يوم الطف : مقتل الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه السلام

هوية الکتاب

يوم الطف

مقتل الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَينِ الشَّهِيدِ(علیه السّلام)

تأليف

آية الله الأستاذ الشيخ هادي النجفي

رَاجَعَهُ وَضَبَطَهُ وَوَضَعَ فَهَارِسَهُ

مرکز تراث الکربلاء

قسم شوون المعارف الإسلامية و الانسانیة

يوم الطف: مقتل الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه السلام / تأليف آية الله الأستاذ الشيخ هادي النجفي؛ راجعه ووضع فهارسه مركز تراث كربلاء - قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية. - الطبعة الأولى - كربلاء ، العراق: العتبة العباسية المقدسة، قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية، 1440ه. = 2019م.

300 صفحة؛ 24سم

يتضمن إرجاعات ببليوجرافية: صفحة 291 - 300

1 . الحسين بن علي بن أبي طالب(علیه السّلام)، الإمام، 61-4 هجري. 2. معركة كربلاء، 61 ه. أ. العتبة العباسية المقدّسة. قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية. مركز تراث كربلاء، مرتب ب. العنوان.

محرر الرقمي: محمد مبين روزبهاني

ص: 1

اشارة

Web : www.alkafeel.net

E-Mail:turath.karbala@gmail.com

النجفي، هادي ، 1838 هجري- مؤلف

يوم الطف: مقتل الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد عليه السلام / تأليف آية الله الأستاذ الشيخ هادي النجفي؛ راجعه ووضع فهارسه مركز تراث كربلاء - قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية. - الطبعة الأولى - كربلاء ، العراق: العتبة العباسية المقدسة، قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية، 1440ه. = 2019م.

300 صفحة؛ 24سم

يتضمن إرجاعات ببليوجرافية: صفحة 291 - 300

1 . الحسين بن علي بن أبي طالب(علیه السّلام)، الإمام، 61-4 هجري. 2. معركة كربلاء، 61 ه. أ. العتبة العباسية المقدّسة. قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية. مركز تراث كربلاء، مرتب ب. العنوان.

BP193.13 N35 2019 : LCC

مركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع لمكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة

اسم الكتاب: يوم الطف.

تأليف: آية الله الأستاذ الشيخ هادي النجفي.

راجعه وضبطه ووضع فهارسه: مركز تراث كربلاء - قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية.

الناشر: العتبة العباسية المقدّسة - قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية.

الطبعة: الأولى.

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع

سنة الطبع : 1440 ه- - 2016م.

عدد النسخ: 500 نسخة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية: 2354 لسنة 2019م

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

مقدّمة المركز

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عبدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا*قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا*مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا*، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آلِ بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.

أما بعد، فإنَّ ليوم الطف أثرًا بليغًا في نفوس المؤمنين، وفي ضمير الإنسانية، فمعَ مرورِ أكثرَ مِنْ ألفِ عام على استشهاد الإمام الحسين(علیه السّلام)يتذكَّرُ المؤمنونَ هذه الفاجعة الأليمة، ويتناقلونها ويحيونَ ذكرَهَا بالأسى والحزن والبكاء جيلًا بعد جيل، مستلهمين منها دروسًا وعبر، ومتأملينَ فِي قراءة التاريخِ الَّذي حرّفته الحكومات والسياسات لمصالحها الشخصيَّةِ بطمسها وتشويهها للحقائق الناصعة، وعدم تطبيق أقوالِ اللهِ تعالى في القرآن الكريم بخصوص أهل البيت(علیهم السّلام)؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةٌ نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ﴾. فحثَّت هذه الآية على محبتهم ومودتهم، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. فهذهِ الآية تدل على عصمة أهل البيت(علیهم السّلام)، وأنَّهم منزهونَ عن ارتكاب الأخطاء. ولعظمة منزلتهم عندَ اللهِ تعالى أمر الله تعالى رسوله الكريم(صلی الله علیه و آله و سلم)بإحضارهم للمباهلة؛ فقالَ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ

ص: 5

وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ . فأحضر(صلی الله علیه و آله و سلم)الإمامَ عليّا، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين(علیهم السّلام)للمباهلة لمنزلتهم العظيمة ومقامهم الرفيع عندَ اللهِ تعالى، عندَ اللهِ تعالى، فمقاتلة الإمامِ الإمام الحسين(علیه السّلام)في يوم الطف مخالفةً لكلام الله تعالى ولسنة رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم)، إذ بيَّنَ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في مواطن ليله الا الله له الا الله عديدة للمسلمين منزلة الإمام الحسين(علیه السّلام)عند الله تعالى، وعند رسوله الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وقد روى علماء السنّة في صحاحِهم وكتبهم ما يؤيد ذلك، فمنها ما رواه الحاكم النيسابوري أنه(صلی الله علیه و آله و سلم)نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم. وروى الترمذي بسندهِ: عَنْ يَعْلَى وسِلْمٌ بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «حُسَيْنُ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ الله مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنَا حُسَيْنُ سِبْطُ مِنَ الأَسْبَاطِ». وعلّق عليه قائلا: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وروى أيضًا بإسناده عن حذيفة أن النبي محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)قال: «إنَّ هذا ملك لم ينزل أنَّ الهلال الأرضَ قط قبل هذه الليلة استأذنَ ربَّه أن يسلم عليَّ ويبشِّرَني بأنَّ فاطمةَ سيّدة نساء أهل الجنة وأنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهلِ الجنّة» قال الألباني بتحقيقه لهذا الحديثِ: «صحيح». وروى ابن ماجةَ قولَ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابٍ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأبوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا». قال الألباني بتحقيقه لهذا الحديثِ: «صحيح». وروى أيضًا جمع مِنْ علماء السنّة كالحاكم النيسابوري، والذهبي، وشعيب الأرنؤوط، والألباني أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قال بشأن الحسن والحسين(علیهما السّلام): «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي». وروى البخاري في صحيحه: عَنْ أَسَامَةَ بْنِ زَيْدِ عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم)أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ: «اللهمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا». والروايات بهذا

ص: 6

الخصوص مستفيضة ومتواترة، فضلا عن الروايات والأدلّةِ الشرعية الدالة على إمامة الإمام الحسين(علیه السّلام)، ووجوب طاعته.

وما بين يديك عزيزي القارئ الكريم كتاب يوم الطفُ الذي يتناول تفاصيل هذه الفاجعة الشجيّة ومجريات الأحداث فيها ، قام سماحة آية الله الشيخ هادي النجفي (دام عزه) مشكورًا بتأليفه، وقمنا بمراجعته، وضبطه، ووضع فهارسه، وبخصوص الأبياتِ الشعريّةِ الواردة في الكتاب فبعد ضبطها ذكرنا اسم البحرِ إذا لم يكنْ مِنْ بحر الرجز، وما كانَ منه فلم نُشر إليه لأنّ أغلب الأشعار الواردة هي من بحر الرجز.

وفي الختام نشكرُ سماحة المتولّي الشرعي للعتبة العباسية المقدّسة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) على جهوده المباركة في إحياء تراث أهل البيت(علیهم السّلام)، كما نشكر سماحته على تذليل جميع الصعوبات والعراقيل التي تواجهنا في العمل وتوفير جميع مستلزمات الرقي بالعمل لأعلى المستويات والشكرُ موصول إلى سماحة الشيخ عمار الهلالي رئيس قسم شؤون المعارفِ الإسلامية والإنسانية (دام توفيقه) على حرصه ومتابعاته الحثيثة لجميع نشاطات المركز. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

د. إحْسَان عَلِي الغُرَيْفِي

مُدِيرُ مَرْكَز تُرَاتٍ كَرْبَلاء

قِسْمُ شُؤُونِ المُعَارِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّة

29 ذي القعدة 1440ه-

2 آب 2019م

ص: 7

ص: 8

الإهداء:

إليك يابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء، وثار الله وابن ثاره والوتر الموتور، إليكَ يا سيدي ومولاي وإمامي يا أبا عبد الله الحُسَيْن، أهدي رسالتي هذه وهي بضاعتي المزجاة. ولا أريد منك إلّا الكون معك في الدنيا والآخرة.

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾(سورة الفجر: 27-30)

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «حُسَينٌ مِنّي وأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ الله مَنْ أَحَبَّ له لا له حُسَيْنًا، حُسَيْنُ سِبْطُ مِنَ الْأَسْباط »(1)

الراجي قبولك المؤلّف

. صحيح الترمذي : 307/22 (5/ 658) ، أمالي السيّدِ المُرتَضى: 157/1 ، تَهذيب التهذيب ابنِ حَجَر: 2/ 299 ، كامل الزيارات: 52 و 53 ، المصنف لابن أبي شيبة: 12 102 ، الإرشاد للمفيد : 127/2 ، سنن ابن ماجة : 1 / 51 ، الأدب المفرد للبخاري : 455/1 ، مسند أحمد 4 / 172 ، المعجم الكبير للطبراني : 20/3 ، مستدرك للحاكم: /3 177 ، إعلام الورى للطبرسي: 425/1 ، أُسد الغابة : 19/2، جامع الأصول: 9/ 29 تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين(علیه السّلام): 79، سير أعلام النبلاء: 3/ 190، بحار الأنوار: 270/43 .

ص: 9


1-

ص: 10

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

التمهيد

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

جمعتُ في هذه الأوراق قصة أو رواية مقتل مولانا وسيدنا وإمامنا أبي عبد الله الحُسَيْن سيّد الشهداء عَلَيْهِ صَلَواتُ الْمَلِكِ المَنّان، وجميع ما وقع في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين من الهجرة النبوية، وسمّيتها بيَوْم الطف والكتاب لا يحتاج إلى تقديم مقدمة، ولذا صرفت عنان القلم عنها وأتعرّض للبحث في ضمن فصول خمسة وخاتمة:

الفصل الأوّل: تمهيدات الحرب.

الفضل الثاني: شهداء الأصحاب رِضْوانُ الله تَعَالَى عَلَيْهِمْ.

الفصل الثالث: شهداء الطالبيين سَلامُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِين.

الفصل الرابع: مقتل الإمام أبي عبد الله الحسين(علیه السّلام).

الفصل الخامس: ما وقع بعد استشهاد الإمام(علیه السّلام).

خاتمة: في ذكر بعض ما ورد في يوم الطف من أَخبارِ الفَريقين.

وأقول بعون الله تعالى وحوله وقوّتِهِ :

ص: 11

ص: 12

الفصل الأول:

تمهيدات الحرب

ص: 13

ص: 14

صلاة الصبح

قال ابن قولويه في كامل الزيارات(1)والمسعودي في إِثْبات الوصيَّة(2):

«لما أَصْبَحَ الحُسَيْنُ يَوْمَ عَاشُوراء وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ قَامَ خَطِيبًا فيهم، حَمِدَ الله وأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الله تَعالَى أَذِنَ فِي قَتْلِكُمْ وَقَتْلِي فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ وَالْقِتَالِ».

تعبئة جند الله

«وَأَصْبَحَ الحُسَيْنُ(علیه السّلام)فَعَبَّا(3)أَصْحابَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَكَانَ مَعَهُ اثْنَانِ وَثَلاثُونَ فارسا وَأَربَعُونَ راجلا، فَجَعَلَ زُهَيْرَ بْنَ الْقَيْن في مَيْمَنَةِ أَصْحَابِهِ، وحَبيبَ بْنَ مُظاهِرٍ في مَيْسَرَةِ أَصْحَابِهِ، وَأَعْطَى رايَتَهُ الْعَبّاسَ أَخاهُ، وَجَعَلُوا الْبُيُوتَ فِي ظُهُورِهِمْ، وَأَمَرَ بِحَطَبٍ وَقَصَبٍ كانَ مِن وَراءِ البُيُوتِ أَن يُتْرَكَ فِي خَنْدَقِ كَانَ قَد حُفِرَ هُناكَ، وَأَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ، مَخافَةَ أَن يَأْتُوهُمْ مِن وَرَائِهِم»(4). ونقله باختلافِ الطبري(5)في تاريخه، فراجع إن شئت.

ص: 15


1- كامل الزيارات: 73.
2- إثبات الوصيّة : 139 ، ط . المطبعة الحَيدَريّة.
3- عَبَّاً الجَيْشَ تعبئةً إذا هيأه في موضعه.
4- الإرشاد: 214، ط. أصفهان.
5- تاريخ الطَّبَري : 6 / 241.

تعبئة جند الشيطان

قال الطبري: «... لَمَّا خَرَجَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بِالنَّاسِ، كَانَ عَلَى رَبْعِ أَهْلِ المَدينَةِ يَوْمَئِذٍ، عبد الله بنُ زُهَيْرِ بْنِ سُلَيْمٍ الْأَزْدِيُّ، وَعَلَى رَبْعِ مَذْحِجِ وَأَسَدٍ، عبد الرحمن بن أبي سَبرَةَ الْحَنَفَيُّ، وعَلَى رَبْع رَبيعَةَ وَكِندَةَ، قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَلَى رَبْعِ تَمِيمٍ وَهَمْدَانَ، الحُرُّ بْنُ يَزِيدَ الرِّيَاحِيُّ، فَشَهِدَ هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ إِلَّا الْحُرَّ، فَإِنَّهُ عَدَلَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَقُتِلَ مَعَهُ.

وجَعَلَ عُمَرُ عَلَى مَيْمَنَتِهِ، عَمْرَو بْنَ الْحَجَّاجِ الزُّبَيْدِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ، شَمِرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَن بن شُرَحْبِيلَ بْنِ الْأَعْوَر بن عُمْرو(1)بن مُعاوِيَةَ، وَهُوَ الضّبابُ بْنُ كِلاَبِ، وَعَلَى الْخَيْلِ، عَزرَةَ بْنَ قَيْسِ الْأَحْمَسِيَّ، وَعَلَى الرِّجَالِ، شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٌّ الْيَرْبُوعيَّ، وَأَعْطَى الرَّايَةَ ذُوَيْدًا مَوْلَاهُ»(2).

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: «عُمر بن سعد بن أبي وقاص زُهْري، هو في نفسه غير متهم، لكنه باشر قتال الحُسَين(علیه السّلام)، وفعل الأفاعيل.

روى شعبة عن أبي إسحاق عن العيزار بن حُرَيْث عن عُمر بن سعد، فقام إليه رجل، فقال: أما تخافُ الله تروي عن عمر بن سعد ؟ فبكى، وقال: لا أعود.

وقال العِجْلي: روى عنه الناس، تابعي ثقة.

وقال أَحمد بن زُهَيْر : سألت ابن مَعين أعُمَر بن سعد ثِقَة؟ فقال: كيف مَنْ قتل الحسين ثقة؟!

ص: 16


1- وفي المصدر: «عُمَر».
2- تاريخ الطَّبَري: 241/6.

قال خليفة: قتله المختار سنة خمس وستين»(1).

أقول: والعجب من الذهبي حيث قال: «عمر بن سعد... هو في نفسه غير متهم ، لكنه باشر قتال الحُسَين(علیه السّلام)، وفعل الأفاعيل»، ما يعني بقوله: «هو في نفسه غير متهم وما أراد منها ؟

وأعجب منه: كلام العجلي في شأنه: «روى عنه الناس تابعي ثقة».

وليس جوابه إلّا مقالة ابن معين المنقولة حيث قال: «كيف يكون من قتل الحُسَين(علیه السّلام)ثقة؟!»

دعاء الحُسَيْن(علیه السّلام)

روي عن عليّ بنِ الحُسَيْن زين العابدين(علیه السّلام)، أَنَّهُ قالَ: «لَمَّا صَبَّحَتِ الْخَيْلُ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)، رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهمَّ ! أَنْتَ ثِقَتِي في كُلِّ كَرْبٍ، وَأَنْتَ رَجَائي في كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرِ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ مِن هَم يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ ، أَنزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنّي إِلَيْكَ عَمَّن سِوَاكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي وكَشَفْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ»(2)

ص: 17


1- ميزانُ الإعتدال : 258/2 رقم 2034.
2- الإرشاد: 215، تاريخ الطبري : 241/6 ، الكامل : 4 / 25، تاريخ ابن عساكر: 233/4.

عدد أصحاب الإمام(علیه السّلام)

قد مرّ كلام الشَيْخِ المُفيد(قدس سره)في عددهم حيثُ قال: «وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا».

«وروي عن مولانا مُحَمَّد بن علي الباقر(علیه السّلام): أنهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل(1)(2).

وقال المُقَرَّم (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في مَقتَلِه : «اختلف المؤرخون في عدد أصحاب الحُسَين(علیه السّلام):

الأول: أنهم اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد والطبرسي في إعلام الوَرَى 142 ، والقتال في روضة الواعظين: 158، وابن جرير في التاريخ : 241/6 ، وابن الأثير في الكامل: 24/4 ، والقَرَماني(3)في أخبار الدُّوَل: 108 ، والدينوري في الأخبار الطوال 354 .

الثاني: أنهم اثنان وثمانون راجا نسبه في الدّمعة الساكبة(4)إلى الرواية.

وهو المختار.

الثالث: ستون راجلا. ذكره الدميري في حياة الحيوان: 73/1 في خلافة يزيد.

ص: 18


1- في طبعة الشيخ فارس تبریزیان 158 ، ولكن في المصدر: «رجل».
2- اللهوف : 43 ، ط . المطبعة الحَيْدَريَّة .
3- هو المؤرّخ المنشي أحمد بن يوسف بن أحمد بن سنان القرماني الدمشقي (939 - 1019ه).
4- صاحبها الملا محمد باقر بن عبد الكريم الدهدشتي البهبهاني النجفي المتوفّى 1285ه.

الرابع: ثلاثة وسبعون راجلا ذكره الشريشي في مقاماتِ الحريري: 193.

الخامس خمسة وأربعون فارسًا ونحو مائة راجل. ذكره ابن عساكر، كما في تهذيب تاريخ الشّام: 337/4.

السادس: اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. ذكره الخوارزمي في المقتل : 4/2 .

السابع: واحد وستون راجلا ذكره المسعودي في إثبات الوصية: 35.

الثامن: خمسة وأربعون فارسا ومائة .راجل. ذكره ابن نَما في مثير الأحزان: 28 ، وفي اللهوف: 56 ، أنه المروي عن الإمام الباقر(علیه السّلام).

التاسع: اثنان وسبعون رجلًا. ذكره الشبراوي في الإتحاف يحب الأشراف: 17 .

العاشر : ما في مختصر تاريخ دول الإسلام للذهبي: 1/ 31، أنه(علیه السّلام)سار في سبعين فارسًا من المدينة»(1).

أقول : المُقَرَّم لم يتعرّض لبعض الأقوال؛ نحو كلام صاحب المناقب حيث قال: «وَكَانَ جَمِيعُ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا، مِنْهُمُ الْفُرْسَانُ اثْنَانِ وَثَلاثُونَ فَارِسًا»(2).

ولكن لا فرق بين قوله الأوّل والسادس، وكذا لا فرق بين قوله الخامس والثامن ويمكن الجمع بين سائر الأقوال وتقليلها.

ص: 19


1- مَقْتَل الحُسَيْن(علیه السّلام): 225 .
2- المناقب : 2 / 215 ، ط الحجري.

والمختار عندنا في عدد أصحابه(علیه السّلام):ما روي عن مولانا الإمام الباقر(علیه السّلام)في اللهوف، كما تقدّم؛ لكونه مذكورًا في الرواية وتأييدها باعتبارات يأتي بعضها بعدُ إِن شاءَ الله تعالى.

عدد أصحاب عُمَر بن سَعْد

قال مُحَمَّد بن عَليّ بنِ شَهرآشوب السَرَوي (رِضوانُ الله تَعَالى عَلَيْه) في مَناقِبه : وجَهَزَ ابنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ خَمْسةً وثَلاثِينَ أَلْفًا، فَبَعَثَ الحُرَّ فِي أَلْفِ رَجُل مِنَ الْقَادِسِيَّةِ، وَكَعْبَ بنَ طَلْحَةَ في ثَلاثَةِ آلافٍ، وَعُمَرَ بْنَ سَعْدِ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ، وَشَمِرَ بنَ ذِي الْجَوْشَنِ السَّلُولِيَّ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَيَزِيدَ بْنَ رِكَابٍ الْكَلْبِيَّ فِي أَلْفَيْنِ، وَالْحُسَيْنَ بْنَ نُمَيْرِ السَّكُونِي في أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَمَضَايِرَ بْنَ رَهِينَةٌ المَازِنِيَّ في ثَلَاثَةِ آلافٍ، وَنَصْرَ بْنَ حَرَشَةَ فِي أَلْفَيْنِ، وشَبَثَ بْنَ رِبْعِيُّ الرِّيَاحِيَّ فِي ألف، وحَجَّارَ بْنَ أَبْجَرَ فِي أَلْفِ»(1).

أقول: قال السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في أوّل كلامه: أنّهم خمسة وثلاثون ألفًا. ولكن المجموع فيما ذكره من التفصيل ليس إلا خمسة وعشرين ألفًا، فمن أين جاء بعشرة آلاف؟

الإمام لا يبدأ بالحرب

«وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ يَجُولُونَ حَوْلَ بُيُوتِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَيَرَوْنَ الخَنْدَقَ فِي ظُهُورِهِمْ وَالنَّارُ تَضْطَرِمُ فِي الْحَطَبِ وَالْقَصَبِ الَّذِي كَانَ أُلْقِيَ فِيهِ، فَنَادَى شَمِرُ

ص: 20


1- مناقب آل أبي طالب : 2/ 215.

بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يا حُسَيْنُ! أَتَعَجَّلْتَ النَّارَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): مَنْ هذَا؟ كَأَنَّهُ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَن ، فَقَالُوا لَهُ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: يَابْنَ راعِيَةِ الْمِعْزى ! أَنْتَ أَوْلى بِهَا مِنِّي صَلِيَّا. وَرَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ أَن يَرمِيَهُ بِسَهُم، فَمَنَعَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)مِنْ ذلِك فَقَالَ لَهُ: دَعْنى حَتَّى أَرْمِيَهُ، فَإِنَّهُ الْفَاسِقُ مِنْ أَعْداءِ الله وَعُظَماءِ الجَبّارِينَ، وَقَدْ أَمْكَنَ الله مِنْه فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): لَا تَرْمِهِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَهُمْ»(1).

أقول: ونحوه في الطبري(2)باختلاف.

كرامات من الإمام(علیه السّلام)

وَأَمَرَ الْحُسينُ(علیه السّلام)بِحَفِيرَتِهِ الَّتِي حَوْلَ عَسْكَرِهِ، فَأُضْرِمَتْ(3)بِالنَّارِ لِيُقَاتِلَ القَوْمَ مِنْ وَجْهِ واحِدٍ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ عَسْكَرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، يُقالُ لَهُ: ابْنُ أَبِي جُوَيْرِيَةَ الْمُزَنِيُّ، فَلَمّا نَظَرَ إِلَى النَّارِ تَتَّقِدُ، صَفَّقَ بِيَدِهِ وَنَادَى: يا حُسَيْنُ وَأَصْحابَ الْحُسَيْنِ أَبْشِرُوا بِالنّارِ ، فَقَدْ تَعَجَّلْتُمُوهَا فِي الدُّنْيا! فَقالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقِيلَ: ابْنُ أَبِي جُوَيْرِيَةَ الْمُزَنِيُّ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام):

اللهمَّ ! أَذِقْهُ عَذَابَ النَّارِ فِي الدُّنْيا ! فَنَفَرَ بِهِ فَرَسُهُ، فَأَلْقَاهُ فِي تِلْكَ النَّارِ فَاحْتَرَقَ. ثُمَّ بَرَزَ مِنْ عَسْكَرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ رَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ: تَمِيمُ بْنُ الحُصَيْنِ الفَزَارِيُّ، فَنَادَى : يَا حُسَيْنُ ويَا أَصْحَابَ الْحُسَيْنِ! أَمَا تَرَوْنَ إِلَى مَاءِ الْفُراتِ يَلُوحُ كَأَنَّهُ

ص: 21


1- الإرشاد: 215.
2- تاريخ الطبري: 6 / 246.
3- الضّريم: الحريق.

بُطُونُ الْحَيّاتِ (الحيتان)؟! والله لا ذُقْتُمْ مِنْهُ قَطْرَةً حَتَّى تَذُوقُوا الْمَوْتَ جَزَعًا! فَقالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقِيلَ : تَمِيمُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): هَذَا وَأبوهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. اللهمَّ اقْتُلْ هَذَا عَطَشًا في هذَا الْيَوْمِ! قَالَ الرّاوي: فَخَنَقَهُ الْعَطَشُ حَتَّى سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَوَطِأَتْهُ الْخَيْلُ بسَنابكهَا، فَمَاتَ.

ثُمَّ أَقْبَلَ آخَرُ مِنْ عَسْكَرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ يُقالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِي، فَقَالَ : يا حُسَيْنَ بْنَ فَاطِمَةَ أَيَّةُ حُرْمَةٍ لَكَ مِنْ رَسُولِ الله لَيْسَتْ لِغَيْرِكَ ؟ ! قالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)هذه الآية: ﴿إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيم﴾(1).

ثُمَّ قَالَ: «وَالله إِنَّ مُحَمَّدًا لَمِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنَّ العِتْرَةَ الْهَادِيَةَ لَمِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ؛ مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقِيلَ : مُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ بْنِ قَيْسِ الْكِنْدِيُّ. فَرَفَعَ الْحُسَيْنُ رَأْسَهُ إِلَى السَّماءِ، فَقالَ: اللهمَّ ! أَي مُحَمَّدَ بْنَ الأَشْعَثِ ذُلَّا في هذا اليوم، لاَ تُعِزُّهُ بَعْدَ هذَا الْيَوْمِ أَبَدًا فَعَرَضَ لَهُ ،عارِضُ، فَخَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ يَتَبَرَّز، فَسَلَّطَ الله عَلَيْهِ عَفْرَبًا فَلَدَغَهُ، فَمَاتَ بادِيَ الْعَوْرَةِ(2).

وذكره أيضًا ابن فتال النيشابوري الشهيد في سنة (508 ه.ق). في كتابه رَوْضَة الواعظين(3).

أقول: ما ذكره شيخنا الصدوق أخيرًا في محمد بن أشعث، وتبعه النيشابوري (قُدَّسَ سِرُّهُما) ليس بصحيح؛ لأنه لم يُذكر في مقتل معتبر شهود

ص: 22


1- سورة آل عمران: 33 - 34.
2- أمالي الصدوق: 134 المجلس الثلاثون.
3- رَوْضَة الوَاعِظين: 1 / 185.

بن الأشعث في يوم الطف، نعم أخوه قَيْس بن الأَشْعَث حضر وقعة وسلب قطيفة الحُسَيْن(علیه السّلام)، واشتهر بقيس قطيفة، ومحمد بقي إلى سنة سبع وستين، فلحق بمصعب بن الزبير في البصرة في جمع لحقوه من الكوفة لأن يأتوا به إلى قتال المختار، فهدم المختار داره في الكوفة(1)، وكرّ مالك بن عَمْرِو أبو نِمْران النهدي من أصحاب المُختار على أصحاب مُحَمَّد بنِ الأَشْعَث، فقُتل مُحَمَّد بن الأَشْعَث(2). ونبه على كلّ ذلك شيخنا التستري(مُدَّ ظِلُّه) في كتابه القيم الأخبار الدخيلة(3).

قال أبو مخنف: «فَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ أبو جعفر، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقالُ لَهُ: عبد الله بْنُ حَوْزَةَ، جَاءَ حَتَّى وَقَفَ أَمامَ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: يَا حُسَيْنُ يَا حُسَيْن ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ : أَبْشِر بِالنَّارِ ! قالَ: كَلا! إِنِّي أَقْدِمُ عَلَى رَبِّ رَحِيمٍ وَشَفِيعِ مُطَاع؛ مَنْ هذا ؟ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ هذا ابْنُ حَوْزَةَ. قَالَ: رَبِّ! حُزْهُ إِلَى النَّارِ قَالَ: فَاضْطَرَبَ بِهِ فَرَسُهُ فِي جُذُولٍ فَوَقَعَ فِيهِ وَتَعَلَّقَتْ رِجْلُهُ بِالرِّكَابِ ! وَوَقَعَ رَأْسُهُ فِي الْأَرْضِ، وَنَفَرَ الْفَرَسُ فَأَخَذَهُ يَمُرُّ بِهِ فَيَضْرِبُ بِرَأْسِهِ كُلَّ حَجَرٍ وَكُلَّ شَجَرَةٍ حَتَّى مَاتَ».

أبو مِخْنَف: «وَأَمَّا سُوَيْدُ بْنُ حَيَّةَ فَزَعَمَ لِي أَنْ عبد الله بْنَ حَوْزَةَ حِينَ وَقَعَ فَرَسُهُ بَقِيَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي الرِّكَابِ وَارْتَفَعَتِ الْيُمْنَى فَطَارَتْ وَعَدَا بِهِ فَرَسُهُ يَضْرِبُ رَأْسَهُ كُلَّ حَجَرٍ وَأَصْلٍ شَجَرَةٍ حَتَّى مَاتَ».

ص: 23


1- تاريخ الطبري: 147/7.
2- تاريخ الطَّبَري: 151/7.
3- الأخبار الدخيلة: 196/2 - 197.

قال أبو مخنف : «عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عبد الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَخِيهِ مَسْرُوقِ بْنِ وَائِلِ : كُنْتُ في أَوَائِلِ الْخَيْلِ مِمَّن سَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَقُلْتُ أَكُونُ فِي أَوائِلِهَا لَعَلّي أُصِيبُ رَأْسَ الْحُسَيْنِ فَأُصِيبَ بِهِ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ عبيد الله بْنِ زيَادٍ، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْحُسَيْنِ، تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ حَوْزَةَ، فَقَالَ : أَفيكُمْ حُسَيْنُ؟ قَالَ : فَسَكَتَ الْحُسَيْنُ ، فَقَالَهَا ثَانِيَةً فَأَسْكَتَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الثَّالِثَةُ، قَالَ: قُولُوا لَهُ: نَعَم، هذا حُسَيْنُ؛ فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: يَا حُسَيْنُ! أَبْشِر بِالنَّارِ! قَالَ: كَذَبْتَ، بَل أَقْدِمُ عَلى رَبِّ غَفُورٍ وشَفيع مُطَاع؛ فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ حَوْزَةَ. قَالَ: فَرَفَعَ الْحُسَيْنُ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا بَيَاضَ إِبْطَيْهِ مِنْ فَوْقِ الشَّيَابِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ حُزْهُ إِلَى النَّار! قَالَ فَغَضِبَ ابْنُ حَوْزَةَ فَذَهَبَ لِيَقْتَحِمَ إِلَيْهِ الفَرَسَ وبَيْنَه نَهرٌ، قَالَ: فَعُلَّقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ وَجَالَتْ بِهِ الْفَرَسُ فَسَقَطَ عَنْهَا، قَالَ: فَانْقَطَعَتْ قَدَمُهُ وَسَاقُهُ وَفَخذُهُ وَبَقِيَ جَانِبُهُ الآخَرُ مُتَعَلِّقًا بِالرِّكَابِ. فَرَجَعَ مَسْرُوقٌ، وَتَرَكَ الْخَيْلَ مِن وَرَائِهِ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْل هَذَا الْبَيْتِ شَيْئًا لا أُقاتِلُهُمْ أَبَدًا!»(1).

موعظة بُرَيْر بنِ خُضَيْرِ الهَمْداني

قال صدوقُ الأُمَّة في أماليه : «بَلَغَ الْعَطَشُ مِنَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَأَصْحَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِهِ يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بنُ الْحُصَيْنُ الهَمْدَانِيُّ ؛ قالَ إِبْراهِيمُ بْنُ عبد الله راوِي الحَدِيثِ: هُوَ خَالُ أَبِي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ؛ فَقالَ: يَابْنَ رَسُولِ الله!أَتَأْذَنُ لِي فَأَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَأُكَلَّمَهُمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النَّاسِ !

ص: 24


1- تاريخ الطبري: 247/6.

إنَّ الله(عزوجل)من بَعَثَ مُحَمَّدًا بالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلى الله بإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا، وهذا مَاءُ الفُرَاتِ تَفَعُ فِيهِ خَنَازِيرُ السَّوَادِ وَكِلابُهَا وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ؛ فَقَالُوا : يا يَزِيدُ ! فَقَدْ أَكْثَرْتَ الْكَلامَ فَاكْفُفْ فَوَالله لَيَعْطَشُ الْحُسَيْنُ كَمَا عَطِشَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ؛ فَقالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): أَقْعُدْ يَا يَزِيدُا»(1).

أقول: الظاهر إنّ الصحيح في اسم الرجل واسم أبيه : بُرَيْر بن خُضَيْرِ الهَمْداني كما يأتي تحرير ذلك في مقتله إن شاء الله تعالى.

الخطبة الأولى

«اثُمَّ دَعَا الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بِراحِلَتِهِ فَرَكِبَها ونادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يا أَهْلَ العِراقِ كُلُّهُمْ يَسْمَعُونَ فَقالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! اِسْمَعُوا قَوْلِي وَلا تَعْجَلُوا حَتَّى أَعِظَكُمْ بما يَحِقُ لَكُمْ عَلَيَّ وَحَتَّى أَعْذِرَ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ أَعْطَيْتُمُونِي النَّصَفَ، كُنتُم بِذلِكَ أَسْعَدَ، وَإِنْ لَمْ تُعْطُونِي النَّصَفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَأَجْمِعُوا رَأَيْكُمْ، ثُمَّ لا يَكُن أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةَ ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ، إِنَّ وَلِيّي الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، ثُمَّ حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَعَلَى مَلائِكَتِهِ وَأَنبِيائِهِ ، فَلَمْ يُسْمَعْ مُتَكَلَّمْ قَط قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَبْلَغَ فِي مَنْطِقِ مِنْهُ.

ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَانْسُبُونِي، فَانْظُرُوا مَنْ أَنا، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَاتِبُوهَا، فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِي ؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَابْنَ وَصِيَّهِ وَابْن عَمِّهِ وَأَوَّلِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِ لِرَسُولِ اللهِ بِمَا جَاءَ [بِهِ] مِنْ عِنْدِ

ص: 25


1- أمالي الصدوق: 135 المجلس الثلاثون، رَوْضَة الواعظين: 1/ 185.

رَبِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ عَمِّي ؟ أَوَلَيْسَ جَعْفَرُ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ عَمِّي ؟ أَوَلَمْ يَبْلُغُكُمْ مَا قالَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لي ولأَخِي: هذَانِ سَيْدا شَبابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَإِنْ صَدَّقْتُمُونى بما أَقُولُ وَهُوَ الْحَقُّ ، وَالله ما تَعَمَّدْتُ كَذِبًا مُنْذُ عَلِمْتُ أَنَّ الله يَمْقُتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، فَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذلِكَ أَخْبَرَكُمْ اِسْأَلُوا جَابِرَ بْنَ عبد الله الْأَنْصَارِيَّ وأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيَّ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكِ يُخْبُرُوكُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لي وَلِأَخِي . أما في هذَا حَاجِرٌ لَكُمْ عَنْ سَفْكِ دَمِي ؟ فَقَالَ لَهُ شَمِرُ بنُ ذِي الجَوْشَنِ: هُوَ يَعبد الله عَلَى حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي مَا تَقُول؟

فَقالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ : والله إنِّي لَأَرَاكَ تَعبد الله عَلَى سَبْعِينَ حَرْفًا وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ صادِقٌ مَا تَدْرِي مَا يَقُول : قَد طَبَعَ الله عَلَى قَلْبِكَ.

ثُمَّ قَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): فَإِنْ كُنتُمْ في شَكٍّ مِنْ هَذَا، أَفَتَشُكُونَ أَنِّي ابْنُ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ؟ فَوَالله ما بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ابْنُ بِنْتِ نَبِيٌّ غَيْرِي فِيكُمْ وَلا في غَيْرِكُمْ. وَيْحَكُم أَتَطلُبُوني بِقَتيلِ مِنْكُمْ قَتَلْتُهُ؟ أَوْ مَالٍ لَكُمُ اسْتَهْلَكْتُه؟ أو بقصاص جرَاحَةٍ؟

فَأَخَذُوا لاَ يُكَلِّمُونَهُ.

فَنَادَى : يا شَبَثَ بْنَ رِبْعِيُّ ويَا حَجَّارَ بْنَ أَبْجَرَ ويَا قَيْسَ بْنَ الْأَشْعَثِ ويَا يَزِيدَ بْنَ الْحارِثِ! أَلَمْ تَكْتُبُوا إِلَيَّ أَن قَدْ أَيْنَعَتِ الثَّمَارُ وَاخْضَرَّتِ الْجَنَّاتُ وَإِنَّمَا تَقْدِمُ عَلَى جُنْدِ لَكَ مُجَنَّدٍ ؟

فَقالَ لَهُ قَيْسُ بْنُ الأَشْعَثِ : مَا نَدْرِي مَا تَقُولُ، وَلَكِنِ انْزِلْ عَلَى حُكْمِ بَنِي عَمِّكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرُوكَ إِلَّا ما تُحِبُّ.

ص: 26

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): لا والله، لا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الدَّلِيلِ، وَلا أَفِرُّ فِرَارَ الْعَبِيدِ. ثُمَّ نادَى يا عِبادَ الله ! إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم أَنْ تَرْجُمُونِي وَأَعوذُ بِرَبِّي : وَرَبِّكُمْ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ.

ثُمَّ إِنَّهُ أَناخ راحِلَتَهُ وَأَمَرَ عَطِيَّةٌ بنَ سَمْعَانَ فَعَقَلَها»(1).

أقول: ونحوه مع اختلاف في تاريخ الطبري وفيه بعد قوله(علیه السّلام): «ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين»، قال: «فَلَمَّا سَمِعَت أَخَواتُهُ كَلامَهُ هذا صِحْنَ وبَكَيْن وبَكَى بَناتُهُ، فَارْتَفَعَتْ أَصْواتُهُنَّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِنَّ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٌّ وعَلِيًّا ابْنَهُ وَقَالَ لَهُمَا: أَسْكِتَاهُنَّ فَلَعَمْرِي لَيَكْثُرَنَّ بكَاؤُهُنَّ.... فَلَمَّا سَكَتْنَ حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ إلخ»(2)، ونحوه مع اختلاف في مثير الأحزان(3).

موعظة زُهَيْر بن القَيْن

قال أبو مِخْتَفِ : فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ أَسْعَدَ الشَّامِي عَنْ رَجُلٍ مِن قَوْمِهِ شَهِدَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ حِينَ قُتِلَ يُقَالُ لَهُ: كَثِيرُ بنُ عبد الله الشَّعْبِيُّ، قَالَ: لَمَّا زَحَفْنَا قِبَلَ الْحُسَيْنِ خَرَجَ إِلَيْنَا زُهَيْرُ بن القین فَرَسٍ لَهُ ذُنُوبِ، شَاكِ فِي السَّلاحِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ نَذار


1- الإرشاد: 215.
2- تاريخ الطَّبَرِيّ: 242/6.
3- مثير الأحزان: 51.

نَصِيحَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَنَحْنُ حَتَّى الْآن إِخْوَةٌ وَعَلَى دِينِ وَاحِدٍ وَمِلَّةٍ وَاحِدَةٍ ما لَمْ يَقَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفُ وَأَنْتُمْ لِلنَّصِيحَةِ أَهْلُ، فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ، وَكُنَّا أُمَّةً وَأَنْتُمْ أُمَّةً، إنَّ الله قَدِ ابْتَلانَا وَإِيَّاكُمْ بِذُرِّيَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدِ(صلی الله علیه و آله و سلم)لِيَنظُرَ ما نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَامِلُونَ، إِنَّا نَدْعُوكُم إِلَى نَصْرِهِمْ وَخِذْلانِ الطَّاغِيَةِ عبيد الله بن زِيَادٍ، فَإِنَّكُمْ لا تُدْرِكُونَ مِنْهُمَا إِلَّا بِسُوءٍ عُمْرَ سُلطانِهِمَا كُلِّهِ؛ لَيَسْمُلانِ أَعْيُنَكُمْ وَيَقْطَعَانِ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَيُمَثَّلانِ بِكُمْ وَيَرفَعانِكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ وَيَقْتُلانِ أمائِلَكُم وَقُرَّاءَكُم أَمثالَ حِجْرِ بنِ عَدِيٍّ وَأَصْحابِهِ، وَهَانِي بْنِ عُرْوَةٍ وأَشْبَاهِهِ.

قَالَ: فَسَبُوهُ وَأَثْنَوْا عَلَى عبيد الله بن زيادٍ وَدَعَوا لَهُ. وَقَالُوا: وَالله لا نَبْرَحُ حَتَّى نَقْتُلَ صاحِبَكَ وَمَن مَعَهُ أَوْ نَبْعَثَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ إِلَى الْأَمير عبيد الله سَلَمًا.

فَقَالَ لَهُمْ: عِبادَ الله ! إِنَّ وُلد فاطِمَةَ رِضْوانُ الله عَلَيْهَا أَحَقُّ بالوُدٌ وَالنَّصْر مِنِ ابْنِ سُمَيَّةَ؛ فَإِن لَمْ تَنْصُرُوهُمْ فَأَعِيدُكُمْ بِالله أَنْ تَقْتُلُوهُمْ؛ فَخَلُّوا بَيْنَ هذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ، فَلَعَمْرِي إِنَّ يَزِيدَ لَيَرضَى مِنْ طَاعَتِكُمْ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ.

قَالَ: فَرَماهُ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَن بِسَهُم، وَقَالَ: أَسْكُتُ أَسْكَتَ الله نَأْمَتَكَ !

أَبْرَمْتَنا بِكَثْرَةِ كَلامِكَ !

فَقَالَ لَهُ زُهَيْرٌ : يَابْنَ الْبَوَّالِ عَلَى عَقِبَيْهِ! مَا إِيَّاكَ أُخَاطِبُ! إِنَّمَا أَنْتَ بَهِيمَةٌ وَالله ما أَظُنُّكَ تُحْكِمُ مِنْ كِتابِ الله آيَتَيْنِ، فَأَبْشِرْ بِالْخِزْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ!

فَقَالَ لَهُ شَمِرٌ: إِنَّ الله قاتِلُكَ وَصَاحِبكَ عَنْ سَاعَةٍ.

ص: 28

قَالَ: أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟! فَوَالله لَلْمَوْتُ مَعَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْخُلْدِ مَعَكُمْ !

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ رافِعًا صَوْتَهُ، فَقَالَ : عِبَادَ الله ! لا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ دينِكُمْ هذَا الْجِلْفُ الْجَافِي(1)وأَشْباهُهُ فَوَالله لا تَنالُ شَفاعَةُ مُحَمَّدِ(صلی الله علیه و آله و سلم)قَوْمًا هَرَاقُوا دِماءَ ذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَتَلُوا مَنْ نَصَرَهُمْ وَذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِمْ.

قَالَ: فَنَادَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أبا عبد الله يَقُولُ لَكَ : أَقْبلُ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كانَ مؤمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ نَصَحَ لِقَوْمِهِ وَأَبْلَغَ فِي الدُّعاءِ، لَقَدْ نَصَحْتَ لِهؤُلاءِ وَأَبْلَغْتَ، لَوْ نَفَعَ النَّصْحُ وَالإِبْلاغُ !»(2)

موعظة برير الثانية

«قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبي طَالِبٍ: وَرَكِبَ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، فَقُرِّبَ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فَرَسُهُ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ نَحْوَ الْقَوْمِ فِي نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ بُرَيْرُ بنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): كَلَّمَ الْقَوْمَ؛ فَتَقَدَّمَ بُرَيْرٌ فَقَالَ:

يا قَوْمِ! اتَّقُوا الله فإِنَّ ثَقَلَ مُحَمَّدِ(صلی الله علیه و آله و سلم)قَدْ أَصْبَحَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، هؤلاءِ ذُرِّيَّتُهُ وَعِتْرَتُهُ وَبَناتُهُ وَحُرَمُهُ، فَهَاتُوا مَا عِندَكُمْ، ومَا الَّذِي تُرِيدُونَ أَن تَصْنَعُوهُ بهم !

فَقَالُوا : نُرِيدُ أَن نُمَكّنَ مِنْهُمُ الْأَمِيرَ عبيد الله بْنَ زِيادٍ، فَيَرَى رَأْيَهُ فِيهِمْ.

فَقَالَ لَهُم بُرَيْرٌ : أَفَلَا تَقْبَلُونَ مِنْهُم أَن يَرجِعُوا إِلَى الْمَكانِ الَّذِي جَاؤُوا مِنْه؟! وَيْلَكُمْ يا أَهْلَ الْكُوفَةِ! أَنَسِيتُم كُتبَكُمْ وَعُهُودَكُمُ الَّتي أَعْطَيْتُمُوها وَأَشْهَدتُّم الله

ص: 29


1- كذا في الكامل في التاريخ لابن أثير : 4 / 64 ، والبداية والنهاية لابن كثير : 8/ 195، وفي المصدر «الخافي».
2- تاريخ الطبري: 243/6.

عَلَيْهَا، يا وَيْلَكُم ! أَدَعَوْتُم أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُم تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ دُونَهُم يا حَتَّى إِذَا أَتوكُمْ أَسْلَمْتُمُوهُمْ إِلَى ابْن زِيَادٍ وحَلَّاتُمُوهُمْ عَن مَاءِ الفُراتِ؟! بئْسَ مَا خَلَفْتُمْ نَبِيَّكُمْ فِي ذُرِّيَّتِهِ! مَا لَكُمْ؟! لاَ سَفَاكُمُ الله يَوْمَ الْقِيامَة فَبِئْسَ القَوْمُ أَنتُمْ !

فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ : يا هذا! ما نَدْري ما تَقُول!

فقالَ بُرَيْرٌ : الْحَمْدُ للهِ الَّذي زادَني فِيكُمْ بَصِيرَةً، اللهمَّ! إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ فِعَالِ هؤُلاءِ القَوْمِ، اللهمَّ ! أَلْقِ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَلْقَوكَ وَأَنتَ عَلَيْهِم غَضْبان!

فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَرمُونَهُ بِسِهامٍ فَرَجَعَ بُرَيْرٌ إِلى وَرَائِهِ»(1).

أقول : فهذه الموعظة الثانية لبرير على ما حرّرناه آنفًا.

خُطبة الحُسَيْن(علیه السّلام)الثانية

«رَكِبَ الْحُسَيْنُه(علیه السّلام)نَاقَتَهُ، وَقِيلَ: فَرَسَهُ، فَاسْتَنْصَتَهُمْ، فَأَنْصَتُوا فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ بمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ(صلی الله علیه و آله و سلم)وَعَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْمَقَالِ؛ ثُمَّ قَالَ: تَبَّا لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ! وَتَرَحًا حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ، فَأَصْرَحْنَاكُمْ مُوجِفِينَ، سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفًا لَنَا في أَيْمَانِكُمْ، وَحَشَشْتُمْ عَلَيْنا نَارًا اقْتَدَحْنَاهَا عَلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ أَلْبا(2)لأعْدَائِكُمْ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ وَلَا أَمَلِ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ. فَهَلّا لَكُمُ الْوَيْلاتُ! تَرَكْتُمُونَا وَالسَّيْفُ مَشيمٌ(3)

ص: 30


1- بحار الأنوار: 10/ 193 من ط. الكمباني و 45 / 5 من طبع بيروت.
2- أي: مجتمعين.
3- شمتُ السَّيف، أي: سللته وقربته (أساس البلاغة : 247).

وَالْجَاشُ(1)طَامِنُ(2)والرَّأْيُ لَماً يَسْتَحْصِفْ وَلكِنْ أَسْرَعْتُمْ إِلَيْهَا كَطَيرَةِ الدَّبَا وتَدَاعَيْتُمْ إِلَيْهَا كَتَهَافُتِ الفَراش؛ فَسُحْقًا لَكُمْ يا عَبِيدَ الْأَمَةِ وَشُذَاذَ الْأَحْزَاب ! وَنَبَذَةَ الْكِتَابِ وَمُحَرِّفِي الْكَلِمِ وَعُصْبَةَ الآثامِ وَنَفَثَةَ الشَّيْطَانِ وَمُطْفِنِي السُّنَنِ ! أَهؤُلاءِ تَعْضُدُونَ وَعَنا تَتَخَاذَلُونَ؟ أَجَلْ وَالله غَدرٌ فِيكُم قَدِيمٌ، وَشَجَتْ ! إلَيْهِ أُصُولُكُمْ، وَتَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ، فَكُنتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ شَجًا لِلنَّاظِرِ، وَأَكْلَةً لِلْغَاصِبِ. أَلاَ وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِي قَد رَكَزَ بَيْنَ اثْنتين: بَيْنَ السَّلَّةِ وَالذَّلَّةِ؛ وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذُّلَّةُ! يَأْبَى الله ذلِكَ لَنا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ مِنْ أَنْ تُؤْثِرَ طَاعَةَ اللّعامِ عَلَى مَصَارع الْكِرامِ. أَلاَ! وَإِنِّي زَاحِفٌ(3)بِهذه الأَسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وَخَذْلَةِ النَّاصِرِ ، ثُمَّ أَوْصَلَ كَلامَهُ بِأَبْياتِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْك الْمُرَادِيِّ:

(بحر الوافر)

فَإِن نَهْزِمَ فَهَزَّامُونَ قِدْمًا *** وَإِنْ تُغْلَبُ فَغَيْرُ مُعَلِّبِينَا

وَمَا إِنْ طَبَّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ *** مَنَايَانًا وَدَوْلَهُ آخَرِينَا

إِذَا مَا الْمَوتُ رَفَّعَ عَنْ أُناسٍ *** کلاکلَه أَنَاخَ بِآخَرِينَا

فَأَفْنَى ذلِكُمْ سَرَواتِ قَوْمِي *** كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوَّلِينَا

فَلَوْ خَلِدَ المُلُوكُ إِذنْ خَلَدْنَا *** وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إِذنُ بَقِينَا

فَقُلْ لِلشَّامِنِينَ بِنَا: أَفِيقُوا *** سَيَلْقَى الشَّامِنُونَ كَمَا لَقِينَا

ص: 31


1- الجأش : الصدر.
2- طامن: مطمئن، آمن.
3- أي: ماش مع الثّقل لكثرة العدوّ.

ثُمَّ اَيْمُ الله لا تَلْبَثُونَ بَعْدَهَا إِلَّا كَرَيْثِ(1)مَا يُركَبُ الْفَرَسُ، حَتَّى تَدُورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحَى، وَتَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْوَرِ ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إِليَّ أَبِي عَنْ جَدِّي، فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ، ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً، ثُمَّ اقْضُوا إِلَى وَلاَ تُنْظِرُونَ؛ وَإِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهُوَ آخِذُ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. اللهم! احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، وَسَلَّطْ عَلَيْهِمْ غُلَامَ ثَقِيفٍ فَيَسُومَهُمْ كَأْسًا مُصَبَّرَة، فَإِنَّهُمْ كَذَبُونَا وخَذَلُونَا، وَأَنْتَ رَبُّنَا، عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»(2).

قال العلّامة المجلسي(قدس سره)في البحار: «ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ؟! أدْعُوا لِى عُمَرَ؛ فَدُعِيَ لَهُ وكَانَ كَارِهَا لاَ يُحِبُّ أَن يَأْتِيَهُ، فَقَالَ : يا عُمَرُ ! أَنْتَ تَقْتُلُنِي تَزْعُمُ أَنْ يُوَلِّيَكَ الدَّعِيُّ ابْنُ الدَّعِي بِلادَ الرَّيِّ وجُرجَانَ، والله لاَ تَتَهَنَّأُ بِذلِكَ أَبَدًا، عَهْدًا مَعْهُودًا، فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعُ، فَإِنَّكَ لَا تَفْرَحُ بَعْدِي بدُنْيَا وَلاَ آخِرَةِ، وَكَأَنِّي بَرَأْسِكَ عَلَى قَصَبَةٍ قَدْ نُصِبَ بِالْكُوفَةِ يَتَرَامَاهُ الصَّانُ، وَيَتَّخِذُونَهُ غَرَضًا بَيْنَهُمْ.

فَاغْتَاظَ عُمَرُ (لَعَنَهُ الله) مِن كَلامِهِ، ثُمَّ صَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْه ، ونادَى بِأَصْحَابِهِ:مَا تَنتَظِرُونَ بِهِ؟ اِحْمِلُوا بِأَجْمَعِكُمْ إِنَّمَا هِيَ أُكْلَةٌ وَاحِدَةٌ!

ثُمَّ إِنَّ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)دَعَا بِفَرَس رَسُولِ الله الْمُرْتَجِزِ، فَرَكِبَهُ وَعَبًا أَصْحَابَه »(3).

ص: 32


1- الرَّيثُ : الإبطاء (ترتيب كتاب العين: 379).
2- اللهوف : 42 ، مختصر في الاحتجاج:300/2.
3- بحار الأنوار: 194/10 ط . الكمباني، و 10/45 الطبعة الحروفية.

توبة الحُرّ

«فَلَمّا رَأَى الْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ صَمَّمُوا عَلَى قِتالِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، قَالَ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: أَيْ عُمَرُ : أَتُقاتِلُ هذا الرَّجُلَ ؟ قَالَ : إي والله قِتَالًا شَدِيدًا أَيْسَرُهُ أَنْ ! تَسْقُطَ الرُّؤُوسُ وَنَطِيحَ الْأَيدِي قالَ: أَفَما لَكُمْ فِيمَا عَرَضَهُ عَلَيْكُمْ رِضَى؟ قَالَ عُمَرُ : أَما لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَفَعَلْتُ، وَلَكِنَّ أَمِيرَكَ قَدْ أَبَي. فَأَقْبَلَ الْحُرُّ حَتَّى وَقَفَ مِن النَّاسِ مَوْقِفًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: قُرَّةُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا قُرَّةُ! هَلْ سَفَيْتَ فَرَسَكَ الْيَوْمَ؟ قَالَ: لا، قالَ: فَمَا تُرِيدُ أَنْ تَسقِيَهُ؟ قَالَ قُرَّة: وَظَنَنْتُ وَالله أَنَّهُ يُرِيدُ أَن يَتَنَحَّى فَلا يَشْهَدَ القِتالَ فَكَرِهَ أَنْ أَراهُ حِينَ يَصْنَعُ ذلِكَ؛ فَقُلْتُ: لَمْ أَسْقِهِ وَأَنَا مُنطَلِقُ فَأَسقِيهِ؛ فَاعْتَزَلَ ذلِكَ الْمَكانَ الَّذي كَانَ فِيهِ، فَوَالله لَوْ أَنَّهُ أَطْلَعَني عَلَى الَّذي يُرِيدُ لَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)؛ فَأَخَذَ يَدْنُو مِنَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، قَلِيلًا قَلِيلًا، فَقَالَ لَهُ الْمُهَاجِرُ بْنُ أَوْسٍ : ما تُريدُ ؟ يَابْنَ يَزِيدَ أَتُرِيدُ أَن تَحْمِلَ ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ وَأَخَذَهُ مِثْلُ الْأَفْكَل (وَهِيَ الرِّعْدَة). فَقَالَ لَهُ الْمُهَاجِرُ: إِنَّ أَمْرَكَ لَمُريب، والله ما رأي مِنْكَ في مَوْقِفٍ قَطُّ مِثْلَ هذا، وَلَو قِيلَ لي: مَنْ أَشْجَعُ أَهْلِ الكُوفَة؟ مَا عَدَوْتُكَ ، فَمَا هذَا الَّذي أَرَى مِنْكَ؟! فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ : إِنِّى وَالله وَالله أخير نَفْسِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَوَالله لاَ أَخْتَارُ عَلَى الْجَنَّةِ شَيْئًا وَلَوْ قُطَّعْتُ وَحُرِّقْتُ، ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَ بِالْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَقالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! يَابْنَ رَسُولِ الله أَنا صاحِبُكَ الَّذي حَبَسْتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ وَسايَرْتُكَ فِي الطَّرِيقِ وَجَعْجَعْتُ بِكَ في هذَا المَكانِ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّ القَوْمَ يَرُدُّونَ عَلَيْكَ مَا عَرَضْتَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَبْلُغُونَ مِنْكَ هذِهِ المَنْزِلَة وَالله لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُم يَنْتَهُونَ بِكَ إِلى مَا أَرَى، مَا رَكِبْتُ مِثْلَ الَّذي رَكِبْتُ. فَإِنِّي تَائِبٌ إِلَى الله مِمَّا صَنَعْتُ؛ فَتَرَى لي مِنْ ذلكَ تَوْبَةً؟

ص: 33

فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): نَعَمْ، يَتُوبُ الله عَلَيْكَ، فَانْزِلْ. قَالَ: فَأَنَا لَكَ فَارِسًا خَيْرٌ مِني رَاجِلا، أُقاتِلُهُم لَكَ عَلى فَرَسِي سَاعَةً، وَإِلَى النُّزولِ ما يَصِيرُ آخِرُ أَمْرِي. فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): فَاصْنَعْ يَرحَمُكَ الله! ما بدا لك.

فَاسْتَقْدَمَ أَمامَ الحُسَيْنِ(علیه السّلام)... فَقَالَ: يا أَهْلَ الْكُوفَةِ لأُمِّكُمُ الْهَبَلُ(1)وَالْعَبَر(2)! أَدَعَوْتُمْ هذَا العبد الصَّالِحَ حَتَّى إِذَا جَاءَكُمْ أَسْلَمْتُمُوه، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُم قَاتِلُو أَنفُسِكُمْ دُونَه ، ثُمَّ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ لِتَقْتُلُوه! أَمْسَكْتُمْ بِنَفْسِهِ، وَأَخَذْتُمْ بِکظَمِهِ، وأَحَطتُمْ بِهِ مِنْ كُلِّ جانِبِ لِتَمْنَعُوه التَّوَجُهَ في بِلادِ الله الْعَرِيضَةِ، فَصَارَ كَالْأَسِير في أَيدِيكُمْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرًّا، وَحَلَّكْتُمُوهُ وَنِسَاءَهُ وَصِبْيَتَهُ وَأَهْلَهُ عَن مَاءِ الْفُراتِ الْجارِي، يَشْرَبُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، وَتَمَرَّغُ فِيهِ خَنازِيرُ السَّوَادِ وَكِلابُهُ؛ فَهَاهُم قَدْ صَرَعَهُمُ الْعَطَشُ! بِئْسَ مَا خَلَفْتُمْ مُحَمَّدًا فِي ذُرِّيَّتِهِ ! لاَ سَقَاكُمُ الله يَوْمَ الظَّمَا فَحَمَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ يَرْمُونَهُ بِالنَّبْلِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ أَمامَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)»(3).

ص: 34


1- لأمّه الهَبَل، أي: الشُّكل (أساس البلاغة : 478).
2- أي: الاعتبار. وفي الروض الأنف للسهيلي (ط. دار الفكر : 1/ 60): «يقال: عبر الرّجل إذا حزن، ويقال: لأمه العبر، كما يقال: لأمه التّكل».
3- الإرشاد: 216 ، ومع اختلاف يسير في تاريخ الطَّبَري: 244/6.

ص: 35

الفصل الثاني

شهداء الأصحاب عليهم رضوان الله تعالى

ص: 36

بداية الحرب

نقل الطبري عن أَبي مِخْلَفَ بِسَنَدِه عن حُمَيْدِ بن مُسلِم، أنه قال: «زَحَفَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ نَحْوَهُمْ ثُمَّ نَادَى: يا زُوَيْدُا أَدْنِ رَايَتَكَ! قَالَ: فَأَدْنَاهَا، ثُمَّ وَضَعَ سَهْمَهُ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ(1)ثُمَّ رَمَى فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي أَوَّلُ مَنْ رَمَى»(2).

أقول: ونحوه في الإرشاد(3)للشيخ المفيد(قدس سره)وقال السيد ابن طاوس اللهوف: «تَقَدَّمَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ فَرَمَى نَحْوَ عَسْكَرِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)بِسَهُم، وَقَالَ: اشْهَدُوا لِي عِنْدَ الْأَمِيرِ أَنِّي أَوَّلُ مَنْ رَمَى، وَأَقْبَلَتِ السَّهَامُ مِنَ الْقَوْمِ كَأَنَّهَا القَطْرُ»(4).

الحملة الأولى

«فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)لِأَصْحَابِهِ : قُومُوا رَحِمَكُمُ الله! إِلَى الْمَوْتِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّهَامَ رُسُلُ الْقَوْمِ إِلَيْكُمْ. فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ حَمْلَةٌ وَحَمْلَةٌ حَتَّى قُتِلَ مِن أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)جَمَاعَةٌ»(5).

وفي البحار: قالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبي طالب: فَرَمَى أَصْحابُهُ (أي أصحابُ

ص: 37


1- «كَبِدُ القَوسِ : مَقبضها. يُقالُ: ضَع السَّهم على كَبِدِ القَوسِ، وهيَ ما بَينَ مَقبضها ومجرى السهم منها»(الصحاح للجوهري : 2 / 530 ط . أحمد عبد الغفور عطّار).
2- تاريخ الطبري: 245/6.
3- الإرشاد : 217.
4- اللهوف : 43.
5- اللهوف: 44.

عُمر بن سعد لَعَنَهُمُ الله) كُلُّهُم، فَما بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، إلا أَصَابَهُ مِنْ سِهامِهِمْ.

قِيلَ : فَلَمّا رَمَوهُم هذه الرَّمْيَة قَلَّ أَصْحابُ الحُسَيْن، وقُتِلَ في هذِهِ الْحَمْلة خَمسُونَ رَجُلًا»(1).

وقد ذكر أسماء شهداء هذه الحملة ابن شهر آشوب في مناقبه وقال:

الْمَقْتُولُونَ مِنْ أَصْحاب الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فِي الْحَمْلَةِ الأُولى: 1- نُعَيْمُ بْنُعَجْلانَ. 2- وَعِمْرانُ بنُ كَعْبِ بْنِ حَارِثِ الْأَشْجَعِيُّ. 3- وَحَنْظَلَةُ بْنُ عَمْرِو الشَّيْبَانِيُّ. 4۔ وَقَاسِطُ بْنُ زُهَيْرٍ . 5 وَكِنَانَةُ بْنُ عَتِيقٍ. 6- وَعَمْرُو بْنُ مَشْيَعَةَ.7-وَضِرْغَامَةُ بْنُ مَالِكِ. 8- وَعَامِرُ بْنُ مُسلِمٍ. 9- وَسَيْفُ بْنُ مَالِكِ النُّمَيْرِيُّ. 10 ۔ وَعبد الرَّحْمَنِ الْأَرْحَبِيُّ. 11 - وَمُجَمَّعُ الْعَائِذِي. 12-وَحَبَابُ بْنُ الْحَارِثِ. 13 - وَعَمْرُو الْجُنْدَعِيُّ 14-وَالحُلَاسُ بْنُ عَمْرٍو الرَّاسِيُّ. 15-وَسَوَّارُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ (حمير) الْفَهْمِيُّ. 16-وَعَمَّارُ بْنُ أَبِي سَلاَمَةَ الدَّ الاَنِيُّ . 17 - وَالنُّعْمَانُ بْنُ - عَمْرٍو الرَّاسِيُّ . 18- وَزَاهِرُ بْنُ عَمْرٍو مَوْلَى ابْنِ الْحَمِقِ. 19 - وَجَبَلَةُ بْنُ عَلِيٍّ. 20۔ وَمَسْعُودُ بْنُ الْحَجَّاجِ . 21- وَعبد الله بْنِ عُرْوَةَ الْغِفَارِيُّ. 22- وَزُهَيْرُ بْنُ 21-بشِّرِ الْخَيْعَمِيُّ. 23 - وَعَمَّارُ بْنُ حَسَّانَ. 24 - وعبد الله بْنُ عُمَيْرٍ . 25 - وَمُسْلِمُ بْنُ كَثِيرٍ. 26. وَزُهَيْرُ بْنُ سُلَيْمٍ. 27 و 28 - وعبد الله وَعُبَيْدُ الله ابْنَا زَيْدِ الْبَصْرِيُّ. 29- 38 - وَعَشَرَةٌ مِنْ مَوالِي الْحُسَيْنِ. 39- و 40-وَمَوْلَيَانِ مِنْ مَوالِي أمير الْمُؤْمِنِينَ(علیه السّلام)»(2).

ص: 38


1- بحار الأنوار: 194/10(12/45).
2- المناقب: 2/ 225.

أقول : أذكر هنا ترجمة هؤلاء الأبطال بما يناسب المقال:

الأوّل: نُعيْم بنُ العَجْلانِ الأَنصاري

ذكره الشَيْحُ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب أبي عبد الله الحسين(علیه السّلام)(1).

و في زيارتي الناحية والرجبية: «السّلامُ على نعيم بن العجلان الأنصاري»(2)

وقال العلّامة السماوي ( رِضْوانُ الله عَلَيْه) في ترجمته: «كان النظر والنعمان ونُعَيْم إخوة من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، ولهم في صفّين مواقف فيها ذكر وسمعةً، وكانوا شجعاء شعراء، مات النضر والنعمان، وبقي نعيم في الكوفة، فلما ورد الحُسَيْن(علیه السّلام)، إلى العراق، خرج إليه وصار معه، فلمّا كان اليوم العاشر تقدّم إلى القتال، فقُتِل في الحملة الأولى(3).

الثاني عِمْران بنُ كَعْب بن حارِثِ الأَشْجَعي

ذكره الفُضَيْل بنُ الزُّبَيْرِ الكوفي من أصحاب إمامين : الباقر والصادق(علیهما السّلام)في رسالته المسماة ب«تسمِيَة مَنْ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)»(4)في شهداء الأصحاب من الأنصار.

ص: 39


1- رجال الطوسي: 80.
2- بحار الأنوار: 70/45، 340/98 (في الفقرة الأخيرة من دون الأنصاري).
3- إبصار العَيْن في أنصار الحُسَيْن(علیه السّلام): 94.
4- المطبوع في مجلّة تُراثنا : ع 153/2.

الثالث: حَنْظَلَة بنُ عَمْرٍو الشَيْباني

لم أجد له أثرًا في كتب الرجال، ولكن أظنّ و«ظَنُّ الْأَلْمَعِيِّ عِلم»! أنه هو الذي ذكره الشيخ بعنوان «حنظلة» مطلقًا في أصحاب الإمام الحُسَين(علیه السّلام)(1).

والمحقق الخوئي ثلث يحتمل اتحاده مع حَنْظَلَة بنِ أَسعَدِ الشبامي الآتي ذكره في الشهداء المبارزين(2).

وهكذا شَيخنا العلّامة التستري يحتمل كونه مُحَرَّفَ «حنظلة بن أسعد الشبامي»(3). والاتحاد أو التحريف غير بعيد.

الرابع: قاسط بن زُهَيْر بن الحرِثِ التغلبي

ذكره الفُضَيْل في التسمية ما نصه: «قُتِلَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ، قَاسِطُ وَكُردُوسٌ، ابْنَا زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ»(4).

وفي زيارتي الناحية والرَجَبيّة: «السّلامُ عَلَى قَاسِطِ وكردوس، ابْنَيْ زُهَيْرٍ التغلبيين»(5).

وذكرهما السماوي مع أخيهما الثالث مقسط، وقال في ترجمتهم: «كان هؤلاء الثلاثة من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، ومن المجاهدين بين يديه في

ص: 40


1- رجال الطوسي : 73.
2- راجع مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 307/6 رقم 4110.
3- قاموس الرّجال : 4 / 78 رقم 2505.
4- تُراتُنا : ع 153/2.
5- راجع بحار الأنوار: 98،273/45 / 340.

حروبه، صحبوه أولا ثمَّ صحبوا الحَسَن(علیه السّلام)، ثم بقوا في الكوفة، ولهم ذكر في الحروب، ولا سيّما صفّين، ولما ورد الحُسَين(علیه السّلام)كربلاء، خرجوا إليه، فجاؤوه ليلًا، وقُتلوا بين يديه. قال السروي: في الحملة الأولى»(1).

أقول: عَدَّ ابن شهر آشوب السَرَوي مِنْ المقتولين في الحملة الأولى قاسطا الذي استُشهد معه أخواه: كردوس ومقسط.

الخامس : كِنانة بن عتيق

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّس الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الإمام الحُسَيْن(علیه السّلام)(2). وهو كنانة بن عتيق بن معاوية بن الصامت بنِ قَيْسِ التغلبي سكن الكوفة.

«وكان كنانة من أبطال الكوفة وعابدًا من عبادها وقارئًا مِن قرائها، جاء إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)في الطف وقتل بين يديه. قال ابنُ شَهر آشوبِ السَرَوي: قتل في الحملة الأولى وقال غيره: قتل مبارزة في مابين الحملة الأولى

والظهر»(3).

السادس : عَمْرو بن مشيعة

كذا في المناقب، ولم أجد بهذا العنوان شخصًا في كتب الرجال، والظاهر تصحيف ضبيعة بمشيعة فالصحيح كون عمرو ابنا لضبيعة، وبهذا العنوان

ص: 41


1- إبصار العَيْن: 115.
2- رجال الطوسي: 79.
3- إبصار العَيْن: 114.

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّس الله سِرَّه القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)،(1)والفُضَيْل فى التسمية(2)عدّه ممّن قُتِلَ مِن قَيْس بن ثَعْلَبَة.

وقال العَلّامة الشَيْخ مُحَمَّد السَماوي: عَمْرو بن ضُبَيْعَة بن قَيْس فارسًا مقدامًا خرج مع ابن سعد، ثمَّ بن ثَعَلَبة الضُبَعي التميمي كان عمر دخل في أنصار الحُسَيْن(علیه السّلام)، فيمن دخل، قال ابن شهر آشوبِ السَرَوي: قتل في الحملة الأولى»(3).

أقول: يظهر من العَلّامة السماوي وفاقه لنا في كون مشيعة تصحيفًا لضبيعة.

السابع : ضرغامَة بن مالك

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّس الله سره القُدوسي) في أَصْحاب الحُسَيْن(4)وقال السَماوي: كان كاسمِهِ ضرغامًا وكان من الشيعة، وممّن بايع مسلمًا، فلمّا خذل، خرج فيمن خرج مع ابن سعد، ومال إلى الحُسَيْن ، فقاتل معه وقتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر ، رضي الله عنه ! »(5).

أقول: ذكره ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه)، وقيل قتل مبارزة بعد صلاة الظهر كما عليه السَماوي (عَلَيْهِ الرَّحْمَة) ولكن مستند هذا القول ليس

ص: 42


1- رجال الطوسي: 77.
2- تُراثنا : ع 2/ 153.
3- إبصار العين: 113.
4- رجال الطوسي : 75.
5- إبصار العَيْن: 114.

إلا مقتَلَ مُحَرَّف أَبي مخنف، وهو ضعيف في الغاية.

الثامن: عامر بن مُسلِم

ذكره الفُضَيْل في التسمية من المقتولين من عبد القيس من أهل البصرة، وقال: «عامر بن مُسلِم وَمولاه سالم»(1).

ويقال: «إنَّ عامِر هو ابن مُسلِم بنِ حَسّان بنِ شُرَيْح بنِ سَعد بن حارِثَة السعدي البصري الذي ذكره أهل السير أنّه كان من الشيعة في البصرة ، فلما بلغه خبر الحُسَيْن(علیه السّلام)،خرج هو ومولاه سالم مع يزيد بنِ ثَبَيْطِ العبدي، وانضموا إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)بالأبطح من مكة حتى وردوا معه إلى كربلاء، وكانوا معه يوم الطف، فقُتلوا فيمن قُتلوا رضوان الله عليهم».

وفي زيارتي الناحية والرَجَبيّة: «السَّلاَمُ عَلى عَامِرٍ بنِ مُسْلِمٍ ومَوْلاَه سالم»(2)

والعجب كلّ العجب من الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) حيث قال في رجاله: «عامر بن مسلم مجهول»(3)ولا أدري، أي جهالة في شهيد من شهداء الطف الذي هو في أعلى مراتب الوثاقة، بل يغبط الموفّقون مقامه. اللهم إلّا أن يقال: نظر الشيخ إلى رجل آخر طابق اسمه واسم أبيه بشهيدنا هذا. وهو بعيد في الغاية كما لا يخفى على أولي الدراية.

ص: 43


1- تراثنا: ع 153/2.
2- راجع بحار الأنوار: 45 / 72، 98 / 340.
3- رجال الطوسي: 77.

التاسع : سَيْف بنُ مالِك النُمَيْري

ذكره الفُضَيْل في التسمية(1)والشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الإمام الحسين(علیه السّلام)(2).

وفي الزيارة الناحية: «السَّلامُ عَلَى سَيف بن مالك»(3).

وقال العلّامة المامقاني: «ذكر علماء السير أنه كان من شيعة البصرة وكان عبديًا، وكان ممن خرج منها عند وصول خبر الحُسَيْن(علیه السّلام)، إليهم، ولحقوه بالأبطح ولازموه إلى كربلاء حتى استشهدوا بين يديه سلام الله عليه»(4).

أقول: كان الرجل ممّن يأتي دار مارية بنت مُنْقِذ العبدية في البصرة وكانت تتشيع ودارها مألفًا للشيعة يتحدثون فيه ويأتي كيفية لحوقه بالإمام الحُسَيْن(علیه السّلام)في ترجمة يزيد بن ثبيط إِنْ شاءَ الله تعالى فانتظر.

العاشر : عبد الرحمن الأَرْحَبي

قيل: هو عبد الرحمن بن عبد الله بنِ الكدن بنِ أَرحَب بنِ دُعام بنِ مالِك بنِ مُعوِيَة بنِ صَعب بن رومان بنِ بُكَيْرِ الهَمداني الأَرحَبي؛ وبنو أَرحَب بطن من همدان .

وإِنَّهُ كان من أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فأجمعت إليه همدان، له خطبة بليغة يظهر أنها كانت في ارتحال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 44


1- تُراثنا: ع 153/2.
2- رجال الطوسي : 74.
3- بحار الأنوار: 72/45.
4- تَنْقيح المقال: 79/2.

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدُّوسى) فى أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(1)ووقع التسليم عليه في الزيارة الناحية هكذا: «السَّلامُ على عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدنِ الأَرحَبي(2).

وقال الدينوري في الأخبار الطوال: لَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَاةُ مُعَاوِيَةَ وَخُروجُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ إِلَى مَكَّةَ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّيعَةِ فِي مَنْزِلِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَن يَكْتُبُوا إِلَى الْحُسَيْنِ يَسْأَلُونَهُ الْقُدُومَ عَلَيْهِم لِيُسَلِّمُوا الْأَمْرَ إِلَيْهِ، وَيَطْرُدُوا نُعمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ بِذلِكَ، ثُمَّ وَجَّهُوا بِالْكِتَابِ مَعَ عبيد الله بنِ سُبَيْعِ الْهَمْدَانِيُّ وعبد الله بنِ وَدَّاكِ السُّلَمِيِّ، فَوَافَوا الْحُسَيْنَ رَضِيَ الله عَنْهُ بمَكَّةَ لِعَشْر خَلَوْنَ مِن شَهرٍ رَمَضَانَ ، فَأَوْصَلُوا الْكِتَابَ إليه، ثُمَّ لَمْ يُمْس الْحُسَيْنُ يَوْمَهُ ذلِكَ حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهِ بِشْرُ بْنُ مُسْهِرٍ الصَّيْدَاوِيُّ وَعَبد الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيدِ الْأَرْحَبِيُّ وَمَعَهُمَا خَمْسُونَ كِتابًا مِن أَشْرافِ أَهلِ الْكُوفَةِ ورُؤَسَائِهَا، وكُلُّ كِتابِ مِنْهَا مِنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ بمثل ذلك»(3).

أقول: يظهر من كلام الدينوري أنّ اسم والد عبد الرحمن كان عبيدا؛ لا عبد الله، وأنّه من سفراء الكوفة إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، وبلغ إلى مكة في اليوم العاشر من شهر رمضان.

وأرسلهُ الحُسَيْن(علیه السّلام)، مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة حين سرّح إليها مُسلِم بنَ عَقيل(4)، ثمّ عاد عبد الرحمن إلى الإمام(علیه السّلام)، وصار من جملة

ص: 45


1- رجال الطوسي: 77.
2- بحار الأنوار: 273/98.
3- الأَخْبارُ الطُّوال: 229.
4- كما في وقعة الطَّفِّ: 96.

أصحابه حتى إذا كان اليوم العاشر قتل في الحملة الأولى على ما يظهر من المناقب، لكن قال العلّامة السماوي : استأذن في القتال، فأذنَ لهُ الحُسَيْن(علیه السّلام)، فتقدّم يضرب بسيفه القوم، وهو يقول:

صَبْرًا عَلَى الْأَسيافِ وَالأَسِنَّة *** صَبْرًا عَلَيْهَا لِدُخُولِ الْجَنَّة

ولم يزل يقاتل حتى قُتِل رضوان الله عليه»(1).

الحادي عشر : مُجَمِّع العائدي

هو مُجَمِّع بن عبد الله بنِ مُجَمَّع بنِ مالِك بنِ إِياس عبد مناة بنِ سَعد الْعَشِيرَة المَذْحِجي العائدي، قُتِلَ مَع الحُسَيْن بن علي(علیهما السّلام)بكربلاء.

ووقع التسليم عليه في زيارَتَيْ الناحية والرَجَبيّة: «السَّلامُ على مُجَمِّع بنِ عبد الله العائدي»(2).

وقال العلّامة الشيخ مُحَمَّد السماوي: «كان عبد الله بن مُجَمِّع العائدي، أي: (والد شهيدنا) صحابيًا وولده مُجَمِّع تابعيًا من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام). وكان مُجَمِّع وابنه الآتي ذكره، أي : (عبد الله بن مُجَمِّع) جاءا مع عَمْرو بن خالد الصيداوي إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)»(3).

أقول: يأتي تفصيل ذلك في مقتل أربعة من أصحاب أبي عبد الله(علیه السّلام)إن شَاءَ الله تعالى.

ص: 46


1- إبصار العَيْن: 78.
2- راجع بحار الأنوار: 45 / 72، 340/98.
3- إبصار العين: 85.

الثاني عشر : حَباب بن الحارث

لم أجد بهذا العنوان في كتب الرجال شخصًا ويحتمل تصحيف العامر بالحارث وحباب بن عامر مذكور في المعاجم، ويظهر من العلّامة الشيخ مُحَمَّد السَماوي اختيار هذا التصحيف حيثُ قال: «الحَباب بن عامر بن كَعب بنِ تَيْمِ اللّاة بنِ ثَعْلَبَة التيمي، كان الحباب في الكوفة من الشيعة، وممن بايع مسلمًا وخرج إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، بعد التخاذل عن مسلم، فصادفه في الطريق، فلزمه حتى قُتِلَ بين يَدَيْهِ.

قال ابن شهر آشوب السَرَوي: قُتِلَ فى الحملة الأولى.»(1).

ويقول شيخنا العلّامة التستري في عنوانه: «عدَّه صاحب المناقب من المقتولين في الطف في الحملة الأولى إجمالا ولكن كتابه غير خالٍ عن التخليط . »(2).

الثالث عشر : عَمْرو الجُنْدَعي

قال فُضَيْل فى التسمية: «وارتُثَّ مِن هَمْدَانَ... وعَمرُو بنُ عبد الله الجُندَعي مات من جراحَةٍ كانَت بِهِ على رأس سَنَة»(3).

وقد وقع التسليم عليه في الزيارة الناحية: «السّلامُ عَلَى الْجَريح المُرتَتْ عَمْرو بن عبد الله الجندعي(4).

ص: 47


1- إبصار العَيْن: 113.
2- قاموس الرجال : 66/3 رقم 1732.
3- تُراثنا : ع 2/ 156.
4- راجع بحار الأنوار: 73/45، 273/98.

قال العلّامة الشيخ مُحَمَّد السماوي: عمرو بنُ عبد الله هَمْداني الجُندَعي وبَنو جُندَع بطن من ،همدان، كان عَمْروِ الجُندَعي ممّن أتى إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، أيام المهادنة في الطف، وبقي معه .

قال حُميد بن أحمد المحلّي ( 582 - 652ه. ق) في الحدائق [الوردية]: إنّه قاتل مع الحُسَيْن(علیه السّلام)، فوقع صريعًا مرتباً بالجراحات قد وقعت ضربة على رأسهِ بلغت منه، فاحتمله قومه وبقي مريضًا من الضربة صريع الفراش سنة كاملة، ثمَّ توفّي على رأس السنة رضي الله عنه...»(1).

أقول: يظهر مما ذكرنا عدم صحة عدّه من الشهداء في الحملة الأولى، كما صنعه ابن شهر آشوب السروي(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في المناقب.

الرابع عشر : الحُلاس بنُ عَمْرو الراسبي

ذكر الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام):الحُلاش بن عمرو(2)، وجاء في تعليقه : الحَلاش بالحاء المُهملة المفتوحة واللام المُشَدَّدة والألف والشين المُعْجَمة وفي بعض النسخ: بالسين المُهْمَلة بدل الشين المُعْجَمة »(3).

أقول: الظاهر كون نسخة الحلاش تصحيفًا، والصحيح الحلاس كغُراب بالحاء المُهملة واللام والسين، كذا ذكره في التسمية(4).

ص: 48


1- نقل عنه في إبصار العَيْن: 81.
2- رجال الطوسي: 73.
3- رجال الطوسي: 73.
4- تراثنا: ع 2/ 155.

وذكره العلّامة الشيخ مُحَمَّدُ السَماوي مع أخيه النعمان، وقال: «كان النعمان والحُلاس ابنا عَمْرو الراسبيان من أهل الكوفة، وكانا من أصحابِ أمير المؤمنين(علیه السّلام)وكان الحلاس على شرطته بالكوفة.

قال صاحب الحدائق : خرجا مع عُمر بن سعد، فلما ردّ ابن سعد، الشروط جاءا إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، ليلًا فيمن جاء ، وما زالا معه حتى قُتِلا بين يديه.

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي: قُتِلا في الحملة الأولى»(1).

الخامس عشر : سَوّار بنُ أَبِي عُمَيْرِ الفَهْمي

نسبه ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) إلى جدّه، والنسبة إلى الجدّ شائع، ولا خطأ فيه ولكن الفهمي تصحيف النهمي، وهو واضح لمن تأمل ترجمة الرجل ونسبه ونسبته .

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله رُوحه العزيز) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)؛بعنوان سوار بن المنعم بن الحابس»(2).

وقال العلّامة الشيخ مُحَمَّد السماوي: «سوار بنُ منعم بن حابس بنِ أَبي عمير بن نهم الهمداني النهمي ، كان سوار ممّن أتى الحُسَيْن(علیه السّلام)، أيام الهدنة وقاتل في الحملة الأولى فجرح وصرع.

قال حُمَيْد بنُ أَحمدَ المحلّي في الحدائق الوردية: قاتل سوار حتى إذا صرع، أُتي به أسيرًا إلى عمر بن سعد فأراد قتله، فشفع فيه قومه، وبقي عندهم

ص: 49


1- إبصار العين: 109.
2- رجال الطوسي: 74.

جريحًا حتى توفّي على رأس ستة أشهر.

وقال بعض المؤرّخين إنّه بقي أسيرًا حتّى توفّي : وإنما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله»(1).

أقول : فلا وجه لعدّ الرجل من الشهداء في الحملة الأولى، كما ذهب إليه ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) اللهم إلّا أن يقال: مراد ابنُ شَهر آشوبِ السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) أنّ سبب شهادته كان من الحملة الأولى.

وقد وقع التسليم عليه في الزيارة الناحية: «السَّلامُ عَلَى الْجَريح الْمَأْسُور سَوّارِ بن أَبي عمير النهمي(2).

قال الفُضَيْل «وارتُثَّ مِن هَمْدَانَ، سَوّارُ بنُ حمير الجابِرِيُّ، فَمَاتَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ جِرَاحَتِه»(3).

أقول: وهذا تصحيف في التصحيف.

السادس عشر: عَمّار بنُ أَبي سَلامَة الدالانى

ذكرهُ الشَّيْخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(4)، ووقع التسليم عليه في الزيارة الناحية: «السَّلَامُ عَلَى عمارة بنِ أبي سلامة الهمداني»(5)والظاهر اتحادهما.

ص: 50


1- إِبصار الْعَيْن: 80.
2- راجع بحار الأنوار: 73/45، 273/98.
3- تُراثنا : ع 2/ 156.
4- رجال الطوسي: 78.
5- راجع بحار الأنوار: 73/45، 273/98.

«عَمّار بن سَلامَة بن عبد الله بن عِمْران بن راس بن دالان، أبو سلامة الهَمْداني الدالاني وبنو دالان بطن من همدان وكان أبو سَلامة عَمّار صَحابيًا له رؤية كما ذكره الكلبي وابن حجر وقال أبو جعفر الطبري من أصحاب علي(علیه السّلام)ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث، وهو الذي سأل أمير المؤمنين(علیه السّلام)عندما سار من ذي قار إلى البصرة، فقال: يا أمير المؤمنين ! إذا قدمت عليهم فماذا تصنع ؟ فقال(علیه السّلام): أدعوهم إلى الله وطاعَتِه، فإن أبوا قاتَلتُهُم»، فقال أبو سلامة : إذن لن يغلبوا داعي الله، في كلام .

وقال ابن حجر في الإصابة: إنّه أتى الحُسَيْن في الطف وقتل معه .

وذكر صاحب الحدائق وابن شهر آشوب السَرَوي أنّه قُتِل في الحملة الأولى حيث قُتل جملة من أصحاب الحُسَيْن»(1).

أقول : الظاهر أنّ في كلامه «كانَ أبو سلامة عَمّار صحابيًا» تقديمًا وتأخيرًا، فالصحيح هكذا : كان أبو عمار سلامة صحابيا».

السابع عشر : النُعمان بنُ عَمْرِو الراسبي

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(2)ومرَّت ترجمته آنفًا في أخيه الحُلاس.

ص: 51


1- إِبْصار العَيْن: 79.
2- رجال الطوسي: 81.

الثامن عشر: زاهِر بنُ الأَسوَد مولى عَمْرو بن الحَمِق

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(1)، والعَسْقَلاني في الإصابة(2)، وابن عبد البر في الاستيعاب(3)، وابنُ أَثير الجَزَري في أُسد الغابة(4)، وابن سعد في الطبقات(5)، وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(6).

قال القاضي نُعمانُ المغربي الشيعي المصري في كتابه شرح الأخبار: وَمِمَّنْ كَانَ مَعَ عَلَيَّ(علیه السّلام)مِنْ أَصحاب النَّبِيِّ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِن مُهاجِري الْعَرَب والتّابعينَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ رَسُولُ الله صَلَواتُ الله عَلَيهِ وَآلِهِ الْجَنَّةَ وَسَمَّاهُم بِذلك : عَمْرُو بنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيُّ، بَقِي بَعْدَ عليّ(علیه السّلام)، فَطَلَبَهُ مُعاوِيَةُ، فَهَرَبَ مِنْهُ نَحْوَ الْجَزِيرَةِ، وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحاب عَلِيٌّ(علیه السّلام)، يُقالُ لَهُ: زاهِرٌ. فَلَمَّا نَزَلاَ الْوادِيَ نَهَشَتْ عَمْرًا حَيَّةٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ مُنْتَفِخًا، فَقَالَ: يَا زَاهِر ! تَنَجَّ عَنِّي فَإِنَّ حَبِيبي رَسُولَ الله صَلَواتُ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ قَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَيَشْرَكُ فِي دَمِي الْجِنُّ وَالْاِنْسُ وَلا بُدَّ لي مِنْ أَنْ أَقْتَل فَبَيْنا هُما عَلَى ذلِكَ إِذْ رَأَيَا نَواصِيَ الْخَيْلِ فِي طَلَبِهِ، فَقَالَ: يَا زَاهِرُ ! تَغَيَّبْ، فَإِذا قُتِلْتُ فَإِنَّهُمْ سَوْفَ يَأْخُذُونَ رَأْسِي،

ص: 52


1- رجال الطوسي : 73.
2- الإصابة : 542/1 رقم 2777.
3- الاستيعاب : 509/2 رقم 805.
4- أُسْدُ الغَابَة : 2 / 245 رقم 1723.
5- الطَّبَقات الكبرى: 319/4.
6- راجع بحار الأنوار: 45 / 72، 273/98 و 341.

فَإِذَا انْصَرَفُوا فَاخْرُجْ إِلَى جَسَدِي فَوَارِه. قالَ زَاهِرٌ : لاَ بَل أَنتُرُ نَبْلي ثُمَّ أَرْمِيهِم بِهِ فَإِذا أَفْنَيْتُ نَبْلِي قُتِلْتُ مَعَكَ. قَالَ : لا ، بَلْ تَفْعَل مَا سَأَلْتُكَ بِهِ يَنفَعكَ الله به . فَاخْتَفَى زَاهِرٌ وَأَتَى الْقَوْمُ فَقَتَلُوا عَمْرًا وَاجْتَرُّوا رَأْسَه فَحَمَلُوهُ، فَكانَ أَوَّلَ رَأسِ حُمِلَ فِي الْإِسْلامِ وَنُصِبَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا خَرَجَ زَاهِرٌ فَوَارَى جُنَّتَهُ، ثُمَّ بَقِيَ حَتَّى قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ صَلَواتُ الله عَلَيْهِ بالطَّفٌ»(1).

أقول: ونقل المُحَدِّث القُمي (رِضْوانُ الله عَلَيْه) هذا الكلام من القاضي نعمان في مقتله(2).

قال العَلّامة الشَيْخ مُحَمَّد السَماوي: «كان زاهر بطلًا مجربًا وشجاعًا مشهورًا ومحباً لأهل البيت(علیهم السّلام)معروفًا. قال أهل السير إِنَّ عَمْرو بن الحَمِقِ لما قام على زياد، قام زاهر معه وكان صاحبه في القول والفعل ولما طلب معاوية عمرًا طلب معه زاهرًا فقتل عمرًا وأفلت زاهر فحج سنة ستين، فالتقى مع الحُسَيْن(علیه السّلام)، فصحبه وحضر معه كربلاء. وقال السروي: قُتِل في الحملة الأولى»(3).

ووافقنا شَيْخنا العَلّامة التستري في اسم والد زاهر ونسبته مع عمرو بن الحَمِق فراجع كتابه الدقيق قاموس الرّجال(4). ولكن قد فرّق بين شهيدنا هذا وزاهر صاحب عمرو بن الحَمِق، والفرق غير بعيد والله سبحانه هو العالم.

ص: 53


1- شرح الأخبار في فضائل الأَئِمَّةِ الأطهار(علیهم السّلام): 31/2.
2- نَفَس المهموم: 296.
3- إبصار الْعَيْن: 103.
4- قاموس الرجال: 403/4 رقم 2903.

التاسع عشر : جَبَلَة بنُ عَلي

ذكره الفُضَيْل في التسمية وقال: «قُتِلَ مِن بَنِي شَيْبَانَ بن ثَعْلَبَةَ، جَبَلَةُ بْنُ عَلى»(1).

«كان جَبَلَة شجاعًا من شجعان أهل الكوفة، قام مع مسلم أولًا ثمّ جاء إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)،ثانيًا، ذكره جملة أهل السير. قال صاحب الحدائق :إنه قُتِل في الطف الحُسَين(علیه السّلام). وقال ابنُ شَهر آشوب السَرَوي: قُتِل فى الحملة الأولى»(2).

أقول: وقد وقع التسليم عليه في زيارة الناحية هكذا: «السَّلامُ عَلَى جبلة بنِ عليِّ الشَّيباني»(3).

وقال العَلّامة التستري في عنوانه : قاموس الرّجال: وأما كونه مع مسلم فلم يذكر أي سيرة ذكره»(4).

العشرون : مَسعود بنُ الحَجّاج

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدُّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(5).

وذكره الفُضَيْل في التسمية وقال: «مسعود بن الحَجّاج وابنه عبد الرحمن بن مَسعود»(6).

ص: 54


1- تُراثنا: ع 2 / 154.
2- إِبْصار العَيْن: 124.
3- راجع بحار الأنوار: 72/45.
4- قاموس الرّجال : 2/ 567 رقم 1366.
5- رجال الطوسي: 80.
6- تُراثنا : ع 2 / 154.

ووقع التسليم عليه في الزيارة الرجبية وعليهما في زيارة الناحية(1).

قال العلّامة الشيخ مُحَمَّدُ السَّماوي (رِضْوانُ الله عَلَيْه) في الإبصار : كان مسعود وابنه من الشيعة المعروفين والمسعود ذكر في المغازي والحروب، وكانا شجاعين مشهورين، فخرجا مع ابن سعد حتى إذا كانت لهما فرصة أيام المهادنة جاءا إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، يسلمان عليه فبقيا عنده وقتلا في الحملة الأولى، كما ذكره ابن شهر آشوب السَرَوي»(2).

أقول: لم يذكر ابن شهر آشوبِ السَرَوي (رَحمَةُ الله عَلَيْهِ) ابنه عبد الرحمن من المقتولين في الحملة الأولى.

الحادي والعشرون: عبد الله بنُ عُروَة الغفاري

ذكره ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحمَةُ الله عَلَيْه) من المقتولين في الحملة الأولى، ولكن يظهر من المقاتل خلاف ذلك، وأنه مع أخيه عبد الرحمن قُتِلا مبارزة، ولذا أنا أذكرهما فيما بعد في الشهداء المبارزين.

الثاني والعشرون: زُهَيْر بن بشر الخَثْعَمي

وقع التسليم عليه في زيارة الناحية السّلامُ عَلَى زُهَيْر بن البشر الْخَثْعَمِيُّ»(3).

ص: 55


1- راجع بحار الأنوار: 45 / 72، 98 / 341.
2- إبصار العين: 112.
3- بحار الأنوار: 273/98 طبع بيروت.

وفي الزيارة الرَجَبيَّة: «السّلامُ عَلَى زُهَيْرِ بنِ بشير»(1)بزيادة الياء في بشر.

لم نجد له أكثر من هذا ذكرًا في كتب الرجال، مع كون أبيه البشر من المعاريف، وأخيه عبد الله من شهداء الطف المستشهدين بين يدي الحُسَيْن(علیه السّلام).

قال آية الله الخوئي(قدس سره)في مُعْجَم رِجالِ الحديث: «زهير بن بشير الخثعمي: عده ابن شهر آشوب في المناقب من المقتولين في الحملة الأولى... وقد سُلّم عليه في زيارة الناحية وكذلك الرجبية، لكن المذكور فيها بشير من دون توصيفه بالخثعمي ذكرها المجلسي في البحار»(2).

الثالث والعشرون: عَمّار بن حَسّان

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(3)وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية: «السَّلامُ على عَمّارِ بنِ حَسّانَ بنِ شُرَيْحِ الطَّاني»(4).

«هو عَمّار بن حَسّان بن شُرَيْح بن شُرَيْح بن سعد بن حارثة بن لام بن عَمْرو بن ظريف(5)بن عَمْرو بن ثُمامة بن ذُهل بن ذُهل بن جذعان(6)بن سعد بن طَيِّ طائي؛

ص: 56


1- بحار الأنوار: 341/98.
2- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 7 / 294 رقم 4745.
3- رجال الطوسي: 77..
4- راجع بحار الأنوار: 45 / 72، 341/98.
5- في بعض المصادر: «طريف».
6- في بعض المصادر: «جدعاء»، وفي بعضها: «جُدْعان».

كان عمّار من الشيعة المخلصين في الولاء، ومن الشجعان المعروفين، وكان أبوه حسّان ممّن صحب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وقاتل بين يديه في حرب الجمل وحرب صفين، فقُتل بها، وكان عمّار صحب الحُسَيْن(علیه السّلام)من مكة، ولازمه حتى قُتِل بين يديه»(1).

أقول: من أحفاده عبد الله بن أحمد صاحب كتاب قضايا أمير المُؤمِنينَ(علیه السّلام)روى عنه النجاشي بواسطة أحمد بن مُحَمَّد بن الجُنْدي عَنْوَنَه في رجاله وقال:

عبد الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بنِ صَالح بْنِ وَهْبِ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ الَّذِي قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)بكَربَلاءَ ابْنَ حَسَانَ المَقْتُولِ بِصِفِّينَ مَعَ أميرِ المُؤْمِنِينَ(علیه السّلام)... رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَن الرّضَا(علیه السّلام)نُسْخَةٌ...»(2).

الرابع والعشرون: عبد الله بن عُمَيْر

ذكره ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) من المقتولين في الحملة الأولى ولكن الظاهر خلاف ذلك؛ لأنه بارز وقاتل في يوم الطف، ولذا نذكره إِنْ شاءَ الله تعالى في الشهداء المبارزين.

ص: 57


1- إبصار العَيْن: 113.
2- رجال النجاشي: 158 الطبعة القديمة و 229 رقم 606 من طبعة جماعة المُدَرِّسين بقم.

الخامس والعشرون: مُسلم بن كثير

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّس الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)مع توصيفه بالأعرج(1)وقال الفُضَيل: «وَقُتِلَ مِنَ الْأَزْدِ، مُسلِمُ بنُ كَثير»(2)وهو المُسلم بن كثير الأَعْرَج الأَزْدي أَزْدشَنوة(3)الكوفي، كان تابعيًا كوفيا، صحب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وأصيبت رجله في بعض حروبه، قال أهل السير: إنّه خرج إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)من الكوفة ، فوافاه لدى نزوله في كربلاء. وقال ابن شهر آشوب السَرَوي: إنّه قُتل في الحملة الأولى»(4).

وقال آية الله الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في مُعْجَمه رجال الحديث: «مسلم بن كثير الأَعْرَج: من أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام) رجال الشيخ، وعده ابن شهر آشوب من المقتولين في الحملة الأولى... وقد نسب التسليم إليه في زيارتي الناحية المُقَدَّسة والرجبية، ولكنه غير موجود في نسخة المجلسي، وإنّما الموجود في زيارة الناحية المُقَدَّسة : أسلم بن كثير؛ كما تقدم وفي الزيارة الرَجَبيّة مسلم بن كناد»(5).

ص: 58


1- رجال الطوسي: 80.
2- تُراثنا ع 2/ 155.
3- «أَزْدُشَنُوَّة» أو : «أَزْدُ شَنُوءَة»، قبيلة في اليمن. راجع تاج العروس: 1/ 183 ط. علي شيري.
4- إبصار العين: 108.
5- معجم رجال الحديث : 18 / 151 رقم 12336.

السادس والعشرون: زُهَيْر بنُ سُلَيْم

ذكره الفُضَيْل في المقتولين من الأزد(1). و«كان زهير ممن جاء إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله، فانضم إلى السلام أصحابه وقُتِل في الحملة الأولى»(2).

أقول: وفي الزيارة الرَجَبيّة: «السَّلامُ على زهير بن سلمان»(3)والتعدّد بينهما بعيد في الغاية، كما عليه العلّامة المَحَلَّاتِي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في فُرسان الهَيْجاء(4)وخلافا للمحقق الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في مُعْجَم رجال الحديث(5). والمحقق التستري في قاموس الرجال(6)حيث عنوناهما متعدّدًا.

السابع والعشرون والثامن العشرون : عبد الله وعُبَيْد الله، ابنا يزيد البصري

ذكرهما الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)بعنوان «عبد الله وعُبَيْد الله معروفان»(7).

وقد وقع التسليم عليهما في زيارة الناحية: «السّلامُ على عبد الله وعُبَيدِ الله

ص: 59


1- تُراثنا : ع 156/2.
2- إبصارُ العَيْن: 109.
3- بحار الأنوار: 341/98 طبع بيروت.
4- فرسان الهيجاء: 1 / 141.
5- مُعجَم رِجالِ الحَديث: 7 / 294 و 295 رقم 4746 و 4747.
6- قاموس الرّجال : 4 / 484 ، رقم 2967 و 2968.
7- رجال الطوسي: 77.

ابنَيْ يَزِيدَ بنِ ثُبَيْطِ القيسي»(1).

وقال الفُضَيْلِ : «قُتِلَ مِنْ عبد الْقَيْسِ مِن أَهلِ الْبَصْرَةِ، يَزِيدُ بنُ نُبَيْطٍ وَابْنَاهُ عبد الله وَعُبَيْدُ الله ابنَا يَزيدَ»(2).

ويأتي ذكر أبيهما الشهيد يزيد بن ثبيط؛ لأنه قتل مبارزة يوم الطف بين يدي الحُسَيْن(علیه السّلام)، فانتظر.

والصحيح في اسم أبيهما (يزيد) لا (زيد) الذي ذكره صاحب المناقب.

ولم يسم ابن شهر آشوب السروي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) من المقتولين في الحملة الأولى سوى هؤلاء الأبطال المترجمين في المقام، ولذا نرجع إلى تتمة المقال، والحمد لله على كلّ حالٍ.

أوّل مَنْ خرج مِنْ جنود الشيطان

فَبَرَزَ يَسَارٌ، مَوْلى زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيانَ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ عبد الله بن عُمَيْرٍ، فَقَالَ لَهُ يَسَارٌ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: لَسْتُ أَعْرِفُكَ، لِيَخْرُجْ إِلَيَّ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ أَوْ حَبيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ؛ فَقالَ لَهُ عبد الله بن عُمَيْر : يَابْنَ الْفَاعِلَة وَبِكَ رَغْبَةٌ عَن مُبارَزَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ؟! ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى بَرَدَ، فَإِنَّهُ الْمُشْتَغِلُ بِضَرْبِهِ إِذ شَدَّ عَلَيْهِ سَالِمٌ مَوْلَى عبيد الله بن زيادٍ، فَصاحُوا بِهِ : قَدْ رَهِقَكَ الْعبد!، فَلَمْ يَشْعُرُ بِهِ حَتَّى غَشِيَهُ، فَبَدَرَهُ بِضَربَةِ اتَّقَاهَا ابْنُ عُمَيْرِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَأَطَارَتْ أَصَابِعَ كَفِّهِ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، وَأَقبَلَ وَقد قَتَلَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ يَرْتَجِزُ

ص: 60


1- راجع بحار الأنوار: 72/45.
2- تُراثنا: ع 153/2.

وَيَقُولُ:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا ابْنُ كَلْبِ *** إِنِّي امْرُةٌ ذُو مِرَّةٍ وَعَضْبٍ

وَلَسْتُ بِالْخَوَارِ عِنْدَ النَّكْبِ»(1)

قال أبو مخنف : حَدَّثَني أبو جَنَّابٍ، قَالَ: كانَ مِنَّا رَجُلٌ يُدْعَى عبد الله بن عُمَيْرِ مِن بَني عُلَيْم كَانَ قَدْ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَاتَّخَذَ عِنْدَ بِيرِ الْجَعْدِ مِنْ هَمْدَانَ دَارًا، وكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَةٌ لَهُ مِنَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِط ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ وَهَب بِنْتُ عبد، فَرَأَى الْقَوْمَ بِالنُّخَيْلَةِ يُعْرَضُونَ لِيُسَرَّحُوا إِلَى الْحُسَيْنِ.

قَالَ : فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: يُسَرَّحُونَ إِلَى حُسَيْنِ بْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: والله لَقَدْ کنت عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الشَّرْكِ حَرِيصًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَن لا يَكُونَ جِهَادُ هؤلاَءِ الَّذِينَ يَغْرُونَ ابْنَ بَنْتِ نَبِيِّهِمْ أَيْسَرَ ثَوَابًا عِنْدَ اللهِ مِن ثَوَابِهِ إِيَّايَ فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ . فَدَخَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِمَا سَمِعَ، وَأَعْلَمَها بِمَا يُرِيدُ، فَقَالَتْ: أَصَبْتَ : أَصابَ الله بكَ أَرْشَدَ أُمُورِكَ! اِفْعَلْ وَأَخْرجني مَعَكُ.

قَالَ: فَخَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتَّى أَتَى حُسَيْنًا، فَأَقامَ مَعَهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَرَمَى بِسَهْمِ ارْتَمَى النَّاسُ، فَلَمَّا ارْتَمَوا خَرَجَ يَسَارٌ مَوْلَى زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَسَالِمٌ مَوْلَى عبيد الله بْنِ زِيَادٍ، فَقَالا: مَنْ يُبَارِزُ؟ لِيَخْرُجْ إِلَيْنا بَعْضُكُم. قَالَ: فَوَثَبَ حَبِيبُ بْنُ مُظاهِرٍ وَبُرَيْرُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ لَهُمَا الْحُسَيْنُ: إِجْلِسَا؛ فَقَامَ عبد لله بن عُمَيْر الْكَلْبِيُّ، فَقَالَ: أبا عبد الله رَحِمَكَ الله ! الذَنْ لِي فَلأَخْرُج إِلَيْهِمَا؛

ص: 61


1- الإرشاد: 101/2 (217 ، ط . مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)) .

فَرَأَى الْحُسَيْنُ رَجُلًا آدَمَ طَوِيلًا شَدِيدَ السَّاعِدَيْنِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: إِنِّي لَأَحْسَبُهُ لِلْأَقْرَانِ فَتَّالا؛ أخْرُجُ إِنْ شِشْتَ.

قالَ : فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا ، فَقَالاَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُمَا ، فَقَالا: لا نَعْرِفُكَ، لِيَخْرُج إِلَيْنَا زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ أَوْ حَبيبُ بْنُ مُظاهِرٍ أَوْ بُرَيْرُ بْنُ حُضَيْرٍ؛ وَيَسَارٌ مُسْتَتَتِل أَمامَ سالِمِ؛ فَقَالَ لَهُ الْكَلْبِيُّ : يَابْنَ الزَّانِيَةِ وَبِكَ رَغْبَةٌ عَنْ مُبَارَزَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ؟!وَمَا يَخْرُجُ إِلَيْكَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، إِلا وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى بَرَدَ، فَإِنَّهُ لَمُشْتَغِلْ بِهِ يَضْرِبُهُ بِسَيْفِهِ إِذْ شَدَّ عَلَيْهِ سَالِمٌ، فَصَاحَ بِهِ: قَدْ رَهِقَكَ العبد !؛ قَالَ: فَلَمْ يَأْبَهُ لَهُ حَتَّى غَشِيَهُ فَبَدَرَهُ الضَّرْبَةَ، فَاتَّقَاهُ الْكَلْبِيُّ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَأَطَارَ أَصَابِعَ كَفِّهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَالَ عَلَيْهِ الْكَلْبِيُّ، فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ.

وَأَقْبَلَ الْكَلْبِيُّ مُرْتَجِزًا وَهُوَ يَقُولُ وَقَدْ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا ابْنُ كَلْبِ *** حَسْبِي بِبَيْتِي فِي عُلَيْمِ حَسبي

إِنِّي امْرُؤٌ ذُو مِرَّةٍ وَعَصْبِ *** وَلَسْتُ بِالْخَوارِ عِنْدَ النَّكْبِ

إِنِّي زَعِيمٌ لَكِ أُمَّ وَهْبٍ! *** بِالطَّعْنِ فِيهِمْ مُقْدِمًا وَالضَّرْبِ

ضَرْبَ غُلام مُؤْمِن بِالرَّبِّ

فَأَخَذَتْ أُمُّ وَهَبِ امْرَأَتُهُ عَمُودًا ثُمَّ أَقْبَلَتْ نَحْوَ زَوْجِهَا تَقُولُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ! قاتِل دُونَ الطَّيِّبِينَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ! فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا يَرُدُّهَا نَحْوَ النِّسَاءِ، فَأَخَذَتْ تُجَاذِبُ ثَوْبَهُ، ثُمَّ قَالَتْ: إِنِّي لَنْ أَدَعَكَ دُونَ أَن أَمُوتَ مَعَكَ!، فَنَادَاهَا حُسَيْنُ، فَقالَ: جُزِيتُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا اِرْجِعِي رَحِمَكِ الله! إِلَى النِّسَاءِ فَاجْلِسِي مَعَهُنَّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ قِتَالٌ، فَانْصَرَفَتْ إِلَيْهِنَّ»(1).

ص: 62


1- تاريخ الطبري: 245/6.

أقول: يأتي مشهد هذا البطل المجاهد(رحمه الله علیه)وكيفية استشهاد زوجته أم وهب، فانتظر.

حَملة على مَيْمَنة جنود الله

«وَحَمَلَ عَمْرُو بْنُ الْحَجّاجِ عَلَى مَيْمَنَةِ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ مِن أَهْل الْكُوفَةِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، جَذَوْا لَهُ عَلَى الرُّكَبِ، وَأَشْرَعُوا بِالرِّمَاحَ نَحْوَهُمْ ، فَلَمْ تُقْدِمْ خَيْلُهُمْ عَلَى الرِّمَاحِ، فَذَهَبَتِ الْخَيْلُ لِتَرْجِعَ، ا فَرَشَقَهُمْ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)بِالنَّبلِ، فَصَرَعُوا مِنْهُمْ رِجَالًا، وَجَرَحُوا مِنْهُمْ آخَرِينَ»(1).

أقول: ونحوه في تاريخ الطبري(2).

«وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: قَاتِلُوا مَنْ مَرَقَ عَنِ الدِّينِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ، فَصَاحَ الْحُسَيْنُ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو ! أَعَلَيَّ تُحَرِّضُ النَّاسَ ؟! أَنَحْنُ مَرَقْنا مِنَ الدين وَأَنْتَ تُقِيمُ عَلَيْهِ ؟! سَتَعْلَمُونَ إِذَا فَارَقَتْ أَرْوَاحُنَا أَجْسَادَنَا مَنْ أَوْلَى يصلي النَّارِ!»(3)

أقول: ونقل هذه المقالة ابن جرير الطبري عن عمرو بن الحجاج باختلاف في بعض الألفاظ في تاريخه(4).

ص: 63


1- الإرشاد: 218.
2- تاريخ الطبري: 6 / 246.
3- مَقْتَل الْحُسَيْن(علیه السّلام)للمُقَرَّم : 240 ، نقلًا من البداية لابن كثير : 8/ 182.
4- تاريخ الطبري: 6 / 249.

مقتل أربعة من أصحاب أبي عبد الله(علیه السّلام)

يقول الطبري: «فَأَمَّا الصَّيْدَاوِي عُمَرُ بْنُ خَالِدٍ وجَابِرُ بْنُ الْحَارِثِ السَّلْمَانِي وسَعْدٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ وَمُجَمَّعُ بْنُ عبد الله العائِذِيّ، فَإِنَّهُمْ قَاتَلُوا فِي أَوَّلِ الْقِتَالِ، فَشَدُّوا مُقْدِمِينَ بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا وَغَلُوا عَطَفَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ، فَأَخَذُوا يَحُوزُونَهُمْ، وَقَطَعُوهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِمْ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْعَبّاسُ بْنُ عَلى فَاسْتَنْقَذَهُمْ، فَجَاؤوا قَد جُرْحُوا فَلَمّا دَنَا مِنْهُمْ عَدُوُّهُمْ شَدُّوا بِأَسْيَافِهِمْ، فَقاتَلُوا في أَوَّلِ الْأَمْرِ حَتَّى قُتِلُوا مِنْ مَكَانِ وَاحِدِ»(1).

أقول: أذكر هنا ترجمة هؤلاء الأبطال الأربعة.

الأوّل: عَمْرُو بنُ خَالِدِ الصَيْداوي

هو عَمْرو بن خالد بن حكيم بن حزام الأسدي الصيداوي بطن من أسد بن خُزَيْمَة العدنانية. ووقع التسليم عليه في زيارة الناحية: «السّلامُ عَلَى عَمْرِو بنِ خالد الصيداوي»(2).

«كَانَ عَمْرو شريفًا في الكوفة، مخلص الولاء لأهل البيت(علیهم السّلام)، قام مع مسلم حتّى إذا خانَهُ أهل الكوفة لم يسعه إلّا الاختفاء، فلمّا سمع بقتل قيس بن مُسْهر، وأنّه أخبر أنّ الحُسَيْن(علیه السّلام)صار بالحائر، خرج إليه ومعه مولاه سعد ومُجَمِّع العائذي وابنه أي : (خالد بن عَمْرو) وجُنادة بن الحرث السلماني واتبعهم غلام لنافع البَجَلي بفرسه المدعوّ الكامل، فجنّبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي، وكان جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعامًا، فخرج بهم

ص: 64


1- تاريخ الطبري: 255/6.
2- راجع بحار الأنوار: 72/45.

على طريق متنكبة، وسار سيرًا عنيفًا من الخوف لأنهم علموا أنّ الطريق مرصود حتى إذا قاربوا الحُسَيْن(علیه السّلام)، حدا به الطرماح بن العدي فقال:

يَا نَاقَتِي! لا تَدْعَرِي مِنْ زَجْرِي *** وَشَمِّرِي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَ الْفَجرِ

بِخَيْرِ رُكْبَانِ وَخَيْرِ سَفَرٍ *** حَتَّى تَحُلّي بِكَرِيمِ النَّجِرِ

المَاجِدِ الحُرُ رَحِيبِ الصدر *** أتى به الله لِخَيْر أَمر

بِهِ ثَمَّةَ أَبْقَاهُ بَقَاءَ الدَّهْرِ

فانتهوا إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)وهو ب«عُذَيبِ الهجانات»، فسلّموا عليه وأنشدوه الأبيات، فقال(علیه السّلام): والله إنّي لَأَرْجُو أَن يَكُونَ خَيْرًا مَا أَرادَ الله بنا، قُتِلْنَا أَوْ ظَفِرْنَا»(1).

كذا ذكر بعضُ أرباب المقاتل والتواريخ مقتله، وذكره بعض في الشهداء المبارزين مع توصيفه بالأزدي وذكروا بعده ابنه خالدا، نحو ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في المناقب(2)، والعلامة مُحَمَّد باقر المجلسي(قدس سره)في البحار(3)، وغيرهم. قال العلامة مولانا محمد باقر المجلسي(رَوَّحَ الله روحه) في البحار :«بَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِي، وَهُوَ يَقُولُ:

إلَيْكِ يَا نَفْسُ إِلَى الرَّحْمنِ *** فَأَبْشِري بالروح والريحان

الْيَوْمَ تُجْزَيْنَ عَلَى الْإِحْسَانِ *** قَدْ كانَ مِنْكَ غَابِرَ الزَّمَانِ

مَا خُطَّ فِي النَّوْحِ لَدَى الدَّيَّانِ *** لا تَجْزَعِي فَكُلُّ حَيٍّ فانِ

ص: 65


1- إبصار العين: 66.
2- المناقب: 217/2.
3- بحار الأنوار: 196/10 ط . الكمباني.

وَالصَّبْرُ أَحْظَى لَكِ بِالْآمَانِ *** يَا مَعْشَرَ الْأَزْدِ بَنِي قَحْطَانِ!

ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ».

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي المازندراني (قَدَّسَ الله رُوحَهُ العَزيز) في المناقب: «ثُمَّ بَرَزَ ابْنُهُ خَالِدٌ، وَهُوَ يَقُولُ:

صَبْرًا عَلَى الْمَوْتِ بَنِي قَحْطَانِ! *** كَيْمَا تَكُونُوا فِي رِضَى الرَّحْمَنِ

ذِي الْمَجْدِ وَالْعِزَّةِ وَالْبُرْهَانِ *** وَذِي الْعُلَى وَالطَّوْلِ وَالْإِحْسانِ

يَا أَبَتا قَدْ صِرْتَ فِي الْجِنَانِ *** فِي قَصْرِ دُرٌ حَسَنِ الْبُنْيَانِ»

أقول: ذكرنا اتحادهما ويحتمل تصحيف الأسدي بالأزدي، ولكن لا أدري

الآن كيف قتل الرجل؟ هل قتل بالكيفية الأولى أم الثانية؟ ذهب إلى التعدّد صاحب مُعْجَم رِجالِ الحَديث وعنونهما متعدّدًا في كتابه(1)، ولكن وافقنا على الاتحاد السماوي(2)والمَحَلاتي(3)(قُدِّسَ سِرُّهُمَا)، وشيخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلُّه) في قاموسه(4).

الثاني: جابر بن الحارث السلماني

لم أجد له ذكرًا في كتب الرجال، ويمكن تصحيفه من جُنادَة، وجُنادَة بن الحارث السلماني مذكور في المعاجم تأتي ترجمته في الشهداء المبارزين إِنْ شاءَ الله تعالى.

ص: 66


1- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 13 / 31 رقم 8725 و 13 / 92 رقم 8890.
2- إبصار العين: 66 و 67.
3- فرسان الهيجاء : 6/2.
4- قاموس الرّجال : 145/7 الطبعة الأولى.

ويقول شَيْخنا العلّامة التستري في عنوانه بعد نقل مقال الطبري: «الظاهر أنّ هؤلاء الأربعة هم الذين لحقوه(علیه السّلام)بعذيب الهجانات مع دليلهم الطرماح، وأراد الحرّ منعهم بأنه عاهده بمتاركته مع أصحابه(علیه السّلام)، وأنهم ليسوا من أصحابه، فقال(علیه السّلام): «هم أيضًا أصحابي»(1)، ولما وصلوا إليه(علیه السّلام)، أخبروه بقتل ابن زياد رسوله قَيْس بن مُسْهِرٍ الصيداوي، كما روى ذلك الطبري أيضًا، وسمّى منهم ثمّة مُجَمِّعًا »(2).

الثالث: سعد مولى عَمْرو بن خالد

كان هذا المولى سيّدًا شريف النفس والهمة تبع مولاه عمرًا في المسير إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)والقتال بين يديه حتى قُتِل شهيدًا»(3).

ذكر الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في رجاله في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام): «سعد بن عبد الله»(4)، وقال المحقق العلامة المُدَقِّق، السيّد محمد صادق بحر العلوم (رِضْوانُ الله تَعَالى عَلَيْه)، في تعليقته على رجالِ الطوسي: «سعد بن عبد الله، مولى عَمْرو بن خالد الأسدي الصيداوي، وكان سيّدًا شريف النفس والهمة، وقد تبع مولاه عَمْرو وأتى معه إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)،وقتِل معه في كربلاء.»(5).

ص: 67


1- «... فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام):... هُمْ أَصْحَابِي وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَاءَ مَعِي...»، تاريخ الْأُمَمِ والمُلُوكِ ِللطَّبَري: 306/4ط الأَعْلَمي.
2- قاموس الرّجال : 2/ 505 رقم 1325.
3- إبصار العَيْن: 68.
4- رجال الطوسي : 74.
5- رجال الطوسي: 74.

أقول: مقالة العلّامة السيد محمد صادق بحر العلوم (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) هذا التطبيق وإن كانت لا تبعد، ولكن ليس في المقام دليل قطعي حتى يؤيدها، فتأمل.

الرابع : مُجَمَّع بن عبد الله العائدي

قد مرت ترجمته في شهداء الحملة الأولى، وكيفية لحوقه بالحُسَيْن(علیه السّلام)،في ترجمة عَمْرو بن خالد الصيداوي، وبها تمّ مقالنا في المقام، ونرجع إلى أصل الكلام.

كلام الإمام(علیه السّلام)

لما نظر الحُسَيْن(علیه السّلام)إلى كثرة مَنْ قُتل مِن أصحابه قبض على شيبته المقدّسة ثمَّ قال: «اشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلَى الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: عَزَيْر ابْنُ اللهِ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلَى النَّصَارَى حِينَ قَالُوا الْمَسِيحُ ابْنُ الله، وَاشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلَى الْمَجُوسِ حَينَ عَبدُوا النَّارَ مِنْ دُونِ الله، وَاشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلى قَوْمٍ قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ قَتْلَ ابْن نَبِيِّهِمْ»(1).

«أما والله لا أُجِيبُهُمْ(2)إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يُرِيدُونَ حَتَّى أَلْقَى الله تَعَالَى وَأَنَا مُخَضَّبٌ بِدَمِي»... « أَمَا مِنْ مُغيثٍ يُغِيتُنا لِوَجْهِ الله؟! أَمَا مِنْ ذَابٌ يَذُ عَنْ حُرَم رَسُولِ الله؟!»(3).

«فَبَكَتِ النِّسَاءُ وَكَثُرَ صُراخُهُنَّ»(4).

ص: 68


1- أمالي الصدوق: 135 المجلس الثلاثون.
2- في الملهوف: 158 طبعة فارس تبريزيان «أُجيبنّهم».
3- اللهوف: 44.
4- مَقتل الحُسَيْن(علیه السّلام)للمُقَرَّم : 240.

مقتل الأنصاريين

نقل المرحوم السيد عبد الرزاق المُقَرَّم عن الحَدائِقِ الوَرديَّة: «سَمِعَ الْأَنصَارِيَّانِ سَعْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ أبو الحُتُوفِ اسْتِنْصارَ الْحُسَيْنِ وَاسْتِغاثَتَهُ وَبُكَاءَ عِيَالِهِ، وَكَانَا مَعَ ابْنِ سَعْدِ، فَمَالاً بِسَيْفَيْهِمَا عَلَى أَعْدَاءِ الْحُسَيْنِ وَقَاتَلا حَتَّى قتلا»(1).

أقول: سَعد بن الحارِثِ وأخوه أبو الحُتوفِ كانا مِنْ أهل الكوفة ومن الخوارج المُحَكَّمَة، وخرجا مع عَمْرو بن سعد إلى قتال الحُسَيْن(علیه السّلام).

قال صاحب الحدائق: «فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ العاشِرُ، وَقُتِلَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ، فَجَعَلَ الْحُسَيْنُ يُنَادِي : أَلاَ نَاصِرٌ فَيَنْصُرَنا ؟!، فَسَمِعَتْهُ النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ، فَتَصَارَخْنَ، وَسَمِعَ سَعدٌ وأبو الْحُتُوفِ النَّداءَ مِنَ الْحُسَيْنِ وَالصُّرَاحَ مِنْ عِيَالِهِ، فَمَالاً بِسَيْفَيْهِمَا مَعَ الْحُسَيْنِ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَجَعَلاَ يُقَاتِلانِ حَتَّى قَتَلاَ جَمَاعَةٌ وَجَرَحَا آخَرِينَ، ثُمَّ قُتِلاَ مَعًا»(2).

وذكرهما الفُضَيْل في التسمية وقال: «سَعْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ أَبو الْحُتُوفِ بْنُ الْحَارِثِ وَكَانَا مِنَ المُحَكِّمَةِ، فَلَمَّا سَمِعَا أَصْوَاتَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ آلِ رَسُول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)حَكَمَا ثُمَّ حَمَلاَ بِأَسْيَافِهِمَا فَقَاتَلاَ مَعَ الْحُسَيْنِ حَتَّى قُتِلاَ وَقَد أَصَابَا في أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ ثَلاثَةَ نَفَر»(3).

ص: 69


1- مَقتَل الحُسَيْن للمُقَرَّم : 240.
2- نقل عنه في إبصار العَيْن: 94.
3- تُراثنا : ع 2/ 154.

وقد ختم الله لهما بالسعادة الأبدية وإنما الأمور بخواتيمها واللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا.

مقتل مُسْلِم بن عَوْسَجة

قال الشيخ المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في الإرشاد: «صَاحَ عَمْرُو بْنُ الْحَجاج بِالنَّاسِ: يا حَمْقَى! أَتَدْرُونَ مَنْ تُقاتِلُونَ؟ تُقاتِلُونَ فُرسَانَ أَهْل الْمِصْرِ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَمْ [أَجِدْ أَحَدًا] يَبْرُزُ إِلَيْهِمْ، إِنَّهُمْ قَلِيلٌ وَقَلَّمَا يَبْقَوْنَ، وَالله لَوْ لَمْ تَرْمُوهُمْ إِلَّا ِبالْحِجَارَةِ لَقَتَلْتُمُوهُمْ!فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: صَدَقْتَ الرَّأْي ما رَأَيْتَ!، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّاسِ مَن يَعْزِمُ عَلَيْهِمْ أَن لَّا يُبارِزَ رَجُلٌ مِنْكُمْ رَجُلًا مِنْهُمْ.

ثُمَّ حَمَلَ عَمْرُو بْنُ الْحَجّاج في أَصْحَابِهِ عَلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)مِنْ نَحْوِ الْفُرَاتِ، فَاضْطَرَبُوا سَاعَةً، فَصُرِعَ مُسلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيُّ (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) وَانْصَرَفَ عَمْرُو وَأَصْحَابُهُ، وَانْقَطَعَتِ الْغَبَرَةُ، فَوَجَدُوا مُسْلِمًا صَرِيعًا، فَمَشَى إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)، فَإِذَا بِهِ رَمَقٌ، فَقَالَ: رَحِمَكَ الله يا مُسْلِمُ!﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواتَبْدِيلً﴾(1)وَدَنَا مِنْهُ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ، فَقَالَ: عَزَّ عَلَيَّ مَصْرَعُكَ يا مُسْلِمُ! أَبْشِرُ ، بِالْجَنَّةِ! فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ قَوْلًا ضَعِيفًا: بَشَّرَكَ الله بِالْخَيْرِ ! فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ : لَوْلَا أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي في أَثَرِكَ مِنْ سَاعَتِي هَذِهِ، لَأَحْبَبْتُ أن تُوَصِّينِي بِكُلِّ مَا أَهَمَّكَ»(2).

ص: 70


1- سورة الأحزاب : 23.
2- الإرشاد : 2218/ 103 و 104 ، ط . مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)).

وقال الطبري في تتمّته: «حَتَّى أَحْفَظَكَ في كُلِّ ذلِكَ بِمَا أَنْتَ أَهْلُ لَهُ فِي الْقَرَابَةِ وَالدِّين.

قالَ: بَل أَنَا أُوصِيكَ بِهذَا رَحِمَكَ الله! وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ أَنْ تَمُوتَ دُونَهُ قَالَ: أَفْعَلُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!

قَالَ الرّاوي: فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَن مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَصَاحَتْ جَارِيةٌ لَهُ، فَقَالَتْ: يَابْنَ عَوْسَجَتَاهُ يا سَيْدَاهُ فَتَنَادَى أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ الْحَجَّاج : قَتَلْنا مُسْلِمَ بْنَ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيَّ ! فَقالَ شَبَثٌ لِبَعْضِ مَنْ حَوْلِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ: تَكَلَتُكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ! إِنَّمَا تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَتُذَلِّلُونَ أَنْفُسَكُمْ لِغَيْرِكُمْ، تَفْرَحُونَ أَن يُقْتَلَ مِثْلُ مُسْلِمِ بْنِ عَوْسَجَةَ! أَما وَالَّذِي أَسْلَمْتُ لَهُ لَرُبَّ مَوْقِفٍ لَهُ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ كَرِيم لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ سَلَقِ آذربيجانَ قَتَلَ سِتَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ قَبلَ تَتَامٌ خُيُولِ الْمُسْلِمِينَ، أَفَيُقْتَلُ مِنْكُمْ مِثْلُهُ وَتَفْرَحُونَ؟!

وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ مُسْلِمَ بْنَ عَوْسَجَةَ، مُسْلِمُ بْنُ عبد الله الضّبَابِيُّ وَعبد الرَّحْمنِ بن أَبي خُشْكارَةَ الْبَجَلِيُّ(1).

أقول: وذكره مختصرًا ابن نما الحلّي(2) والسيد ابن طاوس(3)ولكن قال ابن

شهر آشوب السَرَوي فى المناقب: «بَرَزَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ مُرْتَجِزًا:

إِنْ تَسْأَلُوا عَنِّي فَإِنِّي ذُو لِبَدْ *** مِنْ فَرْعِ قَوْمٍ فِي ذُرَي بَنِي أَسَدْ

فَمَن بَغَانَا حَابِدٌ عَنِ الرَّشَد *** وَكَافِرٌ بِدِينِ جَبَّارٍ صَمَدْ

ص: 71


1- تاريخ الطبري: 6 / 249.
2- مُثير الأحزان : 63.
3- اللهوف : 46.

فَقَاتَلَ حَتَّى قَتَلَهُ مُسْلِمُ بْنُ الضَّبَابِيُّ وَعبد الرَّحْمنِ الْبَجَلِيُّ»(1).

أقول: مُسلِم بن عَوْسَجَة بن سَعْد بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسَد بن خُزَيْمَة أبو الحجل الأَسَدي السعدي، كان من أصحاب رسول الله ، ومن مشايخ أصحاب الحُسَيْن ، ذكره الشيخ الطوسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في رجاله(2).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الرجبية والناحية(3)، وكان رجلاً شريفا سريًا عابدا متنسكًا وممن كاتب مِن الكوفة ووفى له وممن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وجعله ابن عقيل على ربع مذحج وأسد ليحارب ابن زياد بعد دخوله في الكوفة. ثم بعد أن قُبِضَ على مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وقُتِلا، اختفى مدة ثمَّ فرّ بأهله إلى الحُسَيْن فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه. وله بكربلاء مكارم ومناقب قد ذكرنا بعضها، ومنها كلامه مع الحُسَيْن(علیه السّلام)في الليلة العاشرة حيث قال الإمام(علیه السّلام): «...إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعًا فِي حِلٌّ، لَيْسَ عَلَيْكُم حَرَجٌ مِنّى وَلا ذِمَام، هذا اللَّيلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلا.»(4)،قام مُسلِم بن عَوْسَجَة وهو أوّل من أجاب الحُسَيْن(علیه السّلام)من الأصحاب، فقال: «أَنَحْنُ نُخَلِّي عَنْكَ؟ وبِما نَعْتَذِرُ إِلَى الله في أَداءِ حَقِّكَ؟ أَمَا وَالله حَتَّى أَطْعَنَ في صُدُورِهِمْ بِرُمْحِي وَأَضْرِبَهُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي، وَلَوْ لَمْ يَكُن مَعِي سلاح أُقاتِلُهُمْ بِهِ لَقَذَفْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَاللهِ لا نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ اللهِ أَنَا قَد حَفِظْنَا غَيْبَةَ رَسُولِهِ فِيكَ، وَالله لَوْ قَد عَلِمْتُ أَنِّي أَقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَى ثُمَّ أَحرَقُ ثُمَّ أُخْيَى (ثُمّ

ص: 72


1- المناقب: 2/ 218.
2- رجال الطوسي: 80.
3- راجع بحار الأنوار: 340/98،69/45.
4- الإرشاد : 91/21(212 ، ط . مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)).

أذَرّى)، ثمَّ يُفْعَلُ ذلِكَ فِى سَبْعِينَ مَرَّةً، مَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَلْقَى حِمَامِي دُونَكَ،وَكَيْفَ لَا أَفْعَلُ ذلِكَ ؟! وَإِنَّمَا هِيَ قَتْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ هِيَ الْكَرَامَةُ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا أبدا!»(1)

حَملة على مَيْسَرة جنود الله، وفيها مقتل عبد الله بن عُمَيْر وزوجته

، وَحَمَلَ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فِي الْمَيْسَرَةِ عَلَى أَهْل الْمَيْسَرَةِ فَتَبَتُوا لَهُ فَطَاعَنُوهُ وَأَصْحَابَهُ، وَحَمَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ كُلَّ جَانِبِ، فقُتِلَ الْكَلْبِيُّ وَقَدْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ بَعْدَ الرَّجُلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ هَانِي بنُ تُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ وَيُكَيْرُ بْنُ حَيَّ التَّيْمِيُّ مِنْ تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَقَتَلَاهُ، وَكَانَ الْقَتِيلَ الثَّاني مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ»(2).

أقول: المراد بالكَلْبي هو عبد الله بن عُمَيرِ الكَلْبي، والمراد بالرجلين الأولين اللذين قتلهما عبد الله في أوّل الحرب هما يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد، وقد مرّ منا حربه لهما في [أوّل مَنْ خرج من جنود الشيطان] فراجع ما حرّرناه هناك، ونقول في كيفية استشهاد زوجته أُمَّ وَهب:

وقال الطبري: «وَخَرَجَ امْرَأَةُ الْكَلْبِيِّ تَمْشِي إِلَى زَوْجِهَا حَتَّى جَلَسَتْ عِنْدَ رَأْسِهِ تَمْسَحُ عَنْهُ التُّرَابَ، وَتَقُولُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةَ!، فَقَالَ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ لِغُلَامٍ يُسَمَّى رُسْتَمَ(3): اضْرِبْ رَأْسَهَا بِالْعَمُودِ، فَضَرَبَ رَأْسَهَا فَشَدَّخَهُ فَمَاتَتْ مَكَانَهَا»(4).

ص: 73


1- الإرشاد: 2(213/ 92 ، ط . مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)).
2- تاريخ الطبري: 249/6.
3- «رُسْتَم» أو «رُسْتُم» راجع تاج العروس للزبيدي: 288/16 ط. علي شيري.
4- تاريخ الطبري. 251/6.

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في رجاله مرّتين،

تارة في أصحاب أمير المؤمنين علي(1)، وتارة في أصحاب الحُسَيْن(2)،وكلاهما بلفظ «عبد الله بن عُميرة»مع إضافة التاء في آخره. ووقع التسليم عليه في زيارتي(3)الناحية والرجبية.

مطر النبل

«وَقَاتَلَهُمْ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ قِتَالًا شَدِيدًا، وَأَخَذَتْ خَيْلهم تَحْمِلُ وَإِنَّمَا هُمْ اِثْنَانِ وَثَلاثُونَ فَارِسًا، وَأَخَذَتْ لاَ تَحْمِلُ عَلَى جَانِبِ مِنْ خَيْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَّا كَشَفَتْهُ؛ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ عَزْرَةُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ عَلَى خَيْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ خَيْلَهُ تَنْكَشِفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، بَعَثَ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، عبد الرحمن بن حِصْنِ، فَقَالَ: أَما تَرَى ما تَلْقَى خَيْلِي مُذِ الْيَوْمِ مِنْ هذِهِ الْعِدَّةِ الْيَسِيرَةِ؟! اِبْعَثْ إِلَيْهِمُ الرِّجَالَ وَالرُّمَاةَ !

فَقَالَ لِشَبَثِ بن رِبْعِيُّ: أَلا تَقْدِمُ إِلَيْهِمْ؟ فَقالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَتَعْمِدُ إِلَى شَيْخ مُضَرَ وَأَهْلِ الْمِصْرِ عَامَّةَ تَبْعَثُهُ فِي الرُّمَاةِ؟! لَمْ تَجِدْ مَنْ تَنْدُبُ لِهَذا وَيُجْزِي عَنْكَ غَيْري ؟! قَالَ : وَمَا زَالوا يَرَوْنَ مِن شَبَتْ الْكَرَاهَةَ لِقِتَالِهِ؛ قَالَ أَبو زُهَيْرِ الْعَنْبَسِيُّ : فَأَنَا سَمِعْتُهُ فِي إِمَارَةِ مُصْعَبٍ يَقُولُ : لا يُعْطِي الله أَهْلَ هذَا الْمِصْرِ خَيْرًا أَبَدًا، وَلاَ يُسَدِّدُهُمْ لِرُشْدِ أَلاَ تَعْجَبُونَ أَنَّا قَاتَلْنَا مَعَ عَليّ بن أبي طَالِبٍ، وَمَعَ ابْنِهِ مِن بَعْدِه،آلَ أَبِي سُفْيَانَ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ عَدَوْنَا عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ خَيْرُ أَهْل الْأَرْضِ نُقَاتِلهُ مَعَ آلِ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ سُمَيَّةَ الزَّانِيَةِ! ضَلَالٌ يَا لَكَ مِن ضَلَالٍ!

ص: 74


1- رجال الطوسى . 54
2- رجال الطوسى.78.
3- راجع بحار الأنوار: 98،71/45 / 340.

قالَ [الرَّاوي]: دَعَا عُمَرُ بْنُ سَعْدِ الحُسَيْنَ بْنَ تَمِيمٍ، فَبَعَثَ مَعَهُ الْمُجَفَّفَة وَخَمْسَمِائَةٍ مِنَ المُرامِيَةِ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ رَشَقُوهُمْ بِالنَّبلِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَن عَقَرُوا خُيُولَهُمْ وَصَارُوا رَجَالَةٌ كُلُّهُمْ»(1).

«قَالَ أَبو مِخْنَفٍ : حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بنُ وَعْلَةَ أَنَّ أَيُّوبَ بْنَ مِشْرَحَ الْحَيوانِيَّ كَانَ يَقُول : أَنا وَالله عَقَرْتُ بِالْحُرِّ بْن يَزِيدَ فَرَسَهُ؛ حَشَأْتُهُ سَهْمَا فَمَا لَبِثَ أَن أَرْعِدَ : الفَرَسُ وَاضْطَرَبَ وَكَبَا فَوَثَبَ عَنْهُ الْحُرُّ كَأَنَّهُ لَيْتُ والسَّيْفُ في يَدِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:

إِنْ تَعْقِرُوا بِي فَأَنَا ابْنُ الْحُرُ *** أَشْجَعُ مِنْ ذِي لِبَدِ هِزَبْرِ

قال: فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطّ يَفْرِي فَرْيَه(2)»(3).

أقول: وذكره الطبري في الذيل ندم أيوب بن مِشْرَح هذا من أفعاله في ذاك اليوم، كما نُقل الندم من غيره أيضًا، ولكن لا فائدة فيه بعد ما وقع وجرى.

رامي الحُسَيْن(علیه السّلام)

«قَالَ أَبو مِخْنَفِ : حَدَّثَنِي فُضَيْلُ بْنُ خَدِيجِ الكِنْدِيُّ أَنَّ يَزِيدَ بنَ زِيَادٍ وَهُوَ أَبو الشَّعْتَاءِ الكِنْدِيُّ مِنْ بَنِي بَهْدَلَةَ، جَنَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ فَرَمَى بِمِائَةِ سَهُم مَا سَقَطَ مِنْهَا(إِلَّا)(4)خَمْسَةُ أَسْهُم، وَكَانَ رَامِيَا، فَكَانَ كُلَّمَا رَمَى قَالَ:

ص: 75


1- تاريخ الطبري : 6 / 250.
2- في كتابة «يَفْرِي فَرْيَه، راجع عُمدة القاري للعيني: 159/16 ط دار إحياء التراث العَرَبيّ، وكَشف المُشكِل مِن حَديثِ الصحیحین لابن جوزي : 505/22 ط. دار الوطن، والنّهاية في غريب الحديث والأثرِ لابن أثير : 3/ 442 ط. الطناحي.
3- تاريخ الطبري: 6 / 250.
4- الزيادة من كتاب نَفَس المهموم 256 ط . المكتبة الحَيْدَريَّة.

أنا ابنُ بَهْدَلَة *** فُرسَانِ الْعَرْجَلَة

وَيَقُولُ حُسَيْنُ : اللهمَّ ! سَدِّدْ رَمْيَتَه وَاجْعَلْ ثَوَابَهُ الْجَنَّةِ. فَلَمَّا رَمَى بِهَا قَامَ فَقَالَ : مَا سَقَطَ مِنْهَا إِلا خَمْسَةُ أَسْهُم ، وَلَقَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنِّي قَدْ قَتَلْتُ خَمْسَةَ نَفَرٍ.

وَكَانَ فِي أَوَّلِ مَن قُتِلَ، وَكانَ رَجَزُهُ يَوْمَئِذٍ :

أَنَا يَزِيدُ وَأَبِي مُهَاصِر *** أَشْجَعُ مِنْ لَيْثٍ بِغِيلٍ خَادِر

يَا رَبِّ إِنِّي لِلْحُسَيْنِ نَاصِر *** وَلِابْنِ سَعْدٍ تَارِكٌ وَهَاجِر

وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ المُهَاصِرِ مِمَّن خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ إِلَى الْحُسَيْنِ،فَلَمَّا رَدُّوا الشُّرُوطَ عَلَى الْحُسَيْنِ، مَالَ إِلَيْهِ، فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ»(1).

أقول: ذكره الصدوق في أماليه وقال: «بَرَزَ... زِيَادُ بْنُ مُهاصِرٍ (مهاجر) الْكِنْدِيُّ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ الْعَرِينِ (العزيز) الْخَادِر *** يَا رَبِّ إِنِّي لِلْحُسَيْنِ نَاصِر

وَلِابْنِ سَعْدِ تَارِكٌ مُهَاجِر

فَقَتَلَ مِنْهُمْ تِسْعَةً ثُمَّ قُتِلَ»(2).

وذكره أيضًا ابن نَما الحِلّي(3)وابن شهر آشوب(4)والعبارة للثاني: «ثمَّ بَرَزَ يزِيدُ بنُ الْمُهَاصِرِ الْجُعْفِيُّ مُرْتَجِزًا:

ص: 76


1- تاريخ الطبري: 255/6.
2- أمالي الصدوق : 137 المجلس الثلاثون.
3- مثير الأحزان: 61.
4- المناقب : 2/ 218.

أَنا يَزيدُ وأَبي مُهَاصِر *** لَيتٌ هَصُورٌ فِي العَرِينِ خَادِر

يا رَبِّ!إِنِّي لِلْحُسَيْنِ ناصِر *** وَلابْنِ سَعْدِ نَاراً وَهَاجِر»

أقول: يزيد بن زياد بن مهاصر أبو الشعثاء الكِنْدي البَهْدَلي، كان رجلًا شريفًا شجاعًا فاتكًا، ذكره الفُضَيل وقال: «قُتِلَ مِن كِنْدَةَ... يَزِيدُ بنُ زَيْدِ بنِ المُهاصِرِ»(1)ولكن الصحيح في اسم أبيه وجده ما ذكرناه، ووقع التسليم عليه في زيارة الناحية بعنوان: «يزيد بن زياد بن المظاهر الكندي»(2)والمظاهر تصحيف المهاصر كما لا يخفى، والرجل قد نسب إلى أبيه بعنوان يزيد بن زياد، وقد نسب إلى جده بعنوان يزيد بن مهاصر، وربّما صُحف اسم جده، ويقال: يزيد بن مهاجر؛ ولذا خلط بعضُ أرباب المقاتل، وذكروه مرتين أو مرّات، مع أنّ الرجل واحد، والنسبة إلى الأب متعارف وإلى الجدّ شائع، والتصحيف كثير يظهر للمتأمل.

حملة الشَمِر

«وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ سَاعَةً، وَجَاءَهُمْ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فِي أَصْحَابِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ فِي عَشَرَةِ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَكَشَفُوهُمْ عَنِ الْبُيُوتِ، وَعَطَفَ عَلَيْهِمْ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ، فَقَتَلَ مِنَ الْقَوْم ، وَرَدَّ الْبَاقِينَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ ، وَكَانَ الْقَتْلُ يَتَبَيَّنُ في أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَلا يَتَبَيَّنُ في أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ لِكَثْرَتِهِم وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ وَالْتَحَمَ وَكَثُرَ الْقَتْلى

ص: 77


1- تراثنا: ع 155/2.
2- راجع بحار الأنوار: 72/45.

وَالْجِراحُ في أَصْحَابِ أَبي عبد الله الْحُسَيْنِ إِلَى أَنْ زَالَتِ الشَّمْسُ»(1).

أقول: ذكره نحوه الطبري في تاريخه(2).

صلاة الظهر

فَلَمّا رَأَى ذلِكَ أبو ثمامَةَ عَمْرُو بنُ عبد الله الصَّائِدِيُّ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ: يَا أبا عبد الله ! نَفْسِي لَكَ الفِدَاء إِنِّي أَرَى هَؤُلَاءِ قَدِ اقْتَرَبُوا مِنْكَ، لا وَالله لا تُقْتَلُ

! حَتَّى أُقْتَلَ دُونَكَ إِنْ شاءَ الله، وَأُحِبُّ أَنْ أَلقَى رَبِّي وَقَدْ صَلَّيْتُ هَذِهِ الصَّلاةَ الَّتِي قَدْ دَنَا وَقْتُهَا، قَالَ [الرَّاوي]: فَرَفَعَ الْحُسَيْنُ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: ذَكَرْتَ الصَّلاةَ، جَعَلَكَ الله مِنَ المُصَلِّينَ الذَّاكِرِينَ ، نَعَم هذا أَوَّلُ وَقْتِهَا(3)، ثُمَّ قَالَ: سَلُوهُم أَن يَكُفُّوا عَنَّا حَتَّى نُصَلِّي.

فَقَالَ لَهُمُ الْحُصَيْنُ بنُ تَمِيمِ: إِنَّهَا لاَ تُقْبَل. فَقَالَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ: لَا تُقْبَلُ ؟! زَعَمْتَ الصَّلاَةَ مِن آلِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِه] وَسَلَّمَ لَا تُقْبَلُ وَتُقبَلُ مِنْكَ؟! يَا حِمَار ! »(4).

فلما لم يكفوا «فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)لِزُهَيْرِ بْنِ الْقَيْنِ وَسَعِيدِ بنِ الْقَيْنِ وَسَعِيدِ بن عبد الله : تَقَدَّمَا أَمَامِي حَتَّى أُصَلِّيَ الظُّهْرَ؛ فَتَقَدَّمَا أَمَامَهُ فِي نَحْوِ مِنْ نِصْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ.

وَرُوِيَ : أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عبد الله الْحَنَفَيَّ تَقَدَّمَ أَمَامَ الْحُسَيْنِ، فَاسْتَهْدَفَ لَهُمْ

ص: 78


1- الإرشاد: 219.
2- تاريخ الطبري: 251/6.
3- يأتي مقتل أبي ثمامة فيما بعد.
4- تاريخ الطبري: 251/6.

يَرْمُونَهُ بِالنَّبِلِ كُلَّمَا أَخَذَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)، يَمِينًا وَشِمَالًا، قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُرْمَى بِهِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ وَهُوَ يَقُولُ: اللهمَّ الْعَنْهُمْ لَعْنَ عَادٍ وَثَمُودَ ، اللهمّ ! أَبلِغْ نَبِيَّكَ عَنِّي السَّلاَمَ، وَأَبْلِغْهُ مَا لَقِيتُ مِن أَلَمِ الْجِراحِ، فَإِنِّي أَرَدْتُ بِذلِكَ نُصْرَةَ ذُرِّيَّةِ نَبيّك. ثُمَّ مَاتَ رَضِيَ الله عَنْه فَوُجِدَ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ سَهُمَا سِوى ما بِهِ مِنْ ضَرْبِ السُّيُوفِ وَطَعْنِ الرِّمَاح»(1).

أقول: نقل الطبري الرواية التي نقلها العلّامة المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) مع حذف دعائه وما بعدها(2).

وذكر السيد رضي الدين علي بن طاوس تت في اللهوف(3)جميع ما ذكره العلّامة المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في البحار بل العلّامة المجلسي نقل منه كما تو هو واضح ولكن ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) ذكره في الشهداء المبارزين، فقال: «بَرَزَ سَعِيدُ بْنُ عبد الله الْحَنَفِيُّ مُرْتَجِزًا:

أَقْدِمْ حُسَيْنُ الْيَوْمَ تَلْقَى أَحْمَدا *** وَشَيْخَكَ الْخَيْرَ(4)عَلِيًّا ذَا النَّدَى

وَحَسَنًا كَالْبَدْرِ وَافَى الْأَسْعُدَا *** وَعَمَّكَ الْقَرْمَ الْهُمَامَ الْأَرْشَدا

حَمْزَةَ لَيْتَ الله يُدْعَى أَسَدَا *** وَذَا الْجَنَاحَيْنِ تَبَوَّهُ مَقْعَدَا

في جَنَّةِ الفِرْدَوْس تَعْلُو صُعُدا»(5)

ص: 79


1- بحار الأنوار: 10/ 197.
2- تاريخ الطبري: 252/6.
3- اللهوف : 48.
4- في بحار الأنوار وبعض المصادر: «الحبر».
5- المناقب: 219/2.

أقول: في جعل ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ)، سعيدًا في الشهداء المبارزين نظر ظاهر، كما لا يخفى وأذكر هنا ترجمة هذا الشهيد وتأتي ترجمة زُهَيْر بن القين فيما بعد إن شَاءَ الله تَعَالى، فنقول:

كان سعيد من وجوه الشيعة بالكوفة، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم، ولما ورد نَعي معاوية إلى الكوفة اجتمعت الشيعة في منزل سُلَيْمان بن صُرَدِ الخُزَاعي، فخطب سليمان، وقال في آخرها : فَاكْتُبوا إِلَيْه، أي: (إلى الحُسَيْن ) . فكتب القوم وأرسل الكتاب إليه، مع رسول أو رسولين وأرسلوا الكتابات بفاصلة يومين غالبًا.

«قال أبو مِخْنَف نقلًا من مُحَمَّد بن بِشْرِ الهَمداني أنه قال: «ثُمَّ لَبِثْنَا يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ سَرَّحْنَا إِلَيْهِ هَانِيَ بنَ هَانِي السَّبِيعِيّ وسَعِيدَ بن عبد الله الْحَنَفِيَّ، وَكَتَبْنَا مَعَهُمَا:

بسم الله الرّحمنِ الرَّحِيمِ، لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَليَّ مِنْ شِيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُسلِمِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَحَيَّ هَلَّا فَإِنَّ النَّاسَ يَنتَظِرُونَكَ وَلَا رَأْيَ لَهُمْ فِي غَيْرِكَ، فَالْعَجَلَ الْعَجَلَ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْك!»(1).

وتلاقت الرُّسُلُ كلّها عند الإمام، فقرأ الكتب، وسأل الرُّسُلَ عَنْ أمر النّاس، ثمَّ أرسل مكتوبًا إلى أهل الكوفة مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وذلك قبل إرسال مُسلم بن عقيل ومتن مكتوبه(علیه السّلام)هكذا:

«بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى المَلَأَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ . أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ هَانِيًّا وَسَعِيدًا قَدِمَا عَلِيَّ بِكُتُبِكُمْ وكَانَا آخِرَ مَن قَدِمَ

ص: 80


1- وقعة الطف : 93.

عَلَيَّ مِنْ رُسُلِكُمْ وقَد فَهِمْتُ كُلَّ الَّذِي اقْتَصَصْتُم وَذَكَرْتُم، وَمَقَالَهُ جُلّكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَامٌ فَأَقْبلُ؛ لَعَلَّ الله يَجْمَعُنَا بِكَ عَلَى الْهُدَى وَالْحَقِّ .

وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ أَخِي وَابْنَ عَمِّي وَثِقَنِي مِنْ أَهل بَيْنِي مسلم بن عقيل وَأَمَرْتُهُ أَن يَكْتُبَ إِلَيَّ بِحَالِكُمْ وَأَمْرِكُمْ وَرَأْيِكُمْ، فَإِن كَتَبَ إِلَيَّ : أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ وَذَوِي الْفَضْلِ وَالحِجَى مِنْكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا قَدِمَتْ عَلَيَّ بِهِ رُسُلُكُمْ، وَقَرَأْتُ في كُتُبِكُمْ، أَقْدِمُ عَلَيْكُمْ وَشِيكًا إِنْ شاءَ الله. فَلَعَمْرِي مَا الْإِمَامُ إِلا الْعامِلُ بِالكِتَابِ وَالآخِذُ بِالْقِسْطِ، وَالدَّائِنُ بِالْحَقِّ، وَالْحَابِسُ نَفْسَهُ عَلَى ذَاتِ الله ؛ وَالسَّلامُ»(1).

أقول: ولما حضر مسلم بالكوفة، ونزل دار المختار، خطب في الناس عابس بن أبي شبيب الشاكري ثمَّ حبيب بن مظاهر(2)، ثم قام سعيد بعدهما، فحلف أنه موطّن نفسه على نصرة الحُسَيْن(علیه السّلام)فادٍ له بنفسه، ثم بعثه مسلم بكتاب إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)فبقي مع الحُسَيْن(علیه السّلام)حتى قتل معه رضوان الله عليه.

وقد مرّ منا كيفية جهاده وشهادته وذكره الفُضَيْل وقال: «وَقُتِلَ مِن بَنِي حَنِيفَةَ، سَعِيدُ بنُ عبد الله»(3).

ووقع التسليم عليه في الزيارة الرجبية(4)، وفي زيارة الناحية(5)ذُكر بعنوان «سعد» بدلًا من «سعيد»، ويمكن التصحيف، ولا يهمنا نقل متن

ص: 81


1- وقعة الطَّفٌ : 96.
2- تأتي ترجمة عابس وحبيب ومقتلهما.
3- تراثنا : ع 2/ 155.
4- راجع بحار الأنوار: 340/98 ط. الكمباني.
5- راجع بحار الأنوار: 272/98 و 70/45.

الزيادتين واختلافهما معًا، واختلافهما مع متون التواريخ والمقاتل في الرسالة؛ لأنّ سندهما ضعيف، كما هو واضح لمن يراجع سندهما، ونبه عليه المحقق الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) أيضًا(1).

مقتل حَبيب بن مُظاهِر

وبعد تذكار أبي تمامة للصلاة، قال الحُسَيْن(علیه السّلام): سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي. فقال لهم الحُصين بن تميم: إنّها لا تُقْبَلُ. فأجابه حبيب بن مظاهر: «لا تقبل، زعمت الصلاة من آل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ]وَسَلَّم لا تُقْبَلُ وتُقبَلُ منك يا حمار ؟!

«قَالَ [الرَّاوِي]: فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حُصَيْنُ بْنُ تَمِيمٍ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ حَبِيبُ بنُ مُظَاهِرٍ، فَضَرَبَ وَجْهَ فَرَسِهِ بِالسَّيْفِ، فَشَبَّ وَوَقَعَ عَنْهُ، وَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ، فَاسْتَنقَذُوهُ، وأَخَذَ حَبيبٌ يَقُولُ:

أُقْسِمُ لَوْ كُنَّالَكُمْ أَعْدادا *** أَوْ شَطْرَكُمْ وَلَّيتُمُ أَكْتادا

يا شَرَّ قَوْمٍ حَسَبًا وَآدا

قَالَ [الرَّاوي]: وَجَعَلَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ :

أَنَ نَا حَبِيبٌ وَأَبِي مُظاهِرُ *** فَارِسُ هَيْجَاءَ وحَربٍ تُسْعَرُ

نَتُم أَعَدُّ عُدَّةً وَأَكْثَرُ *** وَنَحْنُ أَونَى مِنْكُمُ وَأَصْبَرُ وَنَحْنُ

أَعْلَى حُجَّةً وَأَظْهَرُ *** حَقًّا وَأَنقَى مِنْكُمُ وَأَعْذَرُ

ص: 82


1- راجع معجم رجال الحديث : 73/8 رقم 5042.

وَقَاتَلَ قتلا(1)شَدِيدًا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلى رَأْسِهِ فَقَتَلَهُ، وَكانَ يُقالُ لَهُ: يُدَيْلُ بْنُ صُرَيم مِنْ بَنِي عُقْفَانَ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ مِن بَني تَمِيمٍ، فَطَعَنَه، فَوَقَعَ، فَذَهَب لِيَقُومَ ، فَضَرَبَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ تَمِيمٍ عَلى رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ، فَوَقَعَ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ التَّمِيمِيُّ ، فَاحْتَر رَأْسَهُ. فَقَالَ لَهُ الْحُصَيْنُ : إِنِّي لَشَرِيكُكَ في قَتْلِهِ؛ فَقَالَ الآخَرُ: وَالله مَا قَتَلَهُ غَيْرِي؛ فَقَالَ الْحُصَيْنُ: أَعْطِنِيهِ أَعَلَّقَهُ فِي عُنُقِ فَرَسِي كَيْمَا يَرَى النَّاسُ وَيَعْلَمُوا أَنِّي شَرِكْتُ في قَتْلِهِ، ثُمَّ خُذْهُ أَنْتَ بَعْدُ، فَامْضِ به إلى عبيد الله بن زيادٍ، فَلاَ حَاجَةً لِي فِيمَا تُعْطَاهُ عَلى قَتْلِكَ إيَّاهُ.

قَالَ: فَأَبِي عَلَيْهِ، فَأَصْلَحَ قَوْمُهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا، فَدَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَ حَبِيبٍ بن مُظاهِرٍ، فَجَالَ بِهِ فِي الْعَسْكَرِ قَدْ عَلَّقَهُ في عُنُقِ فَرَسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ بَعْدَ ذلِكَ إِلَيْهِ.

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْكُوفَةِ، أَخَذَ الْآخَرُ رَأْسَ حَبِيبٍ فَعَلَّقَه فِي لَبانِ فَرَسِه، ثُمَّ أَقبَلَ بِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فِي الْقَصْرِ، فَبَصُرَ بِهِ ابْنُهُ الْقَاسِمُ بْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ رَاهَقَ، فَأَقْبَلَ مَعَ الْفَارِسِ لاَ يُفَارِقُهُ كُلَّمَا دَخَلَ الْقَصْرَ دَخَلَ مَعَهُ، وَإِذَا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُ ، فَارْتَابَ بِهِ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا بُنَيَّ ! تَتْبَعُنِي؟ قَالَ: لاَ شَيْء . قَالَ : بَلَى، يَا بُنَيَّ ! أَخْبِرْنِي. قَالَ لَهُ: إِنَّ هذَا الرَّأْسَ الَّذِي مَعَكَ رَأْسُ أَبِي، أَفَتُعْطِينِيهِ حَتَّى أَدْفِنَهُ؟! قَالَ : يَا بُنَيَّ ! لاَ يَرْضَى الْأَمِيرُ أَن يُدْفَنَ وَأَنَا أُرِيدُ أَن يُبْبَنِي عَلَى قَتْلِهِ ثَوابًا حَسَنًا. قالَ لَهُ الْغُلاَمُ: لكِنَّ الله لاَ يُشِيبُكَ عَلَى ذلِكَ إِلَّا أَسْوَةَ الثّوابِ، أَمَا وَالله لَقَدْ قَتَلْتَهُ ا مِنْكَ، وَبَكَى فَمَكَثَ الْغُلامُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَ لَم يَكُن لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا اتَّبَاعَ أَثَرِ قَاتِلِ أبِيهِ، لِيَجِدَ مِنْهُ غِرَّةً، فَيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ. فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَزَا مُصْعَبٌ بَاجُمَيْرًا، دَخَلَ عَسْكَرَ مُصْعَبٍ، فَإِذَا قَاتِلُ أَبِيهِ فِي فُسْطَاطِهِ، فَأَقْبَلُ يَخْتَلِفُ فِي

ص: 83


1- قتالًا ظ.

طَلَبِهِ وَالْتِمَاسِ غِرَّتِهِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَائِلٌ نِصْفَ النَّهَارِ ، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى بَرَدَ. قَالَ أَبو مِخْنَفَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ حَبِيبُ بنُ مُظَاهِرٍ، هَدَّ ذلِكَ حُسَيْنًا وَقَالَ : عِندَ ذلِكَ أَحْتَسِبُ نَفْسِي وَحُمَاةَ أَصْحَابِي »(1).

أقول: يظهر من المتون وقوع قتل حبيب قبل صلاة الظهر، كما نص عليه ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في المناقب وقال بعد مقتل حبيب: «ثُمَّ صَلَّى الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بهِمُ الظُّهْرَ صَلاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ»(2).

ذكر الرجل الكَشْيُّ (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في رجاله وقال: «جِبريلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ عبد الله بن يَزِيدَ الْأَسَدي عَنْ فُضَيْلِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: مَرَّ مِيثَمِّ التَّمَّارُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَاسْتَقْبَلَ حَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرِ الْأَسَدِيَّ عِنْدَ مَجْلِسِ بَنِي أَسَدٍ، فَتَحَدَّنَا حَتَّى خْتَلَفَ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا.

ثُمَّ قَالَ حَبِيبٌ : لَكَأَنِّي بِشَيْخِ أَصْلَعَ ضَخْمِ الْبَطْنِ يَبِيعُ الْبِطِّيخَ عِنْدَ دَارِ الرِّزْقِ، قَدْ صُلِبَ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَيَبْقَرَ بَطْنُّهُ عَلَى الْخَشَبِ.

فَقَالَ مِيثَمٌ: وَإِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا أَحْمَرَ لَهُ ضَفِيرَتانِ، يَخْرُجُ لِيَنْصُرَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيَّهِ، فَيُقْتَلُ وَيُجالُ بِرَأْسِهِ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ افْتَرَقَا فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ : مَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَكْذَبَ مِنْ هَذَيْنِ.

قَالَ: فَلَمْ يَفْتَرقْ أَهْلُ الْمَجْلِس حَتَّى أَقْبَلَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ، فَطَلَبَهُمَا، فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَجْلِس عَنْهُمَا، فَقَالُوا: افْتَرَقَا وَسَمِعْنَاهُمَا يَقُولاَنِ كَذَا وَكَذَا.

ص: 84


1- تاريخ الطبري: 251/6.
2- المناقب: 219/2.

فَقَالَ رُشَيْدٌ: رَحِمَ اللهُ مِيثَمًا ! نَسِيَ : وَيُزَادُ فِي عَطَاءِ الَّذِي يَجِيءُ بِالرَّأْسِ مِائَةُ دِرْهَم؛ ثُمَّ أَدْبَرَ . فَقَالَ الْقَوْمُ: هذَا والله أَكْذَبُهُمْ!

فَقَالَ الْقَوْمُ: وَالله مَا ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْنَاهُ مَصْلُوبًا عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَجِيءَ بِرَأْسِ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ قَدْ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وَرَأَيْنَا كُلَّ مَا قَالُوا.

وَكَانَ حَبيبٌ مِنَ السَّبْعِينَ الرِّجَالِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)، وَلَقُوا جِبَالَ الْحَدِيدِ، وَاسْتَقْبَلُوا الرِّمَاحَ بِصُدُورِهِمْ وَالسُّيُوفَ بِوُجُوهِهِمْ، وَهُمْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْأَمَانُ وَالْأَمْوَالُ، فَيَأبونَ وَيَقُولُونَ : لاَ عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)إِن قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَمِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ، حَتَّى قُتِلُوا حَوْلَهُ.

وَلَقَدْ مَزَحَ حَبيبُ بْنُ مُظَاهِرِ الْأَسَدِيُّ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حُضَيْر(1)الْهَمْدَانِيُّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: «سَيِّدُ الْقُرَّاءِ»: يَا أَخِي! لَيْسَ هَذِهِ بِسَاعَةِ ضَحِكَ ! قَالَ: فَأَيُّ مَوْضِعِ أَحَقُّ مِن هذا بِالسُّرُورِ؟! وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن تَمِيلَ عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّعَاةُ بِسُيُوفِهِمْ، فَنُعَانِقَ الْحُورَ الْعِينَ. قَال الكَشْيُّ : هذِهِ الْكَلِمَةُ مُستَخْرَجَةٌ مِن كِتاب مَفاخِر(2)الكُوفَةِ وَالْبَصْرَة»(3).

أقول: الرواية ضعيفة الإسناد. والرجل ممن كاتب الحُسَيْن(علیه السّلام)، من الكوفة، وممّن اجتمعَ في منزل سُلَيْمان بن صُرَد الخزاعي بعد هلاك معاوية الطاغية، ومتن مكتوبهم إليه(علیه السّلام)هكذا:

ص: 85


1- لعل الصحيح: «برير بن حُضَيْر» كما مرّ.
2- في بحار الأنوار: 93/45 «مفاخرة».
3- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي: 1/ 292 حدیثِ 133 طبع مُؤَسَّسَة آل البیت(علیهم السّلام).

«بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، لِلْحُسَيْنِ بنِ عَليٍّ، مِن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ وَالْمُسَيِّبِ بن نَجْبَةَ وَرِفاعَةَ بن شَدّادٍ وَحَبيبٍ بن مُظاهِرٍ وَشِيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْل الْكُوفَةِ:

سَلامٌ عَلَيْكَ، فَإِنَّا نَحْمَدُ إِلَيْكَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُو .

أَمَّا بَعْدُ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي قَصَمَ عَدُوَّكَ الْجَبَّارَ الْعَنِيدَ الَّذِي انْتَرَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَابْتَزَهَا وَغَصَبَهَا فَيْأَها وَتَأَمَّرَ عَلَيْها بِغَيْرِ رِضَى مِنْهَا، ثُمَّ قَتَلَ خِيَارَهَا، وَاسْتَبْقَى شِرارَهَا، وَجَعَلَ مالَ الله دُولَةً بَيْنَ جَبَابِرَتِهَا وَأَغْنِيَائِهَا، فبُعْدًا لَهُ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ !

إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَامٌ ، فَأَقِبِلْ لَعَلَّ الله أَن يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى الْحَقِّ، والنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ في قَصْرِ الْإِمَارَةِ لَسْنَا نَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي جُمُعَةٍ، وَلا نَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى عِيدٍ، وَلَوْ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكَ قَدْ أَقْبَلْتَ إِلَيْنَا أَخْرَجْنَاهُ حَتَّى نُلْحِقَهُ بِالشَّامِ إِنْ شاءَ الله ؛ والسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله(1)».

ولما دخل مسلم الكوفة فذهب إلى دار المختار بن أبي عبيدة و«أَقْبَلَتِ الشَّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتابَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فَأَخَذُوا يَبْكُونَ، وَقَامَ عابِسُ بنُ أَبي شَبِيبٍ الشَّاكِرِيُّ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ عَنِ النَّاسِ وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَمَا أَغْرُّكَ مِنْهُمْ، والله لَأَحَدَّثَنَّكَ عَمّا أَنا مُوَطِّنٌ نَفْسِي عَلَيْهِ. وَالله لَأُجِيبَنَّكُمْ إِذَا دَعَوْتُمْ، ولَأُقَاتِلَنَّ مَعَكُمْ عَدُوَّكُمْ، وَلَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي دُونَكُمْ حَتَّى أَلقَى اللهِ وَلَا أُرِيدُ بِذلِكَ إِلَّا ما عِنْدَ الله. فَقَامَ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرِ الْفَقْعَسِيُّ الأَسَدِيُّ؛ فَقَالَ: رَحِمَكَ الله ! قَدْ

ص: 86


1- وقعة الطَّفّ: 90 - 92.

قَضَيْتَ مَا فِي نَفْسِكَ بِوَاجِزِ مِنْ قَوْلِكَ، ثُمَّ قَالَ : وَأَنَا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُو عَلَى مِثْل مَا هذَا عَلَيْه ! »(1).

وحَبيب يأخذ البَيْعَة للحُسَيْن(علیه السّلام)، مع مُسْلِم ، حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة، وخذل أهلها عن مُسْلِم، اختفى حبيب وخرج إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)متخفّيًا ، يسير الليل وينام النهار حتى وصل إليه، وكان معه حتى قتل بين يديه(رحمه الله علیه).وكان عه ابن عم له وهو ربيعة بن خوط(2)بن رئاب أبو ثور الشاعر الفارس.

والرجل كان من أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ذكره العسقلاني وقال: «حَبيب بن مُظَهَّرِ بْنِ رِئَابِ بْنِ الْأَشْتَرَ بْنِ حَجْوانَ بْنِ فَقْعَسِ الْكِنْدِي ثُمَّ الْفَقْعَسِي، لَهُ إدراكٌ وعُمْرَ حتّى قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ بن عَليَّ»(3).

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) ثلاث مرات تارة في أصحاب أمير المؤمنين(4)عَلَيْهِ صَلَواتُ الْمُصَلّين، وتارة في أصحاب الحسن(5)وتارة في أصحاب الحُسَيْن(6)(علیهم السّلام).

وذكره الفُضَيْل وقال: «وَقُتِلَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: حَبيبُ بنُ مُظَاهِرٍ؛ قَتَلَهُ بُدَيْلُ بْنُ صُرَيْمِ الْعَفَقانِيُّ(7)، وَكَانَ يَأْخُذُ الْبَيْعَةَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٌّ»(8).

ص: 87


1- وقعة الطَّفِّ: 100.
2- في بعض المصادر: «حَوط».
3- الإصابة : 1 / 373، رقم 1949.
4- رجال الطوسي : 38.
5- رجال الطوسي : 67.
6- رجال الطوسي: 72.
7- يحتمل: «العُقْفَانِي».
8- تُراثنا : ع 152/2.

وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(1).

ولشَيخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلَّه) استدراكات على مقتله في البحار المأخوذ من مَقْتَل الخوارزمي ، فراجع إن شئت(2).

مقتل الحُرّ

«أَخَذَ الْحُرُّ يَرْتَجِزُ وَيَقُول :

الَيْتُ لا أُقْتَلُ حَتَّى أَقْتُلا *** وَلَنْ أُصابَ الْيَوْمَ إِلا مُقْبِلا

أَضْرِبُهُم بِالسَّيفِ ضَرْبًا مِقْصَلا *** لَا نَاكِلًا عَنْ لَا نَاكِلًا عَنْهُمْ وَلاَ مُهَللا

وَأَخَذَ يَقُولُ أَيضًا:

أَضْرِبُ في أَعْرَاضِهِمْ بِالسَّيْفِ *** عَن خَيْر مَنْ حَلَّ مِنى وَالْخَيْفِ

فَقَاتَلَ هُوَ وَزُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَانَ إِذا شَدَّ أَحَدُهُما فَإِنِ اسْتُلْحِمَ شَدَّ الآخَرُ حَتَّى يُخَلَّصَهُ، فَفَعَلاَ ذلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ إِنَّ رَجَالَةٌ شَدَّتْ عَلَى الْحُرّ بن يَزِيدَ ، فَقُتِلَ»(3).

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في المناقب: «وبَرَزَ الْحُرُّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:

إِنِّي أَنَا الْحُرُّ وَمَأْوَى الضَّيْفِ *** أَضْرِبُ فِي أَعْنَاقِكُمْ بِالسَّيْفِ

عَن خَيْرِ مَن حَلَّ بِلادَ الْخَيْفِ *** أَضْرِبُكُمْ وَلَا أَرى مِن حَيْفِ

ص: 88


1- راجع بحار الأنوار: 71/45، 340/98.
2- الأخبار الدخيلة: 204/2 وما بعدها.
3- تاريخ الطبري: 252/6.

فَقَتَلَ نَيْفًا وأَرْبَعِينَ رَجُلًا»(1).

أقول: لا يخفى على المتأمل في المقاتل، أنّ الحرّ برز مرّتين، تارة بعد خطبة الحُسَيْن(علیه السّلام)الثانية، تاب وجاء إلى الإمام(علیه السّلام)فاستأذنه ووعظ أصحاب عُمر بن سعد، وتارة بعد مقتل حبيب بن مظاهر ، وفي الثانية قاتل وقتله(رحمه الله علیه).

ولكن بعض أرباب المَقاتِل خلطوا بينهما، وذكروا مقتله مرة واحدة، كالسيّد في اللهوف(2)وابن نَما الحِلّي في مُثِيرُ الأحزان(3)، وأقدم منهما الشيخ الصدوق في أماليه(4).

ولكنّ المُحَدِّثَ القُمى (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) من الذين وافقنا، وذكر الحر مرتين في مقتله تارة تحت عنوان «الحوق الحرّ بن يزيد بالحُسَيْن(علیه السّلام)»(5)، وتارة تحت عنوان«مقتل الحرّ بن يزيد»(6). ولعل هذا سرّ تكرّر ذكره في الزيارة الرجبية، فذُكر في أوّلها وفي أواخرها.

قيل: إنّ الحرّ أوّل قتيل في يوم الطف، ولكن ظهر مما ذكرنا عدم صحته والظاهر أنّ منشأ هذا التوهم ليس إلا مقالة الحرّ للحسين(علیه السّلام)، حيث قال له :

يَابنَ رَسُولِ الله إِنِّي كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ عَلَيْكَ وَأَنَا الْآنَ فِي حِزْيِكَ، فَمُرْني

ص: 89


1- المناقب: 2/ 217.
2- اللهوف : 45.
3- مثير الأحزان: 58.
4- الأمالي: 136 المجلس الثلاثون.
5- نَفَس المهموم 254.
6- نَفَس المهموم: 272.

أن أَكُونَ أَوَّلَ مَقْتُولِ فِي نُصْرَتِكَ، لَعَلّي أنالُ شَفَاعَةَ جَدِّكَ غَدًا»(1).

هذا وعلى أي حال، أتاه الحُسَيْن(علیه السّلام)، وبه رمق ودمه يشخب، فقال: «بَخٌ بخ يا حُر! أَنتَ حُرٌّ كَما سُمِّيتَ فِي الدُّنْيا والآخِرَة»ثم أنشأ الحُسَيْن(علیه السّلام)يقول:

«لَنِعْمَ الْحُرُّ حُرُّ بَني رِياحِ *** ونِعْمَ الْحُرُّ مُخْتَلَفَ الرِّماحِ

ونِعْمَ الْحُرُّ إِذْ نَادَى حُسَيْنًا *** فَجادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصَّبَاح»(2)

ولكن قال الشيخ عبد الله البَحْراني في مَقْتَل العَوالِم:

وَرَثَاهُ مِنْ أَصْحَاب الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وَقِيلَ : بَلْ رَبَّاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)»(3)

وذكر البيتين مع إضافة ثالث وهو :

«فَيا رَبِّي أَضِفه في جنان *** وَزَوِّجُهُ مَعَ الْحُورِ الملاح»

أقول: كان الحُرّ من شجعان الكوفة ورؤسائها، ومن الذين ختم الله عاقبة أُمورهم بالخير، ذكره الشيخ الطوسي (قدس الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن ، وقال : «الحُرُّ بْنُ يَزِيدَ بنِ ناجِيَةَ بنِ سَعِيدٍ مِنْ بَنِي رِيَاحِ بْنِ يَربُوعٍ»(4)

وذكره الفُضَيْل وقال: «قُتِلَ مِنْ بَنِي تَمِيمِ الْحُرُّ بِنُ يَزِيدَ، وَكَانَ لَحِقَ بِالْحُسَيْنِ بن عَلِيٌّ بَعْدُ»(5).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرَجَبيّة(6).

ص: 90


1- نُزل الأبرار: 94.
2- أمالي الصدوق : 136 المجلس الثلاثون، رَوْضَة الواعظين: 186.
3- مقتل العوالم : 258.
4- رجال الطوسي : 73.
5- تراثنا: ع 152/2.
6- راجع بحار الأنوار: 71/45، 340/98.

وذكره المامقاني(1)والسماوي(2)مفصلا في كتابيهما.

قال البدخشي في نزل الأبرار: «وَقِيلَ: قُتِلَ مَعَهُ أَخُوه وَابْنُه وَمَوْلاهُ أَيضًا»(3).

أقول : المراد بأخيه هو مُصعب بن يزيد وبابنه هو علي بن الحر، وبمولاه هو عروة عبده، ولم يثبت لدينا قتل هؤلاء في الطَّف؛ لعدم ذكرهم في المصادر الأصلية.

والظاهر وقوع مقتل الحرّ نفسه قبل صلاة الظهر؛ لأنّ الطبري قال بعد ذكر مقتله: «...ثُمَّ صَلَّوا الظُّهْرَ، صَلَّى بِهِمُ الْحُسَيْنُ صَلاةَ الخَوْفِ»(4).

مقتل زُهَيْر بن القَيْن

قال الطَبَرِي: «قاتَلَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ قِتَالًا شَدِيدًا وَأَخَذَ يَقُولُ:

أَنَا زُهَيْرٌ وَأَنَا ابْنُ الْقَيْنِ *** أَذُودُهُم بِالسَّيْفِ عَنْ حُسَيْنِ

وَأَخَذَ يَضْرِبُ عَلَى مِنْكَبٍ حُسَيْنٍ وَيَقُولُ:

أَقْدِمْ هُدِيتَ هَادِيًا مَهْدِيًا *** فَالْيَوْمَ تَلْقَى جَدَّكَ النَّبِيَا

وَحَسَنًا وَمُرتَضَى عَلِيًّا *** وَذَا الْجَنَاحَيْنِ الْفَتَى الْكَمِيا

وأسد الله الشَّهِيدَ الْحَيَّا

فَشَدَّ عَلَيْهِ كَثِيرُ بْنُ عبد الله الشَّعْبِيُّ ومُهاجِرُ بْنُ أَوْسٍ ، فَقَتَلاهُ»(5).

ص: 91


1- تنقيح المقال : 1/ 260.
2- إبصار العين: 115.
3- نزل الأبرار: 94.
4- تاريخ الطبري: 252/6.
5- تاريخ الطبري: 253/6.

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في المناقب: «بَرَزَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْن البَجَلِيُّ وَهُوَ يَقُولُ:

أَنا زُهَيْرٌ وَأَنَا ابْنُ الْقَيْنِ *** أَذُودُكُم بِالسَّيْفِ عَنْ حُسَيْنِ

إِنَّ حُسَيْنَا أَحَدُ السُبطَيْن *** مِن عِشْرَةِ البَرُ التَّقى الزين

ذاكَ رَسُول الله غَيْر الْمَيْنِ *** أَضْرِبُكُمْ وَلاَ أَرى مِنْ شَيْنِ

يالَيْتَ نَفْسِي قُسْمَتْ قِسْمَيْنِ

فَقَتَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا»(1).

قال مُحَمَّد بن أبي طالب الحسيني الحائري في مقتله : «...فَقالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)حينَ صُرِعَ زُهَيْرٌ : لا يُبْعِدُكَ الله يا زُهَيْرُ ! ، ولَعَنَ قاتِلَكَ، لَعْنَ الَّذِينَ مُسِحُوا قِرَدَةً وَخَنازير !»(2).

أقول: الظاهر وقوع مقتله بعد صلاة الظهر ، كما ذكره الطبري وابن شهر آشوب السَرَوي. وقد ذكرنا فيما مضى أنّ الإمام(علیه السّلام)جعله على مَيْمَنة أصحابه، وذكرنا موعظته لأصحاب عُمر بن سعد، وقتال زُهَيْر والحرّ مع جند الشيطان في مقتل الحرّ، والآن أذكر لك كيفية لحوقه بالحُسَيْن(علیه السّلام)، مع التنبيه على أن الرجل كان أوّلًا عثمانيًا، فحجّ سنة ستين في أهله، ثم عاد فوافق الحسين(علیه السّلام)في الطريق.

حدثنا أبو مخنف عن ذلك وقال: عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني فَزارَةَ، قالَ: كُنَّا مَعَ زُهَيْرِ بْنِ الْقَيْنِ الْبَجَليٍّ حِينَ أَقبَلْنا مِنْ مَكَّةَ نُسايرُ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)، فَلَمْ يَكُن شَيْءٌ

ص: 92


1- المناقب: 2/ 219.
2- تسلية المُجالس وزينة المجالس : 2/ 295 ، وعنه في بحار الأنوار: 198/10(26/45).

أَبْغَضَ إِلَيْنَا مِنْ أَن نُسَايَرَهُ فِي مَنْزِلِ. فَإِذَا سَارَ الْحُسَيْنُ، تَخَلَّفَ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ، وَإِذَا نَزَلَ الْحُسَيْنُ، تَقَدَّمَ زُهَيْرٌ؛ حَتَّى نَزَلْنَا فِي مَنْزِلِ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَن تُنَازِلَهُ فِيهِ؛ فَنَزَلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)في جَانِبِ وَنَزَلْنَا فِي جَانِبِ؛ فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ نَتَغَذَّى مِنْ طَعَامِ لَنَا إِذْ أَقْبَلَ رَسُولُ الْحُسَيْنِ حَتَّى سَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ: يَا زُهَيْرَ بْنَ الْقَيْنِ ! إِنَّ أبا عبد الله الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٌّ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِتَأْتِيَهُ؛ فَطَرَحَ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى كَأَنَّ عَلى رُؤُوسِنا الطَّيْرَ.

قَالَتْ دَلْهَمُ بِنْتُ عَمْرُو امْرَأَةُ زُهَيْرِ بْنِ الْقَيْنِ: فَقُلْتُ لَهُ: أَيَبْعَثُ إِلَيْكَ ابْنُ رَسُولِ الله ثُمَّ لاَ تَأْتِيه؟! سُبْحَانَ الله! لَوْ أَتَيْتَهُ فَسَمِعْتَ كَلَامَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتَ!

فَأَتَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ؛ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ مُسْتَبْشِرًا قَد أَسْفَرَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَن يَتَّبِعَنِي وَإِلَّا فَإِنَّهُ آخِرُ الْعَهْدِ! إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا: غَزَوْنَا بَلَنْجَرَ(1)فَفَتَحَ الله عَلَيْنا وَأَصَبْنَا غَنائِمَ، فَقَالَ سَلْمَانُ الْبَاهِليُّ: فَرِحْتُم بِما فَتَحَ الله عَلَيْكُم وَأَصَبْتُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ؟ فَقُلْنَا : نَعَم؛ فَقَالَ لَنَا: «إِذا أَدْرَكْتُمْ شَبَابَ آلِ مُحَمَّدِ(صلی الله علیه و آله و سلم)فَكُونُوا أَشَدَّ فَرَحًا بِقِتَالِكُمْ مَعَهُمْ مِنْكُم بِمَا أَصَبْتُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ» . فَأَمّا أَنَا، فَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكُمُ الله. ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنتِ طَالِقٌ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَإِنِّي لا أُحِبُّ أَن يُصِيبَكِ مِن سَبَبى إِلَّا خَيْر »(2).

وفي ليلة الطف لما قال الحُسَيْن(علیه السّلام): «إنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعًا فِي

ص: 93


1- بَلَنْجَر بفتحتين وسكون النون وجيم مفتوحة وراء مدينة ببلادِ الخَزَر خَلفَ باب الأبواب. قالوا: فتحها عبد الرحمن بن الرَّبيعة. وقال البَلاذُريّ: سلمان بن ربيعة الباهلي... (راجع معجم البلدان: 489/1).
2- وقعة الطَّفٌ: 161

حِلٌ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ مِنِّي وَلا ذِمام، هذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا»(1).

قام زُهَيْر عقيب مُسلِم بن عَوسَجَة، وقال: «لَوَدِدْتُ أَنِّي قُتِلْتُ ثُمَّ نُشِرْتُ ثُمَّ قُتِلْتُ حَتَّى أَقْتَلَ هكذا أَلْفَ مَرَّةٍ، وَأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَدْفَعُ بِذلِكَ الْقَتْلَ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنْ أَنفُس هؤلاَءِ الْفِتْيانِ مِنْ أَهْل بَيْتِكَ!»(2).

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّس الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(3)، ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(4)، وكان رجلًا شريفًا في قومه نازلا فيهم بالكوفة شجاعًا له في المغازي مواقف مشهورة، وكان أوّلًا عثمانيًا كما ذكرنا، ثمّ صار علويًا، وقد خُتم له بالسعادة والشهادة وما فوقها شرف.

مقتل أبي تمامة الصائدي

قال الطبري: «قَتَلَ أبو ثُمَامَةَ الصَّائِدِيُّ ابنَ عَمِّ لَهُ كَانَ عَدُوًّا لَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الْحُسَيْنُ صَلاَةَ الْخَوْفِ»(5).

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) فى المناقب: «بَرَزَ أبو ثُمَامَةَ الصَّائِدِيُّ وَقَالَ:

(البحر الطويل)

عَزاءً لآلِ الْمُصْطَفَى وَبَنَاتِهِ *** عَلَى حَبْسٍ خَيْرِ النَّاسِ سِبْطِ مُحَمَّدِ

ص: 94


1- الإرشاد : 212.
2- الإرشاد: 213.
3- رجال الطوسي: 73.
4- راجع بحار الأنوار: 45 / 71 و 98 / 340.
5- تاريخ الطبري: 252/6.

عَزاءٌ لِزَهْراءِ النَّبِيِّ وَزَوْجِهَا *** خِزَانَةِ عِلْمِ الله مِن بَعْدِ أَحْمَدِ

عَزاءٌ لِأَهْلِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ كُلِّهِمْ *** وَحُزْنًا عَلى حَبْسِ الْحُسَيْنِ الْمُسَدَّدِ

فَمَنْ مُبْلِعٌ عَنِّي النَّبِيَّ وَبَنْتَهُ ***بأَنَّ ابْنَكُمْ فِي مَجْهَدِ أَي مَجْهَدِ!»(1)

قال الشَيْخ مُحَمَّد السَماوي: «أبو ثُمامَة عَمْرو صائِدي: هو عَمْرو بن عبد الله بن كعب بن صائِد بن شُرَحْبيل بن شراحيل بن عَمْرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون(2)بن عوف(3)بن هَمْدان، أبو تُمامَة الهَمْداني الصائِدي، كان أبو ثمامة تابعيًا، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ومن أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)الذين شهدوا معه مشاهده، ثمَّ صحب الحَسَن(علیه السّلام)بعده ، وبقي في الكوفة، فلمّا توفّي معاوية، كاتب الحُسَيْن(علیه السّلام)، ولما جاء مسلم بن عقيل إلى الكوفة، قام معه وصار يقبض الأموال من الشيعة بأمر مسلم، فيشتري بها السلاح، وكان بصيرًا بذلك، وعقد له على ربع تميم وهمدان كما قدمناه، فحصروا عبيد الله في قصره، ولما تفرّق عن مسلم الناس بالتخذيل اختفى أبو ثمامة، فاشتد طلب ابن زياد له، فخرج إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)»(4).

أقول : قد ذكرنا فيما مضى تذكاره للإمام(علیه السّلام)بالشهادة، ودعاءه(علیه السّلام)في حقه: جَعَلَكَ الله مِنَ الْمُصَلِّينَ الذَّاكِرين!».

وذكر الطبري مقتله قبل صلاة الظهر كما مرّت مقالته، ولكن الظاهر خلاف

ص: 95


1- المناقب: 2/ 219.
2- في بعض المصادر: «خيوان»؛ في بعض المصادر: «خيران». في بعض المصادر: «حُبران».
3- في بعض المصادر: «نوف»؛ في بعض المصادر: «نون».
4- إبصار العَيْن: 69.

ذلك؛ لأنه صلّى الصلاة مع الإمام(علیه السّلام)، وقال : يا أبا عبد الله! إِنِّي قَدْ هَمَمْتُ أن أَلحَقِّ بأصحابي وَكَرِهْتُ أَن أَتَخَلَّفَ وَأَراكَ وَحِيدًا مِنْ أَهْلِكَ قَتِيلًا، فقال له الحُسَيْن(علیه السّلام): تَقَدَّمْ فَإِنَّا لاحِقُونَ بكَ عَنْ سَاعَةٍ، فتقدّم»(1)وقتل(رحمه الله علیه).

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(2).

وذكره الفُضَيْل وقال: «قُتِلَ مِنْ هَمْدَانَ: أبو ثُمَامَةَ عَمْرُو بْنُ عبد الله الصَّائِدِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب أمير الْمُؤْمِنِينَ(علیه السّلام)؛ قَتَلَهُ قَيْسُ بن عبد الله(3).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(4).

والعجب من بعض المعاصرين حيث قال: «وورد في رجال الشيخ عمرو بن ثمامة مصحّفًا»(5)مع أنّ الشيخ ذكر الرجل باسمه وكنيته ونسبه، وقال: عمرو بن عبد الله الأنصاري يكنّى أبا ثمامة مع واسطة واحدة بعد عمرو بن ثمامة ولا و وجه للتصحيف حينئذ.

مقتل نافع بن هلال

الشيخ المُفيد (رَوَّحَ الله روحه) في الإرشاد: «بَرَزَ نافِعُ بْنُ هِلال وَهُوَ يَقُولُ:

ص: 96


1- إبصار العَيْن: 70.
2- رجال الطوسي: 77.
3- تُراثنا : ع 156/2.
4- راجع بحار الأنوار: 73/45، 340/98.
5- أنصار الْحُسَيْن(علیه السّلام): 89.

أَنَا ابْنُ هِلَالِ الْبَجَليّ *** أَنَا على دين علي

فَبَرَزَ إِلَيْهِ مُزَاحِمُ بْنُ حُرَيْثٍ، فَقَالَ لَهُ : أَنا عَلَى دِينِ عُثْمَانَ؛ فَقَالَ لَهُ نافِعُ : أَنْتَ عَلَى دِينِ الشَّيْطَانِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ»(1).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي (نَوَّرَ الله مَرقَدَه) في المناقب: «ثُمَّ بَرَزَ نَافِعُ بْنُ هِلَالِ الْبَجَلِيُّ قَائِلًا:

أَنَا الْغُلامُ الْيَمَنِيُّ الْبَجَلِي *** دِينِي عَلَى دِينِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ

أَضْرِبُكُمْ ضَرْبَ غُلامٍ بَطَلِ *** وَيَخْتِمُ اللهُ بِخَيْرٍ عَمَلِي

فَقَتَلَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَرُوِيَ : سَبعِينَ رَجُلًا»(2).

ويقول الطَّبَرِي : كَانَ نَافِعُ بْنُ هِلَالٍ الْجَمَليُّ قَدْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى أَفْوَاقِ نَبْلِهِ، فَجَعَلَ يَرمِي بِها مُسَوَّمَةً وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا الْجَمَلي، أَنَا عَلَى دِينِ عَلِي

فَقَتَلَ اثْنَى عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَر بْن سَعْد، سِوَى مَن جَرَحَ.

قَالَ [ الراوي]: فَضُرِبَكُسِرَتْ عَضُدَاهُ وأُخِذَ أَسيرًا. قالَ [الرّاوي]: فَأَخَذَهُ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ يَسُوفُونَ نَافِعًا حَتَّى أُتِيَ بِهِ عُمَرُ بْنَ سَعْدٍ.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: وَيْحَكَ يا نافِعُ! مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ بِنَفْسِكَ؟ قالَ: إِنَّ رَبِّي يَعْلَمُ مَا أَرَدتُ وَالدِّمَاءُ نَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: والله لَقَدْ

ص: 97


1- الإرشاد: 218.
2- المناقب : 2/ 219.

قَتَلْتُ مِنْكُم اثْنَيْ عَشَرَ سِوى مَنْ جَرَحْتُ ، وَما أَلُومُ نَفْسِي عَلَى الْجُهْدِ وَلَوْ بَقِيَتْ لى عَضُدٌ وَسَاعِدٌ مَا أَسَرْتُمُونِي !

فَقَالَ لَهُ شَمِرٌ : أَقْتُلْهُ أَصْلَحَكَ الله ! ؛ قَالَ: أَنتَ جِئْتَ بِهِ فَإِنْ شِئْتَ فَاقْتُلْه؛ فَانْتَضَى شَمِرٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ لَهُ نافِعٌ: أما والله أن لَوْ كُنْتَ مِنَ الْمُسْلِمينَ لَعَظْمَ عَلَيْكَ أَنْ تَلْقَى الله بِدِمَائِنَا؛ فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ مَنايَانَا عَلَى يَدَيْ شِرارِ

خَلْقه ! ، فَقَتَلَهُ »(1).

ويقول ابن نَما خَرَجَ نافِعُ بنُ هِلَالٍ الْمُرَادِيُّ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ وَاجِمُ بْنُ حُرَيْثٍ الرُّشْدِيُّ، فَتَطَاعَنَا، فَقَتَلَ نافِعٌ وَاحِمًا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحجاج :يَا حَمْقَى! أَتَدْرُونَ مَنْ تُقاتِلُونَ مُبارَزَةً؟ فُرْسانَ الْمِصْرِ وَقَوْمًا مُستَمِيتِينَ؛ فَصَاحَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ، فَرَجَعُوا إِلَى مَوَاقِفِهِمْ»(2).

ذكره فُضَيْل وقال: «وقُتِلَ مِنْ مُرَادٍ، نافِعُ بنُ هِلَالٍ الْجَمَلِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحاب أمير المُؤْمِنِينَ(علیه السّلام)»(3).

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)بعنوان نافع بن هلال الجملي»(4).

وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الرجبية والناحية وفي الثانية وصفه بالبجلي المرادي(5).

ص: 98


1- تاريخ الطبري : 253/6.
2- مُثير الأحزان: 60.
3- تُراثنا: ع 2/ 154.
4- رجال الطوسي : 80.
5- راجع بحار الأنوار: 340/98، 71/45.

والصحيح في اسمه ونسبه: نافع بن هلال الجملي؛ وأما البجلي كما في بعض المصادر المذكورة ليس إلّا تصحيفًا، وربّما خلطوا بين اسمه واسم أبيه، وقالوا: هلال بن نافع البجلي، كما نقله العلّامة المجلسي(1)(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) عن مقتل محمد بن أبي طالب(2)، وقد يُصحّف نافع بحجاج، ويُقال: هلال بن حجاج، كما ذكره الصدوق في أماليه(3)وعلى ما سردنا عليك فالرجل واحد، والصحيح في اسمه ونسبه ما ذكرناه وغيره تصحيف أو غلط.

وكان نافع سيّدًا شريفًا سريًا شجاعًا، وكان قارئًا كاتبًا من حملة الحديث، ومن أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وحضر معه حروبه الثلاث في العراق، وخرج إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)فلقيه في الطريق.

ويعجبني هنا أن أذكر حادثة نقلها الطبري، وتظهر منها شجاعةً نافع ومقامه ومنزلته عند الحُسَيْن(علیه السّلام)، وجعلتها ختام مقتله.

قال الطبري في تاريخه: «وَلَمَا اشْتَدَّ عَلَى الْحُسَيْن وأَصْحَابِهِ الْعَطَشُ، دَعَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخَاهُ، فَبَعَثَهُ في ثَلاثِينَ فارِسًا وعِشْرِينَ رَاجِلًا، وَبَعَثَ مَعَهُمْ بِعِشْرِينَ قِرْبَةً، فَجَاوُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْمَاءِ لَيْلًا، وَاسْتَقْدَمَ أَمَامَهُمْ باللواءِ نَافِعُ بْنُ هِلالِ الْجَمَلِيُّ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاج الزُّبَيْدِيُّ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَجي! مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْنَا نَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الَّذِى حَلَّاتُمُونَا عَنْه. قَالَ: فَاشْرَبْ هَنيئًا! قال: لا والله لا أَشْرَبُ مِنْهُ قَطْرَةً وَحُسَيْنُ عَطْشَانُ وَمَنْ تَرَى مِنْ

ص: 99


1- بحار الأنوار: 198/10(27/45).
2- تسلية المُجالس وزينة المجالس : 2/ 296.
3- الأمالي: 137 المجلس الثلاثون.

أَصْحَابِهِ، فَطَلَعوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ سَبِيلَ إلى سَفّي هؤلاء ! إِنَّما وُضِعْنا بهذَا الْمَكَانِ لِنَمْنَعَهُمُ الْمَاءَ فَلَمَّا دَنَا مِنْه أَصْحَابُهُ، قَالَ لِرجَالِهِ: إِمَلَوُوا قِرَبَكُمْ، فَشَدَّ الرَّجَالَة فَمَلَؤُوا قِرَبَهُمْ. وَثَارَ إِلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ وَأَصْحَابُهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْعَبّاسُ بْنُ عَلي وَنافِعُ بْنُ هِلاَلِ فَكَفُوهُمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَقَالُوا امْضُوا، وَوَقَفُوا دُونَهُمْ؛ فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ وَأَصْحَابُهُ وَاطَّرَدوا قَلِيلًا، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ صُدَاءٍ طُعِنَ مِن أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ الْحَجّاجِ، طَعَنَهُ نافِعُ بْنُ هِلَالٍ، فَظَنَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ إِنَّهَا انْتَقَضَتْ بَعْدَ ذلِكَ، فَمَاتَ مِنْهَا، وَجَاءَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ بِالْقِرَبِ فَأَدْخَلُوهَا عَلَيْهِ»(1).

مقتل عبد الله وعبد الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عَزْرَةِ الغفاريَّيْن

ذكر ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) عبد الله في شهداء الحملة الأولى ووعدنا هناك أن نذكر لك ترجمته هنا مع ترجمة أخيه عبد الرَّحمن، فنقول: قال الطبري: «فَلَمّا رَأَى أَصْحَابُ الْحُسَيْن أَنَّهُمْ قَدْ كُثرُوا وأَنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلى أَن يَمْنَعُوا حُسَيْنًا ولا أَنْفُسَهُمْ، تَنافَسُوا فِي أَن يُقْتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ . فَجَاءَهُ عبد الله وعبد الرَّحْمَنِ ابْنا عَزْرَةَ الْغِفَارِيَّانِ ، فَقَالاً: يا أبا عبد الله! عَلَيْكَ السَّلاَمُ! حَازَنَا الْعَدُوُّ إِلَيْكَ، فَأَحْبَيْنَا أَن نُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ، نَمْنَعُكَ وَنَدْفَعُ عَنْكَ، قَالَ: مَرْحَبًا بكُمَا، أَدْنُوا مِنِّي ؛ فَدَنَوَا مِنْهُ، فَجَعَلاَ يُقَاتِلَانِ قَرِيبًا مِنْهُ وَأَحَدُهُما يَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ حَقًّا بَنُو غِفَارِ *** وَخِنْدِفٌ بَعْدَ بَنِي نِزَارِ

لَنَضْرِبَنَّ مَعْشَرَ الفُجَّارِ *** بِكُلِّ عَضْبٍ صَارِمِ بَتّارِ

يا قَوْمُ ذُودُّوا عَنْ بَنِي الْأَحْرَارِ *** بِالْمَشْرَفِيَّ وَالقَنَا الْخَطَّارِ»(2)

ص: 100


1- تاريخ الطَّبَري: 6 / 234.
2- تاريخ الطبري: 253/6.

ويقول ابن نَما: «فَقَائلا حَتَّى قُتِلاَ رَحْمَةُ الله عَلَيْهِمَا»(1).

قال مُحَمَّد بن أبي طالب الحسيني الحائري في مقتله: «ثُمَّ جَاءَهُ عبد الله وعبد الرَّحْمنِ الْغِفَارِيَّانِ، فَقالاً يا أبا عبد الله! السَّلامُ عَلَيكَ! إِنَّهُ جِئْنَا لِنُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَدْفَعُ عَنْكَ؛ فقالَ: مَرْحَبًا بكُمَا اُدْنُوا مِنّى؛ فَدَنَوَا مِنْهُ وَهُما يَبْكِيانِ، فَقَالَ: يَا ابْنَيْ أَخِي مَا يُبكِيكُمَا؟ فَوَالله إِنِّي لَأَرْجُو أَن تَكُونَا بَعْدَ سَاعَةٍ قَرِيرَي ! الْعَيْنِ؛ فَقَالا: جَعَلَنا الله فِداكَ ! والله مَا عَلَى أَنْفُسِنَا نَبْكِي، وَلكِن نَبكِي عَلَيْكَ، نَراكَ قَدْ أُحِيطَ بِكَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى أَن نَنْفَعَكَ، فَقَالَ(علیه السّلام): جَزَاكُمَا الله يا ابْنَيْ أَخِي! بِوَجْدِكُما مِنْ ذلِكَ وَمُواسَاتِكُمَا إِيَّايَ بِأَنْفُسِكُمَا أَحْسَنَ جَزاءِ الْمُتَّقِينَ، ثُمَّ اسْتَقْدَمَا وَقالاً : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ الله ؛ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمَا السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ! فَقَاتَلاَ حَتَّى قُتِلا»(2).

أقول: هذه المقالة ذكرها الطبري في مقتل الجابريين الآتيين، والظاهر صحة مقالته .

ذكر الشيخ الصدوق (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) عبد الله في أماليه(3)فقط من دون ذكر عبد الرحمن.

وذكر العلّامة المجلسي(قدس سره)عبد الرحمن في البحار(4)من دون تعرّض لعبد الله هنا .

وذكرهما الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسيّ) في أصحاب

ص: 101


1- مثير الأحزان: 58.
2- تسلية المُجالس وزينة المجالس : 2/ 299 ، وعنه في بحار الأنوار: 199/10(29/45).
3- أمالي الصدوق: 136 المجلس الثلاثون.
4- بحار الأنوار: 198/10(28/45).

الحُسَيْن(علیه السّلام)(1)

ووقع التسليم عليهما في زيارتي الناحية والرجبية(2).

كان عبد الله وعبد الرَّحمنِ الغفاريان من أشراف الكوفة ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم، وكان جدهما حُراق من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)،وممّن حارب معه في حروبه الثلاث.

والظاهر أنّ الصحيح في اسم والدهما عَزّرة، كما مرّ كذلك عن رجال الشيخ الطوسي وتاريخ الطبري وخلافًا للعلّامة المامقاني(3)والشَيْخ مُحَمَّد السماوي(4)والشَيخ ذَبيح الله المَحَلاتي(5)(قَدَّسَ الله أَسْرارَهُم).

مقتل سيف بن الحارث بن سُريع ومالك بن عبد بن سُرَيع الجابِرِيَّيْن

قال ابن جَرِيرِ الطَّبَرِي: «وَجَاءَ الْفَتَيَانِ الْجَابِرِيَّانِ :سَيْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْعِ وَمَالِكُ بْنُ عبد بن سُرَيْع، وَهُمَا ابْنَا عَمُ وأَخَوَانِ لأم، فَأَتَيا حُسَيْنًا فَدَنَوَا مِنْهُ وَهُمَا بْنِ يَبْكِيانِ، فَقَالَ: أَي ابْنَيْ أَخِي! مَا يُبْكِيكُما؟ فَوَالله إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَا عَنْ سَاعَةٍ ! قَرِيرَيْ عَيْنٍ، قَالا: جَعَلَنَا الله فِداكَ لا والله ما عَلَى أَنْفُسِنَا نَبْكِي وَلَكِنَّا نَبْكِي عَلَيْكَ، نَراكَ قَدْ أُحِيطَ َبكَ وَلاَ نَقْدِرُ عَلَى أَن نَمْنَعَكَ؛ فَقَالَ: جَزَاكُمَا الله يَا ابْنَيْ أخي! بِوَجْدِكُمَا مِنْ ذلِكَ وَمُواسَاتِكُمَا إيَّايَ بأَنْفُسِكُمَا أَحْسَنَ جَزَاءِ الْمُتَّقِينَ !»(6)

ص: 102


1- رِجال الطوسي : 77.
2- راجع بحار الأنوار: 71/45، 98 / 340.
3- تنقيح المقال : 2/ 198.
4- إبصار العين: 104.
5- فرسان الهيجاء : 1 / 233 و 243.
6- تاريخ الطَّبَري: 253/6.

وقال بعد أسطر: «اسْتَقْدَمَ الْفَتَيَانِ الْجَابِرِيَّانِ، يَلْتَفَتَانِ إِلَى حُسَيْنٍ، وَيَقُولَانِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ الله ؛ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمَا السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله! ؛ فَقَاتَلاَ حَتَّى قُتِلا»(1).

أقول : الظاهر اتحادهما مع سيف ومالك الجابريين، كما لا يخفى، وعلى هذا لا وجه لذكرهما مجدّدًا.

وقال ابن نَمَا : «تَقَدَّمَ سَيْفُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْعِ وَمَالِكُ بْنُ عبد الله بْنِ سُرَيْعِ الْجَابِرِيَّانِ بَطْنُ مِنْ هَمْدَانَ، يُقالُ لَهُم بَنُو جابِرٍ، أَمامَ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ الْتَقَيَا(2)فَقَالَا: عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَابْنَ رَسُولِ الله ؛ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمَا السَّلامُ ! ؛ ثُمَّ قائلاً حَتَّى قُتِلا»(3).

ونقل العلّامة المجلسي(قدس سره)في بحاره(4)مقالة ابنِ نَما الحلّي (قَدَّسَ الله روحه).

أقول: ذكرهما الفُضَيْل في التسمية(5)ووقع التسليم على سيف في الزيارة الرجبية وفي الزيارة الناحية ذُكر مصحفًا، بعنوان «شبيب بن الحارث»(6)ووقع التسليم على مالك في الزيارة الناحية، وذُكر في الزيارة الرجبية بعنوان«مالك بن عبد الله الجابري»(7)

ص: 103


1- تاريخ الطَّبَري: 254/6.
2- «التفتا» ظ.
3- مُثير الْأَحْزان: 66.
4- بحار الأنوار: 199/10(31/45).
5- تراثنا : ع 156/2.
6- راجع بحار الأنوار: 73/45، 340/98.
7- راجع بحار الأنوار: 73/45، 340/98.

وطبّق العلّامة المامقاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) مالك بن سريع المذكور في رجال الشيخ(1)الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) من أصحاب الحُسَيْن على ما ذكرناه في العنوان، وهذا التطابق وإن كان في نفسه لا يبعد ولكن ليس لنا دليل لإثباته، كما أنّ الدليل مفقود في كلامه، فراجع مقاله في المقام(2).

مقتل حَنْظَلَة بن أَسعَدِ الشبامي

«وَجَاءَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَسْعَدَ الشَّبامِي، فَقامَ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْن، فَأَخَذَ يُنَادِي: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾(3)يا قَوْم! لَا تَقْتُلُوا حُسَيْنًا ﴿فَيُسْحِتِكُمْ﴾(4)الله ﴿بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾(5).

فقالَ لَهُ حُسَيْنُ: يَابْنَ أَسْعَدَ، رَحِمَكَ الله ! إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا الْعَذَابَ حِينَ رَدُّوا عَلَيْكَ مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَنَهَضُوا إِلَيْكَ لِيَسْتَبِيحُوكَ وَأَصْحَابَكَ، فَكَيْفَ بِهِمُ الْآنَ وَقَدْ قَتَلُوا إِخْوَانَكَ الصَّالِحِين ؟!

قَالَ: صَدَقْتَ، جُعِلْتُ فِداكَ! أَنْتَ أَفْقَهُ مِنّي وَأَحَقُّ بِذلِكَ؛ أَفَلَا نَرُوحُ إِلَى

ص: 104


1- رجال الطوسي: 80.
2- تنقيح المقال : 49/3.
3- سورة غافر: 30 - 33.
4- سورة طه: 61.
5- سورة طه : 61.

الآخِرَةِ وَتَلْحَقُ بِإخْوَانِنَا؟

فَقَالَ: رُحْ إِلَى خَيْرٍ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَإِلَى مُلْكِ لَا يَبْلَى.

فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أبا عبد الله!؛ صَلَّى الله عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ وَعَرَّفَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ فِي جَنَّتِهِ.

فَقَالَ: آمين آمين.

فَاسْتَقْدَمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»(1).

وفي مُثيرِ الْأَحْزان: «وَجاءَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَسْعَدَ الشِّبَامِيُّ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، يَقِيهِ الرِّمَاحَ وَالسَّهَامَ وَالسُّيُوفَ بِوَجْهِهِ وَنَحْرِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَقَالَ : أَفَلا نَروحُ إِلَى رَبِّنَا وَنَلْحَقُ ؟ فَقَالَ: رُحْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدِّنْيَا وَمَا فِيهَا .

فَقَاتَلَ قِتَالَ الشُّبْعَانِ وَصَبَرَ عَلَى مَضَضِ الطَّعَانِ، حَتَّى قُتِلَ وَأَلْحَقَهُ الله بِدَارِ الرّضْوَانِ»(2).

أقول: ذكره الشيخ المفيد(3)بعنوان«حنظلة بن سعد الشبامي» والسيد ابن طاوس(4)بعنوان«حنظلة بن أسعد الشامي»والعلامة المجلسي(5)بعنوان «حنظلة بن سعد الشامي».

ص: 105


1- تاريخ الطبري: 254/6.
2- مثير الأحزان: 65.
3- الإرشاد: 219.
4- اللهوف : 47.
5- بحار الأنوار: 197/10(23/45).

ولكن الصحيح في اسم أبيه ونسبته حنظلة بن أسعد الشبامي كما مرّ كذلك من الطبري، وهكذا عنونه الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(1)والفُضَيْل في التسمية(2)وقد وقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(3).

وهو حَنْظَلَة بن أسعد بن شبام بن عبد الله بنبن أَسعَد بن حاشد بن هَمْدانِ الهَمْداني الشبامي، وبنو شبام بطن من همدان، وكان حَنْظَلَة وجهًا من وجوه الشيعة، شجاعًا قارئًا. وكان له ولد يُدعى عليَّا، له ذكر في التاريخ.

مقتل شَوْذَب مولی شاکر

«جاءَ عابِسُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ الشَّاكِرِيُّ وَمَعَهُ شَوْذَبٌ مَوْلَى شَاكِرٍ، فَقالَ: يا شَوْذَب! مَا فِي نَفْسِكَ أَن تَصْنَعَ؟ قَالَ: مَا أَصْنَعُ؟! أُقاتِلُ مَعَكَ دُونَ ابْنِ بِنْتِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّم حَتَّى أَقْتَلَ. قَالَ: ذلِكَ الظَّنُّ بك [أمّا لا](4)فَتَقَدَّمْ بَيْنَ يَدَيْ أَبي عبد الله، حَتَّى يَحْتَسِبَكَ كَمَا احْتَسَبَ غَيْرَكَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَتَّى أَحْتَسِبَكَ أَنَا ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعِيَ السَّاعَةَ أَحَدٌ أَنَا أَوْلى بِهِ مِنّي بك لَسَرَّنِي أَن يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى أَحْتَسِبَهُ، فَإِنَّ هذا يَوْمٌ يَنبَغِي لَنا أَن نَطْلُبَ الْأَجْرَ فِيهِ بِكُلِّ مَا قَدَرْنا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا عَمَلَ بَعْدَ الْيَوْمِ وَإِنَّما هُوَ الْحِسَابُ.

ص: 106


1- رجال الطوسي : 73.
2- تُراثنا: ع 156/2.
3- راجع بحار الأنوار: 73/45، 98 / 340.
4- الظاهر زيادة الكلمتين كما لم يذكرهما العلّامة المجلسي(قدس سره) في بحاره 29/45(198/10).

قَالَ: فَتَقَدَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَى الْحُسَيْنِ، ثُمَّ مَضَى فَقاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»(1).

وقال الشَيْخ المُفيد (رَوَّحَ الله روحه العزيز) في الإرشاد: «تَقَدَّمَ بَعْدَهُ أي بعد حَنْظَلَة بن أسعد الشَّبامِي شَوْذَبٌ مَوْلَى شَاكِرٍ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عبد الله! وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ! أَستَودِعُكَ الله ! ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ الله عَلَيْه»(2).

قال الشيخ مُحَمَّد السماوي في ترجمة الرجل: «كان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها ومن الفرسان المعدودين، وكان حافظا للحديث، حاملًا له عن أمير المؤمنين(علیه السّلام).

قال صاحب الحَدائِق الوَرديَّة : «وكان شَوذَب يجلس للشيعة، فيأتونه للحديث، وكان وجها فيهم».

وقال أبو مخنف: صحب شَوذَب عابسًا مولاه من الكوفة إلى مكة بعد قدوم مسلم الكوفة بكتاب لمسلم، ووفادة(3)على الحُسَيْن(علیه السّلام)عن أهل الكوفة، وبقي معه حتى جاء إلى كربلاء، ولما التحم القتال حارب أوّلًا، ثم دعاه عابس فاستخبره عمّا في نفسه فأجاب بحقيقتها كما تقدّم، فتقدّم إلى القتال وقاتل قتال الأبطال، ثمَّ قُتِل رضوان الله عليه»(4).

ص: 107


1- تاريخ الطَّبَري: 254/6.
2- الإرشاد: 220.
3- «وفادته» ظ.
4- إِبصار العَيْن : 76.

أقول : المراد بالمولى هنا نزيل القوم أو حليفهم لا بمعنى الغلام والعبد، يحدّثنا المُحَدِّثُ القمي عن ذلك : «شاكر قبيلة في اليمن من همدان، ينتهي نسبهم إلى شاكر بن ربيعة بن مالك، وعابس كان من هذه القبيلة، وشَوذَب كان مولاهم أي: نزيلهم أو حليفهم، لا أنه كان غلامًا لعابس أو معتقه أو عبده، كما رسخ في الأذهان، بل قال شيخنا الأجل المحدّث النوري صاحب المستدرك عَلَيْهِ الرَّحمة : ولعلّ كان مقامه أعلى من مقام عابس لما قالوا في حقه: «وَكانَ (أي شوذب) مُتَقَدِّمَا فِي الشَّيعَةِ»(1).

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحسين(2).

وقال الفُضَيْل في التسمية: «وَقُتِلَ مِنْ هَمْدَانَ... وَشَوْذَبٌ مَوْلَى شَاكِرٍ، وَكَانَ مُتَقَدِّمًا فِى الشَّيعَةِ»(3).

ووقع التسليم عليه في الزيارة الناحية(4)، وذُكر في الزيارة الرجبية سويد مولى شاكر(5)وهو تصحيف بين. وشَوْذَب بفتح الأوّل وسكون الثاني وفتح الثالث بمعنى الطويل، حَسَنُ الخلق(6).

ص: 108


1- نَفَس المهموم : 281.
2- رجال الطوسي: 75.
3- تُراثنا : ع 156/2.
4- راجع بحار الأنوار: 73/45.
5- راجع بحار الأنوار: 341/98.
6- راجع لسان العَرَب: 487/1 ط. نشر أدب الحوزة.

مقتل عابس بن أَبي شَبيب

قال الطبري بعد مقتل شَوْذَب: «ثُمَّ قَالَ عَابِسُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ: يا أبا عبد الله ! أما والله ما أمسى عَلى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَرِيبٌ ولا بَعِيدٌ أَعَزَّ عَلَيَّ، وَلاَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أَدْفَعَ عَنْكَ الضَّيْمَ وَالْقَتْلَ بِشَيْءٍ أَعَزَّ عَلَيَّ مِن نَفْسى وَدَمِي لَفَعَلْتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عبد الله! أُشْهِدُ الله أَنِّي عَلى هَدْيِكَ وَهَدْيِ أبيك! ثُمَّ مَشَى بالسَّيْفِ مُصْلِنَّا نَحْوَهُم وبِهِ ضَرْبَةٌ عَلى جَبِينِهِ.

قال أبو مِخْتَفِ : حَدَّثَنِي نُمَيْرُ بْنُ وَعْلَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَني عبد مِنْ هَمْدَانَ يُقالُ لَهُ: رَبيع بنُ تَمِيمٍ شَهِدَ ذلِكَ الْيَوْمَ ، قَالَ : لَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبلًا عَرَفْتُهُ وَقَدْ شَاهَدْتُهُ فِي الْمَغَازِي، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا النَّاسُ! هذَا الْأَسَدُ الأَسْوَدُ، هذَا ابْنُ أَبِي شَبِيبٍ؛ لَا يَخْرُ جَنَّ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْكُمْ ! فَأَخَذَ يُنَادِي : أَلاَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ؟! فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ : اِرْضَخُوهُ بِالْحِجَارَةِ!

قالَ [الرَّاوي]: فَرُمِيَ بِالْحِجَارَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ، فَلَمّا رَأَى ذلِكَ أَلقَى دِرْعَهُ وَمِغْفَرَهُ، ثُمَّ شَدَّ عَلَى النَّاسِ، فَوَالله لَرَأَيْتُهُ يَكْرُدُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَعَطَّفُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقُتِلَ.

قالَ [الرَّاوي]: فَرَأَيْتُ رَأْسَهُ فِي أَيْدِي رِجَالٍ ذَوِي عُدَّةٍ، هذَا يَقُولُ: أَنَا قَتَلْتُهُ؛ وهذَا يَقُولُ : أَنَا قَتَلْتُهُ، فَأَتَوا عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ، فَقَالَ : لا تَخْتَصِمُوا؛ هذا لَمْ يَقْتُلْهُ سِنَانٌ واحِدٌ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ!»(1).

أقول: الرجل من الذين استقبل مسلم بن عقيل في دار المختار بن أبي عُبَيْدة بالكوفة، ولما اجتمعت جماعة من الشيعة فيها قرأ مسلم عليهم كتاب

ص: 109


1- تاريخ الطبري: 254/6.

الإمام(علیه السّلام)، فأخذوا يبكون ، وحينئذ قام عابس بن أبي شبيب الشاكري، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال له: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ عَنِ النَّاسِ وَلَا أَعْلَم مَا فِي أَنْفُسِهِم، وَمَا أَغْرُكَ مِنْهُمْ، والله لَأُحَدِّثَنَّكَ عَمَّا أَنَا مُوَطَّنٌ نَفْسِي عَلَيْهِ. والله لَأُجِيبَنَّكُمْ إِذَا دَعَوْتُمْ، وَلَأُقاتِلَنَّ مَعَكُمْ عَدُوَّكُمْ، وَلَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي دُونَكُمْ حَتَّى ألْقَى الله، لَا أُرِيدُ بِذلِكَ إِلَّا مَا عِنْدَ الله»(1).

أقول ويظهر من كلامه هذا رُتبته في الولاية، وعرفانه بها، وحيث تحوّل مسلم بن عقيل إلى دار هانئ بن عُروة وبايعه ثمانية عشر ألفا، قدّم كتابًا إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)مع عابس بن أبي شبيب الشاكري، متنه هكذا:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الرّائِدَ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَقَدْ بَايَعَنِي مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَعَجِّلِ الْإِقْبالَ حِينَ يَأْتِيكَ كِتابِي، فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَعَكَ، لَيْسَ لَهُمْ فِي آلِ مُعاوِيَةَ رَأْيِّ وَلا هَوى وَالسَّلاَمُ»(2).

قال الشَيْخ مُحَمَّد السَماوي في ترجمة الرجل: «عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشِدِ الهَمْداني الشاكري وبنو شاكر بطن من همدان. كان عابس من رجال الشيعة رئيسًا شجاعًا خطيبًا ناسكًا متهجدا. وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وفيهم يقول(علیه السّلام)يوم صفّين: «لو تَمَّت عِدَّتُهُم أَلفًا، لَعُبد الله حَقَّ عِبادَتِه». وكانوا من شجعان العرب وحماتهم وكانوا يلقبون فتيان الصَّباح، في بني وادِعة من ،همدان فقيل لها فِتْيان الصباح. وقيل لعابس:

ص: 110


1- وقعة الطّف: 100.
2- وقعة الطَّفّ: 112.

الشاكري والوادعي»(1).

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(2)والفُضَيْل في التسمية بعنوان «عابس بن أبي شبيب الشاكري»(3).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية بعنوان «عابس بن شبيب»(4).

والظاهر أنّ الصحيح في اسم أبيه أبي شبيب فالرجل عابس بن أبي الشاكري وفاقًا لجُلّ المصادر الأوّلية، نحو تاريخ الطبري، ورجال الشيخ، والتسمية للفُضَيْل وغيرها، وخلافًا للمفيد في الإرشاد(5)، والعلامة المجلسي في البحار(6)، والمرحوم المحلاتي في فرسان الهيجاء(7)، وآية الله الخوئي في مُعْجَم رجال الحديث(8).

ووافقنا على ذلك جمع من الأعلام، نحو: ابن نَما الحلّي في مُثِيرِ الْأحزان(9)وجمع من محققي المتأخرين نحو فرهاد ميرزا في القمقام(10)والمُحَدِّث

ص: 111


1- إبصار العين: 74.
2- رجال الطوسي: 78.
3- تُراثنا : ع 156/2.
4- راجع بحار الأنوار: 73/45، 340/98.
5- الإرشاد: 220.
6- بحار الأنوار: 198/10(28/45).
7- فرسان الهيجاء : 1 / 180.
8- مُعجَم رِجالِ الحَديث : 9/ 177 رقم 6042.
9- مثير الأحزان: 66.
10- القَمْقام: 1/ 416.

القمي في نَفَس المهموم(1)فَتَأمَّل في المقام.

مقتل بُرَيْر بن خُضَيْر

كان الواجب علينا أن نذكر مقتله من قبل، لكن لما لم يكن الترتيب بين الشهداء المبارزين بواضح ، نعتذر عن عدم الترتيب في الرسالة.

«قَالَ أَبو مِخْنَفِ : وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَفِيفِ بْنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي الْأَخْنَسِ - وَكَانَ قَدْ شَهِدَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ قَالَ: وَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ مَعْقِلٍ مِن بَنِي عَمِيرَةَ بنِ رَبِيعَةَ - وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي سَلِيمَةَ مِنْ عبد الْقَيْسِ فَقَالَ: يَا بُرَيْرَ بْنَ خُضَيْرٍ ! كَيْفَ تَرَى الله صَنَعَ بِكَ؟ َقالَ: صَنَعَ الله والله بي خَيْرًا، وَصَنَعَ الله بِكَ شَرًّا ! قَالَ: كَذَبْتَ، وَقَبْلَ الْيَوْم مَا كُنْتَ كَذَّابًا هَلْ تَذْكُرُ وَأَنَا أُمَاشِيكَ فِي بَنِي لَوْذَانَ وَأَنْتَ تَقُولُ: «إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ مُسْرِفًا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ضَالٌ مُضِلٌ ، وَإِنَّ إِمَامَ الْهُدَى وَالْحَقِّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟! فَقَالَ لَهُ بُرَيْر : أَشْهَدُ أَنَّ هذا رَأْيِي وقَوْلي. فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ مَعْقِل : فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنَ الضَّالِّينَ. فَقَالَ لَهُ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ : هَل لَكَ فَلا بَاهِلكَ وَلْنَدْعُ الله أَن يَلْعَنَ الْكَاذِبَ وَأَن يُقْتَلَ الْمُبْطِلُ، ثُمَّ اخْرُجْ فَلأُبارِزكَ.

قالَ [الرَّاوي]: فَخَرَجًا فَرَفَعَا أَيْدِيَهُمَا إِلَى الله يَدْعُوَانِهِ أَن يَلْعَنَ الْكَاذِبَ وَأَن يَقْتُلَ الْمُحِقُّ الْمُبْطِلَ ثُمَّ بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَ يَزِيدُ بْنُ مَعْقِل بُرَيْرَ بْنَ حُضَيْرٍ ضَرْبَةً خَفِيفَةٌ لَمْ تَضُرَّهُ شَيْئًا، وَضَرَبَهُ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ ضَرْبَةٌ قَدَّتِ الْمِغْفَرَ وَبَلَغَتِ الدِّمَاغَ فَخَرَّ كَأَنَّمَا هَوَى مِنْ حَالِقٍ، وَإِنَّ سَيْفَ ابن حُضَيْرِ لَثَابِتٌ فِي رَأْسِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يُنَضْنِضُهُ مِنْ رَأْسِهِ.

ص: 112


1- نَفَس المهموم: 281.

وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَضِيُّ بْنُ مُنْقِذ العبدي، فَاعْتَنَقَ بُرَيْرًا، فَاعْتَرَكَا سَاعَةً، ثُمَّ إِنَّ بُرَيْرًا فَعَدَ عَلى صَدْرِهِ، فَقَالَ رَضِيٌّ : أَيْنَ أَهْلُ الْمِصَاعِ وَالدِّفَاعِ ؟!

قَالَ: فَذَهَبَ كَعْبُ بن جابِرِ بْنِ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هذا بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرِ الْقَارِيُّ الَّذِي كَانَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالرُّمْحِ حَتَّى وَضَعَهُ فِي ظَهْرِهِ، فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الرُّمْح بَرَكَ عَلَيْهِ، فَعَضَّ بِوَجْهِهِ وَقَطَعَ طَرْفَ أَنْفِهِ، فَطَعَنَهُ كَعْبُ بْنُ جَابِرٍ حَتَّى أَلْقَاهُ عَنْه، وَقَدْ غَيْبَ السِّنَانُ فِي ظَهْرِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ يَضْرِبُهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهُ.

قالَ عَفِيفٌ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْعبديِّ الصَّرِيع قَامَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَن قَبَائِهِ وَيَقُولُ : أَنْعَمْتَ عَلَيَّ يَا أَخَا الْأَزْدِ! نِعْمَةً لَنْ أَنْسَاهَا أَبَدًا!

قَالَ: فَقُلْتُ: أَنْتَ رَأَيْتَ هذا؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَى عَيْنِي وَسَمِعَ أُدْنِي.

فَلَمّا رَجَعَ كَعْبُ بْنُ جَابِرٍ ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ، أَو أُخْتُهُ النَّوارُ بِنْتُ جَابِرٍ : أَعَنْتَ عَلَى ابْن فَاطِمَةَ وَقَتَلْتَ سَيْدَ القُرَّاءِ لَقَدْ أَتَيْتَ عَظِيمًا مِنَ الْأَمْر! والله لا أُكَلِّمُكَ مِن رَأْسِي كَلِمَةً أَبَدًا!

وقالَ كَعْبُ بْنُ جابر:

(البحر الطويل)

سَلي تُخْبَري عَنّي وَأَنْتِ ذَمِيمَةٌ *** غَدَاةَ حُسَيْنِ والرِّمَاحُ شَوَارِعُ

أَلَمْ آتِ أَقصى ما كَرِهْتِ وَلَمْ يُخِلْ *** عَلَيَّ غَداةَ الرُّوعَ مَا أَنَا صَانِعُ

مَعِي يَزَنِيٌّ لَمْ تَخُنْهُ كُعُوبُهُ *** وَأَبْيَضُ مَخْشُوبُ الْغِرَارَيْنِ قَاطِعُ

فَجَرَّدتُهُ في عُصْبَةٍ لَيْسَ دِينُهُمْ *** بِدِينِي وَإِنَّي بِابْنِ حَرْبٍ لَقَانِعُ

ص: 113

وَلَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ *** وَلَا قَبْلَهُمْ فِي النَّاسِ إِذْ أَنَا يَافِعُ

أَشَدَّ قِرَاعًا بِالسُّيُوفِ لَدَى الْوَغَا *** أَلا كُلُّ مَنْ يَحْمِي الذَّمَارَ مُقَارِعُ

وَقَدْ صَبَرُوا لِلطَّعْنِ وَالضَّرْبِ حُسَّرًا *** وقَدْ نَازَلُوا لَوْ أَنَّ ذلِكَ نَافِعُ

فَأَبْلِغْ عبيد الله إِمَّا لَقِيتَهُ *** بِأَنِّي مُطِيعٌ لِلْخَلِيفَةِ سَامِعُ

قَتَلْتُ بُرَيْرًا ثُمَّ حَمَّلْتُ نِعْمَةً *** أَبَا مُنْقِدٍ لَمَّا دَعَا مَنْ يُمَاصِعُ؟!

قَالَ أَبو مِخْنَفٌ : حَدَّثَنِي عبد الرحمن بنُ جُنْدَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ في إِمَارَةِ مُصْعَب بن الزُّبَيْر وَهُوَ يَقُولُ: يا رَبِّ إِنَّا قَدْ وَفَيْنَا، فَلاَ تَجْعَلْنَا يَا رَبِّ كَمَنْ قَدْ بْنِ غَدَرَ ! فَقَالَ أَبي : صَدَقَ وَلَقَدْ وَفَى وَكَرُمَ كَسَبْتَ لِنَفْسِكَ سُوءًا ! قَالَ: كَلَّا ! إِنِّي لَمْ أَكْسِبْ لِنَفْسِي شَرًّا، وَلكِنِّي كَسَبْتُ لَهَا خَيْرًا!

قَالَ: وَزَعَمُوا أَنَّ رَضِيَ بْنَ مُنْقِدِ العبدي رَدَّ بَعْدُ عَلَى كَعْبِ بْنِ جَابِرٍ جَوَابَ قَوْلِهِ، فَقَالَ:

لَوْ(1)شاءَ رَبِّي مَا شَهِدْتُ قِتَالَهُمْ *** وَلا جَعَل النَّعْمَاءَ عِنْدِي ابْنُ جَابِرِ

لَقَدْ كَانَ ذَاكَ الْيَوْمُ عارًا وَسُبَّةٌ *** يُعَيَّرُهُ الْأَبْنَاءُ بَعْدَ الْمَعَاشِرِ

فَيَا لَيْتَ أَنِّي كُنْتُ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ *** وَيَوْمٍ حُسَيْنِ كُنْتُ في رَمْسٍ قابرِ»(2)

وفي أمالي الصدوق : «بَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ (أي من بعد) عبد الله بن أبي عُروَة الغفاري، بُرَيْرُ (بدير) بْنُ خُضَيْرِ الْهَمْدَانِيُّ ، وَكَان أَقْرَأَ أَهْل زَمانِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا بُرَيْرٌ وَأَبي خُضَيْرُ *** لا خَيْرَ فيمَن لَيْسَ فِيهِ خَيْرُ

ص: 114


1- في الفتوح ابن أعثم: 103/5، وفي بعض المصادر المتأخرة: «فلو»، وبها يصح وزن البيت.
2- تاريخ الطَّبَري: 247/6.

فَقَتَلَ مِنْهُم ثَلاثِينَ رَجُلًا ، ثُمَّ قُتِلَ»(1).

وفي المَناقِب : بَرَزَ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرِ الْهَمْدَانِيُّ وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا بُرَيْرٌ وَأَبِي خُضَيْرِ *** لَيْثُ يَرُوعُ الْأَسْدَ عِنْدَ الزَّيْرِ

يَعْرِفُ فِينَا الْخَيْرَ أَهْلُ الْخَيْرِ *** أَضْرِبُكُمْ وَلا أَرَى مِن ضَيْرِ

کذاك فعلُ الْخَيْرِ في بُرَيْرِ

قتَلَهُ بَحير بنُ أَوْس الضَّبِّيُّ»(2).

وفي البحار : «...جَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُوَ يَقُولُ: اقْتَرِبُوا مِنِّي يَا قَتَلَةَ الْمُؤْمِنين ! ، اقْتَرِبُوا مِنّي يَا قَتَلَةَ أَوْلادِ الْبَدْرِين!، اقْتَرِبُوا مِنّى يا قَتَلَةَ أَوْلادِ رَسُولِ رَبِّ العالَمِين وَذُرِّيَّتِهِ الْباقِين و ... »(3).

أقول: استدرك شيخنا العلّامة محمد تقي التستري(مُدَّ ظِلَّه) على مقتل بُرَيْر في البحار، فراجع كلامه إن شئت(4). وقد ذكرنا فيما مضى موعظتا برير لأصحاب عُمَر ابن سعد ويظهر مقامه في البيان والخطابة من أمر الإمام(علیه السّلام)إيَّاه كَلَّمِ القَوْمَ وذكرنا أيضًا مداعبته مع حبيب بن مظاهر الأسدي في مقتل حبيب، ويظهر منها إيمان الرجل ومعنويته وعرفانه، وأنه من مشايخ أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام).

قال العلّامة المامقاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في شأنه: «...ذكر علماء السير أنّ الرجل كان شجاعًا تابعيًا ناسكًا قَرّاءً للقرآن من شيوخ القراء، ومن أصحاب

ص: 115


1- أمالي الصدوق: 136 المجلس الثلاثون.
2- المناقب: 2 / 217.
3- بحار الأنوار: 195/10(15/45).
4- الأخبار الدخيلة: 2/ 198.

أمير المؤمنين ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين، وله كتاب القضايا والأحكام يرويه عن أميرالمؤمنين وعن الحسن(علیهم السّلام)، وكتابه من الأصول المعتبرة عند الأصحاب، ولما بلغه خبر الحُسَيْن(علیه السّلام)، خرج من الكوفة متوجّهًا إلى مكة في طلبه ولحق به ولازمه حتى استشهد بين يديه رضوان الله عليه...»(1).

واعترض عليه شَيْخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلُّه) بقوله: «لم أدر مِن أي سيرة نقل كونه ذا كتاب؟ ولو كان، لم لم يعنونه الفهرست والنجاشي»(2).

أقول: في اسم الرجل واسم أبيه خلاف، تارة يقال له: برير. أُخرى: بريد. وثالثة: يزيد. وتارة يقال لأبيه خضير. وأُخرى: حضير.وثالثة حصين.ولكن يظهر من رجزه في الحرب أنّ اسمه ،بُرير، واسم أبيه خُضَيْر .

ووقع التسليم عليه في الزيارة الرَجَبيّة بعنوان برير بن الحصين(3).

والعجب من بعض الأعلام حيث ذكر الرجل في مُعْجَمه بهذا العنوان فقط(4).

مقتل عَمْرو بن قَرَطَة الأَنصاري

في تاريخ الطبري : «وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ قَرَظَةَ الْأَنْصَارِيُّ يُقاتِلُ دُونَ حُسَيْنِ وهو يقول :

ص: 116


1- تنقيح المقال : 1/ 167
2- قاموس الرّجال : 2/ 294 رقم 1077 الطبعة الحديثة.
3- راجع بحار الأنوار: 340/98، «السلام على بریر بن خضير».
4- مُعْجَم رِجالِ الْحَديث : 3/ 294 رقم 1682.

قَدْ عَلِمَتْ كَتِيبَةُ الْأَنْصَارِ *** أَنِّي سَأَحْمي حَوْزَةَ الذَّمار

ضَرْبَ غُلامٍ غَيْرَ نِكْسٍ شَارِي *** دُونَ حُسَيْنٍ مُهْجَتِي وَدَارِي

قَالَ أَبو مِخْنَفٍ عَن ثَابِتِ بْن هُبَيَّرَةَ: فَقُتِلَ عَمْرُو بْنُ قَرَظَةَ بْن كَعْبٍ، وَكَانَ مَعَ الْحُسَيْنِ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَخُوهُ مَعَ عُمَرِ بْنِ سَعْدٍ، فَنَادَى عَلِيُّ بْنُ قَرَظَةَ: يَا حُسَيْنٍ ! يا كَذَّاب ابْنَ الْكَذَّاب أَضْلَلْتَ أَخِي وَغَرَرتَهُ حَتَّى قَتَلْتَهُ قَالَ: إِنَّ الله لَمْ يُضِلَّ أَخَاكَ، ولكِنَّهُ هَدَى أَخَاكَ وَأَضَلَّك ! قَالَ : قَتَلَنِيَ الله إِنْ لَمْ أَقْتُلْكَ أَوْ أَمُوتَ دُونَكَ ! فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَاعْتَرَضَهُ نَافِعُ بْنُ هِلَالٍ الْمُرَادِيُّ، فَطَعَنَهُ، فَصَرَعَهُ، فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ فَاسْتَنْقَذُوهُ، فَدُووِيَ بَعْدُ فَبَرأَ»(1).

أقول: ذكره ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في الشهداء المبارزين(2)وابن نَما (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) بعنوان «عمر بن أبي قَرَطة الأنصاري» ويقول بعد ذكر رجزه المذكور: «قَوْلُهُ: وَدَارِي، أَشَارَ إِلى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ لَمَّا الْتَمَسَ مِنْهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)الْمُهَادَنَةَ، قالَ: تُهْدَمُ دَارِي. فَقاتَلَ قِتَالَ الرَّجُلِ الْباسِلِ، وَصَبَرَ عَلَى الْخَطْب الْهَائِل، وَكَانَ يَلْتَقِي السَّهَامَ بِمُهْجَتِهِ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْحُسَيْن(علیه السّلام)سوءٌ حَتَّى أُنْخِنَ بِالْجِرَاحَ، فَقَالَ لَهُ : أَوَفَيْتُ؟ قَالَ الْحُسَيْنُ: نَعَمْ، أَنْتَ أَمَامِي فِي الْجَنَّةِ، فَاقْرَأْ رَسُولَ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)عَنِّي السَّلاَمَ(3)وأَعْلِمْهُ أَنِّي فِي الأُثَرِ . فَقُتِلَ»(4).

ص: 117


1- تاريخ الطبري: 248/6.
2- المناقب: 2/ 220.
3- الزيادة من كتاب موسوعة كَلِماتِ الإمامِ الحُسَيْن(علیه السّلام) : 533 ، معهد باقرالعلوم(علیه السّلام)،ط1.
4- مثير الأحزان: 61.

وقال ابن طاوس (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «...خَرَجَ عَمْرُو بْنُ قَرَظَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَاسْتَأْذَنَ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَاتَلَ قِتَالَ الْمُشْتَاقِينَ إِلَى الْجَزَاءِ، وَبَالَغَ فِي خِدْمَةِ سُلْطَانِ السَّمَاءِ، حَتَّى قَتَلَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ حِزْبٍ ابْنِ زِيَادٍ، وَجَمَعَ بَيْنَ سَدَادٍ وجِهَادٍ، وَكَانَ لَا يَأْتى إلَى الْحُسَيْن(علیه السّلام)سَهُمْ إِلَّا اتَّفَاهُ بِيَدِهِ، وَلَا سَيْفٌ إِلَّا تَلَقَّاهُ بِمُهْجَتِه، فَلَمْ يَكُن يَصِلُ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)سُوءٌ، حَتَّى أُنْخِنَ بِالْجِراحِ، فَالْتَفَتَ إِلَى الحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَ قالَ ... »(1).

أقول : ذكره الفُضَيْل فى التسمية، وقال: «قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ : عَمْرُو بْنُ قرظَةَ»(2).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(3)وذكروا والده قرظة في الاستيعاب(4)، وأُسد الغابة(5)، والإصابة(6)، والطبقات(7)لابن سعد، وكان من أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)حضر غزوة أحد وما بعدها من الغزوات، ثمّ سكن الكوفة وكان من أصحاب أمير المؤمنين، وحارب معه في حروبه الثلاث، وكانت راية الأنصار في صفّين بيده وولاه الأمير(علیه السّلام)ولاية فارس، توفّي سنة إحدى وخمسين وهو أول من نيح عليه بالكوفة، وخلّف أولادًا أشهرهم عمرو وعلي .

ص: 118


1- اللهوف : 46.
2- تُراثنا : ع 2 / 153.
3- راجع بحار الأنوار: 340/98،71/45.
4- الاستيعاب : 1306/3 رقم 1268.
5- أشد الغابة : 4 / 399 رقم 4285.
6- الإصابة : 2311/3 رقم 7098.
7- الطبقات الكبرى: 472/3 طبع بَيْروت ، و 6 / 10 طبع لَيْدِن.

قال الشيخ مُحَمَّد السَماوي: «أمّا عَمْرو ، فجاء إلى أبي عبد الله الْحُسَيْن(علیه السّلام)أيام المهادنة في نزوله بكربلاء قبل الممانعة وكان الحُسَيْن(علیه السّلام)يرسله إلى عُمَر بن سعد في المكالمة التي دارت بينهما قبل إرسال شمر بن ذي الجوشن، فيأتيه بالجواب حتى كان القطع بينهما بوصول شمر، فلما كان اليوم العاشر من المحرم استأذن الحُسَيْن(علیه السّلام)في القتال»(1). وقال أيضًا: «ولعلي... دون أخيه الشهيد ترجمة في كتب القوم، ورواية عنه ومدح فيه»(2)!!

أقول: الصحيح في اسم أبيه قرظة بالحركات الثلاث على القاف والراء المهملة والظاء المعجمة، أما قرطة وقرضة وأبي قرطة تصحيف أو غلط.

مقتل جَون

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في المناقب: «ثُمَّ بَرَزَ جَونُ (جوين خ ل) بْنُ أَبِي مَالِكِ مَولى أَبِي ذَرٍّ مُرتَجِزًا:

كَيْفَ يَرَى الْفُجَّارُ ضَرْبَ الْأَسْوَدِ *** بِالْمَشْرَفِيَّ الْقَاطِعِ الْمُهَنَّدِ

بِالسَّيفِ صَلْنَا عَن بَنِي مُحَمَّدِ *** أَذُبُّ عَنْهُمْ بِاللَّسانِ وَالْيَدِ

وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى رَجَزِ جَوْنٍ:

أَرجُو بِذاكَ الْفَوْزَ عِنْدَ الْمَوْرِدِ *** مِنَ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ الْمُوَحَدِ

إِذْ لاَ شَفِيعَ عِنْدَهُ كَأَحْمَد

فَقَتَلَ خَمْسةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا»(3).

ص: 119


1- إبصار العَيْن: 92 - 93.
2- إبصار العين: 92 - 93.
3- المناقب: 218/2.

قال ابن نَما الحلّي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ تَقَدَّمَ جَونٌ، مَوْلى أَبِي ذَرٍّ وَكَانَ عبدًا أَسْوَدًا؛ فَقالَ لَهُ(علیه السّلام): أَنتَ في إِذْنِ مِنِّي ، فَإِنَّما تَبِعْتَنَا لِلْعَافِيَةِ، فَلا تَبْتَل بِطَرِيقنا. فَقَالَ: يَابْنَ رَسُولِ الله أَنا في الرَّخَاءِ أَلْحَسُ قِصَاعَكُمْ، وَفِي الشِّدَّةِ أَخْذُلُكُمْ؟!

! والله إِنْ رِيحِي لَمُنْتِنٌ، وَحَسَبِي لَكَثِيمٌ، وَلَوْنِي لَأَسْوَدُ، فَتَنَفَّسٌ عَلَيَّ بِالْجَنَّةِ، قيطيب ريحي، ويَشْرُفَ حَسَبِي، ويَبْيَضَّ وَجْهِي ؟! لا والله لا أُفَارِقُكُمْ حَتَّى يَخْتَلِطَ هذَا الدَّمُ الْأَسْوَدُ مَعَ دِمَائِكُمْ ! ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»(1).

أقول: وذكر نحوه في اللهوف(2).

نقل مُحَمَّد بن أبي طالب الحسيني الحائري في مقتله، دعاء الإمام(علیه السّلام)له: فَوَقَفَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَقالَ: اللهمَّ ! بَيْضُ وَجْهَهُ وَطَيِّبُ رِيحَهُ وَاحْشُرْهُ مَعَ الْأَبْرَار وَعَرَّفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ !

وَرُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ(علیه السّلام)عَنْ عَلَى بْن الْحُسَيْن (علیهما السّلام): أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَحْضُرُونَ الْمَعْرَكَةَ وَيَدْفِنُونَ الْقَتْلَى، فَوَجَدُوا جَونًا بَعْدَ عَشرَةِ أَيَّامٍ يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ رِضْوانُ الله عَلَيْهِ!»(3).

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(4)والفُضَيْل في التسمية(5). ووقع التسليم عليه في زيارتي

ص: 120


1- مُثير الأحزان: 63.
2- اللهوف : 47.
3- تسلية المُجالس وزينة المجالس : 2/ 293 ، وعنه في بحار الأنوار: 197/10(23/45).
4- رجال الطوسي : 72.
5- تُراثنا : ع 152/2.

الناحية والرجبية(1).

وجَوْن هذا كان عبدًا أسودًا للفَضْل بن عَبّاس بن عبد المُطَّلِب، اشتراه أمير المؤمنين(علیه السّلام)منه بمائة وخمسين دينارًا ووهبه لأبي ذر ليخدمه، وبعد موت أبي ذر رجع إلى أمير المؤمنين(علیه السّلام)و لازمه ثمّ مع الحَسَن(علیه السّلام)- ثم مع الحُسَيْن(علیه السّلام)،وكان معه من المدينة إلى مكة ثمّ إلى كربلاء رحمة الله تعالى عليه.

مقتل أنس بن الحارِثِ الكاهلي

قال ابن نَما الحِلّي (رِضْوانُ الله تَعَالى عَلَيْهِ): «خَرَجَ أَنسُ بنُ الْحَارِثِ الْكَاهِلِيُّ وَهُوَ يَقُولُ:

قَد عَلِمَتْ كاهِلُنا وَذودانْ *** وَالخِنْدِفيُّونَ وقَيسُ عَيْلان

بِأَنَّ قَوْمِي آفَةٌ لِلْأَقْران *** یاقومِ، كُونُوا كَأُسُودِ خَفَّان

وَاستَقْبِلُوا الْقَوْمَ بِضَرْبِ الآن

آلُ عَلِيٌّ شِيعَةُ الرَّحْمَنِ وَآلُ حَرْبِ شِيعَةُ الشَّيْطَانِ»(2)

أقول: ذكره الشيخ الصدوق(قدس سره)بعنوان «مالك بن أنس الكاهلي»وقال بعد نقل رجزه: «فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ قُتِلَ»(3).

و تبعه ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في العنوان، وقال بعد نقل رجزه: «فَقَتَلَ أَربَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا»(4).

ص: 121


1- راجع بحار الأنوار: 340/98،71/45.
2- مثير الأحزان : 63.
3- أمالي الصدوق: 137 المجلس الثلاثون.
4- المناقب: 218/2.

والذي يدلّنا على الاتحاد الاشتراك في الرجز ، وأن غيره غير مذكور في المصادر الأصلية، ومن الذين وافقنا على الاتحاد العلّامة المجلسي(قدس سره)في بحاره(1)والمُحَدِّثِ القُمي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في نَفَس المهموم(2).

ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وقال: «أنس بن الحارث قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)»(3)وفي أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(4)نَمع ذكر نسبه بالكاهلي من دون نص على استشهاده.

وذكره الفُضَيْل في التسمية، وقال: «قُتِلَ مِن بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَنَسُ بْنُ الحَارِثِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِن رَسُول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وَ سَلَّم»(5).

قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة: «أنس بن الحرث بن نبيه... عَنْ سَعِيدِ بن عبد الملك الحَرَانِيِّ، عَن عَطاءِ بنِ مُسْلِمٍ عَن أَشْعَثَ بْنِ سُحَيْم عَن أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ الحرِثِ [قالَ]: رَسُولُ الله يَقُول: إِنَّ هذا يعني الْحُسَيْن يُقْتَلُ بِأَرْضِ يُقالُ :لَها كَربَلاءُ، فَمَنْ شَهِدَ ذلِكَ فَلْيَنْصُرْهُ ، قالَ فَخَرَجَ أَنَسِ بْنُ الحرث إِلَى كَربَلاءَ فقُتِلَ بِهَا مَعَ الْحُسَيْنِ»(6).

وكذلك ذكره ابن الأثير في أُسد الغابة(7).

ص: 122


1- بحار الأنوار: 24/45(198/10).
2- نَفَس المهموم: 289.
3- رجال الطوسي : 3.
4- رجال الطوسى: 71.
5- تُراثنا : ع 2 / 152.
6- الإصابة : 68/1 رقم 266.
7- أُسْدُ الغابة: 146/1 رقم 246.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: «أنس بن الحَارِث؛ رَوَى عَنْهُ سُلَيْمٌ، والِدُ أَشعَثَ بن سُلَيْمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ؛ وَقُتِلَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا »(1).

أقول: كان الرجل شيخًا كبيرًا وصحابيًا عظيمًا ، نزل الكوفة؛ لأن ابن سعد ذكر في الطبقات(2)أن منازل بني كاهل كانت في الكوفة، وجاء إلى الإمام(علیه السّلام)عند نزوله بكربلاء، والتقى معه ليلا، وأدركته السعادة الأبدية (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) .

مقتل جُنادَة بن الحارِث وابنه عَمْرو

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ جُنَادَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ مُرْتَجِزًا:

أَنَا جُنَادٌ وَأَنَا ابْنُ الْحَارِثِ *** لَسْتُ بِخَوَّارٍ وَلَا بِناكِث

عَنْ بَيْعَتِي حَتَّى بِرِثْنِي وَارِثِي *** الْيَوْمَ تَارِي فِي الصَّعِيدِ مَاكِثِ

فَقَتَلَ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا ثُمَّ بَرَزَ ابْنُهُ وَاسْتُشْهِدَ»(3).

وقال العلّامة المجلسي(قدس سره): خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ عَمْرُو بْنُ جُنَادَةَ وَهُوَ يَقُولُ:

(البحر الكامل)

أَضِقِ الْخِنَاقَ مِنِ ابْنِ هِنْدِ وَارْمِهِ *** مِنْ عَامِهِ بِفَوارِسِ الْأَنْصَارِ

وَمُهاجِرِينَ مُخَطَّبِينَ رِمَاحَهُمْ *** تَحْتَ الْعَجَاجَةِ مِنْ دَمِ الْكُفَّارِ

ص: 123


1- الإستيعاب : 112/1 رقم 88.
2- الطبقات : 58/6 طبع لَيْدن.
3- المناقب: 2/ 219.

خُضِبَتْ عَلى عَهْدِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** فَالْيَوْمَ تُخْضَبُ مِنْ دَم الفُجَّارِ

وَالْيَوْمَ تُخْضَبُ مِنْ دِمَاءِ أَراذِل *** رَفَضُوا الكِتابَ لِنُصْرَةِ الْأَشْرَار

طَلَبُوا بِثَارِهِمُ بِبَدْرٍ إِذْ أَتَوْا *** بِالْمُرْهَفَاتِ وَبِالْقَنا الْخَطَّارِ

وَالله رَبِّي لَا أَزالُ مُضَارِبًا *** فِي الْفَاسِقِينَ بِمُرْهَفٍ بَتّارِ

هذا عَلَى الْأَزْدِيُّ حَقٌّ وَاجِبٌ *** فِي كُلُّ يَوْمِ تَعانُقِ وَكِرار»(1)

قال العلّامة المامقاني في ترجمة جنادة: «لم أقف فيه إلّا على عدّ الشيخ (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) إيَّاه في رجاله من أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)، وقد ذكر أهل السير أنه كان من أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثمَّ من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)،ومن المقاتلين بصفّين، ومن مشاهير الشيعة، بايع مسلمًا، فلما نظر إلى خذلان أهل الكوفة فرّ، واختفى عند قومه، فلمّا سمع بمجيء الحُسَيْن(علیه السّلام)، خرج إليه مع عَمْرو بن خالد الصيداوي وجماعة من الشيعة ولحق به ولازمه إلى أن استشهد يوم الطف (رِضْوانُ الله عَلَيْه)، وزاده شرفًا تخصيصه بالسلام عَلَيْه زيارة الناحية المقدّسة بقوله(علیه السّلام): «السّلامُ على جُنادَة بنِ الحرثِ السّلماني الأَزدي»(2).

واستدرك عَلَيْه شيخنا المُحَقَّق التستري (مُدَّ ظِلّه) في قاموسه وقال: «أمّا رجال الشيخ فليس فيه الأزدي، وأما الناحية فكما نقله عاشر البحار ومزاره: «السّلامُ على حيان بن الحارث السلماني وفي الرجبية أيضًا «السّلامُ على حيان بن الحارث ويشكل تصحيف الجميع»(3).

ص: 124


1- بحار الأنوار: 198/10(28/45).
2- تنقيح المقال : 1/ 234.
3- قاموس الرّجال : 724/2 رقم 1593.

وقال الشَيْخ مُحَمَّد السَماوي: في ترجمة ابنه عمرو بن جنادة: «كان عَمْرُو غلاما مع أبيه وأمه، فأمرته أمه بعد أن قتل أبوه في الحرب، فوقف أمام الحُسَيْن(علیه السّلام)يستأذنه، فلم يأذن له، فأعاد عَلَيْه الاستئذان.

قال أبو مخنف : فقال الإمام الحُسَيْن(علیه السّلام): إِنَّ هذا غُلامٌ قُتِلَ أبوه في الْمَعْرَكَةِ وَلَعَلَّ أُمَّهُ تَكْرَهُ ذلِكَ ، فقال الغلام : إِنَّ أُمِّي هِيَ الَّتِي أَمَرَتْني. فأذن له فتقدّم إلى الحرب فقتل وقطع رأسه ورمي به إلى جهة الحُسَيْن(علیه السّلام)، فأخذته أمّهُ وضربت به رجلًا فقتلته، وعادت إلى المخيم، فأخذت عمودًا لتقاتل به، فردّها الحسين(علیه السّلام)»(1).

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)بعنوان «جنادة بن الحرث السلماني»(2)والفُضَيْل في التسمية وقال: «قتِلَ مِن مُراد ... جُنادَةُ بنُ الحارث السلماني وغُلامُهُ واضِح الرُّومي»(3)

وكان واضح غلامًا تركيا شجاعًا قارئًا، وكان للحارث السلماني والد جنادة وجاء مع جنادة بن الحارث ولحق بالحُسَيْن(علیه السّلام)، وقد ذكرنا في ترجمة عَمْرو بن خالد الصيداوي كيفيّة لحوق جنادة وغيره بالحُسَيْن(علیه السّلام)، وظنّ العلّامة السَماوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) أنّ واضحًا هو الذي عنونه الأصحاب بعنوان[غلامِ تُركي للحُسَيْن](4)وهو غير بعيد، ولكن ليس لنا دليل حتى نؤيده، لا سيما مع

ص: 125


1- إِبْصارُ الْعَيْن: 94.
2- رجال الطوسي: 72.
3- تُراثنا: ع 2/ 154.
4- إبصار العين: 85.

عدم ذكر اسم الغلام في المصادر، ووضوح اسم هذا الغلام ، لذا نتعرّض لمقتل الغلام التركي فيما بعد - إن شاء الله تعالى.

مقتل حَجاج بن مَسروق، مُؤَذِّنِ الحُسَيْن(علیه السّلام)

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ الحَجَاجُ بْنُ مَسْرُوقٍ الْجُعْفيُّ وَهُوَ يَقُولُ:

أَقْدِمْ حُسَيْنًا هَادِيًا مَهِدِيَّا *** فَالْيَوْمَ تَلْقَى جَدَّكَ النَّبِيَّا

ثُمَّ أَبَاكَ ذَا النَّدَى عَلِيًّا *** ذَاكَ الَّذِي نَعْرِفُهُ وَصِيَّا

فَقَتَلَ خَمْسةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا»(1).

قال مُحَمَّد بن أبي طالب الحسيني الحائري في مقتله: «ثُمَّ خَرَجَ الْحَجَّاجُ بنُ مَسروق وَهُوَ مُؤَذِّنُ الْحُسَيْن(علیه السّلام)، وهو يَقُول:

أقدم حسين هاديًا مهديا *** اليوم تلقى جدك النبيّا

ثمّ أباك ذا الندى عليّا *** [وَالْحَسَنَ الْخَيْرَ الرِّضَى الْوَلِيَّا

وَذَا الْجناحَيْن الْفَتَى الكَمِيَّا *** وَأسد الله الشَّهيدَ الْحَيَّا]

ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»(2).

أقول: قد تقدّم بعض هذه الأبيات في زُهَيْرِ بنِ القَيْن في مقتله.

وقال العلّامة المامقاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في ترجمته: «قد ذكر أهل السير أنه كان من الشيعة، صحب أمير المؤمنين(علیه السّلام)بالكوفة ، ثمَّ لما خرج الحُسَيْن(علیه السّلام)

ص: 126


1- المناقب : 219/2.
2- تسلية المُجالس وزينة المجالس : 2/ 295 ، وعنه في بحار الأنوار: 25/45(198/10).

إلى مكة خرج هو من الكوفة إلى مكة لملاقاته، فصحبه وكان مؤذنا له في أوقات الصلاة، واستأذنه يوم العاشر فبرز وقاتل قتال المشتاقين، وقتل من القوم في ، مرتين قرب الخمسين رجلا ، ثمَّ استشهد رِضْوانُ الله عَلَيْه، وقد ازداد شرفًا بتخصيصه بالسلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة»(1).

أقول: عند لقاء الإمام(علیه السّلام)مع الحرّ بن يزيد الرياحي في منزل ذي حسم لما حضرت صلاة الظهر ، أمر الحُسَيْن(علیه السّلام) الحجاج بن مسروق الجُعْفي أن يؤذن، فأذَن، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحُسَيْن في إزار ورداء ونعلين وخطب ثمَّ صلّى الحُسَيْن بأصحابه وأصحاب الحرّ(2).

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدُّوسيّ) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)مصحفًا بعنوان «الحجّاج بن مرزوق»(3)ووافقنا على هذا التصحيف بعض المعاصرين دام بقاؤهم(4).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(5).

وذكره السيدان الأمين (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في مَقْتَله(6)، والخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في مُعْجَمه(7)فراجع كلامهما إن شئت.

ص: 127


1- تنقيح المقال: 1/ 255.
2- وقعة الطَّفٌ: 169.
3- رجال الطوسي : 73.
4- راجع أنصار الحسين(علیه السّلام): 68.
5- راجع بحار الأنوار: 72/45، 98 / 340.
6- لَواعِج الأشجان: 164.
7- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 4 / 234 رقم 2600.

مقتل وَهْب بن وَهْبٍ

قال ابن شهر آشوب السَرَوي: «بَرَزَ وَهْبُ بنُ عبد الله الكَلبِيُّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ :

إنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا ابْنُ الْكَلْبِ *** سَوْفَ تَرَوْنِي وَتَرَوْنَ ضَرْبي

وَحَمْلَتي وَصَوْلَتي فِي الْحَرْبِ *** أدرك تَارِي بَعْدَ نَارِ صَحْبي

وَأَدْفَعُ الْكَرْبَ أَمَامَ الْكَرْبِ *** لَيْسَ جِهَادِي فِي الْوَغَى بِاللَّعْبِ

فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأُمِّهِ يا أَمَّاه أَرَضِيتِ أَمْ لاَ؟!فَقَالَت: مَا أَرْضَى أَوْ تُقْتَل بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ !؛ فَرَجَعَ قَائِلًا:

إِنِّي زَعِيمٌ لَكِ أُمَّ وَهْبِ *** بِالطَّعْنِ فِيهِمْ تَارَةً وَالضَّرْبِ

ضَرْبَ غُلَامِ مُوقِنِ بِالرَّبِّ *** حَتَّى يَذوقَ الْقَوْمُ مُرَّ الْحَرْبِ

إنِّي امْرُةٌ ذُو مِرَّةٍ وَغَضْبِ *** حَسْبِي إِلهِي مِن عُلَيْمٍ حَسَبِي

فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قَتَلَ تِسْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا وَاثْنَيْ عَشَرَ رَاجِلًا، ثُمَّ قُطِعَتْ يمينه، وأُخِذَ أسيرًا»(1).

وذكره الشيخ الصدوق (قَدَّسَ الله سِرَّهُ الشَّريف) بعنوان «وَهب بن وهب وقال: كانَ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ عَلَى يَدِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)هُوَ وَأُمُّهُ، فَاتَّبَعُوهُ إِلَى كَرَبَلاءَ، فَرَكِبَ فَرَسًا وَتَناوَلَ بِيَدِهِ عَمُودَ الْفُسْطَاطِ، فَقَاتَلَ وَقَتَلَ مِنَ الْقَوْمِ سَبْعَةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ، ثُمَّ اسْتُوسِرَ فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ لَعَنَهُ الله، فَأَمَرَ بِضَرْبٍ عُنُقِهِ، ورُمِيَ بِهِ إِلَى عَسْكَرِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وَأَخَذَتْ أُمُّهُ سَيْفَهُ، وَبَرَزَتْ، فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): يا أُمَّ وَهَبٍ!اِجْلِسي فَقَدَ وَضَعَ الله الْجِهَادَ عَنِ النِّسَاءِ ، إِنَّكِ وَابْنَكِ مَعَ جَدِّي مُحَمَّدِ(صلی الله علیه و آله و سلم)فِي

ص: 128


1- المناقب: 2 / 217.

الْجَنَّةِ»(1).

وذكره ابن نما الحلّي بعنوان «وهب بن حباب الكلبي» وقال: «خَرَجَ وَأَحْسَنَ الْقِتال، وَصَبَرَ عَلَى أَلَمِ النِّصَالَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَوَالِدَتْهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِمَا، وَقَال: يَا أُمَّه! أَرَضِيتِ أَمْ لَا؟ قَالَتْ : ما رَضِيتُ حَتَّى تُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ، قَالَتْ امْرَأَتُهُ: بِالله لَا تَفْجَعْنِي بِنَفْسِكَ!

قالَ ابنُ نَما: وَقَدْ أَجَبْتُهَا أَنَا بِلِسَانِ حَالِهِ مُتَمَثَلًا، لاَ بِلِسَانِ مَقَالِهِ :

(البحر الطويل)

ذَرِيني أُدِر وَجْهَا وَقَاحًا إِلَى الْعَدْلِ *** فَمَا لِأَخِي الْأَحْقَادِ أَن يَتَجَمَّلاً

مَتَى قَرَّ فِي غِمْدِ حُسَامٌ وَبَانَ عَن ***حِصَانٍ لِجَامٌ وَالْفَتَى غَرَضُ الْبَلا

فَقالَتْ لَهُ أُمُّهُ: يا بُنَيَّ! اعْرُبْ عَنْ قَوْلِهَا، وَقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَنَالَ شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قُطِعَتْ يَداهُ. فَأَخَذَتِ امْرَأَتُهُ عَمُودًا وَأَقْبَلَتْ نَحْوَهُ وَقَالَتْ: فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي! قَاتِلُ دُونَ الطَّيِّبِينَ حُرَم رَسُولِ الله !

فَأَقْبَلَ يَرُدُّهَا فَامْتَنَعَتْ، فَقَالَ : جُزيتُمْ مِنْ أَهْل الْبَيْتِ خَيْرًا، ارْجِعِي. فَرَجَعَتْ وَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ»(2).

أقول: وذكر نحوه السيد رضي الدين علي بن طاوس (رَضِيَ الله عَنْهُ وَأَرْضاه) في اللهوف، ولكن عبّر عنه بعنوان «وَهب بن جناح الكلبي»(3).

ص: 129


1- أمالي الصدوق: 137 المجلس الثلاثون.
2- مثير الأحزان: 62.
3- اللهوف : 45.

وقال العلّامة المَجلِسي (أَفاضَ الله عَلَيْنا مِنْ بَرَكَاتِ تُرْبَتِهِ المُقَدَّسَة): رَأَيْتُ حَدِيثًا أَنَّ وَهبًا هذا كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ هُوَ وَأُمُّهُ عَلَى يَدَيِ الْحُسَيْنِ، فَقَتَلَ فِي الْمُبَارَزَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَاجِلًا وَاثْنَيْ عَشَرَ فَارِسَا، ثُمَّ أُخِذَ أَسيرًا، فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ، فَقَالَ: مَا أَشَدَّ صَوْلَتَكَ، ثُمَّ أَمَرَ فَضُرَبَتْ عُنْقُهُ؛ ورُمِي بَرَأْسِهِ إِلَى عَسْكَرِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام). فَأَخَذَتْ أُمُّهُ الرَّأْسَ فَقَبَّلَتْهُ، ثُمَّ رَمَتْ بِالرَّأْسِ إِلَى عَسْكَرِ ابن سَعْدِ، فَأَصَابَتْ رَجُلًا، فَقَتَلَهُ، ثُمَّ شَدَّتْ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ، فَقَتَلَتْ رَجُلَيْنِ، فَقالَ لَهَا الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): ارْجِعي يا أُمَّ وَهَبٍ!؛ أَنْتِ وَابْنُكِ مَعَ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)؛ فَإِنَّ الْجِهَادَ مَرفُوعٌ عَنِ النِّسَاءِ فَرَجَعَتْ وَهِيَ تَقُولُ: إِلهي ! لا تَقْطَع رَجَائِي! فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): لَا يَقْطَعُ الله رَجَاكِ يا أُمَّ وَهبٍ!»(1)

وقال العلامة المجلسي: «فَذَهَبَتْ امْرَأَتُهُ تَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، فَبَصُرَ بِهَا شَمِرٌ، فَأَمَرَ غُلَامًا لَهُ، فَضَرَبَهَا بِعَمُودٍ كَانَ مَعَهُ ، فَشَدَخَهَا وقَتَلَهَا، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ قُتِلَتْ في عَسْكَرِ الْحُسَيْن(علیه السّلام)»(2).

أقول : في اسم الرجل خلاف كما يظهر لك مما نقلناه من المصادر وأقدمها وهو أمالي الشيخ الصدوق (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) ذكره بعنوان «وَهب بن وهب»ولذا أثبتناه في العنوان، وقد خلط أصحاب المقاتل والسير بينه وبين عبد الله بن عُمَيْرِ الكلبي، والظاهر تعدّدهما لكون عبد الله من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، كما ذكره الشيخ الطوسي في رجاله(3).

ص: 130


1- بحار الأنوار: 196/10(17/45).
2- بحار الأنوار: 196/10(17/45).
3- رجال الطوسي : 54.

وأمّا وهب كان نصرانيًا أسلم هو وأمّه على يدي الحُسَيْن(علیه السّلام)، كما ذكره الشيخ الصدوق في أماليه(1)ونشأ من هذا الخلط ذكر زوجة وهب في عداد الشهداء، مع أنّ امرأة واحدة قتلت في يوم الطّف، وهي أم وهب زوجة عبد الله بن عُمَيْرِ الكَلبي، لا زوجة هذا الرجل.

ويؤيد ما ذكرناه: خلوّ المصادر من استشهاد زوجته، ولعلّ أوّل من تعرّض لها صاحب البحار كما مر كلامه آنفًا.

يؤيد ما حرّرناه التشابه بين كيفية استشهاد زوجة عبد الله وزوجة وهب.

والعجب كلّ العجب من بعض المعاصرين حيث قال: «نرجّح أنّ وهبًا هذا هو ابن لأُمّ وهب زوجة عبد الله بن عُمير بن حباب الكلبي الذي تقدم ذكره، فقد قتلت زوجته أُم وهب بن وهب بنت عبد وهي عند زوجها بعدما قتل، فتكون المقتولة

وهب كما عند الخوارزمي، لا زوجته»(2).

أقول: إن صح هذا الترجيح، فأين ذهب حديث نصرانية الرجل وحداثة إسلامه ؟ ولِمَ لم يذكر أرباب المقاتل مع والده عبد الله بن عُمَيْر مع تقيّد أرباب المقاتل بضبط الأولاد الذين جاؤوا إلى الحرب مع آبائهم نحو مسعود بن الحجّاج وابنه عبد الرحمن، ويزيد بن ثبيط وابنيه عبد الله وعبيد الله وعمرو بن خالد الصيداوي وابنه خالد.

وسُبحانَ مَن لا يَسْهُو!

ص: 131


1- أمالي الصدوق: 137 المجلس الثلاثون.
2- أَنصار الْحُسَيْن(علیه السّلام): 96.

مقتل أنيس بن مَعْقِل

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ بَرَزَ أَنيسُ بْنُ مَعْقِل الْأَصْبَحِيُّ وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا أَنِيسٌ وَأَنَا ابْنُ مَعْقِلِ *** وَفِي يَمِينِي نَصْلُ سَيْفِ مُصْقَلِ

أَعْلُو بِهَا الْهَامَاتِ وَسْطَ الْقَسْطَلِ *** عَنِ الْحُسَيْنِ الْمَاجِدِ الْمُفَضَّلِ

ابْنِ رَسُولِ الله خَيْرِ مُرْسَلِ

فَقَتَلَ نَيْفًا وَعِشْرِينَ رَجُلًا»(1).

أقول: وذكره الخوارزمي في مقتله(2)وشيخنا العلامة التستري (مُدَّ ظِلَّه) في قاموسه(3).

مقتل سعد بن حَنْظَلَة التَميمي

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ سَعْدُ بْنُ حَنْظَلَةَ التَّمِيمِيُّ مُرْتَجِزًا:

صَبْرًا عَلَى الْأَسْيَافِ وَالْأَسِنَّه *** صَبْرًا عَلَيْهَا لِدُخُولِ الْجَنَّة

وَحُورِ عِينِ ناعمات هُنَّهُ *** يَانَفُسُ لِلرَّاحَةِ فَاجْهَدَنَّهُ

وفي طلاب الْخَيْر فَارْغَبَنَّة»(4)

ص: 132


1- المناقب : 2/ 218.
2- مَقتل الْحُسَيْن : 19/2.
3- قاموس الرّجال : 209/1 رقم 995.
4- المناقب : 2/ 218.

وذكر نحو ذلك باختلاف يسير في البحار(1)، والقمقام(2)، واللواعِج(3)،ونَفَس المهموم(4).

أقول: واستظهر شَيْخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلَّه) في قاموسه(5)بأنّ الرجل متحد مع حنظلة بن أسعد الشبامي المتقدّم ذكره مستدلا بأنّ ابن شهر آشوب السَرَوي لم يذكر حَنْظَلَة المُتَّفَق عَلَيْه وهو الشبامي. والاتحاد غير بعيد.

مقتل أَبِي عُمَرِ النَهشَلي

قال ابن نَما الحِلّي: «حَدَّثَ مِهْرَانُ مَولَى بَني كَاهِلِ، قَالَ: شَهِدْتُ كَرِبَلاءَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَرَأَيْتُ رَجُلًا يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا لاَ يَحْمِلُ عَلَى قَوْمٍ إِلَّا كَشَفَهُمْ، ثُمَّ يَرجِعُ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَيَرْتَجِزُ:

أَبْشِرْ هُدِيتَ الرُّشْدَ تَلْقَى أَحْمَدَا *** فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ تَعَلُوا صُعُدا

فَقُلْتُ: مَنْ هذا؟ قالُوا: أبو عُمَرَ النَّهْشَلِيُّ. وَقِيلَ: الْخَثْعَمِيُّ.

فَاعْتَرَضَهُ عامِرُ بْنُ نَهْشَل أَحَدُ بَنِي اللَّاتِ مِنْ ثَعْلَبَةَ، فَقَتَلَهُ وَاجْتَر رَأْسَهُ، وَكَانَ أبو عُمَرَ هذا مُتَهَجِّدًا كَثِيرَ الصَّلاةِ»(6).

ص: 133


1- بحار الأنوار: 196/10.
2- قَمْقام زخار: 1 / 420.
3- لَواعِج الأشجان: 161.
4- نَفَس المهموم: 287.
5- قاموس الرّجال : 318/4 الطبعة الأولى.
6- مثير الأحزان: 57.

أقول: ونقل عنه العلّامة المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في البحار(1)وذكر نحوه العَلّامة السيد مُحْسِن الأمين في اللواعِج(2). ورجح بعض المعاصرين بأن الرجل متحد مع شبيب بن عبد الله النهشلي(3)الذي كان تابعيًا من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وانضم إلى الحسن(علیه السّلام)ثم إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، وقتل معه بكربلاء في الحملة الأولى، وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي)في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(4)والفُضَيْل في التسمية(5)ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية.(6)والاتحاد غير بعيد.

الشاب الشهيد

قال مُحَمَّد بنُ أَبي طالب الحسيني الحائري في مقتله: «خَرَجَ شَاتٌ قُتِلَ أبوه في الْمَعْرَكَةِ، وكانَتْ أُمُّهُ مَعَهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: اخْرُجْ يَا بُنَيَّ ! وَقاتِلْ بَيْنَ يَدَيْ ابْنِ رَسُولِ الله. فَخَرَجَ

فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): هَذَا شَابٌ قُتِلَ أبوهُ وَلَعَلَّ أُمَّهُ تَكْرَهُ خُرُوجَهُ . فَقَالَ الشَّاتُ : أُمِّي أَمَرَتْنِي بِذلِكْ.

فَبَرَزَ وَهُوَ يَقُولُ:

ص: 134


1- بحار الأنوار: 199/10(30/45).
2- لواعج الْأَشجان: 167.
3- أنصار الحُسَيْن : 99.
4- رجال الطوسي: 74.
5- تراثنا: ع 153/2.
6- راجع بحار الأنوار: 341/98،71/45.

(البحر المتقارب)

أَمِيري حُسَيْنُ وَنِعْمَ الْأَمير *** سُرُورُ فُؤَادِ الْبَشِيرِ النَّذِير

عَليٍّ وَفَاطِمَةُ وَالِدَاهُ *** فَهَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ مِنْ نَظير

لَهُ طَلْعَةٌ مِثْلُ شَمْسِ الضُّحَى *** لَهُ غُرَةٌ مِثْلُ بَدْرٍ مُنير

وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، وجُزَ رَأْسُهُ، وَرُمِيَ بِهِ إِلَى عَسْكَرِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام). فَحَمَلَتْ أُمُّهُ رَأْسَهُ وَقَالَتْ: أَحْسَنْتَ يا بُنَيَّ! يا سُرُورَ قَلْبِي وَيَا قُرَّةَ عَيْنِي! ثُمَّ رَمَتْ بِرَأْسِ ابْنِهَا رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ، وَأَخَذَتْ عَمُودَ خَيْمَتِهَا وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ تَقُولُ:

أَنَا عَجُوزُ سَيِّدِي! ضَعِيفَه *** خَاوِيةٌ بَالِيَةٌ نَحِيفه

أَضْرِبُكُمْ بِضَرْبَةٍ عَنيفَهُ *** دُونَ بَني فَاطِمَةَ الشَّرِيفَه

وَضَرَبَتْ رَجُلَيْن فَقَتَلَتْهُما ، فَأَمَرَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بصَرْفِهَا وَدَعَا لَها»(1).

قال الحاج الشيخ عبّاس القُمي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) بعد نقل مقتل الشاب: إني أحتمل أن يكون هذا الفتى ابن مسلم بن عَوْسَجَة الأسدي (رِضْوانُ الله عَلَيْهِمَا)؛ لِما قد حكي عن رَوْضَة الأحباب قريبًا من ذلك لابن مسلم بن عوسجة بعد أن ذكر قتل والده (رِضْوانُ الله عَلَيْهِمَا)؛ ومثله في رَوضَة الشُّهَداء والله العالم»(2).

أقول: ولكنّي أحتمل أن يكون الشاب هو عَمْرو بن جنادة بن الحارث، ووافقنا على هذا الاحتمال السَيِّدُ المُقَرَّم (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في مقتله(3)والله

ص: 135


1- تسلية المجالس وزينة المجالس : 297/2 ، وعنه في بحار الأنوار: 198/10(27/45).
2- نَفَس المهموم : 293.
3- مَقْتَلَ الْحُسَيْن(علیه السّلام): 253.

سبحانه هو العالم.

أحمد بن مُحَمَّد الهاشمي

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه)ِ: «بَرَزَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ يُنْشِدُ:

الْيَوْمَ أَبْلُو حَسَبِي وَدِينِي *** بِصَارِمٍ تَحْمِلُهُ يَمِيني

أَحْمِي بِهِ يَوْمَ الْوَغَى عَنْ دِيني»(1)

أقول: ذكر شَيْخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلَّه) مقالة ابن شهر آشوب السَرَوِي رَحْمَةُ الله عَلَيْه وقال بعدها ونعم ما قال: «إلّا أنّه غير محقق؛ ففي السير تعرّضوا لكلّ واحد واحد من الهاشميين المقتولين بالطف، ولم يذكروا هذا...»(2).

مقتل غُلام تُركي للحُسَيْن(علیه السّلام)

قال مُحَمَّد بن أبي طالب الحسيني الحائري في مقتله: «خَرَجَ غُلامٌ تُركِيٌّ كَانَ لِلْحُسَيْنِ، وَكانَ قارِنَّا لِلْقُرآنِ، فَجَعَلَ يُقَاتِلُ وَيَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

الْبَحْرُ مِنْ طَعْنِي وَضَرْبِي يَصْطَلِي *** وَالْجَرُّ مِنْ نَبْلِي وَسَهْمِي يَمْتَلِي

إذا حُسامي فِي يَمِينِي يَنْجَلِي *** يَنْشَقُ قَلْبُ الْحاسِدِ المُبجل

فَقَتَلَ جَمَاعَةً، ثُمَّ سَقَطَ صَرِيعًا، فَجَاءَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)فَبَكَى وَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى خَدِّهِ، فَفَتَحَ عَيْنَهُ، فَرَأَى الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)، فَتَبَسَّمَ ثُمَّ صَارَ إِلَى رَبِّهِ»(3)

ص: 136


1- المناقب: 2/ 220.
2- قاموس الرّجال : 1/ 654 رقم 591.
3- تسلية المُجالس وزينة المجالس: 2/ 300 ، وعنه في بحار الأنوار: 199/10(30/45).

أقول: الظاهر كون هذا الغلام التركي هو أسلم بن عَمْرو مولى الحُسَيْن(علیه السّلام).

قال السماوي في ترجمته: كان أسلم من موالي الحُسَيْن(علیه السّلام)، وكان أبوه تركيا، وكان ولده أسلم كاتبًا، قال بعض أهل السير والمقاتل: إنّه خرج إلى القتال وهو يقول:

أميري حُسَيْنُ ونعم الأمير *** سرور فؤاد البشير النذير

فقاتل حتى قتل ، فلما صرع مشى إليه الحُسَيْن(علیه السّلام)، فرآه وبه رمق يومي إلى الحُسَيْن، فاعتنقه الحُسَيْن ووضع خدّه على خده، فتبسم وقال: مَنْ مثلي وابن رسول الله واضع خدّه على خدّي، ثمّ فاضت نفسه رِضْوانُ الله عَلَيْه»(1).

أقول: وافقنا على هذا التطابق السيّد الأمين (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في أَعيانه(2)وذكَرَهُ الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن بعنوان «أَسلَم مَولى مِنَ المَدينَةِ»(3). والفُضَيْل في التسمية قال: «قُتِلَ مِن كَلْب... وأَسلَم مَوْلى لَهُم»(4).

إبراهيم بنُ حُصَيْنِ الأَسَدي

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْأَسَدِيُّ يَرْتَجِزُ قَائِلًا:

ص: 137


1- إبصار العَيْن: 53.
2- أعيان الشيعة 4 ، القسم الأوّل، 126.
3- رجال الطوسي: 71.
4- تراثنا: ع 2/ 155.

رِبُ مِنْكُمْ مَفْصَلًا وَسَاقا *** لِيُهْرَقَ الْيَوْمَ دَمِي إِهْراقا

وَيُرزَقَ الْمَوْتَ أبو إِسْحَاقا *** أُغْنِي بَني فَاجِرَةِ الفُسَّاقا

فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانِينَ رَجُلًا»(1).

وفي قاموس الرّجال بعد نقل مقالة ابن شهر آشوب السَرَوي: «قلت: لكن الغثّ في مناقب ابن شهر آشوب كثير»(2)

وقیل: ذكره ابن شهر آشوب، ونُسِب إليه رجز يغلب عليه الظنُّ أنّه موضوع»(3)

أقول: لم أجده في المصادر الأولية، بل الثانوية، وعنونه ابن شهر آشوب، وتبعه بعض الأعلام نحو السيّد الأمين(4)والمُحَدِّث القُمي(5)ولم يثبت عندنا وجوده في الطف واستشهاده، والله العالم.

مقتل يَزيد بن نُبَيْطِ العبدي البَصري

وفي تاريخ الطبري: «اجْتَمَعَ نَاسٌ مِنَ الشَّيعَةِ بِالْبَصْرَةِ فِي مَنْزِلِ امْرَأَةٍ مِنْ عبد القَيْس يُقَالُ لَهَا: مارِيَةُ ابنةُ سَعْدِ أَو مُنْقِذ، أَيَّامًا، وَكَانَتْ تَتَشَيَّعُ، وَكَانَ مَنْزِلُها لَهُمْ مَأْلَفًا يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، وَقَدْ بَلَغَ ابْنَ زِيَادٍ إِقْبَالُ الْحُسَيْنِ، فَكَتَبَ إِلَى عامِلِهِ بِالْبَصْرَةِ أَنْ يَضَعَ الْمَناظِرَ وَيَأْخُذَ بِالطَّرِيقِ، قَالَ: فَأَجْمَعَ يَزِيدُ بْنُ نُبَيْطِ الْخُرُوجَ وَهُوَ مِنْ

ص: 138


1- المناقب: 2/ 220.
2- قاموس الرجال: 172/1 رقم 85.
3- أنصار الْحُسَيْن(علیه السّلام): 98.
4- لَواعِج الأشجان: 168.
5- نَفَس المهموم : 295.

عبد الْقَيْس إلَى الْحُسَيْنِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ عَشَرَةٌ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَخْرُجُ مَعِي ؟ فَانْتَدَبَ مَعَهُ ابْنانِ لَهُ: عبد الله وَعُبَيْدُ الله، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ فِي بَيْتِ تِلْكَ الْمَرَأَةِ: إِنِّي قَدْ أَزْمَعْتُ عَلَى الْخُرُوج وَأَنَا خَارِجٌ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ أَصْحَابَ ابْنِ زِيَادٍ. فَقالَ: إِنِّي والله لو قَدْ اسْتَوَتْ أَخْفَافُهُمَا بِالْجَدَدَ لَهَانَ عَلَي طَلَبُ مَنْ طَلَبَني. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ فَقَوَّى فِي الطَّرِيقِ حَتَّى انتهى إلى حُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَدَخَلَ فِي رَحْلِهِ بِالْأَبْطَحِ ، وَبَلَغَ الْحُسَيْنَ مَجِيتُهُ، فَجَعَلَ يَطْلُبُهُ، وَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى رَحْلِ الْحُسَيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ خَرَجَ إِلَى مَنْزِلِكَ فَأَقْبَلَ في أَثَرِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْهُ الْحُسَيْنُ جَلَسَ فِي رَحْلِهِ يَنْتَظِره، وَجَاءَ الْبَصْرِيُّ فَوَجَدَهُ فِي رَحْلِهِ جالِسًا ، فَقَالَ: ﴿بِفَضْل الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾(1). قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَجَلَسَ إِلَيْهِ فَخَبَّرَهُ بِالَّذِي جَاءَ لَهُ، فَدَعا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ مَعَهُ حَتَّى أَتَى فَقَاتَلَ مَعَهُ فَقُتِلَ مَعَهُ هُوَ وَابْنَاهُ»(2).

أقول: قد ذكرنا ولديه: عبد الله وعُبَيْدَ الله في شهداء الحملة الأُولى؛ لأنّ ابن شهر آشوب السروي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) ذكرهما هناك.

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(3).

وقال الفُضَيْلِ : «قُتِلَ مِنْ عبد الْقَيْسِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَزِيدُ بْنُ تُبَيْطِ وَابْنَاهُ، عبد الله وعبيد الله ابنا يزيده(4).

ص: 139


1- سورة يونس: 58.
2- تاريخ الطبري: 198/6.
3- رجال الطوسي: 81.
4- تُراثنا : ع 153/2.

ووقع التسليم عليه في الزيارة الناحية المُقَدَّسة(1)بعنوان«يزيد بن ثبيت القيسي»وهو تصحيف كما لا يخفى .

مقتل عبد الرحمن بن عبد الله اليَزَني

قال ابن شهر آشوب السَرَوي: «بَرَزَ عبد الرحمن بن عبد الله الْيَزَنِيُّ قَائِلًا:

أَنَا ابْنُ عبد الله مِن آلِ يَزَنُ *** دِينِي عَلى دِينِ حُسَيْنِ وَحَسَنُ

أَضْرِبُكُمْ ضَرْبَ فَتَى مِنَ الْيَمَنْ *** أَرجُو بذَاكَ الْفَوْزَ عِنْدَ الْمُؤْتَمَنُ»(2)

وفي البحار: «ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»(3).

أقول: ذكره الخوارزمي في مقتله(4)وورد ذكره في الزيارة الرجبية بعنوان «عبد الرَّحمن بن عبد الله الأزدي»(5).

رجل من بني حنيفة

قال ابن نَما الحِلّي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «لَمَا وَصَلَ الْقِتالُ إِلَيْهِ(علیه السّلام)، تَقَدَّمَ أَمامَهُ رَجُلٌ مِن بَني حَنِيفَةَ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام). فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: اللهمَّ ! لَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ تُرِيدُهُ، فَأَبْلِغْ مُحَمَّدًا(صلی الله علیه و آله و سلم)نُصْرَتِي وَدَفْعِي عَنِ الْحُسَيْنِ، وَارْزُقْني مُرافَقَتَهُ فِي دَارِ الْخُلُودِ!»(6).

140

ص: 140


1- راجع بحار الأنوار: 72/45.
2- المناقب : 2/ 218.
3- بحار الأنوار: 197/10(22/45).
4- مَقْتَل الحُسَين(علیه السّلام): 17/2.
5- راجع بحار الأنوار: 340/98.
6- مثير الأحزان: 66.

مقتل مالك بن دودان

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ مَالِكُ بْنُ دُودَانَ

وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِلَيْكُمُ مِنْ مالِكِ الضَّرْغَامِ *** ضَربَ فَتًى يَحْمِي عَنِ الْكِرَامِ

يَرجُو ثَوابَ الله ذِي الْإِنْعَامِ»(1)

أقول: ذكره ابن شهر آشوب السَرَوي فقط، وتبعه السيّد الأمين(2)والمُحَدِّث القُمى(3)والمُحَقِّقِ الخوئي(4).

مقتل عَمْرو بن مُطاعَ الجُعْفَيّ

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ عَمْرُو بنُ مُطَاع الْجُعْفِيُّ وَقَالَ:

الْيَوْمَ قَدْ طَابَ لَنَا الْقِراع *** دُونَ حُسَيْنِ الضَّرْبُ والسطاع

نَرجُو بذاكَ الْفَوْزَ وَالدَّفاع *** من حَرُ نارِ حِينَ لا امتناع»(5)

وفي البحار: «ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ الله عَلَيْه»(6).

أقول: ذكره الخوارزمي في مقتله(7). وتبعهم بعض لأعلام نحو: فرهاد

ص: 141


1- المناقب: 2/ 219.
2- لَواعِج الأَشجان: 167.
3- نَفَس المهموم : 294.
4- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 166/14 رقم 9803.
5- المناقب : 2/ 218.
6- بحار الأنوار: 25/45(198/10).
7- مَقْتَل الحُسَيْن : 14/2.

ميرزا في القمقام(1)والسَيْدِ الأمين في اللواعِج(2)والمُحَدِّث القُمي في نَفَس المهموم(3)والمُحَقِّقِ الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في معجمه(4).

قُرَّة بن أَبي قُرَّة الغفاري

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ قُرَّةُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ الْغِفَارِيُّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ :

قَدْ عَلِمَتْ حَقًّا بَنُوغِفَارِ *** وَخِنْدِفٌ بَعْدَ بَني نِزَارِ

بِأَنَّنِي اللَّيْتُ لَدَى الغُبارِ *** لأَضْرِبَنَّ مَعْشَرَ الفُجّار

ضَربًا وَجيعًا عَنْ بَنِي الْأَخْيار

فَقَتَلَ ثَمَانِيَةً وسِتِّينَ رَجُلً»(5).

أقول: ذكره الخوارزمي في مقتله(6)والعلامة المجلسي في البحار(7)وتبعهما بعض الأعلام نحو صاحب القمقام(8)واللواعِج(9)ونَفَس

ص: 142


1- القمقام : 1 / 423.
2- لَواعِج الأشجان: 163.
3- نَفَس المهموم : 290.
4- مُعجَم رِجالِ الحَديث : 13/ 128 رقم 8989.
5- المناقب: 2/ 218.
6- مَقْتَلِ الْحُسَيْن(علیه السّلام): 2/ 18.
7- بحار الأنوار: 198/10(24/45).
8- القمقام: 1/ 422.
9- لَواعِج الأَشجان: 162.

المهموم(1)وفرسان الهيجاء(2)ومُعْجَم رِجال الحديث(3). ولكن مع ذلك كلّه، الاتحاد في رجز الرجل ورجز عبد الرحمن وعبد الله ابنَي عزرة الغفاريين المذكورين وعدم ذكره في المصادر الأولية يوقعنا في التردّد في أصل وجود الرجل واستشهاده، والعلم عند الله تعالى.

مقتل يَحيَى بْن سُلَيْمٍ المازني

قال ابن شهر آشوب السَروي: «بَرَزَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الْمَازِنِي وَهُوَ يَقُولُ:

لَأَضْرِبَنَّ الْقَوْمَ ضَرْبًا فَيْصَلاَ *** ضَرْبًا شَدِيدًا فِي الْعَدَا مُعَجّلاً

لا عاجِرًا فِيهَا وَلا مُوَلْوِلاَ *** وَلا أَخافُ الْيَوْمَ مَوْنًا مُقْبِلا»(4)

وزاد العلّامة المَجلِسي : «الكِنَّنِي كَاللَّيْثِ أَحْمِي أَشْبُلا. ثُمَّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ الله عَلَيْه»(5)

أقول: وذكره الخوارزمي في مقتله(6)، وتبعه بعض الأعلام المذكورين في العنوان السابق.

مقتل عُمَيْر بن عبد الله المَذْحِجي

قال ابن شهر آشوب السَرَوي: «بَرَزَ عُمَيْرُ بْنُ عبد الله الْمَذْحِجِيٌّ قَائِلًا:

ص: 143


1- نَفَس المهموم: 288.
2- فرسان الهيجاء: 2/ 25.
3- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 14 / 81 رقم 9621.
4- المناقب : 2 / 218.
5- بحار الأنوار: 198/10(24/45).
6- مَقْتَل الحُسَيْن(علیه السّلام): 17/2.

قَدْ عَلِمَتْ سَعْدٌ وَحَيٌّ مَذْحِجِ *** إِنِّي لَدَى الْهَيْجَاءِ لَيْثٌ مُحْرِج

أَعْلُوا بِسَيْفِي هَامَةَ الْمُدَجَّجِ *** وَأَتْرُكُ القِرْنَ لَدَى التَّعَرُّج

فَرِيسَةَ الضَّبْعِ الأَزَلُّ الْأَعْرَج»(1)

زاد العلّامة المجلسي في البحار: «وَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قَتَلَهُ مُسْلِمُ الضَّبَابِيُّ وعبد الله الْبَجَلِيُّ»(2).

أقول: ذكره الخوارزمي في مقتله(3)وتبعه بعض الأعلام المذكورين.

مقتل سُوَيْد بن عَمْرِو بنِ أَبِي الْمُطَاع

نقل الطبري عن أَبي مِخْنَفَ: «حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ عبد الرحمن بنِ زُهَيْرٍ الْخَشْعَمِيُّ، قَالَ: كَانَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مَعَ الْحُسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ سُوَيْدَ بن عَمْرِو بْنِ أبِي الْمُطَاع الْخَشْعَمِيُّ»(4).

ونقل عنه أيضًا: «إِنَّ سُوَيْدَ بنَ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمُطَاعِ كَانَ صُرِعَ فَأُنْخِنَ، فَوَقَعَ بَيْنَ الْقَتْلَى مُنْخَنًا، فَسَمِعَهُم يَقُولُونَ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ!، فَوَجَدَ إِفَاقَةٌ، فَإِذَا مَعَهُ سِكِّين وَقَدْ أُخِذَ سَيْفُهُ، فَقَاتَلَهُمْ بِسِكِّينِهِ سَاعَةً، ثُمَّ إِنَّهُ قُتِلَ. قَتَلَهُ عُرْوَةُ بْنُ بِطارِ التَّغْلِبي وزَيْدُ بنُ رُقَادِ الْجَنبِيُّ ، وَكَانَ آخِرَ قَتِيل»(5).

ص: 144


1- المناقب : 2/ 218.
2- بحار الأنوار: 19/45(196/10).
3- مَقْتَل الحُسَيْن(علیه السّلام): 2/ 14.
4- تاريخ الطبري: 256/6.
5- تاريخ الطبري: 6 / 260.

أقول: ذكره ابن نَما الحلّي(1)والسيد ابن طاوس(2)والعلّامةالمَجلِسي(3)(رِضْوانُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعين) وتبعهم بعض الأعلام المذكورين.

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام).(4)

والفُضَيْل في التسمية: «وَقُتِلَ مِن بَنِي خَثْعَم... سُوَيْدُ بْنُ عَمْرِو بن الْمُطَاع؛قتَلَهُ هاني بنُ نُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ»(5).

والرجل كان شيخًا شريفًا عابدًا كثير الصلاة، وشجاعًا مجربًا في الحروب. وآخر قتيل من أصحاب الحُسَين(علیه السّلام)، أدركته السعادة الأبدية، وكان أهلًا الذلك (رَحْمَةُ الله عَلَيْه).

ص: 145


1- مُثير الأحزان: 67.
2- اللهوف: 48.
3- بحار الأنوار: 197/10(24/45).
4- رجال الطوسي: 74.
5- تُراتُنا: ع 2/ 154.

ص: 146

الفصل الثالث:

شهداء الطالبيين عليهم سلام الله

ص: 147

ص: 148

يجب علينا أن نتعرّض لمقاتل الطالبيين المستشهدين في يوم الطف، فنقول:

مقتل عَليّ بن الحُسَيْن(علیهما السّلام)

قال شَيْخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «تَقَدَّمَ ابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(علیهما السّلام)وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ أَبي قُرَّةَ بنِ عُرْوَةَ بنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وكانَ مِنْ أَصْبَحَ النَّاسِ وَجْهَا، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَ عَشَرَة(1)سَنَةٌ، فَشَدَّ عَلَى النَّاس وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلي *** نَحْنُ وَبَيْتِ الله أَوْلَى بِالنَّبِي

تالله لا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي *** أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ أُحَامِي عَنْ أَبِي

ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٌّ قُرَشي

فَفَعَلَ ذلِكَ مِرَارًا وأَهْلُ الكُوفَةِ يَتَّقُونَ قَتْلَهُ، فَبَصُرَ بِهِ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذ العبدي، فَقَالَ: عَلَيَّ آثَامُ الْعَرَبِ إِنْ مَرَّبِي يَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ ذلِكَ إِنْ لَمْ أُنْكِل أَبَاهُ؛ فَمَرَّ يَشُدُّ عَلَى النَّاسِ كَمَا فَعَلَ فِي الْأَوَّلِ، فَاعْتَرَضَهُ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذ، وطَعَنَهُ فَصُرِعَ ، وَاحْتَوَاه الْقَوْمُ، فَقَطَّعُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ.

فَجَاءَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : قَتَلَ الله قَوْمًا قَتَلُوكَ يا بُنَيَّ ! مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَن وَعَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)!؛ وَانْهَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوع. ثُمَّ قَالَ: عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَا!

وَخَرَجَتْ زَيْنَبُ أُختُ الْحُسَيْنِ مُسْرِعَةٌ تُنَادِي: يَا أَخَيَّاهِ! وَابْنَ أَخَيَّاه!، وَجَاءَتْ حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ الْحُسَيْنُ بِرَأْسِهَا فَرَدَّهَا إِلَى الْفُسْطَاطِ، وَأَمَرَ

ص: 149


1- في الإرشاد : 106/2 «بضعَ عَشرَة»، طبعة مُؤَسَّسَة آلِ البَيْت(علیهم السّلام).

فِتْيَانَهُ، فَقَالَ: اِحْمِلُوا أَخَاكُمْ؛ فَحَمَلُوهُ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيِ الْفُسْطَاطِ الَّذِي كَانُوا يُقَاتِلُونَ أَمَامَهُ»(1).

أقول: كانت أمّ عَليّ الأكبر، ليلى بنت أبي مُرَّة بن عُروة بن مسعود الثقفي، وأبو قرة المذكور في المتن تصحيف أو غلط من النسّاخ ذكر نحو ذلك الطبري في تاريخه(2).

قال شَيْخنا الصدوق :«بَرَزَ ... عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا بَرَزَ إِلَيْهِمْ دَمَعَتْ عَيْنُ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَقَالَ: اللهم ! كُنْ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمُ ابْنُ رَسُولِكَ وَأَشْبَهُ النَّاسِ وَجْهَا وَسَمْتَا بِهِ . فَجَعَلَ يَرْتَجِرُ وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلي *** نَحْنُ وَبَيْتِ الله أَوْلَى بِالنَّي

أَمَا تَرَوْنَ كَيْفَ أَحْمِي عَنْ أَبِي؟!

فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِيهِ ، فَقَالَ : يَا أَبَةَ الْعَطَشُ ! فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام):صَبْرًا يا بُنَيَّ يَسْقِيكَ جَدُّكَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى. فَرَجَعَ فَقَاتَلَ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ قُتِلَ صَلَّى الله عَلَيْهِ»(3).

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «تَقَدَّمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَكْبَر(علیه السّلام)وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ عَشَرَ سَنَةٌ، وَيُقَالُ: ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَ يُشَبَّهُ برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)خَلْقًا وخُلقا ونُطقا، وَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

ص: 150


1- الإرشاد: 220.
2- تاريخ الطبري : 256/6.
3- أمالي الصدوق: 138 المجلس الثلاثون.

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِي *** مِنْ عُصْبَةٍ جَدُّ أَبِيهِمُ النَّبِي

نَحْنُ وَبَيْتِ الله أَوْلَى بِالْوَصِي *** وَالله لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي

أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي *** أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَنِي

طَعْنَ غُلَامِ هَاشِمِيٌّ عَلَوي

فَقَتَلَ سَبْعِينَ مُبَارِزًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِيهِ وَقَدْ أَصابَتْهُ جِراحَاتٌ، فَقَالَ: يَا أَبَةَ الْعَطَشُ !

فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): يَسْقِيكَ جَدُّكَ! فَكَرَّ أَيْضًا عَلَيْهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ:

الْحَرْبُ قَدْ بَانَتْ لَهَا الْحَقَائِقُ *** وَظَهَرَتْ مِنْ بَعْدِهَا مَصَادِقُ

وَالله رَبِّ الْعَرْشِ لاَ نُفَارِقُ *** جُمُوعَكُمْ أَوْ تُغْمَدَ الْبَوَارِقُ

فَطَعَنَهُ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذِ الْعبدِيُّ عَلى ظَهْرِهِ غَدْرًا، فَضَرَبُوهُ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفا، وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى بَابِ الْفُسْطَاطِ، فَصَارَتْ أُمُّهُ شَهْرَ بانويَهُ وَلْهَى تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلا تَتَكَلَّمُ»(1).

أقول: قد عرفت من الشيخ المفيد تت أن الإمام(علیه السّلام)، أمر فتيانه أن يحملوا عليّا إلى الفسطاط وليست أُمّه شهربانويه حتّى تنظر إليه وَلْهى فتَأَمَّل.

وذكره ابن فتال النيسابوري(2)وابن نما الحلي(3)وابن طاوس الحُسَيْني(4)(رِضْوانُ الله عَلَيْهِمْ).

ص: 151


1- المناقب: 222/2.
2- رَوضَة الواعظين: 1/ 188.
3- مثير الأحزان: 68.
4- اللهوف : 49.

ولكن هنا أذكر ما ذكره العلّامة المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) لأنه قد جمع بين كلامهم وكلام غيرهم، فقال: «ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(علیهما السّلام)... وَرَفَعَ الْحُسَيْنُ سَبَّابَتَهُ(1) نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اللهمَّ اشْهَدْ عَلَى هؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَقَدَ بَرَزَ

! إِلَيْهِمْ غُلامٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقًا وَخُلْقًا وَمَنْطِقًا بِرَسُولِكَ، كُنَّا إِذَا اشْتَقْنَا إِلَى نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إِلَى وَجْهِهِ، اللهمَّ امْنَعْهُمْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ ، وَفَرِّقْهُمْ تَفْرِيقًا، وَمَزِّقْهُمْ تَمْزِيقًا، وَاجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَدًا، وَلاَ تُرْضِ الْوُلاَةَ عَنْهُمْ أَبَدًا! ، فَإِنَّهُمْ دَعَوْنا لِيَنصُرُونا ثُمَّ عَدَوا عَلَيْنا يُقاتِلُونَنا

ثُمَّ صَاحَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: مَا لَكَ؟ قَطَعَ اللهِ رَحِمَكَ وَلَا بَارَكَ اللهُ لَكَ فى أَمْرِكَ، وَسَلَّطَ عَلَيْكَ مَنْ يَذْبَحُكَ بَعْدِي عَلَى فِراشِكَ، كَمَا قَطَعْتَ رَحِمِي وَلَمْ تَحْفَظْ قَرَابَنِي مِنْ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)!

ثُمَّ رَفَعَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)صَوْتَهُ وَتَلا: ﴿إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(2).

ثُمَّ حَمَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى الْقَوْمِ، وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِي *** مِنْ عُصْبَةٍ جَدُّ أَبِيهِمُ النَّبِي

وَالله لا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي *** أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَثْنِي

أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْيِي عَنْ أَبِي *** ضَرْبَ غُلَامِ هَاشِمِيٌّ عَلَوِي

فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى ضَجَ النَّاسُ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَتَلَ عَلَى عَطَشِهِ مِائَةٌ وَعِشْرِينَ رَجُلًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِيهِ وَقَدْ أَصَابَتْهُ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةً فَقَالَ:

ص: 152


1- شيبته خ ل.
2- سورة آل عمران: 33-34.

يَا أَبَهِ الْعَطَشُ قَدْ قَتَلَنِي، وَثِقْلُ الْحَدِيدِ أَجْهَدَنِي، فَهَلْ إِلَى شَرْبَةٍ مِن مَاءٍ سَبِيلٌ أَتَقَوَّى بِهَا عَلَى الْأَعْدَاءِ؟ فَبَكَى الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَقَالَ: يَا بُنَيَّ ! يَعِزُّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى عَليّ بْن أَبي طَالِبٍ وَعَلَيَّ أَنْ تَدْعُوهُمْ فَلاَ يُجِيبوكَ، وَتَستَغِيثَ بهمْ فَلا يُغِيثُوكَ، يا بُنَيَّ هَاتِ لِسَانَكَ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَمَصَّهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ وَقَالَ: أَمْسِكْهُ فِي ! فِيكَ وَارْجِعْ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنَّكَ لا تُمْسِي حَتَّى يَسْقِيَكَ جَدُّكَ بِكَأْسِهِ الْأَوْفَى شَرْبَةً لا تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَرَجَعَ إِلَى الْقِتَالِ وَهُوَ يَقُولُ:

الْحَرْبُ قَدْ بَانَتْ لَهَا الْحَقَائِقُ *** وَظَهَرَتْ مِنْ بَعْدِهَا مَصادِقُ

وَالله رَبِّ الْعَرْشِ لاَ نُفَارِقُ *** جُمُوعَكُمْ أَوْ تُعْمَدُ الْبَوَارِقُ

فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قَتَلَ تَمامَ الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ مُنْقِدُ بْنُ مُرَّةٍ الْعَبدِيُّ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ ضَرْبَةٌ صَرَعَتْهُ، وَضَرَبَهُ النَّاسُ بِأَسْيَافِهِمْ، ثُمَّ اعْتَنَقَ فَرَسَهُ، فَاحْتَمَلَهُ الْفَرَسُ إِلَى عَسْكَرِ الْأَعْدَاءِ، فَقَطَّعُوهُ بِسُيُوفِهِمْ إِرْبًا إرْبًا.

فَلَمَّا بَلَغَتِ الرُّوحُ التَّرَاقِيَ، قَالَ رافِعًا صَوْتَهُ: يَا أَبَتَاه! هذا جَدِّي رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قَدْ سَقَانِي بِكَأْسِهِ الْأَوْفَى شَرْبَةً لَا أَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَهُوَ يَقُولُ: الْعَجَلَ الْعَجَلَ : فَإِنَّ لَكَ كَأْسًا مَذْخُورَةً حَتَّى تَشْرَبَهَا السَّاعَةَ فَصَاحَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَقَالَ:

قتل الله قَوْمًا قَتَلُوكَ، مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمنِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ، عَلَى الدُّنْيا بَعْدَكَ الْعَفَا!

قَالَ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مُسْرِعَةً تُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثَّبُورِ، وَتَقُولُ: يَا حَبِيبَاهِ! يَا ثَمَرَةَ فُؤَادَاه! يا نُورَ عَيْنَاهِ! فَسَأَلْتُ عَنْهَا ، فَقِيلَ : هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلي(علیهما السّلام)، وَجاءَتْ وَانْكَبَّتْ عَلَيْهِ، فَجَاءَ الْحُسَيْنُ، فَأَخَذَ فَأَخَذَ بِيَدِهَا،

ص: 153

فَرَدَّهَا إِلَى الْفُسْطَاطِ، وَأَقْبَلَ بِفِتْيَانِهِ، وَقَالَ: اِحْمِلُوا أَخَاكُمْ، فَحَمَلُوهُ مِن مَصْرَعِهِ، فَجَاؤُوا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ عِنْدَ الْفُسْطَاطِ الَّذِي كَانُوا يُقَاتِلُونَ أَمَامَهُ»(1).

أقول : قد مرّ منّا أنّ قاتله كان مُرَّة بن مُنْقِذ العبدي كما ذكره الصدوق والمفيد والطبري وابن شهر آشوب السروي ،وغيرهم، فما ذكره المجلسي بعنوان «مُنْقِذ بن مُرَّة العبدي» فيه تقديم وتأخير نشأ من قلمه الشريف أو من قلم النسّاخ ، كما هو الظاهر.

والصحيح أنّه أوّل مَنْ برزَ من بني هاشم، وقتل كما عليه المشهور، خلافًا لبعض مشايخنا الأعاظم، نحو الصدوق وابن شهر آشوب السَرَوي وابن نَما الحلّي والمَجلِسي (قَدَّسَ الله أَسْرارَهُم) حيث ذكروه في أواسط أو أواخر شهداء بني هاشم.

قال أبو الفَرَج الأصفهاني في مَقاتِله: «عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَهُوَ الْأَكْبَرُ وَلاَ عَقِبَ لَهُ، وَيُكَنَّى أَبَا الْحَسَنِ وَأُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي مُرَّةَ بنِ عُروَةَ بنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وأُمُّهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيانَ بْنِ حَربِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَتُكَنَّى أُمَّ شَيْبَةَ، وأُمُّهَا بِنتُ أَبِي الْعاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْوَقْعَةِ، وَإِيَّاه عُنِيَ مُعَاوِيَةُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحَمَّدِ بْن سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى القَطَّانُ،قالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِذَا الْأَمْرِ ؟ قَالُوا: أَنْتَ ! قالَ : لا ، أَوْلَى النَّاسِ بِهِذَا الْأَمْرِ بْنِ عَلِيٍّ، جَدُّهُ رَسُولُ الله، وَفِيهِ شَجَاعَةُ بَنِي هَاشِمٍ، وَسَخَاءُ بَني أُمَيَّةَ وَزَهُو ثَقِيفٍ».

ص: 154


1- بحار الأنوار: 42/45(202/10 - 44).

ثم قال أبو الفرج بعد أسطر: «وَوُلِدَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن في خِلافَةِ عُثمان، وَقَدْ رَوَى عَن جَدِّهِ عَليَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَنْ عَائِشَة أَحَادِيث...»(1).

أقول: مُراد أبي الفَرَج الأصفهاني بقوله: «هُوَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ فِي الْوَقْعَةِ» أي أَوّل مَنْ قتل من الطالبيين في وقعة الطف، كما لا يخفى.

وأَمّا مقالة مُعاوية : فإنّ له أغراضًا مِنْ هذه المقالة وأن يظهر منها شخصية مولانا عليّ بن الحُسَيْن(علیهما السّلام)، والْفَضْلُ ما شَهدَتْ بهِ الْأَعداء، ولكن يريد (لعنه الله) بها أن يكتم أولا : خلافة مولانا وإمامنا الحُسَيْن بن علي(علیهما السّلام).

وثانيًا: الشرائط اللازمة للإمامة نحو العصمة والأعلمية وغيرهما(2).

ثالثًا لا نعرف لبني أمية جودًا وسخاءً ولكن معاوية يثبته في المقال تبعًا ويدعيه.

هذا، وذكره الفُضَيْل في التسمية(3)والشَيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القدوسي) في أصحاب الْحُسَيْن(علیه السّلام)، ووصفه ب«الأصغر ولده(4).

أقول : التوصيف سهو صدر من قلمه الشريف، وأنه الأكبر من ولده(علیه السّلام)، كما عليه أرباب كتب الأنساب.

قال شريف نجم الدين أبو الحَسَن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد العَلَوِي العُمَري: «فَأَمَّا عَلَى الْأَكْبَرُ فَشَهِدَ الطَّفَ ، وقُتِلَ وَلَمْ يُخَلَّفْ عَقِبا. رَوَى ذلِكَ غَيْرُ واحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا وَزَعَمَ مَنْ لاَ بَصِيرَةَ لَهُ أَنَّ عَلِيًّا الأَصْغَرَ هُوَ المَقْتُولُ، وَهذَا

ص: 155


1- مَقاتِل الطَّالِبيّين: 55ط . المطبعة الحيدرية، 1353ه.ق.
2- ولتفصيل بحث شرائط الإمامة راجع كتابنا «ولايت وإمامت» : 43 وما بعدها.
3- تُراثنا : ع 2/ 150.
4- رجال الطوسي: 76.

خَطَأَ وَوَهَمُ»(1).

ووصفه ابن فُندق البيهقي(2)بالأكبر.

وقال الرازي(3): «فَعَليُّ الأَكْبَرُ، أُمُّه لَيْلَى الثَّقَفِيَّةُ، وأُمُّ لَيْلَى مَيْمُونَةُ بِنْتِ أَبِي سُفْيانَ بْنِ حَرْبٍ، وَلِهَذَا دَعَاهُ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى الْأَمانِ، وَقَالُوا: إِنَّ لَكَ رَحِمًا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ؛ وَيُرِيدُونَ رَحِمَ مَيْمُونَةَ. فَقَالَ عليُّ بْنُ الْحُسَيْن(علیهما السّلام): لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله أَحَقُّ بِالرِّعَايَةِ مِنْ قَرابَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ؛ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِمْ وَأَنشَأَ يَقُولُ... وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَلَا عَقِبَ لَهُ بِالْإِجْمَاع»(4)

وأما زمان ولادته (سَلامُ الله عَلَيْه) : قد مرّ في كلام أبي الفرج الأصفهاني أنه ولد في خلافة عثمان، وقبله ابن إدريس الحلّي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في سَرائره(5).

والمنقول من الحدائق الورديَّة أنه ولد في حدود عام 33ه(6)والمنقول من أنيس الشّيعَة(7)أنه ولد في الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة(8)وعلى هذا كان عمره الشريف سبعًا وعشرين سنة حين استشهد (سَلَامُ الله عَلَيْه)

ص: 156


1- لمجدي في أنساب الطالبيين: 91.
2- لُباب الأنساب والألقاب والأعقاب: 397/1.
3- قد تردّد بعض في انتساب كتاب الشَّجَرَة المُبارَكَة إلى الفخر الرازي.
4- الشَّجرة المُبارَكَة في أنساب الطَّالِبيَّة : 72.
5- السرائر : 655/1.
6- نقل عنه المَحَلّاتي في فُرسان الهيجاء: 1/ 287.
7- كتاب في وقايع الأيام تأليف المولوي محمد عبد الحسين بن محمد عبد الهادي الجعفري الطياري الهندي الحائري أنهاه سنة 1241ه. ق. راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 458/2.
8- نقل عنه السَيّدِ المُقَرَّم في مَقْتَلِه : 255.

يوم ولد ويوم استشهد يوم يُبْعَث حيّا.

مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب

قال شَيْخنا الصدوق: «بَرَزَ ... عبد الله بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَقْسَمْتُ لَا أُقْتَلُ إِلا حُرًا *** وَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ شَيْئًا مُرًا

أَكْرَهُ أَنْ أُدْعَى جَبَانًا فَرًا *** إِنَّ الْجَبَانَ مَنْ عَصَى وَفَرًا

فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاثَةٌ ثُمَّ قُتِلَ»(1).

وقال شَيخنا المُفيد : «رَمَى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب عُمَرَ بْن سَعْدٍ يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بنُ صُبَيْحٍ، عبد الله بْنَ مُسلِمِ بْنِ عَقِيلٍ بِسَهْمٍ، فَوَضَعَ عبد الله يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ يَتَّقِيهِ، فَأَصَابَ السَّهْمُ كَفَّهُ وَنَفَدَ إِلى جَبْهَتِهِ فَسَمَّرَهَا بِه فَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيكَهَا، ثُمَّ انْتَحَى عَلَيْهِ آخَرُ بِرُمْحِهِ، فَطَعَنَهُ فِي قَلْبِهِ فَقَتَلَهُ»(2).

قال الطبري: «ثُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ صُبيح الصُّدَائِيَّ رَمَى عبد الله بْنَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ بِسَهُم، فَوَضَعَ كَفَّهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ، فَأَخَذَ لا يَسْتَطِيعُ أَن يُحَرِّكَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ انْتَحَى لَهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَفَلَقَ قَلْبَهُ»(3).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي: «أَوَّلُ مَنْ بَرَزَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عبد الله بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ يَقُولُ:

ص: 157


1- أمالي الصدوق، 137 المجلس الثلاثون.
2- الإرشاد: 220.
3- تاريخ الطبري: 256/6.

الْيَوْمَ أَلْقَى مُسْلِمًا وَهُوَ أَبِي *** وَفِتْيَةً بَادُوا عَلَى دِينِ النَّبِي

لَيْسُوا بِقَوْمٍ عُرِفُوا بِالْكَذِبِ *** لكنْ خِيارٌ وَكِرامُ النَّسَبِ

مِنْ هَاشِمِ السَّادَاتِ أَهْلِ الْحَسَبِ

فَقَاتَلَ حَتَّى قَتَلَ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعِينَ رَجُلًا بِثَلاثِ حَمَلَاتٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ صُبَيْحِ الصَّيْداوِيُّ وَأَسَدُ بْنُ مَالِكٍ»(1).

أقول: تبع ابن شهر آشوب ،السروي، الشيخ الصدوق في أن عبد الله هو أوّل مَن برز من بني هاشم، وتبعهما فتال النيسابوري(2) وابن نَما الحلّي(3) والعلّامة مُحَمَّد باقر المجلسي(4)، وقد مرّ منا أنَّ أوّل مَنْ برز من بني هاشم علي الأكبر لا غيره

قال أبو الفرج الأصفهاني: «عبد الله بن مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهُ بْنُ رُقيَّةُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وأُمُّهَا أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ صُبَيْحٍ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَدايِنِيِّ وَحُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَذُكِرَ أَنَّ السَّهْمَ أَصَابَهُ وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى جَبِينِهِ، فَأَثْبَتَهُ فِي رَاحَتِهِ وَجَبْهَتِهِ»(5).

أقول: ذكره الفُضَيْل في التسمية(6)والشيخ الطوسي في أصحاب

ص: 158


1- المناقب: 2/ 220.
2- روضة الواعظين: 1/ 188.
3- مثير الأحزان: 67.
4- بحار الأنوار: 199/10(32/45).
5- مَقاتِل الطالبيين : 67.
6- تُراثنا : ع 151/2.

الحُسَيْن(علیه السّلام)(1)والشريف العمري في المجدي(2)والبيهقي في لباب الأنساب(3)ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبي(4).

حملة بني هاشم

لما قتل عبد الله بن مُسلِم حمل بنو هاشم حملة واحدة(5)فصاح بهم الحُسَيْن(علیه السّلام): «صَبْرًا، يَا بَنِي عُمُومَتِي! صَبْرًا، يَا أَهْلَ بَيْتِي! فَوَالله لاَ رَأَيْتُمْ هَوَانًا بَعْدَ هذَا الْيَوْم أَبَدًا!»(6)

ونصّ على هذه الحملة بعض أرباب المقاتل، نحو الشيخ محمد مهدي الحائري(7)والسيد عبد الرزاق المُقَرَّم(8)(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِمَا) .

والظاهر : استشهاد جملة منهم في هذه الحملة، نحو: عون بن جَعفَر وأخيه محمّد وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وأخيه جعفر، وسيأتي مقاتلهم إِنْ شاء الله تعالى.

ص: 159


1- رجال الطوسي: 76.
2- المُجدِي : 307 - 308.
3- لُباب الأنساب : 399/1.
4- راجع بحار الأنوار: 339/98،68/45.
5- يظهر من تاريخ الطبري: 256/6.
6- مَقْتَل الحُسَيْن(علیه السّلام)للخوارزمي : 2/ 78 ، اللهوف للسيد ابن طاوس: 50.
7- مَعالِي السِّبْطَيْن: 403/1.
8- مَقْتَل الحُسَيْن(علیه السّلام): 262.

مقتل عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

قال الشيخ المُفيد (رِضْوَانُ الله عَلَيْهِ) في الإرشاد: «حَمَلَ عبد الله بْنُ قُطَيْبَةَ الطَّائِيُّ عَلَى عَوْنِ بنِ عبد الله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ»(1).

قال الطبري: «فَاعْتَوَرَهُمُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبِ، فَحَمَلَ عبد الله بْنُ قُطْبَةَ الطَّائِيُّ ثُمَّ النَّبْهَانِيُّ عَلَى عَوْنِ بن عبد الله بن جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ»(2).

أقول ذكرَهُ ابن شهر آشوب السَرَوي(3)بعد أخيه محمّد، وتبعه العلامة مُحَمَّد باقر المَجلِسي(4)وفرهاد ميرزا(5)والعلّامة السيد محسن الأمين(6)، والظاهر تقدّمه على أخيه محمّد، كما عليه المفيد والطبري وغيرهم، وكيفما

كان، قال في المناقب:

«ثُمَّ بَرَزَ أَخُوهُ عَوْنٌ قَائِلًا:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا ابْنُ جَعْفَر *** شَهِيدُ صِدْقٍ(7)فِي الْجِنانِ أَزْهَر

ص: 160


1- الإرشاد: 220.
2- تاريخ الطبري: 256/6.
3- المناقب : 2 / 220.
4- بحار الأنوار: 202/10(34/45).
5- القمقام 2 / 436.
6- لَواعِج الأشجان: 174.
7- وفي العُبابِ: كُلُّ ما نُسِبَ إِلَى الصَّلاح والْخَيْرِ أُضِيفَ إِلَى الصِّدْقِ. فَقِيلَ: هُوَ رَجُلُ صِدْقٍ، وَصَدِيقُ صِدْقٍ، مُضافَيْن ومَعْناه : نِعْمَ الرَّجُلُ هو، وكذا امرأةُ صِدْقٍ، فإن جعلته نَعْتَا قُلتَ : الرّجل الصَّدْق بفتح الصّاد وهي صَدْقَة... وقَولُه عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّاً صِدْقٍ﴾ [سورة يونس/ 93] أي: أَنْزَلْناهُم مَنْزِلًا صَالِحًا وَقَالَ الرَّاغِبُ : وَيُعَبَرُ عَنْ كُلِّ فِعْل فاعِل ظَاهِرًا وباطنا بالصدق، فيُضاف إليه ذلِكَ الْفِعْلُ الَّذي يُوصَفُ به نَحْو قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكِ مُّقْتَدِرٍ﴾ [سورة القمر / 55] وعلى هذا ﴿أَنَّ لهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ [سورة يونس/ 2] وقوله تعالى: ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾[سورة الإسراء/ 80] و ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ [سورة الشعراء / 84] فإِنَّ ذلِكَ سُؤَالٌ أَن يَجْعَلَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ صَالِحًا بِحَيْث إذا أَثْنَى عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَه لَمْ يَكُن ذلِكَ الثَّناءُ كاذِبًا، بل يكون كما قالَ الشَّاعِرُ : إِذا نَحْنُ أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِصَالِحٍ *** فَأَنتَ كَما تُتْنِي وَفَوْقَ الَّذِي تُثني...» (تاج العروس للزبيدي : 13 / 262 ط . علي شيري).

يَطِيرُ فِيهَا بِجَنَاحٍ أَخْضَر *** كَفَى بِهَذَا شَرَفًا فِي الْمَحْشَرَ

فَقَتَلَ ثَلَاثَةَ فَوارِسٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَاجِلًا، قَتَلَهُ عبد الله بْنُ قُطْنَةَ الطَّائِيُّ»(1).

وذكره أبو الفرج الأصفهاني، وقال: «عَوْنُ بْنُ عبد الله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أبِي طَالِبِ الْأَكْبَرُ، أُمُّهُ زَيْنَبُ العَقِيلَةُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول الله(صلی الله علیه و آله و سلم). الْعَقِيلَةُ هِيَ الَّتِي رَوَى ابْنُ عَبّاسٍ عَنْهَا كَلَامَ فَاطِمَةَ فِي فَدَكِ، فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي عَقِيلَتُنَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَلي(علیهما السّلام)...»(2).

أقول: يظهر من أبي الفَرَج الأصفهاني أنّ لعبد الله بن جعفر عونين، عون الأكبر وعون الأصغر، وقال: «عَوْنُ بْنُ عبد الله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ عَوْنُ الْأَصْغَرُ، وَالْأَكْبَرُ، قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأُمُّ عَوْنٍ هَذَا جُمَانَةُ بِنتُ المُسَيَّبِ بنِ نَجِيةَ(3)بنِ رَبيعَةَ بنِ رِياحِ بنِ عَوفِ بنِ هِلَالِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ شَمْحِ بَنِ

ص: 161


1- المناقب: 2/ 220.
2- مَقاتِل الطالبيين : 64.
3- في بعض المصادر القديمة: «نَجَبَة».

فَزارَةَ، وأُمُّهَا مِن بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ الفَزَارِيّ، والمُسَيَّبُ أَحَدُ أُمَراءِ التَّوَّابِينَ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى الْخُرُوج عَلَى ابْنِ زِيادٍ (لَعَنَهُ الله) وَالطَّلَبِ بِدَم الْحُسَيْن ، فَقُتِلُوا بِعَيْنِ الْوَرْدَةِ وَلَهُ صُحْبَةٌ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ شَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَهُ. وَقُتِلَ عَوْنُ يَوْمَ الْحَرَّةِ (حَرَّةِ) وَاقِمٍ قَتَلَهُ أَصْحابُ مُسْرِفِ بنِ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي بِذلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ الْخَزَّازِ عَنْ عَليّ بنِ نَجمِ الْمَدَايِنِيِّ »(1).

أقول: ذكر ابن فُندق البيهقي في كتابه لباب الأنساب(2)عونين، ولكن قد خلط في ترجمتهما، وعدّ كليهما من مقتولي الطف، لكن ذكر الشريف العمري(3)كليهما والفُضَيْل في التسمية ذكر عونًا واحدًا، وقال: «أُمُّهُ جُمَانَة»(4).

وقد عرفت فيما ذكرنا أنّ جمانة كانت أم عون الأصغر المقتول في يوم الحرّة، وكانت أم عون الأكبر سيّدتنا ومولاتنا زينب الكبرى العقيلة بنت أمير المؤمنين(علیهما السّلام)، وكان هو من مقتولي الطف.

ذكر عوننا الشهيد الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي)، في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)، مع النصّ على قتله معه(5)ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(6).

ص: 162


1- مقاتل الطالبيين : 90.
2- لُباب الأنساب: 400/1، 403/1.
3- المُجدي: 297.
4- تُراثنا : ع 2 / 150.
5- رجال الطوسي 76.
6- راجع بحار الأنوار: 339/98،68/45.

والعجب من الدينوري حيث قال: «ثُمَّ قُتِلَ عَدِيُّ بنُ عبد الله بنِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ، قَتَلَهُ عَمْرُو بنُ نَهْشَلِ التَّمِيمِيُّ»(1).

مع أنّ علماء الأنساب لم يذكروا لعبد الله ولدا يسمّى عديَّا، فلا بد من تصحيف عون ،به وليس قاتله عمرو بن نهشل التميمي الذي ذكره بل عبد الله بن قطبة الطائي ثمّ النبهاني، كما مرّ كلام الطبري في ذلك . وكان عامر بن نهشل التميمي لا عمرو، قاتل أخيه محمد الآتي.

مقتل مُحَمَّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

قال شَيْخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَحَمَلَ عَامِرُ بْنُ نَهْشَلِ التَّمِيمِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عبد الله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَتَلَهُ»(2).

وقال الطبري أيضًا: «حَمَلَ عَامِرُ بْنُ نَهْشَلِ التَّمِيمِيُّ عَلَى مُحَمَّدِ بن عبد الله بن جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ»(3).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ بَرَزَ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بن جَعْفَرٍ وَهُوَ يُنْشِدُ:

أَشْكُو إِلَى الله مِنَ الْعُدْوانِ *** فِعَالَ قَوْمِ فِي الرَّدَى عُمْيَانِ

قَدْ بَدَّلُوا مَعَالِمَ الْقُرآنِ *** وَمُحْكَمَ التَّنْزِيلِ وَالتِّبْيَانِ

وَأَظْهَرُوا الْكُفْرَ مَعَ الطَّغْيَانِ

ص: 163


1- الأخبار الطُّوال : 257.
2- الإرشاد: 220.
3- تاريخ الطبري: 256/6.

فَقَتَلَ عَشَرَةَ أَنْفُس؛ قَتَلَهُ عَامِرُ بنُ نَهْشَل التَّمِيمِيُّ»(1).

أقول: وذكر نحو ذلك العلّامة مُحَمَّد باقر المجلسي في بحاره(2).

وقال أبو الفَرَج في مَقاتِله: «أُمُّهُ، الْخَوْصَا بِنتُ حَفْصَةَ بنِ ثَقِيفِ بنِ رَبيعَةَ بنِ عُثْمَانَ بنِ رَبيعَةَ بنِ عَائِدَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَرِثِ بن تَيْمِ اللات بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَليَّ بنِ بَكْرِ بنِ وَائِلِ، وأُمُّهَا، هِنْدُ بِنْتُ سالِمِ بنِ عبد الله بنِ عبد الله بنِ محرومِ بنِ سِنان بنِ مَولَةَ بنِ عَامِرِ بنِ مَالِكِ بنِ تَيْمِ اللاتِ بن ثَعْلَبَةَ، وأُمُّهَا، مَيْمُونَةُ بِنْتُ بِشِّرِ بنِ عَمْرِو بنِ الحَرِثِ بنِ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحصينِ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِل و...»(3).

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(4)مع النصّ على قتله معه والشريف العمري(5)من دون النص على قتله. ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(6).

ويعجبني هنا أن أذكر كلام الفُضَيْل بن زُبَيْرِ الكوفي من أصحاب الإمامين الصادقين، حيث قال: «مُحَمَّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأُمُّه الخوصاء بنتُ حفصةَ بنِ ثَقِيفِ بنِ رَبيعَةَ بنِ عَائِدَ بنِ الْحارِث بنِ تَيْمِ الله بنِ

ص: 164


1- المناقب : 2 / 220.
2- بحار الأنوار: 200/10(34/45).
3- مَقاتِل الطالبيين : 65.
4- رجال الطوسي : 79.
5- المُجدي: 297.
6- راجع بحار الأنوار: 45 / 339/98،68.

ثَعْلَبَةَ بنِ بَكْرِ بنِ وَائِلٍ، قَتَلَهُ عَامِرُ بْنُ نَهْشَلِ التَّيْمِيُّ.

:قَالَ وَلَمّا أَتَى أَهْلَ الْمَدِينَةِ مُصَابُهُم، دَخَلَ النَّاسُ عَلَى عبد الله بن جَعْفَرٍ بْنِ يُعَزُّونَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَوالِيهِ، فَقَالَ: هذا مَا لَقِينَا وَدَخَلَ عَلَيْنَا مِنَ الْحُسَيْنِ ! قَالَ : فَخَذَفَهُ عبد الله بْنُ جَعْفَرِ بِنَعْلِهِ، وَقَال: يَابْنَ اللَّخْنَاءِ! أَلِلْحُسَيْن تَقُولُ هَذَا ؟! والله لَوْ شَهِدْتُهُ مَا فَارَقْتُهُ حَتَّى أَقْتَلَ مَعَهُ، والله ما تَسْخَى نَفْسِي عَنْهُمَا وَعَنْ أَبِي عبد الله، إلَّا أَنَّهُمَا أُصِيبًا مَعَ أَخِي وَكَبِيرِي وَابْنِ عَمِّي مُواسِيَيْنِ مُضَارِبَيْنِ مَعَه. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَانِهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ عَلى كُلِّ مَحْبُوبٍ وَمَكْرُوهِ، أَعْزِزُ عَلَيْ بِمَصْرَع أَبِي عبد الله، ثُمَّ أَعْزِزْ عَلَيَّ أَن لا أَكُونَ آسَيْتُهُ بِنَفْسِي، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلّ حالٍ؛ قَدْ آسَاهُ وَلَدِي»(1).

عبيد الله بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طالب

قال أبو الفرج الأصفهاني: «عبيد الله بن عبد الله بْنِ جَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهُ الخَوصا بنْتُ حَفْصَةَ.

ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ حَسَنٍ فِيمَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْهُ أَنَّهُ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)بِالطَّفٌ رِضْوانُ الله وَصَلَوَاتُهُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَآلِهِ»(2).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي بعد مقتل أخويه مُحَمَّدٍ وعَون: «رُوِيَ أَنَّ عبيد الله بن عبد الله أَخَاه قَتَلَهُ بِشْرُ بْنُ حُوَيْطِرِ الْقَانِصِي»(3).

ص: 165


1- تُراثنا : ع 2 / 151.
2- مَقاتِل الطالبيين: 65.
3- المناقب: 2/ 220.

أقول: ذكره الشيخان: الشيخ عباس القمي(1)والشَيْخ ذبيح الله المَحَلاتي(2)(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِمَا) ولكن لم يذكر علماء الأنساب في كتبهم ولدًا بهذا الاسم(3)لعبد الله بن جعفر، وعدم ذكره في المصادر الأولية يوقعنا في الشكّ في أصل وجود الرجل واستشهاده يوم الطّف، ووافقنا على هذا التردّد بعض المعاصرين(4)دام بقاؤهم والله سبحانه هو العالم.

مقتل عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب

قال شَيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَشَدَّ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ عَلَى عبد الرحمن بنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَتَلَهُ»(5).

وقال الطبري: «وَشَدَّ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ أُسَيْر الْجُهَنِيُّ وَبِشْرُ بْنُ سَوْطِ الْهَمْدَانِيُّ ثُمَّ الْقابِضِيُّ عَلى عبد الرحمن بنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَتَلَاهُ»(6).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «بَرَزَ عبد الرحمن بْنُ عَقِيل وَهُوَ يَرْتَجِزُ :

أَبِي عَقِيلٌ فَاعْرِفُوا مَكَانِي *** مِنْ هَاشِمٍ وَهَاشِمٌ إِخْوَانِي

كهولُ صِدْقٍ سَادَةُ الْأَقْرَانِ *** هذا حُسَيْنُ شَامِعُ الْبُنْيَانِ

وسَيَّدُ الشَّيبِ مَعَ الشُّبانِ

ص: 166


1- نَفَس المهموم: 318.
2- فرسان الهيجاء: 1 / 260.
3- راجع المُجدِي: 297.
4- أنصار الْحُسَيْن : 118.
5- الإرشاد: 221.
6- تاريخ الطَّبَري: 256/6.

فَقَتَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ فارِسا. قَتَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ»(1).

أقول: ذكرَهُ ابن نَما الحلّي(2)والعلامة مُحَمَّد باقر المجلسي(3)، وله ذكر في كتب الأنساب نحو المُجدِي(4)ولباب الأنساب(5)ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(6)، وذكره الفُضَيْل في التسمية، وقال: «عبد الرَّحْمنِ بْنُ عَقِيل، أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَه عُثمانُ بنُ خَالِدِ بن أُسَيْر الْجُهَنِيُّ وَبِشر بنُ حَرب الْهَمْدَانِيُّ القَانِصِيُّ، اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ»(7).

مقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب

قال الطبري: «وَرَمَى عبد الله بْنُ عَزْرَةَ الْخَيْعَمِيُّ جَعْفَرَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ»(8).

أقول: وذكره أبو علي مسكويه الرازي(9).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي في المناقب: «ثُمَّ بَرَزَ جَعْفَرُ بْنُ عَقِيل قَائِلًا:

أَنَا الْغُلَامُ الْأَبْطَحِيُّ الطَّالِبِي *** مِنْ مَعْشَرٍ في هَاشِمٍ مِنْ غَالِبِ

وَنَحْنُ حَقًّا سَادَةُ الذَّوَائِبِ *** هذا حُسَيْنُ أَطْيَبُ الْأَطَائِبِ

ص: 167


1- المناقب: 2/ 220.
2- مثير الأحزان : 67 .
3- بحار الأنوار: 199/10(33/45).
4- المُجدِي : 307 - 308.
5- لباب الأنساب: 401/1.
6- راجع بحار الأنوار: 339/98،68/45.
7- تُراثنا: ع 151/2 .
8- تاريخ الطبري: 256/6.
9- تَجارِب الأُمم: 71/2.

فَقَتَلَ رَجُلَيْنِ، وفي قَوْلٍ : خَمْسَةَ عَشَرَ فَارِسًا . قَتَلَهُ بِشْرُ بْنُ سَوطِ الْهَمْدَانِيُّ»(1).

أقول: ذكره الشريف العُمَري(2)وابن فندق البيهقي(3)وأبو الفَرَجالأصفهاني(4)وقد سمّى الأخير أمهات المقتول وعشائرهنَّ، فراجع كلامه إن شئت. ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(5).

وذكره الفُضَيْل وقال: «جَعْفَرَ بْنُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ النّفْرَة بنِ عَامِرِ بنِ هَصَانِ الْكِلابِيَّ؛ قَتَلَهُ عبد الله بْنُ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيُّ»(6).

قال شَيخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلَّه) في عنوانه في قاموس الرجال: «نقل وقوع التسليم عليه في الرجبية والناحية، أقول: وقد ذكره الطبري في تاريخه وأبو الفرج في مقاتله، وهو جعفر الأكبر، فكان لعقيل جعفر آخر أصغر لأم ولد، ذكره مصعب الزبيري في أنسابه، وقد سمّى أبو الفرج أُمهات المقتول وعشائرهنّ. وفي الطبري: قتله بشر بن حَوط الهَمْداني»(7).

أقول : ذكر الشريف العُمري(8)ثلاثة جعافر لعقيل بن أبي طالب، وأمّا قاتل جعفر الشهيد(9)بالطف: عبد الله بن عزرة الخثعمي كما مرّ آنفًا كلام الطبري في

ص: 168


1- المناقب: 2/ 220.
2- المُجدِي: 308.
3- لباب الأنساب : 401/1.
4- مَقاتل الطالبيين: 66.
5- راجع بحار الأنوار: 68/45، 339/98.
6- تراثنا: ع 151/2.
7- قاموس الرّجال : 2 / 640 رقم 1468.
8- المُجدِي : 307.
9- تاريخ الطبري: 6 / 270.

ذلك، ولكن ذكر الطبري في ذكر أسماء من قُتِل من بني هاشم مع الحُسَيْن(علیه السّلام)ما ذكره شيخنا العلّامة، وسبحان مَنْ لا يسهو.

مقتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب

ذكره شَيْخنا المُفيد (رَوَّحَ الله رُوحَهُ العَزيز) في الفصل المختص بذكر أسماء من قُتِل مع الحُسَيْن(علیه السّلام)من أهل بيته بالطف(1) وهكذا ذكره الطبري في تاريخه وقال: «وَقُتِلَ عبد الله بْنُ عَقيل بن أبي طالب، وَأُمُّه أَم وَلَد؛ رَماهُ عَمْرُو بْنُ صُبَيْحِ الصُّدَائِي فَقَتَلَهُ»(2).

ويقول ابن شهر آشوب السَرَوي: «وَرُوِيَ أَنَّ عبد الله بْنَ عَقِيلِ الْأَكْبَرَ قَاتَلَ، فَقَتَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدِ الجُهَنِيُّ»(3).

وقال أبو الفرج الأصفهاني: «عبد الله الأَكْبَرُ بنُ عَقِيل بن أبي طالب، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَهُ فيما ذَكَرَهُ الْمَدَايِنِيُّ : عُثْمَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ أَشْيَمَ الجُهَنِيُّ، وَرَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ»(4).

وذكره الفُضَيْل، وقال: «عبد الله بن عقيل بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأُمُّه أُمُّ وَلَدٍ، رَماهُ عَمْرُو بْنُ صُبَيْحِ الصَّيْدَاوِيُّ فَقَتَلَهُ»(5).

أقول: والعجب من الشريف العُمَري(6)حيث لم يذكره في ولد عقيل

ص: 169


1- الإرشاد: 230.
2- تاريخ الطبري : 6 / 270.
3- المناقب: 2 / 220.
4- مَقاتِل الطّالِبيّين: 66.
5- تراثنا: ع 151/2.
6- المُجدِي : 308.

المقتولين بالطَّف، والعلّامة المامقاني حيث قال في ترجمة عبد الله بن عقيل: «إنّ لعقيل ابنين مسمّيين بعبد الله يلقب أحدهما بالأكبر والآخر بالأصغر ، قُتِلا بالطف مع الحُسَيْن»(1). مع خلوّ المصادر الأولية، بل الثانوية من استشهاد عبد

. الله الآخر لعقيل في الطف.

ورجّح المحقق الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ)(2)اتحاده مع عبد الله بن عقیل الرواي عن أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وروى عنه عمرو بن ثابت في التهذيب، الجزء الثامن، أحكام الطلاق، الحديث 106 ، والاستبصار، الجزء الثالث، باب أنّ من طلّق امرأة ثلاث تطليقات... الحديث 981 . وهو كذلك.

حمزة بن عقيل بن أبي طالب

ذكره الشريف العُمري(3)في ولد عقيل المقتولين بالطف، مع خلوّ جميع المصادر الأوّلية والثانوية عنه، لذا لم يثبت لدينا استشهاده يوم الطف، والله سبحانه هو العالم.

أبو سعيد الأَحْوَل، بن عَقيل بن أبي طالب

لم يذكره إلّا الشريف العمري(4)في ولد عقيل المقتولين بالطف، ويفهم من خلوّ جميع المصادر الأولية والثانوية عن ذكره عدم استشهاده في يوم الطف.

ص: 170


1- تنقيح المقال : 199/2.
2- مُعْجَم رِجالِ الْحَديث: 259/10 رقم 6997 و 6998.
3- المُجدِي: 308.
4- المُجدِي : 307 و 308.

والله العالم. نعم سيأتي ذكر ولده محمّد إِنْ شاءَ الله تعالى.

مقتل مُحَمَّد بن أَبي سعيد بن عَقيل بن أبي طالب

ذكره شَيْخنا المُفيد (رَوَّحَ الله رُوحَهُ العَزيز)، في الفصل المختص بأسماء من قُتِل مع الحُسَيْن(علیه السّلام)من أهل بيته بالطف(1).

قال الطبري: «قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلٍ وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَهُ لَقِيط بن يَاسِر الْجُهَنِيُّ»(2).

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَرُوِيَ أَنَّهُ قَاتَلَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَعِيدٍ الْأَحْوَلِ بنِ عَقِيلٍ، فَقَتَلَهُ لَقِيطُ بْنُ يَاسِرِ الْجُهَنِيُّ؛ رَمَاهُ بِنَبْلِ فِي جَنبِهِ»(3).

وقال أبو الفرج الأصفهاني: «مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بنِ عَقيل بنِ أَبِي طَالِبٍ الْأَحْوَل، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَهُ لَقِيطُ بْنُ يَاسِرٍ الْجُهَنِيُّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ»(4)

أقول: نقل العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي، كلام أَبي الفَرَج الأصفهاني في بحاره من دون استدراك عليه، مع أنّ أبا سعيد يلقب بالأحول، لا ابنه مُحَمَّد، وقد خلط في كلام أبي الفرج الأصفهاني هذا(5).

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)(6)

ص: 171


1- الإرشاد: 230
2- تاريخ الطبري: 6 / 270.
3- المناقب: 2/ 220.
4- مَقاتِل الطالبين: 67.
5- بحار الأنوار: 200/10(33/45).
6- رجال الطوسي: 80.

ونقل عنه ابن داود في رجاله(1)، وأسقط كلمة أبي وعده في عداد المسمّين بمحمد بن سعيد في القسم الأوّل، وهذا سهو صدر من قلمه الشريف، وأمثاله في كتابه ليس بقليل، كما لا يخفى على أهل الرجال.

وذكره الفُضَيْل وقال: «مُحَمَّد بن أَبِي سَعِيدِ بن عَقيل بنِ أَبي طَالِبٍ، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَهُ ابْنُ زُهَيْرِ الأَزْدِيُّ ولَقيطُ بْنُ يَاسِرِ الْجُهَنِيُّ، اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ»(2).

وذكره الشريف العُمَري(3)وابن فُندق البيهقي(4)ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(5)، ولعن قاتله في الأولى وسمّي«لقيط بن ياسر الجُهَني».

قال العلّامة المامقاني في ترجمته: «لكني عثرت بعد حين على تصريح أرباب كتب المقاتل والسير بأنّه كان صغيرًا له من العمر سبع سنين، وحينئذ يكون إدراج الشيخ الطوسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) إيَّاه في عداد أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)لا باعتبار كونه راويًا، بل تشريفا للكتاب باسمه الشريف.

وفي كفاية الطالب نقلا عن أبي مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال: لَمَا صُرِعَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَهَجَمَ الْقَوْمُ عَلَى الْخِيَمِ لِلسَّلْبِ وَتَصابَحَتِ النِّسَاءُ، خَرَجَ غُلامٌ مَدْعُورٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ(6) يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَشَدَّ عَلَيْهِ فَارِسٌ

ص: 172


1- رجال ابن داود: 172 رقم 1385.
2- تُراثنا : ع 2 / 151.
3- المُجدِي: 308.
4- لباب الأنساب : 402/1.
5- راجع بحار الأنوار: 339/98،69/45.
6- «الأخبية»: ظ. قد قالوا: «... أَبنِيَّة العَرَبِ طِرَافٌ وَأَخْبِيَةٌ ...». راجع تاج العروس: 222/19 ط. علي شيري.

فَضَرَبَهُ بالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَسَأَلْتُ عَنِ الْغُلام ، فَقِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلٍ، لَهُ مِنَ الْعُمرِ سَبْعُ سِنِينَ لَمْ يُراهِقٌ، وَعَنِ الْفَارِسِ، فَقِيلَ: لَقِيطُ بْنُ إِياسِ الْجُهَنِيِّانتهى»(1).

ولكن يرد عليه قول مصعب الزبيري بأنّ: «كانت فاطمة بنت علي عند مُحَمَّدُ بن أَبِي سَعِيدِ بن عَقِيل فولدت له حميدة...»(2).

وعلى هذا يرد قصة طفوليته في يوم الطف.

جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَقيل بن أبي طالب

قال أبو الفَرَج الأصفهاني في عنوان مُحَمَّد بن أَبي سَعيد ما نصه: «وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ أَنَّهُ قُتِلَ مَعَهُ أي مع مُحَمَّد بن أَبي سَعيد أو مع الحُسَيْن(علیه السّلام) جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَوَصَفَ أَنَّهُ سَمِعَ أَيْضًا مَن يَذْكُرُ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ.

وَقَالَ أبو الْفَرَجِ: وَمَا رَأَيْتُ في كُتُبِ الْأَنْسَابِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ابْنَا يُسَمَّى جَعْفَرا»(3)

أقول: نقل عنه العلّامة المجلسي(4)ولكن ذكره الخوارزمي في مقتله(5).

والصحيح ما ذكره أبو الفَرَج الأصفهاني؛ لأنه ذكر الشريف العُمري أبناء

ص: 173


1- تنقيح المقال : 3/ 60.
2- نسب قريش: 46.
3- مَقاتِل الطَّالِبيين : 67.
4- بحار الأنوار: 200/10(33/45).
5- مقتل الحُسَيْن(علیه السّلام): 48/2.

مُحَمَّد بن عَقيل، وقال ما نصه: «فَوَلَدَ مُحَمَّدُ بنُ عَقيل بن أبي طالب، عبد الله الْأَحْوَلَ وعبد الرَّحْمنِ الشّبيه والْقَاسِم وحُسَيْنًا وعَقِيلًا»(1).

وليس فيهم من يسمّى جعفرًا، فأصل وجود الرجل مردود(2)حتى نبحث أنّه قُتِلَ يوم الطَّف أو يوم الحرّة، والله العالم.

عَليّ بن عقيل بن أبي طالب

قال أبو الفَرَج الأصفهاني في عنوان مُحَمَّد بن أَبي سَعيد: وَذَكَرَ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ عَن عَقِيلِ بنِ عبد الله بنِ عَقِيل بنِ مُحَمَّدِ بنِ عبد الله بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقيل بن أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ عَقِيلٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدِ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ»(3).

أقول: نقل عنه العلّامة المجلسي(4)، وإن كان لعقيل عليان: علي الأكبر وعلي الأصغر كما ذكره الشريف العُمَري(5) ولكن لم يذكر استشهاد أحدهما يوم الطف إلّا أبو الفَرَج الأصفهاني، ويستفاد من عدم عنوانه مستقلًا في كلامه عدم قبوله لذلك، كيفما كان يفهم من خلوّ جميع المصادر عنه عدم استشهاد أحدهما يوم الطف؛ وَالْعِلْمُ عِنْدَ الله تَعالى.

ص: 174


1- المُجدِي: 308.
2- وإن وردت شهادته في المناقب، راجع بحار الأنوار: 62/45.
3- مَقاتِل الطالبيين : 67.
4- بحار الأنوار: 10 / 33/45(200).
5- المُجدي : 307.

مقتل قاسم بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب

قال الشيخ المُفيد في الإرشاد: «قَالَ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَبَيْنَا كَذلك إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا غُلامٌ كَانَ وَجْهُهُ شِقَّةَ قَمَرٍ في يَدِهِ سَيْفٌ وَعَلَيْهِ قَمِيصُ وَإِزارُ وَنَعْلَانِ قَدِ انْقَطَعَ شِسْعُ إِحْدَاهُمَا فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بن نُفَيْلِ الْأَزْدِيُّ: والله لأشُدَّنَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ : سُبْحانَ الله وَمَا تُريدُ بذلك، دَعْهُ يَكْفِيكَهُ هؤلاَءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَا يُبْقُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ فَقَالَ : والله لَأَشُدَّنَّ عَلَيْهِ!؛ فَشَدَّ عَلَيْهِ فَمَا وَلَّى حَتَّى ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ فَفَلَقَهُ وَوَقَعَ الْغُلامُ لِوَجْهِهِ، فَقَالَ: يَا عَمّاه ! فَجَلًا الْحُسَيْنُ كَمَا يُجَلِّي الصَّقْرُ ، ثُمَّ شَدَّ شَدَّةَ لَيْثٍ أُغْضِبَ، فَضَرَبَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ نُفَيْلِ بالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهَا بِالسَّاعِدِ فَقَطَعَهَا مِن لَدُنْ الْمِرْفَقِ فَصَاحَ صَيْحَةٌ سَمِعَهَا أَهْلُ الْعَسْكَرِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْكُوفَةِ لِيَسْتَنقِذُوهُ فَتَوَطَّأَتْهُ بِأَرْجُلِهَا حَتَّى مَاتَ وَانْجَلَتِ الْغَبَرَةُ فَرَأَيْتُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)قَائِمًا عَلَى رَأْسِ الْغُلَامِ وَهُوَ يَفْحَصُ بِرِجْلَيْهِ وَالْحُسَيْنُ(علیه السّلام)يَقُولُ: بُعْدًا لِقَوْمٍ قَتَلُوكَ، وَمَنْ خَصَمَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيكَ جَدُّك!

ثُمَّ قَالَ(علیه السّلام): عَزَّ والله عَلَى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوهُ فَلا يُجِيبَك أو يُجِيبَك فَلا يَنْفَعَكَ صَوْتٌ! والله كَثُرَ وَاتِرُهُ وَقَلَّ نَاصِرُها!؛ ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رِجْلَيِ الْغُلَامِ يَخُطَّانِ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَلْقَاهُ مَعَ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْقَتْلَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ لِي: هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب»(1).

ص: 175


1- الإرشاد: 221.

أقول: ونحوه في تاريخ الطبري(1)باختلاف يسير، وتَجارِب الأمم(2)وهكذا ذكره ابن نما الحلّي(3)وذكر مقتله ابن طاوس (الحَسَني) الحُسَيْني(4)ولم يتعرّض لاسمه، وذكره العلّامة المجلسي(5).

ولكن ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) بعد ذكر مقتل أخيه عبد الله بن الحَسَن: «ثُمَّ بَرَزَ أَخُوهُ الْقَاسِمُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ وَإِزَارٌ وَنَعْلاَنِ فَقَط ، وَكَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِنِّي أَنَا الْقاسِمُ مِنْ نَسْلِ عَلِي *** نَحْنُ وَبَيْتِ الله! أَوْلَى بِالنَّبِي

مِن شِمْرٍ ذِي الْجَوْشَن أو ابن الدَّعِي

فَقَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ. فَخَرَّ وَصَاحَ : يَا عَمَّاهِ! فَحَمَلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)،فَقَطَعَ يَدَهُ، وَسَلَبَهُ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ يَدِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَوَقَفَ الْحُسَيْنُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: عَزَّ عَلى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوَهُ فَلَا يُجِيبَكَ أَو يُجِيبَكَ فَلَا تَنْفَعَكَ إِجَابَتُهُ ! »(6).

أقول: ذكره الفُضَيْل في التسمية وقال: «أُمُّهُ أُمُّ وَلَد»(7). وأبو الفَرَج الأصفهاني في المقاتل وقال: «هو أخو أبي بكر بنِ الْحَسَنِ الْمَقْتُولِ قَبْلَهُ لأَبيه

ص: 176


1- تاريخ الطبري: 256/6.
2- تَجارِب الأمم : 71/2.
3- مُثير الأحزان: 69.
4- اللهوف: 50.
5- بحار الأنوار: 10/ 200 (35/45).
6- المناقب: 221/2.
7- تُراثنا : ع 2 / 150.

وأُمَّهِ »(1)، ثمّ ذكر سنده إلى حُمَيْد بن مُسلِم ونقل عنه مقتله المذكور، والشّريف العُمَري في المُجدِي وقال : «قال الموضح ... وزاد القَاسِم بن الحَسَنِ وَهُوَ الْمَقْتُول بالطَّفٌ. وهذِهِ زيَادَةٌ صَحِيحَةٌ، قَرَأْتُ في ولدِ الحَسَن(علیه السّلام)لِصُلْبِهِ عَلَى والدي أَبي الغَنائِم مُحَمَّدِ بن عَليٍّ بن مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بن أَحْمَدَ بن عَليٍّ بن مُحَمَّدٍ الصُّوفِي الْعُمَرِيُّ النَّسَّابَةِ، نَسَّابَةِ الْبَصْرِيِّينَ، عِنْدَ قِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ عَلَيْهِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَأَمْضَاهِ وَقَالَ لِي: دَمُ الْقَاسِمِ فِي بَنِي عَدِيٌّ»(2).

وذكره ابن فندق البيهقي في لباب الأنساب(3). ووقع التسليم عليه في زيارة الناحية المقدسة(4).

مقتل أبي بكر بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب

ذكره الشيخ المفيد(قدس سره)المختص بذكر أسماء مَنْ قُتِلَ مع الحُسَيْنِ(علیه السّلام)مِنْ أهل بيته بالطف(5).

قال الطَبَرِي: «قُتِلَ أَبو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ. قتله عبد الله بن عُقْبَةَ الْغَنَوِيُّ»(6).

ص: 177


1- مَقاتِل الطالبيين : 62.
2- المُجدِي : 19.
3- لباب الأنساب : 401/1.
4- راجع بحار الأنوار: 67/45.
5- الإرشاد: 230.
6- تاريخ الطبري: 6/ 269.

قال أبو الفرج الأصفهاني: «أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، لَا تُعْرَفُ أُمُّهُ، ذَكَرَ الْمَدَابِنيُّ في إِسْنَادِنَا (عَنْهُ) عَنْ أَبِي مِخْتَفِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي رَاشِدِ: أَنَّ عبد الله بْنَ عُقْبَةَ الْغَنَوِيَّ قَتَلَهُ؛ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شَمِرٍ، عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ : أَنَّ عُقْبَةَ الْغَنَوِي قَتَلَهُ»(1).

ولكن ذكره أبو الْفَرَج بعنوان أبي بكر بن حُسَيْن، وهكذا ذكره القاضي النعمان المتوفّى عام 363 صاحب دَعائِم الإسلام في كتابه شرح الأخبار في فَضائلِ الأَئمّة الأطهار، وقال: وَقُتِلَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ أبو بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ، رُمِيَ أَيْضًا بِسَهُم فَأَصَابَهُ فَمَاتَ مِنْهُ، وَالَّذِي رَمَاهُ حَرْمَلَةُ الْكَاهِليُّ وَهُوَ لأُم وَلَدِ»(2).

أقول: الظاهر تصحيف الحسن بالحسين في كلامهما؛ لعدم ذكر أبي بكر بن الحُسَيْن في بقية المصادر الأولية لدراسة يوم الطف، ووافقنا على الاتحاد ابن الأثير في الكامل(3)والخوارزمي في مقتله(4).

ذكره الفُضَيْل في التسمية(5)وابن فُندق البيهقي في لبابه(6)وابن نَما الحلّي في مُثيره(7)والعلامة مُحَمَّد باقر المجلسي في بحاره(8). ووقع التسليم عليه في

ص: 178


1- مَقاتِل الطالبيين: 61.
2- شَرْحِ الْأَخبار: 3/ 178.
3- الكامل في التاريخ: 4 / 92.
4- مَقتل الحُسَيْن : 47/2.
5- تُراثنا: ع 2/ 150.
6- لُباب الأنساب : 1 / 400.
7- مُثير الْأَحْزان: 68.
8- بحار الأنوار: 200/10 (36/5).

زيارتي الناحية والرجبية(1)، ووقع اللعن على قاتله: «عبد الله بن عُقْبَة الغَنَوي» في الأولى.

والعجب من الشريف العُمري النسّابة حيث قال: «وَعبد الله بن الْحَسَن هُوَ أبو بَكْرٍ ، قُتِلَ بالطَّفُ، وَكَانَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)زَوْجَهُ ابْنَتَهُ سُكَيْنَةَ، دَمُهُ فِي بَنِي غَنِيٌّ»(2).

لأنّ الصحيح تعدّد أبي بكر وعبد الله ابني الحسن(علیه السّلام)؛ لأنهما وردا متعدّدًا في المصادر الأولية.

وكان عبد الله غلامًا لم يبلغ الحلم كما يأتي مقتله قبل مقتل أبي عبد الله الحُسَيْنِ(علیه السّلام)،إِنْ شاءَ الله تعالى وإنه العالم.

حَسَن بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب(علیهما السّلام)المُثنّى

برز حَسَن بن الحَسَن(علیه السّلام)، وقاتل في يوم الطف ولم يقتل، قال الفُضَيْل : «وَوَجَدوا الْحَسَنَ بنَ الْحَسَنِ جَرِيحًا، وأُمُّه خَوْلَةُ بنتُ مَنْظُورِ الفَزَارِي»(3).

أقول: وذكره شَيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ)، في الإرشاد في باب ذكر ولد الحَسَن بن علي(علیهما السّلام)و قال فيها: «الْحَسَن بن الحَسَنِ، فَكَانَ جَلِيلًا رَئيسًا فَاضِلًا وَرِعًا، وكَانَ يَلِي صَدَقَاتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَليٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ في وَقْتِهِ... وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ حَضَرَ مَعَ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)يَوْمَ الطَّفٌ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَأُسِرَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِهِ جَاءَه أَسْمَاءُ مِنْ خَارِجَةَ، فَانْتَزَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْأُسَارَى، وَقالَ:

ص: 179


1- راجع بحار الأنوار: 339/98،67/45.
2- المُجدِي : 19.
3- تُراثنا : ع 2/ 157.

والله لا يُوصَلُ إِلَى ابْنِ خَوْلَةَ أَبَدًا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: دَعوا لِأَبِي حَسَّانَ ابْنَ أُخْتِهِ، وَيُقَالُ : إِنَّهُ أُسِرَ، وَكَانَ بِهِ جِراحٌ قد أُشفِيَ مِنْهُ... وَقُبِضَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَلاثُونَ سَنَةٌ(رحمه الله علیه)... وَمَضَى الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ(علیه السّلام)، وَلَمْ يَدَّعِ الْإِمَامَةَ وَلا ادَّعاهَا لَه مُدَّع»(1).

وقال السيد ابن طاوس: «رَوَى مُصَنِّفُ كِتابِ المَصَابِيحِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ الْمُثَنَّى قَتَلَ بَيْنَ يَدَيْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا، وَأَصَابَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ جِراحَةً، فَوَقَعَ ، فَأَخَذَهُ خالُهُ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ(2)، فَحَمَلَهُ إِلَى الْكُوفَةِ وَدَاوَاهُ حَتَّى [برى] وَحَمَلَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ»(3).

أقول: وذكره الشريف العُمَري في ولد الحَسَن(علیه السّلام)، وقال : «وَأُمُّ الْحَسَنِ بْن الْحَسَنِ الْمُثَنَّى ، خَولَهُ بِنْتُ مَنْظورِ الْفَزَارِيَّةُ زَوْجَهُ عَمُّهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بنتَهُ فاطمة»(4).

وذكر أيضًا أولاده الشريف العمري في المُجدِي(5)والفَخِرِ الرازي في الشَّجَرَة المُبارَكَة(6)والمروزي في الفَخري(7).

ص: 180


1- الإرشاد: 176.
2- أبو حَسّان أسماء بن خارجة بن حصن بن حُدَيفَة بن بدر الفزاري الكوفي ( المتوفى 66 ه. ق) من التابعين ومن رؤساء الكوفة. وكانت بنته هند زوجة عبيد الله بن زياد.
3- اللهوف : 63.
4- المُجدِي : 19.
5- المُجدِي : 36.
6- الشَّجَرَة المُبارَكة : 4.
7- الفخري في أنساب الطالبيين: 85.

ونقل شيخنا العلّامة المجلسي كلام المُفيد في البحار(1)، وذكره فرهاد ميرزا في القمقام(2)، والمُحَدِّث القمي في نَفَس المهموم(3)والمُحَقَّق الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في المعجم(4).

مقتل أبي بكر بن علي بن أبي طالب

في نسخة إرشادنا المطبوع ببلدتنا أصفهان سنة 1364ه. ق : ورَمَى عبد الله بنُ عُقبَةَ الْغَنَوِيُّ أبا بكر بن علي بن أبي طالب بسَهُم وَقَتَلَهُ»(5). الظاهر سقوط كلمتي بن حسن بعد أبي بكر في الطبع، وعليه تكون العبارة هكذا: «رَمَى عبد الله بنُ عُقْبَةَ الْغَنَوِيُّ أبا بكر بن حَسَنِ بنِ عَليَّ بن أَبِي طَالِبٍ بِسَهُم وَقَتَلَهُ »(6).

ويدلّ عليه ما ذكره الطبري في تاريخه(7)وذكرنا عبارته في مقتل أبي بكر بن الحَسَن(علیه السّلام).

هذا وقال شيخنا المُفيد في الفصل المختص بذكر أسماء من قُتِلَ مع الحُسَيْن(علیه السّلام)مِنْ أهل بيته بالطف: «عبد الله وأبو بَكْرٍ ابْنَا أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ(علیه السّلام)،

ص: 181


1- بحار الأنوار: 166/44.
2- القمقام: 2/ 439.
3- نَفَس المهموم: 328.
4- مُعْجَم رِجال الحديث: 301/4 رقم 2761.
5- الإرشاد: 221.
6- وهكذا صحح الإرشاد المطبوع من قبل مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)، ولكن لم ترد فيه كلمة «بسهم» فراجعه : 2/ 109 والحمد لله على التوفيق.
7- تاريخ الطبري: 269/6.

أُمُّهُما لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّةُ»(1).

ولكن قال في ذكر أولاد أمير المؤمنين(علیه السّلام): «مُحَمَّدٌ الْأَصْغَرُ الْمُكَنَّى بأبي بَكْرِ وعُبَيْدُ الله الشَّهيدانِ مَعَ أَخِيهِمَا الْحُسَيْنِ بِالطَّفٌ، أُمُّهُمَا لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودٍ الدارمية»(2).

وقال الطبري: «وَقُتِلَ أبو بَكْرِ بن عَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَأُمُّهُ لَيْلَى ابْنَةُ مَسْعُودِ بن خالد بنِ مَالِكِ بنِ رِبْعِيِّ بنِ سُلمي بنِ جَندَلِ بنِ نَهْشَلِ بنِ دَارِمٍ، وَقَدْ شُكٍّ فِي قتله»(3).

وقال أبو الفَرَج الأصفهاني: «أبو بَكْرِ بْنُ عَليّ بن أَبِي طَالِبٍ، لَمْ يُعْرَف اسْمُهُ وَأُمُّهُ لَيْلَى بِنتُ مَسْعُودِ بنِ خالِدِ».

وذكر عشائر أُمهاته ثمَّ قال: ذَكَرَ أبو جعفر مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ بنِ حُسَيْنِ في الْإِسْنَادِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ هَمْدَانَ قَتَلَهُ، وذَكَرَ المَدَايِنِيُّ أَنَّهُ وُجِدَ فِي سَاقِيَةٍ مَقْتُولًا لَا يُدْرِي مَنْ قَتَلَهُ»(4).

و قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) : بَرَزَ أبو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ قَائِلًا:

شَيْخِي عَلِيٌّ ذُو الْفَخَارِ الْأَطْوَلِ *** مِنْ هَاشِمِ الْخَيْرِ الْكَرِيمِ الْمُفْضِلِ

هذَا حُسَيْنُ ابْنُ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ *** عَنْهُ نُحَامِي بِالْحُسَامِ الْمُصْقَلِ

تَقْدِيهِ نَفْسي مِنْ أَخِي مُبَجِّلِ

ص: 182


1- الإرشاد: 230.
2- الإرشاد: 166.
3- تاريخ الطبري: 269/6.
4- مَقاتِل الطالبيين: 60.

فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قَتَلَهُ زَجْرُ بنُ بَدْرٍ الجُحْفِيُّ (النخعمي خ ل) وَيُقَالُ: عُقْبَةُ الْغَنَوِيُّ»(1).

وذكره العلامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسى (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) وقال: «ثُمَّ تَقَدَّمَتْ إِخْوَةُ الْحُسَيْنِ عَازِمِينَ عَلى أَن يَمُوتُوا دُونَه، فَأَوَّلُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ أَبو بَكْرِ بْنُ عَلى وَاسْمُهُ عبيد الله وَأُمَّهُ لَيْلَى بنْتُ مَسْعُود....»(2)ثم ذكر مقتله.

أقول: ذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)، وقال: «أبو بَكْرِ بْنُ عَليٍّ(علیه السّلام)، أَخُوهُ، قُتِلَ مَعَهُ، أُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ مسعود...»(3).

والفُضَيْل في التسمية(4)ومع وروده في المصادر الأولية ليس لنا تردّد في قتله یوم الطف، كما ذكر التردّد الطبري في كلامه ووافقه بعض المعاصرين(5).

ويؤيد مقالتنا حديث مولانا وإمامنا أبي جَعفَر مُحَمَّد الباقر(علیه السّلام)، كما ذكره أبو الفَرَج الأصفهاني، بل يعينها.

وفي اسمه خلاف تارة يظهر من الشيخ المفيد أنه غير عبد الله، وأُخرى يسمّيه بمحمد الأصغر، وثالثة صرّح العلّامة المجلسي بأنه عبيد الله، ورابعة قال أبو الفَرَج الأصفهاني: «لَمْ يُعْرَف اسْمُه». ولكن الظاهر اسمه عبد الله،

ص: 183


1- المناقب: 2/ 221.
2- بحار الأنوار: 10 / 200 (36/45).
3- رجال الطوسي: 81.
4- تُراثنا : ع 2/ 149.
5- أَنْصار الحُسَيْن : 117.

كما ذكره الشريف العُمَري في المُجدِي، وقال: «أبو بكر وَاسمه عبد الله قُتِلَ بالطَّفِّ»(1)ووافقنا على هذا الاسم، الخوارزمي(2)في مقتله والله العالم.

مقتل مُحَمَّد الأَصغَر بن عَليّ بن أبي طالب(علیه السّلام)

ذكره الشيخ المفيد (رَوَّحَ الله رُوحَهُ العَزيز) في كتابه الإرشاد في أولاد أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وقال: «مُحَمَّدٌ الْأَصْغَرُ الْمُكَنَّى بِأَبي بَكْرٍ وَعُبَيْدُ الله الشَّهِيدَانِ مَعَ أَخِيهِمَا الْحُسَيْنِ بِالطَّفٌ، أُمُّهُما لَيْلَى بِنْتُ مَسعُودِ الدَّارِمِيَّةُ»(3).

أقول: وقد ذكرناآنفًا في مقتل أبي بكر بن علي أن اسمه عبدالله، وهو عند أرباب التحقيق غير محمد الأصغر، هذا، ويأتي الكلام في عبيد الله إِنْ شَاءَ الله تَعَالى. وقال الطَبَرِي: «وَرَمَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَبانِ بنِ دَارِمٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي

طَالِبٍ فَقَتَلَهُ وَجَاءَ بِرَأْسِهِ»(4).

وقال أيضًا في ذكر أسماء مَن قُتِلَ مِنْ بني هاشم مع الحُسَيْن(علیه السّلام): «قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَبَانِ بنِ دَارِمٍ»(5).

وقال أبو الفَرَج الأصفهاني: «مُحَمَّدٌ الْأَصْغَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وأُمُّهُ

أُمُّ وَلَدٍ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَمِرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ(علیه السّلام)، وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَحْمَدَ بن

ص: 184


1- المُجدِي : 17.
2- مقتل الحُسَيْن: 38/2.
3- الإرشاد: 166.
4- تاريخ الطَّبَري: 257/6.
5- تاريخ الطبري: 6 / 269.

الْحَرِثِ عَنِ المَدَائِنِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ تَمِيمٍ مِن بَنِي أَبَانِ بنِ دَارِمٍ قَتَلَهُ رِضْوانُ الله عَلَيْهِ، وَلَعَنَ الله قَاتِلَه!»(1).

أقول: نقل العلّامة المجلسي كلام أبي الفرج الأصفهاني في بحاره(2)وذكر الشيخ الطوسي الرجل في أصحاب الحُسَيْن بعنوان «مُحَمَّد بن عَلِيّ أُمُّه أُمُّ وَلَد»(3). والفُضَيْل في التسمية وقال: «مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیهما السّلام)الْأَصْغَرُ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَبَانِ بنِ دَارِمٍ وَلَيْسَ بِقَاتِلِ عبد الله بْنِ عَليَّ، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَد »(4)

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية(5)والرجبية(6).

قال العلّامة المامقاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في عنوان «مُحَمَّدَ بنِ أمير المؤمنين(علیه السّلام)»:«مصداق هذا الاسم رجال ثلاثة، أحدهم: ابن الحنفية... الثاني : محمد الأصغر بن أمير المؤمنين ، وهو الذي استشهد أخيه مع بالطف، وأُمّه أم ولد، ويظهر من بعض العبارات أنّ كنيته أبو بكر، ويكفي في شرفه المضاف إلى شرف الأصلي شهادته وتسليم الإمام(علیه السّلام)عليه بالخصوص في الزيارة الرجبية وزيارة الناحية المقدّسة.

الثالث: محمد الأوسط بن أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وأُمه أمامة بنت أبي العاص

ص: 185


1- مَقاتِل الطالبيين: 60.
2- بحار الأنوار: 201/10 (39/45).
3- رجال الطوسي: 79.
4- تراثنا: ع 149/2.
5- راجع بحار الأنوار: 67/45.
6- راجع قاموس الرّجال : 125/9.

العَبْشَمي، وأمها زينب بنت النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أو ربيبته، تزوجها أمير المؤمنين(علیه السّلام)بعد الزهراء (سَلامُ الله عَلَيْهَا) بوصيّة منها ، وقد كان محمّد هذا بعد أبيه ملازما لأخيه الحَسَن ، ثمّ أخيه الحُسَيْن(علیه السّلام)، إلى أن خرج من المدينة فخرج معه إلى مكّة ثمّ إلى كربلاء فاستأذن يوم الطف وتقدّم وقتل من القوم جمعًا كثيرًا ثمّ تعطّفوا عليه من كل جانب وعقروا فرسه ثمّ قتلوه رِضْوانُ الله عَلَيْه...»(1).

أقول: لم أجد ذكر مُحَمَّدِ الأَوْسَط في كتب الأنساب المعتبرة والمصادر الأولية، بل الثانوية لدراسة يوم الطف، والله سبحانه هو العالم.

مقتل عبد الله بن علي بن أبي طالب

قال الطبري: وَزَعَمُوا أَنَّ الْعَبّاسَ بْنَ عَليٍّ قَالَ لِإِخْوَتِهِ مِنْ أُمِّهِ، عبد الله وَجَعْفَرٍ وَعُثْمَان: يَا بَنِي أُمِّي ! تَقَدَّمُوا حَتَّى أَرتَكُمْ، فَإِنَّهُ لا وَلَدَ لَكُمْ، فَقُتِلُوا، وَشَدَّ هَانِي بْنُ تُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ عَلى عبد الله بْنِ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ»(2).

أقول : منزلة مولانا وسيدنا العباس بن أمير المؤمنين(علیهما السّلام)فوق هذه العبارة التي نقلها الطبري، ولذا قال في أوّلها وزعموا، والظاهر تصحيف كلمة أرثكم مِنْ أرثيكم، كما نُقل ذلك عن العلّامة الطهراني (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) صاحب الذريعة(3)فكأنه(علیه السّلام)أراد أوّلاً: أن يفوز بالإرشاد إلى ناحية الحق، وثانيًا : تجهيز المجاهدين، وثالثًا : البكاء عليهم ورثائهم، فإنّه محبوب للمولى تعالى.

ص: 186


1- تنقيح المقال: 3/ 83.
2- تاريخ الطبري : 257/6.
3- نقل عنه السيد المُقَرَّم في كتابه «العبّاس» : 114.

ويؤيد ما ذكرنا مقالة شَيْخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْه)، حيث قال: «فَلَمَّا رَأَى الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ كَثْرَةَ الْقَتْلَى فِي أَهْلِهِ، قَالَ لإِخْوَتِهِ مِنْ أُمِّهِ وَهُمْ عبد الله وَجَعْفَرٌ وَعُثْمَانُ: يَا بَنِي أُمِّي ! تَقَدَّمُوا حَتَّى أَرَاكُمْ قَدْ نَصَحْتُمْ للهِ وَلِرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ لاَ وَلَدَ لَكُمْ؛ فَتَقَدَّمَ عبد الله فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَاخْتَلَفَ هُوَ وَهَانِي بْنُ نُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ ضَرْبَتَيْنِ، فَقَتَلَهُ هَانِي»(1).

أقول : وذكر نحو ذلك ابن نما الحلّي في مثير الأحزان(2).

وذكره أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل وقال: «أُمَّهُ أُمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ حِزَامِ بنِ خَالِدٍ».

ثم ذكر عشائر أُمهاته، ثمّ قال: «أَخْبَرَني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبراهيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد الله بْنُ الْحَسَنِ وعبد الله بْنُ الْعَبّاسِ، قَالَا: قُتِلَ عبد الله بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةٌ وَلاَ عَقِبَ لَهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبي عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ عَن أَبِي مِخْنَفٍ عَنْ عبد الله بْنِ عَاصِمٍ عَنِ الضَّحَاكِ المشرقي(3)، قَالَ : قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عَلِيٌّ(علیهما السّلام)لأخِيهِ مِنْ أَبِيهِ وأُمِّهِ، عبد

ص: 187


1- الإرشاد: 221.
2- مُثير الأحزان: 68.
3- في المصدر: «المشرفي» ولكن ما ضبطناه راجع توضيح المشتبه لابن ناصر الدين: 171/8 و 172 ط . مؤسسة الرسالة، اللباب في تهذيب الأنساب لابن أثير : 216/3ط. دار الصادر، تاريخ الإسلام للذهبي: 114/7 ط . التَدْمُري، تصحيفات المحدثينِ للعسكري: 2/ 486 ط . القاهرة، صحيح مُسلِم بِشَرحِ النَّوَوي: 169/7ط. دار الكتاب العربي.

الله بْنِ عَليّ: تَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى أَراكَ وَأَحْتَسِبَكَ، فَإِنَّهُ لاَ وُلدَ لَكَ، فَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ وَشَدَّ عَلَيْهِ هَانِي بنُ تُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ فَقَتَلَهُ»(1).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في المناقب: «ثُمَّ بَرَزَ أَخُوهُ، عبد الله، قَائِلاً:

أَنَا ابْنُ ذِي النَّجْدَةِ وَالْإِفْضَالِ *** ذاكَ عَلِيُّ الْخَيْرِ ذُو الْفَعَالِ

سَيْفُ رَسُولِ الله ذُو النَّكَالِ *** في كُلِّ يَوْمٍ ظَاهِرِ الْأَمْوَالِ

قتَلَهُ هاني بْنُ شَبِيبٍ الْحَضْرَمِيُّ»(2).

أقول: ذكره الفُضَيْل وقال: «عبد الله بْنُ عَلِيٍّ(علیه السّلام)وَأُمُّهُ أَيضًا أُمُّ الْبَنِينَ، رَمَاهُ وليُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيُّ بِسَهُم، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَني تَمِيمِ بنِ دَارِمٍ»(3)

والشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)، وقال: «عبد الله بْنُ عَلِيٍّ، أَخُوهُ أُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ أَيْضًا، قُتِلَ مَعَه(علیه السّلام)»(4).

والعَلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي في بحار أنواره(5).

ويؤيد كلامنا في أوّل هذا المقتل ما ذكره أبو حنيفة أحمد بن داود «الدينوري المتوفّى سنة 282 ه.ق.) في كتابه الأخبار الطوال: «لَما رَأَى ذلِكَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ لِإِخْوَتِهِ، عبد الله وَجَعْفَرٍ وَعُثْمَانَ بَني عَلِيٍّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ

ص: 188


1- مَقاتِل الطالبيين : 57.
2- المناقب : 221/2.
3- تراثنا: ع 149/2.
4- رجال الطّوسى : 76.
5- بحار الأنوار: 201/10(38/45).

السَّلاَمُ وأُمُّهُمْ جَمِيعًا أُمُّ الْبَنِينَ الْعَامِرِيَّةُ مِنْ آلِ الْوَحِيدِ: تَقَدَّمُوا بِنَفْسي أَنْتُم! فَحَامُوا عَنْ سَيِّدِكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا دُونَهُ فَتَقَدَّمُوا جَمِيعًا، فَصَارُوا أَمامَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)يَقُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ وَنُحُورِهِمْ، فَحَمَلَ هَانِي بنُ تُوَيْبِ الْحَضْرَمِيُّ عَلَى عبد اللهِ بْنِ عَلى فَقَتَلَهُ»(1).

وذكره الشريف العُمري وقال: «عبد الله أبو مُحَمَّدٍ الْأَكْبَرُ قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَدَمُهُ فِي بَني دَارِمٍ»(2).

وابن فندق البيهقي النسابة في لباب الأنساب(3).

مقتل جعفر بن علي بن أبي طالب

يقول شَيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْه)ِ:«وَتَقَدَّمَ بَعْدَهُ (أي بعد عبد الله) جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ؛ فَقَتَلَهُ أَيْضًا هاني»(4).

ويقول الطبري: «ثُمَّ شَدَّ هاني بن ثُبيت الحَضْرَمِي عَلَى جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَتَلَهُ وَجَاءَ بِرَأْسِهِ»(5).

ويقول أبو الفرج الأصفهاني: «جَعْفَرُ بْنُ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(علیه السّلام)، وأُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ أَيْضًا. قَالَ يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي خَبَرِ عبد الله: قُتِلَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةٌ. قَالَ أَبو

ص: 189


1- الأخبار الطوال: 257.
2- المُجدِي : 15.
3- لباب الأنساب : 398/1.
4- الإرشاد: 222.
5- تاريخ الطبري: 257/6.

مِخْنَفٍ في حَدِيثِ الضَّحَاكِ المشرقي(1): إِنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٌّ قَدَّمَ أَخَاهُ جَعْفَرًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُن لَه ولدٌ لِيَحُوزَ ولدُ الْعَبّاس بن عَليَّ مِيراثَهُ، فَشَدَّ عَلَيْهِ هاني بنُ تُبَيْتِ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ فَقَتَلَهُ، هكذا قَالَ الضَّحَّاك. وَقَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِم: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَمِرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ(علیه السّلام)أَنَّ خَوْلِيَّ بْنَ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيَّ لَعَنَهُ الله قَتَلَ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍ»(2).

أقول: قد مرّ الكلام في حيازة الميراث في مقتل أخيه عبد الله، فراجع ما

حرّرناه هناك.

ويقول ابن شهر آشوب السَروي: «ثُمَّ بَرَزَ أَخُوهُ، جَعْفَرٌ، مُنْشِنًا:

إنِّي أَنَا جَعْفَرُ ذُو الْمَعَالِي *** ابْنُ عَليَّ الْخَيْرِ ذِي النَّوَالِ

ذاكَ الْوَصِيُّ ذُو السَّنا والوَالِي *** حَسْبِي بِعَمّي جَعْفَرٍ وَالْخالِ

أَحْمي حُسَيْنًا ذَا النَّدَى الْمِفْضَالِ

رماهُ خَوْلِيُّ الْأَصْبَحيُّ، فَأَصَابَ شَقِيقَتَهُ أَوْ عَيْنَهُ»(3).

وذكره الفُضَيْل وقال: «جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(علیهما السّلام)وأُمُّهُ أَيْضًا أَمُّ الْبَنِينَ بِنْتُ حِزامِ، قَتَلَهُ هَانِي بْنُ نُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ»(4).

والشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)

ص: 190


1- في المصدر : «المشرفي» وقد مرّ أنّ الصحيح: «المشرقي».
2- مَقاتِل الطالبيين: 58.
3- المناقب : 2212.
4- تُراثنا : ع 2/ 149.

وقال: «جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخُوهُ، قُتِلَ مَعَهُ، أُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ»(1).

والشريف العُمري وقال: «جَعْفَرُ أبو عبد الله قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ تِسْع وَعِشْرِينَ سَنَةٌ »(2).

وابن فندق البيهقي النسّابة في لبابه(3)والعلامة المجلسي في بحاره(4).

ووقع التسليم عليه في زيارتي الناحية والرجبية(5)، ولعن قاتله في الأولى هاني بن ثبيت الحضرمي.

مقتل عُثمان بن علي بن أبي طالب

الشَّيْخ المُفيد : وَتَعَمَّدَ خَولِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحيُّ عُثمانَ بْنَ عَلِيٍّ، وَقَدْ قامَ مَقامَ إِخْوَتِهِ، فَرَمَاهُ بِسَهُم فَصَرَعَهُ، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن بَني دَارِم ، فَاجْتَزَ رَأْسَهُ »(6).

أقول: وذكر نحوه في تاريخ الطبري(7).

وقال أبو الفَرَج الأصفهاني: «عُثْمَانُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ أَيْضًا. قالَ يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عبيد الله بْنِ الْحَسَنِ وَعبد الله بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَا: قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةٌ، وَقَالَ

ص: 191


1- رجال الطوسي : 72.
2- المُجدِي : 15.
3- لباب الأنساب: 398/1.
4- بحار الأنوار: 201/10(38/45).
5- راجع بحار الأنوار: 45 / 339/98،66.
6- الإرشاد: 222.
7- تاريخ الطبري: 257/6.

الضَّحَاءُ المشرفيّ فِي الإِسنادِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذكرناه آنفًا خَوْليُّ بْنُ يَزِيدَ رَمَى عُثْمَانَ بْنَ عَلِيٍّ بِسَهُم فَأَوْهَطَهُ، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَبَانِ بنِ دَارِمٍ، فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ رَأْسَهُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ(علیه السّلام)أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَخِي عُثْمَانَ بْن مَطْعُونِ»(1).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ بَرَزَ أَخُوهُ، عُثْمَانُ، وهو ينشد:

إِنِّي أَنَا عُثْمَانُ ذُو الْمَفَاخِرِ *** شَيْخِي عَلَيٌّ ذُو الفَعَالِ الطَّاهِرِ

هذا حُسَيْنُ سَيِّدُ الْأَخَابِرِ *** وَسَيْدُ الصَّغَارِ وَالْأَكَابِرِ

بَعْدَ النَّبِيِّ وَالْوَصِيُّ النَّاصِرِ

رَماه خَوْليُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيُّ عَلى جَنبِهِ فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، وَجَزَّ رَأْسَهُ رَجُلٌ مِن بَني أَبَانِ بنِ دَارِمٍ»(2).

أقول: ذكَرَ العَلَّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ)، كلامَيْ ابن شهر آشوب السَرَوي وأبي الفرج الأصفهاني، في بحار أنواره(3).

وذكره الفُضَيْل في التسمية(4)والشريف العُمرى النسابة وقال: «عُثمان بن علي(علیه السّلام)يُكَنَّى أَبا عَمْرِو ، قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدى وَعِشْرِينَ سَنَةً»(5).

ص: 192


1- مَقاتِل الطالبيين: 58.
2- المَناقِب : 221/2.
3- بحار الأنوار: 10 / 37/45(200).
4- تُراثنا : ع 2 / 150.
5- المُجدِي : 15.

وابن فندق البيهقي النَسّابة في لبابه(1).

والعجب من الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي) حيث لم يذكره في رجاله، مع أنه ذكر إخوته من أبيه وأمه، أعني العباس وجعفرًا وعبد الله أبناء مِنْ أميرالمؤمنين عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلام.

ووقع التسليم عليه في زيارة الناحية المُقَدَّسة(2).

وقد سمعت من أبي الفَرَج الأصفهاني، أنّ الأمير(علیه السّلام)سماه باسم أخيه عُثمان بن مظعون، ولذا أحب هنا أن أذكر كلام الأمير(علیه السّلام)الذي قيل إنه في شأن ابن مظعون؛ لأنّ فيه فوائد جمة، قال(علیه السّلام): «كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اللهِ، وَكَانَ يُعْظِمُهُ في عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ خارِجًا مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ، فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ وَلَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ، وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِنًا، فَإِنْ قَالَ بَدَّ الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ ضَعِيفًا مُسْتَضْعَفًا، فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْتُ غَابٍ وَصِلُّ وادٍ لا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِيّا، وَكَانَ لاَ يَلُومُ أَحَدًا عَلى ما يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِدَارَهُ، وَكَانَ لاَ يَشْكُو وَجَعًا إِلَّا عِنْدَ بُرْنِهِ، وَكَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ وَلاَ يَقُولُ مَا لاَ يَفْعَلُ ، وَكَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ، وَكَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَن يَتَكَلَّمَ، وَكانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فَيُخالِفُهُ، فَعَلَيْكُمْ بِهِذِهِ الْخَلائِقِ، فَالْزَمُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا، فَإِن لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيل خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ!»(3).

ص: 193


1- لباب الأنساب: 398/1.
2- راجع بحار الأنوار: 67/45.
3- نهج البلاغة : حكمة 289 - 526 من طبع صُبحي صالح.

ولكن قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهجه بعد نقل اختلاف الناس في المعني بهذا الكلام: «...وقالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ لَيْسَ بِإِشَارَةٍ إِلَى أَخِ مُعَيَّنٍ، وَلكِنَّهُ كَلامٌ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْمَثَلِ وَعَادَةُ الْعَرَبِ جَارِيَةٌ بِمِثْل ذلِكَ، مِثْل قَوْلِهِم فِي الشَّعْرِ فَقُلْتُ لِصَاحِبي ويا صَاحِبي. وهذا عِنْدِي أَقْوَى الْوُجُوه»(1).

أقول: عُثمان بن مظعون بن حَبيب بن وَهْب بن حُذافَة بن جُمَح بن عَمْرو بن هُصَيص القُرَشي الجُمحي، يكنى أبا السائب، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا، وكان عابدًا مجتهدًا من فضلاء الصحابة وأوّل رجل مات في المدينة من المهاجرين بعدما رجع من بدر، توفّي سنة اثنين من الهجرة ؛ وقيل : بعد اثنين وعشرين شهرًا من مقدم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في المدينة ؛ وقيل : إنه مات على رأس ثلاثين شهرًا من الهجرة بعد شهوده بدرًا، فلما غسّل وكفّن قبل رسول الله ما بين عينيه، فلمّا دُفِنَ قال : نِعْمَ السَّلَفُ هُوَ لَنا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُون، ولما توفّي إبراهيم ابن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): الْحَق بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ عُثْمَانَ بْنِ مَطْعُون، وكان أوّل من تبعه إبراهيم.

ورُوي عنه الا الله و أنه قال ذلك حين توفيت زينب ابنته، هكذا ذكر الرجل ابن عبد البر في الاستيعاب(2)وابن الأثير في أُسد الغابة(3)وابن حَجَر في الإصابة(4)فراجع.

ص: 194


1- شرح نهج البلاغة : 19 / 184 طبع مصر.
2- الاستيعاب: 1053/30 رقم 1779.
3- أشد الغابة : 598/3 رقم 3588.
4- الإصابة في تمييز الصَّحابة : 464/2 رقم 5453.

إبراهيم بن علي بن أبي طالب

ذكره ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة(1)المعروف بتاريخ الخُلفاء، وابن عبد ربه في العِقْد الفريد(2).

وقال أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل: «وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ (أي يَوْمَ الطَّفْ) إِبْراهِيمُ بْنُ عَليّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَما سَمِعْتُ بِهذا عَنْ غَيْرِهِ وَلَا رَأَيْتُ لإِبْراهِيمَ في شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَنْسَابِ ذِكْرًا»(3).

وذكره الخوارزمي في مقتله(4).

أقول: الصحيح ما ذكره أبو الفَرَج الأصفهاني لأني ما وجدتُه في كتب الأنساب المعتبرة، فالرجل مجهول بل مهمل، ولذا نقل العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) مقالة أَبي الفرج الأصفهاني في بحاره(5).

وعنونه شَيْخنا العلّامة محمد تقي التستري(مُدَّ ظِلَّه) في قاموسه وقال: «إبراهيم بن علي بن أبي طالب في مقاتل أبي الفرج: ذكر مُحَمَّد بن علي بن حمزة أنه قتل يوم الطّف، وأُمّه أُمّ ولد، وما سمعت بهذا عن غيره، ولا رأيتُ لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكرًا.

قلت: قد ذكره ابن قتيبة في خُلفائه، وابن عبد ربه في عقده مثل ما نقله عن

ص: 195


1- الإمامة والسّياسَة : 7/2.
2- العِقْد الفريد: 126/5.
3- مَقاتِل الطالبيين(علیه السّلام): 61.
4- مَقْتَل الحُسَيْن : 47/2.
5- بحار الأنوار: 201/10(39/45).

مُحَمَّد بن علي بن حمزة. إلا أن الأكثر كأنساب قريش، مصعب الزبيري وتاريخ الطبري ومروج المسعودي وإرشاد المفيد لم يذكروا في ولد أمير المؤمنين مسمّى بإبراهيم»(1).

أقول: نقل مقال ابن قتيبة وابن عبد رَبِّه وأَبي الفَرَج الأصفهاني، فرهاد ميرزا في القمقام(2).

عبيد الله بن علي بن أبي طالب

ذكره شَيْخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في أولاد أمير المؤمنين في كتابه الإرشاد وقال: «مُحَمَّدٌ الْأَصْغَرُ الْمُكَنَّى بِأَبِي بَكْرٍ وعُبَيْدُ الله الشَّهِيدانِ مَعَ أَخيهمَا الْحُسَيْن بالطَّفٌ، أُمُّهُمَا لَيْلَى بنْتُ مَسْعُودٍ الدَّارِمِيَّةُ»(3).

أقول : نقل الإربلي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ ) في كشف الغُمَّة(4) ما ذكره المُفيد(قدس سره).

وقد تقدّم في مقتل أبي بكر بن علي بن أبي طالب أنّ المختار عندنا في اسمه عبد الله ولكن العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المَجلِسي(5)ذكر اسمه عبيد الله. وتردّد صاحب معجم رجال الحديث في اسم أبي بكر وقال بعد بحث طويل: فلم يعلم أنّ أبا بكر كنية عبد الله بن عليّ أو عُبَيْد الله»(6). وأما على مختارنا

ص: 196


1- قاموس الرّجال : 247/1 رقم 156.
2- القمقام: 2 / 441.
3- الإرشاد: 166.
4- كَشْف الغُمَّة: 2/ 66.
5- بحار الأنوار: 36/45(200/10).
6- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 11 / 80 رقم 7487.

فأبو بكر بن علي اسمه عبد الله، وعُبَيْد الله رجل آخر ، نقتفي أثره في الكتب.

قال أبو الفَرَج الأصفهاني: ذَكَرَ يَحْيَى ْبنُ الْحَسَن أَنَّ أبا بكر بن عبيد الله الطَّلْحِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عبيد الله بْنَ عَلِيٌّ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَهَذَا خَطَةٌ، إِنَّمَا قُتِلَ عبيد الله يَوْمَ الْمَذَارِ، قَتَلَهُ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَدْ رَأَيْتُهُ بِالْمَذَارِ»(1).

واستدرك فحل الفقهاء ابن إدريس الحلّي على شيخنا المُفيد (قُدِّسَ سِرُّهُمَا) وقال: «وَقد ذَهَبَ شَيْخُنا الْمُقِيدُ في كِتاب الأرشادِ إلى أَنَّ عبيد الله بنَ النَّهْشَلِيَّةِ قُتِلَ بِكَربَلاءَ مَعَ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وهَذَا خَطَةٌ مَحْضُ بِلا مِرَاءٍ؛ لِأَنَّ عبيد الله بْنَ النَّهْشَلِيَّةِ كَانَ فِي جَيْشِ مُصْعَب بنِ الزُّبَيْرِ وَمِنْ جُملَةِ أَصْحَابه، قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُخْتَارِ بْن أبي عُبَيْدِ بِالمَذارِ، وَقَبْرُهُ هُناكَ ظَاهِرُ، الخَبْرُ بِذلِكَ مُتَواتِر، وَقَدْ ذَكَرَهُ شَيْخُنا أبو جعفر في الْحَائِرِيَّاتِ لَمَّا سَأَلَهُ السَّائِلُ عَمَّا ذَكَرَهُ الْمُفِيدُ في الأَرْشَادِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ عبيد الله بنَ النَّهْشَلِيَّةِ قَتَلَهُ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ بِالْمَذَارِ، وَقَبْرُهُ هُنَاكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ تِلْكَ الْبِلادِ»(2).

ووافق الشَّرِيفُ العُمري ابن إدريس الحلّي وقال: «أبو بَكْرِ واسْمُهُ عبد الله قتِلَ بِالطَّفٌ، وأبو عَلِيٌّ عبيد الله أُمُّهُمَا النَّهْشَلِيَّةُ، فَأَمَّا عبيد الله فَكَانَ مَعَ أَخْوَالِهِ بَني تَمِيمِ بِالْبَصْرَةِ حَتَّى حَضَرَ وَقَائِعَ الْمُخْتَارِ، فَأَصابَه جِراحٌ وَهوَ مَعَ مُصْعَبٍ فَمَاتَ وَقَبْرُهُ بِالمَذَارِ مِنْ سَوادِ الْبَصْرَةِ يُزَارُ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَانَ مُصْعَبٌ يُشَنِّعُ عَلَى الْمُخْتَارِيَّةِ وَيَقُولُ : قَتَلَ ابنَ إِمَامِه!»(3).

ص: 197


1- مَقاتِل الطّالِبيّين: 61.
2- السرائر : 656/1.
3- المُجدِي : 17.

أقول: الصحيح موافقة العَلَمين؛ لأنّ من المسلّمات التأريخية والخارجية، كيفية قتل عبيد الله وقبره بالمذار، ولذا نقل العلّامة المَجلِسي(1)(رَحْمَةُ الله عَلَيْه) مقالة أبي الفرج الأصفهاني في مقاتله من دون استدراك عليه.

وقال المحقق الخوئي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) في ختام عنوان عبيد الله بن عليّ:

وذكر غير واحد أن عبيد الله بن علي(علیه السّلام)لم يقتل بالطف، بل بقي إلى زمان المختار ، فبايع مصعبًا، فقتل يوم المختار ، وقبره بالمذار مشهور»(2).

والعجب كلّ العجب من العلّامة المامقاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) حيث قال في عنوان عبيد الله بن علي بن أبي طالب: «أبوه أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وأمه ليلى بنت مسعود من بني تميم وقد استشهد مع أخيه الحُسَيْن(علیه السّلام)بالطف على ما نص عليه جمع من أهل السير وكتب المقاتل... ثمّ نسب اشتباها غريبًا إلى ابن إدريس...»(3).

أقول: مرّ منّا صحة مقالة ابن إدريس(قدس سره)وعدم استشهاد عبيد الله في الطف فيا ليت ذكر صاحب التنقيح اسم جمع من أهل السير وكتب المقاتل حتى ننظر فيها بدقة.

يؤيد ما ذكرناه ترجمة الرجل في الطبقات لابن سعد، وهذا نصه: «عُبَيْد الله بن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ... أُمُّهُ لَيْلَى بَنْتُ مَسْعُودِ بْنِ خَالِدٍ... وَكَانَ عبيد الله بْنُ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ الْحِجَازِ عَلَى الْمُخْتارِ بِالْكُوفَةِ، فَسَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، وَقَالَ: أَقَدِمتَ بِكِتَابِ مِنَ الْمَهْدِي؟ قالَ : لا ، فَحَبَسَهُ أَيَّامًا ، ثُمَ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَقَالَ: أَخْرُجْ عَنَّا.

ص: 198


1- بحار الأنوار: 201/10(39/45).
2- مُعْجَم رِجالِ الحَديث : 11 / 80 رقم 7487.
3- تنقيح المقال: 2/ 240.

فَخَرَجَ إِلى مُصْعَب بنِ الزُّبَيْرِ بِالْبَصْرَةِ هَارِبًا مِنَ الْمُخْتَارِ، فَنَزَلَ عَلى خالِهِ نُعَيْم بن مَسْعُودِ التَّمِيمِيُّ، ثُمَّ النَّهْشَلِي ، وَأَمَرَ لَهُ مُصْعَبٌ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَم ثُمَّ أَمَرَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ النَّاسَ بِالتَّهَيُّوِ لِعَدُوِّهِمْ، وَوَقَتَ لِلْمَسِيرِ وَقْتًا، ثُمَّ عَسْكَرَ ثُمَّ انْقَطَعَ مِن مُعَسْكَرِهِ ذلِكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ عبيد الله بْنَ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله بنِ مَعْمَر، فَلَمّا سارَ مُصْعَبٌ تَخَلَّفَ عبيد الله بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي أَخْوَالِهِ، وَسَارَ خَالُهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ مَعَ مُصْعَبٍ، فَلَمَّا فَصَلَ مُصْعَبٌ مِنَ الْبَصْرَةِ جَاءَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ إِلَى عبيد الله بن عَلِيٌّ فَقَالُوا: نَحْنُ أَيْضًا أَخْوَالُكَ وَلَنا فِيكَ نَصِيبٌ، فَتَحَوَّلْ إِلَيْنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ كَرَامَتَكَ. قَالَ: نَعَمْ، فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِمْ فَأَنْزَلُوهُ وَسطَهُمْ وَبَايَعُوا لَهُ بالْخِلافَةِ وَهُوَ كَارَهُ يَقُولُ: يا قَوْم لَا تَعْجَلُوا وَلَا تَفْعَلُوا هَذَا الْأَمْرِ. فَأبوا، فَبَلَغَ ذلِكَ مُصْعَبًا، فَكَتَبَ إِلَى عبيد الله بْنِ عُمَرَ بْنِ عبيد الله بْنِ مَعْمَر يُعَجِّرْهُ وَيُخْبِرهُ غَفْلَتَهُ عَنْ عبيد الله بْنِ عَلِيٍّ وَعَمَّا أَحْدَثُوا مِنَ الْبَيْعَةِ لَهُ، ثُمَّ دَعَا مُصْعَبٌ حَالَهُ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ مُكرمًا لَكَ مُحْسِنًا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ فِي ابْن أُخْتِكَ وتُخَلَّفُهُ بالبَصْرَةِ تُؤَلِّبُ النَّاسَ ويَخْدَعُهُمْ؟ فَحَلَفَ بِالله مَا فَعَلَ وَمَا عَلِمَ مِنْ قِصَّتِهِ هَذِهِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، فَقَبِلَ مِنْهُ مُصْعَبٌ وَصَدَّقَهُ وقالَ مُصْعَبٌ : قَدْ كَتَبْتُ إِلَى عبيد الله أَلُومهُ فِي غَفْلَتِهِ عَنْ هذا. فَقالَ نُعَيْمُ بنُ مَسْعُودٍ: فَلا يُهَيِّجه أَحَدٍ ؛ أَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ وَأَقْدِمُ بِهِ عَلَيْكَ. فَسارَ نُعَيْمٌ حَتَّى أَتَى الْبَصْرَةَ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو حَنْظَلَة وَبَنُو عَمْرِو بْنِ تَميم فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى بَني سَعْدِ فقال: والله ما كانَ لَكُمْ في هذَا الْأَمْرِ الَّذِي صَنَعْتُمْ خَيْرًا وَمَا أَرَدْتُم إِلَّا هَلاكَ تَميم كُلِّهَا، فَادْفَعُوا إِلَيَّ ابْنَ أُخْتي. فَتَلاوَمُوا سَاعَةً ثُمَّ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ بِهِ عَلَى مُصْعَب فَقَالَ يا أَخِي ما حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ فَحَلَفَ عبيد الله بالله مَا أَرَادَ ذلِكَ ولا كَانَ لَهُ بهِ عِلْمٌ حَتَّى فَعَلُوهُ، وَلَقَدْ كَرِهْتُ

ص: 199

ذلِكَ وأبَيْتُه. فَصَدَّقَهُ مُصْعَبٌ وَقَبَلَ مِنْهُ وَأَمَرَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ صاحِبَ مُقَدَّمَتِهِ عَبَادًا الحَبَطِيّ أَن يَسِيرَ إِلى جَمْعِ المُخْتارِ فَسَارَ وَتَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ مَعَهُ عبيد الله بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَنَزَلُوا المَدَارَ ، وَتَقَدَّمَ جَيْشُ الْمُخْتارِ، فَتَزَلُّوا بِإِزَائِهِمْ، فَبَيَّتَهُمْ أَصْحَابُ مُصْعَب بن الزُّبَيْرِ، فَقَتَلُوا ذلِكَ الْجَيْش، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّريد، بْنِ وَقُتِلَ عبيد الله بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تِلْكَ اللَّيْلَة»(1).

أقول: وممّا ذكره ابن سعد ظهر معذورية عبيد الله في خروجه لقتال المختار، ومعذورية المختار في قتله لعدم علمه بأنّ فيهم هذا الرجل، ولعلّ تقدّم مصعب لعُبَيْد الله حتى قتل في الحرب، ويشنعه على المختار حيث فعل ذلك وقال: «قَتَلَ ابنَ إمامه»(2)والله سبحانه هو العالم.

عُمر بن علي بن أبي طالب

قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه): «ثُمَّ بَرَزَ أَخُوهُ (أي أخو أبي بكر بن عَلي)، عُمَرُ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ :

خَلُّوا عُدَاةَ الله خَلُوا مِنْ عُمَر *** خَلُّوا عَن اللَّيْثِ الْهَصُورِ المُكْفَهِر

يَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِهِ وَلَا يَفِرٌ *** يَا زَجْرُ! يَا زَجْرُ تَدانِ مِنْ عُمَر(3)

ص: 200


1- الطبقات الكبرى: 117/5 طبع بيروت.
2- المُجدِي : 17.
3- ذكروا من عمر بن علي أيضًا: أَضْرِبُكُمْ وَلاَ أَرَى فِيكُمْ زَجَر *** ذَاكَ الشَّقِيُّ بِالنَّبِيِّ قَدْ كَفَر يَا زَجْرًا يَا زَجْرً! تَدانِ مِنْ عُمَر *** لَعَلَّكَ الْيَوْمَ تَبُوءُ مِنْ سَقَر شَرِّ مَكَانٍ مِنْ حَرِيقِ وَسَعَر *** لأَنكَ الجَاحِدُ يَا شَرَّ الْبَشر

وَقَتَلَ زَجْرًا قَاتِلَ أَخِيهِ، ثُمَّ دَخَلَ حَوْمَةَ الْحَرْب»(1).

وذكره الخوارزمي في مقتله(2).

وقال العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) بعد نقل مقالة ابن شهر آشوب السَرَوي: «فَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتَّى قُتِلَ»(3).

واستدرك بعد صفحة وقال: «أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَبو الفَرَج عُمَرَ بْنَ عَلِيٍّ فِي الْمَقْتُولِينَ يَوْمَئِذٍ»(4).

وقال ابن سعد: «عُمَرَ الْأَكْبَر بن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب بنِ عبد الْمُطَّلِبِ بْنِ هاشِمِ بنِ عبد مَنافِ بْنِ قُصَي، وأُمُّهُ الصَّهْبَاءُ، وَهِيَ أُمُّ حَبيبٍ بِنْتُ رَبِيعَةَ... وَكَانَتْ سَبيَّةً أَصابَهَا خَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ حَيثُ أَغارَ عَلَى بَنِي تَعْلِبٍ بِنَاحِيَةِ عَيْنِ التَّمْرِ، فَوَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٌّ مُحَمَّدًا وَأُمَّ مُوسَى وَأُمَّ حَبيبٍ، وَأُمُّهُمْ أَسْمَاءُ بنتُ عَقِيلِ بنِ أبي طالب، وَقَد رَوَى عُمَرُ الْحَدِيثَ، وَكانَ في ولدِهِ عِدَّةٌ يُحَدَّثُ عَنْهُمْ فَذَكَر ناهُم في مَواضِعِهِم وَطَبَقَتِهِمْ»(5).

وقال ابن داود في القسم الأوّل من رجاله: «عُمر بن علي بن أبي طالب(علیهما السّلام)[جخ] معروف»(6).

ص: 201


1- المناقب: 2/ 221.
2- مقتل الْحُسَيْن(علیه السّلام): 2/ 28 و 29.
3- بحار الأنوار: 10 / 37/45(200).
4- بحار الأنوار: 201/10، 38/45.
5- الطَّبَقاتُ الكُبرى: 117/5 طبع بيروت.
6- رجال ابن داود: 145 رقم 1128.

أقول نسب ابن داود أنّ الشيخ ذكره في رجاله ولم ينسب إلى رجال الشيخ غيره، والنسبة غير صحيح، وكم له من نظير في رجال ابن داود: نعم: الرجل معروف كما ذكره.

كيفما كان، الصحيح تخلّف عمر بن علي عن أخيه الحُسَيْن(علیه السّلام)يوم الطف؛ لأنه كان باقيًا إلى زمان عبد الملك بن مروان وخاصم مولانا وإمامنا وسيدنا علي بن الحسين(علیهما السّلام)في صدقات رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)و أمير المؤمنين عَلَيْهِ صَلَواتُ الْمُصَلِّين، كما ذكره المفيد وغيره، واللفظ له قال: «رَوَى هَارُونُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنا عبد الملك بن عبد الْعَزِيزِ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عبد الملك مَرْوَانَ الْخِلافَةَ، رَدَّ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ صَدَقَاتِ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وصَدَقَاتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیه السّلام)، وَكَانَتَا مَضْمُومَتَيْنِ ، فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عبد الملك يَتَظَلَّمُ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ عبد الْمَلِكِ: أَقُولُ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ:

(البحر السريع)

إِنَّا إِذَا مَالَتْ دَوَاعِي الْهَوَى *** وَأَنْصَتَ السَّامِعُ لِلْقَائِلِ

وَاصْطَرَعَ النَّاسُ بِأَلْبَابِهِمْ *** نَقْضِي بِحُكْمِ عَادِلٍ فَاصِلِ

لاَ تَجْعَلُ الْبَاطِلَ حَقًّا وَلا *** نَلُطُّ دُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ

نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحْلامُنَا *** فَنَخْمُلَ الدَّهْرَ مَعَ الْخَامِلِة»(1)

أقول: أضف إلى ذلك عدم وروده في المصادر الأولية لدراسة وقعة الطف، بل نص أرباب كتب الأنساب على عدم حضوره في يوم الطف، نذكر ترجمته المفصلة من كتاب المُجدِي في أنساب الطَّالِبيين للشريف العُمَري النسّابة من أحفاده ومن أعلام القرن الخامس قال ما نصه :

ص: 202


1- الإرشاد : 239.

«قالَ الموضحُ : وَعُمَرُ المُكَنَّى أبا القاسم وقال ابنُ خِداعٍ: بَلْ يُكَنَّى أَبَا حَفْصٍ، ورُقَيَّةُ، أُمُّهُمَا الصَّهْبَاءُ بِنْتُ رَبِيعَةَ الثَّعْلَبِيَّةُ، وهو تَوأم، وَكَانَ آخِرَ مَن مَاتَ مِن بَنِي عَلَيَّ(علیه السّلام)الذُّكُورِ الْمُعْقِبِينَ، وكانَ عُمَرُ بْنُ عَلِيٌّ ذَا لَسَنِ وَجُودٍ وَعِفّةٍ.

فَوَجَدْتُ أَنا في كِتابٍ صَنَّفَهُ أبو أَحْمَد عبد الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْجَلودي(1)، بِفَتح الجيم، وَسَمَهُ بكتابِ بُيوتِ السَّخاءِ وَالكَرَم، قالَ: اجْتازَ عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب(علیهما السّلام)في سَفَرٍ كَانَ لَهُ في بُيُوتٍ مِن بَني عَدِيٍّ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ شِدَّة، فَجَاءَهُ شُيُوحُ الْحَيِّ فَحَادَثُوهُ، وَاعْتَرَضَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مارا لَهُ شارة(2)فقال : مَنْ هذا؟ فَقَالُوا: سَلْمُ مِنْ قَتَةَ، وَلَهُ انْحِرافٌ عَنْ بَني هاشم، فَاسْتَدْعَاهُ وسَأَله عن أَخِيهِ سُلَيْمانَ بنِ قَتَّةَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ مِنَ الشَّيعَةِ، فَخَبَّرَهُ أَنَّهُ غَائِبٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يَلطُّفُ لَهُ فِي القَولِ ويَشْرَحُ لَهُ الْأَدِلَّة حَتَّى رَجَعَ سَلْمٌ إِلَى مَذْهَبِ أَخِيهِ.

وَفَرَّقَ عُمَرُ(علیه السّلام)فى الْبُيُوتِ أَكْثَرَ زادِه ونَفَقَتِه وَكِسْوَتِهِ، وَأَشْبَعَ جَمِيعَهُمْ طُول مُقامِهِ، فَلَمَّا رَحَلَ عَنْهُمْ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَشِبُوا وخَصِبُوا، فَقَالُوا: هَذَا أَبْرَكُ النَّاسِ حَلاً ومُرتَحَلًا، فَكَانَتْ هَدَايَاهُ تَصِلُ إِلَى سَلْمِ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَ يَرْثِيهِ:

(البحر البسيط)

صَلَّى الْإِلهُ عَلَى قَبْرِ تَضَمَّنَ مِنْ *** نَسلِ الْوَصِيُّ عَلِيٌّ خَيْرَ مَنْ سُئِلاً

مَا كُنْتَ يَا عُمَر الْخَيْرِ الَّذِي جُمِعَتْ *** لَهُ الْمَكارِمُ! طَيَّاشًا وَلاَ وَكِلاَ

بَلْ كُنْتَ أَسْمَحَهُمْ كَفَّا وَأَكْثَرَهُمْ *** عِلْمًا وَأَبْرَكَهُمْ حَلاً ومُرتَحَلا

ص: 203


1- أشهر من أن يعرف ألف ما يقارب مائتي كتاب في شتى العلوم، منها في الفقه والحديث والتفسير والأدب والتاريخ والسيرة والطب والنجوم والكلام وغيرها (راجع الفهرست وتنقيح المقال وتأسيس الشيعة لفنون الإسلام) تجد فيها أسماء كتبه رِضْوانُ الله عَلَيْه.
2- في الأصل: «سارة» والتصحيح قياسي.

وَمَاتَ عُمَرُ وَعُمَرُهُ سَبْعٌ وسَبْعُونَ سَنَةً. قالَ ابنُ خِداعٍ وَجَمَاعَةٌ يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِهَا : بَلْ كَانَ عُمْرُه خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً.

وَوَجَدْتُ فِي بَعْض الْكُتُبِ أَنَّ عُمَرَ شَهِدَ حَربَ الْمُصْعَب بنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَنّه قُتِلَ وقَبْرُهُ بِمَسْكِنَ، وهذهِ رِوايةٌ باطِلَةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الصَّوَابِ، وقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّمَا هذا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْغَرُ، ولا أَعْلَمُ لِهذِهِ الرّوايَةِ صِحَّةً.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلانِ ذلِك : مَا رَوَاهُ الدَّنْدانِيُّ النَّاسِبُ عَنْ جَدِّهِ: خَاصَمَ ابْنَ أَخِيهِ حَسَنًا إِلَى بَعْضٍ بَني عبد الملك في وِلايَتِهِ في صَدَقَاتِ عَلِيٍّ ، وَهَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ ماتَ مِن جِرَاحٍ أَصابَهُ أَيَّامَ مُصْعَبِ، وَمُصْعَبٌ قُتِلَ قَبلَ أَخِيهِ عبد الله، وَعبد الْمَلِكِ حَيٌّ، وَمَا وَلِيَ أَحَدٌ مِن بَنِي عبد الملك إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، فَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ»(1).

أقول: ويؤيد ما ذكره المُجدِي عن الدنداني عن جده: ما ذكره المفيد في باب ذكر ولد الحسن بن علي عليه السلام ، في ترجمة حسن المثنى، قال (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «كَانَ الْحَسَنِ بْنُ الْحَسَنِ وَالِيًا صَدَقَاتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ في عَصْرِهِ، فَسَايَرَ يَوْمَا الْحَجَّاج بْنَ يُوسُفَ فِي مَوْكِيهِ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : ادْخِلْ عُمَرَ بْنَ عَلِيٍّ مَعَكَ في صَدَقَةِ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ عَمُّكَ وبَقِيَّةُ أَهْلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: لَا أُغَيِّرُ شَرْطَ عَلِيٌّ وَلا أُدْخِلُ فِيهَا مَنْ لَمْ يُدْخِلْ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : إِذنْ أُدْخِلُهُ أَنَا مَعَكَ. فَنَكَصَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْهُ حِينَ غَفَلَ(2)الْحَجَّاجُ ، ثُمَّ

ص: 204


1- المُجدِي : 15 - 17.
2- قرأها بعض «قَفَلَ» . راجع هامش الإرشاد: 24/2، ط . مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام).

تَوَجَّهَ إِلَى عبد الملك حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ... فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عبد الْمَلِكِ، فَقَالَ: هَلُمَّ ما قَدِمْتَ لَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْحَجَّاجِ ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، أَكْتُبُ إِلَيْهِ كِتَابًا لَا يَتَجَاوَزْهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ، وَوَصَلَ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَن وَأَحْسَنَ صِلَتَهُ....»(1).

أقول : والرجل الذي كان باقيًا إلى زمان عبد الملك بن مروان وخاصم تارة الحسن المثنى وأُخرى مولانا علي بن الحسين(علیهما السّلام)الا في صدقات أمير المؤمنين(علیه السّلام)كيف يمكن استشهاده يوم الطف؟!

قال صاحب عُمدة الطالب ما ملخصه: «تَخَلَّفَ عُمَرُ مِن أَخِيهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وَلَم يَسِرْ مَعَهُ إِلَى الْكُوفَةِ، وَلَا يَصِحُ رِوَايَةٌ مَنْ رَوَى أَنَّ عُمَرَ حَضَرَ كَرْبَلاءَ. وَمَاتَ عُمَرُ بِيَنْبُعَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ : خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةٌ»(2).

والعجب من العلّامة المامقاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) فإنه قال بعد نقل كلمات أرباب المقاتل وعلماء الأنساب: «أقول : لو لا تصريح أهل السير والمقاتل في عُمَر المقتول بالطف وعن أهل الأنساب في عُمَر الأطرف من كونه توأم رقية، وكون أُمّه الصهباء، وكونه آخر ولد أمير المؤمنين(علیه السّلام)من الذكور، لأمكن الجمع بین كلمات الفريقين بالبناء على تخلّف عُمَر الأطرف عن وقعة الطف وشهادة ابن آخر لأمير المؤمنين(علیه السّلام)اسمه عُمَر ، ولكن تصريح كلّ من الفريقين مثل ما ذكره الفريق الآخر من الشخصيات أوقعنا في حيرة... وبالجملة فإني في حال عُمر بن أمير المؤمنين(علیه السّلام)متوقف، والعلم عند الله تعالى، فإن كان ما ذكره أهل الأنساب من تخلّفه عن الحُسَيْن(علیه السّلام)مع دعوته إيّاه تبججه في لباس معصفر

ص: 205


1- الإرشاد: 175.
2- عُمدَة الطالب : 339 طبع بمبئي.

بتخلّفه، وكون أوّل من بايع ابن زبير ثمّ الحجّاج صحيحًا، فلا أهلا ولا مرحبًا، وإن كان الصحيح ما ذكره أصحاب المقاتل من شهادته بالطف فبح بح له.

أما ما رواه في باب أحوال السجاد(علیه السّلام)من البحار من أن عُمر بن علي خاصَمَ علي بن الحُسَيْن... والمفيد في الإرشاد... فلم يتحقق أنّ المراد به هو المعنون، فلعل لأمير المؤمنين ابنا آخر اسمه عُمَر ، فعل ذلك فلا تذهل»(1).

أقول: يظهر لك ممّا سردناه عليك عدم استشهاد الرجل في يوم وصحة مذهب الرجل، كما نقله المُجدِي عن كتاب الجلودي، وجوده وسخائه، لم يثبت عندنا بيعة الرجل مع ابن الزبير والحجّاج، كما ردّ بيعته مع ابن زبير حفيده الشريف العُمري، وقال كما نقلناه عنه: «هذِهِ رِوَايَةٌ باطِلَةٌ بَعيدَةٌ عَنِ الصَّواب.

وأمّا تخاصمه مع علي بن الحُسَيْن(علیهما السّلام)يمكن أن يكون تصنّعيًا كمناظرة أخيه محمد بن أمير المؤمنين الحنفية معه(علیه السّلام)، وعليه فلا وجه لقدح الرجل، بل هو ابن أمير المؤمنين(علیه السّلام)و من شيعته، فيجب حرمته وتكريمه، «الْمَرءُ يُحْفَظُ فِي ولده»، فلا تغفل.

ووافقنا في عدم استشهاد الرجل بكربلاء، جمع من الأعلام، نحو فرهاد ميرزا(2)والمحدّث القمي(3)والمحقق الخوئي(4)(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ)، وقال في

ص: 206


1- تنقيح المقال : 2/ 346.
2- القمقام: 2/ 440.
3- نَفَس المهموم: 328.
4- مُعْجَم رِجالِ الْحَديث: 45/13 رقم 8772.

ختام ترجمته: «ثمّ إنَّ الصدوق(قدس سره)روى بأسانيده إلى عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب(علیه السّلام)عدة روايات، لكن أثر الوضع عليها ظاهر، أنظر العلل، الجزء 2 ، الباب 374 إلى الباب 377»(1).

مقتل العبّاس بن عَليّ بن أبي طالب(علیهما السّلام)

قال شَيْخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَحَمَلَتِ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْحُسَيْن(علیه السّلام)،فَغَلَبُوهُ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَاشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ، فَرَكِبَ الْمُسَنَّاةَ يُرِيدُ الْفُرَاتَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْعَبّاسُ أَخُوهُ، فَاعْتَرَضَهُ خَيْلُ ابْنِ سَعْدِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي دَارِمٍ، فَقَالَ لَهُمْ: وَيْلَكُمْ حُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُرَاتِ، وَلا تُمَكِّنُوهُ مِنَ الْمَاءِ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ : اللهمَّ ! أَظْمِأَهُ(2)!، فَغَضِبَ الدَّارِمِيُّ وَرَمَاهُ بِسَهُم فَأَثْبَتَهُ فِي حَنَكِهِ، فَانْتَزَعَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)السَّهْمَ وَبَسَطَ يَدَهُ تَحْتَ حَنكِهِ، فَامْتَلَاتْ رَاحَتَاهُ مِنَ الدَّمِ، فَرَمِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ مَا يُفْعَلُ بِابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، وَقَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ ، وأَحَاطَ الْقَوْمُ بِالْعَبّاسِ ، فَاقْتَطَعُوهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَحْدَهُ. حَتَّى قُتِلَ (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ وَكَانَ الْمُتَوَلِّيَ لِقَتْلِهِ زَيْدُ بْنُ وَرْقَاءَ الْحَنَفِيُّ وَحَكِيمُ بْنُ الطُّفَيْلِ السِّنْبِسِيُّ بَعْدَ أَنْ أُنْخِنَ بِالْجِرَاحِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَرَاكًا»(3).

وقال الطَبَرِي : «وَقُتِلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ ابْنَةُ حِزام بن خالِدِ بنِ رَبيعَةَ بنِ الْوَحِيدِ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ رُقادِ الْجَنبِيُّ وحَكيمُ بْنُ الطَّفَيْلِ السِّنْبِي»(4).

ص: 207


1- مُعْجَم رِجالِ الْحَديث: 13/ 45 رقم 8772.
2- الأحسن في الكتابة: «أَطْمِثْهُ».
3- الإرشاد: 222.
4- تاريخ الطبري: 6 / 269.

وقال أبو الفَرَج الأصفهاني: «الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیهما السّلام): وَيُكَنَّى أبَا الْفَضْل وأُمُّه أُمُّ الْبَنِينَ أَيْضًا، وَهُوَ أَكْبَرُ وُلْدِها ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَتِهِ لأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَلأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَقِبٌ وَلَمْ يَكُن لَهُم، فَقَدَّمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُتِلُوا جَمِيعًا، فَحازَ مَوارِيثَهُمْ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقُتِلَ فَوَرِثَهُمْ وَإِيَّاهُ عُبَيْدُ الله، وَنَازَعَهُ فِي ذلِكَ عَمُّهُ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ رَضِيَ بِهِ . قَالَ جَرْمِيُّ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ زُبَيْرِ عَنْ عَمِّهِ: ولد العبّاس بن عَلِيّ يُسَمُّونَهُ السَّقَاءَ، وَيُكَنُونَهُ أَبَا قِرْبَة، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِن ولده، وَلاَ سَمِعْتُ عَمَّن تَقَدَّمَ مِنْهُمْ هذَا... وَكانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا وَسِيمًا جَمِيلًا يَركَبُ الْفَرَسَ الْمُطَهَّمَ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: قَمَرُ بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَ لِوَاءُ الْحُسَيْن بْن عَلى(علیهما السّلام)مَعَهُ يَوْمَ قُتِلَ.

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عبد الوهاب، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَن أَبِيهِ عن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ(علیهما السّلام)، قَالَ: عَبَّاَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ أَصْحَابَهُ، فَأَعْطَى رَايَتَهُ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِي(علیهما السّلام).

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شَمِرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ(علیه السّلام): أَنَّ زَيْدَ بْنَ رُقَادِ الجَنْبِيَّ وحَكيمَ بْنَ الطُّفَيْلِ الطَّائِيَّ فَتَلاَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍ(علیهما السّلام)، وَكَانَتْ أُمُّ الْبَنِينَ ، أُمّ هؤُلاَءِ عليه الْأَرْبَعَةِ الْإِخْوَةِ الْقَتْلَى، تَخْرُجُ إِلَى الْبَقِيعِ فَتَنْدُبُ بَنِيهَا أَشْجَى نُدْبَةٍ وَأَحْرَقَهَا، فَيَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهَا يَسْمَعُونَ مِنْهَا، وَكَانَ مَرْوَانُ يَجِيءُ فِيمَن يَجِيءُ لِذلِكَ، فَلاَ يَزَالُ يَسْمَعُ نُدْبَتَهَا وَيَبْكِي ذَكَرَ ذلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ عَنِ النَّوْفَلِيٌّ عَن حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الجُهَنِيِّ عَن مُعاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرٍ(علیه السّلام)»(1).

ص: 208


1- مَقاتِل الطالبيين: 59.

ويقول أبو حنيفة الدينوري: وَبَقِيَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٌّ قَائِمًا أَمَامَ الْحُسَيْنِ يُقَاتِلُ دُونَهُ، وَيَميلُ مَعَهُ حَيْثُ مَالَ حَتَّى قُتِلَ رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ»(1).

ويقول القاضي النعمان: «وَقُتِلَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ إِخْوَةُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَليِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ.

إِسْمَاعِيل بن أوس عن أبي عبد الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(علیه السّلام)، أَنَّهُ قَالَ: عَبَّأَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ أَصْحَابَهُ يَوْمَ الطَّفْ ، وأَعْطَى الرَّايَةَ أَخَاهُ الْعَبّاسَ بْنَ عَلِيٌّ. وَسُمِّيَ الْعَبَّاسُ السَّقاء؛ لأَنَّ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)عَطِشَ وَقَدْ مَتَعُوهُ الْمَاءَ وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ قِرْبَةً وَمَضَى نَحْوَ الْمَاءِ. وَاتَّبَعَهُ إِخْوَتُهُ مِنْ وُلْدِ عَلِيٌّ(علیه السّلام): عُثْمَانُ وجَعْفَرٌ وعبد الله، فَكَشَفُوا أَصْحَابَ عبيد الله عَنِ الْمَاءِ وَمَلَأَ الْعَبَّاسُ الْقِرْبَةَ، وَجَاءَ بِهَا، فَحَمَلَهَا عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَحْدَهُ(2)... وَكانَ الَّذي وَلِيَ قَتْلَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيٌّ يَوْمَئِذٍ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ حَكِيمُ بنُ طُفَيْلِ الطَّائِيُّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ شَرِكَ فِي قَتْلِهَ يَزِيدَ. وَكَانَ بَعْدَ أَن قُتِلَ إِخْوَتُهُ عبد الله وعُثْمَانُ وَجَعْفَرٌ مَعَهُ قَاصِدِينَ الْمَاءَ، وَيَرْجِعُ وَحْدَهُ بِالْقِرْبَةِ، فَيَحْمِلُ عَلَى أَصْحَابِ عبيد الله بْنِ زِيادٍ الْحَائِلِينَ دُونَ الْمَاءِ، فَيَقْتُلُ مِنْهُمْ، وَيَضْرِبُ فِيهِمْ، حَتَّى يَنْفَرِجُوا عَنِ الْمَاءِ، فَيَأْتِيَ الفُرَاتَ فَمَلَأَ الْقِرْبَةَ وَيَحْمِلَهَا وَيَأْتِي بِهَا إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَأَصْحَابِهِ فَيَسْقِيَهُمْ، حَتَّى تَكَاثُرُوا عَلَيْهِ، وَأَوْهَنَتْهُ الْجِرَاحُ مِنَ النَّبْلِ، فَقَتَلُوهُ كَذلِكَ بَيْنَ الْفُرَاتِ وَالسُّرَادِقِ وَهُوَ يَحْمِلُ الْمَاءَ وثَمَّ قَبْرُهُ(رحمه الله علیه). وَقَطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ حَنَقًا عَلَيْهِ، وَلِمَا أَبْلَى فِيهِمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ. فَلِذلِكَ سُمِّيَ السَّقَّاءَ»(3).

ص: 209


1- الأخبار الطوال: 257.
2- شرح الْأَخبار: 3/ 182.
3- شرح الْأَخبار : 191/3.

ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَكانَ عَبَّاسُ السَّقَاءُ قَمَرُ بَني هَاشِمٍ صَاحِبَ لِواءِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَهُوَ أَكْبَرُ الْإِخْوانِ، مَضَى بِطَلَبِ الْمَاءِ فَحَمَلُوا عَلَيْهِ وَحَمَلَ هُوَ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ يَقُولُ:

لاَ أَرْهَبُ الْمَوْتَ إِذِ الْمَوْتُ رَقَى *** حَتَّى أُوارَى فِي الْمَصَالِيتِ لَقَا

نَفْسِي لنَفْسِ الْمُصْطَفَى الطَّهْرِ وَقَا *** إِنِّي أَنَا الْعَبَّاسُ أَغْدُوا بالسِّقَا

وَلَا أَخَافُ شَرَّ يَوْمِ الْمُلْتَقَى

فَفَرَّقَهُمْ، فَكَمَنَ لَهُ زَيْدُ بنُ وَرْقَاءَ الْجُهَنِيُّ مِنْ وَرَاءِ نَخْلَةٍ وَعَاوَنَهُ حَكِيمُ بْنُ طفَيْلِ السِّنْبِسِيُّ، فَضَرَبَهُ عَلَى يَمِينِهِ، فَأَخَذَ السَّيْفَ بِشِمَالِهِ، وحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:

وَالله إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِيني *** إِنِّي أُحَامِي أَبَدًا عَنْ دِينِي

وَعَنْ إِمَامٍ صَادِقِ الْيَقِينِ *** نَجْلِ النَّبِي الطَّاهِرِ الْأَمِين

فَقَاتَلَ حَتَّى ضَعُفَ ، فَكَمَنَ لَهُ الْحَكِيمُ بْنُ الطُّفَيْلِ الطَّائِيُّ مِنْ وَراءِ نَخْلَةٍ فَضَرَبَهُ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ:

يا نَفْسُ! لاَ تَخْشَيْ مِنَ الْكُفَّارِ *** وَأَبْشَرِي بِرَحْمَةِ الْجَبَّارِ

معَ النَّبِيِّ سَيِّدِ الْمُخْتَارِ *** قَدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسَارِي

فَأَصْلِهِمْ يَا رَبِّ! حَرَّ النَّارِ

فَقَتَلَهُ الْمَلْعُونُ بعَمُودِ مِنْ حَدِيدٍ.

فَلَمّا رَآهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)مَصْرُوعًا عَلى شَطّ الفُرَاتِ بَكَى وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

(البحر الطويل)

تَعَدَّبْتُمُ بِاشَرَّ قَوْمٍ! بِفِعْلِكُمْ *** وَخَالَفْتُمُ قَوْلَ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

ص: 210

أَما كَانَ خَيْرُ الرُّسُل وَصَّاكُمُ بِنَا؟! *** أَمَا نَحْنُ مِنْ نَسْلِ النَّبِيِّ الْمُسَدَّدِ؟!

أَمَا كَانَتِ الزَّهْرَاءُ أُمَّيَ دُونَكُمْ؟! *** أَمَا كَانَ مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ أَحْمَد؟!

لعِنْتُمْ وَأُخْزِيتُمْ بِمَا قَدْ جَنَيْتُمُ *** فَسَوْفَ تُلاقُوا حَرَّ نَارٍ تَوَقَد»(1)

وقال ابن نما الحلّي وابن طاوس (الحَسَني) الحُسَيْني: «ثُمَّ اقْتَطَعُوا الْعَبَّاسَ عَنْه (أَي عَنِ الحُسَيْنِ(علیه السّلام)) وَأَحَاطُوا بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ، وَقَتَلُوهُ، فَبَكَى الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)لِقَتْلِهِ بُكَاءً شَدِيدًا»(2).

وقال العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المَجلِسي (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ): «وَلَمَا قُتِلَ الْعَبَّاسُ قَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): الْآنَ انْكَسَرَ ظَهْرِي وَقَلَّتْ حِيلَتِي!»(3).

أقول: قد مرّ منا ردّ حديث حيازة الميراث في مقتل عبد الله بن عليّ، فما ذكره الأصفهاني في هذا المجال تصحيف أو غلط؛ لما مرّ.

وذكره الفُضَيْل وقال: «الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیهما السّلام)، وأُمُّهُ أُمُّ الْبَنِينَ السلام بِنْتُ حِزامِ بنِ خَالِد بنِ رَبيعَةَ بنِ الْوَحِيدِ العَامِرِيِّ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ رُقَادِ الجَنبِيُّ وحَكيمُ بنُ الطَّفَيْلِ الطَّائيُّ السِّنبِسيُّ، وَكِلاهُمَا ابْتُلِيَ في بَدَنِه»(4).

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسيّ) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)، وقال: «الْعَبّاس بن عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ قُتِلَ مَعَهُ وَهُوَ السَّقَاءُ، قتَلَهُ حَكِيمُ بْنُ الطُّفَيْلِ. أُمُّهُ أُمُّ البَنِينَ بِنْتُ حِزامِ بنِ خَالِدِ بنِ رَبيعَةَ بنِ الْوَحِيدِ

ص: 211


1- المَناقِب : 221/2.
2- مثير الأحزان: 71 ، اللهوف 51.
3- بحار الأنوار: 201/10(42/45).
4- تُراثنا: ع 2/ 149.

مِنْ بَني عامر»(1).

وقال شَيخنا الصدوق في خصاله تحت عنوان رَجُلانِ جَعَلَ الله عَزَّ وجَلَّ لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا جَناحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ»: «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زيادِ بنِ جَعْفَرِ الْهَمَدانِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبراهيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عبد الرحمن عَن ابْنِ أَسبَاطِ عَن عَليّ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي صَفِيَّةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(علیهما السّلام): رَحِمَ الله الْعَبَّاسَ يَعْني ابنَ عَليَّ، فَلَقَدْ آثَرَ وَأَبْلَى وَفَدَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ، فَأَبْدَلَهُ الله بِهِمَا جَناحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا جَعَلَ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَنْزِلَةٌ يَغْبِطُهُ بِهَا جَمِيعُ الشَّهْدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

والْحَدِيثُ طَوِيلٌ أَخَذْنَا مَوْضِعَ الْحَاجَةِ وَقَدْ أَخْرَجْتُهُ بِتَمَامِهِ مَعَ مَا رويتُهُ فِي فَضَائِلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيٍّ(علیهما السّلام)في كتاب مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلى(علیهما السّلام)(2).

أقول: الرواية من حيث السند ضعيفة ومن الأسف عدم وصول مقتل شيخنا الصدوق(قدس سره)إلينا. وذكره شيخنا الطوسي في الفهرست(3)والطهراني في الذريعة(4)ونحوه مقتل شيخنا الطوسي تنت الذي ذكره نفسه في الفهرست(5)

ص: 212


1- رجال الطوسي: 76.
2- الخصال: 68 ، الأمالي للصدوق: 548 المجلس: 70 ح 10 رقم 731 ط. مؤسسة البعثة.
3- الفهرست: 157.
4- الذريعة : 28/22 رقم 5867.
5- الفهرست: 161.

والطهراني في الذريعة(1)ولو وجدا لكانا كنزَيْن ثمينين وصارا من المصادر الأولية لدراسة يوم الطف.

ويظهر من الشريف العُمَري في كتابه المُجدِي أنّ لمولانا أمير المؤمنين عَلَيْهِ صَلَواتُ الْمُصَلِّين عبّاسين: الأكبر، وأُمّه أُمّ البنين، وهو الشهيد بيوم الطف، والآخر الأصغر، وأُمّه الثعلبية(2).

وقال في شأن مولانا العباس الأكبر الشهيد: «قالَ النَّسَابَةُ الموضِحُ: والعَبّاسُ الْأَكْبَرُ أبو الْفَضْلِ قُتِلَ بالطَّفَ يُلقَّبُ السَّقَّاءَ، دَمُهُ في بَني حَنيفَةَ، وَكَانَ صَاحِبَ رَايَةِ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، قُتِلَ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةٌ، وَبِذلِكَ قَالَ وَالِدِي أبو الْغَنائم ابنُ الصُّوفِيِّ النَّسَابَةُ وابنُ خِداع»(3)

أقول: لمولانا العبّاس بن علي عليه السلام مقام عظيم يجب أن يكتب في شأنه رسالة وكتاب بل رسالات وكتب كما صنفه بعض أصحابنا (رِضْوانُ الله عَلَيْهِم)، نحو السَيّدِ المُقَرَّم (المتوفى سنة 1391ه.ق) وعماد الدين حسين الأصفهاني الشهير بعماد زاده (المتوفى سنة 1410ه.ق) ووغيرهم. ولكن رسالتنا هذه مختصرة، ونختم الكلام في مقتله بذكر مرثيته التي ذكرها أبو الفَرَج الأصفهاني في مقالته:

(البحر الوافر)

«أَحَقُّ النَّاسِ أَن يُبْكَى عَلَيْهِ *** فَتًى أَبْكَى الْحُسَيْنَ بِكَرْبَلاءِ

أَخُوهُ وَابْنُ وَالِدِهِ عَلِيٌّ *** أبو الْفَضْلِ الْمُضَرَّجُ بِالدِّمَاءِ

ص: 213


1- الذريعة : 27/22 رقم 5863.
2- المُجدِي : 12.
3- المُجدِي : 15.

وَمَنْ وَاسَاهُ لا يَثْنِيهِ شَيْءٌ *** وَجَادَ لَهُ عَلَى عَطَشِ بِمَاءِ(1)

وفيه يقول الكُمَيْت:

(البحر الخيف)

وَأَبُو الْفَضْلِ إِنَّ ذِكْرَهُمُ الْحُدُ *** وَشِفَاءُ النُّفُوسِ مِن أَسْقَامِ

قُتِلَ الْأَدْعِيَاءُ إِذْ قَتَلُوهُ *** أَكْرَمَ الشَّارِبِينَ صَوْبَ الْغَمَامِ»(2)

أقول: ذكر علماء الأنساب أعقاب مولانا أبي الفضل العباس(علیه السّلام)في كتبهم نحو الشريف العُمَري من أعلام القرن الخامس في المُجدِي(3)والفخر الرازي (المتوفى سنة 606 ه- .ق) في الشَّجَرَة المُبارَكَة(4)والسيد إسماعيل المروزي(المتوفّى بعد سنة 614 ه.ق) في الفخري(5)وابن عنبة الحسني (المتوفّى سنة 828 ه.ق) في عُمدَة الطَّالِب(6)فراجع إن شئت.

مقتل غلامٍ من آل الحُسَيْن(علیه السّلام)

يقول الطبري: «قالَ هِشَامٌ : حَدَّثَنِي أبو الْهُذَيْلِ، رَجُلٌ مِنَ السَّكُونِ، عَنْ هَانِي بنِ ثُبَيْتِ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: رَأَيْتُهُ جَالِسًا فِي مَجْلِسِ نَ فِي زَمَانِ خَالِدِ بْنِ عبد الله وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، قَالَ : فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: كُنْتُ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ،

ص: 214


1- شاعرها فَضْل بنِ مُحَمَّد بن حَسَن بنِ عبيد الله بنِ عَبّاس بن علي(علیه السّلام). راجع شرح الأَخبارِ للقاضي نُعمان المصري: 193/3.
2- مَقاتِل الطالبيين: 59.
3- المُجدي: 231.
4- الشجرة المباركة : 184.
5- الفخري: 169.
6- عمدة الطالب : 323.

قالَ: فَوَالله إِنِّي لَواقِفٌ عاشِرَ عَشَرَةٍ لَيسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ، وَقَدْ جَالَتِ الْخَيْلُ وَتَصَعْصَعَتْ إِذْ خَرَجَ غُلامٌ مِن آلِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ مُمْسِكٌ بِعُودٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبنِيَةِ، عَلَيه إِزارُ وقَمِيضٌ وهُوَ مَذْعُورٌ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى دُرَّتَيْن في أُذُنَيْهِ تَذَبْذَبَانِ كُلَّمَا الْتَفَتَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَرْكُضُ، حَتَّى إِذا دَنا مِنْهُ مالَ عَنْ فَرَسِه، ثُمَّ اقْتَصَدَ الْغُلاَمَ، فَقَطَعَهُ بِالسَّيْفِ.

قَالَ هِشَامٌ: قَالَ السَّكُونِيُّ: هَانِي بِنُ ثُبَيْتٍ هُوَ صَاحِبُ الغُلامِ، فَلَمَّا عُتِبَ عَلَيْهِ كَنَى عَنْ نَفْسِه»(1).

أقول: ذكره الخوارزمي في مَقْتَلِه(2)وقال المَجلِسي: «وَخَرَجَ غُلَامٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبنيَةِ وفي أُذُنَيْهِ دُرَّتَانِ وَهُوَ مَذْعُورٌ فَجَعَلَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقُرْطَاهُ يَتَذَبْذَبَانِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ هَانِي بنُ تُبَيْتٍ ، فَقَتَلَهُ، فَصَارَتْ شَهْرَبَانُو تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا تَتَكَلَّمُ كَالْمَدْهُو شَةِ»(3).

أقول: إنّي أحتمل أنه محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب؛ لما مرّ في مقتله مِنْ أنه كان صغيرًا وله من العمر سبع سنين، ولما مرّ عن أبي مخنف مِخْنَفَ عن حميد بن مسلم أنه قال: «لَمَّا صُرِعَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)، وَهَجَمَ القَوْمُ عَلَى الْخِيَم لِلسَّلبِ وَتَصَايَحَتِ النِّسَاءُ خَرَجَ غُلامٌ مَذْعُورٌ مِن تِلْكَ الأَخْبيَةِ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَشَدَّ عَلَيْهِ فَارِسٌ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَسَأَلْتُ عَنِ الْغُلَامِ، فَقِيلَ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلٍ، لَهُ مِنَ الْعُمرِ سَبْعُ سِنِينَ لَمْ يُراهِقٌ، وَعَنِ الْفَارِسِ،

ص: 215


1- تاريخ الطبري: 258/6.
2- مَقْتَل الْحُسَيْن : 32/2.
3- بحار الأنوار: 45 / 45.

فَقِيلَ: لَقيطُ بْنُ إِياسِ الجُهَنِيُّ».

ووافقنا على هذا الاحتمال السَّيِّد المُقَرَّم (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في مقتله(1)، والله سبحانه هو العالم.

مقتل عبد الله بن الحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طالب الرضيع

يقول شَيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ جَلَسَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)أَمَامَ الْفُسْطَاطِ فَأُتِيَ بِابْنِهِ عبد الله بن الْحُسَيْنِ وَهُوَ طِفْلٌ، فَأَجْلَسَهُ في حِجْرِهِ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَني أَسَدِ بِسَهُم، فَذَبَحَهُ، فَتَلَقَّى الْحُسَيْنُ دَمَهُ فِي كَفِّهِ، فَلَمَّا امْتَلَا كَفُّهُ صَبَّهُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ قالَ: يَا رَبِّ إِن كُنْتَ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ مِنَ السَّمَاءِ، فَاجْعَلْ ذلِكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَانْتَقِمْ لَنا مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، ثُمَّ حَمَلَهُ حَتَّى وَضَعَهُ مَعَ قَتْلَى أَهْلِ بَيْتِهِ»(2).

ويقول الطَّبَري: وَلَمَّا فَعَدَ الْحُسَيْنُ أُتِيَ بصَبِيٌّ لَهُ ، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ زَعَمُوا أَنَّهُ عبد الله بْنُ الْحُسَيْنِ. قَالَ أَبو مِخْنَفِ : قَالَ عُقْبَةُ بْنُ بَشِيرِ الْأَسَدِيُّ: قَالَ لِي أَبو جعفر مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن: إِنَّ لَنا فِيكُمْ يَا بَنِي أَسَد! دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا ذَنْبي أَنا في ذلِك رَحِمَكَ الله يا أبا جعفر ! وما ذلِكَ؟ قَالَ: أُتِيَ الْحُسَيْنُ بِصَبِيٌّ لَهُ فَهُو [ في حِجْرِهِ إِذْ رَمَاهُ أَحَدُكُمْ يَا بَنِي أَسَدا بِسَهُم فَذَبَحَهُ، فَتَلَقَّى الْحُسَيْنُ دَمَهُ، فَلَمَّا مَلَاَ كَفَّيْهِ صَبَّهُ فِي الْأَرْضِ ، قَالَ : رَبِّ ! إِنْ تَكُ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ مِنَ السَّمَاءِ، فَاجْعَلْ ذلِكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ، وَانْتَقِمْ لَنا مِنْ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ»(3).

ص: 216


1- مَقْتَل الحُسَيْن(علیه السّلام): 280.
2- الإرشاد: 221.
3- تاريخ الطبري: 257/6.

وذكره أبو الفرج الأصفهاني وقال: «عبد الله بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ، وَأُمُّهُ الرَّبَابُ بِنْتُ امْرِئ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بنِ أُوسِ بنِ جَابِرٍ بنِ كَعْب بن عُلَيْم بن جَناب بن كَلْبٍ، وأُمُّهَا هِنْدُ الهُنُودِ بِنْتُ الربيع بن مسعود ... وَهِيَ الَّتِي يَقولُ فِيهَا أبو عبد الله الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:

(البحر الوافر)

لَعَمْرُكَ إِنَّنِي لَأُحِبُّ دَارًا *** تَكُونُ بِها سُكَيْنَةُ وَالرَّبَابُ

أُحِبُّهُما وَأَبْذُلُ جُلَّ مَالِي *** وَلَيْسَ لِعَاتِبٍ عِنْدِي عِتَابُ

وسُكَيْنَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنَتُهُ مِنَ الرَّبَابِ، وَاسْمُ سُكَيْنَةَ أَمِينَةُ، فَقِيل: أُمَيْمَةُ، وإِنَّما غَلَبَ عَلَيْهَا سُكَيْنَةُ وَلَيْسَ بِاسْمِهَا.

وَكانَ عبد الله بْنُ الْحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ صَغِيرًا جَاءَتْهُ نُشَّابَةٌ وَهُوَ فِي حِجْرِ أَبِيهِ، فَذَبَحَتْهُ.

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَرِثِ عَنِ المَدَايِنِيِّ عَن

أَبِي مِخْنَفٍ عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ أَبِي رَاشِدِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: دَعَا الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بِغُلامٍ، فَأَقْعَدَهُ في حِجْرِهِ، فَرَمَاهُ عُقْبَةُ بْنُ بِشْرٍ فَذَبَحَهُ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَشْنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ يَعقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوَرِّعُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ شَهِدَ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)، قَالَ: كَانَ مَعَهُ ابْنُ لَهُ صَغِيرٌ فَجَاءَ سَهُمْ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)يَأْخُذُ الدَّمَ مِنْ نَحْرِ لَبَّتِهِ فَيَرْمِي بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَمَا رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَقُولُ: اللهم ! لا يَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْكَ مِنْ فَصِيل!»(1).

ص: 217


1- مَقاتِل الطالبيين : 63.

و قال ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «فَبَقِيَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَحِيدًا وَفِي حِجْرِهِ عَلِيُّ الْأَصْغَرُ، فَرُمِي إِلَيْهِ بِسَهُم، فَأَصَابَ حَلْقَهُ، فَجَعَلَ الْحُسَيْنُ يَأْخُذُ الدَّمَ مِنْ نَحْرِهِ فَيَرْمِيهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَمَا يَرْجِعُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَقُولُ: لَا يَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْكَ مِنْ فَصِيل!»(1).

أقول: وقد رُوِيَ عن مُحَمَّد بن عَليّ بن الحُسَيْن، الباقر(علیه السّلام)، أَنه قال: «فَلَمْ تَسْقُطْ مِنَ الدَّمِ قَطْرَةٌ إِلَى الْأَرْضِ»(2).

ولكن ابن طاوس (الحَسَني) الحُسَيْني (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) قال: «فَتَقَدَّمَ الحسين إلَى بَابِ الْخَيْمَةِ، وقَالَ لِزَيْنَبَ : نَاوِلينِي وَلَدِيَ الصَّغِيرَ حَتَّى أُوَدْعَهُ، فَأَخَذَهُ وَأَوْمِي إِلَيْهِ لِيُقَبِّلَهُ، فَرَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْكَاهِلِ الْأَسَدِيُّ لَعَنهُ الله تَعَالَى بِسَهْمِ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ لِزَيْنَبَ : خُذِيهِ ثُمَّ تَلَقَّى الدَّمَ بِكَفِّيْهِ، فَلَمَّا امْتَلانَا رَمَى بِالدَّمِ نَحْوَ السَّمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ : هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ الله. وَقَالَ الْبَاقِرُ(علیه السّلام): فَلَمْ يَسْقُطُ مِنْ ذلِكَ الدَّم قَطْرَةٌ إلَى الْأَرْض»(3).

وقال مُحَمَّد بن طَلْحة نقلًا عن صاحب كتاب الفتوح: «أَنَّهُ(علیه السّلام)كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ فَجَاءَهُ سَهُمْ فَقَتَلَهُ فَرَمَلَهُ وَحَفَرَ لَهُ بِسَيْفِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَه، وَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ»(4)التي تأتي عن قريب.

وقال أحمد بن عَليّ بن أبي طالب الطَّبْرِسي في الِاحْتِجاج: «قِيلَ: إِنَّهُ قُتِلَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ وَأَقَارِبُهُ ، وَبَقِيَ فَرِيدًا لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا ابْنُهُ عَلِيٌّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ وَابْنُ

ص: 218


1- المَناقِب : 2/ 222.
2- مُثير الأحزان 70، اللهوف: 51 ، البحار : 46/45(203/10) نقلا من اللهوف.
3- اللهوف : 50.
4- مطالب السؤول : 73.

آخَرُ لَهُ فِي الرَّضَاعَ اسْمُهُ عبد الله، فَتَقَدَّمَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)إِلَى بَابِ الْخَيْمَةِ فَقَالَ: نَاوِلُونِي ذلِكَ الطَّفْلَ حَتَّى أَوَدَّعَهُ! فَنَاوَلُوهُ الصَّبِيَّ ، جَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَهُوَ يَقُولُ : يا بُنَيَّ ! وَيْلٌ لِهؤُلاَءِ الْقَوْمِ إِذَا كَانَ خَصْمَهُمْ مُحَمَّدٌ(صلی الله علیه و آله و سلم).

قِيلَ: فَإِذَا بِسَهُم قَدْ أَقْبَلَ حَتَّى وَقَعَ في لَيَّةِ الصَّبِيِّ فَقَتَلَهُ، فَنَزَلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)عَنْ فَرَسِهِ وَحَفَرَ لِلصَّبِيِّ بِجَفْنِ سَيْفِهِ ورَمَّلَه بِدَمِهِ ودَفَنَهُ، ثُمَّ وَثَبَ قَائِمًا وَهُوَ يَقُولُ:

(بحر الرَّمَل)

كَفَرَ الْقَوْمُ وَقِدْمَارَغِبُوا *** عَنْ ثَواب الله رَبِّ الثَّقَلَيْنِ

قَتَلُوا قِدْمًا عَلِيًّا وَابْنَهُ *** حَسَنَ الْخَيْرِ كَرِيمَ الطَّرَفَيْن

حَنَقًا مِنْهُمْ وَقَالُوا أَجْمِعُوا *** نَفْتِكُ الْآنَ جَمِيعًا بِالْحُسَيْن

يا لَقَوْمِ مِنْ أُناسٍ رُذَلِ *** جَمَعُوا الْجَمْعَ لَأَهْلِ الْحَرَمَيْنِ

ثُمَّ صَارُوا وَتَواصَوْا كُلُّهُمْ *** بِاخْتِيَارِ(1) لِرِضَاءِ الْمُلْحِدَيْنِ

لَمْ يَخَافُوا الله فِي سَفْكِ دَمِي *** لِعُبَيْدِ الله نَسْلِ الْكَافِرَيْن

وَابْنُ سَعْدٍ قَدْ رَمَانِي عَنْوَةٌ *** بِجُنُودٍ كَرُكُوفِ الْهَاطِلَيْن

لاَ لِشَيْءٍ كَانَ مِنِّي قَبْلَ ذَا *** غَيْرَ فَخْرِي بِضِيَاءِ الْفَرْقَدَيْن

بِعَلِيُّ الْخَيْرِ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ *** وَالنَّبِيِّ الْقُرَشِيِّ الْوَالِدَيْن

خَيْرَةُ اللهِ مِنَ الْخَلْقِ أَبِي *** ثُمَّ أُمِّي، فَأَنَا ابْنُ الْخَيْرَتَيْنِ

فِضَّةٌ قَدْخُلِقَتْ(2)مِنْ ذَهَبٍ *** فَأَنَا الْفِضَّةُ وَابْنُ الذَّهَبَيْنِ

ص: 219


1- في نسخة من الاحتجاج : «باجتياحي راجع الاحتجاج: 2/ 100 ط. الجعفري.
2- في نسخة من الاحتجاج: «خَلُصَتْ» راجع الاحتجاج: 2/ 100 ط. الجعفري.

مَنْ لَهُ جَدٌ كَجَدِّي فِي الْوَرَى *** أَوْ كَشَيْخِي فَأَنَا ابْنُ الْقَمَرَيْن(1)

فَاطِمُ الزَّهْراء أُمي، وَأَبي *** قَاصِمُ الْكُفْرِ بِبَدْرٍ وَحُنَيْن

عُرْوَةُ الدين عَلِيُّ الْمُرْتَضَى *** هادِمُ الْجَيْش(2)، مُصَلَّى الْقِبْلَتَيْن

وَلَهُ في يَوْمٍ أُحْدِ وَقَعَةٌ *** شَفَتِ الْغِلَّ بِقَبْضِ(3)الْعَسْكَرَيْن

ثُمَّ بِالْأَحْزَابِ وَالْفَتْحِ مَعًا *** كَانَ فِيهَا حَتْفُ أَهْلِ الْفَيْلَقَيْن

في سَبِيلِ الله مَاذَا صَنَعَتْ *** أُمَّةُ السَّوْءِ مَعَا بِالْعِشْرَتَيْن

عِشْرَةِ الْبَرِّ النَّقِيُّ(4)الْمُصْطَفَى *** وَعَلِيُّ الْقَوْمِ يَوْمَ الْجَحْفَلَيْن

عبد الله غُلَامًا يَافِعًا *** وَقُرَيْشُ يَعبدونَ الْوَثَنَيْن

وَقَلَى الْأَوْثَانَ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا *** مَعْ قُرَيْشٍ لا ولا طَرفَةَ عَيْن

طَعَنَ الْأَبْطَالَ لَمَّا بَرَزُوا *** يَوْمَ بَدْرٍ وَتَبُوكِ وَحُنَيْن

ثُمَّ تَقَدَّمَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)حَتَّى وَقَفَ قُبَالَةَ الْقَوْمِ وَسَيْفُهُ مُصْلَتٌ فِي يَدِهِ آيسًا مِنْ نَفْسِهِ ، عَازِمًا عَلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ:

(البحر الطويل)

أَنَا ابْنُ عَلِيِّ الظُّهْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ *** كَفَانِي بِهَذَا مَفْخَرًا حِينَ أَفْخَرُ

وَجَدِّي رَسُولُ الله أَكْرَمُ مَنْ مَشَى *** وَنَحْنُ سِرَاجُ الله فِي الْخَلْقِ نَزْهَرُ

وَفَاطِمُ أُمِّي مِنْ سُلَالَةِ أَحْمَدٍ *** وَعَمَّيَ يُدْعَى ذَا الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ

ص: 220


1- في نسخة من الاحتجاج : «ابْنُ الْعَلَمَيْن» راجع الاحتجاج: 2/ 100 ط. الجعفري.
2- في نسخة من الاحتجاج: «هازِمُ الْجَيْشِ» راجع الاحتجاج: 2/ 100 ط. الجعفري.
3- «بفض العسكرين» نسخة بدل. راجع هامش الاحتجاج : 2/ 100 ط . الجعفري.
4- في نسخة من الاحتجاج: «النبي» راجع الاحتجاج: 2/ 101 ط. الجعفري.

وَفِينَا كِتَابُ الله أُنْزِلَ صَادِقًا *** وَفِينَا الْهُدَى وَالْوَحْيُ بِالْخَيْرِ تُذْكَر(1)

وَنَحْنُ أَمَانُ الله لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ *** نَطُولُ بِهذَا فِي الْأَنامِ وَنَجْهَرُ

وَنَحْنُ حُمَاةُ(2)الْحَوْضِ نَسْقِي وَلَاتَنَا *** بِكَأْس رَسُولِ اللهِ مَا لَيْسَ يُنْكَرُ

وَشِيعَتُنَا فِي الْحَشر(3)أَكْرَمُ شِيعَةٍ وَمُبْغِضُنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْسَرُ»(4)

أقول: ذكره الفُضَيْل في التسمية وقال: «عبد الله بْنُ الْحُسَيْن(علیهما السّلام)، وأُمُّهُ الرَّبَابُ بِنْتُ امْرِئَ القَيْسِ بْنِ عَدِيّ بنِ أَوسِ بنِ جَابِرِ بنِ كَعْبِ بنِ حكيمِ الْكَلْبِيِّ، قَتَلَهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْكَاهِلِ الْأَسَدِيُّ الْوَالِبِيُّ ، وَكَانَ وُلِدَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلي(علیهما السّلام)في الْحَرْبِ، فَأُتِيَ بِهِ وَهُوَ قاعِدٌ وأَخَذَهُ في حِجْرِهِ وَلَبَّاهُ بِرِيقِهِ، وسَمَّاهُ عبد الله، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إذْ رَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْكَاهِلِ بِسَهُم فَنَحَرَهُ فَأَخَذَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)دَمَهُ، فَجَمَعَهُ وَرَمَى بِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَمَا وَقَعَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ إِلَى الْأَرْضِ.

قَالَ فُضَيْلٌ : وَحَدَّثَني أبو الْوَرْدِ: أَنَّهُ سَمِعَ أبا جعفر يَقُولُ: لَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ قَطْرَةُ لَنَزَلَ الْعَذَابُ.

وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ الشَّاعِرُ فِيهِ:

(البحر الطويل)

وَعِنْدَ غَنِيٌّ قَطْرَةٌ مِنْ دِمَائِنَا *** وَفِي أَسَدٍ أُخْرى تُعَدُّ وَتُذْكَرُ»(5)

ص: 221


1- في نسخة من الاحتجاج: «يُذْكَر» راجع الاحتجاج : 102/2 ط. الجعفري.
2- في نسخة من الاحتجاج: «ولاة» راجع الاحتجاج : 2/ 102 ط. الجعفري.
3- في نسخة من الاحتجاج: «النّاس» راجع الاحتجاج : 102/2 ط . الجعفري.
4- الاحتجاج: 2/300.
5- تُراثنا : ع 2/ 150.

وذكره الفخر الرازي في جملة أولاد أبي عبد الله الحُسَيْن المستشهدين في كربلاء وقال: «وَعبد الله، وقُتِلَ في حِجْرِ أَبِيهِ وَهُوَ صَبِيُّ يُرْضَعُ، أَصابَهُ سَهم فَاضْطَرَبَ وَمَاتَ»(1).

أقول هذا الطفل الرضيع هو الذي اشتهر على الألسنة بعنوان علي الأصغر، ولكن قد عرفت من المصادر الأولية أنّ اسمه عبد الله، ولم يذكره باسم عليّ الأصغر إلا ابن شهر آشوب السَرَوي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في مناقبه(2)ولا عبرة بقوله لتفرّده، والله العالم.

مقتل عبد الله بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب

يقول شَيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «أحاطوا بِهِ بِالْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فَخَرَجَإِلَيْهِم عبد الله بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٌّ(علیهما السّلام): وَهُوَ غُلامٌ لَمْ يُراهِقُ، مِنْ عِنْدِ النِّسَاءِ فَشَدَّ حَتَّى وَقَفَ إلى جنب عَمِّهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَلَحِفَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٌّ لِتَحْبِسَهُ، فَقالَ لَهَا الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): اِحْبِسِيهِ يا أُخْتِي ! فَأَبَى وَامْتَنَعَ عَلَيْهَا امْتِنَاعًا شَدِيدًا، وَقَالَ: والله لا أُفَارِقُ عَمِّي ! وَأَهْوَى أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)بِالسَّيْفِ، فَقَالَ لَهُ الْغُلامُ: وَيْلَكَ يَابْنَ الْخَبِيثَةِ أَتَقْتُلُ عَمِّي ؟! فَضَرَبَهُ أَبْجَرُ بالسَّيْفِ، فَاتَّقاهَا الْغُلامُ بِيَدِهِ وَأَطَنَّها إِلَى الْجِلْدِ، فَإِذَا يَدُهُ مُعَلَّقَةٌ وَنَادَى الْغُلامُ: يَا عَمَّاه! فَأَخَذَهُ الْحُسَيْنُ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَابْنَ أَخِي اِصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ وَاحْتَسِبْ في ذلِكَ الْخَيْرَ؛ فَإِنَّ الله يُلْحِقُكَ بِآبَائِكَ الصَّالِحِينَ»(3)

ص: 222


1- الشَّجَرَة المُبارَكَة : 73.
2- المناقب: 2/222.
3- الإرشاد: 222.

ويقول الطَبَري: «ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهِ [بالحسين] إِحَاطَةٌ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْحُسَيْنِ غُلامٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخَذَتْهُ أُخْتُهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ عَلِيٍّ لِتَحْبِسَهُ، فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ : اِحْبِسِيهِ، فَأَبَى الْغُلَامُ وَجَاءَ يَشْتَدُّ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَقَامَ إِلَى جَنبِهِ، قَالَ [الرّاوِي]: وَقَدْ أَهْوَى بَحْرُ(1) بنُ كَعْبِ بنِ عبيد الله مِنْ بَني تيم الله بن ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ إِلَى الْحُسَيْنِ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ الْغُلامُ : يَابْنَ الْخَبِيثَةِ أَتَقْتُلُ عَمِّي ؟ ! فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَاتَّقَاهُ الْغُلامُ ! ؟! بِيَدِهِ، فَأَطَنَّهَا إِلَّا الْجِلْدَةَ فَإِذا يَدُهُ مُعَلَّقَةٌ، فَنَادَى الْغُلامُ : يَا أُمَّتَاه(2)!

فَأَخَذَهُ الْحُسَيْنُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: يَابْنَ أَخِي! اِصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ، وَاحْتَسِبْ فى ذلِكَ الْخَيْرَ؛ فَإِنَّ الله يُلْحِقُكَ بآبَائِكَ الصَّالِحِينَ، بَرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وحَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَّى الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ»(3).

ويقول أبو الفَرَج الأصفهاني: «عبد الله بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وأُمُّه بنتُ الشَّليل بن عبد الله أَخِي جَرير بن عبد الله الْبَجَلِي، وَقِيلَ: إِنَّ أُمَّهُ أُمُّ وَلَدٍ، وَكانَ أبو جعفر مُحَمَّدُ بْنُ عَلى(علیهما السّلام)فيما روينَا عَنه يَذْكُرُ أَنَّ حَرمَلَةَ بْنَ عليها كَاهِلِ الْأَسَدِيَّ قَتَلَهُ ، وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ في إسنادِهِ عَن جَنابِ بنِ مُوسَى عَنْ حَمْزَةَ بنِ بِيض عَن هاني بنِ ثُبَيْتِ الْقايضي أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ»(4).

أقول: ذكره ابن نَما الحلي(5)وابن طاوس (الحَسَني) الحُسَيني وقال في ختام

ص: 223


1- ولعلّه «أبجر» كما في الإرشاد.
2- هكذا في المصدر والظاهر أن الصحيح يا عماه كما في الإرشاد.
3- تاريخ الطبري: 259/6.
4- مَقاتِل الطالبيين: 63.
5- مثير الأحزان : 73.

مقتله: «فَرَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ كَاهِلِ بِسَهُم فَذَبَحَهُ وَهُوَ فِي حِجْرِ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)»(1).

وذكره المجلسي في بحاره(2).

والعجب من صاحب المناقب حيث قال: «ثُمَّ بَرَزَ عبد الله بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٌّ(علیهما السّلام)وَهُوَ وهو يقول:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنَا فَرْعُ الْحَسَنُ *** سِبْطِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى وَالْمُؤْتَمَنْ

هذَا الْحُسَيْنُ كَالْأَسِيرِ الْمُرْتَهَنْ *** بَيْنَ أُناس لا سُقُوا صَوْبَ الْمُزَنْ

فَقَتَلَ أَربَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، قَتَلَهُ هاني بن شبيب الْحَضْرَمِيُّ، فَاسْوَدَّ وَجْهُهُ»(3).

لأنه ت خلط بين عبد الله وأخيه أبي بكر، ذكر عبد الله ولم يذكر أبا بكر بن الحسن، وقد عرفت ممّا سردنا عليك أن عبد الله بن الحسن طفل لم يراهق،وكان مع النساء في الخيام فكيف يصح بروزه وقتاله وإنشاؤه الرجز، وقتله أربعة عشر رجلًا ؟! سبحان مَنْ لا يسهو.

اللهم إلّا أن يكون مراده بعبد الله هنا هو أبو بكر بن الحسن؛ بناءً على أنّ اسمه عبد الله، ولكن في المبني والمبنى ما لا يخفى.

وذكره الشيخ الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدُّوسي) في أصحاب الحُسَيْن(علیه السّلام)وقال: «عبد الله بن الْحَسَنِ بْنِ عَليَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ(علیهما السّلام)، قُتِلَ مَعَهُ(علیه السّلام)، عليه أُمُّهُ الرَّبابُ بِنْتُ امْرِئَ الْقَيْسِ بْنِ عَدِي بْنِ أَوسِ بْنِ جَابِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُلَيْمِ مِنْ

ص: 224


1- اللهوف : 53.
2- بحار الأنوار: 53/45.
3- المَناقِب : 2 / 220.

بَنِي كَلب بن وَيْرَةَ»(1).

وهكذا نقل عنه القُهبائي في مَجْمَع الرّجال(2)وغيره في غيرها.

أقول: قد مرّ من أبي الفرج الأصفهاني أن أم عبد الله بن الحسن، كانت بنت الشليل بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله البجلي. وقيل: إنّ أُمّه أُمّ ولد.

وقال الشيخ المفيد: «عَمْرُو بْنُ الْحَسَن وَأَخَوَاهُ الْقَاسِمُ وعبد الله أبناء الْحَسَن، أُمُّهُمْ أُمُّ وَلَدِ»(3).

وكيفما كان ليسَتْ أُمّه الرباب بنت امرئ القيس التي ذكرها الشيخ في الرجال؛ لأنها كانت زوجة الحُسَيْن، وهي أُم السُّكَيْنَة السُكَيْنَة وعبد الله الرضيع المذكور مقتله آنفًا، وهذا الغلط الواضح بعيد من شيخنا وشيخ الطائفة المحقة الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي)، وعلى هذا يجب أن تكون عبارة الشيخ هكذا: «عبد الله بن الحُسَيْن بن علي... فصح جميع ما ذكره وقد صحف الحُسَيْن بالحسن، ونحوه كثير وعلى ما ذكرنا فلا غلط ولا سهو، بل تصحيف.

ونختم هذا المقتل بنقل مقال الفُضَيْل، قال: «عبد الله بن الْحَسَنِ بْنِ علي(علیهم السّلام)، وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ، رَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْكَاهِلِ الْأَسَدِيُّ بِسَهُم فَقَتَلَهُ»(4).

ص: 225


1- رجال الطوسي : 76.
2- مجمع الرّجال: 3/ 278.
3- الإرشاد: 173 في «باب ذِكْرِ ولد الحسن بن علي(علیهما السّلام)».
4- تراثنا: ع 2/ 150.

ص: 226

الفصل الرابع

مقتل الإمام(علیه السّلام)

مقتل سيّدنا ومولانا ومقتدانا وإمامنا

أبي عبد الله الْحُسَيْن(علیه السّلام)

ص: 227

ص: 228

قال شَيْخنا الصدوق (قَدَّسَ الله رُوحَهُ الْعَزيز): «وَنَظَرَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)يَمِينًا وَشِمَالًا وَلاَ يَرَى أَحَدًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللهمَّ! إِنَّكَ تَرَى مَا يُصْنَعُ بِوَلَدِ نَبِيِّكَ ! ؛ وَحَالَ بَنُو كِلاَبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَرُمِيَ بِسَهُم فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ وَخَرَّ عَنْ فَرَسِهِ فَأَخَذَ السَّهْمَ فَرَمَى بِهِ وَجَعَلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ بِكَفِّهِ، فَلَمَّا امْتَلَأَتْ لَطَخَ بِهَا رَأْسَهَ وَلِحْيَتَهُ وَيَقُولُ(1): أَلقَى الله(عزوجل)وَأَنَا مَظْلُومٌ مُتَلَطَّةٌ بِدَمِي ! ثُمَّ خَرَّ عَلَى خَدِّهِ الْأَيْسَرِ صَرِيعًا وَأَقْبَلَ عَدُوُّ الله سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ الْأَيادِيُّ وَشَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ الْعَامِرِيُّ لَعَنَهُما الله، في رِجالٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْن(علیه السّلام)، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ما تنتظرون؟ أَرِيحُوا الرَّجُلَ فَنَزَلَ سِنانُ بْنُ أَنَسِ الأَيادِيُّ لَعَنَهُ الله، وَأَخَذَ بِلِحْيَةِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ يَقُولُ(2): إِنِّي لَأَجْتَزُّ رَأْسَكَ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ ابْنُ رَسُولِ الله وَخَيْرُ النَّاسِ أُمَّا وَأَبَا(3)! وَأَقْبَلَ فَرَسُ الْحُسَيْنِ حَتَّى لَطَخَ عُرْفَهُ وناصِيَتَهُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ، وَجَعَلَ يَرْكُضُ وَيَصْهَلُ، فَسَمِعَتْ(4)بَنَاتُ النَّبِي(صلی الله علیه و آله و سلم)صَهِيلَهُ، فَخَرَجْنَ، فَإِذَا الْفَرَسُ بِلَا رَاكِبٍ، فَعَرَفْنَ أَنَّ حُسَيْنًا صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ قَدْ قُتِلَ...»(5).

وقال شَيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَلَمّا رَجَعَ الْحُسَيْنُ مِنَ الْمُسَنَّاةِ إِلَى فُسْطَاطِهِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَحَاطُوا

ص: 229


1- في الأمالي للصدوق: «وهو» ط. بعثة.
2- في الأمالي للصدوق: «والله» ط. بعثة.
3- في الأمالي للصدوق: «أبا وأمّا» ط. بعثة.
4- في الأمالي للصدوق: «فسَمِعَ» ط. بعثة.
5- أمالي الصدوق: 138 المجلس الثلاثون (ص 226 ط. بعثة).

بِهِ فَأَسْرَعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ الْيُسْر(1)الكِنْدِيُّ، فَشَتَمَ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)وَضَرَبَهُ عَلى رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ، وَكانَ عَلى رَأْسِهِ فَلَنْسُوَةٌ فَقَطَعَها حَتَّى وَصَلَ إلى رَأْسِهِ، فَأَدْمَاهُ، فَامْتَلَاتِ الْقَلَنْسُوَةُ دَمًا، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): لا أَكَلْتَ بِيَمِينِكَ وَلاَ شَرِبْتَ بِها وَحَشَرَكَ الله مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، ثُمَّ أَلْقَى الْقَلَنْسُوَةَ وَدَعَى(2)بِخِرْقَةٍ فَشَدَّ بهَا رَأْسَهُ، وَاسْتَدْعَى قَلَنْسُوَةً أُخْرَى فَلَبِسَهَا وَاعْتَمَّ عَلَيْها وَرَجَعَ عَنْهُ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، فَمَكَثُوا هُنَيْهَةً ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ وَأَحَاطُوا بِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عبد الله بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلي(علیه السّلام)وَهُوَ غُلامٌ لَمْ يُراهِقُ مِنْ عِنْدِ النِّسَاءِ، فَشَدَّ حَتَّى وَقَفَ إِلى جَنْبِ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فَلَحِقَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَليّ(علیهما السّلام)لِتَحْبِسَهُ، فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ إِحْبسِيهِ يا أُخْتِي فَأَبَى وَامْتَنَعَ عَلَيْهَا امْتِنَاعًا شَدِيدًا ! وَقالَ: والله لا أُفَارِقُ عَمِّي ! ؛ وَأَهْوَى أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وبِالسَّيْفِ، فَقالَ لَهُ الْغُلامُ: وَيْلَكَ يَابْنَ الْخَبِيثَةِ أَتَقْتُلُ عَمِّي ؟! فَضَرَبَهُ أَبْجَرُ بِالسَّيْفِ فَاتَّقَاهَا الْغُلامُ بِيَدِهِ وَأَطَنَّهَا إِلَى الْجِلْدِ فَإِذَا يَدُهُ مُعَلَّقَةٌ، وَنَادَى الْغُلامُ: يا عَمَّاها فَأَخَذَهُ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وفَضَمَّهُ إِلَيْه وَقالَ: يَابْنَ أَخِي اصْبِرْ عَلى مَا نَزَلَ بِكَ وَاحْتَسِبْ فِي ذلِكَ الْخَيْرَ ، فَإِنَّ الله يُلْحِقُكَ بِآبَائِكَ الصَّالِحِينَ!

ثُمَّ رَفَعَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)ويَدَيْهِ، وَقَالَ: اللهمَّ ! فَإِنْ مَتَّعْتَهُمْ إِلَى حِينٍ فَفَرِّقْهُمْ فِرَقًا وَاجْعَلْهُمْ طَرائِقَ قِدَدًا(3)وَلَا تُرْضِ الوُلَاةَ مِنْهُمْ أَبَدًا!، فَإِنَّهُمْ دَعَوْنا لِيَنْصُرُونَا ثُمَّ عَدَوا عَلَيْنا فَقَتَلُونَا

ص: 230


1- في بعض المصادر: «النَّسر»، وفي بعض المصادر الأخرى: «النُّسَيْر».
2- الكتابة المُتَعارَفة: «دَعا».
3- طرائق قددًا أي فرقًا مختلفةً أهواؤها.

وَحَمَلَتِ الرَّجَّالَةُ يَمِينًا وَشِمَالًا عَلَى مَنْ كَانَ بَقِيَ مَعَ الْحُسَيْنِ فَقَتَلُوهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)دَعَا بِسَراوِيلَ يَمَانِيَّةِ يُلْمَعُ فِيهَا البَصَرُ فَفَزَرَهَا(1)ثُمَّ لَبِسَها ؛ وَإِنَّمَا فَزَرَهَا لِكَيْ لَا يُسْلَبَهَا بَعْدَ قَتْلِهِ. فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)عَمَدَ أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ إِلَيْهِ فَسَلَبَهُ السَّرَاوِيلَ وَتَرَكَهُ مُجَرَّدًا وَكَانَتْ يَدَا أَبْجَرَ بْنِ كَعْبٍ بَعْدَ ذلِكَ تَيْتَبِسانِ فِي الصَّيْفِ حَتَّى كَأَنَّهُمَا عُودَانِ وَتَتَرَطَّبَانِ فِي الشَّتاءِ فَتَنْضَحَانِ دَمًا وَقَيْحًا إِلَى أَنْ أَهْلَكَهُ الله.

فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ مَعَ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)أَحَدٌ إِلَّا ثَلاثَةُ رَهْطٍ مِنْ أَهْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ يَدْفَعُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَالثَّلَثَةُ يَحْمُونَهُ حَتَّى قُتِلَ الثَّلَثَةُ وَبَقِيَ وَحْدَهُ وَقَدْ أَنْخِنَ بِالْجِراحِ في رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ فَجَعَلَ يُضارِبُهُمْ بِسَيْفِهِ وَهُمْ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا.

فَقالَ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ : فَوَالله مَا رَأَيْتُ مَكْثُورًا(2)قَطُّ قَدْ قُتِلَ ولدُهُ وَأَهْلُ بَيْتِ وَأَصْحابُهُ أَرْبَطَ جَأْشًا(3)وَلَا أَمْضَى جَنانًا مِنْهُ(علیه السّلام)، إِنْ كَانَتِ الرَّجَالَة لَتَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَشُدُّ عَلَيْهَا بِسَيْفِهِ فَيَنْكَشِفُ عَن يَمِينِهِ وَعَن شِمَالِهِ اِنْكِشَافَ الْمِعْزَى إِذَا شَدَّ فِيهَا الذِّتْبُ؛ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ اسْتَدْعَى الفُرْسَانَ فَصَارُوا في ظُهُورِ الرَّجَالَةِ وَأَمَرَ الرُّمَاةَ أَن يَرْمُوهُ فَرَشَقُوهُ بالسَّهَام حَتَّى صَارَ كَالْقُنْفُدِ فَأَحْجَمَ عَنْهُمْ؛ فَوَقَفُوا بإزَائِهِ وَخَرَجَتْ أُخْتُهُ زَيْنَبُ إِلَى بَابِ الْفُسْطَاطِ فَنَادَت عُمَرَ بن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : وَيْلَكَ يا عُمَر ! أَيَقْتَلُ أبو عبد الله وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهَا عُمَرُ بِشَيْءٍ فَنَادَتْ: وَيْحَكُم أَمَا فِيكُم مُسْلِمٌ فَلَمْ يُجِبُهَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ فَنَادَى شَمِرُ بْنُ

ص: 231


1- فزرت التّوب فتفزر أي قطعته فتقطع.
2- المكثور: الذي تكاثروا عليه فقهروه.
3- الجأش : القلب، ورباطه ثباته.

ذِي الْجَوْشَنِ الْفُرْسَانَ وَالرَّجَّالَةَ فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! مَا تَنتَظِرُونَ بِالرَّجُل؟! ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ! فَحَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ ، فَضَرَبَهُ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكٍ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى فَقَطَعَهَا، وَضَرَبَهُ آخَرُ مِنْهُمْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَبا مِنْهَا لِوَجْهِهِ، وَطَعَنَهُ سِنانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ بالرُّمْح فَصَرَعَهُ، وَبَدَرَ إِلَيْهِ خَوْليُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحَيُّ فَنَزَلَ لِيَجْتَر رَأْسَهُ فَأَرْعِدَ، فَقَالَ لَهُ شَمِرٌ: فَنَّ الله فِي عَضُدِكَ مَا لَكَ تُرْعَدُ ؟! وَنَزَلَ شَمِرٌ إِلَيْهِ فَذَبَحَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى خَوْلِيَّ بْنِ يَزِيدَ ، فَقالَ: احْمَلْهُ إِلَى الْأَمِيرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ»(1).

يقول الطبري: «قالَ هِشَامٌ: حَدَّثَني أبو الْهُذَيْلِ رَجُلٌ مِن السَّكُونِ عَن هَانِي بنِ ثُبَيْتِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: رَأَيْتُهُ جَالِسًا فِي مَجْلِسِ الْحَضْرَمِيِّينَ فِي زَمَانِ خَالِدِ بْنِ عبد الله وَهُوَ شَيْخٌ كبيرٌ. قَالَ : فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: كُنْتُ مِمَّنْ شَهدَ قَتْلَ الْحُسَيْن. قالَ: فَوَالله إِنِّي لَواقِفٌ عاشِرَ عَشَرَةٍ لَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ وَقَدْ جَالَتِ الْخَيْلُ وَتَصَعْصَعَتْ إِذْ خَرَجَ غُلامٌ مِنْ آلِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ مُمْسِكٌ بِعُودٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ؛ عَلَيْهِ إزارٌ وَقَمِيصٌ؛ وَهُوَ مَذْعُورٌ يَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَشِمَالًا؛ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى دُرَّتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ تَذَبْذَبَانِ كُلَّمَا الْتَفَتَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَرْكُضُ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُ مَالَ عَنْ فَرَسِهِ ثُمَّ اقْتَصَدَ الْغُلَامَ فَقَطَعَهُ بِالسَّيْفِ !

قَالَ هِشَامٌ: قَالَ السَّكُونِيُّ: هَانِيُّ بْنُ نُبَيْتٍ هُوَ صَاحِبُ الْغُلَامِ، فَلَمّا عُتِبَ عَلَيْهِ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ.

قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَمِر عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: عَطِشَ الْحُسَيْنُ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَدَنَا لِيَشْرَبَ مِنَ الْمَاءِ فَرَمَاهُ حُصَيْنُ بنُ تَمِيمٍ بِسَهُم فَوَقَعَ

ص: 232


1- الإرشاد: 222 - 224.

فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ مِنْ فَمِهِ وَيَرمِي بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللهمَّ ! أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا(1)وَلَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْهُمْ أَحَدًا!

قالَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْأَصْبَغ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ الْحُسَيْنَ فِي عَسْكَرِهِ أَنَّ حُسَيْنًا حِينَ غُلِبَ عَلَى عَسْكَرِهِ رَكِبَ الْمُسَنَّةَ يُرِيدُ الفُرَاتَ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَبَان بن دَارِم: وَيْلَكُمْ ! حُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ لاَ تَتامَّ إِلَيْهِ شِيعَتُهُ. قَالَ: وَضَرَبَ فَرَسَهُ وَاتْبَعَهُ النَّاسُ حَتَّى حالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُراتِ، فَقالَ الْحُسَيْنُ : اللهمَّ ! أَظْمِهِ قالَ: وَيَنْتَزِعُ الأَبَانيُّ بِسَهُم فَأَثْبَتَهُ في حَنَكِ الْحُسَيْنِ، قالَ: فَانْتَزَعَ الْحُسَيْنُ السَّهْمَ ثُمَّ بَسَطَ كَفَّيْهِ فَامْتَلَاتَا دَمًا ثُمَّ قَالَ الْحُسَيْنُ : اللهمَّ! إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ما يُفْعَلُ بِابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ! قَالَ: فَوَالله إن مَكَثَ الرَّجُلُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى صَبَّ الله عَلَيْهِ الظَّمَا فَجَعَلَ لاَ يَرْوى.

قالَ الْقاسِمُ بْنُ الْأَصبعَ : لَقَدْ رَأَيْتُني فِيمَن يُرَوِّحُ عَنْه؛ وَالْماءُ يُبَرِّدُ لَهُ فِيهِ السُّكَرُ وَعِسَاسٌ فِيهَا اللَّبَنُ وَقِلالٌ فِيهَا الْمَاءُ؛ وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: وَيْلَكُمْ! اِسْقُوني ! قتَلَنِي الظَّمَأُ فَيُعْطَى الْقُلَّةَ أَوِ العُسَّ كَانَ مُرْوِيًا أَهْلَ الْبَيْتِ فَيَشْرَبُهُ، فَإِذَا نَزَعَهُ مِنْ فِيهِ اضْطَجَعَ الْهُنَيْهَةً، ثُمَّ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ إِسْقُونى! قَتَلَنِي الظَّمَأُ! قَالَ: فَوَالله مالَبِثَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى انْقَدَّ بَطْنُهُ انْقِدَادَ بَطْنِ الْبَعِيرِ.

ص: 233


1- في مَجْمَع البَحْرَيْنِ للطَّرَيْحي : 11/3 ط. الإشكَوَري: «... وَفِي الدُّعاءِ عَلَى الكَافِرِينَ والمُنافِقِينَ: وَاقْتُلُ أَعْداءَهُمْ بدَدًا؛ بكسر الباء جمع بدةٍ وهِيَ الحِصَّةُ والنَّصيب، أي اقتلُهُمْ حِصَصًا مُقَسَّمة لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُم حِصَّته ونَصيبه، ويُروى بالفَتح أَي مُتَفَرِّقِينَ بالقتل واحِدًا بعدَ واحِدٍ».

قالَ أَبو مِخْنَفٍ فِي حَدِيثِهِ : ثُمَّ إِنَّ شَمِرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَنِ أَقْبَلَ فِي نَفَرٍ نَحْوِ مِنْ عَشَرَةِ مِنْ رَجَالَةِ أَهْل الْكُوفَةِ قِبَلَ مَنْزِلِ الْحُسَيْنِ الَّذِي فِيهِ ثَقَلُهُ وَعِبَالُهُ، فَمَشَى نَحْوَهُ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ: وَيْلَكُمْ! إِنْ لَمْ يَكُن لَكُمْ دينٌ وَكُنتُمْ لا تَخَافُونَ يَوْمَ الْمَعَادِ، فَكُونُوا فِي أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَحْرَارًا ذَوِي أَحْسَابَ امْنَعُوا رَحْلي وَأَهْلي مِنْ طَغَامِكُمْ وَجُهَّالِكُمْ فَقَالَ ابْنُ ذِي الْجَوْشَن : ذلِكَ لَكَ، يَابْنَ فَاطِمَةَ!

قَالَ: وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ بِالرَّجَالَةِ، مِنْهُمْ أبو الْجَنوب وَاسْمُهُ عبد الرحمن الْجُعْفِيُّ وَالْقَشْعَمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ وَصالِحُ بْنُ وَهَبِ الْيَزَنيُّ وَسِنانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ وَخَوْليُّ بنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيُّ، فَجَعَلَ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ يُحَرِّضُهُمْ، فَمَرَّ بِأَبِي الْجَنوبِ وَهُوَ شَاكِ فِي السَّلاح، فَقَالَ لَهُ: أَقْدِمْ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ أَن تُقْدِمَ عَلَيْهِ أَنْتَ؟ فَقَالَ لَهُ شَمِرٌ : أَلِي تَقُولُ ذَا؟ قَالَ: وَأَنْتَ لِي تَقُولُ ذَا؟! فَاسْتَبًا. فَقَالَ لَهُ أبو الْجَنوب وَكانَ شُجَاعًا: والله لَهَمَمْتُ أَنْ أَخَضْخِضَ السِّنَانَ في عَيْنِكَ ! قالَ : فَانْصَرَفَ عَنْهُ شَمِرٌ وَقَالَ : والله لَئِنْ قَدَرْتُ عَلى أَنْ أَضُرَّكَ لَأَضُرَّنَّكَ !

قَالَ : ثُمَّ إِنَّ شَمِرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَن أَقْبَلَ فِي الرَّجَالَةِ نَحْوَ الْحُسَيْنِ فَأَخَذَ الْحُسَيْنُ يَشُدُّ عَلَيْهِمْ فَيَنْكَشِفُونَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهِ إِحَاطَةٌ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْحُسَيْنِ غُلامٌ مِنْ أَهْلِهِ فَأَخَذَتْهُ أَخْتُهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ عَلِيٌّ لِتَحْبِسَهُ فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ : إِحْبِسِيهِ! فَأَبَى الْغُلامُ وَجَاءَ يَشْتَدُّ إِلَى الْحُسَيْنِ فَقَامَ إِلَى جَنْبِهِ. قَالَ: وَقَدْ أَهْوَى بَحْرُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عبيد الله مِن بَني تَيْمِ الله بْنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ إِلَى الْحُسَيْنِ بالسَّيْفِ فَقَالَ الغَلام يَابْنَ الْخَبِيثَةِ أَتَقْتُلُ عَمِّي ؟! فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَاتَّقَاهُ الْغُلامُ بِيَدِهِ فَأَطَنَّهَا إِلَّا الْجِلْدَةَ فَإِذَا يَدُهُ مُعَلَّقَةٌ فَنَادَى الْغُلَامُ: يا أُمَّتَاهِ! فَأَخَذَهُ الْحُسَيْنُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: يَابْنَ أَخِي! اِصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ وَاحْتَسِبْ في ذلِكَ الْخَيْرَ، فَإِنَّ الله يُلْحِقُكَ

ص: 234

بآبَائِكَ الصَّالِحِينَ، بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّم وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَليَّ صَلَّى الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

قَالَ أَبو مِخْنَفٍ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي رَاشِدِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللهمَّ ! أَمْسِكْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ وَامْنَعْهُمْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ ! اللهم! فَإِن مَتَّعْتَهُمْ إلى حِينٍ، فَفَرِّقْهُمْ فِرَقًا وَاجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَدًا وَلا تُرْضِ عَنْهُمُ الْوُلاَةَ أَبَدًا فَإِنَّهُمْ دَعَوْنَا لِيَنصُرُونَا فَعَدَوا عَلَيْنا فَقَتَلُونَا.

قَالَ: وَضَارَبَ الرَّجَالَةَ حَتَّى انْكَشَفُوا عَنْهُ.

قَالَ: وَلَمَّا بَقِيَ الْحُسَيْنُ فِي ثَلَاثَةِ رَهْطٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ دَعَا بِسَرَاوِيلَ مُحَقَّقَةٍ يُلْمَعُ فِيهَا الْبَصَرُ، يَمَاني مُحَقَّقٍ، فَفَزَرَهُ وَنَكَثَهُ لِكَيْ لا يُسْلَبَهُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَو لَبَسْتَ تَحْتَهُ تُبَّانًا قَالَ: ذلِكَ ثَوْبُ مَذَلَّةٍ وَلا يَنبَغِي لِي أَن أَلبَسَهُ. قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ أَقْبَلَ بَحْرُ بْنُ كَعْب فَسَلَبَهُ إِيَّاهُ فَتَرَكَهُ مُجَرَّدًا .

قال أَبو مِخْنَفٍ فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الرحمن أَنَّ يَدَيْ بَحْرِ بنِ كَعْبٍ كَانَتَا فِي الشَّتَاءِ يَنْضَحَانِ الْمَاءَ وَفِي الصَّيْفِ يَيْبَسَانِ كَأَنَّهُمَا عُودُ.

قال أبو مِخْنَفٍ عَنِ الْحَجَّاج بْنِ عبد الله بنِ عَمَّارِ بنِ عبد يَغُوثَ الْبارِقِيِّ: وعُتِبَ عَلى عبد الله بْنِ عَمَّارٍ بَعْدَ ذلِكَ مَشْهَدَهُ قَتْلَ الْحُسَيْنِ، فَقالَ عبد الله بْنُ عَمَّارٍ: إِنَّ لِي عِنْدَ بَنِي هَاشِمٍ لَيَدًا! قُلْنَا لَهُ: وَمَا يَدُكَ عِنْدَهُم؟! قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى حُسَيْنِ بِالرُّمْحِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَوَالله لَوْ شِئْتُ لَطَعَنْتُهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ غَيْرَ بَعِيدٍ وَقُلْتُ: مَا أَصنَعُ بأَن أَتَوَلَّى قَتْلَهُ؟! يَقْتُلُهُ غَيْرِي ! قَالَ: فَشَدَّ عَلَيْهِ رَجَالَةٌ مِمَّن عَن يَمِينِه وَشِمَالِهِ، فَحَمَلَ عَلَى مَنْ عَن يَمينِهِ حَتَّى ابْدَعَرُّوا، وَعَلَى مَنْ عَن شِمالِهِ

ص: 235

حَتَّى ابْتَعَرُّوا، وعَلَيْهِ قَمِيصٌ لَهُ مِنْ خَزْ وَهُوَ مُعْتَةٌ. قَالَ: فَوَالله ما رَأَيْتُ مَكْسُورًا قط قَدْ قُتِلَ وَلَدُهُ وأَهلُ بَيْتِهِ وَأَصْحَابُهُ أَرْبَطَ جَاشًا وَلا أَمْضَى جَنانًا مِنْه وَلاَ أَجْرَاً مُقْدَمًا مِنْهُ، والله مَا رَأَيْتُ قَبْلَهُ ولاَ بَعْدَ مِثْلَهُ إِنْ كَانَتِ الرَّجَالَة لَتَنْكَشِفُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ انْكِشَافَ الْمِعْزَى إِذَا شَدَّ فِيهَا الذَّتْبُ. قَالَ: فَوَالله إنّه لَكَذلِكَ إِذْ خَرَجَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ ،فاطِمَةَ، أَخْتُهُ، وَهِيَ تَقُولُ: لَيْتَ السَّمَاءَ تَطَابَقَتْ عَلَى الْأَرْضِ ! ؛ وَقَدْ دَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدِ مِنْ حُسَيْنِ؛ فَقَالَتْ: يا عُمَرَ بْنَ سَعْدِ أَيقتل أبو عبد الله وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ؟! قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِ عُمَرَ وَهِيَ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ وَلِحْيَتِهِ، قَالَ: وَصَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهَا .

قال أبو مِخْتَفِ حَدَّثَنِي الصَّفْعَبُ بْنُ زُهَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كَانَتْ عَلَيْه جُبَّةٌ مِنْ خَزْ وَكَانَ مُعْتَمَّا وَكَان مَخْضُوبًا بالْوَسِمَةِ(1). قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَبْلَ أَن يُقْتَلَ وَهُوَ يُقَاتِلُ عَلَى رِجْلَيْهِ قِتَالَ الْفَارِسِ الشُّجَاعِ يَتَّقِي الرَّمْيَةَ وَيَفْتَرِصُ الْعَوْرَةَ وَيشُدُّ عَلَى الْخَيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: أَعَلَى قَتْلِي تَحَاثُونَ؟! أما والله لا تَقْتُلُونَ بَعْدِي عبدا مِنْ عبادِ الله الله أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ لِقَتْلِهِ مِنِّي وَايْمُ اللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَن يُكْرِمَني الله بِهَوَائِكُمْ ثُمَّ يَنتَقِمَ لِي مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لا تَشْعُرُونَ! أما والله أن لو قَدْ قَتَلْتُمُونِي لَقَد أَلْقَى الله بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَرْضَى لَكُمْ بِذلِكَ حَتَّى يُضَاعِفَ لَكُمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.

قالَ: وَلَقَدْ مَكَثَ طَوِيلًا مِنَ النَّهارِ وَلَوْ شَاءَ النَّاسُ أَن يَقْتُلُوهُ لَفَعَلُوا، وَلَكِنَّهُمْ كَانَ يَتَّقِي بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَيُحِبُّ هؤُلاَءِ أَن يَكْفِيَهُمْ هؤُلاءِ.

قَالَ: فَنَادَى شَمِرٌ فِي النَّاسِ : وَيْحَكُمْ ! مَاذَا تَنْظُرُونَ بِالرَّجُلِ؟! أَقْتُلُوهُ! ثَكِلَتْكُمْ

ص: 236


1- «وَسِمَة» أو «وَسْمَة»، واحد؛ وإن كانت الثانية أبلغ.

أُمَّهَاتُكُمْ قَالَ: فَحُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ، فَضُرِبَتْ كَفُّهُ الْيُسْرَى ضَرْبَةٌ ضَرَبَهَا زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكِ التَّمِيمِيُّ، وضُرِبَ عَلَى عَاتِقِه ثُمَّ انْصَرَفُوا وَهُوَ يَنُوءُ ويَكْبُو. قَالَ: وَحَمَلَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ سِنانُ بْنُ أَنَسِ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيُّ فَطَعَنَهُ بِالرُّمْحِ فَوَقَعَ . ثُمَّ قَالَ لِخَوْلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيّ : اِحْتَزَ رَأْسَهُ فَأَرادَ أَن يَفْعَلَ فَضَعُفَ فَأُرْعِدَ. فَقالَ لَهُ سِنانُ بْنُ أَنَسٍ: فَنَّ الله عَضُدَيْكَ وَأَبَانَ يَدَيْكَ! فَنَزَلَ إِلَيْهِ فَذَبَحَهُ وَاحْتَر رَأْسَهُ، ثُمَّ دَفَعَ إِلى خَوْلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، وَقَدْ ضُرِبَ قَبْلَ ذلِكَ بِالسُّيُوفِ»(1).

وقال أبو الفَرَج الأصفهاني: «وَحَمَلَ شَمِرٌ لَعَنَهُ الله عَلَى عَسْكَرِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)فَجَاءَ إِلى فُسْطَاطِهِ لِيَنْهَبَهُ، فَقالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: وَيْلَكُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ دِينُ فَكُونُوا أَحْرَارًا فِي الدُّنْيا! فَرَحْلِي لَكُمْ عَنْ ساعَةٍ مُبَاحٌ قَالَ: فَاسْتَحَى وَرَجَعَ.

! قَالَ: وَجَعَلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)يُقاتِلُ بِنَفْسِهِ وَقَدْ قُتِلَ وَلَدُهُ وإِخْوَتُهُ وَبَنُو أَخِيهِ وَبَنُو عَمه، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ؛ وَحَمَلَ ذُرعَةُ بْنُ شَرِيكَ لَعَنَهُ الله فَضَرَبَ كَيْفَهُ الْيُسْرَى بِالسَّيْفِ فَسَقَطَتْ صَلَواتُ الله عَلَيْهِ، وَقَتَلَهُ أبو الْحُتُوفِ(2)زِيَادُ بنُ عبد الرحمن الْجُعفيُّ وَالْقتْعمُ وَصالِحُ بْنُ وَهبِ الْيَزَني وخَوْلِيُّ بنُ يَزِيدَ، كُلٌّ قَدْ ضَرَبَهُ وَشَرِكَ فِيهِ، ونَزَلَ سِنانُ بْنُ أَنَسِ النَّخَعِيُّ فَاحْتَنَّ رَأْسَهُ.

وَيُقَالُ : إِنَّ الَّذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ الصِّبَابِيُّ لَعَنَهُ الله.

وَحَمَلَ خَوْلِيُّ بْنُ يَزِيدَ رَأْسَهُ إلى عبيد الله بنِ زِيَادٍ»(3).

وقال أبو حنيفة الدينوري: وَبَقِيَ الْحُسَيْنُ وَحْدَهُ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ بِشر

ص: 237


1- تاريخ الطَّبَري: 257/6 - 260.
2- قد يقال : الصحيح «أبو الجنوب».
3- مَقاتِل الطَّالِبيين : 87.

الْكِنْدِيُّ، فَضَرَبَهُ بالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، وَعَلَيْهِ بُرْنُسُ خَرِّ ، فَقَطَعَهُ، وَأَفْضَى السَّيْفُ إِلَى رَأْسِهِ، فَجَرَحَهُ.

فَأَلْقَى الْحُسَيْنُ البرنس،، وَدَعَا بقلنسوة،فَلَبسَهَا، ثُمَّ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ، وَجَلَسَ، فَدَعَا بِصَبِيٌّ لَهُ صَغيرِ، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَرَماهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ، وَهُوَ فِي حِجْرِ الْحُسَيْنِ بِمِشْقَص(1)، فَقَتَلَهُ.

وَبَقِيَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)مَلِيًّا جَالِسًا، وَلَوْ شَاؤوا أَن يَقْتُلُوهُ قَتَلُوهُ، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ كَانَتْ تَتَّكِلُ عَلى غَيْرها، وَتَكْرَهُ الْاِقْدَامَ عَلَى قَتْلِهِ.

وَعَطِشَ الْحُسَيْنُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِن مَاءٍ.

فَلَمَّا وَضَعَهُ فِي فِيهِ رَمَاهُ الحُصَيْن بْنُ نُمَيْرِ بِسَهُم، فَدَخَلَ فَمَهُ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُرْبِ الْمَاءِ، فَوَضَعَ الْقَدَحَ مِنْ يَدِهِ.

وَلَما رَأَى الْقَوْمَ قَدْ أَحْجَمُوا عَنْهُ قَامَ يَتَمَشَّى عَلَى الْمُسَنَّاةِ(2)نَحْوَ الفُرَاتِ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْماءِ، فَانْصَرَفَ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ.

فَانْتَزَعَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ بِسَهُم، فَأَثْبَتَهُ فِي عَاتِقِه ، فَنَزَعَ(علیه السّلام)السَّهُم .

وَضَرَبَهُ زُرْعَةُ بنُ شَرِيكٍ التَّمِيمِيُّ بالسَّيْفِ، وَاتَّقَاهُ الْحُسَيْنُ بِيَدِهِ، فَأَسْرَعَ السَّيْفُ في يَدِهِ.

وَحَمَلَ عَلَيْهِ سِنَانُ بْنُ أَوسِ النَّخَعِيُّ، فَطَعَنَهُ، فَسَقَطَ .

وَنَزَلَ إِلَيْهِ خَولِيُّ بنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيُّ لِيَحُزَّ رَأْسَهُ، فَأُرْعِدَتْ يَدَاهُ.

ص: 238


1- المشقص : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.
2- ضفيرة تُبنى للسيل لترد الماء.

فَنَزَلَ أَخُوهُ شِبْلُ بْنُ يَزِيدَ، فَاحْتَزَ رَأْسَهُ، فَدَفَعَهُ إِلى أَخِيهِ خَولِيٌّ .

ثُمَّ مالَ النَّاسُ عَلَى ذلِكَ الْوَرْسِ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ مِنَ الْعِيرِ، وَإِلَى مَا فِي الْمَضَارِبِ، فَانْتَهَبُوهُ»(1).

وقال أبو على مسكويه الرازي: «وَمَكَثَ الْحُسَيْنُ طَوِيلًا مِنَ النَّهار، وكُلَّما انْتَهَى إِلَيْهِ رَجُلٌ انْصَرَفَ عَنْهُ وَكَرِهَ أَن يَتَوَلَّى قَتْلَهُ، حَتَّى أَتَاهُ مالِكُ بْنُ النُّسَيْرِ، فَضَرَبَهُ عَلى رَأْسِهِ بالسَّيْفِ، فَقَطَعَ بُرْنُسَ خَزْ كانَ عَلَيْهِ، وَأَدْمَى رَأْسَهُ، فَأَلْقَى ذلِكَ الْبُرْنُسَ، وَدَعَا بِقَلَنْسُوَةٍ، فَلَبِسَهَا وَاعْتَمَّ، وَكانَ قَدْ أَعْمَى وَبَلَّدَ، وَلَمْ تَبْقَ لَهُ قُوَّةٌ، وَأَجْهَدَهُ الْعَطَشُ . فَدَنَا إِلَى الْمَاءِ لِيَشْرَبَهُ، فَرَمَاهُ حُصَيْنُ بْنُ تَمِيمٍ بِسَهُم، فَوَقَعَ فِي فَمِه يَتَلَقَّى الدَّمَ مِنْ فِيهِ ، فَيَرمِي بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَمَعَ يَدَهُ(2)وَقَالَ: اللهمَّ! أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلا تَذَرُ مِنْهُمْ أَحَدًا!

ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَن فِي نَحْوِ مِنْ عَشَرَةِ مِنْ رَجَالَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَطَلَبَ مَنْزِلَ الْحُسَيْنِ الَّذِي فِيهِ ثَقَلُهُ. فَمَشَى نَحْوَهُمْ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ.

فَقالَ الْحُسَيْنُ: وَيْلَكُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ دِينُ ، فَكُونُوا فى دُنْيَاكُمْ أَحْرارًا! اِمْنَعُوا أَهْلَى مِنْ طَغَامِكُمْ وَجُهَالِكُمْ !

قَالَ ابنُ ذِي الْجَوْشَن : ذلِكَ لَك.

وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ بالرَّجَالَةِ.

قال عبد الله بن عمادٍ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَحمِلُ عَلَى مَن فِي يَمينِهِ فَيَطْرُدُهُمْ،

ص: 239


1- الأخبار الطوال : 258.
2- في تاريخ الطبري: «يديه».

وعَلَى مَن في شِمَالِهِ فَيَطْرُدُهُمْ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُ خَزْ وَهُوَ مُعْتَمٌ، فَوَالله ما رَأَيْتُ مَكْفُورًا قُتِلَ وَلَدُهُ وأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَصْحَابُهُ، أَرْبَطَ جَأْشًا مِنْهُ، ولا أَمْضَى جَنَانًا، وَلاَ أَجْرَأَ مُقدَمًا، والله مَا رَأَيْتُ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، إِنْ كانَتِ الرَّجَالَة لَتَنْكَشِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ الْكِشَافَ الْمِعْزَى إِذَا شَدَّ فِيهَا الذِّكْبُ. فَكَأَنِّي بِزَيْنَبَ أُخْتِهِ وَهُوَ عَلى تِلْكَ الْحالِ، قَدْ خَرَجَتْ وَهِيَ تَقُولُ: لَيْتَ السَّمَاءَ انْطَبَقَتْ عَلَى الْأَرْضِ !

وكَانَ قَدْ دَنا عُمَرُ بْنُ سَعْدِ مِنَ الْحُسَيْنِ ، فَقَالَتْ: يَابْنَ سَعْدٍ يُقْتَلُ أبو عبد الله وَأَنتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ ؟!

وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى دُمُوعِ عَمَرَ بْنِ سَعْدِ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ وَلِحْيَتِهِ، وَصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا.

فَنَادَى فِي النَّاسِ شَمِرٌ: وَيْحَكُمْ مَا تَنْظُرُونَ بِالرَّجُل ؟! أقْتُلُوهُ ثَكِلَتُكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فَحُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جانِبٍ وَضُرِبَ عَلَى كَتِفِهِ وَطُعِنَ، فَقَالَ شَمِرٌ لِخَوْلِي بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحَيِّ : اِنْزِلْ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ فَضَعُفَ وَأُرْعِدَ؛ فَقَالَ لَهُ سِنانُ بْنُ أَنَس وَهُوَ الَّذِي طَعَنَهُ: فَنَّ الله عَضُدَيْكَ فَتَزَلَ فَذَبَحَهُ وَأَخَذَ رَأْسَهُ»(1).

وقال ابن شهر آشوب السَرَوي: «ثُمَّ قَالَ(علیه السّلام): الْتُونِي بِثَوْبِ لَا يُرْغَبُ فِيهِ أَلبَسَهُ غَيْر ثِيابي لا أَجَرَّد، فَإِنِّي مَقْتُولٌ مَسْلُوبٌ. فَأَتَوْهُ بِتبَّانِ(2)فَأَبَى أَن يَلبَسَهُ، قَالَ : هذَا لِباسُ أَهْل الذِّلَّةِ. ثُمَّ أَتَوهُ بِشَيْءٍ أَوْسَعَ مِنْهُ دُونَ السَّرَاوِيل وَفَوْقَ التّبّانِ، فَلَبِسَهُ، ثُمَّ وَدَّعَ النِّسَاءَ، وَكَانَتْ سُكَيْنَةٌ تَصِيحُ، فَضَمَّها إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ:

ص: 240


1- تَجارِب الْأُمَم: 2/ 72 و 73.
2- التبان: سراويل صغيرة تستر العورة المغلظة.

(البحر الكامل)

سَيَطُولُ بَعْدِي يَا سُكَيْنَةُ! فَاعْلَمِي *** مِنْكِ الْبُكَاءُ إِذا الْحِمَامُ دَهَانِي(1)

لَا تُحْرِقِي قَلْبِي بِدَمْعِكِ حَسْرَةً *** مَادامَ مِنِّي الرُّوحُ فِي جُثْمَانِ

وَإِذَا قُتِلْتُ فَأَنْتِ أُولَى بِالَّذِي *** تَأْتِينَهُ يَا خيرَةَ النَّسْوَانِ !

ثُمَّ بَرَزَ(علیه السّلام)فَقالَ: يا أَهْلَ الْكُوفَةِ قُبْحًا لَكُمْ وَتَرَحًا وَبُؤْسًا لَكُمْ وَتَعْسًا ! حِينَ اسْتَصْرَ حْتُمُونَا وَالهِينَ فَأَتَيْناكُمْ مُوجِفِينَ، فَشَحَذْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفًا كَانَ فِي أَيْمَانِنَا، وَحَشَشْتُمْ لِأَعْدَائِكُمْ، مِنْ غَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ، وَلَا ذَنْبٍ كَانَ مِنَّا إِلَيْكُمْ!

فَهَلّا لَكُمُ الْوَيْلاتُ إِذْ كَرِهْتُمُونَا تَرَكْتُمُونَا وَالسَّيْفُ مَشِيمٌ وَالْجَاشُ طَامِن وَالرَّأَيُّ لَما يَسْتَحْصِدْ؟!

لكِنَّكُمْ أَسْرَعْتُمْ إِلَى بَيْعَتِنا كَسَرَعَ الدَّبا وَتَهافَتُمْ إِلَيْهَا كَتَهَافُتِ الفَراش، ثُمَّ نَقَضْتُمُوهَا سَفَها وَضِلَّةٌ وَفَتْكًا لِطَواغِيتِ الْأُمَّة وَبَقِيَّةِ الْأَحْزَابِ وَنَبَذَةِ الْكِتاب!

ثُمَّ أَنْتُمْ تَتَخَاذَلُونَ عَنا وَتَقْتُلُونَنَا؟!

أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ!

قَالَ: ثُمَّ أَنْشَأَ : كَفَرَ الْقَوْمُ وَقِدْمًا رَغَبُوا.... الآيات.

ثُمَّ استوی عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَالَ: أَنَا ابْنُ عَليّ الخیر مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... الْأَبْيات.

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَقالَ: الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ.

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ وَقالَ:

ص: 241


1- الحمام – ككتاب: قضاء الموت وقدره، ودهاني أي أصابني بالداهية والأمر العظيم.

أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلي *** أحمي عیالاتِ أَبِي

الَيْتُ أَن لا أَنْثَنِي *** أَمْضِي عَلَى دِينِ النَّبِي

وَجَعَلَ يُقاتِلُ حَتَّى قَتَلَ أَلْفَ رَجُل وَتِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سِوَى الْمَجْرُوحِينَ، فَقالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ لِقَوْمِهِ : الْوَيْلُ لَكُمْ أَتَدْرُونَ مَنْ تُبَارِزُونَ؟! هذا ابْنُ الْأَنْزَع الْبَطِينِ ! هذَا ابْنُ قَتَالِ الْعَرَبِ ! فَاحْمِلُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ! فَحَمَلُوا بِالطَّعْنِ مِائَةً وثَمَانِينَ، وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ بِالسِّهامِ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: قَالَ أَبو مِخْتَفِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلى(علیهم السّلام)قَالَ: وَجَدْنا عَلِيٍّ عليه السلام بِالْحُسَيْنِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ طَعْنَةً وَأَرْبَعًا وَثَلاثِينَ ضَرْبَةً. وقالَ الْبَاقِرُ(علیه السّلام): وَوُجِدَ بِهِ ثَلاتُمِائَةٍ وَبِضْعَةٌ وعِشْرُونَ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةً بِسَيْفِ أَو رَمْيَةٌ بِسَهُم وَرُوِيَ ثَلاتُمِائَةٍ وَسِتُّونَ جِراحَةً وقِيلَ : ثَلاثًا وَثَلاثِينَ ضَرْبَةً سِوَى السَّهَامِ. وَقِيلَ: أَلْفٌ وَتِسْعُمِائَةِ جِرَاحَةٍ. وَكَانَتِ السِّهَامُ فِي دِرْعِهِ كَالشَّوْكِ فِي جِلْدِ الْقُنْفُذِ. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي مُقَدَّمِهِ.

العوني:

(مجزوء الكامل)

ياسِهَامًا بِدَمِ ابْنِ ال- *** مُصْطَفَى مُنْقَسِماتِ

وَرِماحًا في ضُلوع اب- *** -ن النَّبي مُتَّصِلاتِ

فَقَالَ شَمِرٌ: ما وُقُوفُكُمْ وَمَا تَنتَظِرُونَ بالرَّجُل وَقَدْ أَنْخَتَتْهُ السِّهَامُ؟! اِحْمِلُوا عَلَيْهِ ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ فَحَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ. فَرَمَاهُ أبو الْحَنُوقِ الْجُعْفِيُّ ! في جَبِينِهِ، وَالحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ فِي فِيهِ، وَأبو أيوب الْغَنَوِيُّ بِسَهُم مَسْمُومٍ فِي حَلْقِهِ.

ص: 242

فَقَالَ: بِسمِ اللهِ وَلَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِالله وَهذَا قَتِيلٌ فِي رِضَى الله.

وَكَانَ ضَرَبَهُ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكِ التَّمِيمِيُّ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، وَعَمْرُو ابْنُ الخَلِيفَةِ الْجُعْفِيُّ عَلَى حَبْلٍ عَاتِقِهِ، وَكَانَ طَعَنَهُ صَالِحُ بْنُ وَهَبِ الْمُزَنِيُّ عَلَى جَنْبِهِ، وَكَانَ رَمَاهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ في صَدْرِهِ،فوقع عَلَى الْأَرْضِ، وَأَخَذَ دَمَهُ بِكَفَّيْهِ وَصَبَّهُ عَلى رَأْسِهِ مِرَارًا.

فَدَنَا مِنْهُ عُمَرُ، وَقَالَ: جُرُّوا رَأْسَه! فَقَصَدَ إِلَيْهِ نَصْرُ بن خَرَشَةَ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ ! بِسَيْفِهِ، فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ لِخَوْلِي بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحَيِّ : اِنْزِلْ فَجُنَّ رَأْسَه فَنَزَلَ وَجَزَ رَأْسَهُ»(1).

وقال ابن عبد رَبِّهِ : «وقُتِلَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ الله عَنْه يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَاشُوراءَ سَنَةَ إِحدَى وَسِتِّينَ بِالطَّفٌ مِنْ شَاطِئِ الْفُراتِ بِمَوْضِعِ يُدْعَى كَرْبَلاءَ، وَوُلِدَ لِخَمْسِ لَيالٍ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَربع مِنَ الهِجْرَةِ، وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ سِتٌ وَخَمْسِينَ سَنَةٌ وَهُوَ صَابِعُ بِالسَّوَادِ، قَتَلَهُ سِنانُ بنُ أَبي أَنَسٍ وأَجْهَزَ عَلَيْهِ خَولَيُّ بنُ يَزِيدَ الأَصْبَحِي مِنْ حِمْيَرَ، وَحَزَّ رَأْسَهُ وَأَتَى بِهِ عبيد الله وَهُوَ يَقُولُ:

أوتِرُ رِكَابِي فِضَّةٌ وَذَهَبا *** أَنَا قَتَلْتُ الْمَلِكَ المُحَجَبَّا

خَيْرَ عباد الله أُمَّا وَأَبا

فَقَالَ لَهُ عبيد الله بْنُ زِيادٍ : إِذَا كَانَ خَيْرَ النّاسِ أُمَّا وأَبا وَخَيْرَ عِبادِ الله فَلِمَ قَتَلْتَهُ؟! قَدَّمُوهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَضْرِبَتْ عُنْقُهُ»(2)

ص: 243


1- المناقب: 222/2 - 224.
2- العقد الفريد: 5 / 122.

وقال ابن نَما الحلي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه)ِ: «ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْبِرَازِ، فَتَهافَتُوا إِلَيْهِ وَانْتَالُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ بَرَزَ إِلَيْهِ حَتَّى أَثَرَ فِي ذلِكَ الْجَيْشِ الْجَمَّ [قَتلُه](1) وهُوَ يَقُولُ:

الْقَتْلُ أَوْلَى مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ *** وَالْعَارُ أَوْلَى مِنْ دُخُولِ النَّارِ

قال عبد الله بْنُ عَمَّارِ بنِ عبد يَغُوثَ : ما رَأَيْتُ مَكْفُورًا(2) قَطُّ قَدْ قُتِلَ وَلَدُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ أَرْبَطَ جَأْشًا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتِ الرّجالُ لَتَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَشُدُّ عَلَيْهَا بِسَيْفِهِ فَتَنْكَشِفُ عَنْهُ انْكِشَافَ الْمِعْزَى شَدَّ فِيهَا السَّبُعُ وَكَانُوا ثَلاثِينَ أَلْفًا فَيَحْمِلُ عَلَيْهِمْ فَيَنْهَرْمُونَ كَأَنَّهُمُ الْجَرادُ المُنتَشِرُ ثُمَّ يَرجِعُ إِلَى مَقامِهِ(3).

فَكانَ كَمَا قالَ الشَّاعِرُ :

(البحر الطويل)

إِذَا الْخَيْلُ جَالَتْ فِي القَنَا وَتَكَشَفَتْ *** عَوابِسُ، لَا يُسْأَلْنَ غَيْرَ طِعَانِ

وَكُرَّتْ جَمِيعًا، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهَا *** سَعَى رُمْحه فِيهَا بِأَحْمَرِ قانِ

فَتًى لا يُلاقِي الرُّمْحَ إِلا بِصَدْرِهِ *** إِذا أُرْعِشَتْ فِي الْحَرْبِ كَفُّ جَبَانِ

وَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ حَتَّى جَاءَ شَمِرُ بنُ ذِي الْجَوْشَنِ، فَحالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ.

فَقالَ(علیه السّلام): رَحْلِي لَكُمْ عَنْ سَاعَةٍ مُبَاحٌ، فَامْتَعُوهُ جُهَالَكُمْ وَطُغَاتَكُمْ وكُونُوا فِي الدُّنْيا أَحْرارًا إِن(4) لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينُ !

ص: 244


1- من النسخة الحجرية.
2- مغلوبًا أو الّذي كثر عليه النّاس فقهروه.
3- أخرجه في البحار : 50/45 عن اللهوف : 49.
4- في النسخة الحجرية : خ ل «إذا».

وَيَعِزُّ عَلى مُحِنِّي الْعِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ كَيْفَ تَصِيرُ أَمْوالُهُمْ فَيْئًا لِلْأُمَّةِ الفَاجِرَةِ!

وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَرْتُ بِشِعْرِيَ الْمَقُول في آلِ الرَّسُول:

(البحر الطويل)

وَلَمَّا طُعِثْتُمْ نَازِحِينَ وَضَمَّكُم *** مَقَام بِهِ الجَلْدُ العَزِيزُ ذَلِيلُ

وَصِرتُمْ طعامًا لِلسُّيُوفِ وَلَم يَكُن *** لِمَارُمْتُمُوهُ منهج ووصول

وَأَمْوَالُكُمْ فَيْءٌ لآلِ أُمَيَّةٍ *** وَبَدْرُكُمُ قَدْ حَانَ مِنْهُ أُفُولُ

تَيَقَّنْتُ أَنَّ الدين قَدْ هَانَ خَطْبُهُ *** وَأَنَّ المُراعِي لِلنَّبِيِّ قَليلُ

فَقَالَ لَهُ شَمِرٌ : ما تَقُولُ؟ يَابْنَ فاطِمَةَ!

قالَ: أَقُول: إِنِّي أُقاتِلُكُمْ وَتُقاتِلُونَنِي، وَالنِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ.

قالَ: لَكَ ذلِكَ.

ثُمَّ قَصَدُوهُ(علیه السّلام)بِالْحَرْبِ وَجَعَلُوهُ شِلْوا مِنْ كَثْرَةِ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَهُوَ يَسْتَقِي شَرْبَةً وَقَدْ أَصَابَتْهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ جَرَاحَةً .

فَوَقَفَ وَقَدْ ضَعُفَ عَن الْقِتالِ، أَتَاهُ حَجَرٌ عَلَى جَبْهَتِهِ هَشَمَهَا ثُمَّ أَتَاهُ سَهُمْ لَهُ ثَلاثُ شُعَبٍ مَسْمُومٌ فَوَقَعَ عَلَى قَلْبِهِ.

فَقالَ: بِسْم الله وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: إِلهِي ! تَعْلَم أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيهِمْ!

ثُمَّ ضَعُفَ مِنْ كَثْرَةِ انْبِعَاثِ الدَّمِ بَعْدَ إِخْرَاجِ السَّهْمِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُلْقَى فِي الْأَرْضِ.

ص: 245

فَكُلَّمَا جَاءَهُ رَجُلٌ انْصَرَفَ عَنْ كَرَاهِيَة أَن يَلقَى الله بِدَمِهِ فَجَاءَ مالِكُ بْنُ التُّسَيْر(1)فَسَبَّهُ وَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ فَقَطَعَ الْقَلَنْسُوَةَ وَوَصَلَ إِلَى رَأْسِهِ فَامْتَلَأَتْ دَمًا .

فَقَالَ(علیه السّلام): لا أَكَلْتَ! بِيَمِينِكَ وَحَشَرَكَ الله مَعَ الظَّالِمِينَ! وَاسْتَدْعَى فَلَنْسُوَةٌ فَلَيسَهَا .

فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ كَرُّوا عَلَيْهِ.

فَخَرَجَ إِلَيْهِ عبد الله بْنُ الْحَسَنِ وَهُوَ غُلامٌ لَمْ يُرَاهِقُ مِنْ عِنْدِ النِّسَاءِ يَشْتَدُّ حَتَّى وَقَفَ إِلَى جَنْبِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَلَحِقَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٌّ(علیهما السّلام)لِتَحْبِسَهُ، فَامْتَنَعَ امْتِنَاعًا شَدِيدًا وَقالَ: لَا أُفَارِقُ عَمِّي ! فَأَهْوَى بَحْر(2)بْنُ كَعْبٍ وَقِيلَ: حَرْمَلَةُ بْنُ كَاهِلِ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَقَالَ لَهُ الْغُلامُ: وَيْلَكَ! يَابْنَ الْخَبِيثَةِ ! أَتَقْتُلُ عَمِّي ؟! فَضَرَبَهُ بالسَّيْفِ فَاتَّقَاهَا بِيَدِهِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْجِلْدِ مُعَلَّقَةٌ، فَنَادَى : يَا عَمَّاها فَأَخَذَهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: يَابْنَ أَخِي! اِصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ وَاحْتَسِبْ فِي ذلِكَ الْخَيْرَ، فَإِنَّ الله

يُلْحِقُكَ بآبائِكَ الصَّالِحِينَ!

فَرَمَاهُ حَرْمَلَةُ فَذَبَحَهُ.

فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): اللهم ! إِنْ مَتَّعْتَهُمْ إِلَى حِينٍ فَفَرِّقْهُمْ فِرَقًا وَاجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَدًا وَلا تَرْضَ عَنْهُمْ أَبَدًا!(3)

ص: 246


1- في الأصل النثر في البحار اليسر ، في اللهوف النسر، في مقتل أبي مخنف : 90 ، الكندي، وما أثبتناه من الكامل : 4 / 75 ، تاريخ الطبري: 4 / 342 ، مَقْتَل الحسين للغامدي: 171.
2- في النسخة الحجرية : خ ل «أبجر».
3- عنه في البحار : 53/45 عن اللهوف : 51 وعن إرشادِ المفيد: 270.

وَحَمَلَ الرَّجَالَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا عَلَى مَنْ بَقِيَ مَعَهُ فَقَتَلُوهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِوَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ؛ فَلَمّا رَأَى ذلِكَ دَعَا بِسَراوِيلَ يُلْمَعُ فِيهِ الْبَصَرُ، فَفَزَرَهُ لِئَلا يُسْلَبَ بَعْدَ قتله .

فَلَمَّا قُتِلَ سَلَبَها بَحْرُ بْنُ كَعْبٍ؛ فَكَانَتْ يَدَاهُ تَيْبَسَانِ فِي الصَّيْفِ كَأَنَّهُمَا عُودٌ وَتَتَرَطَبَانِ فِي الشَّتَاءِ فَتَنْضَحَانِ دَمًا وَقَيْحًا إِلَى أَن هَلَكَ(1).

وَجَدِيرٌ بِهِذِهِ الْأُمَّةِ أَلَّا تَأْخُذَهُم عَلَى هَذِهِ الْمُصِيبَةِ العَزَاء وَأَنْ يُكْثِرَ لَهَا البُكَاء.

وَأَنا مورد ما سَمَحَتْ بِهِ فَرِيحَتِي مِنَ الشِّعرِ لِعِلْمِي بِالْمُكَافَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ بِغُلُو السعر :

(البحر الطويل)

لَقَد فَتَكَتْ فِيهِم سِهامُ أُمَيَّةٍ *** وَأَصْرَعهُم مِنْهَا سُيوفٌ سَوَافِكُ

وَضَاقَت(2)بهم رحبُ الفَضَاءِ فَأَصْبَحُوا *** بِدَويَّةٍ(3)بَهُمَاء فِيهَا مَهَالِكُ

وأَمْسَوْا بِأَرضِ الطَّفِّ قَتلَى جَواثِمًا *** كَأَنَّهُمُ صَرْعَى قِلاص(4)بَوَارِكُ

فَإِنْ عُيُونَ الْبَاكِيَاتِ سَوَاكِبٌ *** وَإِنَّ تُغُورَ الشَّامِنَاتِ ضَوَاحِكُ

ص: 247


1- البحار : 54/45 عن اللهوف : 52.
2- في النسخة الحجرية: خ ل «ضاق».
3- البيداء المخيفة: «أرض دَوَّيَّة» ...:«اتفق العلماء على أنَّها بفتح الدّالِ وَتشديد الواوِ وَالياءِ جميعًا؛ وذكر ... أرض داوِيَّة بزيادة ألف وهي بتشديد الياء أَيضًا؛ وكلاهما صحيح. قال أَهلُ اللُّغَةِ الدَّوَّيَّة: الأَرضُ القفرُ والفلاة والخالية . قال الخليل: هي المفازة. قالوا: وَيُقال : دَوِّيَّة وَداوِيَّة؛ فأمّا الدَّوَّيَّة مَنسوبٌ إِلَى الدَّوِّ بتشديد الواو وهي البريّة التي لا نَباتَ لَها، وَأَمّا الدّاوِيَّة فَهِيَ عَلى إِبدالِ إِحْدَى الوَاوَيْنِ ألفًا كَما قيل في النّسبِ إِلى طيّ طائي. » (صحيح مُسلِم بِشَرح النَّوَوِيّ : 61/17).
4- النّاقة الطّويلة القوائم.

وَلَمَّا أُنْخِنَ بالجِرَاحَ ولَم يَبْقَ فِيهِ حَرَاكٌ، أَمَرَ شَمِرٌ أَن يَرْمُوهُ بِالسَّهَامِ، ونَادَاهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ مَا تَنتَظِرُونَ بِالرَّجُلِ ؟! وَأَمَرَ سِنَان(1)بنَ أَنَسٍ أَن يَحْتَر رَأْسَهُ فَنَزَلَ [يمشي إليه](2)وَهُوَ يَقُولُ: أَمْشِي إِلَيْكَ وَأَعْلَمُ أَنَّكَ سَيِّدُ الْقَوْم(3)وَأَنَّكَ خَيْرُ النَّاس أَبَا وَأَمَّا فَاحْتَزَ رَأْسَهُ وَرَفَعَهُ إِلَى عُمَرَ بْن سَعْدٍ، فَأَخَذَهُ فَعَلَّقَهُ فِي لَبَبٍ فَرَسِهِ.

وَفِي ذلِكَ قُلْتُ :

(البحر الطويل)

لَقَدْ فُجع الدينُ الْحَنِيفُ بِما جَرَى *** عَلَى السَّبْطِ وَالهَادِي النَّبِيُّ سَفِيرُهُ

وَأَيّ امْري يلقاه في عُظم رزئهِ *** غَداة غَدَتْ كَفَّا سِنانِ تُبِيرُهُ(4)

وَهذا سِنَانٌ أَخَذَهُ الْمُخْتَارُ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَغْلَى قِدْرًا مُلِئَتْ زَيْتا

وَطَرَحَهُ فِيهِ وَهُوَ حَيٌّ(5).

ص: 248


1- في النسخة الحجرية: «السنان».
2- من النسخة الحجرية.
3- في النسخة الحجرية: السيد المقدم.
4- تبع ابن نَما الحلّي في هذا البيت بيتاً مشهورًا ورد في المصادر القديمة وهو: وَأَيُّ رَزِيَّةٍ عَدَلَتْ حُسَيْنًا *** غَدَاةَ تُبِيرُهُ كَفَّا سِنَانِ الاستيعاب ابنِ عبد البر : 395/1 ط. البجاوي، أنساب الأشرافِ للبَلاذُري : 227ط. المحمودي، بيروت 1397 ه.ق، وفيه: «فأيّ... / غداة سطت به...»، ومُروج الذَّهَبِ للمسعودي: 62/3 ط. يوسف أسعد داغر، وفيه: «... غداة تنبيه...» ، والمَلْهُوف 176 ط . فارس تبریزیان، وفيه: «فأيّ ... »، وكشف الغُمَّة : 2/ 516 ط. الفاضِلى «...غداة تبينه...».
5- البحار : 54/45 عن اللهوف: 52.

قَالَ هِلالُ بْنُ نَافِعَ : إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي عَسْكَرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ إِذْ صَرَخَ صارح: أَبْشِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ! قَدْ قُتِلُ الْحُسَيْنُ فَبَرَزْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وأَنَّهُ لَيَجُودُ بِنَفْسِهِ فَوَالله ! ! مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَقَدْ شَغَلَني نُورُ وَجْهِهِ وَجَمَالُ هَيْبَتِهِ(1)عَنِ الْفِكْرَةِ في قَتْلِهِ. وَطَلَبَ مِنْهُمْ مَاءً ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : والله لا تَذُوقُهُ حَتَّى تَرِدَ الْحَامِيَةَ، فَتَشْرَبَ مِنْ حَمِيمِهَا ! فَقَالَ: بَلْ أَردُ عَلى جَدِّي رَسُولِ الله وَأَسْكُنُ مَعَهُ فى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكِ مُقْتَدِرٍ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَشْكُو إِلَيْهِ مَا ارْتَكَبْتُمْ مِنِّي وَفَعَلْتُمْ بِي!

فَغَضِبُوا بِأَجْمَعِهِمْ حَتَّى كَأَنَّ الرَّحْمَةَ سُلِبَتْ مِنْ قُلُوبِهِمْ.

وَرُوِّيتُ أَنَّ غَاضِرَةَ بْنَ فُرهُد قالَ: إنَّ أبا بكر الْهُذَلِيُّ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)بَكَى حَتَّى اخْتَلَجَ مَنْكِبَاهُ وَقَالَ: وَا ذُلَّاه لأُمَّةٍ قَتَلَ ابنُ دَعِيَّهَا ابْنَ نَبِيُّها!»(2).

أقول: ونحوه في اللهوف للسيد ابن طاوس باختلاف يسير(3).

ويقول أبو الفداء في تاريخه: ... وَاشْتَدَّ بِالْحُسَيْن الْعَطَشُ، فَتَقَدَّمَ لِيَشْرَبَ، فَرُمِيَ بِسَهُم فَوَقَعَ فِي فَمِهِ، وَنَادَى شَمِرٌ : وَيْحَكُم ! مَا تَنتَظِرُونَ بِالرَّجُلِ؟! أَقْتُلُوهُ! فَضَرَبَهُ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكٍ عَلَى كَفِّهِ، وضَرَبَهُ آخَر عَلَى عَاتِقِهِ، وَطَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فَوَقَعَ ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ فَذَبَحَهُ وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي نَزَلَ وَاحْتَةً رَأْسَهُ هُوَ شَمِرٌ الْمَذْكُورُ ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ جَمَاعَةٌ فَوَطَّأُوا صَدْرَ الْحُسَيْنِ وَظَهْرَهُ بِخُيُولِهِمْ... وَقِيلَ: حَجَّ الْحُسَيْنُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ حِجَّةً مَاشِيًا وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ»(4).

ص: 249


1- في النسخة الحجرية: «هيئته».
2- مُثير الأحزان 72 - 75.
3- للهوف: 51 وما بعدها.
4- تاريخ أبي الفداء: 201/1.

وقال البَدَخْشي في نُزُل الأبرار: «فَالْتَحَمَ الْقِتالُ حَتَّى قُتِلَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ... فَبَارَزَ بِنَفْسِهِ وَسَيْفُهُ مُصْلَتٌ فِي يَدِهِ وَأَنْشَدَ يَقُولُ:

(البحر الطويل)

أَنَا ابْنُ عَليَّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ *** كَفَانِي بِهَذَا مَفْخَرًا حِينَ أَفْخَرُ

وَجَدِّي رَسُولُ الله أَكْرَمُ مَن مَشَى *** وَنَحْنُ سِراجُ الله فِي الْأَرْضِ نَزْهَرُ

وَفاطِمَةٌ أُمِّي سُلالَةُ أَحْمَدٍ *** وَعَمِّيَ يُدْعَى ذَا الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ

وَفِينَا كِتَابُ الله أُنْزِلَ صَادِقًا *** وَفِينَا الْهُدَى وَالْوَحْيُ وَالْخَيْرُ يُذْكَرُ

وَشِيعَتُنَا فِي النَّاسِ أَكْرَمُ شِيعَةٍ *** وَمُبْغِضُنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْسِرُ

فَلَمْ يَزَلْ يُقاتِلُ وَيَقْتُلُ مَن بَرَزَ إِلَيْهِ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ كَثِيرًا، فَأَنْخَنَهُ الجِراحَاتُ وَالسَّهَامُ تَأْتِيهِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ وَالشَّمِرُ بْنُ ذِي الجَوشنِ السَّكونيُّ في قَبيلةٍ عَظيمةٍ يُقاتِله ، ثُمَّ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْلِهِ وَحُرَمِهِ ، فَصَاحَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ الله عَنْهُ: وَيْحَكُمْ ! يا شِيعَةَ الشَّيْطَانِ إِن لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينُ وَلَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ، فَكُونُوا أَحْرَارًا، وَارْجِعُوا إِلَى نِسَائِكُمْ(1)إِنْ كُنتُمْ عَرَبًا كَمَا تَزْعُمُونَ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ، فَكُفُّوا سُفَهَاءَكُمْ وَجُهَّالَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحُرَمِي، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَمْ يُقاتِلْنَكُم ! فَقالَ شَمِرٌ لأَصْحَابِهِ كُفُّوا عَنِ النِّسَاءِ وَحُرَمِ الرَّجُلِ وَاقْصده(2)فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ صَاحَ الشَّمِرُ : بِأَصْحَابِهِ وَقَالَ: وَيْلَكُمْ ! مَا تَنْتَظِرُونَ بِالرَّجُلِ وَقَدْ أَنْخَنَهُ الْجِراحُ؟!، فَتَوَالَتْ عَلَيْهِ السَّهَامُ وَالرِّمَاحُ ، فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : اِنْزِلُوا وَجُزُوا رَأْسَهُ فَنَزَلَ إِلَيْهِ نَصْرُ بْنُ فرشةَ الضّيابِيُّ، ثُمَّ جَعَلَ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ

ص: 250


1- أنسابكم كما هو الظاهر والمشهور.
2- واقصدوه ظ.

مَذْبَحَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ الله عَنْهُ، فَغَضِبَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ لِرَجُلٍ عَن يَمِينِهِ: وَيْلَكَ إِنْزِلْ إِلَى الْحُسَيْنِ فَأَرِحْهُ! فَنَزَلَ إِلَيْهِ خَوليُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَصْبَحَيِّ فَاجْتَر رَأْسَهُ ثُمَّ...»(1).

ويقول العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي(قدس سره): «وفي بعض الكُتُبِ، أَنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا نَظَرَ إِلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ صَرعَى الْتَفَتَ إِلَى الْخَيْمَةِ وَنَادَى: يَا سُكَيْنَةٌ! يَا فَاطِمَةُ! يا زَيْنَبُ يا أُمَّ كُلْثُوم ! عَلَيْكُنَّ مِنِّي السَّلامُ! فَنَادَتْه سُكَيْنَةٌ : يَا أَبَة اسْتَسْلَمْتَ لِلْمَوْتِ ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لاَ يَسْتَسْلِمُ مَنْ لاَ ناصِرَ لَهُ وَلاَ مُعِين؟ فَقَالَتْ يَا أَبَه رُدَّنا إِلى حَرَم جَدْنا فَقَالَ: هَيْهَاتَ لَوْ تُرِكَ الْقَطَا لَنَام فَتَصَارَحْنَ النِّسَاءُ، فَسَكَتَهُنَّ الْحُسَيْنُ وَحَمَلَ عَلَى الْقَوْم »(2).

أقول: قال الميداني النيسابوري بعد ذيل «لَوْ تُرِكَ القَطا لَيْلًا لَنَامَ»: «نَزَلَ عَمْرُو بْنُ مَامَةَ عَلى قَومٍ مِنْ مُرَاد ، فَطَرَقُوهُ لَيْلًا، فَأَتَارُوا القَطا مِنْ أَمَاكِنِهَا، فَرَأَتْها امْرَأَتُهُ طَائِرَة، فَنَبَّهَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ الْقَطَا، فَقَالَتْ: لَوْ تُرِكَ الْقَطَا لَيْلًا لَنَام يُضْرَبُ لِمَنْ حُمِلَ عَلَى مَكْرُوهِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَتِهِ.

وَقَالَ الْمُفَضَّلُ : أَوَّلُ مَنْ قالَ: لَوْ تُركَ الْقَطَا لَيْلًا لَنَامَ، حَذَامٍ بِنتُ الرَّيَّان وذلك أَنَّ عَاطِسَ بنَ خَلاَج سَارَ إِلَى أَبِيهَا في حِمْيَرَ وخَثْعَمَ وجُعْفِيّ وهَمْدَان ، وَلَقِيَهُمُ الرَّيَّانُ في أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَيَّا مِنْ أَحْياءِ الْيَمَنِ، فَاقْتَتَلُوا قِتالًا شَدِيدًا ثُمَّ تَحَاجَزُوا ، وَأَنْ الرَّيَّان خَرَجَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ وَأَصْحَابِهِ هُرَّابًا، فَسَارُوا يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ ثُمَّ عَسْكَرُوا، فَأَصْبَحَ عَاطِسٌ فَغَدا لِقِتَالِهِمْ، فَإِذا الْأَرْضُ مِنْهُم بَلاقِع، فَجَرَّدَ خَيْلَه وَحَثَّ فِي

ص: 251


1- نُزل الأبرار بِما صَحَّ في مناقبِ أَهل البيتِ الأطهار(علیهم السّلام): 94 طبع الحجري.
2- بحار الأنوار: 47/45.

الطَّلَبِ، فَانْتَهَوْا إِلَى عَسْكَرِ الرَّيَّان لَيْلًا، فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُ أَثَارُوا الْقَطَا، فَمَرَّتْ بِأَصْحابِ الرَّيَّان فَخَرَجَتْ حَذَام بِنْتُ الرَّيَّانِ إِلَى قَوْمِهَا فَقَالَتْ:

(البحر الوافر)

أَلَا يَا قَوْمَنَا ارْتَحِلُوا وَسِيرُوا *** فَلَوْتُرِكَ الْقَطَا لَيْلًا لَنَامَا

أَيْ أَنَّ الْقَطَا لَوْ تُرِكَ مَا طَارَ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَقَدْ أَتَاكُمُ الْقَوْمُ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِها، وَأَخْلَدُوا إِلَى الْمَضَاجِعِ لِمَا نَالَهُمْ مِنَ التَّعَبِ فَقَامَ دَيْسَمُ بنُ طَارِق وَقَالَ بِصَوْتٍ عالٍ :

(البحر الوافر)

إِذَا قَالَتْ حَذَامٍ فَصَدِّقُوهَا *** فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَام

وَثَارَ الْقَوْمُ فَلَجَلُّوا إِلَى وَادٍ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَانْحَازُوا بِهِ حَتَّى أَصْبَحُوا وَامْتَنَعُوا مِنْهُمْ»(1).

رد مواريث الإمامة إلى مولانا عَليّ بن الحُسَيْن(علیهما السّلام)

قال أبو جعفر مُحَمَّد بن الحَسَنِ الصَفّارِ القُمي في بَصائِرِ الدَّرَجات: «مُحَمَّد بن أَحْمَدَ عَن مُحَمَّدِ بنِ الْحُسَيْنِ عَن ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ(علیه السّلام)لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ، دَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ، فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَابًا مَلْفُوفًا وَوَصِيَّةٌ ظَاهِرَةً وَوَصِيَّةٌ باطِنَةً، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَبْطُونًا لا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِما به، فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ الْكِتابُ إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: فَمَا فِي ذلِكَ الْكِتابِ؟ فَقالَ: فِيهِ والله ! جَميعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ

ص: 252


1- مجمع الأمثال : 2/ 123.

وُلْدُ آدَمَ إِلَى أَنْ تَفْنَى الدُّنْيَا»(1).

وقال المسعودي في إثبات الوصيَّة : «...ثمَّ أَحْضَرَ عَلَى بْنَ الْحُسَيْن(علیهما السّلام)،وَكانَ عَلِيلًا، فَأَوْصَى إِلَيْهِ بالاسْم الْأَعْظَم وَمَوارِيثِ الْأَنبياءِ(علیهم السّلام)، وَعَرَّفَهُ أَن قَد دَفَعَ العُلُومَ وَالصُّحُفَ وَالْمَصَاحِفَ وَالسَّلاَحَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا، وَأَمَرَهَا أَن تَدْفَعَ جَمِيعَ ذلِكَ إِلَيْهِ»(2)

وروى المَسعودي: «عَن خَدِيجَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ الرِّضَا، أُختِ أَبِي الحَسَنِ الْعَسْكَري(علیهما السّلام)أَنه أَوْصى إلى أُختِه زَيْنَبَ بِنْتِ عَليٍّ فِي الظَّاهِرِ، فَكَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(علیهما السّلام)في زَمَانِهِ مِنْ عِلْمٍ، يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ عَليٍّ عَمَّتِهِ ، سَتْرًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(علیهما السّلام)تَقِيَّةً وَاتَّقَاء عَلَيْهِ»(3).

أقول: وبالجملة رُدَّت مواريث الإمامة إلى إمامنا علي بن الحُسَيْن السجاد(علیه السّلام)بطرائق مختلفة فلا تنافي في الروايات ولتفصيلها راجع إلى البحار(4)

خروج مولانا عليّ بن الحُسَيْن(علیهما السّلام)للقتال

لما قُتِلَ العبّاس(علیه السّلام)يوم الطف وصاح الحُسَيْن(علیه السّلام)بأعلى صوته: «هَلْ مِنْ ذَابٌ يَذُبُّ عَنْ حُرَم رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)؟ هَلْ مِنْ مُوَحَّدٍ يَخَافُ الله فِينَا؟ هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو الله بِإِغَاثَتِنَا؟ هَلْ مِنْ مُعِينٍ يَرْجُو مَا عِنْدَ اللهِ فِي إِعَانَتِنا؟»(5)سمع

ص: 253


1- بصائر الدرجات: 148 ، ونقل منها في البحار : 17/46.
2- إثبات الوصية: 127 الطبع الحجري.
3- إثبات الوصية : 206.
4- بحار الأنوار: 17/46-20.
5- اللهوف : 50.

مولانا السجاد(علیه السّلام)إغاثته، فنهض وهو يتوكّاً على عصا، وأخذ سيفه وخرج من الخيام.

يحدثنا العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه): «فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ(علیه السّلام)وَكَانَ مَرِيضًا لا يَقْدِرُ أَن يُقِلَّ سَيْفَهُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ تُنادِي خَلْفَهُ: يا بُنَيَّ! ارْجِعْ! فَقَالَ : يا عَمَّتاه! ذَرِيني أُقاتِل بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ رَسُولِ الله؛ فَقالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): يا أُمَّ كُلْثُومٍ! خُذِيهِ لِتَلا تَبْقَى الْأَرْضُ خَالِيَةٌ مِنْ نَسْلِ آلِ مُحَمَّد(صلی الله علیه و آله و سلم)»(1).

ووافقنا على هذا الخروج جمع من الأعلام نحو الفُضَيْل في التسمية وقال: الْحُسَيْن(علیهما السّلام)عَلِيلًا، وَارْتُنَّ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ حَضَرَ بَعْضَ الْقِتالِ وَكَانَ عَلَي . فَدَفَعَ الله عنه...»(2).

والخوارزمي في مَقْتَلِه قال: «خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ أَخِيهِ القَتِيل، وَكَانَ مَرِيضًا لاَ يَقْدِرُ علی حَمْلِ السَّيْفِ ...»(3).

والشيخ جعفر التستري (المتوفى سنة 1303 ه.ق.) في الخصائص الحُسَيْنيَّة(4)والسيّد عبد الرزاق المُقَرَّم (المتوفى سنة 1391 ه. ق.) في مَقْتَلِه(5)وغيرهم في غيرها.

ص: 254


1- بحار الأنوار: 45 / 46.
2- تُراثنا: ع 2/ 150.
3- مَقْتَلِ الْحُسَيْن(علیه السّلام): 32/2.
4- الخصائص الحُسَينيّة: 188.
5- مَقْتَلَ الْحُسَيْن(علیه السّلام): 271.

بعض أدعية الإمام(علیه السّلام)في يوم الطف

قد ذكرنا في أوّل الرسالة دعاء للحُسَيْن(علیه السّلام)، ولكن له دعاء آخر ذكره الشيخ الطوسي في مصباح المتهجدين في أعمال اليوم الثالث من شعبان وقال: «ثمّ تدعو بعد ذلك بدعاءِ الْحُسَيْن(علیه السّلام)وَهُو دُعاؤُه يَومَ كُوثِرَ»(1).

وذكره السيد ابن طاوس في إقباله وقال: «هو آخر دُعاءِ دَعا بِهِ الْحُسَيْنُ يوم كُوثِر»(2)والكَفْعَمي في المصباح وقال: «ثُمَّ تَدْعُو بِما رُوِيَ أَنَّهُ آخِرُ دُعاءٍ دَعَا بهِ يَومَ الطَّفٌ»(3).

وأما الدعاء ورد هكذا: «اللهمَّ! أَنْتَ مُتَعالِي الْمَكَانِ، عَظِيمُ الْجَبَرُوتِ، شَدِيدُ المِحَالِ، غَنيٌّ عَنِ الْخَلائِقِ، عَرِيضُ الْكِبْرِياءِ، قادِرٌ عَلَى مَن يَشَاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ، صَادِقُ الْوَعْدِ، سَابِعُ النِّعْمَةِ، حَسَنُ الْبَلاءِ، قَرِيبٌ إِذَا دُعِيتَ، مُحِيطٌ بما خَلَقْتَ، قابلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ إِلَيْكَ، قَادِرٌ عَلَى مَا أَرَدْتَ، وَمُدْرِكٌ مَا طَلَبْتَ وَشَكُورٌ إِذَا شُكِرْتَ، وَذَاكِرٌ إِذَا ذُكِرْتَ.

أدْعُوكَ مُحْتَاجًا، وَأَرْغَبُ إِلَيكَ فَقِيرًا، وَأَفْزَعُ إِلَيْكَ خَائِفًا، وَأَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوبًا، وَأَسْتَعِينُ بكَ ضَعِيفًا، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كَافِيًا ، أَحْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا فَإِنَّهُمْ غَرُّونا وَخَذَلُونا وَغَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُونَا وَنَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَوُلْدُ حَبيبكَ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسَالَةِ وَالْتَمَنتَهُ عَلَى وَحْيِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجًا ومخْرَجًا، برَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين!».

ص: 255


1- مِصْباح المُتَهَجدين : 759.
2- الإقبال:690.
3- المصباح : 544.

واستدرك شَيخنا العلّامة التستري (مُدَّ ظِلَّه) على الشيخ بقوله : «...إذا كان الدعاء الثاني دعاء الحُسَيْن(علیه السّلام)يوم قتله فأي ربط لأن يدعى به في يوم مولده؟ يقرأ دعاء وليس فيه نقل عن غيره يكون ما يقرأ حكاية عن نفسه، وكيف يصح لأحد غيره أن يقول: «احكُم بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا فَإِنَّهُمْ غَرُّونَا وَخدعونا وَخَذَلُونا وَغَدَرُوا بِنَا وَقَتَلُونا حتى من الإمام الصادق(علیه السّلام)لاختصاص ما في تلك الجمل بالحُسَيْن(علیه السّلام). وأما جملة وَنَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَوُلْدُ حَبِيبكَ مُحَمَّدِ بن عبد الله(صلی الله علیه و آله و سلم)»فيصبح التعبير به من جميع المعصومين من ولد الحُسَيْن(علیهم السّلام)دون غيرهم ولو كان من العلويين الفاطميين...»(1).

وروى القُطب الراوندي في دَعَواتِه عن زَيْن العابدين(علیه السّلام)قال: «ضَمَّنِي وَالِدِي(علیه السّلام)إِلَى صَدْرِهِ يَوْمَ قُتِلَ وَالدِّمَاءُ تَغْلِي، وَهُوَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ! احْفَظْ عَنِّي دُعَاءً عَلَّمَتْنِيهِ فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهَا ، وَعَلَّمَهَا رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَعَلَّمَهُ جَبْرَئِيلُ فِي الْحَاجَةِ وَالْمُهِمْ وَالْغَمِّ وَالنَّازِلَةِ إِذَا نَزَلَتْ وَالْأَمْرِ الْعَظِيمِ الفَادِح.

قالَ: ادْعُ : بِحَقِّ يس وَالْقُرآنِ الْحَكِيمِ، وَبِحَقِّ طه وَالْقُرْءَانِ الْعَظِيمِ، يَا مَن يَقْدِرُ عَلَى حَوَائِجِ الْمُسَائِلِينَ، يَا مَن يَعْلَمُ مَا فِي الضَّمِيرِ، يَا مُنَفْسًا عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، يَا رجًا عَنِ الْمَعْمُومِينَ، يا رَاحِمَ الشَّيْخ ،الْكَبِيرِ، يا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ ، يَا مَن لا يَحْتاجُ إِلَى التَّفْسِيرِ ! صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَافْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا»(2).

أقول: قد ذكرنا دعاء الحُسَيْن(علیه السّلام)في ختام بعض المقاتل على أصحاب

ص: 256


1- الأخبار الدخيلة : 4 / 315.
2- سلوة الحزين وتحفة العليل الشهير بالدعوات: 54 ، ونقلا عنه في بحار الأنوار: 196/95 ضمن ح 29 ، ونَفَس المهموم : 347.

عمر بن سعد لعنهم الله تعالى، وأنتَ تجد أدعيته الأخرى في خلال الرسالة فراجع ولا تغفل وانظر إلى هذا الروح العظيم كيف يحمد الله ويثني عليه في أعظم المصائب و ﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾(1).

عدد جروح الإمام(علیه السّلام)

قد ذكرناه في نقل عبارات الأعلام، ولكن هنا أذكر ما ذكره العلّامة المجلسي (قَدَّسَ الله سِرَّهُ القُدّوسي)؛ لأنه جمع بين كلماتهم يقول: «...ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى أَصَابَتْهُ جِراحَاتٌ عَظِيمَةٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَالسَّيِّدُ: حَتَّى أَصَابَتْهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ جِرَاحَةً ؛ وَقَالَ ابْنُ شَهْر آشوب: قَالَ أَبو مِخْنَفٍ : عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلى(علیهم السّلام)قَالَ: وَجَدْنَا بِالْحُسَيْنِ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ طَعْنَةً وَأَرْبَعًا وثَلاثِينَ ضَرْبَةٌ. وَقَالَ الْباقِرُ(علیه السّلام): أَصِيبَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)، وَوُجِدَ بِهِ ثَلاتُمِائَةٍ وَبَضْعَةٌ وَعِشْرُونَ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهُم. وَرُوِيَ: ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتَونَ جراحة.

وقِيلَ : ثَلاثُ وَثَلاثُونَ ضَرْبَةً سِوَى السِّهَامِ.

وَقِيلَ : أَلْفُ وَتِسْعُمِائَةِ جِرَاحَةٍ.

وَكانَتِ السَّهَامُ فِي دِرْعِهِ كَالشَّوْكِ في جِلْدِ الْقُنفذ.

وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّها فِي مُقَدَّمِهِ»(2).

ص: 257


1- سورة الأنعام: 124.
2- بحار الأنوار: 45 / 52، وقد مرّت مقالة ابن شهر آشوب السَرَوي في المناقب: 2/ 223.

مَن قطع رأس الحُسَيْن(علیه السّلام)؟

قال السبط ابن جوزي في التذكِرَة: «قَدِ اخْتَلَفُوا في قاتِلِهِ عَلَى أَقْوال.. أَحَدُها: سِنانُ بن أَنَسِ النَّخَعِيُّ. قالَهُ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَالثَّاني: الْحُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ، رَمَاهُ بِسَهُم ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ وَعَلَّقَ رَأْسَهُ فِي عُنُقِ فَرَسِهِ، لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ. وَالثَّالِثُ : مُهَاجِرُ بْنُ أَوسِ التَّمِيمِيُّ. وَالرَّابِعُ: كَثِيرُ بْنُ عبد الله الشَّعبِيُّ . والخَامِسُ : شَمِرُ بن ذِي الْجَوْشَن »(1).

واستدرك عليه المُحَدِّثِ القُمي (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) وقال: «السادس: خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله»(2).

أقول: السابع : شبل بن يزيد الأصبحي وهو أخو خولي قاله الدينوري.(3)

والمراد بالقاتل هنا هو الذي قطع رأس الإمام(علیه السّلام)، لا من رماه وطعنه؛ لأن مع مراجعة عدد الجروح تعرف عدم تعيّن جميع مَنْ رماه وطعنه لدينا، والظاهر والله العالم أنّ من اجتزّ رأسه(علیه السّلام)ليس إلا سنان بن أنس النخعي بأمر من شمر بن ذي الجوشن وجاء به إلى ابن زياد خولي بن يزيد صبحي، كما عليه أكثر المصادر الأولية لدراسة الطف، نحو: الفُضَيْل يوم التسمية(4) والطبري في تاريخه(5)وأَبي الفَرَج الأصفهاني في مقاتله(6).

ص: 258


1- تَذْكِرَة الخَواصّ : 146.
2- نَفَس المهموم: 369.
3- الأخبار الطوال : 258.
4- تُراتُنا : ع 149/2.
5- تاريخ الطَّبَري: 6 / 260.
6- مَقاتل الطالبيين : 87.

والمسعودي في مروجه(1)ومسكويه في تجاربه(2)وغيرهم في غيرها.

ويؤيد مقالنا ما نقله الطبري عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مُسلِم: «قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ لِسِنانِ بن أَنَسٍ : قَتَلْتَ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٌّ وَابْنَ فَاطِمَةَ ابْنَةِ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قَتَلْتَ أَعْظَمَ الْعَرَب خَطَرًا جَاءَ إِلَى هؤُلاَءِ يُرِيدُ أَن يُزِيلَهُمْ عَن مُلْكِهِمْ، فَأْتِ أُمَرَاءَكَ فَاطْلُبْ ثَوابَكَ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُمْ لَوْ أَعْطَوْكَ بُيُوتَ أَمْوالِهِمْ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ كَانَ قَلِيلًا فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَسِهِ وَكَانَ شُجَاعًا شَاعِرًا وَكَانَتْ بِهِ لَوْثَةٌ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ فُسْطَاطِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ:

أَوْقِررِكَابِي فِضَّةٌ وَذَهَبَا *** أَنَا قَتَلْتُ الْمَلِكَ الْمُحَجَّبًا

قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمَّا وَأَبَا *** وَخَيْرَهُمْ إِذْ يَنْسِبُونَ نَسَبًا

فقَالَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ : أَشْهَدُ أَنَّكَ لَمَجْنُونٌ مَا صَحَوْتَ قَطَّ ! أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ ! فَلَمَّا أُدْخِلَ حَذَفَهُ بِالْقَضِيبِ، ثُمَّ قَالَ : يا مَجْنُونُ أَتَتَكَلَّمُ بِهذا الكلام؟! أما والله لَوْ سَمِعَكَ ابْنُ زِيَادٍ لَضَرَبَ عُنُقَكَ!»(3).

أقول: والآن لا أملك عنان القلم إلّا أن أذكر أبيات جدنا العلّامة أبي المجد الشيخ مُحَمَّد الرضا النجفي الأصفهاني(قدس سره)(المتوفى في الرابع والعشرين من شهر مُحَرَّم الحَرام سنة 1362 ه.ق.)(4)في رثاء

ص: 259


1- مُروج الذَّهَب : 3/ 258.
2- تَجارِب الْأُمَم : 73/2.
3- تاريخ الطبري: 261/6.
4- وأنت تجد ترجمته المفصلة في «تاريخ علمي و اجتماعي أصفهان در دو قرن اخير»: 2/ 219 وما بعدها في أكثر من مائتي صفحة فراجعها إن شئت.

سيّد الشهداء أبي عبد الله الحُسَيْن أرواحنا فداه وصلّى عليه الإله، قال (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ):

(البحر المنسرح)

في الدارِ بَيْنَ الغَمِيمِ والسَنَدِ(1) *** أيامُ وَصْلٍ مَضَتْ وَلَمْ تَعُدِ

ضاعَ بها القلبُ وهي آهلة *** وضاعَ مُذْ أَقْفَرَتْ بِهَا جَلَدِي

جَرَى عَلَيْنا جَوْرُ الزَّمانِ كَمَا *** مِنْ قَبْلِها قَدْ جَرَى عَلى لُبَدِ(2)

طَالَ عَنَائي بَيْنَ الرُّسُومِ وهَلْ *** لِلحُرُ غَيْرُ العَناءِ وَالنَّكَدِ

ألا تَرَى ابْنَ النَّبِيُّ مُنْفَرِدًا *** وَهُوَ مِنَ العَزمِ غيرُ مُنْفَرِدِ

بماضيي سَيْفِهِ ومِقْوَلِهِ(3) *** فَرَّقَ بينَ الضَّلالِ والرَّشَدِ

فقال: لا أطلب الحياةَ وَهَلْ *** فِراقُ دُنْيَاكُمُ سَوَى وَكَدِ(4)

لما قعدتُمْ عن نَصْرِ دینكُمُ *** وآل شملُ الهُدى إلى البَددِ

ص: 260


1- الغميم: الكلأ الأخضر تحت اليابس. والسند: ما قابَلَكَ من الجبل وعلا من السفح. وهما أيضًا اسما موضعين يمكن إرادتهما.
2- أبَد بضم اللام وفتح الباءِ الْمُوَحَّدَةِ قِبْلَ: إِنَّهُ كَانَ آخِرَ نُسُورٍ لقمان الذي كانَ مِنْ قَوْم عاد، وهو غير لقمان الحكيم الذي كانَ عَصْرِيَّ داوُدَ النبي(علیه السّلام)، وَبَعَثَتْهُ عاد إلى الْحَرَمِ يَسْتَسْقِي لَها ، فَلَمّا أُهْلِكُوْا خُيْرَ لُقْمَانُ بَيْنَ أَحَدٍ أَمْرَيْنِ فِي مُدَّةِ حَياتِهِ. وَأَحَدُ ذَيْنِكَ الْأَمْرَيْنَ بَقاءُ سَبْعَةِ أَنْسُرٍ ، كُلَّما هَلَكَ نَسْرٌ خَلَفَ بَعْدَهُ نَسْرٌ ، فَاخْتارَ النُّسُوْرَ وَكانَ آخِرُها لُبَدًا، فَلَمّا مات ماتَ لُقمانُ. وفي ذلِكَ قال النابغَةُ الذَّبْيانِيُّ : أَضْحَتْ خِلاءً وَأَضْحَى أَهْلُهَا ارْتَحَلُوا أَخْنَى عَلَيْهَا الَّذِي أَخْنَىٰ عَلى لُبَدِ (السيد الحسني).
3- المِقْوَل: اللسان. (السيد الحسني).
4- أي: غايتي وطلبتي. (السيد الحسني).

بقائِمِ السَّيْفِ قُمْتُ أَنْصُرُهُ *** مُقِوِّمًا ما دَهاهُ مِنْ أَوَدِ(1)

ولستُ أُعطي مَقادة بيد *** وقائم السيفِ ثابت بِيَدِي

واليومَ وَصْل الحبيب موعده *** فكيف أرضى تأخيرَهُ لِغَدِ

بشرايَ إِنَّ الحبيب شاءَ يَرى *** في الطَّفِ مَيْدَانَ خَيْلِكُم جَسَدِي

والرأسُ مِنّي عَلَى القَنَاةِ غَدًا *** يُسارُ مِنْ بَلْدة إلى بَلَدِ

لو قَدَّني(2)في هَواهُ مختبرًا *** قَدْ وَالهوى(3)لم أَكُنْ أقولُ قَدِ(4)

أو قال للعَذْبِ لا تَرِدُ أبدًا *** وَحُبِّهِ لَمْ أَرِدْ ولم أُرِدِ(5)

لو جاز لي أن أكون(6)مُقترحًا *** لقُلتُ لا تُنقِصِ البَلَا وزِدِ

ولست أبغي سوى رضاه ولا *** يدورُ خُلْدُ الجِنانِ في خَلَدي(7)

مؤيَّد الوصل ما أرومُ ولا *** أَعُدُّ شيئًا نعيمها(8)الأبدي

إن لَمْ يُصَلَّ(9)عليّ في نفر ***عليَّ صَلَّى المهيمن الأحدي

ص: 261


1- الأَوَد: الاعوجاج. (السيد الحسني).
2- القَدُّ: القَطْعُ أَوِ الشَّقُّ طُوْلًا، أو المُسْتَأصِل والمُسْتَطيل. وفيه جاء في وَصْفِ أسد الله وأسد رَسُولِهِ، الإمام أمير المؤمنين علي(علیه السّلام): أَنَّهُ كَانَ إِذا اعترضَ قَدَّ وإذا استطال قَطَّ . (السيد الحسني).
3- الواو في قوله : والهوى واو القسم (السيّد الحسني).
4- قَدِ: حَسْبي أَوْ يكفيني، وهو اسْمُ فِعْل. (السيد الحسني).
5- «أَرِدْ» الأولى من الورود. و«أُرِد» في قوله: (ولم أُرِدِ) من الإرادة (السيد الحسني).
6- ش: «أن أقول».
7- الخَلَد: بفتح الخاء المُعْجَمَةِ واللام: البال. (السيد الحسني).
8- ش: «نعيمة».
9- ش: «إن لم تصل».

ولا تشقوالنا اللحود فما *** يصنع قتلى الغرامِ باللَّحِدِ

فإن يكن قَدْ قَتَلتُ فَهْوَ يَدِي(1) *** وإِنْ يَكُنْ قَدْ قُتِلْتُ فهو يَدِي(2)

إِنَّ بنا يَختم الوجود كما *** قَبْلُ بنا أول الوجود بدي

رَسَلٌ مِنْ عِمده زبانيةً(3) *** تقول يا جمرة الوغى اتَّقِدِي

مَن لَمْ يَكُنْ لِلنَّعِيمِ مُهْتَدِيًا *** بِوَعْظِهِ(4)إِلى الجَحِيمِ هُدِي

للحد منّي لا يَدْنُ مِنْ أحدٍ *** إِذْ لستُ مُسْتَبغيًا على أحدِ

أقول للقرن(5)مُذْ أُخَالِطُهُ *** تهَكُما سِرُ وللقتالِ عُدِ

الجفن(6)تبكي عليّ مُدْ عَلِمَتْ *** لوصلِها لم أعُد ولم أَكَدِ

يرتعد الخصم في فَرائضِهِ(7)(8) *** إذا رآني بچسم(9)مرتعد

ولا يغرَّنَّكَ في اللقا زَرَدٌ *** فَطَالما قَدْ هزأتُ بالزرَدِ

كحاملي[اليوم](10)صرتُ ذا ظمأ *** إنْ لم يَرِدْ من دمائكم أَرِدِ

ص: 262


1- اليَدُ أيْ بِيَدِهِ قَتَلْتُ. (السيد الحسني).
2- أي هُوَ يُوَدِّي الدِيَةَ، وَجَمْعُها دِيات. (السيد الحسني).
3- ش: «يمانية» وهو الأَشْبَهُ بالصَّواب.
4- كذا صحح في الأصل، وفي ش: «يقول ربي».
5- القِرْنُ : بِكَسْرِ الْقافِ المكافئ في الشجاعة عند البروز في ميدان الحرب. (السيد الحسني).
6- كذا صحح في الأصل، وفي ش: «الحصن».
7- ش: «من فرائصه».
8- الفَرائِصُ : جَمْعُ الفَريصة، وَهِيَ اللَّحْمَةٌ بَيْنَ الجَنْبِ وَالْكَتِفِ لا تزال تُرْعَد عند الغَضَب. (السيد الحسني).
9- بجسم على الإضافة لا الْوَصْفِ ليستقيم الْوَزْنُ. (السيد الحسني).
10- زيادة لا بدّ منها من «ش».

وأصنعُ اليوم في الطفوف [كما](1) *** صنعتُ في خَيْبَرٍ وفي أُحدِ

أفنيتُ آبَاءَكُمْ وصرتُ إلى *** إفناء ما أعقبوا من الولد

إن لم يكن أَسْنَدُوا لَكُمْ خَبَري *** فإنّ مَثْنِي يُغني عن السَّنَدِ

وَلَا يَرَى والوطيسُ قَدْ حَمِيَتْ *** من ذي شُطُوبٍ(2)بِكَفِّ ذِي لِبَدِ(3)

سِوَى رقابٍ ولا رؤوسَ لها *** وغير أيد بانت(4)عن العَضُدِ

وأشجع القوم من يَفِرُّ بِهِ *** كماتَفِرُّ المِعْزَى مِنَ الأسد

فَفَرَّقَ الجَمْعَ وَهُوَ مُنْفَردٌ *** رَوَى الثّرى بالدماءِ وَهُوَ صَدِي(5)

أَفْدِيْهِ مِنْ واردٍ حِيَاضٌ رَدَى *** على ظما للفراتِ لَمْ يَرِدِ

أُصيب في قلبه بأسهمهِمْ *** مُذْ قالتِ القوسُ خذه من كَبِدِي

أيا مَطَايا(6)الآمال واخدةً *** قِفِيْ وَبَعْدَ الحُسَيْنِ لا تَخِدِي(7)

فيا جفون الْعُلا ألا اغتمضي(8) *** فطالما قَدْ كُحِلْتِ بالسَّهَدِ(9)

ص: 263


1- زيادة لازمة من «ش».
2- ش: «من ذي سطور».
3- المُراد بذي شُطُوْبِ هنا: السَّيْفُ، وذو لِبَد هو الأسد وَمِثْلُهُ: ذو لِبدَة، والمُرَادُ هُنا المعنى المجازي، أي: الرّجُل الشّجاع. (السيد الحسني).
4- بانَتْ : انْفَصَلَتْ. (السيد الحسني).
5- الصَّدِي : العَطشان. (السيد الحسني).
6- ش: «ويا مطايا».
7- الواخد: السريع الرامي بقوائمه كالنعام.
8- ش: وياجفون على اختمضى.
9- ديوان أبي المجد : 125 - 119 الطبعة الثانية، ضبط نصّه وعلّق عليه السيّد عبد الستار الحسني.

أقول: قد نقل عنه (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) هذه الأبيات الشيخ علي آل كاشف الغطاء في الحُصون المنيعة(1)ونقل عن الحُصون الشيخ علي الخاقاني في شعراء الغَري(2)والسيد جواد شبّر في أدب الطف(3)مع اختلاف، ولكن نقلت الأبيات من ديوانه المطبوع ، اللهم احشره مع الحُسَيْن(علیه السّلام).

ص: 264


1- الحُصون المنيعة: 489/1 ، مكتبة الإمام الشيخ محمد الحُسَيْن كاشف الغطاء في النجف الأشرف/ قسم المخطوطات.
2- شُعَراء الغَري: 55/4.
3- أَدَب الطَّفِّ : 259/9.

ص: 265

الفصل الخامس:

ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام

ص: 266

شهيد لم يقتل

قيل: اسمه مُوَقِّع بن ثُمَامَة بن أثال بن نُعمان بن مَسْلَمَة بن عُتَيَّبَة بن ثَعْلَبَة بن يربوع بن ثَعْلَبَة بن ثُمامَة الأَسَدي الصيداوي، وكان من التابعين.

ويقول الطبري: إِنَّ المُرَكَّعَ بْنَ ثُمَامَةَ الأَسَدِيَّ كَانَ قَدْ نَثَرَ نَبْلَهُ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَاتَلَ فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ آمِنْ أُخْرُجْ إِلَيْنَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ بِهِمْ عُمَرُ بْنُ سعدِ عَلَى ابْنِ زِيادٍ وَأَخْبَرَهُ . سَيَّرَهُ إِلَى الزَّارَةِ»(1).

كان الرجل ممّن جاء إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)في الطف بعد ما ردّوا الشروط عليه، وخلص إليه ليلا مع من خلص.

وقال أبو مِخْنَفَ : إِنَّ مُوَقَّع بن تُمامَة الأَسَدي لما شبّ القتال يوم الطفّ تقدّم بين يدي الحُسَيْن(علیه السّلام)، فقاتل مع القوم إلى أن نفد نبله ثمّ جثا على ركبته وقد أُثخن بالجراح وهو يدفعهم عن نفسه حتى وقع صريعا من كثرة الجراحات، فاستقذه قومه من بني أسد، فقالوا له: أنت آمن، أخرج إلينا ؛ وأتوا به الكوفة فأخفوه، فلما قدم عمر بن سعد على ابن زياد أخبره، فأرسل إليه ليقتله، فشفع فيه جماعته من بني أسد، فلم يقتله، ولكن كبله بالحديد ونفاه إلى الزارة، وكان مريضًا من الجراحات التي به، فبقي في الزارة مريضًا مكبلًا حتى مات بعد سنته.

ص: 267


1- تاريخ الطَّبَري: 261/6.

والزّارَة: قرية كبيرة في البحرين، قال أبو منصور: عين الزارة بالبحرين معروفة، وفُتِحت في سنة 12ه، في أيام أبي بكر صلحًا(1)، وكان ينفي زياد بن أبيه وابنه عبيد الله من شاء من أهل البصرة والكوفة إليها.

أقول: الموقع بالواو وتشديد القاف وبعدها العين المهملة على وزن المُعَظَّم والمُظَفّر ، وهو في الأصل بمعنى المبتلى بالمحن.

ذكره المامقاني(2)والسماوي(3)والمحلّاتي(4)(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِمْ).

والعجب من الدينوري حيث قال: «المُرقّع بن ثُمَامَةَ الْأَسَدِي بَعَثَ بِهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فَسَيَّرَهُ إِلَى الرَّبَدَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى هَلَكَ يَزِيدُ وَهَرَبَ عبيد الله إِلَى الشَّامِ، فَانْصَرَفَ الْمُرَقَّعُ إِلَى الْكُوفَةِ»(5).

أقول: وفي جميع ما ذكره الدينوري نظر بين؛ لأنّ اسمه: الموقع بالواو، لا المرقع بالراء، ولم يبعث به عمر بن سعد، بل استنقذه قومه وأخفوه، ولم يُسيَّرْهُ ابن زياد إلى الربذة، بل نفاه إلى الزارة ولم يصح قوله: «لم يزل بها [ أي بالربذة] حتى هلك يزيد وهرب عبيد الله إلى الشام فانصرف إلى الكوفة» لأنّ الرجل مات، بل استشهد لجراحاته بالزارة بعد عام، أعني سنة 62ه. ويزيد هلك في

سنة 64 ه- وبينهما برزخ لا يبغيان ولا ينبئك مثل خبير.

ص: 268


1- راجع مُعْجَم البلدان: 3 / 126.
2- تنقيح المقال: 3/ 260.
3- إبصار العين: 68.
4- فرسان الهيجاء: 2/ 125.
5- الأخبار الطوال: 259.

تنبيه

لا يخفى على مَنْ ألقى السمع وهو شهيد، أنّ الرجل غير مُرَكَّع بن قمامة الأسدي الذي ذكره الكشي في رجاله وقال: «حَدَّثَنَا حَمْدَوَيْهِ بنُ نُصَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، عَن إِسْمَاعِيلَ بْن أَبَانِ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَهَّرُ عَنْ عبد الله بْنِ شَرِيكَ الْعَامِرِيِّ عَنِ الْمُرَكَّعِ بنِ قُمَامَةَ الْأَسَدِيٌّ قَالَ: إِذَا هَزَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الرَّايَةَ الْمُعْلَنَةَ(1)بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ لَوَدِدْتُ أَنِّي فِي ظِلُّهَا مَجْزُومَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ، ذَاهِبَ الْبَصَر لَا شَيْء يُسَدِّدُني، قالَ: قُلْتُ: إِنَّ هذا الخَطَرَ عَظِيمٌ، قال: فَقَالَ مُرَفَّع: إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيًّا(علیه السّلام)يَقُولُ: إِنَّ تِلْكَ الْعِصَابَةَ نُظَرَاءُ لِأَهْلِ بَدْرٍ.

هذَا الْخَيْرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَيْسَانِيَّا»(2).

أقول : ذكر المُرَقَّعَ هذا، الشيخ الطوسي في أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وصرحبكونه كيسانيًا(3)والعلامة في القسم الثاني من الخلاصة(4)وابن داود في القسم الثاني من رجاله(5)والقهبائي في مجمع الرّجال(6)والأردبيلي في جامع الرواة(7)،

ص: 269


1- في بعض المصادر نحو إرشادِ المُفيد : 188/2 ط . مُؤَسَّسة آلِ البَيْت(علیهم السّلام): «المُغَلَبَة».
2- اختيار معرفة الرّجال : 196 رقم 152 ، 1 / 311 طبع مُؤَسَّسَة آل البيت(علیهم السّلام).
3- رجال الطوسي : 59 رقم 38.
4- خلاصة الأقوال: 127 الطبع الحجري، 260 من طبع النجف.
5- رجال ابن داود: 278.
6- مَجْمَعِ الرَّجال: 82/6.
7- جامع الرواة: 2/ 225.

والحائري في منتهى المقال(1)وغيرهم في غيرها.

مقتل الهَفْهاف بن المُهَنَّد

ذكره الفُضَيْل في التسمية وقال: خَرَجَ الهَفْهَافُ مِنُ الْمُهَنَّدِ الرَّاسِيُّ مِنَ الْبَصْرَةِ، حِينَ سَمِعَ بِخُرُوجِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْعَسْكَرِ بَعْدَ قَتْلِهِ، فَدَخَلَ عَسْكَرَ عُمَرَ بْن سَعْدِ ثُمَّ انْتَضَى سَيْفَهُ وَقَالَ:

يَا أَيُّهَا الجُنْدُ الْمُجَنَّدِ *** أَنَا الْهَفْهَافُ بْنُ الْمُهَنَّد

أبغي عیال محمد

ثُمَّ شَدَّ فِيهِمْ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن(علیهما السّلام): فَمَا رَأَى النّاسُ مُنْذُ بَعَثَ الله مُحَمَّدًا(صلی الله علیه و آله و سلم)، فَارِسًا، بَعْدَ عَليٍّ بن أبي طالب(علیه السّلام)، قَتَلَ بِيَدِهِ مَا قَتَلَ. فَتَدَاعَوْا عَلَيْهِ خَمْسَةُ نَفَر ، فَاحْتَوَشُوهُ حَتَّى فَتَلُوه رَحِمَهُ الله تَعَالَى»(2).

أقول: كان الهَفْهاف فارسا شجاعًا بصريًا من الشيعة ومن المخلصين في الولاء، له ذكر في المغازي والحروب، كان من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)، وحضر معه مشاهده كلّها، ولما عقد الألوية أمير المؤمنين(علیه السّلام)يوم صفين، ضمّ تميم البصرة إلى الأحنف بن قيس وأمر على حَنظلة البصرة أعين بن ضبعة وعلى أزد البصرة الهَفْهاف بن المُهَنَّدِ الراسِبى الأزدي، وعلى ذهل البصرة خالد بن معمر .

كال الرجل ملازما لعلي(علیه السّلام)إلى أن قتل، فانضم بعده إلى ابنه الحسن(علیه السّلام)ثمَّ إلى الحُسَيْن(علیه السّلام)، وبعد الحسن(علیه السّلام)سكن البصرة، وحين سمع بخروج أبي

ص: 270


1- مُنْتَهَى المَقال المعروف برجال أبي علي : 229.
2- تُراثنا: ع 156/2.

عبد الله الحُسَيْن(علیه السّلام)، من مكة إلى العراق، خرج من البصرة وفي مساء يوم الطف بعد قتل الحُسَيْن(علیه السّلام)وصل إلى أرض كربلاء، ولما اطلع على ما وقع انتضى سيفه ودخل عسكر عمر بن سعد، وقاتل حتى قُتل (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) .

ذكره المامقاني(1)والحائري(2)والمحلّاتي(3)(رَحْمَةُ الله عَلَيْهِم).

مُجاهِدٌ لا يليق بالشهادة

يقول الطبري: «قَالَ أَبو مِخْنَفَ : حَدَّثَنِي عبد الله بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ الضَّحَاكِ بن عبد الله المِشْرَقي، قالَ: لَمَّا رَأَيْتُ أَصْحَابَ الْحُسَيْنِ قَدْ أُصِيبُوا وَقد خُلِصَ(4)إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ غَيْرُ سُوَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي الْمُطَاعِ الْخَثْعَمِيُّ وبَشِيرِ بنِ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيِّ، قُلْتُ لَهُ: يَابْنَ رَسُولِ اللهِ! قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ بَيْنِي وبَيْنَكَ : قُلْتُ لَكَ : أَقاتِلُ عَنْكَ مَا رَأَيْتُ مُقَاتِلًا، فَإِذا لَمْ أَرَ مُقَاتِلًا فَأَنَا فِي حِلٌّ مِنَ الانْصِرَافِ. فَقُلْتَ لِي: نَعَم.

قالَ: فَقَالَ: صَدَقْتَ وَكَيْفَ لَكَ بِالنَّجَاءِ؟! إِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذلِكَ فَأَنْتَ فِي حِلٌّ!

قَالَ: فَأَقْبَلْتُ إِلَى فَرَسِى وَقَدْ كُنْتُ حَيْثُ رَأَيْتُ خَيْلَ أَصْحَابنا تُعْقَر أَقْبَلْتُ بهَا حَتَّى أَدْخَلْتُهَا فُسْطَاطًا لَأَصْحَابِنَا بَيْنَ الْبُيُوتِ وَأَقْبَلْتُ أُقَاتِلُ مَعَهُمْ رَاجِلًا، فَقَتَلْتُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ يَدَيِ الْحُسَيْنِ رَجُلَيْنِ، وَقَطَعْتُ يَدَ آخَر، وقَالَ لِي الْحُسَيْنُ يَوْمَئِذٍ

ص: 271


1- تنقيح المقال: 3/ 303.
2- ذَخيرة الدّارَيْن: 257.
3- فُرسان الهيجاء: 2/ 144.
4- «خَلَصَ إِلَيْهِ خُلُوصًا : وَصَلَ، وكذا خَلَصَ بِهِ» (تاج العروس: 272/9 ط. علي شيري).

مِرَارًا لَا تَشْلَلُ لَا يَقْطَعُ الله يَدَكَ! جَزَاكَ الله خَيْرًا عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ !

مِنَ الْفُسْطَاطِ ثُمَّ اسْتَوَيْتُ عَلَى مَنها ثُمَّ

فَلَمَّا أَذِنَ لِيَ اسْتَخْرَجْتُ الْفَرَسَ ضَرَبْتُهَا حَتَّى إِذَا قَامَتْ عَلَى السَّنابِكِ رَمَيْتُ بِهَا عُرْضَ الْقَوْمِ، فَأَفْرَجُوا لِي وَاتَّبَعَنِي مِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى شُفَيَّةَ قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ شَاطِئ الْفُرَاتِ، فَلمَّا لَحِقُونِي عَطَفْتُ عَلَيْهِمْ، فَعَرَفَنِي كَثِيرُ بنُ عبد الله الشَّعْبِيُّ وأَيُّوبُ بنُ مِشْرَح الخَيْوَانيُّ وَقَيْسُ بنُ عبد الله الصَّائِدِيُّ، فَقَالُوا: هذَا الصَّحاكُ بْنُ عبد الله المِشْرَقِيُّ، هذَا ابْنُ عَمِنَا؛ تُنْشِدُكُمُ الله لَمَا كَفَفْتُمْ عَنْهُ فَقَالَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنْ بَنِ! تَمِيمٍ كَانُوا مَعَهُمْ: بَلَى والله لَنُجِيبَنَّ إِخْوَانَنَا وأَهْلَ دَعْوَتِنَا إِلَى مَا أَحَبُوا مِنَ الْكَفْ عَنْ صَاحِبِهِمْ !

قَالَ: فَلَمَّا تَابَعَ التَّمِيمِيُّونَ أَصْحَابِي، كَفَّ الآخَرُونَ.

قَالَ: فَنَجَّانِيَ الله»(1).

أقول: ويظهر من الطبري، أن الرجل وصل إلى أرض كربلاء في يوم التاسع من المحرّم سنة 61 ه- لأنه قال: «قَالَ أَبو مِخْنَفٍ حَدَّثَنا عبد الله بْنُ عاصِم : الفائِشِيِّ بَطن مِنْ هَمْدان عَنِ الضَّحَاكِ بن عبد الله الْمِشْرَقِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ وَمَالِكَ بْنَ النَّضْرِ الْأَرْحَيَّ عَلَى الْحُسَيْنِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْنا وَرَحْبَ بنا، وَسَأَلَنا عَمَّا جِئْنَا لَه، فَقُلْنَا: جِئْنَا(2)لِنُسَلَّمَ عَلَيْكَ وَنَدعُوَ الله لَكَ بالعَافِيَةِ

ص: 272


1- تاريخ الطبري: 255/6.
2- زيادة من تاريخ الطبري: 317/4 طبع مُؤَسَّسَةِ الْأَعْلَميِّ بَيْروت.

وَنُحْدِثَ بِكَ عَهْدًا وَنُخْبِرَكَ خَبَرَ النَّاسِ ، وإِنَّا نُحَدِّثُكَ أَنَّهُمْ قَدْ جَمَعُوا عَلَى حَرْبِكَ فَرَ(1)رَأْيَكَ.

فَقَالَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام): حَسْبِيَ الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ: فَتَذَمَّمْنَا وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَدَعَوْنَا الله لَهُ.

قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا مِنْ نُصْرَتِي ؟ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ : عَلَيَّ دَيْنٌ وَلِي عِبَالٌ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا وَإِنَّ لِي لَعِيَالًا، وَلَكِنَّكَ إِنْ جَعَلْتَنِي فِي حِلٌّ مَنَ الانْصِرَافِ إِذا لَمْ أَجِدْ مُقَاتِلًا قَاتَلْتُ عَنْكَ مَا كَانَ لَكَ نَافِعًا وعَنْكَ دَافِعًا. قَالَ: قَالَ: فَأَنْتَ فِي حِلٌ . فَأَقَمْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ قَالَ : هذا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا.»(2).

إلى آخِرِ خطبته(علیه السّلام)في ليلة عاشوراء.

أقول: روى هذا الضحاك بعض ما وقع في يوم العاشر وليلته؛ لأنه بقي بعده. وكلّ العجب من عدم لياقته للشهادة في ركب الحُسَيْن(علیه السّلام)بيوم الطف.

عبد لا يليق بالشهادة

قال الدينوري: «وَلَمْ يَسْلَمُ مِن أَصْحَابه إِلَّا ... مولّى لِرَبَاب، أم سُكَيْنَةَ، أَخَذُوهُ بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ، فَأَرَادُوا ضَرْبَ عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي عبد مَمْلُوكٌ، فَخَلُّوا سَبِيلَه»(3).

وقال الطَّبَري : «أَخَذَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ، عُقْبَةَ بْنَ سَمْعَانَ، وَكَانَ مَولَّى لِلرَّبَابِ

ص: 273


1- لعلّه : فارْءَ. ظ.
2- تاريخ الطبري: 238/6.
3- الأخبار الطوال: 259.

بِنْتِ امْرِئ الْقَيْسِ الْكَلْبِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّ سُكَيْنَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنا عبد مَمْلُوكٌ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَنْجَحْ مِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُ»(1).

أقول: وذكره ابن الأثير الجَزَري في الكامل(2)والعجب من عدم لياقته للشهادة دون الحُسَيْن عليه صلوات الله تعالى.

ولما طال المقال إلى هنا يجب علينا أن نذكر تتمة ما وقع بعد استشهاد الحُسَيْن(علیه السّلام)إلى غروب الشمس من يوم الطف، فنقول:

سلب الحُسَين(علیه السّلام)

يقول شيخنا المُفيد: «ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى سَلب الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَأَخَذَ قَمِيصَهُ إِسْحَاقُ بْنُ حَيْوَةَ الْحَضْرَمِيُّ، وَأَخَذَ سَرَاوِيلَهُ أَبْجَرُ بْنُ كَعْبٍ، وَأَخَذَ عِمَامَتَهُ أَخْنَسُ بْنُ مَرْثَدٍ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي دَارِمِ، وَانْتَهَبُوا رَحْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَثْقَالَهُ»(3).

ويقول الطبري: «وَسُلِبَ الْحُسَيْنُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ سَرَاوِيلَهُ بَحْرُ بْنُ كَعْبٍ، وَأَخَذَ قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ فَطِيفَتَهُ، وَكَانَتْ مِنْ خَزْ، وَكَانَ يُسَمَّى بَعْدُ قَيْسَ قَطِيفَةٍ، وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَوْدٍ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَهْشَلِ بْنِ دَارِم، فَوَقَعَ بَعْدَ ذلِكَ إِلَى أَهْلِ حَبيبٍ بنِ بُدَيْلِ. قال: ومالَ النَّاسُ عَلَى الْوَرْسِ وَالْحُلَلِ وَالْإِبل وَانْتَهَبُوهَا»(4).

ويقول ابن نَما الحلّى (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ولَمَّا قُتِلَ مَالَ النَّاسُ إِلَى سَليهِ

ص: 274


1- تاريخ الطبري: 261/6.
2- الكامل في التاريخ: 80/4.
3- الإرشاد: 224(112/2 ط . موسسة آل البيت(علیهم السّلام)).
4- تاريخ الطبري: 6 / 260.

يَنْهَبُونَهُ، فَأَخَذَ قَطِيفَتهُ قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ، فَسُمِّيَ قَيْسَ الْقَطِيفَةِ، وَأَخَذَ عِمَامَتَهُ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ - وَقِيلَ : أَخْنَسُ بْنُ مَرْثَدِ بنِ عَلْقَمَةَ الْحَضْرَمِيُّ ، فَاعْتَمَّ بِهَا فَصَارَ مَعْتُوهَا، وَأَخَذَ بِرُنُسَهُ مَالِكُ بْنُ بَشِير الكِنْدِيُّ ، وَكَانَ مِنْ خَةٌ ، وَأَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: أَسَلَبُ الْحُسَيْنِ يَدْخُلُ بَيْتِي ؟ وَاخْتَصَمَا قِيلَ : لَمْ يَزَلْ فَقِيرًا حَتَّى هَلَكَ، وَأَخَذَ قَمِيصَهُ إِسْحَاقُ بْنُ حُوَيَّةَ ، فَصَارَ أَبْرَصَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي الْقَمِيصِ مِائَةٌ وَبِضْعَ عَشْرَةَ مَا بَيْنَ رَمْيَةٍ وَطَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ.

وَقَالَ الصَّادِقُ(علیه السّلام): وُجِدَ بِهِ ثَلَاثُ وَثَلَاثُونَ طَعْنَةً وَأَرْبَعُ وَثَلاثُونَ ضَرْبَةٌ.

وَأَخَذَ دِرْعَهُ الْبَتْرَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَخَذَ خَاتَمَهُ بَجْدَلُ بْنُ سُلَيْمٍ الْكَلْبِيُّ، وَقَطَعَ إصْبَعَهُ، وأَخَذَ سَيْفَهُ الْغُلافِسُ النَّهْشَلِيُّ، وَقِيلَ: جُمَيْعُ بن الحلقِ الْأَوْدِيُّ»(1).

ويقول ابن طاوس (الحَسَني) الحُسَيْني (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى سَلبِ الْحُسَيْنِ، فَأَخَذَ قَمِيصَهُ إِسْحَاقُ ْبنُ حُويَّةَ الْحَضْرَمِيُّ، فَلَبِسَهُ، فَصَارَ أَبْرَصَ وَامْتَعَطَ شَعْرُهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ وُجِدَ في قَمِيصِهِ مِائَةٌ وَبِضْعَ عَشرَة مَا بَيْنَ رَمْيَةٍ وَطَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ.

وَقَالَ الصَّادِقُ(علیه السّلام): وُجِدَ بِالْحُسَيْنِ(علیه السّلام)ثَلَاثٌ وَثَلاثُونَ طَعْنَةٌ وَأَرْبَعُ وثَلَاثُونَ ضَرْبَةً.

وَأَخَذَ سَرَاوِيلَهُ بَحرُ بْنُ كَعب التَّمِيمِيُّ لَعَنَهُ الله تَعَالَى؛ فَرُوِيَ أَنَّهُ صَارَ زَمِنًا مُقْعَدًا مِنْ رِجْلَيْهِ؛ وَأَخَذَ عِمَامَتَهُ أَخْنَسُ بْنُ مَرْثَدِ بن عَلْقَمَةَ الْحَضْرَمِيُّ وقِيلَ: جَابِرُ بنُ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ؛ لَعَنَهُمَا الله فَاعْتَمَّ بِهَا فَصَارَ مَعْتُوها؛ وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ الْأَسْوَدُ

ص: 275


1- مُثير الأحزان : 76.

بنُ خَالِدٍ لَعَنَهُ اللهِ؛ وَأَخَذَ خَاتَمَهُ بَجْدَلُ بنُ سُلَيْمٍ الْكَلْبِيُّ، وَقَطَعَ إِصْبَعَهُ(علیه السّلام)مَعَ الْخَاتَمِ، وَهذَا أَخَذَهُ الْمُخْتَارُ ، فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَتَرَكَهُ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ حَتَّى هَلَكَ، وَأَخَذَ قَطِيفَةً لَهُ(علیه السّلام)، كَانَتْ مِن خَةٌ ، قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ؛ وَأَخَذَ دِرْعَهُ الْبَتْرَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ وَهَبَهَا الْمُحْتَارُ لِأَبِي عَمْرَةَ قَاتِلِهِ؛ وَأَخَذَ سَيْفَهُ جُمَيْعُ بْنُ الْخلقِ الْأَوْدِيُّ، وَقِيلَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: أَسْوَدُ بْنُ حَنْظَلَة. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي سَعْدِ : أَنَّهُ أَخَذَ سَيْفَهُ القُلَافِسُ النَّهْشَلِيُّ ، وَزادَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا : أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ ذلِكَ إِلَى بِنْتِ حَبِيبِ بْنِ بُدَيْلِ، وَهَذَا السَّيْفُ الْمَنْهُوبُ الْمَشْهُورُ لَيْسَ بِذِي الْفَقَارِ ، فَإِنَّ ذلِكَ كَانَ مَذْخُورًا وَمَصُونًا مَعَ أَمْثَالِهِ مِنْ ذَخَائِرِ النُّبُوَّةِ وَالْإِمَامَةِ، وَقَدْ نَقَلَ الرُّوَاةُ تَصْدِيقَ مَا قُلْنَاهُ وَصُورَةً مَا حَكَيْنَاهُ»(1).

أقول: نقل العلّامة مولانا مُحَمَّد باقر المجلسي (قُدَّسَ سِرُّهُ) في بحاره(2).

هجوم القوم على الخيام

قال شَيْخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَسَلَبُوا نِسَاءَهُ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِم: فَوَالله لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَبَنَاتِهِ وَأَهْلِهِ تُنَازَعُ ثَوْبَهَا عَنْ ظَهْرِهَا حَتَّى تُغْلَبَ عَلَيْهِ فَتُذْهَبَ بِهِ مِنْهَا»(3).

وقال الطبري: «وَمَالَ النَّاسُ عَلَى نِسَاءِ الْحُسَيْن وَثَقَلِهِ وَمَتَاعِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُنازَعُ ثَوبَهَا عَن ظَهْرِهَا حَتَّى تُغْلَبَ عَلَيْهِ ، فَيُذْهَبَ بِهِ مِنْهَا »(4).

ص: 276


1- اللهوف: 56.
2- بحار الأنوار: 57/45(206/10).
3- الإرشاد: 224.
4- تاريخ الطبري: 6 / 260.

وقال ابن نَما الحلّي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ اشْتَغَلُوا بِنَهْبٍ عِيالِ الْحُسَيْنِ وَنِسَائِهِ، حَتَّى تُسْلَب الْمَرْأَةُ مِقْنَعَتَهَا مِنْ رَأْسِهَا، أَوْ خَاتَمَهَا مِنْ إصْبَعِهَا، أَوْ قُرِطَهَا مِنْ أُذُنِهَا، وَحِجْلَها مِنْ رِجْلِهَا، وجَاءَ رَجُلٌ مِن سِنبِس إِلَى ابْنَةِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، وَانْتَزَعَ مِلْحَفَتَهَا مِنْ رَأْسِهَا؛ بَقِينَ عَرَايَا تُرَاوِجُهُنَّ رِياحُ النَّوائِبِ، وَتَعْبَتُ بِهِنَّ

أَكُفُ الْمَصَائب قَدْ غَشِيَهُنَّ الْقَدَرُ النَّازِلُ، وَسَاوَرَهُنَّ الْخَطْبُ الْهَائِلُ ....

وَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَقَدْ تَوَزَّعُوا سَلَبَ النِّسَاءِ، قَالَتْ: يَا آلَ بَكر! أَتُسْلَبُ بَنَاتُ رَسُولِ الله ؟! لا حُكْمَ إِلَّا للهِ، يَا لَثَارَاتِ الْمُصْطَفَى! فَرَدَّهَا زَوْجُهَا.

وخَرَجَ بَنَاتُ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَقُرَّة عَيْنِ الزَّهْرَاءِ حَاسِرَاتٍ مُبْدِيَاتٍ لِلنِّيَاحَةِ وَالْعَوِيلِ يَنْدُبْنَ عَلَى الشَّبابِ وَالْكُهُولِ، وَأَضْرِمَتِ النَّارُ فِي الْفُسْطَاطِ فَخَرَجْنَ هاربات...»(1).

وقال ابن طاوس: «وَتَسَابَقَ الْقَوْمُ عَلَى نَهْبِ آلِ الرَّسُولِ وَقُرَّةِ عَيْنِ الْبَتُولِ حَتَّى جَعَلُوا يَنتَزِعُونَ مِلْحَفَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى ظَهْرها، وخَرَجَ بَنَاتُ آلِ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)و وَحَرِيمُهُ يَتَسَاعَدْنَ عَلَى الْبُكَاء وَيَنْدُ بْنَ لِفِرَاقِ الْحُمَاةِ وَالْأَحِبَّاء.

وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ مِسْلِم قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلِ كَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا

في أَصْحَابِ عُمَرَ بْن سَعْدٍ ؛ فَلَمَّا رَأَتِ الْقَوْمَ قَدِ اقْتَحَمُوا عَلَى نِسَاءِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)وَفُسْطَاطِهِنَّ وَهُمْ يَسْلُبُونَهُنَّ، أَخَذَتْ سَيْفًا وَأَقْبَلَتْ نَحْوَ الْفُسْطَاطِ وَقَالَتْ: يَا آلَ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ أَسْلَبُ بَنَاتُ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)؟! لاَ حُكْمَ إِلَّا ِللهِ! يَا لَثَارَاتِ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)! فَأَخَذَهَا زَوْجُهَا وَرَدَّهَا إِلَى رَحْلِهِ.

ص: 277


1- مُثير الأحزان: 76.

قَالَ الرَّاوِي: ثُمَّ أُخْرِجَ النِّسَاءُ مِنَ الْخَيْمَةِ وَأَشْعَلُوا فِيهَا النَّارَ، فَخَرَجْنَ حَواسِرَ مُسْلَبَاتٍ حَافِياتٍ بَاكِياتٍ...»(1).

عزم القوم على قتل ،مولانا عَليّ بن الحُسَيْن السجاد(علیه السّلام)

قال شيخنا المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «قَالَ حُمَيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: ... ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ مُنْبَسِطٌ عَلَى فِراشِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمَرَضِ، وَمَعَ شَمِرٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الرَّجَالَةِ، فَقَالُوا لَهُ: أَتَقْتُلُ هَذَا الْعَلِيلَ؟ فَقُلْتُ : سُبْحَانَ الله ! أَتَقْتُلُ الصَّبْيَان؟ إِنَّما هُوَ هذا صَبِيٌّ فَإِنّه لِمَا بِهِ؛ فَلَمْ أَزَلْ دَفَعْتُهُمْ عَنْهُ. وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ، فَصَاحَ النِّسَاءُ فِي وَجْهِهِ وَبَكَيْنَ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ بُيُوتَ هذِهِ النِّسْوَةِ وَلَا تَتَعَرَّضُوا لِهَذَا الْغُلامِ الْمَرِيضِ، وَسَأَلَتْهُ النِّسْوَةُ لِيَسْتَرْجِعَ مَا أُخِذَ مِنْهُنَّ لِيَسْتَتِرْنَ بهِ، فَقَالَ: مَن أَخَذَ مِنْ مَتاعِهِنَّ شَيْئًا فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِنَّ! ؛ فَوَالله مَا رَدَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَوَكَّلَ بِالْفُسْطَاطِ وَبُيُوتِ النِّسَاءِ وَعَليِّ بْنِ الْحُسَيْنِ(علیهما السّلام)جَمَاعَةٌ مِمَّن كَانُوا مَعَهُ، وَقَالَ: اِحْفَظُوهُمْ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلاَ تُسِيؤُونَ إِلَيْهِمْ. ثُمَّ عَادَ إِلَى مِضْرَبِهِ»(2).

وقال الطبري: «قال أبو مِخْتَفِ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي رَاشِدِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِم قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْن عَلِيٍّ الْأَصْغَرِ وَهُوَ مُنْبَسِطُ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَإِذا شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَن فِي رِجالِهِ مَعَهُ يَقُولُونَ: أَلاَ نَقْتُلُ هذَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ سُبْحَانَ الله أَنَقْتُلُ الصَّبْيَانَ؟! إِنَّما هَذَا صَبِيٌّ ! قالَ : فَمَا زَالَ ذلِكَ دَأْبِي أَدْفَعُ عَنْهُ كُلَّ مَنْ جَاءَ؛ حَتَّى جَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَقالَ: أَلاَ! لاَ يَدْخُلَنَّ

ص: 278


1- اللهوف : 57.
2- الإرشاد: 224.

بَيْتَ هؤُلاَءِ النِّسْوَةِ أَحَدٌ وَلَا يَعْرِضَنَّ لِهَذَا الْغُلَامِ الْمَرِيضِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَوَالله مَا رَدَّ أَحَدٌ شَيْئًا.

قَالَ: فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: جُزِيتَ مِنْ رَجُلٍ خَيْرًا! فَوَالله لَقَدْ دَفَعَ الله عَنِّي بِمَقَالَتِكَ شَرًّا!»(1).

أقول: ولد مولانا علي بن الحُسَيْن السجاد(علیه السّلام)في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة في خلافة جدّه أمير المؤمنين(علیه السّلام)على هذا، كان له الطف ثلاثة وعشرون عاما، وله أيضًا ولد؛ لأنّ نجله مولانا مُحَمَّد بن علي الباقر(علیه السّلام)ولد في سنة سبع وخمسين ويوم الطف وقع في سنة إحدى وستين، فعلى ما ذكرنا، لا يصح قول حميد بن مسلم مخاطبًا الشمرَ لعَنَه الله: «إنَّما هذا صَبِيٌّ»، نعم، كان ولده مولانا الباقر يؤمئذ صبيَّا، لا والده السجّاد سَلامُ الله على الوالد وما ولد، اللهم إلّا أن يكون أراد بهذا القول دفع القتل عن مولانا علي بن الحُسَيْن(علیهما السّلام)، كما هو الظاهر، وأشار إلى هذا قول الإمام(علیه السّلام)مخاطبًا إياه: «جُزِيتَ مِنْ رَجُلٍ خَيْرًا، فَوَالله لَقَدْ دَفَعَ الله عَنِّي بِمَقَالَتِكَ شَرًّا!».

وقال ابن سعد في طبقاته وكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ ابْنُ ثَلاث وَعِشْرِينَ سَنَةٌ وَكَانَ مَرِيضًا نَائِمًا عَلَى فِرَاشِهِ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)قَالَ شَمِرُ بنُ ذِي الْجَوْشَن: أقْتُلُوا هذَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: سُبْحَانَ الله! أَتَقْتُلُ فَتى حَدَثًا مَرِيضًا لَمْ يُقاتِلْ ؟! وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ : لا تَعَرَّضُوا لِهؤُلاَءِ النِّسْوَةِ وَلاَ لِهذَا الْمَرِيض»(2).

ص: 279


1- تاريخ الطبري: 6 / 260.
2- الطبقات الكبرى: 212/5 طبع بيروت.

وطء الخيل

قال شَيْخنا المُفيد : «فَنَادَى عُمَرُ بنُ سَعدٍ فِي أَصْحَابِهِ : مَن يَنْتَدِبُ لِلْحُسَيْنِ فيُوطِتُهُ فَرَسَهُ؟ فَانْتَدَبَ عَشَرَةٌ؛ مِنْهُمْ إِسْحَقُ بْنُ حَيْوَةَ وأَخْنَسُ بنُ مَرْثَدٍ ؛ فَدَاسُوا الْحُسَيْنَ بِخُيُولِهِمْ حَتَّى رَضُوا ظَهْرَهُ»(1).

وقال الطبري: ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ نَادَى فِي أَصْحَابِهِ: مَنْ يَنْتَدِبُ لِلْحُسَيْنِ وَيُوطِتُهُ فَرَسَهُ؟ فَانْتَدَبَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بنُ حَيْوَةَ الْحَضْرَمِيُّ، وَهُوَ الَّذِي

، سَلَبَ قَمِيصَ الْحُسَيْنِ فَبَرِصَ بَعْدُ، وَأَحْبَشُ بْنُ مَرْثَدِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ الْحَضْرَمِيُّ، فَأَتَوا فَدَاسُوا الْحُسَيْنَ بِخُيُولِهِمْ حَتَّى رَضُوا ظَهْرَهُ وَصَدْرَهُ؛ فَبَلَغَني أَنَّ أَحْبَشَ بنَ مَرْثَدٍ بَعد ذلِكَ بِزَمَانِ أَتَاهُ سَهْمُ غَرَبِ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي قِتَالٍ، فَفَلَقَ قَلْبَهُ، فَمَاتَ»(2).

وقال ابن نَما الحلي: «ثُمَّ نَادَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْ يَنْتَدِبُ الْحُسَيْنَ فَيُوطِيَ الْخَيْلَ ظَهْرَه؟ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ، وَهُمْ : 1- أُسَيْدُ بْنُ مَالِكٍ . و 2- هَانِي بنُ ثبت(3)الْحَضْرَمِيُّ . و 3- واخِطُ بنُ نَاعِمٍ. و 4 - صَالِحُ بْنُ وَهبِ الْجُعْفِيُّ . و5 - سَالِمُ بْنُ خُثَيْمَةَ الْجُعْفِيُّ. و 6 - رَجَاءُ بْنُ مُنْقِذ العبدي . و7۔ عُمَرُو بْنُ صُبَيْحِ الصَّيْدَاوِيُّ. و 8- حَكيمُ بْنُ الطُّفَيْلِ السِّنْبِسِيُّ . و 9 - أَخْنَسُ بْنُ مَرْثَدٍ. و10- إِسْحَاقُ بْنُ حُوَيَّةَ، فَوَطِئَتْهُ خُيُولُهُمْ حَتَّى رَضُوه ... فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى عبيد الله قَالَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ:

نَحْنُ رَضَضْنَا الصَّدْرَ بَعْدَ الظَّهْرِ *** بِكُلِّ يَعْبُوبٍ شَدِيدِ الْأَسْرِ

ص: 280


1- الإرشاد: 224.
2- تاريخ الطبري: 261/6.
3- الصحيح: «ثُبَيْتِ» .ظ.

قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ ؟! قَالُوا: نَحْنُ وَطِلْنا بِخُيُولِنَا ظَهْرَ الْحُسَيْنِ حَتَّى طَحَنَّا حَنَاجِرَ صَدْرِهِ؛ فَأَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ.

قَالَ أَبو عَمْرٍو الزَّاهِدُ : سَبَرْنَا أَحْوَالَ هَؤُلاَءِ الْعَشَرَةِ؛ وَجَدْنَاهُمْ أَوْلَادَ الزِّنَا. وَالْعَشَرَةُ أَخَذَهُمُ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ الثَّقَفِيُّ فَضَرَبَهُمْ حَتَّى هَلَكُوا»(1).

أقول: ونحوه في اللهوف للسيد ابن طاوس، إِلَّا أَنه قال: «وَهؤُلاَءِ أَخَذَهُمُ الْمُخْتَارُ فَشَدَّ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ بِسِكَكِ الْحَدِيدِ، وَأَوْطَأَ الْخَيْلَ ظُهُورَهُمْ حَتَّى هَلَكُوا»(2).

ولكن روى الكليني(قدس سره)عن الحُسَيْن بن مُحَمَّد، قال: «حَدَّثَنِي أَبو كُرَيْبٍ وأبو سَعِيدٍ الْأَشَحُ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بنِ عبد الله الْأَوْدِيِّ قَالَ: لَمّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)أَرَادَ الْقَوْمُ أَن يُوَطِّؤُوهُ الْخَيْلَ، فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ : يا سَيِّدَتِي إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحارِثِ أَنَا مَوْلَى رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ. وَالْأَسَدُ رَابِضُ فِي نَاحِيَةِ، فَدَعِينِي أَمْضِي إِلَيْهِ وَأَعْلِمَهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَدًا. قَالَ: فَمَضَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْحَارِثِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَتْ : أَتَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَن يَعْمَلُوا غَدًا بِأَبي عبد الله(علیه السّلام)؟! يُرِيدُونَ أَن يُوَلِّقُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ. قَالَ: فَمَشَى حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)؛ فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ، ، قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ الله فِتْنَةٌ لا تُثِيرُوهَا، إِنْصَرِفُوا!؛فَانْصَرَفُوا!»(3).

ص: 281


1- مثير الأحزان: 78.
2- اللهوف : 59.
3- الكافي: 1/ 465.

قال الفيض الكاشاني (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ) بعد نقل الحديث: «بيان: سفينة مَوْلَى رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)يُكَنَّى أَبَا رَيْحَانَة كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ يَعْنِي الْفُلْكِ، وَأبو الحارثِ كُنْيَةُ الأَسَدِ، وَقَفَهُ: هَدَاهُ، والرُّبُوضُ لِلْأَسَدِ وَالشَّاةِ، كَالْبُرُوكِ في الإبل. والْآثَارَةُ: النَّهْيِيجُ»(1).

وقال العلّامة المجلسي(قدس سره)بعد نقل الحديث: «بَيان: قَوْلُها: إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ؛ إِشَارَةٌ إِلَى قِصَّةِ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَأَنَّ الْأَسَدَ رَدَّهُ إِلَى الطَّرِيقِ، وَقَدْ مَرَّ بِأَسَانِيدَ في أبوابِ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ(2).وَأبو الْحارِثِ مِنْ كُنَى الأَسَدِ»(3).

أقول: الرواية ضعيفة سندًا، ومضطربة متنا ولا تنقل من المعصوم شيئًا، ولا يعتمد عليها في قبال النصوص التاريخية المتقنة، وكل العجب من العلّامة المجلسي (قَدَّسَ الله رُوحَهُ العَزيز) حيث قال بعد نقل مقال السيد ابن طاوس (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في وطء الخيل: «أقول : الْمُعْتَمَدُ عِنْدِي مَا سَيَأْتِي في رِوَايَةِ الكافي أَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ ذلِك»(4).

تسريح رأس الحُسَيْن(علیه السّلام)

قال الدينوري: «وَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى عبيد الله بْنِ زِيادٍ مَعَ خَوْلِيٌّ بنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحي»(5).

ص: 282


1- الوافي : 760/3.
2- راجع بحار الأنوار: 409/17 من الطبعة الحديثة.
3- بحار الأنوار: 45 / 170.
4- بحار الأنوار: 60/45.
5- الأخبار الطوال: 259.

وقال المُفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «وَسَرَّحَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ مِنْ يَوْمِهِ ذلِكَ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)مَعَ خَوْلِيٌّ بنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ وَحُمَيْدِ بنِ مُسْلِمٍ الْأَرْدِي إِلَى عبيد الله بنِ زِيَادِه»(1).

وقال الطبري: «وَمَا هُوَ إِلَّا أَن قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَسُرِّحَ بِرَأْسِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذلِكَ مَعَ خُولِي بْنِ يَزِيدَ وَحُمَيْدِ بْنِ مُسلِم الْأَزْدِيُّ إِلَى عبيد الله بْنِ زِيَادٍ، فَأَقْبَلَ بِهِ خُولِيٌّ، فَأَرَادَ الْقَصْرَ ، فَوَجَدَ بَابَ الْقَصْرِ مُغْلَقًا، فَأَتَى مَنزِلَهُ فَوَضَعَهُ تَحْتَ إِجَانَةٍ فِي مَنْزِلِهِ؛ وَلَهُ امْرَأَتَانِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ وَالْأُخْرَى مِنَ الْحَضْرَمِيِّينَ يُقَالُ لَهَا: النَّوارُ ابْنَةُ مَالِكِ بْنِ عَقْرَب، وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ الْحَضْرَمِيَّة.

قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ النَّوار بِنْتِ مالِكِ، قَالَتْ: أَقْبَلَ خَوْلِيٌّ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ، فَوَضَعَهُ تَحْتَ إِجَانَةِ فِي الدَّارِ ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَوَى إِلَى فِرَاشِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا الْخَبْرُ ؟ مَا عِنْدَكَ ؟ قَالَ : جِئْتُكِ بِغِنَى الدَّهْرِ! هذَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ مَعَكِ فِي الدار!

قَالَتْ : فَقُلْتُ : وَيْلَكَ! جَاءَ النَّاسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجِئْتَ بِرَأْسِ ابنِ رَسُولِ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)! لاَ، والله يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَكَ بَيْتُ أَبَدًا!

قَالَتْ: فَقُمْتُ مِنْ فِرَاشِي فَخَرَجْتُ إِلَى الدَّارِ. فَدَعَا الْأَسَدِيَّةَ، فَأَدْخَلَهَا إِلَيْهِ؛ وَجَلَسْتُ أَنْظُرُ. قَالَتْ: فَوَالله مَا زِلْتُ أَنْظُرُ إِلَى نُورٍ يَسْطَعُ مِثْلَ الْعَمُودِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْإِجَانَةِ وَرَأَيْتُ طَيْرًا بِيضًا تُرَفْرِفُ حَوْلَها .

قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدًا بِالرَّأْسِ إِلَى عبيد الله بْنِ زِيَادِه»(2).

ص: 283


1- الإرشاد: 224.
2- تاريخ الطبري: 261/6.

ولكن قال في كتابي مطالب السؤول وكشف الغُمَّة: «إِنَّ حَامِلَ رَأْس الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)إِلَى ابْنِ زِيَادٍ كَانَ بِشر بن مَالِكِ، فَلَمَّا وَضَعَ الرَّأْسَ بَيْنَ يَدَيْ عبيد الله بن زِيَادٍ قَالَ:

إِمْلَا رِكَابِي فِضَّةٌ وَذَهَبًا *** فَقَدْ قَتَلْتُ الْمَلِكَ الْمُحَجَّبًا

وَمَن يُصَلِّي الْقِبْلَتَيْنِ فِي الصَّبَا *** وَخَيْرَهُمْ إِذْ يَذْكُرُونَ النَّسَبَا

قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمَّا وَأَبَا

فَغَضِبَ عبيد الله مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذْ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ كَذلِكَ فَلِمَ قَتَلْتَهُ؟ والله لاَ نِلْتَ مِنِّي وَلَأُلْحِقَنَّكَ بِها ثُمَّ قَدَّمَهُ وَضَرَبَ عُنُقَهُ»(1).

أقول: لا يخفى مخالفة هذا الكلام مع ما تقدّم من أنّ حامل رأسه الشريف خولي بن يزيد الأَصْبَحي وحُمَيْد بن مُسلِم الأَزدي، والظاهر أنّ الصحيح هو، والله سبحانه هو العالم.

تسريح الرؤوس الشريفة

بعد تسريح رأس الحُسَيْن(علیه السّلام)إلى عبيد الله بن زياد، أمر عُمر بن سعد بقطع رؤوس الباقين من أصحابه.

يحدثنا الشيخ المُفيد عن ذلك: «وَأَمَرَ بِرُؤُوسِ الْبَاقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَهْل بَيْتِهِ فَقُطِعَتْ، وَكَانَتِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَأْسًا، وسَرَّحَ بِهَا مَعَ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَقَيْسِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَعَمْرِو بْنِ الْحَجَّاجِ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى قَدِمُوا بِهَا عَلَى ابْنِ زِيَادٍ»(2).

ص: 284


1- مطالب السؤول : 76 ، كشف الغُمَّة : 2/ 232.
2- الإرشاد: 224.

وقال ابن نَما الحلّي (رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ): «ثُمَّ سَرَّحَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ مَعَ خَوْلِيٌّ بنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ وحُمَيْدِ بنِ مُسْلِمِ الْأَزْدِيُّ إِلَى عبيد الله بْنِ زِيَادٍ، وَأَمَرَ بِرُؤُوسِ الْبَاقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنُطْفَتْ وَكَانَتِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَأْسًا، وَسَرَّحَ بِهَا مَعَ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَقَيْسِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَعَمْرِو بْنِ الْحَجَّاجِ»(1).

أقول: ونحوه في اللهوف(2)للسيد ابن طاوس.

وقال السماوي في خاتمة كتابه: «قُطعت في الطف رؤوس أحبة الحُسَيْن(علیه السّلام)وأنصاره جميعًا بعد قتلهم، وحُمِلت مع السبايا إلّا رأسين: رأس عبد الله بن الحُسَيْن الرضيع؛ فإن الرواية جاءت أنّ أباه الحُسَيْن(علیه السّلام)حفر له بعد قتله بجفن سيفه ودفنه. ورأس الحرّ الرياحي؛ فإنّ بني تميم منعت من قطع رأسه وأبعدت جثته عن القتلى، كما سمعته من أنّ بعض الملوك كشف عنه، فرآه معصوب الرأس، وفي غير الطف قُطع رأس مسلم بن عقيل ورأس هاني بن عروة في الكوفة حيث قتلا وأُرسلا إلى الشام قبل ذلك»(3).

أقول: في حمل الرؤوس مع السبايا نظر بيّن؛ لأنها حُمِلت في عصر يوم عاشوراء بعد تسريح رأس الحُسَيْن، كما عرفت والسبايا حُمِلت في غده، أعني اليوم الحادي عشر بعد زوال الشمس، كما صرح به شيخنا المفيد في إرشاده(4).

ص: 285


1- مُثير الأحزان: 84.
2- اللهوف : 62.
3- إبصار العين: 127.
4- الإرشاد: 224.

ثمّ فليُعْلَمْ أَنْ عُمَر بن سعد أقام بقية يوم عاشوراء، كما صرح به شیخنا المفيد حيث قال : «وأَقامَ بَقِيَّةَ يَوْمِه»(1)وقال الطبري: «وَأَقامَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ يَومه ذلك»(2). وإلى هنا تمّ ما وقع في يوم الطف.

ص: 286


1- الإرشاد: 224.
2- تاريخ الطبري: 262/6.

خاتمة

في ذكر بعض ماورد في يوم الطف من أخبار الفريقين

قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: «عَنْ عُمَرَ بنِ ثَابِتٍ عَن الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَن أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ : كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ[(علیهما السّلام)] يَلْعَبانِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ ]وَسَلَّمَ في بَيْتِي، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنْ أُمَّتَكَ تَقْتُلُ ابْنَكَ هذَا مِن بَعْدِكَ ، وأَوْمَا بِيَدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ(علیه السّلام)، فَبَكَى ! رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ: ... وَضَعْتُ عِنْدَكَ هَذِهِ التُّرْبَةَ، فَشَمَّهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ ] وَسَلَّمَ وَقَالَ: رِيح كَرب وَبَلاء، وقَالَ يا أُمَّ سَلَمَةَ! إِذَا تَحَوَّلَتْ هَذِهِ التُّرْبَةُ دَمًا فَاعْلَمِي أَنَّ ابْنِي قَدْ قُتِلَ، فَجَعَلَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي قَارُورَةٍ ثُمَّ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ وَتَقُولُ: إِنَّ يَوْمًا تَحَوَّلِينَ دَمًا لَيَوْمٌ عَظِيمٌ»(1).

وقال ابن حَجَر الهَيْتَمي في الصَّواعِقِ المُحْرِقَة بعد نقل قصة أُم سلمة والقارورة: وفي رِوَايَةٍ عَنها : فَأَصَبْتُهُ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)وَقَدْ صَارَ دَمًا. وفي أُخْرَى ثُ : قَالَ [يعني جبريل]: ألا أريكَ تُرْبَةَ مَقْتَلِهِ؟ فَجَاءَ بِحَصَيَاتٍ فَجَعَلَهُنَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ فِى قَارُورَةِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ قَتْلِ الْحُسَيْن(علیه السّلام)سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ:

ص: 287


1- تهذيب التهذيب : 2/ 300.

(البحر الخفيف)

أَيُّهَا الْقَاتِلُونَ جَهْلًا حُسَيْنًا *** أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ وَالتَّذْلِيل!

قَدْ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسَانِ ابْنِ دَاوُ *** دَوَمُوسَى وَحَامِلِ الْإِنْجِيل!

قالَتْ : فَبَكَيْتُ وَفَتَحْتُ الْقَارُورَةَ فَإِذا الْحَصَيَات قَدْ جَرَتْ دَمًا »(1).

أقول: وروي هذا الحديث من طرقنا أيضًا، قال شيخنا المفيد (رَحْمَةُ الله عَلَيْه) في إرشاده: «رُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مِنْ عِنْدِنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَغَابَ عَنَّا طَوِيلًا ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ وَيَدُهُ مَضْمُومَةٌ، فَقُلْتُ لَهُ يا رَسُولَ الله! مَالِي أَراكَ شَعِئًا مُغْبَرًا؟! فَقَالَ: ! أُسْرِيَ بِي فِي هَذَا الْوَقْتِ إِلَى مَوْضِعِ مِنَ الْعِرَاقِ يُقالُ لَهُ: كَربلاء، فَأُرِيتُ فِيهِ مَصْرَعَ الْحُسَيْنِ ابْنِي وَجَمَاعَةٍ مِن ولدِي أَهْلِ بَيتي، فَلَمْ أَزَلْ أَلْقُطُّ دِمَاءَهُمْ فَها هِي فِي يَدِي، وَبَسَطَهَا إِلَيَّ فَقَالَ : خُذِيها وَاحْتَفِظِي بِهَا. فَأَخَذْتُهَا فإِذا هِيَ شِبْهُ تُرَابٍ أَحْمَرَ، فَوَضَعْتُهُ فِي قَارُورَةٍ، وَشَدَّدْتُ رَأْسَهَا وَاحْتَفَظْتُ بِهِ، فَلَمّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)مِن مَكَّةَ مُتَوَجِّهَا نَحْوَ الْعِرَاقِ، كُنْتُ أُخْرِجُ تِلْكَ الْقَارُورَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَشُمُهَا وَأَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ أَبْكِي لِمُصَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّم وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ، أَخْرَجْتُهَا في أَوَّلِ النَّهارِ وَهِيَ بِحَالِهَا، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهَا آخِرَ النَّهَارِ فَإِذَا هِيَ دَمٌ عَبِيةٌ، فَضَجَجْتُ فِي بَيْتِي وَبَكَيْتُ وَكَظَمْتُ غَيْظِي، فَكَتَمْتُ مَخَافَةَ أَن يَسْمَعَ أَعْدَاؤُهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَيُسْرِعُوا بِالشَّمَاتَةِ، فَلَمْ أَزَلْ حَافِظَةً لِلْوَقْتِ وَالْيَوْم حَتَّى جاءَ النَّاعِي يَنْعَاهُ، فَحُقِّقَ مَا رَأَيْت»(2).

ص: 288


1- الصَّواعِقِ المُحْرِقَة : 115.
2- الإرشاد : 232.

روى البيهقي بسَنَدِه عن أَبي قُبَيْل، قال: «لَما قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٌّ(علیهما السّلام)كَسَفَتِ الشَّمْسُ كَسْفَةٌ بَدَتِ الْكَوَاكِبُ نِصْفَ النَّهارِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا هِي»(1).

أقول: وذكره الهيثمي في مَجْمَع الزَّوائِد وقال: «رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وإِسْنَادُهُ حَسَنُ»(2).

وابن حَجَر العسقلاني في تهذيب التهذيب قال: «قَالَ خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أبيه: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)اسْوَدَّتِ السَّمَاءُ وَظَهَرَتِ الْكَوَاكِبُ نَهَارًا»(3)

وقال ابن حجر الهيتمي في الصَّواعِقِ المُحْرقَة: «وَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ حَتَّى بَدَتِ الْكَوَاكِبُ نِصْفَ النَّهارِ وَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَامَتْ»(4).

وروى الطبري في تفسيره بسَنَدِه عن السُدّي ، قال : لَما قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُعَلِيٌّ(علیهما السّلام)بَكَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِ وَبُكَاؤُهَا حُمْرَتُهَا»(5).

ويقول السيوطي في ذيل تفسير قوله تعالى: ﴿وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيَّا﴾(6): «وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِر عَنْ قُرَّةَ قَالَ: مَا بَكَتِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا»(7).

ص: 289


1- سُنَن البيهقي : 3/ 327.
2- مَجْمَعِ الزَّوائد: 197/9.
3- تَهذيب التهذيب : 305/2.
4- الصَّواعِقِ الْمُحْرِقَة : 116.
5- تفسير الطبري: 25/ 74.
6- سورة مريم: 13.
7- الدر المنثور : 264/4.

وأيضًا يقول السيوطي في ذيل تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾(1): «وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُبَيْدِ الْمُكْتِبِ عَن إبراهِيمَ رَضِيَ الله عَنْه، قَالَ: مَا بَكَتِ السَّمَاءُ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا إِلا عَلَى اثْنَيْنِ، قِيلَ لِعُبَيْدِ : أَلَيْسَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضُ تَبْكِي عَلَى الْمُؤْمِنِ؟ قَالَ: ذَاكَ مُقَامُهُ، وَحَيْثُ يَصْعَدُ عَمَلُهُ؛ قَالَ: وَتَدْرِي مَا بُكاءُ السَّمَاءِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: تَحْمَرُّ وتَصِيرُ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ، إِنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا لَمَّا قُتِلَ احْمَرَّتِ السَّمَاءِ وَقَطرَتْ دَمًا وإِنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَوْمَ قُتِلَ احْمَرَّتِ السَّمَاءُ»(2).

أقول: روي نحو ذلك من طرقنا، قال الشيخ جَعفَر بن مُحَمَّد بن قولويه (المتوفى سنة 367)في كتابه كامل الزيارات: «وَعَنْهُ [أي عن مُحَمَّد بن جعفر الرزاز الكوفي] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَن نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَن عَمرُو بْنِ سعد(3)، عَنْ مُحَمَّد بْن سَلَمَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٌّ(علیهما السّلام)أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ تُرابا أَحْمَرا»(4).

وقال أيضًا: «حَدَّثَنِي أَبِي، عَن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَليِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فُضَالَةَ بن أَيُّوبَ، عَنْ دَاوُدَ بْن فَرْقَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أبا عبد الله(علیه السّلام)يَقُولُ: كَانَ الَّذي قَتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلَي(علیهما السّلام)قال وَلَدَ زنًا، وَالَّذِي قَتَلَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَلَدَ زِنًا، وَقَالَ: احْمَرَّتِ السَّمَاءُ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ

ص: 290


1- سورة الدخان: 29.
2- الدر المنثور : 31/6.
3- الصحيح : عُمر بن سعد، وهو عُمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي من مشايخ نصر بن مزاحم. وهو غير عُمر بن سعد بن أبي وقاص الملعون.
4- كامل الزيارات: 90 الحديث 11.

بْنُ عَلِيٌّ سَنَةً، ثُمَّ قَالَ: بَكَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَحُمْرَتُهَا بُكَاؤُهَا»(1).

وروى الهيثمي في مجمع الزَّوائِد: عَنِ الزُّهْرِي قال: قال لي عبد الملك: أَيُّ وَاحِدٍ أَنْتَ؟ إِن أَعْلَمْتَني أَيُّ عَلامةٍ كَانَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)؟ فَقَالَ: قُلْتُ : لَمْ تُرْفَعْ حَصَاةٌ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلا وُجِدَ تَحْتَها دَمٌ عَبِيدٌ. فَقَالَ لِي عبد الْمَلِكِ: إنّي وَإِيَّاكَ في هذَا الْحَدِيثِ لَقَرِينَان. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثُقَاتٌ. وَعَن الزُّهْرى قَالَ: مَا رُفِعَ بِالشَّامِ حَجَرٌ يَوْمَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ(علیهما السّلام)إِلَّا عَنْ دَم. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرجالُهُ رِجالُ الصَّحِيحِ »(2).

أقول: رُوي هذا الحديث عن الزهري بطرقنا أيضًا، قال ابن قولويه: «حَدَّثَني أبِي، عَنْ سَعْدِ بْنِ عبد الله، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَني أبو مَعْشَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: لَمَا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: وَحَدَّثَني أبو مَعْشَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ(علیه السّلام)لَمْ يَبْقَ في بَيْتِ المَقْدِس حَصَاةٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهَا دَمٌ عَبيط»(3).

وقد جعلت ختام هذه الرسالة حديثًا رُوي بطرق متعدّدة عن صحيفة مولانا علي بن موسَى الرّضا عَلَيْهِ آلافُ التَّحِيَّةِ وَالثَّناء: «وَبِإِسنادِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم):تُحْشَرُ ابْنَتِي فَاطِمَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهَا ثِيَابٌ مَصْبُوعَةٌ بِدَمِ الْحُسَيْنِ، فَتَعَلَّقُ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ ، فَتَقُولُ: يا رَبِّ احْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ قَاتِلِ وَلَدِي؛

ص: 291


1- كامل الزيارات: 93 الحديث 21.
2- مجمع الزوائد: 196/9.
3- كامل الزيارات: 92 الحديث 20.

قَالَ رَسُولُ الله(صلی الله علیه و آله و سلم): فَيُحْكُمُ لِابْنَتِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ!»(1)

وإلى هنا تمت هذه الرسالة الشريفة في مقتل مولانا أبي عبد الله الحُسَيْن ، المسماة ب«يوم الطَّفِّ» في يوم الخميس، السابع والعشرين من شهر مُحَرَّم الحرام سنة 1412 على يد مؤلفها العبد هادي النجفي ببلدة أصفهان صانها الله تعالى عن الحدثان، ورزقنا الله زيارة الحُسَيْن(علیه السّلام)وشفاعته في الدنيا والآخرة بمُحَمَّد وآله.

والحمد لله أولا وآخرًا وظاهرا وباطنا، وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين(2).

ص: 292


1- صحيفة الإمام الرّضا : 44 الحديث 20.
2- ويجب علينا أن نشكر صديقنا المحقق المفضال حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد الباقري(دامت بركاته) لتصحيحاته على الرسالة قبيل الطبع أدام الله تعالى أيامه ووفقه لما يحب ويرضى. وأيضًا نشكر الأستاذ المحقق جويا جهانبخش (دامت برکاته) من تصحيحاته على متن الكتاب في ترجمته له المسماة ب«روزنامه عاشورا ، طبع منشورات دفتر تبلیغات إسلامي أصفهان، صیف 1397ش.

أَهَمُّ مصادر الرسالة

1. إبصارُ العَيْن في أَنصارِ الحُسَيْن(علیه السّلام)، الشيخ مُحَمَّد بن طاهر السَّماوي (م 13 ه. ق)، قم: مكتبة بصيرتي، 1408ه.ق.

2. إثبات الوَصِيَّة، للمسعودي الطبع الحجري.

3. الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطَّبْرسي، تعليقات وملاحظات: السّيّد محمد باقر الموسوي الخرسان، بیروت: منشورات مُؤسَّسة الأَعْلَميّ، 14ه.ق.

4. الأخبار الدخيلة، الشيخ محمد تقي التستَرِي، دَوَّنَه : عَلي أکبری الغَفَّاري، طهران: مكتبة الصدوق.

5. الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (م282 ه.ق)،تحقيق: عبد المنعم عامر، قم: منشورات الشَّريف الرضي، (أفست من طبع القاهرة، 1960م).

6. اختيار معرفة الرّجال المعروف ب«رجال الكشي»، شيخ الطائفة أبو جعفر مُحَمَّد بن الحَسَن الطوسي، صَحَّحَه وعَلَّقَ عليه وقَدَّمَ له ووَضَعَ فَهارِسَه: حَسَن المُصطَفوي، طبع جامعة مشهد، 1348ه.ش؛ وتحقيق: السّيّد مهديّ الرَّجائي، قم: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)، 1404 ه.ق.

7. أَدَب الطَّفْ، السيد جواد شُبّر، بيروت.

8. الإرشاد الشيخ المفيد، أصفهان، 1364 ه.ق.

ص: 293

9. أساس البلاغة، جار الله محمود بن عُمَر الزَّمَخشَرِيّ (م 538 ه- .ق) ، تحقيق: عبد الرحيم محمود، أفست مكتبة الإعلام الإسلامي.

10. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد البر القرطبي (م 463 ه. ق)، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة: دار النَّهضَة.

11. أُسْدُ الغَابَة في مَعْرِفَةِ الصَّحابَة، لأبي الحسن علي بن مُحَمَّد الجَزَري المعروف ب«ابن الأثير م 630 ه- .ق)، تحقيق: محمد إبراهيم البناء ومحمد أحمد عاشور ومحمود عبد الوهاب فاير، القاهرة: دار الشعب.

12. الإصابة في تمييز الصحابة لأبي الفضل أحمد بن علي بن حَجَر العَسْقَلانيّ (م 852ه.ق) ، بيروت: دار إحياء التراث العربي (أفست من الطبعة الأولى، 1328ه- .ق).

13 . أعيان الشيعة، السَّيّد محسن الأمين، الطبعة الأولى.

14. الإقبال السيد ابن طاوس، الطبع الحجري.

15. أَمالي السَّيِّد المرتضى الشّريف المُرتَضى (م 436 ه. ق، قم: مكتبة آية الله المَرعَشيّ، 1403ه.ق، (أفست من الطبعة الأولى بمصر، 1325ه.ق).

16 . أمالي الصدوق، أبو جعفر مُحَمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه القُمي (م 381ه.ق) ، بيروت: مؤسسة الأعلَميّ، 1400ه.ق.

17. الإمامة والسياسة المعروف ب«تاريخ الخُلفاء»، أبو مُحَمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (م 276ه.ق)، القاهرة، 1388 ه.ق.

18. أَنصار الحُسَيْن(علیه السّلام)، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، مؤسسة البعثة، 1407ه- . ق .

ص: 294

19. بحار الأنوار العلّامة الشيخ محمد باقر المجلسي(م 1110ه.ق)، طبع الکمپاني وطبع بيروت، 1403ه.ق.

20. بصائر الدرجات، أبو جعفر مُحَمَّد بن الحَسَن الصَّفّار القُمي.

21. تاریخ ابن عساکر، ابن عساکر.

22. تاريخ أبي الفداء، أبو الفداء، الطبعة الأولى، قسطنطنيّة، 1286ه.ق.

23. تاريخ الطبري، لأبي جعفر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَري، الطبعة الأولى، مصر.

24. تاريخ علمي واجتماعي أصفهان در دو قرن اخير، السيد مصلح الدين المهدوي (المعاصر) ، قم: نَشر الهداية، 1367ه.ش.

25. تَجارِب الأُمم، لأَبي عَليّ مسكويه الرّازي (م421 ه.ق)، حَقَّقَه وقَدَّمَ له: الدكتور أبو القاسم إمامي طهران: دار سروش، 1407ه.ق.

26. تذكرة الخواص، السبط ابن الجوزي ، الطبع الحجري وطبع النجف .

27. تسليةُ المُجالِس وزينةُ المَجالِس، المعروف بمقتل محمد بن أبي طالب السيّد محمّد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري، تحقيق: فارس حسّون كريم، الطبعة الأولى، قم: مؤسسة المعارف الإسلامية، 1418ه- . ق .

28. تسمية مَن قُتِلَ مَعَ الحُسَين بن عليّ عَلَيهِمَا السَّلام، الفُضَيل بن الزبير الكوفيّ الأَسَدي (من أصحاب الإمامين الباقر والصادق(علیهما السّلام))، تحقيق: السيد محمد رضا الحُسَينيّ الجَلالي، المطبوع في: مجلة تُراثنا (العدد الثاني، السَّنة الأولى، خريف 1406ه.ق).

29. تفسير الطبري، ابن جرير الطَّبَري.

.30 تنقيح المقال، الشيخ عبد الله المامقاني، الطبع الحجري.

ص: 295

31. تهذيب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(م 852ه.ق)، بيروت: دار الفكر، 1404ه.ق.

32. جامع الرّواة، مُحَمَّد بن عليّ الأردبيلي، قم: مكتبة آية الله المَرعَشي، 1403ه- . ق .

33. الحصون المنيعة، الشيخ علي آل كاشف الغطاء، قسم المخطوطات من مكتبة الإمام محمّد الحسين كاشف الغطاء العامة الشريف.

34. الخصائص الحُسَينية، الشيخ جعفر التُستَري(م 1303ه.ق)، النجف الأشرف المطبعة الحيدرية، 1375ه- . ق .

35. الخصال، الشيخ الصدوق (م 381 ه.ق) ، صَحَّحَه وعَلَّقَ عَلَيهِ: عَلي أَكبر الغَفّاري، قم: جَماعة المدرّسين، 1403ه.ق.

36. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلّامة الحلّي، الطبع الحجري، وطبع النَجَفِ الأَشرَف، تحقيق : السّيّد محمّد صادق بحر العلوم، 1381ه.ق.

37. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، طبع طهران.

38. ديوان أبي المجد العلّامة الأكبر الشيخ محمّد الرّضا النجفي الأصفهاني، حققه واستدرك عليه السّيّد أحمد الحُسَيني الإشكَوَري، ضبط نصّه وعلّق عليه: السيد عبد الستار الحسني، قم: مجمع الذخائر الإسلامية، 1395ه- . ش و 2015م.

39. ذخيرة الدّارين فيما يتعلّق بالحُسَين وأصحاب الحُسَيْن عليه وعليهم السّيّد عبد المجيد الحُسَيني الشيرازي الحائري، طبع في النجف، 1345ه- . ق .

ص: 296

40. الذريعة إلى تصانيف الشيعة الشيخ آغا بزرگ الطهراني، بيروت: دار الأضواء، 1403ه.ق.

41. رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي، حَقَّقَه وقَدَّمَ له: السيد محمد صادق آل بحر العلوم، النجف الأشرف: المطبعة الحيدرية، 1392ه- . ق .

42. رجال الطوسي، شيخ الطائفة أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه. ق) ، النجف الأشرف المطبعة الحيدرية، 1380ه.ق.

43 رجال النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي بن العبّاس النجاشي، قم: مكتبة الداوري، 1397ه.ق؛ وطبع جماعة المُدرّسين، تحقيق: السّيّد موسى الشبيري الزنجاني، 1407ه.ق.

44. روضة الواعظين، محمد بن الفتّال النيسابوري (الشهيد في سنة 508)، قم : الشَّريف الرضي، 1410ه.ق.

45. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلّي(م 598ه.ق)، قم: جماعة المُدرّسين، 1410ه.ق.

46. سلوة البحرين وتحفة العليل الشهير بالدعوات، قطب الدين سعد بن هبة الله الراوندي، تحقيق : الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي، الطبعة الأولى، قم منشورات دليل ما ، 1427ه.ق.

47 . السنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، حيدرآباد دکن، 1344ه- . ق .

48. الشّجرة المباركة في أنساب الطالبيّة، فَخر الدين الرازي، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائي قم مكتبة آية الله المرعشي ، 1409ه.ق.

ص: 297

49. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار(علیهم السّلام)، القاضي النعمان بن مُحَمَّد بن منصور، صاحب دعائم الإسلام (م 363ه.ق)، تحقيق : السّيّد محمّد الحُسَينيّ الجَلالي، قم: جَماعة المُدَرِّسين، 1412ه.ق.

50. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد تحقيق مُحَمَّد أبو الفضل إبراهيم، طبع مصر.

51 شعراء الغَري، الشيخ عليّ الخاقاني، أفست مكتبة آية الله المَرعَشيّ.

52. صحيح التّرمِذي، مُحَمَّد بن عيسى الترمذي، بولاق، 1292 ه.ق.

53. صحيفة الإمام الرضا(علیه السّلام)، تحقيق: مُحَمَّد مهدي نجف، المؤتمر العالمي للإمام الرضا(علیه السّلام)، 1406ه- . ق .

54. الصواعق المحرقة، أحمد بن حجر الهيتمي، مصر، 1312ه.ق.

55. الطبقات الكبرى، ابن سعد الكاتب، طبع ليدن، 1325، أفست مؤسسة النَّصر، طهران، وطبع بيروت.

56. العباس(علیه السّلام)السيد عبد الرزاق المُقَرَّم، النَّجَف الأَشْرَف.

57. العِقْد الفريد، أحمد بن مُحَمَّد بن عبد ربه الأندلسي، تحقيق: محمد سعيد العريان بيروت مكتبة الرّياض الحديثة.

58. عُمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، السيد النسابة جمال الدين أحمد الحسني (م 828ه.ق)، بمبئى.

59. الفَخْريّ في أنساب الطالبيين، السّيّد عز الدين أبي طالب إسماعيل المروزي ،الأزورقاني، تحقيق: السيد مهدي الرّجائي، قم: مكتبة آية الله المرعشي، 1409ه.ق.

ص: 298

60. فرسان الهيجاء الشيخ ذبيح الله المحلّاتي، طهران: مكتبة بوذر جمهري، 1374ه. ق.

61. فضائل الخمسة من الصحاح الستة، السيد مرتضى الحُسَيني الفيروزآبادي، بيروت: مؤسسة الأعلَميّ، 1402ه.ق.

62. الفهرست، شيخ الطائفة أبو جعفر مُحَمَّد بن الحَسَن الطَّوسي، صَحَّحَه وعَلَّقَ عَلَيه السّيّد محمّد صادق آلِ بحر العلوم، قم : الشَّريف الرَّضي .

63. قاموس الرجال، الشيخ محمّد تقي التُستَريّ، الطبعة الأولى والطبعة الثانية، قم: جَماعة المُدَرِّسين.

64. قمقام زخار وصمصام بتّار، فرهاد میرزا ابن عباس ميرزا ابن فتح علي شاه القاجاري، طهران: المكتبة الإسلامية، 1363ه.ش.

65. الكافي، ثقة الإسلام الكليني، تحقيق: عَليّ أكبر الغَفَّاري، طهران، 1375 ه. ق .

66 . كامل الزيارات الشّيخ أبو القاسم جعفر بن مُحَمَّد بن قولويه (م 367 ه.ق)، صَحْحَه وعَلَّقَ عَلَيه : الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي، النّجف الأشرف المطبعة المُرتَضَويّة، 1356ه.ق.

67. الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم مُحَمَّد المعروف ب«ابن الأثير الجَزَريّ».

68 . كشف الغُمَّة، مُحَمَّد بن عيسى الإربليّ، طهران: مكتبة الإسلامية.

69. لباب الأنساب والألقاب والأعقاب، أبو الحسن علي بن أبي القاسم زيد البيهقي الشهير ب«ابن فُندق»، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائي، قم: مكتبة آية الله المرعشي، 1410ه.ق.

ص: 299

70. لواعج الأشجان في مقتل الْحُسَيْن(علیه السّلام)، السيد محسن الأمين، قم: مكتبة بصيرتي، (أفست من طبعة صيدا، 1331ه. ق).

71. اللهوف في قَتلَى الطَّفوف، السّيّد علي بن طاوس الحَسَنيّ الحُسَيني (م 664ه.ق)، النَّجَف الأشرف: المطبعة الحيدرية، 1369ه.ق.

72. مُثير الأحزان، الشيخ ابن نَما الحليم :(م:645ه.ق)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف)، قم: 1406ه.ق.

73. مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن مُحَمَّد النيسابوري المعروف ب«الميداني»، مُؤَسَّسَة الآستانة الرّضويّة المقدّسة، 1366ه.ش، (أفست من الطبعة الأولى مصر).

74. مجمع الرّجال، المولى عناية الله القُهبائي، صَحَّحَه وعَلَّقَ عَلَيه: السّيّد ضياء الدين العلّامة، أصفهان، 1384ه.ق.

75. مجمع الزوائد، عليّ بن أبي بكر الهيثمي، مصر، 1352ه.ق.

76. مُروجُ الذَّهَب ومعادن الجوهر المسعودي، عُني بتحقيقها وتصحيحها: شارل ،پلا، بیروت، 1970م.

77. مقاتل الطالبيين، أبو الفَرَج عليّ بن الحُسَيْن الأموي المعروف ب«الأصفهاني» (م 356ه. ق) ، المطبعة الحيدرية، 1353ه.ق.

78. مَقتَل الحُسَيْن(علیه السّلام)، الخوارزمي.

79. مقتل الحُسَيْن(علیه السّلام)، السيد عبد الرزاق المُقَرَّم، طهران: مؤسسة البعثة .

80. مقتل العَوالِم، الشيخ عبد الله البحراني، تحقيق: مدرسة الإمام المهديّ(علیه السّلام)،قم : 1407ه- . ق .

ص: 300

81. المُجدِي في أنساب الطالبيين، أبو الحسن علي بن مُحَمَّد العَلَوِيِّ العُمَرِيِّ النَّسّابة، تحقيق: الدكتور أحمد المهدوي الدامغاني، قم: مكتبة آية الله المَرعَشيّ، 1409ه.ق.

82. معالي السبطين في أحوالِ الحَسَنِ والحُسَيْن(علیهما السّلام)، الشيخ محمد مهدي الحائري المازندراني ، قم: الشّريف الرضي، 1409ه.ق.

83. مُعْجَم البلدان، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحَموي البغدادي، بيروت: دار إحياء التراث العَرَبيّ ، 1399ه- . ق .

84. مُعْجَم رِجالِ الحديث السّيّد أبو القاسم الخوئي، الطبعة الرابعة، قم، 1410ه.ق.

85. مصباح الكَفْعَمي، الشيخ تقي الدين إبراهيم العاملي الكَفْعَمي، قم: الرّضي والزاهدي.

86. مصباح المتهجدين، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قم.

87. مطالب السؤول، مُحَمَّد بن طَلحَة الشافعي، الطبع الحجري.

88. المناقب، الشّيخ مُحَمَّد بن علي بن شهر آشوب السَّرَويّ، الطبع الحجري، 1317 ه.ق.

89. منتهى المقال المعروف ب- رجال أبي علي ، لأبي عليّ مُحَمَّد بن إسماعيل الحائري، الطبع الحجري.

90. ميزان الاعتدال، مُحَمَّد بن أحمد المعروف ب«الذَّهَبي»، مصر: 1325 ه. ق.

91 نُزل الأبرار بما صَحَ في مناقب أهل البيت الأطهار(علیهم السّلام)، الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشي، الطبع الحجري.

ص: 301

92. نَفَس المهموم في مُصيبَة سَيِّدنا الحُسَيْن المظلوم(علیه السّلام)، الشيخ عباس القُمي، تحقيق الشيخ رضا الأستادي، قم: مكتبة بصيرتي، 1405ه.ق.

93 . نهج البلاغة الشّريف الرّضي، طبع صُبحي صالح، بيروت.

94. الوافي، مُحَمَّد محسن الشهير ب«الفيض الكاشاني»، تحقيق: السّيّد ضياء الدين العلّامة، أصفهان: مكتبة الإمام أمير المؤمنين(علیه السّلام)، 1406ه.ق.

95. وقعة الطف، أبو مخنف لوط بن يَحيَى الأَزْدي، تحقيق وإخراج: الشيخ محمد هادي اليوسفي، قم: جَماعَة المُدَرِّسين، 1367ه- . ش .

96. ولايت وإمامت، هادي النجفي، قم، 1370ه.ش.

ص: 302

ص: 303

الفهارس الفنية

ص: 304

فهرس الآيات القرآنية

الآية

السورة

رقم الآية

الصفحة

﴿إنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ...﴾

﴿...الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾

﴿...أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾

﴿قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾

﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّاً صِدْقٍ...﴾

﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾

﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

﴿وفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكِ مُقْتَدِرٍ﴾

آل عمران

الأنعام

یونس

یونس

یونس

الإسراء

الشعراء

الأحزاب

القمر

34-33

124

2

58

93

80

84

23

55

152،22

257

161

139

160

160

160

70

161

ص: 305

فهرس أسماء المعصومين(علیهم السّلام)

محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)= رسول الله : 44، 84 ، 85، 118 ، 122 ، 194 ، 202، 219، 235 .

الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)= أمير المؤمنين : 38، 51، 74، 87، 11،116،107، .279 ،236 ،213 ، 200 ، 202 ، 196 ، 193 ، 184 ، 170 ، 134.

السيدة فاطمة(سلام الله علیها)= الزهراء : 28 ، 184، 186، 277.

الإمام الحسن(علیه السّلام)=الحسن بن علي : 121، 134، 270 .

الإمام الحسين(علیه السّلام)= الحسين بن علي - حسين بن فاطمة : 22 ، 38، 39، 40، 42،41، 38، 44، 45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 49 ، 50،...

الإمام علي بن الحسين(علیهما السّلام)= زين العابدين = السجاد : 17 ، 23، 88، 120، 155، 202، 251، 253، 254، 278،256، 279.

الإمام محمد بن علي الباقر(علیهما السّلام)= أبو جعفر : 18، 19 ، 20 ، 39، 120، 182، 183، 279 ،2216 ، 218 ، 221 ، 252، 57.

الإمام الصادق(علیه السّلام)= جعفر بن محمد ،39، 208 ، 209 ، 242، 256، 257، 275.

الإمام الرضا(علیه السّلام): 57 .

الإمام أبو الحسن العسكري(علیه السّلام): 253.

ص: 306

فهرس الأعلام

حرف الألف

أبجر بن کعب: 230، 231 .

إبراهيم ابن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): 194.

إبراهيم بن الحصين الأسدي: 137.

إبراهيم بن علي بن أبي طالب: 195.

ابن أبي الحديد المعتزلي: 194.

ابن أبي الحقيق: 202.

ابن أبي أويس: 208 .

ابن إدريس الحلّي: 156، 197 ، 198 .

ابن إسباط : 212 .

ابن الأثير الجزري : 18، 52 ، 122، 178 ، 194، 274.

ابن جرير الطبري=الطبري: 15، 16، 18، ،73 ،71 ،97 ،63 ،51 ،37 ،27 ،21، 97 ،95 ،94 ،92 ،91 ،79 ،78 ،75 ،191 ،189 ، 178 ،177 ،172 ،168 ،169،...

ابن حجر العسقلانی: 51، 52، 87، 122،194.

ابن خداع : 203، 204، 213.

ابن دواد: 172 ، 201، 202، 269.

ابن سعد[ابکاتب]:52،118،123،198،200،201،279.

ابن سنان: 252.

ابن عباس :161.

ابن عبد البر : 52 ، 123، 194.

ابن عبد ربه: 195، 196، 243

ابن عساکر: 19.

ابن عنبة الحسني: 214 .

ابن فتال النيشابوري= الفتال: 18، 22، 151،158.

ابن فندق البيهقي: 156، 159، 162، 168،172،177،178،189،191،193.

ابن قتيبة الدينوري: 195، 196.

ابن قولویه 15 .

ابن مسلم بن عوسجة : 135

ابن معین: 17،16.

ابن نما الحلّي: 19، 71، 76، 89، ،120 ،117 ،111 ،103 ،101 ،98 145، 151 ، 133 ،129 ،121 ،187 ،178 ، 154 ، 158، 167، 176 ،277 ،272 ، 248، 4 ،223 ،211، ،154 ،150 ،144 ،138 ،111، 116 ،157، 160، 163، 166، 167، 168 .

أبو إسحاق الهمداني: 24.

ص: 307

أبو إسحاق: 16 .

أبو الجارود: 252 .

أبو الحتوف 69 .

أبو الحنوق الجعفي : 242 .

أبو الفداء: 249 .

أبو الفرج الأصفهاني = الأصفهاني: 154، 216، 217، 234، 235، 236، 242، 16، 164، 165، 259، 2671 ،158 ،155، 156 168، 169 ، 171 ، 173 ، 174 ، 176 ،178، 182، 183، 184 ، 185 ، 187،198، 191، 192، 193 ، 195 ، 196 208، 211، 213، 217، 258، 259 ،237 ،225 ،223 .

أبو الورد: 221 .

أبو أيوب الغنوي: 242 .

أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب: 177،181،224.

أبو بكر بن علي بن أبي طالب=محمد الأصغر: 181 ، 183 ، 184، 185 ، 197 ،196 .

أبو بكر: 268 .

أبو جناب: 61 .

أبو سعيد الأشج: 281.

أبو علي مسكويه الرازي: 167،239،259.

أبو عمر النهشلي: 133.

أبو عمرو الزاهد : 281.

أبو قرة الغفاري: 150 .

أبو كريب: 281.

أبو مخنف : 23، 24 ، 27 ، 37، 43، 61، ،116 ،112 ، 109 ، 107 ،92 ،80 ،75 ،215 ،178 ،172 ،144 ،125 ،117 .

أبو منصور : 268 .

أحمد بن أبي شيبة : 184.

أحمد بن الحرث : 184، 217 .

أحمد بن النضر : 84.

أحمد بن داود، أبو حنيفة الدينوري= الدينوري: 18، 45 ، 163، 188، 209، 237،258،268،273،282.

أحمد بن زهير : 16.

أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني: 212.

أحمد بن سعيد: 165، 187، 212.

أحمد بن شبيب: 217.

أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي = الطبرسي:218 ،18 .

أحمد بن عيسى : 184 ، 187، 208.

أحمد بن محمد الهاشمي : 136 .

أحمد بن محمد بن الجندي: 57.

الأحنف بن قيس: 270 .

أخنس بن مرثد الحضرمي : 275.

إدريس بن عبد الله: 281.

ص: 308

الإربلي: 196 .

الأردبيلي: 269 .

إسحاق بن حوية ال حضرمي : 275 ، 280 .

أسلم بن عمرو (مولى الحسين): 137 .

أسماء بن خارجة الفزاري الكوفي: 179.

إسماعيل المروزي، السيد: 214 .

إسماعيل بن أوس: 209.

الأسود بن خالد: 275.

أعين بن ضبعة: 270 .

أم البنين بنت حزام 208 ، 213 .

أم وهب بنت عبد: 73، 131 .

أمامة بنت أبي العاص العبشمي: 185 .

أنس بن الحارث الكاهلي: 121 .

أيوب بن مشرح الخيواني: 75.

حرف الباء

بحر بن كعب بن عبيد الله = بحر بن كعب التميمي : 223 ، 234 ، 235، 246، 247،274،275.

بديل بن صريم الغفقاني: 83.

البذخشي : 91 ، 250 .

بریر بن خضير الهمداني: 24 ، 29،25، 61 ، 62 ، 85، 112، 113، 114، 115،116، 115 .

بشر بن مالك : 284.

بشير بن عمرو الحضرمي: 271.

بكر بن عبد الوهاب: 208.

البلاذري : 93.

حرف التاء

تميم بن الحصين الفزاري: 21.

حرف الثاء

ثابت بن أبي صفية: 212.

ثابت بن هبيرة: 117.

حرف الجيم

جابر الجعفي: 232.

جابر بن أبي جعفر: 178 .

جابر بن الحارث السلماني: 66 .

جابر بن عبد الله الأنصاري: 176، 184، 208 ،190.

جابر بن يزيد الأودي: 275.

جبرائیل(علیه السّلام): 256 .

جبريل بن أحمد: 84.

جبلة بن علي الشيباني : 38، 54 .

جرمي بن العلاء: 208

جریر بن عبد الله البجلي: 225.

جرير: 154.

جعفر التستري، الشيخ: 254 .

جعفر بن عقيل بن أبي طالب = جعفر الشهيد=جعفر الأكبر: 167 ، 168 ، 170 .

جعفر بن أبي طالب 232 ، 235 .

ص: 309

جعفر بن عقيل الأصغر : 168 .

جعفر بن علي بن أبي طالب: 189 ، 193 .

جعفر بن محمد بن أبي عقيل : 173، 174 .

جمانة بنت المسيب بن نجية: 162 .

جنادة بن الحارث السلماني : 64، 66 ،135 ،125 ، 123.

جواد ،شبر، السيد 264 .

جون بن أبي مالك: 119، 121 .

حرف الحاء

حباب بن الحارث : 38 ، 47 .

حبيب بن مظاهر الأسدي: 26 ، 62،61، 115 ،89 ،86 ،85 ، 83 ،82 ،81.

الحجاج بن عبيد الله بن عمار البارقي:235.

حجاج بن مسروق الجعفي، مؤذن الحسين: 126،127.

الحجاج بن يوسف: 204، 206.

حجار بن أبجر : 26 .

حذام بنت الريان: 251.

الحر بن يزيد الرياحي= الحر الرياحي: 16 ، 33،127.

حُراق [من أصحاب أمير المؤمنين]: 102.

حرملة بن كاهل الأسدي: 221، 246.

حسن بن الحسن(علیه السّلام)المثنى: 179،204،205.

حسين أبو جعفر: 23.

الحسين بن محمد 281 .

الحسين بن موسى: 269 .

حسین بن نصر : 184، 187، 208.

الحصين بن تميم: 82، 83، 238، 239 .

الحصين بن نمير السكوني: 238 ، 242 .

حكيم بن الطفيل السنبسي: 210 ، 280 .

الحلاس بن عمرو الراسبي: 38، 48 ، 49،51.

الحلّي، العلّامة: 269

حمدويه بن نصير : 269 .

حمزة بن عقيل بن أبي طالب: 170.

حميد بن أحمد المحلي= صاحب الحدائق = صاحب الحدائق الوردية: 48 ، 49،51، 54، 107،69.

حميد بن مسلم الأزدي: 37، 153، 172، ،236 ،235 ،231 ، 217 ،215 ، 177، .284 ،279 ، 278 ،277 ،259.

حنظلة بن أسعد الشبامي: 40، 104، 105 ، 133 ،106.

حنظلة بن عمرو الشيباني : 38، 40 .

حرف الخاء

خالد بن عمرو : 64 ، 65 .

خالد بن معمر: 270 .

خديجة بنت محمد: 253.

ص: 310

الخزاز: 162 .

خليفة [بن خياط]: 17 .

الخوارزمي: 19 ، 88، 131، 132، 140، 178 ،173 ،141، 142، 143، 144 ، 215، 254 ، 184، 195،201،215،254.

الخوصا بنت حفصة بن وائل : 164، 165 .

خولي بن يزيد الأصبحي: 188 ، 190 ، ،238 ،237 ، 234 ، 232 ،192 ،191 ،282 ،224، 243، 251 ، 580 ،239 284 ، 285 ،283 .

الخوئي، المحقق: 40 ، 56، 82،59،58، 179 ، 170 ، 141، 142 ، 127 ، 111 ،206 ،198 ، 181 .

حرف الدال

الدارمي: 207.

داود النبي(علیه السّلام): 260.

دلهم بنت عمرو: 93 .

الدميري: 18 .

الدنداني: 204.

دیسم بن طارق: 252.

حرف الذال

ذبيح الله المحلّاتي، الشيخ=العلامة المحلاتي : 59، 66، 102، 111، 166، 271،268.

الذهبي: 16، 17 .

ذوید[مولی شبث بن ربعي]=زوید:16،37.

حرف الراء

الرباب بنت امرئ القيس = أم السكينة: 273،225، 221 ، 217.

ربیع بن تميم: 109 .

ربيعة بن خوط بن رئاب: 87.

رجاء بن منقذ العبدي: 280.

رستم من جنود عمر بن سعد): 73.

رشيد الهجري: 84.

رضي الدين علي بن طاوس الحسيني، السيد السيد ابن طاوس: 37، 71، ،145 ،129 ، 118 ، 105 ،89 ،79، ،218 ،211 ، 180 ، 176 ،159 ،151 ،281 ،277 ، 275 ،200 ، 249 ،223، 285،282 .

رضي بن منقذ العبدي: 113، 114 .

رفاعة بن شداد: 86

رقية بنت علي بن أبي طالب: 158، 203،205.

الرومي: 125 .

الریان:251.

حرف الزاي

زاهر بن عمرو مولى ابن الحمق 38،53،52.

ص: 311

سويد بن حية 23 ، 108 .

سوید بن عمرو بن أبی مطاع الخثعمي: 144،145،271.

سيف بن الحارث بن سريع الجابري : 101، 103 ،102 .

سيف بن مالك النميري: 38، 44 .

زجر بن بدر الجحفي: 183 .

زرعة بن شريك التميمي : 232، 237،

.243،

249 ،238

سالم مولى عبيد الله بن زياد): 60، 61،

73،62

السبط ابن جوزي 258 .

زهير بن القين 15، 27، 28، 62، سعد بن الحارث : 69 .

132

،59 ، 77، 78، 80، 88، 91 92 93 ، سعد بن حنظلة التميمي: 132.

94 ، 126

زهير بن بشر الخثعمي : 38، 55، 56 . زهیر بن سلمان: 59 .

زهير بن عبد الرحمن الخثعمي: 144 . زهير بن سليم: 38، 59 .

سعد بن عبد الله مولى عمر بن خالد : 64 ،

291 ،67.

سعيد بن عبد الله الحنفي: 78، 79، 80،

.81،

140

سعيد بن عبد الملك الحراني : 122 .

زياد بن أبيه = ابن سمية الزانية: 28 سفينة مولى رسول الله: 281 ، 282

.268،74

زياد بن عبد الرحمن الجعفي : 237

زيد بن أرقم: 26.

السكوني: 215، 232.

سكينة : 179، 217، 240، 251.

سلم بن قتة : 203.

زيد بن رقاد الجنبي = يزيد بن زياد الحنفي سلمان الباهلي 93 .

زيد بن ورقاء الحنفي: 144 ، 207، 208 ، سلیم 123 .

.211 ،210 ، 209

زينب بنت النبي والهلال : 186، 194، 248.

سليمان بن أبي راشد: 178، 217، 235،

278 ،259

زینب بنت علي عليه السلام = زينب العقيلة: سليمان بن صرد الخزاعي: 80 ، 86 .

149، 153 ، 161، 162 ، ،218 ، 222 ، سليمان بن قتة : 203

.

سنان بن أوس النخعي: 232 234 ،

،24

، 248، 2493 ، 240 ،238 ،237

.258،

259

،234،

236 ، 240 ، 231 ، 230 ،223،

.246

، 251 ، 253، 281

حرف السين

سالم بن خثيمة الجعفي: سالم مولى عامر بن مسلم): 43 .

سهل بن سعد الساعدي : 26 سوار بن المنعم بن الحابس النهمي : 49 . سوار بن عمير الفهمي : 38 ، 49 ، 50 .

312

ص: 312

الفهارس الفنية

،279 ،278 ،258 ،250 ،249 ،248

سويد بن عمرو بن أبي مطاع الخثعمي: 284 ، 285 .

.144،

145 ، 271

شهربانویه: 151، 215 .

شوذب (مولی شاکر) : 106، 107 ، 108 ،

حرف الشين

شاكر بن ربيعة بن مالك : 108 .

شبث بن ربعي اليربوعي : 16، 20، 26، 74،71.

شبل بن يزيد الأصبحي: 239 ، 258.

شبیب بن الحارث : 103 .

شبيب بن عبد الله النهشلي: 134 .

شرحبيل بن الأعور : 16 .

الشريشي: 19.

الشريف العمري 155، 159، 162، 190 ، 192 ،190 ، 173 ، 172 ، 170 ، 169 ، 164،189 ،184 ،180 ،179 ،177 ،174 ،213 ،206 ،202 ،197 ،192 ،191،214 .

شعبة: 16 .

شمر بن ذي الجوشن: 16، 20، 21، 26، ،130 ،119 ،98 ،97 ،77 ،73 ،28،229، 230، 231، 232، 234، 236 ،237، 239، 240، 242، 244، 245،248،249،250،258،278،279،284،285.

شهربانویه: 151،215.

شوذب (مولی شاکر):106،107،108،109.

حرف الصاد

صاحب كتاب الفتوح: 218 .

صالح بن وهب الوزني: 234، 237، 243 ، 280.

الصدوق، الشيخ : 22، 24، 76، 99،89،130 ،129 ، 128 ،121 ،114 ،101 ،207 ،158 ، 157 ، 154 ، 150 ،131 ،227 ،212.

الصقعب بن زهير : 236 .

الصهباء بنت ربيعة الثعلبية: 201، 203، 213 ،205

حرف الضاد

الضباب بن كلاب: 16 .

الضحاك بن عبد الله المشرقي : 187،190،192،190،273 ،272 ،271.

ضر غامة بن مالك : 38،42 .

حرف الطاء

الطرماح بن عدي الطائي: 64 ، 65 .

الطهراني، العلّامة: 186، 212 ، 213 .

ص: 313

الطوسي، الشيخ أبو جعفر : 39، 41 ، 42 ،50 ،50 ،12 ،43، 44، 48، 49، 51 ،74 ،72 ،52، 54، 56، 58 ، 67، 69 ،87، 90 ، 94، 98، 101 ، 102، 104 ، 106 ، 108 ، 111 ، 120 ، 122 ، 125،127، 130 ، 136 ، 137 ، 138 ، 145،155، 158، 162، 164، 171، 172، 183، 185، 188، 190، 193، 202،225، 255، 269 ، 212 ،211 .

حرف العين

عابس بن أبي شبيب الشاكري: 86،81، 111 ، 110 ، 109 ، 108 ، 107 ، 106.

عاطس بن خلاج :251 .

عامر بن مسلم البصري: 38،43 .

عامر بن نهشل التميمي: 133، 163،164،165.

عائشة : 155 .

عباد بن يعقوب: 217 .

عبادة العبطي: 200.

عباس الأصغر [ابن أمير المؤمنين]: 213.

عباس القمي، الحاج الشيخ=المحدث القمّي: 19، 69 ، 135، 159، 213، 216، 254.،13 ،89، 108 ، 112 ، 122،141، 142، 166 ، 181 ، 138 ،135 258،206.

عباس(علیه السّلام)= العباس بن علي= أبوالفظل=العباس الأکبر الشهید:15،27، 64 ، 99 ، 100، 186، 187، 188، - ،209 ،208 ،207 ،193 ،190 ،188 ، 253،214، 213 ، 212 ،211.

عبد الجبار بن وائل الحضرمي : 24 .

عبد الرحمن الأرحبي عبد الرحمن الأرحبي: 38، 44، 45 .

عبد الرحمن الجعفي : 234 ، 237 .

عبد الرحمن عبد الرحمن الشبيه : 174 .

عبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي:71،72.

عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي: 16 .

عبد الرحمن بن الربيعة: 93 .

عبد الرحمن بن جندب: 114 .

عبد الرحمن بن حصن 74 .

عبد الرحمن بن عبد الله اليزني: 140 .

عبد الرحمن بن عزرة الغفاري: 100، 101،167.

عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب: 159، 166،167.

عبد الرحمن بن مسعود: 54، 55 ، 131.

عبد الرزاق المقرم، السيد=المقرم: 18،19،69،135،159،213،216،254.

عبد العزيز بن أحمد الجلودي، أبو أحمد: 203.

عبد القيس : 43 ، 60 ، 112، 138، 139.

عبد الله الأحول : 174 .

عبد الله البجلي: 144.

ص: 314

عبد الله البحراني، الشيخ: 90 .

عبد الله الجندعي: 47 .

عبد الله بن أحمد: 57 .

عبد الله بن إدريس : 281.

عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب: 176،177،179،222،223،223،224،225،230،246.

عبد الله بن الحسين(علیهما السّلام)= علي الأصغر =الطفل الرضيع : 216، 217، 218، 219، 225 ، 285 ،222 ،221 .

عبد الله بن الزبير : 204.

عبد الله بن العباس : 187 ، 191 .

عبد الله بن جعفر: 161، 163، 165 .

عبد الله بن حوزة : 23، 24 .

عبد الله بن زهير الأزدي : 16، 172 .

عبد الله بن يزيد الأسدي: 84.

عبد الله بن زيد البصري: 38 ، 59 .

عبد الله بن سبيع الهمذاني: 45.

عبد الله بن شريك العامري: 269 .

عبد الله بن عاصم : 187 ، 271 ، 272 .

عبد الله بن عروة الغفاري: 38 ، 55 ، 100 ،101،11،143.

عبد الله بن عزرة الخثعمي : 167 ، 168 .

عبد الله بن عقبة الغنوي: 177 ، 178 ،181 ،179.

عبد الله بن عقيل بن أبي طالب : 169،170.

أمير المؤمنين: 181، 182، 183، 184 ،190 ،189 ،188 ،187 ،186 ،185 211 ،209 ،193.

عبد الله بن عماد: 239.

عبد الله بن عمار : 235، 244 .

، 225، 230، 246

عبد الله بن عمرو الخثعمي: 168 .

عبد الله بن عمير الكلبي : 38 ، 57 ، 60 ، 61،73،74،131 ،130

61، 73، 74، 130، 131 .

عبد الله بن قطبة الطائي: 160 ، 161 ، 163.

عبد الله بن مسلم بن عقيل: 157 ، 158 ، 159 .

عبد الله بن وداك السلمي: 45 .

عبد الله بن يزيد الثبطي: 131، 139.

عبد الملك بن الزبير : 204.

عبد الملك بن عبد العزيز : 202 ، 205 .

عبيد الله الطلحي: 197 .

عبد الملك بن مروان 202، 205 .

عبيد الله بن الحسن: 187، 191 .

عبيد الله بن النهشلية: 197.

عبید الله بن زیاد=ابن زیاد : 20، 24 ، 28 ، ،83 ،73 ،72 ،67، 61، 670 ،30 ،29 ، 87، 95، 118، 138، 139، 162، 180، ،267 ،259 ،224 ، 583 ،237 ،209،268 ، 282، 283، 284، 285.

ص: 315

عبيد الله بن زيد البصري : 38 ، 59 .

عبيد الله بن عبد الله بن جعفر 165 .

عبيد الله بن علي بن أبي طالب=عبيد الله بن أمير المؤمنين: 182، 182، 184، 208 ،200 ، 199 ، 198 ، 197 ، 196،

عبيد الله بن عمر بن عبيد الله 199.

عبيد الله بن يزيد الثبطي: 131 ، 139 .

عثمان بن خالد الهمداني: 166، 167،169.

عثمان بن عفان: 112، 155، 156 .

عثمان بن علي بن أبي طالب : 186 ، 187،209 ،192 ،191 ،188.

عثمان بن مظعون القرشي الجمحي: 192، 194 ،193.

العجلي: 16، 17 .

عدي بن عبد الله بن جعفر الطيار: 163 .

عروة بن بطار التغلبي: 144 .

عروة (مولى الحر بن یزید) 91 .

عزرة بن قيس الأحمسي: 16، 74.

عزیز ابن الله: 68.

عطاء بن السائب: 24 .

عطاء بن مسلم: 122 .

عطية بن سمعان : 27 .

عفیف بن زهير بن أبي الأخنس : 112،113 .

عقبة بن بشير الأسدي: 216 ، 217.

عقبة بن سمعان (مولی رباب): 271 .

عقيل بن أبي طالب : 168 ، 169 .

عقيل (بن محمد بن عقيل بن أبي طالب): 173 .

علي آل كاشف الغطاء، الشيخ : 264 .

علي الأصغر [ابن عقيل بن أبي طالب]: 174 .

علي الأكبر [ابن عقيل بن أبي طالب ]: 174 .

علي الخاقاني، الشيخ: 264 .

علي بن إبراهيم : 187، 189، 191، 212.

علي بن الحر: 91 .

علي بن الحسين(علیهما السّلام)= علي الأكبر: 154، 155، 156 ،152 ،150 ،149،270 ، 175 ، 158 .

علي بن حنظلة الشامي: 27 .

علي بن سالم: 212.

علي بن قرظة: 117.

علي بن محمد المدايني = المدائني : 158 ، 223 ،185، 76 ، 178 ، 169.

علي (بن حنظلة الشبامي): 106 .

عماد الدين حسين الأصفهاني: 213.

عمار بن أبي سلامة الدالاني: 38، 51 .

عمار بن حسان الطائي : 38، 56 ، 57 .

عمر بن سعد=ابن سعد: 16، 17، 20 ،49 ،12 ،37 ،33 ،32 ،29 ،22 ،21،55،61،69،70،74،75،76،77

ص: 316

، 117 ، 115 ، 109 ، 98 ،97 ،92 ،89، .280،169 ،180 ،157 ،152 ، 130 ، 128 ،119

،236 ،232 ،231 ،207 ،200 ،187 ،273 ،271 ، 270 ،268 ،257، 267 ،280 ،279 ،278 ،277 ،276 ،27 284، 286 ، 283 ، 282 ، 281،251 ،250 ، 240 ، 242 ، 248 ، 249.

عمر بن علي بن أبي طالب=أبو القاسم: 205 ،200 ،203 ،202 ،201 ،200، 208 ،207 ،206.

عمران بن كعب الأشجعي: 38، 39.

عمرو بن إمامة : 251.

عمرو الجندعي: 38، 47 ، 48 .

عمرو بن عثمان: 269 .

عمرو بن الحجاج الزبيدي: 16، 63، 64، 285 ، 100 ، 99 ، 98 ،71 ،70.

عمرو بن الحسن: 225 .

عمرو بن الحمق الخزاعي: 52 ، 53 .

عمرو ابن الخليفة الجعفي : 243 .

عمرو بن ثابت : 170 .

عمرو بن جنادة: 123 ، 125، 135

عمر و بن خالد الصيداوي: 46، 64 ، 65 ، 67،68،124،125،131.

عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي : 175 ،176.

عمرو بن شمر: 178 ، 184 ، 190 ، 208 ، 232.

عمرو بن صبيح الصيداوي: 157، 158، 169،280.

عمرو بن ضبيعة التميمي: 42 .

عمرو بن عبد الله الصائدي = أبو ثمامة: 78،82،94،95،96.

عمرو بن قرظة الأنصاري: 116، 117، 118 .

عمرو بن مشيعة: 38، 41 ، 42

عمرو بن مطاع الجعفي: 141.

عمير بن عبد الله المذحجي: 143 .

العنبسي أبو زهير: 74.

عون الأصغر [ابن جعفر بن أبي طالب]: 161، 162.

عون الأكبر [ابن جعفر بن أبي طالب]: 159، 160 ، 161، 162، 163، 165.

العوني: 240 .

العيزار بن حريث: 16 .

حرف الغين

غاضرة بن فرهد: 249.

حرف الفاء

فاطمة بنت علي : 173 ، 180 .

فاطمة (بنت الحسين الكبرى): 252.

الفخر الرازي: 156، 180، 214، 222.

فرهاد مرزا=صاحب القمقام: 111 ، 141، 160 ، 181، 196، 206 .

ص: 317

فروة بن مسيك المرادي : 31.

فضة : 281.

الفضل بن عباس بن عبد المطلب: 121 .

الفضيل بن الزبير الكوفي : 39، 40،42 ، 43، 44، 50، 54، 58، 59 ، 60 ، 69،106 ،103 ،96 ،90 ،87 ،81 ،77 ، 108 ، 111، 118 ، 120 ، 122 ، 125،134، 137، 139، 145، 155، 158،172 ،162، 164، 167، 168،169،188 ، 185 ، 183 ،179 ،178 ،176 ،254 ،225 ،221 ، 211 ،192 ، 190،270 ،258.

فضیل بن خديج الكندي: 75.

الفيض الكاشاني : 282 .

حرف القاف

قاسط بن زهير التغلبي : 38، 40 ، 41 .

القاسم بن الأصبغ بن نباتة: 233 .

قاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب: 225 ، 177 ، 175 ، 176 .

القاسم بن حبيب : 83.

القاسم (بن محمد بن عقيل بن أبي طالب):174.

قرة بن أبي قرة الغفاري: 142 .

قرة بن قيس : 33.

قرظة الأنصاري: 118 ، 119 .

القشعم بن عمرو بن يزيد الجعفي: 234 .

القطب الراوندي: 256 .

القلافس النهشلي : 275، 276 .

القهبائي : 225 ، 269 .

قيس بن الأشعث = قيس قطيفة : 16، 23، 274 ، 275، 276، 284 ، 285 .

قيس بن عبد الله الصائدي : 272 .

قيس بن مسهر الصيداوي: 45، 67،64 .

حرف الكاف

كثير بن عبد الله الشعبي : 27 ، 91، 258، 272.

كردوس بن زهير بن الحارث: 40، 41 .

كعب بن جابر الأزدي : 113، 114.

كعب بن طلحة: 20 .

الكفعمي: 255 .

الكلبي : 51 .

الكليني: 281.

الكميت : 214.

كنانة بن عتيق التغلبي : 38، 41 .

حرف اللام

لقمان بن الحكيم: 260 .

لقيط بن ياسر الجهني = لقيط بن إياس الجهني: 171، 172، 173، 216.

ليلى بنت أبي مرة الثقفي = ليلى الثقفية: ،183 ،182 ،149، 150، 154، 156

ص: 318

198 ،195 ، 184،186.

حرف الميم

مارية ابنة منقذ [أو ابنة سعد]: 138.

مالك بن النضر الأرحبي: 272 ، 273 .

مالك بن اليسر الكندي = مالك بن بشر الكندي: 230 ، 237، 239، 246، 273، 275.

مالك بن دودان: 141 .

مالك بن عبد بن سريع الجابري : 101، 103 ،102.

مالك بن عمرو أبو نمران النهدي: 23 .

المامقاني، العلّامة = صاحب التنقيح: 44، 126 ، 115 ، 104 ، 102 ،91 ،268 ،205 ، 198 ، 185 ، 172 ، 170،271 .

مجمع بن عبد الله العائذي: 36، 44، 61 ، 65،62.

محسن الأمين، السيد: 127، 134، 137 ، 141، 142 ، 160 ، 138.

محمد بن إسماعيل الحائري، أبو علي: 270 .

محمد الأوسط بن أمير المؤمنين: 185 ، 186.

محمد الرضا الأصفهاني، الشيخ أبو المجد: 259.

محمد السماوي= العلّامة السماوي: 39، 46،42،40، 47، 48، 49، 5، 55، ،119 ، 110 ، 107 ، 102 ، 95 ، 91 ، 268 ، 285،137، 125 ، 123.

محمد باقر المجلسي، العلّامة العلّامة المجلسي = صاحب البحار: 32، 56، 58، ، 106 ، 105 ، 103 ، 101 ،99 ،79 ، 65

،131 ،130 ،123 ،122 ،122 ،111 ،144، 145 ، 143 ، 162 ، 133 ، 142 ،149، 152، 154 ، 158 ، 160، 164 ،174، 176، 178 ، 173 ،171 ،197 ،192 ،191 ، 188 ، 185 ، 183 ، 181 ،215 ،211 ، 201 ، 198 ، 195،224، 251، 254، 257، 276 ، 282.

محمد بن أبي سعيد بن عقیل: 171، 172 ، 215 ، 174 ، 173.

محمد بن أبي طالب الحسيني: 29 ، 37، 134، 13626 ، 120 ، 101 ،99 ،92.

محمد بن أحمد: 252 .

محمد بن أشعث الكندي: 22 ، 23 .

الحسين الأشناني: 217 .

محمد بن محمد بن الحسين: 252 .

محمد ابن الحنفية = ابن الحنفية : 185 ، 206.

محمد بن السائب: 233 .

محمد بن بشر الهمداني: 80.

ص: 319

محمد بن جعفر بن أبي طالب: 159 ، 160،163، 164، 165 .

محمد بن زكريا: 276.

محمد بن طلحة : 218 .

محمد بن عبد الله بن مهران: 84 .

محمد بن علي السروي صاحب المناقب =ابن شهر آشوب: 19 ، 20، 38، 41 ، 42 ، ، 47 49 ، 49 ، 50 ، 51 53 ،55، 56، 57، 58، 60، 65، 66، 71،76 ، 79، 80، 8، 88، 92 ، 94، 97،199 ،198 ، 197 ، 126 ، 123 ،121 ،119 ،117 ،100 281 ،138 ،137 ،136 ،133 ،132 ،128،139 ، 140، 141، 142، 143، 150،154، 157، 158، 160، 163، 165 ،166، 167، 169، 171، 176 ، 182،210 ،201 ،200 ،192 ،190 ،188 240، 257 ، 222 ،222 ،218.

محمد بن علي العمري النسابة، أبو الغنائم :213 ،177 .

محمد بن علي بن حمزة: 173، 174 ، 196، 208 ، 195.

محمد بن علي : 269.

محمد بن علي، أبو جعفر: 182، 195،196، 208، 216.

محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: 201.

محمد بن عیسی بن عبید: 212.

محمد بن قيس: 84.

محمد بن محمد بن سليمان 154 .

محمد تقي التستري، العلّامة = التستري العلّامة: 23 ، 40 ، 17، 13، 5، 59، 116، 124 ، 88 ، 66 ،133 ،132 ، 115، 136،195،254،256.

محمد صادق بحر العلوم، العلّامة المدقق السيد: 67 .

محمد مهدي الحائري، الشيخ: 159 .

المختار بن أبي عبيدة الثقفي : 17، 23، 276 ،200 ،199 ،198 ،197،281.

مرة بن منقذ العبدي: 149 ، 151، 154 .

مروع بن سويد بن قيس: 217.

مزاحم بن حريث الرشدي: 97، 98 .

مسرف بن عقبة: 162 .

مسروق بن وائل : 24 .

مسعود بن الحجاج: 38، 54، 131.

المسعودي: 15، 19، 196، 253، 259.

مسلم بن عبد الله الضبابي: 71، 72، 144.

مسلم بن عقیل(علیه السّلام): 42، 45 ، 47، 54، ، 107 ،95 ،87 ،86 ،81 ،80 ،72 ،64 285 ، 124 ، 110 ، 109.

مسلم بن عوسجة الأسدي: 21 ، 70، 71، 94،72.

ص: 320

مسلم بن كثير الكوفي : 38، 58 .

مسلم بن کناد: 58 .

المسيب بن نجبة : 86 .

المسيب بن نجية بن فزارة: 161 .

مصعب بن الزبير = مصعب الزبيري = ابن زبیر 23 ، 74، 83، 11 ، 168، 173 ،204، 206 ، 198 ،197 ،196 .

مصعب بن یزید: 91

مضاير بن رهينة المازني: 20.

مطهر : 269.

معاوية بن أبي سفيان: 45 ، 53،52 ، 80، 155 ، 112 ، 95 ،85 .

معاوية بن عمار: 208 .

مغيرة: 154 .

المفضل : 251 .

المفيد، الشيخ: 18، 37، 70، 96، 105، 151، 154، 1579 ، 111 ، 107 ،187 ،184 ،183 ،181 ،179 ،177 ،206 ،202 ،197 ،196 ،191 ،189 ،225 ،222 ،206، 216 ، 207 ، 206 ،283 ،280 ، 278 ،276 ،274 ،229 284 ، 285، 286.

منقذ بن مرة العبدي: 153 .

المهاجر بن أوس التميمي: 33، 91، 258.

المهدي: 198 .

مهران مولى بني كاهل : 133.

موقع بن ثمامة الأسدي الصيداوي: 267، 268، 269.

ميثم التمار : 84 .

الميداني النيسابوري: 251.

ميمونة بنت أبي سفيان: 154، 156 .

ميمونة بنت بشر بن وائل : 164 .

حرف النون

النابغة الذبياني: 260.

نافع بن هلال البجلي (أو الجملي): 64 ، 117 ،100 ،99 ،98 ،97 ،96.

النبهاني: 160، 163 .

النجاشي: 57 .

النسابة الموضح الموضح: 177 ، 203 ، 213.

نصر بن حرشة = نصر بن فرشة الضيابي : 243 ، 250،20.

نصر بن مزاحم: 190 ، 290 ، 291 .

النضر [ من أصحاب أمير المؤمنين ]: 39.

نعمان المغربي المصري، القاضي : 52 ، 53،178،209.

النعمان بن بشير: 45 ، 86 .

النعمان بن عمرو الراسبي : 38، 49، 51 .

نعيم بن عجلان الأنصاري: 38، 39.

نعيم بن مسعود التميمي: 199.

ص: 321

نعيم [من أصحاب أمير المؤمنين ]: 39.

النمر بن قاسط : 61 .

نمیر بن وعلة: 75، 109 .

النهشلي: 199.

النوار ابنة مالك بن عقرب: 283 .

النوار بنت جابر: 113 .

النوري، المحدث الأجل: 108.

النوفلي: 208.

حرف الهاء

هارون بن موسی: 202.

هانئ بن ثبيت الحضرمي: 73 ، 145، 191 ،190 ، 189 ، 188 ،187 ،186،280 ،232 ،224 ، 223 ، 215 ،211.

هانئ بن عروة: 28 ، 72 ، 285 .

هانئ بن هانئ السبيعي : 80.

هشام بن محمد : 214، 215، 232، 233، 258، 283.

الهفهاف بن المهند الراسبي: 270 .

هلال بن حجاج: 99 .

هلال بن نافع: 99، 249 .

هند الهنود بنت الربيع بن مسعود: 217 .

هند بنت سالم بن عبد الله بن وائل : 164 .

هند (زوجة عبيد الله بن زياد): 180 .

حرف الواو

واخط بن ناعم: 280.

وهب بن عبد الله الكلبي = وهب بن حباب الكلبي : 128، 129، 130، 131.

حرف الياء

يحيى بن الحسن : 165، 187، 189، ،208 ،197 ،191،

يحيى بن سليم المازني: 143.

یزید بن الحارث : 26 .

يزيد بن الحصين الهمداني: 24 .

يزيد بن ثبيط العبدي = يزيد بن ثبيت القيسي : 140 ، 139 ، 138 ، 131 ، 43.

يزيد بن خضير الهمداني: 85 .

يزيد بن ركاب الكلبي : 20.

یزید بن زیاد بن مهاصر = أبو الشعثاء الكندي: 75، 76 ، 77 .

یزید بن معاوية : 18 ، 28، 156، 209، 268

یزید بن معقل : 112

يسار (مولى زيد بن أبي سفيان): 60، 61 ،73،62.

یوسف بن یزید: 112 .

يوسف بن موسى القطان: 154 .

يونس بن عبد الرحمن: 212.

ص: 322

فهرس الأماكن والبلدان

حرف الألف

باب الفسطاط : 149 .

باجميرا: 83.

حرف الباء

البحرين: 268 .

البصرة : 23 ، 44 ، 51، 199، 270، 271.

البقيع : 208 .

بلنجر : 93 .

بئر الجعد: 61 .

حرف الجيم

الجزيرة: 52 .

حرف الحاء

الحجاز 198 .

حرف الدال

دار المختار بن أبي عبيدة : 81 ، 86، 109 .

دار عمرو بن حريث : 85

دار مارية بنت منقذ العبدية: 44 .

دارهانئ بن عروة: 110 .

حرف الذال

ذي قار : 51 .

حرف الزاي

الزارة : 268 .

حرف الشين

الشام: 268 .

شفية : 272 .

حرف الصاد

صفين: 41 ، 118 ، 124 ، 270 .

حرف العين

العراق: 99 ، 271

عين الوردة: 162 .

حرف الفاء

الفرات: 21، 26 ، 30، 70، 210، 238، 272 .

حرف الكاف

كربلاء: 46، 72، 121، 123، 134، 222،272 ،271 ،206.

الكوفة : 23 ، 32، 41 ، 45، 47 ، 49، 70، ،90 ،87 ،86 ،84 ،83 ،81 ،80 ،72 ،175 ،123 ،118 ،109 ،102 ،96،180 ، 267 ، 268 .

ص: 323

حرف الميم

المدينة : 121 ، 194.

مكة : 45، 125 ، 271

منازل بني كاهل : 123 .

منزل سلیمان بن صرد الخزاعي: 80 85 .

حرف النون

النخيلة: 61 .

حرف الهاء

همدان: 16، 44 ، 48 ، 106 ، 108 ، 116 ، 251، 272.

حرف الواو

ولاية فارس: 118 .

حرف الياء

اليمن: 251 .

ص: 324

فهرس القبائل والطوائف

حرف الألف

الأبطح: 43، 44، 139.

أزد البصرة: 270 .

الأزد: 59،58 .

آل أبي سفيان : 74 .

آل الحسين: 215، 232.

آل الوحيد: 188

آل فرعون : 29 .

آل معاوية : 74 ، 110 .

الأنصار : 39، 118 .

أهل البصرة : 43 ، 60 ، 139، 268.

أهل البيت(علیهم السّلام)= آل رسول الله : 53 ، 244،84،82،64.

أهل الكوفة : 29 ، 34، 49، 69، 80، 149، 234 ، 239، 268،241

حرف الباء

بنو أرحب : 44 .

بنو سعد بن زید 199.

بنو أبان بن دارم: 233.

بنو أسد = أسد: 72 ، 84، 238 ، 265 .

بنو أمية: 155 .

بنو بكر بن وائل: 277

بنو تميم تميم التميميون: 16، 83، 94،

285 ،272 ، 270 ، 199

بنو تيم بن ثعلبة : 73 223، 224 .

بنو جندع : 48 .

بنو حنظلة : 199.

بنو حنيفة : 140 .

بنو خثعم: 251 .

بنو دالان: 51 .

بنو شبام: 106 .

بنو شیبان بن ثعلبة: 54 .

بنو عبد الملك: 204.

بنو عدي: 203.

بنو عقفان: 83 .

بنو علي: 203.

بنو عمرو بن تمیم 199.

بنو هاشم: 154 ، 158، 169، 184، 203.

حرف التاء

تميم البصرة: 270 .

حرف الثاء

ثعلية : 133.

حرف الجيم

جعفي: 251.

ص: 325

حرف الحاء

الحضرميون: 283.

حمير: 251

حنظلة البصرة: 270 .

حرف الخاء

الخوارج: 69 .

حرف الذال

ذهل البصرة: 270 .

حرف الراء

ربيعة 16 .

حرف السين

سنبس: 277 .

حرف الشين

الشيعة: 42، 44 ، 57 ، 80، 106، 109، 270 ،203 ، 137 ، 125

حرف الطاء

الطالبييون : 155 .

حرف القاف

قوم عاد: 260.

قوم مراد: 251.

حرف اللام

بنو لوذان: 112 .

حرف الميم

مذحج: 72 .

ص: 326

فرس الكتب والدوريات

حرب الألف

الإبصار: 55 .

إثبات الوصية : 15، 19، 253.

الاحتجاج: 218.

الأخبار الدخيلة 23 .

الأخبار الطوال : 18، 45 ، 188 .

أدب الطف : 264 .

الإرشاد: 18، 37، 70، 111 ، 160 ، 175 ، 196، 206، 285 ، 179 .

الاستبصار: 170 .

الاستيعاب : 52 ، 118، 123، 194.

أسد الغابة : 52 ، 118، 122، 194.

الإصابة : 51 ، 52، 118، 122، 194.

إعلام الورى: 18 .

أعيان الشيعة: 137 .

الإقبال: 255 .

أمالي الصدوق: 24، 76، 89، 99، 101،131 ،130 ، 114.

الإمامة والسياسة (تاريخ الخلفاء): 195.

أنساب مصعب الزبيري: 168، 196.

أنيس الشيعة: 156 .

حرف الباء

بحار الأنوار: 32،37 ،65 ، 79، 88

،133 ،122 ، 115 ، 111 ، 103 ، 101 ، 141، 142 ، 144، 1640 ، 136،195 ،191 ، 185 ، 181 ،178 ،171،206،224 ، 253، 276 .

بصائر الدرجات: 252 .

بيوت السخاء والكرم: 203.

حرف التاء

تاريخ أبي الفداء : 249.

تاريخ الطبري ،15، 21، 27، 63، 78، ،106، 111، 116، 138 ،102 ،99 ، 196، 25891 ،181 ،176 ، 10

تتمة المقال: 60 .

تجارب الأمم: 176، 259.

تذكرة الخواص : 258 .

تسلية المجالس وزينة المجالس: 92،126، 134، 136، 215 ، 120 ،101 .

تسمية من قتل مع الحسين بن علي(علیهما السّلام):

،103 ، 42،40 ، 43 ، 47 ، 48، 54، 69 ،122 ،120 ، 118 ، 111 ، 108 ، 106 ،158 ،155 ، 145 ، 137 ،13 ،12 ، ،185 ،183 ،178 ،176، 167، 258،254 ، 270 ، 221 ، 192

تنقيح المقال : 91 ، 203 .

تهذيب تاريخ الشام: 19 .

ص: 327

التهذيب: 170 .

حرف الجيم

جامع الرواة: 269 .

حرف الحاء

الحدائق الوردية : 48، 49 ، 69، 156 .

الحصون المنيعة: 264 .

حياة الحيوان: 18 .

حرف الخاء

الخصال: 212.

الخصائص الحسينية: 254.

خلاصة الأقوال: 269 .

حرف الدال

الدمعة الساكنة : 18.

حرف الذال

الذريعة: 212 .

حرف الراء

رجال ابن داود ،172 ، 201، 202، 269 .

رجال الطوسي = رجال الشيخ: 43 ، 67 ، 72، 74، 102، 104، 111 ، 130 ، 193، 202.

رجال الكشي: 269 .

رجال النجاشي: 57، 116 .

روضة الواعظين : 18 ، 22 .

حرف السين

السرائر : 156 .

حرف الشين

الشجرة المباركة : 180، 214 .

شرح الأخبار: 52، 178 .

شرح نهج البلاغة : 194 .

شعراء الغري: 264 .

حرف الطاء

الطبقات : 52 ، 118 ، 123، 198، 279.

حرف العين

العقد الفريد 195.

عمدة الطالب: 205 ، 214 .

حرف الفاء

الفخري: 180، 214 .

فرسان الهيجاء : 59، 111، 143.

الفهرست: 116، 203، 212.

حرف القاف

قاموس الرجال: 53، 54، 66، 124، 168،195،138 ،133 ،132.

القمقام : 111 ، 133، 142، 181، 196.

ص: 328

حرف الكاف

كامل الزيارات: 15 ، 290 .

الكامل [في التاريخ]: 178، 274.

كتاب الإتحاف بحب الأشراف: 19.

كتاب الجلودي: 206.

كتاب قضايا أمير المؤمنين(علیه السّلام): 57.

كتاب مفاخر الكوفة والبصرة : 85.

كشف الغمة: 196، 284.

كفاية الطالب: 172.

حرف اللام

لباب الأنساب : 159، 162، 167، 177،193 ،191 ،189 ، 178.

اللهوف [في قتلى الطفوف]: 19 ، 20 ، 37 ،79، 89، 120 ، 129 ، 249 ، 281 ، 285.

لواعج الأشجان: 133، 134، 142 .

حرف الميم

مثير الأحزان : 19 ، 27، 89، 105، 111، 187 ،178.

المجدي : 159، 167، 177، 180، 184، 214 ،213 ،204 ، 202 ، 191.

مجمع الرجال : 225 ، 269 .

مختصر تاريخ دول الإسلام: 19.

مروج الذهب: 196، 259.

مصباح المجتهدين: 252.

المصباح: 255

مطالب السؤول: 284 .

معجم رجال الحديث: 56، 59،58، 66 ، 111، 116، 142، 143 ، 181، 196.

مقاتل الطالبيين: 154، 164، 168، 176، 258 ،198 ، 195 ، 187.

مقامات الحريري: 19.

مقتل الحسين بن علي(علیهما السّلام): 212.

مقتل الحسين(علیه السّلام)(الخوارمي) : 19 ، 88، ،173 ،144 ، 143 ، 142 ، 140 ، 132،215، 254 ،201 ، 195 ، 184 ، 178.

مقتل الحسین(علیه السّلام)(المقرم) = المقتل: 19،216، 254 ، 135 .

مقتل العوالم : 90 .

المناقب : 20 ، 38، 46،41، 56،48، 65، ، 115 ، 97 ،94 ، 92 ،88 ،66، 84،71،222 ،188 ، 116، 670 ، 138 ،119.

منتهى المقال: 270

ميزان الاعتدال : 16 .

حرف النون

نزل الأبرار: 91، 250 .

نفس المهموم: 112، 122، 133، 142، 143 ، 181 .

ص: 329

ص: 330

المحتويات

ص: 331

ص: 332

المحتويات

مقدّمة المركز ... 5

الإهداء ... 9

التمهيد ... 11

الفصل الأول: تمهيدات الحرب ... 13

صلاة الصبح ... 15

تعبئة جند الله ... 15

تعبئة جند الشيطان ... 16

دعاء الحُسَيْن(علیه السّلام)... 17

عدد أصحاب الإمام(علیه السّلام)... 18

عدد أصحاب عُمَر بن سَعْد ... 20

الإمام لا يبدأ بالحرب ... 20

کرامات من الإمام(علیه السّلام) ... 21

موعظة بُرَيْر بنِ خُصَيْرِ الهَمْداني ... 24

الخطبة الأولى ... 25

موعظة زُهَيْر بن القَيْن ... 27

موعظة بُرَيْر الثانية ... 29

خُطبة الحُسَيْن(علیه السّلام)الثانية ... 30

توبة الحُرّ ... 33

الفصل الثاني: شهداء الأصحاب عليهم رضوان الله تعالى ... 35

بداية الحرب ... 37

الحملة الأولى ... 37

ص: 333

الأوّل: نُعَيْمٍ بنُ العَجْلانِ الأَنصاري ... 39

الثاني: عِمْران بنُ كَعْب بنِ حارِثِ الأَشْجَعي ... 39

الثالث: حَنْظَلَة بنُ عَمْرو الشَيْباني ... 40

الرابع: قاسِط بنُ زُهَيْرِ بنِ الحرِثِ التَغلِبي ... 40

الخامس: كِنانَة بنُ عَتيق ... 41

السادس: عَمْرو بن مشيعة ... 41

السابع: ضرغامة بن مالك ... 42

الثامن: عامر بنُ مُسلِم ... 43

التاسع: سَيْف بنُ مالِك النُمَيْري ... 44

العاشر: عبد الرحمن الأَرْحَبى ... 44

الحادي عشر : مُجَمّع العائذي ... 46

الثاني عشر : حَباب بن الحارث ... 47

الثالث عشر: عَمْرو الجُنْدَعي ... 47

الرابع عشر : الحُلّاس بنُ عَمْرو الراسبي ... 48

الخامس عشر : سَوّار بنُ أَبي عُمَيْرِ الفَهمي ... 49

السادس عشر : عَمّار بنُ أَبي سَلامَة الدّالان ... 50

السابع عشر : النُعمان بنُ عَمْرِو الراسبي ... 51

الثامن عشر : زاهِر بنُ الأسود مولى عَمْرِو بنِ الحَمِقِ ... 52

التاسع عشر : جَبَلَة بنُ عَلي ... 54

العشرون: مَسعود بنُ الحَجّاج ... 54

الحادي والعشرون: عبد الله بنُ عُروَة الغفاري... 55

الثاني والعشرون: زُهَيْر بنُ بِشر الخَثْعَمى ... 55

الثالث والعشرون: عَمّار بنُ حَسّان ... 56

ص: 334

الرابع والعشرون: عبد الله بنُ عُمَيْر ... 57

الخامس والعشرون مُسلِم بنُ كَثیر ... 58

السادس والعشرون: زُهَيْر بنُ سُلَيْمٍ ... 59

السابع والعشرون والثامن العشرون: عبد الله وعُبَيْد الله، ابنا يَزيد البَصري ... 59

أوّل مَنْ خرج مِنْ جنود الشيطان ... 60

حملة على مَيْمَنة جنود الله ... 63

مقتل أربعة من أصحاب أبي عبد الله(علیه السّلام)... 64

الأوّل: عَمْرُو بنُ خالِدِ الصَيْداوي ... 64

الثاني: جابر بن الحارث السلماني ... 66

الثالث: سعد مولى عَمْرو بن خالد ... 67

الرابع: مُجَمّع بنُ عبد الله العائذي ... 68

كلام الإمام(علیه السّلام) ... 68

مقتل الأنصاريين ... 69

مقتل مُسْلِم بن عَوْسَجة ... 70

حملة على مَيْسَرة جنود الله، وفيها مقتل عبد الله بنِ عُمَيْر وزوجته ... 73

مطر النبل ... 74

رامى الحُسَيْن(علیه السّلام) ... 75

حملة الشمر ... 77

صلاة الظهر ... 78

مقتل حَبيب بن مُظاهِر... 82

مقتل الحُرّ ... 88

مقتل زُهَيْرِ بنِ القَيْن ... 91

مقتل أبى ثُمامة الصائدي ... 94

ص: 335

مقتل نافع بن هلال ... 96

مقتل عبد الله وعبد الرَّحْمنِ ابنَيْ عَزْرَة الغفارِيَّيْن ... 100

مقتل سَيْف بن الحارث بن سُريع ومالك بن عبد بن سُرَيع الجابِريَّيْن ... 102

مقتل حَنظَلَة بن أسعَدِ الشبامي ... 104

مقتل شَوْذَب مولی شاکر ... 106

مقتل عابس بن أبي شبيب ... 109

مقتل بُرَيْر بن خُضَيْرٍ ... 112

مقتل عَمْرو بن قَرَظَة الأنصاري ... 116

مقتل جون ... 119

مقتل أنس بن الحارِثِ الكاهلي ... 121

مقتل جُنادَة بن الحارث وابنه عَمْرو ... 123

مقتل حَجاج بن مسروق، مُؤَدِّنِ الحُسَيْن(علیه السّلام)... 126

مقتل وَهْبٍ بن وَهْبٍ ... 128

مقتل أنيس بن مَعْقِل ... 132

مقتل سعد بن حَنظلة التميمي ... 132

مقتل أبي عُمَرِ النَهشَلي ... 133

الشاب الشهيد ... 134

أحمد بن مُحَمَّد الهاشمي مقتل غُلامٍ تُركي للحُسَيْن ... 136

إبراهيم بنُ حُصَيْنِ الْأَسَدي ... 137

مقتل يَزيد بن ثُبَيْطِ العبدي البَصري ... 138

مقتل عبد الرحمن بن عبد الله اليَزَني ... 140

رجل من بني حنيفة ... 140

ص: 336

مقتل مالك بن دودان ... 141

مقتل عَمْرو بن مُطاع الجُعْفي ...141

قُرَّة بن أبي قُرَّة الغفاري ... 142

مقتل يَحيَى بْن سُلَيْمٍ المازني ...143

مقتل عُمَيْر بن عبد الله المَذْحِجي ... 143

مقتل سُوَيْد بن عَمْرِو بنِ أَبي الْمُطَاع ... 144

الفصل الثالث: شهداء الطالبيّين عليهم سلام الله ... 147

مقتل علي بن الحُسَيْن(علیهما السّلام) ... 149

مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ... 157

حملة بني هاشم ... 159

مقتل عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ... 160

مقتل مُحَمَّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ... 163

عبيد الله بن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طالب ... 165

مقتل عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ... 166

مقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب .... 167

مقتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب ... 169

حَمزة بنُ عَقيل بن أبي طالب ... 170

أبو سعيد الأَحْوَل، بن عقيل بن أبى طالب ... 170

مقتل مُحَمَّد بن أبي سعيد بن عَقيل بن أبي طالب ... 171

جَعْفَرٍ بن مُحَمَّد بن عقيل بن أبي طالب ... 173

عَليّ بن عقيل بن أبي طالب ... 174

مقتل قاسِم بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب ... 175

مقتل أبي بكر بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب ... 177

ص: 337

حَسَن بن الحَسَن بن عَليّ بن أبي طالب(علیهما السّلام)المُثنّى ... 179

مقتل أبي بكر بن علي بن أبي طالب ... 181

مقتل مُحَمَّد الأصغر بن عَليّ بن أبي طالب(علیه السّلام) ... 184

مقتل عبد الله بن علي بن أبي طالب ... 186

مقتل جعفر بن علي بن أبي طالب ... 189

مقتل عُثمان بن علي بن أبي طالب ... 191

إبراهيم بن علي بن أبي طالب ... 195

عبيد الله بن علي بن أبي طالب ... 196

عُمَر بن عَليّ بن أبي طالب ... 200

مقتل العبّاس بن علي بن أبي طالب(علیهما السّلام) ... 207

مقتل غلامٍ من آل الحُسَيْن(علیه السّلام) ... 214

مقتل عبد الله بن الحُسَيْن بن علي بن أبي طالب الرضيع ... 216

مقتل عبد الله بن الحَسَن بن علي بن أبي طالب ... 222

الفصل الرابع: مقتل الإمام الحسين عليه السلام ... 227

رد مواريث الإمامة إلى مولانا عَليّ بن الحُسَيْن(علیهما السّلام) ... 252

خروج مولانا علي بن الحُسَيْن عَليها السلام للقتال ... 253

بعض أدعية الإمام(علیه السّلام)في يوم الطف ... 355

عدد جروح الإمام(علیه السّلام) ... 257

مَن قطع رأس الحُسَيْن(علیه السّلام)؟ ... 258

الفصل الخامس: ما وقع بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ... 265

شهيد لم يقتل ... 267

مقتل الهَفْهاف بن المُهَنَّد ... 270

مُجاهِدٌ لا يليق بالشهادة ... 271

ص: 338

عبد لا يليق بالشهادة ... 273

سلب الحُسَين(علیه السّلام)... 274

هجوم القوم على الخيام ... 276

عزم القوم على قتل مولانا، علي بن الحُسَيْن السَجاد(علیه السّلام) ... 278

وطء الخيل ... 280

تسريح رأس الحُسَيْن(علیه السّلام) ... 282

تسريح الرؤوس الشريفة ... 284

خاتمة في ذكر بعض ماورد في يوم الطف من أخبار الفريقين ... 287

أَهَمُّ مصادر الرسالة ... 293

الفهارس الفنيّة ... 303

المحتويات ... 331

ص: 339

إصداراتنا

1. أسباب نهضة الإمام الحسين(علیه السّلام)

2. الخط والخطاطون في كربلاء (الجزء الأول).

3. ديوان الشيخ محمد تقي الطبري الحائري.

4. رسالة في الشبهة المحصورة.

5 .رسالة في تحقيق معنى الألف واللام.

6. سكان محافظة كربلاء - دراسة في جغرافية السكان -.

7. شيخ العراقين.

8. الشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري ودوره السياسي من عام 1918 - 1920م.

9. صحافة العتبات المقدّسة.

10 . العباس قمر بني هاشمي(علیه السّلام)

11. علوم القرآن الكريم في مخطوطات السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني.

12 . فقه الحديث عند المحقق البحراني.

ص: 340

13 . فهرس الوثائق الكربلائية في الأرشيف العثماني (أربعة أجزاء).

14 . القراءات القرآنية في مخطوطات السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني.

15 . قرآنيو كربلاء المقدّسة (الجزء الأول).

16 . كربلاء في الشعر اللبناني.

17 . كربلاء في عهد العباسيين

18 . كربلاء في مذكرات الرحالة العرب والأجانب.

19 . مجلة الغاضرية - فصلية ثقافية.

20. مجلة تراث كربلاء - فصلية محكمة.

21 . محاسن المجالس في كربلاء.

22 . المرجعية الدينية ودورها في بناء الدولة العراقية.

23. موسوعة تراث كربلاء المصورة (ثلاثة أجزاء).

24. ندوات مركز تراث كربلاء التراثية.

25 . يوم الطف.

ص: 341

قيد الإنجاز

1. الخط والخطاطون في كربلاء (الجزء الثاني).

2. رجال الشيخ الأنصاري.

3. الرسالة المحمدية في احكام الميراث اللابدية.

4. رسالة في نفي حجية مطلق الظن.

5. الزُهرة البارقة لمعرفة أحوال المجاز والحقيقة.

6. الشمعة في حال ذي الدمعة.

7. علم الهداية في غياهب الظلمات.

8. علماء مدينة كربلاء المقدّسة.

9. كربلاء في مجلة العرفان

10 . المقباس الجلي في فضل الصلاة على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 342

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.