الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المهد الى اللّحد
آية اللّه السيّد محمد كاظم القزويني (قدّس سِرُّه)
منشورات فرصاد
1428ه- / 2007م
الخيرية الرقمية : مرحومه سرکار خانم فروغ باقرپور.
محرر الرقمي: محمّد رادمرد
ص: 1
الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المهد الى اللّحد
آية اللّه السيّد محمد كاظم القزويني (قدّس سِرُّه)
منشورات فرصاد
الطبعة الأولى / 1500
1428ه- / 2007م
1 - 7 - 90914 -964 -978 ISBN:
جميع الحقوق مسجّلة ومحفوظة
مركز التوزيع
الغدير للطباعة والنشر والتوزيع
قم المقدّسة / موبايل: 989125514426+
ص: 2
الإِمَامُ الهَادِي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
منَ المَهْدِ اِلَى اللّحد
تأليف
المرحوم العلّامة الخطيب آية اللّه
السيّد محمّد كَاظِم القَزويني (قدّس سِرُّه)
ص: 3
ص: 4
إليك يا سيدنا ومولانا يا أبا الحسن أيها الإمام الرضا.
عليك صلوات اللّه وسلامه ورحمته وبركاته.
إنني لفخور جداً أن أهدي إلى ساحتك المقدسة هذه الأوراق التي تتحدث عن حفيدك الأعز الأغرّ، وسميِّك وكنِّيك : الإمام أبي الحسن علي الهادي النقي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
حيث أمرتني - متفضّلاً - أن أكتب عن الأئمة الأربعة من بعدك.
فتقبل مني هذه البضاعة المزجاة وجهد المُقِل، وأنا معترف بالعجز والقصور في امتثال أمرك الشريف، واستغفر اللّه من كل تقصير.
عسى اللّه أن ينفعني بها، إن ربي يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، وهو أرحم الراحمين.
محمد كاظم القزويني
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد اللّه على نعمائه التي لا تُحصى، وله الشكر على أياديه التي لا تجازي، وصلّى اللّه على سيدنا ومولانا محمد نبي الهدى، والنعمة العظمى والحُجّة الكبرى، وعلى آله سادات الورى، وأشرف مَن في السموات العُلى، ومَن على وجه الثرى.
«اللّهم صل على علي بن محمد، وصيّ الأوصياء، وإمام الأتقياء، وخَلَفِ أئمة الدين، والحُجّة على الخلائق أجمعين.
اللّهم، كما جعلته نوراً يستضيء به المؤمنون - فَبَشِّر بالجزيل من ثوابك، وأنذر بالأليم من عقابك، وحَذْرَ باسك، وذكِّر بآياتك (1) ؛ وأحلَّ حلالك، وحَرَّمَ حرامك، وبَيَّنَ شرائعك وفرائضك، وحَض على عبادتك، وأمر بطاعتك، ونهى عن معصيتك - فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحدٍ من أوليائك، وذرّية أنبيائك، يا إله العالمين».
وبعد، فهذه وريقات تتحدث عن إمام من أئمة أهل البيت النبوي الطاهر، وصفحات تنعكس عليها أشعّة شمس حالت غيوم
ص: 7
الحوادث من إشراقها، وحاولت سُحُب الضلال تكديرها، وبذلت العناصر المنحرفة جهوداً كافرةً لإطفاء نورها.
ذاك هو الإمام المظلوم الممتَحَن : أبو الحسن علي بن محمد الهادي النقي، عليه صلوات من ربه ورحمة، ما دامت السموات والأرضون.
كيف يستطيع القلم الضعيف أن يُحلّق في آفاق عظمة هذا الإمام ؟!
وكيف لا يعجز البيان القاصر عن استيعاب حياة إنسانٍ جَمَعَ اللّه فيه أجمل المواهب العظيمة، وأشرف الصفات الجليلة، وأحسن الأخلاق الفاضلة ؟!.
إنسان، كان دائرة - بل دوائر - للمعارف بأجمعها، ومجموعة للفضائل بأكملها، فكان في زمان لا يليق به، وعاش في عصر لا يتناسب مع شخصيّته!!
لقد عاش الأئمة الطاهرون (عَلَيهِم السَّلَامُ) بين أجيال وأناس أكثرهم يُعادون الفضائل، ولا يفهمون القيم، قد أسرتهم شهواتهم، وقيَّدتهم أهواؤهم، فقدَّموا من أخَّره اللّه، وأخروا من قدَّمه اللّه.. كما هو شأن الأمم المتأخّرة فكرياً وعقائدياً وثقافياً.
وكان الحكم والسلطة بيد المنحرفين، فاستضعفوا هذه النُخبة الطاهرة - التي اختارها اللّه رحمة للعباد وبركة للبلاد - وبذلوا أقصى الجهود من أجل محاربتهم، والحيلولة دون إنجازاتهم وبركاتهم.
ولهذا عاشت المجتمعات الإسلامية في متاهات الجهل والضلالة والحرمان.
ولقد ابتلي الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطواغيت عصره كما ابتلي أسلافه الأئمة الطاهرون (عَلَيهم السَّلَامُ)) فجرى عليه ما جرى
ص: 8
عليهم من أنواع الأذى.
وهذه الأوراق تتضمّن بعض جوانب حياة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمقدار ما وصل إلينا من المواد التاريخية، ومما احتوته موسوعات الأحاديث والروايات، وأسأل اللّه تعالى أن يُسدِّدني للصواب، ويمنّ عليَّ بالقبول والثواب، إنه العزيز الوهّاب.
ص: 9
ص: 10
في خلال تأليف الكتب التي وفَّقني اللّه تعالى لتأليفها، وأثناء البحث عن الأحاديث والتواريخ المتعلقة بالأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) تبادرت إلى ذهني نكتة لطيفة شريفة، ولعلها تكون صحيحة، وهي :
إن من جملة الإختبارات والامتحانات التي اختبر اللّه تعالى عباده بها - فيما مضى - هي صغر سنّ الأنبياء في الأمم الماضية، مثل يحيى بن زكريا، وعيسى بن مريم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثمّ صِغَر سنّ الأئمة في هذه الأمّة.
فقد كان أكثر الأئمة الطاهرين يقومون بأعباء الإمامة، وتنتقل إليهم مسؤولية الإمامة وهم في أعمار مألوفة عند الناس، فمثلاً :
قام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأمور الخلافة والإمامة بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعمره ثلاث وثلاثون سنة، والإمام الحسن المجتبى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام بالأمر وعمره سبع وثلاثون سنة تقريباً، وهكذا بقية الأئمة، إلى الإمام الرضا (سلام اللّه عليهم).
ص: 11
ولمّا وصلت النوبة إلى الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قام بالامر وعمره تسع سنوات، وقد ذكرنا في كتاب (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد) بعض ما يتعلق بهذا الموضوع.
وكان هذا اختباراً من اللّه تعالى لعباده، أو إظهاراً لقدرته في أن يجمع مؤهلات الإمامة في صبيّ له من العمر تسع سنوات ؛
وكانت إمامته في تلك السنّ مفاجأة للشيعة، إذ لم يَعهَد في أئمة الشيعة من يقوم بالأمر وهو في هذه السنّ، ولهذا كان هناك بعض التساؤلات من الشيعة حول إمامة الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتى انكشف لهم الأمر، وظهرت لهم الحقيقة فاعترفوا بإمامته ؛
واشتدت عملية الإختبار، أو ظهرت القدرة الإلهية بصورة أجلى في الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأنه قام بأعباء الإمامة وعمره سبع سنوات، فكانت المفاجأة قليلة لأن الفرق سَنَتان في العمر.
ثم عاد الوضع إلى الحالة المتعارفة من حيث السنّ، وذلك لما وصلت النوبة إلى الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ أنه قام بالإمامة وعمره ثلاث وعشرون سنة ثلاث وعشرون سنة، وهذا عمر لا يقتضي التساؤل والتعجب.
وكأنَّ هذه الأمور كانت مقدمة تمهيدية لإمامة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الذي قام بأمر الإمامة وعمره خمس سنوات، وقد ذكرنا في كتاب الإمام المهدي من المهد إلى الظهور بعض ما يتعلق بهذا البحث.
وُلد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في نواحي المدينة المنورّة، في قرية أسّسها الإمام موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) تُسمّى : صريّا.
ص: 12
وقد بشر رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بولادة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقوله : «.. وأن اللّه تعالى ركّب في صلبه (1) نطفة لا باغية ولا طاغية، بارَّة مباركة، طيّبة طاهرة، سماها عنده محمد، فألبسها السكينة والوقار، وأودعها العلوم وكلَّ سرّ مكتوم، من لقيه وفي صدره شيء أنبأه به وحذره من عدوّه...»(2).
وقد اختلف المحدّثون في تاريخ ولادته :
فقيل : وُلد في شهر رجب، ويؤيّد هذا القول، الدعاء المروي عن الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّهم إني أسألك بالمولودين في رجب: محمد بن علي الثاني (3) وابنه علي بن محمد المنتجب...»(4).
وذكر ابن عياش إن ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت في الثاني من شهر رجب، أو الخامس منه، وقيل : في الليلة الثالثة عشرة منه، سنة 214 ه، وقيل : سنة 212 ه.
وقيل : كانت ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في النصف من ذي الحجة، أو السابع والعشرين منه.
اسمه : علي، وكنيته : أبو الحسن. وقد يعبر عنه - في الأحاديث المروية - بأبي الحسن الثالث أو أبي الحسن الأخير. للفرق بينه وبين الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر والإمام أبي الحسن الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
ص: 13
الهادي، النقي - وهُما أشهر القابه - والنجيب، المرتضى، العالم، الفقيه، الأمين، الناصح، المفتاح، المؤتمن، الطيب. العسكري، المتوكل
وكان الإمام يُخفي لقبه [المتوكل] ويأمر أصحابه أن لا يلقّبوه بالمتوكل لأنه كان لقب الحاكم العباسي يومذاك.
وقد يُعبر عن الإمام الهادي ب «الفقيه العسكري» أو «العسكري» أو «صاحب العسكر» أو «الصادق» كما ستعرف ذلك في غضون الأحاديث المرويّة عنه في هذا الكتاب.
ص: 14
سنذكر - قريباً - أن المعتصم انتقل بعساكره إلى سامرّاء، وبنى القصور والمساكن لنفسه ولجيوشه، وسُمِّيت تلك المنطقة بالعسكر، وحيث أن الإمامين : الهادي والحسن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كانا يسكنان في تلك المنطقة عُرف كل منهما بالعسكري.
وتجد في غضون هذا الكتاب - التعبير عن الإمام الهادي ب(أبي الحسن العسكري).
وأما الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنه اشتُهر بالعسكري أكثر وأكثر حتى صار لقباً خاصاً به، فإذا قلنا : «الإمام العسكري» فهو الإمام الحسن لا غير.
وإذا قلنا : «العسكريان» فَهُما : الإمام الهادي والإمام الحسن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وقد ذكر ذلك الشيخ الصدوق - في كتاب (معاني الأخبار) وكتاب (علل الشرائع) حيث قال : «سمعت مشايخنا (رضي اللّه عنهم) يقولون : «إن المحلة التي يسكنها الإمامان : علي بن محمد والحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بِسُرِّ من رأى كانت تسمّى «عسكر» فلذلك قيل لكل واحد منهما : «العسكري».
ص: 15
وقال الفيروز آبادي في (القاموس) : وعسكر اسم سُرّ من رأى، وإليه نُسِبَ العسكريان : أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، وولده الحسن، وماتا بها.
هو الإمام أبو جعفر، محمد بن علي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) الملقب بالجواد والتقيّ وغيرهما من الألقاب، وقد ذكرنا بعض ما يتعلق به في كتابنا (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد)
السيدة سُمانة المغربية
وقيل : أُمَّ الفضل، ولعل ذاك كُنيتُها.
وقيل منفرشة.
وفي كتاب إعلام الورى للطبرسي : إسمها : ثمانة. وقيل : سوسن. وقيل : عاتكة
وقد ذكرنا في كتاب (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد) - في ترجمة محمد بن الفرج - أنه قال :
دعاني أبو جعفر محمد بن علي الجواد، وأعلمني أن قافلةً قدمت، وفيها نخاس (1) معهم جوار (2) ودفع لي سبعين دينارا، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي، فمضيت، فعملتُ بما أمرني، وكانت الجارية أم أبي الحسن الهادي.
وروى الطبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة : وفي رواية
ص: 16
أخرى: عن : عن محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار عن السيد [الإمام [الهادي] أنه قال : «أمّي : عارفةٌ بِحَقِّي، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبار عنيد، وهي كانت بعين اللّه التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصدّيقين والصالحين».
والمستفاد من هاتين الروايتين أن السيدة سُمانة - والدة الإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) - كانت تمتاز بمزايا خاصة، وفضائل كثيرة، وصفات حميدة وأخلاق جميلة، ومعرفة تامة بحق الإمام، وغيرها من المؤهّلات التي جعلتها أما للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وهي - بتلك المزايا - لا تتخلّف ولا تقل درجاتها عن درجات أمهات الصدّيقين والصالحين
عاش الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المدينة المنوّرة - في ظل والده العظيم - سبع سنوات تقريباً، ولسنا بحاجة إلى التحدّث عن الفترة التي قضاها الإمام الهادي في جوار والده الإمام الجواد البارّ العطوف، مغموراً بعواطفه، مشمولاً بعنايته.
وهكذا لا داعي للتحدث عن ذلك الجوّ النوراني المشرق المتلأليء، الذي اكتنف الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهذه أُمور لا توصف، بل لا تُدرك.
ويكفي أن نعلم أنه فتح عينيه، وترعرع ونما في بيت مِن «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ»(1).
ص: 17
في بيت محاطٍ بالقداسة والنزاهة، قد أسِّس على التقوى والفضيلة من أول يوم.
في بيت لا طريق للمنكرات إليه، ولا موضع للمعاصي فيه، ولا مجال للباطل من لعب أو لهو هناك.
ومن الطبيعي أن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان ينتهز الفرصة لينص على إمامة ولده : الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لخواص شيعته، الظروف المناسبة، لأن ذلك مسؤولية دينية، وواجب شرعي يجب الإهتمام به والإعلان عنه في نطاق القدرة.
وقد ذكرنا - في كتاب : الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد، وكتاب : الإمام المهدي من المهد إلى الظهور - بحثاً حول إمامة الأئمة الإثنى عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ) والنصوص الواردة عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حول إمامتهم، وانطباق تلك النصوص عليهم، لا على غيرهم، وهكذا ذكرنا بعض النصوص من الإمام السابق على الإمام اللاحق في كل من الكتابين المذكورين.
والإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو أحد الأئمة المنصوص على إمامته من جده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في ضمن النصوص، ونصّ على إمامته أبوه : الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في موارد عديدة، ومواطن كثيرة، وتجد تلك النصوص في ضمن الأحاديث المذكورة في كتاب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولئلا يخلو هذا الكتاب من تلك النصوص تذكر بعضها - بصورة موجزة - تتميماً للفائدة، ونقتطف اسم الراوي والنص فقط :
1 - عن إسماعيل بن مهران : لما خرج أبو جعفر الجواد] (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة... فقال : «عند هذه يُخاف عَلَيَّ، الأمر
ص: 18
2- بعدي إلى ابني : علي»(1).
عن الصقر بن دلف - أو : أبي دلف قال : سمعت أبا جعفر : محمد بن علي الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقول : إن الإمام بعدي : إبني علي، أمره امري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن»(2).
3 - وعن أميّة بن علي القيسي قال : قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) - : مَن الخَلَف بعدك ؟
فقال : إبني : علي...» (3).
وروى المسعودي - في كتاب إثبات الوصية - ما معناه : إن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا حضرته الوفاة نصَّ على إمامة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأوصى إليه، وكان قد سلّم إليه - بالمدينة - سلاح رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومواريث الأنبياء، ثم غادر المدينة، إلى بغداد.
هذا.. وسوف تأتي بقية النصوص على إمامته في غضون هذا الكتاب
كان الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعلم - بعلم الإمامة - أنه سوف يُبعد إلى بغداد، ويفارق فيها الحياة مسموماً، ويترك أطفاله الصغار يتامى، يعيشون تحت ظل السلطة الغاشمة التي لا تخاف من اللّه، ولا تؤمن بيوم الحساب.
وكان يعلم أيضاً أن السلطة الحاكمة في المدينة المنورة سوف
ص: 19
تنتهز فرصة وفاته، وتستولي على جميع تركته مُحتجَّةً بأن هؤلاء الصغار بحاجة إلى قيِّم يقوم بشؤونهم، ويُشرف على أموالهم إلى أن يبلغوا سنَّ الرشد ؛
ومعنى ذلك : احتلال دار الإمام الجواد بمن فيها، ومراقبة الدار والتصرف الكامل فيها، وفي العبيد والإماء والأوقاف التي كانت بيده (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ولا يخفى ما في هذه الأمور من المضاعفات والنتائج غير الحسنة.
ولهذا - ولغير هذا أيضاً - نصب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وصيّاً من بعده، ليُشرف على تركته، ويحتفظ بها إلى أن يبلغ أولاده سنَّ البلوغ (1).
ولا بُدَّ من انتخاب ثقةٍ مؤتَمن، حتى يليق بالقيام بهذه المسؤولية، ويراعي الأمانة حتى يؤدّيها إلى أهلها.
فاختار الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبد اللّه المساور - أو بن (المشاور) - وصيّاً وقيماً على أطفاله وتركته. وأشهد على ذلك الشهود، تقوية للوصيّة ؛
ومن المؤسف أن هذا الرجل ليس له ذكر في كتب الرجال، ولم أجد له اسماً في غير هذا الخبر، فلعله كان رجلاً خاملاً ولكن قد توفّرت فيه المؤهلات والكفاءة للقيام بهذه المهمة، فاختاره الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 20
في كتاب (الكافي) بسنده عن محمد بن الحسين الواسطي، أنه سمع أحمد بن أبي خالد (1) - مولى أبي جعفر - يحكي أنه [الإمام الجواد] أشهَدَه على هذه الوصية المنسوخة (2) :
«شهد أحمد بن أبي خالد - مولى أبي جعفر [الجواد] - أن أبا جعفر : محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . (عَلَيهِم السَّلَامُ).
أشهَدَه (3) أنه أوصى إلى علي [الهادي] ابنه، بنفسه وأخواته وجعَل أمر موسى [المبرقع ] - إذا بلغ – إليه.
وجعل [ الإمام الجواد] عبد اللّه بن المساور قائماً على تركته (4)من الضياع (5)والأموال والنفقات والرقيق (6) وغير ذلك، إلى أن يبلغ علي بن محمد صيَّر عبد اللّه بن المساور ذلك اليوم إليه.
يقوم [الإمام [الهادي] بأمر نفسه وأخواته، ويُصيّر أمر موسى [ المبرقع ] إليه، يقوم لنفسه - بعدهما على شرط أبيهما - في صدقاته التي تصدّق بها. (7)
وذلك يوم الأحد، لثلاث ليالٍ خلون من ذي الحجة، سنة
ص: 21
عشرين ومائتين، وكتب أحمد بن ابي خالد شهادته بخطه، وشهد الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) - وهو الجوّاني - على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر الكتاب، وكتب شهادته بيده، وشهد نَصر - الخادم - وكتب شهادته بيده» (1).
أقول : كلمات هذه الوصيّة لا تخلو من غموض وإبهام، لكثرة الضمائر فيها، وعدم وضوح مراجع تلك الضمائر، فلا بأس يشرح متواضع لما يلزم :
وخلاصة القول : إن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) جعل أحمد بن أبي خالد شاهداً على هذه الوصية، وهي : إنه أوصى إلى ابنه علي الهادي - يُقال : أوصى إليه : أي أقامه وصيّاً له -، وهذا تصريح من الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بتوفّر الكفاءة في ولده بالرغم من عدم بلوغه سنّ البلوغ، وقد ذكرنا كلمة موجزة حول هذا الموضوع في كتاب (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد)
«أوصى إليه بنفسه وأخواته» يُقال : أوصى فلاناً بولده أي يستعطفه عليه، ومعناه : الإهتمام بأُمور أخواته والقيام بشؤونهن.
«وجعل أمر موسى [المبرقع ] - إذا بلغ - إليه وأما الابن الآخر للإمام الجواد وهو موسى المعروف بالمبرقع فإن الإمام الهادي يفوّض أمر موسى إليه عند بلوغ موسى المبرقع سنّ البلوغ، وما دام صغيراً فإن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقوم بأموره وشؤونه.
«وجعل [الإمام الجواد] عبد اللّه بن المساور» - الذي تقدّم اسمه وذكره - مشرفاً وقائماً على تركة الإمام الجواد من المزارع والنقود بالإنفاق على العائلة والعبيد والإماء وغير ذلك من الأعمال التي كان
ص: 22
الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمارسها في أيام حياته.
إلى أن يبلغ علي بن محمد الهادي «صيّر [سَلَّمَ] عبد اللّه بن المساور ذلك» أي الأشياء التي تقدّم ذكرها إلى الإمام الهادي.
فإذا بلغ الإمام الهادي السن القانونية (عند السلطة) يقوم [الإمام [الهادي] بأمر نفسه وأخواته ويباشر الأعمال بنفسه بلا تدخل من عبد اللّه بن المساور.
«ويُصَيِّر أمر موسى [المبرقع] إليه» لعل المقصود أن الإمام الهادي يدفع إلى موسى نصيبه من الإرث، ويخرج من كفالة أخيه [ الإمام الهادي ] فينفق على نفسه، وبعد وفاة الإمام الهادي وعبد اللّه بن المساور يتصرف موسى المبرقع في أوقاف الإمام الجواد حسب الشروط المعلومة المذكورة في مكان آخر.
هذا ما تبادر إلى الذهن في شرح كلمات الوصيّة واللّه العالم.
ص: 23
لمّا خرج الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) نحو بغداد - وذلك بطلب من المعتصم العباسي - بقي الإمام الهادي وأخوه موسى - الملقب بالمبرقع - في المدينة المنوّرة، ولمّا قضى الإمام الجواد نحبه مسموماً في بغداد حضر الإمام الهادي عنده، وقام بتغسيل والده، والصلاة عليه، وغير ذلك، وقد ذكرنا ذلك كله في كتاب (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد).
وعاصَرَ الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقيّة أيام المعتصم، ثم الواثق، ثم المتوكل، ثم المنتصر، ثم المستعين، ثم المعتز.
وكانت البلاد الإسلامية خلال هذه الفترات في أشد الإضطرابات والفتن والمشاكل.
ولا يطاوعني القلم أن أسود هذه الصفحات من هذا الكتاب بتراجم هؤلاء المجرمين الجناة، الذين سوّدوا وجه التاريخ، بعد أن سوّدوا وجوههم في الدنيا وفي الآخرة «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ»(1).
ص: 24
ولكن ما أصنع ؟ فالكتاب يتطلب مني أن أذكر شيئاً من تراجم هؤلاء الطواغيت الذين عاصروا الإمام الهادي، حتى يعرف القارىء الكريم أن الأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) ابتُلوا بهؤلاء الحكّام المجرمين، الذين غيّروا مجرى الدين الإسلامي، وشوّهوا سُمَعتَه، وأباحوا للناس المحرّمات، وهتكوا النواميس الإسلامية، وحرّفوا المفاهيم الدينية، ونشروا المفاسد في المجتمعات، وتلاعبوا بالمقدسات الإسلامية، وهم يعتبرون أنفسهم خلفاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأقرب الخلائق إلى اللّه تعالى.
والآن إليك عرضاً موجزاً من حياة الحكام الذين عاصروا الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهم :
1 - المعتصم العباسي.
2 - الواثق العباسي.
3- المتوكل العباسي.
4 - المنتصر العباسي.
5 - المستعين العباسي
6 - المعتز العباسي.
ص: 25
تقع مدينة سامرّاء - في العراق - على ضفاف شط دجلة في الشمال الغربي من بغداد، في طريق الموصل، وتبعد عن بغداد 175 كيلو مترا، وهي طيّبة الماء والهواء.
ولا يُهمنا التحدث عن التاريخ القديم لهذه البلدة، وعن سبب تسميتها بسامرّاء، أو سُرَّ من رأى، ونكتفي بالقول : إنها مدينة بناها سام بن نبي اللّه نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان اسمها : (سام راه) أي طريق سام، فصارت سُر من رأى، ثم سامرّاء.
هذه المدينة القديمة كانت عرضة لحوادث الزمان، فكانت تزدهر حيناً من الدهر ويكثر فيها العمران، وتدبّ فيها الحياة، ثم تخرب، و تندرس آثارها بسبب هجرة الناس عنها.
وكان الحكّام العباسيون - كالسفّاح والمنصور والرشيد - قد قرّروا تجديد بناء هذه المدينة، لكنهم اعرضوا عن ذلك لأسباب.
إلى أن صار أيام المعتصم العباسي - الذي كان في بغداد - وكان مُولَعاً بِشَراء العبيد الأتراك من أيدي مواليهم، فاجتمع له منهم أربعة آلاف، واشترى غيرهم من المماليك فبلغ عددهم سبعين ألفاً فمدوا أيديهم إلى حرم الناس، وسعوا فيها بالفساد.
ص: 26
وكان المعتصم إذا ركب الفَرس، وخرج من قصره تبعه الجيش يتراكضون بخيولهم في الطرقات والشوارع، فكانت الضحايا من الصبيان والعميان، والضعفاء، لازدحام الخيل وضغطهم، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم، وقالوا : إمّا أن تخرج من بغداد فإن الناس قد تأذوا بعسكرك أو نحاربك ؟!
فقال : كيف تحاربونني ؟ قالوا : نحاربك بسهام الليل! قال : وما سهام الليل ؟ قالوا : ندعوا عليك. فقال المعتصم : لا طاقة لي بذلك. فخرج من بغداد، ونزل سامرّاء وسكنها(1).
وقيل : إن العامة وقفوا للمعتصم، وقالوا : يا أمير المؤمنين! ما من شيء أحب إلينا من مُجاورتك، لأنك الإمام! وحامي للدين! وقد أفرط علينا أمر غلمانك، وعَمَّنا أذاهم، فإما منعتهم عنا، أو نقلتهم عنّا ؛
فقال: أما نقلهم فلا يكون إلا بنقلي، ولكنّي أفتقدهم، وأنهاهم، وأزيل ما شكوتم منه.
فنظروا، فإذا الأمر قد زاد وعَظُم، فخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب.
وعاودوه بالشكوى وقالوا : إن قدرت على نصفتنا، وإلا فتحوَّل عنا، وإلا حاربناك بالدعاء، وندعوا عليك بالأسحار.
فقال المعتصم : هذه جيوش لا قدرة لي بها، نعم، أتحوّل، وكرامة!!
وساق من فوره حتى نزل سامرّاء، وبنى بها داراً، وأمر عسكره بمثل ذلك، فعمر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد اللّه.
ص: 27
وقيل : كان سبب ذلك أن المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك، فكانوا لا يزالون يرون الواحد بعد الواحد قتيلاً، وذلك أنهم كانوا جُفاة، يركبون الدواب، فيركضون إلى الشوارع فيصدمون الرجل والمرأة والصبي، فيأخذهم الآباء عن دوابهم، ويضربونهم، وربما هلك أحدهم، فتأذى بهم الناس ؛
ثم إن المعتصم ركب يوم عيد، فقام إليه شيخ فقال له : يا أبا إسحاق (فأراد الجند ضربه) (1) فمنعهم، فقال [المعتصم] : يا شيخ مالك ؟ مالك ؟
قال [ الشيخ ] : لا جزاك اللّه عن الجوار خيراً، جاورتنا وجئت بهذه العلوج من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا، فأيتمت صبياننا، وأرملت بهم نساءنا، وقتلت رجالنا.
والمعتصم يسمع ذلك، فدخل منزله، ولم يُرَ راكباً مثل ذلك الیوم، فخرج فصلّى بالناس العيد، ولم يدخل بغداد، بل سار إلى ناحية القاطول، ولم يرجع إلى بغداد.
هذا ما يذكره بعض المؤرخين في سبب هجرة المعتصم من بغداد إلى سامرّاء، ولكن هذا القول بعيد جداً، لأن المعتصم لم يكن يخشى اللّه ولا اليوم الآخر، ولا دعاء الناس عليه بالأسحار، بل كان طاغوتاً قتالاً هتاكاً، وقد قتل عشرات الألوف من الناس، فكيف يتخذ هذا الموقف المنصف المشفق من أهل بغداد ؟!
ولعل الأصح هو ما ذكره ابن الأثير بقوله : (.. وفي هذه السنة - عشرين ومائتين - خرج المعتصم إلى سامرّاء لبنائها، وكان سبب ذلك أنه قال : أتخوَّف من هؤلاء الحربيّة أن يصيحوا صيحة، فيقتلوا غلماني، فأريد أن أكون فوقهم، فإن رابني منهم شيء أتيتهم في
ص: 28
البحر [شط دجلة] والبر. فخرج إليها [سامرّاء] فأعجبه مكانها(1)
ودخلت السنة السابعة والعشرون بعد المائتين من الهجرة، وتمرّض المعتصم، ولم ينته في أيام مرضه عن المنكرات بل كان يأمر المغنّين أن يزمّروا له، ويدعو بالخمر ويشربها، وفي آخر يوم من حياته كان يقول : ذهبت الحِيَل، ليست حيلة، لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت الذي فعلت.
وقال :
تَمتَّع من الدنيا فإنك لا تبقى***وخُذ صَفوها لما صَفَت ودع الزلقا
إلى أن يقول :
وأفسدت دنياي وديني سفاهةً***فَمَن ذا الذي مني بمصرعه أشقى ؟
فياليت شعري بعد موتي ما أرى***إلى رحمة الرحمن أم نارِه ألقى ؟!
ص: 29
اسمه : هارون بن المعتصم، وأمه جارية روميّة اسمها : فراطیس
انتقلت إليه السلطة بعد هلاك أبيه المعتصم، وكان الولد على سرّ أبيه في الظلم ومصادرة الأموال، وكانت حاشيته نفس حاشية أبيه، من القوّاد الأتراك، والقضاة والوزراء وغيرهم.
وهكذا كانت البلاد مضطربة، والفتن منتشرة، وكان رجال الحكم - بسبب انهماكهم في الملذّات - يُهملون أُمور الناس، وكانت البلاد تضجّ من كثرة الظلم والجور ؛ وأخذ الضرائب غير الشرعية وقد ذكر أنهم كانوا يأخذون من منطقة خراسان وطبرستان وكرمان (في إيران) حوالي ثمانية وأربعين مليون درهم بعنوان الخراج والضرائب، عدا سائر المناطق.
وانتشرت الفتن في المدينة المنوّرة، وفي الأحياء التي في طريق مكة، وفي بغداد واصفهان وغيرها بسبب انتشار الفساد والمفسدين فيها.
وكانت السجون مليئة بالناس، وهم في أشدّ الأحوال من سوء التغذية والقيود الثقيلة التي كانت توضع في أيديهم وأرجلهم وأعناقهم،
ص: 30
فكان ذلك من أشدّ التعذيب المستمر، والكثير من الناس كانوا يموتون في السجون بسبب الظروف اللاإنسانية وشدّة التعذيب، وسوء التغذية أو التجويع، وما شابه ذلك.
وكانوا يقتلون الناس، ويصلبونهم في الشوارع وعلى الجسور، وينصبون رؤوس القتلى هنا وهناك، وغير ذلك من الأعمال الوحشية البربرية، إرعاباً للناس وتنكيلاً بهم.
وهم يعتبرون - هذا - نوعاً من عرض العضلات، وإظهاراً للقدرة، وإخماداً للفتنة ( على حدّ زعمهم) فكانوا يسحقون كلّ من سوّلت له نفسه أن لا يخضع للحكومة.
وكان القوّاد - الذين يقومون بهذه الجرائم - ينالون من (الواثق) أفخر الخلع والجوائز، ومرَّة دَفع الواثق خمسة وسبعين ألف دينار جائزة للقائد التركي : وصيف، لأنه جاء بالسبايا من اصفهان، وهم خمسمائة إنسان كلهم غلمان صغار، جمعهم في قيود وأغلال، وأودعهم في سجون سامرّاء.
وفي عهد الواثق أسر الروم من المسلمين أربعة آلاف رجل، وستمائة من النساء والصبيان، وبعد اللتيا والتي صارت عمليّة الفداء، فكان المسلمون يطلقون أسيراً من الروم، والروم يُطلقون أسيراً من المسلمين.
وحينما نراجع ترجمة (الواثق) في كُتب التراجم لا نجد - هناك - فضيلة تستحق الذكر، نعم، ملفّات التاريخ مليئة بأن (الواثق) كان مولعاً بالغناء، ومُغرماً بأصوات المغنيين، ومتفنناً بأنواع الألحان الغنائية، وبصيراً بها.
وكان مجلسه عامراً بالمغنّيين والمغنّيات، وأصوات العود والمزمار مرتفعة من مجلسه.
وقد ذكر أبو الفرج الأصبهاني في أجزاء كتابه (الأغاني) قضايا
ص: 31
عن الواثق تندى منها جبهة الإنسانية، ويخجل القلم عن سردها.
فالرجل كان يعتبر نفسه رئيس المسلمين، وأمير المؤمنين ولكنك لا تجد في - حياته - شيئاً من الإسلام، ولا علامة من الإيمان.
وكانت الخلافة الإسلامية - في تلك العصور - قد تطورت إلى ملوكية، ورئاسة دنيوية، فلا تجد - هناك - إلّا السَرَف والترف والإباحيّة - بجميع معنى الكلمة -
فالخمور كانت تُشرب بصورة علنيّة، وبلا خوف أو تقيّة، أو مانع أو رادع، وعلى رغم القرآن الذي حرّم الخمر كان مجلس الخليفة ينقلب إلى حانة الخمّارين، والخليفة - شخصياً - كان يأمر الجواري أو الغلمان أن يسقوا الحاضرين الخمر!!.
فياترى هل يحتشم أحد في ذلك المجلس من شرب الخمر ؟
إذا كان ربّ البيت بالدف مولعاً***فَشِيمَةٌ أهل البيت كلهم رَقصُ
وقد قيل : الناس على دين ملوكهم.
فالخمور كانت تصنع وتباع وتشرب في كل مكان بلا حياء أو خجل.
وفي كتاب (العقد الفريد) : قال أبو الحسن : كان الواثق إذا شرب وسكر رَقَدَ في موضعه الذي سكر فيه، ومَن سَكرَ مِن ندمائه تُرِك ولم يُخرج؛
فشرب يوماً فَسَكر، ورَقَدَ، وانقلب أصحابه إلا مُغنِّياً أظهر التراقُد، وبقيت معه مُغنيّة الواثق، فلما خلا المجلس وَقعَ [كتب] المغني في سحاءة [ورقة مشدودة] ودفعها إليها :
إني رأيتكِ في المنام كأنني***مُتَرشّفٌ من ريق فيك البارد
وكأنّ كفَّكِ في يدي، وكأنّما***بتنا جميعاً في فراش واحد
ص: 32
ثم انتبهت، ومنكباك كلاهما***في راحتي، وتحت خدِّك ساعدي
فأجابته :
خيراً رأيت، وكل ما ابصرته***سَتَنالُه منّي برغم الحاسِدِ
وتبيتُ بين خلاخلي ودمالجي***وتحل بين مراشفي ومجاسدي
فنكون أنعَمَ عاشقين تعاطيا***مُلح الحديث بلا مخافة راصد
فلما مدّت يدها لترمي إليه بالسحاءة، رفع الواثق رأسه، فأخذ السحاءة من يدها، وقال لهما : ما هذه ؟ فَحَلفَا له أنه لم يجر بينهما - قبل هذا - كلام، ولا كتاب، ولا رسول، غير اللحظ، إلا أن العشق قد خامرهما.
فأعتقها، وزوَّجها منه [المغنّي] فلما أشهد له، وتمَّ النكاح، أقامها الواثق بمحضر المغني إلى بيت من بعض البيوت، فوقع عليها (1) ثم خرج إليه (2) فقال [ الواثق] له : أردت أن تُكشَّخَني فيها (3) وهي خادمي، فقد كشختك فيها وهي زوجتك (4)!!!.
أقول : إن الواثق العباسي استاء من روابط الحب بين جاريته وهذا المغنّي، فأراد أن يُرغم أنف المغني ويكسر شخصيته بأقبح صورة. فأعتق جاريته، وزوجها من ذلك المغني، وبعد إجراء صيغة العقد، أخذ الواثق تلك الجارية - التي اعتقها - إلى حجرة من تلك الحجرات، وزنى بها، ثم قال للمغنّي : أردت أن تفجر بهذه الجارية وهي في ملكي، وها أنا قد زنيت بها وهي زوجتك!
ص: 33
كان الواثق مؤثراً لكثرة الجماع، فقال - لطبيبه - : اصنع لي دواءً للباءة (الجماع) فقال له الطبيب : لا تهدم بدنك بالجماع، واتق اللّه في نفسك!.
فقال : لا بدَّ من ذلك! فأمره الطبيب أن يأخذ لحم سَبع (أسد) فيغلى عليه سبع غليات بخل خمر، ويتناول منه - إذا شرب - وزن ثلاثة دراهم [مثاقيل]، ولا يجاوز هذا القدر.
فامر يذبح سَبع، وطُبخ له من لحمه، وصار يتنقّل منه على شرابه، فلم يكن إلا قليلا حتى استسقى (1).
فاجتمع رأيُ الأطبّاء على أن لا دواء له إلا أن ينزل بطنه (2) ثم يُترك في تنور قد سُجِر بِحَطب زيتون، حتى يصير جمراً، ثم يجلس فيه.
ففعل ذلك، ومنع الماء ثلاث ساعات، فجعل يستغيث ويطلب الماء فلم يسقوه، فصار في جسده نفاطات [اورام] مثل البطِّيخ، ثم أخرجوه، فجعل يقول : رُدُّوني في التنور، وإلا مُتُّ.
فَرَدُّوه، فَسَكَنَ صياحه، ثم انفجرت تلك النفاطات، وقطر منها ماء، فاخرج من التنور، وقد اسودَّ جسده، ومات بعد ساعة.
وعن الواثقي (3) قال : كنتُ أُمَرِّض الواثق، إذ لحقته غشية، فما شككتُ أنه قد مات، فقال بعضنا البعض : تقدّموا. فما جسر أحد منّا. فتقدّمتُ أنا، فلما أردتُ أن أضَعَ إصبعي على أنفه فتح
ص: 34
عينيه، فَكِدتُ أموت فزعاً وتأخّرتُ إلى موقفي، فتعلّقت قبيعة السيف (1) بالعتبة، وعثرتُ، فاندق السيف فكاد أن يدخل في لحمي!!
فخرجت وطلبت سيفاً غيره، ثم رجعت، فوقفت عنده، فوجدته مات، بلا شك فشددتُ لحيته وغمضته، وسَجيْتُه.
وأخذ الفرّاشون تلك الفُرش الثمينة ليردُّوها إلى الخزانة، وتُرك وحده في البيت.
فقال لي أحمد بن أبي دؤاد القاضي : إنا نشتغل بعقد البيعة، فاحفظه حتى يُدفن.
فرجعتُ وجلستُ عند الباب، فسمعتُ بعد ساعة حركة أفزعتني، فإذا بجُرذُون (2) قد جاء [من البستان] فاستل عينيه فأكلهما.
فقلت : لا إله إلا اللّه! العين التي فتحها من ساعة، فعثرتُ واندق سيفي هيبة لها ؟!!
ص: 35
هو جعفر بن المعتصم، وهو عاشر الحكّام العباسيين، وقد أخبر الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنه، في حديثه عن حكّام بني العباس قال : «وعاشرهم أكفرهم» (1).
فالرجل بعد أن كان مطروداً مغضوباً عليه من أخيه الواثق، وإذا به يصبح حاكماً أو خليفة على المسلمين، وقد كان خارجي النزعة، إباضي المذهب (2) والاباضيّة قوم من الخوارج أصحاب عبد اللّه بن أباض، زعموا أن مخالفهم كافر، وكفّروا عليّاً (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأكثر الصحابة.
ولا نعلم كيف تأثر بهذا المبدأ الهدّام الخطر ؟.
وهذه سجلات التاريخ مملوءة بترجمة الرجل الذي كان الناس يعتبرونه أمير المؤمنين، وخليفة رسول اللّه، ورئيس المسلمين.
فلا تجد في حياته سوى شرب الخمور، وانهماكه في شهواته
ص: 36
وملذّاته، فلقد كانت له أربعة آلاف جارية، وقد مارس الجنس معهن جميعاً!.
ومجالس الغناء كانت قائمة في قصوره، فالمغنيات - على اختلاف أعمارهن ولغاتهن والوانهن - كن يغنّين له بأنواع الألحان والنغم، فيطرب خليفة المسلمين، وخاصة إذا كان سكراناً!.
ومن أجل المحافظة على حياته اتخذ عشرات الآلاف من الحرس يحرسونه، ويحافظون على حياته فقط، واللّه يعلم كم كان يصرف عليهم - في كل دقيقة - من بيوت أموال المسلمين ؟.
كان الواثق غاضباً على أخيه : جعفر المتوكل لبعض الأُمور، وكان محمد بن عبد الملك وزير الواثق، فانطلق جعفر إلى محمد بن عبد الملك كي يسأله أن يكلم الواثق حتى يرضى عنه.
ولما دخل جعفر على محمد بن عبد الملك، مكث واقفاً بين يديه، ومحمد بن عبد الملك لا يكلّمه، ثم أشار إليه بالقعود، وجعل ينظر في الكتب، ثم التفت إليه - كالمتهدّد له - وقال : ما جاء بك ؟.
قال : جئت لتسأل أمير المؤمنين [الواثق] أن يرضى عني.
فقال محمد بن عبد الملك - لمن حوله - : انظروا إلى هذا بغضب أخاه، ويسألني أن أسترضيه له! إذهب، فإنك إن صلحت رضي عنك.
فقام جعفر [المتوكل] كئيباً حزيناً، وخرج من عنده، فدخل على عمر بن الفرج ليسأله أن يختم له صَلَّه ليقبض أرزاقه [راتبه] فأخذ عمر بن الفرج الصك ورمى به إلى صحن المسجد، وكان عمر يجلس في المسجد.
ص: 37
ودخل جعفر على أحمد بن أبي دؤاد، فاستقبله أحمد وقبله، وقال له : ما جاء بك ؟ جعلت فداك
قال : جئتُ لتسترضي لي أمير المؤمنين [الواثق].
فكلّم أحمد بن أبي دؤاد الواثق، فوعده ذلك، وبعد ذلك رضي عنه.
ولما مات الواثق حاول محمد بن عبد الملك أن يجعل الخلافة في ابن الواثق الذي كان أمرداً لم يبلغ الحلم يومذاك، ولكن محاولته باءت بالفشل، وأخيراً قرروا أن تكون الخلافة في جعفر فأحضروه فقام أحمد بن أبي دؤاد فألبسه الطويلة (1) وعمَّمه، وقبَّله بين عينيه وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين! ورحمة اللّه وبركاته.
ثم قاموا بتغسيل الواثق وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
وفي اليوم الثاني جاء أحمد بن أبي دؤاد واختار لجعفر لقب (المتوكل على اللّه) وتمّ الوفاق على ذلك بين الأتراك الذين كانوا الكُل في الكُل، وبايعوا المتوكل وعمره ستة وعشرون سنة (2).
أنظر - باللّه عليك - إلى هذا التلاعب بالمقدسات، والتصرف في مقدرات العباد والبلاد!
فإن محمد بن عبد الملك ونظراءه يحاولون أن يجعلوا الخلافة في صبيّ أمرد، لم يبلغ الحلم، ولم يعرف شيئاً من إدارة شؤون الناس، ولم يفهم معنى الخلافة، ولا يعلم كيف يتصرف في أمور الدين والدنيا والآخرة.
كل ذلك لأهداف وأغراض وأمراض في نفوسهم، فهم يريدون
ص: 38
أن يكون الخليفة أداة طيعة بأيديهم، يُسيّرونه كيفما أرادوا، ويُوجهونه كيف أحبّوا، لا أمر له ولا نهي، ولا رأي له ولا قدرة إلّا تحت إشرافهم وإيعازهم إليه.
وقد عرفت - قبل قليل - أن العلاقات بين محمد بن عبد الملك وعمر بن فرج وبين المتوكل كانت سيئة، فإنه لما دخل على محمد بن عبد الملك وعمر بن فرج قابلاه بكل إهانة وقساوة وخشونة فمن الطبيعي أنهما يحاولان صرف الخلافة عنه اتقاء من شرّه وبوائقه.
ولهذا بذلوا جهودهم في انتخاب ابن الواثق للخلافة، ولكن أحمد بن أبي دؤاد ومعه أمثاله من العبيد الأتراك الجُناة الجُفاة رشّحوا جعفراً للخلافة، وكان الفوز والغلبة لفريق أحمد بن أبي دؤاد وانتخبوا للخليفة المنحوت لقب ( المتوكل على اللّه) وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين وسلّموا إليه مقاليد البلاد، ومقدرات العباد.
وأمّا مؤهّلات الخلافة وشروطها، ولوازم الرئاسة ومتطلباتها - من الحكمة والحنكة والتدبير والتجارب والعلم والمعرفة وأمثالها من مقوّمات القيادة - فلم يعبأوا بها، وكأنها لا قيمة لها عندهم.
وليت شعري، وليتني كنتُ أدري : من الذي أعطاهم هذه الصلاحيات ؟! ومن الذي خوّلهم حق الولاية في شؤون الإسلام والمسلمين ؟.
إن أولئك العبيد الأتراك - الذين اشتراهم المعتصم وغيره للخدمة والحراسة وأمثال ذلك - كيف صاروا أهل الحل والعقد، وصاروا يفرضون آراءهم الشخصية على نصف الكرة الأرضية، ويتصرفون في مقدرات الناس، حسب أهوائهم ؟!، لا على ضوء القرآن الكريم، أو السنة النبوية، أو المقاييس الشرعية، والموازين الدينية.
إن جميع الإنتخابات في عهد الأمويين والعباسيين كانت منبعثة
ص: 39
عن الأهواء والعواطف ورعاية المصالح والمنافع الشخصية فقط وفقط.
ولم يراعوا فيها رضا اللّه تعالى، ولا أحكام الإسلام، ولا مصالح المسلمين في انتخاباتهم، ولهذا جرى ما جرى على الإسلام والمسلمين طيلة سبعة قرون تقريبا!.
وعلى كل : لقد تربع المتوكل على كرسي الخلافة، وصار أقوى رجل، يحكم على رقاب الناس كيف يشاء!
ولقد أجاد دعبل الخزاعي ( عليه الرحمة) في هجاء الواثق والمتوكل حيث قال :
الحمد لله، لا ضير ولا جَلَدُ***ولا رقاد، إذا أهل الهوى رقدوا
خليفة مات، لم يحزن له أحدٌ***وآخر قام، لم يفرح به أحد
قد مَرَّ هذا، ومَرَّ الذئب يتبعُهُ***وقام هذا، فقام الشؤم والنَّكَدُ (1)
وأما الإسراف والتبذير في البناء، فحدِّث ولا حرج، فقد كان المتوكل يصرف مبالغ خيالية - من بيوت الأموال، العائدة لمصالح المسلمين، والتي جعلها اللّه للأرامل والأيتام، والفقراء والمساكين والعَجَزة وغيرهم - لبناء القصور الفخمة، والأبنية الجليلة، وقد جلب المهندسين وأرباب المهن، والمواد الإنشائية من شتى البلاد، يصرف عليهم في كل دقيقة مبالغ ضخمة لمصالحه الشخصية، وقد ذكر الياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) ما يلي :
من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل، فمن ذلك :
اسم القصر/ المبلغ
العروس / 30,000 دينار
المختار / 5,000,000 دينار
الوحيد / 2,000,000 دينار
ص: 40
اسم القصر / المبلغ
الجعفري المحدث / 10,000,000 دينار
الغريب / 10,000,000 دينار
الصبح / 5,000,000 دينار
المليح / 5,000,000 دينار
قصر بستان الايتاخية / 10,000,000 دينار
التلّ - علوُّه وسفله - / 5,000,000 دينار
الجوسق / 500,000 دينار
بركوار - للمعتز - / 20,000,000 دينار
القلائد 50,000 دينار
المتوكلية - وهو الذي يُقال له : الماحوزة - / 50,000,000 دينار(1)
هذا.. غير العطايا الجزيلة التي كان يقدّمها إلى الشعراء والمغنين والمضحكين، ما عدا الأموال العظيمة التي كان يشتري بها الجواري الشهواته ونزواته.
قال أبو الفرج الأصفهاني :
وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم.
واتفق أن عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان - وزيره - كان يسيء الرأي فيهم، فَحسَّنَ له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله (2).
ص: 41
وخلاصة القول : إن المتوكل كان قد ضرب الرقم القياسي في بغض الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصورة خاصة، وأهل بيت رسول اللّه بصورة عامة.
وكان يحزّ في صدره، ولا يذوق طعم الرقاد إنْ سمع ذكراً للإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو علم وجوداً لشيعته، أو كياناً مستقلاً، منفصلا عن دولته.
وبَذَلَ كل الجهود في سبيل ملاحقة العلويين، والحط من كرامة أهل البيت، ومطاردة شيعتهم بكل قساوة، حتى بلغ الأمر أن الناس كانوا يتظاهرون ويتجاهرون بنصب أهل البيت وبغضهم، وكان المجرمون الخبثاء يتقربون إليه بذم أهل البيت أو أتباعهم، طمعاً في المال، وتزلّفاً إلى المتوكل، ومن الطبيعي : إن أقرب الناس إلى المتوكل أكثرهم بغضاً وعداء لأهل البيت.
وما يدرينا، فلعل عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان - الذي كان يُسيء الرأي في العلويين، ويُشجع المتوكل على إيذائهم، وسوء المعاملة معهم - إنما كان بدافع التقرب إليه بعد أن عرف هوايته واتجاهه.
والآن.. إليك بعض النماذج التاريخية التي تكشف لنا عن مدى بغضه ونُصبه وحقده لأهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
1 - نصر بن علي الجهضمي حدَّث بحديث عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنه أخذ بيد الحسن والحسين وقال : «مَن أحبني وأحَبَّ هذين، وأباهما وأمَّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة» فأمر المتوكل بضربه ألف سوط!.
إلى أن كَلَّمه جعفر بن عبد الواحد بأن نصر بن علي لم يكن شيعياً، وإنما هو من أهل السُّنّة، فَضُرب خمسمائة سوط، وعفا عن
ص: 42
الباقي (1)!.
2 - كان يزيد بن عبد اللّه والياً للمتوكل على مصر، فضرب رجلاً من الجند - في شيء وجب عليه - فأقسم [الجندي] عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه، فزاده ثلاثين دِرّة (2)
ورفع صاحب البريد إلى المتوكل (3) فورد الكتاب على يزيد بضرب ذلك الجندي مائة سوط، فضربه، وحمل بعد ذلك إلى العراق، في شوال سنة 223(4).
واللّه يعلم ما الذي جرى على ذلك الجندي المسكين.
ولنا تعليق على هذين الخبرين بما يلي :
1 - إن المتوكل - الذي كان يعتبر نفسه خليفة لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - حينما يسمع من نصر بن علي حديثاً - حول - فضيلة محبة النبي وبنته وصهره وابنيه - يتطاير غيظاً وغضباً، وحقداً وعداوة، فيأمر أن يُضرب نصر بن علي ألف سوط، ومعنى ذلك أن يموت تحت الضرب، ويتناثر ويتلاشى لحمه قبل أن يموت.
لماذا ؟ لأنه حدَّث عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حديثاً حول محبة النبي وأهل بيته.
2 - ومن الواضح أن المتوكل - الذي كان ينبوع الحقد والعداء لأهل بيت رسول اللّه - ينتخب أمثاله ونظراءه، ليكونوا وُلاةً وحُكّاماً على العباد والبلاد، فتراه يرسل يزيد بن عبد اللّه واليا على مصر
ص: 43
إن كتب التراجم لم تتطرَّق إلى إتّجاه هذا الوالي، ولكن هذا الخبر يكشف الغطاء عن هويّته، فالجُندي الذي صَدَر منه شيء يستوجب العقوبة أو التأديب يُقسم على الوالي بحق ابني رسول اللّه، وسيدى شباب أهل الجنة : الإمام الحسن والإمام الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أن يعفو الوالي عنه.
إن ذلك الجندي المسلم كان يتصوّر أن الوالي مسلم، وأنه لو أقسم عليه بالحسن والحسين أن يعفو عنه لعفا عنه كرامة لرسول اللّه وكرامة السبطيه، وما كان الجندي يتصور أن العقوبة تتضاعف إذا تفوّه باسم الحسن والحسين، بل تتطور القضية حتى يصل الخبر إلى المتوكل نفسه، فيأمر بضربه مائة سوط، وأن يُحمل إلى بغداد حتى يلقى جزاءه الأوفى، وكأنّ هذه السياط والضرب والتعذيب لم تكن كافية لجزائه!!.
قال ابن الأثير : (.. وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لِعَليّ، منهم : علي بن الجهم، الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي، وعمر بن فرج الرخجي، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية، وعبد اللّه بن محمد بن داود الهاشمي، المعروف بابن اترجة.
وكانوا يخوّفونه [المتوكل] من العلويين، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم، والإساءة إليهم، ثم حَسَّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس عُلُو منزلتهم في الدين.. )(1).
قد ذكرنا أن قلب المتوكل كان مشحوناً بالحقد والعداوة للإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولأولاده الأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ)
ص: 44
فكان أكثر همه القضاء على أهل البيت وآثارهم، وتشويه سمعتهم.
والشيء الذي كان يحز في صدره أنه كان يرى أو يسمع بأن الشيعة يزورون قبر الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بل، إن طوائف كثيرة من الناس بنوا البيوت والمنازل حول قبر الإمام، حتى صارت كربلاء مدينة عامرة، يقصدها الشيعة من كل صوب.
فقرر الخبيث أن لا يُبقي أثراً من مدينة كربلاء، ولا أثراً من القبر الشريف، تشفّياً لحقده الدفين، قال ابن الأثير :
«وفي هذه السنة [236 من الهجرة] أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهدم ما حوله من المنازل والبيوت، وأن يُبَذَّر، ويُسقى موضع قبره، وأن يُمنَع الناس من إتيانه ؛ ونادى بالناس في تلك الناحية : «مَن وُجد عند قبره [قبر الحسين] بعد ثلاثة أيام حبسناه في المطبق (1) فهرب الناس، وتركوا زيارته، وخُرِب وزرع» (2).
وقال أبو الفرج الاصفهاني :.. وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين، وعفى آثاره، ووضع على سائر الطرق مسالح (3) له، لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به، فقتله أو انهكه عقوبة (4).
وعن إبراهيم الديزج، قال :
«بَعَثَني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكتب معي إلى جعفر بن محمد بن عمّار القاضي : «أعلمك : اني قد بعثتُ إبراهيم الديزج إلى كربلاء لينبش قبر الحسين فإذا قرأت كتابي فَقِف على الأمر، حتى تعرف فَعَلَ أم لم يفعل».
ص: 45
قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه.
ففعلتُ ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار، ثم أتيته فقال لي : ما صنعت ؟
فقلت : فعلتُ ما أمرت به، فلم أرَ شيئاً، ولم أجد شيئاً [الجثمان الشريف].
فقال لي : أفلا عمَّقته (1)؟.
قلت : قد فعلتُ، فما رأيتُ.
فكتب إلى السلطان : «إن إبراهيم الديزج قد نبش، فلم يجد شيئاً، وأمرتُه فَمُخَره بالماء (2) وكَرَبه [قلبه للحرث] بالبَقَر».
قال أبو علي العماري : فحدَّثني إبراهيم الديزج، وسألتُه عن الأمر، فقال لي : أتيتُ في خاصة غلماني فقط، وإنّي نبشت، فوجدت باريةً جديدة وعليها بَدَنْ الحسين بن علي، ووجدت منه رائحة المسك، فتركتُ البارية على حالها، وبَدَن الحسين على البارية، وأمرتُ بطرح التراب عليه، وأطلقت عليه الماء، وأمرتُ بالبَقَر لتمخره وتحرثه، فلم تطأه البَقَر (3).
وكانت [الأبقار] إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلماني باللّه وبالأيمان المغلّظة : لئن ذَكَرَ أحد هذا لأقتلنه (4).
وعن أبي عبد اللّه اليافطاني قال : ضمني عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعرِّي - وكان قائداً من قوّاد السلطان - أكتب له،
ص: 46
وكان [المعرّي] بدنه كلّه أبيض شديد البياض، حتى يديه ورجليه كانا كذلك.
وكان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير، وكان يتفقأ مع ذلك مَدَّة مُنتنة (1).
قال : فلما آنس بي سألته عن سواد وجهه، فأبى أن يخبرني.
ثم إنّه مرض مرضه الذي مات فيه، فقعدت فسألته، فرأيته كأنه يحب أن يُكتم عليه، فضمنتُ له الكتمان، فحدَّثني قال :
وجَّهَني المتوكل أنا والديزج [إبراهيم] لنبش قبر الحسين، وإجراء الماء عليه.
فلما عزمتُ على الخروج والمسير إلى الناحية، رأيتُ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المنام فقال : لا تخرج مع الديزج، ولا تفعل ما امرتم به في قبر الحسين.
فلما أصبحنا جاؤوا يستحثونني في المسير، فَسِرتُ معهم، حتى وفينا كربلاء وفعلنا ما امرنا به المتوكل.
فرأيتُ النبي في المنام، فقال : ألم أمرك أن لا تخرج معهم ؟ ولا تفعل فعلهم ؟ ثم لَطَمني، وتَفَلَ في وجهي. فصار وجهي. مسوداً كما ترى، وجسمي على حالته الأولى [البياض](2).
وعن الفضل بن محمد بن عبد الحميد قال :
دخلت على إبراهيم الديزج، وكنتُ جارَه، أعوده في مرضه الذي مات فيه فوجدته بحال سوءٍ، وإذا هو كالمدهوش، وعنده الطبيب، فسألته عن حاله وأشار إلى الطبيب، فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله، فقام فخرج،
ص: 47
وخلا الموضع، فسألته عن حاله فقال :
أخبرك واللّه، واستغفر اللّه.
إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى، إلى قبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأمرنا أن نكر به ونطمس أثر القبر.
فوافيتُ الناحية مساءً، ومعنا الفَعَلَة، والروزكاريون (1) معهم المساحي والمرور (2) فتقدمتُ إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفَعَلَة بخراب القبر، وحَرثِ أرضه.
فطرحتُ نفسي لما نالني من تَعَب السفر، ونمتُ، فذهب بي النوم.
فإذا ضوضاء شديد (3) وأصوات عالية، وجعل الغلمان ينّبهونني فَقُمتُ وأنا ذَعِر، فقلت - للغلمان - : ما شأنكم ؟
قالوا : أعجَبُ شأن
قلت : وما ذاك ؟
قالوا : إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر، وهم يرموننا - مع ذلك - بالنشاب (4) فقمت معهم لأتبيَّن الأمر، فوجدتُه كما وصفوا.
وكان ذلك في أوّل الليل من ليالي البيض. فقلت : ارموهم.
فرموا فعادت سهامنا إلينا، فما سقط سهمٌ منّا إلا في صاحبه الذي
ص: 48
رمی به، فقتله.
فاستوحشتُ لذلك، وجزعت، وأخذتني الحمّى والقشعريرة، ورحلت عن القبر لوقتي، ووطَّنتُ نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدَّم إليَّ به.
قال أبو برزة : فقلت له : قد كُفِيتَ ما تحذر من المتوكل، قد قُتِل بارحة الأُولى وأعان عليه في قتله المنتصر.
فقال لي : قد سمعتُ بذلك، وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء.
قال أبو برزة : كان هذا في أوّل النهار، فما أمسى الديزج حتى مات (1).
وعن القاسم بن أحمد بن معمّر الأسدي الكوفي - وكان له عِلم بالسيرة وأيام الناس - قال :
بَلَغَ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد [الريف] يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيصير إلى قبره خَلْق كثير، فأنفذ قائداً من قواده، وضمَّ إليه كنفاً [جماعة] من الجند كثيراً (2) لِيُشعث قبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3) ويمنع الناس من زيارته، والاجتماع إلى قبره
منهم
فخرج القائد إلى الطف (4) وعمل بما أُمِرَ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين، فثارَ أهل السواد به واجتمعوا عليه، وقالوا : لو قُتِلنا عن آخرنا لما أمسَكَ مَن بقي منا عن زيارته. ورأوا من الدلائل
ص: 49
[الكرامات] ما حَمَلَهم على ما صنعوا.
فكتب الأمر إلى الحضرة (1)، فَوَرَدَ كتاب المتوكل إلى القائد بالكفّ عنهم، والمسير إلى الكوفة، مظهراً أن مسيره إليها [كربلاء] في مصالح أهلها، والإنكفاء إلى المصر (2).
فمضى الأمر على ذلك، حتى كانت سنة سبع وأربعين، فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنه قد كثر جمعُهم لذلك، وصار لهم سوق كبير.
فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره.
وَنَبَشَ القبر، وحرث أرضه، وانقطع الناس عن الزيارة، وعمل [المتوكل] على تتبُّع آل أبي طالب والشيعة، فقُتِلَ [المتوكل] ولم يتم له ما قدّره (3).
وعن عبد اللّه بن رابية الطوري قال : حَججتُ سنة سبع وأربعين ومائتين، فلما صدرتُ [ رجعتُ] من الحج صرتُ إلى العراق، فَزُرتُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) على حال خيفة من السلطان، وزرته ثم توجهت إلى زيارة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإذا هو قد حُرِثَ أرضه، ومُخر فيها الماء، وأُرسِلَت الثيران العوامل في الأرض.
فَبِعَيني وبَصَري كنتُ رأيتُ الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم، حتى إذا جازت مكان القبر حادت عنه يميناً وشمالاً، فتضرب
ص: 50
بالعصا الضرب الشديد، فلا ينفع ذلك فيها، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب.
فما أمكنتني الزيارة، فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول :
تاللّه إن كانت أمية قد أتت****قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها***هذا - لَعَمرك - قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا***في قتله، فتتبَّعوه رميما
فلما قدمت بغداد سمعتُ الهايعة (1) فقلت : ما الخبر ؟
قالوا : سقط الطائر (2) بقتل جعفر المتوكل، فعجبت لذلك وقلتُ : إلهي! ليلة بليلة (3).
وعن محمد بن الحسين الأشناني قال : بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها، وساعدني رجل من العطارين على ذلك.
فخرجنا زائرین، نكمن النهار، ونسير الليل، حتى أتينا نواحي الغاضرية وخرجنا منها نصف الليل، فسرنا بين مسلحتين (4) وقد ناموا، حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمُّه، ونتحرى جهته حتى أتيناه، وقد قُلعَ الصندوق الذي كان حواليه وأحرِق، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن، وصار كالخندق فَزُرناه، وأكبينا عليه، فشممنا منه رائحةً ما شممت مثلها قط كشيء من الطيب.
فقُلتُ للعطار الذي كان معي : أيُّ رائحة هذه ؟.
فقال : لا، واللّه ما شممتُ مثلها كشيء من العطر.
ص: 51
فودّعناه [ القبر] وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع.
فلما قُتِل المتوكل اجتمعنا مع جماعة جماعة من الطالبيِّين (1) والشيعة حتى صرنا إلى القبر، فأخرجنا تلك العلامات، وأعدناه إلى ما كان عليه (2)(3).
أقول : لقد قرأتَ كيف بذل المتوكل مساعيه وجهوده للقضاء على آثار أهل البيت النبوي الطاهر، وعلى مرقد سيد الشهداء الإمام أبي عبد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومنع الناس عن زيارة قبره.
ولكن، لما مات المتوكل عادت المياه إلى مجاريها، وعاد الناس إلى زيارة ذلك المرقد الشريف.
وكان المتوكل المسكين! لم يسمع حديث أُمِّ أيمن عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - حول قبر الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) - :«... ولتجتهدن أئمة الكفر، وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً، وأمره إلا عُلُوّاً...»(4).
نعم.. مات المتوكل، وارتفعت الموانع، وزالت الحواجز، وأقبلت الجماهير من كل فج عميق، للمثول أمام مرقد سيد الشهداء الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وقد زاره في خلال هذه القرون آلاف الملايين من كافة طبقات الناس، وعلى اختلاف لغاتهم وقوميّاتهم، ودرجاتهم، من ملوك وسلاطين ووزراء وأمراء، وفقهاء وشخصيات لامعة من شتى بقاع الأرض ، ومن جميع القارات، وقطعوا آلاف الكيلو مترات براً وبحراً
ص: 52
وجوّاً، وتجشّموا وعشاء الطريق، وصرفوا ألوف الملايين من الأموال للحضور أمام ذلك المرقد الأطهر الأقدس، كي يعبّروا عن حبّهم وولائهم للإمام، تقرّباً إلى اللّه تعالى وإلى رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
بالاضافة إلى مواكب العزاء الجماهيرية التي كانت ولا تزال تقصد كربلاء المقدسة في مناسبات خاصة كالنصف من شعبان وعاشوراء والأربعين وغيرها.
وبين كل فترة وأخرى كان يقفز على منصة الحكم رجال يبذلون جهوداً كثيرة متنوعة للحيلولة دون زيارة ذلك المرقد الأنور، وخاصة في هذا القرن.
ولكن تلك الجهود كانت تبوء بالفشل عند سقوط أولئك الرجال، وتتبخر نشاطاتهم عند تقوّض عُروشهم.
وقد طرأت تطورات كثيرة، وحدثت حوادث عديدة على هذا المرقد الشريف من يوم دفن الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى حين تأليف هذا الكتاب وتحرير هذه السطور سنة 1408 من بناء وهدم ونهب وغير ذلك، وقيام الملوك والسلاطين والأشراف بتعميم هذا المرقد، والهدايا من الفرش والنفائس والستائر والمعلقات التي أهديت إلى تلك الروضة الشريفة.
بالإضافة إلى المساجد والمدارس والحسينيات التي شيّدت والبساتين والمزارع والأسواق والحوانيت والبيوت التي أوقفها أهلها في مدينة كربلاء لكي تصرف وارداتها على الزائرين والروضة المقدسة.
وأرجو اللّه تعالى أن يوفقني لأسجّل بعض ذلك في كتاب (الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المهد إلى اللّحد) إن شاء اللّه.
ص: 53
من الواضح أن الأعمال السيئة والتصرفات الحاقدة من المتوكل، كانت تورث التذمّر والإنزعاج والإستياء بين الشيعة بصورة عامة، والعلويين بصورة خاصة.
ولهذا جاء في كتاب عيون المعجزات :.. فأقبل عليه الهاشميّون وقالوا : يا سيدنا ما في هذا العالم أحدٌ يُستجاب دعاؤه ويكفينا اللّه به ؟! ؟!.
فقال لهم أبو الحسن [الهادي] : في هذا العالَم مَن قُلامةُ ظُفْره أكرم على اللّه من ناقة ثمود، لمّا عُقرت الناقة صاح الفصيل إلى اللّه تعالى، فقال اللّه سبحانه : «تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»(1).
فقُتل المتوكل يوم الثالث.
وروي أن رجلاً من أهل المدائن كتب إليه [الإمام [الهادي] يسأله عمّا بقي من مُلك المتوكل ؟ فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ «تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ»(2).
فَقُتِل [المتوكل] في أوّل الخامس عشر (3).
أقول : الآيات التي كتبها الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في جواب الرجل المدائني - ترتبط بقصة النبي يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتوضيح ذلك - باختصار - : إن ملك مصر رأى في المنام رؤيا،
ص: 54
فعبّرها النبي يوسف بأن عليكم أن تزرعوا سبع سنين متوالية، فكل ما حصدتم فاتركوه في سُنبله - كي لا يتسوّس ولا يفسد - ولا تذروه ولا تدوسوه، ولا تأخذوا منه «إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ» ثم تأتي سبع سنوات ثانية، يعاني الناس فيها من القحط الشديد، فعند ذلك اخرجوا ما احتفظتم به.. فهذه أربعة عشر عاماً.
وقد أجاب الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه الآيات، إشارة إلى أن مدة حكومة المتوكل هي أربعة عشر عاماً فقط، ولهذا قتل في أول الخامس عشر.
قال المسعودي - في (مروج الذهب) - : حدّث البحتري قال : اجتمعنا ذات يوم -الندماء - في مجلس المتوكل، فتذاكرنا أمر السيوف، فقال بعض مَن حضر : بلغني يا أمير المؤمنين! أنه وقع - عند رجل من أهل البصرة - سيف من الهند ليس له نظير، ولم يُرَ مثله.
فأمر المتوكل بكتاب إلى عامل [والي] البصرة يطلبه بشرائه بما بلغ.
فنفّذ الكتاب على البريد، وورد جواب عامل البصرة بأن السيف اشتراه رجل من أهل اليمن، فأمر المتوكل بالبعث إلى اليمن بطلب السيف وابتياعه، ونفذت الكتب بذلك.
قال البحتري : فبينا نحن عند المتوكل إذ دخل عليه عبيد اللّه [بن خاقان] والسيف معه وعرّفه أنه ابتاعه من صاحبه باليمن بعشرة آلاف درهم.
فسرّ بوجوده، وحمد اللّه على ما سهّل من أمره، وانتضاه (1) فاستحسنه، وتكلم كل واحد بما يحب، فأخذه وجعله تحت فراشه.
ص: 55
فلما كان من الغداة قال للفتح [بن الخاقان ] : أطلب لي غلاماً تثق بنجدته وشجاعته أَدفع له هذا السيف ليكون واقفاً على رأسي، لا يفارقني في كل يوم ما دمتُ جالساً.
قال : فلم يستتم كلامه حتى أقبل باغر التركي، فقال الفتح : يا أمير المؤمنين هذا باغر التركي، قد وصف لي بالشجاعة والبسالة، وهو يصلح لما أراده أمير المؤمنين.
فدعا به المتوكل، فدفع إليه السيف، وأمره بما أراد، وتقدّم أن يُزاد في مرتبته وأن يضعف له الرزق [الراتب].
قال البحتري : فواللّه ما انتُضِي ذلك السيف، ولا خرج من غمده - من الوقت الذي دفعه إليه - إلّا في الليلة التي ضربه فيها باغر التركي بذلك السيف.
وأما كيفية قتل المتوكل فنذكرها بصورة موجزة رعاية للإختصار :
أراد المتوكل أن يصلي بالناس أوّل جمعة في رمضان، وشاع في الناس، واجتمعوا لذلك وخرج بنو هاشم من بغداد لرفع القصص، وكلامه إذا ركب.
فلما كان يوم الجمعة وأراد الركوب للصلاة، قال له عبيد اللّه بن يحيى، والفتح بن خاقان : إن الناس قد كثروا من أهل بيتك وغيرهم، فبعض : متظلّم، وبعض : طالب حاجة، وأمير المؤمنين [المتوكل] يشكو ضيق الصدر ووعكة به، فإن رأى أمير المؤمنين! أن يأمر بعض وُلاة العهود (1) بالصلاة، ونكون معه، فليفعل!
ص: 56
فأمر [المتوكل] المنتصر بالصلاة، فلما نهض للركوب قالا له : يا أمير المؤمنين! إن رأيتَ أن تأمر المعتز بالصلاة، فقد اجتمع الناس لتشرفه بذلك، وقد بلغ اللّه به.
فأمر [المتوكل] المعتزّ، فركب فصلّى بالناس، وأقام المنتصر، فزاد ذلك في إغرائه فلما كان عيد الفطر قال [المتوكل] : مُروا المنتصر يصلّي بالناس!.
فقال له عبيد اللّه : قد كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين في يوم الجمعة، فاجتمعوا فلم يركب أمير المؤمنين، ولا نأمن - إن هو لم يركب [للصلاة] - أن يرجف الناس بعِلَّته، ويتكلموا في أمره، فإن رأى أمير المؤمنين أن يسرّ الأولياء، ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل.
فأمرهم بالتأهب والتهيؤ لركوبه، فركب، وقد صفّ له الناس أربعة أميال، وترجّلوا بين يديه، فصلّى بالناس وانصرف إلى منزله.
وكان المتوكل قد قرر أن يكون غداؤه - مع حاشيته - في دار عبد اللّه بن عمر البازيار، على أن يفتك بالمنتصر، ويقتل وصيفاً وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ووجوههم.
فكثر عبثه - قبل ذلك بيوم - بالمنتصر، مرّة يشتمه، ومرّة يسقيه فوق طاقته، ومرّة يأمر بصفعه، ومرَّة يتهدده بالقتل، ثم قال - للفتح. - : برئت من اللّه، ومن قرابتي من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إن لم تلطمه (يعني المنتصر).
فقام [الفتح] فلطمه مرتين، ثم أمرَّ يده على قفاه
ثم قال [المتوكل] - لمن حضره - : اشهدوا عَلَيَّ جميعاً : أني قد خلعت المستعجل - يعني المنتصر -.
ثم التفت [المتوكل] إليه فقال : سمّيتُك المنتصر، فسّماك
ص: 57
الناس - لحُمقك - : المنتظر. ثم صرت الآن المستعجل.
فقال المنتصر : لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل عَلَيَّ مما تفعله بي.
فقام المنتصر وخرج من مجلس المتوكل، وأخذ معه الحاجب الخاص للمتوكل واسمه (زرافة) وحارساً آخر.
وقام بُغا الشرابي بتنفيذ المؤامرة، وأمر ندماء المتوكل بالإنصراف إلى حُجَرِهم، وكان المتوكل قد شرب أربعة عشر رطلاً من الخمر، فخرج الندماء، وأغلقت الأبواب كلّها، إلا باباً كان يخرج إلى الشط، فأقبل الأفراد الذين انتخبوا لقتل المتوكل - من باب الشط ومعهم باغر التركي ومعه ذلك السيف الذي جَلَبه المتوكل من اليمن، وسيوفهم مسلولة، فَبصر بهم أبو أحمد فقال : ما هذا يا سُفَل ؟ فرفع المتوكل رأسه فرآهم فقال : ما هذا يا بغا ؟ فرجع الأفراد إلى ورائهم فقال لهم بغا : يا سُفَل! انتم مقتولون لا محالة، فموتوا كراماً.
فابتدره بغلون فضربه على كتفه وأُذُنه فَقَدَّه، فقال [المتوكل] : مهلاً قطع اللّه يدك، وأراد الوثوب به، واستقبله بيده، فضربها فأبانَها، وشارَكَه باغر. فقال الفتح [بن خاقان] : ويلكم! أمير المؤمنين!!.
فرمى الفتح بنفسه على المتوكل، فأقبل الأفراد يضربونه بأسيافهم حتى قطعوه، وخرج القوم إلى المنتصر، فسلّموا عليه بالخلافة، وبايعه القُوّاد والحُجّاب وغيرهم وأشاعوا - في الناس - أن الفتح بن الخاقان قتل المتوكل، فقتلناه قصاصاً!!.
وأرسلوا إلى المعتز والمؤيّد فحضرا وبايعا، وانتهى كل شيء، وكأن لم يكن هناك حادث (1).
ص: 58
وصدق الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيث قال : (.. وعاشرهم أكفرهم، يقتله أخصُّهم به).
نعم، هذا المتوكل، وهذه نبذة من أعماله، ولكن تعال وانظر إلى علماء السوء كيف تجاهلوا هذه المخازي، فقالوا فيه خيراً وكتبوا عنه : إنه من أهل الجنّة! وإنه ناصر السُّنّة، ومن أولياء اللّه ومجاوريه في حظيرة القدس (1)!!.
ورثاه البحتري - الذي كان يدور في فلك المتوكل، ويجلس على مائدته، بعد أن باع دينه وضميره وآخرته للمتوكل - فقال :
«هكذا فلتكن منايا الكرام***بين ناي ومزهر ومدام
بين كأسين، أورثاه جميعاً***:كأس لذاته، وكأس الحمام
لم يُذلّ نفسَه رسول المنايا***بِصُوف الأوجاع والأسقام
هايَهُ مُعلناً، فَدَبٌ إليه***فى كسور الدجى بحد الحسام»
ولا بأس بالإشارة إلى ما تضمنته بعض أبيات البحتري في رثاء المتوكل فإنه يقول :
هكذا فلتكن منايا الكرام***بين عُودٍ ومزهر ومدام
إن معنى الرثاء : ندبة الميت، وتعداد محاسنه ومكارمه، في الشعر أو النشر، ولكن البحتري يعد من محاسن المتوكل موته بين آلات اللهو والغناء من الناي، والمزهر - بكسر الميم - من آلات الملاهي وهي عود الغناء، وبين المدام وهي الخمر.
وأنه مات بين كأسين : كأس الخمر وكأس الموت.
يقول البحتري : هكذا ينبغي أن يموت الكرام وهم الأشراف المحترمون.
ص: 59
ثم يقول : إن رسول المنايا وهو ملك الموت ما أذلّ نفس المتوكل بالأمراض والأوجاع، وخاف ملك الموت أن يأتيه عَلَناً، فجاء لقبض روحه في ظلام الليل!!.
ذكرت هذا الشرح الموجز ليعرف القارىء النبيه كيف أن المقاييس تختل عند الشواذ من الناس، وأن حُب الشيء يُعمي ويُصم، ولعل البحتري نظم هذه الأبيات وهو سكران.
ص: 60
انتقلت إليه السلطة في صبيحة اليوم الذي قتل فيه المتوكل، وقد ذكرنا أنه شاع في الناس : أن الفتح بن الخاقان قتل المتوكل، فقتله المنتصر قصاصاً. وهكذا ضاع دم المتوكل، ولم يتحرّك متحرّك للطلب بثاره.
وفي كتاب (مقاتل الطالبيين) : وكان المنتصر يُظهر الميل إلى أهل هذا البيت، ويخالف أباه في أفعاله، فلم يَجْرِ منه على أحدٍ منهم قَتلٌ أو حبس أو مكروه.
وذكر الطبري : أن المنتصر لما ولّي الخلافة كان أوّل شيء أحدثه من الأمور عزل صالح بن علي عن المدينة، وتولي-ة علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد – إياها.
فَذُكِر عن علي بن الحسين - هذا - أنه قال : دخلتُ عليه لأودعه، فقال لي : يا علي، إني أُوَجِّهك إلى لحمي ودمي - ومَدّ جلد ساعده - وقال : إلى هذا وجهتك، فانظر كيف تكون للقوم، وكيف تعاملهم ؟ يعنى آل أبي طالب.
ص: 61
فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين - أيده اللّه - فيهم، إن شاء اللّه فقال : إذن تسعد بذلك عندي (1).
وتنتصب - هنا - علامة الاستفهام عن سبب مخالفة المنتصر لأبيه المتوكل تجاه العلويين ؟، وهنا احتمالان :
1 - إن المنتصر أدرك سوء أفعال أبيه تجاه العلويين، من قتل وتشريد، وهتك حرمات، واستهتار، وخاصة موقفه تجاه قبر الإمام أبي عبد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) والقساوة التي انتهجها مع زوار قبره الشريف.
وكذلك موقفه الشاذ ضد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقيامه بأنواع الأذى والإهانة - وستعرف بعض ذلك في المستقبل القريب -.
فأراد المنتصر امتصاص النقمة من الشعب، وخاصة من الشيعة الموالين لأهل البيت، كما فعله المأمون العباسي بعد أبيه هارون الرشيد من تغيير السياسة مع العلويين.
ولكن هذا الإحتمال ضعيف، لأن التواريخ تشهد أن المنتصر كان يختلف عن أبيه المتوكل مذهباً وعقيدة، وعقلاً وعلماً، ولهذا كان موقفه تجاه الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يختلف عن موقف أبيه.
وكان المتوكل يعلم بتعاطف المنتصر مع العلويين بصورة عامة، ومع الإمام الهادي بصورة خاصة وهذا ما تعرفه من خلال ما يرويه المنتصر نفسه حيث يقول :
زَرَعَ والدي الأس (2)في بستان، وأكثَرَ منه، فلما استوى الأس كلّه وحَسُنَ، أمر الفرّاشين أن يفرشوا له الدكان (3) الذي في وسط
ص: 62
البستان، وأنا قائم على رأسه، فرفع رأسه إليّ وقال : يا رافضي سَلْ ربك الأسود عن هذا الأس الأصفر، ما له - من بين ما بقي من هذا البستان - قد اصفَرٌ ؟ فإنك تزعم أنه يعلم الغيب!!.
فقلت : يا أمير المؤمنين، إنه لا يعلم الغيب.
فأصبحتُ، وغدوتُ إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الغد، وأخبرتُه بالأمر، فقال : يابنيّ! امضِ أنت، واحفر أصل الأس الأصفر، فإن تحته جُمجمةٌ نَخِرة، اصفرارها لبخارها ونَتنِها.
قال [ المنتصر ] : ففعلت ذلك، فوجدتُه كما قال.
ثم قال لي : يا بني لا تخبرنَّ لأحد بهذا الأمر، فلن نحدّثك بمثله (1).
أقول : أجلب انتباه القارىء النبيه إلى ما تضمنه هذا الخبر العجيب المضحك :
إن المتوكل كان يعلم بتعاطف المنتصر مع الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنه يعتقد بإمامته، ولهذا قال له : يا رافضي!!.
وحيث أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان أسمر اللون، ولهذا قال المتوكل للمنتصر : «سل ربّك الأسود!» فإنه يعتبر المنتصر القائل بإمامة الإمام الهادي معتقداً بربوبية الإمام الهادي، ثم يعبّر عن الأسمر بالأسود!!.
ثم يقول : سَل الإمام : لماذا اصفرت شجرة الآس ؟.
شجرة الأس في بستان المتوكل، ولعل الإمام الهادي لم يدخل ذلك البستان أبداً، فكيف يعلم سبب اصفرار تلك الشجرة ؟
انظر إلى هذا التناقض في فكرة المتوكل، فإنه يعتقد أن الإمام
ص: 63
الهادي (بعلم الإمامة) يعلم سبب اصفرار تلك الشجرة، ولكن بغضه وخبثه وعداؤه يحمله على الإساءة إلى الإمام قولاً وفعلاً.
ومما يدل على حُسن رأي المنتصر في الإمام الهادي بصورة خاصة، وفي أهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بصورة عامة هو ما ذكره الشيخ الطوسي في (الأمالي) :
قال ابن خنيس : قال أبو الفضل (1) : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) فسأل [ المنتصر] رجلاً من الناس عن ذلك ؟ فقال له : قد وجب عليه القتل، إلا أنه مَن قَتَل أباه لم يَطُلْ له عُمر.
فقال [ المنتصر] : ما أُبالي - إذا أطعتُ اللّه بقتله - أن لا يطول لي عُمر. فقتله، وعاش بعده سبعة أشهر» (2).
وفي اليوم الخامس من شهر ربيع الأول (أي بعد انقضاء ستة أشهر من خلافته) مات المنتصر واختلفوا في سبب موته، والمشهور أنه مات مسموماً (3)، ولا يهمنا نقل الأقوال في ذلك.
ص: 64
اسمه : أحمد بن المعتصم ويلقب بالمستعين
انتقلت إليه السلطة - بعد هلاك المنتصر - وعمره ثمان وعشرون سنة.
وكان المفروض أن تنتقل السلطة - بعد المنتصر - إلى أحد أخوانه، إلا أن الأتراك والغلمان - المسئولين على مراكز القوة - قرروا أن ينتخبوا أحمد بن المعتصم للحكم، واتفقوا على أن لا ينتخبوا أحداً من أولاد المتوكل، مخافة أن ينتقم منهم لدم أبيه الذي قتلوه.
وبعد ثلاث سنوات وأشهر من حكمه، اضطربت الأحوال، وهاجت الفتن، وخرج المستعين من سامرّاء إلى بغداد.
وأخيراً.. خلعه الأتراك وأزاحوه عن منصّة الحكم.
ص: 65
انتقلت السلطة - بعد المستعين - إلى محمد بن المتوكل، ولقَّبه الأتراك بالمعتز. وبعد قضايا وحوادث كثيرة - يطول الكلام بذكرها - قتل المعتز المستعينَ، بعد التعذيب.
والمعتز هذا، هو الذي دسّ السُم إلى الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقضى على حياته المباركة.
وسوف نذكر بعض التفاصيل في نهاية الكتاب - ونذكر بقية التفاصيل في كتاب الإمام العسكري من المهد إلى اللّحد، إن شاء اللّه تعالى.
ص: 66
حاشية الرجل : بطانته وخواصّه.
ولا تخلو الشخصيات البارزة من الحاشية.
وقد تؤثر الحاشية على عقليّة صاحب الحاشية ونفسيته، في أفكاره وأعماله، وقد تكون النتيجة التأثير على مجرى حياته، وعواقب أموره، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فَشَرٌ.
وكان للحكّام العباسيين - كغيرهم - حواش قد استلموا أُمور البلاد ومقدّرات العباد، يفعلون ما يريدون، ويصنعون ما يشاؤون، تاركين الخليفة منغمساً في شهواته وملذّاته، وسُكره وغنائه وكانت مئات الملايين من الدنانير والدراهم، والهدايا والتحف، وأنواع الأقمشة الفاخرة وكميات هائلة من المسك والعنبر وغيرهما من أنواع الطيب، وكذلك الزكوات والغنائم وأموال الخراج وغير ذلك تُحمل من شرق الأرض وغربها إلى القصور الملكية، ويستلمها الحاشية وهم الوزراء والكُتاب، والحُجّاب وغيرهم، ويتصرّفون بها كما يشاؤون، ويجعلون شيئاً منها في خزينة الدولة، وهي حُصّة الخليفة.
وكان هؤلاء الحواشي باعوا دينهم وضمائرهم إلى الخلفاء، واستراحوا.
ص: 67
فكانوا يتكلّمون بما يُعجب الخليفة، ويقومون بأعمال يتقرّبون بها إلى الخليفة وإن كان فيها سخط اللّه وغضبه، وإن كان فيها إراقة دماء الأبرياء، وسحق الحقوق ونهب الأموال وهتك الحرمات.
ومن العجب : إن الكثير من اليهود والنصارى انتظموا في سلك تلك الحواشي فهذا طبيب خاص للخليفة، وهذا مُنجِّم، وذاك مُؤدّب أطفال الخليفة، وذلك كاتب، وأمين على بيوت الأموال.
وكان للمجوس ايضاً دور عظيم في أُمور الدولة، وشؤون الحكومة.
وأعجب من كل عجيب أن رجال الحاشية - مع ما كانوا يتقرّبون به إلى الخلفاء من أنواع الجرائم والجنايات - كان مصيرهم وجزاؤهم من الخليفة مصادرة أموالهم، والسجن والإبعاد، والتعذيب والقتل أو الموت تحت التعذيب، وعاقبتهم الخزي والعار.
وسلام اللّه على مَن قال : «مَن أعان ظالماً سَلَّطَه اللّه عليه» وإليك شيئاً من التفصيل :
ذكر الطبري - في حوادث سنة تسع وعشرين ومائتين - :
فمن ذلك : ما كان من حبس الواثق باللّه الكُتّاب وإلزامهم أموالاً فدفع أحمد بن إسرائيل إلى إسحاق بن يحيى بن معاذ، صاحب الحَرَس، وأمره بضربه [أحمد] كل يوم عشرة أسواط، فضربه - فيما قيل - نحواً من ألف سوط، فادی 80,000 دینار.
وأخذ الواثق من سليمان بن وهاب - كاتب إيناخ - : 400,00 دينار.
ومن حسن بن وهب : 14,000 دينار.
ومن أحمد بن الخصيب وكُتّابه :1,000,000 دینار.
ص: 68
ومن إبراهيم بن رباح وكتابه : 100,000 دينار.
ومن نجاح : 60,000 دينار.
ومن أبي الوزير : 140,000 دينار.
فيكون المجموع : (1,794,000) مليون وسبعمائة وأربعة : وتسعين ألف دينار.
وذلك سوى ما أخذ من العمّال [الولاة] بسبب عمالاتهم (1).
ولنترك القارىء يتفكر أن هذه الأموال الطائلة كيف وصلت إلى هؤلاء ؟.
فهل هذه أرباح تجاراتهم التي كانوا يتَّجرون بها ؟! أم الكنوز التي وجدوها ؟!.
كلا، إن هذه الأموال هي التي امتصُّوها من دماء الشعوب، ومن السلب والنهب، فلماذا فسح الواثق لهم المجال في هذه التصرفات ؟ ثم لماذا صادر منهم أموالهم ؟ وأين ذهبت تلك الأموال التي صادرها الواثق ؟ هل رُدَّت إلى أصحابها الحقيقيين ؟ أم انتقلت إلى جيوب الخليفة لشراء الخمور والجواري والمغنيات، وصرفها على المضحكين وأمثالهم ؟ أنا لا أدري، ولعل القارىء النبيه يدري!.
ص: 69
من جملة تلك الحاشية الفاسدة القذرة رجل اسمه عبادة، وبلقّب بالمخنث.
كان هذا الرجس العفن من ندماء المتوكل، وقديماً قيل : إن الطيور على أشكالها تقع، وشبه الشيء منجذب إليه.
كان هذا اللعين يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدَّة، ويكشف عن رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكل، والمُعْنون يُغنُّون : :
قد أقبل الأصلع البطين!***خليفة المسلمين!
فكأنه يحكي ويُمثَّل الإمام علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) والمتوكل يشرب ويضحك.
ففعل ذلك يوماً والمنتصر [ابن المتوكل] حاضر، فأوما إلى عبادة يتهدّده فسكت خوفاً منه، فقال له المتوكل : ما حالك ؟ فقام وأخبره [بتهديد المنتصر إياه ].
فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين! إن الذي يحكيه هذا الكلب [ عبادة] ويُضحك منه الناس هو ابن عمّك، وشيخ أهل بيتك، وبه فَخرُك، وكُلْ أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه.
ص: 70
فقال المتوكل - للمغنّين - : غَنّوا :
غار الفتى لابن عمِّه***رأس الفتى في حَرٌ أُمّه
أقول : يا للغيرة والشرف أنه يذكر عورة زوجته للمغنين حتى يغنّوا بها!
هنيئاً لتلك الأُمة التى يملك زمامها هكذا أفراد!!.
ص: 71
كان إيتاخ غلاماً خزريّاً لسلام الأبرش، وكان طباخاً، فاشتراه منه المعتصم وكان رجلاً فتاكاً، معروفاً بشجاعته وقوته، واشترك في حملة عموريّة، واستمرّت مدة زعامته إلى عهد الواثق ثم المتوكل.
وكان من أراد المعتصم أو الواثق أن يقتله فعند إيتاخ يُقتل، وبيده يُحبَس.
وفي أيام المتوكل كان لإيتاخ وظائف عديدة مهمة، من رئاسة الجيش والمغاربة والأتراك والبريد والحجابة ودار الخلافة.
وخرج المتوكل - أيام خلافته - إلى ناحية القاطول (1)للتنزّه، فشرب الخمر ليلةً، فَعَربَدَ (2) على إيتاخ، فَهَّم إيتاخ بقتله.
فلما أصبح المتوكل قيل له ذلك، فاعتذر إلى إيتاخ.
ولما استقر المتوكل في سامرّاء أوعز إلى بعض الأفراد أن يُشيروا على إيتاخ أن يستأذن من المتوكل في الحج.
ص: 72
فاستأذن إيتاخ، وأذن له المتوكل، فلما رجع من رجع من مكة نحو العراق، أمر المتوكل إسحاق بن إبراهيم أن يجعل طريق إيتاخ على بغداد، فاستقبله الناس، ووصل إيتاخ في ثلاثمائة من أصحابه وغلمانه.
وهيأوا له داراً نزل بها، وأبعدوا عنه غلمانه، ونفّذوا المؤامرة في بغداد حسب أمر المتوكل، ثم أخذوا إيتاخ إلى دار إسحاق، وقيدوه بالحديد الثقيل في عنقه ورجليه، وألقوا القبض على ابنيه وكاتبيه، وحبسوا ابنيه، وضربوا كاتبيه.
فمات إيتاخ من ثقل الحديد، أو من شدّة العطش.
وبقى ابناه في السجن طيلة أيام المتوكل، ولما وصل المنتصر إلى الحكم أطلق سراحهما فمات أحدهما، وعاش الآخر (1).
ص: 73
كان هذا الخبيث النذل من جملة حاشية المتوكل وندمائه وشعرائه.
وإن التعبير يخونني في ترجمة هذه الجرثومة، وما يتّصِف به هذ الحقير، من فقدان الوجدان وتلوّث الضمير، ودناءة النفس، وقذارة الروح، وانحراف الفطرة، وسوء الرأي.
ففي الوقت الذي كان هذا المجرم يدّعي أنه مسلم، كان قلبه مملوءاً حقداً وبغضاً لآل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الطيبين، وتراه كيف يتملق ويتبصبص إلى المتوكل السكير الذي ملأ الدنيا فسوقاً وفجوراً، وظلما وجوراً، ويُسرف في مدحه، ويمس بكرامة أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وينفي استحقاقهم للخلافة والإمامة تقرباً إلى ذلك الطاغوت، وطمعاً في شيء من حطام الدنيا.
لقدمات المتوكل، ومات شاعره مروان، ولكن التاريخ سجل لطخة عارهما في سجلّ حياتهما.
إستمع إلى اعترافاته، وكأنه يفتخر بمخازيه وجرائمه :
أنشدت أمير المؤمنين! [المتوكل] فيه شِعراً، وذكرتُ الرافضة، فعقد لي على البحرين واليمامة، وخلع عَلَيَّ أربع خلع في دار
ص: 74
العامة، وخَلَعَ عَلَيَّ المنتصر، وأمر لي بثلاثة آلاف دينار فَتُثَرت على رأسي، وأمر [المتوكل] ابنه المنتصر وسعداً الإيتاخي يلقطانها لي، ولا أمسّ منها شيئاً، فَجَمَعاها، فانصرفت بها، والشعر الذي قال فيه :
«مُلكُ الخليفة جعفر***للدين والدنيا سلامة
لَكُمُ تراث محمدٍ***وَبِعَدْلكم تنفى الظلامة
يرجو التراث بنو الب...***.. سنات، وما لهم فيها قلامة
والصهر ليس بوارث***والبنت لا ترث الإمامة
ما للذين تنحَّلوا***ميراثكم، إلّا الندامة
أخذ الوراثة أهلها***فَعَلامَ لَومكمُ علامه ؟
لو كان حقّكم لها***قامت على الناس القيامة
ليس التراث لغيركم***لا، والإله، ولا كرامة
أصبحتُ بين مُحبّكم***والمبغضين لكم علامة»
قال : ثم نَشَر على رأسي - لشعر قلته في هذا المعنى - عشرة آلاف درهم.
وامتدح مروان أيضاً المتوكل بقصيدة، منها :
كانت خلافة جعفر كنُبوَّةٍ***جاءت بلا طلب ولا بتنحُّل
وَهَبَ الإله له الخلافة مثل ما***وَهَبَ النبوة للنبي المرسل
أقول : يقصد الشاعر - بقوله - : «يرجو التراث بنو البنات» الأئمة من أولاد السيدة فاطمة الزهراء (عَلَيهِم السَّلَامُ) ويقصد من : «والصهر ليس بوارث» الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن قوله : «والبنت لا ترث الإمامة» السيدة فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ).
فهل ادّعى أحد من الشيعة أن السيدة فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) ورثت الإمامة ؟
لقد رأيت كيف يتقرب هذا المنافق إلى المتوكل بهذه السقطات
ص: 75
من الكلام، ويحاول إثبات خلافة المتوكل، ونفي الخلافة من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإمامة الأئمة من وُلده الذين نصّ عليهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟
فكان جزاؤه من المتوكل أن يهب له الآلاف المؤلفة من الدنانير والدراهم من بيت مال المسلمين، من أموال الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام.
ولم يكتف بذلك، بل يجعله والياً على بلاد البحرين واليمامة، حتى ينفث سمومه في تلك البلاد التي يحكمها!.
ص: 76
كان وزيراً للمعتصم ثم للواثق، وكان - في أيام وزارته لهما - قد أعَدَّ تنّوراً من الحديد، رؤوس مساميره إلى داخل، قائمة مثل رؤوس المسالّ (1) فكانت السلطة إذا غضبت على أحد، صادر جميع أمواله ثم أمر بإلقائه في هذا التنور وتعذيبه.
ودارت الأيام، فغضب عليه المتوكل يوماً، فأمر بإلقائه في ذلك التنور (2) بعد أن عذبه وصادر أمواله، وقيَّده بالحديد، وكان الموكَّلون به يمنعونه من النوم، وينخسونه بالإبرة العظيمة، وأخيراً ضربوه حتى الموت وبعد الموت، ثم سلّموا جنّته إلى ولديه، فغسلاه وحفرا له قبراً ولم يُعّمقاه. قيل : إن الكلاب نبشت قبره وأكلت لحمه (3).
وهكذا انتهت حياة طاغوت من الطواغيت.
«إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى»(4).
«لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ»(5).
«فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ»(6).
ص: 77
ومن المناسب أن أذكر - هنا - قصيدة الأمير الأعظم، أبي فراس : الحارث بن يعلى بن حمدان، الحمداني، المقتول سنة 357 فإنه أمر أن تُشهر خمسمائة سيف بالمعسكر وقت إنشاد هذه القصيدة، في زمان كان فيه بنو العباس الخلفاء، وآل بويه السلاطين، وآل حمدان الأمراء، وتعرف هذه القصيدة ب«الشافية».
وهي من القصائد الخالدة ومذكورة في أكثر المصادر، وقام بعض العلماء بتخميسها وبعضهم بتشطيرها، وتقرأ في بعض المجالس، لأنها تمتاز بمزايا عديدة توفّرت فيها غير مسبوقة، فقد بلغت الذروة في الحماسة، وطابع السياسة، والنقد المعقول، وإحقاق الحق، وتزييف الباطل، وقوّة البيان، وجرأة الإقدام، وتحدّي السلطة، وصراحة اللهجة، وكشف الحقيقة، ومسحة البلاغة، وجودة السرد، ومتانة الحجة، وفخامة المعنى وسلاسة اللفظ.
وتتجلى الروح الثوريّة في كل بيت منها، مما يدل على هياج نفسه، وذلك لمّا اطّلع على قصيدة ابن سكرة العباسي التي يهجو بها العلويين، وهم ذريّة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ
ص: 78
السَّلَامُ) التي مطلعها :
بني علي دعوا مقالتكم***لا ينقص الدرّ وضعُ من وَضَعَه
فجزى اللّه أبا فراس خيراً على هذه الحيوية وغيرته الدينية، وولائه الطاهر وروحيته الثائرة :
الحق مهتضَمٌ، والدين مخترم***وفيء آل رسول اللّه مقتسَمُ
والناس عندك لا ناس فتحفظهم***سوم الرّعاة، ولا شاة ولا نِعَمُ
إني أبيت قليل النوم، أرَّقني***قلبٌ تَصارَعَ فيه الهمُّ والهِمَ
وعزمةُ لا ينام الليل صاحبها***إلا على ظَفَرٍ في طَيِّه كَرَمُ
يُصانُ مُهري لأمر لا أبوح به***والدرعُ والرمحُ والصمصامة الخَدِمُ
وكل مائرة الضبعين مسرحها***رِمث الجزيرة، والخِذراف والعَنمُ
وفتيةً قلبهم قلب إذا ركبوا***يوماً، ورأيُهُمُ رأيّ إذا عزموا
يا للرجال أما للّه منتصرُ***من الطغاة ؟ وما للدين (1) منتقمُ ؟
بَنُو عليّ رعايا في ديارهم***والأمر تملكه النسوان والخدمُ
مُحلّاونَ، فأصفى شربهم وَشَل***عند الورود، وأوفى وردهم لَمَمُ
فالأرض إلا على مُلاكها سعة***والمال إلا على أربابه دِيَمٌ
وما السعيد بها إلا الذي ظلموا***وما الشقي بها إلا الذي ظلموا
للمتقين من الدنيا عواقبها***وإن تعجَّلَ فيها (2) الظالم الأثِمُ
لا يطغينّ بني العباس مُلكِهُمُ***بنو علي مواليهم وإن رغموا
أتفخرون عليهم، لا أباً لكُمُ!***حتی كأنَّ رسول اللّه جدّكُمُ
ولا توازَنَ يوماً بينكم شَرَفٌ (3)***ولا تساوت لكم في موطنٍ قَدَمُ
ولا لَكُم مثلهم في المجد مُتّصلُ***ولا لِجَدُّكُمُ معشار جِدّهُمُ
ولا يعرقكُمُ من عرقهم شَبَهُ***ولا نثيلتكُم من أُمِّهم أُمَم
ص: 79
قام النبي بها (يوم الغدير) لهم***واللّه يشهد والأملاكُ والأمَمُ
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها***باتت تنازَعَها الذوبان والرخِّمُ
وصيّروا أمرهم شورى كأنّهُمُ***لا يعرفون وُلاة الحقّ أيّهمُ ؟
إن عُدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم***أوقيل: من خير أهل الأرض؟ قيل : هُمُ
بيوتهم في قريش يستضاء بها***في النائبات، وعند الحُكم إن حكموا
ثم ادّعاها بنو العباس مُلكَهُم***ولا لهم قَدمُ فيها ولا قِدَمُ
لا يُذكرون، إذا ما مَعشر ذُكِروا***ولا يُحَكِّمُ في أمرٍ لهم حَكَمُ
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه***أهلاً لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هُمُ مُدَّعوها غير واجبةٍ ؟***أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا ؟
تاللّه ما جهل الأقوام موضَعَها***لكنهم ستروا وجه الذي علموا
أما عَليُّ : فقد أدنى قرابتكم***عند الولاية، إن لم تُكفّر النّعَمُ
هل يُنكر الخبر : عبد اللّه نعمته***أبوكُم ؟ أم عبيد اللّه ؟ أم قُثَمُ
بئس الجزاء جزيتم في بني حَسَنٍ***أباهم العَلَمَ الهادي، وأمَّهُمُ
لا بيعةً رَدَعتكم عن دمائهُم***ولا يمين، ولا قُربى، ولاذِمَمُ
هَلّا صفحتم عن الأسرى بلا سَبَب***كالصافحين ببدرٍ عن أسيركمُ
هلّا كففتُم عن الديباج سَوطَكُمُ (1)***وعن بنات رسول اللّه سَبَّكُمُ
ما نُزِّهَت لرسول اللّه مُهجته***عن السياط، فألّاً نُزِّه الحرم
ما نال منهم بنو حرب وإن عظُمت***تلك الجرائر، إلا دون نيلكُمُ
کم غَدرة لكُم في الدين واضحةٍ***وكم دَم لرسول اللّه عندكُمُ
ءانتم اله فيما ترون وفي (2)***أظفاركم من بنيه الطاهرين دَم ؟
هيهات لا قُربت قربى ولا نَسبٌ***يوماً، إذا أقصت الأخلاق والشَيمُ
كانت مودّة سلمان لهم رَحِماً***ولم يكن بين نوح وابنه رَحِمُ
یا جاهداً في مساويهم يكتمّها***غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم ؟
ص: 80
ذاقَ الزبيري غبَّ الحنث، وانكشفت***عن ابن فاطمة الأقوالُ والتّهمُ
ليس الرشيد كموسى في القياس، ولا***مأمونكم كالرضا، إن أنصف الحَكَمُ
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته***وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عُصبة شقيت من بعدما سعدت***ومعشراً هلكوا من بعدما سلموا
لبئس ما لقيت منهم وإن بليت***بجانب الطف تلك الأعظمُ الرممُ
لا عن أبي مسلم في نُصحه صفحوا***ولا الهبيرى نجا الحَلف والقَسَمُ
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا***فيه الوفاء، ولا عن عَمِّهِم حَلموا
أبلغ لديك بني العباس مالكةً***لا تدَّعوا ملكها، مُلاكُها العَجمُ
أي المفاخر أضحت في منابركم (1)***وغيركم آمر فيها ومحتكم
وهل يزيدكم في مفخرٍ عَلَمٌ***وبالخلاف عليكم يخفق العَلَمُ
يا باعة الخمر كُفُّوا عن مفاخركم***لمعشر بيعهم يوم الهياج دَمُ
خَلّوا الفخارَ لِعلامين إن سُئِلوا***يوم السؤال، وعَمّالين إن علموا
لا يغضبون لغير اللّه إن غضبوا***ولا يُضيعون حَقَ اللّه إن حكموا
تنشى التلاوة في أبياتهم أبداً (2)***وفي بيوتكم الأوتار والنغمُ
منكم عَليّة أم منهم ؟ وكان لكم***شيخ المغنين إبراهيم أم لهُمُ ؟
أم من تشاد له الألحان سائرة***عليهم ذو المعالي، أم عليكم ؟
إذا تلا سورة غنى إمامكُم:***قِف بالديار (3) التي لم يعفها القِدَمُ
ما في ديارهم للخمر مُعتصَرُ***ولا بيوتهُمُ للسوء مُعتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادِمُهُم***ولا يُرى لهم قرد له حَشَمُ
الركن والبيت والاستار منزلهم***وزمزم، والصفا والخيف والحَرَمُ
وليس من قسم في الذكر نعرفه***الّا وهم غير شك ذلك القسم
يكاد يمسكه عرفان راحته***ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
صلّى الإله عليهم كلما سجعت***ورقٌ، فَهُم للورى كهف ومعتصم
ص: 81
مكث الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المدينة المنورة، بعد وفاة أبيه : الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتى بلغ من العمر عشرين سنة أو إحدى وعشرين سنة.
ومن الواضح أن أهل المدينة - بصورة عامة - والشيعة - بصورة خاصة - كانوا ينظرون إليه بكل احترام وتعظيم، لنَسَبه الشريف وفضائله ومكارم أخلاقه.
فالشيعة كانوا يعتقدون بإمامته، ويأخذون منه الأحكام الشرعية، ويلتجئون إليه في مسائلهم ومشاكلهم، فيستقبلهم برحابة صدره، ويتعاطف معهم في أُمورهم.
ومن الطبيعي أن تتكوّن له شعبية واسعة في مجتمع المدينة المنوّرة بين شتى الطبقات طيلة بقية أيام المعتصم والواثق، أي إلى سنة 223 ه.
ثم قفز المتوكل على منصة الحكم، وأظهر بغضه وحقده على آل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) واشتهر ذلك منه، وخاصة أنه أرسل عمر بن الفرج إلى المدينة المنوّرة وكان عمر بن الفرج على
ص: 82
دين المتوكل ومذهبه، فكان يشدّد على العلويين.
وكان عبد اللّه بن محمد (بريحة)(1) - والي المدينة - يرفع التقارير - ضد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى المتوكل، ومرة كتب إليه :
«إن كان لك في الحرمين [مكة والمدينة] حاجة فأخرج علي بن محمد منهما، فإنه قد دعا الناس إلى نفسه، واتبعه خَلْق كثير» (2).
وتابَعَ بُرَيحَة الكتب في هذا المعنى (3).
وكانت هذه التقارير تصل إلى المتوكل فيزداد غيظاً وغضباً على الإمام الهادي ويشعر بالخطر على حكومته وعرشه.
أليس من العجيب أن يخاف المتوكل - الذي كان يحكم على نصف الكرة الأرضية، ويسكن في سامرّاء في العراق - يخاف من شاب له من العمر عشرون سنة، ويسكن في المدينة المنوّرة، وبينهما آلاف الكيلومترات، ولا يملك شيئاً من الإمكانات المادية كالأموال والجيوش وأمثال ذلك ؟!
ولم يكتف بريحة برفع التقارير ضد الإمام، بل كان يتحامل عليه أي يكلّفه ما لا يطيق، ولا نعلم بالضبط نوعية ذلك التحامل.
وعَلم الإمام الهادي بتلك التقارير فكتب إلى المتوكل يشكو من بريحة، ويزيف تلك التقارير، فإن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكن بحاجة إلى دعوة الناس إلى نفسه بل كان الشيعة - المعتقدون بإمامة آبائه الطاهرين - يعتقدون بإمامته أيضاً، حسب النصوص الثابتة
ص: 83
والأدلة القاطعة عندهم.
ولكن أعوان الظَّلَمة يتقرَّبون إلى أسيادهم بكل تزوير وكذب، إثباتاً لِوَلائهم، وتزلّفاً إلى المجرمين الطغاة، وهذه السُّنة القذرة جارية في أكثر الأمصار والأعصار.
فكتب المتوكل كتاباً إلى الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يطلب منه المجيء إلى سامرّاء، وقد ذكر الشيخ المفيد (عليه الرحمة) - في الإرشاد - والشيخ الكليني (رحمه اللّه) - في الكافي - نص ذلك الكتاب مع تغيير يسير في الكلمات، نشير إلى بعضها في الهامش.
وقد التبس الأمر على شيخنا المفيد (قدس سرُّه) أو على النساخ حول تاريخ هذه الرسالة، فلا بأس بذكر منشأ السهو الذي حصل :
إن الكليني روى هكذا :
«محمد بن يحيى، عن (بعض أصحابنا) قال : أخذتُ - نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) من يحيى بن هر ثمة - في سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وهذه نسخته...».
أقول : من الواضح أنّ (بعض أصحابنا) أخذ كتاب المتوكل من يحيى بن هرثمة في سنة 243 ه لا أن تاريخ ذلك الكتاب كان في سنة 243 ه.
والدليل على ذلك أن الكليني لم يذكر تاريخ الرسالة في آخرها، وإنما كان ختام الرسالة بقوله : وكتب إبراهيم بن العباس.
ولعل الشيخ المفيد روى هذه الرسالة عن الكافي والتبس الأمر على النسّاخ في تاريخها، لأن مما لا شك فيه أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) توفي سنة 254 ه وكانت مدة إقامته في سامرّاء - إلى أن توفي فيها - عشرين سنة وأشهر كما صرّح بذلك الطبرسي في كتاب إعلام الورى بقوله : «وكان مقامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِسُرَّ من رأى - إلى أن
ص: 84
توفي - عشرين سنة وأشهر»(1).
وقد صرّح الطبري بذلك في تاريخه ج 7 ص 348.
ومن الصحيح أن نقول : إن هذا موضع وفاق واتفاق المؤرخين والمحدّثين المتقدمين.
وهنا ننقل نصَّ الرسالة عن كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، ونذكر الفوارق عن كتاب الكافي في الهامش، تتميماً للفائدة :
(كان سبب شخوص أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى سُرَّ من رأى أن عبد اللّه بن محمد (2) كان يتولّى الحرب والصلاة في مدينة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسعى (3) بأبي الحسن [ [الهادي] إلى المتوكل، وكان عبد اللّه ] يقصده بالأذى.
وبلغ أبا الحسن سعايته به، فكتب إلى المتوكل يذكر تَحامُل عبد اللّه بن محمد عليه وكذبه فيها سعى به، فتقدم [أمَرَ] المتوكل بإجابته عن كتابه، ودعائه [دَعْوَتِهِ] فيه إلى حضور العسكر [سامرّاء] على جميل من الفعل والقول، فخرجت نسخة الكتاب وهي :
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أما بعد : فإن أمير المؤمنين! عارف بقدرك، راع لقرابتك! مُوجب لحقّك!، مؤثر (4) من الأمور - فيك وفي أهل بيتك - ما يصلح (5) اللّه به حالك وحالهم! ويثبت (6) من عِزّك وعِزّهم،
ص: 85
ويُدخل (1) الأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضا ربه وأداء ما فُرِض (2)عليه فيك وفيهم!.
وقد رأى أمير المؤمنين! صرف عبد اللّه بن محمد عمّا كان يتولّاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول (3) (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذ كان على ما ذكرتَ من جهالته بحقّك، واستخفافه بقدرك، وعندما قرفك (4) به، وَنَسَبَك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين! براءتك منه، وصِدقَ نيَّتك في بِرّك (5) وقولك، وأنك لم تُؤهِّل نفسك لما قُرِفتَ (6) بِطَلَبه.
وقد ولّى أمير المؤمنين! ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك، والانتهاء [الإطاعة] إلى أمرك ورأيك، والتقرّب إلى اللّه وإلى أمير المؤمنين! بذلك.
وأمير المؤمنين! مشتاق إليك!، يحبّ إحداث العهد بك والنظر إليك فإن نشطت لزِيارته، والمُقام قِبَلَه ما أحببت (7) شَخَصت ومَن اخترتَ مِن أهل بيتك، ومَواليك وَحَشَمِك، على مهلة وطمأنينة، ترحل إذا شئت، وتنزل إذا شئتَ، وتسير كيف شئت!!
وإن أحببتَ أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين! ومَن معه من الجُند (8) يرحلون برحلك (9) ويسيرون بسيرك، فالأمر ذلك
ص: 86
إليك (1).
وقد تقدّمنا أمرنا] إليه بطاعتك، فاستخر اللّه حتى توافي أمير المؤمنين!.
فما أحدٌ - من إخوانه وولده وأهل بيته، وخاصَّته - ألطف منه منزلةٌ ولا أحمد لهم (2) إثرةً، ولا هو لهم أنظَر، ولا عليهم أشفَقَ، وبهم أبَرَّ، وإليهم أسكن منه إليك (3) والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته (4).
وكتب إبراهيم بن العباس في شهر جمادي الآخرة من سنة ثلاث وأربعين ومائتين (5).
أقول : أيها القاريء النبيه! لقد قرأت - في هذه الرسالة - إن المتوكل كيف يُعبِّر عن نفسه بكلمة : «أمير المؤمنين» سبع أو ثمان مرات، لإثبات جبروته وكبريائه، وإخضاع الإمام ؟.
ثم يُظهر الشوق إلى رؤية الإمام والنظر إليه، ويلتمس منه أن يتوجّه إلى سامرّاء إن كان يرغب إلى ذلك، ثم يذكر : بأن يحيى بن هرثمة وجُنده يرافقون الإمام، ويكونون في موكبه احتراماً وتجليلا للإمام - على حدّ زعمه -.
ولكن يحيى بن هرثمة يقوم بعمليّة اقتحام دار الإمام وتفتيش ما فيها، وستقرأ اعترافات يحيى في أواخر هذا الكتاب - في حرف الياء -.
ص: 87
كان المتوكل يتصور أن الإمام الهادي ينخدع بهذه الكلم المزوّرة، وتلتبس عليه الحقائق ويُحسن الظن بالمتوكل، ويُصدّق ما جاء في تلك الرسالة المليئة بالخداع والدجّل!.
فهو يريد أن يُخرج الإمام من وطنه - ومن جوار مرقد جده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومركز قيادته، ومحلّ تجمّع شيعته - بهذه الحيل، ويجلبه إلى سامرّاء ليكون تحت الرقابة المشدّدة وفي متناول يد المتوكل، يقتله في أي وقت شاء، بعد أن يجمد نشاطاته وإنجازاته، لأن عميله - على المدينة - قد كتب إليه : «إن قوماً يقولون بإمامة الإمام الهادي».
وهذا الخبر أزعج المتوكل، وسلبه الراحة، وجعله يشعر بالخطر، وخاف على عرشه المزيف من الإنهيار والسقوط.
وفي كتاب إثبات الوصيّة... وخرج (صلى اللّه عليه) متوجهاً نحو العراق، واتَّبعه بريحة مُشَيِّعاً، فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة : «قد علمت وقوفك [اطلاعك] عَلى أني كنت السبب في حملك [إخراجك من المدينة] وعَلَيَّ حَلفٌ بأيمان مغلظة : لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين [المتوكل] أو إلى أحدٍ من خاصته أو أبنائه، لا جَمرنّ نخلك (1) ولأقتلنّ مُواليك، ولا عورن عيون ضيعتك (2) ولا فعلنَّ، ولاضعن!!.
فالتفت إليه أبو الحسن [الهادي] فقال له : «إن أقرب عرضي إياك - على اللّه - البارحة (3) وما كنتُ لأعرضنّك عليه، ثم لأشكونّك إلى غيره من خَلَقه».
ص: 88
قال : فانكبَّ عليه بريحة، وضَرَع إليه، واستعفاه، فقال له : قد عفوت عنك (1).
ولما قرب موكب الإمام من بغداد نزل بموضع يُقال له : (الياسرية) وركب إسحاق بن إبراهيم [ مدير الشرطة] لتلقّيه، فرأى تَشَوُّق الناس إليه، واجتماعهم لرؤيته، فأقام - في الياسرية - إلى الليل، وجاء بالإمام إلى بغداد ليلا حتى لا يلتقي به أحد من الناس المتعطشين إلى رؤية مُحَيّاه، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثم نُفِّذ [أخرج] إلى سُرَّ مَن رأى في ساعات متأخرة من الليل (2).
انظر إلى هذه النشاطات المسعورة، والمحاولات الجهنّمية التي قام بها عميل المتوكل الذي كان المتوكل قد انتخبه لقتل مَن يريد، أو تعذيب من يشاء من الناس، أنظر إليه كيف ينفّذ هذه الخطّة من تلقاء نفسه، أو بأمر من المتوكل، حتى يحول بين الناس وبين التشرّف برؤية الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
مساكين هؤلاء الأغبياء! يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم، واللّه متم نوره ولو كره هؤلاء الحاسدون الحاقدون.
ولما وصل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سامرّاء، فمن المتعارف أن يحلّ ضيفاً على المتوكل الذي دعاه إلى سامرّاء، مع تلك التشريفات الطويلة العريضة! وخاصة بعد أن كتب إليه هذه الرسالة المطولة، ولكن لدى وصول الإمام إلى سامرّاء وإلى باب قصر المتوكل احتجب اللعين عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولم يسمح له بالدخول عليه، ولم يهيّء له مكاناً ينزل فيه.
وأخيراً اضطرّ الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أن ينزل في (خان
ص: 89
الصعاليك) وهو المكان المعدّ للغرباء والفقراء الذين ليس لهم دار ينزلون فيها، أو مكان يسكنون فيه.
ولما انكشف غدره للناس***، وظهر قبح عمله، وتحقق هدفه
الخبيث - وهو هتك حرمة الإمام، والمس بكرامته - ارتاحت نفسه ونفسيته، فأراد تغطية جريمته، فأمر أن تهيأ دار للإمام لينزل فيها.
وإني أعذر المتوكل فيما صنع، لأن قصوره ما كانت تليق بالإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وما كان ينبغي للإمام أن ينزل في تلك القصور الملوّثة العفنة، التي كانت بؤرة لأنواع الفساد، ومراكز الجميع المنكرات.
والمتوكل - الذي كان في ليله ونهاره محاطاً بالقبائح والمخازي - كان يعلم أن نزول الإمام الهادي في قصره سوف ينغَّص عليه ملذاته وشهواته، من خموره إلى فجوره إلى غير ذلك.
ومن الصحيح أن نقول : بأن الجرائم التي كانت تصدر عن هؤلاء الطواغيت تجاه أئمة أهل البيت (عَلَيهم السَّلَامُ) كانت منبعثة من
عقدة الحقارة النفسية
فإن الأمويين والعباسيين - بالرغم من كونهم أصحاب قدرة وقوة وإمكانات طويلة عريضة - لم تكن عقدة الحقارة النفسية تفارقهم، لأنهم كانوا ينظرون إلى الأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) وإلى ما يتمتعون به من النسب الأشرف الأرفع، والسُّمعة الطيبة والعلم والغزير والتقوى والوقار والهيبة الإلهية في النفوس، وإنهم يملكون القلوب بسبب المؤهّلات المتوفّرة فيهم، ونزاهتهم عن المخازي والمعاصي والذنوب
فكان هؤلاء الحكام - الأمويّون والعباسيّون - يشعرون بهذا الفراغ ويعانون من هذا النقص الموجود فيهم، إذ أن قصورهم كان فيها كل شيء إلا الدين والتقوى.
ص: 90
قال المسعودي : وقد كان سُعي بأبي الحسن : علي بن محمد إلى المتوكل وقيل له : إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته.
فَوَجَّه إليه - ليلا - من الأتراك وغيرهم من هَجَمَ عليه في منزله، على غفلةٍ ممّن في داره، فَوَجَده في بيت وحده، مغلق عليه، وعليه مدرعة (1) من شَعر، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وعلى راسه ملحفة من صوف، متوجهاً إلى ربّه، يترنّم (2) بآيات من القرآن في الوعد والوعيد.
فأُخذَ على ما وُجد عليه، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل، فَمُثِل بين يديه والمتوكل يشرب، وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، (ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلّل عليه بها).
فَنَاوَلَه المتوكل الكأس التي كانت في يده!! فقال علي بن محمد : يا أمير المؤمنين (3) ما خامَرَ لحمي ودمي قط! فاعفني منه. فأعفاه.
وقال : أنشدني شعراً أستحسِنُه!.
فقال : إنّي لَقَليلُ الرّواية للأشعار.
فقال : لابُدَّ أن تنشدني.
فأنشده :
ص: 91
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم***غُلِبُ الرجال، فما أغنتهم القُلَلُ
واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم***فأودعوا حُفَراً يا بئسما نَزلوا
ناداهُمُ صارخ من بعدما قبروا***: أين الأسرّة والتيجان والحُللُ ؟
أين الوجوه التي كانت مُنَعمة***من دونها تضرب الأستار والكللُ ؟
فأفصَحَ القبر عنهم حين ساءَلَهم***: تلك الوجوه عليها الدود تقتتل (1)
قد طالما أكلوا فيها وما شربوا***فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم***ففارقوا الدُّور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادَّخروا***فخلَّفوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قفراً مُعَطَّلة***وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
قال : فأشفَقَ - ُكلُّ مَن حَضَر - على علي [الهادي] وظنّ أن بادرة تبدر منه [المتوكل] إليه.
قال : واللّه لقد بكى المتوكل بكاء طويلاً، حتى بلّت دموعُه لحيته، وبكى مَن حَضَرَه، ثم أمر [المتوكل] برفع الشراب، ثم قال له : يا أبا الحسن، أعليك دين ؟ قال : نعم، أربعة آلاف دينار.
فأمر بدفعها إليه، وردَّه إلى منزله من ساعته مكرّماً (2).
أقول : قد اختلفت الأقوال في ناظم هذه الأبيات، ففي الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) توجد هذه الأبيات.
وقال الشبلنجي - في نور الأبصار) - بعد هذه الأبيات :
وهذه الأبيات من قصيدة وُجِدَت على قصر سيف بن ذي يزن الحِميري وكان يسمّى غمدان، وكان سيف من الملوك العادلة،
ص: 92
وكانت مكتوبة بالقلم المُسْنَد (1) فَعُرِّبت فإذا هي أبيات جليلة، وموعظه بليغة، وأوّلُها :
أنظر لماذا ترى يا أيها الرَّجُلُ***وكُن على حذرٍ من قبل تنتقل
وقدم الزاد من خير تسر به***فَكُلْ ساکن دار سوف يرتحل
وانظر إلى معشر باتوا على دعةٍ***فأصبحوا في الثرى رهناً بما عملوا
بنوا، فلم ينفع البنيان، وادَّخروا***مالاً، فلم يُغنهم لما انقضى الأجل
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم..***... إلى الآخر الأبيات التي مرَّت.
نادى المتوكل يوماً، كاتباً نصرانياً : «أبا نوح» فأنكروا [عابوا عليه] الكنى للكتابيين، فاستفتى فاختلف عليه، فبعث إلى أبي الحسن [الهادي] فوقع عليه :
«بسم اللّه الرحمن الرحيم * تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب».
فَعَلَمَ المتوكل أنه يحلّ ذلك، لأنّ اللّه قد كنّى الكافر (2).
أقول : التكنية - وهي النداء والخطاب بالكنية - تعتبر نوعاً من الاحترام والتجليل، والمخاطبة بالاسم العاري عن الكنية ليس هكذا.
والمتوكل نادى أحد كُتابه - من النصارى - بكلمة : (أبا نوح)فعابوا عليه أن يحترم الخليفة رجلا غير مسلم ويخاطبه بالكنية.
فاستفتى المتوكل من الفقهاء في جواز ذلك وعدمه، فاختلفوا فيه، فكتب المتوكل كتاباً إلى الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله عن
ص: 93
ذلك، فأجابه الإمام بالآية المذكورة، مما يدل على جواز تكنية غير المسلم.
ومن هذا وغيره ينكشف لنا - كما ذكرنا - أن المتوكل كان معترفاً بفضل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وغزارة علمه، إلا أن الرئاسة والسلطة كانت تدفعه نحو تجاهل قدره (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإيذائه.
ص: 94
روي : «إن أبا الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يوماً قد خرج من سُرَّ من رأى إلى قريةٍ لهِمّ عَرَضَ له، فجاء رجل من الأعراب يطلبه، فقيل له : قد ذهب إلى الموضع الفلاني.
فقَصَدَه، فلما وصل إليه قال [الإمام] له : ما حاجتك ؟ فقال : «أنا رجل من أعراب الكوفة، المتمسكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب، وقد ركبني دَينُ فادح (1) أثقلني حمله، ولم أرَ مَن أقصده لقضائه سواك».
فقال له أبو الحسن [ [الهادي] : أُريد منك حاجة منك حاجة، اللّه اللّه أن تخالفني فيها! فقال الأعرابي : لا أُخالفك.
فكتب أبو الحسن [الهادي] ورقةً بخَطّه، معترفاً فيها أن عليه للأعرابي مالاً عَيَّنَه فيها، يرجح على دينه (2) وقال له : «خُذ هذا الحظ [السند]. فإذا وصلت إلى سُرَّ مَن رأى، احضر إليَّ، وعندي جماعة،
ص: 95
فطالبني به، واغلظ القولَ عَلَيَّ في ترك إيفائك إياه، اللّه اللّه في مخالفتي».
فقال [الأعرابي] : أفعل. وأخذ الخط [السَنَد].
فلمّا وصل أبو الحسن إلى سُرَّ من رأى، وحَضَر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط، وطالبه، وقال كما أوصاه.
فألان أبو الحسن له القول، ورَفَقَه، وجعل يعتذر إليه، ووعده بوفائه، وطيبة نفسه.
فَنُقِل ذلك [القول] إلى الخليفة المتوكل، فأمر أن يُحمّل إلى أبي الحسن ثلاثون ألف درهم. فلما وصلت [الدراهم] تَرَكَها إلى أن جاء الرجل، فقال [الإمام] : خذ هذا المال، واقض منه دينك، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك، واعذرنا!!.
فقال له الأعرابي : يابن رسول اللّه! واللّه إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا (1) ولكن اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. وأخَذَ المال وانصرف (2).
أقول : توجد في هذا الخبر نقاط تستدعي شيئاً من الشرح والتوجيه :
من الممكن أن يتبادر إلى الذهن أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لم يكن مديوناً لذلك الأعرابي، فلماذا كتب له ذلك السَنَد بِخَطّه، واعترف فيه بأنه مديون للأعرابي ؟
والجواب : لقد وردت أحاديث عديدة عن أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) أن المؤمن إذا استقرض مالاً لأمور معيشته ومعيشة
ص: 96
عياله (بلا إسراف، وفي غير معصية) ثم عَجَزَ عن أداء دينه فعند ذلك يجب على الإمام أن يقضي عنه دينه، وإليك بعض تلك الأحاديث :
في (الوسائل) عن تفسير علي بن إبراهيم أنه ذكر في تفسيره تفصيل هذه الثمانية الأصناف [من مستحقي الزكاة] فقال : فَسَّرَ العالم [ الإمام موسى بن جعفر] (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : الفقراء : هم الذين.... والغارمين، قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم - ويفکّهم - من مال الصدقات [الزكاة ]... إلى آخر الحديث (1).
وفي (مستدرك الوسائل) بسنده عن صباح بن سيّابة عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «أيما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه [الإمام] فعليه إثم ذلك» (2).
وفي (الوسائل أيضاً بسنده عن موسى بن بكر، عن الإمام موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : «مَن طَلَبَ هذا الرزق من حِلَّهِ ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غُلِبَ عليه، فليَستَدِنْ على اللّه وعلى رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه [الإمام] كان عليه [الإمام] وِزره إن اللّه عز وجل يقول : «إنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاء....» إلى قوله «وَالغَارِمِين» وهو فقير مسكين مغرم (3).
وفي تفسير العياشي : قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)...: «ثم يُقبل [ الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)] إلى الكوفة، فيكون منزله بها
ص: 97
فلا يترك عبداً مسلماً إلا اشتراه وأعتقه، ولا غارماً إلا قضى دينه.. الخ» (1).
بعد ثبوت هذه الحقيقة، وهي مسؤولية أداء ديون المؤمنين على الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتبادر إلى الذهن سؤال آخر، وهو : لماذا أمر الإمام الهادي ذلك الأعرابي أن يُطالبه بمرأى من الناس ومَسمَع، ويغلظ له في القول، مع العلم أنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) غير مُقصِّر في حق الأعرابي، وغير مُماطل في أداء دينه ؟.
فلعلّ السبب والحكمة في ذلك هو ذلك هو دفع التهمة عن دفع التهمة عن نفسه، فإن المشاغبين والمفسدين كانوا لا ينفكون عن توجيه التهم إلى الإمام بأنه يجمع الأموال والأسلحة استعداداً للثورة ضدّ السلطة، وبهذا العمل أثبت الإمام براءته عن تلك الإفتراءات، وثبت - ضمناً - أنه مديون لذلك الأعرابي.
ووصل الخبر إلى المتوكل، فأرسل إلى الإمام ذلك المبلغ من بيت مال المسلمين الذي يجب أن يكون تحت تصرف الإمام العادل لا المتوكل الغاصب المسرف!.
ودفع الإمام المال كله إلى الأعرابي أداءً لِدَينه، وتوسعةً على عياله.
ولعل هناك أسراراً خفيت علينا لبعد الزمان.
ص: 98
لكل من الحق والباطل، والخير والشر، والإعتدال والإنحراف، والتقوى والفجور والصلاح والفساد، مفاهيم ومظاهر، كلّما غلب أحدهما ضَعُفَ الآخر.
فإذا ظَهَرَ الحق اختفى الباطل، وإذا انتشر الخير اضمحلّ الشر، وإذا ساد الإعتدال في المجتمع زال الإنحراف، وإذا قوي جانب التقوى في النفوس ضَعُفَ جانب الفجور.
وهكذا تجد التنافي بين الفضائل والرذائل، والمعروف والمنكر، وتجد الكَرّ والفَرّ بين المحاسن والمساوىء.
ومن الواضح أنّ هذه المفاهيم إنما تظهر بظهور أفراد تتجلّى فيهم تلك الصفات أو يتبنون نشر ما يستحسنونه في المجتمع، لدواعي إلهيّة، أو أهداف شيطانيّة.
فالعالم يحب نشر العلم في المجتمع الذي يعيش فيه، وبَثَّ التقوى والفضائل بين الناس، ويدعو الناس إلى كل خير وصلاح وفلاح.
ومن الطبيعي أن المنكرات - حينذاك - تضعف وتقل إلى أن تزول.
ص: 99
أنظر إلى صفحات التاريخ التي تتحدث عن العهد الجاهلي قبل الإسلام، وكيف ساد الكفر والشرك جميع البلاد، وماتت الفضائل فلا عاطفة ولا إنسانية، ولا أخلاق، ولا ضمير، ولا وجدان، وانتعشت الرذائل، فالقتل والسلب والنهب، والحقد والعداوة والشر والفتنة والجهل والفقر والجوع والتفسّخ والإباحيّة والخوف كانت عناوين ذلك المجتمع، فالعقول مجمدة، والمواهب مدفونة، والعدالة مفقودة، والأحاسيس معطّلة.
وكانت تلك الفترة أسوأ سنوات التاريخ، وأقبح أيام الدنيا.
ولما بعث اللّه نبينا محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دبّ الصلاح في ذلك المجتمع الفاسد، وافتتح النبي الأطهر دعوته بإصلاح العقائد فقال : قولوا : لا إله إلا اللّه تفلحوا.
ثم أعلن رسالته، ونَشَر الأحكام، فأمر بالصلاة، فأوجد الروابط الروحية بين الإنسان وخالقه، وأنزل اللّه عليه القرآن، وكان من أهم أسباب تقوية روحه، وأقوى سَنَدٍ على نبوته ورسالته.
فبالرغم من الحواجز الكثيرة، والموانع التي كانت حَجَر عثرة في طريقه فلقد استطاع (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يشق طريقه، ويحقق أهدافه المقدّسة، ويؤدّي رسالته، فكانت النتيجة :
«وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» (1).
«وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا»(2).
«وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(3).
ص: 100
وأخيراً : ساد الصلاح في المجتمع الإسلامي، وتبدلت تلك الحياة المظلمة إلى حياة مشرقة، وأخذ العلم مكان الجهل، وتغيرت معالم ذلك المجتمع المنحط إلى مدينة فاضلة، ووَجَدَ الإنسان كرامته المهدورة، ووصل إلى حقوقه المشروعة بعد أن كان لا يملك حقاً ولا كرامة لحياته.
وهذه الإنجازات والإنتاجات كانت بحاجة إلى امتداد، وحفظ ذلك الخط، ولهذا جعل اللّه تعالى لرسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خلفاء، وجعلهم أوصياء وأئمة من بعده، ونَصَّ عليهم النبي، وأمر أمته باتباعهم وإطاعتهم، حتى لا تتغير معالم تلك الحياة، ويس-ود القانون الإلهي في كافة مجالات الحياة، وفي جميع جوانبها.
نعم، هكذا أراد اللّه، ولكن طوائف من الناس أرادوا شيئاً آخر، فخالفوا هؤلاء الأئمة وحاربوهم بلا هوادة، وسلبوهم قيادة الحكم، وأزالوهم عن مراتبهم التي رتبهم اللّه فيها، وخنقوا أصواتهم، وجمَّدوا نشاطاتهم، واستبدلوا بهم أناساً آخرين، فاقدين لجميع المؤهلات والشروط والصفات التي يجب أن تتوفر في الإمام.
فكانت النتيجة أن استرجعت الجاهلية الأولى حياتها، وظهرت معالمها، فانتشر الظلم، واختفت العدالة، وأريقت الدماء البريئة، وساد الفجور وشربت الخمور بصورة علنية، وظهرت البدع في الدين، وأخذ الإسلام النزيه طابعاً مشوّهاً.
وقفز على منصة القيادة الإسلامية أفراد ادّعوا أنهم علماء الدين ولكنهم كانوا علماء الشياطين، فتكونت المذاهب الباطلة، والآراء الشاذة، والأفكار المسمومة.
كل ذلك باسم الإسلام المسكين، وباسم القرآن الذي صار العوبة لكل فرقة وطائفة، ووسيلة لكل فكرة وعقيدة مهما كانت
ص: 101
فانتشرت العقائد الباطلة في المجتمعات الإسلامية بلا رادع ولا مانع، كالجبر والتفويض وأنّ اللّه - تعالى - جسم، ويمكن رؤيته، وأنه مركب من أعضاء وجوارح، تعالى اللّه عما يقول الكافرون عُلوّاً كبيرا.
وأباحوا لأنفسهم أن يفسّروا القرآن حسب الظروف والأهواء، والإتجاهات والأفكار، وأن يخترعوا الأحكام الإسلامية حسب آرائهم الشخصية، لا اعتماداً على الكتاب أو السنة الصحيحة.
ومن جملة الأفكار التي تولّدت في تلك العصور هي مشكلة خلقِ القرآن، وسنذكر هذه المشكلة، والمحنة العقائدية التي صارت مقياساً للموت والحياة في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن يقطين، في حرف الألف من هذا الكتاب إن شاء اللّه.
كان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إماماً من أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) المنصوص عليهم بالإمامة والخلافة والولاية من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ومن الواضح - تاريخياً - أن الأمويين والعباسيين ادعوا الخلافة، واستولوا على منصة القيادة الإسلاميّة، وجرى ما جرى على الإسلام والمسلمين.
وكان في عصر الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفراد استلموا زمام الحكم باسم خلافة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كالمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر.
والعباسيون - في عصر الإمام الهادي - كانوا يحملون أحقاداً موروثة من أسلافهم تجاه العلويين، وفي نفس الوقت يحملون أحقاداً مكتسبة تجاه أئمة أهل البيت.
لأن أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لم يتنازلوا عن حقهم
ص: 102
الشرعي الثابت، ولم يتخلّوا عن مقام إمامتهم الصادقة، وخلافتهم - الصحيحة - عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
فمن الطبيعي : أن يكون موقف العباسيين - من الأئمة - موقف خصومة وعداء.
والعباسيون، وإن كانوا أعداءً للأمويين، وقوّضوا عروشهم، وأبادوا دولتهم ولكنهم كانوا يتفقون مع الأمويين في الخط والمبدأ، ويتفقون معهم في الإعتراف بخلافة أهل السقيفة، فتكون النتيجة انسجامهم مع الأمويين في عداء آل رسول اللّه (عَلَيهِم السَّلَامُ).
فهذا المنصور الدوانيقي الذي كانت يداه ملطّختين - إلى تحت إبطيه - بدماء آل رسول اللّه، وهو الذي أمر بدَسَ السِّم إلى الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وذاك الهادي العباسي الذي أقام مجزرة الفخ التي كانت نسخة طبق الأصل من فاجعة كربلاء، من قتل الرجال، وسبي النساءوالأطفال.
وهو الذي عَزَمَ على قتل الإمام موسى بن جعفر، ونبش قبر الإمام الصادق (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ولكن اللّه تعالى لم يمهله.
وذاك هارون الرشيد، الذي أسس مدينة بغداد على عظام آل رسول اللّه، وكان يقتلهم تحت كل حجر ومدر، وذنبهم الوحيد أنهم ذرية رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
واستمر في طغيانه وتفرعُنه، حتى ألقى القبض على الإمام موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحَبَسَه في سجون انفرادية، وزنزانات مظلمة تحت الأرض، سنوات عديدة حتى دسّ إليه السم وقتله.
وهو الذي أمر حميد بن قحطبة أن يقتل في ليلة واحدة ستين من آل رسول اللّه بعد أن قضوا فترة طويلة في السجن، حتى طالت
ص: 103
شعورهم وأظفارهم.
وذاك المأمون العباسي الشيطان الذي دسّ السم إلى الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقتله، ثم جعل يبكي عليه بكاء التمساح.
وذاك أخوه المعتصم الذي قتل الإمام الجواد بالسُّم.
وهذا المتوكل، وهو حفيد هؤلاء الأجداد، ووليد هؤلاء الآباء.
وسنذكر شيئاً من التفصيل من مواقف المتوكل ضد الإمام الهادي في مطاوي هذا الكتاب.
هذه إحدى الجبهات التي كانت تحارب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
الجبهة الثانية : فقهاء البلاط العباسي، الذين كانوا على طرفي نقيض من خط أهل البيت في أصولهم وفروعهم، والقواعد الشرعية، والأحكام الفقهية.
فإنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أغنياء عن فقه أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
والمشكلة - التي أوقع علماء ذلك العصر أنفسهم فيها، وإلى يومنا هذا - هي أنهم كانوا يقبلون كل حديث يُروى لهم، بصرف النظر عن السند والراوي، واتجاهاته، وجرحه وتعديله، وصدقه وكذبه.
وبصرف النظر عن متن الحديث، وانسجامه مع القرآن والسنّة، والعقل أو تناقُضِه، فإذا كان أبو هريرة، والمغيرة بن شعبه، وعمرو بن العاص، وعمران بن حطان ونظراؤهم، ثقاة ومعتمدين وصادقين، ومصادر للأحاديث، وأسانيد للروايات، ومنابع للأحكام الإسلامية فعلى الإسلام السلام.
الجبهة الثالثة : أصحاب الآراء الكافرة، وحَمَلة الأفكار الهدامة، والعقائد الباطلة، وهم الذين أشربت قلوبهم حُبَّ الفلسفة
ص: 104
المتداولة في ذلك الزمان.
فإنّ نظرية الحلول والتناسُخ مبنيّة على خرافات فلسفية، لا على الكتاب والسنة، فالذين يعتقدون - بأن اللّه (تعالى علوّاً كبيراً) يحل في الاجسام، وفي أبدان بعض الناس - لهم قواعد سخيفة، آمنوا بها على ضوء فلسفتهم.
وهكذا القائلون بعقيدة التناسخ، وهي تعلّق الأرواح - بعد خراب أجسامها - بأجسام أخرى في هذا العالم، متردّدة في الأجسام العنصرية.
هذه العقائد الشيطانية انتشرت في تلك العصور، واعتنقها أفراد كانوا في فراغ عقائدي، وأحسنوا الظن بأناس كانوا يخدعون الناس بظواهرهم ومغالطاتهم وهكذا انتشرت تلك الأباطيل، وتقبلها شرذمة من الساقطين الذين لا يميزون بن الهِرّ والبرّ، وهذا يدل على انتشار تلك الأفكار المسمومة في ذلك المجتمع الذي لم يستطع دعاة الحق أن يستأصلوا تلك الأفكار، ويزيّفوا تلك الآراء من أساسها، ويمنعوها من الإنتشار، كل ذلك بسبب ضعف الحق، وقوّة الباطل وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الموضوع في كتاب (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور) في ترجمة محمد بن نصير، والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني، وأبى دلف الكاتب وغيرهم ص (211 - 221).
الجبهة الرابعة : الحسّاد المناوئون، الذين كانوا يقومون بالمشاغبة ضدّ الإمام الهادي ورفع التقارير الكاذبة عنه إلى السلطة.
وفي طليعة هؤلاء هو الفتح بن خاقان، وزير المتوكل، وكان أقرب الناس إلى المتوكل، ويثق به المتوكل الثقة التامة، ويقبل قوله في كل شيء، وكأنه عقله المنفصل.
وكان الفتح ونظراؤه، ومَن على شاكلته يقومون بأعمال شيطانية
ص: 105
ضد الإمام، ويملأون قلب المتوكل حقداً وحنقاً وبغضاً للإمام.
وكانوا - بزعمهم - يتقربون - بتلك النشاطات - إلى المتوكل، ويثبتون قوائم عروشهم.
فتارةً كانوا يخبرون المتوكل : أنّ في دار الإمام أموالاً وأسلحة أي يتهمون الإمام بأنه يريد الثورة والقيام ضدّ الدولة، فكان المتوكل يأمر غلمانه بتحري دار الإمام ليلا، بغتة بعد الإقتحام بلا استئذان، وبعد ذلك كان يظهر كذب تلك التقارير، وبراءة الإمام عما نسب إليه.
وتارةً كانوا يأتون عن طريق إثارة النعرات الطائفية، ويضربون على الوتر الحساس ويقولون للمتوكل : إن الإمام الهادي يُأول بعض آيات القرآن بأبي بكر وعمر.
كل ذلك لإغراء المتوكل بقتل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولكن الإمام كان يتخلّص من تلك المشاكل الصعبة الخطرة بأسهل ما يمكن من الحكمة والحنكة، فمثلاً :
في كتاب بحار الأنوار: إن المتوكل قيل له : إن أبا الحسن [يعني علي بن محمد بن علي الرضا يفسِّر قول اللّه عزّ وجلّ : «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، یَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا»(1) في الأول والثاني: [الشيخين].
قال [المتوكل] : فكيف الوجه في أمره ؟ قالوا : أن تجمع له الناس وتسأله بحضرتهم، فإن فسَّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره، وإن فسرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه!.
قال : فوجّه [المتوكل] إلى القضاة وبني هاشم، والأولياء، وسُئِل (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : هذان رجلان كنّى [الله] عنهما، ومنَّ
ص: 106
عليهما بالستر عليهما، أفيحب أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره اللّه ؟
فقال [ المتوكل] : لا أحب (1).
وكان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقاوم تلك الجبهات مع رعاية الحكمة والحنكة.
فمثلاً : كان المتوكل العباسي يبحث من زلة أو عشرة من الإمام الهادي، حتى يبرر بها قتله، ولكن الإمام كان يداري ذلك الطاغوت تقيّةً، ولم يقم بأي نشاط مناقض للدولة لأن المتوكل كان قد جمّد نشاطات الإمام، فلم يستطع الإمام أن يخطب يوماً ما، ولا أن يقوم بعمل قيادي كإقامة صلاة الجماعة، أو التدريس، أو بيان الأحاديث بصورة علنيّة.
ومع ذلك كان المتوكل ينزعج من وجود الإمام، بالرغم من الكبت والضغط، والمراقبة المشدّدة على داره، وعلى من يدخل أو يخرج من تلك الدار.
وبين كل فترة واخرى كان المتوكل يقوم بمحاولة للمسّ بكرامة الإمام، أو تحطيم شخصيته، كإحضاره في مجلس الشراب، وتكليفه أن ينشد الشعر، أو أمره أن يمشي خلفه راجلاً وراء فرس المتوكل للخروج لصلاة العيد مسافة أربعة أميال.
وقد أمر بإلقاء القبض على الإمام، وزجِّه في السجن مرات عديدة ظلماً وعدواناً وبلا أي مبرر.
وبالرغم من هذه الصعوبات، ما كان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ينسحب عن الساحة نهائياً، وما كان يعتزل عن المجتمع بالكلية، بل كان يقوم بما أمكن من الإنجازات في جو من الكتمان
ص: 107
والتقية، ويحافظ على خط الإمامة، ويحامي عن التشيّع وأصول وفروعه، بقلمه ولسانه.
وتارة كان يستعين بالمعجزة إذا اقتضت الضرورة، أو الدعاء والتوسل إلى اللّه تعالى.
وتجد - في هذا الكتاب - المئات من أصحابه الذين كانوا يسألونه عن الأحكام الشرعية مشافهةً، أو بالمراسلة والمكاتبة، فكان الإمام يجيب على تلك الأسئلة بالأحكام الواقعية الإلهية على ضوء القرآن الكريم، والسُّنَّة النبوية الصحيحة.
ص: 108
أيها القارىء الكريم : سوف تقرأ - في هذا الكتاب - روايات متعددة تتحدث عن معجزات باهرة للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولكي لا تستغرب منها، فإننا نذكر مقدمة تمهيدية حول قانون المعجزات فنقول :
للناس - حول الكون وما فيه - مبدآن، أو مدرستان :
الأولى : مدرسة الماديين، وهم الذين يقولون : بأن الكائنات تتكوّن من المادّة، ولا يمكن أن يوجد شيء من غير المادة، وعلى هذا فإنهم يؤمنون بالمادة فقط، ولا يؤمنون بغيرها، والمقصود من المادة - هنا - كل ما يُحس ويُدرَك بالحواس الخمس، وهي : الباصرة والسامعة والشامة والذائقة واللامسة.
فَكُلّ ما يُرى، أو يُسْمَع أو يُلمس، أو يُشم، أو يُذاق يعتقدون به، وكل ما كان غير هذه الأمور، ووراء المادة لا يؤمنون به ولا يعتقدونه.
وكانت هذه الفكر تتغلب على بعض الأمم السالفة كاليهود، فإنّهم قالوا لموسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أَرِنَا اللّهُ جَهرَة» أي
ص: 109
حتى ندركه بالحاسة الباصرة فنؤمن به، إذ لم يعجبهم أن يؤمنوا باله لا يدركونه بأعينهم.
وقالوا : «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» فيخبرنا بأنه بَعَثَك نبياً، وأنه أنزل عليك التوراة.
ولهذا لما أخرج السامري لهم عجلاً جسداً له خوار - وقال لبني إسرائيل : «هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى»(1) آمنوا بذلك العجل، واعتبروه إلهاً، لأنهم وجدوه ملموساً محسوساً. قال سبحانه : «وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»(2).
ولما عبروا البحر «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ»(3) يعبدونها، وهي تماثيل على صورة البقر قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ»(4) لأنهم شاهدوا عُباد الأصنام يعبدون الأصنام، ويعتبرونها آلهة، وهي محسوسة ملموسة فقالوا : يا موسى اجعل لنا إلهاً محسوساً بالحواس، ملموساً باليد.
والكثير من أهل الأديان الباطلة، والملل الفاسدة - الذين يعبدون الأصنام ويركعون ويسجدون أمام التماثيل، إنما اندفعوا بهذه الفكرة.
المدرسة الثانية : مدرسة الإلهيين، وهم الذين يؤمنون بالغيب.
والغيب : خلاف الشهادة، أي خلاف المحسوس، فينطبق معنى الغيب على ما لا يقع عليه الحِسّ، أي الذي لا يُدرك بالحواس، وهو، وهو اللّه تعالى اللّه تعالى، وآياته الغائبة عن حواسنا، مثل الوحي.
ص: 110
وهذا بحث فلسفي لا داعي للخوض فيه، لعدم ارتباطه بالكتاب.
وإنما ذكرتُ هذه المقدمة حتى يسهل علينا الدخول في صميم البحث، وهو قانون المعجزات
لأهل اللغة تعاريف متعددة للمعجزة، نذكرها بصورة خاطفة :
1 - الإعجاز : أن يأتي الإنسان بشيء يعجز خصمه، ويقصر دونه.
والمعجز : الأمر الخارق للعادة، المطابق للدعوى، المقرون بالتحدّي.
ومعنى التحدّي : أن يصنع الإنسان صنعاً، أو يقول قولاً يغلب به على خصمه، ويثبت عجزه من حيث القرينة، وهو منقسم إلى خرق المعتاد، وإلى إثبات غير المعتاد.
2 - والمعجزة : فعل خارق للعادة، مقترن بالتحدي، سليم عن المعارضة، يتنزل منزلة التصديق بالقول عن الإتيان بمثله.
3 - والمعجزة : أمر خارق للعادة، يُظهر اللّه على يد نبي تأييداً لنبوَّته.
4 - والمعجزة : ما يعجز البشر أن يأتوا بمثله.
5 - والمعجزة : أمر خارق للعادة، داعية إلى الخير والسعادة مقرونة بدعوى النبوّة، قصد به إظهار صدق من ادعى أنه رسول اللّه
6 - والمعجزة : ظاهرة لا تطابق النظام الطبيعي المألوف.
هذه تعاريف اللغويين للمعجزة، وكلها تشير إلى معنى واحد مع الاختلاف في التعبير.
ص: 111
وإليك ثُلَّة من الآيات التي تتحدى الطبيعة والعادة، ويعجز العلم عن تحليلها على ضوء الطبيعة.
1 - منها قوله تعالى - في قصة آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ) - :
«قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا»(1).
وقوله : «قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(2).
فإن اللّه تعالى خلق آدم في الجنّة، وقال له : «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ»(3) فلما أكلا من تلك الشجرة أمرهما اللّه تعالى بالهبوط إلى الكُرة الأرضية، فكيف كان نزولهما ؟، وبأية وسيلة استطاعا أن ينتقلا من سطح كوكب إلى سطح كوكب آخر وهو الأرض ؟ فهل كانت هناك مركبة فضائية ماديّة نقلتهما من هناك إلى هنا؟.
لا أظنك - أيها القارىء - تجد في ذهنك - وسيلة ماديّة طبيعية لهبوط آدم، كالطائرات، أو المركبات الفضائية، فهل تجد حَلاً لهذه المسألة سوى أن تقول إنهما هبطا بقدرة اللّه تعالى، لا بالوسائل الماديّة ؟
2 - وفي قصة الطوفان الذي حَدَث في زمن نوح (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإن الماء قد غمر الكرة الأرضيّة بكاملها حتى الجبال، ولم يبق حيوان ولا نبات إلا مات، سوى من وما كان مع نوح في السفينة، واستأنفت
ص: 112
حياة الحيوانات والنباتات من بعد الطوفان.
فمن أين جاء هذا الماء ؟ وأين نضب الماء ؟ فالقرآن الكريم يقول : «وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ»(1).
وهنا تأتي عِدّة من الأسئلة حول تكاثر الماء في المرحلة الأولى من هطول الأمطار ومن فَوَران التنور «وفار التَنُور»(2) وكيف لم تفتح هذه المياه طريقها إلى الأنهار، ومنها إلى البحار حتى لا تغرق الكرة الأرضيّة بكاملها، ويغرق من فيها وما فيها ؟ وغير ذلك من الأسئلة.
3 - وفي قصة إبراهيم الخليل (عَلَيهِ السَّلَامُ) حيث أراد قومه أن يُحرقوه، فجمعوا الحطب واشترك في جمع الحطب الرجال والنساء، وأضرموا فيه النار، ووضعوا إبراهيم في المنجنيق ورموه في تلك النار العظيمة «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(3).
فكيف سُلبت طبيعة الإحراق من النار ؟ وهل تشعر النار بخطاب اللّه تعالى ؟ وهل تملك النار القدرة على أن تكيف نفسها، فتنقلب حرارتها إلى برودة؟.
4 - وحينما سأل إبراهيم ربه : رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا»(4)فأخذ إبراهيم أربعة من الطيور، مختلفة الأجناس وقطعهن وخلط ريشها بدمها، ثم فرّق أجزاء تلك الطيور على تسعة أو عشرة جبال ثم دعاهنّ بقوله : «أجِبْنَ بإذن اللّه» فاجتمعت الأجزاء والأعضاء، وائتلفت لحومها وعظامها وطارت إلى إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 113
5 - وفي قصة داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وألَنّا لَهُ الحَدِيد»(1) جعل اللّه تعالى الحديد ليّناً في يد داود كالشمع أو العجين، يعمل ب-ه م-ا يشاء، فلا يحتاج أن يدخله النار، ولا أن يضربه بالمطرقة حتى يلين أو يتمدد، فكان يصنع الدروع وهي حلقات متواصلة بعضها ببعض على هيئة لباس يُلبس في الحروب، للتحفظ من الآلات الجارحة كالسيف والسهم والرمح كي لا تصل إلى البدن، وهو أوّل مَن صَنَع الدرع.
6 - وفي قصة يونس (عَلَيهِ السَّلَامُ) الذي مكث أياماً في بطن الحوت «فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(2).
7 - وفي قصة زوجة إبراهيم أيضاً : فقد كانت عجوزاً عقيماً، وقد بلغت أو تجاوزت من العمر تسعين سنة ثم حملت من إبراهيم، وولدت ابنها إسحاق، وكان زوجها شيخاً كبيراً طاعناً في السنّ، لا يصلح ولا يقوى على التناسل.
8 - وفي قصة موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) وانقلاب عصاه ثعباناً تلقف حبالهم وعِصيَّهُم، ثم عودتها إلى سيرتها الأولى.
فكيف انقلبت الخشبة إلى حيّة، وتبدّلت ماهيّتها، وتكوّنت فيها الروح والحياة، وابتلعت الحبال والعصيّ، ثم عادت إلى سيرتها الأولى ؟ فاين صارت الحبال، وأين ذهبت العصي؟
9 - وفي قصة ضربه البحر بالعصا «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا»(3) فانشق الماء وظهر قعر البحر، وظهر اثنا عشر طريقاً، لكل
ص: 114
سبط من أسباط يعقوب طريق، ووقف الماء في جانبي كل طريق «وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ»(1) فقطع موسى بن عمران المسافة من مصر إلى لبنان هو وقومه، يمشون على أرض البحر المتوسط، وبعد أن وصلوا إلى الساحل، وخرج آخر من كان مع موسى «أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ»(2) فلما دخل آخر من كان مع فرعون «فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ»(3) أطبق اللّه عليهم الماء، فغرقوا جميعاً «وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ»(4).
10 - وهكذا في قصة عيسى ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) الذي ولد من غير أب، وهل يمكن أن يتكوّن الجنين من غير نطفة الرجُل ؟
نعم، في القرآن الكريم : «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا»(5) وفي التفسير : إن جبرئيل تَناوَلَ جيب مدرعتها، فنفخ فيه نفخة فحملت بعيسى حملاً كاملاً وعلى كل تقدير هل يمكن تحليل هذه الأمور على ضوء المادة والطبيعة؟
11 - وكان عيسى ابن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) يبريء الأكمة (الذي يولد أعمى) والأبرص، بإذن اللّه، لا بالدواء أو العلاج، ولا باستعمال التعاليم الطبية، بل كان ينظر إلى المريض أو يمسح على العضو المريض أو يدعو اللّه تعالى فيبرأ المريض، ويعود العضو المريض سليماً، وهكذا إحياؤه الموتى، وهكذا خلفه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن اللّه.
إلى غير ذلك من عشرات أو مئات الآيات التي تتحدَّث عن أمثال هذه الأمور الخارقة للعادة، والتي لا تفسير لها في قانون الماديات.
ص: 115
هذه نُبذة من آيات اللّه البينات، التي تتحدّث عن خرق العادة والطبيعة، فهل يستطيع العلم الحديث تحليل هذه القضايا على ضوء الطبيعة والعادة ؟.
وما يقول الجيل الجديد في هذه الوقائع التي صرّح بها القرآن الكريم ؟.
وهل يمكن للجيل الجديد - إذا كان مسلماً - أن يشك في كتاب اللّه تعالى وكلامه ؟.
أليست هذه الآيات تفرض علينا أن نؤمن بما وراء الطبيعة والعادة ؟
مع الإنتباه إلى قدرة اللّه تعالى غير المحدودة، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون وأن الأشياء بإرادته - دون أمره - مؤتمرة، وبمشيئته - دون قوله - منزجرة ؟.
أما يسهل علينا - عند ذلك - أن نؤمن بقانون المعجزات، لأنها صنع اللّه تعالى على أيدي أوليائه المكرّمين، الذين زودهم اللّه بهذه القدرات حتى يصدّق الناس أقوالهم، ويعترفوا برسالتهم، وبأنهم من عند اللّه تعالى ؟
قد يقول بعض الناس : إنّ العقل لا يؤمن بقانون المعجزات!!.
ونحن نسأل : أي عقل هذا ؟ هل هو العقل الطبيعي المادّي الذي لا يؤمن بالكتب السماوية، ولا يؤمن باللّه وقدرته ؟ ولا يؤمن إلا بالمادة فقط وفقط ؟
إن هذا العقل ليس عقلاً، بل هو جهل، وليس معياراً ومقياساً حتى تقاس عليه القضايا، وتُدرك به الحقائق
ص: 116
ويأتي بعض المتفلسفين، ويقول : لا حاجة لنا إلى ذكر المعجزات، لأن الجيل الجديد يصعب عليه قبول المعجزة والايمان بها، ويستهزيء بها، لأنها خرق للعادة، ولا يؤمن بها العلم الحديث.
ونحن نقول : إن الإستبعاد والإستهزاء ليس دليلا على نفي الشيء، فهناك حقائق كثيرة ثابتة، يستهزيء بها المستهزئون.
واستهزاء الجُهّال بالحقائق والعقائد الصحيحة، والمقدسات ليس بشيء جديد، فلقد ابتلي أنبياء اللّه بالمستهزئين، اقرأ هذه الآيات البيّنات :
1- «قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ»(1).
2 - «وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» (2).
3 - «يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ»(3).
4 - «وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ»(4).
5 - «ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ»(5).
6 - «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ»(6).
7 - «إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ»(7).
ص: 117
8 - «وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا»(1).
9 - «وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا»(2).
10 - «وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا»(3).
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تتحدث عن استهزاء المنحرفين بالأنبياء، وبما جاؤوا به من عند اللّه تعالى، من الوحي والحقائق الثابتة، والإخبارات الصحيحة وغير ذلك.
فهل نشطب بالقلم الأحمر على آيات القرآن المشتملة على ذكر معاجز الأنبياء ؟.
أو نتنازل عن الحقائق رعاية للجيل الجديد ؟.
أو ينبغي لنا أن نرفع مستوى أفكار الجيل الجديد المسلم حتى يؤمن بالحقائق، ويتخلّص فكره عن الخضوع للماديات والطبيعيات، وحتى يعترف بما وراء الطبيعة، ويعتبر قدرة اللّه تعالى فوق كل طبيعة ومادة وعادة.
الأول : ادعاء هذا المنصب الإلهي، الذي معناه : نزول الوحي أو المَلَك عليه من عند اللّه تعالى والإتصال بالمبدىء الأعلى.
الثاني : ادّعاء الأحكام والأوامر، المنزّلة عليه من عند اللّه عزّ وجل.
فإذا ثبت الإدعاء الأول، ثبت الإدعاء الثاني عند المُنصِفين وإلا، فالإدعاء الثاني أيضاً يحتاج إلى إثبات عند المنحرفين، أو
ص: 118
ضُعَفاء الإيمان.
ونجد في القرآن الكريم أن الأمم كانوا يطالبون الأنبياء بالأدلة والآيات (العلامات) على صدق دعواهم، وإليك بعض الآيات التي تشير إلى هذا الموضوع :
1 - «وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ»(1).
2 - «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ»(2).
3 - «مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»(3).
4- «وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ»(4).
5 - «إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»(5).
6 - «بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ»(6).
إلى غير ذلك من الآيات التي هي من هذا النسق.
وهذا شيء طبيعي، إذ لا يصح أن يصدق الإنسان كلّ ادعاء يسمعه - كائناً ما كان - من كل أحد - كائناً من كان - إلّا بالدليل القطعي والبرهان المبين.
وقد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «البيّنة على المدّعي».
فلوصحَّ تصديق كل من ادعى النبوة بلا بينة، إذَن لَبَلَغَ عددمدعي النبوة عشرات الملايين، في كل زمان!!
ص: 119
وأي إنسان لا يُعجبه أن يدّعي هذا المنصب الخطير والمقام الأسمى إذا كان يعلم بأن أحداً لا يطالبه بالبينة والبرهان على صدق دعواه ؟.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة فقد زَوَّد اللّه تعالى أنبياءه بالبينات وسَلَّحهم بسلاح الدليل والبرهان تصديقاً لهم، وإتماماً للحجة على العباد، انتبه إلى قوله تعالى :
1 - «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ»(1).
والبيّنات : جمع البيِّنة، وهي الحجة الظاهرة التي تميّز بها الحق من الباطل.
2 - «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ»(2) أي دلالاتنا،وسلطان مبين أي حُجَّة ظاهرة، مثل قلب العصا حَيّةً، وفلق البحر.
3 - «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ»(3) أي الدلائل والمعجزات.
4 - «وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ»(4) أي أعطيناه المعجزات، والدلالات على نبوّته، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الآيات الدالة على صدقه، وصحة نبوّته.
وكان الأنبياء يستدلّون ويحتجون بهذه البينات والآيات (العلامات) على صدق نبوّتهم، إقرأ ما يلي من احتجاج الأنبياء واستدلالهم :
ص: 120
1 - «أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(1).
2 - «وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (2).
3- «ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ»(3).
4 - «قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ»(4).
5 - «قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ» (5).
6 - «هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً»(6).
إلى غيرها من الآيات الكثيرة المذكورة في القرآن.
وجميع هذه الأمور مما يؤمن به العقل السليم، وتقتضيه جدا الحكمة، لأن النبوّة منصب خطير، ومقام شامخ فالنبي الذي يرسله اللّه إلى عباده لا بُدَّ وأن يكون معه سَنَد وبينة تثبت نبوّته، حتى تطمئن إليه النفوس، ويثق به الناس فيصدّقوا نبوّته، ويعترفوا برسالته ويأخذوا بأقواله، ويطيعوه في أوامره ونواهيه وبما يأتي به من عند اللّه تعالى.
وأحسن وثيقة، وأقوى حُجّة يتمتع بها الأنبياء هي المعجزة إثباتاً لنبوّتهم وفي نفس الوقت كي لا يستطيع أحد أن يدعي النبوة كذباً وزوراً، لأنه لا يستطيع أن يأتي بالمعجزة فتفشل دعواه.
ص: 121
وتختلف المعجزة باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف مستوى أفكار الناس وعقولهم، فإذا كان المجتمع يؤمن بالسحر، ويُمارس هذا العمل باعتباره مظهراً لقدرة الساحر فلا بد أن تكون المعجزة تناسب عقليّة ذلك المجتمع، كما حَدَث ذلك في قصة نبي اللّه موسیٰ بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع سَحَرة فرعون.
وإذا كان المجتمع قد انتشر فيه الطب والحكمة، فهناك ينبغي أن تكون المعجزة بصبغة الطب والحكمة كما في قصة عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وإذا كان المجتع قد انتشرت فيه فنون الفصاحة والبلاغة والأدب، وليس فيه أثر من الطب والحكمة، ولا يمارس فيه السحر فهناك تقتضي الحكمة أن تكون المعجزة أرقى أنواع الفصاحة والبلاغة كما حدث ذلك في نبوّة نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ونزول القرآن عليه.
ومن الواضح أن المعاجز التي صدرت على أيدي الأنبياء إنما صدرت بإذن اللّه تعالى كما قال عزّ وجلّ : «وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ»(1).
وهذه الآية المباركة تكشف لنا الأمر بكل وضوح، وهو : أن الأنبياء ليس لهم أن يأتوا بالمعجزات من عند أنفسهم أو حسب طلبات الناس منهم، بل الأمر إلى اللّه تعالى يأتي بالمعجزات على وجه المصلحة والأنبياء يستمدون من قدرة اللّه تعالى، وليس لهم استقلال في هذه التصرفات، ولا يقدرون أن يأتوا بشيء إلا بإذن اللّه.
ص: 122
وكلمة : «إِلَّا بِإِذنِ اللّه» - في هذه الآية - تستدعي الإنتباه، فإنّ للإذن معان عديدة وقد يأتي الإذن بمعنى التيسير والتكوين، كما في قوله تعالى : «تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(1).
ومن الممكن أن يكون معنى الإذن في هذه الآية - وفي كل آية فيها ذكر المعجزة بإذن اللّه - هو التيسير والتكوين، أي أن اللّه تعالى هو الذي يُيسر أي يُسهل وقوع المعجزة.
وخلاصة الكلام : أن اللّه الذي هو على كل شيء قدير، الكون وجميع الكائنات كلها تابعة لإرادته، وخاضعة لمشيئته، فإذا أراد شيئاً فإنما يقول له : كنّ فيكون.
فلا مانع بأن يجعل اللّه الكائنات مطيعة للنبي، وخاضعة له، يتصرّف فيها بإذن اللّه كما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
ومن الواضح أن المعجزة تعتبر خرقاً للعادة والطبيعة، واللّه تعالى هو خالق الطبيعة، فلا يعجز عن تغييرها وتبديلها، وسلب خواصها.
ذكرنا هذا الشرح المتواضع - حول معاجز الأنبياء، وإمكانها، وصدق وقوعها - مقدّمة تمهيدية للبحث الآتي :
إن أوصياء الأنبياء لهم أيضاً هذه المزيّة والقدرة لنفس الغرض.
فإنّ الذي يدعي أنه وصيّ نبي، وأنه قائم مقامه لا بُدَّ وأن يكون له سَنَد وحُجّة واضحة، ودليل مُقنع، حتى يصدّقه الناس، فيطيعوا أوامره.
وليست المعجزة خاصة بالأنبياء.
فهذا آصف بن برخيا - وهو وصيّ سليمان بن داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) - أحضر عرش بلقيس الذي كان طوله ثلاثين ذراعاً في ثلاثين
ص: 123
ذراعاً، وارتفاعه ثلاثين ذراعاً - من مدينة سبأ في اليمن إلى الأردن في طرفة عين، وكان عنده علم من الكتاب، أي حرف واحد من الإسم الأعظم.
وأما أئمة أهل البيت الاثنا عشر (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقد كانوا أوصياء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخلفاءه - حسب الأدلة المذكورة في محلها - وكانوا يملكون أقوى الوثائق والحجج والبراهين على إمامتهم وصدق كلامهم، وقد توفّرت فيهم شروط الإمامة بأكمله-ا ومنها : المعجزات.
إن في مطاوي موسوعات الأحاديث كمية وافرة من المعاجز التي صدرت على أيدي أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقد تجاوزت حدّ التواتر، بحيث لا يمكن التشكيك فيها لغزارتها، ولا شك أن تلك المعاجز إنّما كانت تصدر من الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) حسب الظروف وكما تقتضيه الحكمة، وفي بعض الظروف كانت الحكمة تقتضي أن يستعين الإمام بالمعجزة، وفي ظروف أخرى كانت الحكمة والمصالح تتطلب من الإمام أن لا يستعين بالمعجزة، بل يتظاهر بأنه عاجز، لا يملك حولاً ولا قوة، كل ذلك رعاية للمصالح التي يعلمها الإمام ونجهلها نحن.
وإنما ذكرنا هذا البحث - في هذا الكتاب - ليكون القارىء على علم وبصيرة تجاه بعض الأحاديث المذكورة في هذا الكتاب، وغيره من الكتب التي تتحدث عن معاجز الأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ).
وحتى لا ينسبنا أحد إلى الغلو، والإعتقاد بالخرافات، ويقول - فينا - : إن الشيعة تحمل عقائد خرافية في أئمتهم، ما أنزل اللّه بها من سلطان.
ص: 124
أيها القارىء الكريم : سوف تقرأ - في هذا الكتاب - بعض الأحاديث المروية عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الإخبار عما يجري في المستقبل من الحوادث، فمثلاً : تراه - تارة - يخبر أصحابه عن المستقبل، وتارة لا يخبر أحداً، ولكنه يتخذ التدابير اللازمة مما يدل على أنه كان على علم ويقين عما سيجري ويحدث.
وستقرأ في هذا الكتاب - في ترجمة يحيى بن هرثمة، في حرف الياء - إن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) اتخذ لنفسه، وللخدم الذين رافقوه - في طريقه من المدينة المنوّرة إلى العراق - الملابس الشتوية اتقاء من المطر الغزير الذي سيصيبهم في البر، وهم في شهر تموز!.
فاستهزأ العدو بتلك التدابير، ولكن لما أخذهم ذلك المطر الوابل، مع البَرَد الكبير وقتل العشرات من جيش يحيى بن هرثمة ظَهَرَ لهم أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان عالماً بما سيقع في أثناء الطريق.
وستقرأ - أيضاً - في هذا الكتاب : أن الإمام الهادي (عليه (السلام - يوم كان في المدينة المنوّرة - أخبر عن وفاة والده : الإمام
ص: 125
الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) الذي توفي في بغداد، في نفس اليوم ونفس الساعة.
وضبط بعض الناس هذا التاريخ، وبعد أيام جاء الخبر من بغداد أن الإمام الجواد توفي في نفس اليوم والساعة التي أخبر الإمام الهادي بذلك.
ولكي لا تستغرب من هذه الأحاديث، لا بأس بذكر مقدمة تمهيدية عن علم الإمام بصورة عامة.. فنقول :
إن من جملة خصائص أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) هي العلوم التي امتازوا بها عن غيرهم : من العلماء والحكماء وكافة طبقات البشر، وقد تواترت مئات الأحاديث - من هذا النوع - عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) مما يدل على مدى اطلاعهم على شتّى العلوم والفنون، بحيث لا يمكن تكذيبها أو التشكيك فيها، وقد ألَّف الكثيرون من علمائنا - على مرِّ القرون - مؤلّفات عديدة حول علم الإمام.
وقد اتخذ أعداء أهل البيت هذه الحقيقة وسيلة للتهريج ضدّ الشيعة فكانوا - ولا يزالون - يشنون الغارات بأقلامهم المسمومة، ويقولون : إن الشيعة تعتقد بأن الأئمة يعلمون الغيب، ولا يعلم الغيب إلّا اللّه.
أقول : إن الشيعة يعتقدون بأن علم الغيب خاص باللّه تعالى، ولا يعلم الغيب إلا هو عزّ وجلّ، وكل مَن نَسَبَ علم الغيب إلى الأنبياء أو الأئمة فهو جاهل.
وكل مَن نَسَبَ هذه العقيدة إلى الشيعة فهو كذاب مفتر ضالّ.
وقد ذكرنا شيئاً يتعلق بهذا الموضوع في كتاب (الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المهد إلى الظهور) ص 185 185، وذكرنا بأن الإمام
ص: 126
أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما أخبر عما يجري على البصرة من صاحب الزنج والاتراك قال له بعض أصحابه : لقد أعطيت - يا أمير
المؤمنين - علم الغيب!
فقال الإمام : ليس هو بعلم الغيب، وإنما هو تَعَلُّم من ذي علم.. » إلى آخر كلامه.
من الواضح : أننا لو أردنا أن نتحدّث عن علم الإمام، وأن نستعرض الآيات والروايات حول هذا البحث لاحتجنا إلى تأليف موسوعة حول هذا الموضوع.
ولكننا نذكر لمحة خاطفة، وكلمة موجزة لئلا يخلو هذا الكتاب من هذه الفائدة، فنقول :
الأول : العلوم التي تحصل عن طريق التعلم من الغير، كالدراسة والمطالعة أو التجارب أو الاستنباط وما شابه ذلك، وهذا العلم يسمّى بالعلم الإكتسابي، لأن صاحبه اكتسبه، وتعلمه بطرق طبيعية.
الثاني : العلوم التي تحصل لبعض الأفراد عن طريق الإلقاء والإلهام والقدف في القلوب، ويُقال لها : العِلم اللَّدُني.
وإلى هذا النوع جاءت الإشارة في القرآن الكريم في آيات متعددة، منها في قصة النبي يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال ( تعالى ) :
1 - «وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ» (1).
2 - «وَلنُعَلِّمُه مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ» (2).
3 - «وذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي»(3).
ص: 127
4 - «وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ»(1).
5 - وفي قصة الخضر : «آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا»(2).
6 - وفي قصة داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ»(3).
7- «وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ»(4).
8 - «وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا»(5).
9 - «وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ»(6).
10 - وفي قصة سليمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ»(7).
11 - «فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا»(8).
12 - وفي قصة لوط (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا»(9).
13 - وفي قصة عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ»(10).
ص: 128
14 - «وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ»(1).
15 - وفي قصة لقمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ»(2).
.. إلى غيرها من الآيات التي تشير إلى العلوم التي تلقاها الأنبياء من عند اللّه تعالى، لا بالدراسة ولا بالمطالعة ولا بالتجارب ولا بأمثالها، وإنما قذف اللّه في قلوبهم تلك العلوم
وصريح هذه الآيات أن اللّه تعالى علَّم يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) تفسير الأحلام، وعلّم داودَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كيفية صناعة الدرع، وعلّم اللّه سليمان بن داود (عَلَيهِ السَّلَامُ) منطق الطيور، بل ومنطق بقيّة الحيوانات كالنمل، كما صرّح بذلك القرآن الكريم في قصّة الهدهد وقصة النملة التي «قَالَتْ أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ... «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا» وهكذا ألهمه اللّه حكم الزرع الذي نفشت(3) فيه غنم القوم، والقصّة مشهورة مذكورة في كتب التفاسير وغيرها.
وهكذا علم اللّه عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) الاسم الأعظم، الذي كان يبرىء به الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى، ويخلق من الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه فتكون طيرا بإذن اللّه.
واستطاع النبي عيسى أن يخبر الناس بما يأكلون من الطعام وما يدخرونه في بيوتهم.
وهنا سؤالان :
السؤال الأول : كيف يتحقق هذا «الإلقاء» إلى الأنبياء ؟
الجواب : إن معرفة كيفية إلقاء تلك العلوم إلى الأنبياء
ص: 129
والإحاطة بأنواعها وأقسامها وأبعادها خارجة عن نطاق عقولنا، ولا يجب علينا أن نعرف ذلك، فاللّه تعالى يعلم كيف يُلهم أنبياءه وأولياءه تلك العلوم.
السؤال الثاني : إن هذه الآيات المذكورة تتحدث عن علوم الأنبياء، فما وجه علاقتها بالأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) ؟
الجواب :
أولاً : إن لقمان لم يكن نبياً، كما في التفسير عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لم يكن لقمان نبيّاً وإنما كان عبداً صالحاً، آتاه اللّه الحكمة، فنام نومةً، فأعطي الحكمة، فانتبه يتكلّم بها»(1).
ثانياً : وهكذا الخضر لم يكن نبياً، ولكن اللّه تعالى علمه من لدنه علماً، ولهذا أقام الجدار الذي كان تحته كنز لغلامين يتيمين في المدينة، وغير ذلك - كما هو مذكور في القرآن الكريم -.
ثالثاً : إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الذي كان خاتم النبيين، وسيد المرسلين وقد أرسله اللّه إلى الناس كافة، وإلى جميع البشر الذين يسكنون على الكرة الأرضيّة فلا بُدَّ أن يعلّمه اللّه جميع ما يحتاج إليه البشر، سواءً في العقائد أو الأحكام الشرعية.
وقد كانت الحكمة تقتضي أن يتكلم عن أمور أخرى، كالطب، وخواص الأشياء وعلاج الأمراض أو الإخبار عن الماضي أو المستقبل، وعما يجري من الوقائع والفتن والملاحم وأمثال ذلك، تثبيتاً لنبوته وتقويةً لعقائد أمته، وإتماماً للحجة.
وخلاصة القول : إن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عالماً بكل ما يحتاج إليه البشر من أصول
ص: 130
الدين وفروعه، وغير ذلك من العلوم، وأن لا يجهل شيئاً من الأمور التي يسأله الناس عنها.
بعد ثبوت هذه الحقيقة، وانطلاقاً من هذه النقطة، يسهل علينا أن نعتقد بأن أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) الذين نَصَّ عليهم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وجعلهم خلفاءه، وأمر الناس أن يأخذوا معالم دينهم، والأحكام الشرعية منهم، لا بد أن تتوفّر فيهم العلوم بالأحكام الإلهيّة الواقعية، امتداداً لأثر خط الرسالة، وإبقاء على خط الإسلام، وإتماماً للحجة على العباد.
وإلا، فما الفائدة من أن يأمر النبي أن يأمر النبي أمته أن يأخذوا الأحكام الإسلامية من أناس لا يعلمون جميع الأحكام، أو يجهلون ما يحتاج إليه الناس ؟.
ولهذا لا توجد - في حياة الأئمة الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) - كلمة : «لا أعلم، لا أدري» في جواب السائل عنهم حول المسائل الشرعية، وغيرها من المواضيع.
ويجب أن يكونوا هكذا، ونحن لا نعتقد بإمامة إمام يجهل الأحكام الشرعية ولا يعلم الأوامر الإلهية في التكاليف.
هذا بالنسبة للأحكام الشرعية، وأما بالنسبة للعلم بالموضوعات كالطب والنجوم وخواص الأشياء، أو الإخبار عن الماضي أو المستقبل، أو الإطلاع على الأمور الغيبية، فإن آلاف الأحاديث تشهد بوجود هذه الخصائص عند النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ).
فما المانع أن يُفيض اللّه هذه العلوم على قلب من يشاء من عباده ؟.
والعجب أن المنجمين حينما يخبرون عن الخسوف أو الكسوف، أو كثرة الجفاف أو الأمطار الغزيرة في بعض المناطق، لا
ص: 131
يقول أحد - في حقهم أنهم يعلمون الغيب، بل ولا يستغرب أحد من اطلاعهم على هذه الأمور، مع العلم أنهم يخبرون عما خفي على الناس، وأن علومهم اكتسابية، قد تخطىء وقد تصيب.
ولكن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إذا أخبروا عن المستقبل بصورة عامة، أو أخبروا عن موت إنسان أو حادثة خاصة تتعلق ببعض الأفراد، ترى بعض الناس يستغربون ذلك ولا يعجبهم أن يصدقوا هذه الإخبارات، مع العلم أننا نعتقد بأن علومهم واطلاعهم من عند اللّه، لا من عند أنفسهم.
نعم، إن، إن آلاف الأحاديث تشهد بأن علوم الأئمة لم تقتصر ولم تنحصر بالأحكام الفقهية، بل زودهم اللّه بكافة العلوم، وكشف لهم الغطاء عن كل شيء.
ولعل قائلاً يقول : وما الفائدة من تلك العلوم - التي توفرت في أئمة أهل البيت - في حين أن المسلمين لم يستفيدوا منها كما ينبغي ؟.
الجواب : وما الفائدة من الأطباء إذا كان المرضى لا يراجعونهم، ولا يستفيدون منهم، ولا ينتفعون من علومهم، ولا يتداوون عندهم ؟
نعم، إن اللّه تعالى أفاض على الأئمة الطاهرين جميع العلوم والفنون، ولكن أكثر المسلمين استبدلوا الذُّنابا بالقوادم، والعَجُز بالكاهل (1) وتركوا العين الصافية، وشربوا من السواقي الملوثة، وفضّلوا أن يعيشوا جُهّالاً، ويموتوا ضلالا، ولا يأخذوا العلوم من أهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 132
لماذا ؟ لأن الظروف السياسية، والمطامع الشخصية، ودناءة النفوس، وضعف الإدراك، وسوء الرأي هكذا فرضت عليهم!
فإن كان هناك تقصير فهو من الناس، لا من الأئمة الطاهرين، لأنّ الأئمة جعلوا حياتهم وقفاً للناس، وكانوا كالشمس يشرقون على البر والفاجر.
ولا يبخلون عن تعليم الناس، وإراءة الطريق لهم في حدود الإمكان، ولكن مع رعاية الحكمة، ورعاية الظروف ورعاية الجدارة والاستحقاق والأهلية في السائل.
ولهذا ترى الإمام أمير المؤمنين علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُعلّم خواص أصحابه علم المنايا والبلايا ولكن بصورة خاصة.
وهكذا بقية الأئمة (عَلَيهم السَّلَامُ) كانوا يخبرون خواص أصحابهم ببعض الإخبارات أو يعلمونهم بعض العلوم بصورة سرية مع التأكيد على الكتمان، رعاية للمصالح.
ولو وجد الأئمة الطاهرون عليهم السلام) الأهلية في مجتمعاتهم، وساعدتهم الظروف لملأوا العالم علوماً بشتى أنواعها، وأضاؤوا الكون بأنوار المعارف.
ولكن المجتمعات لم تكن ناضجة ولائقة للإستفادة من علومهم والاستضاءة بأنوارهم.
هذا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشير إلى صدره المبارك المقدس، ويقول : «إن ههنا لَعِلماً جماً لو أصبتُ له حَمَلَةً [أي لو وجدت من يكون أهلا له ]»
وحينما يقول - على المنبر، وبمسمع من الجماهير المتجمهرة حوله - : «سلوني قبل أن تفقدوني» لم يسأله أحد عن علاج الأمراض الصعبة، أو علل الشرائع وفلسفة الأحكام، أو عن الروح وعن عالم
ص: 133
الأرواح، وأسرار الكون والطبيعة، وعمّا وراء الطبيعة، أو أشياء أخرى من هذا القبيل.
وإنما يسأله السائل ويقول : أخبرني كم شعرة في رأسي ولحيتي ؟!!.
ومن الواضح أن هذا سؤال مستهزيء لا متعلّم.
فهل يجدر بالإمام أن ينشر أرقى علومه، وأنفَس ذخائره في ذلك المجتمع مع ذلك المستوى الثقافي المنحط والعقلية السافلة ؟!
وختاماً لهذا البحث نذكر مقطوعة من إحدى خطب الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لتكون أحسن شاهد وأوضح دلي-ل للمواضيع التي ذكرناها في هذا البحث، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«... واللّه لو واللّه لو شئتُ أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن أخاف أن تكفروا في برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
ألا، وإني مُفضيهِ إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه.
والذي بَعَثه بالحق نبياً، واصطفاه على الخلق، ما أنطق إلا صادقاً، ولقد عهد إليَّ بذلك كلّه، وبمهلك من يهلك، ومَنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر.
وما أبقى شيئاً يَمُرُّ برأسي إلا أفرغه في أذني، وأفضى به إليَّ... »(1).
ويجب أن أقول : إنّ الإلهام أو الإلقاء ما هو إلا أحد مصادر علومهم (عَلَيهم السَّلَامُ) وليست علومهم منحصرة بذلك، بل هناك مصادر أخرى لعلومهم المتنوّعة، كما صرّحوا - هم - بذلك في أحاديث
ص: 134
كثيرة، منها كلام الإمام الباقر والإمام الصادق (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في حديث أبي بصير وغيره - كما في الكافي (1) - وخلاصة بعض تلك الأحاديث :
أن عندهم الجامعة، وهي صحيفة من الجلد، طولها سبعون ذراعاً، مطوية كالأقمشة التي تُطوى، وهذه الجامعة بإملاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخطّ الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وعندهم الجَفر، وهو وعاء من جلد (2) فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.
وعندهم : مصحف سيدتنا فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) حجمها ثلاثة أضعاف حجم القرآن، وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا المصحف في كتاب (فاطمة الزهراء من المهد إلى اللّحد).
وعندهم : علم ما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة، وعندهم : العلم بما يحدث ويتجدد في كل يوم وليلة.
وفي ليلة القدر من كل سنة، تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر فيجتمعون بإمام ذلك الزمان، ويخبرونه بكل أمر، وبجميع مقدرات الخلائق.
وعندهم : الإسم الأعظم، الذي يستطيعون أن يعرفوا به كل شيء، وأن يعلموا به كل شيء من المعاجز وغيرها، وفيه الكفاية.
ص: 135
كان للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الذكور أربعة، وبنت واحدة. فالذكور هم :
1 - السيد محمد، وكنيته أبو جعفر.
2 - الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3 - جعفر.
4 – الحسين.
وأمّا البنت فاسمها : عليَّة.
وذكر بعض النسابين - في أولاد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - زيداً وموسى وعبد اللّه. ولكنهم غير معروفين.
والآن.. إليك شرحاً موجزاً عن حياة من ذكرنا من أولاد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
1. السيد محمد :
كنيته : أبو جعفر
ستقرأ في تراجم أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أحاديث عديدة حول السيد أبي جعفر محمد بن الإمام الهادي. فلقد كان أكبر
136
ص: 136
أولاد أبيه، وكان سيداً جليلاً مجمعاً للكمالات، وكانت الشيعة - وغيرهم - يظنون أنه الإمام بعد أبيه، حسب القاعدة المعروفة عند الشيعة بأن الإمامة تكون في الولد الأكبر إذا لم يكن فيه عيب أو نقص ينافي الإمامة. ولكن السيد محمد توفي في زمن أبيه
وإليك بعض التفصيل :
لمّا خرج الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى سامرّاء ترك ابنه السيد محمد في المدينة المنوّرة وهو طفل، وبعد سنوات التحق الولد بأبيه ومكث عنده مدة، ثم أراد الرجوع والعودة إلى المدينة المنوّرة، وفي الطريق وصل إلى مدينة بلد، فتمرّض هناك وفارق الحياة، في سنة 252 ه تقريباً، وعمره فوق العشرين سنة وشقَّ الإمام العسكري ثوبه في مصيبة وفاة أخيه هذا.
وقبره بين سامرّاء وبغداد، وله مشهد مشيّد، يزوره الناس من كافة الطبقات وأجلاء العلماء، وأعاظم الفقهاء، وأكابر المجتهدين والمحدثين وغيرهم.
وقد ظهرت كرامات كثيرة من مرقده الشريف، من شفاء المرضى وغير ذلك.
وقد ألف المرحوم البحاثة الجليل العلّامة المفضال الميرزا محمد الطهراني رسالة في كرامات السيد محمد، وهكذا ألَّف المرحوم العلّامة الأجل : الشيخ محمد علي الأردوبادي كتاباً سمّاه (سبع الدجيل)، وقد نقل فيه كرامات عديدة للسيد محمد المزبور.
وقد ذكرنا في ترجمة كل من علي بن عبد اللّه بن مروان الأنباري، والحسن بن الحسين الأفطس، وعلي بن عمر النوفلي وشاهويه بن عبد اللّه بن سليمان، والجلابي وغيرهم ما يشير إلى هذا السيد الجليل، من تصوّر أنه الإمام بعد أبيه، ومن حضور الشيعة عند الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما توفّي السيد محمد، ونصّ الإمام
ص: 137
الهادي على إمامة الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وأعقب أولاداً، سكن بعضهم في بُخارى، وبعضهم في تركيا، وبعض سلالته منتشرون في العراق، ومنهم السادة آل بعاج المعروفون في العراق.
وقد تجدّد بناء مشهده الشريف في خلال القرنين الأخيرين مرّات عديدة من تشييد المرقد وبناء القبة المنوّرة، وتوسيع الصحن وبناء الحُجُرات وإسالة الماء والإنارة بالكهرباء، والمرافق الصحية وغير ذلك.
وهذه المشاريع قام بها العلماء والأمراء وأهل الخير والإحسان من الإيرانيين.
وقد نظم بعض علماء الكاظمية وبعض شعراء النجف قصائد رائعة في مدح السيد محمد، مذكورة في كتاب (مآثر الكبراء في تاريخ (سامرّاء تأليف المرحوم الشيخ ذبيح اللّه المحلاتي، وفي كتاب (سبع الدجيل) للأردوبادي.
3 - الامام الحسن العسكري :
سوف نتحدث بالتفصيل عن الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كتابنا الخاص به، كما يأتي اسمه وذكره في هذا الكتاب، في غضون تراجم أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
3 جعفر بن الامام الهادي :
وهو المعروف بالكذاب أو التوّاب، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور ).
ص: 138
4 - الحسين بن الامام الهادي :
لقد أهمل التاريخ ذكر هذا السيد الجليل، ولم يتطرق المؤرّخون إلى تاريخ ولادته ووفاته وترجمة حياته.
وفي كتاب شجرة الأولياء : أن الحسين كان زاهداً عابداً معترفاً بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان صوت الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يشبه صوت عمه الحسين.
وكان الناس يعبّرون عنه وعن أخيه الإمام الحسن العسكري بالسبطين، تشبيهاً لهما بالإمامين الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وكان له من الأولاد أربعة، وقد رحلوا - بعد وفاة أبيهم - من سامرّاء إلى مدينة لار - من بلاد فارس في إيران - فقتلوا بعد وصولهم إليها (1).
ص: 139
لقد ذكرنا في كتاب (الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المهد إلى اللّحد) كلمة موجزة حول أصحاب الأئمة الطاهرين بصورة عامَّة وأصحاب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصورة خاصة، ونفس ذلك البحث يجري - هنا - أيضاً
ولقد امتاز عصر الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن عصر أبيه الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بمزيّة، وهي زيادة الكبت والضغط عليه من قبل السلطات وخاصة من المتوكل العباسي «أكفر بني العباس».
وبالرغم من تلك الضغوط التي عاصرت حياة الإمام الهادي وبالرغم من الرقابة المشدّدة التي فرضتها السلطات الغاشمة عليه وعلى شيعته، فلقد حافظت هذه الطائفة المضطهدة - وهم الشيعة - على خط الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الذي هو خَطُّ جدّه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وخط الإسلام والقرآن.
وكان للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أصحاب تختلف درجاتهم ومنازلهم ومراتبهم، كما هو شأن أصحاب كل إمام، بل هو شأن أصحاب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذ كانوا مختلفي
ص: 140
الدرجات من حيث الإيمان والعقيدة والعمل والاستقامة، والانجاز والنشاط.
وفيهم العلماء والفقهاء والمؤلّفون والمفسرون والشخصيات المرموقة في العلوم والفنون والمعارف.
كما أن فيهم الثقات والضعفاء، إذ من الطبيعي أن لا يخلو المجتمع من أفراد ضعفاء العقيدة، تجرفهم التيارات المادية وغيرها وهم الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم، وباعوا دينهم بدنياهم، وسوّدوا وجه التاريخ بعد أن سوّدوا وجوههم.
ومن الواضح أن بعض أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان له شرف صُحبة الإمام، أو الأئمة الذين كانوا قبل الإمام الهادي، أو الإمام أو الإمامين الذين بعده.
وإليك أسماءهم حسب ترتيب حروف الهجاء.
ص: 141
يكنى أبا محمد، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأدرك الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقد روى عنه ابنه أحمد بن إبراهيم بن إدريس، قال : رأيته (1) بعد مضي أبي محمد (2) حين ايفع (3) وقبلت يديه ورأسه (4).
ابن أزور، عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 142
السَّلَامُ) وهو غير إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وفي نسخة : إبراهيم بن الدهقان.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
وروى الكشي - في ترجمة علي بن حسكة - بسنده عن إبراهيم بن شيبة قال : كتبت إليه :
«جعلتُ فداك، إنّ عندنا قوماً يختلفون في معرفة فضلكم بأقاويل مختلفة، تشمئز منها القلوب، وتضيق لها الصدور، ويَروُون في ذلك الأحاديث، لا يجوز لنا الإقرار بها، لما فيها من القول العظيم، ولا يجوز ردها والجحود لها إذا نُسِبَتْ إلى آبائك.
فنحن وقوف عليها، لأنهم يقولون، ويتأولون معنى قوله عزّ وجل : «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» وقوله عزّ وجل : «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» إن الصلاة معناها رَجَلٌ، لا ركوع ولا سجود.
وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجُل، لا عدد دراهم، ولا إخراج مال، وأشياء تشبهها من الفرائض والسنن.
ص: 143
والمعاصي تأوّلوها وصيَّروها على هذا الحد الذي ذكرتُ.
فإن رأيت أن تمنَّ على مواليك بما فيه سلامتهم، ونجاتهم من الأقاويل التي تصير إلى العطب والهلاك.
والذين ادعوا هذه الأشياء ادعوا أنهم أولياء، ودعوا إلى طاعتهم، منهم :
علي بن حسكة، والقاسم اليقطيني : فما تقول في القبول منهم جميعاً ؟».
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ليس هذا ديننا، فاعتزله».
أقول : التأويلات التي ذكرها إبراهيم بن شيبة - في رسالته - إنما هي من مبتدعات أبي الخطاب وأصحابه (لعنهم اللّه) وقد ذكرنا ذلك في كتاب (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد).
كان من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وقد كتب الإمام العسكري رسائل مفصَّلة، يستفاد منها عظمة هذا الرجل، وعُلوّ،منزلته، ونذكر تلك الرسائل في كتاب (الإمام العسكري من المهد إلى اللّحد) إن شاء اللّه.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وروى الكشي بسنده قال :
حدَّثني إبراهيم بن عقبة قال : كتبتُ إلى العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«جعلت فداك، قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنُتُ عليهم في
ص: 144
الصلاة ؟».
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «نعم، اقنت عليهم في الصلاة».
أقول : الظاهر أن المقصود من العسكري - في هذا الحديث - هو الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأما الممطورة : فالمقصود تشبيه الواقفية بالكلاب التي أصابها المطر، فصارت أكثر تنجيساً بسبب انفصال قطرات المطر عن أجسامها.
فالرجل يسأل من الإمام هل يجوز لي أن أدعو عليهم في قنوت الصلاة ؟ فأجابه الإمام : نعم.
وقد ذكرنا في كتاب (الإمام الجواد من المهد إلى اللّحد) بعض ما يتعلق بالواقفية (1).
وفي الكافي بسنده عن إبراهيم بن عُقبة قال :
كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه الحسين، وعن زيارة أبي الحسن [موسى بن جعفر] وأبي جعفر [الجواد] عليهم السلام أجمعين.
فكتب إليَّ : «أبو عبد اللّه المقدَّم، وهذا أجمع، وأعظم أجراً» (2).
أي زيارة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفضل، وزيارتهم جميعاً أعظم أجراً.
وروى في التهذيب بسنده عن إبراهيم بن عُقبة قال :
كتبت إليه أسأله عن رجلٍ حَجَّ عن صرورة لم يحج قط، أيُجزي كل واحد منهما تلك الحجّة عن حَجّة الإسلام أم لا ؟ بين لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه.
ص: 145
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا يُجزى ذلك».
قال الشيخ الطوسي في التهذيب - في شرح الحديث - : يحتمل أنه لا يجزى عن الصرورة إذا كان له مال، لأنه إذا كان له مال لم يجزىء عنه ذلك، ويحتمل أنه لا يجزىء عن الذي حج، إذا أيسر وجب عليه الحجّ (1).
وفي كتاب كامل الزيارات بسنده عن إبراهيم بن عُقبة قال : كتبتُ إلى العبد الصالح [الهادي] (2) (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
(إن رأى سيدي أن يُخبرني بأفضل ما جاء في زيارة أبي عبد اللّه الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهل تعدل ثواب الحج لمن فاته ؟).
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «تعدل الحج لمن فاته الحج» (3).
أقول : ليس المقصود أن زيارة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) تكفي عن حجة الإسلام الواجبة، بل المقصود هو الأجر والثواب
لا يوجد إسم بهذا اللقب في كتب الرجال الموجودة عندي من المتقدمين، فلعله إبراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري.
ص: 146
وعلى كل تقدير، فقد روى عنه الكليني في (الكافي) وابن شهر آشوب في (المناقب) ونحن نذكر الحديث عن كل منهما مع تغيير يسير:
في الكافي بسنده عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال :
مرضَ المتوكل من خُراج خرج به (1) فأشرف منه على التلف، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة (2).
فنذرت أمّه : إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد [الهادي] ] مالاً جليلاً من مالها.
وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل [الإمام] فسألته فإنه لا يخلو أن يكون عنده صفة (3) يفرَّج بها عنك.
فبعث إليه، ووصف له علَّته، فرد إليه الرسول : بأن يؤخذ كُسب الشاة (4) فَيُداف بماء ورد، فيوضع عليه [على الخراج].
فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزأون من قوله، فقال له الفتح [ بن خاقان] : هو واللّه أعلم بما قال.
وأحضر الكُشب، وعُمِل كما قال، ووضع عليه [على الخراج] فغلبه النوم، وسكن، ثم انفتح [الخراج] وخرج منه ما كان فيه [من المادة ] وبشِّرت أمّه بعافيته.
فحملت إليه عشرة آلاف دينار، تحت خاتمها (5) ثم استقل (6).
ص: 147
فسعى إليه البطحائي العلوي (1) بأن أموالاً تُحمل إليه وسلاحاً (2).
فقال [المتوكل] - لسعيد الحاجب - : أهجم عليه بالليل، وخُذما تجد عنده من الأموال والسلاح، واحمله إليَّ.
قال إبراهيم بن محمد : فقال لي سعيد الحاجب : صِرتُ إلى داره بالليل ومعي سُلّم، فصعدت السطح، فلما نزلت على بعض الدرج في الظلمة لم أدر كيف أصل إلى الدار.
فناداني : يا سعيد، مكانك حتى يأتوك بشمعة.
فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلتُ، فوجدته : عليه جُبة صوف وقلنسوة منها [من صوف الجبّة] وسجّادة على حصير بين يديه، وهو مقبل على القبلة، فقال لي : دونك البيوت (3) فدخلتها، وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البذرة (4) في بيته مختومة بخاتم أم المتوكل، وكيساً مختوماً.
وقال لي : دونك المصلّى، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبِّس، فأخذت ذلك، وصرت إليه [المتوكل].
فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه
فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له : كنتُ قد نذرتُ في علَّتك - لما أيستُ منك - : إن عوفيت حملتُ إليه من مالي عشرة آلاف
ص: 148
دينار، فحملتها إليه، وهذا خاتمي على الكيس.
وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار، فَضَمَّ إلى البدرة بدرة أخرى، وأمرني بحمل ذلك إليه [إلى الإمام].
فحملته، ورددتُ السيف، والكيسين، وقلت له : يا سيدي عزّ عَلَيْ
فقال : «سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».
وفي نسخة (المناقب) : عَزَّ عَلَيَّ بدخول دارك بغير إذنك، ولكني مأمور به (1).
أقول : إن كثيراً من أعوان الظلمة يرتكبون الجرائم والفجائع، ثم يعتذرون بأنهم كانوا مأمورين بذلك، وكأنهم لا يشعرون بأن أعمالهم التي ارتكبوها إن كانت جائزة فلماذا يعتذرون منها، وإن كانت غير جائزة فلماذا يمتثلون الأوامر الصادرة إليهم من الطغاة الظالمين، أمثال المتوكل الطاغوت اللعين ؟.
عدة الزنجاني - في كتاب الجامع في الرجال - من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
النيسابوري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
عدّه البرقي والطوسي من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهم السَّلَامُ) وقد ورد من الناحية المقدسة كتاب في
ص: 149
توثيقه، وقد ذكرناه في كتابنا عن الإمام الجواد.
وكان هو وأولاده وكلاء عن الأئمة (عَلَيهم السَّلَامُ) وله مكاتبات مع الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) نذكر بعضها :
في التهذيب بسنده عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال :
اختلفت الروايات في [ زكاة] الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر [الإمام [الهادي] أسأله عن ذلك.
فكتب : «إن الفطرة صاع من قوت بلدك :
على أهل مكة واليمن والطائف، وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين، وفارس والأهواز وكرمان : تمر.
وعلى أهل أوساط الشام : زبيب.
وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها : بر أو شعير.
وعلى أهل طبرستان : الأرز.
وعلى أهل خراسان : البُرُّ. إلا أهل مرو والري فعليهم الزبيب
وعلى أهل مصر : البُرُّ. ومن سوى ذلك فعليهم : ما غلب قُوتهم.
ومَن سكن البوادي من الأعراب فعليهم : الأقط (1).
والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم، ومَن تعول مِن ذكرٍ كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، حُرّاً أو عبداً، فطيماً أو رضيعاً، تدفعه وزناً ستة أرطال برطل المدينة، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً،
پ
ص: 150
فتكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً»(1).
وفي التهذيب أيضاً بسنده عن إبراهيم بن محمد قال : كتب رجل إلى الفقيه [الإمام [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يا مولاي نذرت أني متى فاتتني صلاة الليل صمت في صبيحتها، ففاته ذلك كيف يصنع (2)؟ وهل له من مخرج ؟ وكم يجب عليه من الكفّارة في صوم كل يوم تركه إن كفّر، إن أراد ذلك ؟.
قال : فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يفرّق عن كل يوم مُدّاً من طعام كفارته» (3).
وفي التهذيب أيضاً والكافي : عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى الرجل [الإمام [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنَّ مَن قِبَلَنا من مواليك، قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول : جسم. ومنهم من يقول : صورة».
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) - بخطه - : «سبحان مَن لا يُحَدّ، ولا يوصف، ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم. أو قال البصير (4).
أقول : وروي هذا الحديث في الكافي، عن محمد بن علي القاساني، وبشر بن بشار النيسابوري، فلعلهم جميعاً كتبوا هذا السؤال، فأجابهم الإمام بجواب واحد، واللّه العالم.
وفي التهذيب : بسنده عن إبراهيم بن محمد قال : كتبتُ إليه (5) : يسقط على ثوبي الوَبَر، والشعر مما لا يؤكل لحمه، من
ص: 151
غير تقيَّة ولا ضرورة ؟».
فكتب : «لا تجوز الصلاة فيه»(1).
وفي كتاب (الإقبال) للسيد ابن طاووس :
فيما سُئل عن مولانا علي بن محمد الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ما هذا لفظه : أبو الحسن إبراهيم بن محمد الهمداني قال :
كتبتُ إليه : إن رأيت أن تخبرني عن بيت أمك فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) أهِيَ في طَيبة ؟ أو كما يقول الناس في البقيع ؟».
فكتب : «هي مع جدي (صلوات اللّه عليه)».
أقول : قد ذكرنا في كتاب (فاطمة الزهراء من المهد إلى اللّحد) بعض الحِكَم حول إخفاء قبر السيدة فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ).
الأهوازي، ويكنى أبا إسحاق، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وقد اختلفت الأقوال في توثيقه ووكالته.
ولعل أحكم بن يسار غير أحكم بن بشار واللّه العالم.
وأما الحديث فهو : عن أحكم بن يسار عن أبي الحسن صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن قنبراً مولى [غلام] أمير المؤمنين (عَلَيهِ
ص: 152
السَّلَامُ) دخل على الحَجّاج بن يوسف فقال له : ما الذي كنت تليه من علي بن أبي طالب(1) ؟
فقال : كنتُ أوَضْتُهُ.
فقال له : ما الذي كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟.
فقال : كان يتلو هذه الآية «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2).
فقال الحجاج : أظنّه كان يتأوّلها علينا ؟
فقال : نعم.
فقال : ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك [رأسك] ؟
قال : إذن أسعد وتشقى. فأمر به - أي أمر بقتله - (3).
الرازي، ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
أقول : توجد طائفة من الأحاديث مروية عن أحمد بن إسحاق، وقد اختلطت هذه الأحاديث بين أحمد بن إسحاق الأشعري، وبين أحمد بن إسحاق الرازي، وهكذا اختلطت التراجم بين هذين الرجلين.
وحيث أنهما أدركا زمان الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فالأفضل
ص: 153
إرجاء البحث والتحقيق عن هذين الرجلين إلى كتاب (الإمام العسكري من المهد إلى اللّحد) إن شاء اللّه.
في الكافي بسنده عن أحمد بن إسحاق الرازي قال :
كتب رجل إلى أبي الحسن الثالث [ [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «رجل استأجر ضيعة من رجل، فباع المؤاجر تلك الضيعة التي أجرها بحضرة المستأجر، ولم ينكر المستأجر البيع، وكان حاضراً ل-ه شاهداً عليه، فمات المشتري وله ورثة، أيرجع ذلك في الميراث، أو يبقى في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إلى أن تنقضي إجارته»(1).
القمي، الأشعري، يكنّى أبا علي، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام المهدي) وكتاب (الإمام الجواد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
كان من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي، ومن خواص الإمام العسكري (عَلَيهم السَّلَامُ) ونذكر - هنا - بعض أحاديثه عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
في الكافي بسنده عن أحمد بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن الرؤية، وما اختلف فيه الناس، فكتب :
لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والم-رئي ه-واء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الإشتباه، وكان ذلك التشبيه، لأن الأسباب لا
ص: 154
بدّ من اتصالها بالمسبّبات»(1).
أقول : الحديث يحتاج إلى شيء من الشرح فنقول :
رؤية الأشياء لا تتحقق إلا إذا كان بين العين والشيء المرئي هواء، لأن الرؤية إنما تتحقق باتصال أشعة من العين إلى الشيء المرئي، أو بانعكاس الشيء المرئي على عدسة العين، وعلى كل تقدير لا بد من وجود الهواء والضياء بين الرائي والمرئي، ولهذا إذا وضعت الشيء على عينك فإنك لا تبصره لعدم وجود الهواء والضياء بين العين وبين ذلك الشيء. ولعل هذا معنى كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ): «فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية».
فإذا ثبت هذا الأمر (وهو ضرورة وجود الهواء في الرؤية) حصل التشابه بين الرائي والمرئي، أي كل منهما يُشبه الآخر في توسط الهواء بين الرائي والمرئي، لأن كلا من الرائي والمرئي يحتاج إلى مكان وجهةٍ، وهذا من لوازم الجسم والجسمية، واللّه تعالى ليس بجسم، فلا يشغله مكان ولا جهة، إذن فمن المستحيل رؤيته.
ولعل هذا معنى كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لأنّ الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان ذلك التشبيه أي تشبيه الخالق بالمخلوقين لأن «الأسباب وهو الهواء والضوء الموجود بين الرائي والمرئي لا بد من اتصالها بالمسببات، أي اتصال الهواء بالرائي والمرئي معا، وهذا باطل بالنسبة لرؤية اللّه. تعالى علواً كبيراً.
الكاتب النديم، شيخ أهل اللغة ووجههم.
روى عن الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وكان
ص: 155
خصيصاً بهما. ذكر ذلك الشيخ الطوسي في رجاله
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي (الدر النظيم) : وكتب [الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أحمد بن إسماعيل بن يقطين، في سنة سبع وعشرين ومائتين
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، عَصَمَنا اللّه وإياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظم بها منة، وإلا يفعل فهي الهلكة.
نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس خالق إلا اللّه، وكل ما دون اللّه فهو مخلوق.
والقرآن كلام اللّه، فابتدىء بنفسك وبالمخالفين في القرآن إلى أسمائه التي سمّاه اللّه بها.
وذر الذين يلحدون في أسمائه، سيجزون ما كانوا يعملون، ولا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالّين.
جعلنا اللّه وإياك من الذين يخشون ربهم، وهم من الساعة مشفقوان»
أقول : وذكره الشيخ الصدوق في كتاب (التوحيد) مع أدنى تغيير.
ص: 156
لا أريد أن أستوعب - في هذا الكتاب - البحث عن هذه المحنة أو المشكلة - التي وقع فيها بعض المسلمين، وصارت مقياساً للم-وت والحياة، وميزاناً للإسلام والكفر - لأن هذا البحث خارج عن موضوع الكتاب، وقد كنت أظن أن هذه الفكرة قد سادت برهة من الزمان ثم بادت، ولكنني سمعت أن المشكلة لا تزال قائمة في بلاد تركيا عند أهل السنة، فلو أن أحداً قال : (القرآن مخلوق) فقد خرج عن الدين، والحَد عن الإسلام!!! على زعمهم مع العلم أن هذه المسألة لا تتعلق بأصول الدين ولا فروعه، وليست لها صلة بالمسائل الدينية، والمعارف الإلهية.
ولهذا رأيت أن أذكر شيئاً يسيراً عن هذه المحنة وأسبابها، وعروقها وجذورها مع رعاية الإختصار :
من الواضح - تاريخياً - أن أهل السنة انقسموا إلى قسمين :
1 - الأشاعرة، وهم أتباع أبي الحسن الأشعري، وهو حفيد أبي موسى الأشعري.
2 - المعتزلة، وهم أتباع واصل بن عطا الغزال
ص: 157
ووقع الخلاف والإختلاف بين هذين الفريقين على أعلى مستوى في المسائل الشرعية حتى آل الأمر إلى تكفير بعضهم بعضا، وإلى الإصطدام، والثورات الدموية.
ومنشأ الخلاف بينهما : هو أن الأشاعرة اعتبروا العقل دليلاً مستقلاً في أصول الدين، ولم يعبأوا بالنقل [الأحاديث].
والمسائل التي اختلفوا فيها كثيرة، لا حاجة لنا إلى ذك-ره-ا جميعاً، ومنها على سبيل المثال :
1 - أن الأشاعرة يعتقدون بأن اللّه (تعالى) يُرى يوم القيامة.
والمعتزلة وغيرهم يعتقدون أن رؤية الباريء مستحيلة، وغير ممكنة.
2 - أن الأشاعرة يعتقدون بأن القرآن قديم (أي ليس لوجوده ابتداء، وأنه غير حادث).
وغيرهم من المذاهب الإسلامية يعتقدون بأن القرآن مخلوق.
وذكر الشهرستاني في شأن المعتزلة :
«... واتفقوا على أن كلامه [القرآن] محدث، مخلوق في محل، وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه... »(1).
ومن الطبيعي أن هذا الإنقسام الذي حصل بين أهل السنة كان له كل التأثير في علمائهم، فإن فقهاء السنة أيضاً انقسموا إلى قسمين.
وكان البلاط العباسي - طيلة قرون عديدة - لا يخلو من هؤلاء الفقهاء
ص: 158
وكان الحكّام العباسيون (المدّعون للخلافة) يجهلون أكثر الأحكام الفقهية، ولهذا كان فقهاء البلاط مراجع لأولئك الحكام.
فإذا كان الفقهاء أشاعرة كان الحاكم العباسي أشعري المذهب، وإذا كانوا معتزلة كان الحاكم العباسي معتزليّاً، وهكذا كان هذا المذهب يتأرجح، يصعد تارة وينزل أخرى حسب تبدّل الحكّام العباسيين، وتبدل فقهاء البلاط.
والأشاعرة قسَّموا الكلام إلى قسمين : لفظي ونفسي، واعتبروا القرآن كلام اللّه النفسي، وقالوا : إن كلام اللّه النفسي قائم بذاته، وقديم بقدمه، وهي إحدى صفاته الذاتية.
والمعتزلة والشيعة يعتقدون بأن الكلام لفظي، لا غير، وإن التكلم من الصفات الفعليّة.
والفرق بين الذاتية هي التي يستحيل أن يتصف - سبحانه - بنقيضها أبداً صفات اللّه الذاتية وصفاته الفعليّة هو أن صفات اللّه.
إذن، فهي التي لا يصح سَلبُها عنه تعالى في حال من الأحوال، ومثال ذلك : العِلم والقدرة والحياة، فاللّه - تبارك وتعالى - لم يزل ولا يزال عالماً، قادراً، حياً، ويستحيل أن لا يكون كذلك في حال من الأحوال.
وأما صفاته الفعلية فهي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر، ومثال ذلك : الخلق والرزق، فَيُقال : إن اللّه خلق كذا ولم يخلق كذا، ورَزَق فلاناً ولداً، ولم يرزقه مالاً.
وبهذا يظهر - جَليّاً - أن التكلم من الصفات الفعلية، فإنه يُقال : كلّم اللّه موسى، ولم يُكلِّم فرعون، وكلّم اللّه موسى في جبل طور، ولم يكلمه في بحر النيل.
وأما الكلام النفسي فهو من نسيج الخيال، ولا أساس له من
ص: 159
العقل والشرع.
وينبغي أن نقول : بأن أدلة القائلين - بأن القرآن قديم - واهية غير صحيحة، ومبنية على المغالطة، لأنهم يعتبرون القرآن من علم اللّه، ويعتبرون علم اللّه من صفاته، ويعتبرون صفاته عين ذاته، فإذا كان اللّه قديماً كانت صفاته أيضاً قديمة، لأنها عين ذاته، والقرآن من صفاته كما صرّح بذلك أحمد بن حنبل، فيما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : بسنده عن الحسن بن ثواب قال : سألت أحمد بن حنبل عمّن يقول : القرآن مخلوق ؟.
قال : کافر!.
قلت : فابن أبي دؤاد ؟
قال : كافر باللّه العظيم!
قلت : بماذا كَفر ؟
قال : بكتاب اللّه تعالى، قال اللّه تعالى : «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ».
فالقرآن من علم اللّه، فمن زعم أن علم اللّه مخلوق فهو كافر باللّه العظيم (1).
أقول : إن استدلال أحمد بن حنبل بهذه الآية لا يخلو من المغالطة فالآية هكذا : «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ» ومعنى الآية - على ما ذكره المفسرون - أنّ مِلَّة اليهود والنصارى مبتدعة حسب أهوائهم ومُنظّمة حسب آرائهم.
ص: 160
«قل» - یا محمد - : إن هدى اللّه هو الهدى الهدى الرشاد والدلالة والبيان، والمعنى أن دين اللّه الذي يرضاه هو الهدى، وهو الدين الذي أنت عليه ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم الأهواء : جمع هَوى وهو ما تميل إليه النفس وتشتهيه، لا بدافع ديني أو عقلي، بل بدافع نفسي فقط، ومن الواضح أن الهوى لا يُقال له : عِلم، وإنما هو رأي شخصي، ولكن الاعتقاد بالدين الصحيح الذي أنزله اللّه هو العلم. ولهذا قال تعالى : «بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ».
وأنت ترى أنه ليس في الآية دلالة على أن القرآن من علم اللّه،وعلم اللّه عين ذاته، كما تصوّره أحمد بن حنبل.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) أن القرآن كلام اللّه وأنه مخلوق حادث، وسَرْد تلك الأحاديث - هنا - خارج عن موضوع الكتاب.
وفي (مروج الذهب) عن صالح بن علي الهاشمي قال : حضرت يوماً من الأيام جلوس المهتدي للمظالم... فقال لي : كأني بك قد استحسنت ما رأيت من مجلسنا فقلت : أي خليفة! إن لم يكن يقول بخلق القرآن.
فقلت : نعم.
فقال : قد كنتُ على ذلك (1) بُرهة من الدهر، حتى أقدم - على الواثق - شيخ من أهل الفقه والحديث من أهل (أذَنَة) من الثغر الشامي، مقيد طوال، حَسَن الهيئة، فسلّم عليه (2)غير هائب، ودعا فأوجَزَ.
ص: 161
فرأيتُ الحياءَ منه في حماليق عين الواثق، والرحمة له.
فقال له : يا شيخ أجب أبا عبد اللّه : أحمد بن أبي دؤاد فيما يسألك عنه.
فقال : يا أمير المؤمنين، أحمد يقل ويضعف عن المناظرة!.
فرأيتُ الواثق قد صار في مكان الرقة والرحمة له - غضباً - فقال له : أبو عبد اللّه يضعف عن المناظرة ؟!
فقال له : هَون عليك - يا أمير المؤمنين - أتأذن في كلامه ؟
فقال الواثق : قد أذنتُ لك. فأقبل الشيخ على أحمد [بن أبي دؤاد] فقال له : يا أحمد! ماذا دعوت الناس إليه ؟.
فقال : إلى القول بخلق القرآن!.
فقال الشيخ : مقالتك - هذه - التي دعوت الناس إليها (من القول بخلق القرآن) داخلة في الدين، فلا يكون الدين تاماً إلا بالقول بها؟
قال : نعم.
قال الشيخ : رسول اللّه دعا الناس إليها أو تركهم ؟.
قال : تركهم
قال [الشيخ ] : فَعَلِمها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو لم يعلمها ؟
قال : عَلِمَها.
قال [الشيخ] : فلم دعوت الناس إلى ما لم يَدعُهم إليه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم وتركهم منه ؟
فأمسك أحمد بن [أبي دؤاد].
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين هذه واحدة.
ص: 162
ثم قال له - بعد ساعة - يا أحمد قال اللّه في كتابه العزيز : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» فقلت - أنت - : لا يكون الدين تاماً إلا بمقالتكم بخلق القرآن ؟ فاللّه أصدق في إكماله وإتمامه أو أنت في نقصانك ؟.
فأمسك [أحمد بن أبي دؤاد] فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين، وهذه ثانية.
ثم قال [الشيخ ] له - بعد ساعة - أخبرني - يا أحمد - عن قول اللّه عزّ وجلّ - في كتابه - : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..» فمقالتك - هذه - التي دعوت مما بلغه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) للأمة أم لا ؟
فأمسك [أحمد بن أبي دؤاد].
فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين وهذه ثالثة. ثم قال [الشيخ ] - بعد ساعة - : أخبرني - يا أحمد - لما علم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من مقالتك - هذه - التي دعوت الناس إليهما وإلى القول بها من خلق القرآن أوَسِعَه أن أمسَكَ عنهم أم لا ؟.
قال أحمد : بل اتّسع له ذلك. فقال : وكذلك لأبي بكر وعمر ؟ وكذلك لعثمان ؟ وكذلك لِعَلي (رضي اللّه عنهم) ؟.
قال : نعم. فصرف [الشيخ وجهه إلى الواثق وقال : يا أمير المؤمنين إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولأصحابه فلا وسع اللّه علينا.
فقال الواثق : نعم، لا وسع اللّه علينا إن لم يتسع لنا ما اتسع الرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولأصحابه... إلى آخر القصة (1).
ص: 163
وقد روى الخطيب البغدادي في تاريخه خبراً يشبه هذا الخبر بسنده عن طاهر بن خلف أنه قال : سمعت محمد بن الواثق - الذي يُقال له : المهتدي باللّه - يقول : كان أبي - إذا أراد أن يقتل رَجُلاً - أحضرنا ذلك المجلس، فأتي بشيخ مخضوب مقيد، فقال أبي : إيذنوا لأبي عبد اللّه وأصحابه. يعني ابن أبي دؤاد.
قال : فدخل الشيخ والواثق) في مُصَلاه) فقال [الشيخ ] : السلام عليك يا أمير المؤمنين! فقال [الواثق] : لا سلّم اللّه عليك!!.
فقال : يا أمير المؤمنين بئس ما أدبك مؤدبك! قال اللّه تعالى : «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» واللّه، ما حييني بها، ولا بأحسن منها!!
فقال ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين، الرجل متكلّم!
فقال [ الواثق] له [ ابن أبي دؤاد] : كلّمه.
فقال : يا شيخ ما تقول في القرآن ؟.
قال الشيخ : لم تنصفني(1).
فقال [أحمد] له : سَل.
فقال الشيخ : ما تقول في القرآن ؟
قال : مخلوق.
قال [الشيخ] : هذا شيء علمه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه ؟
فقال [أحمد] : شيء لم يعلموه!!.
فقال [الشيخ ] : سبحان اللّه!! شيء لم يعلمه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا الخلفاء
ص: 164
الراشدون علمته أنت ؟
قال : فخجل [أحمد].
فقال [أحمد] : أقلني، والمسألة بحالها
قال : نعم.
قال [أحمد] : ما تقول في القرآن ؟
قال [الشيخ ] : مخلوق.
قال [أحمد] : هذا شيء علمه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه ؟
فقال [ الشيخ ] : علموه، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم ؟
قال [ المهتدي] : ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة، واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول : هذا شيء لم يعلمه النبي ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت ؟! سبحان اللّه! شيء علمه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون، ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم ؟.
ثم دعا [المهتدي] عماراً (الحاجب) فأمر أن يرفع عنه القيود، ويعطيه أربعمائة درهم ويأذن له بالرجوع، وسقط ابن أبي دؤاد من عينه، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً (1).
أقول : وأما كتاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أحمد بن إسماعيل بن يقطين فقد ذكر الخطيب البغدادي - في تاريخه - هذه الرسالة مع تغيير يسير، ونَسَبَها - ظناً - إلى عبد اللّه ونَسَبَها - ظنّاً - إلى عبد اللّه بن موسى بن جعفر
ص: 165
[الصادق] بن محمد [ الباقر (عَلَيهِم السَّلَامُ) وهي :
كتب ابن أبي دؤاد إلى رجل من أهل المدينة - يُتَوَهُم أنه عبد اللّه بن موسى بن جعفر بن محمد - :
«إن بايعت أمير المؤمنين [الواثق] في مقالته [حول خلق القرآن] استوجبت منه حُسن المكافأة، وإن امتنعت لم تأمن مكروهه».
فكتب إليه : «عَصَمَنا اللّه وإياك من الفتنة، وكأنه إن يفعل فأعظم بها نعمة وإلا، فهي الهلكة، نحن نرى الكلام في القرآن بدعةً، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلَّفَ المجيب ما ليس عليه، ولا نعلم خالقاً إلا اللّه، وما سواه مخلوق والقرآن كلام اللّه، فانته بنفسك ومخافتك إلى اسمه الذي سماه اللّه به، وذَرِ الذين يُلحدون في أسمائه، سَيُجزون ما كانوا يعملون ولا تُسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالّين (1).
فلعل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب هذه الرسالة إلى أحمد بن أبي دؤاد، وإلى أحمد بن إسماعيل بن يقطين، أو إلى أحدهما، وجاء هذا الإختلاف - في المرسَل إليه - من النسّاخ واللّه العالم.
وأما شرح بعض كلمات الرسالة :
«نحن نرى أن الكلام (2) في القرآن بدعة» أي السؤال عن القرآن - هل هو مخلوق أو قديم ؟ - فكرة مستحدثة، - لم تكن في عصر الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). جعلوها من الدين، وليست من أصول الدين ولا من فروعه يشترك فيها أي في البدعة «السائل والمجيب» فلا يجب على أحدٍ أن يسأل عن هذا الموضوع الذي لم يكلّفه اللّه به، ولا يجب على المجيب أن يجيب عن شيء ليس له
ص: 166
صلة بالدين.
«وليس خالق إلا اللّه» فهو القديم الأزلي، لا غير «وكل ما دُون اللّه فهو مخلوق وجميع ما سوى اللّه من الكتب السماوية، والوحي، وبقية الكائنات والموجودات كلها مخلوقات حادثات، والقرآن كلام اللّه وكُل كلام حادث
«فانته - بنفسك وبالمخالفين في القرآن - إلى أسمائه التي سماه اللّه بها أي كُفَّ أو اكتفِ أنت والمخالفين في القرآن - إلى أسماء القرآن التي سمّاه اللّه بها، فإن اللّه تعالى قد سمّى القرآن بأسماء عديدة كقوله عزّ وجلّ : «أنزل فيه القرآن هدى للناس» و «وقرآن مبين» و «والقرآن العظيم» و «والقرآن الحكيم» و «والقرآن ذي الذكر» و «والقرآن المجيد» و «إنه القرآن کریم» و«قرآنا عربیا» و «هذا ذكر مبارك» و «قد جاءكم برهان من ربكم» وغير ذلك.
هذه نبذة من أسماء القرآن التي سمّى بها القرآن، ولا يوجد في هذه الأسماء كلمة «قديم» أو «مخلوق» وأمثال ذلك.
إذن، لا ينبغي أن يسمّي أحد القرآن من عنده بغير الأسماء التي ذكرها اللّه تعالى.
وذر الذين يلحدون في أسمائه هذه الجملة مقتبسة من قوله تعالى : «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي الذين يميلون في صفاته إلى غير ما وصف به نفسه، فيدعون له الشريك والصاحبة والولد.
والمقصود : أترك الذين يسمون القرآن بأسماء من عندهم كالقديم أو المخلوق.
هذا ما لزم بيانه، والباقي واضح إن شاء اللّه.
ص: 167
يكنى أبا الحسن، روى الكشي بسنده قال : حدَّثني أبو الحسن أحمد بن حاتم بن ماهويه : قال : كتبت إليه [الإمام [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله : عمن أخذ معالم ديني ؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك.
فكتب إليهما : «فهمتُ ما ذكرتما، فاعتمدا في دينكما على مُسِنٌ في حُبّنا، وكل كثير القِدَم في أمرنا (1) فإنهم كافوكما إن شاء اللّه تعالى».
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). قال بعض علماء الرجال : إنه ثقة، وله مؤلفات في الوضوء والصلاة.
وبنو فضّال لهم تاريخ وقضايا، نذكرها في كتاب الإمام العسكري من المهد إلى اللّحد إن شاء اللّه.
المروزي، قد ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد) وذكرنا ما رواه ابنه محمد بن أحمد بن حماد، ولا بأس بذكر الكتاب الذي أرسله الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى محمد يعزّيه بأبيه : أحمد.
روى الكشي... وقال المحمودي : قد كتب إليَّ الماضي
ص: 168
(عَلَيهِ السَّلَامُ) - بعد وفاة أبي - : «قد مضى أبوك - رضي اللّه عنه وعنك - وهو عندنا على حالة محمودة، ولن تبعد عن تلك الحال».
القمي، ثقة، ثقة ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وله كتاب (النوادر) وقد روي توثيقه من الناحية المقدسة.
وفي التهذيب : بسنده عن أحمد بن حمزة قال : سألت أبا الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرجل يُخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر، ويصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك ؟
فقال : نعم(1).
وفي التهذيب أيضاً : عن أحمد بن حمزة قال : قلت لأبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) رجل من مواليك له قرابة، كلهم يقولون بك [يعتقدون بإمامتك] وله زكاة، أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته ؟
قال : نعم (2).
كان في عصر الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام.
وفي الكافي بسنده عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن - الهادي - (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع ابن الخضيب.
فقال له ابن الخضيب : سِر، جعلت فداك
ص: 169
فقال : أنت المتقدّم.
فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخضيب ثم نُعي.
قال : وألح عليه ابن الخضيب في الدار التي كان قد نزلها وطالبه بالإنتقال منها وتسليمها إليه.
فبعث إليه أبو الحسن : لأقعدنّ لك من اللّه مقعداً لا تبقى لك معه باقية. فأخذه اللّه - عزّ وجلّ - في تلك الأيام (1).
الفزاري، يكنى أبا يحيى الجرجاني، كان من أجلاء أصحاب الحديث من العامة ثم استبصر واهتدى إلى مذهب أهل البيت، وألف كتباً كثيرة ضدّ المخالفين والردّ عليهم في عقائدهم وفتاواهم، تبلغ سبعة عشر كتاباً.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ابن بابا القمي، عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ويكنى أبا الجعد. وروى ابنه عبد اللّه كما ذكره الكشي) قال : ولد أبي سنة سبع وخمسين ومائة، ولقي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة أربع وسبعين ومائة (2) ومات الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطوس، سنة اثنتين
ص: 170
ومائتين.. وشاهدت أبا الحسن [الهادي] وأبا محمد [العسكري] (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وكان أبي مؤذنهما... إلى آخر كلامه
روي في كتاب الخرائج عن أحمد بن عيسى الكاتب قال : رأيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فيما يرى النائم [في المنام] كأنه نائم في حجرتي، وكأنه دفع إلي كفا من تمر من تمر، عدده خمس وعشرون تمرة.
قال: فما لبثت إلا وأنا بأبي الحسن علي بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعه قائد فأنزله في حُجرتي، وكان القائد يبعث ويأخذ من العلف من عندي.
فسألني يوماً : كم لك علينا ؟
قلت : لست آخذ منك شيئاً
فقال لي : أتحبُّ أن تدخل إلى هذا العلوي، فتُسلّم عليه ؟.
قلت : لستُ أكره.
فدخلت فسلّمتُ عليه، وقلت له : إنّ في هذه القرية كذا كذا من مُواليك فإن أمرتنا بحُضُورهم فَعَلنا.
قال : لا تفعلوا.
قلت : فإن عندنا تموراً [جمع تمر] جياداً، فتأذن لي أن أحمل لك بعضها ؟.
فقال : إن حملت شيئاً يصل إليَّ، ولكن احمله إلى القائد، فإنه سيبعث إليّ منه.
فحملت إلى القائد أنواعاً من التمر، وأخذت نوعاً جيّداً في
ص: 171
كُمّي، وسكرجة (1)من زبد، فحملته إليه، ثم جئت فقال القائد : أتحب أن تدخل على صاحبك ؟
قلت : نعم، فدخلت فإذا قُدّامه من ذلك التمر الذي بعثتُ به إلى القائد، فأخرجتُ التمر الذي كان معي والزبد، فوضعته بين يديه.
فأخذ كفّاً من تمر فدفعه إليَّ وقال : لو زادك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَزِدناك!
فَعددتُه، فإذا هي كما رأيت في النوم، لم يزد ولم ينقص.
العلوي، العمري، ويُعرف بالزاهد. عدّه الزنجاني - في كتاب الجامع - من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وذكر الشيخ الطوسي أن أحمد بن عيسي لم يرو عن الأئمة (عَلَيهم السَّلَامُ) لكنك ترى هذا الحديث الآتي مرويّاً عنه.
في كتاب الغيبة للطوسي عن أحمد بن عيسى العلوي - من ولد علي بن جعفر - قال : دخلت على أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) ب«صريا» (2) فسلّمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر [ابن الإمام [الهادي] وأبي محمد [العسكري] قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلم عليه، فقال أبو الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ): ليس هذا صاحبكم، وعليكم بصاحبكم - وأشار إلى أبي محمد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ)-.
أقول : المقصود من أبي جعفر» في هذا الحديث هو السيد محمد بن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأراد الإمام الهادي أن يُبين بأن
ص: 172
السيد محمد ليس إماماً، وإنما الإمام هو الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
في التهذيب بسنده عن أيوب بن نوح قال : كتب أحمد بن القاسم إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسأله عن المؤمن يموت، فيأتيه الغاسل يُغسله، وعنده جماعة من المرجئة (1) هل يُغسِّله غُسلَ العامة، ولا يُعمّمه، ولا يُصيّر معه جريدة ؟
فكتب : «يُغسله غُسل المؤمن، وإن كانوا حضوراً، وأما الجريدة فليستخف بها، ولا يرونه، وليجهد في ذلك جهده» (2).
أقول : إن الراوي يسأل عن التقية في تغسيل الميت، ووضع الجريدتين معه، لأن جماعة من غير الشيعة ربّما يحضرون عند تغسيل الشيعي، ويتبين أنهم يختلفون في تغسيل موتاهم وتكفينهم، فلا يعمّمون الميت، ولا يجعلون معه الجريدتين فأمره.
الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن لا يستعمل التقية في التغسيل، وإنما يستعمل التقية في وضع الجريدتين.
والجريدة - هنا - سعف النخل إذا جُرِّد عنها الخوص، تُجعل مع الميت، واحدة من جانبه الأيمن، والأخرى من الأيسر، بين الكفن والبدن، يستدفع عن الميت بهما العذاب ما دامتا خضراوتين، طول كل واحدة طول عظم ذراع الميت، أو قدر شبر، وقد وردت أحاديث
ص: 173
عديدة حول وضع الجريدتين مع الميت.
البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
البرقي، يكنّى أبا جعفر. من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وله مؤلّفات كثيرة، ذكرناها في كتابنا عن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
السياري، البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
قيل عنه : إنه ضعيف الحديث، فاسد المذهب، يُتّهم بالغُلو وعقيدة التناسخ.
القمي الأشعري.
عدّه النجاشي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وقد ذكر الشيخ الطوسي أحمد بن محمد بن عبيد القمي الأشعري من أصحاب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعد النجاشي أحمد بن محمد بن عبيد اللّه القمي الأشعري من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحتمل بعض العلماء اتحادهما، واستبعد
ص: 174
الآخرون ذلك، واللّه العالم.
الأنباري، كان من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِم السَّلَامُ).
في (الكافي) بسنده عن أحمد بن محمد أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن مروان الأنباري قال :
كنت حاضراً عند مُضيّ [وفاة] أبي جعفر محمد بن علي (1) فجاء أبو الحسن [ الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَوُضع له كرسي فجلس عليه، وحوله أهل بيته.
وأبو محمد الحسن العسكري] قائم في ناحية، فلما فرغ من أمر أبي جعفر [تغسيله وتكفينه] التفت [الإمام [الهادي] إلى أبي محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا بنيّ أحدث اللّه تبارك وتعالى شكراً، فقد أحدث فيك أمراً (2).
أقول : كان أبو جعفر محمد بن علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أكبر أولاد الإمام الهادي وكان الناس يظنون أنه الإمام بعد أبيه، ولما توفي في حياة أبيه قال أبوه - للإمام العسكري - : أحدث اللّه تبارك وتعالى شكراً. أي أظهر الشكر فإن اللّه قد أظهر فيك أمر الإمامة بموت أخيك أبي جعفر.
وهذا الحديث مروي عن جماعة من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولعل جميعهم كانوا حاضرين عند موت أبي جعفر محمد بن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسمعوا من الإمام الهادي كلامه
ص: 175
هذا للإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونذكر تلك الأحاديث بالمناسبة إن شاء اللّه.
الأشعري، القمي، يكنى أبا جعفر، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِم السَّلَامُ) وله مؤلّفات عديدة في التوحيد والفقه والمتعة، وفضل النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكتاب (النوادر) وقد طبع الأخير في هذه السنة في مدينة قم ويشتمل على 456 حديثاً في شتى المواضيع، والأحاديث كلها أو جُلَّها مروية عن الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الكاظم (عَلَيهِم السَّلَامُ) مع الوسائط.
وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : وكتب أحمد بن محمد بن عيسى إلى علي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :
«إمرأة أرضعت عناقاً (1) من الغنم بلينها، حتى فَطَمَتها».
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فعل مكروه، لا بأس به»(2).
وهو أحد شهود النص من الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، كما في (الكافي) بسنده عن الخيراني(3) عن أبيه أنه قال :
كان يلزم باب أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) للخدمة التي كان وُكِّلَ بها، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيء في وقت السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 176
وكان الرسول - الذي يختلف بين أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبين أبي - إذا حضر، قام أحمد وخلا به [بالرسول] أبي.
وخرجت ذات ليلة، وقام أحمد عن المجلس، وخلا أبي بالرسول، واستدار أحمد فوقف حيث يسمعُ الكلام، فقال الرسول - لأبى - : إن مولاك يقرأ عليك السلام، ويقول لك.
«إني ماض، والأمر صائر إلى ابني : علي، لَهُ عليكم - بعدي - ما كان لي عليكم بعد أبي».
ثم مضى الرسول، ورجع أحمد إلى موضعه، وقال - لأبي - ما الذي قد قال لك ؟.
قال [أبي ] : خيراً
قال [أحمد] : قد سمعت ما قال، فَلِمَ تكتُمُهُ ؟ وأعاد ما سمع [من الرسول] فقال له أبي : قد حَرَّم اللّه عليك ما فعلت، لأن اللّه تعالى يقول : «ولا تجسسوا» فاحفظ الشهادة، لعلنا نحتاج إليها يوماً ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.
فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمها ودَفَعها إلى عشرة من وجوه العصابة، وقال : إن حَدَثَ بي حَدَثُ الموت - قبل أن أطالبكم بها - فافتحوها واعملوا بما فيها.
فلما مضى [تُوفّي] أبو جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذكر أبي أنه لم يخرج من منزلة حتى قطعَ على يديه أربعمائة إنسان (1).
واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون [ يتكلمون في] هذا الأمر.
فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يُعلمه باجتماعهم عنده، وأنه
ص: 177
لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه، ويسأله أن يأتيه.
فركب أبي وصار إليه، فَوَجَدَ القومَ مجتمعين عنده، فقالوا - لأبي - : ما تقول في هذا الأمر ؟.
فقال أبي - لمن عنده الرقاع - : أحضروا الرقاع. فأحضروها، فقال لهم : هذا ما أمرت به.
فقال - بعضهم - : قد كُنا نُحبّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر.
فقال [أبي] لهم : قد أتاكم اللّه (عزّ وجلّ) به، هذا أبو جعفر [أحمد بن محمد بن عيسى] الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة.
وسأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شیئاً!.
فدعاه أبي إلى المباهلة، فقال - لما حقق عليه - : قد سمعتُ ذلك، وهذه مكرمة كنتُ أحِبّ أن تكون لرجل من العرب، لا لرجُلٍ من العجم!.
فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعاً(1).
أقول : لعل الحديث يحتاج إلى شيء من الشرح والبيان الغموض بعض ألفاظه.
يستفاد من هذا الخبر : أن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بقي عليلاً بعد أن دُسُ إليه السمّ، وكان والد الخيراني (2) خادماً للإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن الملازمين لباب داره - وسنذكره في حرف الخاء من هذا الكتاب -.
ص: 178
وفي تلك الليالي - التي كان الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليلا - كان رجل يدخل على الإمام للتعرّف عن حاله، وذلك في وقت السَّحَر، فإذا خرج من عند الإمام جاء إلى خيران، وأبلَغَه رسالةً شفوية من الإمام الجواد، وكان أحمد بن محمد بن عيسى موجوداً هناك، فإذا خرج الرسول من عند الإمام وجاء الرسول إلى خيران خرج أحمد من ذلك المكان حتى يخلو الجو للرسول ولخيران.
وفي ليلة من تلك الليالي لما جاء الرسول إلى خيران - ليبلغه رسالة شفوية من الإمام الجواد - خرج أحمد من عنده - كعادته - ووقف في مكان يسمع كلام الرسول لخيران، حول إخبار الإمام الجواد بقرب وفاته، وحول النصّ على إمامة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وذهب الرسول، فجاء أحمد إلى خيران وسأله عن الخبر الجديد، فكتم خيران عنه كلام الإمام.
فاعترف أحمد بأنه سمع ذلك الخبر من الرسول ذلك الخبر من الرسول، فَلامَهُ خيران على هذا التجسس، ثم قال له : أكتم هذا الخبر لعلنا نحتاج إلى شهادتك وسماعك لهذا الخبر.
وكتب خيران كلام الإمام الجواد : «أنا ماض، والأمر صائر إلى إبني : علي، وله عليكم - بعدي - ما كان لي عليكم بعد أبي» في عشر أوراق، وطوى كل ورقة وختمها بخاتمه، وأرسلها إلى عشرة من الشخصيات البارزة من الشيعة، وطلب منهم أن لا يفتحوا تلك الأوراق، بل يحتفظوا بها إلى إشعار آخر (رعاية للتقية) حتى يأتي الوقت المناسب لفتحها.
وأخيراً، فارق الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) الحياة مسموماً، واجتمعت رجالات الشيعة في دار محمد بن الفرج (الذي ذكرناه في كتاب الإمام الجواد، ونذكره في هذا الكتاب) وتذاكروا فيما بينهم حول الإمام بعد الإمام الجواد
ص: 179
وكتب محمد بن الفرج رسالة إلى خيران يطلب منه الحضور في ذلك الاجتماع وذكر - في تلك الرسالة - : «لولا أن حضوري عندك تكون له مضاعفات غير مطلوبة لحضرت عندك» لأن محمد بن الفرج كانت له شخصيّة لامعة، وحضوره عند خيران يجلب انتباه السلطة فحضر خيران في دار محمد بن الفرج، فسأله الحاضرون عن الإمام بعد الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فطلب خيران من الأفراد الذين أعطاهم الأوراق المختومة - قبل أيام - أن يخرجوا تلك الأوراق ويفتحوها، فأحضروا الأوراق وفتحوها، وقرأوا فيها نَصَّ الإمام الجواد على الإمام الهادي، فقال لهم خيران : هذا ما أمرني به الإمام الجواد في تعيين الإمام من بعده
فقال بعض الحاضرين : يا ليت شاهداً آخر كان معك لتأكيد الموضوع فدخل أحمد بن محمد بن عيسى عليهم، فقال لهم خيران : جاءكم شاهد آخر، فإنه سمع النص أيضاً، وقال خيران - لأحمد - إشهد بأنك سمعت النص. فأنكر أحمد وقال : ما سمعت شيئاً. فدعاه خيران إلى المباهلة.
والمباهلة تقع بين اثنين أو طائفتين إذا اختلفتا في مسألة شرعية عقائدية وهي أن كل واحدٍ من الجانبين يدعو على الجانب الآخر بنزول العذاب إن كان كاذباً فيما يقول.
وقد أمر اللّه نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يباهل نصارى نجران : فقال سبحانه : «ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» وكيفيتها : أن تُشَبِّك أصابعك في أصابع من تُباهِله، وتقول : «اللّهم ربَّ السموات السبع والأرضين السبع، وربّ العرش العظيم! إن كان فلان جَحَدَ الحَقَّ وَكَفَرَ به فأنزل عليه حسباناً [عذاباً أو ناراً] من السماء وعذاباً أليماً».
فلما رأى أحمد بن محمد أن الأمر وصل إلى هذه المرحلة،
ص: 180
امتنع عن المباهلة، وأقرّ واعترف بالحق، وقال : «قد سمعتُ ذلك [ النص على الإمام [الهادي] وهذه مَكُرَمَةٌ [شرف وفضيلة] كنت أحبّ أن تكون لرجُل من العرب، لا لرجُل من العجم!!».
لأن الأشعريين كانوا من عرب اليمن، وكان خيران من العجم، وأحمد بن محمد بن عیسی الأشعري كان مُصاباً بداء القومية العربية، والطائفية العنصرية. وهذا سبب إنكاره - أولاً - سماع النص على الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
يكنّى أبا علي. عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ويوجد في بعض الأحاديث : محمد بن أحمد بن مطهر، والظاهر أنه من سهو النسّاخ أو من سبق القلم.
وسوف نذكره في كتاب الإمام العسكري من المهد إلى اللّحد إن شاء اللّه.
ويكنى أبا الحسن، الخزاز، الجعفي، كوفي، ثقة له كتاب. في بحار الأنوار : حدَّث جماعة من أهل اصفهان منهم : أبو العباس أحمد بن النضر، وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا :
كان باصفهان رجل يُقال له : عبد الرحمن. وكان شيعياً، قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان ؟.
قال : شاهدتُ ما أوجب عَلَيَّ [القول بإمامته]
وذلك : أنى كنت رجلاً فقيراً، وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب
ص: 181
المتوكل متظلّمين (1).
فَكُنا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإحضار علي [الهادي] بن محمد بن الرضا (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقلت - لبعض مَن حضر - : مَن هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره ؟.
فقيل : هذا رجل علوي، تقول الرافضة بإمامته!.
ثم قال [ القائل] : ويُقدَّر [يحتمل] أن المتوكل يحضره للقتل.
فقلت : لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو؟.
قال : فأقبل [الإمام] راكباً على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صَفّين، ينظرون إليه.
فلما رأيته وقع حُبَّه في قلبي، فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شَرَّ المتوكل. فأقبل يسير بين الناس، وهو ينظر إلى عُرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدعاء.
فلما صار إليَّ أقبل بوجهه إليَّ وقال : استجاب اللّه دعاءك، وطوّل عمرك، وكثر مالك وَوُلدك.
قال : فارتعدت، ووقعت بين أصحابي، فسألوني - وهم يقولون - : ما شأنك ؟ فقلت : خير. ولم أخبر بذلك.
فانصرفنا - بعد ذلك - إلى اصفهان، ففتح اللّه عَلَيَّ وجوهاً من المال،، حتى أنا - اليوم - اغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري ورُزِقتُ عشرة من الأولاد، وقد بلغت - الآن - من عمري نيفاً وسبعين سنة وأنا أقول بإمامة الرجل على الذي عَلِمَ ما فيّ قلبي، واستجاب اللّه دعاءه فيَّ ولي (2).
ص: 182
قد ذكرناه في كتاب (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور) ونذكره في كتاب (الإمام العسكري) إن شاء اللّه.
كان من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) واختار لنفسه سوء العاقبة، وفسدت عقيدته، وسقطت أحاديثه عن الإعتبار بسبب انحرافه، يُقال إن الأحاديث التي رويت عنه في زمان استقامته وقبل انحرافه يُعمل بها، وبعض الأعلام اعتبره ثقة بالرغم من فساد عقيدته.
وعلى كل تقدير فقد روى الصدوق - في كتاب من لا يحضره الفقيه - عن أحمد بن هلال قال : كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان عَلَيَّ عتق رقبة، فهرب لي مملوك لستُ أعلم أين هو ؟ يجزيني عتقه ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نعم (1).
وفي التهذيب بسنده عن أحمد بن هلال قال : كتبتُ إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
ميت أوصى بأن يجرى على رجل ما بقي من ثلثه، ولم يأمر بإنفاذ ثلثه، هل للوصي أن يوقف ثلث الميت بسبب الإجراء ؟»
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ينفذ ثلثه ولا يوقف(2).
الأودي، الصوفي كنيته : أبو جعفر، كوفي، ثقة، له كتاب (دلائل النبي) (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )
ص: 183
في (البحار) عن (فهرست النجاشي) بسنده عن أحمد بن يحيى الاردي قال : دخلتُ مسجد الجامع لأصلّي الظهر، فلما صلَّيته رأيت حرب بن الحسن الطحان وجماعة من أصحابنا جلوساً، فَمِلتُ إليهم، وسلَّمت عليهم وجلستُ، وكان فيهم الحسن بن سماعة (من الواقفية) فذاكروا أمر الحسن بن علي [المجتبى ] (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وما جرى عليه.
ثم من بعد : زيد بن علي وما جرى عليه، ومعنا رجل غريب لا نعرفه فقال : یا قوم! عندنا رجل علوي بِسُرَّ من رأى، من أهل المدينة، ما هو إلا ساحر أو كاهن!!.
فقال له ابن سماعة : بمَن يُعرف (1) ؟
قال : علي بن محمد بن الرضا.
فقال له الجماعة : كيف تبيَّنت ذلك منه (2)؟
قال : كنا جلوساً معه على باب داره، وهو جارنا بِسُرَّ من رأى. نجلس إليه في كل عشية، نتحدث معه، إذ مر بنا قائد من دار السلطان ومعه خلع [جمع خلعة] ومعه جمع كثير من القوّاد والرجالة والشاكرية وغيرهم (3).
فلما رآه علي بن محمد [الهادي] وثب إليه، وسلّم عليه وأكرمه، فلما أن مضى قال [الإمام] لنا : «هو فَرح بما هو فيه، وغداً يُدفن قبل الصلاة».
فعجبنا من ذلك، فقمنا من عنده، فقلنا : هذا علم الغيب!
ص: 184
فتعاهدنا ثلاثة [كلنا، وكنا ثلاثة ] : إن لم يكن ما قاله، أن نقتله و نستريح منه!
فإني في منزلي، وقد صليت الفجر إذ سمعتُ جلبة (1) فَقُمتُ إلى الباب، فإذا خلق كثير من الجند وغيرهم، وهم يقولون : مات فلان القائد البارحة سَكِرَ، وعَبَرَ من موضع إلى موضع، فوقع واندقت عنقه.
فقلت : أشهد أن لا إله إلا اللّه. وخرجت أحضره [ احضر جنازته] وإذا الرجل - كان كما قال أبو الحسن – ميّت.
فما برحت حتى دفنته ورجعت، فتعجبنا جميعاً من هذه الحال (2).
أقول : انظر إلى هذا الراوي وثقافته المنحطة فإنه يسمع من الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الإخبار بموت القائد، ويتحقق الخبر ومع ذلك ينسب هذا الراوي الإمام الهادي إلى السِّحر والكهانة.
وهذا مبلغه من العلم والفهم والإدراك.
الكفرثوثي، أو الكفرثوثاني (3)، يكنى أبا الفضل، واختلف في اسم أبيه فقيل : زياد. وقيل يزداد. أو يزدان.
وعلى كل فالرجل كان واقفياً، وجاء إلى سامرّاء في أيام الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) للبحث عن الحقيقة وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أيصلّي فيه ؟
ص: 185
فبينا هو قائم في طاق باب لانتظاره (عَلَيهِ السَّلَامُ) حركه أبو الحسن [الهادي]. بمقرعة وقال - مبتدئاً - : إن كان [العَرَق] من حلال فصل فيه، وإن كان من الحرام فلا تصل فيه» (1).
وقد روى هذا الخبر المسعودي في (إثبات الوصية) بصورة مفصّلة، نذكرها تتميماً للفائدة
«عن أحمد بن محمد بن مابنداذ الكاتب، الإسكافي قال : تقلدت ديار ربيعة وديار مُضَر، فخرجتُ وأقمتُ بنصيبين، وقلَّدتُ عُمّالي، وأنفذتهم إلى نواحي أعمالي، وتقدَّمتُ إلى كل واحد منهم : أن يحمل إليَّ كل مَن يجده في عمله ممّن له مذهب.
فكان يَرِد عَلَيَّ - في اليوم - الواحد والإثنان والجماعة منهم، فأسأل منهم، وأعامل كل واحدٍ منهم بما يستحقه.
فأنا ذات يوم جالس وإذا قد ورد كتاب عاملي بكفرثوثي، يذكر أنه قد وجه إليَّ بِرَجُلٍ يُقال له : إدريس بن زياد. فدعوت به، فرأيته وسيماً (قسيماً) قبلته نفسي، ثم ناجيته فرأيته ممطوراً [واقفياً] ورأيته من المعرفة بالفقه والأحاديث على ما أعجبني، فدعوته إلى القول بإمامة الإثنى عشر فأبى، وأنكر عَلَيَّ ذلك، وخاصمني فيه.
وسألته - بعد مقامه عندنا أياماً - أن يهبَّ إلى زَروةٍ إلى سُر من رأى (2) لينظر إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) وينصرف
فقال لي : أنا أقضي حقَّك بذلك.
وشخص - بعد أن حملته (3) - فأبطأ عنّي، وتأخر كتابه، ثم إنه قدم
ص: 186
فدخل إليَّ، فأوّل ما رآني أسبل عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكياً لم
أتمالك حتى بكيت فدنا منّي، وقَبَّل يدي ورجلي، ثم قال :
«يا أعظم الناس مِنْةٌ عَلَيَّ! نجيتني من النار، وأدخلتني الجنة».
وحدَّثني فقال : خرجت من عندك، وعزمي - إذا لقيت سيدي أبا الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) - أن أسأله عن مسائل، وكان فيما أعددتُه أن أسأله عن عَرَق الجُنُب، هل يجوز الصلاة في القميص الذي أعرق فيه وأنا جُنب أم لا ؟
فصرتُ إلى سُرَّ من رأى، فلم أصل إليه، وأبطأ من الركوب لعلَّةٍ كانت به ثم سمعت الناس يتحدثون بأنه يركب.
فبادرت، ففاتني، ودخل باب السلطان، فجلست في الشارع وعزمتُ أن لا أبرح أو ينصرف، واشتد الحَرُّ عَلَيَّ، فعدلتُ فعدلت إلى باب دار فيه، فجلستُ أرقبه، ونَعَستُ، فحملتني عيني، فلم أنتبه إلا بمقرعة على كتفي، ففتحتُ، ففتحت عيني، وإذا أنا بمولاي : أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقف على دابته، فوثبت فقال لي : «يا إدريس : أما آن لك ؟».
فقلت : بلى يا سيدي.
فقال : «إن كان العَرَق من الحلال فحلال، وإن كان من الحرام فحرام من غير أن أسأله، فقلت به (1) وسلَّمتُ لأمره (عَلَيهِ السَّلَامُ)»(2).
ص: 187
روى عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - كما في كتاب الجامع في الرجال.
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
46- إسحاق الجلاب (1) :
في (الكافي) بسنده عن إسحاق الجلاب قال : اشتريتُ لأبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) غنماً كثيرة، فدعاني، فأدخلني من إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرّق تلك الغنم فيمن أمرني به.
فبعث إلى أبي جعفر (2) وإلى والدته، وغيرهما ممن أمرني، ثم استأذنته في الإنصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك يوم التروية (3)فكتب إليَّ : تقيم غدا عندنا، ثم تنصرف.
قال : فأقمتُ، فلما كان يوم عرفة أقمتُ عنده، وبِتُ ليلة الأضحى في رواق له، فلما كان في السَّحَر أتاني فقال : يا إسحاق قم. قال : ففتحت عيني فإذا أنا على بابي [باب داري] ببغداد.
قال : فدخلت على والدي، وأنا في أصحابي فقلت لهم : عرفتُ بالعسكر (4) وخرجت ببغداد إلى العيد (5).
ص: 188
أقول : هذا الحديث يدل على معجزة طيّ الأرض، التي ظهرت على يد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لإسحاق الجلاب، وقد ذكرنا في كتاب (الإمام المهدي) و (الإمام الجواد) شيئاً يتعلق بهذا الموضوع.
العلوي، العريضي (1).
في (البحار) عن (مصباح) الشيخ و (مناقب) ابن شهر آشوب و (الخرائج).
روى إسحاق بن عبد اللّه العلوي العريضي قال : ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن علي بن محمد [الهادي] وقد اختلفوا في الأربعة أيام التي تصام في السَّنة وهو [الإمام] بِصَرِيّا، قبل مصيره إلى سر من رأى.
فقال : جئتم تسألوني عن الأيام التي تُصام في السنة ؟
فقالوا : ما جئنا إلا لهذا.
فقال : اليوم السابع عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي ولد فيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
واليوم السابع والعشرون من رجب وهو اليوم الذي بعث فيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دجيت فيه الأرض.
واليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم الغدير (2).
ص: 189
أقول : من الواضح أن المقصود هو الصوم المستحب المؤكّد وإلا فالصوم مستحب في جميع أيام السنة، سوى يومي العيدين فإنه حرام.
روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين بسنده عن الحسن بن موسى الخشاب وعن جعفر بن محمد بن مالك عن إسحاق بن محمد بن أيوب، عن أبي الحسن علي الهادي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قال :
صاحب هذا الأمر من يقول الناس : إنه لم يولد بعد(1).
أقول : لم أجد في كتب الرجال له ذكراً بالاسم الثلاثي.
البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِم السَّلَامُ) ويتهم بالغلو.
أو مهوز، يكنى أبا الغوث المنبجي، ذكره في (الفصول المهمة) من شعراء الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي كتاب (مقتضب الأثر) عن العبادي قال : أنشدني الحسن بن مسلم أن أبا الغوث المنبجي شاعر آل محمد (صلوات اللّه عليهم) أنشده بعسكر سرّ من رأى.
وكان البحتري يمدح الملوك، وهذا يمدح آل محمد (صلى اللّه عليهم) وكان البحتري أبو عبادة ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث :
ص: 190
وَلَهتُ إلى رؤياكُمُ وَلَه الصادي***يداد عن الورد الروي بذوّاد
محلّى عن الورد اللذيذ مساغه***إذا طاف وُرّاد به بعد وُرّادِ
فأعلمت فيكم كل هوجاء جسرة***ذمول السرى، يقتاد في كل مقتاد
أجوب بها بيد الفلا، وتجوب بي***إليك، ومالي غير ذكرك من زاد
فادت إليَّ تشتكي ألم السرى***فقلت : اقصري، فالعزم ليس بمياد
إذا ما بلغتِ الصادقين : بني الرضا***فحسبك من هاد يشير إلى هادي
مقاويل إن قالوا، بهاليل إن دعوا***وفاةً بميعاد، كفاة بمرتاد
إذا أوعدوا أعفوا، وإن وعدوا وفوا***فَهُم أهل فضل عند وعد وإيعاد
كرام، إذا ما أنفقوا المال أنفدوا***وليس لعلم أنفقوه من إنفاد
ينابيع علم اللّه، أطواد دينه***فهل من نفاد - إن علمت - لأطواد ؟
نجوم، متى نجم خبا، مِثلُهُ بدا***فصلّى على الخابي المهيمن والبادي
عباد لمولاهم، موالي عباده***شهود عليهم يوم حشر وإشهاد
هُمُ حُجَج اللّه اثنتى عشرة، متى***عددت، فثاني عَشْرهم خَلَفُ الهادي
بميلاده الأنباء جاءت شهيرة***فأعظم بمولود، وأكرم بميلاد (1)
كنيته : أبو دعامة. وكان من قضاة العامّة - كما في لسان الميزان -.
روي عنه أنه قال :
أتيتُ علي بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) عائداً في علَّته التي كانت وفاته بها، فلما هَمَمتُ بالإنصراف قال لي : يا أبا دعامة قد وجب عَلَيَّ حَقًّك، الا أحدثك بحديث تسرُّ بِه ؟
قال : فقلت له : ما أحوجني إلى ذلك، يا بن رسول اللّه.
قال : حدَّثني أبي : محمد بن علي، قال : حدَّثني أبي: علي بن موسى، قال : حدَّثني أبي : موسى بن جعفر قال : حدَّثني
ص: 191
أبي : جعفر بن محمد قال : حدَّثني أبي حدَّثني أبي محمد بن علي قال : حدَّثني أبي : علي بن الحسين، قال : حدَّثني أبي : الحسين بن علي قال : حدَّثني أبي : علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي أكتب. فقلت : ما أكتب ؟ قال : اكتب :
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، الإيمان ما وَقَر في القلوب، وصَدَّقَته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان، وحَلَّت به المناكحة ».
قال أبو دعامة : فقلت : يابن رسول اللّه واللّه ما أدري أيُّهما أحسن ؟ الحديث أم الأسناد ؟ فقال : إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإملاء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) نتوارثها صاغر عن كابر (1).
النخعي، كان من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهم السَّلَامُ) وكان من عباد اللّه الصالحين، وكان وكيلاً عن الإمامين الأخيرين، وكان عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، شديد الورع، كثير العبادة، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد) ونذكر أحاديثه - هنا - بالمناسبة :
في (البحار) عن (المناقب) و (الخرائج) عن أيوب بن نوح قال :
كتبت إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن لي حملاً [ زوجتي حامل] فادع اللّه أن يرزقني ابنا.
فكتب إليَّ : «إذا وُلد فسمه محمداً» قال : فولد ابن فسميته محمداً (2).
ص: 192
وعن أيوب أيضاً قال : كتبت إلى أبي الحسن [الهادي[ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «قد تعرّض لي جعفر بن عبد الواحد القاضي وكان يؤذيني بالكوفة، اشكوه إليه [إلى الإمام] م-ا ينالني منه من الأذى، فكتب إليَّ :
«تكفى أمره إلى شهرين فَعُزل عن الكوفة في شهرين، واسترحت منه.
وفي (غيبة الطوسي) : عن عمرو بن سعيد المدائني - وكان فطحياً - قال : كنت عند أبي الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصَرِيّا، إذ دخل أيوب بن نوح، ووقف قدامه فأمره بشيء، ثم انصرف، والتفت إليَّ أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا(1).
وفي (الكافي) بسنده عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسأله عن اللّه عز وجل : «أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونّها، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها، وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خَلَق وما كوَّن عندما كوَّن» ؟
فوقَّع - بخطه - : «لم يزل اللّه عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء» (2).
وفي (الكافي) أيضاً : بسنده عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إذا رفع علمكم من بين أظهركم، فتوقَّعوا الفرج من تحت أقدامكم(3).
وفي (الكافي) أيضاً : بسنده عن أيوب بن نوح قال : كتبت إلى
ص: 193
أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن قوماً سألوني عن [زكاة] الفطرة ويسألوني أن يحملوا قيمتها إليك، وقد بعثت إليك هذا الرجل عام أول العام الماضي وسألني أن أسألك، فنسيت ذلك.
وقد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي (1)بدرهم، على قيمة تسعة أرطال بدرهم، فرأيك - جعلني اللّه فداك - في ذلك ؟».
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الفطرة قد كثر السؤال عنها، وأنا أكره كل ما أدّى إلى الشهرة، فاقطعوا ذكر ذلك، واقبض ممن دفع لها وأمسك عمّن لم يدفع (2).
وفي (الكافي) أيضاً : عن أيوب بن نوح قال : كتبت إليه [إلى الإمام الجواد أو الإمام [الهادي] : إن أصحابنا قد اختلفوا علينا، فقال بعضهم : إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل، وقال بعضهم : قبل الزوال».
فكتب : «أما علمت أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صلّى الظهر والعصر بمكّة، ولا يكون ذلك إلا وقد نَفَرَ قبل الزوال» (3).
وفي (الكافي) أيضاً : بسنده عن أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : تحضر الصلاة والرجُل بالبيداء ؟
فقال : يتنحى عن الجواد(4) يمنة ويسرة ويصلي (5).
ص: 194
وفي (التهذيب) عن أيوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته أم لا ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة (1).
ص: 195
النيسابوري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي الكافي بسنده عن بشر بن بشار النيسابوري قال :
كتبت إلى الرجل (أي الإمام الهادي) (عَلَيهِ السَّلَامُ) : : إِنْ مَن قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، فمنهم من يقول : هو جسم، ومنهم من يقول : هو صورة.
فكتب إليَّ : سبحان من لا يُحَدّ ولا يوصف، ولا يشبهه شيء، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير (1).
النحاس، من ولد أبي أيوب الأنصاري، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام المهدي) وهو الذي تولّى شراء السيدة نرجس والدة مولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه.
ص: 196
روى الصدوق في (إكمال الدين) - بعد حذف المقدمات - : عن بشر بن سليمان قال :
كان مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقهني في أمر الرقيق (1) فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات، حتى كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق بين الحلال والحرام.
فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بِسُرَّ من رأى، وقد مضى من الليل هُويّ، إذ قرع قارع الباب فعدوتُ مسرعاً، فإذا أنا بكافور الخادم : رسول مولانا أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدعوني إليه.
فلبست ثيابي، ودخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه : أبا محمد، وأخته حكيمة من وراء الستر فلما جلست قال : يا بشر إنك من وجه الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم، يرثها خَلَف عن سَلَف فأنتم ثقاتنا - أهل البيت -، وإني مُزَكِّيك، ومُشرِّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها بسر أطلعك عليه، وأنفِّذك في ابتياع أمَةٍ (2).
وكتب كتاباً ملصقاً بِخَط رومي، ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شقة صفراء، فيها مائة وعشرون ديناراً، فقال : خُذها، وتوجه إلى بغداد، واحضر معبر الصُراة (3) ضحوة كذا وكذا (4) فإذا وصلت إلى جوانبك زواريق السبايا، وبرزن الجواري منها، فستحدق بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس، وشراذم
ص: 197
من فتيان العراق (1).
فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخاس (2) عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية، صفتها كذا وكذا، لابسةً حريرتين صفيقتين (3) تمتنع من السفور، ولمس المعترض، والإنقياد لمن يحاول لمسها، ويشغل نظره (4) بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس، فتصرخ بالروميّة، فاعلم أنها تقول : واهتك ستراه.
فيقول بعض المبتاعين : عَلَيَّ بثلثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة. فتقول - بالعربية - : لو برزت في زِيّ سليمان، وعلى مثل سرير ملكه ما بَدَت لي فيك رَغبة، فَأَشْفِقْ على مالك.
فيقول النحّاس : فما الحيلة ؟ ولا بُدَّ من بيعك ؟
فتقول الجارية : وما العجلة ؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته.
فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النحّاس، وقل له : إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلُغةٍ روميّة، وخط كَتَبَه رومي، ووَصَفَ فيه كرمه ووفاءه، ونُبله وسخاءه، فناولها لتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه، ورَضِيَته فأنا وكيله، وأبتاعها منك.
قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حَدَّه (5) لي مولاي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت - لعمر بن يزيد - : يعني من صاحب هذا
ص: 198
الكتاب، وحلفتُ بالمُخرجة والمغلّظة (1) أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلتُ أُشاحّه في ثَمنها (2) حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما أصحبنيه مولاي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الدنانير في الشقة الصفراء.
فاستوفاه منّي، وتسلّمت منه الجارية، ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حُجرتي التي كنت آوى إليها ببغداد.
فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها، وهي تلثمه (3) وتضعه على خدّها، وتطبقه على جفونها، وتمسحه على بدنها، فقلت - تعجباً منها - : أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟
قالت : أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمِّي من ولد الحواريّين، تُنسب إلى وصي المسيح : شمعون.
أُنبئك العجب العجيب : إن جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين، ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار (4) سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف.
وأبرز من بهو مُلكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجواهر إلى صحن
ص: 199
القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة.
فلما صعد ابن أخيه، وأحدقت به الصلبان، وقامت الأساقفة عُكفاً ونُشِرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي، فلصقت بالأرض، وتقوَّضت الأعمدة، فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشياً عليه(1).
فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم - لجدّي - : أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني.
فتطيّر جدّي من ذلك تطيراً شديداً (2) وقال - للأساقفة - : أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، وأحضروا أخا هذا المدير العاثر، المنكوس جَدُّه (3) لأزوِج منه هذه الصبيّة، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلما فعلوا ذلك حَدَثَ على الثاني ما حَدَثَ على الأول، وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتماً، ودخل قصره، وأرخيت الستور.
فَارِيتُ في تلك الليلة : كأن المسيح وشمعون، وعدّة من الحواريين، قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً يباري السماء عُلُوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع فتية، وعدة من بنيه فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، فقال له محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 200
وَسَلَّمَ ): يا روح اللّه إني جئتك خاطباً من وصيِّك : شمعون فتاته : مليكة، لابني هذا، وأوماً بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون، وقال له : قد أتاك الشرف، فَصِلْ رَحِمَك بِرَحم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
قال : قد فعلتُ.
فصعد ذلك المنبر، وخطب محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزوجني من ابنه، وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشهد أبناء محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والحواريون.
فلما استيقظت من نومي، أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل.
وضُرب صدري بمحبة أبي محمد، حتى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودق شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدّي، وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس قال : يا قرة عيني هل تشتهين شيئاً ؟.
فقلت : يا جدي! أرى أبواب الفرج عَلَيَّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومننت عليهم بالخلاص لَرَجوتُ أن يهب المسيح وأمه لي عافية وشفاءً.
فلما فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولتُ يسيراً من الطعام فَسَر ذلك جدّي، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.
فرأيت - أيضاً - بعد أربع ليال : كان سيدة النساء قد زارتني، ومعها مريم بنت عمران، وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول
ص: 201
لي مريم : هذه سيدة نساء العالمين وأم زوجك : أبي محمد. فاتعلق بها وابكى واشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي.
فقالت لي سيدة النساء : إن ابني لا يزورك وأنت مشركة باللّه عزّ وجل، وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّه من دينك، فإن مِلتِ(1) إلى رضى اللّه عزّ وجل ورضى المسيح ومريم عنك، وزيارة أبي محمد إياك فقولي : اشهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ أبي محمداً رسول اللّه.
فلما تكلمتُ بهذه الكلمة ضمتني سيادة النساء إلى صدرها، فطيبت لي نفسي، وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك، فإنّي منفذته إليكِ.
فانتبهت وأنا أقول : واشوقاه إلى لقاء أبي محمد. فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامي، فرأيته كاني أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك ؟.
فقال : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك، وإذ قد أسلمت فإني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان.
فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال : بشر : فقلت لها : وكيف وقعت في الأسر ؟.
فقالت : أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي : أن جدَّكَ سَيُسيِّرُ جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فَعَليك باللحاق بهم متنكرة في زيّ الخدم، مع عدة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلتُ، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شَعُر أحد بي - بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية - سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه
ص: 202
ولقد سألني الشيخ - الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة - عن اسمي. فأنكرته وقلت : نرجس. فقال : اسم الجواري.
فقلت : العجب أنك رومية، ولسانك عربي؟.
قالت : بَلَغَ من ولوع جدّي (1) وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة في الإختلاف إليَّ (2) فكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى استمر عليها لساني واستقام.
قال بشر : فلما انكفاتُ بها (3) إلى (سُرَّ من رأى) دخلتُ على مولانا أبي الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) (4) فقال لها : كيف أراكِ اللّه عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف أهل بيت محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟.
قالت : كيف أصف لك - يابن رسول اللّه - ما أنت أعلم به مني ؟.
قال : فإني أريد أن أكرمك، فأيُّما أحب إليك : عشرة آلاف درهم، أو بشرى لك بشرف الأبد؟
قالت : بل البشرى.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فابشري بِوَلدٍ يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً.
قالت : ممّن ؟.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ممّن خطبكِ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ
ص: 203
وَسَلَّمَ )له، ليلة كذا من شهر كذا، من سنة كذا بالروميّة ؟.
قالت : من المسيح ووصيّه.
قال : فممّن زوَّجك المسيح ووصيه ؟.
قالت : من ابنك أبي محمد ؟
فقال : هل تعرفينه ؟.
قالت : وهل خَلَت ليلة لم يزرني فيها منذ الليلة التي أسلمتُ فيها على يد سيدة النساء أمه ؟!
فقال أبو الحسن (الهادي) : يا كافور أدع لي أختي حكيمة، فلما دخلت عليه قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لها : ها هي. فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً. فقال مولانا : يا بنت رسول اللّه أخرجيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد، وأم القائم(1) (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 204
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
والظاهر ان المقصود هو جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني كما صرح بذلك الكشّي حيث قال :... وكتب إبراهيم بن محمد الهمداني، مع جعفر ابنه - في سنة ثمان وأربعين ومائتين - يسأل عن العليل والقزويني (1) أيهما يقصد بحوائجه وحوائج غيره، فقد اضطرب الناس فيهما، وصار يبرأ بعضهم من بعض.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليه : ليس عن مثل هذا يُسأل، ولا في مثل هذا يُشك، وقد عظم اللّه من حرمة العليل أن يقاس إليه القزويني، (سَمَّى باسمهما جميعاً فاقصد إليه بحوائجك، ومن أطاعك من أهل بلادك أن يقصدوا إلى العليل بحوائجهم.
وأن تجتنبوا القزويني أن تُدخلوه في شيء من أموركم، فإنه قد بلغني ما يُموِّه به عند الناس، فلا تلتفتوا إليه إن شاء اللّه.
وعن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني - وكان معنا حاجاً -
ص: 205
قال : كتبتُ إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) - على يد أبي - : «جعلتُ فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع، بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني، وبعضهم يقول : بصاع العراقي. قال :
فكتب إليّ : الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي.
قال : واخبرني أنه يكون بالوزن : ألفا ومائة وسبعين وزنة (1).
هذا وقد التبس الأمر على بعض الأعلام المعاصرين فاعتبر جعفر بن إبراهيم من أصحاب الإمام أبي الحسن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وليس الأمر كذلك.
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذكره الشيخ بلا لقب.
روى عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - كما في (التهذيب) - بسنده عن جعفر بن رزق اللّه قال : قُدّم إلى المتوكل رجل نصراني فَجَرَ بامرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم.
فقال يحيى بن أكثم : قد هدم إيمانه شركه وفعله.
وقال بعضهم : يُضرب ثلاثة حدود.
وقال بعضهم : يُفعل به كذا وكذا.
فأمر المتوكل بالكتابة إلى أبي الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسؤاله عن ذلك، فلما قدم الكتاب كتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يُضْرَب حتى يموت».
ص: 206
فأنكر يحيى بن أكثم، وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا [للمتوكل] : يا أمير المؤمنين! يُسأل [الإمام [الهادي] عن هذا، فإنه شيء لم ينطق به الكتاب، ولم تجىء به سُنّة ؟
فكتب [المتوكل] إليه : إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، وقالوا : لم تجىء به سُنّة، ولم ينطق به کتاب، فبين لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت ؟
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
بسم اللّه الرحمن الرحيم «فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ»(1).
قال : فأمر به المتوكل فضرب حتى مات(2).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
الصيقل، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام العسكري، ووكلاء الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي (عَلَيهِم السَّلَامُ).
ابن جامع، قمي، حميري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 207
ابن يقطين. عدّه ابن داود من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ابن الخطاب. عدّه البرقي والطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ويروي عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالمراسلة - كما في التهذيب ج 8 حدیث 631-.
يروي عن (الرجل) وكلمة (الرجل) تُطلق على الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كما في (جامع الرواة).
والحديث في كتاب ( الكافي) ج 1 كتاب التوحيد باب 12 حديث 5. وحيث أنه غير معين فلا داعي لذكره هنا.
الأحول، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
لم يُذكر - في كتب الرجال - نسبه ولا بلده، وإنما يُعرف ب (جنيد قاتل (فارس) وأما القصّة فقد رواها الكشي - في ترجمة فارس - بسنده عن محمد بن عيسى بن عبيد أن أبا الحسن العسكري [الهادي]
ص: 208
(عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر بقتل فارس بن حاتم القزويني، وضمن لمن قتله الجنة، فقتله جنيد.
وكان فارس فتاناً يفتن الناس، ويدعو إلى البدعة، فخرج من أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«هذا فارس، لعنه اللّه، يعمل من قبلي، فتاناً داعياً إلى البدعة، ودمه هدر لكل من قتله، فمن الذي يريحني منه ويقتله، وأنا ضامن له على اللّه الجنة»؟.
وروى الكشي أيضاً عن جنيد قال :
أرسل إلىَّ أبو الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) يأمرني بقتل فارس القزويني، لعنه اللّه.
فقلت : لا، حتى أسمعه منه يقول لي ذلك، يشافهني به.
قال : فبعث إليَّ، فدعاني، فَصِرت إليه فقال : أمرك بقتل فارس بن حاتم، فناولني دراهم من عنده، وقال : إشتر بهذه سلاحاً، واعرضه عَلَيَّ .
فذهبت فاشتريت سيفاً، فعرضته عليه، فقال : رُدَّ هذا وخُذ غيره.
قال : فرددته، وأخذت مكانه ساطوراً، فعرضته عليه فقال : نعم.
فجئت إلى فارس، وقد خرج من المسجد، بين الصلاتين : المغرب والعشاء فضربته على رأسه فصرعته، وثنيَّتُ عليه، فسقط ميتاً، ووقعت الصيحة ورميت بالساطور بين يدي، واجتمع الناس، وأخذت، إذ لم يوجد هناك أحد غيري، فلم يروا معي سلاحاً ولا سكيناً، وطلبوا الزقاق والدور، فلم يجدوا شيئاً ولم يروا أثر الساطور بعد ذلك.
ص: 209
قال الشيخ المامقاني ( عليه الرحمة) بعد ذكر هذا الكلام.
أقول : أنظر - رحمك اللّه تعالى - إلى إبائه [أي : جُنيد] أوّلاً من الإقدام على القتل، إلا أن يسمع الأمر به من إمام مفترض الطاعة، ثم لما سمع ذلك من العسكري [الهادي] كيف أقدم على القتل جازماً يكون أمره (عَلَيهِ السَّلَامُ) واجب الإتباع، وأوقع نفسه في المخاطرة امتثالاً لأمره المطاع، فإن ذلك يكشف عن كونه ذا ملكة، وضمان الإمام له بالجنة يؤكّد ذلك.
أقول : ربّما يتبادر إلى أذهان بعض الناس أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان رئيس عصابة إرهابية لاغتيال الأفراد، غير المنسجمين معه في العقيدة، المنحرفين عنه.
ولكن هذا تصوّر خاطىء، فالإمام مثال العطف والأبوة، والرحمة والشفقة على الناس مع مسؤولية الإمامة.
فالإمام مسؤول عن حفظ الدين الإسلامي، والشريعة الإلهية، وعن المجتمع الإسلامي وعن كل صغيرة وكبيرة، فيجب عليه القيام بكل ما يلزم وبكل ما يدور في هذا الفلك، ويتعلق بهذا الموضوع.
ولكن إنما يجب ذلك عليه في حدود القدرة والإستطاعة، فالقدرة شرط التكليف ولا يكلف اللّه نفساً إلّا وسعها.
فالإمام إذا كان مبسوط اليد، نافذ الكلمة، مسموع القول، تتحقق في حقه المسؤولية العظمى.
وهذه المسؤولية والتكاليف الشرعية تضعف كلما ضعفت القدرة والإستطاعة.
وفي خلال هذه الفترة وهي من بعد وفاة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى وفاة الإمام الحسن العسكري وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وهي مائتان وخمسون سنة
ص: 210
كان أئمة أهل البيت مستضعفين، مسلوبي الإمكانات.
سوى سنوات قلائل في أيام حكومة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإنه لما استلم زمام الحكم بذل كل جهوده في نشر الأحكام الإلهية ورفع المستوى الثقافي، وتوفير وسائل الراحة والرخاء، ومكافحة الباطل (بجميع أنواعه) وتيسير الرفاه في المجتمع الإسلامي يومذاك، بالرغم من الحروب والإضطرابات الداخلية التي أجج نارها المناوئون
ولسنا - الآن - بِصَدَد بيان إنجازات الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في خلال سنوات حكومته.
وبعد وفاة الإمام أمير المؤمنين، واستيلاء أهل الباطل على منصّة القيادة الإسلامية تغيّرت معالم الإسلام، وانقلبت المفاهيم الدينية.
فلم يزل الحال من سوء إلى أسوأ طيلة حكومة الأمويين والعباسيين.
وكان الأئمة الطاهرون خلال هذين القرنين والنصف يعيشون تحت الضغط والكبت.
وليس معنى ذلك أن يرتفع عنهم التكليف - حول المجتمع الإسلامي - نهائياً، بل على الإمام أن يؤدي واجبه الملقى على عاتقه في حدود القدرة، ولو بالإستعانة بالمعجزة في المكان والزمان المناسبين للمعجزة حسب ما تقتضيه الحكمة.
فإذا كان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يستطيع أن يقوم بعملية تطهير ذلك المجتمع الملوّث، فإنه بإمكانه أن يقضي على بعض جراثيم الإنحراف، وأسباب الضلالة، حفظاً لعقائد المسلمين بقدر المستطاع.
ولهذا أمر الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) جنيداً أن يقوم باغتيال فارس بن
ص: 211
حاتم، المنحرف الضال المضلّ، الذي اعتبره الإمام الهادي خطراً على المجتمع الإسلامي.
وحينما نفّذ جُنيد أمر الإمام، ورمى الساطور على الأرض، واجتمع الناس وألقوا عليه القبض، وفتشوه فلم يجدوا معه سلاحاً أطلقوا سراحه.
وفُقد الساطور، فكيف فُقد ؟ ومَن الذي أخفاه عن أعين الناس ؟.
من الواضح أن الإمام الهادي استعان بالمعجزة في إخفاء الساطور عن الناس وإبعاده عن ذلك المكان بحيث لم يره أحد أبداً، تحفظاً على حياة جنيد.
ذكرنا هذا الشرح المختصر تعليقاً على هذا الخبر ليكون القارىء على بصيرة أكثر.
هذا.. ويستفاد من مجموع هذه الأمور أن جنيد هذا، كان من خواص أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسوف نذكره في كتابنا عن الإمام العسكري إن شاء اللّه، لأنه كان من أصحابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً.
ص: 212
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
شيخ من أهل النهرين، قال : خرجت أنا ورجل من أهل قريتي إلى أبي الحسن [الهادي] بشيء كان معنا، وكان بعض أهل القرية قد حَمَّلنا رسالة ودَفَعَ إلينا ما أوصلناه، وقال : تقرئونه مني السلام وتسألونه عن بيض الطائر الفلاني (من طيور الآجام) هل يجوز أكلها (أكله ظ) أم لا ؟
فسلّمنا ما كان معنا إلى جارية جاريته ظ وأتاه رسول السلطان، فنهض ليركب، وخرجنا من عنده ولم نسأله عن شيء، فلما صرنا في الشارع لَحِقَنا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال - لرفيقي - (بالنبطية) : أقرئه مني السلام وقل له : بيض الطائر الفلاني لا تأكله، فإنه من المسوخ (1).
ص: 213
المعروف بأبي طالب الفافاني. بغدادي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
الأفطس، وقد عدَّ الشيخ الطوسي الحسن بن الحسن العلوي من أصحاب الإمام الرضا والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فلعله هو الأفطس ولعله غيره.
وكيف كان فقد روى الكليني في (الكافي) بسنده عن جماعة من بني هاشم منهم : الحسن بن الحسن الأفطس : أنهم حضروا - يوم توفي محمد بن علي بن محمد (1) - باب أبي الحسن [الهادي] يعزّونه، وقد بُسِطَ له في صحن داره، والناس جلوس حوله فقالوا [بنو هاشم] : قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلا، سوى مواليه وسائر الناس.
إذا نظر إلى الحسن بن علي [العسكري] قد جاء مشقوق الجيب، حتى قام عن يمينه، ونحن لا نعرفه.
فنظر إليه أبو الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ساعة وقال : يا بني أحدث اللّه عز وجل شكراً، فقد أحدث فيك أمراً.
فبكى الفتى، وحمد اللّه واسترجع، وقال : الحمد للّه رب العالمين، وأنا أسأل اللّه تمام نعمةٍ لنا فيك (2) وإنا للّه وإنا إليه راجعون.
فسألنا عنه، فقيل : هذا الحسن ابنه. وقدرنا له في ذلك الوقت
ص: 214
عشرين سنة أو أرجح، فيومئذ عرفناه، وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه (1).
أقول : لقد تقدمت أمثال هذا الحديث فيما سبق.
العلوي عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
العلوي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ولعلّه الحسن بن الحسن الذي تقدّم، وعلى كل تقدير فقد روى في (الكافي) بسنده عن الحسن بن الحسين العلوي قال : قال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من مُروءَة الرجل أن يكون دوابه سماناً.
قال : وسمعته يقول : ثلاثة من المروءة : فراهة الدابة، وحُسن وجه المملوك، والفرش السري (2).
اسمه : الحسن بن خالد بن محمد بن علي البرقي.
كنيته : أبو علي. وكان ثقة، وله كتاب (النوادر) وقال ابن شهر آشوب - في معالم العلماء - : من كتبه تفسير الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) من إملاء الإمام، مائة وعشرون مجلداً.
وعدّه الشيخ في من لم يرو عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ولعل الشيخ
ص: 215
لم يظفر بكتب التفسير ولم يظفر بما رواه الحسن بن خالد عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). كما في كتاب طب الأئمة) بسنده عن الحسن بن خالد قال :
كتبت إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أشكو إليه علَّةً في بطني، وأسأله الدعاء. فكتب :
«بسم اللّه الرحمن الرحيم أكتب أُمَّ القرآن [سورة الحمد] والمعوذتين وقل هو اللّه أحد، ثم تكتب أسفل من ذلك : أعوذ بوجه اللّه العظيم، وعزّته التي لا تُرام وقدرته التي لا يمتنع منها شيء من شرّ هذا الوجع، وشر ما فيه، ومما أحذر.
وتكتب ذلك في لوح أو كتف، ثم تغسله بماء السماء [المطر] ثم تشربه على الريق، وعند منامك، وتكتب - اسفل من ذلك - : إجعله شفاء من كل داء».
أقول : بناءً على هذا فالرجل من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
قمي، كثير الحديث، له كتاب اسماء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
يكنّى أبا علي بن راشد، بغدادي، ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، ويعتبر من وكلاء الأئمة، والمتولين لأمورهم (عَلَيهِم السَّلَامُ).
ص: 216
وذكر الشيخ الطوسي في (الغيبة) بسنده عن محمد بن عيسى قال : كتب أبو الحسن العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها :
قد أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه، ومَن قِبله من وكلائي، وقد أوجبت في طاعته طاعتي، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني، وكتبت بخطي».
وروى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى اليقطيني قال : كتب [الإمام [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي علي (أو علي) بن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، أحمد اللّه إليك، وأشكر طوله وعوده (1) وأصلّي على محمد النبي وآله، صلوات اللّه ورحمته عليهم.
ثم إني أقمتُ أبا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربه،وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدّمه أحد.
وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك، فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك، فعليك بالطاعة والتسليم إليه جميع الحق قبلك، وأن تحض موالي على ذلك، وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته، فذلك موفور وتوفير علينا، ومحبوب لدينا، ولك به جزاء من اللّه وأجر، فإن اللّه يعطي من يشاء - ذو الإعطاء والجزاء - برحمته،، وأنت في وديعة اللّه، وكتبت بخطي، وأحمد اللّه كثيراً».
وعن محمد بن مسعود قال : حدَّثني محمد بن نصير قال : حدَّثني أحمد بن محمد بن عيسى قال : نسخت الكتاب مع ابن راشد، إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد، المقيمين بها، والمدائن والسواد وما يليها :
ص: 217
«أحمد اللّه إليكم ما أنا عليه من عافيته، وحُسن عادته، وأص وأصلي على نبيه وآله، أفضل صلاته، وأكمل رحمته ورأفته.
وإني أقمتُ أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومَن كان قبله من وكلائي، وصار في منزلته (1) عندي، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم، ليقبض حقي، وارتضيته لكم، وقدَّمتُه على غيره في ذلك، وهو أهله وموضعه
فَصِيروا - رحمكم اللّه - إلى الدفع إليه ذلك وإلي، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة، فعليكم بالخروج عن ذلك، والتسرّع إلى طاعة اللّه، وتحليل أموالكم، والحقن لدمائكم، وتعاونوا على البر والتقوى، واتقوا اللّه لعلكم ترحمون واعتصموا بحبل اللّه جميعاً، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
قد أوجبت في طاعته طاعتي، والخروج إلى عصيانه عصياني.
فالزموا الطريق، يأجركم اللّه، ويزيدكم من فضله، فإن اللّه بما عنده واسع كريم، متطوّل على عباده رحيم، نحن وأنتم في وديعة اللّه وحفظه، وكتبته بخطي والحمد اللّه كثيراً».
وفي كتاب آخر : «وأنا أمرك - يا أيوب بن نوح - أن لا تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي، وأن يلزم كل واحدٍ منكما ما وُكِّل به وامِرَ بالقيام فيه بأمر ناحيته، فإنكم إذا انتهيتم إلى كل ما امرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي.
وأمرك - يا أبا علي - بمثل ما أمرت به أيوب، أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه، ولا تلي لهم استئذاناً عَلَيَّ، ومُر مَن أتاك - بشيء من غير أهل ناحيتك - أن يُصَيِّره إلى الموكل بناحيته.
ص: 218
وأمرك - يا أبا علي - في ذلك بمثل ما أمرتُ به أيوب، وليعمل كل واحدٍ منكما مثل ما أمرته به.
وروى الكشي أيضاً بسنده عن محمد بن الفرج قال : كتبتُ إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن أبي علي بن راشد، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم، وابن بند ؟
فكتب إليَّ : ذكرتَ ابن راشد، رحمه اللّه، فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ودعا لابن بند والعاصمي.
وابن بند ضُرب بالعمود حتى قُتِل، وابن جعفر ضُرب ثلاثمائة سوط ورمي به في دجلة.
أقول : قد ظهر لنا - من خلال رسائل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - شيء من جلالة قدر أبي علي : الحسن بن راشد، ولا بأس أن نذكر شيئاً من أحاديثه التي رواها عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
في (التهذيب) بسنده عن محمد بن عيسى قال : حدَّثني أبو علي بن راشد قال : كتب إليَّ أبو الحسن العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتاباً، وأَرَّخَه : يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
وكان يوم الأربعاء يوم شك، وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس، ولم يَغِب إلا بعد الشفق بزمان طویل.
قال : فاعتقدت أن الصوم [أول الشهر] يوم الخميس، وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء.
قال : فكتب [الإمام] إليَّ : زادك اللّه توفيقاً، فقد صُمت بصيامنا».
ص: 219
قال : ثم لقيته بعد ذلك، فسألته عما كتب به إليَّ ؟
فقال [الإمام] لي : أو لم أكتب إليك ؟ إنما صُمتُ يوم الخميس ولا تَصُم إلا للرؤية [رؤية الهلال ](1).
وفي (معاني (الأخبار) و (الكافي) عن الحسن بن راشد قال : سألت أبا الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالمدينة : عن رجل أوصى بمال في سبيل اللّه.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (سبيل اللّه شيعتنا» (2).
وفي (الكافي) بسنده عن أبي علي بن راشد، عن صاحب
العسكر [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قلت له : جُعلت فداك، نُؤتى بالشيء، [الأموال] فيقال : هذا ما كان لأبي جعفر [الإمام الجواد] (عَلَيهِ السَّلَامُ) عندنا. فكيف نصنع ؟
فقال [ الهادي ] : ما كان لأبي جعفر بسبب الإمامة فَهُولي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه وسُنّة نبيه ((صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )» (3).
وفي (الكافي) أيضاً بسنده عن أبي علي بن راشد، قال : قلت لأبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك، إنك كتبت إلى محمد بن الفَرَج تُعلّمه أن أفضل ما تقرأ في الفرائض بإنا أنزلناه، وقل هو اللّه أحد.
وإن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا يضيق صدرك بهما، فإنّ الفضل - واللّه – فيهما(4).
ص: 220
أقول : معنى الحديث - واللّه العالم - إن الحسن بن راشد كان يحب أن يقرأ السور الطوال في صلاة الصبح، ولكن الإمام أخبره أن قراءة هاتين السورتين في صلاة الصبح أفضل من قراءة السور الطوال.
وفي التهذيب) بسنده عن الحسن بن راشد قال :
قال الفقيه العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليس في الغُسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق»(1).
أي ليسا من أجزاء الوضوء المفروضة، بل هما من المستحبات.
وفي التهذيب أيضاً، بسنده عن الحسن بن راشد قال : سألتُ العسكري الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
عن رَجُل أوصى بِثْلُثِهِ بعد موته فقال : ثلثي بعد موتي بين موالى ومولياتي [عبيدي وإماتي].
ولأبيه موال، يدخلون موالي أبيه في وصيته بما يُسَمُّون في مواليه أم لا يدخلون ؟
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا يدخلون»(2).
وعن أبي علي بن راشد قال : سمعت أبا الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : «أكل العسل حكمة»(3).
وفي (الكافي) بسنده عن الحسن أو الحسين بن راشد قال :
سألته [الهادي] : عن ثياب تُعمل بالبصرة على عمل العصب
ص: 221
[القصب] اليماني من قزّ وقُطن، هل يصلح أن يُكَفِّن فيها الموتى ؟
فقال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس (1)
العصب : ثوب يعمل باليمن، أو نوع من البرد اليماني.
والقصب - هنا - : الثياب الناعمة.
أقول : ليس - في هذا الحديث - في الكافي اسم للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنما ذكر الشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) : «وسُئل أبو الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ثياب... الحديث»(2).
الكوفي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
يكنى أبا محمد، في كتاب (الاحتجاج) : روى أصحابنا أن أبا محمد الحسن الشريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد [الهادي] ثم الحسن بن علي [العسكري] (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وهو أوّل من ادعى مقاماً لم يجعله اللّه فيه من قبل صاحب الزمان وكذب على اللّه وعلى حججه، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد.
أقول : قد ذكرناه في كتاب (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور).
ص: 222
الكوفي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفي (الكافي) رواية تدل على أنه كان يُراسل الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً.
أبو عبيد اللّه - القمي. عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذكر العلّامة - في الخلاصة - أنه يُرمى بالغُلو.
أو أبي عثمان، يلقب ب- (سجادة) عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قيل إنّه غال، ضعيف، فاسد العقيدة، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد)
الوشاء، الكوفي، الخزاز، عدّه عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كان واقفياً ثم اهتدى على يد الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) لظهور المعجزات الدالة على إمامته.
وفي كتاب (عيون المعجزات) بسنده عن الحسن بن علي الوشاء قال : جاء المولى أبو الحسن علي بن محمد [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) مذعوراً، حتى جلس في حجر أم موسى : عمّة أبيه، فقالت له : ما لك ؟.
فقال لها : مات أبي - واللّه – الساعة.
فقالت : لا تقل هذا فقال : هو - واللّه - ما أقول لك.
فَكُتِبَ الوقت واليوم، فجاء بعد أيام خبر وفاته [وفاة الإمام
ص: 223
الجواد] فكان كما قال.
وفي (الكافي) بسنده عن الوشّاء قال : كتبت إليه (يعنى الرضا) (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن الفقاع ؟ قال : فكتب : «حرام، وهو خمر، ومَن شربه كان بمنزلة شارب الخمر».
قال [ الوشاء] : وقال أبو الحسن الأخير [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لو أنّ الدار داري لقتلتُ بائِعَه، ولجلدتُ شاربه».
وقال أبو الحسن الأخير (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «حَدُّه حَدُّ شارب الخمر».
وقال : «هي خُميرة، استصغرها الناس» (1).
اسمه : الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ).
كنيته : أبو محمد. ويلقب بالأطروش. عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد ذكرناه في كتابنا عن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
له مكاتبة مع الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويُعبر عنه ب(الرجل) و (الصادق) وحيث أنه يروي عن موسى المبرقع، فلا بد وأن يكون مقصوده من الرجل والصادق هو الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما فهمه بعض المعاصرين.
وأما الحديث : في (التهذيب) بسنده عن عبد اللّه بن جعفر، عن
ص: 224
الحسن بن علي بن كيسان قال : كتبت إلى الصادق [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ)أسأله عن رجل يطلق امرأته، فطلبت منه المهر، وروى أصحابنا : إذا دخل بها لم يكن لها مهر.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا مَهرَ لها»(1).
أقول : كانت العادة جارية - في ذلك الزمان - إن المرأة ما كانت تسلّم نفسها لزوجها إلا بعد أن تقبض منه مهرها الكامل، وهذه المرأة - المذكورة في هذا الحديث - قد دخل بها زوجها، ثم أراد أن يطلّقها فطالبته بالمهر، والمفروض على عادتهم - أن تطالبه بالمهر قبل الدخول لا بعده، فيقتضي أن الزوج قد دفع إليها المهر قبل الدخول فمطالبتها بالمهر بعد الدخول لا يُعبأ بها، ولهذا كتب الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا مهر لها.
وفي (الكافي) بسنده عن الحسن بن علي بن كيسان قال : كتبت إلى الرجل (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن رجل له إمرأة من نساء هؤلاء العامة، وأراد أن يطلقها وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يعتزلها ثلاثة أشهر، ويطلقها» (2).
القمي، وقد اختلف في ضبط اسمه : الحسن أو الحسين، وعلى كل فقد عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) والروايات المروية عنه باسم الحسين بن مالك، ونحن نذكر تلك الروايات في (الحسين بن مالك) إن شاء اللّه
ص: 225
ابن أخي محمد بن رجاء الخياط أو الحناط، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وكان كذاباً، غالياً، وكان الخبيث يدعي النبوة، ويدعي الربوبية في الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكتب الإمام الهادي كتاباً إلى العبيدي كما ذكره الكشي عن بعض كتب الفضل بن شاذان.
قال : حدَّثني العبيدي قال : كتب إليَّ العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) - ابتداءً منه -.
أبرأ إلى اللّه من الفهري، والحسن بن محمد بن بابا القمي فأبرأ منهما، فإني مُحِذِّرك، وجميع موالي، وإني ألعنهما، عليهما لعنة اللّه، مستأكلين : يأكلان بنا الناس، فتانين، مؤذيين، آذاهما اللّه، وأرسلهما في اللعنة، وأركسهما [ردهما] في الفتنة ركساً.
يزعم ابن بابا : «أني بعثته نبياً، وأنه باب عليه لعنة اللّه سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن اللّه مَن قَبِل منه ذلك.
يا محمد! إن قدرت أن تخدش رأسه بالحَجَر فافعل، فإنه قد آذاني آذاه اللّه في الدنيا والآخرة».
أقول : ونذكر - أيضاً - بعض رسائل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذمّ الحسن بن محمد بن بابا في ترجمة فارس بن حاتم القزويني في حرف الفاء إن شاء اللّه.
ص: 226
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
المدائني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفي (التهذيب) حديث لا يبعد أن يكون المقصود من الإمام المروي عنه هو الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
في (التهذيب) بسنده عن الحسن بن محمد المدائني قال : سألته عن السكنجبين والجلاب، ورُبِّ التوت، ورُبِّ السفرجل وربّ التفاح، ورُبِّ الرمان.
فكتب : حلال (1).
أقول : السكنجبين : شراب يصنع من الخَلّ والسكر أو مما يشبههما، والجلاب : ماء الورد، والرُّب - بضم الراء - هو عصير الفاكهة، يغلى حتى يتماسك ويثخن، وقد يُطبخ بالسكر، ومنه : المربيات المعمولة من الفواكه أو العسل.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا حسن، هذا وأنت تغشانا ؟ (1) ترمى بذنبك من لا ذنب له ؟.
قال - الحسن - : قابَ إليَّ عقلي، وتبينت خطئي.
فقلت : يا مولاي، أستغفر اللّه.
فقال : يا حسن، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها، إذا جوزيتُم بأعمالكم فيها ؟.
قال الحسن : قلت : أنا استغفر اللّه أبداً، وهي توبتي يا بن رسول اللّه .
قال [الإمام ] : واللّه ما ينفعكم، ولكن اللّه يعاقبكم بذمها على ما لا ذمّ عليها فيه .
أما علمت - يا حسن - أن اللّه هو المثيب والمعاقب، والمُجازي بالأعمال عاجلاً وأجلاً ؟.
قلت : بلى يا مولاي.
قال : لا تَعُد، ولا تجعل للأيّام صُنعاً [ تأثيراً] في حكم اللّه.
ثم قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَن أمِنَ مكر اللّه وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه، ونافذ أمره، ومَن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا، ولو قُرِضَ [بالمقاريض] ونُشِرَ [بالمناشير](2).
البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 228
النهدي، عدّه البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
القمّي، خادم القبر [ قبر السيدة فاطمة المعصومة في قم].
شیخ فاضل جليل القدر متكلّم فقيه، صاحب مؤلّفات وتصانيف، لطيف الكلام، جيّد النظر، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد تشرف بلقاء الإمام المهدي (عجل اللّه فَرجَه) - كما ذكره الصدوق في (إكمال الدين).
ويوجد الحسين بن أشكيب المروزي، المقيم بسمرقند من أصحاب الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد اختلفت كلمات العلماء حول هذين الإسمين، ذكر ذلك الشيخ المامقاني (عليه الرحمة) في (تنقيح المقال)
الأهوازي، عدّه علماء الرجال من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهم السَّلَامُ) له مؤلفات كثيرة، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام) الجواد).
روى في (التهذيب) بسنده عن محمد بن عيسى بن عيسى، عن الحسين بن عبيد قال : كتبت إليه - يعني أبا الحسن الثالث - (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«يا سيدي : رَجلٌ نَذَرَ أن يصوم يوماً للَّه، فوقع في ذلك اليوم على أهله [جامع زوجته] ما عليه من الكفارة» ؟
ص: 229
فأجابه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يصوم يوماً بدل يوم، وتحرير رقبة» (1).
وفي التهذيب أيضاً، بسنده عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق [الإمام الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«هل اغتسل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين غَسَّل رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند موته ؟
فقال : كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) طاهراً مُطهَّراً، ولكن فَعَل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك، وجرت به السُّنّة (2).
أقول : قد ذكرنا في أوائل الكتاب أنه قد يُعبر عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ب«الصادق أو الطيب أو الأخير، أو الرجل» من باب التقية.
القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يُرمى بالغلو.
الصنعاني، يحتمل أن يكون الحسن بن علي بن كيسان الذي تقدّم ذكره، ويحتمل أن يكون الحسين أخا الحسن، وعلى كل فقد روى في (التهذيب) حديثاً بهذا العنوان.
بسنده عن عبد اللّه بن جعفر عن الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن
ص: 230
السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة.
فكتب إليَّ : ذلك جائز» (1).
أقول : إنّ راوي هذا الحديث مجهول، فلا يمكن الاعتماد على حديثه وللعلماء أقوال في هذا الحديث لا مجال لذكرها هنا.
القمي، قد ذكرنا فيما مضى أن الشيخ الطوسي عَدَّ الحسن بن مالك من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولكن في بعض النسخ : الحسين بن مالك، وفي التهذيب روايتان عن هذا الرجل عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذا الاسم :
في (التهذيب) بسنده عن الحسين بن مالك قال :
كتبتُ إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
اعلم سيدي أن ابن أخ لي تُوفّي، فأوصى لسيدي [الإمام] بضيعته، وأوصى أن يُدفع كل ما في داره حتى الأوتاد تباع ويُحمل الثَمَن إلى سيدي، وأوصى بِحَجّ، وأوصى للفقراء من أهل بيته، وأوصى لِعَمَّتِه وأختِه بمال.
فنظرتُ، فإذا ما أوصى به أكثر من الثلث، ولعله يُقارب النصف مما ترك، وخلَّفَ إبناً لثلاث سنين، وترك ديناً، فرأيُ سيدي ؟
فوقَّع (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يقتصر من وصيَّته على وصيَّته على الثلث من ماله، ويقسّم ذلك بين من أوصى له على قدر سهامهم إن شاء اللّه» (2).
وفي (التهذيب) أيضاً، بسنده عن الحسين بن مالك قال : كتبتُ إليه :
ص: 231
«رَجُلٌ مات، وترك كل شيء له - في حياته - لك، ولم يكن له ولد، ثم أنه أصاب بعد ذلك ولداً، ومبلغ ثلاث آلاف درهم، وقد بعثتُ إليك بألف درهم، فإن رأيتَ - جعلني اللّه فداك - أن تُعلمني فيه رأيك لا عمل به» ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أطلق لهم» (1).
أي أترك الباقي - وهو الثلثان – للورثة.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولعله الحسن بن محمد بن حي وقد ذكرناه.
المدائني، ولعله الحسن بن محمد المدائني، وقد ذكرناه فيما مضى.
الحضيني، الأهوازي، عدّه العلّامة فى (الخلاصة) من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
يكنّى أبا عبد اللّه، عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وروى عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد ذكرناه في كتاب الإمام الجواد وفي التهذيب بسنده عن حفص الجوهري قال : صلى بنا أبو الحسن علي بن محمد [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) صلاة المغرب، فسجد سجدة الشكر بعد السابعة (2).
ص: 232
فقلت له : كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة (1). فقال : ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السبعة (2).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
الخراساني، الدسوائي، ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد) ويروي عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما في (الكافي) عن حمدان بن إسحاق قال:
كان لي ابن، وكان تصيبه الحصاة، فقيل لي : ليس له علاج إلا أن تبطَّه. فبطَطْتُه، فمات، فقالت الشيعة : شركت في دم إبنك.
قال : فكتبت إلى أبي الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فوقَّع (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أحمد ليس عليك - فيما فعلت - شيءٍ إنما التمست الدواء، وكان أجله فيما فعلت(3).
أقول : هذا الرجل كان ابنه مصاباً بالحصاة في مثانته، فقيل له : ليس له علاج إلا العملية الجراحية، وهي شق الموضع لإخراج الحصاة.
فأجرى الرجل العملية الجراحية، وشقّ مثانة ابنه، فمات إبنه على أثر العملية، فقيل له : أنت السبب في قتل ابنك.
فكتب إلى الإمام يسأله، فأجابه الإمام بأنه ليست عليه مسؤولية تجاه ابنه، فإنه أدّى التكليف الشرعي لنجاة ابنه، ولكنه مات بلا
ص: 233
تقصير بل مات بأجله.
الزنجاني أو الريحاني، قزويني، ذكره البرقي في أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
النيسابوري، يكنى أبا سعيد أو أبا الخير، ثقة، وله مؤلفات عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وروى عن الإمام العسكري أيضاً، ونذكره في كتاب (الإمام العسكري).
في (الكافي) بسنده عن حمزة بن محمد قال : كتبت إلى أبي الحسن [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن الجسم والصورة ؟
فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء، لا جسم ولا صورة (1).
أقول : قد تكرر هذا السؤال عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الموضوع في ترجمة بشر بن بشار في حرف الباء.
ابن رشید، بغدادي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 234
في (إثبات الوصية) بسنده عن الخضر بن محمد البزاز - وكان شيخاً مستوراً ثقة، يقبله القضاة والناس - قال :
رأيتُ - في المنام - كأني على شاطىء الدجلة، بمدينة السلام [بغداد] في رحبة الجسر، والناس مجتمعون، خلق كثير يزحم بعضهم بعضاً، وهم يقولون : قد أقبل بيت اللّه الحرام.
فبينا نحن كذلك إذ رأيت البيت بما عليه من الستائر والديباج والقباطي (1) قد أقبل ماراً على الأرض يسير، حتى عبر الجسر من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي، والناس يطوفون به وبين يديه حتى دخل دار خزيمة...
فلما كان بعد أيام، خرجت في حاجة حتى انتهيت إلى الجسر، فرأيت الناس مجتمعين وهم يقولون : قد قدم ابن الرضا [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة.
ص: 235
فرأيته قد عَبَرَ من الجسر على شهري(1) تحته، كبير، يسير عليه سيراً رفيقاً، والناس بين يديه وخلفه، وجاء حتى دخل دار خزيمة بن حازم.
فعلمتُ أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها، ثم خرج إلى سُر من رأى.... الخ (2).
الفارسي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي (التهذيب) : رواية عن الخليل بن هاشم عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحتمل بعض الأعلام المعاصرين أنه الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
في (التهذيب) بسنده عن إبراهيم بن مهزیار قال : كتب الخليل بن هاشم إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«رجل سمع الوطا (3) والنداء في شهر رمضان، فظنّ أن النداء للسحور، فجامع، وخرج فإذا الصبح قد أسفر» ؟
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) - بخطه - : «يقضى ذلك اليوم إن شاء اللّه» (4).
ويوجد خليل بن هشام ويحتمل أن يكون متحداً مع خليل بن هاشم.
ص: 236
ويُقال : أنه خيران الخادم، ووصفه الكشي بالقراطيسي. ولعل الصحيح : الفراطيسي نسبة إلى فراطيس أمِّ الواثق.
روى في (الكافي) بسنده عن خيران الأسباطي قال : قدمتُ على أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك، خلفته في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به به، عهدي به منذ عشرة أيام.
قال : فقال [الإمام] لي : إن أهل المدينة يقولون : إنه مات!!
فلما أن قال لي «الناس» علمت أنه هو (1).
ثم قال لي : ما فعل جعفر ؟ [المتوكل].
قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن.
فقال : أما إنه صاحب الأمر (2)
ما فَعَل ابن الزيّات ؟
قلت : جعلت فداك، الناس معه، والأمر أمره.
فقال : إنه شوم عليه.
ثم سكت وقال لي : لا بُدَّ أن تجري مقادير اللّه تعالى وأحكامه.
يا خيران، مات الواثق، وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات!!.
فقلت : متى ؟ جعلت فداك.
ص: 237
قال : بعد خروجك لستة أيام (1).
وروى المجلسي في (البحار) عن (الخرائج) هذا الحديث بتغيير یسیر.
وفي التهذيب عن خيران الخادم قال :
كتبت إلى الرجل [الهادي] أسأله عن الثوب يصيبه الخمر، ولحم الخنزير، أيُصَلّى فيه أم لا ؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ؟
فكتب : «لا تُصَلِّ فيه، فإنه رجس»(2).
وفي الكافي مثله بأدنى تغيير.
الزاكاني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 238
النيسابوري، عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثقة، صادق اللهجة، من أهل الدين، وقد اختلف في ضبط اسم أبيه، فقيل داود بن أبي زيد وقيل : أبي يزيد، وقيل : زيد.
ويوجد في أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أفراد اسماؤهم : داود مع الإختلاف في أسماء آبائهم، واللّه العالم.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقد ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد).
في التهذيب : بسنده عن داود الصرمي قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قلت له : إني أخرج في هذا الوجه، وربما لم يكن موضع أصلّي فيه، من الثلج، فكيف أصنع ؟.
قال : إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه، وإن
ص: 239
لم يمكنك فَسَوَّه واسجد عليه (1).
وفي نسخة كتاب الكافي : «وفي حديث آخر : أسجد على ثوبك» (2).
وفي التهذيب أيضاً : بسنده عن داود الصرمي قال : سألته [الهادي ] عن شارب الخمر يُعطى من الزكاة شيئاً ؟
قال : لا (3).
وعنه أيضاً عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : يا داود إن الحرام لا يُنمى، وإن نمى لا يُبارك له فيه، وما أنفقه لم يؤجر عليه، وما خلفه كان زاده إلى النار (4).
وعنه أيضاً قال : قلت له اللإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إني زُرتُ أباك، وجعلت ذلك لكم.
فقال : لك من اللّه أجر وثواب عظيم، ومنّا المحمدة(5).
الأشعري، القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ابن إسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب (أبو هاشم الجعفري).
ص: 240
كان من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِم السَّلَامُ) ويُقال : إنه رأى الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً.
وبناءً على هذا فقد أدرك شرف صحبة خمسة من الأئمة الطاهرين (عَلَيهم السَّلَامُ) فقد ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد) وذكرنا بعض ما يتعلق به، ونذكر - هنا - أحاديثه التي رواها عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
1 - في البحار عن كتاب إعلام الورى عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت بالمدينة حتى مَرَّ بها بغا (اسم) قائد تركي من قواد المتوكل أيام الواثق في طلب الأعراب.
فقال أبو الحسن - الهادي - : أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبية هذا التركي. فخرجنا فوقفنا، فمرت بنا تعبيته، فمرَّ بنا تُركي، فكلّمه أبو الحسن - الهادي - بالتركية، فنزل - التركي - عن فرسه، فقبل حافر دابته (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال [أبوهاشم] : فحلفت التركي وقلت له : ما قال لك الرجل ؟
قال : هذا نبي ؟.
قلت : ليس بنبي.
قال : دعاني باسم سُمِّيتُ به في صغري في بلاد الترك، ماعلمه أحد إلا الساعة(1).
أقول : هذا الحديث يشير إلى الواقعة التي حدثت في سنة 230 من الهجرة في أيام الواثق، وهي أن عشيرة بني سليم كانوا يسكنون ضواحي المدينة المنورة، وكانوا يتطاولون على الناس بالشر، من قتل ونهب، وغير ذلك.
ص: 241
فخرج عامل [والي] المدينة لمحاربتهم، فانهزم بعض من كان معه،وبقي هو وأصحابه، فقتلهم بنو سليم.
فأرسل الواثق إليهم بغا التركي مع جيش كثير من الأتراك والمغاربة وغيرهم، فقتلوا من بني سليم جماعة، وأسروا منهم جماعة، وانهزم الباقون، وانكسرت شوكتهم.
وكانت تعبئة ذلك الجيش خارج المدينة المنورة، وخرج الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أبي هاشم الجعفري حتى ينظرا إلى تعبئة الجيش (1)
2 - وفي البحار عن الأمالي بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال : أصابتني ضيقة (أي فقر) شديدة (2)، فصرتُ إلى أبي الحسن علي بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأذن لي، فلما جلستُ قال : يا أبا هاشم أي نعم اللّه (عزّ وجلّ) عليك تريد أن تؤدّي شكرها ؟.
قال أبو هاشم : فَوجمتُ (أي سكتُّ)فلم أدر ما أقول له ؟.
فابتدأ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : رَزَقك اللّه الإيمان، فحرَّم بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فَصانك عن البتذّل.
يا أبا هاشم إنما ابتدأتُك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي مَن فَعَل بك هذا، وقد أمرتُ لك بمائة دينار، فَخُذها (3).
3 - وفي البحار عن الخرائج : روي أن أبا هاشم الجعفري كان منقطعاً إلى أبي الحسن - بعد أبيه أبي جعفر - الجواد - وجده الرضا (عَلَيهِم السَّلَامُ) -.
ص: 242
فشكا إلى أبي الحسن - الهادي - (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد، ثم قال : يا سيدي ادع اللّه لي، فَرُبَّما لم استطع ركوب الماء (1) فَسِرتُ إليك على الظهر (2) وما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع اللّه أن يقوّيني على زيارتك.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قواك اللّه - يا أبا هاشم - وقوّى بردونك!
قال الراوي : فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على ذلك البرذون، فيُدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى ويعود من يومه إلى بغداد - إذا شاء - على ذلك البرذون فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت (3).
4 - وعن (الخرائج) أيضاً عن يحيى بن زكريا الخزاعي عن أبي - هاشم الجعفري قال : خرجتُ مع أبي الحسن - الهادي - (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى ظاهر سرّ من رأى (4) يتلقى بعض القادمين فأبطأوا، فَطُرح لأبي الحسن - الهادي - (عَلَيهِ السَّلَامُ) غاشية السرج(5) فجلس عليها، ونزلت عن دابتي وجلستُ بين يديه، وهو يحدَّثني، فشكوت إليه قصر يدي (6) وضيق حالي، فأهوى بيده إلى رمل كان جالساً عليه فناولني منه كفاً، وقال : إتسع بهذا يا أبا هاشم، واكتم ما رأيت
فخبأته معي، ورجعنا فأبصرته فإذا هو يَقِد كالنيران ذهباً أحمر.
ص: 243
فدعوت صائغاً إلى منزلي، وقلت له : اسبك لي هذه السبيكة فسبكها وقال لي : ما رأيت ذهباً أجود من هذا، وهو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا ؟ فما رأيت أعجب منه، قلت : كان عندي قديماً(1).
أقول : في الحديث القدسي : قال اللّه تعالى : «عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشيء : كن فيكون كما أقول للشيء : كن فيكون».
5 - وعن الخرائج أيضاً : روى أبو هاشم الجعفري : : أَنه ظَهَرَ بِرَجُل - من أهل سر من رأى - بَرَضٌ، فتنغص عليه عيشه، فجلس يوماً إلى أبي علي الفهري فشكا إليه حاله فقال له : لو تعرضت(2) يوم-اً لأبي الحسن - الهادي - علي بن محمد بن الرضا (عَلَيهِم السَّلَامُ) فسألته أن يدعوا لك لرجوت أن يزول عنك.
فجلس - الرجل - له يوماً في الطريق، وقت منصرفه من دار المتوكل، فلما رآه قام ليدنو منه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيسأله ذلك.
فقال - الامام - : تَنَحّ عافاك اللّه، وأشار إليه بيده : تنح عافاك اللّه تنح عافاك اللّه. ثلاث مرات.
فأبعد الرجل، ولم يجسر أن يدنو منه، فانصرف، فلقي الفهري، فعرفه الحال وما قال (أي كلام الإمام) فقال الفهري : قد دعا لك قبل أن تسأله، فامض فإنك ستعافى.
فانصرف الرجل إلى بيته، فبات تلك الليلة، فلما أصبح لم يَرَ على بدنه شيئاً من ذلك.
أقول : إنما قال له الإمام : تَنَحٌ. تحفظاً على حياة الرجل،
ص: 244
فإن الإمام كان تحت الرقابة المشددة ومن الواضح أن كل من اقترب منه ستحدث له المشاكل من سلطة المتوكل.
6 - وفي الكافي - بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال:
بَعَثَ إليَّ أبو الحسن - الهادي - (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مرضه، وإلى محمد بن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة، وقد أخبرني محمد (بن حمزة) : ما زال - الإمام - يقول : إبعثوا إلى الخير ابعثوا إلى الخير (1).
فقلت لمحمد بن حمزة : ألا قلت له : أنا أذهب إلى الحير ؟.
ثم دخلت عليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقلت له : جعلت فداك أنا أذهب إلى الحير ؟.
فقال : انظروا في ذلك.
ثم قال لي : إن محمداً ليس له سرّ من زيد بن علي، وأنا أكره أن يسمع ذلك.
قال - أبو هاشم - : فذكرت ذلك لعلي بن بلال (2)فقال : ما يصنع بالحير وهو الحير ؟.
فقدمت العسكر (3) فدخلت عليه فقال لي : إجلس. - حين أردت القيام -.
فلما رأيته أنس بي ذكرتُ له قول علي بن بلال فقال لي : ألا قلت له : إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يطوف بالبيت
ص: 245
ويقبّل الحَجَر [الأسود] وحُرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت ؟
وأمره اللّه عزّ وجل أن يقف بعرفة، وإنما هي مواطن يحب اللّه أن يذكر فيها، فأنا أحب أن يُدعى اللّه لي حيث يحب اللّه أن يُدعى فيها.
وذكر (الجعفري) عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال : - ولم أحفظ عنه - قال : هذه مواضع يحبّ اللّه أن يُتعبد له فيها، فأنا أحب أن يُدعى لي حيث يحب اللّه أن يُعبد.
هلّا قلت له كذا (1)؟
قال - الجعفري - : قلت - للإمام - : جُعلتُ فداك. لو كنت أحسن (أي أعرف) مثل هذا لم أرد الأمر عليك»
هذه ألفاظ أبي هاشم ليست ألفاظه (أي ألفاظ الإمام) (2).
أقول : الحديث يحتاج إلى شيء من الشرح.
وخلاصة معنى الحديث - واللّه العالم - : أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) تمرَّض في سامرّاء، فأمر أن يبعثوا رجلاً إلى كربلاء المقدسة ليدعو له بالشفاء تحت قبة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسأل أبو هاشم الجعفري من الإمام : هل نبعث محمد بن حمزة إلى الحائر ليدعو لك؟.
فقال الإمام: إن محمداً لا يكتم سرّه من زيد بن علي الذي كان معاصراً للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وليس المقصود من زيد بن علي - هنا - هو زيد الشهيد المصلوب ابن الإمام زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 246
بل هو زيد بن علي ابن حفيد زيد الشهيد، وكان في زمن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولعله لم يكن على ما يرام من حيث العقيدة، أو كان يتعاطف مع المتوكل العباسي.
وكانت بينه وبين محمد بن حمزة (المذكور في هذا الحديث) علاقات وروابط، فكره الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إرسال محمد بن حمزة إلى كربلاء، لأن الإمام كان يعلم أن محمد بن حمزة سوف بخبر زيد بن علي بذلك، وهذا ما لا يرتضيه الإمام الهادي لحكمة يعلمها هو ونجهلها نحن.
ولهذا قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن محمداً (أي محمد بن حمزة) ليس له سِرّ من زيد بن علي وأنا أكره أن يسمع ذلك، أي أكره أن يسمع زيد بن علي بأنا بعثنا محمد بن حمزة إلى كربلاء للدعاء تحت قبة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وأخيراً التقى أبو هاشم الجعفري بعلي بن بلال (وكان من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ)) وطلب منه أن يتوجه إلى كربلاء ليدعو للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالشفاء تحت قبة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وكانوا يعبرون عن كربلاء بالحائر، فقال علي بن بلال : «وما يصنع بالحائر وهو الحائر» أي لماذا هذا التكلّف للدعاء ؟ ولماذا السفر إلى كربلاء لقصد استجابة الدعاء تحت قبة الإمام الحسين ؟.
فالخاصية الموجودة تحت قبة الإمام الحسين موجودة عند الإمام الهادي، أي إن دعاء الإمام يستجاب قطعاً، فإذا سأل الإمام ربه أن يشفيه استجاب اللّه دعاءه.
ما كان علي بن بلال يفهم الحكم والمصالح في إرسال الإمام رجلاً إلى كربلاء للدعاء ولهذا قال : وما يصنع بالحائر ؟ وهو الحائر
ص: 247
وأخيراً ذكر أبو هاشم الجعفري كلام علي بن بلال للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأجابه الإمام بعدم المنافاة بين كون الإمام مستجاب الدعوة وبين أن يبعث رجلاً ليدعو له تحت قبة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأن اللّه تعالى يحب أن يُدعى في أماكن شريفة خاصة، ومنها عند قبر الإمام الحسين الذي قد عوضه اللّه عن قتله أن جعل الشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته والأئمة من ذريته.
7 - وفي إكمال الدين بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن - الهادي - صاحب العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول :
الخلف بعدي إبني الحسن، فكيف لكم بالخَلَف من بعد الخلف ؟.
فقلت : ولِمَ ؟ جعلني اللّه فداك.
فقال : لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه.
قلت : فكيف نذكره ؟.
قال: قولوا : الحجة من آل محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )(1).
8- وفي (الكافي) بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال : كنتُ عند أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعدما مضى إبنه أبو جعفر السيد محمد] وإني لأفكر في نفسي، أريد أن أقول : كأنهما - أعني أبا جعفر وأبا محمد - في هذا الوقت كأبي الحسن موسى، وإسماعيل ابني جعفر بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأن قصتهما كقصتهما(2).
إذ كان أبو محمد المُرجى بعد أبي جعفر.
فأقبل عَلَيَّ أبو الحسن قبل أن أنطق فقال : نعم يا أبا هاشم،
ص: 248
بدا للّه في أبي محمد بعد أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما لم يكن يُعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدَّثتك نفسك، وإن كره المبطلون.
وأبو محمد إبني : الخلف من بعدي، عنده علم ما يُحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة (1).
توضيح : كان للإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن يُقال له : إسماعيل، وكان أكبر أولاد الإمام، وكانت الشيعة تظن أنه هو الإمام بعد أبيه (2)، ولكن إسماعيل مات في حياة أبيه، وانكشف للناس أن الإمام هو أبو الحسن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا إسماعيل.
وكذلك أبو جعفر (السيد محمد) بن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)كان أكبر أولاده، وكان الناس يتصورون أنه الإمام بعد أبيه، ولكنه توفّي أيضاً في حياة أبيه : الإمام الهادي، فانكشف للناس أن الإمام هو الحسن العسكري.
وأبو هاشم الجعفري كان يتفكر في نفسه أن قصة السيد محمد والإمام الحسن العسكري تشبه قصة إسماعيل والإمام موسى بن جعفر ابني الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) من هذه الناحية، فأخبره الإمام الهادي بما فكر في نفسه، وأخبره بأن اللّه تعالى أظهر للناس شيئاً كانوا يجهلونه، وهو إمامة الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومعه آلة الإمامة» أي : مواريث الأنبياء وجميع مختصات الإمام، والشروط والعلامات التي يجب توفّرها فيه
9 - وفي كتاب (فردوس (الأخبار) لابن شيرويه.
ص: 249
عن أبي هاشم العسكري (الجعفري قال : سألت صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لِمَ سُمِّيت فاطمة : الزهراء ؟.
فقال : كان وجهها يزهر الأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي.
10 - وعن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن صاحب العسكر [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) فجاء صبي من صبيانه، فناوله وردة، فقبلها ووضعها على عينيه، ثم ناولنيها وقال : يا أبا هاشم من تناول وردة أو ريحانة فقبلها ووضعها على عينيه ثم صلّى على محمد وآل محمد - الأئمة - كتب اللّه له الحسنات مثل رمل عالج (1) ومحا عنه من السيئات مثل ذلك (2).
11 - وعن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إن اللّه عزّ وجلّ جعل من أرضه بقاعاً تسمّى المرحومات، أحب أن يُدعى فيها فيجيب، واللّه عز وجل جعل من أرضه بقاعاً تسمّى المنتقمات، فإذا كسب الرجل مالاً من غير حِل، سلّط اللّه عليه بقعة منها، فانفقه فيها (3)
12 - وعن أبي هاشم الجعفري قال : كنت مع أبي الحسن - الهادي - (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في السفينة في دجلة، فحضرت الصلاة، فقلت : جعلت فداك نصلّي جماعة؟
قال : لا تصل في بطن وادٍ جماعةً (4).
أقول : الظاهر أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) شبَّه عُمقَ السفينة
ص: 250
بعمق الوادي الواقع بين جبلين ولا تنتظم صفوف الجماعة في بطن الوادي لعدم استواء الأرض، واللّه العالم.
13 - وعن أبي هاشم الجعفري قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن رجل أبق مملوكه (1) يجوز أن يعتقه في كفارة الظهار (2) ؟.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لا بأس، ما لم يعرف منه موتاً.
قال أبو هاشم : وكان سألني نصر بن عامر القمي أن أسأله بذلك (3).
14 - وعن أبي هاشم الجعفري قال : ظهَرَتْ في أيام المتوكل امرأة تدَّعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال - لها - المتوكل : أنتِ امرأة شابة، وقد مضى من وقت رسول اللّه ما مضى من السنين؟
فقالت : إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مَسَحَ على رأسي، وسأل اللّه أن يردّ شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية، فلحقتني الحاجة [الفقر] فصرت إليهم.
فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب، وولد العباس، فعرفهم حالها فروى جماعة وفاة زينب بنت فاطمة في سنة كذا.
فقال لها : ما تقولين في هذه الروايات ؟.
قالت : كذب وزُور فإن أمري كان مستوراً من الناس، فلم يُعرف لي موت ولا حياة!!.
ص: 251
فقال لهم المتوكل : هل عندكم الحجة على هذه المرأة غير هذه الرواية ؟
فقالوا : لا.
فقال : أنا بريء من العباس أن أتركها عما ادعت إلَّا بِحُجّة.
قالوا : فأحضر علي بن محمد الهادي ] فلعل عنده شيئاً من الحجة غير ما عندنا.
فبعث إليه، فحضر، فأخبره بخبر المرأة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كذبت، فإن زينب توفيت في شهر كذا في سنة كذا في يوم كذا.
قال [المتوكل] : فإن هؤلاء [المشايخ ] قد رووا مثل هذا، وقد حلفت أن لا أتركها عما ادعت إلا بحجة تلزمها.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فَهُنا حُجَّةَ تُلزمها، وتلزم غيرها.
قال [المتوكل] : وما هي ؟.
قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لُحُوم وُلد فاطمة حرام على السباع.
فقال [المتوكل] لها : ما تقولين ؟.
قالت : إنما يريد قتلي!.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ها هنا جماعة من ولد الحسن والحسين، فأنزل من شئت منهم.
قال [الراوي] فواللّه لقد تغيرت وجوه الجميع [من أولاد الحسن والحسين].
فقال - بعض المبغضين - : هو [الإمام] يحيل على غيره، ولم لا يكون هو ؟.
فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب [ تفترسه السباع] من غير
ص: 252
أن يكون له [للمتوكل] في أمره صُنع [محاولة لقتله].
فقال [المتوكل] : يا أبا الحسن لم لا تكون أنت ؟.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ذلك إليك
قال : فافعل.
قال : أفعل إن شاء اللّه.
فأتي بِسُلَّم، وفُتِحَ عن السباع - فكانت ستة من الأسود - فنزل أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليها، فلما دخل وجلس صارت الأسود إليه، وَرَمَت بأنفسها بين يديه، ومدت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه وجعل يمسح على كل واحد منها بيده، ثم يشير إليها بالإعتزال فتعتزل في ناحية حتى اعتزلت كلها، وقامت بإزائه.
فقال له الوزير : ما هذا صواباً، فبادر بإخراجه من هناك، قبل أن ينتشر خبره.
فقال [المتوكل] له : يا أبا الحسن، ما أردنا بك سوءاً، وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت، فأحب أن تصعد.
فقام [الإمام] وصار إلى السُلَّم، وهم حوله يتمسحون بثيابه، فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها فاشار بيده أن ترجع، فرجعت.
وصعد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثم قال :
«كل من زعم أنه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس».
فقال لها المتوكل : انزلي.
قالت : اللّه اللّه، ادعيت الباطل، وأنا بنت فلان، حملني الضر على ما قلت.
ص: 253
قال المتوكل : ألقوها إلى السباع. فاستوهبتها منه والدته (1).
ولأبي هاشم الجعفري أبيات في حق الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حينما مرض الإمام واعتلّ :
مادت الأرض بي وأدت فؤادي***واعترتني موارد العَرواء
حين قيل : الإمام يضوِّ، عليلٌ (2)***قلت : نفسي فَدَته كل الفداء
مَرضَ الدين لاعتلالك، واعتلّ***وغارت له نجوم السماء ع
عَجَباً أن مُنيتَ بالداء والسقم***وأنت الإمام، حسم الداء
أنت آسي(3) الأدواء في الدين***والدنيا، ومحيي الأموات والأحياء
روى ابن شهر أشوب في (المناقب) والراوندي في (الخرائج) بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فكلَّمني بالهندية، فبهتُ (4) فلم أحسن أن أرد عليه، وكان بين يديه ركوة (5) ملأى حصاً فتناول حصاةً واحدةً، ووضعها في فيه ومَصَّها مَليّاً، ثم رمى بها إليَّ، فوضعتها في فمي، فواللّه ما برحتُ من عنده حتى تكلَّمتُ بثلاثة وسبعين لساناً [ لغةً] أوَّلُها : الهندية (6).
أيها القارىء الكريم : لقد تحققت هذه المعجزة - لأبي هاشم الجعفري - على يد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وببركته، ولكي لا تستغرب من هذه الحقيقة، فإننا نذكر بعض النماذج المشابهة لهذه المعجزة :
1 - «كان زاذان (ويكنى أبا عمرة أو أبا عمرو الفارسي) من خواص أصحاب الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعن كتاب
ص: 254
(الخرائج والجرائح) أنه روى سعد روى سعد الخفّاف، عن زاذان أبي عمرو :
قال : قلتُ : يا زاذان إنك لتقرأ القرآن، فتحسن قراءته، فعلى من قرأت ؟ فتبسم ثم قال : إن أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب] (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَرَّ بي وأنا أنشد الشعر، وكان لي حلق حسن، فأعجبه صوتي، فقال : يا زاذان فَهَلا بالقرآن (1) ؟.
قلت : يا أمير المؤمنين، فكيف لي القرآن ؟ فواللّه ما أقرأ منه إلا بقدر ما أصلي به قال : فادنُ منّي. فدنوت منه، فتكلم في أذني بكلام ما عرفته، ولا علمتُ ما يقول، ثم قال : إفتح فاك. فَتَفَلَ في فيَّ [فمي] فواللّه ما زالت قدمي من عنده حتى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه، وما احتجت أن أسأل عنه أحداً بعد موقفي ذلك.
قال سعد : فَقَصَصتُ قصة زاذان على أبي جعفر [الإمام الباقر] (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : صَدَقَ زاذان، إن أمير المؤمنين دعا لزاذان بالإسم الأعظم الذي لا يُرَدّه.
2 - «هشام بن محمد بن السائب الناسب الكلبي، العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا، وله الحديث المشهور، قال : إعْتَلَلتُ [مرضتُ] عِلَّةً عظيمةً، نَسيتُ علمي فجئتُ (2) إلى جعفر بن محمد [الإمام الصادق] (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسقاني العِلم في كأس فعاد إليَّ علمي: (3).
3- وقد وقعت - في زماننا - واقعة عجيبة جداً، نذكرها مع رعاية الاختصار والايجاز.
ص: 255
في قرية ساروق من ضواحي مدينة فراهان (في إيران) كان شاب اسمه كاظم، وكان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، وكان يعيش مع والديه، وفي سنة من تلك السنين جاءهم عالم ديني للوعظ والإرشاد، فذكر لهم مسائل وجوب الزكاة على الذين يملكون الأشياء التي تجب فيها الزكاة.
وكان والد ذلك الشاب لا يدفع زكاة أمواله، فطلب الشاب من أبيه أن يدفع الزكاة الواجبة عليه، فامتنع أبوه عن ذلك، فاعتزل الشاب أباه، وكان لا يأكل من طعام أبيه، وبعد المحاولات الكثيرة دفع إليه أبوه مقداراً من الحنطة حتى يزرعها لنفسه، ويستقل في حياته ومعيشته، فدفع كاظم زكاة تلك الحنطة إلى مستحقيها، وزرع ما بقي منها.
وكان في تلك القرية مرقدان لبعض ذرية الأئمة (عَلَيهم السَّلَامُ) ويعبر عنهم ب(إمام زاده) وكان كاظم قد فرغ من حصاد زرعه وتوجه نحو القرية فرأى رجلين في سنّ الشباب، عليهم زي العلويين (السادة) وقد علا وجوههم النور والجمال، فسلّم عليهما وقال : هل تريدان زيارة المرقدين ؟ قالا : نعم. فرافقهما كاظم إلى المرقد الأول، ثم إلى المرقد الثاني وهناك قالا له : إقرأ الكتابة الموجودة على سقف المرقد، فقال كاظم : لا أعرف القراءة والكتابة فقالا له : انظر إلى الكتيبة (المكتوبة فوق) تعرف الكتابة فرأيت كتيبة ما رأيتها قبل ذلك اليوم ولا بعده، وقد كتبت بخط أبيض نوراني بصورة مستديرة على سقف المرقد : «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».
ص: 256
ثم تقدم إليَّ أحدهما ومسح يده على وجهي وأمرها على صدري، وقرأ سورة الحمد، ثم نفخ، ووضع القرآن في صدري (أي حفظت القرآن فوراً)، فأغمي عَلَيَّ، ثم أفقتُ.
ثم يذكر وصول هذا الخبر إلى عالم القرية، وإن-ه امتحن الشاب فوجده حافظاً للقرآن كله، وهكذا انتشر الخبر في البلاد، فكانوا يمتحنونه، ويسألونه الآية الفلانية في أية سورة ؟ فيجيبهم فوراً، ويسألونه عن السُّوَر الكبار والصغار، فيقرأ بسرعة، وجاء إلى العراق فامتحنه علماء كربلاء والنجف فوجدوه آية لقدرة اللّه تعالى. والحديث مفصل جداً وقد لخصناها رعاية للكتاب.
وتوفي قبل سنوات، وقبره معروف في المقبرة المعروفة في قم المقدسة.
وقد طبعت - في هذه السنوات - كراسة عليها صورته وصورة قبره، وشيء من ترجمة حياته.
وقد ذكرنا هاتين الروايتين وهذه القصة، شاهداً على الخبر المذكور المروي عن أبي هاشم الجعفري الذي استطاع أن يتكلم بثلاثة وسبعين لغة ببركة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعجزته، وليعلم القارىء أن هذه حقيقة واقعية وليست اسطورة ولا خرافة ولا كذب.
لقد احتمل بعض الأعلام أن داود بن يزيد هو داود بن زيد أو أبي زيد، ولكن في (التهذيب) تصريح بهذا العنوان :
فقد روى بسنده عن علي بن مهزيار قال : سأل داود بن يزيد أبا الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن القراطيس والكواغذ (1) المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا ؟ فكتب : يجوز (2).
ص: 257
العبرتائي، الكاتب، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وله رسالة تسمّى (المقنعة في أبواب الشريعة).
333118 - الريان بن الصلت :
الأشعري، القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال فيه : البغدادي، ثقة، خراساني الأصل، ويستفاد من أحاديثه أنه أدرك الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً.
ص: 258
في (البحار) عن (الخرائج) بسنده عن زرافة قال :
أراد المتوكل أن يمشي علي بن محمد بن الرضا [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم السلام فقال له وزيره : إن في هذا شناعة عليك، وسوء قالة، فلا تفعل.
قال : لا بد من هذا .
فقال [الوزير] : فإن لم يكن بد من هذا فتقدَّم بأن يمشي القُوّاد والأشراف كلّهم، حتى لا يظنّ الناس أنك قصدته بهذا دون غيره.
ففعل، ومشى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان الصيف، فوافى [الإمام] الدهليز، وقد عرق.
قال : فلقيته، فأجلسته في الدهليز، ومسحت وجهه بمنديل، وقلت : ابن عمّك [المتوكل] لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد [فلا تغضب] عليه في قلبك!.
فقال : أيهاً عنك «تمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب»(1).
ص: 259
قال زرافة : وكان عندي معلّم يتشيّع، وكنت كثيراً أمازحه بالرافضي، فانصرفت وقت العشاء، وقلت : تعال يا رافضي حتى أحدِّثك بشي سمعته - اليوم - من إمامكم.
قال لي : وما سمعت ؟
فأخبرته بما قال.
فقال : أقول لك، فاقبل نصيحتي.
قلت : هاتها.
قال : إن كان علي بن محمد [الهادي] قال بما قلت، فاحترز، واخزن كل ما تملكه، فإن المتوكل يموت أو يُقتل بعد ثلاث أيام!!.
فغضبت عليه، وشتمته وطردته من بين يدي فخرج.
فلما خلوت بنفسي، تفكرت وقلت : ما يضرني أن آخذ بالحزم؟ فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرّني ذلك.
قال : فركبت إلى دار المتوكل، فأخرجتُ كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه.
فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل، وسلمت أنا ومالي، وتشيّعت عند ذلك، فصرتُ إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي، وتواليته حق الولاية(1).
ويُروى هذا الحديث - عن زرافة - بطريق آخر، ذكره السيد ابن طاووس في (مهج الدعوات) بسنده عن زرافة حاجب المتوكل، وكان
شيعياً أنه قال :
ص: 260
كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده، وقُربه خاقان عنده، وقُربه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله، وأراد أن يبين موضعه عندهم، فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله، وغيرهم والوزراء والأمراء، والقوّاد، وسائر العساكر، ووجوه الناس أن يزيّنوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عُدَدِهم وذخائرهم، ويخرجوا مُشاةً بين يديه، وأن لا يركب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة، بِسُرَّ من رأى.
ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم، رجالة، وكان يوماً قائظاً شديد الحَرّ، وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وشقّ عليه ما لقيه من الحرِّ والزحمة.
قال زرافة : فأقبلت إليه، وقلت له : يا سيدي يعز - واللّه - عَلَيَّ ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة.
وأخذت بيده، فتوكأ عَلَيَّ، وقال : يا زرافة، ما ناقة صالح عند اللّه بأكرم مني، أو قال : بأعظم قدراً مني ؟!
ولم أزل أسائله، واستفيد منه، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب، وأمر الناس بالإنصراف، فَقُدِّمَت إليهم دوابهم، فركبوا إلى منازلهم، وقدّمت بغلة له (عَلَيهِ السَّلَامُ) فركبها، وركبت معه إلى داره، فنزل وودّعته وانصرفت إلى داري.
ولِوَلَدي مؤدب يتشيّع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادة بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك، فتجارينا الحديث، وما جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرتُ له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) وما سمعته من قوله : «ما ناقة صالح عند اللّه بأعظم مني».
وكان المؤدّب يأكل معي، فرفع يده [عن الطعام] وقال : باللّه
ص: 261
إنك سمعت هذا اللفظ منه ؟
فقلت له : واللّه إني سمعته يقول.
فقال لي : إعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام، ويهلك، فانظر في أمرك، وأحرز ما تريد إحرازه، وتأهب لأمرك، كي لا يفجأكم هلاك هذا الرجل، فتهلك أموالكم بحادثة تحدث، أو سَبَب يجري.
فقلت له : من أين لك ذلك ؟.
فقال لي : أما قرأت القرآن في قصة الناقة وقوله تعالى : «تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ» ؟.
ولا يجوز أن يبطل قول الإمام.
قال زرافة : فواللّه ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا، ووصيف والأتراك على المتوكل، فقتلوه، وقطعوه والفتح بن خاقان جميعاً حتى لم يُعرف أحدهما من الآخر، وأزال اللّه نعمته ومملكته.
فلقيت الإمام أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ذلك، وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : صَدَق [المؤدب] إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا، هي أعزّ من الحصون والسلاح والجُنَن، وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه اللّه.
فقلت : يا سيدي إن رأيت أن تُعَلِّمنيه. فعلمنيه، وهو :
اللّهم إني وفلان ابن فلان (1) عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرنا وعلانيتنا،
ص: 262
وتطلع على نياتنا، وتحيط بضمائرنا، عِلمُك بما نُبديه كعلمك بما تخفيه، ومعرفتك بما نُبطنه كمعرفتك بما نُظهره، ولا ينطوي عنك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يُحصننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منا، ولا يمتنع الظالم منك بسلطانه، ولا يجاهدك عنه جنوده، ولا يغالبك مُغالب بمنعةٍ، ولا يعارك متعزّز بكثرةٍ.
أنت مُدركُهُ أين ما سلك، وقادر عليه أين لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك، وتوكَّلُ المقهور منا عليك، ورجوعه إليك، ويستغيث بك إذا خذله المغيث، ويستصرخك إذا قعد عنه النصير، ويلوذ بك إذا نَفَتهُ الأفنية، ويطرق بابك إذا أغلقت دونه الأبواب المرتجة، ويصل إليك إذا احتجبت عنه الملوك الغافلة، تعلم ما حَلَّ به قبل أن يشكُوهُ إليك، وتعرف ما يُصلحه قبل أن يدعوك له.
فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.
اللّهم إنه قد كان في سابق علمك، ومُحكم قضائك، وجاري قدرك وماضي حكمك، ونافذ مشِيَّتك في خلقك أجمعين : سعيدهم وشقيهم، وبَرِّهم وفاجرهم، أن جعلت لفلان بن فلان عليَّ قدرة فظلمني بها، وبغى عَلَيَّ لمكانها وتعزّز بسلطانه الذي خوّلته إياه، وتجبر عَلَى عُلُو حاله التى جعلتها له، وغَرَّهُ إملاوك له، وأطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، وتغمّدني بِشَرٌ ضعفتُ عن احتماله، ولم أقدر على الانتصار منه لضعفي والانتصاف منه لِذُلّي، فَوَكلْتُه إليك، وتوكلت في أمره عليك، وتوعدته بِعُقُوبتك، وحذرتُه سطوتك وخوفتُه نَقِمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، وحَسِبَ أن إملاءك له من عجز، ولم تنهه واحدة عن أخرى، ولا انزجر عن ثانية بأولى، ولكنه تمادى في غيه، وتتابع في ظلمه، ولَجُ في عدوانه، واستشرى في طغيانه جرأة عليك، يا
ص: 263
سيدي، وتعرَّضاً لسخطك الذي لا تردُّه عن الظالمين، وقلة إكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.
فها أنا ذا - يا سيدي - مُستضعَفُ في يديه، مستضام تحت سلطانه، مُستذَلُّ بِعَنائه، مغلوب، مبغي عليَّ، مغضوب، وَجِلٌ، خائف، مُرَوّع، مقهور قد قل صبري، وضاقت حيلتي، وانغلقت عليَّ المذاهب إلا إليك، وانسدَّت عليَّ الجهات إلَّا جَهَتُك، والتبست على أموري في دفع مكروهه عني، واشتبهت عليَّ الآراء في إزالة ظلمه، وخَذَلني من استنصرتُه من عبادك، وأسلمني من تعلَّقتُ به مِن خلقك طُرّاً، واستشرت نصيحي فأشار إليَّ بالرغبة إليك، واسترشدت دليلي فلم يدلّني إلا عليك، فرجعت إليك - يا مولاي - صاغراً، راغماً، مستكيناً، عالماً أنَّه لا فَرَجَ إلا عندك، ولا خلاص لي إلا بك، اتنجز وعدك في نصرتي وإجابة دعائي، فإنك قلت - وقولك الحق الذي لا يردّ ولا يبدل - : «وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ». وقلت - جل جلالك، وتقدست أسماؤك - : «ادعُونِي أِستَجِب لَكُم».
وأنا فاعل ما أمرتني به، لا مَناً عليك، وكيف أمُنُّ به وأنت عليه دللتني، فصلّ على محمد وآل محمد، فاستجب لي كما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد.
وإني أعلم - يا سيدي - أن لك يوماً تنتقم فيه من الظالم للمظلوم وأتيقن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لأنك لا يسبقك معاند، ولا يخرج عن قبضتك منابذ، ولا تخاف فوت فائتٍ، ولكن جَزَعي وهَلَعي لا يبلغان الصبر على أناتك، وانتظار حلمك، فقدرتك عليَّ - يا سيدي ومولاي - فوق كل قدرة، وسلطانك غالب على كل سلطان ومَعادُ كل أحدٍ إليك وإن أمهلته، ورجوع كل ظالم إليك وإن أنظرته، وقد أضرني - يا ربّ - حلمك عن فلان بن فلان
ص: 264
وطول أناتك له، وإمهالك إياه، وكاد القنوط يستولي عَلَيَّ لولا الثقة بك، واليقين بوعدك.
فإن كان في قضائك النافذ، وقدرتك الماضية أن يُنيب أويتوب أو يرجع عن ظلمي، ويكُفَّ مكروهه عني، وينتقل عن عظيم ما ركب مني، فَصَلِّ اللّهم على محمد وآل محمد، وأوقع ذلك في قلبه الساعة الساعة، قبل إزالة نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وتكديره معروفك الذي صنعته عندي.
وإن كان في علمك غير ذلك من مُقام على ظلمي، فأسألك - يا ناصر المبغي عليه - إجابة دعوتي، فصل على محمد وآل محمد، وخُذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، وافجأه في غفلته مُفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وافضض عنه جموعه وأعوانه ومزق ملكه كل ممزّق، وفرّق أنصاره كل مُفرَّق، وأعرِهِ من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يُجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، وأبره يا الأمم الظالمة، واخذله يا خاذِل الفئات الباغية وابتر عُمرَه، وابتز مُلكه، وعَفٌ أثره، واقطع خَبَرَه، وأطف ناره، وأظلم نهاره، وكَوِّر شَمسَه، وأزهق نفسه وأزهق نفسه، واهشِمٍ شِدَّته، وجُبَّ سَنامه وأرغم أنفه وعجل حتفه ولا تدع له جُنَّةً إلا هتكتها، ولا دعامة إلا قصمتها، ولا كلمة مجتمعةً إلا فرقتها، ولا قائمة عُلُوّ إِلَّا وضعتها، ولا رُكناً إلا وَهَتَه، ولا سبباً إلا قطعته، وأرنا أنصاره وجنده وأحباءه وأرحامه عباديد (1) بعد الألفة، وشَتّى بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة، واشف بِزَوال أمره القلوب المنقلبة الوَجِلة، والأفئدة اللَّهفَة، والأمَّة المتحيّرة، والبريّة الضائعة، وأدل ببواره الحدود المعطلة، والأحكام المهملة والسُنَن الدائرة، والمعالم
ص: 265
المغيرة، والتلاوات المتغيرة، والايات المحرفة، والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفُوة، والمساجد المهدومة.
وارح الأقدام المتعبة، وأشبع به الخماص الساعية، وارو به اللهواتِ اللاغبة، والأكباد الظامية، واطرقهُ بلَيلَةٍ لا أخت لها، وساعة لا شفاء منها وبنكبة لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها، وأبح حريمه، ونغص نعيمه، وأرِهِ بَطشتك الكبرى، ونقمتك المثلى، وقدرتك التي هي فوق كل قدرة، وسلطانك الذي هو أعزّ من سلطانه، واغلبه لي بِقُوَّتك القويّة، ومحالك الشديد وامنعني منه بمنعتك التي كل خلق فيها ذليل، وابتله بفقر لا تجبره، وبسوءٍ لا تستره.
وَكِلْهُ إلى نفسه فيما يريد، إنك فعّال لما تريد، وابرأه من حولك، وقوتك، وأحوجه إلى حوله وقوته، وأذلّ مكره، وادفع مشيئته بمشيئتك، واسقم جسده، وأيتم ولده، وانقص أجَلَه، وخَيب أمله، وأزل دولته، وأطل عولته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكه من حُزنه، وصيّر كيده في ضلال، وأمره إلى زوال، ونعمته إلى انتقال، وَجِدَّه في سفال، وسلطانه في اضمحلال، وعاقبته إلى شرِّ مال، وأمته بغيظه إذا أمنه، وأبقه لخزيه إن أبقيته، وقِني شرَّه وهَمَزَه ولَمزه وسطوته وعداوته، والمحهُ لَمحةً تُدمّر بها عليه، فإنّك أشدّ بأساً وأشدُّ تنكيلاً، والحمد للّه رب العالمين (1).
عدّه السروي في (المناقب) من وكلاء الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ص: 266
ابن زيد بن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يستفاد من الحديث الذي رواه الشيخ المفيد في (الارشاد) والكليني في (الكافي) أنه كان في أيام الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ويمكن أن يكون المقصود من (زيد) في حديث أبي هاشم الجعفري حول زيارة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو هذا.
في (الكافي) بسنده عن محمد بن علي قال : أخبرني زيد بن علي بن زيد قال : مرضتُ، فدخل الطبيب عَلَيَّ، فوصف لي دواء بليل أخذه كذا وكذا يوماً، فلم يمكنني [شراء الدواء].
فلم يخرج الطبيب من الباب حتى وَرَدَ عَلَيَّ نصر بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي : أبو الحسن [الهادي] يقرئك السلام ويقول لك : خُذ هذا الدواء كذا وكذا يوماً.
فأخذته فشربته، فبرئت(1).
ص: 267
الاصبهاني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وله كتاب
وفي كتاب (الدر النظيم) : وكتب السري بن سلامة إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) سأله عن الغالية، وما يدعون إليه، وما يُتخوّف من مَعَرّتهم (1) على ضعف إخوانه [ في العقيدة] وسأله الدعاء له ولإخوانه في ذلك، فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«عَدَلَ اللّه (2)عنكم ما سلكوا فيه من الغلوّ، فَحَسِبُهُم أن تبرّأ اللّه عز وجل وأولياؤه منهم، وجَعَلَ اللّه ما أنتم عليه مستقراً، ولا جعله مستودعاً وثبتكم بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، ولا أضلّكم بعد إذ هداكم، وأحمد اللّه كثيراً، وأشكره».
وفي كتاب (من لا يحضره الفقيه) عن السري عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنه قال : يكره السفر والسعي
ص: 268
في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز يتبرّك به (1).
المعروف بالملاح، يكنى أبا الحسن أو أبا الحسين.
في كتاب (المناقب) لابن شهر آشوب، روى عنه أنه :
قال : دلَّني أبو الحسن [الهادي] وكنتُ واقفياً، فقال لي : إلى كم هذه النومة ؟ أما لك أن تنتبه منها ؟.
فَقَدَح في قلبي شيئاً، وغُشِيَ عَلَيَّ، وتبعتُ الحق(2).
وفي (المناقب) أيضاً عن سعيد بن سهل البصري قال :
كان لبعض أولاد الخليفة وليمة، فدعا أبا الحسن فيها، فلما رأوه أنصتوا إجلالاً له، وجعل شاب في المجلس لا يوقره، وجعل يلغط ويضحك.
فقال [الإمام] له : ما هذا الضحك ملء فيك [فمك] ؟ وتذهل عن ذكر اللّه، وأنت بعد ثلاثة أيام من أهل القبور!.
فكفَّ عما هو عليه، وكان كما قال (أي مات بعد ثلاثة أيام)(3).
وعن سعيد الملاح أيضاً : اجتمعنا في وليمة، فجعل رجل يمزج، فأقبل أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) على جعفر بن القاسم بن هاشم البصري فقال : أما إنه لا يأكل من هذا الطعام وسوف يَرِدُ عليه من خبر أهله ما يُنغِّص عليه عيشه!!
ص: 269
فلما قُدَّمت المائدة أتى غلامه باكياً، إن أمه وقعت من فوق البيت وهي بالموت (1).
فقال جعفر : فقلت : واللّه لا وقفت بعد هذا. وقطعت عليه (أي اعتقدت بإمامته)(2).
في كتاب (ثاقب المناقب) بسنده عن الحسن بن محمد بن جمهور العمّي : سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال :
دخلتُ على سعيد بن الصالح الحاجب، فقلت : يا أبا عثمان! قد صرتُ من أصحابك (وكان يتشيّع).
فقال : هيهات!.
فقلت : بلى واللّه.
فقال : وكيف ذلك ؟.
قلت : بعثني المتوكل، وأمرني أن أكبس (3) على علي بن محمد ابن الرضا، وأنظر ما يفعل ؟.
ففعلت ذلك، فوجدته يصلّي، فبقيتُ حتى فرغ.
فلما انفصل عن صلاته أقبل عَلَيَّ وقال :
يا سعيد! لا يكف عني جعفر [المتوكل] حتى يُقطَّع إربا إرباً، إذهب واعزب (4) - وأشار بيده -
ص: 270
فخرجت مرعوباً، ودخلني من هيبته مالا أحسن أن أصفه.
فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية (1)فسألت عنه فقيل : قُتِل المتوكل. فرجعنا وقلتُ بها (2).
بن الجهم بن بكير بن أعين، الزراري.
يظهر من كلام حفيده أبي غالب أنه كان جليلاً ومرجعاً للشيعة، وأنه أول من نُسب إلى زرارة بالقرابة، نَسَبه إليه الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في توقيعاته، كان إذا ذكره في توقيعاته إلى غيره قال : «الزراري» وكان الإمام يكاتبه في أمور له بالكوفة وبغداد.
ويدل ذلك على أنه كان من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
المروزي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِم السَّلَامُ) ويروي عن الإمام الهادي أحاديث نذكر بعضها :
في (التهذيب) بسنده عن محمد بن عيسى قال : حدَّثني سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه [الإمام الهادي] قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرین متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يُدرك فضل يومه (3).
أقول : المراد أن يصبح الرجل جُنُباً متعمداً، بأن ينتبه قبل
ص: 271
الفجر مرتين ولا يغتسل. ثم ينام إلى الصبح، كما هو المشهور عند الفقهاء أو يجنب فيبقى جنباً عمداً حتى يطلع الفجر.
وفي (التهذيب) أيضاً بسنده عن سليمان بن حفص المروزي قال : سمعته [أي : الإمام [الهادي] يقول : إن لم تجد من تضع [تعطي] الفطرة فيه، فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة [صلاة العيد].
والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم(1).
وفي (التهذيب) أيضاً عن سليمان بن حفص المروزي قال : كتبت إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) في سجدة الشكر ؟.
فكتب إليَّ : «مائة مرة : شكراً شكراً، وإن شئت : عفواً عفواً»(2).
وفي (التهذيب) عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه [الإمام الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «المريض إنما يصلّي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي - مقدار صلاته إلى أن يفرغ – قائماً» (3).
وفي (التهذيب) عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال أبو الحسن الأخير [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إيّاك والنوم بين صلاة الليل والفجر، ولكن ضجعة بلا نوم، فإن صاحبه لا يُحمد على ما قدَّم من صلاته (4).
وفي (التهذيب) عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يجب على المسافر أن يقول - في
ص: 272
دُبر كل صلاة يقصر فيها - : سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ثلاثين مرة لتمام الصلاة(1).
أقول : كلمة : «يجب» في هذا الحديث لعله مُصحِّف : «يستحب» إذ لم يقل أحد من الفقهاء بوجوب هذه التعقيبات في صلاة المسافر وغيرها.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
المروزي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
في (الأمالي) بسنده قال : حدَّثني سميلة (سلمة خ ل) الكاتب كان قد عمل أخبار سُرَّ من رأى قال :
كان المتوكل يركب إلى الجامع ومعه عدة ممن يصلح للخطابة، وكان فيهم رجل من وُلد العباس بن محمد، يلقب ب (هريسة) وكان أحد الأشرار فقال - يوماً - للمتوكل :
ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد!!
فلا يبقى في الدار إلا من يخدمه، ولا يُتعبونه بشيل ستر (2) ولا فتح باب، ولا شيء!
وهذا إذا علمه الناس قالوا : لو لم يعلم [المتوكل] استحقاقه
ص: 273
[الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) للأمر [الإمامة] ما فعل [المتوكل] به هذا، دَعه! إذا دخل - يشيل الستر لنفسه ويمشي كما يمشى غيره - فتمسه بعض الجفوة (1).
فتقدّم [المتوكل ] (2) أن لا يُخدَم [الإمام] ولا يُشال بين يديه سنر.
وكان المتوكل ما رُؤيَ أحد - ممن يهتم بالخبر - مثله.
قال : فكتب صاحب الخبر إليه :
«إن علي بن محمد [الهادي] دخل الدار، فلم يُخدَم، ولم يَشِل أحد بين يديه ستراً، فهَب هواء رفع الستر له فدخل
فقال [المتوكل] : إعرفوا خبر خروجه.
فذكر صاحب الخبر : أن هواءً خالف ذلك الهواء، شال الستر له حتى خرج.
فقال [المتوكل] : ليس نريد هواء يشيل الستر. شيلوا الستر بين يديه (3).
توضيح الخبر: كان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذا ذهب إلى دار المتوكل تقدّم الحَرَس لخدمته ورفع الستائر المعلّقة على أبواب الحجرات، وفتح أبوابها له حتى يدخل وهكذا كانوا يفعلون عند خروجه (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ومن الواضح أن كل من يرى هذا التعظيم والإحترام من الحرس للإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يتصور أن المتوكل هو الذي أمرهم بذلك، وهذا يدل على استحقاق الإمام للخلافة، وعلى هذا الأساس تقدم ذلك
ص: 274
الخبيث الملقب ب(هريسة) ليُذكِّر المتوكل بما يجري في قصره من تجليل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فأمر المتوكل الحرس أن لا يقوموا بأي عمل عند دخول الإمام وخروجه من دار المتوكل، فلما جاء الإمام هَب هواء شديد ورفع الستر عالياً حتى دخل الإمام، فكتب إليه أحد الجواسيس بالأمر، فأمر المتوكل أن يراقبوا الإمام عند خروجه من تلك الأبواب، فكتب إليه الجاسوس : إن الهواء هَب على جهة مخالفة للجهة الأولى ورفع الستائر عالياً حتى خرج الإمام، فأمر المتوكل أن يرفعوا له الستائر حتى لا تظهر هذه الكرامة له من هبوب الهواء ورفع الستر له.
عدّه - في جامع الرواة - من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
الأدمي، الرازي، يكنّى أبا سعيد، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقد وثقه الشيخ الطوسي، وضعفه ابن الغضائري.
وفي (الكافي) بسنده عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا قال : قال أبو الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) - لبعض قهار مته (1) : إستكثروا لنا من الباذنجان، فإنه حارّ وقت الحرارة، وبارد في وقت البرد، معتدل في الأوقات كلها، جيد في كل حال(2)
وفي (الدر النظيم) : قال سهل بن زياد : كتب إليه بعض
أصحابنا يسأله أن يُعلّمه دعوة جامعة للدنيا والآخرة، فكتب إليه :
ص: 275
«أكثر من الإستغفار والحمد، فإنك تدرك بذلك الخير كلّه».
وروى الكشي بسنده عن سهل بن زياد الأدمي قال :
كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : جعلت فداك يا سيدي، إن علي بن حسكة يدعي أنه من أوليائك، وأنك أنت الأول القديم! وأنه بابك ونبيك! أمرته أن يدعو إلى ذلك!
ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك، ومعرفة من كان في مثل ابن حسكة فيما يدعي من النيابة والنبوة!
ويدَّعي : مَن كان في مثل حال ابن حسكة فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصوم والصلاة والحج، وذكر جميع شرائع الدين وأن معنى ذلك كله ما ثبت لك!
ومال إليه ناس كثير، فإن رأيتَ أن تَمنَّ على مُواليك بجواب في ذلك ينقذهم من الهلكة ؟»
قال : فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ).
كَذبَ ابن حسكة، عليه لعنة اللّه، وتحسبك أني لا أعرفه في مُوالي، ماله ؟ لعنه اللّه
فو اللّه ما بعث اللّه محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنيفية والصلاة والزكاة والحج والصيام والولاية ؛
وما دعا محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا إلى اللّه وحده لا شريك له، وكذلك نحن - الأوصياء من وُلده - عبيد اللّه، لا نشرك به شيئاً، إن أطعناه رَحِمَنا، وإن عصيناه عذَّبنا، ما لَنا على اللّه من حُجّةٍ، بل الحجّة للّه (عزّ وجلّ) علينا وعلى جميع خلقه
ص: 276
أبرأ إلى اللّه ممن يقول ذلك، وأنتفي (1) إلى اللّه (عزّ وجلّ) من هذا القول.
فاهجروهم، لعنهم اللّه، وألجأوهم إلى ضيق الطريق، فإن وجدت من أحد منهم خلوة فاشدخ (2) رأسه بالصخرة».
أقول : إن علي بن حسكة القمي، كان ضالاً مُضلاً، يعتقد باعتقادات فاسدة، وقد أمر الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) شيعته بالبراءة منه.
وفي البحار عن كتاب (التوحيد) بسنده عن محمد بن جعفر البغدادي عن سهل، عن أبي الحسن (الهادي) العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال :
«إلهي، تاهت أوهام المتوهمين، وقصر طرف الطارفين وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى عُلوّك.
فأنت في المكان الذي لا تتناهى، ولم يقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة، هيهات ثم هيهات.
يا أوليُّ، يا وحداني، يا فرداني، شمختَ في العُلُو بعزّ الكبر، وارتفعت من وراء كل غورة ونهاية بجبروت الفخر (3).
ذكره الكشي في ترجمة فارس بن حاتم القزويني، بأنه كان من المراسلين إلى الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) حول فارس بن حاتم.
ص: 277
الملقب بأبي نواس، وإنّما لُقب بأبي نواس لأنه كان يُظهر الطيبة والتخالع، ليُظهر التشيع على الطيبة، فيأمن على نفسه، فَسَموه بأبي نواس الشاعر الخلاعي المعروف
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قال: كنت أخدم الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِسُر من رأى، وأسعى في حوائجه، وكان يقول - إذا سمع من يُلقبني بأبي نواس - : أنت أبو نواس الحق ومَن تَقدَّمَك أبو نواس الغي والباطل...).
وفي (الأمالي) بسنده عن المنصوري، عن سهل بن يعقوب بن إسحاق، الملقب بأبي نواس، المؤدب فى المسجد المعلّق فى صُفّة سبيق بِسُرَّ من رأى قال المنصوري :
وكان يلقب بأبي نواس. لأنه كان يتخلع ويتطيب معي، ويظهر التشيع على الطيبة فيأمن على نفسه.
فلما سمع الإمام [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقبي بأبي نواس قال : يا أبا السري أنت أبو نؤاس الحق، ومن تقدمك أبو نواس الباطل.
قال : فقلت له ذات يوم: يا سيدي قد وقع لي [كتاب] إختيارات الأيام عن سيدنا الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) مما حدَّثني به الحسن بن عبد اللّه بن مطهر عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه ، عن سيدنا الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كل شهر (1) فأعرضه عليك ؟.
فقال لي : افعل.
ص: 278
فلما عرضته عليه، وصححته قلت له : يا سيدي في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد (1) لِما ذكر فيها من التحذير والمخاوف. فتدلني على الإحتراز من المخاوف فيها، فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها ؟
فقال لي : يا سهل إنّ لشيعتنا بولايتنا لعصمة، لوسلكوا بها في لجّة البحار الغامرة، وسباسب البيد الغائرة (2)بين سباع وذئاب وأعادي الجنّ والإنس لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا.
فَثِق باللّه عزّ وجلّ، وأخلص في الولاء لإئمتك الطاهرين فتوجه حيث شئت، واقصد ما شئت.
إذا أصبحت وقلت - ثلاثاً - :
«أصبحت - اللّهم - معتصماً بذمامك وجوارك المنيع، الذي لا يُطاوَل، ولا يُحاول، من شرّ كل طارق وغاشم، من سائر من خلقت وما خلقت من خلقك الصامت والناطق، في جُنْةٍ من كل مخوف بلباس سابغة هو وِلاءُ أهل بيت نبيك، مُحتجزاً من كل قاصد لي أذِيَّةَ بجدار حصين : الإخلاص في الإعتراف بحقهم، والتمسك بحبلهم جميعاً، مُوقِناً أن الحق لهم ومعهم، وفيهم وبهم.
الي مَن والوا، وأجانب من جانبوا.
فَاعِذني - اللّهم - بِهم من شر كلّ ما أَتَّقِيهِ يا عظيم.
حَجَرْتُ الأعادي عني ببديع السموات والأرض، إنا جعلنا من بين أيديهم سداً، ومن خلفهم سدّاً، فأغشيناهم فهم لا يبصرون».
ص: 279
وقلتها عشياً، ثلاثاً، حصلت في حصن من مخاوفك، وأمن من محذورك.
فإذا أردت التوجه في يوم قد حُذِّرت فيه [من الأيام الممنوعة ] فقدَّم أمام توجهك :
الحمد للّه رب العالمين [سورة الحمد] والمعوذتين، وآية الكرسي، وسورة القدر وآخر آية في سورة آل عمران (1) وقل :
«اللّهم بكِ يصول الصائل، وبقدرتك يطول الطائل، ولا حول لكل ذي حول إلا بك، ولا قوة يمتازُها ذو قوة إلا منك.
بصفوتك من خلقك، وخيرتك، وخيرتك من بريتك : محمد نبيّك، وعترته وسُلالته، عليه وعليهم السلام، صلّ عليهم، واكفني شر هذا اليوم وضَرَرَه وارزقني خيره ويُمنه، واقض لي في متصرفاتي بحسن العاقبة، وبلوغ المحبة، والظفر بالأمنية، وكفاية الطاغية الغَوِيّة، وكلِّ ذي قدرةٍ لي على أذيّة، حتى أكون في جُنّة وعصمةٍ من كل بلاء ونقمة
وأبدلني من المخاوف أمناً، ومن العوائق فيه يُسراً، وحتى لا يصُدَّني صادُّ عن المراد، ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد.
إنك على كل شيء قدير، والأمور إليك تصير، يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(2)
ص: 280
الجلاب أو الحلال، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وفي كتاب (الغيبة) للطوسي، بسنده عن شاهويه بن عبد اللّه الجلاب قال : كنتُ رُوِيتُ عن أبي الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أبي جعفر [السيد محمد] إبنه روايات تدل عليه [ على إمامته ].
فلما مضى [مات] أبو جعفر قلقتُ لذلك، وبقيت متحيراً، لا أتقدم ولا أتأخر، وخِفْتُ أن أكتب إليه في ذلك، فلا أدري ما يكون.
فكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرج اللّه عنا : في أسباب من قبل السلطان، كنا نعتم بها في غلماننا.
فرجع الجواب بالدعاء، ورد الغلمان، وكتب في آخر الكتاب :
أردت أن تسأل الخَلَف عن بعد مُضيّ [وفاة] أبي جعفر [السيد محمد] وقلقت لذلك، فلا تغتم فإنّ اللّه لا يُضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يُبين لهم ما يتقون.
ص: 281
صاحبكم بعدي : أبو محمد ابني، وعنده ما تحتاجون إليه، يقدّم ما يشاء (1) ويؤخّر ما يشاء، ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان».
وفي (الكافي شيء من هذا الحديث مع تغيير يسير (2) وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بأبي جعفر وهو السيد محمد بن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ترجمة أحمد بن محمد بن عبد اللّه، في حرف الألف من هذا الكتاب)
ص: 282
في كتاب أمان الأخطار بسنده عن أبي محمد القاسم بن العلا المدائني، قال :
حدَّثنا خادم لعلي بن محمد [الهادي] قال : إستأذنته [الإمام] في الزيارة إلى طوس [لزيارة مرقد الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)] فقال [الإمام] لي : يكون معك خاتم فضه عقيق أصفر، مكتوب عليه : «ما شاء اللّه، لا قوة إلا باللّه، استغفر اللّه وعلى الجانب الآخر : «محمد وعلي».
فإنه أمان من القطع في الطريق من اللصوص وأتم للسلامة، وأصونُ لدينك.
قال : فخرجت، وأخذت خاتماً على الصفة التي أمرني بها ثم رجعت إليه لوداعه فودَّعتُه وانصرفتُ، فلما بَعُدتُ عنه أمَرَ بِرَدّي، فرجعت إليه فقال : يا صافي قلت : لبيك يا سيدي قال : وليكن معك خاتم آخر فیروزج، فإنه يلقاك في طريقك أسد، بين طوس القافلة ونيشابور، فيمنع من المسير، فتقدّم إليه وأرِهِ الخاتم، وقل
ص: 283
له : مولاي يقول لك : تنع عن الطريق.
ثم قال : وليكن نقشه (1) : «اللّه المَلِك» وعلى الجانب الآخر : «المُلك للّه الواحد القهار» فإنه خاتم أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان عليه «اللّه الملك» فلما وُلَّي الخلافة نَقش على خاتمة : «المُلك للّه الواحد القهار».
وكان فصُّه فيروزجاً، وهو أمان من السباع خاصة، وظَفَرٌ في الحروب.
قال [صافي] الخيادم : فخرجت في سفري، فلقيني - واللّه - السبع، ففعلتُ ما أمِرتُ، ورجعت وحدثته، فقال [الإمام] لي : بقيت عليك خصلة لم تحدَّثني بها، إن شئتَ أحدّثك بها!.
فقلت : يا سيدي، حدَّثني بها، لَعَلّي نسيتها.
فقال : نعم، بتَّ ليلةً بطوس عند القبر [قبر الإمام الرضا] فصار إلى القبر قوم من الجنّ لزيارته، فنظروا إلى الفُصّ في يدك، وقرأوا نقشه، فأخذوه من يدك وصاروا به إلى عليل لهم، وغسلوا الخاتم بالماء، وسقوه [العليل] ذلك الماء، فبرأ.
فَردُّوا الخاتم إليك، وكان في يدك اليمنى، وصيّروه في يدك اليسرى فكثر تعجبك من ذلك ولم تعرف السبب فيه.
ووجدت عند رأسك حَجَراً ياقوتاً، فأخذته وهو مَعَك، فاحمله إلى السوق، فإنك ستبيعه بثمانين ديناراً، وهي هدية القوم [الجن] إليك.
[قال] : فحملته إلى السوق، فبعته بثمانين ديناراً كما قال سيدي(2).
ص: 284
الديلمي، قال النجاشي : صنف كتاباً في الإمامة، كبيراً حديثاً وكلاماً، وسماه كتاب (الاحتجاج).
وله حديث رواه عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مذكور في (الاختصاص) و (تاريخ قم) ولا يخلو من غموض، وإليك نصّ الحديث كما في (الاختصاص) :
روى علي بن محمد العسكري عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
ولما أسري بي إلى السماء الرابعة، نظرت إلى قبة من لؤلؤ، لها أربعة أركان، وأربعة أبواب كأنها من إستبرق أخضر.
قلت : يا جبرئيل، ما هذه القبة التي لم أرَ في السماء الرابعة أحسن منها ؟.
فقال : حبيبي محمد، هذه صورة مدينة يُقال لها : «قم، يجتمع فيها عباد اللّه المؤمنون، ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة والحساب، يجري عليهم الغم والهم والأحزان والمكاره»
قال : فسألت علي بن محمد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : متى ينتظرون الفرج ؟ قال : إذا ظهر الماء على وجه الأرض(1).
الرازي، واختلف في اسم أبيه : هل هو سلمة أو مسلمة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِم السَّلَامُ).
ص: 285
لم يذكر علماء الرجال صالح بن سعيد من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولكن في (الكافي) رواية تدل على أنه كان من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
روى الكليني في الكافي) بسنده عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت له : جعلت فداك، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك، والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع، خان الصعاليك ؟.
فقال : ههنا أنت يا بن سعيد ؟.
ثم أوما بيده وقال : أنظر : فنظرت، فإذا بروضات آنقات، وروضات باسرات، فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء، وأنهار تفور.
فحار بصري، وحسرت عيني، فقال : حيث كنا فهذا لنا عتيد، لسنا في خان الصعاليك(1).
أقول : هذا نوع من المكاشفات، وتجسُّم المعاني، وإنما يعرف هذه الأمور أهل المعنى والمكاشفات.
بياع السابري (2) قد ذكرنا - في حرف السين، في ترجمة سميلة الكاتب - خبر هبوب الريح ورفع الستر للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند دخوله وخروجه من حجرات قصر المتوكل.
وعن صالح بن الحكم أنه قال :
ص: 286
كنت واقفياً (1)، فلما أخبرني حاجب المتوكل بذلك أقبلتُ استهزىء به، إذ خرج أبو الحسن، فتبسّم في وجهي من غير معرفة بيني وبينه، وقال :
«يا صالح، إن اللّه تعالى قال - في سليمان - : «فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ» ونبيّك وأوصياء نبيك أكرم على اللّه تعالى من سليمان»
قال [ صالح بن الحكم] : وكأنما، انسلّ من انسل من قلبي الضلالة فتركت الوقف(2).
ابن عمر بن بزيع، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
الهمداني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
أو أبي دلف، يوجد رجلان بهذا الإسم : الصقر بن دلف والصقر بن أبي دلف الكرخي، ومن المحتمل أنهما رجل واحد لا إثنان، وعلى كل فقد روى في (البحار) عن (علل الشرائع، والخصال) بسنده عن الصقر بن أبي دلف قال :
لما حمل المتوكّل سيدنا أبا الحسن العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) جئتُ أسأل عن خبره.
ص: 287
قال : فنظر إليّ الزرافي (1) وكان حاجباً للمتوكل فأمر أن أدخل إليه [ إلى زرافة ] فادخلت إليه فقال : يا صقر ما شأنك ؟
فقلت : خير أيها الأستاذ.
فقال : أقعد.
فأخذني ما تقدَّم وما تأخّر (2) وقلت : أخطأت المجيء.
قال : فوحى [صرف] الناس عنه، ثم قال لي : ما شأنك، وفيم جئت ؟ قلت : لخير ما.
فقال : لعلك تسأل عن خبر مولاك ؟
فقلت له : ومَن مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين [المتوكل].
فقال : أسكت، مولاك الحق، فلا تحتشمني، فإنني علیمذهبك!!
فقلت : الحمد للّه.
فقال : أتحب أن تراه ؟.
قلت : نعم.
قال : إجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده.
قال : فجلستُ، فلما خرج [صاحب البريد] قال - لغلام له - : خُذ بيد الصقر، وأدخله الحُجرة التي فيها العلوي، المحبوس، وخَلِّ بينه وبينه.
قال : فأدخلني إلى الحجرة، وأوما إلى بيت، فدخلت، فإذا هو [ الإمام] جالس على صدر حصير، وبحذاه [بجنبه] قبر محفو.ر
ص: 288
قال : فسلّمت عليه، فردَّ عَلَيَّ [السلام] ثم أمرني بالجلوس، ثم قال : يا صقر ما أتى بك ؟ قلت : سيدي جئت أتعرف خبرك.
قال : ثم نظرت إلى القبر، فبكيت، فنظر إلي فقال : يا صقر، لا عليك لن يصلوا إلينا بِسُوء - الآن -. فقلت : الحمد للّه.
ثم قلت : يا سيدي! حديث يُروى عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لا أعرف معناه. قال : وما هو ؟ فقلت : قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «لا تعادوا الأيام فتعاديكم» ما معناه ؟.
قال : نعم، الأيام نحن، ما قامت [دامت السموات والأرض.
فالسبت : رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
والأحد : كناية عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
والإثنين : الحسن والحسين.
والثلاثاء : علي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد.
والأربعاء : موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن على، وأنا.
والخميس : إبني الحسن.
والجمعة : ابن ابني، وإليه تجمع عصابة الحق، وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً.
فهذا معنى الأيام، فلا تعادوهم في الدنيا، فيعادوكم في الآخرة.
ثم قال : وَدع واخرج، فلا آمن عليك (1)
ص: 289
وفي (إكمال الدين) بسنده عن الصقر بن دُلَف قال : سمعتُ علي [الهادي] بن محمد [الجواد] بن علي الرضا (عَلَيهم السَّلَامُ) يقول : الإمام بعدي الحسن، ومن بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً.
وفي عيون الأخبار بسنده عن الصقر بن دلف قال : سمعت سيدي علي بن محمد بن علي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : من كانت له إلى اللّه حاجة اللّه حاجة، فلْيَزُر قبر جدي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطوس وهو على غُسل، وليصل عند رأسه ركعتين، وليسأل اللّه حاجته في قنوته، فإنه يستجيب له، ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم
وإن موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة، لا يزورها مؤمن إلا اعتقه اللّه من النار، واحله إلى دار القرار» (1).
ص: 290
ابن أبي عون، الغسّاني، المعروف بالعوني، يكنّى أبا محمد
عدّه في الفصول (المهمة من شعراء الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وترجمه ابن شهر آشوب في (معالم العلماء) في طبقة الشعراء المجاهرين في مديح أهل البيت، وجعله عديل السيد الحميري، وقال : إن العوني قد نظم أكثر المناقب، ويتهمونه بالغلو، وإكثاره لنظم المناقب صار منشأ هذه التهمة، مع نزاهة ساحته عنه.
وقد أورد ابن شهر آشوب كثيراً من شعره، واستخرجه السماوي منه مع بعض متفرقات أخر من شعره، جَمَعَها ورتبها في ديوان، يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتاً ومنها قصيدته المخمَّسة الموسومة بالمذهبَّة كما في (الذريعة)(1).
ص: 291
قمي عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِم السَّلَامُ)
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويستفاد من كتاب الاحتجاج - للطبرسي - أنه أدرك صحبة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً :
قال العباس بن هلال : سألت أبا الحسن علي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ اللّه نور السماوات والأرض ؟.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هادي من في السماوات وهادي من في الأرض.
ذكره الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحتمل بعض الأعلام المعاصرين أنه ابن طيفور.
ص: 292
المتطبّب، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي (التهذيب) بسنده عن ابن طيفور المتطبب قال : سألني أبو الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أي شيء تركب ؟.
فقلت : حماراً.
فقال : بكم ابتعته ؟ [اشتريته]
قلت : بثلاثة عشر ديناراً.
فقال : إن هذا هو السرف أن تشتري حماراً بثلاثة عشر ديناراً، وتدع برذوناً.
قلت : يا سيدي إن مؤنة البرذون أكثر من مؤنة الحمار. فقال : إن الذي يُموّن الحمار هو الذي يموِّن البرذون (1).
أما تعلم أنه من ارتبط دابّةً، متوقِّعاً بها أمرنا، ويغيظ به عدوِّنا وهو منسوب إلينا أدر اللّه رزقه، وشَرَحَ صدره، وبلغه أمله وكان عوناً على حوائجه (2).
القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
القمّي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 293
عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ). وقبره في مدينة الري - من ضواحي طهران في إيران - وهو المعروف بالشاه عبد العظيم، وله مزار مشيّد يقصده آلاف الناس للتبرك بزيارته والتوسل به إلى اللّه تعالى لقضاء الحوائج.
وقال بلغ من الفقه والتقوى والجلالة درجة عالية بحيث جعله الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مرجعاً لأهل الري، يسألونه عن أحكام الدين ومسائل الحلال والحرام.. وهذا ما تعرفه من الحديث التالي :
عن أبي حمّاد الرازي قال : دخلت على علي [الهادي] بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ب(سرّ من رأى) فسألته عن أشياء من الحلال والحرام، فأجابني فيها، فلما ودعته قال : يا أبا حمّاد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك، فسل فسل عنه عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، وأقرأه مني السلام(1).
ولم يكتف الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك، بل حرّض على زيارة قبر عبد العظيم بعد وفاته، فقد روى الصدوق عن محمد بن يحيى العطار عمن دخل على أبي الحسن علي بن محمد [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أهل الري قال : دخلت على أبي الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أين كنت ؟.
قلت : زرتُ الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقال : أما أنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)(2).
ص: 294
ويستفاد من هذا الحديث وغيره أنه توفي في أيام الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا في أيام الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما اشتبه الأمر على بعض الأعلام، بسبب اتحاد كنية الإمام الرضا والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
هذا.. وقد ذكرنا.. في كتابنا عن الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) - بعض ما رواه عبد العظيم الحسني عنه، والآن نذكر بعض ما رواه عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
1 - في (الكافي) بسنده عن عبد العظيم بن عبد اللّه قال : سمعتُ أبا الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخطب بهذه الخطبة :
«الحمد اللّه العالم بما هو كائن من قبل أن يدين له من خلقه دائن، فاطر السماوات والأرض، مؤلّف الأسباب بما جرت به الأقلام، ومضت به الأحتام (1) من سابق علمه، ومقدّر حكمه.
أحمده على نِعَمِه، واعوذ به من نقمه، واستهدي اللّه الهدى وأعوذ به من الضلالة والرَّدي، مَن يهد اللّه فقد اهتدى، وسلك الطريقة المثلى، وغنم الغنيمة العظمى.
ومَن يُضلل اللّه فقد حاد عن الهدى، وهوى إلى الرّدى.
وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى، ووليه المرتضى، وبعيثه بالهُدى.
أرسله على حين فترة من الرُّسُل، واختلاف من الملل وانقطاع من السُبُل، ودُرُوس من الحكمة، وطموس من أعلام الهدى والبينات، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأدّى الحقَّ الذي عليه، وتُوفَّي فقيداً محموداً.
ص: 295
ثم إن هذه الأمور كلها بيد اللّه، تجري إلى أسبابها ومقاديرها، فأمر اللّه يجري إلى قَدَرِه، وقدَرُه يجري إلى أجله، وأجله يجري إلى كتابه، ولكل أجل كتاب، يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب.
أما بعد : فإن اللّه - جل وعزَّ - جعل الصهر مألفةً للقلوب ونسبة المنسوب، أوشجّ به الأرحام، وجعله رأفة ورحمة، إن في ذلك لآيات للعالمين.
وقال - في محكم كتابه - : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا» وقال : «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ».
وإن فلان بن فلان ممَّن قد عرفتم منصبه في الحسب، ومذهبه في الأدب، وقد رغب في مشاركتكم، وأحب مصاهرتكم، وأتاكم خاطباً فتاتكم فلانة بنت فلان، وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا، العاجل منه كذا والأجل منه كذا، فشفّعوا شافِعَنا، وأنكحوا خاطبنا، ورُدّوا ردّاً جميلاً، وقولوا قولاً حسناً، واستغفر اللّه لي ولكم ولجميع المسلمين(1)
وروى الصدوق في (التوحيد) بإسناده عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني عن الإمام علي بن محمد [الهادي] عن أبيه محمد بن علي [الجواد] عن أبيه الرضا علي بن موسى (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستقبله موسى بن جعفر فقال [أبو حنيفة ] له : يا غلام ممّن المعصية ؟.
قال : [الإمام ] : لا تخلو من ثلاث :
1 - إمّا أن تكون من اللّه عز وجل وليست منه، فلا ينبغي للكريم أن
ص: 296
يعذّب عبده بما لا يكتسبه.
2 - وإما أن تكون من اللّه عزّ وجلّ ومن العبد، وليس كذلك، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف.
3 - وإما أن تكون من العبد، وهي منه فإن عاقبه اللّه فَبِذَنبه وإن عفا عنه فيكرمه وجوده (1).
3 - وروى الصدوق أيضاً في (معاني الأخبار) بإسناده عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال : سمعت علي بن محمد العسكري [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : معنى الرجيم : إنه مرجوم باللعن مطرود من مواضع الخير، لا يذكره مؤمن إلا لعنه.
وإنّ في علم اللّه السابق أنه إذا خرج القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا يبقى مؤمن في زمانه إِلا رَجَمَة [ رَجَمَ المؤمن إبليس] بالحجارة. كما كان قبل ذلك مرجوماً باللعن(2).
4 - وروى الصدوق أيضاً في (علل الشرائع) بإسناده عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال : حدَّثني علي بن محمد العسكري [الهادي] عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر عن أبيه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
«يُكره للرجل أن يجامع في أوّل ليلة من الشهر، وفي وسطه، وفي آخره، فإنه مَن فَعَلَ ذلك خرج الولد مجنوناً
ألا ترى أن المجنون أكثر ما يُصرع في أول الشهر ووسطه وآخره ؟.
ص: 297
5 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من تزوّج والقمر في العقرب لم يُر الحسنى.
6 - وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من تزوّج في محاق الشهر فليُسلّم لسقط الولد» (1).
7 - وفي (أمالي الصدوق) بسنده عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن علي الهادي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
لما كلّم اللّه - عزّ وجلّ - موسى بن عمران (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال موسیٰ :
إلهي! ما جزاء من شهد أني رسولك ونبيك، وأنك كلمتني ؟.
قال : يا موسى! تأتيه ملائكتي، فتبشره بجنّتي.
قال موسى : إلهي! فما جزاءً مَن قام بين يديك يُصلّي ؟.
قال : يا موسى: أباهي به ملائكتي، راكعاً وساجداً، وقائماً وقاعداً، ومَن باهيت به ملائكتي لم أعذِّبه
قال موسى : إلهي! فما جزاء من أطعم مسكيناً ابتغاء وجهك ؟.
قال: یا موسى! آمر منادياً ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق : «إن فلان بن فلان من عُتَقاء اللّه من النار».
قال موسى : إلهي! فما جزاءُ مَن وصل رَحِمَه ؟.
قال : يا موسى، أنسى له،أجله وأهون عليه سكرات الموت ويناديه خزنة الجنة : هلم إلينا، فادخل من أي أبوابها شئت
ص: 298
قال موسى : إلهي! فما جزاء من كفَّ أذاه عن الناس، وبَذَل معروفه لهم ؟.
قال : یا موسیٰ! تناديه النار - يوم القيامة - : لا سبيل لي عليك
قال : إلهي! فما جزاءُ مَن ذَكَرك بلسانه وقلبه ؟.
قال : يا موسى! أَظِلُه يوم القيامة بظل عرشي، وأجعله في كنفي.
قال : إلهي! فما جزاء من تلا حكمتك سراً وجهراً ؟.
قال : يا موسى! يمر على الصراط كالبرق
قال : إلهي! فما جزاء من صبر - على أذى الناس - وشتمهم - فيك ؟
قال : أعينه على أهوال القيامة.
قال : إلهي! فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك؟
قال : يا موسى أقي [أحفظ] وجهه من حَرِّ النار، وأؤمنه يوم الفزع الأكبر.
قال : إلهي! فما جزاء من ترك الخيانة حياءً منك؟.
قال : يا موسى! له الأمان يوم القيامة.
قال : إلهي! فما جزاء من أحب أهل طاعتك ؟.
قال : يا موسى! أحرمه على ناري.
قال : إلهي! فما جزاء من دعا نفساً كافرة إلى الإسلام ؟
قال : يا موسى! آذن له في الشفاعة لمن يريد.
قال : إلهي! فما جزاءُ مَن صلى الصلوات لوقتها ؟.
ص: 299
قال : أعطيه سؤله، وأبيحه جنّتي.
قال : إلهي! فما جزاء من أتمَّ الوضوء من خشيتك ؟.
قال : أبعثه يوم القيامة وله نوربين عينيه يتلألأ.
قال : إلهي! فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسباً ؟
قال : يا موسى! أقيمُهُ يوم القيامة مقاماً لا يخاف فيه.
قال : إلهي! فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس ؟!.
قال : یا موسی! ثوابه كثواب مَن لم يَصُمهُ» (1).
8- في (البحار) عن كتاب (التوحيد) بسنده عن عبد العظيم الحسني قال : دخلت على سيدي : علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) فلما بَصُرَ بي قال مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت ولينا حقّا.
قال : فقلت له : يابن رسول اللّه! إني أريد أن أعرض عليك دِيني فإن كان مرضيّاً ثَبَتُ عليه حتى ألقى اللّه عز وجل.
قال : هاتها يا أبا القاسم.
فقلت : إني أقول : إن اللّه تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء خارج من الحدين : حدّ الإبطال، وحد التشبيه(2)، وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مُجسّم الأجسام، ومُصور الصُوَر وخالق الأعراض والجواهر، ورَبُّ كل شيء ومالكه وجاعله ومُحدِثه وأن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين، فلا نبيَّ بعده إلى يوم القيامة.
ص: 300
وأقول : إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين، ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ومن بعدي : الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟
قال : فقلت : وكيف ذلك يا مولاي ؟.
قال : لأنه لا يُرى شخصه، ولا يحلُّ ذكره باسمه حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلما وجوراً.
قال : فقلت : أقررتُ، وأقول : إن وليهم وليُّ اللّه، وعدوِّهم عدو اللّه، وطاعتهم طاعة اللّه، ومعصيتهم معصية اللّه.
وأقول : إن المعراج حق، والمساءلة في القبر حق، وأن الجنة حق والنار حق، والصراط حق، والميزان حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور.
وأقول : إن الفرائض الواجبة - بعد الولاية - : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمد [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا القاسم! هذا - واللّه - دين اللّه الذي ارتضاه لعباده، فاثبت، ثبتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة(1)
9 - وفي (البحار) عن كتاب علل الشرائع بسنده عن عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : إنما اتَّخذ اللّه إبراهيم خليلاً لكثرة صلاته على محمد وأهل بيته
ص: 301
(صلوات اللّه عليهم) (1).
10 - وفي (عيون الأخبار) بسنده عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال : سمعتُ علي بن محمد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول :
«أهل قم، وأهل آبة مغفور لهم، لزيارتهم لجدّي على بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بطوس، ألا : ومَن زاره فأصابه في طريقه قطرة من السماء حَرَّم اللّه جَسَدَه على النار» (2).
الجميري، القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
صاحب المؤلفات الكثيرة في الطب، والإمامة والتوحيد والبداء والغيبة وغيرها وأشهرها كتاب (قرب الاسناد).
و رواياته عن الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونذكرها في كتاب (الإمام العسكري) إن شاء اللّه.
لم أجد له ذكراً في كتب الرجال، وإنما روى ابنا بسطام في كتاب (طب الأئمة) عن أحمد بن العباس بن المفضل، عن أخيه عبد اللّه قال : لدغتني العقرب، فكادت شوكته - حين ضربتني - تبلغ بطني من شدّة ما ضربتني.
وكان أبو الحسن العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) جارنا فَصِرت إليه (3) فقلت : إن ابني عبد اللّه لدغته العقرب، وهوذا
ص: 302
يتخوف عليه، فقال : أسقوه من دواء الجامع، فإنه دواء الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).
فقلت : وما هو ؟ قال : دواء معروف. قلت : مولاي! فإني لا أعرفه.
قال : خُذ سنبل وزعفران، وقاقلة، وعاقر قرحاً، وخريق أبيض، وبيخ، وفلفل أبيض. أجزاء بالسوية، وابرفيون جزءين، يُدَق دقاً ناعماً، ويُنخل بحريرة ويُعجن بغسل منزوع الرغوة، ويُسقى منه لِلسعة الحيّة والعقرب حبّة بماء الحلتيت فإنه يبرأ من ساعته.
قال : فعالجناه، وسقيناه فبرىء من ساعته، ونحن نتخذه ونعطيه للناس إلى يومنا هذا (1).
الاصفهاني، في (الكافي) بسنده عن عبد اللّه بن محمد الاصفهاني قال :
قال أبو الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «صاحبكم بعدي : الذي يصلّي عَلَيَّ»، قال : ولم نعرف أبا محمد [العسكري] قبل ذلك قال : فخرج أبو محمد فصلّى عليه (2).
التميمي في (فلاح السائل) بسنده عن أبي محمد عبد اللّه بن محمد التميمي عن أبي الحسن علي بن محمد : صاحب العسكر، عن أبيه، عن آبائه، عن أبي عبد اللّه عن أمير المؤمنين عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين) قال :
ص: 303
كان من دعائه [ رسول اللّه ] عقيب صلاة الظهر :
«لا إله إلا اللّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللّه رب العرش العظيم (الكريم خ ل) والحمد للّه رب العالمين»
اللّهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل خير، والسلامة من كل إثم.
اللّهم، لا تَدَعْ لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كرباً إلَّا كشفته، ولا سقماً إلا شفيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا رزقاً إلا بسطته، ولا خوفاً إلا أمنته ولا ديناً إلا قضيته، ولا سُوءاً إلا صرفته، ولا حاجة هي لك رضى ولي فيها صلاح إلا قضيتها، يا أرحم الراحمين، آمين، ربَّ العالمين
في (أمالي) الطوسي : بسنده عن الشيخ الصالح : عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن ياسين قال:
سمعتُ العبد الصالح : علي بن محمد بن علي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) - بِسُرَّ مَن رأى - يذكر عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين :
«العلم وراثة كريمة، والآداب حُلَلْ حِسان، والفكر مرآة صافية والإعتذار منذر ناصح، وكفى بك أدباً ترككَ ما كرهته لغيرك» (1).
وفي (أمالي) الطوسي أيضاً بسنده عن أبي محمد عبد اللّه بن محمد بن ياسين بن محمد بن عجلان التميمي العابد، مولى الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
حدَّثني مولاي أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن
ص: 304
جعفر، قال : حدَّثني أبي، عن أبيه عن موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ابائه عن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «الناس إثنان : رجل أراح ورجل استراح، فالمؤمن استراح من الدنيا وتعبها، وأفضى إلى رحمة اللّه وكريم ثوابه، وأما الذي أراح فالفاجر، أراح منه الناس والشجر والدواب وأفضى إلى ما قدّم» (1).
أقول : ويروى مثل هذا الحديث عن عبد اللّه بن محمد بن قيس كما سيأتي.
وفي (أمالي) الصدوق أيضاً بسنده عن عبد اللّه بن محمد بن عبيد بن ياسين بن محمد بن عجلان، مولى الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
سمعتُ مولاي أبا الحسن علي بن محمد بن الرضا (عَلَيهِم السَّلَامُ) يذكر عن آبائه عن جعفر بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ما أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً فَشَكَرها بقلبه إلا استوجب المزيد فيها قبل أن يظهر شكرها على لسانه (2).
روى الطوسي في (الأمالي) بسنده عن عبد اللّه بن محمد بن قيس، عن أبي الحسن الثالث، عن آبائه، قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :
«الناس إثنان : رجل أراح، ورجل استراح».
فأما الذي استراح فالمؤمن، استراح من الدنيا، ونصبها وأفضى إلى رحمة اللّه، وكريم ثوابه
ص: 305
وأما الذي أراح : فالفاجر، أراح منه الناس والشجر والدواب وأفضى إلى ما تقدّم.
كوفي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
روی ابن شهر آشوب في (المناقب) :
ووجّة المتوكل عتاب بن أبي عتاب إلى المدينة، يحمل علي بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى سرُّ مَن رأى، وكان الشيعة يتحدثون أنه [الإمام] يعلم الغيب. فكان في نفس عتاب من هذا شيء.
فلما فصل من المدينة رآه [الإمام] وقد لبس لبادة، والسماء صاحية فما كان بأسرع من أن تغيمت وأمطرت.
وقال عتاب : هذا واحد.
ثم لما وافى شط القاطول (1) رآه مقلق القلب فقال [الإمام] له : ما لك يا أبا أحمد ؟.
فقال : قلبي مقلق بحوائج التمستها من أمير المؤمنين [المتوكل].
قال [الإمام] له : فإن حوائجك قد قضيت.
فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه.
قال : الناس يقولون : إنك تعلم الغيب، وقد تبينت من ذلك خلتين (2)
ص: 306
أقول : ذكر الطبري اسمه : عتاب بن عتاب، وكان من قوّاد الشاكرية، وأمر المهتدي بقتل بايكباك - القائد التركي - ثم أمر المهتدي عتاب بن عتاب أن برأس القائد بايكباك إلى أصحابه، وكان أصحاب بايكباك مُصطَفين في القصر المعروف ب (الجوسق) وهم مسلّحون، فأخذ عتاب الرأس فرمى به إليهم، فجاشوا، وحمل رجل منهم على عتاب فقتله.. الخ (1).
العمري، السمّان، الزيات، يكنّى أبا عمرو، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ومن وكلائهما، وازداد شرفاً بوكالة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
تشرّف بخدمة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم كان عمره إحدى عشرة سنة، وكان جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمة وعند شيعتهم.
وقد ذكرناه في كتاب الإمام المهدي من المهد إلى الظهور بصورة مفصلة، ولا داعي للتكرار - هنا -.
وملخّص القول : إنه تشرف بالوكالة عن الأئمة المذكورين (عَلَيهِم السَّلَامُ) طيلة خمسين سنة تقريباً، وقد وردت عن هؤلاء الأئمة كلمات قيّمة في توثيقه وتوثيق ابنه :
روى في (الكافي) بسنده عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سألته وقلت : مَن أعامل ؟ وعمَّن أخذ ؟ وقول مَن أقبل ؟.
ص: 307
فقال [الإمام] له : العمري ثقتي، فما أدّى عني فَعَنِّي يؤدّي، وما قال عني فعني يقول فاسمع له واطع، فإنه الثقة المأمون (1).
وروى ابن شهر آشوب في (المناقب) : دخل أبو عمرو : عثمان بن سعيد، وأحمد بن إسحاق الأشعري، وعلي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشكا إليه أحمد بن إسحاق دَيناً عليه فقال [الإمام]: يا أبا عمرو - وكان وكيله - إدفع إليه ثلاثين ألف دينار، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار وخذ أنت ثلاثين ألف دينار »
فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك، وما سمعنا بمثل هذا العطاء (2).
الدهقان، النخاس، خبيث ملعون، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ونذكر بعض ما يتعلّق به في كتابنا عن الإمام العسكري إن شاء اللّه.
الهمداني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان من وكلاء الناحية.
القمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان ثقة معتمداً صحيح المذهب، له مؤلفات كثيرة وأشهرها : التفسير.
ص: 308
يكنى أبا الحسن، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
الصيمري.
في (الدر النظيم) قال علي بن أحمد الصيمري الكاتب :
تزوّجت ابنة جعفر بن محمد الكاتب، فأحبيتُها حُبّاً، لم يحبّ أحد أحداً مثله، فأبطأ عَلَيَّ الولد، فصرت إلى أبي الحسن الهادي فذكرت له ذلك، فتبسم وقال : إتخذ خاتماً فصه فيروزج، واكتب عليه : «رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ».
قال : ففعلت ذلك، فما أتى عَلَيَّ حَول حتى رُزقتُ منها ولداً ذكراً.
أقول : روى الشيخ في الأمالي هذا الحديث عن الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ج 1 / ص 47.
البغدادي، يكنى أبا الحسن، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهم السَّلَامُ) ويروي عن هؤلاء الأئمة وليس في بعض أحاديثه كثير فائدة .
في ( التهذيب) بسنده عن محمد بن محمد قال :
كتب علي بن بلال إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
إنه ربما مات الميت عندنا، وتكون الأرض نَدِيَّة، فنفرش القبر بالساج(1) أو نطبق (2) عليه، فهل يجوز ذلك ؟.
ص: 309
فكتب : «ذلك جائز»
وفي (الكافي) بسنده عن علي بن بلال أنه كتب إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الجريدة إذا لم نجد، نجعل بَدَلَها غيرها في موضع لا يمكن النخل ؟
فكتب [الإمام] : يجوز إذا أعوزت [لم توجد] الجريدة، والجريدة أفضل و به جاءت الرواية (1).
وفي كتاب (من لا يحضره الفقيه) وكتب علي بن بلال إلى أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل ؟ فإنه جاء (روي) عن آبائكم (عَلَيهم السَّلَامُ) : أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين، وأنها تنفع المؤمن والكافر».
فأجاب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يجوز من شجر آخر رطب» (2).
الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويُعرف بالعريضي، وقد ذكرناه في كتاب (الإمام الجواد) وذكر السيد المهنا... : وعاش إلى أن أدرك الهادي علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم (عَلَيهِم السَّلَامُ) ومات في زمانه.
وفي ( الكافي ) بسنده عن علي بن جعفر قال : كنت حاضراً أبا الحسن [الهادي] لما توفّي إبنه،محمد، فقال [الإمام ] للحسن [العسكري] :
«يا بني أحدث للّه شكراً، فقد أحدث فيك أمراً»(3).
ص: 310
لقد ذكرنا هذا الحديث في هذا الكتاب بطرق عديدة.
الهماني، البرمكي، من أهل همينا، وهي قرية من قرى بغداد وكان وكيلاً وقيماً للإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
سعي به إلى المتوكل العباسي، فحبسه وطال حبسه، وقدَّم عبيد اللّه بن خاقان [وزير المتوكل] إلى المتوكل قائمة بأسماء السُّجناء لإطلاق سراحهم، وكان فيها اسم علي بن جعفر.
فقال المتوكل : يا عبيد اللّه لو شككت فيك لَقُلتُ : إنّك رافضي! هذا وكيل فلان [الإمام [الهادي] وأنا [عازم] على قتله.
فوصل الخبر إلى علي بن جعفر وهو في السجن، فكتب إلى أبي الحسن [الهادي] :
«يا سيدي! اللّه اللّه في، لقد خفت أن أرتاب» [أشك].
فوقع الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذلك المكتوب :
«أما إذا بلغ بك الأمر إلى ما أرى فسأقصد اللّه فيك» [ادعو اللّه في خلاصك]
وكان ليلة الجمعة، فأصبح المتوكل محموماً، فازدادت علته حتى صرخ عليه يوم الاثنين [صرخت النساء عليه ظناً بموته] فأمر بتخلية كل محبوس عُرِضَ عليه إسمه، حتى ذكر هو [المتوكل] عليّ بن جعفر، وقال - لوزيره عبيد اللّه بن خاقان - : لِمَ لم تعرض عَلَيَّ أمره ؟ [لِم لم تذكر علي بن جعفر]
فقال [ الوزير] : لا أعود إلى ذكره أبداً.
قال : خل سبيله الساعة، وسله أن يجعلني في حلّ.
ص: 311
فخلى سبيله، وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن [الهادي] مجاوراً بها، وبرىء المتوكل من علّته.
ذكر الكشي هذا الخبر، ونقلناه مع تغيير يسير في الألفاظ مع المحافظة على أصل المعنى.
وروى الكشي عن إبراهيم بن محمد الهمداني أنه قال : كتبت إليه [الهادي] : «جعلت فداك، أشياء تحكي عن فارس، والخلاف بينه وبين علي بن جعفر حتى صار يبرأ بعضهم عن بعض، فإن رأيت أن تمنَّ عَلَيَّ بما عندك فيهما، وأيهما يتولّى حوائج قبلك، حتى لا أعدوه إلى غيره ؟ فقد احتجت إلى ذلك، فعلت متفضّلا، إن شاء اللّه».
فكتب [الإمام]: «ليس عن مثل هذا يُسأل، فقد عظم اللّه قدر علي بن جعفر - متعنا اللّه تعالى به - عن أن يقاس إليه
فاقصد علي بن جعفر بحوائجك، واخشوا (اجتنبوا خ ل) فارساً وامتنعوا من إدخاله في شيء من أموركم، تفعل ذلك أنت ومن أطاعك من أهل بلادك، فإنه قد بلغني ما تَمَوَّه به على الناس، فلا تلتفتوا إليه إن شاء اللّه».
ویروی کتاب آخر للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بنفس المضمون، ولكنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُعبّر عن علي بن جعفر بالعليل.
أقول : فارس المذكور - في كتاب الإمام - هو الذي قتله جنيد بأمر الإمام الهادي، وقد ذكرناه في حرف الجيم من هذا الكتاب.
وفي (كامل الزيارة) بسنده عن علي بن جعفر الهماني قال : سمعتُ سمعت علي بن محمد العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول :
«مَن خرج من بيته يريد زيارة قبر الحسين بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فصار إلى الفرات، فاغتسل منه كُتِبَ من المفلحين.
ص: 312
فإذا سلَّم على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كُتب من الفائزين.
فإذا فرغ من صلاته أتاه مَلَك فقال له : إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يُقرؤك السلام ويقول لك : أما ذنوبك فقد غفرت لك، استأنف العمل» (1).
الكوفي.
في تفسير (البرهان) بسنده عن علي بن جعفر الكوفي، قال : سمعت سيدي علي بن محمد يقول : حدَّثني أبي : محمد بن علي، عن أبيه الرضا، عن أبيه : موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه : محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال :
أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام، أبقضاء من اللّه وقدر ؟.
أقول : تمام الخبر مذكور في رسالة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في (الجبر والتفويض) في هذا الكتاب، مع اختلاف يسير.
أو الحسين، عدّه الشيخ - من غير توصيف - من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
القنوي، عدّه البرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)
ص: 313
التيمي أو التيملي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كان كثير العلم، واسع الأخبار، جيد التصانيف، وكان فطحياً غير معاند، له ثلاثون مؤلّفاً، أكثرها في أبواب الفقه، وبعضها في الدعاء والملاحم والتفسير، وغير ذلك.
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان وكيلاً للإمام الهادي.
وروى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى قال : حدَّثنا علي بن الحسين بن عبد ربه قال : سألته [الإمام [الهادي] أن ينسىء في أجلي قال [الإمام] أو تلقى ربك ليغفر لك خير لك.
فحدَّث بذلك على بن الحسين إخوانه بمكة، ثم مات بالخزيمية.
ابن عبد اللّه، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذكر بعض الرجاليين أنه وعلي بن الحسين بن عبد ربه رجل واحد واستدلوا على ذلك بما هو المذكور في الكتب الرجالية، واللّه العالم.
الهمداني، ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعده العلّامة من أصحاب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
ص: 314
الأشعري، القمي، ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وأما رواياته عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
1 - في (الكافي) بسنده عن علي بن الريان عن أبي الحسن [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه كتب إليه :
«رجل، يكون مع المرأة، لا يباشرها إلا من وارء ثيابها (وثيابه) فيحرك حتى يُنزل، ما الذي عليه، وهل يبلغ به حد الخضخضة [الاستمناء] ؟».
فوقّع [الإمام] في الكتاب : بذلك بالغ أمره»(1).
أقول : السؤال بالنسبة للمرأة الأجنبية، ومعنى جواب الإمام «بذلك بالغ أمره» أي بلغ كل ما أراد من القبيح والحرام.
2 - وفي التهذيب بسنده عن علي بن الريان قال : كتبت إلى الماضي الأخير [الإمام الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله :
عن رجل صلّى صلاة جعفر ركعتين، ثم يعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة، أو يقطع ذلك بحادث، أيجوز أن يُتِمُّها إذا فرغ من حاجته وإن قام من مجلسه، أم لا يحتسب ذلك إلا أن يستأنف الصلاة، ويصلّي الأربع ركعات كلّها في مقام واحد ؟.
فكتب : «بلى، إن قطعه عن ذلك أمر لا بد منه فليقطع ذلك ثم ليرجع فَليين على ما بقي منها. إن شاء اللّه تعالى»(2).
أقول : صلاة جعفر الطيار هي الصلاة التي علمه رسول اللّه
ص: 315
(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إياها، يوم فتح خيبر، وهي أربع رکعات، ركعتان، ركعتان، بالتفصيل المذكور في الكتب الفقهية.
والراوي يسأل من الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه صلى ركعتين من صلاة جعفر، ثم قام وذهب لحاجة، ثم رجع لإكمال الصلاة، فهل يصلي ركعتين آخريين، أم يصلي صلاة جعفر من جديد.
فأجابه الإمام: إن كانت الحاجة ضرورية فلا مانع، ويرجع ويصلي ركعتين آخريين، ولا داعي لاستئناف الصلاة من جديد.
3 - وفي (التهذيب) أيضاً بسنده عن علي بن الريان بن الصلت عن أبي الحسن الثالث [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : كتبت إليه :
أسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية ؟
فجاء الجواب : إن كان ذكراً فعن واحد، وإن كان أنثى فعَن سبعة (1).
وفي كتاب (من لا يحضره الفقيه) : وسأل علي بن الريان بن الصلت أبا الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره، ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه ؟.
قال : لا بأس (2).
4 - وفي (التهذيب) بسنده عن علي بن الريان قال : كتبت إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : رَجَل دعاه ولده إلى قبول وصيته، هل له يمتنع من قبول وصيّة والده ؟ فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ليس له أن يمتنع»(3).
ص: 316
أو علي بن محمد بن زياد، الصيمري، عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وذكر السيد ابن طاووس في كتاب (مهج الدعوات ) :
فصل : فمن الخلفاء الذين أرادوا قتله [العسكري ] : المسمّى بالمستعين من بني العباس، روينا ذلك من كتاب (الأوصياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) والوصايا) تأليف السعيد : علي بن محمد بن زياد الصيمري، من نسخة عتيقة عندنا الآن، فيها تاريخ بعد ولادة المهدي (صلوات اللّه عليه) بإحدى وسبعين سنة.
ووُجد هذا الكتاب في خزانة مصنفه بعد وفاته سنة ثمانين ومائتين وكان رضي اللّه عنه قد لحق مولانا علي بن محمد الهادي، ومولانا الحسن بن علي العسكري (صلوات اللّه عليهما) وخدمهما، وكاتباه ورفعا إليه توقيعات كثيرة.
ابن رشيد، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي (التهذيب) رواية عن علي بن سليمان عن الإمام الهادي، ومن المحتمل أن يكون هو المقصود :
في (التهذيب) بسنده عن محمد بن عيسى، عن علي بن سلیمان، قال : كتبت إلى أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن الميت يموت بمنى أو بعرفات (الوهم مني) يُدفن بعرفات، أو يُنقل إلى الحرم ؟ وأيهما أفضل ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يُحمّل إلى الحرم فَيُدفن، فهو أفضل»(1).
ص: 317
ويُقال : علي بن محمد بن شجاع، النيسابوري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحيث أنه لم يرد في حقه توثيق فلا داعي لذكر حديثه.
قد اختلفت كلمات علماء الرجال حول اسم الرجل واسم أبيه ولقبه فقد قيل : إنه علي بن محمد بن شيرة القاساني أو الأصبهاني ضعيف أو ثقة وهل هو رجل واحد ؟ أم أنهما رجلان ؟
وعلى كل فقد عدّه الشيخ الطوسي باسم علي بن شيرة من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وباسم علي بن محمد القاساني، ضعيف.
والنجاشي ذكر : علي بن محمد بن شيرة القاساني.
ونحن نذكر - هنا - بعض الأحاديث المروية عن علي بن محمد القاساني، تحت هذا العنوان.
في (التهذيب) عن علي بن محمد القاساني، قال : كتبت إليه - وأنا بالمدينة - عن اليوم الذي يُشَكٍّ فيه من شهر رمضان، هل يُصام أم لا؟
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اليقين لا يدخل فيه الشك، ثم للرؤية، وأفطر للرؤية» (1).
أي صم لرؤية هلال شهر رمضان، وأفطر لرؤية هلال شهر شوال.
وفي التهذيب أيضاً عن علي بن محمد القاس-اني قال : كتبت
ص: 318
إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا بالمدينة، أسأله عن المغمي عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته ؟.
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا يقضي الصوم» (1).
وفي (الكافي) بسنده عن علي بن محمد القاساني قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وأنا بالمدينة - سنة إحدى وثلاثين ومائتين :
جعلت فداك! رجل أمر رجلاً يشتري له متاعاً، أو غير ذلك فاشتراه، فَسُرِق منه، أو قطع عليه الطريق، مِن مال مَن ذَهَب المتاع ؟ من الأمر أو المأمور ؟.
مكتب - سلام اللّه عليه - : من مال الأمر (2).
البغدادي، الشاعر ابن الرومي، يكنّى أبا الحسن.
ذكره بعض العلماء في شعراء الشيعة، ويؤيده ما نُقل من شعره :
ترابُ أبي تراب كحل عيني***إذا رمدت جلوت بها قذاها
تلذ لي الملامة في هواه***لذكراه، واستحلي أذاها
وعن (الفصول المهمة) لابن الصباغ المالكي : أن ابن الرومي كان شاعراً للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذكره عامة أهل التاريخ وأثنوا عليه
توفي سنة 283 ببغداد (3).
ص: 319
عدّه الشيخ والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وروى الكشي خبراً يدل على جلالة قدر علي بن عبد الغفار، وأنه كان من الممدوحين وفي إكمال الدين بسنده عن علي بن عبد الغفار، قال :
لما مات أبو جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب الشيعة إلى أبي الحسن [الهادي] صاحب العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسألونه عن الامر ؟
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «الأمر لي ما دُمتُ حياً، فإذا نزلت بي مقادير اللّه عزّ وجلّ أتاكم الخَلَف منّى، فأنى لكم بالخلف بعد الخلف (1) ؟.
الحميري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويُقال : أنه عبد اللّه بن جعفر. وكلمة (علي) زائدة.
الزبيري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
العطار، القمي، يكنى أبا الحسن. وقد عدّ الشيخ الطوسي عليّ بن عبد اللّه من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلا يبعد أن يكون المقصود هو العطار القمي.
الدينوري، الجبلي، كان من خواص الإمام الهادي (عَلَيهِ
ص: 320
السَّلَامُ) ويستفاد من رواية الكشي أن علي بن عبد اللّه المذكور كتب إلى الإمام الهادي، وأرسل إليه أشياء لها قدر وقيمة، أرسله-ا م-ع فارس بن حاتم القزويني اللعين، وأعلمه الإمام بعدم وصول الأموال إليه، وأمره أن لا يرسل مع فارس شيئاً بعد ذلك، ونذكر الخبر في ترجمة فارس في حرف الفاء إن شاء اللّه.
العطار القزويني، كان من خواص أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفي (الكافي) بسنده عن علي بن عمرو العطار قال : دخلت على أبي الحسن [الهادي] العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأبو جعفر [السيد محمد] إبنه في الأحياء، وأنا أظن أنه هو [الإمام بعد أبيه] فقلت له [ للإمام] : جعلت فداك! مَن أَخُصُّ مِن وُلدك ؟.
فقال : لا تخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري.
قال : فكتبت إليه بعد [وفاة السيد محمد] : فيمن يكون الأمر ؟
قال : فكتب إليَّ : «في الكبير من ولدي».
قال : وكان أبو محمد العسكري أكبر من أبي جعفر (1).
أقول : هكذا وجدت في (الكافي) ولكن في (الإرشاد) : وكان أبو محمد أكبر من جعفر [الكذاب] وهو الصحيح، لأن أبا جعفر وهو السيد محمد كان أكبر من الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ).
وفي (أمالي الشيخ الطوسي) بسنده عن علي بن عمر العطار قال : دخلت على أبي الحسن العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الثلاثاء، فقال : لَم أَرَكَ أمس ؟.
قلت : كرهت الحركة في يوم الإثنين.
ص: 321
قال : يا علي، من أحب أن يقيه اللّه شر يوم الإثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة [الصبح ] «هَل أَتَى عَلَى الإِنسَانِ».
ثم قرأ أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا».
النوفلي.
كان من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإن لم يُصرح بذلك أحد من علماء الرجال، ولكن في (الكافي) رواية تدل على أنه كان من أصحاب الإمام الهادي وهي :
في (الكافي) بسنده عن علي بن عمر النوفلي، قال : كنت مع أبي الحسن الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في صحن داره، فَمَرْ بِنا محمد ابنه [السيد محمد] فقلت له [ للإمام]: جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك ؟ [إمامنا] قال : لا، صاحبكم بعدي : الحسن(1).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
في كتاب كشف الغمة حديث يدل على أنه كان من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتبت إلى أبي الحسن [الهادي] :
«أنا في خدمتك، وأصابني [أصابتني] علة في رجلي، لا أقدر على النهوض، والقيام بما يجب، فإن رأيتَ أن تدعو اللّه أن يكشف علتي، ويعينني على القيام بما يجب عَلَيَّ، وأداء الأمانة في ذلك،
ص: 322
ويجعلني - من تقصيري من غير تعمل مني، وتضييع مال أتعمده من نسيان يصيبني - في حل، ويوسع عَلَيَّ، وتدعو لي بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )».
فوقع : «كَشَفَ اللّه عنك وعن أبيك».
وكان بأبي علّة، ولم أكتب فيها، فدعا له ابتداءً (1).
النيشابوري، روى عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
كان من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما رواه في (التهذيب) بسنده عن علي بن محمد بن سليمان قال : كتبت إلى الفقيه [ الإمام الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
أسأله عن القنوت ؟ فكتب إليّ : إذا كان ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، وقل - ثلاث مرات - : بسم اللّه الرحمن الرحيم (2).
وفي (التهذيب) أيضاً : بسنده عن علي بن محمد بن سليمان قال : كتبت إلى الفقيه أبي الحسن العسكري [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟
فكتب : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»(3).
المنقري، عدّه الشيخ من أصحاب الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال فيه : كوفي، ثقة.
ص: 323
النوفلي، من المحتمل أن يكون المقصود هو علي بن علي بن محمد بن سليمان النوفلي وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ولكن الأحاديث المروية عنه في (التهذيب) و (الكافي) ليس فيها اسم جدّه :
في (الكافي) بسنده عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكر [الإمام [الهادي] قال : سمعته يقول : «إسم اللّه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف [وصي سليمان بن داود (عَلَيهِ السَّلَامُ)] حرف، فتكلم به، فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ، فتناوَلَ عرش بلقيس حتى صيَّره إلى سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين.
وعندنا منه : اثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ عند اللّه، مستأثر به في علم الغيب»(1).
وفي ( الكافي) بسنده عن علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ذكرت الصوت عنده، فقال : إنّ علي بن الحسين زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يقرأ [القرآن] فَرُبَّما مَرَّ به المار، فصعق من حُسن صوته.
إن الإمام لو أظهر من ذلك شيئاً لما احتمله الناس من حُسنه.
قلت : ولم يكن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يصلّي بالناس ويرفع صوته بالقرآن ؟
فقال : إن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يحمل
ص: 324
الناس مَن خَلفَه ما يطيقون(1).
وفي (التهذيب) بسنده عن علي بن محمد النوفلي قال : سمعته [الإمام] يقول :
إن العبد ليقوم في الليل، فيميل به النعاس يميناً وشمالاً، وقد وقع ذقنه على صدره، فيأمر اللّه تعالى أبواب السماء فتنفتح، ثم يقول - للملائكة - : أنظروا إلى عبدي ما يصيبه في التقرب إلي بما لم أفترض عليه ؟ راجياً مني لثلاث خصال : ذنباً أغفره، أو توبة أجددها له، أو رزقاً أزيد فيه.
اشهدوا - ملائكتي - أني قد جمعتهن له (2).
وفي كتاب (من لا يحضره الفقيه) : قال علي بن محمد النوفلي - لأبي الحسن [الهادي[ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - : إني أفطرت يوم الفطر على طين القبر [قبر الحسين] وتمر.
فقال له : جمعتَ بَرَكةً وسُنَّةٌ(3).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
قد ذكرناه في كتاب الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وحيث أنه أدرك صحبة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أيضاً فَلَه أحاديث رواها عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) نذكر - هنا - بعض ما عثرنا عليه :
في (التهذيب) بسنده عن علي بن مهزيار قال : كتبت إليه :
ص: 325
«إمرأة طهرت من حيضها، أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فَصَلَّت، وصامت شهر رمضان كله، من غير أن تعمل بما تعمل المستحاضة من الغُسل لكل صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟».
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها.. الخ»(1) .
وفي كتاب (المناقب) : فقد روى جماعة، منهم : علي بن مهزیار قالوا :
كانت زينب الكذابة تزعم أنها ابنة علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : فأحضرها المتوكل، وقال : أذكري نَسَبَكِ فقالت : أنا زينب ابنة علي، وأنها (2) كانت حُمِلت إلى الشام، فوقعت إلى بادية من بني كلب، فأقامت بين ظهرانيهم.
فقال لها المتوكل : إن زينب بنت علي قديمة (3)وأنت شابة ؟!. فقالت : لحقتني دعوة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بأن يرد شبابي في كل خمسين سنة.
فدعا المتوكل وجوه (4) آل أبي طالب فقال : كيف تعلم كذبها ؟.
فقال الفتح : لا يخبرك بهذا إلا ابن الرضا [الإمام الهادي ].
فأمر بإحضاره، وسأله.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ في وُلد علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) علامة.
ص: 326
قال [المتوكل] : وما هي؟.
قال : لا تعرض لهم السباع.
فألقها إلى السباع، فإن لم تعرض [السباع] لها فهي صادقة!.
فقالت [ الكذابة]: يا أمير المؤمنين! اللّه اللّه في!! فإنما أراد قتلي.
وركَبَتْ الحمار، وجعلت تنادي، ألا : إنني زينب الكذابة.
وفي رواية : إنه [المتوكل] عرض عليها [أن تنزل إلى السباع] فامتنعت، فَطْرِحَت للسباع فأكلتها.
قال علي بن مهزیار : فقال علي بن الجهم [للمتوكل] : جَرِّب هذا على قائله [الهادي] فأجيعت السباع [قطع عنها الطعام] ثلاثة أيام.
ثم دعا [المتوكل] بالإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخرجت السباع، فلما رأته لاذت وتبصبصت بآذانها، فلم يلتفت الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليها، وصعد السقف، وجلس عند المتوكل، ثم نزل من عنده، والسباع تلوذ به وتبصبص حتى خرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «حُرِّم لحوم أولادي على السباع».
أقول : قد ذكرنا هذا الخبر عن أبي هاشم الجعفري، بتغيير يسير.
وفي (الكافي) بسنده عن علي بن مهزیار قال : قلت لأبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان كون - وأعوذ باللّه - فإلى من (1)؟.
قال : «عهدي إلى الأكبر من ولدي» (2).
ص: 327
وفي (الكافي) أيضاً بسنده عن علي بن مهزیار عن رجل سأل الماضي [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الصلاة في الثعالب (1) ؟
فنهى عن الصلاة [فيها] وفي الثوب الذي يليها، فلم أدر أي الثوبين : الذي يلصق بالوَبَر، أو الذي يلصق بالجلد ؟
فوقع (عَلَيهِ السَّلَامُ) - بخطه - : «الذي يلصق بالجلد».
قال : وذكر أبو الحسن أنه سأل هذه المسألة فقال : لا تُصَلِّ عن في الثوب الذي فوقه، ولا في الذي تحته (2).
أقول : أبو الحسن - هنا - : كنية علي بن مهزیار، والمعنى :
إنه سأل شخصياً من الإمام فأجابه الإمام بالجواب الثاني.
وفي (إثبات الهداة) عن الحميري بإسناده عن علي بن مهزيار قال :
قلت - لأبي الحسن [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
إني كنتُ سألت أباك عن الإمامة، فَنَصَّ عليك، ففيمن الإمامة بعدك ؟.
فقال : في أكبر ولدي. ونَصَّ على أبي محمد [العسكري] (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقال : إن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين.
أقول : إن كلامه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إن الإمامة لا تكون في أخوين» المقصود منه نفي إمامة جعفر الكذاب الذي أدعى الإمامة بعد أخيه الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد ذكرنا بعض ما يتعلق به في كتاب (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور)
ص: 328
وفي (من لا يحضره الفقيه) : وسأل علي بن مهزيار أبا الحسن الثالث [الإمام الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عن الرجل يصير في البيداء، فتدركه صلاة فريضة، فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها كيف يصنع بالصلاة، وقد نهي أن يصلّي بالبيداء ؟.
فقال : يصلّي فيها، ويتجنب قارعة الطريق (1).
أقول : المقصود من البيداء - هنا - هي الأرض التي تنخسف بجيش السفياني وهي بين المدينة ومكة، والأرض التي عُذَّب أهلها في الماضي، أو يعذب أهلها في المستقبل تكره الصلاة فيها. والبيداء المذكورة ستكون محل نزول العذاب على جيش السفياني عند ظهور الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المدينة وخروجه إلى مكة وخروج جيش السفياني من المدينة إلى مكة لقتل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيخسف اللّه بهم البيداء، وقد ذكرنا شيئاً البيداء، وقد ذكرنا شيئاً من تفاصيل هذا الموضوع في كتاب (الإمام المهدي من المهد إلى الظهور).
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال فيه : غال.
ولعله أخو عروة بن يحيى الدهقان، الملعون الذي تقدّم ذكره.
ص: 329
قال [الإمام] : ما يقول وُلد أبي - يا أمير المؤمنين - في رجل فَرَضَ اللّه تعالى طاعة نبيه على خلقه، وفَرَضَ طاعته على نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).
أقول : لقد استعمل الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في هذا الجواب - التورية، ومعنى التورية : أن يتكلم الإنسان بكلام له معنيان أحدهما أظهر من الآخر، فيقصد المتكلم المعنى الخفي، ولكن السامع يفهم المعنى الظاهر.
وكلام الإمام «وفَرَض طاعته على نبيه» معناه : وفرضَ اللّه طاعته سبحانه على نبيه أيضاً، ولكن المتوكل فهم من هذا الكلام أن اللّه فرض طاعة العباس على نبيّه، ومن الواضح أن هذا غير صحيح وإنما استعمل الإمام هذا النوع من الكلام تقيّة من المتوكل الطاغوت الذي كان يبحث عن مبرر يقتل الإمام به
القمي، روى الكليني في (الكافي) بسنده عن عمران بن إسماعيل بن عمران القمي، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«إن لي ولداً رجالاً ونساءً، أفيجوز لي أن أعطيهم من الزكاة شیئاً؟».
فكتب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إن ذلك جائز لكم» (1).
أقول : في (المدارك) عمران بن إسماعيل مجهول. والخبر محمول على التقيّة.
ص: 330
الزيّات، المدائني، ثقة، روى عن الإمام الرضا، وأدرك الإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ويُقال : إنه كان فطحيّاً، ولعلماء الرجال فيه أقوال.
وقد روى الشيخ الطوسي في (الغيبة) : عن عمرو بن سعيد المدائني - وكان فطحياً - قال : كنت عند أبي الحسن العسكري [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) بصريّاً إذ دخل أيوب بن نوح، ووقف قدّامه فأمره بشيء، ثم انصرف.
والتفتَ إليَّ أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا.
عده في (جامع الرواة) من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
ابن المنصور، الدوانيقي، ويُعبر عنه بالعباسي، أو الهاشمي ويكنى أبا موسى، ويُلَقَّب بالسِّرِّ مَنرَائي، نسبة إلى مدينة سُرَّ مَن رأى، وهي سامرّاء.
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي والإمام العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
ويروي عنه حفيد أخيه : محمد بن أحمد بن عبيد اللّه بن أحمد بن عيسى بن المنصور، ويُعبر عن حفيد أخيه بالمنصوري، نسبة إلى جد جده، وهو المنصور الدوانيقي.
1 - روى الشيخ في (الأمالي) بسنده عن الفحام عن المنصوري
ص: 331
عن عمّ أبيه عيسى بن أحمد عن أبي الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ):
«مَن صَفَت له دنياه فاتهمه في دينه».
2 - أيضاً بالإسناد المذكور عن أبي الحسن الثالث (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه قال : «أحبوا اللّه لما يغذوكم به من نِعَمِه، وأحبوني لحُبّ اللّه، وأحبوا أهل بيتي لحبّي».
3 - أيضاً عن أبي الحسن الثالث (علیه السلام عن آبائه، عن النبى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال :
قال النبي : (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة :
المُحبّ لأهل بيتي، والموالي لهم والمعادي فيهم، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم فيما ينوبهم من أمورهم».
4 - أيضاً عن أبي الحسن الثالث [ الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه، عن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
إنّ رَجُلاً جاء إلى سيدنا الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فشكا إليه الفقر، فقال [الإمام ] : ليس الأمر كما ذكرت [لست فقيراً] ولا أعرفك فقيراً.
فقال : واللّه يا سيدي، ما حققت حالي حيث لم تعرفني فقيراً.
ثم ذكر من الفقر قطعة، والصادق يكذبه، إلى أن قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
خبرني : لو أعطيت - بالبراءة منا - مائة دينار، كنت تأخذ ؟.
ص: 332
قال : لا.
إلى أن ذكر ألوف الدنانير [قال الإمام : لو أعطيت ألف دينار أو عشرة آلاف دينار] والرجل يحلف أنه لا يفعل[إلا يتبرأ من أهل البيت].
فقال [الإمام]: مَن معه سلعة يُعطى بها هذا المال ولا يبيعها، فكيف هو فقير ؟
5 - أيضاً عن أبي الحسن الثالث الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
سألتُ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن الإيمان ؟ فقال :
«تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان».
6 - وفي (البحار) عن (أمالي الشيخ) عن المنصوري، عن عم أبيه [ عيسى بن أحمد] عن أبي الحسن الثالث [الهادي] عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
قال : دخل أشجع السلمي على الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال : يا سيدي، أنا كثير الأسفار، وأحصل في المواضع المُفزعة [الأماكن المخيفة بسبب الجن] فَتُعَلِّمني ما آمن به على نفسي.
قال : إذا خفتَ أمراً فاترك يمينك [يدك اليمنى] على أم رأسك [وسط رأسك] وأقرأ - برفيع صوتك - :
«أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ».
قال أشجع : فحصلت في وادٍ نُعِتَتْ وُصفت فيه الجن، فسمعت قائلاً يقول : خُذُوه.
ص: 333
فقرأتها [الآية ] فقال قائل : كيف نأخذه، وقد احتجز بآية طيبة (1).
7 - وفي (الأمالي) أيضاً، عن المنصوري عن عمّ أبيه عيسى بن أحمد قال : قلتُ للإمام علي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : علمني يا سيدي دعاء أتقرب إلى اللّه - عز وجل - به. فقال لي :
هذا دعاء، كثيراً ما أدعو به، وقد سألت اللّه عزّ وجلّ أن لا يخيب مَن دَعا به في مشهدي بعدي، وهو :
«يا عُدتي عند العُدَد، ويا رجائي والمعتمد، ويا كهفي والسَّنَد، ويا واحد يا أحد، ويا قل هو اللّه أحد
أسألك - اللّهم - بحق من خلقته مِن خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم، أحداً، صلّ على جماعتهم، وافعل بي كذا وكذا [يذكر حاجته ](2).
8- وفي (البحار) عن (فلاح السائل) عن محمد أحمد بن المنصوري عن عَمّ أبيه موسى بن عيسى بن أحمد (3) قال : مَن قدم هذا الدعاء أمام دعائه استجيب له.
قال : وحدَّثنا مرة أخرى، فقال :
حدَّثني عمي، عن زيد بن داود، عن إبراهيم بن عبد اللّه الكجي، عن عاصم النبيل، عن أبي عبد اللّه [الصادق] (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
«من أحب أن لا يُرَدَّ دعاؤه فَليُقدِّم هذا الدعاء أمام دعائه، وهو:
ص: 334
ما شاء اللّه توجهاً إلى اللّه، ما شاء اللّه تعبداً اللّه، ما شاء اللّه تَلَطْفاً لِله، ما شاء اللّه تذللا لله، ما شاء اللّه استنصاراً باللّه، ما شاء اللّه استكانة لِلَّه، ما شاء اللّه تضرُّعاً إلى اللّه، ما شاء اللّه استعانة باللّه، ما شاء اللّه استغاثة باللّه، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه العليّ العظيم»(1).
توضيح : إن عيسى بن أحمد يروي هذا الدعاء عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مباشرة ويرويه عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع الوسائط.
9 - وفي (البحار) عن أمالي الشيخ) بسنده عن عيسى بن أحمد بن عيسى عن أبي الحسن الثالث [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عَلَيهِم السَّلَامُ).
قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يقول اللّه عزّ وجل :
«يا بن آدم! أذكرني حين تغضب، أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق»(2).
10 - وفي (المناقب) عن أبي محمد الفحام، عن المنصوري عن عمّه، عن أبيه قال :
قال - يوماً - الإمام علي بن محمد :
يا أبا موسى، أخرجتُ إلى (سُرُ مَن رأي) كُرها، ولو أخرجتُ عنها أخرجتُ كُرهاً.
قال : قلت : ولم يا سيدي ؟.
قال : لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلّة دائها
ص: 335
ثم قال : تخرب (سُرَّ مَن رأي) حتى يكون فيها إلا خان، ويقال للمارة.
وعلامة خرابها : تدارك العمارة في مشهدي من بعدي.
دخلنا كارهين لها، فلما***ألفناها، خرجنا مكرهينا (1).
11 - وفي (أمالي الطوسي) بسنده عن أحمد بن محمد المنصوري قال :
حدَّثني عم أبي : أبو موسى، عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري.
قال : حدَّثني الإمام علي بن محمد، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
دخل سماعة بن مهران على الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له : يا سماعة مَن شُرُّ الناس ؟
قال : نحن! يا بن رسول اللّه.
قال : فغضب، حتى احمرت وجنتاه، ثم استوى جالساً (وكان متكناً) فقال : يا سماعة! مَن شر الناس ؟.
فقلت : واللّه ما كذبتك، يا بن رسول اللّه، نحن شر الناس عند الناس، لأنّهم سمونا كفّاراً ورفَضَة!
فنظر إلى ثم قال :
كيف بكم إذا سيق بكم إلى الجنّة، وسيق بهم إلى النار؟.
فينظرون إليكم ويقولون : ما لنا لا نرى رجالاً كُنّا نعدهم من الأشرار؟.
ص: 336
يا سماعة بن مهران! إنه - واللّه - من أساء منكم إساءة مشينا إلى اللّه يوم القيامة بأقدامنا، فَتَشفع فيه فَتُشفّع.
واللّه لا يدخل النار منكم عشرة رجال!
واللّه، لا يدخل النار منكم خمسة رجال.
واللّه، لا يدخل النار منكم ثلاث رجال.
واللّه، لا يدخل النار منكم رجل واحد.
فنافسوا في الدرجات، واكمدوا عدوكم بالورع.
12 - وفي (أمالي الطوسي) بسنده قال : حدَّثنا المنصوري قال : حدَّثنا عَمُ أبي قال : حدَّثنا الإمام علي بن محمد العسكري (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن أبيه، عن آبائه واحداً واحداً قال :
قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «خمس يذهبن ضياعاً :
1 - سراج تقدُّه في الشمس، الدهن يذهب، والضوء لا يُنتفع به.
2 - ومطر جُودٍ على أرض سبخة، المطر يضيع، والأرض لا تنتفع به.
3 - وطعامٌ يُحِكُمه طاهيه [طابخه] يُقَدِّم إلى شبعان، فلا ينتفع به.
4 - وامرأة حسناء تزف إلى عنين، فلا ينتفع بها.
5 - ومعروف تصطنعه إلى من لا يشكره».
13 - وفي (أمالي الطوسي) بسنده عن محمد بن أحمد بن عبيد اللّه المنصوري قال : حدَّثني عَم أبي : أبو موسى، عيسى بن
أحمد قال :
حدَّثني الإمام علي بن محمد، قال : حدَّثني أبي، عن أبيه علي بن موسى، قال : حدَّثني أبي : موسى بن جعفر قال :
ص: 337
قال سيدنا الصادق [ جعفر بن محمد] (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«عليكم بالتقيّة، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره و دثاره (1) مع مَن يأمنه، لتكون سجيته مع من يحذره»(2).
14 - وفي (البحار) أيضاً عن نفس المصدر، ونفس السَنَد، عن أبي الحسن العسكري [الهادي] عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : قال اللّه عزّ وجلّ) : لا إله إلا اللّه حصني، من دَخَله أمن من عذابي(3).
15 - وفي (البحار) أيضاً عن (الإقبال) للسيد ابن طاووس قال :
قال جدّي أبو جعفر الطوسي (رحمه اللّه) : روى ابن عياش عن محمد بن أحمد الهاشمي المنصوري، عن أبيه، عن أبي موسى [ عيسى بن أحمد] عن سيدنا أبي الحسن العسكري [الهادي] علي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) أنه كان يدعو في هذه الساعة [وقت السحر] به، وادع بهذا، فإنه خرج عن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قول ابن عياش :
«يا نور النور، يا مُدبر الأمور، يا مُجري البحور، يا باعث من في القبور يا كهفي حين تعييني المذاهب، وكنزي حين تعجزني المكاسب، ومؤنسي حين تجفوني الأباعد، وتملّني الأقارب، ومُنزُهي بمجالسة أوليائه، ومرافقة أحبائه في رياضه، وساقي بمؤانسته من نمير حياضه، ورافعي بمجاورته عن ورطة الذنوب إلى ربوة التقرب. ومُبدلي بولايته عزّة العطايا من ذلة الخطايا.
أسألك - يا مولاي - بالفجر، والليالي العشر، والشفع والوتر،
ص: 338
والليل إذا يسر، وبما جرى به قلم الأقلام بغير كفّ ولا إبهام، وبأسمائك العظام ويُحجَجك على جميع الأنام (عليهم منك أفضل السلام).
وبما استحفظتهم من أسمائك الكرام أن تصلي عليهم وترحمنا في شهرنا -هذا - وما بعده من الشهور والأيام، وأن تبلغنا شهر الصيام، في عامنا هذا وفي كل عام، يا ذا الجلال والإكرام، والمنن الجسام، وعلى محمد وآله منا أفضل السلام»(1).
16 - وفي (البحار) أيضاً عن المنصوري، عن عم أبيه [ عيسى بن أحمد] عن أبي الحسن العسكري، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال :
جاء رجل إلى سيدنا الصادق جعفر بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فَشَكى إليه رجلا يظلمه، قال [الإمام] له : أين أنت عن دعوة المظلوم التى علمها النبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟.
ما دعا بها مظلوم على ظالمه إلا نصره اللّه تعالى عليه، وكفاه إياه وهو :
وارمه بيوم
«اللّهم طُمُهُ بالبلاء طمّاً، وغُمَّهُ بالبلاء عمّاً، وقُمهُ بالأذى قماً لا معاد له، وساعةٍ لا مَرَدَّ لها، وأبح حريمه، وصل على محمد وأهل بيته، عليه وعليهم السلام، واكفني أمره، وقِني شرّه، واصرف عني كيده، وأحرج قلبه، وسُدَّ فاهُ عنِّي، وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً، وعَنَتِ الوجوه للحي القيوم وقد خاب مَن حَمَلَ ظُلماً، اخسأوا فيها ولا تكلمون،، صه صه» سبع مرات (2).
ص: 339
17 - وفي (غيبة الطوسي) بسنده عن محمد بن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي قال : حدَّثني أبو موسى : عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري قال :
حدَّثني أبو الحسن علي [الهادي] بن محمد، عن أبيه : محمد بن علي، عن أبيه : علي بن موسى، عن أبيه : موسى بن جعفر :، عن أبيه : جعفر بن محمد، عن عن أبيه : محمد بن علي، عن أبيه : علي بن الحسين، عن أبيه : الحسين بن علي (صلوات اللّه عليهم) قال : قال علي (صلوات اللّه عليه) قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ):
«من سره أن يلقى اللّه (عزّ وجلّ) آمِناً مُطهِّراً، لا يحزنه الفزع الأكبر، فليتولك، وليتول بنيك : الحسن والحسين، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمداً وعَليّاً والحسن، ثم المهدي، وهو خاتمهم.
وليكونن في آخر الزمان قوم يتولُّونك - يا علي - ويشناهم الناس، ولو أحبهم [أحبوهم ظ] كان خيراً لهم لو كانوا يعلمون.
يُؤثرونك وَوُلدك على الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، وعلى عشائرهم والقرابات صلوات اللّه عليهم أفضل الصلوات أولئك يُحشرون تحت لواء الحمد، يُتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع درجاتهم جزاء بما كانوا يعملون» (1).
18 - وفي (أمالي الطوسي) بسنده قال : حدَّثني أبو الحسن المنصوري قال : حدَّثني عَمُّ أبي قال : حدَّثني الإمام علي بن محمد قال : حدَّثني أبي : محمد بن علي قال : حدَّثني أبي : علي بن
ص: 340
موسى قال : حدَّثني أبي : موسى بن جعفر قال : حدَّثني أبي محمد، قال : حدَّثني أبي : جعفر بن محمد بن علي قال : حدَّثني أبي : علي بن الحسين قال : حدَّثني أبي : الحسين بن علي قال حدَّثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : سمعتُ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يقول :
«من أدّى اللّه تعالى مكتوبة فله في إثرها دعوة مستجابة».
أقول : يعني من صلى صلاة واجبة فله دعاء مستجاب يدعو بها بعد الصلاة.
وذكر القطب الراوندي في دعواته بسنده عن أبي محمد الفحام عن المنصوري عن أبيه عن الإمام علي بن محمد [الهادي] العسكري عن آبائه (عَلَيهم السَّلَامُ) هذا الخبر، وزاد :
قال الفحام : رأيتُ - واللّه - أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام فسألته عن الخبر ؟ فقال : صحيح، إذا فرغت من المكتوبة [الصلاة الواجبة] فقل - وأنت ساجد - : اللّهم بحق من رواه، وبحق مَن رُوي عنه صلّ على جماعتهم وافعل بي كيت وكيت، أي يذكر حاجته.
19 - وروى الشيخ في (الأمالي) بسنده عن أبي الحسن : محمد بن أحمد قال :
حدَّثني عم أبي قال : قصدتُ الإمام علي بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يوماً، فقلت :
يا سيدي! إن هذا الرجل [المتوكل] قد اطرحني، وقطع رزقي وصلتي ولا أتَّهِمُ في ذلك إلا عِلمه بِمُلازمتي لك، وإذا سألته شيئاً منه يُلزمه القبول منك، فينبغي أن تتفضّل عَلَيَّ بمسألته.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) تُكفى إن شاء اللّه
ص: 341
فلما كان في الليل طَرَقَني رُسُل المتوكل، رسول يتلو رسولاً، فجئت، والفتح [بن الخاقان] على الباب قائم، فقال : يا رَجُل! ما تأوي في منزلك بالليل ؟ كَدّني هذا الرجل [المتوكل] مما يطلبك!!.
فدخلتُ وإذا المتوكل جالس في فراشه، فقال :
يا أبا موسى! نشتغل عنك وتنسانا ؟ أي شيء لك عندي؟. فقلتُ : الصلة الفلانية، والرزق الفلاني، وذكرت أشياء فأمر لي بها ويضعفها.
فقلت - للفتح [ بن الخاقان] : وافى علي بن محمد [الهادي] إلى هنا ؟ فقال : لا. فقلتُ : كَتَبَ رقعةً ؟ فقال : لا
فولَّيتُ منصرفاً، فتبعني فقال لي :
لستُ ُأشُكُ أنك سألته [الهادي] دعاء لك، فالتمس لي منه دعاء!.
فلما دخلت إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا أبا موسى! هذا وجه الرضا (1).
فقلتُ : ببركتك يا سيدي، ولكن قالوا لي : إنك ما مضيت إليه، ولا سألته!!
فقال : إن اللّه تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه ولا نتوكل في الملمات إلا عليه، وعَوَّدَنَا - إذا سألناه - الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا (2).
قلت : إن الفتح بن الخاقان] قال لي : كيت وكيت.
ص: 342
قال [الإمام] : إنه يُوالينا بظاهره، ويُجانِبنا بباطنه.
الدعاء لمن يدعو به.
إذا أخلصت في طاعة اللّه، واعترفت برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبحقنا - أهل البيت -، وسألت اللّه تبارك وتعالى شيئاً، لم يحرمك.
قلت : يا سيدي عَلِّمني دعاءً أختص به من الأدعية.
قال : هذا الدعاء كثيراً ما أدعو اللّه تعالى به، وقد سألت اللّه أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي، وهو :
«يا عُدني عند العُدَد.. الخ» وقد ذكرنا الدعاء قبل صفحات.
20 - وفي (الأمالي) حدَّثني المنصوري، قال : حدَّثني عَمُّ أبي ، قال : حدَّثني الإمام علي بن محمد عن آبائه، عن [الإمام] الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال :
ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة رجل مؤمن إلا وله جارٌ يؤذيه» (1).
21 - وفي (الأمالي) أيضاً بالسند المذكور عن الإمام الهادي عن آبائه عن الإمام الصادق (عَلَيهم السَّلَامُ) قال : ثلاث دعوات لا تحجبن عن اللّه تعالى :
1 - دعاء الوالد لولده (إذا بَرَّه) ودعوته عليه إذا عَقَّه.
2 - ودعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر له منه.
3 - ورجل مؤمن دعا لأخ له مؤمن، واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يُواسِه مع القدرة عليه، واضطرار أخيه إليه(2).
ص: 343
22 - وفي (الأمالي) أيضاً بالنسد المذكور عن الإمام الهادي عن آبائه عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ثلاث أوقات لا تحجب فيها الدعاء عن اللّه تعالى :
1 - في أثر المكتوبة [بعد الصلاة الواجبة ].
2 - وعند نزول المطر.
3- وظهور آية معجزة في أرضه (1).
23 - نفس المصدر، ونفس الإسناد عن الإمام الهادي عن آبائه عن الإمام [الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ليس منا من لم يلزم التقية، ويصوننا عن سَفَلة الرعيّة (2).
24 - وفي (الأمالي) بسنده عن المنصوري، عن عَمِّ أبيه، عن أبي الحسن الثالث، عن آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنما سُمِّيت ابنتي : فاطمة لأنّ اللّه عزّ وجلّ فَطَمَها، وفطم من أحَبَّها من النار.
25 - وروى الطوسي أيضاً في (الأمالي) بسنده عن المنصوري قال : حدَّثني عَمُّ أبي قال : دخلتُ يوماً على المتوكل، وهو يشرب، فدعاني للشرب فقلت : يا سيدي ما شربته قط.
فقال : أنت تشرب مع عليّ بن محمد [الهادي]! ؟
فقلت له : ليس تعرف من في يديك، إنما يضرك ولا يضره(3).
ولم أعد ذلك عليه(4).
ص: 344
قال : فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان : قد ذُكر للرجل (يعنى المتوكل) - خبر مال يجيء من قم، وقد أمرني أن أرصده (1). لأخبره به، فقل لي : من أي طريق يجيء حتى اجتنبه (2).
فجئت إلى الإمام علي بن محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فصادفتُ عنده من احتشمه فتبسم وقال لي : لا يكون إلا خيراً يا أبا موسى!.
لِمَ لَم تُعِد الرسالة الأولى (3) ؟.
فقلت : أجللتك يا سيدي.
فقال لي : المال يجيء الليلة، وليس يصلون إليه، فَبِت عندي.
فلما كان من الليل وقام إلى ورده (4) قطع الركوع بالسلام، فقال لي : قد جاء الرجل، ومعه المال، وقد منعه الخادم الوصول إليَّ فاخرج، وخُذ ما معه.
فخرجت، فإذا معه زنفيلجة فيها المال، فأخذته ودخلت به إليه [ الإمام ].
فقال [الإمام] : قل له : هاتِ المخنقة(5)التي قالت له القمية : «إنها ذخيرة جَدَّتها» فخرجت فأعطانيها، فدخلت بها إليه، فقال لي : قل له : الجُبَّة التي أبدلتها منها رُدُّها إليها (6) فخرجت إليه، فقلت له
ص: 345
ذلك فقال : نعم، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجُبَّة، وأنا أمضي فأجيء بها.
فقال [الإمام ] : أخرج، فقل له : إن اللّه تعالى يحفظ ما لنا وعلينا، هاتها [الجبة ] من كتفك!.
فخرجت إلى الرجل، فأخرجها من كتفه فغشي عليه، فخرج [الرجل] إلى [الإمام] فقال له : قد كنت شاكاً، فتيقنت (1).
26 - وفي (الأمالي) بسنده عن المنصوري عن عم أبيه : أبي موسی عیسی بن أحمد قال : حدَّثني الإمام علي بن محمد قال : حدَّثني أبي عن أبيه : علي بن موسى قال : حدَّثني أبي : موسى بن جعفر قال : قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : كان استخارة الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) :
«اللّهم إن خيرتك تنيل الرغائب، وتجزل المواهب، وتغنم المطالب، وتطيب المكاسب وتهدي إلى أجمل العواقب، وتقي محذور النوائب.
اللّهم يا مالك الملوك، استخيرك فيما عزم رأيي عليه، وقادني - يا مولاي - عقلي إليه فَسَهَّل من ذلك ما تأخر، ويَسِّر منه ما تعسّر واكفني - في استخارتي - المهم، وارفع عني كل مُلِمَ واجعل عاقبة أمري غنماً، ومحذوره سلماً، وبعده قرباً، وجَدبه خصباً.
أعطني - يا ربّ - لواء الظفر فيما استخرتك فيه، ووفور الإنعام فيما دعوتك له، ومُنَّ عَلَيَّ بالإفضال فيما رجوتك، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب»(2).
27 - وبهذا الإسناد، قال سيدنا الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عليكم بالتقية، فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه،
ص: 346
لتكون سجّيته مع من يحذره (1).
28 - أيضاً بهذا الإسناد : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا علي، إن اللّه (عزّ وجلّ) قد غفر لك ولشيعتك، ومُحِبي شيعتك، فابشر فإنك الأنزع البطين، ومنزوع من الشرك، البطين من العلم (2).
29 - وعن المنصوري عن عَمَّ أبيه قال : حدَّثني الإمام علي بن محمد قال : قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من نالته علة، فليقرأ في جيبه(3)[سورة] الحمد سبع مرّات، فإن ذهبت العلة وإلا فليقرأ سبعين مرة، وأنا الضامن له العافية (4).
203- عيسى بن جعفر بن عاصم(5) :
قد ذكرنا - في ترجمة الحسن بن راشد - : كتاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في جواب محمد بن الفَرَج : «ذكرت ابن راشد، رحمه اللّه، فإنه عاش سعيداً، ومات شهيداً»، ودعا لابن بند والعاصمي.
وابن بند ضُرِبَ بالعمود حتى قُتِل، وأبو جعفر [عيسى بن جعفر] ضُرِب ثلاثمائة سوط، ورمي به في دجلة.
أقول : ذكر الطبري سبب ضرب عيسى بن جعفر:
وكان السبب في ذلك أنه شهد - عند أبي حسان الزيادي (قاضي الشرقية) عليه [أي على عيسى بن جعفر] أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة - سبعة عشر رجلاً شهاداتهم فيما ذكر، مختلفة من هذا النحو.
ص: 347
فكتب - بذلك - صاحب بريد بغداد إلى عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان فأنهى [أوصل وأعلم] عبيد اللّه ذلك إلى المتوكل، فأمر المتوكل أن يُكتب إلى محمد بن عبد اللّه بن طاهر، يأمره بضرب عيسى (هذا) بالسياط، فإذا مات رمى به في [شط] دجلة، ولم تدفع جيفته إلى أهله.
فذكر الطبري أنه ضُرب - فيما قيل - ألف سوط. وإنه لما ضُرب تُرِك في الشمس حتى مات، ثم رُمي به في دجلة، وان لا يصلى على جنازته.
ومن المناسب أن أذكر - هنا - ما ذكره في كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) عن كتاب (الحضارة الإسلامية) عن كتاب (المنتظم) :
«وكانت الحكومة إذا أرادت أن تعاقب شيعياً لمذهبه لم تذكر إسم علي، بل يُجعَل سبب العقوبة : أنه شتم أبا بكر وعمره» (1).
204 - عيسى بن الحسن(2):
القمي، ابن عمّ أحمد بن إسحاق القمي.
في (دلائلالإمامة) قال أحمد بن علي : دعانا عيسى بن الحسن أنا وأبا علي، وكان اعرج (أهوج خ ل) فقال :
أدخلني ابن عمي أحمد بن إسحاق على أبي الحسن، فرأيته، وكلمه بكلام لم أفهمه، ثم قال له : جعلني اللّه فداك! هذا ابن عمي عيسى بن الحسن(3)، وبه بياض في ذراعه قد سيء به(4).
ص: 348
فقال لي : تقدّم يا عيسى فتقدمت فقال : «أخرج ذراعك» فأخرجتها، فمسح عليها، وتكلم بكلام خفي(1) قال في آخره - ثلاث مرات - : «بسم اللّه الرحمن الرحيم» والتفت إلى أحمد بن إسحاق فقال [الإمام] له : «كان علي بن موسى الرضا يقول : «بسم اللّه الرحمن الرحيم : أقرب إلى الاسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها».
ثم قال : «يا عيسى أدخل يدك في كُمِّك وأخرجها» فأدخلتها وأخرجتها فإذا ليس في ذراعي قليل ولا كثير من ذلك البياض بحمد اللّه ومَنه (2).
ص: 349
القزويني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) له مؤلّفات لا يُعتمد عليها، لأنه كان من الغلاة، وقد ذكرنا في حرف الجيم في ترجمة (جنيد) أنّ الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) امر جنيداً بقتل فارس.
ويستفاد من كلمات الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مدى انحراف هذا الرجل ومشاغباته، وضلاله وفساده.
وروى الكشي : وجدتُ بِخَطّ جيرئيل بن أحمد، بسنده عن إبراهيم بن داود اليعقوبي، قال : كتبت إليه [الإمام الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أعلمه أمر فارس بن حاتم، فكتب : «لا تحفل به، وإن أتاك فاستخف به».
وبهذا الإسناد عن موسى بن جعفر بن وهب قال :
كتب عروة إلى أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر فارس بن حاتم، فكتب : «كذبوه، واهتكوه، أبعدَهُ اللّه وأخزاه، فهو كاذب في جميع ما
ص: 350
يدّعي ويَصِف، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك، وتوقوا مشاورته، ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشرّ، كفانا اللّه مؤنته، ومؤنة من كان مثله».
ويستفاد من مجموع الأمور المتعلقة بهذا الرجل أنه كان خائناً سارقاً، ملعوناً، وعنصراً خبيثاً خَطراً، ولهذا حذر الإمام أصحابه عنه.
وأخيراً صدر حكم الإمام بقتله، فقتله جنيد، كما ذكرنا في ترجمة جنيد.
الجرجاني، يكنى أبا عبد اللّه، عدّه الشيخ الطوسي والبرقي من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويروي أحاديث عديدة عن أبي الحسن، فهل المقصود من أبي الحسن هو الإمام الرضا ؟ أو الإمام الهادي ؟ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
لقد صرّح الشيخ الصدوق أن المراد بأبي الحسن هو الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهو يروي بعض أحاديث الفتح بن يزيد عن أبي الحسن الرضا.
وفي (كشف الغمّة إن المقصود هو الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) واختار السيد الخوئي هذا القول في معجم رجال الحديث ج 249/13 واستدل على ذلك بما رواه الكليني في (الكافي) بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال : «ضمني وأبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الطريق في مُنصَرَفي من مكة إلى خراسان، وهو سائر إلى العراق» فإن المراد بأبي الحسن - في هذه الرواية - هو الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنه الذي أشخصه المتوكل، فجاء إلى العراق.
وأما الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم يأت العراق، وإنما أشخصه
ص: 351
المأمون إلى خراسان.
أقول : وهذا الاستدلال قابل للمناقشة، لأن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنما خرج إلى العراق من المدينة لا من مكة، والفتح بن يزيد يقول : (ضمني وأبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الطريق في منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق) واللّه العالم.
أضف إلى ذلك أن اليعقوبي يقول في تاريخه : (.. وأشخص المأمون الرضا علي بن موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة إلى خراسان، وكان رسوله إليه : رجاء بن أبي الضحاك - قرابة الفضل بن سهل - فقَدِم بغداد، ثم أخذ به على طريق ماء البصرة، حتى صار إلى مرو..)(1).
فإن صحّ كلام اليعقوبي فقد ازداد الأمر إبهاماً وغموضاً.
وأما ما ذكره الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن أبي عباد قال : قال المأمون - يوماً - للرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ندخل بغداد إن شاء اللّه تعالى، فنفعل كذا وكذا.
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) له : تدخل أنت بغداد يا أمير المؤمنين (2)!.
فلما خلوت به قلت : إني سمعت شيئاً غَمَّني. وذكرته له (3) فقال : يا حسين، وما أنا وبغداد ؟ لا أرى بغداد ولا تراني [ بغداد] (4).
فإن هذا الكلام قاله الإمام الرضا وهو في خراسان، لا في المدينة.
ص: 352
وبعبارة أخرى : لا منافاة بين هذا الخبر وبين الخبر الذي ذكره اليعقوبي من قدوم الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بغداد.
وبعد هذا الإبهام الذي حصل في كلمة (أبي الحسن) فلعل الأفضل أن نذكر أحاديث الفتح بن يزيد عن أبي الحسن الذي لم يقيَّد ب(الرضا) إذ من الممكن أن يكون المقصود هو الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إذ لا شك أنه من أصحاب الإمام الهادي، كما صرح بذلك الشيخ الطوسي والبرقي وابن شهر آشوب.
في الكافي بسنده عن الفتح بن يزيد قال : سألت أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن المتعة .
فقال : هي خلال مباح مطلق، لمن لم يُغنه اللّه بالتزويج، فليستعفف بالمتعة، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها (1).
توضيح الحديث : لقد ثبت في الشريعة الإسلامية إباحة المتعة - وهي الزواج المؤقت - واستحبابها. وإباحتها غير مقيدة بعدم وجود الزوجة، فللإنسان الحاضرة عنده زوجته أن يأتي بهذه السُنّة الدينية متى شاء - كما ثبت ذلك في الكتب الفقهية - ولعل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فهي مباح له إذا غاب عنها يراد منه المحافظة على عواطف الزوجة وعدم إثارة المشاكل العائلية التي قد تؤدّي إلى آثار سيئة،.. كما هو الواقع بالفعل.
وفي الكافي أيضاً بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إنْ ذُكِّي ؟
فكتب : (لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب)(2).
ص: 353
وكُل ما كان من السخال [من] الصوف وإن جُز، والشعر والوبر، والأنفحة، والقرن، ولا يتعدّى إلى غيرها، إن شاء اللّه (1).
قال المجلسي في (المرآة) : قوله : «كل ما کان» خبره محذوف، أي ينتفع به.
وفي (التهذيب) بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رجل قتل مملوكه أو مملوكته ؟
قال : إن كان المملوك له أدبَ وحُبِس، إلا أن يكون معروفاً بقتل المماليك فيُقتل به(2).
وفي (التهذيب) أيضاً بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في رَجُل دخل داراً للتلصص [السرقة] أو الفجور، فقتله صاحب الدار أيقتل [ صاحب الدار] به أم لا ؟.
فقال : إعلم أن من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، لا لا يجب عليه [ صاحب الدار] شي(3).
وفي (الكافي) و (توحيد الصدوق) و (كشف الغمّة) بسنده عن الفتح بن يزيد الجرجاني، قال : ضَمَّني - وأبا الحسن (4) الطريق حين منصرفي من مكة إلى خراسان وهو صائر [سائر] إلى العراق، فسمعته وهو يقول :
«من اتَّقى اللّه يُتَّقى، ومَن أطاع اللّه يطاع».
ص: 354
قال : فتلطفت في الوصول إليه، فسلمت عليه، فَرَدَّ عَلَيَّ السلام، وأمرني بالجلوس، وأول ما ابتدأني به أن قال:
«يا فتح، مَن أطاع الخالق لم يُبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحلّ به الخالق سخط المخلوق(1)، وإن الخالق لا يُوصَف إلا بما وَصَفَ به نفسه، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به ؟
جَلَّ عما يصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون.
نَأى في قُربه، وقَرُبَ في نأيه، فهو في نأيه قريب، وفي قربه بعيد، كَيْفَ الكيف، فلا يُقال : كيف ؟ وأَيَّنَ الأين، فلا يُقال : أين ؟.
إذ هو منقطع الكيفية والأبنية (2)
هو الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فَجَل جلاله (3).
أم كيف يوصف بكنه محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ وقد قرنه الجليل باسمه، وشركه في عطائه، وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته [سبحانه ] إذا يقول : «وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» وقال - يحكي قول من ترك طاعته، وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها - : «يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا».
ص: 355
أم كيف يوصف بكنه من قَرْنَ الجليل طاعتهم بطاعة رسوله ؟ حيث قال :
«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وقال : َ«ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ» وقال : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» وقال : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
يا فتح، كما لا يوصف الجليل (جل جلاله) والرسول والخليل وولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن، المسلم لأمرنا.
فنبينا أفضل الأنبياء، وخليلنا أفضل الأخلاء، ووصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، وكُنيتهما أفضل الكُنى وأجلاها (أحلاها خ ل ).
لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوّجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد.
أشد الناس تواضعاً، أعظمهم حلماً، وأنداهم كفّاً ؛ وأمنعهم كنفاً.
ورث عنهما أوصياؤهما عِلمهما، فاردد إليهم الأمر، وسَلَّم إليهم.
أماتك اللّه مماتهم، وأحياك حياتهم، إذا شئت(1)، رحمك اللّه».
قال فتح : فخرجتُ، فلما كان الغد تلطَّف من تلطَّفتُ في الوصول إليه، فسلمت عليه، فردَّ عَلَيَّ السلام فقلت : يا بن رسول اللّه! أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي ؟.
ص: 356
قال : سَلْ، وإن شرحْتُها فَلي، وإن أمسكتها فلي(1) فَصَحُح نظرك، وتثبت في مسألتك واصغ إلى جوابها سمعك، ولا تسأل مسألة تَعَنَّتٍ واعتن بما تعتني به فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش.
وأما الذي اختلج في صدرك ليلتك، فإن شاء العالم [الإمام] أنباك.
إنّ اللّه لم يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول : فكلما كان عند الرسول كان عند العالم [الإمام] وكلّما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه، لئلا تخلو أرضه من حُجَةٍ يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته، وجواز عدالته.
يا فتح، عسى الشيطان أراد اللّبس (2) عليك، فأوهمك في بعض ما أودعتك ؟ وشكَكَ فى بعض ما أنبأتُك، حتى أراد إزالتك عن طريق اللّه، وصراطه المستقيم، فقلت : متى أيقنت أنهم كذا فَهُم أرباب ؟!!.
معاذ اللّه! مخلوقون، مربوبون، مطيعون اللّه، داخرون، راغبون
فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به.
فقلت له : جعلت فداك، فرَّجتَ عني، وكشفت - ما لبَّسَ الملعون عَلَيَّ - بِشرحك، فقد كان أوقع في خَلَدي(3) أنكم أرباب!.
قال : فَسَجَدَ أبو الحسن، وهو يقول في سجوده : راغماً لك يا
ص: 357
خالقي، داخراً، خاضعاً!!
قال : فلم يزل كذلك حتى ذَهَبَ ليلي، ثم قال :
يا فتح! كدت أن تهلك وتُهلك، وما ضَر عيسى [ابن مريم] إذا هلك من هلك فاذهب إذا شئت، رحمك اللّه.
قال : فخرجتُ، وأنا فرح بما كشف اللّه عني من اللبس، بأنهم هم، وحمدت اللّه على ما قدرت عليه.
فلما كان في المنزل الآخر، دخلتُ عليه، وهو متكىء، وبين يديه حنطة مقلوَّة (1) يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان في خَلَدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا، إذ كان ذلك آفة والإمام غير مأوفٍ!!
فقال : إجلس يا فتح! فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، وكل جسم مَعْذُو بهذا إلا الخالق الرازق.
لأنه جَسَّمَ الأجسام وهو لم يُجَسَّم، ولم يُجزىء بتناءٍ، ولم يتزايد، ولم يتناقص مُبرَّأ من ذاته ما رَكْبَ في ذات مَن جَسَّمَه الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، منشيء الأشياء، مُجسّم الأجسام، وهو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤوف الرحيم، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون عُلُوّاً كبيراً.
لو كان كما وُصِف (2) لم يُعرف الرّب من المربوب، ولا الخالق من المخلوق ولا المُنشِيء من المُنشَأ، ولكنّه فرق بينه وبين من جَسَّمه، وشيّأ الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى ولا يشبه شيئاً
إلى هنا انتهى ما في كشف الغمة) وفي (الكافي) هكذا :
ص: 358
... ولا المُنشىء من المنشأ، لكنه المُنشىء، فرَّق بين من جَسَّمه وصَوَّره وأنشأه، إذ كان لا يشبه هو شيئاً
قلت : أجل، جعلني اللّه فداك! لكنك قلت : «الأحد الصمد» وقلت : «لا يشبهه شيء اللّه واحد، والإنسان واحد، أليس قد تشابهت الوحدانية ؟
قال : يا فتح، أحَلتَ(1) ثبتك اللّه.
إنما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء فهي واحدة، وهي دالة على المُسمّى، وذلك : إن الإنسان، وإن قيل : واحد. فإنه يخبر أنه جُنّة واحدة، وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد، لأن أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة، ومَن ألوانه مختلفة غير واحد، وهو [الإنسان] أجزاء مجزأة، ليست بسواء، دَمُه غير لحمه، ولحمه غير دمه وعَصَبه غير عروقه، وشعره غير بَشَره، وسواده غير بياضه، وكذلك سائر جميع الخلق.
فالإنسان واحد في الإسم، ولا واحد في المعنى.
واللّه - جل جلاله - هو واحد، لا واحد غيره، لا اختلاف فيه ولا تفاوت، ولا زيادة ولا نقصان.
فأما الإنسان المخلوق، المصنوع، المؤلف من أجزاء مختلفة، وجواهر شتّى، غير أنه بالإجتماع شيء واحد.
قلت : جعلت فداك، فَرَّجتَ عَنِّي، فَرَّج اللّه عنك.
فقولك : «اللطيف الخبير» فَسِّره لي كما فسرت الواحد، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل (2) غير أني أحب أن
ص: 359
تشرح ذلك لي.
فقال : يا فتح! إنما قلنا : «اللطيف» للخلق اللطيف، ولعلمه بالشيء اللطيف.
أو لا ترى - وفقك اللّه وثبتك - إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف ومن الخلق اللطيف، ومن الحيوان الصغار، ومن البعوض والجرجس (1) وما هو أصغر منها : ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان - لصغره - الذكر من الأنثى، والحدث المولود من القديم؟
فلما رأينا صغر ذلك في لطفه، واهتدائه للسفاد(2) والهرب من الموت، والجمع لما يُصلحه، وما في لجج البحار، وما في لحاء(3) الأشجار، والمفاوز والقفار، وإفهام بعضها عن بعض منطقها، وما يفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها.
ثم تأليف ألوانها : حُمرةً مع صفرة، وبياض مع حمرة، وإنه ما لا تكاد عيوننا تستبينه - لدمامة (4) خلقها - لا تراه عيوننا، ولا تلمسه أيدينا، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف.
لطف بخلق ما سميناه بلا علاج (5) ولا أداة، ولا آلةٍ.
وأن كل صانع شيءٍ فمن شيء صَنَعَ، واللّه الخالق اللطيف الجليل خَلَقَ وصَنْعَ لا من شيء (6).
ص: 360
النيشابوري، ذكرناه في كتاب الإمام الجواد وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكيف كان فالرجل كان ثقة جليلاً، فقيهاً، متكلماً له عِظم شأن في هذه الطائفة، وقد بلغ من - الجلالة - درجة لا حاجة إلى نقل الأخبار في توثيقه وتعظيمه.
ومن الصحيح أن نقول : إنّ علماء الرجال، وأرباب التراجم اتفقت كلماتهم على توثيق الرجل وجلالة قدره، وهناك أقوال شاذة تدل على ذَمّ الرجل، ولكنّها مزيفة، ولا اعتبار بها.
ونذكر بعض ما يتعلق بالفضل بن شاذان في كتاب (الإمام العسكري) إن شاء اللّه.
بغدادي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).
البصري، روى عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مما يدل على
أنه كان من أصحابه، كما ذكره الشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) بسنده عن محمد بن عيسى العبيدي، عن الفضل بن المبارك أنه كتب إلى أبي الحسن : علي بن محمد [الهادي] (عَلَيهِ السَّلَامُ).
في رجل له مملوك، فمرض [المملوك] أيعتقه في مرضه أعْظَمُ لأجره ؟ أو يتركه مملوكاً ؟
فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إن كان في مرض فالعتق أفضل له، لأنه يعتق اللّه - عز وجل - بكل عضو منه عضوا من النار.
وإن كان في حال حضور الموت فيتركه أفضل له من عتقه (1).
ص: 361
الشعراني، اليقطيني ع-ده الشيخ من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان فاسد العقيدة، ضعيفاً.
وقد كتب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بعض شيعته رسائل في ذمّ هذا الرجل ولعنه.
فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى قال :
كتب إليَّ أبو الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) - ابتداءً منه - :
«لعن اللّه القاسم اليقطيني، ولعن اللّه ابن حسكة، إن شيطاناً يتراءى للقاسم، فيوحي إليه زخرف القول غروراً».
عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).
وفي (التهذيب) مكاتبة مُضمَرة [لم يذكر اسم المكتوب إليه ] وهو :
عن القاسم بن أبي القاسم، الصيقل، قال : كتب إليه [لعل
ص: 362
الصحيح : كتبت إليه ] : «يا سيدي! رجل نَذَرَ أن يصوم كل جمعة دائماً، ما بقي.
فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى، أو أيام التشريق، أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ؟ وكيف يصنع يا سيدي ؟».
فكتب إليه : «قد وضع اللّه عنك الصيام في هذه الأيام، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه تعالى»(1).
وفي (التهذيب) أيضاً عن الصيقل أنه كتب إليه [الهادي] أيضاً :
«يا سيدي! رجل نَذَرَ أن يصوم يوماً اللّه، فوقع فيه [ في ذلك اليوم ] على أهله [جامع زوجته في ذلك اليوم] ما عليه من الكفّارة ؟»
فأجابه : «يصوم يوما بدل يوم، وتحرير رقبة مؤمنة»(2).
أقول : ويُروى مثل هذا الحديث عن علي بن مهزيار في نفس المصدر.
الهمداني، من أهل آذربايجان، ومن وكلاء الناحية.
وفي كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن أحمد الصفواني قال : رأيت القاسم بن العلاء، وقد عمّر مائة سنة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، لقى مولانا أبا الحسن [الهادي] وأبا محمد الحسن العسكريين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...
وكان عنده قميص خَلَعَه عليه مولانا ابن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) أبو الحسن [الهادي] ]... الخ.
ص: 363