع من الزوج والتزويج بغيره إلا أنه لا موضوعية لحكم الحاكم لأن موضوعية حكمه رفع الخصومات ولذا فهو لا يغير الواقع وقد ذكرنا قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم ومضمونه (من حكمت له بمال وليس له في الواقع فقد اقتطعت له قطعة من النار) وهذا المضمون نص في عدم انقلاب الواقع لحكم الحاكم . وعلى هذا لو أنكر المدعي الزوجية بعد الادعاء أو اعترف بها المنكر لها بعد الإنكار صحّ التزويج ظاهراً كما هو صحيح واقعاً . نعم كونه متهماً بالإنكار بعد الإقرار أو العكس أمر آخر .

وقال في الجواهر إذا اعترف المدعي بأنه كان مبطلاً في دعواه يجوز لأنه أمر لا يعلم إلا من قبله . فالزوجية بما لها من الأحكام أمر واقعي يعلم

ص: 181

بها كل منهما ويكلفان بأحكامها . نعم يمكن التخلص من الإشكال بالطلاق من الزوج المنكر ولو بنحو التعليق بمثل إن كانت زوجتي فهي طالق وصرحوا بجواز إيقاع الطلاق على هذه الصورة فيما لو كان جاهلاً بالزوجية مع أن جماعة من هؤلاء استشكلوا في التعليق على أمر حاصل بالفعل يجهله المطلق ولكن قلنا إنّه ليس بمشكل .

قال في الشرايع : المسألة السادسة : تعين الزوج والزوجة شرط في صحة النكاح كما يأتي إلا أنه لا يشترط العلم التفصيلي بالمعين من كل منهما بل تكفي الإشارة الإجمالية والوصف المميز بمثل الكبرى أو الصغرى بل يكفي قصد إحداهما إذا كان الآخر قد أوكل أمر التعيين بيد الولي أو الوكيل وعلى هذا إذا كان المنشىء للنكاح الرجل الولي كالأب والجد وكان عنده عدة بنات فزوّج واحدة ولم يسمها عند العقد ولم يقصدها في نفسه بطل العقد لعدم تحقق شرط الصحة وهو التعيين هذا ولكن لو قصدها بالنية بعد أن فوّض إليه الزوج أمر التعيين صحّ العقد وإن اختلف في المعقود عليها بعد الاتفاق على صحة العقد وتعيّن المعقودة كأن ادعى الزوج إنشاء العقد على فاطمة وادعى الأب إنشاءه على خديجة فإن كان الولي وكيلاً من قبل الزوج في التعيين لم تقبل دعوى الزوج إلا بالبيّنة فالقول قول الولي لأنه وكيل وأمين ولا يعلم القصد إلا من قبله وليس عليه إلا اليمين لأنه منكر وأمين وأما إذا لم يكن الولي وكيلاً من قبل الزوج يكون المورد من موارد التداعي لأن كل واحد منهما مدعٍ لحدوث أمر مسبوق بالعدم والمدعى به مما يترتب عليه الغرض العقلائي فإن دعوى الزوجية من الدعاوى المتبعة لحق أو مالٍ أو غيرهما وليس الغرض من دعواه زوجية امرأة للاستمتاع بها وحسب فإنه وإن كان الاستمتاع غرضاً عقلائياً مرغوباً فيه لكنه ليس بعلةٍ تامة للتزويج ولذا نرى صحة العقد على الصغيرة وإن كان منقطعاً وكذا صحة نكاح المريض بل العنين إذا قبلت الزوجة ولم تفسخ . كما أن دعوى الولي

ص: 182

الزوجية أو المرأة ليست لمجرد النفقة . وحينئذٍ يصح قول المشهور بأن المورد من موارد التداعي فما استشكل به بعضهم هنا من أن شرط كون المورد من موارد التداعي أن يُفسر المدعي بمن يدعي أمراً وجودياً وأما لو فسر بمن له غرض في الدعوى فليس جميع موارد هذه المسألة من موارد التداعي إذ لو كانت المرأة المدعَى زوجيتها ناشزاً لا يكون الولي إلا منكراً لأن ليس له غرض إذ إنّ نفقتها تسقط بالنشوز والمدعي يكون الزوج لأنه يطلب بدعواه الاستمتاع ولو انعكس الأمر بأن كانت غائية لا يمكن للزوج الاستمتاع بها يكون الولي هو المدعي لأنه يطلب النفقة لا يتم لأنك عرفت أن الزوجية أمر اعتباري يكون متعلقاً لغرض العقلاء مضافاً إلى أن تفسير المدعي بمن له الغرض ليس على ما ينبغي لأن وجود الغرض أو قصد تحصيله ليس مقوماً لمفهوم المدعي بل هو شرط لسماع الدعوى فإن الفقهاء اشترطوا في الدعوى كونها ملزمة أي ذات غرض مالي أو حقي وأما المدعي فقد اختلفوا في تفسيره بل بيانه فمن التفسيرات أنه الذي إذا ترك تركت الخصومة ومنها أنه من خالف قوله الأصل ومنها من خالف قوله الظاهر ومنها من خالف قوله الأصل والظاهر مع اعترافهم بأنه ليس هناك حقيقة شرعية بالنسبة إلى هذه اللفظة . ولذا قلنا إنّ اللازم لا الأجود إرجاع تطبيق مفهوم المدعي على الخارج فضلاً عن مفهوم المدعى في كل مورد من موارد الدعاوى إلى العرف فهو الذي يفهم معنى المدعي في باب الخصومات وهو الذي يطبق هذا المفهوم على كل مدعٍ في الموارد الخاصة إلا في مسامحاته غير المتبعة . وهذا لا إشكال فيه وإنما الإشكال فيما لو زوج الولي إحدى بناته ثم وقع الخلاف بينه وبين الزوج فإن كان الزوج قد رآهنّ فالقول قول الأب لأن الظاهر أنه (الزوج) قد أوكل أمر التعيين إليه وعليه أن يسلّم إليه التي نواها وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلاً . لكن هذه الفتوى من المحقق (قده) مخالفة للقواعد إذ ليست

ص: 183

الرواية بما هي شرطاً لصحة العقد ولا كاشفة عن تفويض الأمر في التعيين إلى الولي كما أنها ليست شرطاً لصحة التفويض إليه والتعيين المشترط تحققه في صحة عقد النكاح لا يدور مدار الرؤية . نعم قد يستدل بصحيحة (1) أبي عبيدة الحذاء قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل كان له ثلاث بنات أبكار فزوج إحداهنّ رجلاً ولم يسم التي زوّج للزوج ولا للشهود . . . إلی أن قال فقال أبو جعفر علیه السلام إن كان الزوج رآهن كلّهن ولم يسم له واحدة منهن فالقول في ذلك قول الأب . . . إلى أن قال وإن كان الزوج لم يرهن كلهن ولم يسم له واحدة منهنّ عند عقدة النكاح فالنكاح باطل . وقد رواه المشايخ الثلاثة وقد أخذ الشيخ بإطلاق هذه الصحيحة في النهاية والقاضي ابن البراج وجماعة وفصل جمع كالمحقق والعلامة بين كشف الرواية عن تفويض أمر التعيين بيد الولي وعدمه بل نزلا الصحيحة على هذا . وحيث إنّ إطلاق الرواية غير موافق للخارج إذ قد يرى ولا يوكل وقد لا يرى ويوكل بل لنا أن نقول إن عدم الرؤية ادعى إلى تفويض الولي بالتعين ولذا عدل صاحب كشف اللثام إلى أن الرؤيا شرط تعبدي للتفويض بمعنى أن تفويض أمر التعيين إلى الولي باطل إلا في صورة رؤيا الرجل لهنّ وهذا أيضاً مخالف للقواعد لأن الوكالة في التعيين إن كانت صحيحة فلا ربط للرؤية فيها وإن كانت فاسدة كذلك . ولذا قال في المسالك إنّه إما أن نأخذ بالرواية الصحيحة فتوافق الشيخ في الإطلاق وإما أن نطرحها كما صنع ابن إدريس ثم قال ولعله أجود (أي طرحها)، وقال في العروة إنّ المشهور أعرضوا عنها ولكنه غير صحيح لأن من أعرض من القدماء فيما نعلم ابن إدريس وحده وهو معروف بعدم عمله بأخبار الآحاد وقد جعلها في السرائر مساوقة للقياس عند الشيعة . نعم ربما كثرت الأقوال عند متأخري المتأخرين في

ص: 184


1- الكافي ج5 ص412 ح1 ، التهذيب ج7 ص393 ح1574 ، الفقيه ج3 ص267 ح268 ، الوسائل أبواب عقد النكاح باب 15 ح1.

عدم صحة هذا التفصيل المستفاد من الصحيحة لكن الإعراض الموجب لوهن الرواية مختص بإعراض القدماء لعلمهم بموارد التقية وكيف كان لا بدّ من المصير إلى قول المحقق والعلامة وتنزيل الرواية على مورد كشف الرؤيا عن التوكيل وعدمها عن عدمه أو القول إنّ هذه الرواية من الروايات التي لم يعلم المراد منها ولقد أجاد صاحب الجواهر حيث أشار إلى أنها قضية في واقعة .

قال في الشرايع : المسألة السابعة : يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها ولم يذكر الزوج لفهم هذا الشرط في حقه من المقام هذا وذكر في الجواهر عن كشف اللثام وغيره الاتفاق على ذلك مشيراً به إلى الإجماع وكذا في التذكرة فاشتراط تعيّن الزوجة والزوج مسلم عند الفقهاء واستدل في المسالك بأنه لما كانت عين الزوجة مقصودة بالاستمتاع اشترط تعينها كما في كل معقود عليه سواء أريد عينه أو منفعته كالبيع والإجارة وظاهر هذا أن دليل الشرطية هو كون الاستمتاع في الخارج قائم بالعين وحيث إنّ العقد للاستمتاع فلا بدّ من تمييز من يستمتع بها عن غيرها في العقد لكنك عرفت سابقاً أن الاستمتاع ليس إلا أثراً من آثار الزوجية المنشأة بصيغة النكاح ولذا تصح ممن لا يمكنه الاستمتاع كالصبي إذا زوجه الولي أو من لا يمكن الاستمتاع بها كالصبية والزوجية المنشأة أمر اعتباري وهو الربط بين الزوجين وهذا أمر يرغبه العقلاء لآثار كثيرة منها الاستمتاع . فالاستمتاع ليس بعلة تامة للنكاح وكذا التناسل والتوالد وكذا الراحة القلبية والاطمئنان . ومجرد كون الاستمتاع أثراً للزوجية لا يصلح دليلاً لوجوب تعين الزوجة . هذا أولاً وثانياً أن الاستمتاع وإن كان من آثار الأعيان الخارجية إلا أن إنشاء الربط الخاص بين شخص كلي زوجاً أو زوجة وآخر معين زوجاً أو زوجة يمكن ثبوتاً لكن يجب على من يتولى ذلك تطبيق هذا الكلي على الخارج كسائر الكليات التي تقع مورداً للمعاملات الإنشائية

ص: 185

حيث لا تترتب الآثار المرغوبة على الكلي بوجوده الذهني بل على المصاديق الخارجية لهذا الكلي فالذي يشبع الحنطة بوجودها الخارجي مع أنها تباع كلياً في السلم ومنه تعرف أن المثال في العين المبيعة والمؤجرة لاشتراط التعيين لا يكون صحيحاً . فكيف لا يمكن تعلق البيع بالكلي وهلَّا يكون المبيع في السلم والنسيئة إلا كلياً. فاللازم أن يقال لا يعتبر العقلاء الزوجية بين كلي وشخص سواء كان الكلي زوجاً أو زوجةً. كما لا يعتبرونها بين كلي وكلي بل كيف يعقل اعتبار الربط بين كلي الرجل وكلي المرأة أو بين كلي المرأة ورجل معين أو العكس . فعمدة الدليل أن الزوجية بما لها من المعنى الاعتباري لا يمكن اعتبارها من دون تعين طرفيها واقعاً والمراد من التعيين في المقام هو تشخيص الزوج والزوجة في حين إنشاء العقد ولذا قالوا إنّ التميز يكون بالإشارة كقول الولي زوجتك هذه مشيراً إلى إحدى بناته أو التسمية كقوله زوجتك ابنتي فاطمة أو الصفة كقوله زوجتك الكبرى من بناتي ومن الإشارة إيكال أمر التعيين إلى الولي ومنه يعلم أن التعيين في المقام هو ربط إنشاء النكاح بمعين واقعاً نعم لو لم يمكن العلم بهذا المعين الواقعي ولو فيما بعد العقد وذلك بأن كان طريق إحرازه مسدوداً كأن يقصد الولي الكبرى لكن لم يمكن العلم بها لعدم العلم بالولادة فهل یصح هذا النكاح ويرجع إلى القرعة في تعيين المعقود عليها كما احتمل في الجواهر أو يكون العقد باطلاً التحقيق هو الثاني لأن ما هو العلة لاشتراط التعيين الواقعي جارٍ فيما يكون الطريق إلى إحرازه مسدوداً . ثم إنّ توهّم الرجوع إلى القرعة في مثل ذلك أو فيما لو اشتبهت الزوجة بعد التعيين الظاهري بدعوى أنها لكل أمر مشكل فيه إشكال بل منع لأن حفظ الفروج يقتضي في مثل هذه الموارد الطلاق ثم إجراء صيغة العقد على المعينة. ومن هذا يتبيّن أنه لو فقد العقد تعيين المعقود عليها بطل فلو زوّجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل لم يصح العقد لعدم التعيين المشترط حين العقد.

ص: 186

وعدم صحة نكاح الحمل كأنه مورد للاجماع وقد استدل له صاحب المالك بأمرين :

الأول : عدم التعيين.

الثاني : احتمال عدم كونه قابلاً لنكاح المخاطب لاحتمال كونه مثله في الذكورية والأنثوية أو خنثى . وزادوا على هذين الوجهين وجوهاً أخرى.

منها أن الحمل قبل ولوج الروح لا يكون إنساناً وبعده لا ولاية لأحد عليه .

ومنها عدم قابليته لأن يكون طرفاً للعقد .

ومنها الشك في شمول الإطلاقات له فتجري أصالة عدم النقل . وفي هذه الوجوه كلها نظر أما الأول فإن العلم بوحدة الحمل وتعدده ممكن مع أن العقد يكون مراعى وبه يجاب عن الثاني أيضاً فإنه يصح إيقاع العقد معلقاً على أمر حاصل وهذا ليس شرطاً اصطلاحياً لأنه واقع موقع تقدير الموضوع وكون المحمول ثابتاً على تقدير وجود الموضوع مما يحكم به العقل ويكون من قبيل إن رزقت ولداً فأختنه . وأما الثالث أن الحمل له استعداد لترتيب بعض الأحكام الشرعية فيجوز الهبة له والبيع ويقبل الولي بولايته عليه وهذا يكفي في صحة قبول النكاح له أو إنكاحه . وأما الرابع فهو مصادرة محضة فإنه لم يدل دليل على عدم قابلية الحمل للأمور المذكورة فيصح للولي أن يقبل الهبة له والبيع فكيف لا يكون قابلاً مع صحة الإيصاء له وقد اتفقوا على صحة الوصية التمليكية للجنين وكذا قسمة أمواله من التركة لو طالب الورثة بالتقسيم وأما الخامس فإن انصراف المطلقات إلى غير نكاح الحمل إنما نشأ من الأمور التي ذكرناها وقد أجبنا عنها وعليه يكون الانصراف بدوياً ولعله لهذا السبب قال في الجواهر إنّ العمدة في عدم صحة نكاح الحمل هو الإجماع. ولنا أن نقول إنّ مثل هذا النكاح خارج عن المتعارف

ص: 187

والعرف لا يعتبر مثله صحيحاً وليس النكاح من المعاملات التي أسسها الشارع نعم تصرف في قيوده وحدوده وأحكامه ليس إلّا فرع.

لو سمَّى الكبرى باسم الصغرى خطأ وقبل الزوج نكاح الصغرى لم يصح لعدم التطابق بين الإيجاب والقبول ويرجع بالآخرة إلى عدم تعيين الزوجة ولو قال زوّجتك ابنتي فاطمة أو ابنتي هذه فاطمة صح بلا إشكال وكانت التسمية تأكيداً إذا كانت له بنت واحدة مسماة فاطمة أما لو كان له بنات وسمى بعضهن باسم الأخرى كما لو أشار إلى الحاضرة وقال زوجتك هذه فاطمة أو هذه الكبرى وكانت خديجة أو الوسطى ففي الصحة والبطلان وجهان والأقوى الصحة ترجيحاً للإشارة إلى الاسم والوصف لقوتها وكونهما ظاهرين في التأكيد نعم يجب أن لا تقع الإشارة خطأ . وحيث إنّه أعلم بقصده يقبل قوله ويكون صحة قبول الزوج متوقفة على تفويض أمر التعيين إلى الولي كما ذكرنا سابقاً . ولو سمى ثم وصف أو وصف ثم سمى كان المدار على المذكور أولاً لظهور الكلام في كون الثاني تأكيداً . نعم يقع الإشكال فيما لو كان له بنت واحدة وزوجها وسماها ثم وصفها بما لا يمكن انطباقه عليها كوصفها بالكبرى لكونه وصفاً إضافياً لا ينطبق على الواحدة ولكن الأظهر أن مثل هذا الوصف يكون ملغى لدى العرف كما هي الحال في الجمل الإخبارية فلو قال جاء ولدي الأكبر وليس له إلا ولد واحد يجب أن يؤول الوصف حينئذٍ أو يلغى ويكون النكاح في الصورة المفروضة صحيحاً لأن التشخيص حصل بالتسمية . وبالجملة المدار في صحة النكاح على التعيين والاسم أو الوصف أو الإشارة معنيات لما عينه الولي فالمدار على ظهور الكلام في كون الاسم محرزاً أو الوصف وفي كون الثاني تأكيداً لو صحّ ولاغياً لو أخطأ .

قال في الشرايع : المسألة الثامنة : لو ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت وادعت أختها زوجيته فإما أن لا يقيم أحدهما بيّنة وإما أن يقيم أحدهما البينة

ص: 188

خاصة دون الآخر وإما أن يقيم كل واحد منهما بيّنة وفي الصورة الأخيرة أي لو أقام كل واحد منهما بيّنة فتارة تكون البيّنتان مطلقتين وأخرى تكون إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة بتاريخ معين وثالثة تكون كل من البينتين مقيدة بتاريخ ثم هذه الصورة الأخيرة تارة يتساوى تاريخ البينتين وأخرى يسبق تاريخ إحداهما الأخرى وفي الجميع إما أن يكون الرجل قد دخل بالمدعية وإما أن لا يكون قد دخل بها والقاعدة تقتضي تقديم قول المنكر إذا لم يكن للمدعي بيّنة وتقديم قول المدعي إذا كان مسنداً لدعواه ببيّنة وإذا تعارضت البينتان على فرض إقامة كل من المدعي والمنكر للبيّنة تساقطتا ويرجع إلى الأصل الجاري في الدعويين مع كون المقام من باب التداعي وإلى قول المنكر بيمينه مع عدمه لكن في رواية (1) ذكرت في الوسائل .

قدم الإمام علیه السلام بيّنة المرأة المدعية للزوجية في صورة دخول الرجل بها ولذا يشكل على الرواية بأنه مع كون الرجل المنكر وتساقط البيّنتين لا بدّ من الرجوع إلى الأصل فكيف حكم الإمام بتقدم بيّنة المرأة (2) .

وقد أفتى الأصحاب على وفق مضمون هذا الحديث وحملوه على

ص: 189


1- الوسائل باب 22 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح1 ، الكافي ج5 ص 562 ح 26 ، التهذيب ج7 ص433 ح1729 والرواية عن علي بن الحسين علیه السلام في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي وشهود وأنكرتت المرأة ذلك فأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنه تزوجها بولي وشهود ولم يوقّتا وقتاً . فكتب أن البينة بيّنة الرجل ولا تقبل بيّنة المرأة لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة وتريد أختها فساد النكاح فلا تصدق ولا تقبل بيّنتها إلا بوقت قبل وقتها أو بدخول بها . والرواية ضعيفة لوجود حملة من الرواة المجروحين في سندها .
2- لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأنه لا يفهم من الرواية تقديم بيّنة المدّعية للزوجية وإنما يفهم منها قبول بيّنتها وحينئذٍ تعارض بيّنة الرجل فيتساقطان فنرجع إلى الأصل الجاري وتكون الرواية حينئذٍ على مقتضى القاعدة . ويمكن توجيه الرواية لتكون على طبق القواعد ونقول أن بينة المرأة المدعية إذا سبقت بينة الرجل وقتاً أو كان قد دخل بالمدعية فالزوج مدع لفساد نكاحها بادعائه لنكاح أختها ومدّعي الصحة يقدم على مدعي الفساد.

التعبد أي للشارع الحق في أن يتعبدنا أحياناً بما يخالف القواعد العامة وضعف الحديث لو سلمنا به يكون مجبوراً بعمل الأصحاب . فإن وصف الخبر بالضعف منشأه أحد أمور :

1 - إهمال الرجاليين لذكر بعض من وقع في السند وهذا لا يلزم منه كذب المهمل لأن عدم ذكره أعم من كذبه وفسقه .

2 - إسناد الغلو إلى الراوي أو فساد المذهب وقد ذكرنا أن مثل هذا لا يوجب عدم قبول رواية الراوي لأن المضعف للرواية والمستلزم لطرحها ما إذا أثبت الراوي للإمام علیه السلام صفات الربوبية وأما الرواية لمناقب أهل البيت علیهم السلام فلا وهذا وإن لم يكن دالاً على أوثقية الرجل فلا أقل من عدم سقوط روايته لدرجة الضعف الموجب لطرحها . ويكفينا صدق الراوي بالنسبة لما يرويه في حجية الخبر .

3 - فسق الراوي. والضعف المسقط للرواية عن الاعتبار هو المستند إلى هذا الأخير . وضعف الخبر يكون لازماً لجملة من تلك الأمور المذكورة فلو أفتى الفقهاء والأصحاب القدماء بمضمون خبر وهو بتلك الحالة مع ما نعلمه في ورعهم وتقواهم وتحفظهم في الفتوى وكمال دقتهم نعلم أن فتواهم لما كانت مستندة إلى الخبر وهو بتلك الحالة لا بدّ لأجل اعتمادهم عليه ولذا يكون منجبراً بعملهم . وليس المراد من جبر ضعف الخبر قلب ماهيته من اللاطريقية إلى الطريقية كي يتوهم أن اعتمادهم على خبر كذلك لا يكون جابراً لضعفه بل نقول إن اعتمادهم على خبر كذلك يكون كاشفاً عن جهة صدور ذلك الخبر ووثوقهم برواة الحديث مع أن الوثاقة عندهم ليست بالمعنى المصطلح عليه عند المتأخرين ولذا كانت الصحة عند القدماء بمعنى الوثوق بصدور الخبر وهذا بخلاف الصحة عند المتأخرين .

ص: 190

إذا تبيّن ذلك يجب ملاحظة الرواية سنداً ودلالة وقد أشرنا إليها في الدرس السابق وهذه الرواية من حيث السند رواها الكليني عن سليمان بن داوود بطريقين :

1 - علي بن إبراهيم عن أبيه .

2 - علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد .

ورواها الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن محمد القاساني وعليه فقد وقع في بعض الطرق علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد الجوهري ونوقش في الرجلين مع إكثار الجوهري للرواية عن رواةٍ كثيرين وإكثار أجلّة من أصحاب النشر والتدوين للاخذ عنه لكنه لم يرد في كتب الرجال نص على وثاقته ولذا يرمى كل خبر يكون في طريقه بالضعف مع أنه شيخ نشر بمعنى أن الأصول المروية عن الأئمة علیهم السلام كانت عند أمثاله من مشايخ النشر ونشرت عنهم ثم إنّ جملة من الذين تتلمذوا عنده وعند أمثاله اعتمدوا عليه (1) وهذا ما يورث الظن بأن الرجل ليس ممن يضع الحديث وينشره في الشيعة بمرأى ومسمع ممن مثل الأشعري المحتاطين الورعين وإلا لما سكتوا عنه .

وأما علي بن محمد فهو كاشاني وكاشان كانت تابعة لأصفهان سابقاً وتعرّب كاشان تارة بقاسان وأخرى بكاشان وعلي بن محمد قد يذكر القاساني كما في الوسائل المطبوع ولكنه يذكر كاشاني كثيراً ولذا اشتبه الأمر على المامقاني فنسبه إلى بعض قرى جبل عامل المسماة بقاسان واحتمل أن يكون كاشانياً أيضاً ولذا أيضاً قال إنّ علي بن محمد بن شيري القاساني حيث ذكره النجاشي بالسين المهملة يكون بينه وبين علي بن محمد

ص: 191


1- نقلوا عنه أو رووا عنه وهذا لا يعني بالضرورة اعتمادهم عليه لأن الاعتماد العمل بالرواية ومجرد النقل لا يكشف عن ذلك.

هذا اختلاف بتعبيرهم عن الثاني بالقاشاني مع أنه قال في ذيل كلام النجاشي بأن الأصح الاعجام كما عن الشيخ والعلامة . كما يقول إنّه قد مضى بأن علي بن محمد منسوب إلى قاشان فكيف يمكن أن يكون عاملياً اصفهانياً لكنك قد عرفت بأن التعبير عنه بالقاساني موجود أيضاً كما أن التعبير عن علي بن محمد بن شيري بالقاشاني موجود ونتيجة ذلك لم يثبت لدينا رجلين أحدهما ابن شيري الثقة والآخر علي بن محمد القاشاني الضعيف إذ قلنا إنّ کاشان تُعرّب قاسان تارة وكاشان أخرى والطبقة أيضاً شاهد صدق على أن الراوي عن الجوهري رجل واحد مسمى بهذا الاسم ولذا ذهب العلّامة أيضاً إلى اتحاد الرجلين ولا يرد عليه كلام المامقاني .

وما ذكرنا وإن لم يوجب حصول الاطمئنان عند كل من ينظر في الرجال ولا سيما من كان دأبه الخدش في الرجال إلا أنه يكفي النكتة التي ذكرناها فالمبادرة إلى تضعيف الراوي ليست مما يعظم أمر مضعفها وليس مما يعتبر بالوجدان السليم بل على كل فقيه البحث بنفسه عن الراوي ويحكم بما هو راجح بنظره الشخصي فالمبادرة إلى تضعيف الراوي مرغوب عنها عقلاً وموجبة لهضم الأحكام الشرعية في جملة من الموارد وهو ممقوت عند الشارع كما أن المبادرة إلى التوثيق مرغوب عنه أيضاً فالحدّ الوسط هو الوسط العدل .

وأما سليمان بن داوود فهو المنقري وقد وثقه النجاشي ثم إنّ عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي وربما قيل عبد المجيد فهو غير مذكور في الرجال وهذا بسند الشيخ المختص به بالنسبة إلى مضمون الحديث وما بعد سليمان بن داود وهو عيسى بن يونس والزهري والأوزاعي فمن المسلم به أنه لم ينسب إليهم ما يوجب سقوط قولهم عن الاعتبار والحجية فما عن صاحب المسالك من أن هذا الخبر مشتمل على ضعف كثير متعدد مع أنه لم

ص: 192

يذكر إلا رواية الزهري . وقد عرفت وجود رواية الثقفي (1) أيضاً فاعتماد المشايخ المحدثين من القدماء وإفتاء الفقهاء القدماء على وفق هذه الرواية يكون كافياً في جبر ضعفها فما ذكره السيد اليزدي في العروة من الإشكال بالعمل بها حتى في موردها ليس على ما ينبغي لما عرفت من الجبر بالطريق الذي ذكرناه . ويُستفاد من الرواية أن الرجل أقام بيّنة على زوجيّته من المدعى عليها المنكرة وأختها أقامت بيّنة على زوجيتها الرجل المدعي لزوجية أختها والبيّنتان مطلقتان من حيث التاريخ فالبيّنة بيّنة الرجل ومع تعارض البيّنتان يفرض المقام وكأنه لا بيّنة فيتوجّب اليمين على المنكر وبعد التساقط لا مجال للرجوع إلى بيّنة الرجل . والتعليل الوارد في الرواية قابل للنقاش إذ كون المرأة مستحقة البضع بمجرد دعواه زوجيتها أول الكلام .

ثم إنّه لما كان المقام من مقامات التداعي كان سماع بيّنة الرجل ليس لأنه منكر بل لأنه مدعٍ للزوجية فعليه البيّنة فما ذكر كما عن المسالك ليس إشكالاً على الرواية . والإشكال إنما هو في ترجيح بيّنة الرجل على بيّنة المدعية وفي ترجيح بيّنتها في صورتي سبق التاريخ والدخول وقد أجاب عنها في الحدائق أن الإمام جزم بصدق الرجل لقرائن دلّت على ذلك فقدم بيّنته وبناءً عليه تكون الرواية قضية في واقعه كما وجّه بعضهم هذا الحمل بأن المدعية للزوجية دعواها مناصرة منها لأختها فإنها إن أثبتت زوجيتها بالرجل ثبت بمقتضى عدم جواز الجمع بين الأختين كذب الرجل في دعواه لزوجية اختها المنكرة . ولكن ما ذهب إليه في الحدائق لا شاهد عليه والتفصيل بين الدخول وعدمه وسبق البيّنة وعدمه الوارد في الرواية يدل على أن الرواية ليست قضية في واقعة بل العكس كما إنّ التوجيه المذكور لا دليل

ص: 193


1- رواها الشيخ في التهذيب عن عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي ج6 ص236 ح581 ، الوسائل باب 12 من أبواب كيفية الحكم ح13.

عليه ومع فرض تسليمه ثبوتاً لا دليل على حمل المطلق على فرد خاص لمجرد احتماله كما أنه لا بدّ من ملاحظة صدق الشاهدين أي بيّنة المدعية واحتمال كذب بيّنتها معارض باحتمال كذب بيّنته . نعم حمل صاحب کشف اللثام الرواية على صورة علم الرجل بفعله وجهل المدعية بالواقع وقد قرر هذا الحمل الأنصاري في نكاحه وهو أن الرجل أعلم بقصده عند إنشائه للعقد فإذا أقام بيّنة على وقوع العقد منه على امرأة يعلم أن عقده هذا عليها كان عن رضا وجدٍّ منه فتكون الزوجية المشهود عليها بالبيّنة ثابتة واقعاً لقصده الإنشاء وظاهراً للبيّنة . وأما بيّنة المدّعية فلا تشهد إلا بصدور عقد من الرجل ومن المحتمل ثبوتاً أن يكون العقد الصادر عنه غير نافذ واقعاً لعدم قصده للإنشاء وفيه تكون البيّنتان صادفتين مع بطلان بيّنة المدعية إذ الشهادة على صدور العقد ليست شهادة على صحته ويظهر هذا من التعليل في الرواية بأن المدعية تريد إفساد النكاح على أختها . نعم قد يقال ما وجه إنكار الزوج لزوجية المدعية حينئذٍ فيجاب بأن الرجل ربما عقد على الثانية بعد الأولى معتقداً بصحة الجمع بين الأختين أو غفلة ولما علم بالفساد أبرز حال الفساد بصورة الإنكار للزوجية والتفصيل المذكور في الرواية شاهد على هذا المعنى إذ مع الدخول يكون فعله مكذباً لدعواه . وهذا مبني على الحدس وحمل المطلق على بعض أفراده من دون شاهد بل هذا الحمل متساوٍ النسبة بين الرجل والمرأة إذ لما لا تكون المرأة المنكرة قد صدر عنها الإيجاب لا بقصد الإنشاء أو مع عدم الاختيار أو عدم الرضا وبعد اطلاعها على فساد العقد أبرزته بصورة الإنكار ويكفي في ردّه أنه حمل بلا شاهد . إذ لأنّه لا يجوز أن تكون المدعية صادقة وليست دعواها مناصرة لأختها فإن أختها بحكم كونها منكرة تكفيها اليمين وبيّنة الرجل إن كانت غير معارضة تكون حجة عقلائية وشرعية وبعد ثبوت الزوجية يكون الانتصار للمنكرة

ص: 194

انتصاراً للظالم ولا مجال لسماع إنكار المرأة بعد ثبوت الزوجية كذلك . والخلاصة أنه لا يمكن المصير إلى هذه المحامل فما في العروة من أن جماعة حملوها على محامل فالعمل بها مشكل فاسد إذ بعد جبر الخبر بعمل القدماء وعدم وجود ضعف موجب لسقوط حجيته نأخذ بمضمونه في مورده ولا مجال للقول إنّه مخالف للقواعد العامة إذ إن كل مطلق قابل للتقييد . فالعمل بالخبر هو الأقوى وإن كان الاحتياط حسن على كل حال ولا سيما في الفروج بل ينبغي أن تكره في مقام العمل .

وإذا لم يكن لكل منهما بيّنة فعلى كل منهما اليمين أما الرجل فيحلف على نفي الزوجية المدعاة عليه وأما المنكرة فتحلف أيضاً على نفي الزوجية المدعاة عليها من الرجل وتسقط الزوجية ظاهراً لأن اليمين تذهب بحق المدعي إذا كان صادقاً في دعواه . وقد ذكرنا بأن العالم منهما يعمل على طبق علمه واقعاً فإن القضاء لرفع الخصومة ولا يغير الواقع . وكذا إذا لم يحلفا ونكلا إلا أنه بعد النكول حلف كل منهما اليمين المردودة فتكون بمثابة البيّنة بالنسبة إلى كل منهما وبعد معارضة اليمين تسقط الدعويان . نعم قد يستشكل بأنه بعد حلف أحدهما لا نعلم بمطالبة الآخر باليمين المردودة إذ نتيجة يمينه - الثاني - هو ردّ الدعويين فلا يؤخذ به . لكن هذا يجري في مورد إقامة أحدهما للبينة مضافاً إلى أن الرد ليس أثراً لليمين الثانية بل هو نتيجة تعارض يمينين في مورد دعويين .

وإذا أقام أحدهما بيّنة فيحكم له وليس للآخر حق مطالبته باليمين فإنه وإن كانت البيّنة على المدعي واليمين على المنكر لكن في مورد وجود أكثر من دعوى لا بد وأن يكون الميزان هو وجود أكثر من بيّنة إذ إنّ البيّنة تكفي لإثبات حق المدعي لا لإزالة حق الآخر أيضاً إلا أن التحقيق أن البيّنة طريق محرز للواقع بما له من الآثار الواقعية فلو أقام الرجل البيّنة على زوجية

ص: 195

المنكرة تثبت الزوجية واقعاً وحينئذٍ تحرم عليه أختها وهكذا تثبت لوازم الزوجية وآثارها وقد قلنا إنّه لا تعبد للشارع في باب الطرق فالخبر الواحد (ولو كان في الموضوعات) هو طريق إلى الواقع ومحرز له من دون حاجة لأعمال تعبد في طريقيته . نعم لم يكتفِ به الشارع في باب القضاء لاهتمامه بفصل الخصومات فالبيّنة حجة عقلائية أمضاها الشارع وأكد طريقيتها بالنسبة إلى الواقعيات في باب القضاء فضمّ عادل إلى عادل .

ومقتضى طريقية البيّنة للواقع ثبوت الواقع بما له من الآثار واللوازم الخارجية والشرعية فمع قيام بيّنة الرجل على الزوجية تحرز الزوجية وترتب أحكامها ولوازمها سواء علم الزوج والزوجة بتلك الآثار أم جهلا بها فتسقط حينئذٍ دعوى أختها زوجيته . ولا يقال إنّ قيام البيّنة على زوجيّة امرأة لا تكفي في نفي زوجية أختها بل لا بدّ من الشهادة على النفي فإن الشهادة على الزوجية ليست شهادة على نفي زوجية الأخرى لإمكان الغفلة ولعدم الاعتقاد بالملازمة . لأن العلم بالملازمة أو الالتفات إليها لا يشترط في ترتب آثار الواقع على الواقع فالشهادة على زوجية امرأة تكفي لسقوط دعوى اختها الزوجية شرعاً . وعليه لا أدري ما هو المراد من عدم كفاية بيّنة الرجل في سقوط دعوى أخت المنكرة الزوجية . وأما الإشكال بأن بيّنة الرجل بيّنة الخارج لأنه المنكر والقول قوله ومن كان كذلك لا تقبل بيّنته كما هو المشهور من مذهب جماعة فلا بدّ له من اليمين لنفي دعوى المدعية للزوجية . ففيه أن التحقيق أن البيّنة مسموعة من المدّعي والمنكر معاً وقول النبي صلی الله علیه و آله و سلم البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ليس المقصود منه نفي اعتبار بيّنة المنكر حتى لو قلنا إنّ التفصيل قاطع للشركة لأن الظاهر منه أن المنكر جعل عليه أخف الميزانين من البيّنة واليمين تسهيلاً عليه لأنه لا يدّعي فلا حاجة له للإثبات وإنما يطالب بنفي ما يدعيه غيره ويكفيه اليمین هذا مع أن حجيّة البيّنة ليست تعبدية إذ إنّ معنى الحجيّة كون الشيء طريقاً للواقع

ص: 196

والطريقية غير قابلة للجعل لا نفياً ولا إثباتاً فإن كانت للمنكر بيّنة يكون الواقع وهو ما ينكره متبيناً لدى القاضي فإن البيّنة لغة مأخوذة من البيان والظهور وبعد انكشاف الواقع بها لا مجال للقول إنّ اليمين جعلها الشارع ميزاناً لرفع الخصومة بالنسبة إلى المنكر . فكاشفيّة البيّنة لا يمكن سلبها عنها فالإنصاف هو ما ذكره في العروة من أنه إنْ أقام أحدهما بيّنة لا يحتاج مقيمها إلى الحلف . هذا وبيّنة الرجل في المقام ليست بيّنة المنكر بل نسمعها لأنها بيّنة المدّعي لأنه يدّعي زوجية المنكرة .

وإن أقام كل من المدعية والرجل بيّنة فإما أن تكون البينتان مطلقتين من حيث بيان الزمان فيحكم بتساقطهما ويكون المورد مما لا بيّنة فيه فيرجع إلى التحالف. ثم الأصل الجاري في المسألة وهو استصحاب عدم زوجية المرأة للرجل وعدم زوجية الرجل للمدعية . وإما أن تكون البينتان مؤرختين بتاريخ متساوٍ بالنسبة إلى زوجية المرأة للرجل وزوجية المدعية له والحكم كالصورة السابقة من التساقط وإما أن تكون إحداهما مطلقة والثانية مؤرخة والحكم التساقط أو كلتاهما مؤرختين مع سبق تاريخ إحداهما على الأخرى وحينئذٍ فإن كانت إحدى البينتين تشهد بأسبقية زوجية إحداهما للرجل وتشهد ببقاء تلك الزوجية أيضاً إلى الآن فيحكم بتقدمها على البينة الأخرى لما عرفت من أنه بعد ثبوت زوجية امرأة تحرم أختها جمعاً شرعاً وهذا لازم يترتب على الزوجية الثابتة بالبينة . وأما إذا لم تشهد تلك البينة باستمرار الزوجية إلى الآن ونحتاج في الحكم ببقاء الزوجية إلى الآن إلى الاستصحاب حينئذٍ يمكن الأخذ بالبينة الثانية لإمكان أن يكون قد عقد على صاحبة البينة الأولى في زمان أسبق ثم طلقها وبعدها تزوج صاحبة البينة الثانية . فتكون البينة الثانية حاكمة على الأولى حكومة كل أمارة على الأصل فإن لسان الأولى أن تلك كانت زوجة ولسان الثانية أن أختها زوجة فعلاً إلا أن يقال إنّ ترجيح الثانية على الأولى لا يتم لأنه ليس من باب تعارض

ص: 197

الأمارة مع الأصل بل من باب تعارض الأصل مع الأصل بأن وقوع العقد على الأخت صاحبة البينة الثانية أعم من وقوعه صحيحاً إذ يمكن أن يكون عقداً عليها بعد أن تزوج أختها فيكون فاسداً وإن كان جاهلاً بالحكم نعم يمكن حمل عقده عليها على الصحة ببركة أصالة الصحة في فعل المسلم أو العاقل وحينئذٍ لا تكون حكومة لبينة المدعية على البينة الأولى لكن الظاهر أن أصالة الصحة أقوى من الاستصحاب لأنها ليست أصلاً تعبدياً بل قاعدة عقلائية جارية في أفعال الناس أجمع فإن كل من تصدّى لعمل ظاهره أنه يأتي به صحيحاً . وفي جميع فروض المسألة يجب أن لا يكون فرق بين الدخول وعدمه مع أن رواية الزهري فرقت بين الدخول وعدمه لكن لا يمكن المصير إلى القول إنّ الحكم المذكور في الرواية على طبق القاعدة فيقتصر فيها على موردها ولا يتعدى إلى غيره لأنه قياس . وقد ذكرنا لها محامل ووجوه ونريد الآن ذكر ما حملها عليه صاحب الجواهر بعد الجهد الذي حمله نفسه في هذا الحمل حيث أراد تطبيق الرواية على القواعد - قواعد معرفة المدعي من المنكر - ولذا تصدى في المقام لذكر مورد ما إذا ادعى رجل زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته لها . فقال إن المدعي في المقام هو الرجل لأنه يدعي استحقاق بضع المرأة والمدعية لزوجية الرجل وهي أخت المنكرة لا تكون دعواها استحقاق مملوكية بضعها للرجل. أقول إنّ مراده أن هذه الدعوى ليست من الدعاوى الملزمة أي ليس مضمونها مما یمس الخصم ويلزمه بمالٍ أو حقٍّ ودعوى المدعية غير مسموعة لأنها غير ملزمة للرجل بشيء. وأما اللوازم المشتركة بينهما فلا إلزام لأحد الزوجين بها على الآخر فيكون الرجل هو المدعي لأن دعواه ملزمة والمرأة المدعية لزوجيته منها هي المنكرة لأن دعواها غير ملزمة ولذا قال إنّه يمكن القول بسريان الحكم إلى غير الأختين. لكنك خبير بأن دعوى الزوجية بما هي زوجية من الدعاوى المسموعة لأن الزوجية بنفسها مرغوب فيها . وأما

ص: 198

البضع فهو لا يصير مملوكاً ولا معنى لاستحقاقه والاستمتاع لازم من لوازم الزوجية ولذا قلنا بصحة الزوجية بين الصغيرين والاستمتاع بالبضع أيضاً من اللوازم المشتركة . كما أن المدعية لها أمر تختص به من دعواها الزوجية وهو استحقاق النفقة . فالإنصاف أن الرواية مخالفة للقواعد إلا أنه لا بد من العمل بها في موردها وهو على القاعدة لأنه ما من عام إلا وقد خُصّ وأما عدم سريان الحكم منها إلى غيرها فلأنه قياس منهي عنه .

قال في الشرايع : المسألة التاسعة : إذا عقد على امرأةٍ وتزوجها على أنها خلية فادعى بعد ذلك شخص آخر زوجيتها وأنكرت المرأة ذلك فهل تسمع دعواه مطلقاً أم مع البينة فقط؟ فيه خلاف بين الفقهاء فذهب جمع إلى عدم سماع دعواه عليها من دون بيّنة وذهب جماعة آخرون إلى سماعها مطلقاً وذهب جمع ثالث إلى أن دعواه هذه تكون على المرأة وزوجها معاً فتسمع دعواه وله عليهما اليمين مع عدم بيّنته وذهب رابع إلى التفصيل بين كون الزوج مدعياً للعلم بعدم زوجية زوجته للمدعي زوجيّتها سابقاً فتكون الدعوى منه عليهما معاً وبين كونه لا يعلم حال زوجته السابقة فتنحصر الدعوى في الزوجة وحدها وهناك قول خامس وهو سماع الدعوى مطلقاً أي علم الزوج بزوجية المدعى عليها للمدعي أم لا .

ومنشأ الخلاف شيئان :

الأول : ما يفهم من الروايات في المقام .

الثاني : الاختلاف في تطبيق قواعد القضاء على المورد.

أما المقام الأول فهناك عدة روايات :

الأولى : ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد العزيز بن المهتدي قال سألت الرضا علیه السلام قلت جعلت فداك إنّ أخي مات وتزوجت امرأته فجاء عمي فادعى أنّه كان تزوجها سراً فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد

ص: 199

الإنكار وقالت ما كان بيني وبينه شيء قط (1) فقال يلزمك إقرارها ويلزمه إنكارها . والرواية معتبرة سنداً بل صحيحة فإن إبراهيم بن هاشم ثقة جليل وإن لم ينص عليه الرجاليون لكن القرائن تشهد بذلك وعبد العزيز بن المهتدي ثقة من أصحاب الرضا علیه السلام وأما دلالة فإن مورد الرواية ما إذا كان التزويج حسب ادعاء العم في السر ومن المعلوم أنه حينئذٍ لا يمكنه إقامة البينة . ومقتضى القاعدة حينئذٍ أن تحلف المرأة لأنها منكرة لكن الإمام علیه السلام لم يطبق هذا الميزان إذ لا دلالة للرواية على لزوم الحلف على الزوجة هذا فضلاً عن كونها بصدد بيان لزوم الحلف على ابن أخ المدعي بها لا أن يقال إنّ قوله علیه السلام يلزمه إنكارها ناظر إلى جعل المرأة منكرة فتكون بصدد بيان تحقيق المدعي والمنكر ومن المعلوم بالضرورة توجه اليمين عليها حينئذٍ .

الثانية : وروى الشيخ (2) في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى وهو الأشعري الثقة عن علي بن أحمد والظاهر أنه ابن أحمد بن أشيم بقرينة روايته عن يونس كما أن يونس هذا بقرينة رواية علي بن أحمد هذا عنه بكون يونس بن يعقوب وفي يونس هذا كلام بأنه ثقة أو موثق ولما كان المدار في حجية الخبر هو الوثوق بصدق الرجل فيكفي كونه ثقة عرفاً وإن لم يكن ثقة اصطلاحاً أي إمامياً عدلاً كان الأمر سهلاً إلا أن علي بن أحمد بن أشيم مجهول فالسند ضعيف إلا أنه معمول بالرواية عند الأصحاب حيث أفتوا على وفق مضمونه لكن لم يعلم كون مستند فتوى فقهاءنا الأقدمين هو هذه الرواية إذ لعل فتواهم منشأها تطبيق ميزان القضاء

ص: 200


1- الوسائل باب 23 ابواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص563 ح27 ، الفقيه ج3 ص303 ح1452 .
2- التهذيب ج7 ص468 ح1874 وقد رواها الشيخ بسند آخر صحيح، التهذيب ج7 ص477 ح1914 وقد أشار إليه في الوسائل وفيها الحسين كتبت إليه والمعروف أن الحسين هذا هو ابن سعيد كما ذكر في الوسائل وكتبت إليه إشارة إلى الإمام علیه السلام وبهذا تخرج الرواية عن الإرسال .

على المورد . مضافاً إلى الاختلاف في المسألة ثم إنّ الرواية مرسلة قال سألته (1) عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها لك زوج فقالت لا فتزوجها ثم إن رجلاً أتاه فقال هي امرأتي فأنكرت المرأة ذلك ما يلزم الزوج فقال علیه السلام هي امرأته إلا أن يقيم البيّنة (2) فترى أن المعصوم علیه السلام حكم بزوجية المرأة لزوجها الأول من دون التزامها بالحلف لنفي دعوى المدعي ولذا ذهب صاحب الشرايع وجماعة إلى أن هذه الدعوى غير مسموعة ولم يلتفت إلى دعواه الزوجية إلا أن يكون له بينة إذ مع البينة لحكم به بالزوجية . اللهم إلا أن يقال إنّ الرواية بصدد بيان لزوم إقامة المدعي البينة للحكم له بالزوجية وليست مسوقة لبيان الوظيفة الفعلية بالنسبة إلى القضاء في المسألة بخصوصها .

الثالثة ما في الوسائل (3) عن محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن زرعة عن سماعة قال سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال إن هذه امرأتي وليست لي بيّنة فقال إن كان ثقة فلا يقربها وإن كان غير ثقة فلا يُقبل منه . وأما سند هذه الرواية فإن سماعة بن مهران اتهم بل نسب إليه الوقف وقد دافع عنه المجلسي الأول فهو إما ثقة وإما موثق ثم إنّ الراوي عنه لجميع رواياته هو زرعة لأن لسماعة أصل واحد يرويه زرعة وهو مورد للوثوق وهذا الأصل وصل من زرعة إلى الحسين بن سعيد الأهوازي الذي كان له ثلاثون كتاباً وكان من أجلّة مشايخ النشر . والشيخ الطوسي يروي ما يرويه الأهوازي عن زرعة عن سماعة بسبب الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسين بن سعيد الأهوازي . إلا أن هذا الأصل

ص: 201


1- والرواية مضمرة ولكنه لا يضرها بعد أن كان منشأه تقطيع الرواية.
2- الوسائل باب23 من أبواب عقد النكاح ح3.
3- الوسائل باب23 أبواب عقد النكاح ح2 ، التهذيب ج7 ص461 ح1845.

الواحد فرق في الكتب الروائية لكثرة أسئلة سماعة للإمام علیه السلام والقطعات مذكورة بصورة سألته عن كذا فيوهم الإضمار في السند ولذا يعبر عن روايات سماعة بمضمرة سماعة تارةً وأخرى بموثقة سماعة وذكر هذه النكتة لبيان عدم معاملة رواياته معاملة المضمرات . وأما دلالة الرواية فإن الإمام علیه السلام فصل بين كون المدعي ثقة فيمنع عن قربها كناية عن ترتيب أثر الصدق على دعوى الرجل الموثوق به وبين كونه غير ثقة ولا بيّنة له فحكم بأن دعواه غير مسموعة والظاهر من الموثقة أن الدعوى كانت موجهة إلى الزوج لا المرأة . وقد حملوا هذه الرواية على الاستحباب لمخالفتها القواعد القضائية وللإحتياط في الفروج . وعليه فتخرج الرواية من الباب لأن القضاء يكون بالبيّنة أو اليمين إلا إذا كانت الدعوى غير ملزمة فلا تسمع لكن في المقام دعوى الزوجية دعوى ملزمة لأنها ناظرة للإثبات حق على المرأة وزوجها الأول وكيف كان فما يصلح دليلاً لصاحب الشرايع وجماعته هو الرواية الثابتة (خبر يونس) الضعيفة (1) .

وأما المقام الثاني : فقد ذهب جماعة إلى أن هذه الدعوى غير مسموعة بتقريب أن دعوى الزوجية إن كانت بالنسبة إلى الخلية تسمع لأنها دعوى ثبوت حق الزوجية للمدعي على المدعى عليها وإن كانت بالنسبة إلى المتزوجة فليست الدعوى عليها وحدها إذ إنّ الزوجية بينها وبين الرجل الأول ثانية بمقتضى العقد بينهما المحكوم بالصحة ولذا لو أقرت الزوجة بأنها زوجت لآخر لا يقبل هذا منها إلا بالنسبة إلى ما عليها من الحقوق لزوجها لكن لا يحكم بزوجيتها للمدعي فدعوى زوجية زوجة الغير غير ملزمة بالنسبة إلى الزوج فلا تسمع نعم لو أقام بينة يحكم له بها لأنها حجة شرعية وعقلية .

ص: 202


1- قد عرفت أن الرواية صحيحة بالسند الثاني فلا مانع من حجيتها حينئذٍ.

وقال صاحب المسالك إن المسألة مبنية على أن البضع هل يغرم منافعه أم لا؟ بتقريب أن الدعوى تكون ملزمة ومسموعة إذا كانت ذات أثر بمعنى أن تكون ملزمة للمنكر بحقِّ أو مال أو غيرهما وعليه فلو كانت الدعوى غير ملزمة لا تسمع كدعوى زيد بأن مساحة القارة الأفريقية كذا مقدار فإنه لا يتوجه اليمين على المنكر إذ لا أثر لهذه الدعوى . و دعوى زوجية المعقودة لا تلزم المرأة المنكرة بشيء لأن الانتفاع بالبضع ملك للعاقد والدعوى في الحقيقة تكون متوجهة إليه لا إليها . نعم إذا قلنا بصحة تغريم البضع بمعنى أن المنكرة بدعواها أنها خلية وصيرورتها زوجة لغير المدعي تكون قد فوتت منافع بضعها على المدعي لو كان في الواقع زوجاً لها فإذا قلنا إنّ عليها بدل الحيلولة (مهر المثل) للمدعي تكون الدعوى حينئذٍ ملزمة لأنها ترجع إلى كون المدعي مستحقاً للبضع ولأنها فوتته عليه وجبت عليها غرامته . وأما إذا قلنا إنّ البضع لا يملك ولا تملك منافعه فالدعوى حينئذٍ لا تكون ملزمة . وقد أتى بأمثلة بعضها يستفاد منه تغريم البضع وبعضها الآخر يستفاد منه عدم التغريم . ولكن صاحب الجواهر (قد) أنكر هذا الابتناء للمسألة والتحقيق أن البضع ليس قابلاً للملك كمنافعه ولذا لا تكون المتعة إجارة في الحقيقة ولا الدائم بيعاً وإن ورد في الأخبار بلفظ البيع والشراء والإجارة مثل إنما يشتريها بأغلى الثمن ومثل هنّ مستأجرات ومثل قوله تعالى : ﴿فَاَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) . لأنها تعابير كنائية لأن النكاح حقيقته الربط الاعتباري بين الطرفين وهذا الربط نفسه مرغوب عند العقلاء ولذا قلنا بصحة تزويج الصبية والصبي بالرجل والمرأة والاستمتاع أحد فوائد الزوجية وإن كانت الغريزة تدفعنا إلى القول إنّ السبب في التزويج هو الاستمتاع إلا أنه بالنظر الواقعي يرى أنّ نفس السكون القلبي والتعايش والنظام العائلي أوسع وأفيد وأغلى فائدة في النكاح أضف إليه فائدة حفظ النسل ومعه كيف يقال بملكية البضع أو منافعه ثم لو لاحظنا قول علي علیه السلام معاذ الله أن أجعل له جعلاً فإنه ظاهر

ص: 203

في انه لا أجرة للبضع فتضعيف صاحب الجواهر لرأي صاحب المسالك في ابتناء المسألة على تغريم البضع صحيح لا محالة . فسماع هذه الدعوى إنما هو الأجل ترتب غير أثر تغريم البضع عليها - الدعوى - وهو عبارة عن إمكان إرجاع المنكرة إلى الزوجية بعد موت العاقد أو طلاقه لها إذا أقرت بذلك أو صدقته أو ردت اليمين عليه فحلف وقلنا إنّ اليمين المردودة حكمها حكم الإبراء . نعم قال الشيخ الأنصاري (ره) بأن ترتب أثر على الدعوى في فرضها نادر لا يكون بنفسه كافياً لسماع الدعوى ولعله أشار إلى دعوى تسالم الأصحاب على أنه إذا لم يكن في البين أثر فعلي أو مترقب الحصول في زمان غير بعيد مثلاً لا تسمع هذه الدعوى ولكن بعضهم قال إنّ الإجماع إنما هو فيما إذا لم يترقب ترتيب أثر على الدعوى ولو حيناً ما . وأظن أن المسألة ليست محلاً لدعوى الإجماع على أحد طرفيها إذ الفتاوى مقتبسة من القواعد القضائية ويظهر لمتأمّل باب القضاء أن هذا الشرط - كون الدعوى ملزمة لسماعها - ليس تعبدياً إذ من البديهي أن بناء المرافعات العالمية على كون الدعوى ملزمة أي مثبتة لأمر ما على شخص آخر وفي غير هذه الصورة تكون لاغية . لكن المقام ليس من حيث عدم الأثر بهذه المثابة من اللغوية الموجبة لطرد الدعوى .

نعم قد يتوهم أن الروايات الواردة دالة على عدم توجه اليمين إلى المنكرة بدعوى أنها تنص على أن المدعي إذا أقام بيّنة فتحكم له وإلّا فلا يلزم العاقد إقرار المدعي . وحيث إنّها مسوقة لبيان الوظيفة الفعلية ولم يذكر فيها توجيه اليمين إلى المنكرة علم أن المقام ليس من مقامات المدعي والمنكر نعم البينة حجة عقلائية وشرعية . لكن الإنصاف أن الأخبار مع الإغماض عن إسنادها ليست مسوقة لبيان الوظيفة الفعلية بل هي واردة مورد الحكم بمعنى بيان أن الدعوى لا تلزم الزوج إلا إذا أقام المدعي بيّنة على أن المرأة زوجته دون العاقد .

ص: 204

وتفصيل المقام أن دعوى زوجية معقودة الغير دعوى على كل من الزوج والزوجة فلو كان للمدعي بينة حكم له بالزوجية وترد المرأة إليه بلا إشكال التطابق الفتوى والنص والقواعد في باب القضاء وإن لم يكن للمدعي بيّنة وقد وجه دعواه إلى المرأة فإن حلفت بعد الإنكار سقطت الدعوى وإن ردّت اليمين إلى المدعي فنكل أيضاً سقطت الدعوى وإن حلف ثبتت الزوجية له عليها . لكن لما لم تكن اليمين المردودة بالأصل طريقاً إلى الواقع عرفاً ولا دليل على جعلها كذلك شرعاً بل لا يمكن الجعل شرعاً باعتبار أن الطرق الشرعية طرق عقلائية والشارع يمكنه جعل الحكم لا الطريق والطريق مع طريقيته لا يحتاج إلى الجعل الشرعي ومع عدمها لا يمكن جعله طريقاً شرعاً . فاليمين المردودة على المدعي تكون بحسب أحكام القضاء ميزاناً لفصل الخصومة وأصلاً موضوعياً بحسب مورد القضاء وعليه فإذا حلف المدعي اليمين المردودة يكون حلفه بمثابة أصلٍ مثبت لزوجية المدعى عليها له بحسب تلك الدعوى المتوجهة إلى المرأة دون الرجل ولذا لا تكون اليمين المردودة في هذه الصورة موجبة لسقوط حق الزوج بل له الاستمتاع بالمرأة المعقودة نعم إذا طلقها أو مات ترد إلى المدعي بحسب موازين القضاء وقد قلنا إنّ مثل هذا الأثر كاف في كون الدعوى ملزمة. ولو نكلت المرأة المنكرة عن اليمين فردّ الحاكم اليمين إلى المدعي وحلف يكون الحكم كذلك أيضاً . ثم إنّه يظهر مما ذكرنا أنه لا تسقط النفقة والمهر المسمى عن الزوج بالنسبة إليها بحسب باب القضاء فاحتمال أن حلف المدعي يوجب سقوط النفقة والمهر المسمى بالنسبة إليها بتقريب أن اليمين المردودة أثبتت الزوجية للمدعي ومعه تسقط أحكام زوجيتها بالنسبة إلى العاقد ضعيف لأن التحقيق أن اليمين المردودة تؤثر بالنسبة إلى شؤون الدعوى المفروض توجهها إلى المرأة نعم المرأة يجب أن تعمل بوظيفتها الواقعية فإن كان المدعي صادقاً وجب عليها الامتناع عن أخذ النفقة من

ص: 205

الزوج العاقد وليس لها مهر أصلاً لا المسمى ولا المثل لأنه لا مهر لبغي إلا أن يكون لديها عذر من شبهة في الحكم أو جهل ونحوه . وإن وجهت الدعوى إلى الزوج فحلف تسقط الدعوى كما هو واضح وإن نكل ورد اليمينَ الحاكمُ إلى المدعي فحلف أو ردّ اليمين الزوج إليه فحلف ثبتت زوجيته لها حسب موازين القضاء ثم إنّه لو صدقت المرأة المدعي كان عليها الامتناع عن أخذ النفقة والمهر من العاقد ووجب عليها التمكين بالنسبة إلى المدعي لكن إقرارها لا ينفذ في حق العاقد لأنه إنما عقد عليها باعتبار أنها خلية وإقرار العقلاء يكون جائزاً على أنفسهم لا على غيرهم كما أن الأمر كذلك لو صدقه الزوج فلا يكون إقراره نافذاً في حق الزوجة المنكرة لذلك فلا يجب عليها التمكين ولها حينئذٍ المطالبة بالنفقة والمهر المسمى كل ذلك لأن اليمين المردودة ليست أمارة على الواقع ثم إنّه ورد في موثقة سماعة أن المدعي إن كان ثقة لا يقر بها الزوج وقد حمل الأصحاب هذا الحكم على الاستحباب احتياطاً في الفروج ولم نجد من الأصحاب من حملها على الحرمة في هذه الصورة لكن هذه الموثقة ليس لسانها لسان الحكم القضائي بل لا يظهر منها الحكم التعبدي والأخذ بخبر الثقة أمر ثابت عند العقلاء في كل شؤونهم فلسانها لسان الأخبار عن هذا الأمر فالتفصيل بين كون المخبر ثقة وغير ثقة إنما هو لبيان أن العاقد لو أخبره ثقة بأن العقد وقع على زوجته وأفاد أخباره الاطمئنان فلا يقر بها وإلا فلا يكون قوله موجباً لاجتناب العاقد عن زوجته فالاستحباب التعبدي أيضاً غير ظاهر منها . هذا كله بحسب الموازين القضائية . أما حكم المسألة من حيث إنّ توجيه الدعوى على المرأة هل يستلزم ثبوت حق من المدعي عليها فيكون موجباً للزوم الصبر على زوجها حتى تتّضح الحال وينجلي الموقف وإن كانت خلية وادعى أحد زوجيتها فهل يجب عليها الصبر ولا تتزوج إلى تمامية الدعوى أم لا قد يقال بثبوت ذلك لأمرين :

ص: 206

1 - إنّ الدعوى تثبت الحقّ على المنكرة ولذا يقال إنّ قوله علیه السلام ذهب اليمين بحق المدعي معناه حق الدعوى .

2 - إنّ تزويج نفسها موجب لتفويت حق الغير لو ثبتت زوجيتها له بعد ذلك باليمين المردودة فإنها حينئذٍ تبقى تحت العاقد حتى يطلقها أو يموت وفي هذه المدة يفوت حق المدعي الذي ثبتت زوجيتها له باليمين .

لكن التحقيق أن الدعوى ليست بنفسها مستلزمة لثبوت حق على المنكر لأنها ذات وجهين ولم يعلم بعد أن الوجه فيها صدق المدعي . نعم حق الدعوى أنها إذا كانت ملزمة تسمع لأن الشارع لم يهمل العباد في المخاصمات . ثم ما ذكر في الأمر الثاني دليلاً على وجوب الصبر عليها ليس بتام لأنه مجرد احتمال والاحتمال لا يكفي في إيجاب شيء على المنكرة نعم لو ثبت حق الغير يعمل بما هو الوظيفة الفعلية فلو ادعى شخص زوجيتها وهي خلية فزوجت نفسها لآخر ثم تبنّت دعوى الأول بالبينة تبين فساد عقد الآخر عليها . وأما لو حلف اليمين المردودة بعد أن تزوجت فقد ذكرنا أنها كأصل موضوعي لا يثبت أمراً على من ليس مورداً لتوجيه الدعوى إليه . واحتمال كشف اليمين المردودة عن فساد العقد مدفوع بما ذكرناه من أنها ليست كالبينة أمارة على الواقع .

قال في الشرايع : المسألة العاشرة : إذا تزوج العبد بأمة مملوكة لغير مولاه ثم أذن له المولى في ابتياعها فتارة يشتريها لمولاه وأخرى يشتريها لنفسه فإن اشتراها لمولاه فالعقد باقٍ لأنه لا موجب لبطلان زوجيته لها فإن العبد ليس إلا واسطة في نقل ملكية المملوكة من مالك إلى آخر وهذا بمجرده لا يكون سبباً في انقطاع علقة الزوجية بينه وبينها وإن اشتراها لنفسه بإذنه له بذلك أو ملَّكه إياها بعد ابتياعها فإن قلنا إنّ العبد قابل لأن يملك كما هو الحق والظاهر من أخبار كثيرة وإن كان هذا القول ليس بمتسالم عليه

ص: 207

بل ربما يكون المشهور خلافه فإن الأقوال في قابلية العبد للتملك مختلفة وذهب المشهور إلى أن العبد غير قابل للتملك مطلقاً وذهب بعضهم إلى أنه قابل للتملك بالنسبة إلى فاضل الضريبة . وذهب جمع من المتأخرين إلى قابلية العبد للتملك مطلقاً للجمع الدلالي بين النصوص الواردة في المقام وحينئذٍ إذا اشتراها لنفسه صح الشراء وصارت مملوكة له فتحل بالملك وبطل العقد على المشهور شهرة كادت أن تكون إجماعاً بل قد يظهر ذلك من جمع من العلماء وقد استدلوا على بطلان العقد مضافاً إلى ما تقدم بأن الظاهر من الآية الشريفة الدالة على أسباب حلّ الوطي أن تلك الأسباب أسباب استقلالية في التأثير في حل الوطي فالعقد سبب مستقل لذلك وملك اليمين سبب مستقل لذلك أيضاً فلو اجتمع سببان منها فإما أن يقال بتأثير كل منهما في حل الوطي والتفصيل في الآية الشريفة قاطع ومانع لمثل هذه الشركة في التأثير لأن الظاهر منها أن كل سبب من تلك الأسباب مستقل في التأثير شرعاً وإما أن يقال بعدم تأثير كل منهما وهذا لا موجب له لأنه بعد إمكان الأخذ بإطلاق أدلة حل الوطيء بالملك أو الزوجية لا موجب لرفع اليد عن مثل هذا الإطلاق فلم يبق إلا القول إنّ المؤثرة في حل الوطي هو الملك ومعنى هذا بطلان النكاح العقدي بأن السبب الطارىء - البيع - أثر في حصول الملك وهذا بدوره أثر في حل الوطي اقتضاءً . والمراد من الاقتضاء أن الحل الفعلي للوطي مشروط بإذن المولى كسائر تصرفات العبد . وقد استشكل صاحب المسالك في هذا الاستدلال بأن العلل الشرعية معرفات وهي يجوز اجتماعها على معلول واحد بخلاف العلل التكوينية . وقد أجاب صاحب الجواهر بأن العلل الشرعية تعامل معاملة العلل العقلية والتكوينية الخارجية لكن الكلام في عدم إمكان توارد العلل التكوينية على معلول واحد دفعة أو بالتدرّج إذا كان الاجتماع سبباً لتأثير الجامع بين العلل في المعلول وكان المعلول بحسب أصل ذاته واحداً بالنوع وإن كان الواحد بالنوع لا

ص: 208

يتحقق خارجاً إلا بالشخص بيان ذلك أن العلل ربما تكون بحسب النظر متباينة والمعلول واحداً فيقال كيف أثرت العلل المتباينة في معلول واحد وربما تتوارد تلك العلل ويرى في الخارج وجود معلول واحد فيقال إنّ العلة هي الأولى دون الثانية إلا أن العلة في العلل المتباينة ظاهراً إنما تكون الجامع النوعي أو الجنسي الموجود بينها كالحرارة فإنها معلول واحد ووحدتها وحدة نوعية بمعنى أنها قابلة للتحقق بإشراق الشمس مرة والنار أخرى والكهرباء ثالثة فالجامع النوعي الموجود بين الشمس والنار والكهرباء هو سبب تحقق الحرارة في الخارج وتوارد تلك العلل دفعة واحدة موجب لانسلاخ كل واحد من تلك العلل عن التأثير بالاستقلال كما نرى من أن اجتماع شمعات متعددة في فضاء خارجي واحد موجب لتحقق النور (1) وهو معلول لتلك الشمعات المتعددة نعم هذا النور الموجود منها يكون أشد مرتبة من حيث الوجود من الموجود الذي يتحقق من شمعات أقل ولكن الشدة والضعف في النور لا يوجب عدم صدق تحقق هذا النور الواحد من شمعات متعددة . وأما في مورد توارد العلل بشكل متدرّج فإن كان المحل قابلاً للتأثير والمعلول قابلاً للإسناد إلى العلتين بالنسبة إلى الزمان اللاحق فيستند إليهما معاً ولا موجب للمنع كما لو حصلت الحرارة لمكان من إشراق الشمس عليه ثم وجدت النار فيه بعد ذلك وإن كان المثال مما يؤثر السبب اللاحق فيه من حيث المرتبة الوجودية كما أشرنا نعم ربما لا يكون المحل قابلاً للتأثر بسبب جديد فيكون السبب الطارئ سبباً اقتضائياً كما إذا تنجس ماء قليل بقطرة بول ثم وقعت في نفس الماءة قطرة دم فإن الماء بعد الانفعال

ص: 209


1- في مثال اجتماع عدة شمعات اشتركت في إيجاد نور واحد يمكن القول : إن كل شمعة أثرت في إيجاد نور بحسبها واجتماع الشمعات أوجب اجتماع أنوار امتزجت في نور واحد وهذا يعني أن اجتماع العلل ساهم في وجود معلولات بعددها لكن اجتماعها أثر في شدة وقوة النور الحاصل خارجاً. وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه.

بالبول لا يكون قابلاً للتأثر بالدم فيكون هذا السبب الطارئ اقتضائياً بمعنى عدم وصوله إلى مرتبة الفعلية لعدم وجود الشرط للتأثر وهو قابلية المحل . وكيف كان لا معنى لجعل السبب الثاني سبباً أعني ما هو المتأخر في الزمان اللاحق ولذا نقض صاحب الجواهر بعد مصيره إلى أن العلل الشرعية كالعقلية لهذا الإشكال وقال إنّه يجب أن يكون المؤثر في حل الوطي هو النكاح لا البيع . نعم أجاب عن إشكال أن صحة البيع يقتضي إسناد حلّ الوطي إلى الملك بأن صحة البيع غير مقتضية لإسناد حل الوطي إلى الملك فلما لا يجوز أن يكون الملك حاصلاً بالبيع وحل الوطي كان لأجل النكاح السابق إذ لا مانع عقلاً من اجتماع النكاح والملك بالنسبة إلى شيء واحد. فحال البيع بالنسبة إلى حل الوطي حال قطرة الدم الواقعة في الماء المتنجس بالبول وعليه فلا موجب لبطلان النكاح . نعم قد يظهر من النصوص أن الزوجة إذا اشترت زوجها العبد تخرج عن زوجيته وقد أفتى العلماء كافة بمضمون الأخبار الواردة في ذلك وقد ورد في النص أن المملوك لا يقدر على شيء فيمكن أن يقال إنّ التعدي عن مورد تلك النصوص إلى ما نحن فيه من شراء العبد لزوجته قياس لأن عدم إمكان استيلاء العبد على سيدته شرعاً لا يستلزم عدم إمكان استيلاء العبد على أمته فالتعدي إلى المقام مشكل والإنصاف أن المسألة محل البحث وإن كانت مما تسالمت عليه كلمات الأصحاب لكنه ربما يقال إنّ العمدة فيها الإجماع .

ثم إنه هل يفتقر جواز وطيها إلى إذن المالك أم لا؟ وجهان والأقوى الأول لأن الإذن في الاشتراء لنفسه وإن كان موجباً لدخولها في ملكه بناءً على قابلية العبد للتملك إلا أنه محجور عليه في التصرف في أمواله فيفتقر جواز وطيها إلى إذن مالكه وقد يقال بالعدم لأمرين :

1 - إنّ إذن المولى له بالاشتراء لنفسه معناه أنها ملك له فيجوز وطيها

ص: 210

من دون حاجة إلى الإذن لكنك عرفت أن الرضا بالملك لا يستلزم الرضا بالتصرف .

2 - أن الإذن في الشراء لنفسه يتضمن الإذن في الوطي لأن الإذن في الشيء إذن في لوازمه لكن الملازمة في المقام غير ثابتة ولا سيما في الأمور القصدية ولا ملازمة ثبوتاً بين الإذن في الشراء والإذن في الوطي .

هذا كله لو قلنا إنّ العبد عليك وإلا فلو قلنا إنّ العبد غير قابل للتملك واشتراها لنفسه بطل البيع وكان النكاح باقياً إذ المفروض أنه لم يشتر للسيد بل لنفسه . . وهو غير قابل لدخول مالٍ ما في ملكه فالبيع باطل لا محالة وليس ذلك لأن المعاملة البيعية تتقوم بالخروج عن ملك شخص والدخول في ملك آخر إذ قد قررنا في محله بأن المعاملة البيعية هي مبادلة مال بمال والمالان إذا كان لهما مالك خارجاً فتقتضي المبادلة خارجاً دخول مال أحدهما في ملك الآخر وبالعكس . نعم نقل في المسالك عن نكت الشهيد احتمال الصحة إذا كان الشراء للمولى بتقريب أن المولى وإن أذن للعبد في شرائها لنفسه والحال أنه غير قابل للتملك إلا أنّه هنا الإذن المقيد إذا انتفى قيده وهو كونه للعبد بقي المطلق على حاله وهو الإذن في الشراء ومن المعلوم أن العبد لو اشترى مطلقاً يكون المشترَى ملكاً للمولى .

وأجاب في المسالك بأن بقاء المطلق في مثل هذا الموضع محل نظر لكن التحقيق أن الاشتراء بحسب الإطلاق لا يتحقق في الخارج في المبادلات التي قلنا باستلزامها لدخول مالٍ من كيس مالك في كيس مالك آخر فالإذن في الاشتراء للعبد إذا لم يصح من حيث قيده لا يكون لمطلقه - وهو الإذن في الشراء - أثر خارجاً فالإذن في الشراء له حصتان : 1 - كونه للسيد . 2 - كونه للعبد . ومجرّد حصول شراء في الخارج من العبد من دون إسناده إلى نفسه أو إلى سيده لا يكون له أثر في الخارج نعم لو قلنا إنّ صحة

ص: 211

الفضولي إنما هو في ما لو تحقق بيع وشراء وكان الشراء من العبد صح أن يقال إنّه قد حصل بيع في الخارج فإذا أجاز السيد يسند إليه . نعم في العروة لو اشتراها غير قاصد كونه لنفسه أو للسيد وكان بعين مال المولى وقع للمولى ولو اشتراها بالذمة وقلنا إنّه قابل للتملك وإن لم يقصد ذمة نفسه كان الشراء له إلا أنه لو اشتراها بعين مال المولى من دون سبق إذنه ولحوق إجازته كان البيع باطلاً لما قلناه من لزوم استناد البيع إلى من له الثمن والمثمن معاً. فمجرد صدور اشتراء من العبد بدون إذن المولى وإن كان بعين ماله لا يوجب انتقال المشترى إلى المولى ولعل مراده أيضاً ما إذا أذن له في شراء المملوكة أعم من كونه له أو للعبد . وأما لو تحرر بعضه واشترى زوجته المملوكة لغير مولاه بطل النكاح بينهما لما سمعت من تسالم الفقهاء على عدم جواز اجتماع الزوجية والملك معاً في شخص واحد وإن استدلوا بما يمكن الإشكال فيه سواء كان بمال ينفرد به العبد أو بمال مشترك بينهما أي بين العبد وسيده إلا أنه في الصورة الثانية لا يجوز له وطيها أصلاً بخلاف الصورة الأولى لأنه في الأولى تصير مملوكة له بأجمعها ولا شركة فيها ولا ينافي ذلك الاحتياج في جواز الوطي أما إذن المولى بناءً على كون العبد المبعض محجوراً عليه التصرف في أمواله كما هو الظاهر بالنسبة إلى جملة منها . وأما في الصورة الثانية فلا يجوز له الوطي وإن أذن له المولى لأن البضع لا يتبعض وقد منعوا من تحليل أحد الشريكين للأمة المملوكة له ولغيره للشريك الآخر .

ص: 212

قال في الشرايع:

الفصل الثالث : في أولياء العقد

الفصل الثالث في أولياء العقد

وقبل الدخول في البحث لا بدّ من ذكر مقدمة وهي أنّ الولاية على شخص أو مال بمعنى السلطنة عليه سلطنة اعتبارية نعم قد تطلق الولاية ويراد بها السلطنة التكوينية بمعنى كون كيان شخص أو مال تحت سلطنة الولي . وبعد تسالمهم على أن المعصومين علیهم السلام لهم الولاية التشريعية على الأشخاص والأموال مطلقاً اختلفوا في أنه له لهم الولاية التكوينية أيضاً أم لا . ومنشأ الخلاف أن القائلين بعدمها لهم علیهم السلام نظروا إلى أن مقتضى التوحيد في الأفعال أن تكون أفعال الله جلّت عظمته مختصة به وهذا من شؤون التوحيد الذاتي وقد أشار إليه القرآن : (هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (1) فالشرك فيها انما هو شرك في الأفعال كالإحياء والرزق . . . والقائلون بثبوت هذا المنصب لهم اختلفوا في بيان المراد من الولاية التكوينية فيظهر من جماعة بأن الأئمة علیهم السلام بمنزلة مشكاة لنور القدرة أو وعاء للمشيئة الربانية وملخصه أن الأفعال الإلهية ترجع إلى الإبداع وإنشاء الوجود من لا شيء إذا قلنا إنّها تصدر منهم علیهم السلام بما هم عباد مكرمون وهذا المعنى لا نلتزم به ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه قائم

ص: 213


1- الآية 40 من سورة الروم (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ...) .

وهو توحيد الله في ذاته وصفاته وأفعاله . وإن قلنا إنّ أفعال الله المختصة بذاته المقدسة كالإحياء والإماتة . . . تصدر بإرادة الله بسبب إرادة المعصومين واختيارهم علیهم السلام بأن تكون هذه الولاية موهوبة لهم من الله تشريفاً لمقامهم فلا ينافي مبدأٌ من المبادئ الاعتقادية . ويظهر هذا المعنى من الآيات القرآنية بالنسبة إلى يحيى وإبراهيم علیهما السلام. . وكيف كان فالولاية التشريعية للنبي والأئمة علیهم السلام وهي كونهم أولى بالناس من أنفسهم وأموالهم مما لا إشكال بل لا خلاف في ثبوتها إذ لا مانع منه ثبوتاً والدليل قائم عليه إثباتاً .

وأما ولاية غيرهم علیهم السلام فقد اختلفوا فيها بالنسبة إلى الأولياء وجهات الولاية معاً ولا سيما ولاية الحاكم الشرعي - الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة - فذهب جماعة إلى ثبوت ولايته العامة بأن يقوم مقام الإمام علیه السلام في الأمور النظامية بل غيرها من الولاية على الأشخاص وفصل آخرون وهم بين مفرط ومفرِّط والتفاصيل مذكورة في محلها واستدل الأولون بعدة أدلة إلّا أن الأدلة السمعية لا تثبت مدعاهم لأنها بين ضعيفة السند وضعيفة الدلالة وضعيفة السند والدلالة معاً فمثلاً قوله علیه السلام (مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء) (1) لا يدل على ثبوت الولاية على شخص أو مال لأنه مسوق لبيان فضيلة العالم وأن مداد العالم أفضل أثراً وثواباً من دماء الشهداء وهذا المعنى مضافاً إلى كونه معلوماً بالارتكاز العقلائي لا يكون ناظراً إلى أن الأمور بيد الفقيه بحيث يكون له أولوية التصرف من الشخص بشخصه ومن المالك بماله وكذا ما ورد من أن العلماء ورثة الأنبياء (2) . وورد أن ميراث النبي علمه . وأحسن الأدلة السمعية على ثبوت الولاية العامة للفقيه قوله علیه السلام (3) وأما

ص: 214


1- ميزان الحكمة حرف العين باب مداد العلماء 2839 .
2- الكافي ج1 باب صفة العلم وفضل العلماء ح2 والرواية ضعيفة بأبي البختري.
3- الوسائل باب 11 أبواب صفات القاضي ح9 - الغيبة للشيخ الطوسي ص176 ، الاحتجاج ص 469.

الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم إذ كلمة الحوادث لا يعلم المراد منها لأن أما التفصيلية ناظرة إلى التفصيل في الجواب عن أسئلة معهودة لم تذكر في الرواية فاللام في الحوادث عهد ذكري يعلم المراد منها السائل والمجيب . مضافاً إلى أن قوله رواتنا يفهم منه أن المراد السؤال عن حكم الحوادث لأن الراوي شأنه نقل المتون الدالة على الأحكام الشرعية عن المعصوم علیه السلام بالواسطة أو بغيرها . وأما قوله فإنهم حجتي عليكم لا يدل على الولاية لأن الحجية بمعنى الوسط في الإثبات نعم الحجج الإلهية لهم هذا المنصب العظيم إلا أن مصداقَ عنوان إذا كان متصفاً بعنوان آخر واشترك معه مصداق بالعنوان الأول لا يكون هذا سبباً في اشتراكه معه في العنوان الآخر فكون حجج الله أولياء لا يدل بنفسه على أن حججهم أولياء أيضاً فإنه من الممكن ثبوتاً اشتراك الفقيه مع إمام العصر في فهم الأحكام وتبليغها ولا يشترك معه في سائر المناصب المختصّة به علیه السلام . والتفصيل بأكثر من ذلك موكول إلى محله وربما نشير إلى بعض ما يناسب المقام إن شاء الله .

وأما الأدلة العقلية فقد استدلوا بأن إثبات الولاية العامة للفقيه لا يحتاج إلى دليل بل هي مما يستدل بها عليها ذكر هذا المحقق الاصفهاني في تعليقته على مكاسب الشيخ الأنصاري (قد) لكن هذا كلام لا دليل عليه وهو مجرد دعوى مع أن هذا المنصب جعلي شرعي لا بد من دليل شرعي لإثباته . وقد يستدل بأن العقل يحكم بلزوم وجود رئيس عام للشيعة يتكفل أمورهم النظامية وكل ما يحتاج إلى الرئيس ويؤيد هذا القول ما نقل عن الفقه الرضوي أنه لا بد لكل قوم من ريس والزعامة العامة من الأمور اللازمة لدفع الاختلال في النظام إذ لو لم يكن لطائفة من الطوائف البشرية من يتولى أمرهم لثارت الفوضى فالرئيس في الناس يكون مدبراً لأمورهم كالعقل بالنسبة للجسد .

ص: 215

وهذا الدليل عين الدليل على إثبات النبوة العامة حيث قلنا إنّ عدل الباري كما هو جار في الصنع كذلك يجري في النظام التشريعي فعدله جلّ وعلا يقتضي أن يبعث زعيماً روحياً للبشر يكون خليفته في الأرض بالنسبة إلى النظام التشريعي ولذا قال (إِنِّي جَاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ) (1) وقد قال بعض علمائنا السابقين (ابتداء بالخليفة قبل الخليقة) .

وقد قلنا إنّ الوجود والهداية محتاجان إلى الله فهو الخالق والهادي لكن هذا الدليل لا يدل على أنه مع وجود من له هذا المنصب الإلهي يكون غيره أيضاً قائماً مقامه إذا غاب أو سجن أو تسلط عليه ظالم . . . فنقول إن وجود الإمام علیه السلام بالأصل لطف وتصرفه لطف آخر أما الأول فيظهر من جملةٍ من الروايات بأن الإمام سبب في الخيرات وأما الثاني فمقتضى عصمته وعدله وغيبته في هذا العصر إنما كانت بسبب مخالفة المخالفين وعدم تحقق استعداد تام يوجب سيطرة المعصوم على الطوائف البشرية لتبليغ الرسالة الإلهية ونشرها . فالاختلال الناشئ من غيبته علیه السلام مستند إلينا لا إليه ولا إلى الله جلّ وعلا . فالفيض الإلهي اقتضى نصب الأنبياء والأوصياء وحصر أوصياء خاتم الأنبياء في اثني عشر وخاتمهم موجود إلا أنه ممنوع من التسلط فعلاً على الأمور. وحينئذٍ يدور الأمر بين أن يكون حفظ النظم الاجتماعية بيد الفقيه الجامع للشرائط أو بيده ويد سائر عدول المؤمنين . فلا يكون الدليل المذكور متكفلاً لإثبات ولايته كما هو الظاهر. ولذا نرى أن بعضهم تمسك بالأصل العملي في المقام وهو وجوب الأخذ بالتعيين إذا دار الأمر بينه وبين التخيّر نظير الرجوع إلى الأعلم في التقليد إذا دار بين الأعلم بخصوصه وبينه مع غيره . فيقال في المقام الأصل عدم ثبوت ولاية كل أحد على كل أحد وبعد لزوم تولي شخص على أمر للقطع بأن الله لا يرضى بضياع النفوس والأموال فيدور الأمر بين كون المتولي لتلك الأمور الحاكم

ص: 216


1- سورة البقرة، الآية : 30 .

الشرعي أو عادلٌ من أوساط المؤمنين وحينئذٍ نقول إنّ القدر المتيقن هو الفقيه العادل وهو الحاكم لأنه إن كان منصوباً من قبله تعالى فالحق له وإلا كانت توليته من باب التصدي للأمور الحسبية . أي التي لا يرضى الشارع بتركها فإن الفقيه العادل حينئذٍ لا يقل عن أي فرد من أفراد المؤمنين فالمتيقن حينئذٍ ولاية الحاكم بالنسبة للأمور النظامية . ونفس هذا التقريب للأصل العملي ذكروه في باب وجوب تقليد الأعلم .

والجواب عن ذلك أنه لا بد من النظر إلى الدليل الدال على لزوم التصدي للأمور الحسبية وعلى وجوب الرجوع إلى المجتهد وحينئذٍ فإن كان لذلك الدليل إطلاق نتمسك به ولا مجال للرجوع إلى الأصل العملي وألا نرجع إليه .

فنقول إن الدليل على لزوم التصدي للأمور الحسبية هو القطع بأن الشارع لا يرضى بترك جملة من الأمور بل يراد تحققها في الخارج كحفظ مال اليتيم المحبوب ذاتاً للمولى عزّ وجلّ ثم إنّ التصدي لذلك لم يعلم بوجود ملاك خاص فيه يخص بحيث يخصه بأحد الأشخاص بعينه فإن لزوم تصدي شخص خاص لذلك يجب أن يكون بملاك غير ملاك حفظ مال اليتيم فإن هذا يكفي فيه قيام ثقة به وأما كونه قادراً على استنباط الأحكام الشرعية فلا بدّ له من ملاك يدل عليه غير ذلك الملاك فالملاك له إطلاق بالنسبة إلى أصل التصدي والدليل عليه أنه لو كان المال محفوظاً من قبل نفسه لم يجب على الحاكم أو غيره التصدي لحفظه لأنه يكون حينئذٍ سالبة بانتفاء الموضوع . وكيف كان فالملاك في لزوم التصدي للأمور الحسبية غير الملاك في لزوم تصدي شخص بعينه. وعبارة أخرى يرجع الشك إلى أن الشارع مضافاً إلى إرادته لحفظ النظام وأموال الغيب والقُصَّر وغيرهما هل أعطى شخصاً بخصوصه ولاية على التصدي لهذه الأمور أم لا؟ وهذا الشك

ص: 217

موضوع لإجراء أصالة العدم . ونحن إذ نقول إنّ الولاية لعدول المؤمنين في غير ما تثبت الولاية للحاكم الشرعي لا نريد بكلمة الولاية ما يظهر منها بحسب الإطلاق اللفظي عند المتشرعة أي إنّ الشارع جعلها لهم بما هي أمر اعتباري منصبي بل المراد عدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي . أما دليل وجوب رجوع الجاهل إلى العالم فهو ارتكاز العقلاء القائم على أن الجاهل بأمر إذا اضطر إليه يرجع فيه إلى أهل الخبرة فمثلاً المريض يحكم عليه عقله الفطري بمراجعة الطبيب الخاص بمرضه لإعطائه الدواء . فالعلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية والجهل التفصيلي بها وبأجزائها وشرائطها يبعث الشخص إلى لزوم تحصيل الاجتهاد بنفسه لنفسه أولاً فإن تعذّر عليه أو تعسّر أو لم يرد تحمل هذه المشاق يرشده عقله إلى الرجوع إلى من يعرف الحلال والحرام . وهذا الدليل العقلي له إطلاق بحسب أصل ذاته بحيث يشمل المفضول والفاضل . وحينئذٍ فإن قيل بلزوم رجوع إلى الأعلم فلا بد وأن يكون لهذا الحكم ملاك يختص به إذ الدليل على وجوب الرجوع إلى العالم لا يقتضي أزيد من كون المرجوع إليه عالماً بالأحكام الشرعية وأما كونه أعلم من غيره أو أعدل إذا لم يكن للأعلمية أو الأعدلية دخل في أصل معرفة الأحكام فلا بدّ له من ملاك للحكم بذلك فالشك حينئذٍ في وجوب الرجوع إلى الأعلم يكون مجرى لأصالة عدم الاشتراط هذا مضافاً إلى ما قلناه في مسألة وجوب تقليد الأعلم من أنه ليس للشارع تعبد خاص في التقليد والدليل إذا لم يكن تعبدياً لا يمكن المصير إلى أعمال بعض خصوصيات الموضوع المحكوم عليه بحكم عقلي . فالجواب عن مسألة الدوران بين التعيين والتخيير يتلخص في أمور ثلاثة :

1 - إنّ الدليل إذا كان مطلقاً لا بد من الأخذ بإطلاقه .

2 - إنّ الخصوصية المراد إثباتها بمسألة الدوران بين التخيير والتعيين خصوصية زائدة ويجب أن تكون نفسها مورداً لجريان الأصل لأنّ الشك

ص: 218

متمحّض فيها ومن البديهي أن الشك في جعل خصوصية من الشارع موضوع لأصالة العدم .

3 - إنّ الحاكم في المسألة هو العرف أو العقل ولا دليل سمعي فيهما فلا يعقل أن يكون الأصل مأخوذاً من العرف أو العقل والفرع أي الخصوصية من التعبد . وتمام السر فيما ذكرنا أن الملاك في الأمور الحسبية إنما يكون قائماً بتلك الأمور بمعانيها الاسم المصدري وأما جهة الصدور من فاعل ما فلم يعلم وجود الملاك فيها . ويعبر عن ذلك بالمحبوبات الذاتية لله تعالى مثلاً إشباع المؤمن الجائع وإكساؤه وبناء المسجد المهدوم ونحوه أمور نقطع بكونها بما لها من المعنى الاسم المصدري محبوبة للشارع فلو أمكن بناء المسجد بسبب غير عادي وتحقق بناؤه كذلك يكون قد تحقق ما هو محبوب للمولى فتكون هذه كالواجبات التوصلية أي إنّ الغرض يحصل بمجرد تحققها في الخارج .

قال في الشرايع : وفيه فصلان الأول في تعيين الأولياء لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا والمولى والوصي والحاكم وهذا ما ذكره أكثر الفقهاء إلا أنه قد عرفت أنه لا ولاية بل لا دليل على ولاية الحاكم وقد صدر من المحقق الشيخ الأنصاري (قد) في المقام شيء لا بد من ملاحظته إذ ذكر في المقام أنه لا دليل على ثبوت ولاية الحاكم ثم بعد ذلك بقليل لما تعرض لشرح عبارة المتن بالنسبة إلى ولاية الحاكم أفتى بذلك واستدل بما لا يخلو من إشكال فراجع (كتاب النكاح) . ولا ولاية للعم للأصل أي عدم ولاية كل أحد على كل أحد ولصحيح محمد بن الحسن الأشعري (1) والمذكور في الكافي والتهذيب قال كتب بعض بني عمي إلى

ص: 219


1- الوسائل باب6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح2 ، الكافي ج5 ص394 ح7، التهذيب ج7 ص386 ح1551.

أبي جعفر الثاني علیه السلام ما تقول في صبية زوّجها عمها فلما كبرت أبت التزويج فكتب لي لا تُكره على ذلك والأمر أمرها . فلو صدر العقد من العم كان فضولياً ولا ولاية للأخ للأصل أيضاً ولصحيح داود بن سرحان (1) الذي وثقه النجاشي والمصحح البزنطي عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل يريد أن يزوج أخته قال يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها الخ (2) . . نعم قد ورد في خبر أبي بصير (3) الذي يكون في بعض طرقه صحيحاً سنداً وهو ما يكون عن أبي جعفر علیه السلام سألته عن الذي بيده عقدة النكاح قال هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري فأي هؤلاء عفا فقد جاز (4) وفي المرسل (5) عن الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن الرضا علیه السلام الأخ الأكبر بمنزلة الأب .

والجواب أما عن الثاني فلأنه لم يعلم مصب التزيل أي شيء وأن الشارع هل جعل الأخ بمنزلة الأب حتى في جواز أخذ مال أخيه والأكل من ماله ونحوه وهذا لا يقول به أحد أو التزيل بلحاظ التشريف . وأما خبر أبي بصير فليس فيه أن الأخ بيده عقدة النكاح وإنما هو في مقام من بيده عقدة النكاح من حيث العفو من المهر ويمكن دعوى الإجماع المحصل بل الاستفادة من النصوص بأنه ليس للأخ عفو مهر أخته من دون رضاها ولذا حمل جماعة من الفقهاء هذا الخبر على التقية . ولعل المراد منه الولاية العرفية .

ثم إنّ للأب الولاية في النكاح بالنسبة إلى غير البالغ من ولده مطلقاً

ص: 220


1- الوسائل باب3 أبواب عقد النكاح ح3 ، الفقيه ج3، الفقيه ج3 ص251 ح1196.
2- الوسائل باب7 من أبواب أولياء العقد ح1 .
3- الوسائل باب8 أبواب عقد النكاح ح4 ، التهذيب ج7 ص393 ح1573.
4- الوسائل باب8 ح4 .
5- الوسائل باب8 أبواب عقد النكاح ح6 ، التهذيب ج7 ص393 ح1575.

صبياً ذكراً كان الولد أم صبية وكذا الجد للأب خاصة بلا خلاف بين الفقهاء في ولاية الأب وقد خالف في ولاية الجد ابن أبي عقيل ويرده النصوص الواردة في المقام الدالة على ثبوت الولاية للأب والجد للأب .

فمنها : صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال يجوز عليها تزويج أبيها فهي تدل على لزوم العقد عليها بعد بلوغها .

ومنها صحيح محمد بن مسلم (2) قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن الصبي يزوج الصبية قال إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جايز. وما يدل على ولاية الجد أيضاً روايات :

منها : ما عن محمد بن مسلم (3) عن أحدهما علیهما السلام قال إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جايز على ابنه ولابنه أيضاً أن يزوجها قلت فإن هوى أبوها رجلاً وجدها رجلاً فقال الجد أولى بنكاحها. وبمضمونه روايات أخر مستفيضة وسيأتي الكلام في ترجيح ولاية الجد على ولاية الأب . والذاهبون إلى ثبوت ولاية الجد اختلفوا في أنه هل يشترط في ثبوت ولاية الجد بقاء الأب أم هي ثابتة له مطلقاً قيل نعم والقائل الصدوق والشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن زهرة وأبو الصلاح وسلار مصيراً منهم إلى رواية وهي موثقة الفضل بن عبد الملك البقباق (4) عن أبي عبد الله علیه السلام قال

ص: 221


1- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص394 ح9 .
2- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح ح8 ، التهذيب ج7 ص382 ح1543 .
3- الوسائل باب11 أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص395 ح2، التهذيب ج7 ص390 ح1561 .
4- الوسائل باب11 أبواب عقد النكاح ح4 ، الكافي ج5 ص396 ح5 ، التهذيب ج7 ص391 ح1564 والظاهر أن الرواية من الموثق لأن الحسن بن محمد يظهر منه أنه ابن سماعة الثقة وإن كان واقفياً.

إنّ الجد إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيّاً وكان الجد مرضياً جاز . وتقريب الاستدلال بها أن القيود المأخوذة في الشرطية إنما هي إجزاء السبب الواحد للجزاء وبانتفاء الكل أو بعض منها ينتفي الجزاء عملاً بمفهوم الشرط الذي لا خلاف فيه وان اختلفوا في غيره من الوصف والزمان والمكان وغيره من المقيدات وأجيب بأن قوله وكان أبوها حيّاً وكان الجد مرضياً جملة حالية أو وصف للجد ولا مفهوم للوصف أو الحال ورد بأن المقام مفهوم للشرط لدخول إذا على الجملة بأسرها لأنه قال إذا زوج ابنة ابنه . . . . فهذه الرواية لا تخلو من ضعف في الدلالة ويأتي كلام صاحب الشرايع والقائلين بأنه لا مفهوم لهذه الجملة من حيث كونها حالية أو وصفية إن كان مرادهم من ضعفها ضعفها في الدلالة وأما لو كان مرادهم أنها ضعيفة سنداً فكلامهم غير تام لأن الموثقات حجج عقلائية لم يردع عنها الشارع بل صاحب الشرايع كثيراً ما يستدل بها في شرايعه ومعتبره ولذا قال جماعة بأن المحقق إنما يرجح الصحيح على الموثق عند التعارض لا أنه لا يرى حجية الموثق وإن كان هذا الكلام لا يجري في المقام لأن نسبة هذه الموثقة إلى الروايات المثبتة لولاية الجد نسبة المطلق إلى المقيد فلا تعارض حيث يمكن الجمع الدلالي بينهما .

وأما كون هذا المفهوم مفهوم شرط فإن التحقيق يقتضي أن أخذ المفهوم من الكبريات الشرعية إنما هو لكونها مسوقة لبيان القواعد العامة فإن أتى في ناحية الموضوع قيد ولم يكن له فائدة أخرى كان المقام مقتضیاً لفهم أن القضية لها عقد سلب فأكرم العالم العادل يدل على حصر الإكرام بصورة العالم العادل وإلا كان القيد لغواً وبهذا الاعتبار نقول إنّه لا فرق بين القيود المأخوذة في لسان الدليل في كونها ذات عقد سلب سواء كانت وصفاً أو لقباً أو غير ذلك لكن لا بد من أن لا يكون هناك فائدة أخرى للقيد . وأما الشرط فهو دائماً يكون للتنويع وليس له فائدة أخرى وهذا سرّ الاختلاف في

ص: 222

غيره وعدم الاختلاف فيه . وكيف كان فقوله إذا زوج وإن كانت جملة شرطية إلا أنها مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها . وأما قوله وإن كان أبوها حياً فإنه وإن كان قيداً في الكلام الملقى لبيان القاعدة العامة إلا أنه من المحتمل بل ربما يظهر من المناسبات المرتكزة في الأذهان بأنه مسوق لبيان ثبوت الولاية للجد ولو مع وجود الأب فهو مسوق لدفع توهم حصر ولايته بصورة موت الأب ويشهد لهذا المعنى ذيل الموثقة حيث قال فإن هوى أبو الجارية هوى، وهوى الجد هوى. وهما سواء في العدل والرضا قال علیه السلام أحب إلي أن ترضى بقول الجد . والوجه أنه لا يشترط في ولاية الجد حياة الأب. أضف إلى هذا بأن البنت إذا لم يكن لها أب كان على الشارع أن يجعل لها ولياً إجبارياً وهو الجد نعم لو تعبدنا الشارع بالاشتراط كان لا بد من المصير إليه إلا أنه لا دليل ينص على مثل هذا التعبد . ثم إنّ بعض العامة اشترط في ولاية الجد موت الأب ولا دليل عليه . ثم إنّ الظاهر من الجد في النصوص الواردة في المقام هو الجد للأب وإن علا وأما الجد لأم الأب فلا ولاية له أيضاً لعدم وجود إطلاق منصرف إليه فما عن التذكرة من الحجة في ذلك ليس على ما ينبغي. وبثبت ولاية الأب والجد للأب على الصغيرة مطلقاً أي وإن ذهبت بكارتها سواء بوطي أو غيره ولا خيار لها فيما لو زوجها أحدهما بعد بلوغها على أشهر الروايتين وهي رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) المتقدمة وقد ذكر فيها أنه يجوز عليها التزويج والمقصود بالجواز بقرينة مقابلته مع اختيار البالغة هو اللزوم ونفوذ العقد وبمضمونها صحيحة (2) عبد الله بن الصلت التي ورد فيها قال لا ليس لها مع أبيها أمر . وفي مقابل تلك الروايات ما ورد صحيحاً (3) عن محمد بن مسلم

ص: 223


1- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح1 الكافي ج5 ص294 ح6.
2- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح3 ، التهذيب ج7 ص381 ح1540 .
3- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح8 ، التهذيب ج7 ص382 ح1543 .

قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن الصبي يزوّج الصبية قال إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ولكن لهما الخيار إذا أدركا فإن رضيا بعد ذلك فالمهر على الأب قلت له فهل يجوز طلاق الأب على أبنه في صغره قال لا . وقد أعرض العلماء القدماء والمتأخرون عن هذه الصحيحة لمعارضتها للنصوص المتقدمة ولا جمع دلالي بينها وبين تلك فلا بد من حملها على التقية نعم حملها الشيخ الطوسي في الاستبصار على أن للصبي الطلاق بعد البلوغ كما أن الصبية لها المطالبة بالمهر أو الطلاق لكن هذا حمل بلا شاهد كما هو دأب الشيخ في التهذيب ولا سيما الاستبصار فإنها جموع تبرعية مسوقة لرفع التعارض من الروايات ثبوتاً . ولا شاهد على أن كلمة الخيار عبارة عن كون الطلاق بيد الزوج أو طلب المهر بيد الزوجة مع أن هذه أحكام معلومة فالأحسن حملها على التقية أو ردّ علمها إلى أهلها . ومن هنا يتطرق الإشكال فيما دل على أن الصبي له الخيار بعد بلوغه . ولذا لو زوج الأب أو الجد الولد الصغير لزمه العقد ولا خيار له مع بلوغه ورشده على الأشهر وفي الجواهر بل المشهور واستدلوا له بأمور:

1 - الأصل والمقصود به استصحاب الزوجية عند الشك في طرو المزيل بعد البلوغ وقد يقال إنّ المقصود به بناء العقلاء على اللزوم في المعاملات إلا فيما ثبت موجب شرعاً - كخيار المجلس - أو عرفاً - كخيار الشرط - لزوال العقد وعليه فلا بد من الرجوع إلى العرف في كل معاملة لنرى أن بناءه فيها على اللزوم أو الجواز وفي المقام العرف لا يرى أن عقد النكاح جائز بل يراه لازماً .

2 - الأخبار وهي ما دل على التوارث بين الصبي والصبية إذا زوجاهما أبواهما . لكن قد يقال إنّ التوارث إنما يترتب على العقد الصحيح وكون العقد محتاجاً إلى إجازة الصبي بعد بلوغه منافي للتوارث بحيث يكون كالفضولي وأما كون العقد خيارياً فلا لأن العقد الخياري يؤثر أثره إلا أن

ص: 224

يكون لمن له الخيار منعه . وكيف كان فقد أخذ بما ورد من كون الخيار للصبي بعد بلوغه جماعة كالشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس واستدلوا بأن لزوم العقد على الصبي مستلزم للضرر لكونه مثبتاً للمهر في ذمته ويجاب بأن الدليل أعم من المدعى فقد يثبت المهر في ذمة الأب كما لو لم يكن للولد مال مضافاً إلى أنه أمر استحساني لا يترتب خياراً بما هو حكم شرعي . وبما رواه يزيد الكناسي (1) وهو أبو خالد والظاهر كونه القماط وهو ثقة من أنّ الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك . لكن أعرض عنها المشهور وعما أشبهها مضموناً. وللانصاف فإنّه يظهر من هذه الرواية أنها صدرت في مقام التقية لأن هذه الرواية الطويلة مشتملة على جملة من الأحكام المخالفة لمسلمات الشيعة . وقد مضى ما دل على أن الخيار للصبي والصبية بعد البلوغ مع أن الأمر في الصبية ليس كذلك والعلاج واحد وأما الحمل على محامل سمعت بعدها وأما الحمل على التقية وهذا يساعد عليه الشواهد .

ثم لو كان الصبي مجنوناً وقد اتصل جنونه ببلوغه فالولاية عليه للأب والجد وهذا بإجماع الأصحاب مستدلين باستصحاب بقاء الولاية بعد جعل طرو الجنون عليه من الحالات غير المغيرة للموضوع. ويظهر من بعض الروايات أنّ سلب الولاية عن المولى عليه مشروط ببلوغه عاقلاً رشيداً . وأما لو بلغ عاقلاً ثم جُنَّ فهل تكون الولاية للأب والجد أو للحاكم الشرعي وقد استدل لولاية الأب بأن ولايته إنما هي للإرفاق بالمولى عليه فلا بد من أن يكون الولي على الصبي والصبية ولياً لهما بعد البلوغ إذا طرأ عليهما جنون لوجود الملاك وهو الإرفاق بهما والإشفاق من أبيهما وجدهما . وهذا استحسان وليس بحجة عندنا ولذا ذهب جماعة إلى كون الولاية مع طرو الجنون للحاكم لكن قد عرفت أيضاً أنه لا دليل على ثبوت الولاية العامة

ص: 225


1- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح ح9 ، التهذيب ج7 ص383 ح1544 .

للحاكم الشرعي وأما الدوران بين التعيين والتخيير فمضافاً إلى ما مضى يمكن تقريره هنا بالنسبة إلى الأب والجد وإن كان فيه نظر واضح. فالأحوط إشراف الأب والجد على نكاحهما باستئذان الحاكم الشرعي .

لا إشكال ولا خلاف في عدم ولاية الأب والجد على البالغ الرشيد بل في كشف اللثام إجماعاً منا ومن العامة وذلك لأن ثبوت الولاية على شخص تحتاج إلى دليل ومع عدمه الأصل عدمها ويظهر من بعض النصوص انقطاع ولايتهما عن الصبي إذا بلغ وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة فيه روايات أظهرها سقوط الولاية عنها وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع بعد الاتفاق منهم كما يظهر من المسالك وجامع المقاصد على أن الثيب لا ولاية لهما عليها وخالف في ذلك العُمّاني ابن أبي عقيل لكنه شاذ مخالف للأخبار (1) المستفيضة الدالة على أن الثيب تستأمر وأنها أملك بنفسها وغيرها. ثم إنّ القول باستقلال البكر الرشيدة وعدم ثبوت ولاية للأب والجد عليها هو القول الأول في المسألة وقد ذهب إليه صاحب الشرايع والعلامة في القواعد بل نسب إلى المشهور من القدماء بل المشهور من المتأخرين والسيد المرتضى في الانتصار والناصريات مدعياً الإجماع والمفيد في المقنعة . وهناك أقوال أخر .

منها : استقلال الولي بالولاية وذهب إليه الشيخ الصدوق وابن أبي عقيل والقاضي ابن البراج والمحدث الكاشاني وصاحب الحدائق .

ومنها : التفصيل بين الدوام فهي مستقلة والانقطاع يكون الولي مستقلاً .

ومنها : عكس السابق .

ص: 226


1- الوسائل باب 6 أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح1 + ح2 + ح4 +ح5 + ح8 + ح11 + ح13.

ومنها : اشتراكهما في النكاح بمعنى اعتبار رضاها كإذنه فلا استقلال لأحدهما في النكاح.

وآخر الأقوال : إنّ للأب نقض النكاح أي له خيار حلّ النكاح بعد إبرامه منها دون إذنه .

ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار إذ إنّها طوائف خمس :

1 - ظاهرة في أنها تستأمر كغيرها ولا تنكح إلا بأمرها .

2 - أنّها لا ولاية لها فلا تستأمر ولا يعتبر رضاها .

3 - ظاهرة في اشتراكهما في الرضا وإنّ لها نصيباً في النكاح .

4 - ظاهرة في أنها مختارة في المتعة فقد يفهم منه أنها لا خيار لها في الدوام.

5 - ظاهرة في أنها لا خيار لها في المتعة ويفهم منها عكس سابقه .

ثم إنّها ورد في طائفة أنه لا ينقض النكاح إلا الأب ومن ذهب إلى القول الأخير يمكنه القول برفع اليد عن تلك الطوائف لتعارضها والأخذ بهذه الطائفة الأخيرة - لا ينقض النكاح إلا الأب -. وبناءً على الاحتياط في الفروج فالذي يتبع في مقام العمل أن يكون نكاحها بإذنها وإذن الولي معاً إلا أن التحقيق يقتضي المصير إلى الأول وهو استقلالها في النكاح مع رعاية إذن الأب تشريفاً لمقامه ولعل هذا هو المراد من استحباب تولي الأب لنكاحها واستدل عليه بأمور :

الأول : الإجماع الذي ذكره السيد المرتضى في الانتصار والناصريات ويرد عليه بأنّ الإجماع إذا كان معلوم المدرك أو مظنونه يكون مدركياً وهو ليس بحجة فضلاً عن كونه في المقام مدعى في مسألة خلافية فلا يمكن الاعتماد على دعوى الإجماع فيها مضافاً إلى ما يقال عن السيد من أنه كثيراً

ص: 227

ما يدعي الإجماع ويقصد به الإجماع على القاعدة بل ربما يقال إنّ إجماعات السيد كلها كذلك إلا أن هذه الدعوى إفراط في حق السيد لأنه يظهر منه في بعض الموارد أنه يريد اتفاق الأقوال.

الثاني : إنّ ولاية الأب والجد تزول ببلوغ الصبية على مالها فلها أن تتصرف فيه من دون إذن وليها فكذا على نفسها . وهذا الدليل لا يقاوم الأدلة الدالة على ثبوت الولاية عليها إذ التفصيل بين المال والنكاح ممكن ثبوتاً والقائل بها في النكاح يرى ثبوته إثباتاً أيضاً. وملخص الجواب أنه لو لم یکن دليل على ولاية أحد على الباكرة لكفى عدم الدليل على العدم ولو سلمت وجود دليل على ذلك لم يعارضه الدليل الدال على زوال الولاية عليها بالنسبة إلى مالها .

الثالث : الإجماع على زوال الولاية عليها في المتعة فتزول في الدوام بطريق أولى لأن المتعة أقرب إلى العار وأولى اعتباراً بالولاية. وفيه أنه لو لم يكن دليلٌ على الولاية لكفى وإن كان فلم يعارضه الدليل الدال على زوال الولاية عليها في المتعة أضف إليه أن هذا التفصيل غير مرضي عند جمع كثير من علمائنا لأن الأخبار الواردة في المتعة مختلفة في إثبات الولاية عليها وعدمه.

الرابع : الأخبار وهو العمدة وهي طوائف :

فمنها ما دل على أن البكر تستأمر .

ومنها : ما دلّ على أن نكاحها من دون إذن الولى جائز.

ومنها ما دل على جواز تزويج البكر إذا رضيت بغير إذن وليها .

فمن الأول صحيح الفضلاء (1) عن أبي جعفر علیه السلام قال المرأة التي قد ملکت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز .

ص: 228


1- الوسائل باب3 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح1.

وتقريب الاستدلال به أن المراد من ملك النفس حسب ما يظهر منه لغة السلطنة على النفس ومن البديهي أنها أمر جبلي وعقلائي ما لم يمنع عنها مانع له النفوذ في عالم الاعتبار والقدر المتيقن من التصرف الشرعي في سلطان الجارية هو التصرف في تصرفاتها قبل البلوغ والرشد وذلك بجعل مشرف على تلك التصرفات حيث عرفت سابقاً أن كون الصبي الشامل لها أيضاً مسلوب العبارة أو كالبهيمة مما لا يمكن المصير إليه وقد بينّا مراراً في شرحنا على الشرايع أنّ المستفاد من الأدلة هو اعتبار إشراف الولى على تصرفات الصبي دركاً لقصوره وحفظاً لأمواله وأما السفيه الشامل لها أيضاً فهو مردوع في تصرفاته عرفاً وشرعاً . والمجنون بطريق أولى فقوله علیه السلام المرأة التي قد ملكت نفسها إذا كان المراد منه السلطنة على النفس بجميع أنحائها من خروجها عن حدّ الصبا الموضوع لزوال إشراف الولي عليها وعلى تصرفاتها يكون قوله علیه السلام غير السفيهة ولا المولى عليها عطف بيان جيء به توضيحاً لبيان إطلاق ملك النفس وشموله لعدم كونها محجورة بسبب السفاهة أو الجنون. وإن كان المراد من ملك النفس بقرينة الذيل أن يحمل على معنى تأسيسي لم يبين قبل وهو البلوغ فتكون الجملة ناظرة إلى قید آخر للحكم وهو نفوذ تزويجها بغير ولي . وعلى التقديرين يتم المطلوب وهو أن البالغة الرشيدة لا ملك ولا ولاية لأحد عليها. وأما قوله بغير ولي فهو ناظر إلى مورد توهم الولاية بمعنى أنه بعد أن ثبت أن الولاية على النكاح بالنسبة إلى الجارية إنما تكون للأب والجد وحدهما فإذا قال الشارع بغير ولي يكون ناظراً إلى من يراه هو ولياً فيكون المعنى أن الولاية على الجارية تنقطع ممن هو ولي شرعاً بالبلوغ والرشد. ومن هنا ظهر أنّ الإشكال على الصحيحة بأنّ المراد من ملك النفس وعدم كونها مولى عليها عدم كونها مولى عليها بولاية النكاح وخروجها بالبلوغ والرشد دون الثيوبة عن ذلك أول الكلام. إذ يرد عليه بأن صدور هذا الكلام من الإمام علیه السلام

ص: 229

يكون لغواً لأن المعنى حينئذٍ أنه إذا لم تكن ولاية على المرأة في نكاحها فنكاحها من دون ولي جائز وهذا بيان لأمر مبين لا يصدر عن عاقل فضلاً عن معصوم. كما أنه بتقريبنا قد ظهر الجواب عما يقال إنه يمكن تخصيص هذا الصحيح بما دلّ على أن للأب والجد الولاية على الباكرة بتخصيص الولي بغير الأب والجد. فإن خروج الأب والجد عن الصحيح خروج تخصصي حيث لا ولاية لغيرهما على المرأة وإن كانت صبية ولم يطلق عليها عنوان المرأة فكيف بالمرأة التي ملكت نفسها. كما أن الإشكال عليه بحمله على مورد موت الأب والجد تأويل باطل لما عرفت من عدم ثبوت الولاية لغير الأب والجد ولو في حال صغرها وبعبارة أخرى أن كلمة بغير ولي حينئذٍ تكون سالبة بانتفاء الموضوع والصحيح وارد مورد بيان المحمول لا الموضوع فمعنى تزويجها بغير ولي جائز أنه لا ولاية لأحد عليها لا أنه لا ولي حين موت الولي عليها فافهم واغتنم .

ومنها : صحيح منصور ابن حازم (1) عن أبي عبد الله علیه السلام قال تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلا بأمرها وتقريب الاستدلال به واضح فإن معنى الاستثمار طلب الرخصة منها ثم إنّ قوله علیه السلام لا تنكح إلا بأمرها نص على دخالة أمرها في صحة النكاح والحصر المستفاد من النفي والاستثناء يفيد عدم دخالة أمر شخص آخر وإن كان أباً أو جداً في صحة نكاحها والباء هنا بقرينة ورود الصحيح مورد بیان حكم الوضع ظاهر في السببية بمعنى الشرطية والمعنى حينئذٍ أن أمر البكر وغيرها شرط في صحة النكاح وقد أورد عليه إيرادان :

1 - إنّ كلمة تستأمر مبني للفاعل ومعناه أنها تستأمر من وليها لكن هذا عجيب إذ من البديهي أن غير البكر لا تستأمر أحداً مضافاً إلى أن الحصر بناءً على هذا يكون مناقضاً للصدر.

ص: 230


1- الوسائل باب13 أبواب عقد النكاح ح10 ، التهذيب ج7 ص381 ح1535.

2 - إن الباء ليس للسببية بل للمصاحبة وحينئذٍ تدل على التشريك بينها وبين الولي. لكن عرفت أن الباء ناظر إلى ربط صحة النكاح بأمر المنكوحة والربط في الوضعيات بمعنى الاشتراط الشرعي مضافاً إلى أن غير البكر وهي الثيّب لا يشترط في نكاحها إلا إذنها قطعاً والسياق يقضي عدم اختلاف البكر عنها . وقد يشكل أيضاً بأن إطلاق هذه الرواية محكوم بما دلّ على دخالة إذن الولي في نكاحها فيجمع بينهما بالحمل على التشريك كما سيأتي بيانه . لكن الإنصاف أن اللسانين متعارضان لأن لسان ليس لها أمر أو لا تستأمر أو ليس لها مع أبيها أمر لسان حصر ونفي سلطنتها على نكاحها ولسان صحيح منصور أيضاً لسان حصر وحينئذٍ فإنه وإن كان إطلاق الحصر قابل للتقييد لكون الحصر الموجود في الشرعيات غالباً هو الإضافي لا الحقيقي إلا أن الموارد مختلفة وبعضها لا يقبل الحمل على الحصر الإضافي . كما في المقام بأن حصر الولاية بالأب في دليل وحصر الاستقلال بالسلطنة في آخر متعارضان بنظر العرف ولذا يشكل الحمل حتى على الاستحباب كأن نقول إنّ لها السلطنة على النكاح لكن يستحب لها الاستئذان من الأب تشريفاً فإن ذلك فرع إمكان الجمع الدلالي بهذه الصيغة من حيث مفاد الهيئة وسنخ الحكم بين الدليلين بل الأحسن هو الجمع الموضوعي وسيأتي بيانه كتقييد الأخبار الدالة على ولاية الأب بموارد عدم كون الباكرة عارفة بمصالح نفسها كما يستفاد من موثق البقباق (1) حيث يقول هو انظر لها .

ومنها خبر أبي مريم (2) المروي في الكافي وهذا الخبر وإن كان فيه معلی بن محمد وهو من مشايخ النشر وقد قيل في حقه أنه مضطرب الحديث لكن لعله لتجميعه الأحاديث الواردة في مناقب آل البيت علیهم السلام وفي الأحكام الشرعية ومنشأ تخديش جماعة من علمائنا القدماء لبعض مشايخ النشر ورواة

ص: 231


1- الوسائل باب 3 أبواب عقد النكاح ح6 ، الكافي ج5 ص394 ح5 .
2- الوسائل باب 3 أبواب عقد النكاح ح7 ، الكافي ج5 ص391 ح2.

الحديث هو اعتناء هؤلاء بما ورد من مناقب أهل البيت علیهم السلام حتى إنّ جمعاً من أصحاب الحديث سموا تلامذة يونس بن عبد الرحمن بيونسية ويونسي إشعاراً بضعفهم وإظهاراً لفساد مذهبهم وهو الاعتقاد بفضائل الأئمة علیهم السلام علماً بأن يونس بن عبد الرحمان من أصحاب الإجماع وقد ورد في حقه حيث سأل أحدهم الإمام المعصوم أفيونس بن عبد الرحمن ثقة أخذ عنه معالم ديني؟ قال علیه السلام: نعم . وقد رمي مع هذا بالضعف والغلو ولم ينج من توسيخ القاصرين، إلا أنه يمكن اعتبار هذا الخبر وإن كان فيه معلى بن محمد عن أبي عبد الله علیه السلام قال (الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها وقال إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى (ما) (1) شاءت) وتقريب الاستدلال بها أن الموضوع فيها هو الجارية البكر والمحمول - لا تتزوج إلا بإذن أبيها - وهذا يثبت عدم سلطنتها على نفسها في النكاح لكن قوله إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت الظاهر أنه وارد لتقييد إطلاق الصدر وأما القيد الذي تضمنته الجملة فبيانه أن الضمير في لفظ كانت راجع إلى الجارية الموصوفة بأنها بكر والموصوفة بأن لها أباً فيكون القيد المستفاد من الجملة الأخيرة أن ملك الأمر منحصر في الرشد إذ لو كان المراد البلوغ بجعل الجملة الأولى مطلقة من حيث الصغيرة والبالغة كان مفادها حينئذٍ موافقاً لما نريده من أن البالغة لا ولاية عليها حتى من الأب إلا أن الصدر ظاهر في أنه بصدد بيان أن البكر تتزوج باختيارها أي إنّها قابلة لإنشاء التزويج إلا أنه يجب أن يصدر منها بإذن أبيها وهذا لا يناسب إطلاق الرواية الشامل للصغيرة لأنها لا تتزوج بنفسها وإن كان ذلك بإذن أبيها . وقراءة لا تُزوّج مبنياً للمجهول خلاف الظاهر من الصدر بل يشهد على البطلان الذيل حيث قال تزوجت متى شاءت. وكذا لا يمكن جعل قوله مالكة لأمرها ناظراً

ص: 232


1- في نسخة زيادة.

إلى الثيبوبة لأن هذا القيد إنما هو للموضوع الموصوف بالبكارة فلا بد من حمله على بيان الرشد وما شابهه وبجعل هذا الخبر شاهد جمعِ

للنصوص المختلفة. ومن الغريب أن بعضهم حمل هذا الخبر على مورد موت الأب وهذا مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر منافٍ لما بيّنا من أن القيد قيد للموضوع المذكور أولاً وهو الجارية البكر التي لها أب.

ثم لا بأس بالإشارة إلى سند خبر أبي مريم المتقدم فنقول إنّ الشيخ الكليني روى الخبر عن شيخه الحسين بن محمد الأشعري وهو ثقة جليل عن معلى بن محمد وقد أشرنا سابقاً إلى أن النجاشي قال عنه مضطرب الحديث وابن الغضايري قال عنه إنّه يعرف حديثه تارة وينكر أخرى ويمكن أن يجعل شاهداً لكن الإنصاف أن اضطراب الحديث بالنسبة إليه ليس إلا من جهة إكثار الرجل لجمع ما ورد من فضائل المعصومين علیهم السلام ويعرف ذلك بالرجوع إلى ما ذكره النجاشي عنه (1) ولذا وثقه بعض المتأخرين . عن الحسن بن علي الوشاء وقال عنه النجاشي (2) وكان من وجوه هذه الطائفة وهذا يكفي في كونه ليس بكاذب وقبول خبره لأن المدار في حجية الخبر عندنا الوثوق بقوله. عن أبّان بن عثمان وهو الأحمر البجلي بقرينة الراوي والطبقة وهو من أصحاب الإجماع كما عن الكشي عن أبي مريم وهو عبد الغفار بن قاسم الثقة على ما ذكره النجاشي(3) فالخبر معتبر وقد أشرنا إلى السند لئلا يتوهم كونه ضعيفاً .

ومنها خبر زرارة (4) عن أبي جعفر علیه السلام قال إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإن أمرها جائز تزوج

ص: 233


1- رجال النجاشي رقم 1117 معلى بن محمد البصري أبو الحسن مضطرب الحديث والمذهب وكتبه قريبة . . . وجه التوثيق وصفه لكتبه بالقرب .
2- رجال النجاشي، رقم 80.
3- رجال النجاشي 649 .
4- الوسائل باب9 أبواب عقد النكاح ح6 ، التهذيب ج7 ص378 ح1530.

إن شاءت بغير إذن وليها وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها . وتقريب الاستدلال أن جواز التزويج من دون إذن الولي علق في هذا الخبر على كون المرأة مالكة أمرها وقد ذكرنا أن ملك الأمر عبارة عن السلطنة على كل ما يتعلق بها على ما يفيده إضافة لفظ أمر إلى الضمير فإن إضافة اسم الجنس إلى الضمير يفيد العموم . والسلطنة إنما تتحقق بالبلوغ والرشد الشامل للصبي والصبية وعلى هذا يكون قوله تبيع وتشتري الخ . . . موضحاً لهذا المعنى ومبيناً لمصاديق ما تتعلق به السلطنة فما ذكره في المستند من أنه لما لا يكون قوله مالكة أمرها خبراً ثانياً وعليه فهو غير البلوغ والرشد فاسدٌ مضافاً إلى أنه لو كان خبراً ثانياً لأتى بالواو العاطفة إذ المناسب هو ذلك وحذفها يدل على اتصال اللاحق بالسابق اتصالاً معنوياً وهو عطف البيان . ثم إنّ قوله بغير إذن وليها ناظر إلى من جَعَله الله ولياً لأن الشارع لا يمكن أن يطلق لفظ الولي على من لا يراه ولياً وهو غير الأب والجد في المقام فالقول إنّ المراد منها غير الأب والجد فاسد فلا يمكن تخصيص لفظ الولي بغير الأب والجد ولو بقرينة الروايات الدالة على أن البكر لا تستأمر وإن أمرها بيد أبيها مثلاً . كما أن قوله بغير إذن وليها ناظر إلى رتبة المحمول في مورد وجود الموضوع بمعنى أن الإذن إن قلنا باعتباره أو عدمه إنما يكون ذلك مع فرض وجود الولي إذ إنّ عدم المحمول لعدم الموضوع أمر عقلي لا يحتاج إلى بيانه بل يكون ذكره مستهجناً فما ذكره بعضهم من أن قوله علیه السلام بغير إذن وليها ناظر إلى مورد موت الأب والجد فاسد. وكذا القول إنّ المراد من قوله مالكة أمرها الثيب فاسد أيضاً مضافاً إلى أن الظاهر من قوله تبيع وتشتري الخ . . . أنه تفسير لملك الأمر .

ومنها : معتبر سعدان بن مسلم قال : (1) قال أبو عبد الله علیه السلام لا بأس

ص: 234


1- الوسائل باب9 أبواب عقد النكاح ح4 ، التهذيب ج7 ص381 ح1540.

بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها والرواية حسنة بل معتبرة بمعنى أنها حجة عقلائية فإن إسناد الشيخ الطوسي إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح وهو ثقة وهذا يرويه عن العباس والعباس إذا أطلق يكون المراد منه العباس بن معروف مضافاً إلى قرينة رواية محمد بن علي بن محبوب عنه وروايته عن سعدان بن مسلم وسعدان وإن لم يوثق صريحاً في الرجال لكن روى عنه جمع من أجلّة الرواة وأصحاب الإجماع كصفوان بن يحيى وقد قال عنه الشيخ في العدة إنّه لا يروي إلا عن ثقة وقال الشهيد في الذكرى إنّ الأصحاب أجمعوا على قبول مراسيله وكابن أبي عمير وهذا يكفي في الوثوق بقوله مع عدم الجرح له فالخدشة في الرواية من جهة سعدان لأنه لم يوثق في الرجال لا يعتنى به ولا سيما على مسلكنا من كون خبر الواحد حجة عقلائية لا تعبدية . ثم الإشكال بأن الرواية مرسلة لقول سعدان قال قال أبو عبد الله . . . ليس في محله لأن سعدان من أصحاب الصادق علیه السلام والظاهر أنه روى هذا الخبر عنه مستقيماً ولا واسطة في البين . ودلالة الخبر واضحة بأن قوله لا بأس بتزويج البكر نص في كون الموضوع غير الثيّب وقوله بغير إذن أبيها نص في نفي اعتبار إذن الأب ولا مجال للحمل على غير الأب والجد إذ لفظ ولي غير موجود في الخبر وقوله إذا رضيت نص في أن المدار على رضاها ، فالخبر تام الدلالة على عدم اعتبار إذن الأب ولو بالتشريك . وأما حمل الشيخ للخبر على المتعة أو أن موضوع الخبر من عضلها أبوها فهو بلا شاهد ولم يعوّل الشيخ على هذا الحمل ولذا ذكر في التبيان - وهو آخر ما كتبه على ما قيل - أن الولاية لها .

وأما احتمال الحمل على التقية فهو فرع عدم وجود الجمع الدلالي أولاً وفرع كون الاستقلال بالولاية فتوى العامة مع أن الأمر ليس كذلك فإنهم مختلفون أيضاً وقد حمل جماعة الأخبار الدالة على نفي الولاية عليها

ص: 235

على التقية ومعه لا يمكن حمل الرواية عليها. وكيف كان فقد يقال إنّ أحسن ما في الباب هو هذا الخبر لأبعديته عن الإشكال. وعلى هذا فلو

زوجها أحدهما الأب أو الجد لم يمض عقده إلا برضاها .

وأما القول الثاني : وهو استقلال الولي فقد استدل له بأمور :

منها : أصالة عدم ترتب الأثر على العقد الصادر من البكر فإنه مع صدور العقد منها مستقلة نشك في ترتب أثره خارجاً للشك في استقلالها والأصل عدم ترتب الأثر كما هي الحال في جميع المسببات إذا كان الشك في وجود أسبابها على الوجه المقتضي للتأثير . وهذا الأصل يجري إذا كان الشك في وجود المسبب لأجل الشك في وجود السبب أو لأجل الشك في أن ما وجد سبب أم لا ؟ أي في الشبهة الموضوعية والحكمية معاً.

ولكن الأصل إنما يجري في مورد عدم وجود الدليل المخالف أو الموافق لمفاد الأصل وفي المقام لا بد من الرجوع إلى العمومات الدالة على الجواز أو الدالة على العدم ومع فقدها فإن الإطلاق المقامي يقتضي عدم اعتبار هذا الشرط في العقد لأنه لو كان معتبراً لبيّنه الشارع ولو لم يحصل هذا الإطلاق نرجع إلى أصالة عدم ثبوت ولاية كل أحد على كل أحد .

ومنها : الأخبار وقد أنهاها صاحب المستند إلى عشرين ونحن نذكر أهمها .

فمنها صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله علیه السلام قال سألته عن البكر إذا

ص: 236


1- الوسائل باب3 أبواب عقد النكاح ح11 ، التهذيب ج7 ص381 ح1540، وهنا اشتباه من صاحب الوسائل حيث ذكر سند الحديث 1539 والنص في الحديث 1540 . بينما نص الحديث 1540 هو للسند في الحديث 1539 . وبعبارة أخرى أن هناك اشتباه في سند الحديثين على المنقول في الوسائل . . . راجع التهذيب ج7 ص381 ح1540 ح1539.

بلغت مبلغ النساء لها مع أبيها أمر؟ فقال ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب . ومسند هذا الخبر صحيح وأما دلالته فهي صريحة في المطلب إذ إن الموضوع هو البكر حين البلوغ فلا يمكن حملها على الصغيرة كما تدل في أن الولاية للأب خاصة وقوله ألها مع أبيها أمر ناظر إلى سلطنتها معه وجواب الإمام علیه السلام ينفي سلطنتها مطلقاً فالولاية في نكاحها بتمامها للأب وليس لإذنها اعتبار مطلقاً .

ومنها : موثق البصري (1) قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثيب تخطب إلى نفسها قال نعم هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كانت قد تزوجت زوجاً قبله. وهذه تدل على اشتراط الثيوبة في تولي المرأة تزويج نفسها وملك النفس يحصل بعد الثيوبة، وهذا هو المراد باستقلال الأب لولاية النكاح . ومنها خبر عبيد بن زرارة (2) عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث قال لا تستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها فإذا كانت ثيباً فهي أولى بنفسها .

ومنها : خبر محمد بن مسلم (3) عن أحدهما علیهما السلام قال لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها نسب لها مع الأب أمر وقال يستأمرها كل أحد ما عدا الأب . ولا يمكن حملها على الصغيرة إذ الاستيمار لا يمكن بالنسبة إليها من غير الأب لأنها لا تشرف على تزويج نفسها . فالمراد الكبيرة . نعم هي مطلقة لكنها تحمل على البكر جمعاً موضوعياً والدلالة واضحة.

ص: 237


1- الوسائل باب3 أبواب عقد النكاح ح12 ، التهذيب ج7 ص384 ح1545 وفي سنده القاسم الظاهر في القاسم بن محمد الجوهري بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه وقد ضعَّفه علماء الرجال.
2- الوسائل باب 3 أبواب عقد النكاح ح13 ، التهذيب ج7 ص385 ح1547.
3- الوسائل باب4 أبواب عقد النكاح ح3 والرواية معتبرة وقد عبّر عنها الكافي ج5 ص393 ح2 ، التهذيب ج7 ص380 ح1537.

ومنها : صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر علیه السلام لا ينقض النكاح إلا الأب.

وبمضمونه خبر محمد بن مسلم (2) وقد ورد في موثق (3) الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله في حديث ، إذا أراد أبوها أن يزوجها هو انظر لها بعد قوله لا تستأمر الجارية التي بين أبويها .

وأنت خبير بأنه لا جمع دلالياً بین هذه الأخبار والأخبار التي سبقت في القول الأول لأن صريح بعض هذه أن التي لا تستأمر هي الباكرة البالغة وبقرينة أن حدّ الولاية قد عيّن بالثيوبة يعلم أن الثيبوبة شرط لتولي أمر النكاح بنفسها لا الرشد . ولا يمكن الجمع بحمل هذه على جعل الولاية للأب وحمل تلك على نفي الولاية عن غير الأب والجد، لما في خبر سعدان بن مسلم هناك من كلمة أبيها كما لا يمكن الجمع بينهما بالتشريك بمعنى أن لا يكون لكل منهما ولاية تامة بنفسه لأنه جمع منافٍ لكلتا الطائفتين إذ قد ورد هناك بغير إذن أبيها وفي هذه لا تستأمر أو ليس لها مع أبيها أمر. ومعنى العبارة الأخيرة عرفاً أنه لا دخل للبكر في تزويج نفسها .

ويشكل الجمع الدلالي من حيث الهيئة بحمل الأدلة الدالة على أنه لا ولاية للبكر مع أبيها على الاستحباب - كما قال المفيد في المقنعة - وأنه ينبغي لها أخذ الإذن من أبيها إذ كيف يمكن أن يقال إنّ لسان قوله ليس لها أمر أو لا تستأمر لسان استحباب أخذ الرخصة من الأب تشريفاً له. نعم يمكن أن يقال إنّ ما ورد في موثق الفضل بن عبد الملك في قوله هو أنظر لها وجه جمع بين الطائفتين بأن الأب لو كان أعرف بمصالح البنت يكون اختياره أكمل ونظره أصوب وكان له حينئذٍ أن يزوج ابنته الباكر إلا أن هذا

ص: 238


1- الوسائل باب4 أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص392 ح8.
2- الوسائل باب4 أبواب عقد النكاح ح5 ، التهذيب ج7 ص379 ح1533.
3- الوسائل باب3 أبواب عقد النكاح ح6 ، الكافي ج5 ص394 ح5.

أيضاً مشكل لأن كلمة أنظر إنما ذكرت في الرواية حكمة بجعل الولاية للأب لأن صدر الكلام - لا تستأمر الجارية . . . - وهذه السالبة الكلية لا يمكن حملها - عرفاً - على مورد عدم رشد البكر . فالطائفتان متعارضتان بحسب الصناعة العرفية . وحينئذٍ قد يقال - كما عن صاحب المستند - بأن الوجه هو التخيير بينهما لأن المرجحات متساوية بالنسبة إليهما إذ هما معاً مشهوران. وبعضهم حمل الطائفة الدالة على نفي ولايتها على التقية لأن كثيراً من العامة ذهبوا إلى استقلال الأب والجد ويشهد له ما ورد في بعض نصوص المتعة بعد تجويز المعصوم علیه السلام لتولي البكر عقد المتعة قال علیه السلام ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب - يقصد بهم العامة - فالحمل على التقية لا يخلو من إشكال لاختلاف العامة في هذه الفتوى . فلا مناص من التعارض وبعد السقوط نرجع إلى أصالة عدم ولاية كل أحد على كل أحد . نعم ربما يقال بالرجوع حينئذٍ إلى صحيح زرارة (لا ينقض النكاح إلا الأب).

وتقريب القول بالتعارض والرجوع إلى صحيح زرارة المتقدم ملخصه أن بعض الروايات تنص على استقلال الأب وبعضها تنص على استقلال البكر والجمع بحمل الولي على غير الأب أو بالحمل على الاستحباب لا يمكن . أما الأول فلورود لفظ الأب في بعض الروايات صريحاً وأما الثاني فلصريح لا تستأمر أو ليس لها مع أبيها أمر الناص في استقلاله . وعليه فتتعارض الطائفتان وخبر لا ينقض النكاح ليس لسانه لسان نفي الولاية أو إثباتها للأب بل هو خارج عن دائرة الأخبار المتعارضة ويدل على صحة تزويج البكر نفسها مستقلة لكن يثبت لأبيها حق نقض النكاح.

والجواب أنه لا بد من النظر إلى مجموع الأخبار الواردة في المسألة فإن أمكن الجمع بينها دلالة على وجه كان به وإلا فلابد من إعمال التعارض بينها بأسرها كما هو الشأن لو ورد عام وخاصان فإنه ينظر إليهما بنصر واحد

ص: 239

وفي المقام يقع صحيح زرارة وخبر محمد بن مسلم في صف الطائفة الدالة على سلطنة الأب عليها فإن لسان ليس لها مع أبيها أمر لسان نفي السلطنة عن البكر وإعطائها لأبيها وهذا المعنى بنفسه يستفاد من (لا تتزوج ذوات الأبكار إلا بإذن آبائهن) فإنشاء نكاحها بنفسها لا يؤثر إلا مع اقترانه بإذن الأب ولذا قلنا إنّه يكفي في صحة نكاحها إجازة أبيها وليست البكر في نفسها مسلوبة العبارة فيكون عقدها له صحة تأهلية كالفضولي ونفس هذا المعنى يستفاد من قوله لا ينقض النكاح إلا الأب إذ من له الإبرام له النقض والمراد بالنقض ردّ النكاح . ولو قال شخص بأنه لا يلزم علينا إرجاع كل تعبير إلى الآخر بل كل تعبير يبقى على ظاهره . قلنا لو أبقيناه لا ينقض النكاح إلا الأب على ظاهره لاستلزم ثبوت حق النقض للأب في نكاح البكر والثيب والبالغ الرشيد لأنه مطلق ولم يقل به أحد بينما قد صرح بعض بعدم معرفة مورده وجماعة من الفقهاء والمعتدلين ذكروا الخبرين في باب الولاية على البكر وفي المستند حملهما على الصغيرة والمجنونة . فإن قال عدم ثبوت حق النقض للأب في نكاح الثيب والبالغ الرشيد إنما هو لأجل الإجماع المخصص للرواية وتبقى البكر وهو المطلوب قلنا إنما حمل الكل هذين الخبرين على البكر لفهمهم وحدة لسان لا ينقض النكاح إلا الأب مع لسان ليس لها مع أبيها أمر فلا تتزوج البكر إلا بإذن أبيها ومن المعلوم أن فهم عالم لا يكون حجة في حق غيره . ولو كان فهمهم حجة فقد فهموا من كلمة النقض ما فهموا من سائر الأخبار الدالة على ولاية الأب فكيف نأخذ الموضوع منهم ولا نأخذ المحمول .

ثم إنّه قد يجمع بينها بالقول بالتخيير في مفادها بتقريب أن الأخبار بين مثبت لسلطنة الأب وحده وبين مثبت لسلطنة البنت وحدها فكل طائفة لها عقد إيجاب وهو إثبات السلطنة ولها عقد سلب وهو نفي السلطنة من الطرف الآخر الذي لم يرد ذكره في الرواية صريحاً . والجمع بينهما يكون بأن نقول

ص: 240

بحكومة كل طائفة على ظاهر الأخرى فتكون النتيجة بثبوت السلطنة لكل منهما فلو استقل الأب بالنكاح نفذ ولو استقلت هي به نفذ. بل ربما يقال إنّه يمكن الأخذ حينئذٍ بما دلّ على الاستئذان من الأب أو ما دلّ على الاستئذان من البكر بحمل مثل هذا اللسان على الاستحباب. ثم قد يزاد فيقال لو عقدت البكر على نفسها من دون إذن أبيها يكون عقدها صحيحاً فعلاً لكن يثبت حق النقض لأبيها عملاً بصحيح زرارة. وأنت جدّ خبير بأن مثل هذا الجمع غير ممكن لأن عقد السلب إذا فهم في المقام أمكن الجمع بينهما بالتخيير . وأما إذا كان عقد السلب يفهم من منطوق الخبر بل يفهم عقد الإيجاب من مفهوم المنطوق السلبي فلا يمكن رفع اليد عنه فقوله علیه السلام ليس لها مع أبيها أمر أو لا تستأمر الدال على نفي سلطنة البكر الذي يفهم منه سلطنة الأب لا يمكن جمعه مع مثل ما في صحيح منصور بن حازم تستأمر البكر وغيرها ولا تنكح إلا بأمرها . فلسان السلب من كل طائفة تام المعارضة مع الطائفة الأخرى .

وربما يقال بالتخيّر لأنه علاج الخبرين المتعارضين مع عدم المرجح و لازم ذلك أن للفقيه الأخذ بإحدى الطائفتين بناءً على كون التخيیر في المسألة الأصولية ابتدائياً لكن لا يمكن المصير إليه بعد احتمال الحمل على التقية وعدم إمكان التخيیر الأصولي في المقام لأن الحكم الوضعي غير قابل للتخيير بين النفي والإيجاب .

وقد يجمع بالحمل على التشريك فلا يستقل أحدهما بالنكاح وهذا منافٍ لما يظهر من الطائفتين معاً لأن كل طائفة لها عقد سلب ينص على نفي الأخرى .

وقد يفصل بين الدوام والمنقطع فيقال بثبوت الولاية لها في المتعة دون الدوام أو بالعكس. لكن لم يعرف القائل به ويمكن أن يستدل لكل منهما بما

ص: 241

ورد في أخبار المتعة ففي صحيح الحلبي(1) قال سألته عن التمتع بالبكر إذا كانت بين أبويها - بلا إذن أبويها - قال علیه السلام لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك . فقد يتمسك به القائل بأن الولاية للبكر في المتعة ويفصل بين الدائم والمنقطع ويحمل أدلة نفي السلطنة لها على النكاح الدائم. ولكن القائل بالعكس لو وجد أن يتمسك بصحيح البزنطي (2) عن الرضا علیه السلام قال البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها . يجعل مفهوم هذا الصحيح ثبوت السلطنة لها في النكاح الدائم وبمضمونه موثق أبي مريم (3) عن أبي عبد الله علیه السلام قال العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها فيفهم منه أنه لها أن تزوج نفسها دائماً، وكيف كان لا وجه للتفصيل المذكور ولا بد من حمل الأخبار الواردة في المتعة على التقية أو التساقط أو التعارض ويرجع حينئذٍ إلى الأصل وهو عدم سلطنة كل أحد على كل أحد (4) .

والأجود أن يقال إنّ أخبار ولاية الأب على البكر محمولة على التقية وذلك لأمرين :

1 - إنّها موافقة للعامة والقول إنّهم مختلفون مدفوع بأن أكثرهم يقول بذلك .

2 - دلالة بعض الأخبار (5) الواردة في باب المتعة بأن القول بثبوت ولاية الأب إنما هو قول الأقشاب (من لا خير فيهم) ثم إنّ الكلام السابق كله فيما إذا لم يعضلها الولي وأما إذا عضلها الولي وهو أن لا يزوجها

ص: 242


1- الوسائل باب 11 أبواب المتعة ح8 ، التهذيب ج 7 ص 254 ح1098.
2- الوسائل باب 11 أبواب المتعة ح5 ، قرب الإسناد 159.
3- الوسائل باب 11 أبواب المتعة ح 12 ، التهذيب ج 7 ص 254 ح1099.
4- ومما ذكرنا في هذا الدرس والذي قبله تبين حال بقية الأقوال في المسألة.
5- الوسائل باب 11 أبواب المتعة ح6 ، التهذيب ج 7 ص 254 ح 1097 رجل قِشب : لا خير فيه.

بكفء مع رغبتها فإنه حينئذٍ تسقط ولايته على تقدير القول بثبوتها له ويجوز لها أن تزوّج نفسها ولو كَرِهاً إجماعاً. والظاهر أنه محقق ولم ينقل عن أحد الخلاف وأن الولاية ثابتة حتى في صورة منع الأب ابنته من التزويج بالكفء لكن يشكل على الإجماع مع الاعتراف بأنه محصلٌ بأنه قد ذهب جمع من العلماء إلى عدم ثبوت الولاية للأب عليها مطلقاً فتكون بالنسبة إليهم من باب السالبة بانتفاء الموضوع. لكن يمكن أن يقال إنّ الإجماع من القائلين بالثبوت على السقوط ولعله لا ينافي الإجماع. وقد يستدل مضافاً للإجماع بالآية الناهية عن العضل (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) (1) بتقريب أن الخطاب عام يشمل الأولياء وما إذا كانت المطلقة غیر مدخول بها بناءً على أن الثيوبة لا تثبت إلا بالدخول. لكن هذا الاستدلال ضعيف لأن الآية في مقام بيان أن المطلقة إذا خرجت من العدة زالت سلطنة الزوج السابق عنها ومن البديهي أنها إن لم تكن مدخولاً بها لا تكون ذات عدة فلا معنى لبلوغها الأجل فإن العدة ظرف لجواز رجوع الزوج في كل آن من آناتها لكن هذا في من كانت مدخولاً بها وهذا معنى قوله تعالى : ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) والآية في المقام تشير إلى أن المرأة إذا خرجت من عدتها ليس لزوجها السابق أن يمنعها من التزويج .

وتوهم أن قوله تعالى (أَزْوَاجَهُنَّ) ناظر إلى الأزواج السابقين مدفوع بأن حمل المشتق على من انقضى عنه المبدأ إذا لم يكن بلحاظ حال التلبس مجاز وإن كان حمله بلحاظ حال التلبس فهو حقيقي والفرض أن لفظ (أَزْوَاجَهُنَّ) قابل للحمل على الزوج السابق واللاحق بعد خروجها من العدة وتكون حينئذٍ مخيّرة في تزويج نفسها مَن شاءت. ولو فرضنا أن الآية ناظرة إلى الأزواج السابقين فليس فيها دلالة على سقوط ولاية الأب لأن المدخول

ص: 243


1- سورة البقرة، الآية : 232 .

بها لا يكون مولى عليها بالإجماع والنصوص الكثيرة. فالأحسن أن يقال إنّ الولاية لو قلنا بها تكون امتناناً على البكر الرشيدة فإن جعل الولاية على شخص بحيث يسلبه اختياره لا بدّ من أن لا يكون صدور الحكم من الحكيم جزافاً فضلاً عن كونه ظلماً وجعل الولاية للأب إنما هو لمصلحة المولى عليها وهذه المناسبة بين الموضوع و المحمول تشهد بأن مطلقات الولاية منصبة على صورة عدم منع الولي لها من التزويج مع رغبتها لأن منعه حينئذٍ إضرار لا يرضى به الشارع. مضافاً إلى ما ورد من أن الأب أنظر لها الدال على كون الأب أبصر منها في مصلحتها . وكيف كان فإن مورد روايات جعل الولاية للأب إنما هو إذا لم يعضلها عن التزويج .

نعم إذا منعها من تزويج غير الكفء الشرعي أو العرفي كان له ذلك لكن فساد النكاح حينئذٍ إنما هو يفقد شرطه وهو التزويج بالكفء. نعم لو اختارت كفئاً ومنعها الأب وأراد أن يزوجها من كفء آخر ففي سقوط ولايته عنها لصدق العضل إذ إنّه يمنعها من التزويج بالكفء وعدم السقوط لأنه لم يمنعها من التزويج بالكفء مطلقاً بل من كفء خاص مع وجود غيره فلا يصدق العضل . وجهان وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى ثبوت الولاية له عليها في هذه الصورة إلا أنه لا سبيل إلى القول بثبوت الولاية له عليها حينئذٍ وإن قلنا بعموم الولاية له لأن منعها من التزويج بمن تختاره إيذاءً وإضراراً بها فليس للولي أن يمنعها من الوصول إلى رغباتها الخاصة إذا لم تكن محرّمة وكانت على وفق الموازين الشرعية. وبعبارة أخرى أنه لا امتنان حينئذٍ في هذه المضايقة على البالغة الرشيدة .

ولا خلاف في أنه لا ولاية لهما أي الأب والجد ولغيرهما على الثيب ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة لكن الكلام وقع في معنى الثيب والمقصود بها فهل المراد منها مَن زالت بكارتها مطلقاً أو من زالت بكارتها

ص: 244

بوطي وإن كان بشبهة أو زنا دون الوثبة ونحوها أو من زالت بكارتها بنكاح شرعي فتخرج المزني بها أو نكحت رجلاً وإن لم يُدْخل بها . ولعل منشأ الخلاف اختلافهم في فهم الأخبار وهل هي ناظرة إلى تحديد الموضوع أم لا؟ بيان ذلك أنه لا ريب عندنا في عدم ثبوت الحقيقة الشرعية كما لا ريب في أن للشارع أن يستعمل فظاً في غير معناه مجازاً مع القرينة الدالة على ذلك كما هو الشأن في كل لغة كما لا ريب في أن للشارع التصرف في الموضوع تقييداً وتخصيصاً وحينئذٍ نقول إنّه لا تصرف للشارع في معنى البكر والثيب فاللازم الأخذ بالمعنى الذي يكونان ظاهرين فيه لغةً نعم قد جاء في بعض النصوص الواردة في مقام بيان أن الثيب لا ولاية لأحد عليها التعبير بنكحت رجلاً أو تزوجت الخ ... فربما يتوهم أن هذه العبارة لها حكومة تفسيرية بالنسبة لكلمة ثيب بمعنى أن الشارع أراد من الثيب من زوجت نفسها بهذه القرينة . وإن لم يدخل بها وحينئذٍ تستلزم هذه الحكومة توسعة معنى الثيب ليشمل من زوجت نفسها ولم يدخل بها وهكذا تكون قد جعلت اللفظ معناه الشرعي أوسع من معناه العرفي كما تستلزم هذه الحكومة تضيق معنى الثيب بحيث لا يشمل من زالت بكارتها بغير نكاح شرعي كالوطي زنا أو كعارض مع أن العرف يحكم بأن من أدخل بها زنا يصدق عليها ثيب هذا كله بناءً على النكاح بنفسه أما لو قلنا إنّ قوله نكحت رجلاً إنما هو تصرف شرعي على نحو التقييد بمعنى أن الشارع أضاف إلى الثيوبة بمعناها اللغوي قيداً آخر واعتبر المجموع موضوعاً لحكمه برفع الولاية عن المرأة فالثيب عند الشارع حينئذٍ هي من دخل بها بنكاح شرعي ورجّح الأول في العروة حيث قال فإذا تزوجت ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها لا يلحقها حكم البكر وذهب إلى الثاني بعضهم بتقريب أنه لو أخذنا بإطلاق البكر والثيب لزم القول إنّ من زالت بكارتها بغير الوطي من عارض ثيب مع أن الفقهاء لا يلتزمون بذلك . إذن فلا بد من الأخذ بقيد التزويج حسب ما

ص: 245

ورد في الرواية وإن كان لازمه خروج من زالت بكارتها بالوطي بالزنا أو الشبهة فالزانيةُ بكرْ والولاية عليها ثابتة لأبيها . لكنك خبير بأن تلك العبارة إذا كانت في مقام التفسير وكان التفسير ينطبق على المفهوم العرفي لم يكن بد من الأخذ بمفهوم الثيب عرفاً إذ كون الشارع في مقام البيان وإن كان يقتضي حمل ما ورد عنه على التشريع إلا أنه لو كان في البين قرينة دالة على أنه ليس في مقام التشريع بل في مقام الإرشاد إلى حكم عقلي أو بيان طريقٍ عرفي أو شرح موضوع لغوي لم يكن لنا أن نقول إنّه في مقام التشريع لاقتضاء الأصل المقامي ذلك لوجود القرينة . فإذا قال في مورد بيان الثيب بأن الثيب من نكحت وتزوجت ورأينا بأن الثيوبة بحسب المفهوم العرفي إنما تحصل خارجاً في أكثر أفرادها بالتزويج علمنا أنه ناظر إلى بيان أن الثيب من زالت بكارتها بالدخول بها. وعليه فلم يظهر من الروايات التصرف الشرعي لا بالحكومة ولا بالتقييد فالأحسن حينئذٍ الرجوع إلى اللغة وإن لم نحصل على المطلوب نرجع إلى العرف العام فنقول إن اللغويين اختلفوا في معنى هذه الكلمة ونقل الجوهري عن ابن السكيت ولسان العرب عن الأصمعي بأن الثيب من النساء من دُخِل بها ومن الرجال من دَخل بامرأة . ويوافق هذا ما يتبادر عرفاً من اللفظ فزوال البكارة بسبب غير عادي لا يدرج الفتاة تحت عنوان ثيب عرفاً والظاهر من اللغة أن أول ما استعملت اللفظة في من دخل بها بنحو الكناية ثم صارت حقيقة كسائر الحقائق اللغوية فإن لفظ الثيّب مأخوذ من الثوب وكأنما المرأة لما غشيها الرجل واقترن بها واقترنت به فكأنها تثيبت أي جعلت لنفسها ثوباً والرجل تثيب أي جعل لنفسه ثوباً وشهِد لهذا أن اللفظة مشتركة بين الرجل والمرأة . والأجود ما ذهب إليه صاحب الجواهر حيث فصل بين ما إذا زالت البكارة بعارض كالوثبة نحكم عليها بأنها بكر وما إذا زالت بالوطي وإن كان زنا فيحكم عليها بأنها ثيب. فلا ولاية لهما عليها مع البلوغ والرشد وأما لو بلغت غير

ص: 246

رشيدة بأن كانت مجنونة أو سفيهة أو بلغت رشيدة سفيهة ثم عرضها الجنون فهل الولاية للأب والجد أم للحاكم أم يفصل بين السفه والجنون المتجددين بعد البلوغ فللحاكم الولاية وبين السفه والجنون المتصلين بالبلوغ فالولاية للأب والجد . يظهر من الفقهاء أن ولايتهما مستمرة في الجنون المتصل بالبلوغ ففي الجواهر بلا خلاف في المسالك موضع وفاق مع أنه بنفسه ذكر في كتاب الحجر أن الأكثر على ثبوت الولاية للحاكم على من بلغ سفيهاً وإن كان أبواه من الأحياء . وهذا في أموال الصبي مع أن الآية الشريفة (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (1) فإنه حدّد دفع الأموال بإيناس الرشد منهم وعلى كل حال فالإجماع إذاً مستند إلى دليل ولم يكن بنفسه دليلاً . والظاهر أن الفقهاء ذهبوا إلى ثبوت الولاية على البالغة السفيهة المجنونة تمسكاً بالاستصحاب . وقد يستدل بآية دفع أموال اليتامى إليهم فإنه لا يجوز إلا مع إيناس الرشد ولم نقل بأن الأمر في النكاح أشد فلا أقل من التساوي وبعبارة أخرى يفهم من فحوى الآية استمرار الولاية على المجنون السفيه بعد البلوغ لكن هذا الاستدلال قياس إذ لما لا يجوز أن تكون الولاية لغير الأب والجد من عدول المؤمنين أو الحاكم . وقد يستدل بالاستصحاب بتقريب أن قبل البلوغ كانت تحت ولايتهما فإذا بلغت سفيهة أو مجنونة شك في ارتفاع الولاية حينئذٍ عنها فالاستصحاب يقتضي عدمه وقد يشكل بأنه يشترط فيه وحدة الموضوع ويجاب بأن الموضوع واحد عرفاً. لكنه فاسد لأنه يشترط فيه أن لا يكون الشك في المقتضي وفي المقام الشك في المقتضي لأن الشك إنما هو كون الولاية ذات اقتضاء بالنسبة إليها بعد البلوغ والثيوبة أم لا؟ وإن كان مع الجنون والسفه .

وإذا بلغ الصبي عاقلاً ثم جُنَّ أو تزوجت المرأة وتثيبت ثم جنّت فبناءً

ص: 247


1- سورة النساء، الآية : 6.

على القول بثبوت الولاية للأب والجد في الجنون المتصل فهل تعود ولايتهما في المقام أم لا؟ قال في كشف اللثام هو الأقرب وقد سبقه إلى ذلك العلامة في التذكرة والتحرير وقد يقال إنّه لا عود حقيقة لأن ولايتهما ذاتية منوطة بإشفاقهما وتضررهما بتضرر الولد ومرجع هذا الاستدلال إلى أن ملاك ولايتهما على الولد إنما هو الشفقة الجبليّة وهي موجودة دائماً إلا أنها لا تقتضي سلب الاختيار عن الولد مطلقاً لأن ذلك مخالف للامتنان في حق الولد بل هي تقتضي الولاية لهما عليه في حال احتياجه إلى مشرف فالولاية المتجددة لهما على المجنون بالجنون الحادث إنما هي استمرار وامتداد للولاية وقد ناقش صاحب الجواهر أدلة القوم قائلاً إن كون الولاية ذاتية لا تستلزم تجددها والتحقيق أن القول باستناد الولاية من الشارع على الصبي والصبية والبالغ البكر على تقديره إلى الشفقة الذاتية التي للوالد لا يوجب المصير إلى القول إنّ الشارع أعطاهما الولاية على المجنون أيضاً بالجنون الطارئ لأن العقل وإن كان دليلاً شرعياً لا يمكنه الاطلاع على المناطات الواقعية التي للأحكام الشرعية نعم إنما يكون دليلاً في المستقلات العقلية التي لا يختلف فيها عاقلان كحسن العدل وقبح الظلم وأما مجرد إدراك ملاكٍ مع عدم الإحاطة بالموانع والشرائط وكونه علة تامة أو جزء علة لا يكفي في الكشف عن الحكم الشرعي وما هذا إلا استحسان وأيضاً لنا القول إنّ شفقة الأم أكثر وأقوى من شفقة الأب والجد علماً أنها لا ولاية لها ومن هنا نعلم أن الشفقة بما هي ليست ملاكاً للحكم بالولاية أو لجعلها .

فإن قلت : إن الأم امرأة وهي ناقصة العقل ولذا لم يعطها الشارع الولاية .

قلت : إن الإحاطة بجميع الجهات الدخيلة في الحكم لا تمكن بعقولنا الضعيفة. ومن العجيب أن صاحب الجواهر بعد تزييفه لهذا القول قال بعد

ص: 248

ذلك والإنصاف قوة كون الولاية لهما في المتجدد معللاً بالشفقة وقد عرفت أن هذا لا يكفي في الجزم بالحكم الشرعي نعم القول بثبوت الولاية عليه للحاكم أيضاً يحتاج إلى دليل وسيأتي في محله إن شاء الله تعالى. ثم إنه لو كان الأب غائباً ولا يمكن الاستئذان منه تسقط ولايته عن البكر - بناءً على ثبوتها له عليها - مع حاجتها إلى التزويج قال في الخلاف وإن غابا جميعاً كان لها أن تعقد على نفسها وأن توكل من شاءت من باقي الأولياء - أي العرفين لا الشرعيين فإن هؤلاء ذوو سلطنة لا ذوو وكالة وهذا حكم إجماعي عند العلماء أما الذين لم يقولوا بثبوت الولاية فمن حيث إنّه لا فرق بين حضور الأب والجد وغيبتهما . وأما الذين قالوا بثبوتها لهما عليها فلأن الصبر ضرر عليها منفي بل الأخبار الدالة على ثبوت الولاية منصرفة عن مورد غيبتهما . ثم إنه هل يشترط في تزويج من له ولاية عليها وجود المصلحة أم يكفي عدم المفسدة قال في الشرايع بأنه يشترط في صحة تزويج الولي عدم المفسدة على ما يظهر من اتفاقهم وهذا هو المشهور بينهم وقال في العروة الأحوط مراعاة المصلحة بل يشكل الصحة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح بحسب الشرف فاختار الولي غير الأصلح لتشهي نفسه ووجه الإشكال أنّ الولاية مجعولة له لرعاية المولى عليه في نفسه وشؤونه لئلا يكون مهملاً مضطهداً في المجتمع وشرطها حفظ المولى عليه ومعنى هذا لزوم مراعاة مصلحته وإلا لم يكن فيها فائدة بل لم يكن في جعلها حينئذٍ ملاكٌ حسنٌ . وقد يقال إنّ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (1) ناظر إلى لزوم رعاية الأصلح وتحرّي الأحسن مهما أمكن ولذا لو أراد أن يبيع مالاً للمولى عليه وكان في بعض البلدان ثمنه أكثر وجب حمله إليه إلا مع المشقة والحرج. لكن الظاهر من الأخبار أن

ص: 249


1- سورة الأنعام، الآية : 152.

الولاية في موارد ثبوتها إنما هي بملاك عدم ضياع المولى عليه في المجتمع ليكون كأحد أفراد النوع الإنساني كما ورد في كلام علي علیه السلام (وألا يضيعوا بحضرتكم) (1) في وصية لولديه الحسن والحسين علیهما السلام ويظهر منه أن الشارع أراد أن يكون المولى عليه كسائر أفراد المجتمع الإسلامي ومن البديهي أن الفرد تكون تصرفاته نافذة في المجتمع وإن لم تكن فيها مصلحة دائماً إذ العقلاء يكتفون في معاملاتهم بأن لا يكون فيها مفسدة فقوله تعالى ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحْ) (2) إشارة إلى لزوم اجتناب الإفساد كما أن استدلال المعصوم علیه السلام بقوله تعالى (إنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (3) على نفوذ بعض تصرفات الأولياء إشارة إلى أن اللازم على الولي عدم كونه مفسداً ومضراً بحال أو مال المولى عليه وبعبارة أخرى ملاك جعل الولاية لا يقتضي أزيد من عدم نفوذ التصرفات المفسدة وأما اشتراط المصلحة فالحق أنه لا يشترط وإن كانت الإطلاقات المقامية تنفيه أيضاً فتزويج الولي للصبي والصبية والبالغة البكر لا يشترط في صحته وجود المصلحة نعم في صورة كونه مضراً لها لا يكون نافذاً. ويتضح مما ذكرنا أنه لا ولاية لهما أي للأب والجد على البالغ الرشيد ويثبت ولايتهما على الجميع مع الجنون .

ولو زوج الولي من كانت له ولاية عليه بالجنون فلا خيار لأحدهم سواء كان ذكراً أم أنثى بكراً أم ثيباً مع الافاقة قالوا إجماعاً لكنه مدركي لاستناده إلى استصحاب العلاقة الزوجية ويسمى عندهم بإصالة اللزوم الجارية في كل عقد كان الشك في زواله بالفسخ من دون دليل على ثبوت الخيار. وللمولى أن يزوج مملوكته سواء صغيرة كانت لم تبلغ أو كبيرة بكراً أو ثيباً عاقلة كانت أو مجنونة وزاد في الجواهر راغبة أو كارهة ولا خيار لها معه بلا

ص: 250


1- نهج البلاغة، الكتاب 47.
2- سورة البقرة، الآية: 220 .
3- سورة القصص، الآية : 77 .

خلاف عند الفقهاء ولا إشكال بل في الجواهر الإجماع بقسميه منقولاً ومحصلاً وإن كان غير حجة لوجود أدلة أخرى في البين يمكن الاعتماد عليها في هذا الحكم . وقد استدل بقوله صلی الله علیه و آله و سلم الناس مسلطون على أموالهم فإن الملكية تستلزم السلطنة الوضعية بمعنى أن للمالك أن يتصرف في ماله كيف شاء من بيع أو هبة أو وقف إلخ والأمة مملوكة فللسيد تزويجها لأنها مال له مسلّط عليها لكن يمكن الإشكال فيه بأنه لم يظهر في العرف بأن التزويج من التصرفات المالية بل هو تصرف في شخص الأمة فالأجود الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيْمَى مِنكُمْ وَالصَّلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) (1) بدعوى أن الظاهر من الأمر بالنكاح هو إعطاء السلطنة فيكون الخطاب للأولياء خرج منه الأيامى وبقي غيره تحت الإطلاق وهذا أيضاً قابل للنقاش لأنه لم يظهر من الآية أنها بصدد إعطاء الولاية فإن الأمر يستعمل في الحكم التكليفي والوضعي والإرشادي وغير ذلك ولا قرينة في البين تعين أنه للإرشاد إلى إعطاء السلطنة. نعم يمكن الاستدلال بقوله تعالى: ﴿عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) (2) ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَهُ) (3) ، بعد أن نفهم من لفظ عبد الجنس الشامل للأمة ما ورد من الروايات في الاستدلال بالآية بالنسبة إلى الوضعيات فإن المعصوم علیه السلام طبق عدم القدرة على عدم نفوذ تصرفاته الوضعية ويدل عليه أيضاً قوله تعالى : ﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (4) فإنه تعالى أمر بنكاح الإماء مقرون بإذن أهلها مضافاً إلى ما ورد في النصوص المستفيضة (5) من أن نكاح الأمة أو تزويجها متعة بغير إذن سيدها زنا . وكذا الحكم في العبد ويدل عليه مع ما تقدم من قوله تعالى (لَّا

ص: 251


1- سورة النور، الآية 32.
2- سورة النّحل، الآية: 75.
3- سورة النّحل، الآية: 76.
4- سورة النساء، الآية: 25.
5- الوسائل باب 29 أبواب نكاح العبيد والإماء.

يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) (1) بعد حمل كلمة عبد على الجنس ما ورد في صحيح زرارة (2) قال سألته علیه السلام عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال ذاك إلى سيده إن شاء أجاز وإن شاء فرق بينهما وهذه واضحة الدلالة على أن الأمر بيد المولى نعم طلاق العبد بيده لما دل على أن ذلك له ولا منافاة بين هذا وما دل على أن العبد ليس له سلطنة على تصرفاته إذ ما من عام إلا وقد خص. وليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ وفي الجواهر ذكراً كان أو أنثى وفي الروض على المشهور ويكفي دليلاً على هذا القول عدم وجود دليل على ولاية الحاكم بالنسبة إلى تزويج من لم يبلغ ولذا تمسكوا بأصالة عدم ولايته . واستدلوا أيضاً بأنه لا حاجة للصبي والصبية إلى النكاح قبل البلوغ حيث لا رغبة لهما في الوطي لكنه يُشكل بأن الحاجة غير منحصرة في الوطي إذ مصلحة النكاح لا تنحصر فيه مع أن الأب والجد يوقعان العقد على الصغيرين ولعل نظر القائل بذلك إلى أن نكاحهما لا يكون من الأمور الحسبية التي يتولاها الحاكم وهي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها ونعلم بأنه يريد وجودها لحفظ مال اليتيم والغائب وإنقاذ الغريق. . .

ولكن الإنصاف أن الموارد مختلفة إذ ربما يكون في نكاحهما مصلحة يحب الشارع تحققها لهما في الخارج وهي مترتبة على نكاحها . وعلى أي حال فالعمدة إقامة الدليل على ولاية الحاكم بالنسبة إلى الأمور الحسبية أو بالنسبة إلى مقامنا فقط فنقول قد استدلوا على إثبات عموم ولاية الحاكم بأمور :

الأول : النبوي المشهور (3) (السلطان ولي من لا ولي له) بدعوى أن

ص: 252


1- سورة النحل، الآية : 75.
2- الوسائل باب24 أبواب نكاح العبيد والإماء ح1 ، الكافي ج5 ص478 ح3، التهذيب ج7 ص351 ح1432.
3- مسند أحمد 1 - 6/250 - 260 سنن أبي داود ج2 ص229 ح2083، سنن الدارمي ج3 ص137 ابن ماجة ج1 ص 605 ح 1879 - 1880 .

كل مورد يحتاج إلى ولي ترجع ولايته إلى السلطان إن لم يكن له وليّ غيره والمراد بالسلطان الحاكم الشرعي وفيه :

أولاً : ضعف السند ولم يعلم انجباره بعمل القدماء به.

وثانياً : إنّ دلالته على كون الولاية العامة للفقيه مشروطة بالعلم بأن الحاكم الشرعي هو السلطان فإن السلطنة أمر جعلي لم يعلم جعلها من قبل الشارع للفقيه .

الثاني: رواية أبي خديجة (1) وفيها «فإني قد جعلته قاضياً» وتقريب الاستدلال بها أن القاضي له مناصب كتولي أموال القاصرين والحكم بثبوت الهلال الخ . . . والإمام لما جعل الفقيه قاضياً فقد أعطاه تلك المناصب وفيه:

أولاً : ضعف السند وإن كانت مشهورة والجبر السندي يكون لخبر انفرد بالمضمون وعلم استناد القدماء إليه والأمران غير معلومين .

وثانياً : إنّ دلالتها مبنية على أن إعطاء شخص منصباً من شخص ذي منصبين يلزمه إعطاء منصبه الآخر له أو على أن إعطاء منصب لشخص يدل على إعطائه كل ما للمعطي من مناصب . وقد وقع للقوم مثل هذا الاستدلال في قوله علیه السلام (2) «فإنهم حجتي علیکم» فإن المعصومين حجج الله ولهم الولاية العامة فإذا جعلوا شخصاً حجة معناه ثبوت الولاية له كما كانت ثابتة لهم . لكن ذكرنا أنّ إعطاء المعصومين منصب الحجية لا يستلزم إعطائهم

ص: 253


1- الكافي ج7 ص412 ح4 ، الفقيه ج3 ص2 ح1 ، والرواية من المعتبر فالمناقشة في سندها ليست في محلها . لا سيما على مبناه من توثيق معلى بن محمد.
2- الوسائل باب11 أبواب صفات القاضي ح9 ، كمال الدين ص440 التوقيعات توقيع 4 وفيه - وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. وفي سندها محمد بن محمد بن عصام ولم يوثق.

سائر المناصب . وبعبارة أخرى فإنّ المعصوم حجة وولي فإذا جعل شخصاً حجة فليس معناه أنه جعله ولياً أيضاً وهكذا نقول في المقام فإن الشارع أعطى منصب القضاء للفقيه (وهو فصل الخصومات) وأما أنه أعطاه سائر المناصب التي يجعلها أبناء العامة لقضاتهم فهو أول الكلام لأن الملازمة بين إعطاء شيء وآخر غير ثابتة لا عرفاً ولا عقلاً وادعاء اللزوم الشرعي ممنوع .

الثالث ما في صحيح (1) عبد الله بن سنان من أن الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها . بدعوى أن إطلاق لفظ ولي أمرها يشمل الفقيه وأنت خبير بان هذا من قبيل الاستدلال بالشيء للشيء فإن كون الفقيه ولي أمر النكاح بالنسبة لغير البالغ أول الكلام فكيف نقول إنّه يستفاد ولايته عليهما من قوله الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها .

وقد يقال إنّ ولاية الفقيه لا تحتاج إلى دليل سمعي لاستقلال العقل بلزوم وجود رئيس مطاع في كل قوم لحفظ النظام ويؤيده ما ورد مرسلاً في الفقه الرضوي من أنه لا بد لكل قوم من رئيس، إذ لولاه لحصل الاختلاف وانتشرت الفوضى . وذكر بعضهم أن ولاية الفقيه يستدل بها لا عليها . لكنه لا يخلو من إشكال إذ الأحكام العقلية التي يستكشف منها حكم الشارع مخصوصة بالتي لا يختلف فيها إثنان من العقلاء - أي ما تطابقت آراء العقلاء كافة عليه - كحسن العدل. . . . ثم إنّه لو رجع هذا الدليل إلى لزوم جعل الله حاكماً بين أن الناس لقاعدة اللطف التي يستدل بها لإثبات النبوة رجع إلى لزوم جعل الخليفة في الأرض وقد جعل الله تعالى ذلك حيث لم یمنع هذا الفيض عنهم ويتمثل في إمام العصر حالياً لكن الناس هم السبب في رفع اللطف عنهم . فهو يدل حينئذٍ على لزوم نصب إمام وقد نصب

ص: 254


1- الوسائل باب8 أبواب عقد النكاح ح2 التهذيب ج7 ص392 ح1570.

سبحانه وتعالى إماماً وإن لم يُرجع إليه وكان المراد منه إثبات جعل الولاية من الله بعد الغيبة للفقيه فننكر هذا المعنى إذ لا بدّ من عدم استناد منع الفيض إلى الباري عزّ وجلّ . ثم إنّ الفاضل الأصفهاني ذكر في كشف اللثام أن الفرق بين ولاية الحاكم وولاية الأب والجد إن كان مستنداً إلى الإجماع فهو وإلا أشكل ذلك. لكن نقول له إنّ الفارق هو الدليل حيث دلّ على أن للأب والجد ولاية إنكاح الصغيرين ولم يدل مثل هذا الدليل على ثبوت الولاية للحاكم الشرعي. نعم إنكار كون إنكاح الصبي من الأمور الحسبية ليس بصحيح إذ ربما يكون فيه بالنسبة إليهما مصلحة لا يرضى الشارع بتركها بل قد يكون النكاح حافظاً لليتيم واليتيمة عن ضياع مالهما أو عرضهما أو غيره .

وربما يستدل بمفهوم صحيحة الحذاء (1)وصحيحة محمد بن مسلم(2) على عدم ولاية الحاكم إذ فيهما أن التوارث بين الصبي والصبية يثبت إذا كان اللذان زوجاهما هما الأب أو الجد ومفهومه أنه إذا زوجهما غير الأب والجد لا يثبت التوارث بينهما وهذا بإطلاقه شامل للحاكم وقد استدلوا بهما على نفي ولاية الوصي أيضاً كما سيأتي . لكن يمكن القول إنّ الصحيحتين مسوقتان لبيان تحقق الموضوع وأنّ النكاح إذا حصل من الولي يكون نافذاً وموضوعاً للتوارث عند الموت وليستا بصدد بيان حصر الولاية بهما . وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تجشم إلا أن للنافي أن يتمسك بأصل العدم. إذ لا يحتاج إلى أزيد من عدم ثبوت الدليل على ولاية الحاكم لتزويج الصغيرين وليس عليه إقامة الدليل على عدم الولاية.

نعم لا شك في أن الحاكم أولى من سائر الأفراد من عدول المؤمنين

ص: 255


1- الوسائل باب11 أبواب ميراث الأزواج ح1 ، التهذيب ج7 ص388 ح1555، الكافي ص131 ح1.
2- الوسائل باب12 أبواب عقد النكاح ح1 ، التهذيب ج7 ص388 ح1556.

في تولي الأمور الحسبية لأنه أعلم بالأحكام وأبصر بمواقع الأحداث إلا أن الأبصرية قابلة للنقاش إذ لا مانع من أن يكون بعض المؤمنين أبصر بالأحداث من الحاكم بحكم خبرته الاجتماعية . ولذا لم يشر في النصوص إلى لزوم قيام القاضي أو الحاكم الشرعي بالتصرفات المالية في أموال اليتامى الذين مات عنهم الأب لا عن وصية ونرى الإمام تارة يعبر بعدل وأخرى بثقة ويكتفي بذلك.

ومع ذلك لا بد من أن لا يترك الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم الشرعي ولو بالاستئذان منه ولو على نحو الإطلاق والعموم كما هو الدأب في زماننا من الأخذ بإذن الحاكم الشرعي المتصدي للأمور الحسبية . واتضح ممّا تقدم أنه لا ولاية للحاكم على بائع رشيد بطريق أولى ولعدم الموجب لثبوت الولاية ويثبت ولايته على من بلغ غير رشيد كما تقدم باعتبار أنه من الأمور الحسبية أو من يحدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحاً له .

واختلف العلماء قديماً وحديثاً في أنه للوصي إنكاح الصبي والصبية لو أوصى له الولي بذلك أم لا على أقوال فقال المحقق لا ولاية للوصي في ذلك وإن نصّ له الموصي على النكاح على الأظهر وفي الجواهر الأظهر الأشهر وفي المسالك بل المشهور وقريب من عبارة الشرايع عبارة القواعد هذا وقد تسالموا على أن للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح . وذهب جماعة إلى ثبوت الولاية للوصي في إنكاح الصبي والصبية منهم الشيخ الطوسي في المبسوط ومنشأ الاختلاف الاختلاف في إمكان نقل ولاية الأب المجعولة له من الشارع فهل الولاية على النكاح كالولاية على باقي التصرفات المالية أم هي كحق الحضانة بناءً على عدم قابليته للإيصاء . والمعروف أن الميت تنقطع علاقاته الإضافية الاعتبارية كالمناصب والملكية نعم تعتبر ذمته بالنسبة إلى واجباته البدنية وأما الديون المتعلقة بالذمة تحل كلّها في تركته نعم إذا أدى الدليل إلى

ص: 256

اعتبار الشارع له الملكية ولو بنحو الاستطراق لا بأس بذلك كما إذا قطع بعض أعضائه بعد موته تكون الدية للورثة لكن بما أن الإرث يتلقاه الوارث من المورث ينكشف به أن الديّة كانت داخلة في ملك الميت آناً حتى صح انتقالها إليهم . لكن لما لم يثبت هذا بالدليل الناص على ذلك كان للمناقشة فيه مجال إذ لما لا يجوز أن يملك الورثة الدية بتعبد خاص من الشارع. فأموال الميت تنتقل إلى الورثة بالموت لكن الشارع امتناناً عليه جعل له السلطنة على الثلث وعلى الكل إن أجاز الوارث. وكما يصح للموصي أن يوصي بالمال وصية تمليكية يصح أن يعهد إلى شخص ما بالتصرف بأمواله في الموارد التي يعينها له. وهذان الأمران ثابتان في الشريعة . وكذا لا إشكال في جواز أن يوصي شخص إلى آخر بأن يكون قيّماً على أولاده ويدبر أمورهم وتصرفاتهم. لكن الكلام وقع في أن الولاية على الإنكاح هل هي قابلة للنقل أي إنّ الشخص ذا السلطنة على تزويج ولده هل يمكنه أن يجعل هذه السلطنة لشخص آخر بعد موته أم لا؟ ومن المعلوم أنه لو لم يكن هناك إطلاق يشمل الولاية المذكورة كان مقتضى الأصل عدم قابليتها لذلك لأنك عرفت أن الأمور الاعتبارية الثابتة للشخص تزول بموته فجواز نصب شخص قائم مقامه في تلك الأمور أو بعضها بجعلٍ منه في حياته جوازاً وضعياً لا بدّ له من دليل ولذا نرى أن عمدة أدلة النافين هو الأصل - أصالة عدم انتقال الولاية القهرية بالنحو المذكور - وإذا لم تكن وصية في البين بطريق أولى .

وذكر في الجواهر أنّ الولاية لحق الحضانة غير قابلة للنقل . ثم إنّ المنكرين استدلوا بأمور:

1 - الأصل المقتضي لفساد مثل هذه الوصية وعدم ترتب الأثر عليها .

2 - مفهوم صحيحتي محمد بن مسلم والحذاء فإن تفصيل الإمام فيهما يدل بالمفهوم على عدم ثبوت التوارث بينهما إذا صدر تزويجهما عن غير

ص: 257

الأب كالحاكم والوصي ولذا يكون تزويجهما من غيره منوطاً باختيارهما بعد البلوغ .

وقال الأنصاري (ره) أن هذا ليس أخذاً من المفهوم بل المنطوق دال على ذلك لكنه لا يزيد على المفهوم لأن المراد منه هو عقد السلب للقضية إذا كانت مسوقة لبيان القاعدة الكلية. نعم إذا ثبت بالدليل أن الولاية على النكاح بالوصية ثابتة للموصى له كان ذلك الدليل حاكماً على إطلاق مفهوم الصحيحتين حكومة تعميمية بمعنى توسعة ولاية الأب تشمل صورة ما بعد الموت ويكون الوصي وجوداً تسبيبياً للأب بعد موته والسبب هو الوصية إليه بالإنكاح .

3 - صحيحة (1) محمد بن إسماعيل بن بزيع وفيها أنه لو زوج الوصي بنت الموصي لابنه ثم مات أبو المزوج وأنكر أخوه هذا التزويج فزوجها لابنه وكان للميت أخوان فأدركت البنت واختارت الثاني . . . . ورد فيها بأن الزوج هو الأخير وعلل ذلك بأن ليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها . والظاهر منه عدم ولاية الوصي على الإنكاح وأن النكاحين كانا فضوليين وللأصيل أن يجيز أياً من العقدين وقد أجازت الثاني في المقام .

واستدل القائلون بالصحة بأمور :

1 - قوله تعالى: ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَمَى قُلْ إِصْلَاحُ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ

ص: 258


1- الوسائل باب8 أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص397 ح3 ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وابنة والبنت صغيرة فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ثم مات أبو الابن الزوج فلما أن مات قال الآخر أخي لم يزوج ابنه فزوج الجارية من ابنه، فقيل للجارية أي الزوجين أحب إليك الأول أو الآخر؟ قالت الآخر ثم إنّ الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج فقال للجارية اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأول أو الزوج الآخر، فقال الرواية فيها أنها للزوج الأخير وذلك أنها قد أدركت حين زوجها وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها.

فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ (1) وتقريب الاستدلال بها أنه تعالى حثّ على إصلاح حال اليتيم مطلقاً والعرف والعقلاء يرون إذا كان في إنكاح الصبي والصبية مصلحة لهم أنّ التصدي لذلك يكون إصلاحاً. وبذلك يرتفع الإشكال بأن الصبي لا يحتاج إلى النكاح فلا يكون فيه مصلحة له إذ قد عرفت أن مصلحة النكاح ليست منحصرة بالوطي وهو لا يحتاج إليه الصبي بل النكاح فيه مصالح أخرى مهمة . وأشكل بأن الآية بصدد بيان الترغيب إلى الإصلاح وفي المقام الشك واقع في القدرة على الإصلاح ويدفع بأن من سأل عن اليتامى إنما سأل عن التصرف بأموالهم وبأشخاصهم إذ إنّ السؤال عام والله سبحانه بيَّن الحكم ببيان علته فقال إنّ إصلاحهم خير وهذا كافٍ في فهم الوظيفة . نعم إطلاقها يشمل جميع المؤمنين فلا دلالة في الآية على حصر الولاية بأشخاص خاصين كالوصي والحاكم بعد موت الأب . فالآية بإطلاقها مجوزة لذلك لكن لا بد من وجود المصلحة في الزواج وعدم المفسدة. وملخص القول إنّ الله لا يرضى بضياع اليتيم في المجتمع. نعم إذا كان الزواج لاغياً لم يكن صحيحاً والفرق بين اعتبار الغبطة واعتبار عدم اللغوية واضح وإن قلَّ وجوداً في الخارج. فالآية تامة الدلالة على رجحان تصدي المؤمنين لأمور اليتم ومنها التزويج إلا أن اختصاص هذا التصرف بالوصي يحتاج إلى دليل آخر .

2 - قوله تعالى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) (2) دلّت على لزوم اتباع الوصية وعدم مخالفتها فيشمل إطلاقها ما إذا كان الإيصاء بالإنكاح . واستشكل بأن الآية بصدد بيان حرمة تبديل الإيصاء بالوالدين والأقربين وإذا كان الإيصاء بالمال وقد فسرت كلمة خير بالمال ومعنى الآية حينئذٍ أنه لو ترك شخص مالاً وأوصى بشيء لوالديه أو الأقربين

ص: 259


1- سورة البقرة، الآية : 220 .
2- سورة البقرة، الآية : 181 .

فلا يجوز تبديل هذه الوصية وأما إنفاذ كل وصية وصية فلا نفهم من الآية هذا ما في المستند. ويدفع أنه قد ورد في جملة من النصوص الاستدلال بالآية في مقام الحكم بوجوب تنفيذ الوصية والصدقات الجارية وذلك يوجب الجزم بإطلاق الآية وتبديل الوصية إذا كانت مشروعة حرام شرعاً لكن الإشكال إنما هو في صحة الوصية بالإنكاح نظراً إلى أن الولاية عليه إنما هي من الأمور المجعولة للأب والجد فهي كسائر المناصب المجعولة كالتولية على الأوقاف والإمارة والقيمومة على الصغار من قبل الحاكم وغيره من المناصب الجعلية . وإنما الشك في أنه هل لصاحب الولاية نقلها إلى غيره بعد موته أم لا . وقول صاحب المسالك إنّه لا نسلم أن مثل هذه الولاية لا تقبل النقل غير كافٍ في إثبات صحة النقل . لأن عدم تسليمه لذلك لا يكون دليلاً على جواز النقل . فإن الوصية بتعهد أمور اليتيم المالية وتربيته شيء والوصية بإنكاحه شيء آخر لا بد من صحته بعد أن كان تصرفاً بالنفس من دليل خاص . وملخص القول إنّ حرمة تبديل الوصية لا تستلزم صحة كل وصية وصية ولذا لا يمكن الاستدلال بها لصحة الوصية بصنع الخمر أو جعل مكانٍ لاجتماع المقامرين وغيرهما من الأمور المحرّمة شرعاً .

3 - ما ورد في جملة وافرةٍ من الروايات في تفسير من بيده عقدة النكاح . منها صحيح محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر علیه السلام قال سألته عن الذي بيده عقدة النكاح قال هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشترى فأي هؤلاء عفا فقد جاز ومثله غيره . فإن جعل الوصي ممن بيده عقدة النكاح صريح في ولاية الوصي على النكاح ومن المعلوم أن أخذ عنوان الوصي في الشخص إنما هو لدخالة الوصاية في الحكم . ومن المعلوم أيضاً أن اليتيم إذا بلغ تدفع إليه أمواله وترفع اليد عنه .

ص: 260


1- الوسائل باب8 أبواب عقد النكاح ح5 ، التهذيب ج7 ص484 ح1946.

واستشكل الشيخ الأنصاري على الرواية بأن من بيده عقدة النكاح يمكن تفسيره بمعاني لا يعلم أي أريد منها .

1 - أن يكون المراد بمن بيده عقدة النكاح بالاستقلال وهو الأب والجد .

2 - أن يكون المراد بمن بيده عقدة النكاح بالاستقلال ومن كان له سلطنة عليه بالوكالة وعلى هذين المعنيين يكون نظرهما إلى نفوذ تصرفات

الأب والوكيل .

3 - أن يكون المراد بها من له الأحقية إما لزوماً كالولي القهري وإما استحباباً كالأخ والوصي للأب ويكون تولي النكاح على سبيل الرجحان حيث إن الأخ لا يكون نافذ التصرف إلا بالاستئذان من أخته .

4 - ويمكن أن يراد بمن بيده عقدة النكاح مطلق من أجرى الصيغة . ثم إنّ المعقود عليها إما أن تكون الصغيرة فقط وإما الكبيرة وأما الأعم والأظهر من قوله من بيده عقدة النكاح المعنى الثالث وبالنسبة للمعقود عليها الأعم . وحينئذٍ تخرج هذه الرواية عن كونها دليلاً مع ولاية الوصي على النكاح إذ لما لا يجوز أن يكون الوصي وكيلاً من قبل المرأة هذا ملخّص كلامه (قد) ولا يزيد ما أفاده على أن هذه الأخبار مشتملة على الأخ وقد دلّت الروايات على عدم ولايته إذن لا بدّ من حملها على معنى قابل للانطباق عليه وإلى ذلك يرجع كلام من استشكل على الرواية بأن سياقها يأبى اختلافها في الدلالة فلا يظهر منها أزيد من أن المتصدي هو من له الولاية أو الوكالة والوصي لما لا يجوز كونه وكيلاً عن المرأة . إلا أنه يرد عليه بأن الأخ عرفاً بمنزلة الأب وينزل منزلته من حيث تشريف مقامه فتدخل الأخ في أمور الأخت ولا سيما النكاح أمر دارج في العرف العام أما الوصي فليس له إلا ما جعل له بالوصية وإن شئت قلت الرابط بين الأخ والأخت هو الإضافة المقومية الخارجية

ص: 261

وهي الأخوة والرابط بين الوصي والمرأة إنما هو الوصية فلا يمكن قياس أحدهما بالآخر وهذا هو مراد صاحب الجواهر (قد) بأن خروج الأخ عن مدلول الرواية بالدليل لا يستلزم التصرف فيها بحملها على خلاف ظاهرها بالنسبة إلى الوصي . فلنا أن نقول إنّ من بيده عقدة النكاح أعم ممن له الولاية القهرية والوكالة إلا أن الظاهر من الوصي كونه من له الولاية القهرية لما عرفت من أن ولاية الوصي إنما هي امتداد لولاية الأب حيث ذكرنا أنّ الشارع وسع سلطنة الإنسان على ماله وولده إلى ما بعد حياته بتشريع الوصية وحينئذٍ فتكون ولاية الوصي في تزويج الصبي والصبية امتداد لولاية الأب وحينئذٍ لا يمكن أن يقال إنّ وجود كلمة الأخ في الروايات مانعة عن الأخذ بظاهر الروايات من كون الوصي ولياً على الإنكاح والسياق يدل على أن لهؤلاء الأشخاص علاقة بعقدة النكاح والتنويع نفسه دال على أن لكل نوع من المذكورين سنخاً من هذه العلقة لعقدة النكاح فالأب له علقة فيه وهي ولاية قهرية والأخ له علقة وهي أحقية في شؤونها لكن مع استثمارها والوصي فهو أجنبي ليس له إلا ما حصل بالإيصاء وهو عهد وتوكيل تصرف من الموصي فيما له ذلك من الشارع وبهذا يرتفع الإشكال عن الصحيح إذ لما لا يكون الوصي وكيلاً أيضاً فيكون ذكر هذه الجملة من باب ذكر العام بعد الخاص فكأن الشارع ذكر الأخ والوصي بعنوان الوكالة وذكر أن الذي يجوز أمره الخ . . بالوكالة بعنوان ذكر الكبرى بعد بيان صغرياتها وقد عرفت أنّ المفهوم من الأخبار شيء واحد هو العلقة بالنكاح إلا أن هذه العلقة لها مصاديق مختلفة ولاية قهرية وامتداد ولاية وأحقية عرضية . . .

وهذا التفسير ليس مما لا يقبله الذوق السليم (1) . وقد يستشكل على

ص: 262


1- الآية الكريمة واردة في مقام العفو عن المهر وهو كما يكون لصاحب الحق وهو المرأة تثبته الآية لوليها حسب ما فسرته الرواية وهذا غير ما نحن فيه من ولاية الوصي على نكاح الصبي والصبية.

هذه الأخبار بما ورد في صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال سأله رجل عن رجل مات . . . . إلى أن يقول فقال الرواية فيها أنّها للزوج الأخير وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها .

وملخص ما يستفاد من الخبر صدراً وذيلاً أنّ تزويج الوصي ليس نافذاً بل الاختيار لها بعد البلوغ وأشكل في الجواهر عليه بأنه مضمر وأجاب بعضهم بأن ذلك لا يقدح بحجيته . ولا أدري أنّ الإضمار كيف لا يقدح إذا قام احتمال نقل الراوي عن غير المعصوم نعم إذا قطعنا بأن الراوي لا يضمر إلا عن المعصوم لم يقدح إضماره في حجية الخبر مثلاً لو علمنا أنّ زرارة لا ينقل إلا عن الأئمة علیهم السلام فحينئذٍ إضماره لا يضر أما إذا احتمل أنه ربما نقل أقوال بعض الأصحاب لم يكن إضماره حجة ونحن من أين لنا القطع بأن ابن بزيع لا يضمر إلا عن الرضا علیه السلام . ووجه الجمع بين هذا الصحيح وغيره بأن نحمل هذا على كون الوصي وصياً بالتصرف في الأموال مضافاً إلى أنه ذكر في الرواية قوله الرواية فيها ومعنى ذلك بأنه قد وردت رواية نقول إنّ الحكم كذا - وهذا يوهم ورود الصحيح مورد التقية كما في الجواهر وليس لأحد إنكار ذلك إذ لا معنى لأن يوكل الإمام بيان الحكم إلى الرواية وإذا لم يكن مثل هذا الإشكال وارداً فلا يرد أي إشكال آخر مثله .

وكيف كان فالحق ما ذكره جماعة من الفقهاء من أن للوصي ولاية على إنكاح الصغيرين كما ذهب إليه السيد اليزدي في العروة .

قال في الشرايع : وللوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح وعن بعضهم نفي الخلاف فيه وظاهر الكفاية الإجماع

ص: 263


1- الوسائل ج14 باب8 أبواب عقد النكاح ح1.

وصرح به الفاضل القطيني ولم يظهر لهؤلاء دليل يعتمد عليه ولذا استشكل في الجواهر عليهم بأنه لا وجه للتفصيل فإن الولاية إذا كانت قابلة للنقل فلتكن كذلك في مورد بلوغ الصبي فاسد العقل وغيره وإن لم تكن قابلة له فلا بد من أن يرجع أمره إلى الحاكم الشرعي بناءً على ولايته العامة أو في هذه الصورة. فإن قيل إنّ تزويج فاسد العقل كالإنفاق عليه فكما أن للولي الإنفاق وإصلاح حاله فكذا له تزويجه .

قلت : إنما يحصل عدم التفصيل بين الصورتين لو كان التزويج نظير الانفاق. وإن قيل إنّ الإنكاح من الأمور الحسبية وبما أنّه لا يقوم به الوصي وفيه أن من قال إنّ الأمور الحسبية يتولاها الحاكم وحده ليس له أن يقول بتولي الوصي لها ثم إنّ عبارة الشرايع المذكورة مقيدة بالضرورة مع أن ولاية لأب والجد على الإنكاح ليست مقصورة على صورة الضرورة بل لهما إنكاحه مع مراعاة الغبطة أو عدم المفسدة كما رجحنا لإطلاق الروايات ولذا قد يشكل عليهم بأنه ما وجه التقييد بالضرورة ما دمنا لا نكتفي بالمصلحة مع وجودها سواء كان هناك ضرورة أم لا .

ثم إنّه قد يستدل على جواز إنكاح الوصي للصغيرين بالآية الكريمة: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَمَى قُلْ إِصْلَاحُ لَهُمْ خَيْرٌ) (1) فإن الإصلاح شامل بإطلاقه للإنكاح إذا كان فيه مصلحة لليتيم فللوصي أن يتمسك بإطلاق هذه الآية من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم أو ثبوت ولاية له بالإيصاء. فإن قلت الحاكم هو ولي من لا ولي له وعلى الوصي أن يستأذن منه في ذلك قلت لم يثبت سند هذا الحديث مضافاً إلى الخدشة في المراد بكلمة سلطان فإنه لا يعلم شمولها للحاكم الشرعي إذ النزاع في كونه صاحب سلطنة فلا یصح الاستدلال بها لذلك والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج

ص: 264


1- سورة البقرة، الآية: 220 .

غير مضطر، ثم إن المبذر (وهو الأعم من يصرف ماله في الباطل المحض) على نحوين من حيث الموضوع فإنه تارة يبذر لغلبة شهواته الأوهامية عليه كمن يعطي لراقصة مقدار من الأموال يكفي لإشباع جوعى كثيرين وأخرى يبذر لسفه في عقله وعدم تدبيره لأمور معيشته ونحو من لا يكون عنده اقتصاد في معيشته بخلافه العاقل الذي يدبر أمور معيشته متفطناً للعواقب ومتذكراً للغد . . .

ولا يمكن القول إنّ المبذر سفيه على الإطلاق نعم لو قلنا إنّ العقل يراد منه الدرجة الكاملة التي بها تنتظم الأمور كافة ولا يقع الإنسان في فخ الهوى أمكن القول إنّ المبذر بجميع أفراده سفيه لكن ليس كذلك لأن العرف يحكم بأن أكثر المبذرين من الأغنياء عقلاً ولذا نراهم في غير موارد صرف المال يدبرون أمورهم على أحسن ما يكون. والنتيجة أن المبذر محجور عن التصرف في أمواله إجماعاً . فلا بد في تصرفاته المالية من ولي يشرف عليها ويكفي إشرافه عليه بنحو إشرافه على الصبي والسفيه لأن المناط في الجميع واحد وهو حفظ أموالهم من التلف والضياع. ولو قلنا إنّ للإذن في الزواج موضوعية واحتجنا إليه لكشفه عن إذن الولي فإنما هو في الصداق لأنه تصرف مالي ولا يعتبر في تعيين الزوجة إلا أن يكون تعيينها دخيلاً في زيادة المهر ونقصانه وكان إطلاق العنان له في التزويج موجباً لأن يزوج المبذر نفسه بزوجة مهر مثلها أزيد من جميع ما لدى المبذر من الأموال بحيث يعد تزويجه منها عرفاً تبذيراً للمال وإتلافاً له فلا. فإذن الولي معتبر في أصل التزويج وإشرافه عليه كاف بل لو زوج نفسه مع حاجته إلى النكاح بمهر معتدل لا إسراف فيه ولا تبذير كان زواجه صحيحاً.

وبما أن هذه المسألة مهمة لا بأس بتفصيلها فنقول قال تعالى: ﴿إِنَّ

ص: 265

الْمُبَذِّرِينَ (1) كَانُوا إِخْوَنَ الشَّيَطِينِ) (2) وقد ورد في تفسير العياشي روايات بأسانيد ضعيفة تفسر التبذير بالإسراف في صرف المال كما قد ورد صحيحان في تفسير قوله تعالى: ﴿وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) (3) فإن المراد منه (4) القبضة بعد القبضة وعدم حرمان الفقير والإسراف في البذل وحرمة التبذير ثابتة في الكتاب والسنة والإجماع بل العقل يحكم بأن التبذير سفه لأنه مضيعة للمال وإتلاف له فيما لا ينبغي. وذهب العلامة إلى أن صرف المال في المحرمات الشرعية تبذير وناقشه جمع من الفقهاء المتأخرين حيث إنّه لا ثبوت للحقيقة الشرعية فلا بد من أخذ المفهوم من العرف والعرف لا يسمي من يصرف أمواله على شهواته مبذراً نعم المبذر عنده من يصرف أمواله فيما لا ينبغي صرفه فيه لعدم وجود غرض عقلائي فيه وعلى هذا يكون جميع المبذرين سفهاء لأن العاقل بما هو عاقل يقتصد في صرفه للمال ومعنى القصد العدل فإعطاء دينار في مقابل تمرة يكون كإلقاء الدينار في البحر هذا بحسب الحكم التكليفي وأما بحسب الحكم الوضعي فقد استفاضت الاجماعات المنقولة على أن المبذر محجور عليه ولذا اشترطوا

ص: 266


1- التبذير في النفقة والإسراف فيها تفريقها في غير ما أحل الله وقد فرق بين التبذير والإسراف في ان التبذير الإنفاق في ما لا ينبغي والإسراف الصرف زيادة على ما ينبغي . مجمع البحرين.
2- سورة الإسراء، الآية : 27 .
3- سورة الأنعام، الآية : 141 .
4- في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير كلهم عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله عز وجل (وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) فقالوا جميعاً قال أبو جعفر علیه السلام هذا من الصدقة تعطي المسكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ . . . الوسائل باب 13 أبواب زكاة الغلات ح1 ، الكافي ج3 ص565 ح2، وفي صحيح شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ﴿وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) قال الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص . . . الوسائل باب13 أبواب زكاة الغلات ح4 ، تفسير القمي ج1 ص218.

في المعاملات المبنية على المكايسة الرشد واتفقوا على اشتراط إذن الولي وإجازته في صحة معاملات السفيه العقلية.

ونحن وإن لم نقل إنّ عبارة السفيه لاغية لكن صحة تصرفاته موقوفة على الإذن أو الإجازة من الولي. نعم استفادة ما ذكروه من الدليل السمعي لا يمكن إلا أن يقال باستفادته من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (1) فيفهم منه أنّه إطلاق عنان التصرف إلى اليتيم بأمواله مشروط بإيناس الرشد فيه وهو كذلك وقد بينّاه في موارد عديدة. بل يفهم من الروايات أن السفاهة مانعة من الاستقلال بالبيع والشراء نعم لا يفهم من الاجماع والكتاب والسنة أزيد من لزوم إشراف الولي على تصرفات المبذر السفيه المالية.

ومنه يظهر أن اشتراط الرشد في صحة المعاملة ليس له موضوعية في الصحة بل له طريقية إلى كون المعاملة واقعة على وفق القوانين المعاملية من التوازن بين العوض والمعوض . والنكاح لاشتماله على المهر قد يقال إنّه معاوضة بين البضع والمال أو شبيه بالمعاوضة ولذا قالوا إنّ المبذر محجور عن التزويج. لكن قد ذكرنا سابقاً أنّ البضع لا يملك وليس المال المصروف في النكاح بإزائه بل الزواج عبارة عن الاقتران الاعتباري بين الرجل والمرأة نعم النكاح حينئذٍ يستلزم المهر وليس هو ركناً فيه وقد ذكروا في باب المهور أن المهر يجب أن يكون مما يملك فلو أصدق زوجته خمراً أو خنزيراً فقد اختلفوا في أن فساد المهر هل يستلزم فساد العقد أم لا؟ ذهب جمع إلى فساد العقد بفساده واستدلوا عليه بما لا يدل عليه فمن ذلك كون البضع في مقابل المهر وقد عرفت فساده .

ومنها أن الرضا بالزوجية مقيّد بالصداق وعندما تقول الزوجة أنكحت

ص: 267


1- سورة النساء، الآية: 6.

نفسي بالصداق المعلوم يجعل منها الالتزام الزوجي مقيداً بهذا الصداق فإذا تبيّن أن الصداق ملك للغير أو مما لا يملك لم يصح العقد وهذا فاسد لأن المهر ليس ركناً في النكاح بل هو تابع كما أن الزوجية غير قابلة للتقييد بالمهر أو المكان أو الزمان لأن الربط بين الشخصين لا يلحظ فيه شيء من ذلك . فشرط الإسكان وإن كان ممكناً منها إلا أنه لا يرجع إلى تقييد النكاح وإن شئت قلت إنّ الالتزام من الزوجة ورضا المرأة بكونه زوجاً لها يستقل بالإنشاء كالاستقلال الالتزام بمهر خاص فإذا فسد المهر لا يفسد النكاح ومنه يعلم أن المحجور عن التصرف المالي والمبذر إذا زوج نفسه بصداق معتدل لم يكن به بأس وكان صحيحاً واقعاً أشرف عليه الولي أم لا بل لو زوج نفسه بمهر لا يليق بشأنه وحسب تبذيراً عرفاً لا يكون ذلك موجباً لفساد العقد بل يفسد المهر ويرجع إلى مهر المثل كما في مورد إصداق الخمر والخنزير.

قال في الشرايع : والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر فقید جواز تزویجه بصورة الاضطرار وفي المسالك قال فإن أوقع عقداً مع عدم الحاجة كان فاسداً لفقد شرط الصحة ويظهر منه أن عقده مع الحاجة يكون صحيحاً ولو كان مراد الشرايع من الاضطرار الحاجة اتفق القولان وإلا فتكون دائرة الجواز عند المحق أضيق منها عند صاحب المسالك . ولو أوقع المبذر النكاح مع عدم الاضطرار كان العقد فاسداً .

والتحقيق أن المبذر إنما يمنع من التصرفات المالية إذا كانت خارجة عن المعارف عليه بحيث يراها العرف إسرافاً وليس معنى هذا أن المبذر محجور عليه كل تصرف إلا ما يضطر إليه فلا يأكل ولا يلبس ولا يتزوج إلا إذا كان مضطراً . فإن المبذر فرد من المجتمع وله حقوقه الفردية والاجتماعية والوصول إليها يحتاج إلى صرف المال بلا ريب فلو أن يشتري طعاماً جيداً

ص: 268

أو لباساً أنيقاً أو داراً واسعة كل ذلك بشرط أن لا يزيد على المتعارف العقلائي فالتقييد للجواز بصورة الاضطرار ممنوع إذ لا دليل على هذا التضييق بل لنا أن نقول تقييد صاحب المسالك للجواز بالحاجة يجب أن يكون مراده الحاجة العرفية كسائر الأفراد المحتاجين إلى التزويج فللمبذر أن يتزوج أكثر من واحدة كغيره .

وملخص القول إنّ علّة الحجر على المبذر إسرافه وصرفه للمال فيما لا ينبغي صرفه فيه عند العقلاء . وليس معنى هذا منعه من كل التصرفات حتى التي لا يكون مبذراً فيها . وإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له سواء عين الزوجة أو أطلق والظاهر أن تعيين الزوجة بيد المبذر وليس مشروطاً بإذن الحاكم أو الولي. والدليل أن المبذر محجور من حيث الصداق حتى لا يلزم إسرافه فيه أما تعيين الزوجة فليس تصرفاً مالياً يقتضى ذلك . إلا أنه قد استشكل فيه بأن الولي إذا لم يعين الزوجة والمهر يكون قد فرط في حق المبذر إذ قد يختار المبذر زوجة لا يليق مهرها بماله فيكون تزويجه بها من دون إذن من الولي تبذيراً ولذا يكون تعيين الزوجة من الولي شرط في الصحة كلإذن من الولي. وأجاب عنه في الجواهر بأن إذن الولي بالتزويج ينصرف إلى مورد المصلحة ولا مصلحة في تزويج امرأة يكون صداقها معدوداً من الإسراف والتبذير في حق الشخص فيجب عليه الاقتصار على زوجة يليق مهرها بماله. ثم إنّه لو أذن له الولي في التزويج وفرط بأن تزويج امرأة بمهر لا يليق بشأنه وكانت المرأة جاهلة بأنه محجور عليه ودخل بها وجب المهر عليه كاملاً فإنه كسائر الغرامات المتعلقة بالمبذر وليس على الولي شيء كما هو واضح فإن المبذر إذا أتلف شيئاً ضمن قيمته أو مثله وهذا مثله . وإن شئت قلت لا دليل على وجوب تعيين الزوجة على الولي بتقريب أنه لو لم يعينها كان مفرطاً . لكنك عرفت أن معنى الولاية على تصرفات المبذر المالية هو الإشراف عليها فالولي ناظر فإن رأى أنّ تصرفاته

ص: 269

لا تخرج عن التصرف العرفي العقلائي كفى ذلك في صحتها ونفوذها وأما الإذن والإجازة فليسا من شرائط الصحة في المعاملة إذا كان المال ممن صدر عنه التصرف . فالمبذر له أن يختار زوجته وعلى الولي أن يشرف ليرى أنّ صرف هذا المقدار من المال وجعله مهراً لهذه الزوجة يعد تبذيراً عرفاً أم لا؟ ومن هنا يعلم بأن الولي لو لم يأذن في العقد على زوجة خاصة يكون مفرطاً كما أن مسلوبية نظر الولي على نحو الإطلاق تفريط . والحد الوسط ما ذكرناه ولو بادر إلى التزويج قبل الإذن من الحاكم أو الولي والحال هذه من الاضطرار إليه صح العقد وزاد في المسالك وإن أثم بتفريطه في الإذن ونحن نقول إنّ العقد صحيح للعمومات ولعدم مانع من الصحة حيث إنّه عقد صدر عن أهله ووقع في محله فلا بد من أن يؤثر أثره مع اجتماع أجزاء العلة . وأما كونه آثماً فلا دليل عليه إذ لا دليل تعبّدياً على وجوب رعاية إذن الولي في التصرفات المالية من السفيه أو المبذر نعم هذا لو زوج نفسه بمهر المثل فإن زاد في المهر عن المثل والحال هذه بطل في الزائد ورجع إلى مهر المثل وصح العقد والدليل أن الزوجية عبارة عن الربط الاعتباري بين الرجل والمرأة وهي مورد الالتزام وليس المهر بركن فيها ولذا يصح النكاح بدون تعيين المهر أو إذا تبين أن المعين مغصوب أو مما لا يملك .

نعم قد يقال ببطلان العقد والحالة هذه بتقريب أن الزوجية قد أنشأت مقيدة بالمهر الخاص ومع عدمه لا يتحقق التراضي إذن بطلان المهر مقتضِ لبطلان الرضا بالزوجية ولا سيما إذا كانت الزوجة جاهلة أو تزوج المبذر بمن يحيط مهر مثلها بماله إذ حينئذٍ إما أن يقال بصحة العقد من دون مهر وهو كما ترى كما في الجواهر وإما أن يرجع إلى مهر السنة ولا دليل عليه. ومما ذكرنا من أن الزوجية عبارة عن الربط الاعتباري يظهر الجواب كما أنه لو أحاط مهر المثل بمال المبذر يدفع بإمكان الصلح في البين وليس هذا إلا كما لو تزوج شخص غير مبذر بامرأة ثم تبين أن مهر مثلها يحيط بماله فإنه

ص: 270

لم يعهد من أحد أنه حكم بالبطلان ومنه يظهر أن النكاح أمر والصداق أمر آخر. هذا كله في السفيه المبذر .

أما السفيهة فقد يقال إنّ تزويجها نفسها من دون إذن الولي جائز لأنه لو كانت الزوجية شبه المعاوضة المالية لم يكن تزويجها نفسها إلا اكتساباً للمال. ولكن توهم السيد الطباطبائي (ره) في العروة أنّ جهة المنع إنما هي ذلك وأن البضع إنما يجعل بإزائه المال ولكن التحقيق إن منع السفيهة من تزويج نفسها إلا بإذن الولي إنما هو للدليل التعبدي وهو صحيحة الفضلاء (1) وبما مضمونها وفيها أن المرأة إذا ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها نكاحها جائز بغير إذن الولي. وهذا نص في انها تستأذن الولي في ذلك . سواء جعلنا غير السفيهة عطف بيان أو قيداً احترازياً. فإذا زوجت نفسها يكون نفاذ العقد موقوفاً على نظر الولي.

ص: 271


1- الوسائل باب3 من أبواب عقد النكاح ح1 ، الفقيه ج3 ص251 ح1197 عن أبي جعفر علیه السلام قال المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز.

الفصل الثاني في اللواحق

الفصل الثاني

في اللواحق

وفيه مسائل :

قال في الشرايع : الأولى : إذا وكلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقاً يكن له أن يزوجها من نفسه وفي الإرشاد وليس لوكيل الرشيدة أن يزوجها من نفسه إلا بالإذن الخاص. فنقول إنّ توكيل المرأة شخصاً لتزويجها يكون على أقسام :

1 - أن توكله في تزويج نفسها من غيره فلا إشكال في أنه ليس له أن يزوجها من نفسه ولو زوجها من نفسه كان فضولياً موقوفاً على إجازتها .

2 - أن توكله في تزويجها من نفسه ولا خلاف في صحة الوكالة عندهم وأن له أن يزوجها من نفسه نعم قد ورد في المقام خبر يدل بظاهره على عدم صحة ذلك وهذا الخبر هو ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده (1) عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي قال سألت أبا الحسن علیه السلام عن امرأةٍ تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها أيحل لها أن توكل رجلاً يريد أن يتزوجها تقول له قد وكلتك فاشهد على تزويجي قال علیه السلام لا قلت له جعلت

ص: 272


1- التهذيب ج7 ص378 ح1529، وسائل باب10 أبواب عقد النكاح ح4.

فداك وإن كانت أيماً قال علیه السلام وإن كانت أيماً قلت فإن وكلت غيره تزويجها قال نعم (1) . أما سند هذا الخبر فطريق الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح ومحمد هذا ثقة جليل وأحمد بن الحسن هو بقرينة رواية محمد عنه وروايته عن عمرو بن سعيد بكون أحمد بن الحسن بن علي بن فضال الثقة وإن كان فطحياً وقد ذكرنا أنّ المدار في حجية الخبر كون الراوي ثقة ولا يعتبر كونه إمامياً اثني عشرياً وهذا يستفاد من قوله تعالى : (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَلَةٍ) (2) فإن الأخذ بقول الصادق لا يوقع في الندامة وعمرو بن سعيد أيضاً ثقة مع كونه فطحياً ومصدق بن صدقة من أجلاء العلماء الفقهاء العدول على ما في الكشي. وعمار الساباطي ثقة وجمع من أهل الدراية يعبرون عن هذه الرواية بالفطحية. ثم إنّ المقصود من أبي الحسن علیه السلام هو الإمام موسى فإن عمار من طبقته علیه السلام. وبعد أن عرفت هذا فإن صاحب المسالك رمى الرواية بالضعف وفي الجواهر الطعن في سندها وعن المحقق الأنصاري عدا ما يتوهم من رواية عمار الضعيفة وليس ضعفها إلا لأن بعض رجال السند فطحيون. مع أنهم ينصون على أن الموثق حجة وإن قلنا إنّ الحجية عبارة عن حكم الشارع بأخذ قول الغير تعبداً أو قلنا بأنها عبارة عن جعل مصداق العلم في وعاء الشرع . وأما لو قلنا إنّها عبارة عن حاكوية الخبر بنفسه عن الواقع والحاكوية أمر ذاتي للخبر لا تنالها يد الجعل لا نفياً ولا إثباتاً ولم يدل دليل شرعي على إعطاء صفة الطريقية للخبر من قبل الشارع . وأما إرجاع المعصومين علیهم السلام إلى الرواة فهو إرجاع عقلائي. وعلى كل حال فقد أطنبنا في ذكر السند لأن جماعة رموا هذه الرواية بالضعف مع أنهم ولا سيما الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر يعلمون بالموثقات.

ص: 273


1- الوسائل أبواب عقد النكاح وأولياء العقد باب10 ح4.
2- سورة الحجرات، الآية : 6 .

وأما دلالة الخبر . فليس هو في مقام منع الوكيل من تزويج المرأة لنفسه بل هي ناظرة إلى جهة الإشهاد في التزويج فيكون موافقاً لمذهب العامة وقد ذكر صاحب الجواهر بعد تضعيف السند أن النفي يمكن إرجاعه إلى الإشهاد . لكن الظاهر أن النفي متوجه إلى المشهود به وقول المرأة أشهد على تزويجي معناه زوجني وليكن الزواج مشهوداً به .

ويمكن أن يقال إنّها واردة مورد التهمة بأن المرأة كانت في بيت يعاب فيه عليها التزويج ولذا كانت تكره أن يعلم أحد بحالها وحينئذٍ يكون الوكيل مورداً للتهمة وعليه فالنهي إرشاد إلى عدم تصدي الوكيل لتزويجها من نفسه. ولذا أجاز المعصوم علیه السلام تزويجها من نفسه لكن بتوكيل غيره. وهذا المعنى يدل عليه أخبار سنشير إليها في الصورة الثالثة الآتية.

3 - أن توكله في تزويجها على نحو الإطلاق كزوجني رجلاً فإن المنسوب إلى المشهور عدم جواز تزويجها من نفسه .

4 - أن توكله في تزويجها على نحو العموم كزوجني بمن شئت أو بأي رجلٍ وهنا قد أجاز الفقهاء تزويجها الوكيل من نفسه وعلّلوا الفرق بين هذه والتي قبلها من الصور بأن مطلق الدلالة تغاير الدلالة المطلقة فإذا وكلت شخصاً في تزويج نفسها على نحو الإطلاق تكون وكالتها حينئذٍ على نحو مطلق الوكالة أي مهملة والمهملة في قوة الجزئية فلا تشمل شخص الوكيل. وربما يقال بانصراف الوكالة عن الوكيل في مفادها ويكون مثلها مثل ما لو أعطاه مالاً ينفقه على المحتاجين وكان منهم أو على أبناء السبيل وكان منهم أو على طلبة العلم وكان منهم أو أعطاه من الزكاة لينفقها في مواردها وهو من مواردها ومنها ما لو وكل رجلاً شراء شيء له وكان عنده مثله في القيمة والصفات الخ . . . من الموارد . . فقد وقع الخلاف بينهم بأنّ مثل هذه الوكالة تشمل الوكيل أيضاً أم لا .

ص: 274

والتحقيق أن إخراج الوكيل يحتاج إلى قرينة ودليل فإن الوكالة ما دامت مطلقة كان للوكيل أن يتصدى بنفسه لنفسه . وقد ورد في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج البصري (1) عن رجل أُعطي مالاً ليقسمه بين مساكين وله عيال محتاجون فهل يعطيهم منه من غير أن يستأذن فقال علیه السلام نعم وفي صحیح (2) آخر أيأخذ منه ولا يعلمه قال لا يأخذ منه شيئاً حتى يأذن له صاحبه فيظهر من الثاني أن المناط في الجواز هو الإذن الخاص. لكن قوله ولا يعلمه يظهر منه أن الوكيل لم يظهر له من الوكالة إطلاقٌ بحيث تشمله وإن أبيت فالجمع الدلالي بين الروايتين يقتضي الحمل على الكراهة . والحكم الوضعي هو الجواز مع حزازة . والسر في ذلك الوقوع في التهمة والشاهد على هذا الجمع ما ورد (3) في الوكالة من أنه إذا قال رجل لآخر ابتع لي ثوباً فيطلب له ما في السوق فيكون عنده مثله فيعطيه

ص: 275


1- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن يحل له الصدقة قال لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره قال ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه . الوسائل باب 40 أبواب المستحقين للزكاة ح3 ، الكافي ج3 ص555 ح3، التهذيب ج4 ص104 ح 295 .
2- عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألته عن رجل أعطاه رجلٌ مالاً ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال لا يأخذ منه شيئاً حتى يأذن له صاحبه . الوسائل باب84 أبواب ما يكتسب به ح3 والذي قبله ح2 ، التهذيب ج6 ص352 ح1000 .
3- باب 5 أبواب آداب التجارة ح 2 ، التهذيب ج 6 ص 352 ح 999. عن إسحاق قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له ابتع لي ثوباً فيطلب له في السوق فيكون عنده فقل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عزّ وجلّ يقول (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) الأحزاب 72 . وإن كان عنده خيراً مما يجد له في السوق فلايعطيه من عنده.

من عنده فقال علیه السلام لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه وفي خبر ميسر (1) إن أمنت أن لا يتهمك فأعطه من عندك وإلا فمن السوق وهذا يدلنا بوضوح على أن النهي الوارد في صحيح البصري وما بمضمونه نهي إرشادي فلا كراهة تعبدية فضلاً عن وجود حرمة وضعية. ومن هذه الروايات يعلم أن الوكيل حاله حال سائر المعنونين بعنوانه فإذا أعطي مالاً ليصرفه في العلماء أو الفقهاء أو المساكين وكان منهم جاز له أن يأخذ لنفسه نعم لو طرأ عنوان ثانوي (كالتهمة) يستثنى ذلك فإن تدنيس النفس مبغوض للشارع وقد ورد أن المؤمن (2) مختار في كل شيء إلّا عزّه فهو غير مرخّص في إهانة نفسه ولذا ترى كثيراً من العلماء كانوا يتصرفون في الأموال التي تجبى إليهم مع كونهم من أكمل مصاديق العنوان الذي أعطوا المال لأجله. وأما دعوى انصراف الوكالة إلى غير الوكيل فمدفوعة بأنه انصراف بدوي يزول بأدنى تأمل وهو ليس بحجة في تقييد إطلاق اللفظ . وما ذكره صاحب الجواهر من التفصيل بين مطلق الوكالة والوكالة المطلقة فلا يمكن موافقته فيه لأن مطلق الوكالة إذا كان الموكل بصدد بيان الوظيفة العقلية تكون مطلقة ولا معنى لإطلاقها إلا إرسالها وأما مطلق الوكالة بالمعنى المنطقي للإطلاق وهو الإهمال والمهملة في قوة الجزئية فلا يكون كاسباً ولا مكتسباً ولا يختص بالوكيل نفسه وصاحب الجواهر لا يريد من مطلق

ص: 276


1- الباب السابق ح4 من الوسائل، الفقيه ج 3 ص 121 ح521 . عن ميسر قال قلت له يجيئني الرجل فيقول تشتري لي فيكون ما عندي خيراً من متاع السوق قال إن أمنت الّا يتهمك فأعطه من عندك وإن خفت أن يتهمك فاشترِ له من السوق .
2- عن الصادق عليه السلام أن الله فوض للمؤمن أمره كله ولم يفوض إليه أن يكون ذليلاً أما تسمع الله عزّ وجلّ يقول (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فالمؤمن يكون عزيزاً ولا يكون ذليلاً فإن المؤمن أعز من الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه شيء. التهذيب ج6 ص179 ح367.

الوكالة هذا المعنى بل يريد إخراج الوكيل وحسب. وأما التفصيل بين استفادة الوكالة بالإطلاق وبين استفادتها بالعموم ولا يجوز على الأول ويجوز على الثاني فالتحقيق (كما بينّا في بحث العام والخاص) أنه ليس للعام صيغ تخصه في اللغة العربية بل جميع اللغات بل هو مستفاد من الإطلاق ولذا نرى أنّ استعمال الجمع المحلي باللام في جماعة خاصة لا يكون مجازاً ولذا أيضاً تراهم يقولون إنّ العام المخصص حجة في الباقي وكذا استعمال المفرد المعرف باللام وأما الموصولات فعمومها بالصلة وهي أشبه بسور القضية وعليه فلا فرق بين قولها زوجني بمن شئت أو زوجني رجلاً إذ الإطلاق المستفاد من الجملتين بمناط واحد وهي حين التوكيل لم تقيد المراد بقيد خاص بل أرادت زوجاً من غير توصيفه بصفة أو تقييد مورد الوكالة بقيد فالتحقيق جواز ذلك .

بقي إشكال وهو أنه لو تولى الموكل عقدها لنفسه لزم اتحاد الموجب والقابل مع أن الإيجاب والقبول شيئان لا بدّ من صدورهما عن شخصين لكن يقال إنّهم اتفقوا ومنهم صاحب الشرايع على أنه لو زوجها جدها بابن ابنه الآخر صح وكذا لو زوجها الأب بموكله مع أنه لا ريب قي اتحاد الموجب والقابل في هذين الموردين والقاعدة العقلية لا تقبل التخصيص. والجواب عن الإشكال أن التعدد إما أن يكون معتبراً شرعاً فلا بد له حينئذٍ من دليل شرعي ولا دليل في المقام على لزوم التعدد في الموجب والقابل ، وإطلاقات الأدلة كافية للصحة مع صدورهما عن شخص واحد وإما أن يكون معتبراً عرفاً وهذا لا دليل عليه في المقام بل هذه الدعوى مصادمة للواقع حيث إنّ العرف لا يمنع من إجراء صيغ المعاملات حتى النكاح بشخص واحد . وإما أن يكون معتبراً عقلاً ففيه أن الإيجاب إنشاء الطرف الأول للعقد والقبول مطاوعة إنشائية له ومن البديهي إمكان ذلك من شخص واحد وأدل دليل عليه وقوعه . هذا وقد يستدل لصحة ذلك بقوله تعالى :

ص: 277

(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَكَها) (1) فإن قوله تعالى زوجناكها إما أن يكون إخباراً أو إنشاءً وعلى الثاني فهي صيغة واحدة صادرة عن شخص واحد وعلى الأول فهي إخبار عن التزويج الإنشائي بين النبي صلی الله علیه و آله و سلم وزوجة زيد بعد طلاقها وعلى كل منهما تدل على جواز تولي الإيجاب والقبول من شخص واحد. لكن قد يشكل بأن السياق يقتضي أن الكلام بصدد بيان تهيئة أسباب الزواج ومعه لا يدل على المطلوب . والذي يقال إنّ التزويج ربط اعتباري بين الطرفين من حيث وجوده الإنشائي لكنه قائم بهما فإذا أوكل كل منهما شخصاً إنشاء هذا الأمر صح إنشاؤه ولو بصيغة واحدة (2) فهو لا يحتاج تحققه إلى إيجاب وقبول فضلاً عن اشتراط تحقق الإيجاب من شخص والقبول من آخر .

قال في الشرايع : المسألة الثانية : إذا زوجها الولي وكانت حرة بحرٍّ كفء سالم من العيب بمهر دون مهر المثل هل لها أن تعترض بعد البلوغ والرشد فيه تردد ولا إشكال في الصحة فلو زوجها بأزيد من مهر المثل ولا خلاف في الفتوى وقد دلّ عليه أخبار كثيرة منها صحيح عبد الله بن الصلت (3) وصحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) المفهوم منهما أنه ليس لها الاعتراض بعد البلوغ . . . وإنما الكلام فيما إذا زوجها بأقل من مهر المثل حينئذٍ فإما أن يكون التزويج بهذا المهر فيه مصلحة بأن تكون قائمة بهما فلا إشكال عندهم في أنه ليس لها الحق في الاعتراض فيما بعد لأن تصرفات الولي تنفذ مع المصلحة إذا كانت منوطة بها. وإما أن تكون

ص: 278


1- سورة الأحزاب، الآية : 37 .
2- فلو قال الوكيل من قبلهما زوجتكما هل يصح؟؟.
3- الوسائل باب 6 أبواب عقد النكاح ح3 وفيه قال علیه السلام لا ليس لها مع أبيها أمر، الكافي ج5 ص394 ح6 .
4- الوسائل باب6 أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص394 ح9. وفيه قال علیه السلام يجوز عليها تزوييج أبيها .

المصلحة في التزويج وحسب وكان هناك كفء باذل لأزيد من مهر المثل أو للمسمى فزوجها الولي بغيره فهل ينفذ العقد أم لها الاعتراض على المهر خاصة أم على النكاح والمهر. ذهب إلى الأخير في الجواهر وجمع فقد ذهبوا إلى بطلان النكاح أي توقفه على إجازة الجارية إن لم نقل على اعتبار وجود المجيز في الحال ويظهر من عبارة الشرايع على ما فهمه في الجواهر أنّ للجارية حق الاعتراض بالنسبة للمهر فقط واختاره الأنصاري في شرح إرشاد العلامة. وذهب الشيخ الطوسي إلى لزومهما معاً وقبل الخوض في الاستدلال لا بد من الإشارة إلى ما قدمنا ذكره من أن النكاح عبارة عن الزوجية ومصلحته ليست منحصرة في المهر وأهم فوائده الاقتران بين الشخصين ثم تشكيل العائلة لحفظ النوع البشري ثم النسل والخ . . .

وعلى هذا فلا مجال لدعوى أن البضع في مقابل المهر أو أن منافعه تملك أو أن النكاح يشبه المعاوضة بل كلها أمور خارجة من حريم التحقيق والمهر ليس ركناً في العقد ولا مقصوداً بالأصالة. نعم المهر له مركز ثقل بالنسبة للزوجية فهو كحق الرهان الحافظ للدين فإنه كفيل أو ضمان یمنع وقوع الطلاق غالباً خاصة إذا كان كبيراً. وعلى كل فهو خارج عن حقيقة النكاح وليس داخلاً فيها .

ومن المعلوم أن الشرائط التي تذكر في ضمن العقود أو ترد العقود عليها لا توجب تقييد الرضا المعاملي بها ولهذا وقع الخلاف بين الفقهاء في أن الشرط الفاسد هل يكون مفسداً للعقد أيضاً أم لا؟

فهنا دعويان : 1 - إنّ المهر ليس ركناً في النكاح.

2 - إنّ الخلل في المهر لا يستلزم فساد النكاح.

أما الأولى : فالدليل عليها ما يظهر من الأخبار المستفيضة من أن الزوجية غير الصداق وليس النكاح معاوضة بين امرأة ورجل ومهر. نعم ورد

ص: 279

أن النكاح لا يكون إلا بمهر لكن إنما هو شرط لصحة النكاح وخارج عن حقيقته وقد ورد في جملة من الصحاح (1) بأن المهر ما يتراضى عليه الناس قلّ أو كثر ومعناه أن المهر بنفسه يكون مورداً للرضا مع قطع النظر عن الرضا بالزوجية . وكيف كان ليس المهر دخيلاً في حقيقة الزوجية فإذا فوضت المرأة البضع في النكاح بأن لم تذكر المهر فوقع الطلاق أو الموت قبل الدخول لم يكن على الزوج شيء مع أن النكاح صحيح نعم لو دخل بها ثبت عليه مهر المثل كما هي الحال في الوطي بالشبهة فيصح النكاح مع تفويض المهر أو الإشارة إلى كتاب الله أو سنّة نبيه صلی الله علیه و آله و سلم، وسيأتي بيانه إن شاء الله في أبحاث المهور.

وأما الثانية : فإن الشرط خارج عن المعاملة فلا يضرّ فساده بفسادها لأن الالتزام المعاملي عبارة عن جعل العلقة بين شخص وآخر أو بين منفعة وعين إلى غير ذلك ولا بد في جعل هذه العلائق من وجود الرضا وأما الشرط المذكور ضمنها أو المبني عليه عقد من تلك العقود كالشرائط الارتكازية العرفية فهو التزام زائد والربط بينه وبين الالتزام المعاملي وإن كان انضمامياً إلا أنه ليس على نحو التقييد لأن الانضمام لا ينافي الاستقلال ولذا يكون بيع ما يملك وما لا يملك انضمامياً إلا أنه لا يستلزم الاستقلال بالتحقق فينحل إلى عقدين فيصح بالنسبة إلى الأول ويقف على الإجازة في الثاني. وكذا فيما لا يُملك إذا ضم إلى ما يملك نعم ذلك يستلزم التبعيض في الصفقة فيكون موجباً للخيار للطرف المقابل وهذا واضح وتقريبه أن التقييد عبارة عن حصر مورد الرضا بالمقيد على نحو وحدة المطلوب كقوله بعتك لحم غنم فالتقييد بالغنم يقتضي ورود إنشاء المبادلة على حصة خاصة وتخلف الوصف في هذه الصورة يستلزم عدم تحقق البيع ويكون البيع بالنسبة إلى لحم آخر سالبةً بانتفاء

ص: 280


1- الوسائل باب1 أبواب المهور ح2 + ح3 + ح4 + ح5 الخ . . .

الموضوع. ومثله ما لو قال بعتك عبداً كاتباً فسلمه عبداً غير كاتب مع دخالة الوصف في الموضوعية للبيع كان البيع باطلاً . والتعبير بالبطلان للمسامحة وإلا فالبيع لم ينعقد أصلاً . وأما لو باعه لحماً واشترط أن يكون لحم غنم كان هنا مطلوبان:

1 - ما وقع عليه العقد وهو اللحم .

2 - كونه لحم غنم .

وهذا معنى تعدد المطلوب أي أن يكون لكل التزام ملتزم به خاص. فإرجاع الشرائط طراً إلى الموضوع في جميع المقامات ليس بصحيح. وإن توهم بعضهم أنّ مقتضى الاشتراط ضمن العقد لكون الشرط منضماً إلى العقد وحينئذٍ لا يمكن التفكيك بينهما وفي موارد ثبوت هذا الانفكاك يكون بدليل خاص وإذا عرفت أن الانضمامية لا تستلزم عدم إمكان التفكيك ، نقول بلزوم الوفاء بالعقد والشرط معاً إلا أنه إذا لم يمكن الوفاء بالشرط لعدم وجوده أو لمنع الشارع أو عدم الوفاء به من الشارط من دون عذر لم يكن ذلك موجباً لعدم تحقق المعاملة . ونطبقه على المقام فنقول إن الزوجية تتحقق برضا الزوجين بالقرينية ولازم هذا الالتزام التزام بالصداق فلذا كثيراً ما ترضى الزوجة بالزوج لكنها تستنكف من المهر القليل لأنه مخالف لشأنها وقد يكون الأمر بالعكس فترضى بالمهر لأنه كثير إلا أنه لما لم يكن الزوج شاباً لم ترض به .

إذا عرفت ذلك فالأقوال في المسألة أربعة :

القول الأول : القول إنّ النكاح والمهر لازمان وليس للمولى عليها الاعتراض فيهما . وذهب إليه الشيخ الطوسي في الخلاف واستدلوا له بأن النكاح ليس معاوضة حقيقية لأن البضع لا يقابل بالمال وبأن المهر ليس شرطاً لصحة النكاح ولذا يمكن تفويض البضع أو المهر ولأن الغرض من

ص: 281

النكاح التحصن والنسل ومع كون المهر أقل من المثل لا يكون موجباً للفساد وأما بالنسبة إلى المهر فإن الولي الإجباري له التصرف في مال الولد كيف كان ما لم يكن فيه مفسدة بل له العفو عن المهر فله إذن أن يجعل المهر أقل من المثل أضف إليه إطلاق الروايات الواردة في ولاية الأب والجد على نكاح الصبية ولا سيما ما دل على نفوذ النكاح عليها وإن كانت كارهة فإنه يدل على أن الولي له إنكاحها كيف شاء بعد مراعاة الشرائط الشرعية من كون الزوج حراً كفئاً سالماً من العيوب. وهذه الأدلة ترجع في الحقيقة إلى دليلين :

الأول : إنّ النكاح عبارة عن الربط بين الشخصين والمهر ليس مقوماً له فقولهم إن المهر ليس شرطاً لصحة النكاح يرجع إلى أن النكاح ليس معاوضة حقيقية ويرجعان إلى أن الغرض من النكاح التحصن والنسل وكل هذه الأمور ترجع إلى كون المهر بالنسبة إلى النكاح كالشرط الضمني على نحو تعدد المطلوب فإن الغرض من الزوجية قرينية كل منهما للآخر لتشكيل العائلة وهذا بنفسه مطلوب من غير ربط له بالصداق وهناك مطلوب آخر ضمنه وهو الصداق حيث إنّ غرض العقلاء يتعلق بالمهور على حدة بمعنى أن لهم أغراضاً بالنسبة إليه بما هو صداق وإن كان الالتزام لا يتحقق إلا في ضمن النكاح (لا نكاح إلا بصداق) فلها أن تستنكف عن مهرها إذا رأت فيه غضاضة أو خافت من الطلاق مع قلته وربما يتعلق عرضها بكثرة المهر كما لو كان مظهراً لشرفها في المجتمع .

الثاني : الإطلاقات حيث إنّها كافية لإثبات لزوم المهر والعقد معاً إذا تحققت سائر شرائط الصحة . وقد يشكل بأنها ليست مسوقة لبيان الصداق والجواب كفاية الإطلاق المقامي فإنه لو كانت ولاية الولي محصورة بصورة كون المهر مساوياً لمهر المثل أو أكثر لوجب عليهم علیهم السلام البيان

ص: 282

وعدم البيان منهم علیهم السلام بيان للعدم . وما استدلوا به من أن الأب والجد لهما العفو لأن بيدهما عقدة النكاح فجعل المهر أقل من المثل يكون أولى بالجواز يرد عليه بأنّه قياس ممنوع عندنا لأن العفو ثبت في مورد الطلاق قبل الدخول .

القول الثاني : ما يظهر من صاحب الشرايع من أن لها الاعتراض في المهر خاصة. وتقريبه بالنسبة إلى النكاح فكما مرَّ في القول الأول وأما بالنسبة إلى المهر فلأن الولي لم يراع مصلحتها فيه وصبرها على المهر القليل ضرر منفي فيجبر بالخيار نعم لو اختارت فسخ المسمى فإذا كان الزوج عالماً بالحال بمعنى أنه عالم بكون المهر أقل من المثل وأن هذا يستلزم الخيار للزوجة في فسخ المهر فليس له الفسخ للعقد وإن كان جاهلاً فيمكن أن يقال إنّ له الخيار في فسخ العقد فإن إلزامه بمهر المثل ضروري لكن يرد عليه أن مهر المثل في مقابل البضع ولذا لو لم يكن في البين نكاح وكان النكاح محللاً ولو بأصالة الحل كان لها مهر مثلها . نعم يمكن بعد فسخ الزوجة للمسمى أن يطلقها وحينئذٍ لا مهر لها عليه حسب الفرض لأن الطلاق حينئذٍ لا يكون عن صداق ولا عن دخول فلا شيء عليه ومن هنا يظهر أنه غير ملزم بمهر المثل إلا مع الدخول والدخول أمر اختياري نعم يرد على المحقق ما سبق في ذكر أدلة القائلين بلزوم المهر بأن للولي اختيار المهر القليل .

القول الثالث : إن لها الاعتراض بالنسبة إليهما معاً لأن النكاح أمر واحد شخصي وهو الزوجية بالمهر الخاص فإذا كانت الزوجية بما فيها من المهر ضررية كان لها الخيار في فسخهما معاً. وأشار إلى ذلك الدليل صاحب المسالك وفي الجواهر والمحقق الأنصاري وتقريب ذلك أن الشرائط لا استقلال لها بل هي ترجع إلى تقييد العقود وإذا تعذر الشرط أو

ص: 283

لم يفِ به المشروط عليه كانت المعاملة باطلة لكنك خبير بأن هذه الدعوى مخالفة للوجدان والعرف والشرع والفتاوى إذ الوجدان يشهد بأن الشرط إنما هو التزام في التزام آخر على نحو تعدد المطلوب وتوهم أنه لا غرض للمشروط بدون الشرط فاسد إذ كيف لا يتعلق غرض بالمشروط مع أن المبادلة بين الشيئين يجب أن يكون بطيب معاملي متعلق بها نفسها إلا إذا كان الغرض الأصلي في المعاملة هو الشرط لكنه نادر وعلى خلاف متعارف المعاملات الخارجية. وأما العرف فلما يراه من التفكيك بين المشروط والشرط وأما الشرع فلما دلّ على أن الشرط الفاسد لا يفسد المعاملة وأما الفتوى فإن المشهور ولا سيما المتأخرون يقولون إنّ الشرط إذا فسد لا يفسد المشروط . وهذا بنفسه دليل على أن الشرط هو الرضا من وراء الالتزام المعاملي فكون عقد النكاح واحداً مسلماً إلا أنه ينحل إلى التزام من الزوجين بالزوجية والتزام من الزوج ببذل الصداق الخاص وهذا هو المراد من تعدد المطلوب.

القول الرابع : إذا كان في النكاح مصلحة فلا اعتراض لها فيهما أصلاً وإلا فلها الاعتراض في أصل النكاح قال المحقق الكركي في جامع المقاصد والمعتمد في الفتوى أنه إذا زوجها كذلك في مصلحة فلا اعتراض لها أصلاً وإلا كان لها فسخ المسمى والنكاح معاً لأنه عقَدَ على خلاف المصلحة واستشكل عليه بأن مفروض المسألة ما لو كان في النكاح مصلحة ولكن لم يكن الصداق مساوياً لمهر مثلها. وتحقيق المقام أن تصرفات الولي يعتبر فيها عدم المفسدة لا وجود المصلحة ولا سيما إذا كان الولي إجبارياً كالأب والجد بل الوصي بناءً على القول إنّ ولايته امتداد لولاية الأب فإن هذا لم يدل عليه دليل . ولو قيل باشتراط المصلحة فإن مصالح النكاح كثيرة إذن يجب أن يكون النكاح في المقام واجداً لبعضها وإلا كان متضمناً للفساد . فالأقوى والتحقيق في المسألة هو ما ذهب إليه الشيخ

ص: 284

الطوسي من لزوم العقد المسمى معاً وبعبارة أخرى إن جعل الولاية من الله للأب والجد إنما هو لجبر قصور الصبي والصبية امتناناً منه تعالى عليهما ومعه يكون غير البالغ كالبالغ فإن التصرف الصادر من ولي غير البالغ يكون كالتصرف الصادر عن البالغ فتوهم أن الولي لا بد من أن يراعي وجود أمر زائد على ما يراعي الكامل لنفسه فاسد إذ لا دليل عليه من الروايات ومن البديهي أن الكامل والكاملة يجوز لهما التصرف بنفسيهما وماليهما إذا لم يكن تصرفاً سفيهاً والولي قائم مقامهما في ذلك فله التصرف بما لهما التصرف فيه لو كانا بالغين . والإطلاقات اللفظية كافية في الحكم بعدم ثبوت حق الاعتراض عليها وهي مسوقة لبيان الوظيفة الفعلية للولي ولو لم يثبت الإطلاق اللفظي ففي الإطلاقات المقامية كفاية .

قال في الشرايع : المسألة الثالثة : عبارة المرأة معتبرة في العقد مع البلوغ والرشد فإن كانت ثيباً كان عقدها نافذاً إيجاباً وقبولاً وإن كانت بكراً وقلنا إنّ للأب ولاية عليها توقف النفوذ على إذنه السابق أو إجازته اللاحقة أو مجرد إشرافه على تزويجها. ويظهر من كلامه عدم اعتبار عبارة غير البالغة الرشيدة وهذا موقوف على سلب الاعتبار عن عبارة الصبي حتى لو كانت بالنسبة إلى غيره أو بإذن الولي لكن عرفت سابقاً أن الصبي الذي يفهم مداليل الألفاظ ويكون متمكناً من إنشاء الصيغ مع القصد تكون عبارته نافذة إذ لا دليل على سلب عبارته بنحو يكون كالعجماوات كيف وقد رأينا جمعاً كثيراً من غير البالغين توصلوا إلى ما لم يتوصل إليه البالغون. وكيف كان فعبارته معتبرة لكن لا بد من إشراف الولي عليه لتقع معاملته غير خاسرةٍ وإن لم تكن رابحة . وتوهم سلب الاعتبار عن عبارته فاسد. وحيث إن الشافعي ذهب إلى سلب عبارة المرأة مطلقاً فليس لها أن تزوج نفسها أو غيرها وكالة قال المحقق يجوز لها أن تزوج نفسها فتنشئ عقد النكاح إيجاباً أو قبولاً وأن تكون وكيلة لغيرها إيجاباً أو قبولاً ردّاً عليه وإلا فلا موجب لتوهم سلب

ص: 285

الاعتبار عن عبارة المرأة بما هي مرأة إذ كون المنشئ للإيجاب أو القبول أصالة أو وكالة رجلاً لم يدل عليه دليل .

قال في الشرايع : المسألة الرابعة : عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر بل المشهور شهرة عظيمة بل في الناصريات الإجماع عليه وفي محكي السرائر نفي الخلاف في غير تزويج العبد نفسه والأمة نفسها بغير إذن الولي ولعل الإجماع حاصل وإن لم نحتج إليه في عالم الاستدلال . إذ التحقيق أن عقد الفضولي لا ينفذ مطلقاً مع عدم رضا الأصيل وهذا واضح لأن كل معاملة يجب أن تصدر عن طيب نفس كل من المتعاملين فتمليك العين بعوض إنما تكون بالمبادلة بينهما فإذا تحققت من دون رضى المالكين تكون على خلاف الطريقة العقلائية وقد دلت النصوص على اعتبار الرضا والضرورة قائمة على لزومه في المبادلات من الطرفين ومع عدم تحقق رضا من الأصيل في الفضولي لم يتوهم أحد لكون المعاملة نافذة حينئذٍ . وأما إذا تحقق الرضا بعد إنشاء الفضولي إيجاباً أو قبولاً فهل يكون لصدور الصيغة الإنشائية من الأصيل علاقة في الصحة أم لا؟ وهذا هو المراد من البحث عن صحة بيع الفضولي وإجازته وغير ذلك . . فإنه بعد تحقق الرضا تتم أركان المعاملة إذ إنّها كلها كانت موجودة وينقصها الرضا فقط فإن وجد تمت وإطلاقات الصحة جارية بعد تحقق موضوع الصحة وهو تمامية أركان المعاملة من العوضين وشرائطهما إلخ . . ومن هنا يظهر أن الصحة التأهيلية لإنشاء الفضول موجودة وظهر أنّ المدعي للفساد لا بد له من إقامة الدليل فلا يقال إنّ الأصل في المعاملات الفساد ما لم يقم دليل على الصحة فلو شككنا في صدور الإنشاء من الأصيل فقد نشكّ في صدور المعاملة من

الفضولي والاصل عدم الصحة لأنّا نقول إنّ ما ثبت من الأدلة من الشرائط قد تحققت والشك بالنسبة إلى شرط آخر مدفوع بالإطلاقات اللفظية بل المقامية بل الأصل بمعنى لو شككنا بأن الشارع لو تمت الشرائط هل

ص: 286

اشتراط صدور إنشاء المبادلة من الأصيل أم لا . ورأينا أن العرف لا يساعد على هذه الشرطية فالأصل عدم اشتراط الشارع لهذه الشرطية .

قد ظهر لنا أن العقد الفضولي يكون صحيحاً فعلاً بعد الإجازة وهو على مقتضى القاعدة فإن البيع مثلاً اشترط وقيد بأمور منها رضا المالك فلو وجدت تلك الشرائط ثم حصل رضا المالك انطبق على البيع قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) نعم قد يستشكل في بعض الموارد كما في قابلية المجيز للإجازة في بعض الأحوال مما هو مذكور في محله. والأخبار الواردة في المقام تؤيد الكتاب والعرف ولذا اشتهر بينهم أن العقد الفضولي يصح إذ لحقته الإجازة ولا سيما في النكاح لورود الأخبار فيه (1) . وذهب الشيخ

ص: 287


1- ولا بد من ذكر جملة من الروايات التي تدل على صحة الفضولية في عقد الزواج وكفاية الرضا. 1 - ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام أنه سأله عن رجل زوجته أمه وهو غائب؟ قال النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه. أقول في السند إسماعيل بن سهل وقد ضعفه الأصحاب کما عن النجاشي . الوسائل باب7 أبواب عقد النكاح ح3 ، الكافي ج5 ص401 ح2. 2 - صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله علیه السلام في مملوك تزوج بغير إذن مولاه أعاصٍ لله؟ قال عاصٍ لمولاه قلت حرام هو؟ قال ما أزعم أنه حرام وقل له أن لا يفعل إلا بإذن مولاه . باب23 أبواب نكاح العبيد ح1 ، الكافي ج5 ص478 ح5 . 3 - صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السلام قال لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من ماله إلا بإذن مولاه . الوسائل باب23 أبواب نكاح العبيد ح1 ، الكافي ج5 ص477 ح1. 4 - صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال في رجل كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق الأمة وتزوجها قال لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود. الوسائل باب 23 أبواب نكاح العبيد ح3 ، الكافي ج5 ص478 ح6. 5 - صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما قلت أصلحك الله إن الحكم بن عنيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له فقال أبو جعفر علیه السلام أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز . الوسائل باب24 أبواب نكاح العبيد ح1 ، الكافي ج5 ص 478 ح3، التهذيب ج7 ص351 ح1432 . 6 - صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه؟ قال ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما فإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول فقلت لأبي جعفر علیه السلام فإن أصل النكاح كان عاصياً فقال أبو جعفر علیه السلام إنما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاص لله إنما عصى سيده ولم يعص الله إن ذلك ليس كإتيان ما حرّم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه . الوسائل الباب السابق ح2 ، الكافي أيضاً حديث 2، التهذيب ح1431. 7 - صحيحة معاوية بن وهب قال جاء رجل إلى أبي عبد الله علیه السلام فقال إني كنت مملوكاً لقوم وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن مواليَّ ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت؟ فقال له أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال نعم وسكتوا عني ولم يغيروا علي قال فقال سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم أثبت على نكاحك الأول. الوسائل باب27 أبواب نكاح العبيد ح1 ، الكافي ج5 ص478 ح4، التهذيب ج8 ص204 ح719.

الطوسي إلى عدم جريان الفضولية في النكاح واستدل عليه بأخبار أحدها من طرقنا وهو خبر المفضل بن عبد الملك البقباق (1) قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام رجل يتزوج الأمة بغير إذن أهلها؟ قال هو زنا إن الله يقول : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (2) لكن هذه الرواية ليست لبيان الزواج فضولاً بل الظاهر من لفظ زنا أنها ناظرة إلى وطي أمة الغير ولو بالتزويج من دون إذن أو إجازة وإنّه محكوم بالزنا وهذا نقول به فضلاً عن الالتزام به واستدل بأخبار عامية منها ما عن عائشة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل وبمضمونها أخبار لكن لا يصح الاعتماد على هذه

ص: 288


1- باب29 أبواب نكاح العبيد من الوسائل ح1 ، الفقيه ج3 ص286 ح1361، التهذيب ج7 ص348 ح1424 ، وفيها الرجل يتزوج الأمة بغير إذن أهلها . . .
2- سورة النساء، الآية: 25 .

المرسلات النبوية فهي ساقطة . وليعلم أن الشيخ الطوسي وغيره كالعلامة يعلمون أنّ هذه الأخبار المروية عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ليست بحجة كما أن الأخذ بالقياس وغيره ليس من طرقنا ومع هذا فقد استدلوا بتلك الأخبار وتلك الطرق مع عدم اعتبارهم لحجيتها من باب إلزام القوم وإثبات الأحكام المأثورة عن أهل البيت علیهم السلام بحجة دامغة للخصم وهذه طريقة الشيخ في الخلاف . وكيف كان فإن العقد الفضولي بعد لحوقه بالإجازة يصح بالصحة الفعلية .

ثم إنّه قد ورد في صحيح البزنطي (1) وصحيح داود بن سرحان (2) أنّ البكر سكونها رضاها أو إذنها وفي بعضها (3) - الضعيف سنداً - سكوتها إقرارها وفي بعضها صمتها ولذا ذهب علماؤنا إلى كفاية سكوت البكر في مقام الإذن في النكاح أو الإجازة له. أما كفاية سكوتها بالنسبة إلى الإذن فيظهر في صحيح داود بن سرحان بالنسبة إلى استيجاز الأخ لها فإذا سكتت يكون سكوتها إذناً منها. وأما سكوتها بالنسبة إلى عقد صدر فضولاً وأنه هل هو بمنزلة الإجازة . يظهر ذلك من إطلاق صحيح البزنطي. وقد ذهب ابن إدريس إلى عدم كفاية سكوتها وأنه لا بدّ من النطق في مقام الاستنطاق إما بنعم أو لا . وهذا منه لأنه لا يعمل بخبر الآحاد - فقوله مخالف لطريقة العرف وللأخبار الواردة في الباب . والمشهور هو المنصوص . لكن صور السكوت على ما في الجواهر ستّة .

ص: 289


1- قال قال أبو الحسن علیه السلام في المرأة البكر إذنها صماتها والثيب أمرها إليها . الوسائل باب 5 من أبواب عقد النكاح ح1 ، الكافي ج5 ص394 ح8.
2- عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل يريد أن يزوج اخته قال يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها.
3- الباب السابق ح3 وفيها في قصة زواج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام الله أكبر سكوتها إقرارها . أمالي الطوسي ج1 ص38.

1 - سكوت يوجب القطع بالرضا لوجود القرائن الحافة به وهذا هو القدر المتيقن من الأخبار الواردة والمفتى به عند الكل إلا ابن إدريس .

2 - سكوت مقرون بقرائن تفيد الظن برضاها .

3 - سكوت لا إمارة فيه على الرضا ولا على الكراهة .

4 - سكوت دال على عدم الرضا.

5 - سكوت مقرون بما يفيد الظن بالكراهة .

6 - ما إذا كانت أمارات الرضا وأمارات الكراهة متعارضة .

وحينئذٍ فقد يقال إنّ مقتضى إطلاق الأخبار حجيتها في ما عدا الصورة الرابعة لأنها تتصرف عنها يقيناً وفي العروة خص الحجية في الصورتين الأولى والثانية ويظهر هذا من صاحب الجواهر حيث نقل عن بعض الأصحاب اختصاص الحجية بما عدا الصورة الرابعة وما بعدها .

والتحقيق إنه لا ريب في أمارية السكوت في بعض الموارد على بعض الأمور فلا بد إذن من تحرير المسألة من حيث المبنى والبناء .

أما الأول : فهل يمكن جعل الحجية لما لا يكون بنفسه حجة أم لا؟

وأما الثاني : هل أن الروايات الواردة بصدد إمضاء ما هو المعروف عرفاً عن البكر من أنها في مقام الرضا يمنعها الحياء من التصريح بالقبول بخلاف مقام الكراهية فإنه لا داعي للحياء من قولها لا صريحاً. وهكذا يكون سكوتها عرفاً دالاً على الرضا وحينئذٍ نقول هل الشارع أمضى هذه الحجية أم لا بمعنى أنه أعطى الموضوعية للسكوت تعبداً فإن سكتت البكر في مقام الاستنطاق يكون سكوتها موضوعاً لصحة التزويج والصورة الرابعة خارجة من الأخبار بحسب الفهم العرفي . وهذا الأمر هو نفسه بالنسبة إلى جملة من الموارد التي ورد فيها حكم شرعي وكان في المقام حكم عقلي

ص: 290

أو عرفي أو أصل عقلائي فيتردد حكم الشرع بين الإمضاء والتأسيس. ولكن نقول إنّ وجود الحجية لجملة وافرة من موارد السكوت يمنعنا من إعمال الموضوعية بالتعبد من الشارع لأن الحجية كانت موجودة فلم يعلم أن الشارع كان في مقام أعمال مولويته مضافاً إلى أن ما طبعه الطريقية ولو بالنسبة إلى جملة من موارده إذا جعل موضوعاً لحكم كان ذلك خارجاً عن طبعه . مثلاً العلم بالشيء طريق إليه فجعله جزءاً من الموضوع تعبداً يحتاج إلى دليل. فالسكوت من البكر بحسب طبعه دال على الرضا بالتزويج فإذا أراد المولى إعمال المولوية فيه بجعله سبباً لصحة النكاح احتاج إلى مؤونة زائدة ولا بد من قيام قرينة عليها. وعلى هذا فلا يمكن فهم التأسيس التعبدي وإعمال الموضوعية من هذه الروايات في سكوت البكر فلو كان السكوت دالاً بالدلالة العرفية على الرضا لاكتفينا به ولعله إلى ذلك يرجع ما في العروة. وأما إذا لم يدل السكوت عرفاً على الرضا فلا يمكن الاعتماد عليه في مقام التزويج. أضف إليه أمر شدة النكاح والاحتياط في الفروج.

قال في الشرايع : وتكلف الثيب النطق فلا يكتفى بسكوتها كما في البكر اقتصاراً على مورد النص ولا يمكن القول بالتعدي لعدم العلم بالملاك إلا أن صاحب الجواهر قيد عبارة الشرايع بما إذا لم يكن سكوتها دالاً على رضاها لأن عقد النكاح إنشاء للزوجية مع رضا الطرفين، نعم ورد في بعض الأخبار إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام واستظهر منه جماعة أن الأمور الإنشائية حتى الرضا لابدّ من أن تبرز بالكلام ولذا استدلوا به على بطلان المعاطاة وقد مضى في كتاب البيع أن محتملات هذا الخبر كثيرة والظاهر منها أن ما يحلل وما يحرم هو الكلام بما له من المدلول بمعنى أن غرضاً واحداً إذا أتي به بما له من المعنى ممنوعاً شرعاً لا يكون نافذاً مثلاً لو كان

ص: 291

الغرض من الدين أخذ الفاضل فلو أن شخصاً توسل إلى حصوله بالربا كان حراماً لكنه يمكنه أن يفر منه إلى الحلال وقد ورد نعم الفرار الفرار من الحرام إلى الحلال (1) في بعض (2) من الباطل إلى الحق. فلا دليل على لزوم اللفظ في جميع الموارد نعم قد ثبت اعتباره في جملة منها وعلى هذا فلو ظهر من سكوت الثيب الرضى بالتزويج أمكن الاكتفاء إلا أن الظاهر عرفاً أنه لا يدل على ذلك في أغلب الموارد فإن البكر تمتنع عن الكلام إما حياءً وإما حفظاً لشأنها وأما الثيب فيمكنها التكلم نفياً أو إثباتاً . ولو كانت البكر مملوكة فالاعتبار بإذن مالكها لقوله تعالى : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (3) ولو زوجت فضولاً وقف النكاح على إجازة المالك . وكذا لو كانت المزوجة صغيرة فيعتبر إذن الأب أو الجد ولو زوجت فضولاً فأجاز الأب أو الجد صح النكاح .

قال في الشرايع : الخامسة : اشترطوا في الولي على النكاح أن يكون حراً وقد شاعت كلمات الأصحاب على أنه لا ولاية للعبد على ابنه وابنته وإن تحرر أكثره والدليل عليه مع قطع النظر عن الإجماع فإنه مدركي أو

ص: 292


1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألته عن الصرف فقلت له أشتري ألف درهم وديناراً بألفي درهم فقال لا بأس بذلك إن أبي كان أجرأ على أهل المدينة مني فكان يقول هذا فيقولون إنما هذا الفرار لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار وكان يقول لهم نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال . نقل موضع الحاجة من الرواية . الوسائل باب6 أبواب الصرف ح1 ، الفقيه ج3 ص185 ح834 ، الكافي ج5 ص246 ح9 وص 247 قبله ذيل ح 9 .
2- وفي صحيحة الآخر عن أبي عبد الله علیه السلام قال كان محمد بن المنكور يقول لأبي علیه السلام يا أبا جعفر رحمك الله والله إنا لنعلم أنك لو أخذت ديناراً والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تحد من يعطيك عشرين ما وجدته وما هذا إلا فرار فكان أبي يقول صدقت والله ولكنه فرار من باطل إلى حق . الوسائل باب 16 أبواب الصرف ح2 ، الكافي ج5 ص247 ح10 ، التهذيب ج7 ص104 ح446 .
3- سورة النساء، الآية : 25.

مظنونه قوله تعالى (عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) (1) وقد ورد تفسير عدم القدرة في الروايات بعدم نفوذ تصرفاته الوضعية كنكاحه بالنسبةِ إلى نفسه وعدم ولايته على ولده أولى. نعم قد خرج عن هذه الكلية طلاقه لأنه بيد من أخذ بالساق وبقي ما عداه تحت إطلاق عدم سلطنته على أي شيء. فالنسبة بين أدلة ولاية الأب والجد وقوله تعالى (لا يقدر على شيء) عموم من وجه يتعارضان في ولاية الأب العبد على ولده وبعد السقوط يرجع إلى أصالة عدم ولاية كل أحد على أحد . لكن التحقيق أن أولاد العبد إما أن يكونوا مماليك فالسلطنة عليهم للمالك وإما أن يكونوا أحراراً وقد يمكن القول إنّ دليل نفي سلطنة العبد ناظر إلى التصرفات التي تمس المولى بمعنى أن كل تصرف منه يعارض مولوية المالك يكون مسلوب النفوذ لو صدر عن العبد تعبداً فالشارع أعطى السلطنة للمالك في كل ما يكون تحت ملكه وسلطنته من العبد والمال . وأما الأحرار من ولده فليسوا تحت حيطة مولوية السيد وسلطانه فلا يشمل دليل نفي السلطنة عن العبد على نفسه وشؤونه ما ليس للمولى سلطنة عليه ولذا لو قلنا بعدم سلطنة العبد على نكاح ابنه وابنته الصغيرين فلا ريب في رجوعها إلى الحاكم ولذا صرحوا بأن المالك إذا أذن لعبده في تزويج ولده لم يصح بل لو أذن له في تزويج ابنته المملوكة للمولى لم يكن من الولاية بل كان من الوكالة . وأما قضاء العبد لو قلنا بنفوذه مع إذن المولى فليس معناه إعطاء السلطنة من السيد له إذ إنّ القضاء منصب إلهي والعبد لما كان ممنوعاً من التصرف احتاج إلى إذن المولى فيه . وكيف كان فلا ولاية لمالك العبد على الأحرار من ولد العبد، ولو لم يكن إجماع محصل على خلاف ما نقول لكان المصير إلى ثبوت الولاية للعبد على تزويج ولده الأحرار متيناً جداً.

ص: 293


1- سورة النحل، الآية : 75 .

واشترطوا أن يكون الولي مسلماً فإذا كان الولي كافراً فلا ولاية له على ولده المسلم كما لو أسلم قبل بلوغه وقلنا باعتبار إسلامه كما هو الحق حيث إنّه لا يمكن القول بعدم اعتبار إسلامه كذلك إذا كان عن برهان علمي مُدْرَك له وقد استدلوا على عدم ولاية الكافر على المسلم بأمور:

الأول : قوله تعالى : ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) (1) فإن الولاية سبيل وقد نفى الله السبيل مطلقاً للكافر على المؤمن وذلك لأن اللام إذا لم يكن عهد ودخلت على الجمع أفادت العموم. لكن يمكن القول إنّ الظاهر من السياق أن السبيل هنا عبارة عن الغلبة في الحجة وإنّه ليس للكافر حجة على المؤمن لأنه ضال فلا يمكنه الإرشاد إلى طريق الهداية وهذا موافق للواقع .

الثاني : قوله صلى الله عليه و آله و سلم «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(2) استدلوا به على سلب مطلق العلو للكافر على المسلم حتى إنّ بعضهم استدل به على عدم جواز رفع الذمي حائطه أزيد من حيطان جيرانه المسلمين ولكن يمكن الخدشة فيه بما سمعته في الأول فإن علو الإسلام علو واقعي حقيقي لنفس الإسلام بما له من المفاد الشامل للعقائد الحقة والنظم الاجتماعية والأحكام الفرعية فلا يعلى عليه طبعاً .

الثالث : قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ (3) فلا تكون الولاية من الكافر على المسلم وأنت خبير بأنه لو أخذنا بإطلاق الآية كان اللازم ثبوت ولاية كل مؤمن ومؤمنة على كل مؤمن ومؤمنة في كل أمر وهذا تقضى الضرورة بخلافه ولو قيل إنّ الآية في مقام إثبات الولاية لبعض

ص: 294


1- سورة النساء، الآية : 141.
2- الوسائل باب1 أبواب موانع الإرث ح11 ، الفقيه ج4 ص243 ح778.
3- سورة التوبة، الآية : 71 .

المؤمنين على بعض قلنا إنّها حينئذٍ في قوة الجزئية لأنها مهملة أضف إليه أن الولاية لم يظهر أنها بمعنى السلطنة .

الرابع : الإجماع القائم على عدم ولاية الكافر على المسلم إذ لا خلاف بينهم في ذلك لكن هذا الإجماع قد يسقط عن الاعتبار لا مكان كونه مدركياً فالإجماع ليس حجيته ذاتية فكون إجماع الأمة سبباً للحكم الشرعي إنما هو عند المصوبة أما الشيعة فحجية الإجماع باعتبار كشفه عن رأي المعصوم علیه السلام وإن اختلفوا في وجه حجيته هل لكشفه عن دخول رأيه علیه السلام في المجمعين أم لقاعدة اللطف . . والحق كما هو عليه جمع من المتأخرين من الأصوليين هو استكشاف رأي المعصوم علیه السلام على نحو اليقين من توافق أراء العلماء من القدماء كافة إلى المتأخرين حيث إنّه من المحال اجتماع العلماء كافة المبرَّأون عن الفسق على حكم من دون صدوره أو وصوله عن المعصوم علیه السلام إليهم. ولذا نقول: إنّ الاجماع إذا كان مستنداً إلى دليل سمعي أو قاعدة عقلية أو كان المظنون فيه ذلك لم يكن حجة وكاشفاً عن رأي المعصوم علیه السلام ولذا يكون الإجماع غير المعلل أقرب إلى الواقع من الإجماع المذكور مع الأدلة فإن إحاطة الإجماع بالأدلة يستلزم الظن أو القطع بكونه ناشئاً منها وحينئذٍ لو كانت تلك الأدلة مخدوشة كان مخدوشاً فإن الفرع لا يزيد على الأصل لكن ربما كانت المسألة إجماعية عند القدماء إلا أن المتأخرين ذكروا أدلة أو شبه أدلة على سبيل التأييد وقد صدر هذا من الطبقة الأولى من المتأخرين لمواجهتهم لأهل السنة ولذا قلنا دفاعاً عن ضعف أدلة هؤلاء في كثير من الموارد إنّ هذه الأدلة أقاموها في قبال أهل السنة وإلا فلا يُظن بمثل العلامة أن يعتمد في الأحكام على مثل تلك الأدلة الظاهرة الضعف بنفس تصورها . فإذا رأينا في مقام أنّ ما حُفَّ به الإجماع من أدلة ضعيفة على حكم يكون الإجماع قابلاً للكشف عن قول المعصوم علیه السلام وفيما نحن فيه لو رأينا

ص: 295

الإجماع المدعى مؤيداً بمثل الإسلام يعلو ولا يعلى عليه لو صح سنده لا يمكن أن يكون ناظراً إلى سلب ولاية الكافر عن ولده الصغار بالنسبة إلى إنكاحهم نعلم أن هذا الإجماع ربما يكون كافياً في المسألة. ويمكن تأييد الإجماع بأمرين:

الأول : إن ولاية الكافر على المسلم تستلزم الفساد لأن الكافر يرى الكافرة كفئاً لابنه أو لابنته ويظهر من الروايات أن القائم بأمر ولاية القصر لابدّ من أن يكون ناظراً فيما يصلحهم وأنه انظر لهم ومعناه أن الولاية لم تجعل للكافر إذ ليس له أهلية النظارة على نكاح أولاد المسلمين إلا أن هذا قابل للنقاش بأنه أخص من المدعى إذ لنا فرض الكلام فيما لو اختار الكافر لابنه زوجة مسلمة صالحة وكذا اختار لابنته زوجاً مسلماً .

الثاني : إنّ الولاية إضافة إلى كونها جعلت لحفظ المولى عليه في نفسه وأمواله مستلزمة للاعتلاء والسلطان وإعطاء الولاية إعطاء لهذا المنصب فلابدّ من أن يكون صاحب هذا المنصب قابلاً له ومن البديهي أن المعلوم من مذاق الشارع أن الكافر لا يصلح لأن يكون له سلطان على المسلم.

وأما ولاية الكافر على الكافر فهي ثابتة في مورد النكاح لكن على حسب مذهبهم والدليل أما بالنسبة إلى مورد النكاح فقوله صلی الله علیه و آله و سلم إن لكل (1) قوم نكاحاً فإن الشارع امتناناً منه أمضى نكاح كل قوم حسب ما يرونه ولذا يكون ولد النكاح من الكافر ابن حلال لا ابن زنا فيتوارثان .

الثاني : قوله صلی الله علیه و آله و سلم ألزموهم (2) بما ألزموا به أنفسهم وهذا إمضاء لما يصدر عن الكافر من المعاملات والإيقاعات والنكاح عقد من العقود المبني

ص: 296


1- التهذيب ج7 ص472 ح1891.
2- الوسائل باب 30 أبواب مقدمات الطلاق ح5 - ح6 ، التهذيب ج8 ص58 ح190 . الوسائل باب 3 أبواب ميراث المجوس ح2 ، التهذيب ج9 ص322 ح1156 .

عليه التناسل والتوارث. فلو كان في مذهب كافر الولاية للأب ثابتة على الصغيرين وزوج أحدهما كان نافذاً .

الثالث : إنّ المطلقات الواردة في باب ولاية الأب والجد لم تخصص بالنسبة إلى الكافر إذا كان المولى عليه كافراً مثله نعم خصصت بما إذا كان المولى عليه مسلماً أو بحكمه حيث إنّ القوم أجمعوا على عدم ولاية الكافر على المسلمين من ولده. وربما يستدل بقوله تعالى الوارد(1) في الكافرين وأنهم أولياء بعضهم فيقال إنّ الكافر ولي الكافر بل ذهب الشيخ إلى أنه لو وجد لمن يحكم بكفره وليّان مسلم وكافر كان الكافر أولى بالولاية وليس للمسلم شركة فيها لكن هذا الدليل غير تام إذ لم يعلم المراد من الولاية فيها ولا سيما أن السياق يشهد بأن المراد المحبة والمودة مضافاً إلى أن بعضهم أولياء بعض إن كان المراد منه الاستغراق فهو مما لم يقل به أحد فإن مثل هذه الولاية غير مجعولة بل غير قابلة للجعل وإن لم يكن المراد منها الاستغراق فهي مجملة في تعيين البعض مع أنها مهملة والمهملة غير قابلة للكبروية. وظهر مما ذكرنا أنه لو اشترك مسلم وكافر في طبقة واحدة - كالأب والجد - كانت لهما الشركة في الولاية خلافاً للشيخ حيث قدم الكافر وخلافاً لبعضهم حيث ذهب إلى تقديم ولاية المسلم على الكافر لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ومن المعلوم أن قوله يعلو . . وإن كان ناظراً إلى الولاية لا يمكن تطبيقه على المقام إذ تشريك الكافر مع المسلم فيها لا يستلزم علو الكفر على الإسلام لأن المولى عليه حسب الفرض كافر وولاية الكافر على الكافر لا تكون علواً للكفر على الإسلام. ولو كان الأب كذلك أي كافراً والمولى عليه مسلماً أو بحكمه يثبت الولاية للجد خاصة مع كونه مسلماً .

ص: 297


1- سورة الأنفال الآية 73 (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) .

وكذا لا ولاية لوجن الأب أو أعمى عليه أو كان سكراناً وقد يقال إنّه لا ولاية للسفيه لكن يمكن القول بثبوتها له إذ الحجر عليه يكون في التصرفات المالية وهذا لا يستلزم منعه عن تزويج ابنه أو ابنته فالحق أن له الولاية إلا إذا كانت السفاهة غالية على رأيه حتى في اختيار الزوج لابنته أو الزوجة لابنه .

يشترط في الولي أن يكون عاقلاً ليميز الصلاح من الفساد فلا ولاية للمجنون والمغمى عليه بخلاف النائم إذ إنّ النوم أمر عادي ولذا لم يذكروا عدمه في عداد شرائط الولاية والأمر سهل بعد عدم إمكان صدور الإنشاء من النائم إذ لا قصد وأما السكران فلا ولاية له بل في التذكرة وإن بقي له التمييز في الجملة إلا أن الشهيد الثاني «ره» رجح في المسالك ثبوت الولاية له بشرط التمييز والحق معه إذ لا دليل تعبدي في البين وإنما ذكروا زوال ولايته باعتبار أنه لا يميز بين الخير والشر ولا يكون مدركاً ومن المعلوم أن السكر مراتب وليس زوال الإدراك هو القدر المشترك بين جميع المراتب فلا يكون السكر بجميع مراتبه مانعاً من بقاء الولاية ولو زال المانع عادت الولاية واستظهر صاحب الجواهر منها أو ولاية الكافر والرق وغير العاقل ثابتة إلا أن تلك الأمور موانع من تأثيرها لكن المشهور أنه لا ولاية للكافر والمجنون والعبد والمغمى عليه ثم ذكر أن الفرق يظهر في أن الحاكم الشرعي هل تكون له الولاية ولو لم نقل بثبوتها له بالحكومة العامة فإن الولي إذا كان مسلوب الولاية فعلاً يقوم مقامه الحاكم مع احتياج المولى عليه للتزويج وإن لم نقل بثبوت الولاية العامة له بينما إذا قلنا إنّه لا ولاية للولي إلا بالشرائط المذكورة فحينئذٍ لا تثبت ولاية الحاكم إلا باعتبار ولايته العامة. ولكنك خبير بإمكان المناقشة حتى في الشق الأول لأنه لا دليل على ثبوت الولاية للحاكم بمجرد أن يمنع الولي الأصلي عن إعمال ولايته في حق المولى عليه

ص: 298

بل قيام الحاكم مقامه متفرع على ولايته العامة فإذا كانت الولاية العامة غير ثابتة فلنا القول إنّه لا فرق . ثم إنّه يمكن التفصيل بين هذه الشرائط فنقول إنّ الكفر يزيل الولاية لا أنه مانع فإن مقتضى الأدلة التي ذكروها على عدم ولاية الكافر أن الولاية غير ثابتة له حيث لا قابلية له لذلك وكذا الرق حيث إنّ قوله تعالى (عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) ناظر إلى نفي السلطنة الوضعية بما لها من الأنواع فلا قابلية له أيضاً للولاية. نعم بقرينة ذيل الآية (وهو كل على مولاه) تكون ناظرة إلى نفي سلطنته فيما يتعلق بمولاه وهذا لا ينافي ولايته على ولده الصغار والأحرار. وأما الإغماء والسكر فيمكن أن يقال إنّهما مانعان من نفوذ الولاية وذلك لمناسبة الحكم والموضوع فإنهما ليس من الموانع لأصل جعل الولاية بل مانعان من نفوذها ويؤيده ما مر من أن السكرى (1) إذا زوجت نفسها ثم رضيت بعد الإفاقة صح التزويج بالصحة الفعلية. ثم إنّه لا إشكال ولا خلاف في أن للأب ولاية مستقلة على تزويج ابنه وابنته وللجد ولاية مستقلة أيضاً ونتيجة ذلك أنه لو سبق أحدهما الآخر في إنشاء العقد صح. ولو تقارن عقداهما على ابنتهما بأن عقدها الأب لزيد والجد لعمرو في زمان واحد يقدم عقد الجد وإلى ذلك أشار في الشرايع بقوله ولو اختار الأب زوجاً والجد آخر فمن سبق عقده صح وبطل المتأخر وإنما الإشكال والكلام إن تشاحَّا بأن اختار لها الجد زوجاً والأب زوجاً آخر فهل يجب على الابن تقديم أبيه وتكون أولوية الجد أولوية وجوبية أو يستحب له تقديمه أو عقد الأب لا يصح مع كراهة الجد فتكون أولوية الجد أولوية وضعية شرطية فلا أقل من كون إرادة الجد مانعة من صحة عقد الأب . والنتيجة تظهر في مورد الجهل بتاريخ صدور العقدين ولابدّ من ذكر

ص: 299


1- الوسائل باب 14 أبواب عقد النكاح ح1 ، التهذيب ج7 ص392 ح1571 . الفقيه ج3 ص259 ح1230 .

بعض الروايات الواردة في المقام فنقول ورد في صحيح (1) محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ولابنه أيضاً أن يزوجها فقلت إن هوى أبوها رجلاً وجدّها رجلاً فقال الجد أولى بنكاحها. يظهر من الصدر استقلال كل منهما بالنكاح ويظهر من العجز أن الجد أولى في مورد الاختلاف لكن لفظ أولى محتملاته ثلاثة كما ذكرنا آنفاً وورد في صحيح (2) هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله علیه السلام قال : إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجد أولى. والظاهر أن المراد من الأول الأول من حيث الزمان أي المتقدم زماناً. والظاهر من قوله فإن كانا في حالة واحدة إما إرادة التزويج وإما التزويج الحاصل والاحتمال الأول وإن كان موافقاً لصحيح محمد بن مسلم إلا أن صدر الرواية يدل على الثاني فالأولوية هي أولوية وضعية والحكم الوضعي في المقام هو النفوذ واللزوم. ويدل على ذلك ما في موثقة (3) الفضل بن عبد الملك البقباق (باب 11 ح6) عن أبي عبد الله علیه السلام قال إذا زوج الرجل فأبى ذلك والده فإن تزويج الأب جائز وإن كره الجد ليس هذا مثل الذي يفعله الجد ثم يريد الأب أن يرده. ولابدّ من الكلام في سند هذه الموثقة ودلالتها أما السند فإن الشيخ الكليني رواها عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد عن البزنطي عن داوود بن الحصين عن أبي العباس والكلام بالنسبة إلى داوود وقد ذكر النجاشي أنه ثقة وأنه زوج خالة علي بن الحسن بن فضال وكان يصحب أبا العباس البقباق وظاهر تعبير

ص: 300


1- الوسائل باب 11 أبواب عقد النكاح ح 1 ، الكافي ج5 ص395 ح2، التهذيب ج7 ص390 ح1561 . الفقيه ج3 ص259 ح1230 .
2- الوسائل باب 11 أبواب عقد النكاح ح 3 ، الكافي ج5 ص395 ح4 ، التهذيب ج7 ص390 ح1562 . الفقيه ج3 ص250 ح1193.
3- الوسائل باب 11 أبواب عقد النكاح ح 6 ، الكافي ج5 ص 396 ح6 ، التهذيب ج7 ص390 ح1563 . الفقيه ج3 ص250 ح1193.

النجاشي بالثقة أنه عدلٌ إمامي إلا أن الشيخ قال إنه واقفي ولذا اشتبه الحال على جمع من الفحول فالعلامة مثلاً يعبر عن الخبر الذي في سنده داوود تارة بالصحيح وأخرى بالتوقف في قبوله روايته لكن ذكرنا مراراً أنّ المدار في حجية الخبر على صدق الراوي وعليه فتكون الموثقات على حد الصحاح من حيث الحجية إذ إنّ الحجية طريق عقلائي وعليه فلا مجال للنقاش في السند (1) . ثم إن المراد بأبي العباس الفضل بن عبد الملك بقرينة رواية داوود عنه وهو من أصحاب الصادق علیه السلام ذكره النجاشي وقال إنّه كوفي ثقة عين. ولم يُذكر فيه ضعف من الرجاليين لكن استشكل في حقه لأنه عاتب الإمام علیه السلام وناقشه في حجب حريز (2) بن عبد الله عندما أراد الدخول على الإمام علیه السلام فلم يأذن له لأنه شهر سيفه في وجه الخوارج في سجستان ولأن حريز قد سافر إليها للتجارة فاعترض الفضل على الإمام علیه السلام وقال إنّ منعك من إدخاله أشد عقوبة . . فهذه القضية جعلها القوم تضعيفاً لحريز والفضل معاً. أما حريز فلأنه شهر السيف بغير إذن الإمام علیه السلام فيكون كمعلي بن خنيس وغيره ممن أمروا بالصمت والكتمان ثم أذاعوا سر الأئمة علیهم السلام وقتلوا وقتال الخوارج من دون إذن من الإمام فسق فحريز فاسق وأما البقباق فلو كان ممن يعرف الإمام حق المعرفة لما اعترض عليه .

وأنت خبير بأن شهر السيف من حريز لم يعلم كونه بعد نهي الإمام علیه السلام عنه . نعم كانت الشيعة تعلم أن القيام بالسيف من خصائص الحجة علیه السلام وعليه فقد يكون حريز معذوراً في الواقع خاصة أن ذلك يدل على همته في أن يزيل تلك الفئة الفاسدة المفسدة. مضافاً إلى أنه لو وجد نهي كما في المعلى بن خنيس لم يعلم كونه نهياً تحريمياً مولوياً حتى تكون مخالفته

ص: 301


1- بل للمناقشة في سهل بن زياد مجال واسع. ولذا تخرج الرواية عن الموثق.
2- النجاشي 375 .

موجبة للفسق إذ لما لا يكون إرشادياً إلى حفظ النفس فمن الممكن أن يكون في الواقع مصلحتان لازمتا الاستيفاء والمكلف مخير بينهما نشر فضائل أهل البيت علیهم السلام وحفظ النفس ولولا تضحية جملة من الشيعة بنفوسهم لما انتشرت فضائلهم علیهم السلام كما ينبغي أن نلاحظ أن المعلى عندما قتل بكاه الإمام علیه السلام وترحم عليه وكان أيضاً قد نهاه ومن هنا نعلم أن نهيه إرشادياً. وعلى هذا يكون حجب الإمام علیه السلام حريزاً عن الدخول إنما هو للشفقة عليه وليكون ذلك سبباً لارتداع حريز عما يوجب وقوعه في التهلكة. ولعل إلى هذا یرجع ما ذكره جملة من الرجاليين أن فعل الإمام علیه السلام مجمل الوجه ومجرد حجبه له لا يدل على فسقه بعد ما نرى من الرجاليين أن حريز من الثقات (1) والمقربين إلى الإمام علیه السلام ومن صحبة أصحابه. ومن ذلك نعرف وجه العتاب الصادر عن أبي العباس فإنه لصحبته حريزاً كان يعلم ولاءه التام للإمام فعتابه كان استشفاعاً لحريز لا خصومة للإمام علیه السلام (2) فسند الرواية إما صحیح إذا قلنا إنّه لا عبرة بقول الشيخ من كون داود واقفياً وأما موثق إن اعتبرنا قوله . وأما دلالة الخبر فقد دل هذا الموثق بوضوح على أنه تزويج الرجل ابنه او ابنته نافذ ومجرد منع الجد لا يكون موجباً لبطلان العقد الصادر عن الأب إذ معنى جواز تزويج الأب نفوذ تزويجه في عالم الاعتبار وقوله وإن كره الجد لا يكون مانعاً عن نفوذ عقد الأب لو صدر ثم إن إطلاق

ص: 302


1- وثّقه الشيخ قال 250 حریز بن عبد الله السجستاني ثقة الرجال. معجم رجال الحديث ج 4 ص 250 . قال السيد الخوئي (قد) إن رواية النجاشي أن أبا عبد الله علیه السلام جفا حريزاً وحجبه عنه لا تنافي وثاقته فإن تجريده السيف من دون إذن الإمام وإن كان ذنباً كما يظهر من الرواية إلا أنه قابل للزوال بالتوبة ولا شكّ أن حريزاً ندم على فعله . . .
2- قال السيد الخوئي (قد) في المعجم في ترجمة الفضل بن عبد الملك ص 306 ج 13 أقول إن هذه الصحيحة (رواية الكشي) وإن دلّت على جرأة الفضل وسوء أدبه بالنسبة إلى الإمام علیه السلام إلا أنها لا تنافي وثاقته ولعلها كانت زلة منه فتذكر بعدها.

العبارة شامل لما لو كانت الكراهة سابقة للعقد وقوله علیه السلام ليس هذا مثل الذي يريد أن يفعله الجد ويريد الأب أن يرده معناه ليس وقوع العقد من الأب مع عدم مانعية كراهة الجد لنفوذه مثل ما إذا عقد الجد وأراد الأب أن يرده حيث لا حق له في رد عقد الجد وإنما ذكر هذه العبارة لبيان أن الجد أيضاً له ولاية مستقلة. ومنه ظهر أن ما قاله صاحب الجواهر من أن معنى قوله الذي يفعله الجد الذي يريد أن يفعله الجد من إنشاء العقد ومعنى يريد الأب أن يرده أي يريد أن يزوج ابنه أو ابنته والمفهوم منها أن الجد أولى بالعقد من الأب وما ذكره لا يظهر من الرواية بل يظهر كونه تأويلاً بعيداً إذ الظاهر من قوله يفعله أي ما يأتيه خارجاً ويوجده لا ما يريد أن يعمله والظاهر من رده رد ما حصل لا إيجاد ما يضاد الجعل . وكيف كان فما ذهب إليه في المسالك من كون الجد أولى بالنكاح من الأب إلا أن هذه الأولوية استحبابية بل لو سبق الأب إلى العقد صح صحيح وهو الظاهر من الروايات بل الظاهر أنه إجماعي كما ذكر الفاضل الأصفهاني في کشف اللثام حيث قال إنّه لو سبق عقد الأب مع كراهة الجد كان عقده نافذاً باتفاق الأصحاب نعم استشكل في الجواهر في الدليل وقال إنّ الظاهر من كلمة أولى الواردة في بيان الماهيات المخترعة شرعاً الأولوية في الصحة بأن تكون ناظرة إلى اشتراط صحة عقد الأب بعدم صدوره في حال خلافه مع والده لكن هذا الاستظهار بمجرده لا يكفي في رفع اليد عن مثل موثق أبي العباس وغيره وفي الإعراض عن فتوى الأصحاب «قده». ومنه يعلم أنه لو تشاحا قدم اختيار الجد لكن ما لم يسبق الأب بالعقد إذ معه لا يبقى موضوع لاختيار الجد كما سيأتي .

بقي الكلام في أن الأولوية هل هي وجوبية أم استحبابية رجح صاحب الجواهر كونها وجوبية مؤيداً ذلك بوجوب إطاعة الأب لأبيه فإذا نهاه عن تزويج ابنته لمن يهوى كان مخالفة ذلك حراماً ولفظ الأولى يقال في غير

ص: 303

الوضعيات في مورد الرجحان المطلق غير المنافي لجواز الترك فإن أفعل التفضيل لا يدل على اللزوم إلا إذا كان وصفياً وهو خلاف الظاهر منه وما ذكره من لزوم إطاعة الولد لأبيه لم يدل عليه دليل عام يسري في جميع الموارد والتفصيل موكول إلى محله . ثم إنّه هل حكم أبي الجد بالنسبة إلى الجد كالجد بالنسبة إلى الأب في كونه أولى وجوباً أو استحباباً أو وضعاً ظاهر الروايات العدم لأن أبا الجد والجد كلاهما جد وربما يقال بالعموم كما في بعض الروايات من قوله صلی الله علیه و آله و سلم (1) : أنت ومالك لأبيك فإنه كالكبرى الكلية بالنسبة إلى أولوية كل أب لشخص ومال ابنه لكن هذا الكلام لم يصدر منه صلی الله علیه و آله و سلم في مقام التشريع بل صدر لبيان مكانة الأب ومنزلته بالنسبة للابن .

إذا علم سبق عقد الأب على عقد الجد قدم عليه وكذا العكس أما لو لم يعلم سبق أحدهما بالعقد فهل القاعدة تقتضي ترجيح عقد الجد أو الرجوع إلى القرعة أو غير ذلك وهذا بعد الاتفاق على أنه لو أوقعاه في حالة واحدة قدم عقد الجد دون الاب. لدلالة بعض الصحاح التي تقدمت على أولوية الجد. . . فنقول ذهب صاحب الجواهر إلى تقديم عقد الجد وذلك لأنه نستصحب عدم صدور عقد كل منهما إلى زمان صدور عقد الآخر فيثبت التقارن ويقدم عقد الجد على ما في صحيح (2) هشام بن سالم. واستدل أيضاً بأن شرط صحة عقد الأب عدم سبق عقد الجد ولا عكس وحينئذٍ لا ريب ولا خلاف في صدور العقد من الجد فإن كان هو السابق في الواقع كان عقده المؤثر وإن كان المتأخر فهو يكشف عن بطلان عقد الأب لأنه يشترط في صحته عدم سبق عقد الجد وهذا شرط غير محرز فلا يحكم بصحته ويقوم عقد الجد أيضاً. ورجح صاحب العروة تقديم عقد الجد حتى

ص: 304


1- الكافي ج5 ص136 ح6 .
2- الوسائل باب 11 أبواب عقد النكاح ح3.

في صورة العلم بتاريخ صدور عقد الأب والجهل بتاريخ صدور عقد الجد فإن كان عقد الأب مجهول التاريخ يقدم عقد الجد بناءً على جريان أصل العدم في مجهول التاريخ فنقول إنّ يوم السبت مثلاً تحقق عقد الجد ولم نعلم بزمن عقد الأب هل كان يوم الجمعة أو يوم الأحد وعلى الأول يكون صحيحاً وعلى الثاني يكون باطلاً وبإصالة تأخر الحادث أي استصحاب عدم صدوره إلى ما بعد السبت يثبت صحة عقد الجد. أما لو كان المعلوم تاريخه عقد الأب دون الجد يقدم عقد الجد أيضاً لظاهر موثق (1) عبيد بن زرارة حيث يشترط سبق عقد الأب على الجد في الصحة واستصحاب عدم صدور العقد من الجد إلى ما بعد صدوره من الأب لا يثبت كون عقد الأب أسبق صدوراً فإن الأصل لا يثبت لوازم المستصحب ولا العناوين المنتزعة من المستصحب باعتبار إضافته إلى أمر آخر . هذا كلامهما «قده» .

والتحقيق يقتضي الإشارة الإجمالية إلى مورد العلم الإجمالي بوقوع أحد الحادثين والجهل التفصيلي بسبقه أو تأخره عن الآخر فنقول في مورد مجهولي التاريخ الشك متمخّض في زمان صدور هذين الحادثين ليقاس أحدهما إلى الآخر من حيث الزمان. فإذا علمنا بصدور حدثٍ ووضوء فهنا ليس الشك في أصل تحقق هذين الحادثين الوجوديين وإنما هو في ظرف كل منهما الزماني ومن المعلوم أن تقدم أحدهما على الآخر له أثر عملي إذ لو تأخر الحدث كان الشخص محدثاً بالفعل ولو تأخر الوضوء كان متطهراً بالفعل. فقد يتوهم جريان الأصل بالنسبة إلى كل منهما ثم التعارض بين الأصلين فالسقوط والرجوع إما إلى الحالة السابقة وإما إلى ضدها حسب ما هو محرر في المقام . إلا أن التحقيق عدم جريان الأصل في مورد العلم الإجمالي سواء كان طرفاه في عرض واحد أم كان أحدهما في طول الآخر

ص: 305


1- الوسائل باب 11 أبواب عقد النكاح ح2 ، الكافي ج5 ص395 ح1، التهذيب ج7 ص390 ح1560 ، الفقيه ج3 ص250 ح1192.

فإن العلم الإجمالي منجز في الدفعيات والتدريجيات على السواء ومع تنجيزه لا يجري الاصل لأن الاصل مجعول في مورد الشك الساذج أي الذي يكون في أصل الوجود لا فيما إذا كان الشيء موجوداً ولم يعلم انطباقه على هذا أو ذاك أو لم يعلم زمان حصوله. وبعبارة أخرى الأصل العملي لا يرفع الترديد عن الموجود الخارجي بل هو مبين للوظيفة الفعلية بالنسبة إلى الشك في أصل الوجود فإذا علمنا بصدور عقدين من الجد والأب في حصة من الزمان تفرضها ثلاث ساعات وكان الشك في تقدم أحدهما على الآخر فنرى بالوجدان أنه لا يقين سابقاً ولا شك لاحقاً بالنسبة إلى أصل الزمن بمعنى أن أصالة كل من العقدين بالنسبة إلى الآخر من حيث السبق واللحوق الزماني ليس لها حالة سابقة إذ أي زمان كان ولم يكن عقد الأب حتى تجري أصالة العدم بالنسبة إليه ويقدم عقد الجد وأي زمان من هذه الحصة لم يقع عقد الأب فيه ليجري الأصل بالنسبة إليه أيضاً. إذن فأصل وقوع العقدين في هذا الزمن معلوم والشك إنما هو في المتقدم والمتأخر منهما . فالعدم المضاف ليس له حالة سابقة والعدم المطلق منقوض قطعاً. ومن هنا علم أن استصحاب عدم كل منهما إلى زمان الآخر لا يجري لأن كون الشك منقوصاً بالنسبة إلى عدم كل منهما حال وجودهما معاً غير معلوم قطعاً . فضلاً عن أن جريانهما لا يثبت التقارن لأن استصحاب عدم كل منهما إلى زمن الآخر لا يجري لأن انتقاض العدم في زمان وجود كل منهما غير معلوم إذ لنا أن نقول باستصحاب عدم وجود عقد الجد إلى ما بعد زمان عقد الأب وكذا العكس. مضافاً إلى أنه لو سلمنا جريانهما كذلك فهما لا يثبتان التقارن لأن إما كلا منهما حينئذٍ أصل مثبت وهو غير حجة وإما لأن التقارن عنوان انتزاعي - أي ليس له مطابق خارجاً - والأصل لا يثبته . وأما كلام صاحب العروة ففيه منع لأن الموثقة بصدد بيان استقلال كل منهما بالولاية فإن الأب ولي لنكاح ولده وكذا الجد بالنسبة إلى ولد ابنه فرع على ذلك

ص: 306

الإمام علیه السلام أنه إذا سبق أحدهما الآخر في إجراء العقد لم يبق للثاني مجال لإعمال ولايته لأنها تكون حينئذٍ سالبة بانتفاء الموضوع إذ لا يعقل أن تزوج جارية واحدة مرتين لشخصين فهي ناظرة إلى آخر واقعي خارجي. وإن شئت قلت الشرطية ناظرة إلى تحقق الموضوع ولا مفهوم لها حينئذٍ. وحينئذٍ من المسامحة في التعبير نقول إنّ وقوع عقد الأب على ابنته مانع لصحة عقد الجد بعد ذلك عليها وكذا العكس والتعبير بالمانع أيضاً مسامحي اللهم إلا إذا جعلنا المانع عقلياً إذ إن العقل يحكم بأنه إذا تحقق عقد صحيح بين هند وزيد لا يعقل وقوع عقد آخر بينها وبين خالد فيكون النكاح الثاني عرضاً بلا محل. فلو أجرينا الأصل في مورد العلم بتاريخ أحد المعلومين بالإجمال بالنسبة إلى مجهول التاريخ كان اللازم الحكم بصحة كل عقد من عقديهما إذا علم تاريخه بخصوصه وجهل تاريخ الآخر. وأما في مورد مجهولي التاريخ فلابدّ من الرجوع إلى القرعة كما ذهب إليه كثير من الفقهاء أو الاحتياط بإجراء الطلاق من الأب والجد وإجراء عقد جديد إذا قلنا إنّه لا عموم للقرعة يشمل المورد فإنه وإن اشتهر أن القرعة لكل أمر مشكل لكنه لم نعثر على سند له والظاهر من نصوصها أنها مجعولة لمورد عدم وجود الحجة أو ما يوجب الخلاص من المشكل ولنا أن نقول هنا إنّ الاحتياط بالنحو المذكور طريق للخلاص وهو مرغوب فيه ولا سيما في الفروج. وقد تلخص من كلامنا أمور :

الأول : استقلال الأب والجد في نكاح الصغيرين وإنّه إذا سبق أحدهما صح عقده وبطل عقد الثاني بمعنى عدم وجود موضوع للصحة .

الثاني : لو تقارن عقداهما صح عقد الجد خاصة لصحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم .

الثالث : إنّه ليس شرط صحة عقد الأب كونه سابقاً كما ذهب إليه

ص: 307

صاحب العروة إذ لم يظهر من الروايات إلا أنه إذا سبق عقد أحدهما الآخر لم يبق مجال لعقد الثاني وهذا أمر يحكم به العقل .

الرابع : إنّه في مورد العلم بتاريخ العقدين يقدم السابق منهما وفي مورد الاقتران يقدم عقد الجد وفي مورد الجهل بأحدهما يقدم المعلوم وفي مورد الجهل بتاريخها لابدّ من الاحتياط بالطلاق ثم عقد أحدهما مجدداً .

قال في الشرايع : السادسة : إذا زوجها الولي بمن فيه أحد العيوب المجوزة للفسخ كمن كان مبتلى بالجنون مطلقاً أو الخصي أو البرص أو كان مجبوباً صح العقد ولها الخيار أي خيار الفسخ إذا بلغت وذهب الشيخ إلى صحة العقد ولزومه فإنه أفتى بالصحة ولم يذكر الخيار فيظهر منه أنه لا خيار لها بعد بلوغها واحتمل بعض ثبوت الخيار لها بعد البلوغ وإن لم يكن العيب مما دل دليل سمعي على كونه موجباً للخيار وذهب جماعة من المتأخرين إلى بطلان هذا العقد بمعنى عدم الصحة الفعلية له وكونه موقوفاً على الإجازة بناءً على صحة عقد الفضولي بالصحة التأهلية ومن كل هذا يظهر أنه ليس في المسألة إجماع محصل فلابدّ من النظر في الأدلة. وقد استدل الشيخ على مذهبه بأن شرط صحة تزويج الولي كون الزوج كفئاً والمجنون والخصي كفء ومع تحقق الشرط صح العقد. وبعبارة أخرى تمسك بأصالة الصحة في العقود كما عبر صاحب المسالك والمراد منها التمسك بمطلقات تلك العقود عند الشك في اشتراط شيء في صحتها أو مانعيته عنها . مضافاً إلى مطلقات الولاية بتقريب أن الولي جابر لقصور المولى عليه فهو قائم مقامه ومن المعلوم أن المرأة الثيب أو البكر الرشيدة على مختارنا لها أن تختار من به عيب زوجاً لها فكذا وليها يكون له ذلك لقيامه مقامها حال صغرها مقامها حال كبرها فإنه لا خيار لها بعد البلوغ لأن كل عقد أقدم عليه الزوج والزوجة مع علمهما بوجود عيب لم يكن فيه خيار لإقدامهما على النقص إذ المفروض أنه معلوم

ص: 308

لديهما ولذا يشترط في خيار العيب في البيع عدم علم البائع بعيب الثمن وعدم علم المشتري بعيب المثمن قبل المعاملة وبالجملة فإنّ العقلاء لا يقدمون على معاملة فيها ضرر وإذا أقدموا مع علمهم بالضرر فمعناه رضاهم بذلك فإقدامهم حينئذٍ يكون تثبيتاً للمعاملة ولا نعنى بسقوط الخيار غير ذلك نعم إذا كان أحدهما جاهلاً له الخيار . والنكاح معاملة من المعاملات التي يجري فيها ذلك . واستدل لما في الشرايع أما الصحة فلما ذكر في أدلة الشيخ الطوسي وحاصله وجود المقتضي وهو عمومات النكاح والولاية وفقدان المانع إذ ليس إلا العيب وهو ليس مانعاً بعد فرض العلم به وأما خيارها بعد البلوغ ولو مع علم الولي بالعيب وإقدامه عليه فلأن قصورها بمنزلة جهلها والجاهل يجوز له الفسخ بالعيوب المذكورة فكذا من يكون مُنزلاً منزلته. ويمكن أن يستدل للثالث بأن تصرفات الولي مشروطة بالغبطة ولا غبطة في تزويج الصغيرة بالمجنون أو المحبوب ونحوه نعم لو كان هناك مصلحة أخرى قاهرة لهذا النقص كان العقد صحيحاً لازماً لأن إقدام الولي بمنزلة إقدام المولى عليه فلا يمكن أن يقال إنّ الخيار ثابت لها بعد بلوغها وإذا قلنا إنّ تصرفات الولي مشروطة بعدم المفسدة فيقرب الاستدلال بأن تزويج الناقص فيه مفسدة وجعل الولاية للأب إنما هو لحفظ المولى عليه ورعاية شؤونه فلا يكون تضرره وإفسادُ حاله بتزويجه من الناقص داخلاً تحت هذه الولاية إذ بمناسبة الملاكات لجعل الولاية يفهم أن الشارع لم يسلط عليها ولياً له الرخصة في إلقائها في المفسدة ولو قلنا بالصحة لا يقال إنّ هذا النقص يجبر بخيارها بعد البلوغ كما ذكر في بيان دليل ما ذهب إليه صاحب الشرايع بأن قصورها بمنزلة جهلها إذ لا دليل على هذا التنزيل شرعاً مضافاً إلى أن الولي هو المقدم على التزويج وإقدامه عليه إسقاط للخيار ومما ذكرنا يظهر أن التمسك بالمطلقات - سواء مطلقات النكاح والولاية - ليس على ما ينبغي إذ العمومات الأولية لا

ص: 309

تجري من دون جريان عمومات الولاية وأما عمومات الولاية فهي منصبة على مورد عدم وجود الفساد في النكاح .

ثم إن صاحب الجواهر «ره» ذكر في ذيل هذه المسألة مسألة العقد على الصغيرة مدّة قصيرة بمهر قليل لأجل تحريم أمها. وقد ذهب إلى بطلان العقد المحقق القمي صاحب الغنائم وألف رسالة في ذلك في جواب مسألة سئل عنها وهي لو عقد زيد على بنته الرضيعة لعمرو مدّة ساعتين بدرهم ثم مات زيد فهل يجوز لعمرو أن يتزوج أم البنت بناءً على بطلان العقد أو لا لأنها أم زوجته ويكون العقد صحيحاً. وملخص ما قال في بطلان العقد بأن الأصل الأولى عدم الصحة ومراده منه استصحاب عدم ترتب الأثر ما لم يثبت شرعاً السبب المؤثر وهذا الأصل يجري في موارد الشك بالنسبة إلى العقود بل في جميع ذوات الأسباب فلو شككنا في أن بيع المنابذة مؤثر أم لا فالأصل عدم التأثير إلا أن يكون هناك إطلاق لفظي أو مقامي أو نص أو إجماع محصل يدل على الصحة فمرادهم في أبواب المعاملات بأصالة الفساد وأصالة عدم الصحة واستصحاب عدم الأثر هذا وإن اختلفوا في التعبير عنه . واستدل مضافاً إلى الأصل بأمور :

1 - قوله تعالى : ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُم﴾ (1) فالظاهر منه أن عقد المتعة مبني على الاستمتاع والصغيرة غير قابلة له .

2 - قوله تعالى : ﴿فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (2) فعبر عن المهر بالأجرة وهي في مقابل التمتع ونكاح الصغيرة متعة لا يكون سبباً للاستمتاع إذ لا قابلية لها لذلك مضافاً إلى أن تشريع المتعة إنما هو لاستحلال الفرج لمن لا يقدر على النكاح الدائم .

ص: 310


1- سورة النساء، الآية : 24 .
2- سورة النساء، الآية : 24 .

3 - إن ما يترتب على كل فعل يعبر عنه بالفائدة والغاية والغرض والعلة الغائية . فما يترتب على الفعل يقال له فائدة لأنه يتولد منه وغاية لأنه طرف الفعل من حيث المنتهى والغرض لأنه الباعث للفاعل نحو الفعل والعلة الغائية لأنه سبب للفعل خارجاً . والأوّلان متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار إذ هما عبارة عن الأثر المترتب على الفعل والتفاوت إنما هو بلحاظ التولد فيسمى فائدة وبلحاظ أنه منتهى الفعل يسمى غاية والأخيران متحدان بالذات ويختلفان بأن الغرض إذا أضيف إلى الفاعل من حيث بعثه إلى الفعل يعبر عنه بالغرض وإذا أضيف إلى الفعل من حيث باعثيته لتحقق الفعل يعبر عنه بالعلة الغائية ثم ذكر أن الأولين أعم مطلقاً من الأخيرين إذ ربما يترتب أثر على فعل ولا يكون مقصوداً للفاعل كما لو زنى شخص فقتله أهل المرأة فهو لم يكن قاصداً لهذا الأثر. وذكر هذا كله مقدمة لبيان أن النكاح شرع للاستمتاع لا لغرض المحرمية . نعم لو قصد النكاح يترتب عليه أثر محرمية أم المتمتع بها أما لو كان من أول أمره قاصداً لمحرمية أم المعقود عليها متعة لم يكن قاصداً للمتعة ومن المعلوم عند الكل أن العقود تابعة للقصود فإذا باع شيئاً لمجرد حرمان ورثته منه لم يكن قاصداً للنقل والانتقال وحينئذٍ لا يترتب أثر المعاملة من النفوذ ثم أورد على نفسه موارد للتخلص عن العناوين المحرمة كالفرار عن الربا ونحوه ويأتي ما يظهر بمراجعة كلامه . هذا ملخص ما أفاده بتحرير يسير منا . وقد تهجم صاحب الجواهر عليه وعلى بعض آخر من الفضلاء ممن ذهب إلى البطلان بأن ما أفاده مخالف للمطلقات مع علمنا بأن المحقق القمي يرى انصرافها بل صرفها عن هذا المورد .

والتحقيق أن يقال أما الأصل فقد عرفت في طي تقريبه بأنه إنما يجري في مورد عدم الدليل الاجتهادي فإنه مجعول في رتبة الشك في الحكم ومع وجود دليل على أحد طرفي المسألة لا مجال للتمسك بالأصل وأما ما ذكره

ص: 311

من تعبير القرآن بل الروايات عن نكاح المتعة بالتمتع وعن المهر بالأجرة فيرد عليه أنه تعبير كنائي عن الملزوم باللازم وإلا فلا ريب في دخول المتعة في الأزواج في قوله تعالى ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) (1) ويظهر كون المتمتع بها زوجة من النصوص الكثيرة فمنها ما سبق وسيأتي إن شاء الله مفصلاً أن العاقد إذا نسي ذكر الأجل انقلب دائماً وهذا لبس وارداً مورد التعبد بل لكونه على مقتضى القاعدة إذ إنّ الزوجية إذا لم تحدد تكون بحسب طبعها مرسلة والدوام لازم ذاتي للزوجية وذكر الأجل مُحدد يُخرج به عن مقتضى طبع الزوجية . فلا ينبغي الريب في أن المتمتع بها زوجة والقصد من الزوجية إنما هو قصد إلى هذا الاقتران. وأما الفوائد المترتبة على الزوجية بترتب شرعي أو خارجي أو قصدي ليست داخلة في حقيقة الزوجية ولذا تنفك هذه الفوائد في غالب الموارد عند جمع كثير من الأشخاص فترى أنّ الشخص الذي لا يقدر على النكاح يتزوج بالزوجة الدائمة . وما ذكروه بأن العقود تابعة للقصود المراد منه أن كل عقد بما له من المفهوم لابدّ من أن ينشأ بإنشاء قصدي فالبيع ومفهومه المبادلة لابدّ من أن ينشأ في عالم الإنشاء بنفس حقيقته وأما كون الغرض من هذا البيع الخاص كذا فليس داخلاً في حقيقة البيع بل ربما يتخلف الداعي الذي عبر عنه المحقق القمي بالغرض ومن البديهي أن تخلف الداعي في المعاملات لا يوجب بطلانها فلو اشترى زيد داراً ليسكنها فمات لا يبطل البيع والعاقد على الصغيرة إذا كان قاصداً للزوجية يكون قاصداً لحقيقتها وإن كان الغرض الباعث له على التزويج محرمية أمها وبذلك ظهر أن قوله بأن الفائدة والغاية أعم مطلقاً من الغرض والعلة الغائية ليس تاماً إذ بين الغرض والفائدة في المقام عموم من وجه فربما يكون شيءٌ غرضاً ولا يترتب على الفعل كما مثلنا وقد يكون شيئاً فائدة

ص: 312


1- سورة المؤمنون، الآية: 6.

وإن لم يكن مقصوداً. إذن فليس قصد الفوائد دخيلاً في حقيقة المعاملة ولا عدم ترتب الفوائد الداعية للفاعل للإتيان بالفعل يوجب خللاً في الإنشاء المعاملي . نعم لو كان العاقد على الصغيرة ذاهلاً عن حقيقة الزوجية ولم ينشأ الزوجية بين ابنته والزوج كان قول المحقق القمي متيناً جداً. إلا أنّه على خلاف الفرض إذ المفروض أن العاقد قاصد للزوجية. نعم حيث إنّ الزوجية مجعولة لهذه الأغراض بل ربما يكون عدم قصدها أو العلم بعدم ترتبها على الزوجية مستلزماً لعدم تمشي قصد إنشاء الزوجية احتطنا لزوماً في إدخال مدة من الزمن - أي زمن البلوغ - في الأجل ولا أقل من جعل المدة مقداراً يمكن التمتع بالصغيرة فيها كخمس سنوات لبنت ذات سنة واحدة. وأما ما قاله من أن حكمة تشريع المتعة استحلال الفرج لمن لا يقدر على النكاح الدائم صحيح لكن حكمة الجعل ليست مقومة للمجعول والمدار هو المجعول أي الزوجية المنقطعة ومن المعلوم أن الشارع شرعها ولذا يمكن تحصيلها لمن لا يمكنه الاستمتاع أو من لا يمكنها ذلك كالصغيرة. فالحق ما ذهب إليه جمهور العلماء ولا سيما المتأخرون والمسألة لم تكن معنونة في كلمات القدماء ولذا قال في الجواهر إنّ صحة هذا العقد مفروغ منه منذ القوم لأنهم لم يذكروا المسألة في كلماتهم ولا سيما مع مراعاة الاحتياط المذكور آنفاً .

قال في الشرايع : المسألة السابعة : لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها رجلاً كان أو امرأة ولو كانت لامرأة لا يجوز نكاحها في الدائم والمنقطع ولا خلاف في هذا الحكم بين الفقهاء وقد أشرنا إليه سابقاً وهو موافق لظاهر القرآن (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ (1) فإن المراد من الأهل السيد المالك للأمة. نعم لو وقع الخلاف في التمتع بأمة المرأة من غير إذنها

ص: 313


1- سورة النساء، الآية : 25 .

فذهب الشيخ الطوسي وجماعة إلى جواز ذلك وإليه أشار في الشرايع حيث قال وقيل يجوز لها أن تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها ونسبه إلى القيل مشعراً بتمريضه ومن هنا قال إنّ الأول أشبه وذهب المشهور إلى أن هذا التزويج يكون فضولياً موقوفاً على إجازة المالكة نظر إلى إطلاق الآية الكريمة وإلى أنه لا فرق بين المالك بين كونه رجلاً أو امرأة وحيث لا يجوز ذلك في أمة الرجل فمثله أمة المرأة كما لا فرق في النكاح بين كونه دائماً أو منقطعاً وحيث لا يجوز في الدائم فلا يجوز في المنقطع مضافاً إلى إطلاق صحيح (1) البزنطي الوارد في نكاح المتعة وأنه لا يجوز إلا بإذن السيد لكن قد وردت ثلاث روايات تدل على جواز المتمتع بأمة المرأة بغير إذنها .

الأولى (2) : رواها محمد بن يعقوب عن سيف بن عميرة عن أبي عبد الله علیه السلام قال لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها أما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره. وهذا الخبر صحيح واضح الدلالة فإن رجاله كلهم ثقات.

الثانية (3) : ما رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عیسی . . . . عن سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها قال لا بأس به.

الثالثة (4) : وعنه عن علي بن الحكم. . . . عن أبي عبد الله علیه السلام قال سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها فقال إن كانت لامرأة فنعم وإن

ص: 314


1- الوسائل باب 15 أبواب المتعة ح1 ، الكافي ج5 ص463 ح1.
2- ومتن الرواية «قال علیه السلام لا بأس بأن يتمتع الرجل بأمة المرأة بغير إذنها . . . كما في نسخة من التهذيب . وما في الوسائل «لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة فأما أمة الرجل . . .» . الوسائل باب 14 أبواب المتعة ح1 ، الكافي ج5 ص464 ح4، التهذيب ج7 ص258 ح1116.
3- الوسائل باب 14 أبواب المتعة ح2 ، التهذيب ج7 ص257 ح1114.
4- الوسائل باب 14 أبواب المتعة ح3 ، التهذيب ج7 ص258 ح1115.

كانت لرجل فلا. (الوسائل ج 14 باب14 من أبواب المتعة ح1 - 2 - 3). ثم إنّ داوود الذي في سند الرواية الثالثة وثقة جماعة منهم النجاشي والشيخ الطوسي وروى عنه جماعة من أصحاب الإجماع كالبزنطي وصفوان وعبد الله بن سنان ويونس بن عبد الرحمن والحسن بن محبوب وابن أبي عمیر وغيرهم من اصحابنا . فرجال السند كلهم ثقات ولا مجال للتشكيك ومع ذلك قال في المسالك وهذه الرواية مشيراً إلى رواية سيف مع مخالفتها لأصول المذهب وظاهر القرآن مضطربة السند فإن سيف بن المغيرة يرويها عن الصادق بلا واسطة تارة وبواسطة علي بن المغيرة أخرى وداود ثالثة واضطراب السند يضعف الرواية وإن كانت صحيحة فكيف بمثل هذه انتهى . ويظهر من كلامه أنه يستشكل في الرواية من جهات ثلاث :

1 - مخالفتها للقواعد إذ إنّ تصرفات المملوك بأجمعها متوقفة على إذن وإجازة المالك. لكن ما من عام إلا وقد خص وورود خبر صحيح لا معارض له ولا قرينة على صدوره تقية ولا إعراض يوهن له من العلماء يكون مخصصاً لتلك القواعد .

2 - مخالفتها لظاهر القرآن (فانكحوهن بإذن أهلهن) لكنه ثبت في محله أن العام الكتابي قابل للتخصيص بالخبر الواحد بل تخصيصه به من الضروريات إلا عند ابن ادريس والسيد المرتضى حيث لا يعملون إلا بالمتواترات والقطعيات مع أن كلامهما مؤول على ما ذكره الشيخ الأنصاري «ره» .

3 - إنّها مضطربة السند ووجه الاضطراب وجود سيف في الأخبار الثلاثة وهو تارة يروي هذا المضمون بنفسه مباشرة عن المعصوم علیه السلام فهو من أصحاب الصادق والكاظم علیهما السلام وأخرى يرويه عن المعصوم بالواسطة . لكن تعدد السند ليس موجباً لضعف الخبر بل لتقوية الصدور نعم مراده أن سيف إذا كان سمع الرواية بنفسه فلما يرويها عن غيره فإن روايته لها عن

ص: 315

غيره يدل على عدم اطمئنانه لها لكن هذا ليس بشيء إذ لما لا يكون سيف قد سمع الرواية من داود ومن علي بن المغيرة ثم سمع المتن من داود ومن علي بن المغيرة ثم سئل الإمام علیه السلام للتأكد . ثم إنّ ما ذكره من أن اضطراب السند يوجب الوهن في الرواية وإن كانت صحيحة فمن غرائب الكلام لأن الرواية إذا كان رجالها ثقات فلا موجب لرميها بالضعف لكن الشهيد الثاني «قده» كثيراً ما كان يستشكل في الرواة وفيما ورد في حقهم من التوثيق فيؤول تلك الكلمات الدالة على توثيقهم وليس ذلك منه إلا لكمال دقته في الأسانيد والتثبت التام حذراً من الدس والأخذ بما ليس بحجة إلا أن كثرة هذا يكون موجباً للوسواس فالاحتياط حسن لكن كثرة التشكيك ليس من الاحتياط في شيء إذ يكفي في حجية الخبر الوثوق بالصدور وهذا يكفي فيه كون الناقل ثقة وصادقاً. أضف إلى ذلك إنّ اختلاف المتن يدل على صدور المضمون عن المعصوم علیه السلام بعبارات مختلفة .

نعم شدة مخالفة هذا الحكم للقواعد والعمومات والإطلاقات الدالة على لزوم الإذن في تصرفات العبد أوجب ذهاب المشهور إلى خلافه لكن إذا كان التمتع بأمة المرأة غير منافٍ لحقها يمكن القول بجوازه استناداً إلى هذه الروايات . فإن قلت قد أعرض المشهور عنها قلت : لم يتحقق إعراض موهن فإن الشيخ الطوسي قد أفتى بالجواز مع جماعة وأما سائر العلماء إنما أعرضوا عنها لشدة مخالفة هذا الحكم للموازين الأولية كما أشار إليه في المسالك لكن إذا أجاز مولى الولي وهو الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى أمر يكون جائزاً. فالقول بالجواز متين إذا لم يكن التمتع بها منافياً لحقوق السيدة.

قال في الشرايع : المسألة الثامنة : إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد لولايتهما القهرية عليهما على ما عرفت سابقاً فإن مات أحدهما ورثه

ص: 316

الآخر للزوم الوفاء بالعقد بعد فرض كونه صحيحاً لصدوره من أهله والإرث من الآثار المترتبة على الحكم بالصحة واللزوم ولو عقد عليهما غير أبويهما أو جدهما أو الوصي من أحدهما يكون العقد فضولياً فإن قلنا ببطلان عقد الفضولي فلا كلام وإن قلنا بالصحة التأهيلية له فإن مات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد ويسقط المهر والإرث لتوقفهما على تمامية العقد وهو يكون بلحوق الإجازة في المقام ولم تحصل، وإلا فهنا صور :

1 - لو أجاز هذا العقد وليهما يكون صحيحاً لازماً فلو مات أحدهما ورثه الآخر .

2 - لو بلغا فأجازا العقد معاً أيضاً يكون صحيحاً لازماً ويتوارثان لو مات أحدهما قبل الآخر .

3 - لو بلغ أحدهما خاصة ورضى فأجاز فيكون النكاح بالنسبة إليه جائزاً كما في صحيح (1) أبي عبيدة الحذاء ومعنى الجواز النفوذ الحيثي لما يرتبط بالمجيز من الإيجاب أو القبول فيكون هذا العقد الفضولي بعد إجازة أحدهما كالإيجاب الصادر عن الموجب قبل القبول والقبول الصادر من القابل قبل الإيجاب لو كان كل منهما أصيلاً ومعنى صحة الإيجاب المنفرد أو القبول كذلك قابليته للحوق الطرف الآخر إليه وصيرورته معه عقدا إذ إنّ العقد مأخوذ من المعاقدة وهي المعاهدة ولا تتم إلا من طرفين والأمر بالوفاء بالعقود إنما يتعلق بكل عقدٍ عقد إذا كمل وتم بما له من الأجزاء والشرائط شأن كل أثر يترتب على مركب فإذا قلنا إنّ الجزء الفلاني صحيح قبل تمامية سائر الأجزاء لا نقصد إلا أن له الاستعداد الإمكاني لصيرورته كلاً فإن الكل ليس إلا الأجزاء بالأسر. فتكبيرة الإحرام لها صحة صلاتية

ص: 317


1- الوسائل باب 11 أبواب ميراث الأزواج ح1 ، الكافي ج7 ص131 ح1 ، التهذيب ج9 ص382 ح1366 .

لكنها ليست صلاة تامة بالفعل وكذا الإيجاب قبل القبول أو القبول قبل الإيجاب ولو أحدث المصلي بين أجزاء الصلاة تبطل الصلاة بما لها من الأجزاء حتى التكبيرة التي حكمت بوقوعها صحيحة من غير منافاة بین صحة التكبيرة وبطلان الصلاة . فقوله في الرواية يجوز العقد على المجيز قبل بلوغ الآخر وإجازته ليس معناه إلا القابلية للصحة واللزوم الفعليين. فما ذكره جماعة منهم العلامة وصاحب كشف اللثام والمحقق الأنصاري وصاحب الشرائع من أنه لو بلغ أحدهما ورضي لزم العقد من جهته فإذا كان زوجاً تحرم عليه أم المعقود عليها وأختها جمعاً والخامسة غير صحيح فإن قلت : هل يجوز له العقد على أّمها بعد إجازته للعقد الفضولي على ابنتها؟

قلت : نعم ويكون القبول الصادر من الفضول الملحوق بإجازته غير قابل لصيرورته عقداً تاماً وهذا كما إذا باع الفضولي مبيعاً بثمن وكانت الفضولية من الطرفين فعلم بذلك أحد الأصيلين وأجاز ثم قبل إجازة الآخر بدا له فتصرف فيه تصرفاً ناقلاً عن ملكه مبيعاً «كان أو ثمناً» كالبيع والوقف والاصداق إذ لا مانع عن مثل هذا التصرف ويكشف عن رده للإجازة الصادرة عنه سابقاً ما دام الركن الآخر للعقد لم يتم بعد . بل لا فرق بين الفضولي والإيجاب الصادر من الأصيل قبل قبول القابل الأصلي فإن له أن یبیع ما نقله عن ملكه قبل لحوق الإجازة من دون منافاة ذلك للعرف أو الشرع إذ إنّ العرف لا يرى الإيجاب المنفرد موضوعاً لأحكام المعاملات المبني تحققها على الطرفين وكذا الشرع فإن قوله تعالى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) (1) ونحوه مما رتب فيه الحكم على المعاملة لا يشمل ما لو تحقق أحد ركنيها وأما قوله تعالى ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (2) فإنه متعلق بالعقد التام وما لم

ص: 318


1- سورة البقرة، الآية : 275 .
2- سورة المائدة، الآية : 1.

يتحقق الجزء الآخر لا يتعلق به الأمر بالوفاء . والأثر الذي رتبوه على حكمهم بلزوم العقد من طرف المجيز لا يمكن الموافقة عليه بل هو باطل جزماً فدعوى الشيخ الأنصاري في نكاحه بأن ترتب هذه الأمور على المجيز ليس لأجل دخول المعقود عليها تحت عنوان الزوجة لفرض أنها صغيرة بل لصدق العقد ولزوم الوفاء به يرد عليها بأن العقد على ما نص عليه هو بنفسه في موارد كثيرة عنوان منتزع من إيجاب وقبول صادرين عن شخصين . ثم لو قلنا إنّ العقد بمفهومه العام يشمل الايقاعات فنقول إنّ أوفوا بالعقود ينحل إلى ما لهذا العنوان من أفراد خارجاً عقداً كان أو إيقاعاً فينحل إلى أوفوا بالبيع والإجارة إلخ . . ومقتضاه أن لا يكون الإيجاب فقط في العقود المرتبطة بالطرفين موضوعاً لوجوب الوفاء .

إذا عرفت ذلك فنقول لو أدركت المعقود عليها بالبلوغ فردت بمعنى أنها لم ترض بذلك العقد فلا تحرم على الزوج أم المعقود عليها مع أنهم استشكلوا في ذلك زعماً منهم بأن ردَّ البالغة للعقد الفضولي لو أجاز الزوج قبل ذلك فسخٌ فوقعوا في إشكال أن الفسخ من حين الرد فتحرم الأم على الزوج أم من أصل النكاح فترجع الأم إلى الحلية ولا سيما إذا قلنا إنّ فسخها كإجازتها كاشفة بالكشف الحقيقي العلامتي. وقد يقال إنّ مجرد إجازة الزوج بعد بلوغه لهذا العقد صار موضوعاً لحرمة أم المرأة عليه فلا فرق في الفسخ بين كونه من حين التزويج أو من حين الرد. ولكن هذا كله مترتب على كون الإيجاب المستقل موضوعاً لحكم وجوب الوفاء بالعقود ومن البديهي أن الأمر ليس كذلك فإن أحكام المصاهرة لا تترتب إلا على الزوجية بما لها من المفهوم البسيط الإضافي الاعتباري القائم بالطرفين وعليه فما لم يتحقق رضا الزوجة لا يتحقق لزوم هذا الانشاء. ثم إنّه من الغريب تعبيرهم عن رد المعقود عليها فضولاً العقد بالفسخ مع أن الفسخ عبارة عن إزالة العلقة وسلبها بعد التحقق في عالم الاعتبار. لأن الفسخ حل

ص: 319

أمر قابل للإبرام والانفصال ورد الأصيل لما أنشأه الفضولي ليس إلا عدم الرضا به والرد ليس له أثر بل الأثر للرضا لأن الرضا سبب لاستناد ما أنشأه الفضولي إلى الأصيل وبعد ذلك يتمّ العقد بركنيه ويكون موضوعاً للصحة واللزوم. وأما الرد بما له من المعنى فليس له من أثر إلا الاخلال بقابلية لحوق الإجازة للإيجاب بناءً على أنه لا يمكن قبول ما رد بعد الرد وأما بناءً على أن للأصيل القبول بعد أن ردّ يتضح الأمر أكثر فإن الرد ليس بفسخ إذن حتى يقال إنّه من حين الرد أو من حين العقد . فلا موجب للقول بحرمة أم المعقود عليها على الزوج المجيز إذا ردت المعقود عليها العقد.

فإن قلت : الفرق بين ما نحن فيه وبين الإيجاب المنفرد عن القبول أنه في المقام المفروض تحقق العقد بجزءيه كلايهما الإيجاب والقبول إلا أنه فضولاً وإذا أجاز أحد الأصيلين يمكن أن تتحقق الإجازة أيضاً من الآخر وبناءً على أن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين صدوره نعلم بأن العقد كان تاماً في الواقع من حينه وعليه فيجب على المجيز ترتيب أثار الزوجية وإن لم تتحقق فيما بعد .

قلت: لابدّ من بيان الأقوال في مسألة الإجازة ثم بيان أنه هل يمكن التفكيك بين أصل الزوجية التي هي موضوع لأحكام المصاهرة وبين أحكام المصاهرة بأن يقال بإمكان ترتب أحكام المصاهرة من دون تحقق أصل الزوجية أم لا . فنقول أما الأقوال في الإجازة وإنّها كاشفة أم ناقلة فهي كثيرة والمهم منها أربعة :

الأول : الكشف الحقيقي على نحو الإمارية بمعنى أن إجازة الأصيل كاشفة عن كون العقد الصادر من الفضولي تاماً صحيحاً لازماً من حين صدوره. ذهب إلى هذا المحقق الكركي واستدل بقوله تعالى ﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) كما استدل له الرشتي بوجود الرضا التقديري وكفايته لصحة العقد

ص: 320

حال صدوره بتقريب أنه إذا أجاز الأصيل كشفت إجازته عن كونه راضياً بالمعاملة الواقعة من حين صدور الإنشاء من الفضولي. واستدل بعض معاصري الشيخ الأنصاري بأنه إذا أجاز الأصيل يتحقق عنوان منتزع عن العقد والإجازة اللاحقة وهو التعقب بالرضا وهذا الوصف الانتزاعي يوصف به العقد حال صدوره وذلك يكفي للقول إنّ العقد كان تاماً من حينه. نعم لو لم تلحق الإجازة لم يمكن انتزاع وصف التعقب . واستدل بعضهم عليه بأن الإجازة المتأخرة شرط متأخر لصحة العقد.

فإن قلت إنّ الشرط المتأخر بالمعنى الفلسفي محال إذ لا يؤثر المتأخر في المتقدم كما أن المتقدم لا يتأثر بالمتأخر .

قلت : العلل الشرعية ليست عللاً عقلية بل اعتبارات شرعية كما ذهب إليه صاحب الجواهر «ره» بل اشتهر بينهم بأن علل الشرع معرفات فلما لا يجوز ان يعتبر الشارع أمراً متأخراً في شيء لحكمه على ذلك الشيء قبل تحقق المتأخر هذا أولاً وثانياً إنّ الوجود العلمي للشرط هو الشرط لا الوجود الخارجي فللحاكم أن يلحظ المتأخر ويتصوره ويحكم بعد اللحاظ وإن لم يوجد الملحوظ خارجاً .

ويرد على المحقق الكركي ما ذكرنا من أن العقد إذا كان بين اثنين فلابدّ من تحقيقه بجزءيه والطرفان هنا هما الرجل والمرأة فإذا لم يتحقق الرضا من كل منهما مستقلاً لا تتحقق معاهدة ولا عقد حتى يكون مصداقاً لقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إذ لا يعقل أن ينسب إنشاء فضولي إلى الأصيل قبل الإجازة. وبعبارة واضحة إن قوله تعالى ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إنما ينحل إطلاقه إلى وجوب الوفاء بكل عقدٍ عقد وبناءً على شمول العقد لمطلق العهد وإن كان إيقاعاً ينحل إليه أيضاً لكن في كل مورد لابدّ من تحقق الموضوع عقداً مصطلحاً كان أو إيقاعاً ليترتب الحكم عليه وهنا حيث لم يتحقق الرضا من

ص: 321

الطرف الآخر وهو الزوجة لم يتحقق عقد وحينئذٍ لا يمكن التمسك بإطلاق الآية لترتيب الآثار عليه .

ويرد على الرشتي : إنّ الرضا التقديري لا معنى له موضوعاً ولا اثر له حكماً أما موضوعاً فلأن فرض الرضا ليس من الرضا في شيء لأن التقدير إما أن يراد منه اللحاظ وإما أن يراد منه الفرض والذي يقصده الرضا الفرضي ومن البديهي أن فرض الرضا أمر خيالي ولو تنزلنا فلا يمكن القول إنّ الرضا المفروض هو الموضوع للأحكام الشرعية بل العرفية إذ إنّ الشرع والعرف متطابقان على أن الالتزامات المعاوضية لابدّ من أن تبرز بقول أو بفعل والرضا الباطني بمجرده لا يمكن أن يكون موضوعاً لأي أثر ولا سيما مع فرض أن الأصيل حال صدور العقد كان غافلاً أو جاهلاً أو عالماً لكنه لم يتبصر بصلاح الإجازة أو فسادها فلم يرض ثم التفت إلى الصلاح فأجاز.

ويرد على القائل بأن الشرط هو وصف التعقب أنه من البديهي أن كل حكم انتزاعي من أمرين لا ينتزع إلا بعد تحققهما خارجاً إذن وصف التعقب لا يمكن فيه ذلك إلا بعد تحقق الإجازة ثم إنه لا دليل على أن شرط صحة العقد وصف تعقيبه بالإجازة بل الأمر بالعكس فإن الاحتياج إلى الإجازة إنما هو للحاجة إلى استناد العقد إلى المجيز.

وأما ما استحسنه صاحب الجواهر وذهب إليه المحقق صاحب الكفاية من دخالة الشرط المتأخر في الأحكام الشرعية وأنه مأخوذ بوجوده اللحاظي العلمي شرطاً ذا تأثير لا بوجوده الخارجي فيرد عليه بأنّ الالتزام بذلك يقتضي المصير إلى أن كل شيء جعله الشارع شرطاً لابدّ وأن يكون له دخل تقديري في ذات المشروط لعدم إمكان تقدم الأثر على ما جعله الشارع مؤثراً وأن أبيت فلا ريب في أن الشرائط حالها حال الموضوعات بالنسبة إلى

ص: 322

الأحكام فلا أقل من كون الشرط جزءاً موضوعاً للحكم الشرعي ومن البديهي أن الحكم لا يتقدم على الموضوع . وعليه فالقول بالكشف الحقيقي باطل جزماً .

الثاني : الكشف الانقلابي وقد نسب إلى السيد المجدد الشيرازي وهو أن الإجازة رضا بمضمون العقد فإذا تحقق العقد من الفضولي وأجازه الأصيل يكون قد رضي بمضمونه فانقلب الواقع من كونه ملكاً له إلى صيرورته ملكا لمن انتقل إليه بإنشاء الفضولي من زمان صدور الإنشاء بمعنى انقلاب الواقع فيما بعد وإن كان الواقع متقدماً زماناً والإجازة تكشف عن انقلاب هذا الحكم الوضعي .

ويرد عليه ما أوردناه على القول بالشرط المتأخر إذ المناط في صحة تطبيق عنوان الشرط على شيء كونه ذا دخل تأثيري بالنسبة إلى مشروطه وإن أبيت فلا أقل من كون الشرط جزءاً أو قيداً للموضوع ولا يمكن تقدم الحكم على موضوعه وهل هذا إلا تناقض أو خلف وإخراج للموضوع عن كونه موضوعاً .

الثالث : الكشف الحكمي ونسب إلى شريف العلماء المازندراني أستاذ الشيخ الأنصاري «قده» وذكر أنه لما رأينا أن الشارع أمضى عقد الفضولي بعد إجازة الأصيل وإمضائه إمضاء للمضمون وهو ما صدر حال الإنشاء من الفضولي قال إنّ الشارع حكم تعبداً بترتيب الأثر على العقد حال صدوره فتكون كاشفة إلا أنه ليس كشفاً حقيقياً ولا انقلابياً بل بحكم الشارع والفرق بينه وبين النقل أن الثاني لا يقول بترتب الأثر من حين صدور العقد ویرد عليه أنه لم يظهر من الأدلة السمعية تعبد من الشارع في المقام بل ما ظهر منه إمضاء لما في العرف كما سنشير إليه .

الرابع : النقل وتقريبه أنه لا ريب عند الكل نصاً وفتوى بأن روح

ص: 323

المعاملات هو التراضي وبدونه لا يكون للمعاملة أثر أبداً بل يكون أكلاً للمال بالباطل وهذا يفهم من قوله تعالى ﴿إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَرَةً عَن تَرَاضِ) (1) فإن «عن» للمجاوزة ومعنى الآية نشوء التجارة عن تراض وطيب نفس من الطرفين ويساعد هذا العرف فإنّه لا یری التعاقد بين الاثنين إلا بالرضا فلو أنشأ أحد معاملة هزلاً أو لمجرد تعليم الصيغ الإنشائية أو مکرها أو غافلاً لا يعتبره العرف عقداً وقد عبر بعض العلماء عن المعاملات بالالتزامات النفسية الصادرة عن الرضا الباطني والرضا شرط إما للصحة وإما لصدق الاستناد إلى المتعاقدين وبعبارة واضحة فإنّ الفضول لا ربط له بموضوع المعاملة وإنما ينشأ المعاملة بما لها من المفهوم وحسب وإلا فحقيقة المعاملة لابدّ من استنادها إلى الأصيل فالقول بالكشف الحقيقي مخالف لضرورة جميع أرباب المعاملات والحرف في العالم البشري إذ كيف يعقل أن يكون مجرد الإنشاء للمعاملة من الأجنبي موضوعاً للأثر وإذا كانت الإجازة مجرد حاكية عن تمامية السبب نسأل أي فرق بين إجازة الأصيل وعدمها فإلغاء الخصوصية للإجازة إلغاء لاشتراط الرضا في المعاملات . وبعد أن ثبت أن الرضا شرط في صحة المعاملات نقول إنّه لا يعقل تقدم المشروط على الشرط إلا بإلغاء شرطيته ومعنى الشرط ما له دخل تأثيري في المشروط كمجاورة النار للقطن التي هي شرط للإحراق فلا يعقل تأخرها عنه والقول إنّ علل الشرع معرفات إخراج للشرائط الشرعية عن الشرطية بل الذي يقول إنَّ علل الشرع لا تقاس بالعلل التكوينية لم يظهر منه إلغاء تأثير الرضا فصاحب الجواهر القائل بالكشف الحقيقي لأن الأصيل ممن يرضى وهذا متحقق في علم الله يمكن أن يكون مراده بذلك أن الرضا المتأخر شرط ويمكن أن يكون مراده أن علم الله

ص: 324


1- سورة النساء، الآية : 29 .

بالرضا المتأخر شرط لحكمه بالصحة فإذا تحققت الإجازة كشفت عن الرضا ومعه نستكشف الحكم الشرعي بالصحة حال صدور العقد وهذا ما صرح به صاحب الكفاية من أن الشرط المتأخر يكون وجوده اللحاظي شرطاً لحصول الأمر في الخارج. وكيف كان بعد معلومية أن الرضا شرط لا يمكن القول بتقدم المشروط على شرطه وغاية ما يمكن أن يقال في المقام إنّ الرضا ليس شرطاً تكوينياً بل أمر اعتبره الشارع لترتيب الأثر على المعاملة فهو إذن جزء موضوع أو قيد موضوع للحكم الشرعي ولا فرق بين العلة والمعلول في لزوم الترتيب بينهما وبين الموضوع والحكم إذ شأن كل عارض التأخر الرتبي عن معروضه فكما أن العلة متقدمة على معلولها رتبة كذا الموضوع متقدم على حكمه رتبةً ولا يمكن التفوه بغير ذلك إذا لمسنا واقع الموضوع والحكم فلا يقال لا تشرب الخمر إذا لم يكن موجوداً . نعم إنشاء الأحكام على نحو القضية الحقيقية لا ربط له في المقام. فالقائل بالنقل له التمسك بعمومات المعاملات بعد تقييدها بالرضا وما دام الرضا غير موجود من الطرفين لا مجال للتمسك بالعمومات والمطلقات . وقد استشكل عليه بأن ذلك صحيح لو لم يكن على خلاف المرتكزات العرفية فإن العرف يرى أنه لا فرق بين المسببات العقلية والشرعية فكما يرى عدم إمكان تخلف الأثر على السبب في الأمور التكوينية فكذا في الشرعية. وحيث إنّ العقد قد تحقق من الفضولي وهو السبب للنقل والزوجية والإجارة الخ . . والمفروض أن الإجازة عبارة عن الرضا بمضمون هذا العقد فلا يمكن تخلف مضمون العقد عن العقد إذن لابدّ من القول بالكشف إلا أن الكشف الحقيقي يستلزم إخراج الرضا عن الدخالة في السببية والمفروض أن له دخلاً فنقول بالانقلاب بمعنى أن الإجازة لها دخل في سببية العقد لمضمونه وعند تحقق الإجازة نحكم بتحقق مضمون العقد حال صدوره إذ لو قلنا بالنقل لانفك الأثر عن المؤثر ومضمون العقد عن

ص: 325

العقد وفيه أن الجمع بين القول إنّ الإجازة لها دخل في سببية العقد لمضمونه والقول إنّ مضمون العقد لا ينفك عن العقد جمع بين المتناقضين لأنه إن قلنا إنّ الإجازة لها دخل في السببية تكون شرطاً ومن البديهي أن مضمون العقد إنما هو أثر للعقد ولابدّ أن لا يتأخر أو يتقدم المسبب عن السبب التام وتمامية السبب إنما هي بتعقب الرضا فإذا وجدت النار يوم السبت وتحققت المجاورة بينها وبين القطن فلابدّ من أن لا ينفك الأثر عن المؤثر في تمامية السبب فقياس الأمور التكوينية بالشرعية يقتضي المصير إلى النقل إذ بالإجازة يتم السبب وبها يكشف عن تحقق الرضا والقول بالنقل موافق لقاعدة عدم تقدم الأثر على المؤثر التام ولنا أن نقول بعدم تقدم الحكم عن الموضوع .

والتحقيق أن يقال إنّ الفضولي إذا أنشأ معاملة فيكون الوجود الإنشائي لهذه المعاملة متحقق فلو أنشأ زيد بيع دار عمرو فضولاً يكون قد أنشأ المبادلة بين الدار والثمن لكن هذه المعاملة هنا غير مؤثرة لأن صاحب الدار لم يرض بعد ومن البديهي أن رضاه معتبر في تأثير العقد هذا بحسب القواعد العامة شرعية وعرفية والشارع لم يظهر منه ترتيب الأثر من حين العقد وبتحقق الإجازة تخرج المعاملة الإنشائية عن اللاتنجز إلى التنجز لأنها بعد الإجازة تستند إلى المجيز من دون حاجة إلى إنشاء آخر وهذا معنى أن الإجازة كاشفة عن الرضا بمضمون العقد إذ ليس مضمون العقد إلا التمليك والتملك والزوجية. وبعد الإجازة تصير هذه الأمور المنشأة مرتبطة بالمجيز وأما الأحكام الشرعية المترتبة على الملكية أو الزوجية تكليفية كحل الأكل والوطي أم وضعية كأحكام المصاهرة وصحة الصلاة في الدار فلا يعقل المصير إلى ترتبها على مجرد عقد الفضول وإن أجاز الأصيل بعد ذلك إذ كيف يمكن المصير إلى أنه لو وطئ رجل امرأة ثم تبيَّن أنّ عَمراً زوجه إياها فضولاً قبل ذلك فأجاز بعد الوطئ يكون ذلك الوطئ حلالاً والظاهر من

ص: 326

الروايات ترتّب الأثر من بعد الإجازة كقوله (1) فإن اجازه فهو له جائز أو ذاك إلى سيده فإن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز ونحو ذلك فإن الظاهر منها عدم جواز ترتب أي أثر قبل الإجازة . نعم قد يتوهم أن صحيحة أبي عبيدة الحذاء (2) دالة على كون الإجازة كاشفة حيث حكم الإمام علیه السلام بعزل ميراث الجارية انتظاراً لبلوغها وعرض النكاح عليها فإذا رضيت تعطى الميراث.

وهذه الصحيحة ربما يناقش فيها فإن صدرها يقول زوجهما وليَّان لهما ومعنى هذا ان العقد ليس فضولياً وقد أجيب بأنّه ليس المقصود بالولي الأب والجد بل غيرهما بقرينة الذيل حيث سأل فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك قال يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية فالجمع بين الصدر والذيل يقتضي حمل الوليين على غير الأب والجد كالأخ مثلاً. هذا أولاً وثانياً أنها تحكم بتنصيف المهر بالموت وهذا مخالف للمشهور والأخبار الكثيرة وقد أجيب بما لا يرجع إلى محصل والتحقيق أن الرواية تدخل في عداد الروايات التي تحكم بتنصيف المهر بالموت كتصنيفه بالطلاق وهذا لا يكون إشكالاً على الرواية نعم الإشكال في استفادة أن الإجازة كاشفة في جميع الأحكام التكليفية والوضعية منها بل جعلها موافقة للقاعدة والتعدي عن موردها إلى سائر المعاملات لأن العقد الفضولي المجاز من طرف واحد لا يزيد على الإيجاب فكما أن الموجب إذا مات بعد إنشائه لا يمكن القبول كما مر إذ إنّه من شرائط صحة القبول بعد الإيجاب بقاء الموجب على القابلية من الحياة والعقل. . وفي الصحيحة حكم الإمام بصحة التزويج بعد موت الرجل وهذا لا يمكن الالتزام به في

ص: 327


1- صحيحة زرارة، الوسائل باب 24 أبواب نكاح العبيد ح1 ، الكافي ج5 ص478 ح3، التهذيب ج7 ص351 ح 1432.
2- وسائل، أبواب ميراث الأزواج باب 11 ح 1 ، الكافي ج 7 ص 131 ح1 ، التهذيب ج9 ص382 ح 1366 .

جميع الموارد ثم إنّ ترتيب الأثر فيها بشرط اليمين تعبد محض وعليه فإن كانت الإجازة كاشفة محضاً فأي معنى للحلف ومن هنا يعلم أن حكم الشارع بعزل الميراث تعبدي محض في هذا المورد الخاص ولذا حكم الكركي والشهيد الثاني بأنها على خلاف القاعدة فلا يتعدى إلى مورد تزويج الكبيرين فضولاً ثم أجاز أحدهما ومات . . . ومن الغريب أن بعضهم قال إنّ الرواية على خلاف الأصل ثم استدل بها على كاشفية الإجازة ثم إنه يمكن القول إنّ عزل الميراث بعد موت الزوج إنما هو لعدم بقاء الزوج حياً ليرى هل يتصرف في ماله بما يخرج المال عن قابليته للإرث أو نفسه عن قابليته للبقاء على صفة الزوجية للجارية أم لا . وأعجب من ذلك ما ذكره صاحب المستند بأنه لو قبل الزوج لزم العقد من جهته ولم يكن له رد النكاح قبل إجازة الجارية ولم يكن له مناص إلا الطلاق مع أن الطلاق إنما هو لإزالة الزوجية ومن المعلوم أنه قبل رضاها بالعقد لا زوجية تحتاج إزالتها إلى الطلاق.

وملخص الكلام إنّ القواعد شرعية وعرفية تدل على أن الإجازة ناقلة بمعنى عدم صحة ترتب الآثار الشرعية على العقد الفضولي قبل تمامية الإجازة من الطرفين من غير منافاة لخروج نفس الإنشاء عن اللاتنجز إلى التنجز والحكم بتحقق الملكية حال العقد لا بمعنى أنها بعد تحققها نكشف بالكشف الحقيقي أو الانقلابي على ذلك بل بمعنى أن الزوجية الحاصلة بإنشاء الفضول كانت معلقة غير مؤثرة وغير مربوطة بالشخص وبالإجازة يصير المجيز مالكاً لما أنشأ فضولاً وينسب العقد إليه .

اتضح مما ذكرنا أن ما أنشأه الفضول يكون قابلاً للاستناد إلى الأصيل بالإجازة وبعد ذلك يصير موضوعاً للأحكام الشرعية فالإجازة كاشفة حسب تعبير القوم وفي الحقيقة موجبة للاستناد والخروج عن الإنشائية إلى الفعلية

ص: 328

وأما بالنسبة إلى الأحكام الشرعية فهي ناقلة ولم يدل دليل على خلاف ما ذكرنا لا شرعاً ولا عرفاً فكيف يعقل الحكم بأن الوطء الصادر من الأصيل مع جهله بالعقد الفضولي حلال بشرط تعقبه بالإجازة وكيف كان يمكن القول بأنه ليس زنا أو نكاح نعم بعد الإجازة أو عدمها يحكم باحدهما . أو كيف يعقل المصير إلى انقلاب ما وقع حراماً إلى الحلال ولعل نظر القائلين بالكشف إلى نفس مضمون العقد من الملك أو الزوجية ويقولون إنّ هذا المضمون أنشأه الفضول ولذا يقولون إنّه صدر عن أهله ووقع في محله ولو قبل الإجازة أو إنّ العقد تام أو إنّ الإجازة رضا بمضمون العقد ولا ينفك عنه فيتمحض نظرهم إلى هذا الأمر الإنشائي فلو باع زيد دار عمرو يكون إنشاء المبادلة حاصلاً قبل الإجازة وبها لا يتغير عما هو عليه ولذا ذكروا أن من ثمرات القول بالكشف أو النقل الحكم بملك النماء المنفصل الحاصل بعد الإنشاء وقبل الإجازة وليس نظرهم إلى صحة التصرفات من حيث الحكم التكليفي نعم قد عرفت اضطراب أقوالهم بالنسبة إلى جملة من الأحكام الوضعية كحرمة أم المعقود عليها على المجيز قبل إجازة الزوجة للعقد الفضولي ونحوه بل الناظر في كلماتهم يرى أنّهم لا يجزمون بحكم وإنما يتمشون مع الإشكال وكون الحكم متفرعاً على القول بالكشف وأمثال ذلك. فالتفصيل الذي ذكرناه بين المنشأ والأحكام المترتبة عليه هو الموافق للقاعدة ويعارض هذا صحيحة أبي عبيدة الحذاء حيث حكم بعزل ميراث الزوجة الخ . . . وحكم بأنها تحلف بعد إدراكها على أنه ما دعاها إلى القبول الطمع بالميراث لكن هذه الصحيحة على خلاف القاعدة إذ لا ريب في أنه إذا مات الموجب قبل قبول القابل أو العكس لم يتحقق معاهدة وبطل الإيجاب أو القبول وليس عقد الفضولي أولى بالصحة من الإيجاب الصادر من الأصيل أو القبول الصادر عنه. ومن المعلوم أن الحلف حكم تعبدي

ص: 329

فالحكم بالميراث مع الحلف على تقدير الإجازة هنا تعبد محض وتكون الرواية على خلاف الأصل وفرعوا على ذلك أموراً :

الأول : لو لم يحلف الثاني لنكول أو عارض قهري لا يرث كما أفتوا وهذا يدل على أن الحلف له موضوعية وأن الحكم بالإرث تعبد محض نعم لو كان العذر عن الحلف مرجو الزوال أمكن القول بوجوب عزل الميراث إلى أن يرتفع العذر أو يحصل اليأس من زواله .

الثاني : لو أجاز الزوج التزويج بعد وفاة الزوجة وبلوغه لا يرث ما لم يحلف لاشتراطه فيه لكن هل يجب عليه المهر وهل يرث منه أم لا؟ في المسالك أنه يجب لأن رضاه بالزوجية اعتراف منه وإقرار بالمهر وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز إلا أنه لا إقرار في البين وما تحقق إنما هو رضاه بالنكاح على ما أنشأه الفضول والمهر من مجعولات الفضول والزوج لا يعترف به بالأصالة بل يعترف بالزوجية التي يلزمها المهر إذا ثبتت. فالتحقيق أنه لو لم يحلف لا مهر عليه مضافاً إلى أنه لو قلنا إنّ الحلف استظهاري فإذا لم يتحقق لم يعلم كون رضاه بالزوجية على وجه الحقيقة فلا يمكن استفادة الرضا الباطني بها فكيف ينفي الأصل ويحكم بالفرع - المهر - .

الثالث : أنه لو لم يكن في البين تهمة كما إذا بلغ الزوج فأجاز ثم مات ولم تعلم بموته فأدركت ورضيت بالتزويج أو كان الباقي هو الزوج وكان يجب عليه من المهر أزيد مما يرث من الزوجة فهل هناك حلف أم لا؟ التحقيق أنه لا حلف لأن كيفية التحليف تدل على أن لا إطلاق للنص يشمل مورد عدم وجود التهمة .

الرابع : لو كان العقد الفضولي للكبيرين فهل يتعدى عن مورد الصحيحة إليه. وقد عرفت أن الحكم على خلاف القاعدة فلا يتعدى بالرواية عن موردها نعم لو كان العاقدان على الصغيرين وليٌ وفضولي أمكن القول

ص: 330

بالتعدي بطريق أولى إذ كون الزوجية ثابتة من طرف عند العقد أولى في الصحة لو أجاز الآخر فيما لو كان الطرفان فضوليين. وبعبارة أخرى توقف تمامية العقد على إجازة أولى فى الصحة من توقفه على إجازتين .

وإلى هنا انتهى ما استفدته على يد سماحة العلامة آية الله السيد علي الفاني الأصفهاني دام ظله العالي من كتاب النكاح على الشرائع للمحقق «قده». وكان ذلك في التاسع من شهر جمادى الأولى سنة 1393ه- ولما قدم لزيارة السيدة زينب علیها السلام في سوريا وحلّ ضيفاً عليّ في بعلبك بعد ذلك بسنوات. أكمل كتابة هذا الفصل بقلمه الشريف .

قال في الشرايع : المسألة التاسعة : إذا أذن المولى لعبده مثلاً في إيقاع عقد النكاح له صح بالصحة الفعلية حيث إنّه نكاح العبد موقوف على إذن سيده فإذا كان الإذن مطلقاً لم تعين إمرأة محددة ومهراً محدداً فللعبد أن يتزوج بأي امرأة حرة أو أمة شريفة أو وضيعة من أهل بلده أو من خارجه نعم لو تزوج من خارج البلد وأراد الخروج إليها لزمه أخذ الإذن من السيد للخروج إليها و لا يضر بالصحة تفاوت المهر بين الوضيعة والشريفة بعد أن كان إذن السيد مطلقاً فإن الإذن بالشيء إذن بلوازمه والمسألة لا إشكال فيها ولا خلاف ظاهراً نعم قد يقال كما في المتن إنّ السيد إذا أطلق المهر اقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر المثل كما أن إطلاق النقد يقتضي الاقتصار على نقد البلد ودليل ذلك أن الإطلاق إنما يؤخذ به إذا لم يكن هناك مصبٌ ينصب إليه المطلق كما مثلنا به. أمّا أن مهر المثل يتفاوت تفاوتاً كثيراً فجوابه أولاً أن السيد باطلاقه أقدم على ذلك وثانياً أن الانصباب على مهر المثل تضييق للمطلق عرفاً بل ربما يقال بلزوم الاقتصار في مهر المثل على اللائق بحاله وحال مولاه . ولنا أن نقول إنّ ما لا يليق بحاله وحال مولاه إذا لم يكن بحيث لا يُسبق من الإطلاق الاقدام على غيره فلا بأس به مضافاً إلى

ص: 331

أن هذا فيما إذا قلنا إنّ المهر يقع في ذمة المولى بأسره وأما إذا قلنا إنّه يقع في ذمة العبد ولا سيما إذا كان كسوباً وخصوصاً إذا لم تشهد الأمارات على عدم الزمام السيد بإدائه فالأمر خال عن الاشكال في الأخذ بالاطلاق ولتوضيح المطلب لما سبق وما يأتي لا بد من ذكر مقدمة تشتمل على أمور :

الأول : إن الرقية عبارة عن سلطنة شخص على شخص آخر عرفاً وحدودها الشرعية تؤخذ من الشرع فإن التشريع يخص الشارع فقط ومن لوازم الرقية كون العبد كلاً على مولاه .

الثاني : إن العبد بما هو إنسان فله القابلية للكسب ومن البديهي تفاوت أفراد الإنسان في هذه القابلية فبعض يليق به العمل المهني وآخر العمل التجاري وذلك يوجب تفاوت القدرة على إكتساب المال قلة وكثرة .

الثالث : لا ريب في أن الشرع رخص في الكتابة وشرَّعها ومقتضاها تملك العبد لما يكتسبه أو يربحه في عمله بل له فاضل ضريبته يفعل بها ما

يشاء.

الرابع : قد اختلفوا في قابلية العبد للتملك بمعنى هل كل ما يحصله العبد هو لمولاه والعبد ما هو إلّا آلة لتملك السيد وكل ما للعبد فهو للمولى إذ إنّ العبد وما يملك لمولاه استثنى منه مال المكاتبة أم ليس الأمر في تملك العبد بهذا الضيق بل للسيد أن يتملك ما تملكه العبد وله أن يجعل العبد في معرض التملك لما تملكه أو اكتسبه . بل الأمر في مورد فاضل الضريبة أيضاً مورد للخلاف وأنه للعبد أم للسيد .

والتحقيق في محله من الفقه. وقد اخترنا الأمر الثاني بعد اختيارنا أنه يملك فاضل الضريبة لدلالة الأخبار عليه .

الخامس : إن إقدام السيد على تزويج العبد شيء وإذنه للعبد في التزويج

ص: 332

شيء آخر فإن الأول ظاهر في التزام السيد بأداء المهر والنفقة والثاني ليس له هذا الظهور وحينئذٍ يأتي دور اعتبار ذمة العبد وإن العبد له ذمة معتبرة أم لا؟

وعلى هذا الأساس قالوا إنّ العبد لو تجاوز مورد إذن المولى في المهر (مثلاً إذا أذن المولى لعبده في التزويج واطلق ولم يعين المهر وقلنا بانصراف الإطلاق إلى مهر المثل المتعارف بالنسبة إلى هذا العبد وذلك المولى، فيكون الزائد في ذمة العبد ولذا أشكل بعضهم على المشهور بأنه لو كانت للعبد ذمة فليقع المهر بأجمعه في ذمته ولو لم تكن له ذمة فما وجه التبعيض وقد أجاب في الجواهر عن الإشكال بأن وقوع جميع المهر في ذمة العبد خلاف الإجماع والتحقيق أن الإجماع وإن تحصل ولم نتحصله لعدم التتبع يكون محتمل المدركية لو لم نقل إنّ مدركه ما هو المستظهر لديهم من الأخبار وحينئذاك نقول إنّ الموارد مختلفة جداً من حيث إمارية إقدام السيد على التزويج لتعهده بالمهر ومن حيث إذنه لعبده الكسوب الماهر في الكسب والاسترباح - مثلاً - في التزويج ولا سيما في مورد عقد العبد على امرأة وقبل إذن سيده بمهر حسب إرادته الشخصية ثم علم المولى بذلك مع سكوته الكاشف عن إقراره للعقد المذكور أو إجازته الكافية لصحة العقد المذكور صحة فعلية كما يدل عليه مثل قوله علیه السلام فإذا جازه جاز وبالجملة الذمة ليست أمراً ملموساً خارجياً بل هي وعاءٌ اعتباري عرفي للأمور الاعتبارية كالديون والكفارات والغرامات وما يسلم فيه من الكليات وسائر الذميات مثل ما ورد من قوله علیه السلام على اليد ما أخذت حتى تؤدي ولذا لو كان عبد على جناح الحرية ومشرفاً لها وكان قادراً على التكسب له أن يجعل جميع المهر في ذمته هو ولو في مورد إذن المولى له في التزويج إذناً حاصلاً قبل تزويج العبد. ومن هنا ظهر أن قول المحقق بلزوم الاقتصار على مهر المثل في مورد الاطلاق وعدم التحديد إنما هو في مورد إمارية إقدام السيد على تزويج عبده على التزامه بأدائه أو إمارية إذنه للعبد في التزويج على ذلك وإن قوله فإن زاد كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر ناظر

ص: 333

إلى أنه لا إمارية لإذن السيد على التعهد بالزائد لانصراف إذنه إلى مهر المثل كما أنه كاشف عن اختيار المحقق اعتبار ذمة العبد .

وأما الزوجة فلا خيار لها في فسخ العقد إذا زاد العبد المهر على مهر المثل حيث لا بد لها من الصبر إلى أن يقدر العبد على أداء الزائد وذلك لأن الزواج ليس بمعاملة حتى يأتي فيه الغرر بل هو الزوجية أولاً ولأنها أقدمت على الزواج من غير استطاع ثانياً ولأن الخيارات المجعولة في النكاح كلها تعبدية ولذا يأتي الخيار للزوجة في نكاح العبد إذا دلّس نفسه على أنه حر دون مثل ما ذكر .

ولو عين له الزوجة فلم يتخط فهو وإن تخطى وقف نفوذه على الإجازة الجديدة، ولو عين له المهر فتخطى كان الزائد على ذمة العبد يتبع به عند استطاعته على الأداء ولو من فاضل ضريبته وقد عرفت فما بينا أنّ ما قاله المحقق من أنه يكون مهر المثل على مولاه مبنياً على ظهور إذن المولى في التزامه بأداء المهر وإن العبد غير قابل للتملك أو عدم اعتبار ذمته و ما قيل في كسبه مبني على القول إنّ العبد قابل للتملك وهذا في مورد قدرة العبد على الكسب دون الأول أظهر وأما ما في مصحح على بن أبي حمزة عن أبي الحسن علیه السلام في رجل يزوج مملوكاً له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها فقال يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها إنما هو بمنزلة دين له استدانه بأمر سيده (1) فمورده إمارية إقدام السيد على تزويج عبده لتعهده بأداء مهر زوجته وذلك لأن قوله في رجل يزوج مملوكاً له يدل على إقدام السيد على التزويج وتعهده المهر وقوله علیه السلام هو بمنزلة دين له استدانه بأمر سيده يدل على هذا التعهد بوضوح. ولذا قلنا ونقول إنّه لا بد

ص: 334


1- الوسائل باب 78 أبواب نكاح العبيد ح1 التهذيب ج8، ص210، ح 745. الفقيه ج3، ص 289 ، ح 1375.

من ملاحظة خصوصيات الموارد . وكذا القول في نفقتها. وفي الجواهر خلافاً ودليلاً نعم في الجواهر بعد بيان جملة من كلمات الفقهاء (رض) قال النفقة ليست أولى من المهر في كونه عوض إتلاف ولا ريب في أنها على سيده لأنها من توابع ما أذن له فيه بل ربما ظهر من موثق (1) الساباطي المفروغية منه قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ثم إنّ العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد فقال ليس لها على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه فإن إباق العبد طلاق امرأته هو بمنزلة المرتد عن الإسلام الخ . . . والجواب أما أن الالتزام بالنفقة من لوازم الإذن فصحيح لكن لا على نحو الإيجاب الكلي بل لا بد من رعاية الأمارات والقرائن وأما الموثق فمصبُهُ مورد كشف إذن السيد عن الالتزام المزبور أو كون المتعارف من الموالي والعبيد ذلك ولذا طلبت الزوجة نفقتها من مولى العبد وأما لو كان العبد كسوباً وقلنا إنّ له ما اكتسب فله أن ينفق على زوجته من كسبه وإن كان للمولى أن يتملك منه فلو قلنا إنّ للمولى أن يجعل العبد آلة للاسترباح لنفسه أو لم يكن العبد مكتسباً فإذنُ السيد له في التزويج كاشفٌ عن تعهده بنفقة زوجته وما في كشف اللثام عن الشيخ أنه إن لم يكن مكتسباً قيل إنّها تتعلق بذمته فيقال لزوجته إن زوجك معسر بالنفقة فإن اخترت أن تقيمي معه حتى يجد وإلا فاذهبي إلى الحاكم كي يفسخ النكاح إلى آخر ما ذكره في الجواهر ففيه أن هذا الفرض وإن لم یکن فرض فارض إلّا أن مصداقه نادر إذ هو فيما إذا لم يكن تعهد من السيد ولم يكن العبد كسوباً ولم يكن في بيت المال عند الحاكم أو عند أهل الإيمان من الصدقات للفقراء شيء أو كان ولم يصل إلى العبد ولم يكن هناك متبرع من المحسنين يتبرع بمقدار يفي بنفقة العبد وزوجته أو زوجته

ص: 335


1- الوسائل باب 73 أبواب نكاح العبيد ح1 التهذيب ج8، ص207 ، ح731.

خاصة. فحينذاك يأتي دور عجز الزوج عن نفقة زوجته الذي يكون للحاكم الشرعي مع مطالبة الزوجة بالطلاق طلاقها .

قال في الشرايع : المسألة العاشرة : من تحرر بعضه ليس لمولاه اجباره على النكاح . لأن العبد بعد تحرر بعضه تصبح له سلطته على نفسه مع سيده فلا بد من رضاه حيث لم يعد كلاً على مولاه بأجمعه هذا لو قلنا إنّ للمولى اجبار عبده على النكاح ولم نجد في الروايات ما يدل على ذلك .

نعم الأخبار تدل على توقف نكاح العبد على إذن سيده قبل العقد أو إجازته بعده وهذا اللسان في الروايات لا يدل ولو بالالتزام على سلطنة المولى على اجبار عبده على النكاح.

ثم إن تنظير صاحب الجواهر هذه المسألة بمسألة الشريكين في ملكية عبد زَوَّجهُ أحدهما إنما هو للإتيان بفرع فقهي آخر وإلّا فلا ربط بين المسألتين مسألة إجبار السيد عبده المتحرر بعضه على النكاح ومسألة تزويج أحد الشريكين في ملكية عبد العبد المشترك بينهما وكيف كان فيدل على المسألة الثانية ما رواه عُبيد (1) بن زرارة عن الإمام الصادق علیه السلام في عبد بين رجلين زوجه أحدهما والأخر لا يعلم ثم إنّه علم بعد ذلك أله أن يفرق بينهما؟ قال للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق بينهما وإن شاء تركه على نکاحه. وبمضمونه رواية (2) علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال سألته عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما والأخر غائب هل يجوز النكاح قال إذا كره الغائب لم يجز النكاح. ثم إن المتعة في أيام المهاياة وبمقدارها جائرة بلا استئذان والوجه واضح .

ص: 336


1- الوسائل باب 25 نكاح العبيد ح1 ، التهذيب ج8 ، ص 207 ، ح732 الفقيه ج 3، ص 289، ح 1374.
2- الوسائل باب7 نكاح العبيد ح1 التهذيب ج 8 ص 200، ح 704 .

قال في الشرايع : المسألة الحادية عشرة : إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه الذي له الولاية على سيدها. فإذا زوجها لزم وليس للمولى عليه مع زوال الولاية فسخه إذا كان في نكاحها غبطة للمولى عليه أو لم يكن فيه مفسدة عليه بناءً على كفاية عدم المفسدة في تصرفات الولي وإن كان ذلك في النكاح مخالفٌ للاحتياط والمسألة واضحة بعد وضوح صحة تصرفات الولي ولا سيما إذا كانت منوطة بالغبطة والمصلحة ومن هنا يظهر أن الإشكال بأنه في التزويج نقصان لقيمتها يرتفع باشتراط المصلحة في التزويج ثم إنّه لا يعتبر في ذلك جواز تزويج المولى عليه للولي لأن الولاية على المال ومنه الأمة غير الولاية على الشخص وعلى هذا لا ولاية للحاكم الشرعي على تزويج الصغار وله الولاية على أموالهم ومن جملتها الجارية وكذا لا يشترط في ذلك كون المولى عليه ممن يجوز له مباشرة التزويج .

ويستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد بكراً كانت أو ثيباً . وهذا الاستحباب يتأكد في البكر بل ذهب جماعة إلى الوجوب الوضعي بمعنى الاشتراط في البكر وقد يظهر ذلك من الروايات بادىء النظر إلّا أن الجمع الدلالي بين الروايات الواردة في المسألة يدل على استحباب الاستئذان من أبيها . وتلك الروايات وإن اشتملت على النهي عن استقلالها في التزويج إلّا أن مناط النهي التشريف لمقام الأب وهو ملاك محبوبية الاستئذان من الأب وفي ترك الاستئذان جسارة عليه وفيها مناط الكراهة وكيف كان فلا ريب في أن البكر إذا كانت مالكة لأمرها ورشيدة تستقل في أمر تزويجها إلّا أنه لا بد من ملاحظة عدم وقوع الفتنة بعدما تعارف الاستئذان وكان في تركه مثار الفتن ولذا أفتى سيدنا الأستاذ دام بقاؤه العالي بعدم اشتراط إذن الأب في صحة عقد البكر إلّا أنه أضاف إلى الفتوى قوله إن لم تكن فتنة بل الاحتياط في الفروج يقتضي الإذن مهما تيسر ولا سيما مع ملاحظة أن ثوران الشهوة

ص: 337

وطغيان العشق ربما يعميان الشابة عن ملاحظة مصلحتها في اختيار من هو صالح للعيش معه فتدبر .

و يستحب لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد. يظهر ذلك من خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله علیه السلام قال سألته عن الذي بيده عقدة لا النكاح؟ قال هو الأب والأخ والرجل يوصي إليه . . . و يستحب لها أن تعول على الأكبر إذا كانوا أكثر من أخ كما دل عليه مرسل (2) الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن الرضا علیه السلام قال الأخ الأكبر بمنزلة الأب ولو تخير كل واحد من الأكبر والأصغر زوجاً تخيرت خيرة الأكبر لنفس الدليل إلّا أن المرسل ضعيف غير قابل للعمل به كما سيأتي فاللازم مراعاة مصلحة المرأة فإن زيادة السن في أحدهما غير مقترنة بالعقل والتجربة ليس فيها ملاك الأخذ الرأي وحسن الاختيار.

مسائل ثلاث:

الأولى : إذا زوجها الأخوان برجلين فإن وكلتهما فالعقد للأول وقوعاً بداهة إن العقد الثاني وقع لغوا لأنه وقع على امرأةٍ ذات بعل و على هذا لو دخلت بمن تزوجها أخيراً وكانت جاهلة بالعقد الأول فرق بينهما بلا ريب ولا خلاف من أحد ف- إن حملت الحق الولد به لفرض كون الوطي شبهة والحق بها أيضاً لنفس الدليل والزم مهرها بالمثل بل الاحوط المسمى إن كان أزيد من المثل لأقدام الرجل عليه ولخبر محمد بن قيس (3) عن أبى جعفر علیه السلام قال قضى أمير المؤمنين علیه السلام في امرأة أنكحها أخوها رجلاً ثم

ص: 338


1- باب 8 من الوسائل أبواب عقد النكاح ح4 التهذيب ج7، ص393 ، ح1573.
2- باب 8 من الوسائل أبواب عقد النكاح ح6 التهذيب ج7، ص 393، ح1575.
3- الوسائل الباب 7 أبواب عقد النكاح ح2 الكافي ج5 ص396، ح1، التهذيب ج7، ص37 ، ح1552 . والرواية من الصحيح وإن عبر السيد الأستاذ عنها بالخبر المشعر بعدم الحجية .

انكحتها أمها بعد ذلك رجلاً وخالها أو أخ لها صغير فدخل بها فحبلت فاحتكما فيها فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول وجعل لها الصداقين جميعاً ومنع زوجها الذي حقت له أن يدخل بها حتى تضع حملها ثم الحق الولد بأبيه واحتمل ذلك في التذكرة أيضاً. واعيدت إلى السابق لكونها زوجته الشرعية بعد انقضاء العدة وأما لو كانا عالمين فهما زانيان وإن كان أحدهما عالماً فهو زان ولا يلحق به الولد ولا مهر للعالمة لكونها معقودة للغير وأما لو علم سبق أحدهما وجهل الأخر فيؤخذ بمعلوم التاريخ وإلّا فالأحوط التصالح بالطلاق والعفو عن نصف المهر للطرفين ثم تجديد العقد لواحد معين منهما حسب رضاها وإن لم يرضوا بالتصالح فالأقوى أن للحاكم الشرعي فسخ النكاح .

فإن اتفقا في حالة واحدة إذا علم ذلك أو كان مقتضى الأصلين كما لو علم صدورهما وجهل التاريخ قيل يقدم عقد الأكبر كما نسب إلى الشيخ في كتابي (1) الأخبار بل نسب إلى جماعة أخرين ويعرف بمراجعة مختلف العلامة (قدس سره) وقد يقال إنّه لو دخل بها الأخر (2) كانت له وقد أطال بعضهم الكلام في المسألة كصاحب المسالك إلّا أن القول المذكور مخالف للقواعد المسلمة عند الشيعة نعم دل عليه كما توهم مصحح (3) وليد بياع الاسفاط (الاسقاط خ ل) .

قال سئل أبو عبد الله علیه السلام وأنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها الأصغر بأرض أخرى؟ قال الأول بها أولى إلّا أن يكون الآخر قد دخل بها فهي امرأته ونكاحه جائز. وهذا المصحح كما

ص: 339


1- التهذيب والاستبصار.
2- كما ورد في لسان الرواية الآتية.
3- الوسائل باب7 من أبواب العقد ح4 التهذيب ج7، ص 387 - ح 1553 الكافي ج5 ، ص396، ح2.

ترى ليس فيه أي إشعار فضلاً عن الدلالة على الوكالة كما أن إطلاقه شامل لما لم يتفق العقدان في زمان واحد بل حمله على اتفاق العقدين في زمان واحد بعيد جداً لعدم توفر وسائل الإعلام في الأزمنة السابقة وكمال البعد في تقارن عقد في بلد مع عقد في بلد آخر زماناً اختلافهما مكاناً فلا يمكن الاعتماد على المصحح المذكور بالنسبة إلى الحكم المزبور ولقد أجاد المحقق حيث قال وهو تحكم نعم الاشكال السندي عندنا غیر (1) موجَّه بعد وجود صفوان وعبد الله بن مسكان وهما من أصحاب الاجماع في السند . وأما إذا كان العقدان فضوليين كما أشار إليه المحقق بقوله ولو لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيهما شاءَت تقارناً زماناً أم اختلفا والأولى لها إجازة عقد الأكبر إذا كان الأكبر أعقل وأكيس كما مرت الإشارة إليه. وبأيهما دخلت قبل الإجازة قولاً كان العقد له لأن الدخول إمارة كاشفة عن الرضا بالعقد فهو إجازة فعلية كافية في الصحة الفعلية . ثم إن بناءً على الاكتفاء بالفعل في الدلالة على الإجازة إذا لم يعلم سبق أحد العقدين على الآخر واحتمل الاقتران وهو مقتضى أصالة تأخر الحادث من الطرفين الموجب لبطلانهما معاً ووقعت المخاصمة قبل الدخول فلا ريب في أنه لا ترجيح لأحد العقدين على الآخر ولا بد من فسخ الحاكم الشرعي للعقدين إذا لم نقل ببطلانهما معاً بحسب الطبع كما هو الحق ولا حاجة إلى فسخ الحاكم أو جبرهما على الطلاق كما احتمل أو القرعة كما احتمل أيضاً فيما إذا لم نقل بثبوت الاقتران بجريان الأصلين فلاحظ الجواهر.

وأما إذا دخل أحدهما بالمرأة فهل يحكم بصحة نكاحه لأصالة الصحة في فعل المسلم كقوله أم لا؟ الحق لا وذلك لأن أصالة الصحة لا تكون

ص: 340


1- هذا على مبناه في التوثيق وإلا فإن وليد بياع الاسفاط لم يوثق في الرجال وتكون الرواية ضعيفة .

إمارة على موضوع مجهول بل هي عبارة عن ظهور حال المسلم في عدم التخطي عن وظائفه الشرعية ومع كون المورد مورد الجهل بالواقع كيف تتكفل أصالة الصحة بإثبات سبق عقده عليها قبل عقد الآخر وللتفصيل مقام آخر .

قال في الشرايع : المسألة الثانية : لا ولاية للأم ولا لأحد من آبائها على الولد الصغير لأن الأصل عدم ولاية أحد على أحد بل الأدلة دالة على أنه لا ولاية للأم في تزويج أولادها نعم حكي عن الاسكافي ذلك وهو خلاف الأصل والأدلة والاجماع وأمّا ما روي عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأتمروهن في بناتهن (1) فهو مرسل. نعم يمكن القول إنّ استئذان البكر من أُمها نوع تشريف وأدب يحسبان من الصلة وهو أمر مرغوب شرعاً وعلى هذا فلو زوجته كان العقد فضولياً موقوفاً على رضاه ف- إن رضي لزمه العقد وإن كره ولم يجز بطل العقد ولم يصح وقيل لزمها المهر وفيه تردد من أنه لا موجب للزوم المهر على الأم ومن خبر (2) محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام أنه سأله عن رجل زوجته أُمه وهو غائب؟

قال النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل وإن شاء ترك فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه. وحكي عن النهاية الفتوى به ولكن الخبر ضعيف السند غير قابل للحجية ولا يصلح لقطع ما علم من الشريعة أن التغريم لابد له من سبب ومجرد إنشاء عقد الفضولي لا يؤثر شيئاً بدون إجازة الأصيل فلا يكون سبباً للضمان ، وأما رد الخبر بمعارضته بما في صحيح (3) أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله علیه السلام حيث قال خالف أمره وعلى المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدةَ عليها ولا ميراث . من الحكم بغرامة النصف

ص: 341


1- مسند أحمد ج 2، ص 97.
2- الوسائل باب7 أبواب عقد النكاح ح3 ، الكافي ج5 ص401 ، ح2 .
3- الوسائل، باب 26 أبواب عقد النكاح ح1 ، التهذيب ج7 ص 490، 1970.

في الفضولي ففيه أن الصحيح أيضاً غير معمول به وما قاله المحقق وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه ففيه أنه خلاف ظاهر الخبر بل نصه لأن تزويج الأم للولد موصوفاً بالغيبة ظاهر كالنص في عدم اطلاعه على العقد ويزيد وضوحاً أنه علق صحة العقد وفساده على رضا الولد وكراهته فالتأويل واضح الخطأ وغريب . ثم إن تفويت البضع بمجرد انشاء عقد الفضولي فاسد لا يحتاج فساده إلى البيان . وأما اصلاح ما في الخبر بحمل كلمة لازم لها على أن المهر إذا دفعته الأم فيرجع لها فهذا الحمل التزام بلا ملزم ولا شاهد عليه . بل هو تأويل بلا طائل إذ رجوع مهر لم يتحقق نكاحه لازم لا يحتاج لزوم إرجاعه إلى البيان . وكيف كان ضعف السند أغنانا عن الكلام.

قال في الشرايع : المسألة الثالثة : إذا زوج الأجنبي امرأة فقال الزوج زوّجَكِ العاقد من غير إذنِك فقالت بل أذنت فالقول قولها مع يمينها على القولين لأنها تدعي الصحة . مضافاً إلى أن الإذن فعلها وهو لا يعرف إلّا من قبلها والقول قول من لا يعرف أمراً إلّا من قبله .

ثم إن النزاع إذا كان في حصول إذن المرأة وعدمه فعلى القول بصحة عقد الفضولي كما هو الحق ولم يظهر من المرأة ما يقتضي الرد فللمرأة إنشاء الإذن ويكون النزاع سالبة بانتفاء الموضوع لأنها مع صدور الإذن منها قَبْل إنشاء الأجنبي عقد الزواج فالعقد صحيح لا محالة وإن لم يصدر منها الإذن فلها إنشاء الإذن حال النزاع وصح العقد إذا كان صادراً من الأجنبي فضولاً بل نفس دعواها الإذن كاشف عن رضاها الباطني بالعقد ويصح ولا نزاع. وأما إذا كان النزاع بعدما صدر منها ما يدل على كراهتها لهذا الزواج فحينئذٍ إن قلنا ببطلان الفضولي فالظاهر أن عقد الأجنبي صدر مع إذن المرأة والمرأة تدعي كونه مع الإذن فهي تدعي الصحة وأصالة الصحة في العقد تجعل دعوى المرأة موافقة لأصالة الصحة فيقدم قولها على قول الزوج

ص: 342

المدعى لعدم الإذن في العقد لأنه يدعي الفساد. وأما إذا قلنا إنّ عقد الفضولي صحيح بالصحة التأهلية بمعنى توقفه على الإجازة فالزوج يدعي عدم بلوغ القصد إلى مرتبة الصحة الفعلية - بدعواه عدم إذنها - لكراهة المرأة وكون الكراهة كاشفة عن ردها للعقد الصادر فضولاً فهو يدعي الفساد أيضاً والمرأة حيث تدعي صدور الإذن من قبلها قبل العقد تدعي الصحة وأصالة الصحة تقتضي تقدم قولها. هذا ولو ادعى الزوج إذن المرأة قبل العقد أو بعده وكان ذلك قبل الدخول فالقول أيضاً قولها لأن الإذن فعل المرأة ولا يعلم إلّا من قبلها ولا معنى لجريان أصالة الصحة فيما إذا كان الشك في تحقق ما هو المقوم للموضوع كصدور الإذن ممن له الإذن ومنه يصدر. مع أن عقد الفضولي صحيح بالصحة التأهلية فلا معنى لجريان إضافة الصحة لفرض تحقق الصحة تأهلاً فيما إذا لم تأذن في الواقع ونفس الأمر . نعم لو قلنا ببطلان الفضولي فلجريان أصالة الصحة في العقد وجه ولكن الترجيح مع أصالة العدم الجارية في ناحية إذن المرأة لأنها معاضدة بإمارة أن هذا فعل لا يعلم إلّا من قبلها وإن كانت ضعيفة فتدبر جيداً. نَعم لو كان النزاع بعد الدخول أمكن أن يقال بتقديم قول الزوج كما جعله الأقرب في محكي القواعد على ما في الجواهر لظهور الدخول من المسلم في كونه عن عقد شرعي والأصل عدم إكراه المرأة وعدم الشبهة فالدخول منهما إمارة على الصحة والحمد لله رب العالمين.

تم الفصل الثالث ويتلوه الفصل الرابع في أسباب التحريم إن شاء الله تعالى .

ص: 343

الفهرس

المقدمة ... 7

كتاب النكاح ... 9

القسم الأول: في النكاح الدائم والنظر فيه ... 9

الفصل الأول : في آداب العقد والخلوة ولواحقهما ... 9

الفصل الثاني : في العقد والنظر في الصيغة والحكم ... 120

الفصل الثالث : في أولياء العقد ... 213

الفصل الثاني : في اللواحق ... 272

ص: 344

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.