ايضاح الدلائل في شرح الوسائل

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 612 صفحة

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

الصورة

ص: 3

ايضاح الدلائل في شرح الوسائل

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 5

ص: 6

الصورة

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

طبع الجزء الأول من هذا الكتاب قبل عدّة سنوات، وقد نال منذ صدوره استحسان عدد كبير من العلماء الأعلام وطلاب العلم الأفاضل، وما زال الطلب لتكميل أجزائه متواصلاً، والتشجيع على مداومة العمل فيه متوالياً، والحث على إعادة طباعته لنفاذ نسخه مستمراً.

ولما حواه هذا الكتاب من دراسة مفصلة لكتاب وسائل الشيعة الذي تدور عليه رحى استنباط الأحكام الشرعية.

يبحث في هذه الدراسة - بعد شرح عنوان الباب عادة وبيان أقوال الخاصة والعامة - عن ترجمة آحاد الرواة الواقعين في السند لغرض بيان حالهم من حيث الوثاقة وعدمها عند أول ذكر للراوي في الكتاب ويحال في بقية الموارد التي يتكرر فيها إلى الموضع الأول الذي ذكر فيه، وعن تصحيح الرواية بطرق اُخر إذا لم يكن سندها معتبراً، وعن حلّ التعارض الموجود في بعض الموارد بين التوثيق والتضعيف للراوي الواحد، وعن ذكر الطرق إلى أصحاب الكتب من الرواة.

ولما تضمنه من بيان فقه أحاديثه مما يرتبط بعناوين الأبواب وما له صلة

ص: 9

مباشرة به، بياناً يميط اللثام عن وجهها، ويبدي بعضاً مما ستر من جمال معانيها وروعة مضامينها ودقة تعابيرها، وقد روعي في بيان فقه الحديث: ذكر المعاني اللغوية لبعض المفردات فيه، وإيضاح المبهم وحلّ المشكل وتفصيل المجمل وبيان كيفية ومقدار دلالة الحديث على عنوان الباب، ولو كان ذلك بضم أحاديث اُخر توضح المعنى، وحلّ مشكلة التعارض بين متنه وبقيّة المتون السابقة عليه أو اللاحقة له ولو في باب آخر، وذكر الفوائد المستنبطة من الأحاديث في نهاية كل باب.

وبهذا كلّه تميّز هذا الشرح عن غيره من شروح كتاب وسائل الشيعة كما يظهر بأدنى مقارنة بحيث لفت انظار الأعلام والفضلاء في الحوزات العلمية، لانه من ابحاث عالم وفقيه له مكانة رفيعة في الاوساط العلمية في مجال الفقه والاصول والتفسير والرجال، وله آثار علمية قيّمة في هذه المجالات، فإنّ سماحة الشيخ الاستاذ حفظه الله قد سار على نهج استاذه آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي (قدس سره) من التعمق في كل تلك المجالات، واحتذى حذوه في التحقيق فيها. ولهذا عقدت مؤسسة الامام الرضا (علیه السلام) العزم على تجديد طباعة هذا الاثر القيم مع بقية الاجزاء.

وتمتاز هذه الطبعة عن سابقتها بما يلي:

1- تصحيح بعض الأخطاء الواقعة في تقييم بعض الأسانيد.

2- زيادة البيان في دلالة بعض الأحاديث، حيث جاء البيان فيها مقتضباً في السابق بعض الشيء.

3- استدراك بعض النكات الدلالية في فقه الحديث.

ص: 10

4- استدراك بعض التراجم، واستدراك ما فات في بعض التراجم الأخرى.

5- ونظراً لصيرورة الجزء الأول ضخماً بسبب هذه الاضافات ارتأينا أن يكون في جزءين مناسبين من حيث عدد الصفحات لتماثل بقيّة الأجزاء الواقعة بعده من حيث الحجم.

ولا يفوتنا هنا أن نتقدّم بالشكر والامتنان إلى كلّ الإخوة المحقّقين، الّذين شاركوا في تحقيق وإخراج هذا الكتاب، أخصّ منهم بالذكر: حجة الإسلام الشيخ مرتضى الصالحي النجفي، وفضيلة الشيخ فالح العبيدي.

ختاما: نسأل الله تعالى أن يتقبل منّا، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

ص: 11

ص: 12

مقدمّة

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد..

فلا ريب في أهمّيّة السنّة الشريفة وعلوّ منزلتها، فإنّها عِدل القرآن الكريم، والمصدر الثاني للتشريع، وبها يُعرف تفسير الكتاب وتأويله، وفرائضه وسننه، وهي المبيّنة لتفاصيل مراداته، وفيها ما تحتاجه البشريّة من معارف ورؤىً وقوانين.

وللأهمّيّة البالغة للسنّة الشريفة حرص أتباع أهل البيت (علیهم السلام) ورواة تراثهم على تدوينها وضبطها في وقت مبكّر من عصر الرسالة الإسلاميّة إلى نهاية الغيبة الصغرى، بينما تعثّر تدوينها عند غيرهم قرابة قرن من الزمن؛ إثر منع الحكّام من تدوين الحديث. ولمّا ارتفع المنع دوّنت السنّة عندهم تحت تأثير السلطات والحكام، فحرّفت الأحكام، ووضعت الأحاديث على ما يوافق رأي السلطة الحاكمة.

وقد كان أتباع أهل البيت (علیهم السلام) بعيدين كلّ البعد عن تأثير الحكومات والعنصريّات والعصبيّات. ويظهر ذلك جليّاً في مدوّناتهم ومجاميعهم في

ص: 13

السنّة الشريفة.

ومن هذه الاستقلاليّة ومن الاستمرار في التدوين برزت كتب تحوي ما سجّله علماء الأمّة ورواة تراث الأئمّة، ممّا رووه عن أئمّة الهدى (علیهم السلام) . وبهذه الكتب خُلّد الحديث الشريف الجامع لأصول الدين وفروع الشريعة، وكان منها أربعمائة كتاب عرفت ب- «الاُصول الأربعمائة».

ثمّ تمخّضت زبدة تلك الاُصول في الكتب الأربعة: كتاب الكافي، وكتاب من لا يحضره الفقيه، وكتاب تهذيب الأحكام، وكتاب الاستبصار.

أما كتاب الكافي: فهو للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، المتوفّى سنة 329 ه- . ويمتاز: بقرب زمانه من الاُصول المعتمدة، وبدقّة ضبطه، وجودة ترتيبه، وحسن تبويبه.

وأما كتاب من لا يحضره الفقيه: فهو لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة 381 ه- ، والمعروف بالصدوق.

وأما كتابا التهذيب والاستبصار: فهما لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة 360ه- . والتهذيب شرح لكتاب المقنعة في الفقه لشيخه المفيد (رحمه الله) ، وقد أورد في ذيل مسائله الأحاديث الفقهيّة، وخصّ بعضها بأبواب عنونها بالزيادات في كلّ كتاب.

وأما الاستبصار فقد جعله للأخبار المتعارضة، وتعرّض للجمع فيما بينها إذا أمكن، أو ترجيح بعضها على الآخر.

وقد أصبحت هذه الكتب مرجعاً عامّاً للفقهاء الكرام، ومداراً لاستنباط

ص: 14

الأحكام الشرعيّة. وهذا لا يعني إلغاء غيرها من كتب الحديث وكتب التفسير الروائيّة، على كثرتها وكثرة ما فيها من الأحاديث.

ولمّا كانت الأحاديث المتعلّقة بكل فرع من الفروع الفقهيّة أو المسائل الاعتقاديّة متفرّقة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة، ولم يراع التنظيم في أكثرها، مضافاً إلى صعوبة الإحاطة والعثور على جميع ما يتعلّق بفرع فقهيّ معيّن في تلك الكتب، انبرى علماؤنا لرفع هذه النقائص وغيرها، وسدّ ذلك الخلل.

وممّن تصدّى لهذا العمل الكبير الواسع: الشيخ العلّامة، المحقّق الكبير، والمحدِّث الخبير، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي رضوان اللَّه عليه.

فقد ألّف كتابه الكبير وسائل الشيعة في مدّة ثماني عشرة سنة، وأتعب نفسه الشريفة في جمعه وتبويبه وتصحيحه وترتيبه، وأخرج فيه الأحاديث المرتبطة بالفروع الفقهيّة، وما يتعلّق بالسنن والآداب الشرعيّة، فصار مشتملاً على جميع أحاديث الأحكام الشرعيّة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة التي تبلغ اثنين وثمانين كتاباً، أورد أسماءها، ونقل عنها بلا واسطة، مع ذكر الأسانيد، وحسن الترتيب، وعقد باباً مستقلاًّ لكل حكم. فيه أهمّ الأحاديث ذات الدلالة الواضحة على عنوان الباب، الذي أورده على ما يوافق رأي مشهور الفقهاء، وإن كان مخالفاً لرأيه الشريف. وأما إذا كان الحكم مختلفاً فيه بلا شهرة فإنه يصدره بقوله: «باب حكم كذا» تاركاً استفادة الحكم من أحاديث الباب لمن يقدر على الترجيح بينها، وربما

ص: 15

أضاف أحاديث تعارض ما سبقها في الدلالة، ثمّ أعقبها بما يرفع التنافي بينها من وجوه الجمع. كما أشار في أكثر الأبواب إلى ما يناسب الباب ممّا تقدّم عليه أو تأخّر، ورتّب الأبواب على نسق ترتيب كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلي (رحمه الله) ، فبلغت تلك الأبواب قرابة السبعة آلاف باب على ما قيل، حوت من الأحاديث - بعد تقطيعها - خمسة وثلاثين ألفاً وثمانمائة وثمانية وستين، وعقد في آخر الكتاب خاتمة اشتملت على فوائد مهمّة، وعددها اثنتا عشرة فائدة.

كما كتب له فهرساً سمّاه ب- «من لا يحضره الإمام (علیه السلام) »؛ لتسهيل العثور على المطلوب. ذكر فيه الكتب والأبواب وعدد أحاديث كلّ باب، وما تدلّ عليه الأبواب من الأحكام، إضافة إلى ما ذكره في عنوان الباب. وهذا - بلا ريب - مجهود جبّار تنوء به العصبة أولو القوّة، مع ما كان للمصنّف من أشغال وكتابات موسوعيّة أخرى.

ولذلك كلّه حظى هذا الكتاب ما لم يحظ غيره، فصار مرجعاً فريداً لفقهائنا الأجلاء منذ تدوينه إلى عصرنا هذا ؛ لما حواه من مزايا ليست في سواه من المجاميع الحديثيّة المعاصرة له، كالوافي والبحار وغيرهما، فما من فقيه إلّا وهو ينهل من معين هذا الكتاب.

وقد قال المحدِّث النوري رضوان اللَّه عليه في شأن كتاب «الوسائل»: «فصار - بحمد اللَّه تعالى - مرجعاً للشيعة، ومجمعاً لمعالم الشريعة، لا يطمع

ص: 16

في إدراك فضله طامع، ولا يغني العالم المستنبط عنه جامع» (1) .

ولذا شرحه العلماء، وعلّقوا عليه، وأوضحوا بعض ما أُجمل فيه.

ولكنّ تلك الشروح لم تتمّ، وكان بعضها مختصّاً بتعيين ما تقدّم وتأخّر في أواخر الأبواب.

وكان من جملة من ألّف في التعليق على «الوسائل»: آية اللَّه العظمى الإمام السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ، فقد بيّن فيه - مضافاً إلى بيان ما تقدّم وما تأخّر وتعيين محلّه وبابه - ما يستفاد من أحاديث الباب زائداً على ما استفاده الشيخ الحرّ العاملي، وذكره في عنوان الباب، كما ذكر الأحاديث التي لم يذكرها الشيخ الحرّ العاملي في هذا الباب مع أنّه يدخل تحت عنوان الباب(2) .

وقد ذكر لنا الشيخ الاُستاذ الداوري حفظه اللَّه: أنّ السيد الخوئي (قدس سره) كان يرغب في أن يتصدّى أحد العلماء للقيام بشرح كتاب «الوسائل»، والتعليق عليه، والبحث عن أسانيد أحاديثه بالتفصيل.

وممّن تصدّى لشرح الكتاب: أُستاذنا آية اللَّه الشيخ مسلم الداوري حفظه اللَّه، عبر إلقائه المحاضرات القيّمة المختصّة ببيان الكتاب متناً وسنداً، والمشحونة بالفوائد، حيث جعله محوراً لمحاضراته الفقهيّة. فكان هذا الشرح ثمرة تلك الإفادات، مضافاً إلى ما استفدناه منه حفظه اللَّه خارج

ص: 17


1- مستدرك الوسائل1 : 60 ، مقدمة المؤلف.
2- الذريعة 4 : 352.

البحث. وسيأتي الكلام على مزايا هذا الشرح ضمن الاُمور التي صدّرنا بها هذا الجزء.

وممّا يجدر بنا ذكره هنا - حفظاً للحقوق - أنّا استفدنا ممّا كتبه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد عليّ المعلّم (رحمه الله) في خصوص الباب الأول وشطر من الثاني، كما استعنّا بما كتبه زميلنا سماحة حجة الإسلام الشيخ عبد المجيد العيسى في خصوص الباب الأول.

تنبيهات:

1 - أدرجنا جميع هوامش الطبعة الجديدة «للوسائل» بتحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، الطبعة الثانية (1414 ه- )؛ إتماماً للفائدة.

2 - جعلنا هوامش المتن مميّزة عن هوامش الشرح بنجمة صغيرة تأتي بعد رقم الحاشية محاطة بقوسين، كما أنّها أصغر حجماً من أرقام هوامش الشرح، وصورتها هكذا: (1٭).

3 - الرقم الأول في المتن المحاط بين معقوفتين هو: رقم التسلسل العام لأحاديث «الوسائل»، والرقم الثاني الذي يليه هو: رقم الحديث في الباب. فمثلاً: [45] 6- يعني: الحديث 45 بحسب التسلسل العام، وهو الحديث 6 من أحاديث الباب.

4 - الرقم المحاط بالمعقوفتين في الشرح - الذي يسبق عبارة (فقه الحديث) - إشارة إلى: أنّ فقه الحديث مرتبط بالحديث الذي يحمل الرقم نفسه في المتن. فمثلاً: [3] - فقه الحديث يعني: أنّ فقه الحديث هذا مرتبط

ص: 18

بالحديث 3 من الباب.

وختاماً نسأل اللَّه تعالى أن يجعل هذا الشرح عملاً خالصاً لوجهه الكريم، وخدمة لأهل العلم، وينفع به الباحثين في الوصول إلى الغرض، كما نفع بأصله، في ظلّ رعاية وليّ أمرنا بقيّة اللَّه الأعظم صاحب الزمان الحجّة بن الحسن أرواحنا له الفداء.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربِّ العالمين.

وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

عبّاس الحسيني محمّد عيسى البنّاي

قم المقدّسة

ص: 19

ص: 20

تمهيد: فیه اثنا عشر أمراً

اشارة

في بيان اُمور يحسن ذكرها قبل الشروع في أبواب الكتاب:

الأمر الأوّل:

إنّ ممّا يكثر ذكره في الوسائل عند النقل عن الكليني (قدس سره) : التعبير ب-«عدّة من أصحابنا»، فلابدّ من بيان هذه العبارة.

وأكثر ما يرد التعبير بها في أوّل السند، بعد ذكر الكليني، أو محمّد بن يعقوب، وأمّا ذكر العدّة في وسط السند فهو قليل.

والراوي بعد العدّة في أكثر الموارد هو أحد ثلاثة أشخاص:

1 - أحمد بن محمّد بن عيسى.

2 - أحمد بن محمّد بن خالد.

3 - سهل بن زياد.

وهناك أشخاص آخرون ورد ذكرهم بعد العدّة في كلام الكليني غير هؤلاء الثلاثة، ولكنَّ ذلك في موارد قليلة لا تتجاوز مورداً أو موردين، وهم تسعة أشخاص:

1 - جعفر بن محمّد.

2 - سعد بن عبد اللَّه.

ص: 21

3 - الحسين بن الحسن بن يزيد.

4 - أحمد بن الحسن.

5 - عليّ بن أسباط.

6 - عليّ بن الحسن بن صالح الحلبي.

7 - عليّ بن الحسن بن فضّال.

8 - محمّد بن عبد اللَّه.

9 - إبراهيم بن إسحاق الأحمر.

كما أنّه قد تذكر العدّة في أثناء السند في «الكافي» وغيره، ولم يفصّل غالباً أو يبيّن المراد منهم.

نعم، ورد في عدّة أسانيد من «الكافي»: الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، وقد ورد في أسانيد اُخرى التصريح بأسمائهم.

والمقصود بقوله: «غير واحد» هم: جعفر بن محمّد بن سماعة، والميثمي، والحسن بن حمّاد(1)

، على ما نقله صاحب «الوسائل»(2) .

كما أنّه لم يرد بيان أو تعريف بأفراد العدّة من الكليني نفسه، إلّا في الحديث الأوّل من كتابه، حيث قال: «حدّثني عدّة من أصحابنا، منهم:

محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد»(3) ، وفي الحديث الثاني من

ص: 22


1- تهذيب الأحكام 7 : 130، ب 9، ح 570.
2- وسائل الشيعة: 30 : 149 ، الفائدة الثالثة.
3- الكافي: 1 : 10 ، كتاب العقل والجهل، ح 1.

كتاب الحجّة، حيث قال: «عدّة من أصحابنا منهم: عبد الأعلى، وأبو عبيدة، وعبد اللَّه بن بشر الخثعمي، سمعوا ...»(1)

، على أنّ في المورد الثاني بيان العدّة من آخر السند، والكلام إنّما هو في العدة التي يروي عنها الكليني (قدس سره) ، وهي في أوّل السند.

وما ذكره صاحب «الوسائل» من: أنّه وجد في بعض نسخ «الكافي» من كتاب العتق هكذا: «عدّة من أصحابنا: عليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن جعفر، ومحمّد بن يحيى، وعليّ بن محمّد بن عبد اللَّه القمّي، وأحمد بن عبد اللَّه وعليّ بن الحسن جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن خالد»(2) لم يصل إلينا؛ فإنّ نسخ «الكافي» الموجودة ليس فيها ذكر لهذه العدّة، حتّى إنّ صاحب «الوسائل» نفسه في كتاب العتق لم يعتمد على ذلك، وإنّما نقلها بعنوان النسخة، وإن استظهر (قدس سره) في الخاتمة أنّ الرواة «المذكورين من جملة العدّة التي تروي عن ابن خالد»(3) .

وعلى كلّ تقدير، فإنّ التعبير بالعدّة أو غير واحد أو جماعة أو نحوها لا يُعدّ إرسالاً عند المشهور، بل هو في حكم المسند الصحيح، وإن لم يعرِّف الكليني (قدس سره) في «الكافي» العدّة التي يروي عنها.

نعم قال العلّامة في الفائدة الثالثة:

ص: 23


1- الكافي1 : 261 ، باب: أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان وما يكون، ح 2.
2- وسائل الشيعة 30 : 148.
3- المصدر نفسه.

«قال الشيخ الصدوق محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: والمراد بقولي: (عدّة من أصحابنا): محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم».

وقال: «كلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن اُذينة، وأحمد بن عبد اللَّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن».

وقال: «وكلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، فهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبد اللَّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني»(1)

هذا، ولم يذكر العلّامة مستنده فيما نقله؛ ولعلّه نقل ذلك عن بعض كتب الكليني (قدس سره) .

ونقل النجاشي في ترجمة الكليني عنه: «كلّما كان في كتابي عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، فهم: محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم»(2)

وما ذكره النجاشي في كتابه مطابق لما نقله العلّامة، ودليل على صدقه.

ص: 24


1- خلاصة الأقوال: 430 ، الفائدة الثالثة.
2- رجال النجاشي: 378 / 1026.

ثمّ إنّ هذه العِدد الثلاث معتبرة في الجملة؛ وذلك لاشتمال كلّ واحدة منها على أكثر من شخص قد ورد النصّ على توثيقه. بيان ذلك:

أمّا العدّة الأولى: - وهي التي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى - فهي تشتمل على خمسة أشخاص، كما ذكر العلاّمة والنجاشي، ثلاثة منهم ثقات، وهم:

الأوّل: محمّد بن يحيى العطّار، وقد نصّ النجاشي على وثاقته قائلاً: «شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث»(1) .

وقال الشيخ - في ذكر أسماء من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) - : «محمّد بن يحيى العطّار، روى عنه الكليني، قمّي، كثير الرواية»(2)

الثاني: أحمد بن إدريس، قال النجاشي: «أحمد بن إدريس بن أحمد، أبو عليّ، الأشعريّ، القمّي، كان ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية»(3)

وذكر الشيخ مثله(4)

الثالث: عليّ بن إبراهيم، قال النجاشي: «علي بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن، القمّي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع

ص: 25


1- رجال النجاشي: 353 /946.
2- رجال الطوسي: 439 /6274.
3- رجال النجاشي: 92/228 .
4- فهرست الطوسي: 71 /81.

فأكثر»(1) .

وأمّا الآخران - وهما: عليّ بن موسى الكمنداني (الكمنذاني) وداود بن كورة أبو سليمان القمّي، الأول ثقة، والثاني لم يرد في حقه توثيق.

وأمّا العدّة الثانية: - وهي التي تروي عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي - فهي تشتمل على أربعة أشخاص، ثلاثة منهم ثقات أيضاً، وهم:

الأوّل: عليّ بن إبراهيم بن هاشم، وقد تقدّم.

الثاني: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن اُذينة، كما في «الوسائل»(2) . والصحيح أنّه ابن بنته، أي أنّ البرقي جدّه لأمّه، وهو عليّ بن محمّد بن بندار، الملقّب أبوه ب- «ماجيلويه»، وهو ثقة.

قال النجاشي: «عليّ بن أبي القاسم عبد اللَّه بن عمران البرقي، المعروف أبوه ب- «ماجيلويه»، يكنّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي، وتأدّب عليه، وهو ابن بنته»(3)

الثالث: عليّ بن الحسن، والصحيح: عليّ بن الحسين السعدآبادي، وهو من مشايخ ابن قولويه(4)، وقد حقّقنا في محلّه(5): أنّ مشايخ ابن قولويه في

ص: 26


1- رجال النجاشي: 260/680 .
2- وسائل الشيعة30 : 148، الفائدة الثالثة.
3- رجال النجاشي: 261 /683.
4- كامل الزيارات: 216، باب36 ، ح314.
5- اُصول علم الرجال 1 : 323 و 324.

«كامل الزيارات» كلّهم ثقات.

الرابع: أحمد بن عبد اللَّه، عن أبيه. والصحيح: ابن ابنه؛ فإنّ البرقي جدّه لأبيه، فهو حفيده، وهو يروي عن جدّه، ولم يرد فيه توثيق.

وأمّا العدّة الثالثة: - وهي التي تروي عن سهل بن زياد - فهي تشتمل على أربعة أشخاص، اثنان منهم موثّقان، وهما:

الأوّل: عليّ بن محمّد بن علّان، والظاهر أنّ لفظ «ابن» الثانية زائدة؛ فإنّ عليّ بن محمّد هو: المعروف ب- «علّان»، وهو ثقة. قال النجاشي: «عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف ب- (علّان)، يكنّى أبا الحسن، ثقة، عين»(1)

، وهو خال الكليني وشيخه، كما ذكره النجاشي في ترجمة الكليني(2)

والثاني: محمّد بن أبي عبد اللَّه، وهو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، وهو ثقة. قال النجاشي: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الريّ، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللَّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء»(3)

وقال الشيخ في كتابه «الغيبة»: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين

ص: 27


1- رجال النجاشي: 260/682 .
2- المصدر نفسه: 377.
3- المصدر نفسه: 373/1020.

أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي (رحمه الله) ... ثمّ قال: ... ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغيّر ولم يطعن عليه»(1)

وأمّا الثالث: وهو محمّد بن الحسن، فقد اختلفت الأقوال في المعنيّ به، والمشهور أنّه محمّد بن الحسن الصفّار، وهو الظاهر من الفاضل الاسترابادي وصاحب «الوسائل» والكاظمي وغيرهم(2)؛

يروي عنه الكليني في واحد وتسعين مورداً مصرِّحاً باسمه، وهو من الأجلّاء الثقات. قال النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية»(3)

وقيل: هو محمّد بن الحسن البرناني، الذي روى عنه الكشّي(4)

، ولم يرد فيه توثيق.

وقيل: هو محمّد بن الحسن المحاربي. قال النجاشي: «جليل، من أصحابنا، عظيم القدر، خبير باُمور أصحابنا»(5) .

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن عليّ أبو المثنّى، كوفي. قال النجاشي:

ص: 28


1- الغيبة: 415 - 417 .
2- خاتمة المستدرك 21 : 516 ، الفائدة الرابعة.
3- رجال النجاشي: 354/948.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 414/307.
5- رجال النجاشي: 350/943.

«ثقة، عظيم المنزلة في أصحابنا»(1) .

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن الوليد، وهو من مشايخ الصدوق المعروف بالعدالة والدقّة.

وقيل: هو محمّد بن الحسن القمّي، الذي وصف بأنّه نظير ابن الوليد في الرواية.

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن بندار القمّي، المتّحد مع السابق على قولٍ(2).

وقيل(3):

هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة، وهذا ليس له ذِكر في كتب الرجال.

وقيل: هو محمّد بن الحسن الطائي الرازي، المذكور في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن العبّاس الخراذيني (الجراذيني) (4). وقد روى عنه الكليني في كتاب الجهاد(5) مصرّحاً باسمه، إلّا أنّه لم يرد فيه توثيق

ص: 29


1- رجال النجاشي: 382/1039.
2- وهو للأستاذ الاكبر. راجع: تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 290، كما جاء في خاتمة المستدرك 3 : 529، الفائدة الرابعة.
3- نسب هذا القول السيد البروجردي (قدس سره) إلى بعض، لكن السيد قال بأننا لم نظفر على ولد للحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة اسمه محمد. (مقدمة أسانيد كتاب الكافي المطبوعة في مجلّد حياة السيد البروجردي: 344، الثاني والثلاثون: محمّد بن الحسن).
4- رجال النجاشي: 255/668، عليّ بن العباس الجراذيني.
5- الكافي5 : 23، باب الجهاد مع من يكون، ح3.

صريح، واستظهره السيّد البروجردي (قدس سره) (1).

وقيل: هو محمّد بن الحسن الطاطري.

وقيل: هو محمّد بن الحسن الميثمي.

والظاهر أنّ المترجّح من كلّ ما ذكر اثنان:

أحدهما: الصفّار؛ لشهرته، وقربه من الكليني في الطبقة؛ حيث إنّه توفّي سنة (290ه-)، والكليني توفي سنة (329ه-)، وبقرينة المروي عنه؛ فإنّ بعضاً ممّن وقعوا بعد محمّد بن الحسن قد روى عنهم الصفّار، كسهل بن زياد.

وأمّا ابن الوليد، فقد توفّي بعد الكليني بأربع عشرة سنة، وهو يروي عن الصفّار، فكيف يروي عنه الكليني؟!

وأمّا الباقون، فلا دليل على كونهم في طبقة الكليني، بل إنّ بعضهم لم يثبت لهم وجود في كتب الرجال، كما في محمّد بن الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة، وكذا الطاطري، ولعلّه مصحّف الطائي، كما في بعض نسخ «الكافي».

وثانيهما: الطائي، وممّا يقرّب أن يكون هو المراد أمور:

أحدها: أنّه ورد في رواية من «الكافي» التصريح به، بناءً على ثلاث نسخ منه، موافقة «للوافي» و«الوسائل»، وإن كان في بعض نسخه: الطاطري،

ص: 30


1- في المقدمة الرابعة من مقدمة كتابه «أسانيد كتاب الكافي» المطبوعة في مجلّد حياة المؤلف: 346.

والظاهر أنّه غلط؛ لعدم وجوده في كتب الرجال.

ثانيها: أنّه ورد في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن عبّاس الجراذيني الرازي التصريح به، فقد قال: «أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، عن ابن أبي رافع، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن الطائي الرازي، قال: حدّثنا عليّ بن العبّاس ...»(1).

ثالثها: أنّه وردت رواية محمّد بن الحسن الطائي عن سهل في كتابي «التوحيد» و«الأمالي» في عدّة موارد، ولم ترد رواية الصفّار عنه إلّا في موردين: أحدهما في «التهذيب»، واحتمال التصحيف موجود فيه، والثاني في «الفقيه»، وهو قابل للتأمّل.

وكذلك لم ترد روايته عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر في الكتب الأربعة، ولا عن صالح بن أبي حمّاد، ولا عن عبد اللَّه بن أحمد، ولا عن عبد اللَّه بن الحسن، وغيرهم ممّن قد روى عنهم محمّد بن الحسن، إلّا أنّه سيأتي في مطاوي الكتاب القرائن الدالّة على أنّه الصفّار.

هذا، وقد ورد تارة بعنوان محمّد بن الحسن الرازي، وأخرى بعنوان محمّد بن الحسين بن الحسن الرازي الطائي.

وقد قال الشيخ منتجب الدين فيه: «فاضل، صالح»(2) ، وبذلك يحكم بوثاقته.

ص: 31


1- رجال النجاشي: 255/668 .
2- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم: 190.

وكيف كان، فالأمر دائر بين الصفّار والطائي، وكلاهما ثقتان.

والنتيجة: أنّ العدّة الاُولى تشتمل على ثلاثة من الموثّقين، والعدّة الثانية تشتمل على ثلاثة من الموثّقين أيضاً، والعدّة الثالثة تشتمل على اثنين أو ثلاثة من الموثّقين، ومن ذلك يُعلم أنّ العِدد الثلاث مورد للاعتبار والقبول، على أنّنا لو لم نعرف أنّ من أفراد هذه العِدد أشخاصاً ثقاتٍ، لم يُستبعد الحكم باعتبارها أيضاً؛ لقضاء العادة بأنّ الذي يروي عن عدّة أشخاص في عرض واحد لابدّ أن يكون فيهم شخص واحد - على الأقل - ثقة، فكيف إذا كان هناك نصّ على وثاقة بعضهم، كما بيّنا؟!

ثمّ إنّ وقوع العدّة في وسط السند أو آخره لا يعني أنّ الرواية مرسلة. فالتعبير بجماعة، أو غير واحد، أو نحو ذلك ليس إرسالاً في السند؛ وذلك لورود التصريح في عدّة أسانيد بأسماء المقصودين، كما أشار إلى ذلك صاحب «الوسائل» في الفائدة الثالثة من الخاتمة(1)،

بل لا يبعد القول باعتبار السند مع تماميّة سائر الشرائط؛ لما ذكرنا من قضاء العادة بذلك.

الأمر الثاني:

أنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) كثيراً ما يعبّر عند نقله الرواية عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) ، أو الشيخ الصدوق، أو غيرهما بقوله: «وروى بإسناده» وربما يقال: إنّ المراد بهذه اللفظة جمع سند، فتكون الهمزة مفتوحة. ولكنّ الظاهر

ص: 32


1- وسائل الشيعة 30 : 149، الفائدة الثالثة.

أنّ المراد منها هو المصدر، وأنّ الهمزة مكسورة؛ وذلك لأنّه قد لا يكون للشيخ الصدوق أو الشيخ - قدّس سرّهما - غير هذا السند في بعض الموارد، وإن كان له عدّة أسانيد في موارد اُخرى، فكون المراد بهذه اللفظة الجمع ليس صحيحاً دائماً.

على أنّ التعبير بالمصدر قد يؤدّي معنى الجمع، فالقدر المتيقّن هو إرادة المصدر؛ لأنّه وافٍ بالغرض. مضافاً إلى أنّه لو أراد التعدّد لعبّر بصيغة منتهى الجمع، وهي أسانيد، كما في بعض الموارد.

ثمّ إنّ التعبير «بإسناده» يدلّ على أنّ هناك سنداً لم يُذكر، ولابدّ من الفحص عنه في «المشيخة» أو الطرق إلى الكتب؛ لمعرفة أفراده، وملاحظة وثاقتهم وعدمها.

فإذا قال صاحب «الوسائل» مثلاً: «روى الشيخ بإسناده، عن محمّد بن يعقوب» فمعنى ذلك أنّ بين الشيخ وبين الكليني واسطة، لا أنّه يروي عنه مباشرةً. وعليه فلا يكتفى بما هو مذكور في السند من دون ملاحظة الواسطة.

وسوف نبيّن - إن شاء اللَّه - المراد ب- «إسناده»، ونتعرّض لكلّ فرد من أفراد السند المذكور في «المشيخة» أو الفهرست أو غيرهما من جهة الوثاقة وعدمها.

الأمر الثالث:

أنّ من عادة صاحب «الوسائل» - على ما ذكر في خاتمة الكتاب - أن

ص: 33

يصرّح باسم الكتاب الذي ينقل الحديث منه ومؤلّفه، غير الكتب الأربعة، فإنّه يصرّح باسم مؤلّفيها، ولا يصرّح بأسماء الكتب. فما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن يعقوب فهو من «الكافي»، وكذا ما كان معطوفاً عليه. وما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن عليّ بن الحسين فهو من كتاب «من لا يحضره الفقيه»، وكذا ما كان معطوفاً عليه. وما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن الحسن فهو من «التهذيب» أو «الاستبصار»، وكذا ما كان معطوفاً عليه.

وما لم ينتقل من اسم إلى اسم فهو باقٍ على الرواية عن صاحب العنوان الأوّل.

وأمّا إذا روى في أوّل حديثٍ عن عنوان محمّد بن يعقوب مثلاً، ثمّ قال بعده: ورواه الصدوق بإسناده نحوه، أو قال: ورواه الشيخ مثله، فهذا لا يعدّ انتقالاً عن الرواية عن صاحب العنوان، الذي هو محمّد بن يعقوب في المثال.

نعم، إذا قال بعد ذلك: محمّد بن الحسن... فإنّه انتقال من الرواية عن محمّد بن يعقوب في «الكافي» إلى الرواية عن محمّد بن الحسن في «التهذيب» أو «الاستبصار».

الأمر الرابع:

أنّ صاحب «الوسائل» قد يعقّب بعد أن يورد الرواية بقوله: ورواه البرقي في المحاسن مثلاً، أو يقول: وروى البرقي مثله، أو يقول: وروى البرقي نحوه. وهذه التعابير الثلاثة كثيرة في «الوسائل»، كما أنّها كذلك في «جامع

ص: 34

أحاديث الشيعة»، وبينهما جهة اشتراك وجهة اختلاف.

أمّا جهة الاشتراك، فهي أنّ الرواية واحدة في هذه الموارد الثلاثة، وإلّا لو كانت رواية أخرى لذكرها على نحو الاستقلال، من دون حاجة للعطف.

وأمّا جهة الاختلاف، فإنّ قوله: «رواها» يعني أنّ الرواية بعينها هي الرواية السابقة من دون زيادة ونقيصة.

وأمّا إذا قال: «مثله» فالمراد أنّها ليست عين الرواية السابقة، بل فيها زيادة أو نقيصة.

وأمّا إذا قال: «وروى نحوه» فالمراد أنّها ليست عين الرواية السابقة أيضاً، بل فيها زيادة ونقيصة معاً، وإن كان الجميع رواية واحدة.

وهذا الذي ذكرنا في تفسير المثل والنحو إنّما هو على النحو الغالب، وإلّا ففي بعض الموارد قد يقع خلاف ما تقدّم ذكره.

الأمر الخامس:

أنّ ممّا يبتلى به في الأسانيد هو العناوين المشتركة، وسبب الاشتراك يعود إجمالاً إلى أحد هذه الأمور:

أحدها: ورود الرواية مشتملة على ذكر اسم الراوي مجرّداً عن الأب والجدّ واللقب، كأن يرد في بعض الروايات «أحمد» أو «الحسين».

ثانيها: ورود الرواية مشتملة على ذكر الكنية فقط، مثل: أبي جعفر، أو أبي يحيى، أو ابن العرزمي، أو ابن سنان، وغيرهم.

ص: 35

ثالثها: التشابه في الاسم واسم الأب مع كونهما في زمان واحد، أو أزمنة مختلفة، مثل: أحمد بن محمّد، ومحمّد بن يحيى، وغيرهما.

رابعها: التشابه في اللقب أو النسبة، كالكلبي، أو القاضي، أو البغدادي، وغيرها.

وهناك أسباب أخرى تتّضح من مراجعة أسانيد الأحاديث.

والمهمّ هو العلاج وبيان قواعد يتميّز بها المراد من العنوان؛ حتّى يتبيّن حال الرواية، وأنّها معتبرة أو لا.

وهي أمور:

الأوّل: ملاحظة طبقة الراوي والمروي عنه، و بهذا الأمر يمكن تشخيص كثير من المشتركات، وتمييز بعضها عن بعض.

الثاني: ملاحظة الأسانيد المتشابهة والمكرّرة، فمع ملاحظة هذه الأسانيد يمكن تشخيص المشترك وتبيينه.

الثالث: نصّ أحد أعلام الرجاليّين وأهل الحديث على تعيين المراد من العنوان المشترك، كما إذا ورد عن أحدهم مثلاً: «كلّما قلت: أحمد بن محمّد، فهو أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً»، أو يظهر ذلك بواسطة القرائن.

الرابع: كون أحد الأشخاص من المشتركين في الاسم معروفاً في الرواية دون الباقين؛ من جهة أنّ له كتاباً أو أصلاً، ولم يكن للآخرين ذلك. فالمطلق ينصرف بحسب العادة إلى المعروف.

الخامس: كون أحد المشتركين معروفاً بالرواية؛ لكثرة رواياته في

ص: 36

الكتب دون الباقين؛ للوجه المتقدّم.

السادس: وجود طريق آخر للرواية وقع فيه العنوان المطلق مقيّداً، كما يوجد ذلك في كثير من روايات «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد يوجد في «الكافي» و«الفقيه» أيضاً.

فهذه أصول التمييز بين المشتركات، التي سوف نعتمد عليها في هذا المجال.

الأمر السادس:

أنّ هناك وجوهاً ذكرت في مقدار اعتبار روايات الوسائل، وهي تختلف في مدى اعتبار الروايات كلّاً أو بعضاً، وهي:

الوجه الأوّل: ما ذكره المحدّثون - كما هو رأي المؤلّف(1) وصاحب «الحدائق»(2) - من أنّ جميع ما في الكتب المعتبرة لا يحتاج إلى الفحص عن أسانيده، فكلّها معتبرة.

الوجه الثاني: ما ذكره جماعة من المحقّقين، من أنّ ما في الكتب الأربعة، أو «الكافي» و«الفقيه» معتبر.

الوجه الثالث: أنّ كلّ ما عمل به المشهور فهو معتبر، وما أعرضوا عنه فليس بمعتبر.

ص: 37


1- الفوائد الطوسية: 10، الفائدة الأولى.
2- الحدائق الناضرة 1 : 14.

الوجه الرابع: ما ذهب إليه مشهور المتأخّرين، من أنّه لابدّ من ملاحظة كلّ فرد وقع في أسانيد الروايات، فإن كان ورد فيهم توثيق فهي معتبرة وإلّا فلا يحكم باعتبارها.

وسوف نعتمد في توثيق الأشخاص على ما يلي:

1 - كتاب النجاشي.

2 و 3 - فهرست الشيخ ورجاله.

4 - رجال الكشّي، وهو المسمّى ب- «اختيار معرفة الرجال».

5 - فهرست الشيخ منتجب الدين.

6 - معالم العلماء، لابن شهرآشوب.

7 - ما ذكره ابن الغضائري، إلّا أنّه من باب التأييد.

8 - ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم في القسم الأوّل.

9 - ما ورد في نوادر الحكمة في قسم المستثنى منه.

10 - رواية المشايخ الثقات عن شخصٍ، والمشايخ الثقات: محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، ويونس بن عبد الرحمن.

وقد نسلك في تصحيح الرواية طرقاً أخرى من قبيل: شهرة الكتاب، أو كون الكتاب ممّا اعتُمِد عليه، وغير ذلك. فإن لم نجد تصحيحاً للرواية بهذه الطرق أشرنا إلى أحد المسالك المتقدّمة، وإن كان فيها نظر عندنا، كما حقّقناه في «أصول علم الرجال».

ص: 38

وليس مقصودنا من التعرّض للأسانيد بهذا النحو الردّ على سائر المباني أو تضعيفها، خصوصاً مبنى المحدِّث الجليل صاحب الوسائل (رحمه الله) ، فلعلّه - واللَّه العالم - هو الصواب.

إنّما المقصود أن يكون الشرح شاملاً لجميع المباني؛ لغرض تسهيل الاستفادة من الشرح، كلّ حسب مبناه.

الأمر السابع:

بناءً على الأمر السادس قد يقع التعارض في بعض الموارد، كما وقع في محمّد بن خالد البرقي؛ حيث ذكر النجاشي في ترجمته: «وكان محمّد ضعيفاً في الحديث»(1).

وذكر الشيخ في أصحاب الرضا (علیه السلام) أنّه ثقة(2) .

فحينئذٍ إن أمكن الجمع بينها ارتفع التعارض، كأن يقال: إنّ المراد بكونه ضعيفاً من جهة روايته عن الضعفاء كثيراً، واعتماده على المراسيل، كما هو المشهور المنسوب إليه، وإلّا فهو ثقة في نفسه.

ويؤيّد هذا الجمع ما ذكره ابن الغضائري من أنّ: «حديثه يعرف وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل»(3). ونظير هذا كثير في علم الرجال.

وأمّا إذا لم يمكن الجمع بمثل هذا الوجه، فقد يقال بتقديم الجرح على

ص: 39


1- رجال النجاشي: 335/ 898 .
2- رجال الطوسي: 363/5391 .
3- خلاصة الأقوال: 237/15.

التعديل، وقد يقال بتقديم شهادة النجاشي على غيره. ولكنّ الظاهر هو التعارض، فإنّهما شهادتان مقبولتان، وهما حجّتان، فلا وجه لتقديم إحداهما على الأخرى، فلابدّ من التوقّف. والنتيجة على هذا التقدير عدم القول بوثاقة الراوي.

الأمر الثامن:

أنّا نلتزم في أوّل كلّ باب بإيراد أقوال أصحابنا الإماميّة، وأقوال العامّة إن وجدت؛ وذلك لأنّ العلم بأقوال علمائنا ربما يوجب الترجيح بالشهرة عند اختلاف الروايات، كما أنّ العلم بأقوال العامّة يفيد في حمل بعض تلك الروايات على التقيّة عند المخالفة، أو في تحصيل الإجماع عند المسلمين في حال الموافقة؛ ولذلك نرى من اللازم استعراض الأقوال بالمقدار الذي له دخل فيما ذكرناه.

الأمر التاسع:

أنّا وإن تعرّضنا - بعد البحث عن الأحاديث في كلّ باب سنداً ودلالة - للفروع المناسبة لذاك الباب، ولكن ربّما كانت الفروع كثيرة، أو كان البحث فيها طويلاً، ولعلّ ضمّها إلى هذا الشرح يوجب الملل لعامّة الباحثين والقارئين؛ ولذلك أشرنا إلى تلك الفروع إجمالاً. وسنفردها مفصلة في كتاب مستقلّ إن شاء الله تعالى.

ص: 40

الأمر العاشر:

أنّا وإن ذكرنا طريقاً أو طرقاً متعدّدة لتصحيح الروايات، إلّا أنّ ذلك لا يعني: أنّ هذا الطريق معتبر عندنا، وإنّما ذكرناه لمجرّد الإشارة إلى وجود الطريق، ولو على بعض المباني؛ ولذلك نعبّر غالباً: بأنّه يمكن تصحيح الرواية بكذا، فمن يعتبر هذا الطريق يأخذ به دون من لا يعتبره. وقد لا نتعرّض لكل طريق يمكن تصحيح الرواية به، بل نكتفي بذكر طريق واحد أو طريقين.

الأمر الحادي عشر:

أنّا نذكر ترجمة كلّ شخص ورد في سند الحديث مرّة واحدة، ونحيل في سائر موارد ذكره إلى ذلك المكان بقولنا: قد تقدّم. وقد وضعنا فهرساً في آخر كلّ جزء من الكتاب بالأسماء الواردة في ذلك الجزء، يتبيّن فيه موضع ذكر ترجمة ذلك الشخص.

الأمر الثاني عشر:

أنّ هذا الشرح يتكفّل بيان ما له مساس بعناوين الأبواب، وما له صلة مباشرة بها. والأحاديث الشريفة وإن كان بعضها ظاهر الدلالة على المراد، وبيّن الإشارة إلى المفهوم المستفاد، إلّا أنّه يوجد فيها من الفوائد الشريفة، ما لا يبلغه أوّل الفكر، وبادي النظر، بل تستفاد بإمعان الفكر وتجديد النظر؛ فإنّ كلام أصحاب العصمة (علیهم السلام) نور لا يقدر على إبصاره كلّ أحد، وفيه من

ص: 41

المعاني الشريفة والمقاصد المنيفة ما لا يبلغه فكر الأوحديّ من الناس.

كما أنّ بعض الأحاديث مشكل من ناحية المعنى والدلالة، بحيث لا يمكن قبوله ظاهراً، وقد أمرونا أن نردّ علمه إليهم (علیهم السلام) ، لا أن نكذّب به ونطرحه؛ لمجرّد عدم فهمنا لوجهه.

ونحن هنا نتعرّض لبيان ما لعلّه يحتاج لبيان من المعنى بالنسبة إلى بعض الأفهام. وقد نضمّ لبعضها أحاديث أخر توضّح المراد؛ فإنّ كلامهم (علیهم السلام) يبيّن بعضه بعضاً.

ولا نتعرّض لبيان جميع غوامض الروايات، وإيضاح كلّ مبهماتها، وحلّ جملة مشكلاتها، وتفصيل مجملاتها، وذكر الفوائد المستنبطة منها، وإن كان لا يخلو شرحنا من ذلك إذا اقتضاه المقام؛ فإنّ اهتمامنا منصبّ على بيان مقدار دلالة الحديث على عنوان الباب، وقد نتعرّض لبعض التفاصيل بنحو الاختصار؛ لاقتضاء المقام ذلك.

والحمد للَّه ربّ العالمين.

ص: 42

أبواب مقدمة العبادات

وهي واحد وثلاثون باباً

تشتمل على ثلاثمائة وواحد وعشرين حديثاً

ص: 43

ص: 44

أبواب مقدّمة العبادات

1 - باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد

اشارة

------------------------------------------

أبواب مقدّمة العبادات

1 - باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة،

والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد

شرح الباب:

العبادة: هي الطاعة، ومادة العبادة كما تصدق على العبوديّة الاختياريّة الحقّة كذلك تصدق على العبادة الباطلة؛ قال اللَّه تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(1) . كما أنّها - أيضاً - تشمل حالة العبوديّة التسخيريّة، كما هو الحال في العبيد والمماليك. وهي تشعر بالخضوع الخاصّ الناتج عن الاعتقاد بأن للمعبود أو لمن يخضع له رفعة وعظمة وكمالاً.

والمقصود بها هنا الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال، بحيث لا كمال فوقه، وهذا الأمر منحصر في ذات اللَّه سبحانه وتعالى، وهو المستحقّ

ص: 45


1- يس، الآية 60.

للعبادة دون سواه؛ إذ هو الخالق وحده، المفيض لجميع النعم. ففي الحقيقة لا تصدق العبادة واقعاً إلّا إذا كانت له، وأما عبادة غيره فناشئة من اعتقاد باطل لا واقع حقيقي له.

ثمّ إنّ هذه العبادة لا تتأتى إلّا عبر الإسلام الخالد؛ فإنه ناسخ لجميع الأديان السماويّة السابقة، وهو عبارة عن جميع ما جاء به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من الدين الحقّ، المشار إليه بقوله عزّوجلّ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}(1).

والعبادات المشرّعة فيه كثيرة، وهي مبنيّة على المصالح الكثيرة، والتي قد لا يحيط بها الإنسان، إلّا إذا ورد بيانها من اللَّه سبحانه عن طريق نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) أو أحد أوصياء نبيّه (علیهم السلام) ، وهي جميعاً من مظاهر عبوديّة العبد لمعبوده الحقّ، كما أنّها تجلّيات للمعبود الحقّ في قلوب العباد، كلّ حسب مرتبة قربه من الحق جلّ وعلا، وهي كذلك منازل لسير الإنسان الكمالي، الذي لا يمكن تحقّقه بغير السير على تشريعات الإسلام الخالدة.

والعبادات الخمس المذكورة في هذا الباب أعظم أركان الإسلام، وأكمل أجزائه المعتبرة في قوامه. والولاية أعظم من تلك العبادات جميعاً. وبيان أهمّيّة هذه الاُمور الخمسة يستفاد من الأحاديث الآتية، بالإضافة إلى ما ورد من الآيات والأخبار المتواترة، وإجماع الطائفة، بل المسلمين، وإن أسقطوا أمر الولاية من رواياتهم.

ص: 46


1- آل عمران، الآية 19.

[1] 1 - محمّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رضی الله عنه)، عَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عبّاس بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أهمية الأمور الخمسه

[1] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث أمور:

الأمر الأوّل:

أنّه يدلّ على عظمة هذه الأمور الخمسة وأهمّيتها، بحيث تعدّ أساساً للإسلام؛ فقد عبّر فيه بأنّ بناء الإسلام على هذه الأمور، فكأنّما شبّه الإسلام ببيتٍ أساسه هذه الأمور، بحيث ينهدم البيت بانهدامها، فهي داخلة في حقيقة الإسلام. كما عبّر عنها في بعض الروايات بدعائم الإسلام، وفي بعضها بأركان الإسلام، وفي بعضها بالأسهم. وكلّها تشير إلى شي ء واحد، وهو: أنّ الإسلام متوقّف على هذه الأمور، وهي الفارق بين المسلم وغيره؛ فإنّها من الضروريّات، بل أهمّيّتها أيضاً ضروريّة. والمشهور على أنّ من أنكرها أو أنكر واحداً منها فهو كافر؛ والروايات بهذا المضمون كثيرة، ولا

ص: 47


1- لهذا الحديث ذيل لم يورده صاحب «الوسائل»، وفي قوله في آخره: «الحديث» إشارة إلى ذلك، وتمام الحديث: «ولم يناد بشي ء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه». (الكافي 2 : 18 ، ح3).

تختصّ برواياتنا، بل نقلها العامّة أيضاً(1) .

الجمع بین ما دلّ علی كونها خمسة و بین ما دل علی كونها عشرة

الأمر الثاني:

أنّه قد ورد في كثير من هذه الروايات - تقارب نصف هذا الباب - أنّها خمسة، وفي عدّة روايات أخرى أُضيف إليها الشهادتان، وورد في بعض الروايات أنّ الإسلام بُني على عشرة أشياء، بإضافة الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها. ولا تنافي بين جميع هذه الروايات فهي قابلة للجمع.

أمّا الشهادتان، فهما لازمتان للخمسة المذكورة في هذا الحديث؛ فإنّ من يصلّي ويزكّي ويحجّ ويصوم ويقول بالولاية لابدّ أن يشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله و سلم). فالشهادتان كامنتان في هذه الاُمور الخمسة.

وأمّا الجهاد، فهو تابع لنظر الإمام (علیه السلام) ، فهو داخل في الولاية، على ما بيّناه في مباحثنا الفقهيّة(2) .

وأمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما شُرِّعا لتنظيم المجتمع، وهما - أيضاً - لا يخرجان عن شؤون الولاية.

ص: 48


1- سنن الترمذي 4 : 119، ومجمع الزوائد للهيثمي 1 : 47، وصحيح ابن حبان 1 : 374، وصحيح ابن خزيمة 1 : 159، و ج3 : 187، والمعجم الكبير للطبراني 2 : 326، ومسند الحميدي 2 : 308 .
2- التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 58.

وبذلك يجمع بين الروايات الدالّة على أنّ الإسلام بُني على خمس، وبين الروايات الاُخرى المشار إليها.

نعم، ورد في حديثين من هذا الباب: أنّ الإسلام بُني على أربعة أشياء، وهي الأربعة الأولى من دون ذكر الولاية. والمراد به الإسلام بالمعنى الأعمّ، الذي تحقن به الدماء، وتحلّ به الذبائح والمناكح. وليس المراد به المعنى الأخصّ، وهو الإيمان؛ فإنّه مبنيّ على الخمسة؛ ولذلك ورد: أنّ الناس أخذوا بأربع وتركوا الخامسة(1)

، كما سيأتي.

المراد من الولاية

الأمر الثالث:

أنّ الولاية التي أُنيط بها الإيمان إمّا أن تُقرأ بكسر الواو، كما ذكر صاحب «الوسائل» أنّها بالكسر(2)،

بمعنى الخطَّة والإمارة والسلطان. وإمّا أن تُقرأ بفتح الواو، كما ذكر صاحب «المجمع»: أنّها بالفتح، بمعنى المحبّة والتأسّي والتبعيّة. فإن كانت بالمعنى المذكور فهي بمعنى محبّة أهل البيت واتّباعهم، وامتثال أوامرهم ونواهيهم، والتأسّي بهم في الأعمال والأخلاق.

وأمّا معرفة حقّهم واعتقاد إمامتهم، فذلك من أُصول الدين، لا من الفروع العمليّة(3).

والظاهر أنّ ما ذكره هو الصحيح؛ فإنّ هذا الأمر من عمل العباد،

ص: 49


1- الكافي 2 : 18 ، باب دعائم الإسلام، ح 3.
2- تحرير وسائل الشيعة: 223.
3- مجمع البحرين 1 : 561، مادّة (ولا).

ومطلوب منهم، وأمّا الخطّة والإمارة: فهما من عمل الإمام (علیه السلام) ومن شؤونه، فليست من جملة هذه الأُمور الخمسة.

السّر في تاخیر الولاية مع أهمیتها عن بقية الأمور

الأمر الرابع:

أنّه ورد في أكثر هذه الأحاديث ذكر الولاية في آخر تلك الأمور، وفي بعضها وردت في أوّلها، كما في الحديث الحادي عشر من هذا الباب.

والذي يلفت النظر ويثير التساؤل أنّه إذا كانت الولاية هي الأهمّ من بين هذه الأمور الخمسة، فلماذا ذكرت بعدها، مع أنّ المناسبة تقتضي تقديم الأهمّ، كما ورد في ذلك الحديث المشار إليه؟

ولكنّ الظاهر أنّ الحديث المشار إليه غير معتبر، والمناسب هو تأخير ذكر الولاية عن بقيّة الأمور؛ وذلك:

أولاً: بقرينة سائر الأحاديث، حيث ورد فيها التأخير.

وثانياً: أنّ الولاية هي: عنوان الإيمان، وبها كمال الدين، وتمام النعمة، كما ورد في الآية الشريفة(1) ، فالمناسب تأخيرها عن سائر الأحكام، وإن كانت أهمّ من جميعها.

المراد من(لم ينادَ بشي ء بمثل ما نودي بالولاية)

الأمر الخامس:

أنّه يظهر من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث الكثيرة أهمّيّة الولاية وتفضيلها على بقيّة الأمور، حيث لم ينادَ بشي ء بمثل ما نودي بالولاية.

ص: 50


1- المائدة، الآية 3.

والمستفاد من هذه العبارة أمور ثلاثة:

أوّلها: أنّ الولاية من أركان الدين، وممّا بني عليه الإسلام.

وثانيها: أنّها أعظم وأهمّ من جميع الأركان والواجبات، حتّى الصلاة والزكاة وغيرهما.

وثالثها: أنّه لم يؤمر ولم يؤكّد على شي ء من الواجبات مثل ما أمِر بالولاية وأُكّد عليها. ويتوقّف بيان هذه الأمور الثلاثة على الكلام في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل: أنّ الولاية ثابتة لأمير المؤمنين وأبنائه المعصومين (علیهم السلام) ، دون غيرهم، بالأدلّة الأربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وليس هنا موضع ذكرها، وسنشير إلى بعضها في المقام الثالث.

المقام الثاني: في أهمّيّة الولاية، وأنّها في مرتبة سابقة على جميع الواجبات. والمتكفّل لبيان هذا المقام هنا هو الحديث الثاني الآتي؛ فإنّه يبيّن توقّف الواجبات بأجمعها على الولاية، وأنّها أهمّ من سائرها عقلاً ونقلاً.

المقام الثالث: في أنّه لم يرد في الكتاب والسنّة طلب وتأكيد بمقدار ما ورد في الولاية. وتوضيح ذلك - مجملاً - أن يقال:

أمّا الكتاب الكريم، فالآيات الواردة في شأن الولاية ثلاثمائة أو أكثر، على ما روته كتب الإماميّة، وعلى ما روته كتب السنّة تزيد على مائة آية.

والحال أنّه لم يرد في الصلاة وشؤونها غير إحدى وخمسين آية، وفي الزكاة وأحكامها غير تسع عشرة آية، وفي الحجّ خمس عشرة آية، وفي

ص: 51

الجهاد ستّ عشرة آية، وفي الصوم ستّ آيات.

هذا، مضافاً إلى التأكيد في تلك الآيات على أمر الولاية، ونشير إلى جملة منها اختصاراً:

فمنها: آية التبليغ، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(1).

فالآية دالّة على أهمّيّة ما أُمر بتبليغه فيها، بحيث كان تركه مساوقاً لترك الرسالة من رأس. فهذا الأمر أصل من أُصول الدين، وليس هو التوحيد أو النبّوة أو المعاد؛ فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد بلّغها منذ أن صدع بالرسالة، فلابد أن يكون هذا الأمر مهمّاً بقدر أهمّيّة تلك الأُصول، وليس هو إلّا إمامة وولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وهي التي كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) يخشى مخالفة الناس لها إذا بلّغها؛ ولذا قال اللَّه تعالى بعد الإلزام بتبليغها بأشدّ أنواع الإلزام: {واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.

ومنها: قوله عزّ شأنه: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرَاً إلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}(2)

فقد دلّت هذه الآية على وجوب مودّة قربى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم). وبما أنّ المودّة

ص: 52


1- المائدة، الآية 67.
2- الشورى، الآية 23.

مطلقة، ولم تقيّد بجهة خاصة، فلابد من مودّتهم من جميع الجهات، وهو يستلزم وجوب الطاعة مطلقاً؛ ضرورة أنّ العصيان ينافي الودّ المطلق، ووجوب الطاعة مطلقاً يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة، ولا معصوم غير من يعتقد بهم الإماميّة بالإجماع، فتنحصر الإمامة بهم (علیهم السلام) ، ولا سيّما مع وجوب طاعتهم على جميع الأمّة.

وأمّا السنّة الشريفة، فلا تحصى كثرة. ونحن نقتصر على ذكر موردين: أحدهما في أوّل البعثة النبويّة، والآخر في آخرها:

فالأول: حديث الدار المشهور(1):

لمّا أمر سبحانه النبيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بإنذار عشيرته الأقربين، قام النبي بذلك، فأكّد على الولاية بعد طلبه للشهادة بالوحدانيّة للَّه، وبالرسالة والنبوّة له(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثمّ ذكر لهم أنّ من يُسلِم ويؤازره على أمر الرسالة فهو خليفته، وله الولاية بعده، فلم يجبه غير أمير المؤمنين (علیه السلام) .

فهذا دليل على أهمّيّة أمر الولاية؛ إذ اعتنى به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قبل بيان التكليف بغيره من الواجبات.

والثاني: حديث الثقلين المتواتر(2)، الذي كرَّره النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في مواطن

ص: 53


1- علل الشرائع 1 : 170، والإرشاد 1 : 48، والأمالي للطوسي: 581، والمناقب 1 : 305- 307، ومسند أحمد 1: 111، ومجمع الزوائد 8 : 302، وشرح نهج البلاغة 13 : 210 - 211، والرياض النضرة في مناقب العشرة 3 : 124، وغيرها.
2- بصائر الدرجات: 433 - 434، والأمالي للصدوق: 500، 616، والخصال: 66 -67، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 208 ، ودعائم الإسلام 1 : 27، ومسند أحمد 3 : 14، 17، 59، وسنن الدارمي 2 : 292/ 3311، وفضائل الصحابة: 15، وغيرها.

عديدة، منها في آخر عمره الشريف، حيث دخل المسجد مستنداً على أمير المؤمنين والفضل بن العباس، فخطب الناس، وقال فيما قال: «إنّي مخلِّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، من تمسّك بهما نجا... ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

فقد جعل أهل بيته قريناً للقرآن الكريم، ونصّ على أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، وهذا ملازم للعصمة، ووجوب الطاعة والاتّباع، كما يجب ذلك في القرآن.

والحاصل أنه لم يناد بشيء من الأمور الأربعة مثل ما نودي بالولاية؛ لتكرّر النداء بها وفي عدّة مواطن، كان آخرها غدير خم في ذلك الجمع العظيم، بخلاف غيرها فإنه لم يتكرّر النداء بها كما كان في الولاية، ولم يحدث النداء عليها في جمع كما حدث في الجمع الذي نودي فيه بها؛ ولذا ورد في الكافي في حديث آخر عن الفضيل: «ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير»(1).

وأما العقل، فإنّه يُقبِّح تقديم المفضول وإهانة الفاضل، ورفع مرتبة المفضول وخفض مرتبة الفاضل؛ فإنّه يقبح تقديم المبتدى ء في النحو على مثل سيبويه والخليل مثلاً، بل لو دار الأمر بين الرجوع إلى الطبيب الفاضل

ص: 54


1- الكافي: 2 : 21 ، باب دعائم الإسلام، ح8..

والطبيب المفضول، ورجع المريض إلى المفضول، لَلامَهُ العقلاء، إذا لم ينجح في علاجه، ولَا يلومونه إذا رجع إلى الفاضل حتّى لو لم ينجح في علاجه.

وأمّا الإجماع، فقد ثبت في محلّه أنّ الإمام لابدّ أن يكون معصوماً، وغير أئمّتنا ليسوا بمعصومين بالإجماع من جميع الفرق. فأئمّتنا هم المعصومون، وإلّا لزم خرق الإجماع لو أثبتناها لغيرهم، أو خلوّ الزمان من إمام معصوم، وكلاهما باطلان.

أما لزوم خرق الإجماع لو أثبتنا العصمة لغير الأئمة (علیهم السلام) فواضح؛ إذ الإمامية لا تقول بعصمة غير الأئمة (علیهم السلام) ، وغير الإمامية لا يقولون بعصمة أحد، لا الأئمّة ولا غيرهم. فإثباتها لأحد - غير الأئمة (علیهم السلام) - خروج عن الإجماع.

وأما لزوم خلوّ الزمان من إمام معصوم فبطلانه واضح أيضاً؛ إذ هو منافٍ لحديث الثقلين وغيره؛ فإنّه يحصل الافتراق بين القرآن والعترة لو لم يكن منهم معصوم في أحد الأزمنة الى يوم القيامة.

الأمر السادس:

أنّه إذا كانت الولاية بهذه الدرجة من الأهمّيّة، ولا يوجد شي ء أهمّ منها، وكان النداء بالصلاة أمراً مطلوباً، فالأحاديث الكثيرة دالّة على أنّ النداء بالولاية أمر مطلوب ومرغوب عند الشارع، بل يكون النداء بالولاية أمراً مطلوباً بالأولويّة.

ص: 55

ولأولوية النداء بالولاية لم يختص النداء بها بالأذان في فصل «حيّ على خير العمل» المفسّر في الأحاديث بالولاية، ولا بقول الشيعة فيه: «أشهد أنّ عليّاً ولي الله» بحيث صار شعاراً لهم على مرّ الزمان، بل لابدّ أن يكون النداء في غيره أيضاً؛ لمطلوبيّة النداء بالولاية بالأولوية كما قدّمنا.

كما أنّه يظهر أنّ الولاية مثل الصلاة والزكاة لا تختصّ بزمان دون زمان، فكما أنّ وجوب الصلاة لا يختصّ بزمان دون زمان فكذلك الولاية، فهي تكليف إلهي مستمرّ من زمن بعثة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى يوم القيامة، كما ورد في الكتاب الكريم: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)

، فالولي هو اللَّه سبحانه والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومِن بعده الأئمّة (علیهم السلام) ، فعدم ذكر العامّة في رواياتهم الأمر الخامس إنّما هو لتخيّلهم أنّ الولاية مختصّة بالأئمة (علیهم السلام) ، مع أنّها امتداد لولاية اللَّه سبحانه والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

الأمر السابع:

ذكر صاحب «الوسائل» (قدس سره) أنّ معنى قوله (علیه السلام) : «بُني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة... الخ» ظاهر في أنّها من أصول الدين؛ فإنّهم قالوا: الأصل ما يبنى عليه الشي ء، وهو خلاف المشهور من أنّها منحصرة في التوحيد والعدل والنبوّة ... الخ، وليس لهم دليل على ذلك الحصر(2).

ص: 56


1- المائدة، الآية 55.
2- تحرير وسائل الشيعة: 225.

أقول: لايبعد أنّ المراد من البناء في هذه الرواية هو بناء الإسلام من جهة العمل، فهذه الأمور من الأصول العمليّة للإسلام، ولا ينافي ذلك الحصر المذكور في الخمسة عند المشهور؛ فإنّها من الأصول الاعتقاديّة.

هذا، وقد ورد في هذا الباب تسعة وثلاثون حديثاً موافقاً للكتاب والسنّة، بل هي متواترة، بل ذكر صاحب «الوسائل» أنّها تجاوزت حدّ التواتر، كما سيأتي في صريح كلامه في آخر الباب، وفي «جامع أحاديث الشيعة» زاد تسعة أحاديث، وذكر ما ذكره صاحب «الوسائل» من أنّها تجاوزت حدّ التواتر(1).

سند الحديث:

أما محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) : فهو أشهر من أن يوصف.

قال عنه النجاشي: إنّه «شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي(2) في عشرين سنة»(3) وقال الشيخ: «إنّه ثقة، عارف بالأخبار»(4).

وقال الشيخ المفيد عن الكتاب: «إنّه أجلّ كتب الشيعة،

ص: 57


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 613 - 646 ، ح1085 - 1131.
2- هكذا وردت العبارة في المصدر، والخلل فيها واضح، والصحيح ما ورد في «نقد الرجال»: صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكافي في عشرين سنة. (نقد الرجال 4 : 352).
3- رجال النجاشي: 377 /1026.
4- فهرست الطوسي: 210/602.

وأكثرها فائدة»(1).

وأمّا أبو عليّ الأشعري: فهو أحمد بن إدريس القمّي، الذي تقدّم ذكره في بيان العِدد.

وأمّا الحسن بن عليّ الكوفي: فقد قال عنه النجاشي: «الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة البجلي، مولى جندب بن عبد اللَّه، أبو محمّد، من أصحابنا الكوفيين، ثقة، ثقة»(2)

وأمّا عبّاس بن عامر: فقد قال عنه النجاشي: «العبّاس بن عامر بن رباح، أبو الفضل الثقفي، القصباني، الشيخ الصدوق، الثقة، كثير الحديث»(3) ، وورد في «نوادر الحكمة»(4).

وأمّا أبان بن عثمان: وهو الملقّب بالأحمر، ويقال: أبان الأحمري، وأبان بن الأحمر، فهو وإن لم ينصّ على وثاقته، ولكنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(5)

، مضافاً إلى رواية المشايخ الثقات - وهم ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وابن أبي نصر البزنطي - عنه، وهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، وورد أيضاً في

ص: 58


1- تصحيح الاعتقاد: 70 فصل في النهي عن الجدال.
2- رجال النجاشي: 62/147.
3- المصدر نفسه: 281.
4- أصول علم الرجال 1 : 225 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705 .

«تفسير القمّي» و«نوادر الحكمة»(1) .

وأمّا ما ورد من أنّه كان من الناووسية، فهو من التصحيف لكلمة القادسيّة، ونسبته إلى الفطحيّة - كما في خلاصة العلاّمة(2) - غير ثابتة، على أنّ العلاّمة قد نسبه في المنتهى(3)

إلى الواقفيّة، ولا منشأ لهاتين النسبتين. وعلى فرض ثبوت النسبة فلا يخدش ذلك في وثاقته واعتبار روايته.

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد وردت عدّة روايات في مدحه والثناء عليه:

منها: ما رواه الكشّي بسنده عن إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) إذا رأى الفضيل بن يسار قال: «بشّر المخبتين، من أحبّ أن ينظر (يرى) رجلاً من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا»(4)

ومنها: ما ذكره الصدوق، حيث قال - بعد ذكر طريقه إليه - : وكان أبو جعفر (علیه السلام) إذا رآه قال: «بشّر المخبتين». وذكر ربعي بن عبد اللَّه عن غاسل الفضيل بن يسار: أنّه قال: إنّي لأغسّل الفضيل، وإنّ يده لتسبقني إلى عورته، قال: فخبّرت بذلك أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال: «رحم اللَّه الفضيل بن يسار، هو منّا أهل البيت»(5)

، وغيرها من الروايات.

ص: 59


1- أصول علم الرجال 1 : 276 ، 211 .
2- خلاصة الأقوال: 438.
3- منتهى المطلب 1 : 296.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 472 / 377 .
5- من لا يحضره الفقيه 4 : 441.

[2] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّه بْنِ الصَّلْتِ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ».

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، وقد نصّ النجاشي على وثاقته، فقال: «عربي، بصري، صميم، ثقة»(1). وكذلك الشيخ قال: «بصري، ثقة»(2). وعدّه الشيخ المفيد في «الرسالة العدديّة» من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(3)

فالحديث في غاية الاعتبار.

بيان مرتبة كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر

[2] - فقه الحديث:

المستفاد من هذا الحديث - زائداً على ما تقدّم - أمران:

الأوّل: بيان مرتبة كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر.

الثاني: الدليل على ذلك.

أمّا الأوّل، فالإمام (علیه السلام) بيّن أنّ أفضل هذه الأمور هي الولاية، ثمّ يأتي

ص: 60


1- رجال النجاشي: 309/846.
2- رجال الطوسي: 143/1545.
3- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43 .

قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ: وَأَيُّ شَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الْوَلايَةُ أَفْضَلُ؛ لأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ، وَالْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ». قُلْتُ: ثمّ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ؟ فَقَالَ: «الصَّلاةُ»(1).

بعدها في الفضل الصلاة، ثمّ الزكاة، ثمّ الحجّ، وبعده الصوم.

-----------------------------------------------------------------------------

ص: 61


1- الكافي 2 : 18 ، ح 5. وتتمته: إنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «الصلاة عمود دينكم». قال: قلت: ثمّ الذي يليها في الفضل؟ قال: «الزكاة؛ لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): الزكاة تذهب الذنوب». قلت: والذي يليها في الفضل؟ قال: «الحجّ، قال اللَّه عزّوجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}» وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر اللَّه له». وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال. قلت: فماذا يتبعه؟ قال: «الصوم». قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال: قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصوم جنّة من النار»، قال: ثمّ قال: «إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبةٌ دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه، إنّ الصلاة والزكاة والحجّ والولاية ليس يقع شي ء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك، وليس من تلك الأربعة شي ء يجزيك مكانه غيره»، قال: ثمّ قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان»، ثمّ قال: «أولئك المحسن منهم يدخله اللَّه الجنة بفضل رحمته».

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الصَّلْتِ، بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذا الترتيب لا خلاف فيه إلّا في الأخير، وهو الترتيب بين الحجّ والصوم؛ فإنّه بمقتضى هذا الحديث يكون الحجّ أفضل من الصوم، ولكنّ المستفاد من الحديث الرابع والثلاثين من نفس الباب أنّ الصوم أفضل من الحجّ.

كما أنّه ورد ذكر الحجّ مقدّماً على الصوم في اثني عشر حديثاً من الباب، وورد ذكر الصوم مقدّماً على الحجّ في ثلاثة وعشرين حديثاً.

وكيفيّة الجمع بين هذه الأحاديث تأتي - إن شاء اللَّه - في باب الحجّ.

الدليل التعبّدي على أفضليّة الولاية

وأمّا الثاني، فإنّ الحديث تضمّن دليلين على أفضليّة الولاية على بقيّة الأمور:

الأوّل: الدليل التعبّدي، وهو أنّ الولاية مفتاح لسائر العبادات، بمعنى أنّه من لم يدخل إلى عبادة اللَّه والتقرّب إليه من باب الولاية فلا يقبل منه عمل، وهذا نظير ما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في الحديث المشهور بين الفريقين:

«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليدخل من بابها»(2) .

ص: 62


1- المحاسن 1 : 446، ح1034.
2- راجع: عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 72، والخصال: 574، وأمالي الصدوق: 188 ، 342 ، 425 ، 472 ، 619 ، 655 ، والتوحيد للشيخ الصدوق: 307، وكتاب كمال الدين: 241، وكفاية الأثر للخزاز: 184، وتحف العقول: 430، وغيرها. وراجع أيضاً: مجمع الزوائد 9 : 114، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 165، والجامع الصغير للسيوطي 1 : 415، وكنز العمال 13 : 148، وكشف الخفاء 1 : 203، وقال فيه بعد نقله للحديث: «رواه الحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير...».

ويترتّب على ذلك أنّ كلّ من دخل من غير هذا الباب فقد اتّبع الشيطان وهوى النفس، وذلك هو الضلال المبين. وقد أكّد على ذلك الإمام (علیه السلام) بقوله: «أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان».

وبتعبير آخر: إنّ اللَّه تعالى امتحن عباده وتعبّدهم من طريق خاصّ، وإنّما يطاع اللَّه من حيث يريد هو تعالى، لا من حيث يريد العبد؛ وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما سيأتي في الحديث السادس من هذا الباب، وهو معتبرة عبد الحميد بن أبي العلا، قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت مولى لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فملت إليه لأسأله عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فإذا أنا بأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ساجداً، فانتظرته طويلاً، فطال سجوده عليَّ، فقمت وصلّيت ركعات، وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه: متى سجد؟ فقال: قبل أن تأتينا، فلمّا سمع كلامي رفع رأسه، ثمّ قال: «أبا محمّد، ادْنُ منّي»، فدنوت منه، فسلّمت عليه... فلمّا خرج من المسجد قال لي: «يا أبا محمّد، واللَّه لو أنّ إبليس سجد للَّه عزّ ذكره بعد المعصية والتكبّر عمر الدنيا ما نفعه

ص: 63

ذلك، ولا قبله اللَّه عزّ ذكره، ما لم يسجد لآدم كما أمره اللَّه عزّوجلّ أن يسجد له، وكذلك هذه الأمّة العاصية المفتونة بعد نبيّها(صلی الله علیه و آله و سلم)، وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم(صلی الله علیه و آله و سلم) لهم، فلن يقبل اللَّه تبارك وتعالى لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة حتّى يأتوا اللَّه عزّوجلّ من حيث أمرهم، ويتولّوا الإمام الذي أمروا بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه اللَّه عزّوجلّ ورسوله لهم...»(1)

والحاصل: أنّ حكمة اللَّه تعالى قد اقتضت أن يمتثل العباد أوامره من حيث أمرهم، ويسلكوا الطريق الذي هيّأه لهم، ويدخلوا من الباب الذي فتحه لهم.

الدليل العقلي علی أفضلية الو الولاية

الثاني: الدليل العقلي، وهو قوله (علیه السلام) : «والوالي هو الدليل عليهنّ»، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في مبحث ولاية الفقيه(2) .

وحاصله: أنّ العقل يحكم بأنّ كلّ قانون أو دين يراد له البقاء والاستمرار، فلابدّ له من حافظ وقيّم يحفظه عن الانحراف، وعن الزيادة والنقيصة، ويردّ عنه الشُّبه. وهذا أمر واضح، بل متحقّق في الخارج، ولولا وجود الحافظ لهذا القانون لتسرّب إليه التحريف، ولكان عرضة للاضمحلال والزوال. ولمّا كان الإسلام خاتمة الشرائع الإلهيّة، وقد أراد اللَّه تعالى له البقاء والاستمرار، فلابدّ له من الحافظ والدليل عليه؛ ليصونه عن

ص: 64


1- الكافي 8 : 270 ، ح 399.
2- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2 : 354.

الانحراف، ويدفع عنه الشبهات، ويقوم على رعايته، ويبيّن ما أشكل من أحكامه وتعاليمه، ويفسّر أغراضه وأهدافه. وهذا ما قامت عليه عقيدة الإمامية من ضرورة الإمامة، وأنّها بيد اللَّه تعالى، منصوبة من قِبله لا بانتخاب البشر. ولكن لمّا انحرف الناس عن جادّة الحق، ولم يتّبعوا أوامر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فيما عيّنه لهم من إمام بعده، واختاروا لأنفسهم إماماً من عند أنفسهم، ظهرت الانحرافات العقائديّة والأخلاقيّة والفقهيّة، وكاد الإسلام يضمحلّ، لولا وجود الحجّة (علیه السلام) ، وهو الحافظ لبقاء الدين واستمراره.

ولذلك لو تتبّعنا عقائد المخالفين وأحكامهم الفقهيّة لوجدناها على خلاف الحق، من اعتقادهم بالتجسيم والتعطيل، والتخبّط في أحكام الدين، حتّى أنّه روي عن الخليفة الثاني أنّه أفتى في ميراث الجدّ بمائة فتوى يناقض بعضها بعضاً(1)؛

وما ذلك إلّا نتيجة طبيعية لتجنّبهم الطريق الصحيح. بل إنّ ما وقع عند الشيعة الإماميّة من بعض الاختلافات إنّما هو بسبب المخالفين؛ لأنّهم ألجأوا الأئمة (علیهم السلام) وأصحابهم إلى التقيّة، والحكم على طبقها؛ خوفاً من الظالمين.

هذا ما يتعلّق بالدليل على تقديم الولاية.

وأمّا وجه تقديم الصلاة على غيرها؛ فقد علّله (علیه السلام) بقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصلاة عمود دينكم».

ص: 65


1- راجع - على سبيل المثال - : السنن الكبرى للبيهقي 6 : 245، ففيه: عن عبيدة قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضاً.

وأمّا وجه تقديم الزكاة وأنّها تلي الصلاة في الفضل؛ فعلّل (علیه السلام) ذلك بأنّ الزكاة في الكتاب والسنّة مقرونة بالصلاة، فهما متلازمتان، لا تنفكّ إحداهما عن الأخرى، بالإضافة إلى أنّه (علیه السلام) قال: «الزكاة تذهب الذنوب»، أي: تمحيها. ثمّ قال في وجه تقديم الحجّ على غيره بما يستفاد من قول اللَّه عزّوجل: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} من التأكيدات المتعدّدة والمبالغة في الحثّ على هذا الواجب، وإطلاق الكفر على تاركه، وبقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «لحَجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة...».

ثمّ ذكر بعد ذلك وجه أفضليّة الصوم على بقيّة الأعمال بقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصوم جنّة من النار».

كما ذكر علّة تأخيره عن الصلاة والزكاة والحجّ والولاية بأنّه ليس لهذه الأشياء بدل دون أدائها، بخلاف الصوم؛ إذ له بدل، وإذا فات لسفر أو مرض أو عذر فلا يصدق عليه عنوان الفوت والترك، بينما هذه الأربعة إذا تركت أُتي بها بعنوان الفوت وترك الواجب، وهذه أمارة على أهمّيّتها، بحيث إنّ الشارع لا يرضى بتركها أصلاً، ولم يجعل لها بدلاً. وأمّا صلاة الحائض: فإنّها ليست واجبة في حقّها، لا أداءً ولا قضاءً، فهي خارجة بالتخصيص. وفي الحديث أحكام أخرى تأتي الإشارة إليها في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 66

بحث رجالي في ابراهیم بن هاشم

سند الحديث:

روى المصنّف هذا الحديث بسندين:

السند الأوّل: ما رواه الكليني، عن عليّ بن إبراهيم المتقدّم ذكره في تفسير العدّة، عن أبيه.

وأبوه هو إبراهيم بن هاشم، ولم يرد في حقّه توثيق صريح، إلّا أنّه لا إشكال في وثاقته واعتبار روايته، وممّا يدلّ على ذلك:

أوّلاً: أنّ السيد ابن طاووس ادّعى الاتفاق على وثاقته(1)، وهو يكشف عن توثيق بعض القدماء له.

وثانياً: أنّ ابنه - أي: عليّ بن إبراهيم - قد روى عنه في «التفسير» كثيراً، وقد ذكر في مقدّمة كتابه: أنّه لا يروي إلّا عن الثقات(2)

وثالثاً: قال النجاشي: «وأصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم هو»(3)،

وبذلك يظهر أنّ القمّيين اعتمدوا عليه، ولم ينكروا شيئاً من رواياته، وإلّا لأخرجوه من قم، كما أخرجوا البرقي، وسهل بن زياد، وغيرهما.

ورابعاً: أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»، وقد حقّقنا في محلّه أنّ ذلك

ص: 67


1- فلاح السائل: 158.
2- تفسير القمّي 1 : 30.
3- رجال النجاشي: 16/18.

أمارة على الوثاقة(1).

وأمّا عبد اللَّه بن الصلت: فقد قال النجاشي عنه: «عبد اللَّه بن الصلت، أبو طالب القمّي، ... ثقة، مسكون إلى روايته»(2)، ووثّقه الشيخ في «رجاله»(3)، وورد في «تفسيرالقمّي»(4).

وأما قوله «جميعاً»: فالمراد به: أنّ عليّ بن إبراهيم يروي عن أبيه وعبد اللَّه بن الصلت، وهما يرويان عن حمّاد.

وأمّا حمّاد بن عيسى: فقد قال النجاشي في حقّه: «وكان ثقة في حديثه، صدوقاً»(5) ووثّقه الشيخ في الفهرست(6) ، وهو من أصحاب الإجماع، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(7) .

وأمّا حريز بن عبد اللَّه: فقد وثّقه الشيخ في «الفهرست»(8) ، وورد في

ص: 68


1- أصول علم الرجال 1 : 210 ، 212 .
2- رجال النجاشي: 217/564.
3- رجال الطوسي: 360/5347.
4- أصول علم الرجال 1 : 283 .
5- رجال النجاشي: 142/370.
6- فهرست الطوسي: 115/241.
7- أصول علم الرجال 1 : 220، وج2 : 189 .
8- فهرست الطوسي: 118/249.

أسناد «نوادر الحكمة» وفي «تفسير القمّي»(1)

وأمّا زرارة: فقد قال عنه النجاشي: «شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً، فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه»(2)،

وهو من أصحاب الإجماع، ووثّقه الشيخ أيضاً في «رجاله» في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3)

، ووردت في حقّه عدّة روايات مادحة:

منها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: ... وزرارة، أربعة نجباء أُمناء اللَّه على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست»(4)،

وغيرها من الروايات الكثيرة.

كما أنّه وردت فيه روايات ذامّة أيضاً، وهي إمّا ضعيفة السند، وإمّا محمولة على حفظ زرارة من كيد الظالمين، كما أشير إليه في بعض الروايات(5)

فالحديث معتبر بلا إشكال.

ص: 69


1- أصول علم الرجال 1 : 216 ، 278 .
2- رجال النجاشي: 175/463.
3- رجال الطوسي: 337/5010.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 398/ 286 .
5- معجم رجال الحديث 8 : 225/4671.

وأمّا السند الثاني: فهو ما رواه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي في «المحاسن»، عن عبد اللَّه بن الصلت.

أما أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي فقد قد قال النجاشي عنه: «كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنّف كتباً»(1)

وقال الشيخ: «كان ثقة في نفسه، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء، واعتمد المراسيل»(2).

وقال ابن الغضائري: «... وكان أحمد بن عيسى أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها، واعتذر إليه ... لمّا توفّي مشى أحمد بن محمّد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً؛ ليبرّى ء نفسه ممّا قذفه به»(3).

وأمّا عبد اللَّه بن الصلت، فقد تقدّم ذكره في السند الأوّل.

وقوله: بالإسناد المذكور: أي أنّه من عبد اللَّه بن الصلت يتّحد السند.

وهذا السند صحيح.

ص: 70


1- رجال النجاشي: 76/182.
2- فهرست الطوسي: 62/65.
3- معجم رجال الحديث 3 : 53 /861.

[3] 3 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِالإِسْلامِ: أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: «أَمَّا أَصْلُهُ فَالصَّلاةُ، وَفَرْعُهُ الزَّكَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ».

ثمّ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِأَبْوَابِ الْخَيْرِ»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ،...» الْحَدِيثَ (1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ الصلاة والزكاة والجهاد والصوم من أهمّ الواجبات، ودلالته على ذلك واضحة؛ حيث شبّه الإمام (علیه السلام) - لتقريب الأذهان - الإسلام بالشجرة التي لها أصل وفرع وذروة، فقال (علیه السلام) : «أمّا أصله فالصلاة»، وهي عمود الدين، وقد ورد أنّ أوّل ما ينظر في عمل العبد الصلاة، وأنّها إن قُبلت قُبِل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها(2)، وأنّ الفارق بين المسلم والكافر هو إقامة الصلاة. وأمّا الفرع فهو الزكاة، وهي تذهب بالذنوب، وتلي الصلاة في الأهمّيّة؛ ولذلك عبّر عنها بالفرع.

ص: 71


1- الكافي 2 : 24، باب دعائم الإسلام ، ح 15.
2- المصدر نفسه 3 ص 268، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها، ح 4 ، وتهذيب الأحكام 2 : 239، باب فضل الصلاة، ح 15 ، ووسائل الشيعة 4 : 35 ، الباب 8 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح13 .

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد بْنِ سَمَاعَةَ، عَنِ ابْنِ رِبَاطٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، نَحْوَهُ(2).

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، مِثْلَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: «الْجِهَادُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

والذروة - بالكسر والضمّ - من كلّ شي ء أعلاه، وسنام كلّ شي ء أعلاه، وهو الجهاد، وإنّما عبّر عن الجهاد بأنّه ذروة الإسلام وسنامه على سبيل الاستعارة. وقد ورد في شأنه أنّه عزّ الإسلام، وبه قوامه، وهو الباب الذي فتحه اللَّه لخاصّة أوليائه، وظهرت به الشريعة، وارتفع به لواؤها، وثبتت به الحقيقة، وسما بناؤها؛ ومن هنا كان الجهاد في القمّة، وأنّ المجاهدين هم الأبرار الذين ليس فوق برّهم برّ، وليس فوق عطائهم عطاء.

ثمّ أشار (علیه السلام) إلى أبواب الخير، وذكر أنّ الصوم جُنّة من النار، أي: هو الدرع الواقي عن غضب اللَّه سبحانه، وكذلك الصدقة والقيام؛ فإنّها من أبواب الخير أيضاً.

ص: 72


1- المحاسن 1 : 451 ، ح1039.
2- تهذيب الأحكام 2 : 242 ، ح 958.
3- الزهد: 13 ، ح 26.

وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عليّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عليّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ(3).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

وممّا يلفت النظر في هذا الحديث عدم تعرّضه للولاية، مع أنّها - أيضاً - من أهمّ الواجبات، كما تقدّم.

ويمكن الجواب عن ذلك بأمور:

الأوّل: أنّ الحديث ليس في مقام الحصر، فلابدّ من ملاحظة سائر الأحاديث.

الثاني: أنّه لمّا كان الجهاد الذي هو ذروة الإسلام وسنامه تابعاً لنظر

ص: 73


1- الكافي 4 : 62 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 4 : 151 ، ح419.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 75، ح1775.
4- المحاسن 1 : 450، ح1038.

المعصوم (علیه السلام) وأمره، وشأنه بيده، كما هو محقّق في محلّه، ففي ذلك إشارة ضمنيّة إلى الولاية، وهذا يغني عن التصريح بها.

الثالث: على فرض عدم تماميّة ما تقدّم يمكن أن يقال: بأنّ الرواية في مقام بيان الإسلام بالمعنى الأعمّ، الذي هو المناط في حقن الدماء، وحلّية الذبائح، وحرمة الأموال، وليست في مقام بيان الإسلام بالمعنى الأخصّ، الذي هو الإيمان المنوط بالولاية.

سند الحديث:

لهذا الحديث عدّة أسانيد:

السند الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد.

أمّا محمّد بن يحيى: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا أحمد بن محمّد: فهو مشترك بين أحمد بن محمّد بن خالد، وأحمد بن محمّد بن عيسى، وكثيراً ما ينقل محمّد بن يحيى عنهما، وقد ينقل عن أحمد بن محمّد بن الحسن، وأحمد بن محمّد بن هلال، وهما مجهولان، إلّا أنّ روايته عنهما كانت في مورد واحد، فلا ينصرف أحمد بن محمّد إليهما قطعاً. وعليه فينحصر الأمر بين المعروفين منهم، وهما الأوّلان.

والظاهر: أنّه ابن عيسى؛ لأنّ محمّد بن يحيى من العدّة التي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وليس من أفراد العدّة التي تروي عن البرقي.

ص: 74

أضف إلى ذلك: أنّ محمّد بن يحيى يروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى في الكتب الأربعة ما يقرب من ثمانمائة مورد، بينما يروي عن البرقي في سبعة موارد أو ثمانية.

هذا، والظاهر أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي، وهو من الثقات.

قال النجاشي في حقّه: «شيخ القمّيين، ووجههم، وفقيههم، غير مدافع، وكان - أيضاً - الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي الرضا (علیه السلام) »(1)

، ووثّقه الشيخ بهذا النحو(2).

وعلى فرض أنّه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهو - أيضاً ثقة - كما تقدّم.

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد قال النجاشي عنه: «وكان عليّ ثقة، وجهاً،ثبتاً، صحيحاً، واضح الطريقة»(3)،

وورد في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي» لكن في القسم الثاني(4)

وأمّا ابن مسكان: فقد قال النجاشي في حقّه: «عبد اللَّه بن مسكان، أبو

ص: 75


1- رجال النجاشي: 82/ 198.
2- فهرست الطوسي: 68/75.
3- رجال النجاشي: 274/719.
4- أصول علم الرجال 1 : 231 ، 307 .

محمّد، مولى عنزة، ثقة، عين»(1)

، ووثّقه الشيخ(2)

، وهو من أصحاب الإجماع، وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام(3)

، وورد في «تفسير القمّي»(4).

وأمّا سليمان بن خالد: فقد قال النجاشي في حقّه: «كان قارئاً، فقيهاً، وجهاً»(5).

وتعبيره بالوجه: دالّ على الوثاقة، مضافاً إلى توثيق الشيخ المفيد له في «الإرشاد»(6)

، وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(7)،

وقد ورد في حقّه: أنّه خرج مع زيد، ولم يخرج معه من أصحاب أبي جعفر (علیه السلام) غيره، قطعت يده، ومات في حياة أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فتوجّع لفقده، ودعا لولده، وأوصى بهم أصحابه(8)

وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأما السند الثاني: وهو ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن أبيه، عن

ص: 76


1- رجال النجاشي: 214/559.
2- فهرست الطوسي: 168/440.
3- معجم رجال الحديث 11 : 348/7173.
4- أصول علم الرجال 1 : 283 .
5- رجال النجاشي: 183/484.
6- الإرشاد 2 : 216، باب ذكر الإمام بعد أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد (علیهما السلام) .
7- اُصول علم الرجال 1 : 223 ، 281 ، و ج2 : 195 .
8- رجال النجاشي: 183/484، ورجال الطوسي : 215 - 216/2838.

عليّ بن النعمان. والبرقي قد تقدّم ذكره.

وأمّا أبوه: فهو محمّد بن خالد البرقي، قال عنه النجاشي: «وكان محمّد ضعيفاً في الحديث»(1).

وقال الشيخ في «رجاله»: «محمّد بن خالد البرقي ثقة»(2) .

ومقتضى الجمع بين تضعيف النجاشي وتوثيق الشيخ: أن يقال: إنّه ثقة في نفسه، إلّا أنّه ضعيف في الحديث، بمعنى: أنّه يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل.

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد تقدّم ذكره، ومنه يتّحد السندان.

وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

طریق شیخ إلی الحسن بن محمّد بن سماعة

وأمّا السند الثالث: وهو ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ابن رباط، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، فقد قال النجاشي في حقّ الشيخ: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، من تلامذة شيخنا أبي عبد اللَّه»(3) .

وأما سند الشيخ فقد ذكر طريقين إلى كتبه ورواياته:

أحدهما: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته أحمد بن عبدون، عن أبي طالب

ص: 77


1- رجال النجاشي: 335/898.
2- رجال الطوسي: 363/5391.
3- رجال النجاشي: 403/ 1068.

الأنباري، عن حميد بن زياد النينوائي، عنه(1).

وهذا الطريق ضعيف بأبي طالب الأنباري ولكن يمكن القول بوثاقته، ويجمع بين تضعيف الشيخ له(2)

وتوثيق النجاشي(3)؛

بأنّ التضعيف من جهة رميه بالغلو والارتفاع، وعليه فيكون ثقة في حديثه ضعيفاً في مذهبه.

وثانيهما: وأخبرنا أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن الحسن بن محمّد بن سماعة(4).

وهذا الطريق وان كان ضعيفا بعلي بن محمّد بن الزبير، إلّا أن للنجاشي طريقاً آخر، صحيحاً في رجاله إلى عليّ بن الحسن بن فضّال وهو: وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن بكتبه(5).

وبما أن شيخ النجاشي وهو ابن عبدون شيخ للطوسي أيضاً، ولا يحتمل أن يروي للنجاشي غير الذي رواه للشيخ، فيكون هذا الطريق الصحيح للنجاشي موجباً لتصحيح طريق الشيخ أيضاً.

هذا، مضافاً إلى وجود طريق ثالث صحيح ذكره الشيخ (رحمه الله) في «مشيخة

ص: 78


1- فهرست الطوسي: 103/ 193 .
2- رجال الطوسي: 434 / 6218 .
3- رجال النجاشي: 232/ 617 .
4- فهرست الطوسي: 103/193.
5- رجال النجاشي: 259 / 676 .

التهذيب» بقوله: الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة(1).

وأمّا الحسن بن محمّد بن سماعة: فقد قال النجاشي عنه: «من شيوخ الواقفيّة، كثير الحديث، فقيه، ثقة، وكان يعاند في الوقف، ويتعصّب»(2).

وقال الشيخ: «واقفي المذهب، إلّا أنّه جيّد التصانيف، نقي الفقه، حسن الانتقاء»(3).

وأمّا ابن رباط: فقد قال النجاشي في حقّه: «علي بن الحسن بن رباط البجلي، أبو الحسن، كوفيّ، ثقة، معوّل عليه»(4).

وأمّا ابن مسكان وسليمان بن خالد: فقد تقدّما.

وعليه فهذا الطريق أيضاً معتبر.

وأمّا السند الرابع: وهو ما رواه الحسين بن سعيد في «كتاب الزهد»، عن عليّ بن النعمان: فقد قال النجاشي عن كتب الحسين والحسن ابني سعيد: «وكتب ابني سعيد كتب حسنة، معمول عليها»(5)، كما أنّ الشيخ

ص: 79


1- تهذيب الأحكام 10 : 75، المشيخة.
2- رجال النجاشي: 40 - 41/84 .
3- فهرست الطوسي: 103/193.
4- رجال النجاشي: 251/659.
5- المصدر نفسه: 58/136

الصدوق شهد في أوّل «الفقيه»: بأنّها من جملة الكتب المشهورة المعوّل عليها(1).

وقال الشيخ (رحمه الله) : «الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الأهوازي، من موالي عليّ بن الحسين (علیهما السلام) ، ثقة، روى عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث (علیه السلام) »(2)،

وقال ابن النديم عنه وعن أخيه الحسن:

«أوسع أهل زمانهما علماً بالفقه، والآثار، والمناقب، وغير ذلك من علوم الشيعة»(3).

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد تقدّم.

وطريق صاحب «الوسائل» إلى «كتاب الزهد»: معتبر.

وأما السند الخامس: وهو: ما عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن عليّ بن عبد العزيز؛ فمحمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد بن عيسى قد تقدّم ذكرهما سابقاً.

وأمّا ابن فضّال - وهو الحسن بن عليّ بن فضّال - : فقد نقل النجاشي في حقّه أنّه: «أعبد من رأينا أو سمعنا به»(4)،

وقال الشيخ: «روى عن الرضا (علیه السلام) ، وكان خصيصاً به. كان جليل القدر، عظيم المنزلة، زاهداً،

ص: 80


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 ، مقدمة المصنف.
2- فهرست الطوسي: 112/230.
3- فهرست ابن النديم: 277.
4- رجال النجاشي: 34/72.

ورعاً، ثقة في الحديث وفي رواياته»(1)،

وذكر أيضاً أنّه: «كان فطحيّاً، يقول بإمامة عبد اللَّه بن جعفر، ثمّ رجع إلى إمامة أبي الحسن (علیه السلام) عند موته»(2)،

وهو من أصحاب الإجماع(3)، وورد في «نوادر الحكمة» وفي «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وأمّا ثعلبة: فهو ثعلبة بن ميمون، قال عنه النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، نحويّاً، لغويّاً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد»(5)،

فكونه وجهاً في أصحابنا دالّ على التوثيق.

وعن الكشّي أنّه: «ثقة، خيّر، فاضل، مقدّم، معلوم في العلماء والفقهاء الأجلّة من هذه العصابة»(6).

بحث رجالي في عليّ بن عبد العزيز

وأمّا عليّ بن عبد العزيز: فبناء على أنّه عليّ بن غراب، لم يرد فيه توثيق خاصّ، وهذا مبنيّ على اتّحادهما، كما هو ظاهر قول الشيخ: بأنّه المعروف ب- «علي بن غراب»(7).

ص: 81


1- فهرست الطوسي: 98/164.
2- المصدر نفسه.
3- إختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 ،و ج2 : 186 .
5- رجال النجاشي: 117/302.
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 711/776 .
7- فهرست الطوسي: 160/ 411.

نعم، وثّقه النجاشي في ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي، فقال: ثقة هو وأبوه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو يروي كتاب أبيه عنه(1).

فإذا كان عليّ بن أبي المغيرة هو: عليّ بن عبد العزيز، وهو عليّ بن غراب، فكنية غراب هي: أبو المغيرة، كما يشهد بذلك قول الصدوق (رحمه الله) في طريقه في «المشيخة» إلى عليّ بن غراب، فقد قال: وهو ابن أبي المغيرة الأزدي(2).

وأمّا بناء على تعدّدهما - كما هو ظاهر - فإنّ الصدوق قد ذكر طريقاً لكلّ واحد منهما(3).

فعليّ بن عبد العزيز لم يرد في حقّه شي ء.

نعم، روى المشايخ الثقات عنه(4).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

طرق الشيخ إلى محمّد بن يعقوب الكليني

وأمّا السند السادس: فهو ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.

وطرق الشيخ إلى محمّد بن يعقوب متعدّدة؛ فقد قال في «المشيخة»: «فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) ، فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد النعمان (رحمه الله) ، عن أبي القاسم جعفر بن

ص: 82


1- رجال النجاشي: 49/106.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 516 .
3- المصدر نفسه: 516 و517 .
4- أصول علم الرجال 2 : 202.

محمّد بن قولويه (رحمه الله) ، عن محمّد بن يعقوب (رحمه الله) .

وأخبرنا به - أيضاً - الحسين بن عبيد اللَّه، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، وأبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، وأبي عبد اللَّه أحمد بن أبي رافع الصيمري، وأبي المفضّل الشيباني، وغيرهم، كلّهم، عن محمّد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به - أيضاً - أحمد بن عبدون المعروف ب- (ابن الحاشر)، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد اللَّه بن نصر البزّاز، بتنيس وبغداد، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، جميع مصنّفاته وأحاديثه، سماعاً وإجازة»(1).

وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

وأما السند السابع: فهو ما رواه الصدوق بإسناده، عن عليّ بن عبد العزيز.

وسند الصدوق إلى عليّ بن عبد العزيز هكذا: «وما كان فيه عن عليّ بن عبد العزيز فقد رويته عن أبي(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، عن حمزة بن عبد اللَّه، عن إسحاق بن عمّار، عن عليّ بن عبد العزيز»(2).

ص: 83


1- تهذيب الأحكام 10 : 5 - 29 ، المشيخة .
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 517 ، المشيخة .

وهذا الطريق وإن كان ضعيفاً بحمزة بن عبد الله، كما هو في النسختين المصحّحتين، وحمزة بن محمّد، كما هو في النسخة المطبوعة، إلّا أنّه يمكن تصحيحه من جهة إسحاق بن عمار؛ فإنّ للصدوق طريقاً صحيحاً إلى أصله(1).

وبهذا يكون الطريق معتبراً أيضاً.

هذا، مضافاً إلى أن إسحاق بن عمّار له كتاب نوادر يرويه عنه عدّة من أصحابنا كما ذكر النجاشي(2).

وإذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة إلى النظر في الطرق إلى كتابه.

وعلى فرض أن يكون عليّ بن عبد العزيز هو ابن غراب، فسند الصدوق إليه هكذا: وما كان فيه عن عليّ بن غراب: فقد رويته عن أبي ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - ، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسان، عن إدريس بن الحسن، عن عليّ بن غراب، وهو ابن المغيرة الأزدي(3).

وهذا السند ضعيف بإدريس بن الحسن؛ فإنه مجهول.

وأما محمّد بن حسّان: فيمكن توثيقه؛ لوروده في «نوادر الحكمة»(4).

وأما السند الثامن: وهو ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن الحسن بن عليّ بن فضّال. والبرقي وابن فضّال قد تقدّما.

ص: 84


1- فهرست الطوسي: 45/ 52 .
2- رجال النجاشي: 71/169 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 516، المشيخة.
4- أصول علم الرجال 1 : 236 .

وهذا السند حاله حال السند الخامس.

تنبيهان:

الأوّل: أنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) جعل هذه الرواية مع الأسناد المذكورة رواية واحدة، ولكن في «جامع الأحاديث»(1)

جُعلت ثلاث روايات:

الأولى: وهي التي تنتهي إلى سليمان بن خالد، ورواها الكليني بسنده عنه.

الثانية: وهي التي تنتهي إلى سليمان بن خالد أيضاً، ورواها الشيخ بسنده عن الحسن بن محمّد بن سماعة.

الثالثة: وهي التي تنتهي إلى عليّ بن عبد العزيز، ورواها الكليني بسنده عنه.

وممّا يؤيّد ذلك أنّ الرواية تنتهي إلى رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . كما أنّ للرواية الثالثة طريقاً مستقلّاً ينتهي إلى عليّ بن عبد العزيز.

ولعلّ السبب في جعل صاحب «الوسائل» هذه الروايات الثلاث رواية واحدة هو اشتراك هذه الروايات في مدلول واحد.

الثاني: تقدّم أنّ طريق الصدوق إلى عليّ بن عبد العزيز غير معتبر على

ص: 85


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 619، ح1100، و620 ، ح1101، 1102 .

أحد الوجهين؛ لعدم توثيق إدريس بن الحسن، ولكن قد ذكر الصدوق في أوّل كتاب «الفقيه» أنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع(1)،

فإن كانت هذه الرواية قد نقلها الصدوق من كتاب عليّ بن عبد العزيز، فمعنى ذلك أنّ الكتاب مشهور ومعتمد عليه. وعلى ذلك يكون الحديث معتبراً، وإن ورد بطريق فيه ضعف. وأمّا إذا لم يثبت ذلك بقي ضعيف السند بطريق الصدوق فقط.

وقد قوّى صاحب «الوسائل» - تبعاً للعلاّمة المجلسي (رحمه الله) - احتمال أن يكون الصدوق قد نقلها من كتاب عليّ بن عبد العزيز، وبذلك تكون جميع أسانيد هذه الأحاديث معتبرة.

ص: 86


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3، مقدمة المصنف.

[4] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَلا أَقُصُّ عَلَيْكَ دِينِي؟ فَقَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَدِينُ اللَّه بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً (رَسُولُ اللَّه)(صلی الله علیه و آله و سلم)(1)، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَالْوَلايَةِ، - وَذَكَرَ الأَئِمَّةَ (علیهم السلام) - فَقَالَ: «يَا عَمْرُو هَذَا دِينُ اللَّه وَدِينُ آبَائِيَ، الَّذِي أَدِينُ اللَّه بِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

الجزء الذي أورده صاحب «الوسائل» (رحمه الله) يدل على أنّ الأمور المذكورة

ص: 87


1- في المصدر: عبده ورسوله.
2- الكافي 2 : 23، باب دعائم الاسلام، ح14. والحديث مقطوع الطرفين وتمامه: قال : دخلت على أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وهو في منزل أخيه عبد اللَّه بن محمّد، فقلت له: جعلت فداك، ما حوّلك إلى هذا المنزل؟ قال: «طلب النزهة» فقلت: جعلت فداك، ألا أقصُّ عليك ديني؟ ... وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور... والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، والولاية للحسن والحسين، والولاية لعلي بن الحسين، والولاية لمحمد بن علي، ولك من بعده صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وأنّكم أئمّتي، عليه أحيا وعليه أموت وأدين اللَّه به، فقال: «يا عمرو ... فاتّق اللَّه وكفّ لسانك إلّا من خير، ولا تقل إنّي هديت نفسي، بل اللَّه هداك، فأدِّ شكر ما أنعم اللَّه عزّوجلّ به عليك، ولا تكن ممّن إذا أقبل طعن في عينه، وإذا أدبر طعن في قفاه، ولا تحمل الناس على كاهلك، فإنّك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك».

من الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية من الواجبات، بل من أهم الواجبات؛ لأنّها جعلت في الحديث الدين الحق الواجب الاتباع؛ حيث عرضها عمرو بن حريث على الإمام (علیه السلام) ، وقال: «وأدين اللَّه به»، أي: أعبد اللَّه وأطيعه بتلك العقائد والأعمال، فأقرّه (علیه السلام) على ذلك وأكّده، فقال: إنّ هذا هو دينه ودين آبائه، الذي يدين اللَّه به في السر والعلانية. ولعل المراد بالسر هو القلب، وبالعلانية هي الجوارح، ومنها اللسان، أو أنّ المراد بالسّر هي الخلوة، وبالعلانية هي مجامع الناس ومحافلهم، مع عدم التقيّة والخوف منهم.

وقد صرّح في هذا الحديث بالشهادتين، وقد ذكرنا فيما تقدّم: أنّهما لازمتان للصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية.

سند الحديث:

روى الكليني الحديث بطريقين:

الأوّل: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن عمرو بن حريث.

الثاني: عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان.

أما السند الأوّل:

فعلي بن إبراهيم وأبوه، قد تقدّم البحث حولهما، وأنّهما ثقتان.

وأمّا صفوان: فهو صفوان بن يحيى البجلي بيّاع السّابري، وقد اجتمعت فيه وجوه التوثيق، فقد نصّ على وثاقته النجاشي فقال عنه: «ثقة، ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وروى هو عن الرضا (علیه السلام) ،

ص: 88

وكانت له عنده منزلة شريفة. ذكره الكشّي في رجال أبي الحسن موسى (علیه السلام) . وقد توكّل(1)

للرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ، وسَلِم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة»(2).

وقال الشيخ: «أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث، وأعبدهم، وكان يصلي كلّ يوم وليلة خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرات»(3)،

وهو من أصحاب الإجماع(4)، وأحد المشايخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(5)

، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(6).

وأمّا عمرو بن حريث: فقد قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(7)،

مضافاً إلى رواية صفوان عنه.

وأمّا السند الثاني:

فأبو عليّ الأشعري، قد تقدّم الكلام عنه.

وأمّا محمّد بن عبد الجبار: فقد قال الشيخ في حقّه: «محمّد بن عبد

ص: 89


1- أي كان وكيلاً عنهما.
2- رجال النجاشي: 197/524.
3- فهرست الطوسي : 145 - 146/356 .
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/ 1050 .
5- عدة الأصول 1 : 154 .
6- أصول علم الرجال 1 : 225 ، 282 .
7- رجال النجاشي: 289/775.

[5] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ...» ، الْحَدِيثَ(1). وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

الجبار، وهو ابن أبي الصهبان، قمّي، ثقة»(4)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(5).

والحديث بكلا طريقيه صحيح.

[5] - فقه الحديث:

الحديث الخامس كالحديث الثاني المتقدّم من جهة الدلالة.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث ثلاثة طرق:

ص: 90


1- الكافي 4 : 62 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ، ح 1، وتمامه: «وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): الصوم جُنّة من النار».
2- 2*) تهذيب الأحكام 4 : 151 ، ح 418.
3- 3*) من لا يحضره الفقيه 2 : 74، ح1770.
4- رجال الطوسي: 391/5765.
5- أصول علم الرجال 1 : 237 .

الأوّل: سند الشيخ الكليني (رحمه الله) :

وفيه حمّاد، وهو حمّاد بن عيسى؛ لأن إبراهيم بن هاشم يروي عنه بغير واسطة. وحمّاد ومن بعده قد تقدّم الكلام حولهم.

وعليه فهذا السند صحيح.

وأمّا الثاني - وهو ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن يعقوب - : فهو عين سند الكليني. وطريقه إليه قد تقدّم ذكره.

وأمّا الثالث - وهو ما رواه الصدوق (رحمه الله) مرسلاً - : فهو من مراسيل الصدوق «في الفقيه»؛ فإنّ كتابه كما احتوى على المسانيد احتوى أيضاً على مجموعة من الروايات المرسلة، تقرب من ثلث الكتاب، فيحسن أن نشير - بنحو الإجمال - إلى الأقوال المذكورة في اعتبار مراسيل الصدوق وعدمها، وهي ثلاثة:

القول الأوّل: اعتبار مراسيل الصدوق كمسانيده، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة منهم: صاحب «الوسائل»(1).

القول الثاني: عدم اعتبار المراسيل مطلقاً.

القول الثالث: التفصيل بين ما رواه بنحو الجزم عن الإمام، مثل قوله: قال الصادق (علیه السلام) ، وبين غيره، وقد ذهب إليه جماعة منهم السيد الأستاذ (قدس سره) في رأيه القديم(2).

ص: 91


1- مقباس الهداية 1 : 357.
2- الهداية في الأصول 3 : 256.

وبيان ذلك: أنّ مراسيل الصدوق على أنحاء مختلفة:

النحو الأوّل: ما ينسبه إلى الإمام بنحو الجزم، مثل قوله: قال الصادق (علیه السلام) ، أو قال أبو عبداللَّه (علیه السلام) .

النحو الثاني: ما يورده بنحو «روي عن الإمام»، مثل قوله: رُوي عن الصادق (علیه السلام) ، ومثل قوله: رُوي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو روي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الثالث: ما يذكره بقوله: «في رواية»، مثل: في رواية عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو في رواية عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الرابع: ما يذكره بنحو: «رُوي عن فلان عن الإمام»، مثل قوله: رُوي عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو رُوي عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الخامس: ما ينسبه إلى كتاب، مثل قوله: في كتاب «نوادر الحكمة» لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، أو في كتاب محمّد بن يعقوب.

النحو السادس: ما ينسبه إلى أحد الرواة، مثل قوله: روى زرارة عن الصّادق (علیه السلام) ، أو روى جميل عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

وقد قيل(1):إنّ النحو الأوّل هو المعتبر من مراسيل الصدوق، بل هو

ص: 92


1- الرواشح السماوية: 254.

أقوى من مسنداته؛ حيث إنّه نسبه إلى الإمام جزماً، بينما نسب المسند إلى الراوي.

والتحقيق في المقام: أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) في أوّل كتاب «الفقيه»(1) قد شهد بثلاث شهادات:

الأولى: أنّ جميع الروايات التي أوردها في الكتاب حجّة بينه وبين اللَّه عزّوجلّ.

الثانية: أنّها مستخرجة من الكتب المشهورة المعروفة.

الثالثة: أنّها المعوّل عليها، وإليها المرجع.

أمّا الشهادة الأولى، فيناقش فيها بأنّها حدسيّة لا اعتبار بها، فتبقى الشهادتان الأخيرتان، وهما حسّيّتان.

فإن قلنا باعتبارها فلازم ذلك القول بصحة جميع الروايات المذكورة في الكتاب، فبالشهادة الثانية يثبت أنّ أيّ شخص روى عنه فكتابه معروف ومشهور، ولا يحتاج إلى طريق إلى صاحب الكتاب الذي روى عنه.

وبالشهادة الأخيرة يثبت أنّ الرواية مورد لعمل الأصحاب، ومعوّل عليها، فتكون معتبرة، فلا يحتاج إلى الطريق من صاحب الكتاب إلى الإمام (علیه السلام) ، فإذا ضممنا الشهادة الثانية إلى الثالثة يثبت اعتبار مجموع الطريق إلى المعصوم (علیه السلام) .

ص: 93


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3.

وهذا في المسانيد معلوم. وأمّا في المراسيل، فالظاهر أنّ الشهادتين شاملتان لها أيضاً بأنحائها الستّة - وإن كان يستظهر في بادي النظر التفريق بين هذه الأنحاء - وذلك:

أولاً: من جهة عموميّة كلامه، وأنّ كلّ ما يورده في الكتاب داخل في الشهادتين ولم يستثنِ شيئاً.

وثانياً: أنّ الصدوق في أوّل الكتاب ذكر نيّفاً وعشرين رواية بنحو الإرسال بعد شهادته مباشرة، فكيف يمكن الجمع بين شهادته هذه والقول بعدم الشمول لما يذكره في أوّل الكتاب؟!

وثالثاً: أنّ مقتضى التتبّع في مراسيل الصدوق هو القول بالشمول؛ حيث نراه يعتمد على جميع هذه الأنحاء، فإنّه في أبواب مختلفة ومتعدّدة ذكر روايات بعنوان «روي» فقط من دون ذكر لرواية مسندة فيها، أو ذكر رواية فلان عن الإمام (علیه السلام) ، أو في كتاب فلان، وجعلها مستنداً للحكم، وهذا ممّا يوجب الاطمئنان بأنّ التعبير منه كان من باب التفنّن، لا لأجل الاختلاف في الاعتبار.

وبناءً على ذلك فمراسيل الصدوق حكمها حكم المسانيد في الاعتبار، ولا فرق بين النحو الأوّل وبقيّة الأنحاء. وهذا نظير مراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، وأحمد بن أبي نصر.

هذا كلّه بناء على القول باعتبار شهادته، وعدم المناقشة فيها. وأمّا بناء على المناقشة فيها فأيضاً لا فرق بين الأنحاء الخمسة في عدم اعتبارها.

ص: 94

[6] 6 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّه افْتَرَضَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ(صلی الله علیه و آله و سلم) خَمْسَ فَرَائِضَ: الصَّلاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ، وَوَلايَتَنَا»(1).

أَقُولُ: الْجِهَادُ مِنْ تَوَابِعِ الْوَلايَةِ وَلَوَازِمِهَا؛ لِمَا يَأْتِي، وَيَدْخُلُ فِيهِ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَيَأتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

تخصيص الإمام (علیه السلام) هذه الخمسة بالذكر، وتنصيصه عليها يدلّ على أهمّيّتها بعد الدلالة على الوجوب. والحديث فيه إشارة إلى الدليل التعبدي على عدم قبول الأعمال ما لم تكن عن طريق الولاية؛ وذلك لأنّ الوالي هو الدليل على الواجبات، والولاية هي المفتاح لتلك الواجبات، ولذا أكّد الإمام (علیه السلام) على ذلك بقوله - في آخر الحديث المذكور في الكافي - : «ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا»، بل وأقسم الإمام على ذلك؛ زيادة في التأكيد.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث طريقين، كلاهما للشيخ الكليني:

ص: 95


1- الكافي 8 : 270 ، ح 399.

الأوّل: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب.

والثاني: هو عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب.

وقوله: «جميعاً» يعني: أنّ كلا الطريقين يلتقيان في الحسن بن محبوب.

أما الطريق الأوّل:

فإنّ محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد قد تقدّم ذكرهما.

وأمّا الحسن بن محبوب: فقال الشيخ في حقّه: «ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكان جليل القدر، يعدّ في الأركان الأربعة في عصره»(1)،

وهو من أصحاب الإجماع(2)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(3).

وأمّا هشام بن سالم: فقد قال النجاشي في حقّه: «ثقة، ثقة»(4)، وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام ... الخ(5)،وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

ص: 96


1- فهرست الطوسي: 96/161.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050 .
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .
4- رجال النجاشي: 434/1165.
5- معجم رجال الحديث 20 : 324/13361.
6- أصول علم الرجال 1 : 242 ، 288 و ج2 : 216 .

وأما عبد الحميد بن أبي العلاء: فهو مشترك بين شخصين:

الأوّل: عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي الخفّاف، وقد ذكره النجاشي في ترجمة أخيه الحسين بن أبي العلاء الخفّاف بقوله: «إنّ أخويه عليّ وعبد الحميد، وأنّ الحسين أوجههم»(1)، وفي هذا دلالة على وجاهة عبد الحميد، كما أنّ أخويه كذلك، فيثبت حسنه.

والثاني: عبد الحميد بن أبي العلاء بن عبد الملك الأزدي، قال النجاشي فيه: «ثقة، ويقال له: السمين، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب»(2)،

فيكون الثاني هو المنصرف إليه عند الإطلاق؛ لأنّ له كتاباً، فيكون هو المعروف. وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأمّا الطريق الثاني: فإنّ العدّة قد مرّ الكلام حولها فيما سبق(3).

وأما سهل بن زياد: فقد أشبعنا البحث حوله في خاتمة «أصول علم الرجال»(4).

ومجمل القول فيه: أنّ النجاشي والشيخ ضعّفاه، كما أنّ محمّد بن عيسى قد شهد عليه بالغلو والكذب، ووثّقه الشيخ في «الرجال» على نسخة، ولكنّا رجّحنا هناك أدلّة الذم على أدلّة المدح.

ص: 97


1- رجال النجاشي: 52/117.
2- رجال النجاشي: 246/647.
3- راجع: التمهيد، الأمر الأول.
4- أصول علم الرجال 2 : 355 - 360 .

[7] 7 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَثَافِيُّ الإِسْلامِ ثَلاثَةٌ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْوَلايَةُ، لا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ (مِنْهَا إِلّا بِصَاحِبَتِهَا)»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وعليه فهذا الطريق ضعيف بسهل، إلّا أن يقال: بما أنّ للشيخ الطوسي (رحمه الله) طرقاً صحاحاً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب، ومن جملة رواياته: ما ورد في «الكافي»؛ لأنّه (رحمه الله) ناظر إلى رواياته حتماً، وحيث إنّه لم ينقل الاختلاف بين رواياته، فيتبيّن: أنّ لهذه الرواية طرقاً أخرى صحيحة، إضافة إلى الطريقين المذكورين، فتكون معتبرة.

[7] - فقه الحديث:

الحديث وإن اقتصر فيه على ذكر الثلاثة وهي: الصلاة والزكاة والولاية، إلّا أنّه لا منافاة بينه وبين ما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّ هذه الأمور هي الأهمّ، وقد تقدّم أنّ الصلاة هي عمود الدين، والزكاة قرينة لها، وتوقّفهما على الولاية أمر واضح. ولبيان أهمّيّة الثلاثة عبّر عنها بالأثافيّ، وهو جمع الأثفية بالضم والكسر، وهي: الأحجار التي توضع عليها القدر، وأقلها ثلاثة. فالأركان المهمة هي هذه الثلاثة، وأكّد على ذلك بأنّه لا تصحّ واحدة منها

ص: 98


1- الكافي 2 : 15، باب دعائم الاسلام ، ح 4. وفيه: منهنّ إلّا بصاحبتيها.

إلّا بصاحبتها، وفي نسخة: بصاحبتيها، كما أنّ القدر لا تستوي إلّا على ثلاث أثافي، فالإسلام أيضاً لا يتحقّق إلّا إذا التزم المسلم بهذه الأمور الثلاثة، فالصلاة والزكاة من دون الولاية لا أثر لهما، كما أنّ الولاية من دون تصديق فعلي بالعمل خارجاً لا تخرج عن كونها دعوى لا واقع لها، وكل واحد من هذه الأمور الثلاثة يشكّل جزءاً لا يستغنى عنه، فبالجميع يتحقق الإسلام الحقيقي.

وقد يقال: إنّ الصلاة والزكاة تتوقّفان على الولاية، وأمّا الولاية فلا تتوقّف على أيّ منهما، ولكنّ الأظهر: أنّ الولاية - أيضاً - تتوقّف على كلّ من الصلاة والزكاة، وإلّا كانت مجرّد دعوى بلا حقيقة.

سند الحديث:

الضمير يرجع إلى محمّد بن يحيى المتقدّم، وهو وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا ابن العرزمي: فقد قال النجاشي في حقّه: «عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد اللَّه العرزمي، الفزاري، أبو محمّد، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة»(1) . وفي «طرائف المقال»: أنّه يطلق على عيسى بن صبيح العرزمي، وهو له كتاب، يرويه الحسن بن محبوب(2).

ص: 99


1- رجال النجاشي: 237/628.
2- طرائف المقال 1 : 650.

والظاهر أنّه الأوّل؛ لأنّه لم يعهد رواية عيسى بن صبيح عن أبيه، بخلاف عبد الرحمن؛ فإنّه قد ورد في عدّة موارد روايته عن أبيه، مضافاً إلى أنه المعروف؛ لأنّ له كتاباً.

وأمّا أبوه: فهو محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي سليمان العرزمي، ولم يرد في حقّه شي ء. نعم، ورد في «تفسير القمّي»: العرزمي روى عن أبيه(1)، فيشمله التوثيق، سواء كان المراد بالعرزمي الابن وهو عبد الرحمن بن محمّد، أو الأب وهو محمّد، وإن كان بعيداً. وعليه فعلى كلا التقديرين يكون محمّد بن عبيد اللَّه مشمولاً للتوثيق. والحاصل أنّ السند معتبر.

ص: 100


1- أصول علم الرجال 1 : 292.

[8] 8 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ محمّد الثَّقَفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ جَمِيعاً، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّه أَعْطَى مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) شَرَائِعَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «ثُمَّ افْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَزَادَهُ الْوُضُوءَ، وَأَحَلَّ لَهُ الْمَغْنَمَ وَالْفَيْ ءَ(1)، وَجَعَلَ لَهُ الأَرْضَ مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَسْرَ الْمُشْرِكِينَ وَفِدَاهُمْ»(2)، الْحَدِيثَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

المقدار المذكور قطعة من الحديث، وهو طويل، اكتفى صاحب «الوسائل» بذكر محلّ الشاهد منه. وهو يدل بوضوح على أهمّيّة هذه الأمور

ص: 101


1- ما أخذ من الكفار إن كان من غير قتال فهو فيءٌ، مثل جزية الرؤوس وما صولحوا عليه. وإن كان مع القتال فهو غنيمة. (مجمع البحرين 3 : 333 ، مادة «غنم»، ولسان العرب 1 : 126 ، مادة «غنم»).
2- المراد فكاك الأسرى واستنقاذهم من الأسر بالمال أو مبادلتهم برجال آخرين. (راجع مجمع البحرين 3 : 373 ، ولسان العرب 15 : 150).
3- الكافي 2 : 17 ، باب الشرائع ، ح 1، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 7 من أبواب التيمّم.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المذكورة، كما تقدّم. والمراد بشرائع هؤلاء الأنبياء: إما الأصول والاعتقادات في شرائعهم، أو أكثر ما شرّعه الله لهم من التكاليف. وفي الحديث أحكام أخرى زيادة على هذه الأمور، كالوضوء، وحلّيّة المغنم والفي ء، والجزية، وجعل الأرض مسجداً وطهوراً، وهذه الأمور من مختصّات الشريعة ومزاياها. وعدم ذكر الولاية فيها لا ينافي ما تقدّم من الأحاديث؛ لما بيّناه سابقاً، ولا حاجة إلى الإعادة.

سند الحديث:

ذكر صاحب «الوسائل» للحديث ثلاث طرق:

الطريق الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم.

وفيه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال عنه النجاشي: «كوفي، لقي الرضا وأبا جعفر (علیهما السلام) ، وكان عظيم المنزلة عندهما»(2) ، وقال الشيخ: «كوفي، ثقة، لقي الرضا (علیه السلام) ، وكان عظيم المنزلة عنده، وروى عنه كتاباً»(3) ، كما

ص: 102


1- المحاسن 1 : 447، ح1035.
2- رجال النجاشي: 75/180.
3- فهرست الطوسي: 61/63.

عدّه الشيخ من المشايخ الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(1)،

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(2)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(3).

بحث رجالي في إبراهيم بن محمّد الثقفي

الطريق الثاني: ما رواه - أيضاً - عن العدّة، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وقد سبق ذكرها.

وأما إبراهيم بن محمّد الثقفي، فقد قال النجاشي في حقّه: «أصله كوفي، ... وانتقل أبو إسحاق هذا إلى إصفهان، وأقام بها، وكان زيديّاً أولاً، ثمّ انتقل إلينا، ويقال: إنّ جماعة من القمّيين كأحمد بن محمّد بن خالد وفدوا إليه، وسألوه الانتقال إلى قم، فأبى، وكان سبب خروجه من الكوفة، أنّه عمل كتاب المعرفة، وفيه المناقب المشهورة والمثالب، فاستعظمه الكوفيون، وأشاروا عليه بأن يتركه ولا يخرجه، فقال: أيّ البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: إصفهان، فحلف: لا أروي هذا الكتاب إلّا بها؛ فانتقل إليها، ورواه بها ثقةً منه بصحة ما رواه فيه»(4) .

وهو وإن لم يرد فيه توثيق صريح، إلّا أنّه قد يستفاد من هذا النصّ أنّه من المستميتين في الولاية، هذا أولاً.

ص: 103


1- عدّة الأصول 1 : 154.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050.
3- أصول علم الرجال 1 : 213 ، 277 .
4- رجال النجاشي: 17/19.

وثانياً: أنّ ابن طاووس وثّقه في «الإقبال»(1) ، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(2).

فعلى هذا يحكم بوثاقته.

وعن «فهرست» ابن النديم أنّ: «الثقفي إبراهيم بن محمّد الأصبهاني، من الثقات العلماء المصنفين»(3)

، وقال العلامة المجلسي: «إنّ له مدائح كثيرة»(4).

وأمّا محمّد بن مروان: فهو - بهذا العنوان - مشترك بين أربعة عشر شخصاً، والمعروف منهم أربعة:

1 - محمّد بن مروان الحنّاط، قال النجاشي عنه: «ثقة، قليل الحديث، له كتاب»(5) .

2 - محمّد بن مروان البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) ، وحدّث عنه أُسيد بن زيد(6)

3 - محمّد بن مروان الأنباري، قال النجاشي عنه: «له كتاب نوادر»(7)

ص: 104


1- إقبال الأعمال: 15، وفيه: «رأيت في كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم الثقفي، الثقة». إلّا أنّ آغابزرگ في الذريعة ذكر أنّ ما في المطبوع من الإقبال غلط، والصحيح «لأبي إسحاق إبراهيم». (راجع الذريعة 7 : 61).
2- أصول علم الرجال 1 : 211 ، 276 .
3- فهرست ابن النديم: 279.
4- معجم رجال الحديث 1 : 258/263.
5- رجال النجاشي: 360/967.
6- رجال الطوسي: 145/1587 ، و295/4308 .
7- رجال النجاشي: 345/930.

4 - محمّد بن مروان الذهلي، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق.

والظاهر أنّ المراد به الذهلي؛ وذلك لأنّ الحناط قليل الحديث، وأمّا محمّد بن مروان البصري فالراوي عنه أُسيد بن زيد، والراوي هنا عن محمّد بن مروان غيره، ولا ينطبق على الثالث؛ لأنّه روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، فهو متأخّر طبقة.

وهم وإن لم يرد فيهم توثيق غير الأوّل، إلّا أنّه روى المشايخ الثقات عن محمّد بن مروان بنحو الإطلاق(2)، فإذا قلنا: إنه ينطبق على الذهلي، فيكون ثقة.

وأمّا أبان بن عثمان: فقد تقدّم ذكره.

والحديث مرسل فلا يكون معتبراً، إلّا على القول بأنه لمّا كان أبان بن عثمان من أصحاب الإجماع، وكل ما ورد عنهم فهو صحيح، فيكون الحديث معتبراً.

مضافاً إلى أنّ في السند أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وهو لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة، فإذا كان هذا شاملاً للإرسال حتّى مع الواسطة، ولا يختص بالمباشر عنه، فلا يضر الإرسال.

والنتيجة: أنّ الحديث مرسل، إلّا إذا سلكنا أحد المبنيين، أو قلنا بكفاية

ص: 105


1- رجال الطوسي: 295/4309.
2- أُصول علم الرجال 2 : 211 .

[9] 9 - وَعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَجْلانَ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَوْقِفْنِي عَلَى حُدُودِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ(1) مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَصَلاةُ الْخَمْسِ، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَوَلايَةُ وَلِيِّنَا، وَعَدَاوَةُ عَدُوِّنَا، وَالدُّخُولُ مَعَ الصَّادِقِينَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وجوده في «الكافي».

وأما الطريق الثالث: فقد تقدّم حال كلّ واحد منهم.

الكلام في حدود الایمان

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدل على أنّ الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية من أهمّ الواجبات، ومن حدود الإيمان. نعم، في هذا الحديث بعض الإضافات التي لم تذكر في الأحاديث السابقة:

منها: الإقرار بما جاء من عند اللَّه، فيحتمل أن يكون المراد به: الإقرار الإجمالي بأحكام الشريعة، ويحتمل أن يكون المراد به: الإيمان بالشرايع السابقة والكتب المنزلة والملائكة، ولا يبعد هذا المعنى.

ص: 106


1- في المصدر زيادة: به.
2- الكافي 2 : 18، باب دعائم الاسلام ، ح 2.

وتؤيّده: الآيات القرآنية الكثيرة: كقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كلّ آمَنَ بِاللَّه وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ}(1)

، وغيرها من الآيات. فالإقرار بسائر الشرايع والكتب المنزلة والملائكة - أيضاً - من حدود الإيمان.

ومنها: البراءة من أعداء اللَّه تعالى، والولاية لأولياء اللَّه، وهما متلازمان؛ وقد ورد في الأحاديث الكثيرة المتواترة بأنّ الدين هو الحبّ والبغض، بل هو الإيمان(2)

ومنها: ما أشار إليه (علیه السلام) بقوله: «والدخول مع الصادقين»، وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(3)

، والدخول مع الصادقين: عبارة أخرى عن الولاية، ذكرها الإمام (علیه السلام) . وإشارته (علیه السلام) إلى الآية الشريفة كأنّه ذِكرٌ لها، فتكون دليلاً على الولاية، ويكون الدخول حينئذ تفسيراً للكون معهم، وهو بمعنى الامتثال لأوامرهم ومتابعتهم. ويستفاد منها استمرارها لكل زمان؛ وذلك لأنّ الآية تتضمن الخطاب للمؤمنين كافة إلى يوم القيامة، ولا ينحصر الخطاب بزمان خاصّ، وفي ذلك دلالة على وجود الحجة (علیه السلام) ، وأنّ اللَّه سبحانه لا يخلي

ص: 107


1- البقرة، الآية 285.
2- الكافي 2 : 124 ، باب الحب في اللَّه، والبغض في اللَّه.
3- التوبة، الآية 119.

الأرض من حجّة على العباد إلى أن يرث اللَّه الأرض وما عليها.

مضافاً إلى دلالتها على العصمة؛ لأنّ الأمر بالكون مع الصادقين أو الدخول معهم، مطلق في كلّ الأحوال، وذلك مستلزم للعصمة، وإلّا لم تجب متابعتهم في كلّ الأحوال. وقد قامت الأدلّة على ثبوت العصمة للأئمّة (علیهم السلام) دون غيرهم، ولم يُدَّعَ ذلك في حقّ غيرهم، بل وردت الروايات من طرق العامّة - فضلاً عن الخاصة - بأنّ الآية نزلت في أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وفي بعضها: أنّ المراد بهم الأئمّة (علیهم السلام) ، واعترف الفخر الرازي بدلالتها على وجود المعصوم، واستمرار بقائه، ولكنه ادعى: أنّ المراد به هو إجماع أهل الحلّ والعقد(1).

ووهن دعواه وبطلانها أوضح من أن يبيّن.

والحاصل: أنّ الحديث واضح الدلالة، فهو - مضافاً إلى إفادته وجوب الفرائض الخمس - يدلّ على حدود الإيمان وأهمّها الولاية والبراءة.

سند الحديث:

محمّد بن عيسى مشترك بين سبعة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن عيسى الأرمني.

2 - محمّد بن عيسى بن زياد، جدّ محمّد بن جعفر الرزّاز.

3 - محمّد بن عيسى بن سعد الأشعري، والد أحمد بن محمّد بن عيسى، وله «كتاب الخطب».

ص: 108


1- تفسير الفخر الرازي 16 : 227.

4 - محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني.

5 - محمّد بن عيسى الطلحي، له «دعوات الأيام».

6 - محمّد بن عيسى القطّان.

7 - محمّد بن عيسى الكندي.

والمشهور منهم ثلاثة: الأشعري، واليقطيني، والطلحي، وأشهر الثلاثة: اليقطيني. فالمطلق ينصرف إليه، وروى عنه عليّ بن إبراهيم بلا واسطة في اثنين وثمانين مورداً. وذكر السيد الأستاذ (قدس سره) في«المعجم»: أنّ روايته بواسطة أبيه غير صحيحة. وقد أحصاها إلى ستّة عشر مورداً (1)

ومحمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: مورد للخلاف بين الرجاليين، قال النجاشي فيه: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف... ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه، ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول، ويقولون: من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى»(2) .

ونقل الكشّي عن القتيبي: «كان الفضل بن شاذان (رحمه الله) يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويمدحه، ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه مثله. وبحسبك هذا الثناء من الفضل (رحمه الله) »(3)

ص: 109


1- معجم رجال الحديث 1 : 310 - 314 /332 .
2- رجال النجاشي: 333/896.
3- المصدر نفسه: 334.

وصرّح الكشّي بوثاقته في ترجمة محمّد بن سنان قائلاً: «وقد روى عنه الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمّد بن عيسى العبيدي... وغيرهم من العدول، والثقات من أهل العلم»(1)

وورد في «تفسير القمّي» في موارد كثيرة(2)، وأيضاً في «مشيخة الفقيه» في الطريق إلى يوسف بن يعقوب(3).

وذكره الشيخ في غير مورد، منها ما في «الاستبصار»، وقال: بأنّه ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة(4) .

وقال ابن نوح: «وقد أصاب شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله) على ذلك، إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد، فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»(5)

فيستفاد ممّا تقدّم نقله أو الإشارة إليه: أنّ منشأ رأي الشيخ في تضعيفه هو قول ابن الوليد، إلّا أنّه لا يقاوم وثاقته، بعدما عرفت من شهادة النجاشي، وتسالم الأصحاب على وثاقته، مضافاً إلى ما ذكره أبو العباس، والفضل بن

ص: 110


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.
2- أصول علم الرجال 1 : 287 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 523 ، المشيخة.
4- فهرست الطوسي: 216/611، والاستبصار 3 : 156.
5- رجال النجاشي: 348/939.

شاذان، والكشّي، ووروده في «تفسير القمّي»، فهذه الأمور تدلّ على وثاقته.

مضافاً إلى أنّ استثناء ابن الوليد إيّاه من «نوادر الحكمة» ليس حكماً بضعفه؛ وإنّما هو لتوقفه فيما يرويه عن يونس بإسناد منقطع، وفيما ينفرد بروايته، ولم يعلم الوجه في ذلك، وهو رأي خاصّ لابن الوليد، وتبعه الصدوق على ذلك؛ على أنّ ابن الوليد والصدوق قد رويا عن محمّد بن عيسى عن غير يونس، الأمر الذي يدلّ على أنّ محمّد بن عيسى لم يكن ضعيفاً في نفسه. وعليه فالظاهر عدم الإشكال في وثاقته.

وأمّا يونس بن عبد الرحمن: فقد قال النجاشي في حقه: «كان وجهاً في أصحابنا متقدّماً، عظيم المنزلة... وكان الرضا (علیه السلام) يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممّن بُذِل له على الوقف مال جزيل، فامتنع من أخذه، وثبت على الحقّ»(1)

، ووثّقه الشيخ، ووردت في حقّه روايات مادحة:

منها: ما روي عن الرضا (علیه السلام) : «... يونس بن عبدالرحمن في زمانه: كسلمان الفارسي في زمانه»(2)

ومنها: ما قاله العسكري (علیه السلام) لمّا عرض كتاب يونس عليه، حيث قال (علیه السلام) : «تصنيف من هذا»؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: «أعطاه اللَّه بكلّ حرف نوراً يوم القيامة»(3)

ص: 111


1- رجال النجاشي: 447/1208.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 782/926 .
3- رجال النجاشي: 447/1208.

ومنها: ما عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قال العبد الصالح: «يا يونس، أرفق بهم؛ فإنّ كلامك يدقّ عليهم»، قال: قلت: إنّهم يقولون لي زنديق، قال لي: «وما يضرّك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، وما كان ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة»(1)

وأثنى عليه الفضل بن شاذان قائلاً: «ما نشأ في الإسلام رجل من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي، ولا نشأ رجل بعده أفقه من يونس بن عبد الرحمن»(2)

وهو من أصحاب الإجماع(3)

، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا عجلان بن أبي صالح في نسخة - والصحيح: عجلان أبو صالح، كما في «الكافي» - فقال الكشّي عنه: «محمّد بن مسعود قال: سمعت عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال يقول: عجلان أبو صالح ثقة، قال: قال له أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : يا عجلان، كأنّي أنظر إليك إلى جنبي والناس يعرضون عليّ»(5) .

فسند الحديث معتبر.

ص: 112


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 783/929 .
2- المصدر نفسه 2 : 780/914 .
3- المصدر نفسه 2 : 830/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289 و ج2 : 218 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 710/772 .

[10] 10 - وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ محمّد الأَشْعَرِيِّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ محمّد الزِّيَادِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْوَشَّاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالْوَلايَةِ، وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْ ءٍ مَا نُودِيَ بِالْوَلايَةِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مِثْلَهُ(2)2*).

وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مِثْلَهُ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث وإن تقدّم مضمونه في الحديث الأوّل، إلّا أنّ في هذا زيادة وهي: «ولم ينادَ بشيء ما نودي بالولاية» وفي ذلك تقديم الحج على الصوم؛ ولذلك أفرده صاحب «الوسائل» (رحمه الله) بالذكر، فهو من حيث الدلالة واضح، فما ذكرناه هناك يأتي بعينه هنا.

ص: 113


1- الكافي 2 : 18، باب دعائم الاسلام ، ح 1.
2- 2*) المحاسن 1 : 445 ، ح 1033.
3- 3*) الكافي 2 : 21 ، باب دعائم الإسلام، ح 8، بزيادة في ذيله: يوم الغدير.

سند الحديث:

ورد الحديث بثلاثة أسانيد:

أمّا السند الأوّل: فالحسين بن محمّد الأشعري، وهو من مشايخ الكليني، وقد روى عنه كثيراً في موارد تزيد على ثمانمائة وخمسين مورداً، وقد نصّ النجاشي على وثاقته(1)، وورد في أسناد «تفسير القمّي» في القسم الثاني منه(2)

وأمّا معلّى بن محمّد الزيادي، فقال النجاشي عنه: «مضطرب الحديث والمذهب، وكتبه قريبة»(3)

وقال ابن الغضائري: «يعرف حديثه وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرّج شاهداً»(4)

إلّا أنّ وروده في أسناد «تفسير القمّي»(5) موجب للحكم بوثاقته؛ إذ النجاشي لم يضعّفه صريحاً فقوله: «مضطرب الحديث»: إشارة إلى ما ذكره ابن الغضائري من أنّ حديثه يعرف وينكر. وهو وإن ورد في «كامل

ص: 114


1- رجال النجاشي: 66/15.
2- أصول علم الرجال 1 : 279، وفيه: الحسن، والصحيح: الحسين .
3- رجال النجاشي: 418/1117.
4- خلاصة الأقوال: 409.
5- أصول علم الرجال 1 : 288 .

الزيارات»(1)

، إلّا أنّه ليس من شيوخ ابن قولويه، فلا يشمله التوثيق.

وأمّا الحسن بن عليّ الوشّاء: فقد قال النجاشي: «خَيِّر، من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وكان من وجوه هذه الطائفة. وذكر أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشّاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلّاء وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليّ، فقلت له: أُحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: يا رحمك اللَّه، وما عجلتك؟ اذهب فاكتبهما، واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه؛ فإنّي أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ، كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد (علیه السلام) . وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة»(2)،

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(3)

وأمّا أبان بن عثمان: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا الفضيل: فمن المحتمل أن يكون هو الفضيل بن يسار، فإن كان هو فقد تقدّم ذكره، إلّا أنّه بعيد؛ إذ الفضيل بن يسار لم يرو عن أبي حمزة الثمالي إلّا في مورد واحد. فيحتمل أن يراد به محمّد بن الفضيل؛ لأنّه كثيراً ما يروي عن أبي حمزة، وعليه فهو مشترك.

ص: 115


1- كامل الزيارات: 258 ، ب 50 ، ح 390 .
2- رجال النجاشي: 39 - 40/80 .
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .

واحتمل بعضهم: أن يكون هو الأزدي، ويحتمل أن يراد به الضبّي الذّي وثّقه الشيخ وعدّه من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،إلّا أنّ المشهور هو: الأزدي، وهو وإن ضعّفه الشيخ، إلّا أنّه ذكره في أصحاب الرضا (علیه السلام) وقال:

إنّه «يرمى بالغلو»(2)،

وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام ... الخ(3) وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

فيظهر أنّ تضعيف الشيخ راجع إلى المذهب، فعلى ذلك يحكم بوثاقته.

هذا، ومن المحتمل أن يكون في السند تصحيف الواو ب- «عن»، فالسند هكذا: عن الفضيل وأبي حمزة، فهما معاً يرويان عن أبي جعفر (علیه السلام) ؛ ويؤيّد هذا الاحتمال الطريق الثالث، إضافة إلى الحديث الأوّل من الباب.

وأمّا أبو حمزة: فهو الثمالي ثابت بن دينار، وثّقه النجاشي وقال فيه: «كان من خيار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) أنّه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه»(5) .

ووثّقه الشيخ والصدوق في «المشيخة»، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(6). فالسند معتبر.

ص: 116


1- رجال الطوسي: 292/4257.
2- المصدر نفسه: 365/5423.
3- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43.
4- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287 وج2 : 210 .
5- رجال النجاشي: 115/296.
6- فهرست الطوسي: 90/138 ، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 444 ، المشيخة ، وأصول علم الرجال 1 : 245 ، 290.

وأمّا السند الثاني: فالبرقي وابن محبوب وأبو حمزة قد تقدّم ذكرهم، فهذا السند - أيضاً - صحيح.

وأمّا السند الثالث: فعليّ بن إبراهيم تقدّم ذكره.

وأمّا صالح بن السندي، فلم يرد فيه شي ء، إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(1)، وأيضاً روى عن جعفر بن بشير كما في هذا السند، فبناء على ما قاله النجاشي من أنّه: «روى عن الثقات، ورووا عنه» واستفيد منها الدلالة على التوثيق لكل من روى عنهم ورووا عنه، فهو مشمول لهذا التوثيق أيضاً، ولكن في هذا البناء تأمّل فصّلناه في «اصول علم الرجال»(2) .

وأمّا جعفر بن بشير، فقال النجاشي فيه: «من زهّاد أصحابنا، وعبّادهم، ونسّاكهم، وكان ثقة، وقال: روى عنه الثقات، ورووا عنه»(3) .

وقال الشيخ: «ثقة، جليل القدر»(4) ، وروى عنه المشايخ الثقات(5) .

والحاصل: أنّ هذا السند - أيضاً - معتبر، وعليه فالحديث بجميع أسانيده معتبر.

ص: 117


1- أصول علم الرجال 1 : 224 .
2- المصدر نفسه 2 : 230 - 232 .
3- رجال النجاشي: 119/304.
4- فهرست الطوسي: 92/142.
5- أصول علم الرجال: 2 : 184 .

[11] 11 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ(1): الْوَلايَةِ، وَالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب هذه الأمور المذكورة. نعم، يختلف عن بقيّة الأحاديث في: أنّ الولاية ذكرت في أوّل هذه الخمسة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وقلنا: إن كان المناط مراعاة الأفضليّة، فلاشك أنّ الولاية هي المقدّمة، وإن كان المناط مراعاة المناسبة، فالأنسب مراعاة التأخير؛ لأنّ بها كمال الدين وتمام النعمة.

سند الحديث:

العدّة التي تروي عن سهل بن زياد قد تقدّمت، وكذا سهل وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، قد تقدّما أيضاً.

وأمّا مثنّى الحنّاط: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص:

1 - مثنّى بن راشد.

ص: 118


1- في المصدر زيادة: دعائم.
2- الكافي 2 : 21، باب دعائم الإسلام ، ح 7.

2 - مثنّى بن عبد السلام.

3 - مثنّى بن الوليد.

ونقل الكشّي عن محمّد بن مسعود، عن عليّ بن الحسن، أنّه قال: «سلام، والمثّنى بن الوليد، والمثّنى بن عبد السلام، كلهم حنّاطون، كوفيّون، لا بأس بهم»(1) وقوله: «لا بأس بهم»: إشعار بالحسن، أو التوثيق، وعليه فهذا الكلام يدل على وثاقة اثنين من هؤلاء، وهما: الثاني والثالث. وأمّا المثنّى بن راشد، فغير مذكور في كلام الكشّي، ولكن ورد في أسناد «نوادر الحكمة» بعنوان مثنّى الحنّاط(2) وروى عن جميعهم المشايخ الثقات، كما في هذا السند؛ فقد روى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن مثّنى الحنّاط. وبذلك يحكم بوثاقتهم جميعاً.

وأمّا عبد اللَّه بن عجلان: فعدّه ابن شهرآشوب من خواصّ أصحاب الصادق (علیه السلام) (3).

ويظهر هذا من الروايات التي نقلها الكشّي أيضاً(4)

، وذلك لا يقصر عن الوثاقة والجلالة، مضافاً الى رواية المشايخ الثقات عنه. وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 119


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 629/623.
2- أصول علم الرجال 1 : 235 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 512/443 و 444 و445.

[12] 12 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) عَنِ الدِّينِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، مَا لا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ، وَلا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ، مَا هُوَ؟ فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

الحديث كما في «الكافي»: عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن الدين الذي افترض اللَّه عزّوجلّ على العباد، ما لا يسعهم جهله، ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال: «أعد عليّ»، فأعاد عليه، فقال: «شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم) رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان»، ثمّ سكت قليلاً، ثمّ قال: «والولاية» - مرّتين - ثمّ قال: «هذا الذي فرض اللَّه على العباد، ولا يسأل الربّ العباد يوم القيامة، فيقول: ألا زدتني على ما افترضت عليك؟! ولكن من زاد زاده اللَّه، إنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) سنّ سنناً حسنة

ص: 120


1- الكافي 2 : 22 ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام، ح 11.

جميلة، ينبغي للناس الأخذ بها».

وهو دالٌّ على الوجوب بوضوح؛ حيث افترض اللَّه تعالى تلك الأمور على العباد، ولا يسع أحدهم جهلها، بمعنى أنّه لا عذر لهم فيها، ولا يقبل منهم غيرها. ولم يذكر الجهاد في هذا الحديث، وقد تقدّم أنّه لازم للولاية؛ إذ لا يتمّ الجهاد إلّا بأمر الإمام (علیه السلام) ، فهو تابع لها.

وقد شدّد الإمام (علیه السلام) على أمر الولاية بذكرها مرتين، كما نبّه (علیه السلام) على وجود أمور مستحبّة، يحسن بالمؤمن الإتيان بها، وهي ما سنّه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من السنن الحسنة الجميلة؛ فإنّها توجب رفع الدرجات، وزيادة الثواب والحسنات، وهي وإن لم تكن واجبة، ولن يسأل عنها المرء يوم القيامة، إلّا أنّ في تفويتها حرماناً من الخير الكثير، والثواب الجزيل من الربّ الجليل.

والحاصل: أنّ الأمور المذكورة مفترضة على العباد، ولا عذر لهم في التهاون بها، وعليهم الإتيان بها كما أراد اللَّه تعالى.

بحث رجالي في علي بن أبي حمزة

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم وصالح بن السندي وجعفر بن بشير تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عليّ بن أبي حمزة، فهو البطائني، وقد وقع الخلاف في وثاقته وعدمها، بعد الاتّفاق على أنّه كان في أوّل أمره من الأجلّاء الثقات. والسبب في الاختلاف هو ذهابه إلى القول بالوقف على الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) ، ودعواه أنّه لم يمت، وإنّما غاب كغيبة موسى بن عمران؛ وكان الدافع لهذا القول هو الطمع في حطام الدنيا؛ فإنّه كان من وكلاء

ص: 121

الإمام (علیه السلام) ، فلمّا استشهد (علیه السلام) طالبه الإمام الرضا (علیه السلام) بالأموال المودعة عنده، فشحّت نفسه، وادّعى أنّ الإمام لم يمت، وناوَأ الإمام الرضا (علیه السلام) ، وقد لعنه (علیه السلام) ، وشهد عليه بالكذب، وأخبر بأنّ مصيره إلى النار(1) .

ويعتبر أحد أعمدة الوقف، ووردت فيه روايات كثيرة تذمّه، وتبطل دعواه، وقد عقدنا في مباحثنا الرجاليّة مبحثاً خاصّاً به(2) ، ذكرنا فيه الوجوه الدالّة على وثاقته، والوجوه الدالّة على ضعفه، واستنتجنا أنّ له حالتين: حالة قبل الوقف، وحالة بعده، فهو - قبل قوله بالوقف - ثقة، ويمكن الاعتماد على رواياته، وأمّا بعده فلا، ولذا لابدّ من الفحص في الروايات، وملاحظة القرائن الدالّة على أنّ روايته كانت قبل الوقف، أو أنّها منقولة من أصله أو كتبه، فيؤخذ بها. ولعلّ منها هذه الرواية؛ حيث إنّ الراوي فيها جعفر بن بشير، وهو لا يروي إلّا عن الثقات، كما نصّ على ذلك النجاشي(3).

هذا، مضافاً إلى أنّ النجاشي قال: «روى عن أبي الحسن موسى، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثمّ وقف»(4)،

فيمكن أن يستفاد من هذا الكلام: أنّ رواياته كانت قبل وقفه، فكل ما ينقل عنه من الروايات في الكتب الأربعة كانت صادرة منه قبل وقفه، وفي حال استقامته. وأمّا إذا كانت الرواية عنه

ص: 122


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 742/833 و834 ، المناوأة: المعاداة، لسان العرب 4 : 4044 ، مادة: نوأ.
2- أصول علم الرجال 2 : 374 - 389 .
3- رجال النجاشي: 119/304، وفيه «روى عن الثقات، ورووا عنه».
4- المصدر نفسه: 249/656.

صادرة بعد قوله بالوقف، فلا يمكن الاعتماد عليها.

وأمّا أبو بصير: فهو مشترك بين خمسة أشخاص، وهم:

1 - أبو بصير يحيى بن القاسم.

2 - أبو بصير ليث بن البختري المرادي.

3 - عبد اللَّه بن محمّد الأسدي.

4 - يوسف بن الحارث.

5 - حمّاد بن عبد اللَّه بن أُسيد الهروي.

والمعروف منهم الأوّلان، وأمّا عبد اللَّه بن محمّد الأسدي فلم نعهد له رواية في الكتب الأربعة.

ويحيى بن القاسم قد وثّقه النجاشي فقال: «ثقة، وجيه»(1)

، وهو من أصحاب الإجماع على قولٍ(2). وذكر في أحواله أنّه ولد مكفوفاً، ورأى الدنيا مرّتين، مسح أبو عبد اللَّه (علیه السلام) على عينيه فقال: «انظر، ما ترى»؟ فقال:

أرى كوّة في البيت، وقد أرانيها أبوك من قبلك(3).

وأمّا ليث بن البختري المرادي، فقد وثّقه ابن الغضائري(4) ، وهو من أصحاب الإجماع(5).

ص: 123


1- رجال النجاشي: 441/1187.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 507/431 .
3- خلاصة الأقوال: 417.
4- المصدر نفسه: 234.
5- اختيار معرفة الرجال 2: 507/431 .

[13] 13 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِسْلامُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه(1)، وَأَنَّ مُحَمَّداً (رَسُولُ اللَّه)(صلی الله علیه و آله و سلم)(2)، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهَذَا الإِسْلامُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

مضافاً إلى أنّه قد وردت في كلّ منهما روايات مادحة، وبعضها صحيح السند، ووقع بعنوان أبي بصير في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وعليه فلا إشكال في وثاقتهما.

إلّا أنّ الأشهر منهما هو: يحيى بن القاسم، وهو المراد في هذه الرواية؛ بقرينة رواية عليّ بن أبي حمزة البطائني عنه، وقد كان قائده. وعليه فإن كان الراوي عنه عليّ بن أبي حمزة أو الحسن بن عليّ فهو يحيى بن القاسم، وإن كان ابن مسكان أو المفضّل فهو ليث المرادي. وعليه فالسند معتبر.

[13] - فقه الحديث:

دلّ المقدار الذي أورده المصنّف من الحديث على وجوب الأمور

ص: 124


1- في المصدر زيادة: وحده لا شريك له.
2- في المصدر: عبده ورسوله.
3- الكافي 2 : 24، الإيمان والكفر، باب أن الإسلام يحقن به الدم و..، ح4.
4- أصول علم الرجال 1 : 245 ، 289 و ج2 : 219 .

المذكورة، وأنّ الإسلام عنوان للمتّصف بها، وأنّه لا يتّم إسلام المرء إلّا بها، كما مرّ في الأحاديث السابقة.

وأمّا المقدار الذي لم يذكره المصنّف فقد اشتمل على بيان الفرق بين الإسلام والإيمان، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وأنّ عنوان الإيمان هو الولاية، الذي أشار إليه الإمام (علیه السلام) بقوله: «الإيمان معرفة هذا الأمر»، وبيّن (علیه السلام) : أنّ من لم يعرف هذا الأمر وإن كان حكم الإسلام جارياً عليه، إلّا أنّه ليس بمؤمن؛ لأنّه ترك طريق الهداية والاستقامة.

ويستشعر من الحديث: أنّه كان في ظرف التقية؛ فإنّ الإمام (علیه السلام) لم يجب السائل بعد أن سأله مرّتين، ولمّا أراد أن يجيبه أمره أن يلقاه في بيته (علیه السلام) .

والحاصل: أنّ هناك فرقاً بين الإسلام والإيمان، وأنّ الإيمان أخصّ من الإسلام. وسيأتي في الأحاديث التالية ما يوضّح الفرق بصورة أجلى، مضافاً إلى دلالة الأحاديث على المراد.

بحث رجالي في عليّ بن الحكم

سند الحديث:

محمّد بن يحيى هو العطّار، وأحمد بن محمّد هو ابن عيسى، وكلاهما قد تقدّما.

وأمّا عليّ بن الحكم: فقال الشيخ: «علي بن الحكم الكوفي، ثقة، جليل القدر»(1)

ص: 125


1- فهرست الطوسي: 151/376.

وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(1)

وقد وقع هذا العنوان مورداً للخلاف من حيث الاتّحاد والاشتراك. وبيان ذلك:

أنّ عليّ بن الحكم يطلق ويراد به أحد ثلاثة:

1 - عليّ بن الحكم الأنباري، ذكره الكشّي، ونقل عن محمّد بن عيسى: أنّه تلميذ ابن أبي عمير، ولقي من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) الكثير. وهو مثل ابن فضّال وابن بكير(2) ، أي في الخصوصيّات، وكثرة الروايات. وعليه فبشهادة محمّد بن عيسى يكون الأنباري ثقة.

2 - عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي، ذكره النجاشي، ولم يذكره بمدح ولا توثيق، وقال: «له كتاب يرويه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي»(3)

3 - عليّ بن الحكم الكوفي، ذكره الشيخ في «الفهرست»، وقال: «إنّه ثقة، جليل القدر، له كتاب، يروي عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي»(4) .

وقال العلّامة المجلسي في رجاله(5): إنّ ظنّ الاشتراك خطأ، أي: يكون

ص: 126


1- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 840/1079.
3- انظر رجال النجاشي: 274/718.
4- انظر: فهرست الطوسي: 151/376، وراجع أيضاً: رجال النجاشي: 274/718.
5- الوجيزة في الرجال: 122/ 1254 .

المراد من جميعهم واحداً. بينما ذكر العلّامة المامقاني(1) سبعة وجوه لاتّحاد هذه العناوين، واستظهر السيد الأستاذ (قدس سره) (2) الاتّحاد أيضاً، وهو الصحيح؛ ووجه ذلك:

أنّ الشيخ النجاشي ذكر في ترجمة عليّ بن الحكم بن الزبير أنّه نخعي(3)، وذكر في ترجمة صالح بن خالد أبي شعيب المحاملي: أنّه روى كتاب عليّ بن الحكم بن الزبير الأنباري(4)، ويظهر منه: أنّ الأنباري هو النخعي. وأمّا اتّحاد ابن الزبير النخعي مع عليّ بن الحكم الكوفي، فيظهر ممّا ذكره الشيخ في «رجاله» في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، حيث قال: «علي بن الحكم بن الزبير، مولى النخع، كوفي»(5).

ومقتضى الجمع بين هذه الموارد هو: أنّ عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي هو الأنباري، وهو الكوفي أيضاً. هذا، ويمكن إبداء قرائن أخرى:

منها: أنّ الشيخ ذكر واحداً منهما، والنجاشي ذكر الآخر، فيبعد أن يكونا متعدّدين؛ إذ أنّ ابن الزبير ذكره النجاشي، والكوفي ذكره الشيخ، وكل منهما له كتاب، يرويه سعد عن البرقي عنهما.

ص: 127


1- تنقيح المقال 2 : 285/ 8253، الطبع الحجري.
2- معجم رجال الحديث 12: 425/ 8101، و ص426/8102.
3- رجال النجاشي: 274/ 718.
4- المصدر نفسه: 201/ 535، و ص456/ 1240، وفيه أنّه «مولى عليّ بن الحكم بن الزبير... له كتاب». ولم يذكر أنّه روى كتاب عليّ بن الحكم.
5- رجال الطوسي: 361/5344.

[14] 14 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عليّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثِ الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ - قَالَ: «وَاجْتَمَعُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، فَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَأُضِيفُوا إِلَى الإِيمَانِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ومنها: أنّ الصدوق ذكر طريقه إلى عليّ بن الحكم، ولم يقيّده بواحد من الثلاثة(2).

ومنها: وروده بعنوان عليّ بن الحكم مطلقاً في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي».

وعليه فالتعدّد بعيد، فكلّما ورد عليّ بن الحكم في الروايات يحكم بوثاقته، وأنّه واحد.

وأمّا سفيان بن السّمط: فهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلّا أنّ المشايخ الثقات قد رووا عنه(3)،

وهذا يكفي في توثيقه. وعليه فالسند معتبر.

[14] - فقه الحديث:

وهذا الحديث من الأحاديث المهمّة المتكفّلة لبيان أمور هامّة، وهو

ص: 128


1- الكافي 2 : 26، كتاب الإيمان والكفر، باب أن الإيمان يشرك الإسلام و...،ح5.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 489 ، المشيخة.
3- أصول علم الرجال 2 : 194 .

طويل. واكتفى صاحب «الوسائل» بذكر محلّ الشاهد منه، وهو يدلّ على أهمّيّة هذه الأمور المذكورة، كما أنّه يدلّ على الفرق بين الإسلام والإيمان، وأنّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم بمؤمن. وقد بيّن الإمام (علیه السلام) ذلك بما ضربه من المثال، من صحّة الشهادة على دخول المسجد بالدخول في الكعبة، وعدم صحّة الشهادة على دخول الكعبة بالدخول في المسجد، واستشهد (علیه السلام) بالآية الشريفة في دعوى الأعراب الإيمان، وزجرهم على ذلك، وتنبيههم على أنّهم لم يؤمنوا، وإنّما أسلموا.

ومن هذا يعلم: أنّ الإيمان أخص من الإسلام. كما أنّه (علیه السلام) بيّن فيه أنّ الإيمان هو ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة، والتسليم لأمره تعالى، فهذا معنى الإيمان، بينما الإسلام هو ما ظهر من قول أو فعل.

نعم، يشترك المؤمن والمسلم في الأعمال الظاهرة، من الصلاة والزكاة والصيام والحجّ، ويفترقان في قبول الأعمال، والثواب عليها، ونيل الدرجات، والفضل عند اللَّه تعالى.

وقد يتراءى أنّه مخالف لما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّ الأحاديث السابقة تفيد أنّ عنوان الإيمان هو الولاية، ومعرفة هذا الأمر، بينما ذكر هذا الحديث: «الإيمان ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة للَّه، والتسليم لأمره»، وظاهر ذلك التنافي بين الأحاديث. ولكن يمكن الجمع بينها، بأن يقال: إنّ قوله: «والتسليم لأمره»: إشارة إلى

ص: 129

الولاية؛ لأنّ أمر الولاية وجعلها إنّما هو بيد اللَّه تعالى.

وأما قوله (علیه السلام) : «ما استقرّ في القلب، وأفضى به الى الله عزوجل، وصدّقه العمل بالطاعة لله» أيضاً تكون من مقومات الولاية، وأنّها لا تتحقّق إلّا بذلك، فهما أيضاً شرطان في الولاية.

ومن ذلك يعلم: أنّ أحاديث الباب على أقسام أربعة:

الأوّل: ما ورد فيها ذكر الأمور الخمسة، وهي: الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية.

الثاني: ما ورد فيها - زيادة على ذلك - الشهادتان والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتقدّم منّا أنّها لا تنافي القسم الأوّل؛ فإنّ الشهادتين لازمتان للأمور الخمسة، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من توابع الولاية.

الثالث: ما ورد فيها ذكر الأربعة الأول من دون ذكر الولاية، وقلنا: إنّها محمولة على الإسلام فقط.

الرابع: ما ورد فيها: أنّ الإيمان هو ما استقرّ في القلب، وصدّقه العمل بالطاعة، مضافاً إلى التسليم لأمر اللَّه. فإذا كان المراد به هو الولاية فهو، وإلّا فلابدّ من تقييده بالقسم الأوّل والثاني، ويكون الإيمان مركّباً من أمرين: الولاية، والاستقرار في القلب والتصديق بالعمل.

ص: 130

سند الحديث:

روى الكليني الحديث بطريقين:

الأوّل: عدّة، عن سهل بن زياد، وقد تقدّمت العدّة وسهل.

والثاني: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وتقدّما كلاهما، ويلتقي الطريقان في ابن محبوب، وقد تقدّم أيضاً.

وأما عليّ بن رئاب، فقد قال الشيخ عنه: «له أصل كبير، وهو ثقة، جليل القدر»(1) ، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأما حمران بن أعين: فقد وردت في الكشّي عدّة روايات تدلّ على جلالته.

منها: ما روي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) أنّه كان يقول: «حمران بن أعين، مؤمن لا يرتّد - واللَّه - أبداً».

ومنها: ما روي عنه (علیه السلام) - أيضاً - أنّه قال: «حمران، رجل من أهل الجنة»، وغيرها من الروايات(3)

والحديث صحيح بالطريق الثاني.

ص: 131


1- فهرست الطوسي: 151/375.
2- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284، و ج2 : 202 .
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 412/304.

[15] 15 - وَعَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ محمّد بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ»(1).

----------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

دلّ المقدار الذي أورده صاحب «الوسائل» على أهمّيّة هذه الأمور الخمسة، وأنّها تمثّل الإسلام، وهي مخالفة لما تقدّم؛ حيث لم يذكر فيها الولاية، ولكنّ المراد بالإسلام هنا هو المعنى الأعمّ؛ بقرينة قوله (علیه السلام) : «فلمّا أذن اللَّه لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) في الخروج من مكّة إلى المدينة بنى الإسلام»، الخ. والحديث طويل، وفيه مضامين عالية، وأحكام كثيرة، ولكن صاحب «الوسائل» اكتفى بذكر محلّ الشاهد فيه، كما هو عادته.

سند الحديث:

عليّ بن محمّد: من مشايخ الكليني، وهو مشترك بين شخصين:

الأوّل: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن عمران الجنابي، أبو الحسن، القمّي، البرقي، كان أبوه محمّد بن عبد اللَّه يكنّى أبا عبد اللَّه، ماجيلويه،

ص: 132


1- الكافي 2 : 28، كتاب الإيمان والكفر، باب بلا عنوان، ح1.

وجدّه عبد اللَّه بن عمران يكنّى أبا القاسم، وكان محمّد بن عبد اللَّه صهراً لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي؛ فعلي بن محمّد هذا ابن بنت البرقي، وقد روى الكليني عنه مائة وستّة وأربعين مورداً، وعبّر عنه تارة: بعلي بن محمّد بن بندار، وأخرى: بعلي بن محمّد بن عبد اللَّه، وثالثة: بعلي بن محمّد، ووثّقه النجاشي بقوله: «علي بن أبي القاسم، عبد اللَّه بن عمران، البرقي، المعروف أبوه بماجيلويه، يكنّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي، وتأدّب عليه، وهو ابن بنته»(1).

والثاني: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان، أبو الحسن، الرازي، الكليني، المعروف بعلّان، وهو خال الكليني، روى عنه في غير العدّة ما يقرب من خمسمائة مورد، وقد وثّقه النجاشي فقال: «ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم (علیه السلام) »(2).

وعلى كلّ تقدير فعلي بن محمّد ثقة.

وأما قوله عن بعض أصحابه فهو إرسال.

وأما آدم بن إسحاق: فقد قال النجاشي: «آدم بن إسحاق بن آدم بن عبد اللَّه بن سعد الأشعري، قمي، ثقة»(3)

وأمّا عبد الرزاق بن مهران والحسين بن ميمون: فلم يرد فيهما شي ء،

ص: 133


1- رجال النجاشي: 261/683 .
2- المصدر نفسه: 261/682.
3- المصدر نفسه: 105/262.

وليس لهما في الكتب الأربعة غير هذه الرواية.

نعم، ورد في تهذيب الكمال: «الحسين بن ميمون، قال عليّ بن المديني: ليس بمعروف، قلّ من روى عنه، وقال أبو زرعة: شيخ، وقال أبو حاتم: ليس بقويّ في الحديث، يكتب حديثه، وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال: ربما أخطأ. روى له أبو داود والنسائي في «مسند علي» حديثاً واحداً، وذكر الحديث بطوله وهو مشتمل على أنّ رسول اللَّه أعطى علياً (علیه السلام) الولاية لتقسيم الخمس من سهم ذوي القربى والسّادة في حياته(صلی الله علیه و آله و سلم) وكانت بيده (علیه السلام) واستمر حتّى آخر سنة من سني عمر، فإنه أتاه مال كثير...»(1)، الحديث. فلعلّه ينطبق على هذا.

وأمّا محمّد بن سالم: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن سالم بن أبي سلمة، الكندي، السجستاني، ولم يرد فيه توثيق.

2 - محمّد بن سالم بن شريح، الأشجعي، الحذّاء، وفي وثاقته خلاف؛ وذلك لأنّ الشيخ قال في ترجمته: «أسند عنه، مات سنة اثنتين وتسعين ومائة، وهو ابن تسع وخمسين سنة، ويقال له: سالم الحذّاء، وسالم الأشجعي، وسالم بن أبي واصل، وسالم بن شريح، وهو ثقة»(2).

ص: 134


1- انظر: تهذيب الكمال 6 : 489 - 491 .
2- رجال الطوسي: 284/ 4122 .

فإن كان قوله: «وهو ثقة» يرجع إلى محمّد - كما ذهب إليه العلّامة المامقاني (قدس سره) نافياً عنه الخفاء؛ لكونه بصدد بيان حاله، وإنّما فصل بين التوثيق وبين محمّد بن سالم بأسماء الأب - فهو ثقة، وإن كان يرجع إلى سالم - كما جزم به السيد الأستاذ (قدس سره) - فيكون التوثيق لأبيه(1)

وبما أنّه مورد للشكّ فلا يمكننا الحكم بوثاقته.

ثمّ إنّ في قول الشيخ «أسند عنه»: إشارة إلى أنّه مورد للعناية والاهتمام، فيدل على الحسن، على ما ذهب إليه بعضهم، وتفسير هذه الجملة: «أسند عنه» قد حقّقناه في «أصول علم الرجال»، وارتأينا بأنّه لا يفيد توثيقاً ولا مدحاً(2)

3 - محمّد بن سالم بن عبد الحميد، وقد نصّ الكشّي على وثاقته، حيث ذكره هو وغيره فقال: «هؤلاء كلهم فطحية، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) ، وكلهم كوفيّون»(3)،

وذكره الشيخ في أصحاب الجواد (علیه السلام) (4) ، وهو غير مراد في هذا السند ظاهراً؛ فإنّ الرواية عن أبي جعفر (علیه السلام) ، والظاهر أنّه الباقر (علیه السلام) ، ولو كان الجواد (علیه السلام) لقيل: عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) .

ص: 135


1- معجم رجال الحديث 17 : 110/10829.
2- أصول علم الرجال 2 : 323 .
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 835/1062.
4- رجال الطوسي: 378/5609.

[16] 16 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ الشِّيعَةَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لَهَلَكُوا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فيدور الأمر بين الأوّلين، والظاهر انطباقه على الثاني؛ فإنّ الأوّل متأخّر من حيث الطبقة؛ لأنّه روى عنه الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، اللذان هما من مشايخ الكليني، فلا يمكن أن يكون هو الراوي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) .

والحديث ضعيف بالإرسال، ولكن من جهة وجوده في «الكافي» - بناء على القول باعتبار شهادة الكليني (رحمه الله) وتماميّتها وعدم المناقشة فيها - يكون السند معتبراً.

[16] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب هذه الأمور وأهميتها، بحيث متى اجتمعت

ص: 136


1- الكافي: 2 : 451، باب أنّ الله يدفع بالعامل عن غير العامل ، ح 1، وقد أسقط صاحب «الوسائل» منه جملاً متعددة، وتمامه: «إنّ اللَّه [ ل- ] يدفع بمن يصلي من شيعتنا، عمّن لا يصلي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، إنّ اللَّه ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي، ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإنّ اللَّه ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحجّ، ولو أجمعوا على ترك الحجّ لهلكوا؛ وهو قول اللَّه عزّوجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 252] فو اللَّه ما نزلت إلّا فيكم، ولا عنى بها غيركم».

الشيعة على تركها كان ذلك سبباً لهلاكهم وعذابهم في الدنيا، وهذا من خصوصيّات هذه الأمور، ولم تكن في غيرها من الواجبات. نعم، العذاب الأخروي غير مختصّ بها، بل هو عامّ لترك الواجبات الأخرى.

وقد ورد - زيادة على ذلك - الصوم في رواية العيّاشي. والمراد من الهلاك هو الاستئصال والعذاب الدنيويّان، وإلّا لم تكن حاجة إلى إجماع الشيعة على ترك أحد تلك الأمور؛ فإنّ الفرد الواحد إذا ترك الصلاة، أو أي فريضة اخرى فهو هالك في الآخرة.

ولكنّ اللَّه سبحانه وتعالى - بلطفه وكرمه - جعل المؤمنين سبباً في رفع العذاب عن المقصّرين في دار الدنيا؛ ذلك نظراً لمراعاة المؤمنين ومحافظتهم على هذه الفرائض يتفضّل اللَّه تعالى - كرامة لهم - بعدم إتباع العقوبة، وتعجيلها على من لم يراعها منهم. ولو تركها الجميع لحلّت بهم النقمة الإلهيّة، ولوقع عليهم العذاب.

وهذا المعنى هو الظاهر من الرواية؛ ولعلّه لذلك استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة، وهو قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(1) .

وقد عنون الشيخ الكليني (قدس سره) الحديث: بأنّ اللَّه يدفع بالعامل عن غير العامل، وجعله في باب مستقلّ.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ على أهمّيّة هذه الفرائض، بحيث إنّ ترك

ص: 137


1- البقرة، الآية 251.

واحدة منها موجب للهلاك؛ لأنّها من الأركان.

وأمّا عدم ذكر الولاية في الحديث؛ فلأنّها أمر مسلّم، ولا يحتاج إلى بيانها؛ بقرينة قوله (علیه السلام) : «فواللَّه، ما نزلت إلّا فيكم، ولا عنى بها غيركم»(1)، فالخطاب كان للشيعة المعتقدين بالإمامة، كما هو واضح.

ثمّ إنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) استظهر من الحديث - كما في شرحه على «الوسائل» - بطلان الإجماع؛ وذلك لأنّ الإجماع على مبنى الإمامية هو ما يكون كاشفاً عن رأي المعصوم، فإذا كان داخلاً معهم فلا يلزم الهلاك، والحال أنّ الحديث يدلّ على أنّ الإجماع على ترك إحدى هذه الفرائض موجب للهلاك، وإن كان الإمام معهم، فالمستفاد من ذلك بطلان القول بالإجماع، وهو ما ذهب إليه الأخباريّون(2)

مناقشة المصنّف في بطلان الإجماع

ولا يخفى ما فيه؛ وذلك:

أولاً: أنّ الإجماع الذي يذهب إليه الأصوليّون هو الإجماع على الحكم الموافق للشرع، لا الإجماع على خلاف الشرع.

وثانياً: أنّ نصّ الحديث يدلّ على إجماع الشيعة، وليس الإمام واحداً منهم، فهو غير الإجماع الاصطلاحي.

وثالثاً: أنّه على فرض التنزّل يكون من قبيل التعليق على المحال، نظير

ص: 138


1- في ذيل الحديث المذكور.
2- راجع: تحرير وسائل الشيعة: 227.

قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}(1)

، بمعنى: أنّ الإمام والشيعة لو تركوا الصلاة لهلكوا، ولا يعني ذلك تحقّقه في الخارج، فالفرض صحيح وإن لم يكن متحقّقاً، فما ذكره (رحمه الله) - من الإشكال على الإجماع - غير تامّ.

سند الحديث:

عليّ بن معبد: لم يرد فيه توثيق، ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة» على نسخة، وفي نسخة اُخرى: عليّ بن سعيد، وفي موضع آخر: عليّ بن درست(2)

، والظاهر أنّها تصحيف، والصحيح: عليّ بن معبد؛ فإنّ إبراهيم بن هاشم هو الراوي لكتابه.

وأما عبد اللَّه بن القاسم: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - عبد اللَّه بن القاسم الجعفري، وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، كما في «رجال الشيخ»(3) ، ولم يذكر له كتاباً.

2 - عبد اللَّه بن القاسم الحارثي، قال النجاشي فيه: «ضعيف، غالٍ،كان صحب معاوية بن عمّار، ثمّ خلط وفارقه» ، وذكر له كتاباً (4)

3 - عبد اللَّه بن القاسم الحضرمي، قال النجاشي فيه: «المعروف

ص: 139


1- الأنبياء، الآية 22.
2- أصول علم الرجال 1 : 230.
3- رجال الطوسي: 229/3093.
4- رجال النجاشي: 226/593.

بالبطل، كذّاب، غال، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته»، وذكر له كتاباً(1) .

والأول ليس مراداً في هذا السند؛ لكونه غير معروف، فيدور الأمر بين الثاني والثالث.

هذا، وقد ورد عبد اللَّه بن القاسم في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2) ، إلّا أنّه لا يعلم انطباقه على أيّ واحد منهما، ولكن حيث إنّ كلاًّ منهما ضعيف، فلا يمكن الاعتماد على روايته.

نعم، قد يقال: إنّ المراد هو الثاني، وتضعيف النجاشي له إنّما هو من جهة الغلو، ولمّا كان مصاحباً لمعاوية بن عمّار قبل تخليطه، فيحكم بوثاقته.

وفيه: أنّه لا يمكن الحكم بذلك؛ لعدم الجزم بأنّه هو الواقع في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، والذي روى عنه المشايخ الثقات؛ لاحتمال انطباقه على الثالث، المنصوص على كذبه، وإن كان انطباقه على الثاني غير بعيد.

بحث رجالي في يونس بن ظبيان

وأما يونس بن ظبيان: فقد ورد فيه التوثيق والتضعيف.

أما التوثيق: فلأنّ ابن شهرآشوب قد عدّه من الثقات(3) ، وورد في «نوادر

ص: 140


1- رجال النجاشي: 226/594.
2- أصول علم الرجال 1 : 228 ، 283، و ج2 : 200 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 436.

الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(1). وأمّا وقوعه في تفسير القمّي، فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه في القسم الثاني(2) ، وقد بينّا في محلّه(3) عدم شمول التوثيق لرواة هذا القسم.

وأمّا التضعيف: فلما ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام) بسند صحيح من أنّه لعن يونس(4) ، وقال النجاشي: إنّه «ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلى ما رواه، كلّ كتبه تخليط»(5)، ونقل الكشّي عن الفضل بن شاذان، أنّه قال: «الكذّابون المشهورون: أبو الخطاب، ويونس بن ظبيان ...»(6) .

وقد يقال في الجمع بين التوثيق والتضعيف: إنّ التضعيف راجع إلى رميه بالغلو، فيرجح التوثيق، كما في ابن سنان، والمفضّل بن عمر؛ فإنّ هؤلاء رموا بالغلو، لأنّهم يروون روايات لطيفة دقيقة، ولكن ذلك يستبعد فيه مع لعن الإمام (علیه السلام) له؛ وبناء على ذلك فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيكون بحكم المجهول.

وعليه فالسند غير معتبر.

ص: 141


1- أصول علم الرجال 1 : 244، و ج2 : 218 .
2- المصدر نفسه 1 : 314 .
3- المصدر نفسه 1 : 276.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 657 /673.
5- رجال النجاشي: 448/1210.
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 823/1033.

[17] 17 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَخْبِرْنِي عَنِ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ، مَا هِيَ؟ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ، فَمَنْ أَقَامَهُنَّ، وَسَدَّدَ، وَقَارَبَ، وَاجْتَنَبَ كلّ مُسْكِرٍ(1)، دَخَلَ الْجَنَّةَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ولكن ورد الحديث في «تفسير القمّي» بسند صحيح، وهي الرواية السادسة والثلاثين من الباب، وسندها هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل(3)،

فيتبيّن أنّ لعلي بن إبراهيم طريقاً آخر صحيحاً. واكتفى الكليني (قدس سره) بهذا الطريق.

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الأمور المذكورة من الواجبات المفروضة، وهي من أهمّ الواجبات. و«الفرائض» في كلام السائل جمع محلى ب- «أل» وكذا «العباد»، والجمع المحلى ب-«أل» يفيد العموم، فيكون السؤال عمّا افترض الله

ص: 142


1- في المصدر: منكر، وهو الأنسب.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 204 ، ح 612، وفيه: «قال سليمان بن خالد للصادق: جعلت فداك، أخبرني...».
3- تفسير القمّي 1 : 83 . أورده في تفسير الآية (251) من سورة البقرة.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

على جميع العباد لا خصوص المسلمين. والظاهر من الجواب أيضاً العموم؛ فإن الشهادتين تجبان على جميع العباد بلا ريب، وقد عطفت بقيّة الواجبات عليهما، فيظهر وجوب الجميع على العباد جميعاً.

وقد مرّ أنّ الاقتصار على هذه الواجبات الفرعيّة الخمسة لأجل أهميتها وعلو شأنها، فليست الفرائض مختصة بها؛ ويؤيّد عدم الاختصاص قوله (علیه السلام) في ذيل الحديث: «واجتنب المسكر»، فإنه ظاهر في أنّ حرمة المسكر مفترضة، وأنّ اجتنابه ممّا يتوقف عليه دخول الجنة.

والضمير في «أقامهنّ» إما يرجع إلى الواجبات الفرعية الخمسة، ويكون المراد بإقامتها: الإتيان بها كما أمر الله تعالى، أي بجميع شرائطها وأركانها وأجزائها.

وإما يرجع إلى الجميع، ويكون المراد بإقامة الاعتقاد إما اعتقاد الشهادتين وما تتضمناه بيقين، أو يكون المراد، اظهار الاعتقاد.

وقوله (علیه السلام) : «وسدّد وقارب» يعني: طلب بعمله السداد والاستقامة، وهو: القصد في الأمر، والعدل فيه، فلا إفراط ولا تفريط.

وأمّا قوله (علیه السلام) : «وكلّ مسكر»، فلعل تخصيص المسكر بالذكر من بين

ص: 143


1- المحاسن 1 : 290، باب المحبوبات، ح437 وفيه أيضاً: منكر.

الأمور المنهي عنها في الشريعة لأجل الاهتمام بتحريمه وكونه السبب في ارتكاب مناهٍ كثيرة.

وقد ورد في «الجامع» (1)

وفي «الفقيه»(2) المطبوع وكذلك في «المحاسن»(3): «وكلّ منكر»، وكلمة «منكر» نكرة مصدرة ب-«كل» الموضوعة للعموم، فتفيد الاستغراق لكل المنهيات، ولعلّ الأصوب هو: كلّ مسكر؛ بقرينة سائر الروايات.

سند الصدوق إلی سلیمان بن خالد

سند الحديث:

ورد الحديث بطريقين:

الطريق الأوّل: ما رواه الصدوق بسنده، عن سليمان بن خالد، والمراد من إسناده: أنّ له طريقاً إلى الراوي، فلابدّ من ملاحظة الطريق، كما ذكرنا ذلك في المقدّمة.

وسند الصدوق في «المشيخة» هكذا: «وما كان فيه عن سليمان بن خالد البجلي فقد رويته: عن أبي(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد البجلي الأقطع الكوفي، وكان خرج مع زيد بن علي (علیه السلام) فأفلت»(4).

ص: 144


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 617، ح1094 .
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 204 ، ح612.
3- المحاسن 1 : 290 ، باب المحبوبات ، ح437.
4- من لا يحضره الفقيه 4 : 439، المشيخة.

أمّا الصدوق: فهو محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، القمّي، قال النجاشي فيه: «شيخنا، وفقيهنا، ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة، وهو حدث السن»(1)، وقال الشيخ: «جليل القدر، يكنّى أبا جعفر، كان جليلاً، حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم ير في القمّيّين مثله في حفظه، وكثرة علمه»(2)

، وذكر نحوه في «الرجال»(3).

وبالجملة: فعظمة الشيخ الصدوق لا يعتريها الريب.

وأمّا والده: فهو عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال النجاشي في حقّه: «أبو الحسن، شيخ القمّيّين في عصره، ومتقدّمهم، وفقيههم، وثقتهم»(4)

وقال الشيخ - بعد أن ترضّى عليه - : «كان فقيهاً، جليلاً، ثقة»(5)

، ووثّقه في «رجاله»(6).

وقد ذكر في أحواله: أنّ الإمام الحجة (علیه السلام) قد دعا له بأن يُرزق ولداً ذكراً، ورزقه اللَّه ولدين خيّرين، أحدهما الصدوق، وكان يفتخر ويقول:

ص: 145


1- رجال النجاشي: 389/1049.
2- فهرست الطوسي: 237/710.
3- رجال الطوسي: 439/6275.
4- رجال النجاشي: 261/684.
5- فهرست الطوسي: 157/391.
6- رجال الطوسي: 432/6191.

إنّي ولدت بدعوة صاحب الأمر (عج(1)

وأمّا سعد بن عبد اللَّه: فهو سعد بن عبد اللَّه بن خلف، القمّي، وهو من الأجلّاء الثقات، قال النجاشي فيه: «شيخ هذه الطائفة، وفقيهها، ووجهها، كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب الحديث»(2) .

وقال الشيخ: «يكنّى أبا القاسم، جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة»(3)،

وقيل: إنّه لقي الحجّة (عج)، وسمع منه»(4) .

وعدّ الصدوق في أوّل «الفقيه» كتاب الرحمة لسعد بن عبد اللَّه من الكتب المشهورة، التي عليها المعوّل، وإليها المرجع(5)

وأما إبراهيم بن هاشم: فقد تقدّم الكلام عنه.

وأمّا محمّد بن أبي عمير: فهناك شخصان بهذا العنوان، وهما:

الأوّل: محمّد بن أبي عمير، واسم أبيه زياد، وأبو عمير كنية والده، وكنيته أبو أحمد، ولقبه الأزدي، وهو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) (6) .

ص: 146


1- رجال النجاشي: 261/684.
2- المصدر نفسه: 177/677.
3- فهرست الطوسي: 135/316.
4- كمال الدين وتمام النعمة: 454 - 465 ، ب 43 ح 21.
5- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 - 4 .
6- معجم رجال الحديث 15 : 296/10043.

الثاني: محمّد بن أبي عمير، بيّاع السابري، البزّاز، لم يوثّق، وهو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، ومات في زمان الكاظم (علیه السلام) (1)

والأوّل هو المعروف بابن أبي عمير، قال النجاشي: «جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين»(2)، وقال الشيخ في «الفهرست»: «أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة، وأنسكهم نسكاً، وأورعهم، وأعبدهم... الخ»(3) .

وهو أحد أصحاب الإجماع(4)

وقال الشيخ عنه في موضع آخر: «لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة»(5)، ووثّقه في «الرجال» أيضاً(6) .

وقال عنه الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: سمعت عليّ بن الحسن بن فضّال يقول: كان محمّد بن أبي عمير أفقه من يونس، وأصلح، وأفضل»(7) .

وهو من المشايخ الثقات الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»(8) .

ص: 147


1- معجم رجال الحديث 15 : 287/10036.
2- رجال النجاشي: 326/887.
3- فهرست الطوسي: 218/616.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 830 /1050.
5- عدة الأصول 1 : 154.
6- رجال الطوسي: 365/5413.
7- اختيار معرفة الرجال 2 : 855/1106 .
8- أصول علم الرجال 1 : 286 ، 235 .

وأمّا الثاني: فلم يرد فيه توثيق، وورد في روايةٍ: أنّه أوصى إلى محمّد بن نعيم(1)

، وروى عنه ابن مسكان والسكوني وصالح النيلي.

وعليه فهما اثنان؛ ويدلّ على ذلك: أنّ الأوّل من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) ، والثاني من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) ، وكلاهما وردا في «الكشّي» في ترجمة زرارة، حيث قال: «بنان بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن أبي عمير، قال: قلت: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ...»(2) فلابدّ من التمييز بينهما بحسب الراوي والمرويّ عنه.

فإذا روى عن أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) فهو الثاني، وأما إذا روى عن الرضا أو الجوادين (علیهما السلام) فهو الأوّل؛ لأنّ الثاني مات في عهد الكاظم (علیه السلام) ، فيمكن تشخيصه من جهة المرويّ عنه.

وأمّا إذا روى عن الكاظم (علیه السلام) ، فيحتمل أن يكون الأوّل، وأن يكون الثاني، فإن كان الراوي متقدّماً فيتبين أنّه الثاني، وإن كان الراوي متأخّراً فيتبين أنّه الأوّل، وإن كان مردداً بين الأوّل والثاني فينصرف إلى الأوّل؛ لأنه المعروف والمشهور، فلا يتوقّف في الرواية.

وأمّا هشام بن سالم وسليمان بن خالد: فقد تقدّم ذكرهما.

الطريق الثاني: البرقي وأبوه قد تقدّم ذكرهما.

ص: 148


1- الكافي 7 : 16 ، باب الرجل يموت ولا يترك إلّا امرأته، ح 1.
2- اختيار معرفة الرجال 1 : 355/224.

[18] 18 - قَالَ ابْنُ بَابَوَيْهِ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا النضر بن سويد: فقد قال النجاشي فيه: «نضر بن سويد الصيرفي، كوفي، ثقة، صحيح الحديث»(2)

، ووثّقه الشيخ في «رجاله»(3) ، وورد في أسانيد «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا يحيى الحلبي: فهو يحيى بن عمران بن عليّ بن أبي سعيد، الحلبي. وثّقه النجاشي بقوله: «ثقة، ثقة، صحيح الحديث»(5)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

وأمّا عبد اللَّه بن مسكان وسليمان بن خالد: فقد تقدّم ذكرهما.

وعليه فالحديث صحيح بكلا طريقيه.

[18] - فقه الحديث:

هذا الحديث هو عين الحديث الخامس المتقدّم.

ص: 149


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 74 ، ح 1770.
2- رجال النجاشي: 427/1147.
3- رجال الطوسي: 345/5147.
4- أصول علم الرجال 1 : 288، و ج2 : 215 .
5- رجال النجاشي: 444/1199.
6- أصول علم الرجال 1 : 243 ، 289، و ج2 : 217 .

[19] 19 - قَالَ: وَخَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَأَطِيعُوا اللَّه فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

الحديث من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم التحقيق حول مراسيله وأقسامها.

[19] - فقه الحديث:

الحديث - كما تقدّم في نظائره - دالّ على وجوب هذه الأمور وأهميتها، ولم يشتمل الحديث على الولاية كبعض الأحاديث المتقدّمة؛ ولعلّه لأجل اقتضاء المقام؛ لأن أمير المؤمنين (علیه السلام) ألقى تلك الخطبة يوم الفطر، وهو مجمع يضمّ مجموعات من الناس، مختلفة الأنظار والأفكار، فلم يكن مناسباً لذكر الأمور الخاصة، وإنّما كان مناسباً لذكر الأمور العامّة، واللَّه العالم.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حوله، والكلام فيه عين ما تقدّم في الحديث السابق.

ص: 150


1- 1*) من لا يحضره الفقيه 1 : 517 ، ح 1482.

[20] 20 - وَفِي كِتَابِ «الْمَجَالِسِ» وَكِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ» وَكِتَابِ «التَّوْحِيدِ» وَكِتَابِ «إِكْمَالِ الدِّينِ» عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الدَّقَّاقِ(1) وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْوَرَّاقِ، جَمِيعاً، عَنْ محمّد بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَبِي تُرَابٍ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُوسَى الرُّوبَانِيِّ(2)، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي، فَقَالَ: هَاتِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَأَقُولُ: إِنَّ الْفَرَائِضَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ الْوَلايَةِ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ عليّ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) : «يَا أَبَا الْقَاسِمِ، هَذَا - وَاللَّهِ - دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَاثْبُتْ عَلَيْهِ، ثَبَّتَكَ اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[20] - فقه الحديث:

أورد صاحب «الوسائل» شطراً من الحديث؛ لدلالته على المطلوب،

ص: 151


1- في هامش الأصل المخطوط: «في التوحيد: عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق»، (منه (قدس سره) ).
2- في أمالي الصدوق والتوحيد وكمال الدين: أبي تراب عبيد اللَّه بن موسى الروياني.
3- أمالي الصدوق: 420، ح 557، وصفات الشيعة: 49، والتوحيد: 82، ح 37، وإكمال الدين: 380، ح 1.

حيث عُبّر عن هذه الأمور بالفرائض الواجبة. والحديث من الأحاديث الجليلة؛ لأنّه تضمّن جملة من المعارف والحقائق الاعتقاديّة، وقد أقرّ الإمام (علیه السلام) السيد عبد العظيم الحسني على هذه المعتقدات، بل أمره بالثبات عليها، ودعا له بالتثبيت في الدنيا والآخرة، مضافاً إلى أنّها تدلّ على أهمّيّة الولاية حيث قال: «وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية... إلخ»؛ لما تقدّم من أنّ الولاية هي المفتاح لهذه الفرائض، وتكون هي المقدمة؛ ولذا جعل الواجبات الفرعية بعد الولاية، وأقرّه الامام (علیه السلام) على ذلك. وقوله (علیه السلام) : «هذا واللَّه دين اللَّه الذي ارتضاه لعباده» تأكيد صريح على أهمّيّة الولاية، وأنّ من لم يعتقد بالولاية فدينه غير مرضيّ عند اللَّه تعالى.

والحاصل: أنّ الحديث من حيث الدلالة تام، وهو من غرر الأحاديث.

سند الحديث:

روى الشيخ الصدوق الحديث في أربعة من كتبه بسند واحد.

أمّا عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق - وهو عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران - وعلي بن عبد اللَّه الورّاق، فهما وإن لم يرد فيهما توثيق، إلّا أنّ الشيخ الصدوق قد ترضّى عنهما، وقد حقّق في محله: أنّ الترضّي من مثله أمارة على التوثيق(1)؛

وبناء على ذلك فهما ثقتان.

وأما محمّد بن هارون: فهو مشترك بين جماعة، وهم:

ص: 152


1- اُصول علم الرجال 2 : 317.

1 - محمّد بن هارون: الذي يروي عنه صاحب «نوادر الحكمة»، وقد استثناه ابن الوليد، فهو ضعيف(1)

2 - محمّد بن هارون أبو عيسى الورّاق: ذكر النجاشي أنّ له كتباً، ولم يوثّقه(2)، وذكر في «المعجم»:

أنّه لا يبعد اتّحاده مع سابقه(3).

3 - محمّد بن هارون بن عمران الهمداني: عدّه الصدوق فيمن رأى الحجّة (عج(4)،

ولم يرد فيه توثيق.

4 - محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري: ذكره النجاشي، وترحّم عليه(5)

، ولم يرد فيه توثيق.

5 - محمّد بن هارون الجلاّب: لم يرد فيه توثيق.

6 - محمّد بن هارون الزنجاني: من مشايخ الصدوق.

ويبعد انطباقه على كلّ من هذه الأفراد؛ أمّا الأوّل: فلأنّ الصدوق يروي عنه بثلاث وسائط، والمذكور هنا يروي عنه بواسطة واحدة، مع احتمال اتّحاده مع الثاني، فيبعد أن يكون هو أيضاً، كما في «المعجم».

وأمّا الثالث: فلأنّه روى عنه بواسطتين، وهنا روى عنه بواسطة واحدة،

ص: 153


1- معجم رجال الحديث 18 : 335/11968.
2- رجال النجاشي: 372/1016.
3- معجم رجال الحديث 18 : 335/11968.
4- كمال الدين: 443، ب 43، ذيل ح16.
5- رجال النجاشي: 79/189، ضمن ترجمة أحمد بن محمّد بن الربيع.

كما في «كمال الدين» في باب من شاهد الحجّة (عج).

وأمّا الرابع: فهو ابن التلعكبري، الذي هو في طبقة الصدوق، فكيف يروي عنه مع الواسطة؟!

وأمّا الخامس: فهو من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، فهو متقدّم من حيث الطبقة.

وأمّا السادس: فهو من مشايخ الصدوق، فلا يحتاج إلى الواسطة.

وعليه فالظاهر أنّه غير المذكورين. ولا يبعد أن يكون محمّد بن هارون الصوفي، الذي روى في عدّة من كتبه عن عبد اللَّه بن موسى الروياني، كما صرّح الصدوق نفسه في كتاب «كمال الدين» بأنّه الصوفي في مواضع في نفس هذا السند: أحدها في الباب 31، ح2، والآخر في الباب 36، ح 1، والثالث في الباب 37، ح 1 (1)،

وهو مجهول، ولم يذكر في الرجال(2) .

وأمّا أبو تراب عبد اللَّه بن موسى الروياني - وفي بعض نسخ «الوسائل»: الروباني، وفي المصدر: أبو تراب عبيد اللَّه بن موسى الروياني - فقد ذكره الشيخ والنجاشي في طريقيهما إلى عبد العظيم الحسني، ولم يرد فيه توثيق(3)

وأمّا عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني: فقد قال النجاشي فيه: «عبد

ص: 154


1- كمال الدين : 319، ب 31، ح 2، و377، ب 36، ح 1، و379، ب 37، ح 1 .
2- مستدركات علم الرجال 7 : 357/ 14639.
3- رجال النجاشي: 248/653، ومعجم رجال الحديث 11 : 52/6591.

العظيم بن عبد اللَّه بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أبو القاسم، له كتاب خطب أمير المؤمنين (علیه السلام) ... كان عبد العظيم ورد الري؛ هارباً من السلطان، وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة، في سكّة الموالي، فكان يعبد اللَّه في ذلك السرب، ويصوم نهاره، ويقوم ليله، فكان يخرج مستتراً، فيزور القبر المقابل قبره، وبينهما الطريق.... الخ»(1) .

وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الهادي (علیه السلام) والعسكري (علیه السلام) ، وترضّى عليه(2) .

وقال الصدوق: «وكان مرضيّاً، رضي اللَّه عنه»(3)

ووردت في حقّه روايات مادحة.

منها: عن بعض أهل الري، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (علیه السلام) ، فقال: «أين كنت؟» قلت: زرت الحسين (علیه السلام) ، قال: «أما إنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين (علیه السلام) »(4)

ومنها: ما دلّ على إرجاع بعض الشيعة إليه إذا أشكل عليه شي ء من أمر الدين(5) .

ومنها: ما دلّ على أنّ من زار قبره وجبت له الجنة، وغيرها من

ص: 155


1- رجال النجاشي: 248/653.
2- رجال الطوسي: 387/5706 ، ص401/5875 .
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 128، باب صوم يوم الشك ذيل الحديث 8 .
4- كامل الزيارات: 537، ح828..
5- مستدرك الوسائل 17 : 321، ب 11، ح 32.

الروايات(1) .

وعليه فلا إشكال في جلالة قدره، وعظم منزلته.

وقد أورد الحديث صاحب «الوسائل» في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2)، من دون أن يذكر في السند الروياني، فسقوطه هناك من سهو القلم.

تصحیح طریق الصدوق إلى السید عبد العظيم الحسني

والحاصل: أنّ الطريق ضعيف بشخصين. ويمكن تصحيح الطريق، بأن يقال: إنّ طريق الصدوق إلى روايات عبد العظيم الحسني صحيح، فإن قلنا بمقالة صاحب «الوسائل» تبعاً للعلّامة المجلسي رضوان اللَّه عليه - من باب أنّ الصدوق إنمّا يروي في «الفقيه» من كتاب عبد العظيم - فيكون الحديث معتبراً.

ويؤيد ذلك: أنّ الصدوق لم يذكر في «المشيخة» إلّا طريقاً واحداً، واكتفاؤه بذكر طريق واحد يدل على أنّه يروي من كتابه، وإلّا كان عليه أن يذكر أكثر من طريق؛ إذ يبعد أن تكون جميع روايات عبد العظيم بطريق واحد. ويدخل في هذا الطريق سائر الروايات المذكورة في كتب الصدوق، وإن كانت في غير «الفقيه»، ومنها هذا الحديث.

ويؤكد ذلك أنّ الشيخ (رحمه الله) يروي كتابه عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، الراوي عن عبد العظيم في طريق الصدوق (رحمه الله) في «المشيخة»،

ص: 156


1- مستدرك الوسائل 10 : 367، و368، ب 73 ح 1 و 2 .
2- وسائل الشيعة 16 : 240 ، باب 33 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح 9.

[21] 21 - وَفِي كِتَابِ «الْعِلَلِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيِّ: أَنَّ الْعَالِمَ كَتَبَ إِلَيْهِ - يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیهما السلام) - : «أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْفَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْ [ذَلِكَ](1) عَلَيْكُمْ بِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، بَلْ رَحْمَةً مِنْهُ إِلَيْكُمْ؛ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ لِيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «فَفَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَإِقَامَ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمَ، وَالْوَلايَةَ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

فيتبيّن أنّه راوٍ لكتابه. ولكن هذا الوجه إنمّا يتمّ إذا كانت جميع روايات السيد عبد العظيم منحصرة في كتابه، وأمّا إذا لم يحرز ذلك فلابدّ من التوقف.

[21] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل، وقد اكتفى صاحب «الوسائل» بذكر موضع الحاجة منه، وهو يشتمل على مضامين عالية:

منها: دلالته على أهمّيّة هذه الأمور المذكورة.

ومنها: أنّ تشريع الأحكام والتكليف بها ليس لحاجة من اللَّه سبحانه إليها، ولا نفع له فيها، بل إنّما هو رحمة للعباد وموجب لارتفاع درجاتهم،

ص: 157


1- أثبتناه من المصدر.
2- علل الشرائع 1 : 249، ح 6.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ»(1)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْحَلَبِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ.

وَرَوَاهُ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: خَرَجَ تَوْقِيعٌ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، وَذَكَرَهُ بِطُولِهِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وقربهم إلى الكمال المطلق، والسعادة الأبدية؛ وليميز الخبيث من الطيّب؛ ولعلّ قوله: «لا إله إلّا هو» للاستدلال على أنه تعالى هو الغني المطلق عن جميع الممكنات؛ إذ هو الإله الواحد الأحد، فلا يحتاج إلى عبادة عبيده.

ومنها: أنّه لا يمكن الوصول إلى هذه المراتب إلّا بالدخول من بابها، وهي الولاية؛ فيدلّ على أفضليّة الولاية وأهميّتها، فهي المفتاح لأبواب الفرائض، ولولا الولاية التي جعلها اللَّه لمحمد وآله (علیهم السلام) ما عرف الناس كيف يعبدون اللَّه، ولكانوا حيارى كالبهائم، لا يهتدون سبيلاً، وقد أكمل الدين بولايتهم، وجعل لهم حقوقاً على رقاب العباد.

سند الحديث:

لهذا الحديث ثلاث طرق:

ص: 158


1- أمالي الطوسي: 654، ح1355، وفيه: الحسين بن صالح بن شعيب، (الحسن بن علي الجوهري).
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 844 / 1088 .

أمّا الطريق الأوّل: فعلي بن أحمد - وهو ابن موسى الدقاق - ومحمّد بن يعقوب الكليني وعلي بن محمّد - وهو ابن بندار تقدّم ذكرهم.

وأمّا إسحاق بن إسماعيل النيسابوري: فوثّقه الشيخ(1)، وقال الكشّي عنه: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (علیه السلام) توقيع: «يا إسحاق بن إسماعيل، سترنا اللَّه وإيّاك بستره، وتولّاك في جميع أمورك بصنعه ... الخ»(2).

وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأمّا الطريق الثاني: فالحسين بن عبيد اللَّه، هو الغضائري، شيخ النجاشي والطوسي(3) ، وقدثبت في محلّه: أنّ جميع مشايخ النجاشي ثقات.

وأمّا عليّ بن محمّد الحلبي - أو العلوي على نسخة - فلم يرد فيه شي ء.

وأما الحسن بن عليّ الجوهري: فهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضَّى عليه(4) ، وهو دالّ على التوثيق.

وهذا الطريق غير معتبر من جهة العلوي. ولكن يمكن تصحيح هذا الطريق؛ وذلك لأنّ للحسين بن عبيد اللَّه الغضائري طرقاً إلى جميع روايات الكليني، ولا ينحصر بهذا الطريق. وكذلك الشيخ الطوسي (رحمه الله) .

ص: 159


1- رجال الطوسي: 397/5822.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 844/1088.
3- معجم رجال الحديث 7 : 22/3490.
4- أمالي الصدوق: 500، المجلس الرابع والستون، ح 686.

وأمّا الطريق الثالث:

فالكشّي: هو محمّد بن عمر بن عبد العزيز، الكشّي، قال النجاشي في حقّه: «كان ثقة، عيناً، وروى عن الضعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي، وأخذ عنه، وتخرّج عليه»(1)

وقال الشيخ: «ثقة، بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب»(2)

وقول الكشّي: «عن بعض الثقات» يكفي في اعتبار الرواية، فهو على وزان ما إذا قال شخص: حدّثني عدل أو ثقة. والمشهور كفاية ذلك.

والحاصل: أنّ الحديث معتبر بجميع طرقه.

ص: 160


1- رجال النجاشي: 372/1018.
2- رجال الطوسي: 440/6288.

[22] 22 - وَعَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ جَابِرٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ÷ فِي خُطْبَتِهَا: «فَرَضَ اللَّهُ الإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَالزَّكَاةَ زِيَادَةً فِي الرِّزْقِ، وَالصِّيَامَ تَثْبِيتاً(1) لِلإِخْلاصِ، وَالْحَجَّ تَسْنِيَةً(2) لِلدِّينِ، وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ، وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ»، الْحَدِيثَ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِعِدَّةِ أَسَانِيدَ طَوِيلَةٍ(4)4*).

وَرَوَاهُ فِي «الْفَقِيهِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، مِثْلَهُ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

[22] - فقه الحديث:

هذا الحديث قطعة من خطبة الزهراء÷، وهي مشهورة، وذكر صاحب «الوسائل» محلّ الشاهد منها، وإلّا فالخطبة طويلة ومفصّلة.

ص: 161


1- في نسخة: تبييناً. (منه (قدس سره) ).
2- التسنية من السناء: وهو المجد والشرف، وارتفاع القدر والمنزلة. (لسان العرب 14 : 403 مادة: سنى ، مجمع البحرين 2 : 439 مادة: سنى).
3- علل الشرائع 1 : 248 ، ح 2.
4- 4*) المصدر نفسه 1 : 248، ح 3 و 4 .
5- 5*) من لا يحضره الفقيه 3 : 568، ح 4940، ورواه الطبرسي في الاحتجاج 1 : 99 بسند آخر وبزيادة يسيرة.

والمقدار الذي ذكره صاحب «الوسائل» يدلّ على المقصود؛ حيث إنّ هذه الأمور من الفرائض التي افترضها اللَّه سبحانه على العباد، بل هي أهمّ الواجبات.

ثمّ إنّ الخطبة اشتملت - إضافة إلى ذلك - على بيان بعض الحِكَم والأسرار في تشريع هذه الأمور، ولا تنحصر الحكم بما ذكرته سلام الله عليها هنا، فقد وردت لكل واحد منها علل كثيرة في الروايات.

وأول الحكم المذكورة هنا: أنّ الإيمان - وهو الأصل لجميع الفرائض والسنن - يكون تطهيراً من نجاسة الشرك. والتطهير من الشرك غاية من أهم الغايات للشارع الأقدس. والإيمان يطلق على معنيين:

أحدهما: الاعتقاد بأصول الدين الخمسة وما يتعلق بها من لوازمها، وهذا هو الإطلاق الشائع والمنصرف إليه اللفظ.

ثانيهما: العمل بفروع الدين.

والذي يظهر من روايات أئمة الهدى (علیهم السلام) أنّ للإيمان والكفر مراتب كثيرة، فأعلى مراتب الإيمان: الإيمان الصرف، وهو الاعتقاد بأصول الدين الخمسة وتوابعها مع العمل بالواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات كلية، وهذه المرتبة لا توجد إلّا في النبي والأئمة والصديقة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وأدنى مراتب الكفر هو إنكار ما تقدّم قولاً وعملاً. وهذه المرتبة لا توجد إلّا في رؤساء أعداء الدين. وبين هاتين المرتبتين مراتب لا تحصى؛

ص: 162

فمن اعتقد بأصول الدين ولم يعمل بشيء من الفروع فهو مؤمن بالأصول وكافر بالفروع، ومن اعتقد بالأصول وعمل ببعض الفروع فهو مؤمن بالنسبة لما عمل به وكافر بالنسبة لما لم يعمل به، فإذا أتى بالصلاة فقد حاز مرتبة من مراتب الإيمان، وإذا تركها فقد تنزل لمرتبة من مراتب الكفر، وهكذا بقيّة الواجبات والمحرمات، بل المستحبات والمكروهات فعلاً وتركاً، ولكل مرتبة حكم في الفقه.

ثم إن كلّ مرتبة من مراتب الإيمان توجب طهارة باطنية، كما أنّ كلّ مرتبة من مراتب الكفر توجب نجاسة باطنية؛ ولذا كان الإيمان مقرّراً من قِبل الله عزوجل أن يطهّر من الشرك، الذي هو نوع من الكفر؛ فإن ترك ما افترضه الله تعالى وفعل ما نهى عنه يوجب إشراك الشيطان بالله سبحانه في العبادة؛ لأن مخالفة الله سبحانه عبادة للشيطان، قال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(1)، كما أنّ من جاء بالعبادة رياء أو سمعة فإنه مشرك، كما تأتي الإشارة إليه في الباب الحادي عشر من هذه الأبواب؛ وذلك لأنّ الشرك رجس، وأنّ كلّ المعاصي والآثام منشؤها البعد عن اللَّه تعالى، والسير في ركاب الشيطان، فلابدّ للإنسان من أن يطهّر نفسه من الأرجاس، ولا يتمّ ذلك إلّا بالإيمان.

وشرّعت الصلاة تنزيهاً عن الكبر؛ فإنّ الصلاة بأجزائها خضوع للَّه تعالى،

ص: 163


1- يس: الآيتان 60 و61.

كما أنها إقرار بالفقر؛ لما فيها من تعظيم لله سبحانه والخشوع بين يديه والحاجة إليه تعالى. فالصلاة وضعت لأجل أن تطوّع النفس الأمارة، التي هي مبدأ صفة الكبر؛ فلذا كان من غايات الصلاة تنزيه النفس عن الكبر. وشرّعت الزكاة زيادة في الرّزق، وفي بعض النسخ: «تزكية للنفس، ونماءً في الرّزق»؛ فإنّ الإنسان إذا أدّى حقّ الزكاة طهّر نفسه من البخل، وحبّ الدنيا، وكان ذلك سبباً في نماء المال وزيادته، بما يجعل اللَّه سبحانه فيه من الخير والبركة، على خلاف ما يتصوّر الناس من أنّه ينقص، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1).

وشرّع الصوم تثبيتاً للإخلاص؛ فإنّ الصوم أمر غير ظاهر، ولا محسوس؛ وقد ورد في الحديث: «الصوم لي، وأنا أجزي به»(2)، ولا مجال فيه للرّياء، وذلك هو الإخلاص.

وشرّع الحجّ تسنية أي توضيحاً وتشييداً وتقوية للدين؛ لأنّ فيه إعلاء لكلمة الدين، وإظهاراً لأوامره، وقد اجتمع فيه جميع العبادات المختلفة، مع ما يتضمّن من المنافع الدنيويّة والأخروية؛ ولذلك ورد عن الصادق (علیه السلام) : «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(3).

ص: 164


1- التوبة: الآية 103.
2- تهذيب الأحكام 4 : 152، باب فرض الصيام، ح 3.
3- الكافي 4 : 271 ، باب أنّه لو تُرِك الحج لجاءهم العذاب، ح 4.

وشرّع الجهاد لإظهار عزّ الإسلام؛ فإنّ فيه إظهار قوّة الإسلام وقدرته.

وشرّع الأمر بالمعروف مصلحة للعامة في دنياهم وآخرتهم؛ فإنّ فيه إجراء تعاليم اللَّه تعالى، وإرساء قواعد الدين، وإحياء السنن والأحكام، وبه يعيش جميع الناس بالأمن والأمان؛ وإنّما خصّت÷ العامة بالذكر لأنهم الأغلبية، ومن عداهم هم إما العلماء العاملون به أو الولاة الملتزمون بالأمر بالمعروف العاملون به.

وقد ذكرت صلوات اللَّه عليها أموراً أخرى، وبيّنت حكمها، وأسرارها: كالعدل؛ فإنّه موجب لاطمئنان النفوس واستقرار القلوب، والطاعة؛ فإنّها توجب إحكام النظام، والإمامة؛ فإنّها توجب جمع الكلمة على الحقّ، وعدم التفرّق، وهي الحبل الذي أمر الناس بالاعتصام به؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا...}(1)، وغيرها من الأمور الكثيرة التي اشتملت عليها هذه الخطبة الجليلة.

ثمّ إنّ هذه الخطبة ألقتها الصدّيقة الشهيدة÷ في مسجد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، لمّا أجمع القوم على منعها حقّها، فخرجت تطالب بحقّها، وكان غرضها الأساس هو الدفاع عن الإمامة، والمطالبة بحقّ أمير المؤمنين (علیه السلام) في ولاية الأمر، كما أمر اللَّه رسوله، وإلّا فما كانت فدك أو الميراث ذات أهمّيّة عندها سلام اللَّه عليها. ومن هنا يبدو جليّاً مدى أهمّيّة الإمامة؛ فإنّها الباب الذي يؤتى منه إلى اللَّه تعالى، ومع ذلك فإنّ الصدّيقة الزهراء÷ أقامت

ص: 165


1- آل عمران: الآية 103.

الحجّة على القوم، فأظهرت مظلوميّتها، مع عدم الحاجة إلى ذلك؛ فإنّها المعصومة التي يرضى اللَّه لرضاها، ويغضب لغضبها، ولكن من أجل إقامة الحجّة، وبيان فضاعة ما ارتكبه القوم من هضمها حقّها، والاتّفاق على جفائها؛ عناداً وحقداً منهم لها ولبعلها (علیه السلام) .

والحاصل: أنّ هذه الخطبة عميقة الغور، بعيدة المدى، وتعدُّ من الأسرار.

سند الحديث:

وردت الخطبة الشريفة بعدّة طرق، ذكر صاحب «الوسائل» طريقين منها، وأشار إلى بقيّة الطرق، وذكر صاحب «جامع الأحاديث»(1) طريقين آخرين منها.

توثیق محمّد بن موسى المتوكل

أما السند الأوّل:

فهو ما عن محمّد بن موسى المتوكل: وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه(2)، وهو أمارة على التوثيق، كما حقّقنا ذلك في محلّه(3)، والظاهر منه اعتماده عليه. مضافاً إلى أنّ ابن طاووس ذكر في «فلاح السائل» اتّفاق

ص: 166


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 631 ، ح1122.
2- علل الشرائع 2 : 441، باب 185، ح 1. وكذا في طريق الصدوق في «المشيخة» إلى الحسن بن زياد الصيقل.
3- أصول علم الرجال 2 : 317.

الأصحاب على وثاقته(1) .

وأمّا عليّ بن الحسين السعدآبادي: فهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»، فيحكم بوثاقته(2)

وأمّا أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا إسماعيل بن مهران: فقال النجاشي فيه: «إسماعيل بن مهران بن أبي نصر، السكوني...، ثقة، معتمد عليه»(3)

وذكر نحوه الشيخ(4)

وقال الكشّي: «حدّثني محمّد بن مسعود، قال: سألت عليّ بن الحسن عن إسماعيل بن مهران، قال: رمي بالغلو. قال محمّد بن مسعود: ويكذبون عليه، وكان تقيّاً، ثقة، خيّراً، فاضلاً»(5)

وورد في «تفسير القمّي»(6) ، وعليه فلا إشكال في وثاقته.

وأمّا أحمد بن محمّد بن جابر: فلم يذكر فيه شي ء.

وأمّا السيدة الطاهرة زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) : فهي أجلّ قدراً،

ص: 167


1- فلاح السائل: 158، الفصل التاسع عشر.
2- أصول علم الرجال 1 : 325، وكامل الزيارات: 216، باب 36، ح314.
3- رجال النجاشي: 26/49.
4- فهرست الطوسي: 46/32.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 854/1102.
6- أصول علم الرجال 1 : 277 .

وأرفع شأناً، من أن توفي حقّها ألسنة المدح والثناء والتوثيق، ولا غرو؛ فإنّها عقيلة بيت النبوّة وربيبة الإمامة.

سند الصدوق إلی سلیمان بن الخالد

وأمّا السند الثاني: فقد رواه الصدوق بإسناده، عن إسماعيل بن مهران. وسند الصدوق في «المشيخة» هو: ما كان فيه عن إسماعيل بن مهران - من كلام فاطمة÷- فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكل(رضی الله عنه)، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران، عن أحمد بن محمّد الخزاعي، عن محمّد بن جابر، عن عباد العامري، عن زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) ، عن فاطمة÷(1).

وفي نسخة: محمّد بن جابر بن عياذ العامري، وفي «الجامع»: أحمد بن محمّد، عن جابر، عن زينب÷.

ورجال السند إلى أحمد بن محمّد الخزاعي قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا أحمد، فهو بهذا العنوان يحتمل انطباقه على شخصين: أحدهما: أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن ثابت بن عثمان بن منصور بن يزيد الخزاعي الذي ذكره في تهذيب الكمال، وقال: «قال النسائي: ثقة»(2)، ووثقه العجلي، وابن حبان، وابن عساكر، والذهبي، وغيرهم(3).

ص: 168


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 531، المشيخة.
2- تهذيب الكمال 1 : 435.
3- تهذيب التهذيب 1 : 62، وتذكرة الحفاظ 2 : 464، ومعرفة الثقات 1 : 192، والثقات لابن حبان 8 : 13، سير أعلام النبلاء 11 : 7.

والآخر: أبو جعفر أحمد بن محمّد بن زيد الخزاعي الذي عده الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) وقال: يكنّى أبا جعفر، روى عنه حميد أصولاً كثيرة، ومات سنة اثنتين وستين ومائتين، وصلى عليه الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي(1).

وأمّا محمّد بن جابر: فالظاهر أنّه: محمّد بن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، قال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق»(2)، وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات»(3)، واحتمل في «القاموس»: أنّه محمّد بن جابر الجعفي اليماني(4)

وأمّا جابر: فهو من الصحابة الأجلّاء، عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، والحسنين (علیهما السلام) ، والسجاد والباقر (علیهما السلام) (5)

وقد أورد الكشّي في مدحه روايات كثيرة، من غير أن يورد ما يخالفها(6) .

وقد قال الفضل بن شاذان: «إنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير

ص: 169


1- رجال الطوسي: 408/5942.
2- تقريب التهذيب 2 : 61.
3- الثقات لابن حبان 5 : 354.
4- قاموس الرجال 9 : 149.
5- رجال الطوسي: 31/134 ، و 59/498 ، و93/93 ، و99/964، و111/1087 و129/1311.
6- اختيار معرفة الرجال 1 : 209 - 237 .

المؤمنين (علیه السلام) »(1)

وقال ابن عقدة: «إنّ جابر بن عبد اللَّه منقطع إلى أهل البيت (علیهم السلام) »(2).

وهو من جملة من لم يرتدّوا بعد قتل الحسين (علیه السلام) (3) .

وعليه فلا إشكال ولا ريب في جلالته (رضي اللَّه عنه).

وأمّا عبّاد العامري أو محمّد بن جابر بن عياذ العامري: فلم نجد له ذكراً في كتب الرجال.

وأمّا السند الثالث: فهو أيضاً عن الصدوق في «العلل» حيث قال: أخبرني عليّ بن حاتم، قال: حدّثنا محمّد بن أسلم، قال: حدّثني عبد الجليل الباقطاني (الباقلّاني)، قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب، قال: حدّثني عبد اللَّه بن محمّد العلوي، عن رجال من أهل البيت، عن زينب بنت علي (علیه السلام) .

أمّا عليّ بن حاتم: فهو عليّ بن أبي سهل بن أبي حاتم القزويني، قال النجاشي في حقّه: «ثقة من أصحابنا في نفسه، يروي عن الضعفاء، سمع فأكثر»(4)

ص: 170


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 181 - 182/78 .
2- خلاصة الأقوال: 94.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 338/194.
4- رجال النجاشي: 263/688.

وقال الشيخ: « رضي اللَّه عنه، له كتب كثيرة، جيّدة معتمدة»(1)

، وقال أيضاً: «يكنّى أبا الحسن، ثقة، له تصانيف»(2)

مضافاً إلى أنّه من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(3)

وأمّا محمّد بن أسلم: فهو مشترك بين أربعة أشخاص، والمعروف منهم ثلاثة، وهم:

1 - محمّد بن أسلم الجبلي: من أصحاب الرضا (علیه السلام) . ويروي عنه الصدوق بثلاثة وسائط، ولم يرد فيه توثيق، وهو غير مقصود هنا؛ لأنّ بينه وبين الصدوق واسطة واحدة.

2 - محمّد بن أسلم بن العلاء الهمداني: من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وهو متقدّم كثيراً من حيث الطبقة، فليس هو المقصود أيضاً.

3 - محمّد بن أسلم الطوسي: الراوي لحديث السلسلة الذهبيّة؛ ولذلك عدّ من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وعليه فهو كالأوّل(4)

والحاصل: أنّ محمّد بن أسلم الواقع في السند غير معلومٍ.

وأمّا عبد الجليل الباقلاني: فهو مجهول، ولعلّ ما في «الجامع» من أنّه

ص: 171


1- فهرست الطوسي: 163/163.
2- رجال الطوسي: 432/6190.
3- كامل الزيارات: 431، باب 82، ح661.
4- معجم رجال الحديث 16 : 88 /10258.

الباقطاني تصحيف(1)

وأمّا الحسن بن موسى الخشاب: فهو من الأجلاّء، قال النجاشي فيه: «من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم والحديث»(2) .

مضافاً إلى وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(3)

وأما عبد اللَّه بن محمّد العلوي، فهو مشترك بين شخصين، وهما:

1 - عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن الحسين: أحد أولاد الإمام الباقر (علیه السلام) ، وترضّى عليه الشيخ المفيد، وقال: «يشار إليه بالفضل والصلاح»(4)

2 - عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن جعفر: والظاهر انطباقه على الأوّل.

وأمّا رجال من أهل البيت: ففيه إشارة إلى أنّ الرواة كثيرون، وهم من أهل البيت (علیهم السلام) ، فيمكن الاعتبار لذلك.

والحاصل: أنّ هذا الطريق ضعيف بشخصين، هما: محمّد بن أسلم، والباقلّاني.

وأمّا السند الرابع: فهو - أيضاً - عن الصدوق في «العلل»، حيث قال:

ص: 172


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 633، ذيل ح1122.
2- رجال النجاشي: 42/85.
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .
4- الإرشاد 2 : 176.

أخبرني عليّ بن حاتم أيضاً، عن محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم المصري، قال: حدّثني هارون بن يحيى الناشب، قال: حدّثني عبيد اللَّه بن موسى العبسي، عن عبيد اللَّه بن موسى العمري، عن حفص الأحمر، عن زيد بن علي، عن عمّته زينب بنت علي (علیه السلام) .

أمّا عليّ بن حاتم: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا محمّد بن أبي عمير: فيبعد أن يكون هو المعروف والمشهور؛ فإنّ ابن حاتم من مشايخ الصدوق، فلا يمكن روايته عن محمّد بن أبي عمير بلا واسطة، إلّا أن تكون الواسطة ساقطة، أو يكون محمّد شخصاً آخر.

وأمّا محمّد بن عمارة: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن عمارة الذهلي: وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق، ولا يمكن رواية الصدوق عنه بواسطتين.

2 - محمّد بن عمارة بن الأشعث: وهو من أصحاب الرضا (علیه السلام) (2)،

ولم يرد فيه توثيق، ويبعد رواية الصدوق عنه بواسطتين.

3 - محمّد بن عمارة بن ذكوان الكلابي الجعفري: وهو من أصحاب

ص: 173


1- رجال الطوسي: 289/4214. هذا بناء على نسخة «عمارة» دون نسخة «عمار».
2- المصدر نفسه: 365/ 5409.

الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق، ويأتي فيه ما تقدّم.

والحاصل: أنّ محمّد بن عمارة في هذه الطبقة مجهول.

وأمّا محمّد بن إبراهيم المصري: فلم نجد له ذكراً في كتب الرجال.

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى العبسي: فقد عدّ من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق، ولكن عن يحيى بن معين: «ثقة»، وعن أبي حاتم: «صدوق، ثقة، حسن الحديث»، وعن العجلي: «ثقة، وكان عالماً بالقرآن، رأساً فيه»(2)،

وذكره العقيلي في «الضعفاء»(3) وقال ابن سعد: «كان ثقة، صدوقاً إن شاء اللَّه، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيّع، ويروي أحاديث في التشيّع منكرة؛ فضعّف بذلك عند كثير من الناس، وكان صاحب قرآن»(4)،

وذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات»(5)، وقال ابن حجر في «التقريب»: «ثقة، كان يتشيّع»(6)

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى العمري - وفي بعض النسخ: المعمري - وحفص الأحمر: فهما مجهولان.

ص: 174


1- رجال الطوسي: 290/ 4233.
2- أنظر: تهذيب الكمال 19 : 167 - 170.
3- ضعفاء العقيلي 3 : 127 .
4- أنظر: تهذيب التهذيب 7 : 48.
5- الثقات لابن حبان 7 : 152.
6- تقريب التهذيب 1 : 640.

وأما زيد بن علي (علیه السلام) : فإنّه من الأجلّاء، وقد وردت فيه عدّة روايات مادحة:

منها: ما روي عن الصادق (علیه السلام) ، أنّه قال - بعد شهادته - : «رحمه اللَّه، أما إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً. أما إنّه لو ظفر لوفى. أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها...»(1)،

وغيرها من الروايات.

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) : «ولمّا قتل بلغ ذلك من أبي عبد اللَّه (علیه السلام) كلّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً، حتّى بان عليه، وفرّق من ماله في عيال من أصيب معه في أصحابه ألف دينار»(2).

وعليه فلا إشكال في جلالة قدره، وعظم منزلته.

والحاصل: أنّ هذا الطريق يشتمل على خمسة من المجاهيل.

إلّا أنّ هذه الخطبة الشريفة تعدّ من محاسن الخطب وبدائعها، ورواها الخاصّة والعامّة بأسانيد كثيرة(3) ، حتّى روي: أنّ مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم، ويعلّمونها أبناءهم(4) وعليه فهي من الخطب المشهورة.

ص: 175


1- شرح الأخبار 3 : 287 ، واختيار معرفة الرجال 2 : 570.
2- الإرشاد 2 : 173.
3- راجع على سبيل المثال: بلاغات النساء لابن أبي طيفور: 16، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 211 – 213، ومنال الطالب لابن الأثير الجزري: 501 – 507 ، وتذكرة الخواص لابن الجوزي: 317، ومقتل الحسين (علیه السلام) للخطيب الخوارزمي 1 : ،77 وجواهر المطالب للباعوني الشافعي 1 : 155 - 164.
4- شرح نهج البلاغة 16 : 252.

[23] 23 - وَعَنْ عليّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عليّ الْعَبْدِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم):

«جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، الإِسْلامُ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لا سَهْمَ لَهُ فِيهَا، أَوَّلُهَا: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ، وَالثَّانِيَةُ: الصَّلاةُ، وَهِيَ الطُّهْرُ، وَالثَّالِثَةُ: الزَّكَاةُ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ، وَالرَّابِعَةُ: الصَّوْمُ، وَهُوَ الْجُنَّةُ، وَالْخَامِسَةُ: الْحَجُّ، وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالسَّادِسَةُ: الْجِهَادُ، وَهُوَ الْعِزُّ، وَالسَّابِعَةُ: الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْوَفَاءُ، وَالثَّامِنَةُ: النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَالتَّاسِعَةُ: الْجَمَاعَةُ، وَهِيَ الأُلْفَةُ، وَالْعَاشِرَةُ: الطَّاعَةُ، وَهِيَ الْعِصْمَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[23] - فقه الحديث:

إنّ لهذا الحديث ذيلاً لم يذكره صاحب «الوسائل»، واكتفى بموضع الشاهد منه(2) ، وهو يدلّ على أنّ هناك عشرة أمور، هي أهمّ ما في الإسلام،

ص: 176


1- علل الشرائع 1 : 249، ح 5، ويأتي مثله في الحديث 32 من هذا الباب.
2- وذيله كما في علل الشرايع 1 : 249، ب182 ، ح 5: «قال حبيبي جبرئيل: إنّ مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة، الإيمان أصلها، والصلاة عروقها، والزكاة ماؤها، والصوم سعفها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن المحارم ثمرها، فلا تكمل الشجرة إلّا بالثمرة، كذلك الإيمان لا يكمل إلّا بالكف عن المحارم».

مع ذكر حكمة التشريع لكل منها، بل إنّ صدر الحديث «الإسلام عشرة أسهم» يدلّ على أنّ هذه العشرة جامعة لتعاليم الإسلام، وأنّ ما عدا هذه العشرة داخل فيها:

أوّلها: الشهادة بالتوحيد، وهي: لا إله إلّا اللَّه، وهي الكلمة، والكلمة في اللغة: لفظ دالّ على معنى، سواء كان تامّاً أو غير تام. وقد تطلق على غير اللفظ، ممّا ينبى ء عن شي ء معيّن، وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى كثيراً. وعليه فقد يراد من الكلمة المعنى الحقيقي، وهو الشهادة للَّه بالوحدانيّة، وهي لا إله إلّا اللَّه؛ فإنّ كلّ ما في الوجود يرجع إلى هذه الكلمة؛ فإنّ الوجود الحقيقي في هذا العالم إنّما هو للَّه تعالى وحده، وكل ما سواه يرجع إليه تعالى، فلا معبود يستحقّ الوجود إلّا هو تعالى، وما عداه فوجوده بالغير.

ويؤيّد ذلك أنّه ورد أنّها أعظم كلمة(1)، وهي الكلمة العليا(2). وبهذه الكلمة يخرج الإنسان عن الكفر، ويدخل في حظيرة الإسلام؛ كما قد ورد في بعض الروايات: أنّها الحصن الذي من دخله أمن من العذاب - كما في حديث السلسلة الذهبيّة، المروي عن الإمام الرضا (علیه السلام) ، يوم ورد نيشابور - ولكن بشروطها(3)؛ فإن هذه الكلمة تستلزم الشهادة بالرسالة، كما أنّها تستتبع الولاية.

ص: 177


1- مستدرك الوسائل 5 : 365، ح6099.
2- الصراط المستقيم 2 : 225، ب11، فصل1.
3- غوالي اللئالي 4 : 94، ح134، والأمالي للشيخ الصدوق: 306. وثواب الأعمال للشيخ الصدوق: 6.

ويمكن أن يكون المراد بالكلمة: كلمة التقوى؛ بناء على كون اللام عهديّة. ويمكن أن يكون المراد بها: كلمة اللَّه التي هي العليا، والمقصود بها: ما ينبى ء عن معنى، كما ورد أنّ المسيح (علیه السلام) كلمة اللَّه(1)، الذي ينبى ء عن عظمة اللَّه وقدرته، وكذا ورد عنهم (علیهم السلام) : «نحن الكلمات التامات»(2)؛ حيث إنّهم المظهر الأتمّ لصفاته، فهم أتمّ الكلمات، وأجلى المظاهر.

وثانيها: الصلاة، وعبّر عنها بالطهر؛ فإنّ الصلاة من أهم الفرائض، بل هي عمود الدين، وقد اختلفت الروايات في بيان حكمة الصلاة، فقد جاء في الرواية السابقة في خطبة الزهراء÷: أنها شرّعت تنزيهاً عن الكبر؛ لاشتمالها على مثل: الخشوع، والخضوع، وتعفير الجبين - وهو أعلى ما في الإنسان - وإرغام الأنف، وغير ذلك من حالات التذلّل. وسيأتي في الحديث الثاني والثلاثين: أنّ الصلاة هي الفريضة، وورد في القرآن الكريم: أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر(3)، وغيرها من الوجوه. ولا تنافي بينها؛ فإنّ جميع هذه المعاني تستوجب استقامة الإنسان باطناً وظاهراً، وذلك هو معنى الطهر. فالمراد من الطهر: ما هو الأعمّ من الطهر الواقعي المعنوي، ومن الطهر الظاهري. وقد ورد في عدّة من الروايات: أنّ الصلاة ثلثها طهور، وفي بعضها تشبيه الصلاة بالنهر الجاري الذي يكون على باب الدار، يغتسل منه الإنسان

ص: 178


1- مشكاة الأنوار: 277، الفصل1 فيما جاء في الصبر على المصائب.
2- تأويل الآيات: 433 .
3- العنكبوت، الآية 45.

في اليوم والليلة خمس مرات، فلا يبقى على بدنه درن(1)، وهكذا الصلاة؛ فإنّها لا تبقي شيئاً من الرذائل المعنويّة، بل والظاهريّة، وهو المعنى العام الذي ذكرناه.

وثالثها: الزكاة، وعبّر عنها بالفطرة، ومعنى الفطرة الخلقة، وسيأتي في الحديث المشار إليه: أنّها المطهرة، ولا تنافي بين المعنيين؛ فإنّ الزكاة موجبة للتطهير، كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}(2)،

والتطهير هو: إزالة جميع الأدران والخبائث، وتنقية النفس وتزكيتها، وهذا هو معنى الفطرة؛ فإنّها كون الشي ء على طبيعته الأولى التي لا كدر فيها.

ورابعها: الصوم، وعبّر عنه بالجُنّة، أي: الوقاية، وهو العبادة التي هي أبعد ما تكون عن الرِّياء؛ ولذلك ورد في بعض الروايات: «الصوم لي، وأنا أجزي به»(3)

، فالصوم وقاية من النار.

وخامسها: الحجّ، وفي أكثر الروايات ورد تقديم الصوم عليه، كما هنا، وقد عبّر عنه بالشريعة، أي: الدين، وعبادة الحجّ هي المظهرة للدين، وتشييده، وبيان عظمته؛ فإنّها عبادة جامعة تتجلّى فيها عظمة الإسلام،

ص: 179


1- بحار الأنوار 79 : 148 و 150 و 160، كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة...، ح40 و 45 و66.
2- التوبة، الآية 103.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 75، باب فضل الصيام، ح 1773.

وتعاليمه، وقد مرّ في الأحاديث السابقة: أنّ الحجّ تشييد للدين، وفي ثانٍ: تثبيت للدين، وفي ثالثٍ: تسنية للدين، أي: السناء بمعنى الظهور.

وسادسها: الجهاد، وهو عزّ للإسلام، وبيان لقوّته. وقد ورد عين هذا التعبير في الحديث السابق.

وسابعها: الأمر بالمعروف، وهو الوفاء، أي: توفية الأحكام والتعاليم؛ لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1) ، أو هو من الوفاء للدِّين، وبيان أحكامه، وحمل الناس على تطبيقه؛ لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} ،(2) الآية.

وثامنها: النهي عن المنكر، وهو الحجّة؛ وذلك لأنّ من يأتي بما يخالف الدين لا حجّة له على ما يأتي به؛ فإنّ من ينهاه عن المخالفة هو الذي له الحجّة عليه، أو أنّ المراد: أنّ اللَّه تعالى جعله حجّة على العباد، فلا يتهاونون بالقيام بهذه الوظيفة العظيمة التي يترتب عليها ارتفاع المفاسد من بين الناس، فتصلح البلاد والعباد، وقد ورد الأمر والحثّ عليه في الآيات(3)

ص: 180


1- التوبة، الآية 71.
2- آل عمران، الآية 110.
3- الآيات (104) من آل عمران، و (63) و (79) من المائدة، و (116) من هود، و (41) من الحج، و (17) من لقمان، و (6) من التحريم.

والروايات(1)، وأنّه من موجبات استجابة الدعاء(2)، وأنّ تركه موجب لتسلّط الظالمين على العباد(3).

وتاسعها: الجماعة، وعبّر عنها بالألفة، ولم تذكر في الحديث السابق، وفيها احتمالات، الظاهر منها الجماعة في الصلاة، وقد أكّد في الروايات على حضورها(4)، حتّى أنّ بعض المحدِّثين ذهب إلى القول بوجوب الحضور في صلاة الجماعة(5)، وقد ورد: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) همّ بإحراق بيوت أقوام كانوا لا يحضرون الجماعة(6)، على أنّ الجماعة قد تكون واجبة في بعض الحالات، كما في صلاة الجمعة؛ فإنّها لا تصحّ إلّا جماعة، وفي صلاة العيدين في زمان الحضور.

والجماعة توجب الألفة، وهي من الجمع والتقريب بين النفوس والقلوب، وعدم الحضور يوجب النفرة وتباعد القلوب؛ والشاهد على ذلك: أنّه ورد في آداب وأحكام صلاة الجماعة: استحباب تسوية الصفوف وسدّ

ص: 181


1- راجع: بحار الأنوار 97 : 50، باب 1 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- المصدر نفسه: 56 و 62 و 63 و 66، الأحاديث:30 و60 و61 و 68 و 90، وأمالي الطوسي: 523 و 670، المجلس18، ح1157، والمجلس36 ،ح1408.
3- راجع المصدرين السابقين.
4- بحار الأنوار 85 : 5، باب فضل الجماعة.
5- انظر: بحار الأنوار 85 : 16، ثواب صلاة الجماعة، ح29.
6- بحار الأنوار 85 : 9، باب فضل الجماعة، ح11، وأمالي الصدوق : 392، المجلس73، ح14.

الفُرَج(1)؛ وعلّل في بعض الروايات: بأنّ ذلك يمنع دخول الشيطان(2).

وعاشرها: الطاعة، وهي العصمة، وقد مرّ أنّ المراد بها طاعة وليّ الأمر، وهو الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن بعده الإمام (علیه السلام) ؛ فإنّ طاعته توجب العصمة من الاختلاف والتشتّت، كما قالت الصدّيقة الزهراء÷: «والطاعة نظاماً للملّة»(3).

سند الحديث:

إنّ بين ما ذكره صاحب «الوسائل» والمصدر اختلافاً في موردين، وهما:

الأوّل: جاء في المصدر: مَعْمَر، عن قتادة، وفي «الوسائل»: مَعْمَر بن قتادة، وهو من غلط النساخ.

الثاني: أنّ في المصدر: أنس بن مالك، مع أنّ المذكور في «الوسائل»: أنس.

والحاصل: أنّ عليّ بن حاتم قد تقدّم ذكره.

وأمّا أحمد بن عليّ العبدي والحسن بن إبراهيم الهاشمي وإسحاق بن إبراهيم، فهم مجهولون.

وأمّا عبد الرزاق بن همام، فهو اليماني، وهو من أصحاب الباقر

ص: 182


1- وسائل الشيعة 8 : 422، باب 70 من ابواب صلاة الجماعة.
2- المصدر نفسه، ح4.
3- من لا يحضره الفقيه 3 : 568، ح4943.

والصادق (علیهما السلام) ، وهو أحد أعلام الشيعة. وفي رجال النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي، حيث نقل عن هارون بن موسى، عن محمّد بن همام، عن أحمد بن مابنداذ، عن أبيه: أنّه لم يرَ أحداً مثل عبد الرزاق بن همام في العلم، ولا نظير له في العصر، وأنّه قد تشيّع على يده، وجعله حجّة بينه وبين اللَّه، في حكاية طويلة. فهذه الحكاية، يظهر منها جلالة قدره، ورفعة شأنه(1).

وقال ابن حجر فيه: «ثقة، حافظ، مصنّف، شهير، عمي في آخر عمره فتغيّر، وكان يتشيّع من التاسعة»(2).

وتوثيق ابن حجر وإن كان لا يفيد، ولم يرد تصريح بوثاقته من غيره، إلّا أنّ ما ذكره النجاشي كافٍ؛ فإنّه لا يقصر عن حسنٍ موجب لحجّية خبره، كما في «المعجم»(3).

ولكنه صاحب أحد الكتب المشهورة من كتب العامّة، وهو كتاب «المصنَّف». ورمي عند علماء العامّة بالتشيّع، وقد نقل جماعة منهم ذلك، وقالوا: بل كان يحب عليّاً (علیه السلام) ، ويبغض من قاتله، كما هو مذكور في ترجمته في مقدّمة كتابه، يروي عنه إسحاق بن إبراهيم، ويروي هو عن

ص: 183


1- رجال النجاشي: 379 - 380/1032 .
2- تقريب التهذيب 1 : 599. وقال عنه في مقدمة فتح الباري: «أحد الحفاظ الأثبات، صاحب التصانيف، وثّقه الأئمّة كلهم، إلّا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده، فتكلم بكلام أفرط فيه، ولم يوافقه عليه أحد... الخ». (مقدمة فتح الباري: 418).
3- معجم رجال الحديث 11 : 15/6504.

مَعْمَر، ويكثر عنه، وله كتاب بعنوان «الجامع» بروايته عن مَعْمَر(1)

وأمّا مَعْمَر بن قتادة: فلم يذكر في الرجال.

وأمّا بناء على ما في «العلل» - من أنّه معمر عن قتادة - فمَعْمَر وإن كان مشتركاً بين أكثر من خمسة وعشرين شخصاً، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد هو مَعْمَر بن راشد؛ بقرينة الراوي عنه، ولم يرد فيه توثيق.

نعم، ورد في رجال العامّة(2) وثاقته عن جلّهم، بل عن أبي حاتم: «انتهى الإسناد إلى ستّة نفر، أدركهم مَعْمَر، وكتب عنهم، لا أعلم اجتمع لأحد غير معمر»(3) .

وأمّا قَتَادَة، فهو مشترك أيضاً بين ثلاثة أشخاص. والظاهر أنّ المراد به: قتادة بن دِعَامَة؛ بقرينة روايته عن أنس. ولم يرد فيه توثيق.

وقد ذكر في أحواله: أنّه من فقهاء العامّة، بل فقيه أهل البصرة، وأجمعوا على وثاقته، بل قيل: إنّه أحفظ الناس في زمانه(4). وقيل: إنّه كان محبّاً لأهل البيت (علیهم السلام) (5) .

ص: 184


1- راجع تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 364، والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني 10 : 379 وما بعدها.
2- راجع: تهذيب التهذيب 8 : 282/ 7087.
3- تهذيب الكمال 28 : 306.
4- المصدر نفسه 23 : 507.
5- الكافي 6 : 256، باب ما ينتفع به من الميتة، ح1 .

بحث رجالي في أنس بن مالك

وأمّا أنس بن مالك، فهو مشهور بانحرافه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد كتم الشهادة عن بيعة الغدير، فأصابه البرص في الحال، وكان قد حجب أمير المؤمنين (علیه السلام) عن الدخول على رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) ليأكل معه الطير المشويّ، كما في الرواية المشهورة(1)، وقد ورد في رواية عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : «ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة»(2) ، وقد اعترف هو بأنّه إنّما أصابه البرص لكتمانه الشهادة(3)

هذا، وقد ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(4) ، وذلك ممّا يدلّ على اعتباره ووثاقته.

ويمكن الجمع بين التوثيق والتضعيف: بأنّه وإن كان منحرفاً أوّلاً، ولكنّه ندم وتاب على كتمانه الشهادة لأمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد حلف أن لا يكتم منقبة بعد ذلك، بل روى عدّة روايات في فضائل الأئمّة (علیهم السلام) ، وفيها إشارة إلى إمامتهم.

وأمّا الرواية الدالّة على أنّه من الكذّابين فهي ضعيفة السند؛ فبناء على ذلك يمكن القول بوثاقته في الحديث، ومع ذلك فهو مورد للتأمّل.

ص: 185


1- أمالي الصدوق: 753، المجلس 94، ح1012.
2- الخصال: 190، باب الثلاثة، ح 263.
3- معجم رجال الحديث 4 : 149/1566.
4- أصول علم الرجال 1 : 214 .

وقد يقال: إنّ المراد به شخص آخر، وقد ذكر في أصحاب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو أنس بن مالك الكعبي القشيري.

وفيه: أنّ المشهور والمعروف هو أنس بن مالك، خادم الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، وأمّا أنس بن مالك الكعبي، فلم يروِ إلّا رواية واحدة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، فمن البعيد جدّاً أن يكون هو المراد.

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف السند بعدّة مجاهيل. ولكن سيأتي حديث معتبر بنفس هذا المضمون، وهو الحديث الثاني والثلاثون.

ص: 186

[24] 24 - وَفِي «الْخِصَالِ»: عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، جَمِيعاً، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَجُعِلَ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا رُخْصَةٌ، وَلَمْ يُجْعَلْ فِي الْوَلايَةِ رُخْصَةٌ؛ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً صلّى قَاعِداً، وَأَفْطَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ، صَحِيحاً كَانَ أَوْ مَرِيضاً، أَوْ ذَا مَالٍ أَوْ لا مَالَ لَهُ، فَهِيَ لازِمَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[24] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدلّ على أنّ الخمسة من دعائم الدين وأركانه. وفي هذا دلالة على أهمّيّة الولاية، غير ما تقدّم ذكره؛ حيث تقدّمت خمسة وجوه تدلّ على أهمّيّة الولاية، وفي هذا الحديث ذُكر وجه سادس، فالوجوه الستة هي كما يلي:

الأوّل: أنّه لم يناد بشي ء مثل ما نودي بالولاية.

الثاني: أنّ الولاية مفتاح الأعمال.

ص: 187


1- الخصال: 278 ، باب الخمسة، ح 21.

الثالث: أنّ الوالي هو الدليل على ما سواها.

الرابع: أنّ قبول الأعمال منوط بالولاية.

الخامس: أنّ الولاية من دعائم الدين.

السادس: ما في هذا الحديث، وهو: أن لا رخصة في أمر الولاية أبداً؛ فإنّ الإنسان قد يعذر في صومه، كما إذا كان مريضاً، فيسقط عنه، وقد يكون لا مال له فلا زكاة عليه، ولا حجّ، وقد يعذر عن الصلاة الاختياريّة، ويجزيه أن يأتي بإحدى مراتبها الاضطرارية، كالصلاة قاعداً، أو مستلقياً، أو إيماءً. وأمّا الولاية فلا عذر فيها، ولا مجال لاستبدالها بشي ء آخر، أو سقوطها؛ ومن ذلك يعلم أهمّيّة الولاية على سائر الفرائض على الإطلاق.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن الحسن: فهو ابن الوليد، قال النجاشي في حقّه: «أبو جعفر، شيخ القمّيين، وفقيههم، ومتقدّمهم، ووجههم، ويقال: إنّه نزيل قم، وما كان أصله منها، ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه»(1)

وقال الشيخ: «جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به»(2) ، وقال في«رجاله» عنه: «جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة»(3)

ص: 188


1- رجال النجاشي: 383/1024.
2- فهرست الطوسي: 237/709.
3- رجال الطوسي: 439/6273.

وهو أحد مشايخ الصدوق، و قد ترضّى عنه، وقال فيه: «كل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ - قدّس اللَّه روحه - ولم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك، غير صحيح»(1)،

وقد تبع الصدوق شيخه في استثنائه من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى(2)

، وهو أحد مشايخ ابن قولويه(3).

وأمّا سعد بن عبد اللَّه، وأحمد بن محمّد بن عيسى، فقد تقدّم ذكرهما.

وأمّا القاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطين: فقال النجاشي فيه: «كان ضعيفاً على ما ذكره ابن الوليد»(4)، وقال الشيخ: «يرمى بالغلو»(5) .

وقال ابن الغضائري: «حديثه نعرفه وننكره، ذكر القمّيون: أنّ في مذهبه ارتفاعاً، والأغلب عليه الخير»(6).

وقد وردت في حقّه روايات تدلّ على زندقته وذمّه:

منها: ما ذكره أحمد بن محمّد بن عيسى من تأويله الصلاة برجل، والزكاة كذلك، فكتب (علیه السلام) : «ليس هذا من ديننا، فاعتزله»(7).

ومنها: ما عن العسكري (علیه السلام) : «لعن اللَّه القاسم اليقطيني، ولعن اللَّه

ص: 189


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 90 - 91 .
2- معجم رجال الحديث 16 : 220/10490.
3- كامل الزيارات: 94، باب11 ، ح2.
4- رجال النجاشي: 316/ 865.
5- رجال الطوسي: 390/5745.
6- خلاصة الأقوال: 389، وعلّق عليه العلّامة بقوله: «وهذا يعطي تعديله منه».
7- اختيار معرفة الرجال 2: 803/ 994.

ابن حسكة القمّي، إنّ شيطاناً يتراءى للقاسم، فيوحي إليه زخرف القول غروراً»(1) .

وأمّا ابن أبي نجران: فهو عبد الرحمن بن أبي نجران، قال النجاشي فيه: «ثقة، ثقة، معتمد على ما يرويه، له كتب كثيرة»(2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وأمّا جعفر بن سليمان: فإنّه مشترك بين جماعة، وهم:

الأوّل: جعفر بن سليمان، وهو من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق.

الثاني: جعفر بن سليمان الضبعي البصري، وهو - أيضاً - من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، ووثّقه الشيخ في «الرجال» في أصحاب الصادق (علیه السلام) (4)

الثالث: جعفر بن سليمان القمّي، قال الشيخ النجاشي فيه: «أبو محمّد، ثقة من أصحابنا القميّين» وهو ممّن يروي عنه محمّد بن الحسن بن الوليد(5).

والمذكور في السند لا ينطبق على الثالث؛ لتأخّره زماناً، فيدور أمره بين

ص: 190


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 803/996.
2- رجال النجاشي: 235/622.
3- أصول علم الرجال 1 : 226 ، 282، و ج2 : 198 .
4- رجال الطوسي: 176/2081.
5- رجال النجاشي: 121 - 122/312 .

الأوّل المجهول، والثاني الثقة، ولا وجه للتمييز، فهو مشترك بين الثقة وغيره، ولكن لا يضرّ وجوده في السند؛ لاقترانه مع ابن أبي نجران.

وأمّا العلاء بن رزين: فقد قال النجاشي فيه: «صحب محمّد بن مسلم، وتفقّه عليه، وكان ثقة، وجهاً»(1)

وقال الشيخ: «ثقة، جليل القدر»(2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وأمّا أبو حمزة الثمالي: فقد تقدّم ذكره.

والحديث وإن كان ضعيفاً بالقاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطين، إلّا أنه يمكن تصحيحه بوجه آخر، وهو: أنّ العلاء بن رزين كونه صاحب كتب مشهورة يرويها جماعة(4)، يقتضي عدم الحاجة إلى النظر في الطريق إلى كتبه.

مضافاً إلى أن سعد بن عبد الله القمّي قد وقع في الطريق - وهو من الرواة الذين لهم كتب معروفة مشهورة(5)

ومعوَّل عليها(6) فهو يقتضي أيضاً ذلك؛ هذا بناء على وجود هذا الحديث في كتبهما.

ص: 191


1- رجال النجاشي: 298/811.
2- فهرست الطوسي: 182/499.
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 201 .
4- المصدر نفسه 1 : 146.
5- كتابه «الرحمة» هو المشهور، وله كتب كثيرة غيره.
6- أصول علم الرجال 1 : 135.

[25] 25 - وَعَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ الْبُنْدَارِ، عَنْ محمّد بْنِ جُمْهُورٍ(1) الْحَمَّادِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ محمّد الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحِمَّصِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ. أَلا فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، وَأَطِيعُوا وُلاةَ أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ثم إنّ هذا نظير الحديث العاشر المتقدّم، الذي ينتهي سنده إلى أبي حمزة الثمالي، كما سيأتي حديث آخر صحيح السند عن أبي حمزة، وهو الحادي والثلاثون، وإنّما الاختلاف بينهما في ذيل كلّ منهما.

[25] - فقه الحديث:

الحديث واضح الدلالة، فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد مهّد لبيان أصول الدين، وأهمّ الفرائض:

أولاً: بالخطاب بقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): «أيّها الناس»؛ للفت الأنظار إلى أنّ كلّ مخاطب معنيّ بالخطاب.

ص: 192


1- كذا في المخطوط، وفي المصدر: محمّد بن محمّد بن جمهور.
2- الخصال: 321 ، باب الستة، ح 6.

وثانياً: تهيئة النفوس بقوله: «لا نبيّ بعدي، ولا أُمّة بعدكم»، فهو خاتم الأنبياء (علیهم السلام) ، وأمّته خاتمة الأمم، وذلك يعني: أنّه لابدّ من الاهتمام بما سيتلى عليكم.

وثالثاً: الأمر بالتوجّه للَّه بالعبوديّة على نحو الإطلاق والإجمال. ثمّ فصّل ذلك ببيان أهمّ الفرائض، وهي: الصلوات الخمس، وصوم الشهر، أي: شهر رمضان، وحجّ البيت، وأداء الزكاة عن طيب نفس ورضى بما شرّعه اللَّه تعالى، لا عن إكراه أو تثاقل، وإطاعة ولاة الأمر، وهم الأئمّة (علیهم السلام) ، المنصوص على ولايتهم في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(1)،

وقد ذكرنا في مباحثنا الفقهيّة(2): أنّ هذه الآية لا تنطبق إلّا على أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ؛ فإنّ الإطاعة هنا على نحو الإطلاق، ومعنى ذلك: أنّ المطاع لابدّ وأن يكونمعصوماً، وهذا المعنى لا يتمّ إلّا على ما تذهب إليه الشيعة الإماميّة من الاعتقاد بعصمة الأئمّة الاثني عشر (علیهم السلام) .

ثمّ ذكر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): أنّ الجزاء على ذلك هو دخول الجنّة، ومن ذلك يظهر أهمّيّة هذه الأمور الخمسة، وهي العمدة في الفرائض، فالحديث كسائر الأحاديث السابقة، إلّا أنّه امتاز بذكر هذه الأمور بصورة الخطاب، مع التمهيد لذلك وإعداد النفوس لتلقّي الخطاب. وختام الحديث بذكر

ص: 193


1- النساء، الآية 59.
2- التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 377.

الجزاء، وما أعدّه اللَّه تعالى لمن قام بهذه الأمور، وهو الدخول في الجنّة.

سند الحديث:

أما محمّد بن جعفر البندار: فالظاهر أنّه شيخ الصدوق، وقد ورد في «الخصال» روايته عنه في عشرين مورداً. وفي بعض الموارد قال: محمّد بن جعفر البندار الفرغاني، وفي بعضها: الشافعي الفرغاني(1)، وفي بعضها: الفقيه الفرغاني، فيعلم من ذلك: أنّه شافعي، وهو من فقهائهم، ولم يرد في كتبنا توثيق لهذا الشخص.

نعم، ذكره الخطيب في «تاريخه»(2) ، وكذلك السمعاني في «الأنساب»، حيث قال في ترجمة أبي جعفر أحمد بن الخليل بن ثابت البرجلاني: «...

سمع محمّد بن عمر الواقدي... وجماعة آخرهم محمّد بن جعفر بن الهيثم البندار، وكان ثقة»(3)

وأمّا محمّد بن جمهور الحمادي وصالح بن محمّد البغدادي: فلم يرد لهما توثيق في كتبنا الرجاليّة، فلعلّهما من العامّة.

وأمّا عمرو بن عثمان الحِمْصِي: فهو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحِمْصِي، وهو من العامّة، وذكر ابن حجر في «التقريب»: أنّه

ص: 194


1- الخصال: 52، باب الاثنين، ح64، و174، باب الثلاثة، ح231، وفضائل الأشهر الثلاثة: 66.
2- تاريخ بغداد 2 : 148.
3- الأنساب 1 : 310.

صدوق(1)

، وكذا ورد في «الجرح والتعديل» للرازي(2).

وأمّا إسماعيل بن عَيَّاش: فهو إسماعيل بن عيّاش بن مسلم العباسي - أو العبسي(3)

- الحِمْصِي، وهو من العامّة، ولكنّهم مدحوا علمه وحفظه. فعن يعقوب بن سفيان: «وتكلّم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع... وعن عثمان بن صالح السهمي: ... وكان أهل حمص يتنقصون عليّ بن أبي طالب حتّى نشأ فيهم إسماعيل بن عيّاش، فحدّثهم بفضائله، فكفّوا عن ذلك. وعن يحيى بن معين: أنّه ثقة إذا حدّث عن الشيوخ الثقات، مثل: محمّد بن زياد، وشرحبيل بن مسلم ...» (4)، ووثّقه غيره أيضاً (5) .

وأمّا شُرَحْبيل بن مسلم: فهو ابن حامد الخَوْلاني، وهو من العامّة، وورد في كتبهم: أنّه صدوق(6)، وعن أحمد بن حنبل: أنّه من ثقات الشاميّين(7)

ص: 195


1- تقريب التهذيب 1 : 740.
2- الجرح والتعديل 6 : 249.
3- في تهذيب التهذيب 1 : 331/ 511 وتقريب التهذيب 11 : 53/511: إسماعيل بن عيَّاش بن سَلْم، في الأول «سُلَيم» وفي الثاني «العَنْسي» بالنون.
4- تهذيب الكمال 3 : 163 - 181 .
5- انظر: تحفة الأحوذي 2 : 285.
6- تقريب التهذيب 1 : 415.
7- تهذيب التهذيب 4 : 286.

، ووثقه العجلي(1)

، وذكره ابن حبّان في الثقات(2). وقال بعضهم: إنّ هذا الرجل كان يذكر فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) .

وأمّا محمّد بن زياد: فهو - أيضاً - من العامّة، وهو محمّد بن زياد الألهاني الحِمْصِي، وثّقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي(3) .

وأمّا أبو أمامة، فهو مشترك، إلا أنّ المعروف منهم اثنان:

الأوّل: أبو أمامة الباهلي، واسمه صعدي (صديّ) بن عَجْلان(4) .

الثاني: أبو أمامة الخزرجي.

والمراد هو: الأوّل؛ فإنّه هو الذي يروي عنه شرحبيل بن مسلم(5)، وهو من أصحاب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، وممّن عمّر طويلاً، وبقي إلى زمان عبد الملك بن مروان، وذكر: أنّ معاوية بن أبي سفيان بعث إليه بالمال؛ ليسير إليه، فلم يقبل. وروى عدّة روايات في فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ولكن مع ذلك لم يرد فيه توثيق في كتب الخاصّة. وأمّا عند العامّة، فجميع الصحابة عندهم ثقات.

وهذا السند عامّي، ولعلّ الصدوق روى عنهم؛ لأنّهم من المعروفين بالصّدق عند العامّة.

ص: 196


1- معرفة الثقات 1 : 451.
2- الثقات لابن حبان 4 : 363.
3- تهذيب التهذيب 9 : 150.
4- طبقات خليفة بن خياط: 553.
5- وإن قيل بأنه لم يلق أبا أمامة، ولكن يمكن روايته عنه بحسب الطبقة.

[26] 26 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الْمُحَمَّدِيَّةُ السَّمْحَةُ(1):

إِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَالطَّاعَةُ لِلإِمَامِ، وَأَدَاءُ حُقُوقِ الْمُؤْمِنِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[26] - فقه الحديث:

ذكر صاحب «الوسائل» قسماً من وسط الحديث؛ لأنّه محلّ الشاهد، وأسقط الطرفين، وفي هذا الحديث - زائداً على ما تقدّم - التأكيد على أداء حقوق المؤمن، وهذا - أيضاً - أمر عظيم، ومهمّ جداً؛ فقد ورد في حقّ المؤمن روايات كثيرة، قد جاوزت حدّ التواتر، واشتملت على تفاصيل دقيقة ومهمة في بيان منزلة المؤمن عند اللَّه، وما افترضه اللَّه له من الحقوق على إخوانه، وهي مذكورة في مواطن متعدّدة من هذا الكتاب، بل عقد صاحب «الوسائل» في كتابه هذا أبواباً سمّاها: أبواب العِشرَة، أورد فيها جملة كثيرة من الروايات المشتملة على حقوق المؤمن(3). وهذه الحقوق لابدّ من رعايتها.

ص: 197


1- في نسخة: السهلة. (منه (قدس سره) ).
2- الخصال: 328، باب الخمسة، ح20، ويأتي ذيله في الحديث 20 من الباب 122 من أبواب أحكام العشرة.
3- وسائل الشيعة 12 : 5، تتمة كتاب الحج، وج15 : 354، باب 51، وج16 : 221، باب 28.

وهذا الحديث لم يتعرض لتفصيل هذه الحقوق، لكن المستفاد منه أهمّيّة تلك الحقوق، بحيث لا مجال للتهاون بها؛ وذلك لأنّها ذكرت عقيب ذكر أهمّ الفرائض، مضافاً إلى ما ذكر ممّا أعده اللَّه تعالى من العقاب لمن حبس حقّ المؤمن.

وعلى كلّ حال، فالحقوق قد تكون أخرويّة، وقد تكون دنيويّة، وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.

والحاصل: أن هذا الحديث اشتمل على تعريف المحمديّة - وهو الدين الذي جاء به النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) - بهذه الأمور، فكأنّ المعنى: أنّ الدين هو هذه الأشياء، وهي ذات يسر وسهولة، وذلك يدلّ على عظمة هذه الفرائض وأهميتها، وضرورة الاهتمام والاعتناء بها.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن أحمد: فهو محمّد بن أحمد بن يحيى بن عبد اللَّه بن سعد بن مالك، الأشعريّ، القمّي، وهو صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، قال النجاشي في حقه: «كان ثقة في الحديث، إلّا أنّ أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شي ء»(1)

ص: 198


1- رجال النجاشي: 348/939.

وقال الشيخ: «جليل القدر، كثير الرواية، له كتاب نوادر الحكمة»(1)

ولنا تحقيق حول هذا الكتاب وأسانيده، ذكرناها في مباحثنا الرجاليّة(2)

، والكتاب وإن كان مفقوداً، إلّا أنّنا استطعنا استخراج أسانيده، وأن نميّز الرواة من حيث الوثاقة والضعف.

وأمّا محمّد بن يحيى وسهل بن زياد: فقد تقدّم ذكرهما.

وأمّا محمّد بن سنان: فقد وقع الخلاف في وثاقته، وتضاربت فيه الأقوال، والمشهور ضعفه، وذهب إليه السيد الأستاذ (قدس سره) (3).

وقد فصّلنا القول فيه في خاتمة «أصول علم الرجال»، وذكرنا هناك خمسة وجوه لتضعيفه، وثمانية وجوه لوثاقته، وقد رجّحنا وثاقته(4).

وأمّا المفضّل بن عمر: فقد وقع الخلاف في وثاقته أيضاً، وقد ذكرنا في الخاتمة من كتاب «أصول علم الرجال» تسعة وجوه لتوثيقه، وأربعة وجوه لتضعيفه، واخترنا وثاقته أيضاً(5).

وأمّا يونس بن ظبيان: فقد تقدّم ذكره.

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف، فيكون مؤيّداً لبقية الأحاديث.

ص: 199


1- فهرست الطوسي: 221/622.
2- أصول علم الرجال 1 : 201 - 252 .
3- معجم رجال الحديث 17 : 169/ 10938.
4- أصول علم الرجال 2 : 402 - 420 .
5- المصدر نفسه 2 : 421 - 437 .

[27] 27 - وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ بُهْلُولٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «وَاللَّهِ، مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا دُونَ مَا يُطِيقُونَ؛ إِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَلَّفَهُمْ فِي كلّ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَماً، وَكَلَّفَهُمْ فِي السَّنَةِ صِيَامَ ثَلاثِينَ يَوْماً، وَكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[27] - فقه الحديث:

دلالة الحديث ظاهرة، ففيه: أنّه سبحانه كلَّف العباد بأربعة أمور، وهي: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ. فتخصيص هذه الأمور بالذكر يدلّ على أهميّتها، وهو وارد في بيان الإسلام وواجباته، ولم يذكر الولاية.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) ذكر: أنّ هذه الأمور هي دون ما يطيق الناس، وأنّهم يطيقون أكثر من ذلك، فاللَّه سبحانه لم يكلّف عباده بما يشقّ عليهم؛ رحمة منه، ورأفة بهم.

سند الحديث:

بحث رجالي في أحمد بن الحسن القطّان

أمّا أحمد بن الحسن القطّان: فهو أحد مشايخ الصدوق، وقد روى عنه

ص: 200


1- الخصال: 531، أبواب الثلاثين، ح 9، ويأتي في الحديث 37 من هذا الباب، وفي الحديث 1 من الباب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

في «الخصال» كثيراً، كما روى عنه في غيره، ولم يرد فيه توثيق. وفي «المعجم»: أنّ الصدوق ترحّم عليه، ولا دلالة فيه على التوثيق، ولا على الحسن، وكذلك عبّر عنه بقوله: شيخ لأهل الحديث، وهو أيضاً كذلك، وإن تضمّن مدحاً. كما عبّر عنه بقوله: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه (عبدون) العدل، وهذا أيضاً لا يدلّ على شي ء؛ فإنّه لم يصفه بالعدل، وإنما ذكر: أنّه كان معروفاً بأبي عليّ بن عبد ربّه العدل، ومعنى هذا أنّ العدل كان لقباً له، ولا يبعد أن يكون الرجل من العامّة، كما استظهر بعضهم ذلك(1).

ولا يبعد أن يكون الظاهر من هذا الكلام أنّ العدل وصف، لا لقب؛ بقرينة ذكره بلفظ آخر، كما نقل في مورد من «الأمالي»: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربه المعدَّل(2). ولكن بما أنّ هذه الكلمة وقعت مورداً للخلاف فيتوقّف في ذلك، فلا نحكم بوثاقته، وإن كان الأرجح القول بحسنه. وإذا كان المقصود من العدل هو المعتدل، أي: غير المفرط في طريقه، فلا يدلّ على التوثيق، ولا على الحسن. ولكن مع ذلك كلّه فقد ترضّى عنه الصدوق (رحمه الله) ، وقد روى روايات تدلّ على كونه إماميّاً. فاحتمال كونه عاميّاً بعيد، وهذا المقدار يكفي في الحكم بوثاقته.

ص: 201


1- انظر: معجم رجال الحديث 2 : 93/511. وهذا البعض الذي استظهر كونه عاميّاً هو صاحب الوافية السيد صدر الدين في حواشيه على منتهى المقال، كما نقله العلامة المامقاني (رحمه الله) في تنقيح المقال 6 : 13.
2- أمالي الصدوق: 566، المجلس83، ح5.

وأمّا أحمد بن يحيى بن زكريا: فهو القطّان، أبو العباس، لم يرد فيه توثيق، فهو مجهول.

وأمّا بكر بن عبد اللَّه بن حبيب: فقد ذكر النجاشي فيه: أنّه «يعرف وينكر»(1)، ولم يرد فيه توثيق، وقد ذُكِر أنّ له روايات شريفة في فضائل الأئمّة (علیهم السلام) (2)

وأمّا تميم بن بهلول: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا أبو معاوية: فالظاهر أنّه محمّد بن خازم الضرير، الذي يروي عن الأعمش، ويروي عنه تميم بن بهلول، وقد وثّقه الذهبي في «الميزان». وقال الحاكم: احتجّ به الشيخان، وقد اشتهر عنه الغلو، أي غلوّ التشيّع(3)

وأما إسماعيل بن مهران: فقد تقدّمت ترجمته.

وعليه فالسند ضعيف.

ورواه البرقي بسند معتبر في كتاب «المحاسن»، كما سيأتي في الحديث السابع والثلاثين.

ص: 202


1- رجال النجاشي: 109/279.
2- راجع على سبيل المثال: كتاب علل الشرايع 1 : 156، باب 125، ذيل الحديث2، وج2 : 159، باب 128 ح3، و206، باب 156، ح 3، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 66، باب 6، ح31، والخصال: 211، باب الأربعة، ح35.
3- قاموس الرجال 11 : 518.

[28] 28 - وَفِي كِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: «مَنْ عَادَى شِيعَتَنَا فَقَدْ عَادَانَا» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «شِيعَتُنَا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيُوَالُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَيَبْرَءُونَ مِنْ أَعْدَائِنَا، أُولَئِكَ أَهْلُ الإِيمَانِ، وَالتُّقَى، وَ(الأَمَانَةِ(1). مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ طَعَنَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى اللَّهِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[28] - فقه الحديث:

لم يورد صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه، وإنّما ذكر شطراً منه ممّا يناسب الباب(3)

ص: 203


1- في المصدر: وأهل الورع والتقوى.
2- صفات الشيعة: 3 ، ح 5.
3- وتمامه هو: عن أبي نجران قال: سمعت أبا الحسن (علیه السلام) يقول: «من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا؛ لأنّهم مِنّا، خلقوا من طينتنا. من أحبّهم فهو مِنّا، ومن أبغضهم فليس مِنّا. شيعتنا ينظرون بنور اللَّه، ويتقلّبون في رحمة اللَّه، ويفوزون بكرامة اللَّه. ما من أحد من شيعتنا يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا اغتمّ إلّا اغتممنا لغمّه، ولا يفرح إلّا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عَنّا أحد من شيعتنا أينما كان في شرق الأرض أو غربها. ومن ترك من شيعتنا ديناً فهو علينا، ومن ترك منهم مالاً فهو لورثته. شيعتنا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت، ويتبرّؤون من أعدائهم (أعدائنا)، أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، ومن ردّ عليهم فقد ردّ على اللَّه، ومن طعن عليهم فقد طعن على اللَّه؛ لأنهم عباد اللَّه حتماً، وأولياؤه صدقاً. واللَّهِ إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفّعه اللَّه تعالى فيهم؛ لكرامتهم على اللَّه عزّوجلّ».

وقد ورد هذا الحديث ليبيّن فضائل الشيعة وصفاتهم، وما ينبغي أن يكونوا عليه، وما أعدّه اللَّه لهم، وليوضّح منزلتهم عند اللَّه، وعند الأئمّة (علیهم السلام) .

وقد اشتمل الحديث على أكثر من عشرين وصفاً من أوصافهم، ومن أبرز تلك الأوصاف: أنّهم خلقوا من طينة الأئمّة (علیهم السلام) ، وأنّهم من الأئمّة، وأنّهم ينظرون بنور اللَّه.

ومن أبرز فضائلهم: أنّهم في رحمة اللَّه يتقلّبون، وبكرامته فائزون، وأنّهم تحت نظر الأئمّة (علیهم السلام) ورعايتهم، والأئمّة (علیهم السلام) يحضرون عندهم، ويشاركونهم في أفراحهم وأحزانهم.

ومن أبرز ما كشف الحديث من مقاماتهم: أنّ من ردّ عليهم فقد ردّ على اللَّه، ومن طعن عليهم فقد طعن على اللَّه؛ والسبب في ذلك: أنهم أخلصوا العبودية للَّه، ووالوا اللَّه وأولياءه، وتبرّؤوا من أعدائه وأعدائهم، وقد أعدَّ اللَّه لهم يوم القيامة مقام الشفاعة، وأن الواحد منهم ليشفع في الخلق الكثير، فيشفّعه اللَّه فيهم.

ص: 204

وهذا الحديث - مضافاً إلى دلالته على ما نحن فيه من وجوب الأمور الخمسة المذكورة وبيان الإيمان بمعناه الأخصّ - يدلّ عى مقام الشيعة ومنزلتهم، وما أعدّه اللَّه لهم؛ فلذا ينبغي للشيعة أن يلتفتوا إلى ذلك، ويغتنموا الفرص في الاستزادة من الخير والتقوى، وأن لا يفرِّطوا بهذه المنزلة والشأن لمطامع دنيوية زائفة ذاهبة، تذهب لذّتها، وتبقى تَبِعَتُها، وذلك هو الخسران المبين. نسأل اللَّه أن يجعلنا من شيعة آل محمّد (علیهم السلام) ، كما وصفهم الإمام (علیه السلام) في هذا الحديث.

سند الحديث:

رواه صاحب «الوسائل» من كتاب «صفات الشيعة» للصدوق، وطريقه إلى الكتاب معتبر، كما ذكره في خاتمة «الوسائل»(1).

ورجال السند قد تقدّم الكلام حولهم، وأنّهم من الثقات، وبقي منهم:

عبد اللَّه بن جعفر: وهو الحميري، أبو العباس القمّي، قال عنه النجاشي: «شيخ القمّيين، ووجههم»(2)

، وذكر في ترجمة العمركي بن عليّ البوفكي: أنّه «روى عنه شيوخ أصحابنا، منهم عبد اللَّه بن جعفر الحميري»(3) .

ووثّقه الشيخ في «الفهرست» و«الرجال»، وقد أكثر المشايخ الرواية عنه، وله عدّة كتب ومسائل ومكاتبات للأئمّة (علیهم السلام) (4)

ص: 205


1- وسائل الشيعة 30 : 217، الفائدة السادسة.
2- رجال النجاشي: 219/573.
3- المصدر نفسه: 303/828.
4- فهرست الطوسي: 167/439، ورجال الطوسي: 400/5857.

[29] 29 - وَفِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَوَلايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِه (علیهم السلام) »(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» أيضاً(2) .

وعليه فالحديث صحيح.

[29] - فقه الحديث:

الحديث واضح الدلالة، وقد تقدّم مضمونه في كثير من الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رواة الحديث، وهو معتبر على الأظهر.

ص: 206


1- أمالي الصدوق: 340 ، ح 404.
2- أصول علم الرجال 1 : 227 .

[30] 30 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي «كِتَابِ الزُّهْدِ»، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّهِ: الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاصِ؛ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِهِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ، وَمَدْحَضَةٌ(1)، لِلذَّنْبِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[30] - فقه الحديث:

للحديث تتمّة لم ينقلها صاحب «الوسائل»، واكتفى بمحلّ الشاهد منه.

وهو يدلّ على وجوب الأمور المذكورة وأهميتها، مع بيان بعض حِكَم

ص: 207


1- الدحض: الدفع. (لسان العرب 7 : 148، مادة : «دحض»).
2- الزهد : 13، ح 27، وأورد ذيله في الحديث 13 من الباب 138 من أبواب أحكام العشرة، وأورده في الحديث 4 من الباب 13 من أبواب الصدقة، وقطعة منه في الحديث 12 من الباب 1 من أبواب فعل المعروف «وصلة الرحم؛ فإنها مثراة للمال ومنسأة في الأجل، وصدقة السِّر؛ فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرّب، وصنايع المعروف؛ فإنها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان، ألا فاصدقوا فإنّ الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإنّ الكذب يجانب الإيمان، ألا وإنّ الصادق على شفا نجاة وكرامة، ألا وإنّ الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحامكم وعودوا بالفضل عليهم».

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

تشريعها، كما تقدّم نظيره في الأحاديث السابقة. وفي هذا الحديث ذكر: أنّ الحجّ ينفي الفقر، ويمحي الذنب، وهما حكمتان، إحداهما دنيويّة، والثانية أخرويّة.

ولم يذكر الولاية في الحديث، إلّا أنّه يمكن استفادتها من قوله (علیه السلام) : «والجهاد في سبيل اللَّه؛ فإنّه لابدّ فيه من إذن الإمام (علیه السلام) ، فلعلّ ذكر الجهاد إشارة إلى ذلك، أو يكون عدم ذكرها من باب التقيّة.

وأمّا ذيل الحديث: فهو يدلّ على مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، من صلة الرحم، وصدقة السرّ، ومجانبة الكذب، وأداء الأمانة، وعمل المعروف؛ فإنّ لهذه الصفات آثاراً وحكماً ومصالح، وقد اشتمل الحديث على ذكر بعضها.

سند الحديث:

قد ورد الحديث بثلاث طرق:

ص: 208


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 205، ح 613.
2- علل الشرائع 1 : 247، ح 1، ورواه ابن الشيخ في الأمالي: 216، ح380 مثله، ورواه البرقي في المحاسن1 : 451، ح1040.

أمّا الطريق الأوّل: فالحسين بن سعيد وحماد بن عيسى، قدّ تقدّم ذكرهما.

وأمّا إبراهيم بن عمر اليماني: فقال النجاشي في حقّه: «شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) »(1) .

وذكره الشيخ قائلاً: «له أصل»(2) .

وورد في «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

، فلا إشكال في وثاقته، ولكن حيث إنّ الحديث مرفوع فلا يمكن اعتباره من هذه الجهة؛ لسقوط الواسطة.

وأما الطريق الثاني: فهو من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم الكلام حولها، فلاحظ.

وأمّا الطريق الثالث: فأبوه وسعد بن عبد اللَّه وحمّاد بن عيسى وإبراهيم بن عمر اليماني، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا إبراهيم بن مهزيار: فقال النجاشي فيه: «إبراهيم بن مهزيار، أبو إسحاق، القمّي، له كتاب»(4)

ص: 209


1- رجال النجاشي: 20/26.
2- فهرست الطوسي: 43/20.
3- أصول علم الرجال 1 : 276، و ج2 : 179 .
4- رجال النجاشي: 16/17.

وعدّه الشيخ من أصحاب الجواد (علیه السلام) ، ولم ينصّ على وثاقته(1)

إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(2)

، وهو كافٍ في اعتبار روايته على الأظهر. وأمّا وقوعه في «تفسير القمي» فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه ورد في القسم الثاني(3).

وأمّا أخوه - وهو عليّ بن مهزيار فقد قال النجاشي فيه: «علي بن مهزيار، الأهوازي، أبو الحسن - إلى أن قال: - وروى عن الرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ، واختصّ بأبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، وتَوكَّل له، وعظم محلّه منه، وكذلك أبو الحسن الثالث (علیه السلام) ، وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير، وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده، وصنّف الكتب المشهورة»(4)

وقال الشيخ: «رحمه اللَّه، جليل القدر، واسع الرواية، ثقة، له ثلاثة وثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة»(5) ، ووثّقه في «رجاله»(6)، وهو ممّن روى النص عن الإمام الهادي (علیه السلام) على ابنه الحسن بن علي (علیه السلام) .

ص: 210


1- رجال الطوسي: 374/5532.
2- أصول علم الرجال 1 : 212 .
3- المصدر نفسه 1 : 293 .
4- رجال النجاشي: 253/664.
5- فهرست الطوسي: 152/379.
6- رجال الطوسي: 360/5336 ، و 388 /5706.

ونقل عنه المفيد في باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد (علیه السلام) (1).

وذكر الكشّي روايات تدلّ على عظم محلّه وجلالته(2) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(3)

، وعدّه الشيخ من السفراء الممدوحين(4) .

والحديث - بطرقه الثلاثة - ما بين مرفوع، ومرسل، فلا يحكم بصحّته من هذه الجهة. نعم، يمكن تصحيحه من جهات أخرى، وهي:

الأولى: ما ورد في شأن حمّاد بن عيسى، من أنّه من أصحاب الإجماع؛ وبناء على القول بأنّ تصحيح ما يصحّ عنهم هو صحّة رواياتهم، ولا يلتفت إلى الواسطة بينهم وبين الإمام (علیه السلام) ، يكون الحديث معتبراً.

الثانية: بناء على اعتبار مراسيل الصدوق في «الفقيه».

الثالثة: وجوده في «كتاب الزهد»، وهو من الكتب المشهورة، المعوّل عليها، كما ذكره الصدوق في أوّل «الفقيه»(5)؛

فبناء على هذا الوجه لا يحتاج إلى الطريق.

ص: 211


1- الإرشاد 2 : 316.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 825 - 827/1038 و1039 و1040 .
3- أصول علم الرجال 1 : 231 ، 284 .
4- الغيبة للطوسي: 349.
5- من لا يحضره الفقيه 1 : 3، مقدمة الكتاب.

[31] 31 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ فِي «مَجَالِسِهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْوَلايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(1).

وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي «بِشَارَةِ الْمُصْطَفَى»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد الطُّوسِيِّ مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[31] - فقه الحديث:

تقدّم نظير الحديث كثيراً، وقد أوضحنا معنى تشبيه هذه الأمور بالدعائم، وهو دالّ على أهمّيّة هذه الأمور وعظمها.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الطريق الأوّل: ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي في «مجالسه»، وهو أبو عليّ الملقّب بالمفيد الثاني، ابن الشيخ؛ قال الشيخ

ص: 212


1- أمالي الطوسي: 124، ح192.
2- بشارة المصطفى: 117/58، وفيه: أخبرنا الشيخ أبو عليّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي.

منتجب الدين في «فهرسته»: «أبو علي... فقيه، ثقة، عين» (1) .

وقال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «كان عالماً، فقيهاً، محدّثاً، جليلاً، ثقة، له كتب»(2). وعليه فلا إشكال في وثاقته وجلالته.

وطريق صاحب «الوسائل» إلى الكتاب معتبر، وذكر طريقه إليه في الخاتمة(3)

وأما أبوه: فهو محمّد بن الحسن الطوسي، وهو شيخ الطائفة، وقد تقدّم ذكره.

وأمّا المفيد: فهو محمّد بن محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد، قال النجاشي: «شيخنا، وأستاذنا (رضي اللَّه عنه)، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، والثقة، والعلم»(4)

وقال الشيخ: «يكنّى أبا عبد اللَّه، المعروف بابن المعلّم، من جملة متكلّمي الإماميّة، انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته، وكان مقدّماً في العلم، وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنَّف كبار وصغار»(5)، وقال في «رجاله»:

ص: 213


1- فهرست منتجب الدين: 46.
2- معجم رجال الحديث 6 : 123/3103.
3- وسائل الشيعة 30 : 189 الخاتمة، الفائدة الخامسة.
4- رجال النجاشي: 399/1067.
5- فهرست الطوسي: 238.

«جليل، ثقة»(1) .

وأمّا جعفر بن محمّد بن قولويه: فقال النجاشي فيه: «من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه ... وعليه قرأ أبو عبد اللَّه الفقه، ومنه حمل، وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه، له كتب حسان»(2) ، وهو صاحب كتاب «كامل الزيارات».

وعن المفيد قال: «شيخنا الثقة، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه أيّده اللَّه»(3)

وقال الشيخ: «يكنّى أبا القاسم، ثقة، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه»(4)

وأمّا والده: فهو محمّد بن قولويه، قال النجاشي في حقّه: «من خيار أصحاب سعد»(5).

وقد أكثر الرواية عنه ابنه جعفر في «كامل الزيارات»، وقد التزم بأن لا يروي في كتابه هذا إلّا عن ثقة(6)

ص: 214


1- رجال الطوسي: 449/6375.
2- رجال النجاشي: 123/318.
3- قاموس الرجال 2 : 667.
4- فهرست الطوسي: 91/141.
5- رجال النجاشي: 123/318.
6- معجم رجال الحديث 18 : 175/11648.

وأمّا سعد بن عبد اللَّه وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسن بن محبوب وأبو حمزة الثمالي، فقد تقدّم ذكرهم.

الطريق الثاني: ما رواه الطبري، وهو عماد الدين أبو جعفر، محمّد بن أبي القاسم محمّد بن عليّ: قال الشيخ منتجب الدين في «فهرسته»: «فقيه، ثقة... قرأ عليه الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي»(1) .

وقال الشيخ الحرّ في «أمل الآمل»: «ثقة، جليل القدر، محدِّث»(2)

والحاصل: أنّ الحديث بكلا طريقيه صحيح، كما أنّ طريق صاحب «الوسائل» إلى كلا الكتابين معتبر. وقد رواه الشيخ المفيد أيضاً في «الأمالي»، كما في «جامع الأحاديث»، ولكن من دون ذكر الجملة الأخيرة، وهي قوله: «والولاية لنا أهل البيت (علیهم السلام) »، والظاهر: سقوطها عن نسخة «الأمالي».

ص: 215


1- فهرست منتجب الدين: 107.
2- أمل الآمل 2 : 234/698.

[32] 32 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ الْحَسَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ: عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهِيَ الْمِلَّةُ، وَالصَّلاةِ وَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَالصَّوْمِ وَهُوَ الْجُنَّةُ، وَالزَّكَاةِ وَهِيَ الْمُطَهِّرَةُ، وَالْحَجِّ وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالْجِهَادِ وَهُوَ الْعِزُّ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْوَفَاءُ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الأُلْفَةُ، وَالْعِصْمَةِ وَهِيَ الطَّاعَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[32] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث الثالث والعشرين ما أشرنا به إلى هذا الحديث، وهذان الحديثان وإن كانا بمضمون واحد، إلّا أنّ بينهما فرقاً من بعض الجهات:

منها: أنّه ورد في الحديث السابق أنّ شهادة أن لا إله إلّا اللَّه هي الكلمة، وفي هذا الحديث عبّر عنها بأنّها الملّة، ومعنى الملّة هو الدين، وهو بمعنى كلمة لا إله إلّا اللَّه؛ فإنّ الشرائع الإلهية تجتمع تحت هذه الكلمة، النافية لكل معبود وإله سوى اللَّه سبحانه وتعالى.

ومنها: ما ورد في الحديث السابق من أنّ الصلاة هي الطهر، وفي هذا

ص: 216


1- أمالي الطوسي: 44، ح50.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْخِصَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ» كَمَا مَرَّ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحديث عبّر عنها: بأنّها الفريضة، ومعنى الفريضة واضح.

ومنها: أنّه ورد في الحديث السابق أنّ الزكاة هي الفطرة، وفي هذا الحديث عبّر عنها بالمطهِّرة، وهي إشارة إلى ما تقدّم من الآية الشريفة من قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3)، فالزكاة مطهِّرة للنفس من الشحّ والبخل، ومطهِّرة للمال أيضاً، بحيث توجب نمّوه وزيادته وبركته.

وأمّا ما ورد من أنّ العصمة هي الطاعة، ففيه تقديم وتأخير؛ فإنّ الطاعة هي: العصمة، كما ورد في الحديث السابق، ولعلّ التقديم هنا من جهة إفادة الحصر، وأنّها تنحصر في طاعة الأئمّة (علیهم السلام) .

وذكرنا أنّ إطاعة الأئمة (علیهم السلام) - الذين هم ولاة الأمر - عصمة من الفرقة،

ص: 217


1- الخصال: 447 ، باب العشرة، ح 47.
2- مرّ في الحديث 23 من هذا الباب، وفيه: الطاعة وهي العصمة.
3- التوبة، الآية 103.

وأمان من الاختلاف.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ - بوضوح - على وجوب الأمور الخمسة وأهميتها.

سند الحديث:

ورد هذا الحديث بثلاثة طرق:

الطريق الأوّل: ما رواه ابن الشيخ، عن أبيه، وهو الشيخ الطوسي. وجميع رجال السند قد تقدّمت ترجمتهم ما عدا اثنين وهما:

الأوّل: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد: وهو من مشايخ المفيد (رحمه الله) ، ولم يرد فيه توثيق، مع أنّه كثير الرواية، إلّا أنّ هذا لا يكون مانعاً من صحّة رواياته؛ لأنّ للشيخ الطوسي طريقين آخرين معتبرين إلى جميع روايات أبيه(1)، وللصدوق أيضاً طريق صحيح(2).

والثاني: عبد اللَّه بن بكير: قال الشيخ في حقّه: «عبد اللَّه بن بكير، فطحيّ المذهب، إلّا أنّه ثقة»(3) ، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (4) ، وعدّه المفيد من الفقهاء الأعلام... الخ(5) .

ص: 218


1- فهرست الطوسي: 237/ 709.
2- المصدر نفسه: 237/ 709.
3- المصدر نفسه: 173/461.
4- رجال الطوسي: 230/3118.
5- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 37.

وقال الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: عبد اللَّه بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا»(1)

، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(2)

وقال الشيخ في «العدّة»: «عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة، مثل عبد اللَّه بن بكير وغيره»(3)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(4)، وروى عنه المشايخ الثقات(5).

وقال أبو غالب الزراري في رسالته: «وكان عبد اللَّه بن بكير فقيهاً، كثير الحديث»(6).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

الطريق الثاني: ما رواه الصدوق في «الخصال»، وقد تقدّم ترجمة كلّ واحد من أفراد السند، عدا إبراهيم بن إسحاق، و هو مشترك بين جماعة هم:

1 - إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري، النهاوندي.

2 - إبراهيم بن إسحاق، الأزدي، ولم يرد فيه توثيق.

ص: 219


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 635/639.
2- المصدر نفسه 2 : 673/705.
3- عدّة الأصول 1 : 150.
4- أصول علم الرجال 1 : 227 ، 283.
5- المصدر نفسه 2 : 199.
6- رسالة أبي غالب الزراري: 7، وقاموس الرجال 6 : 271.

3 - إبراهيم بن إسحاق بن أزور، ذكره الشيخ في أصحاب الهادي (علیه السلام) ، ووثّقه(1)

4 - إبراهيم بن إسحاق، الحارثي، ولم يرد فيه توثيق، وعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (2).

5 - إبراهيم بن إسحاق، الخدري، ولم يرد فيه توثيق، لكن روى المشايخ الثقات عنه(3).

6 - إبراهيم بن إسحاق، المدائني، ولم يرد فيه توثيق.

وهو من جهة الطبقة ينطبق على الأوّل، وهو المشهور من بينهم؛ لأنّ له كتاباً. فالمطلق ينصرف إليه. وهذا الشخص ضعيف، قال النجاشي في ترجمته: «كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتب»(4) ، وقال الشيخ: «كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه، وصنَّف كتباً جماعة (جملتها) قريبة من السداد»(5)، وضعّفه أيضاً في «الرجال»(6) .

والحاصل: أنّ هذا السند ضعيف بإِبراهيم بن إسحاق. ولكن يمكن

ص: 220


1- رجال الطوسي: 383/ 5635.
2- المصدر نفسه: 167/1930.
3- أصول علم الرجال 2 : 178.
4- رجال النجاشي: 19، والظاهر أنّ «متهوماً» مأخوذ من أتْهَمَ الرجلُ: صارت به الريبةُ، الصحاح: 1164 (مادة: وهم).
5- فهرست الطوسي: 39/9.
6- رجال الطوسي: 414/5994.

تصحيحه بوجهين:

الأول: أن للصدوق طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير(1)،

وهذا الحديث داخل فيها.

الثاني: أنّ لعبدالله بن بكير كتاباً معروفاً ومشهوراً(2)، وعليه فلا حاجة للنظر في الطريق إليه.

الطريق الثالث: ما رواه الصدوق في «العلل»، وهو نفس الطريق المذكور في الحديث الثالث والعشرين(3)،

وقد تقدّم الكلام فيه.

ص: 221


1- فهرست الطوسي: 219/ 617.
2- أصول علم الرجال 1 : 137.
3- يراجع الهامش في الحديث (23).

[33] 33 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ محمّد بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مُوسَى الْمُجَاشِعِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، وَعَنِ الْمُجَاشِعِيِّ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)،: قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ خِصَالٍ: عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْقَرِينَتَيْنِ، قِيلَ لَهُ: أَمَّا الشَّهَادَتَانِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُمَا، فَمَا الْقَرِينَتَانِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ لا تُقْبَلُ إِحْدَاهُمَا إِلَّا بِالأُخْرَى، وَالصِّيَامِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَخَتَمَ ذَلِكَ بِالْوَلايَةِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[33] - فقه الحديث:

لم يورد صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه(2) ، وهو من حيث الدلالة واضح؛ فإنّه يدل على أنّ الخصال الخمس التي بني عليها الإسلام هي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، وقد عبّر عنهما بالقرينتين؛ لاقترانهما كثيراً في الآيات والروايات، والصوم، والحجّ، والولاية، وهي عنوان الإيمان، وقد استشهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بالآية الشريفة الدالّة على أنّ كمال الدين وتمام النعمة ورضى اللَّه تعالى بالولاية.

ص: 222


1- أمالي الطوسي: 518، ح1134.
2- وتمامه: فأنزل اللَّه عزّوجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}.

سند الحديث:

المراد بالجماعة في طریق الشیخ (قدس سره)

ورد هذا الحديث بطريقين:

الأوّل: ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي، عن أبيه، وقد تقدّم حالهما.

والجماعة في الطريق ليست إرسالاً؛ لأنّه من المستبعد أن يكونوا جماعة وليس فيهم واحد ثقة، وقد تكرّر من الشيخ التعبير بالجماعة عن أبي المفضّل في «الأمالي»، وفي كتبه كثيراً. ومراده بالجماعة ما صرّح به في «الأمالي» في المجلس السادس عشر قائلاً: «أخبرنا جماعة، منهم: الحسين بن عبيد اللَّه، وأحمد بن عبدون، وأبو طالب بن غرور، وأبو الحسن الصقّال(1)، وأبو عليّ الحسن بن إسماعيل بن أشناس، قالوا: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللَّه بن المطلب الشيباني...»(2) .

ويكفي وثاقة الحسين بن عبيد اللَّه الغضائري، وهكذا أحمد بن عبدون.

وأمّا أبو المفضّل: فهو محمّد بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد اللَّه، أبو المفضّل، الشيباني، قال النجاشي فيه: «كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفيّ، وكان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه، ويضعّفونه، له كتب كثيرة. رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً،

ص: 223


1- هكذا في بعض النسخ، ويظهر أنّ الصحيح كما جاء في نسخ أُخر: الصفّار.
2- أمالي الطوسي: 445، ح995.

ثمّ توقفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه»(1)

وقال الشيخ: «كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا»(2).

وعليه فهو ضعيف، ولا أقلّ من عدم توثيقه.

هذا، وقد أكثر الشيخ الرواية عنه، فقد روى في «مجالسه» عنه من المجلس السادس عشر إلى الثالث والثلاثين إلى غير ذلك من الموارد.

وأمّا الفضل بن محمّد بن المُسَيَّب: وفي بعض النسخ: فضيل، فلم تذكر ترجمته في كتبنا الرجالية. نعم، قد جاءت في كتب رجال العامة؛ قال الذهبي في ميزان الاعتدال: «الفضل بن محمّد البيهقي الشعراني ... أكثر الترحال والكتابة، وقال الحاكم: كان أديباً فقيهاً عابداً عارفاً بالرجال ... وهو ثقة لم يطعن فيه بحجة. وقد سئل عنه الحسن القتباني فرماه بالكذب، قال: وسمعت أبا عبدالله الأخرم يسأل عنه فقال: صدوق، إلا أنه كان غالياً في التشيع»(3).

وأمّا هارون بن عمرو أبو موسى المجاشعي: فقال النجاشي في حقّه: «هارون بن عمر بن عبد العزيز بن محمّد، أبو موسى المجاشعي، صحب

ص: 224


1- رجال النجاشي: 396/ 1059.
2- فهرست الطوسي: 216/610.
3- ميزان الاعتدال 3 : 358/ 6747.

الرضا (علیه السلام) ، له كتب»(1)

وأمّا محمّد بن جعفر بن محمّد: فقد قال النجاشي عنه: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين (علیهم السلام) ، يلقّب ديباجة»(2) .

وقال الشيخ المفيد: «وكان محمّد بن جعفر سخيّاً شجاعاً، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ويرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف»(3)

والسخاء والشجاعة لا تدلّان على الوثاقة. وأمّا صومه يوماً دون يوم، فإنّه وإن كان يدلّ على الحسن، إلّا أنّ في مقابله وردت روايات تدلّ على ذمّه، وقد دعا إلى نفسه، ودُعي بأمير المؤمنين، وبويع بالخلافة، ووبّخه الإمام الرضا (علیه السلام) ، ولمّا مات أبطأ الإمام عنه، ولم يحضر عند موته(4). وعليه فالظاهر أنّه لم يكن مرضيّاً عند الإمام (علیه السلام) .

وأمّا السند الثاني: فهو ينتهي إلى المجاشعي، وقد تقدّم أنّه لم يرد فيه توثيق.

والحاصل: أنّ الحديث - بكلا طريقيه - غير معتبر.

ص: 225


1- رجال النجاشي: 439/1182.
2- المصدر نفسه: 367/993.
3- الإرشاد 2 : 211.
4- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 221، باب47، ح1، وج 2 : 51، باب النصوص على الرضا (علیه السلام) ، ح5، ومقاتل الطالبيين: 359 - 360، ومعجم رجال الحديث 16 : 173.

[34] 34 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عليّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ رُزَيْقٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ يَعْدِلُ هَذِهِ الصَّلاةَ، وَلا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَالصَّلاةِ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الزَّكَاةَ، وَلا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الصَّوْمَ، وَلا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الْحَجَّ. وَفَاتِحَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَعْرِفَتُنَا، وَخَاتِمَتُهُ مَعْرِفَتُنَا. وَلا شَيْ ءَ بَعْدَ ذَلِكَ كَبِرِّ الإِخْوَانِ، وَالْمُوَاسَاةِ بِبَذْلِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَسْرَعَ غِنًى وَلا أَنْفَى لِلْفَقْرِ مِنْ إِدْمَانِ حِجِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَصَلاةٌ فَرِيضَةٌ تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ أَلْفَ حَجَّةٍ وَأَلْفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَاتٍ، مُتَقَبَّلاتٍ وَلَحَجَّةٌ عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَمْلُوٍّ ذَهَباً، لا بَلْ خَيْرٌ مِنْ مِلْ ءِ الدُّنْيَا ذَهَباً وَفِضَّةً يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً، لَقَضَاءُ حَاجَةِ امْرِى ءٍ مُسْلِمٍ وَتَنْفِيسُ كُرْبَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ وَطَوَافٍ، وَحَجَّةٍ وَطَوَافٍ ...» - حتّى عَقَدَ عَشَرَةً - الْحَدِيثَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[34] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أهمّيّة الأمور الخمسة، وهي: الولاية، والصلاة،

ص: 226


1- في وسائل الشيعة ومستدركها 1 : 29، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي: «زريق» وفي الهامش: «زرعة».
2- 2*) أمالي الطوسي: 694، ح1478، ح21.

والزكاة، والصوم، والحجّ، وقد صرّح فيه بأفضليّة الولاية التي عبّر عنها بالمعرفة؛ فإنّها المناط في قبول الأعمال، وهي الفاتحة والخاتمة، وقد مرّ في الأحاديث السابقة أنّه لم يرخّص في الولاية أصلاً، ثمّ يتلوها - في الأهمية والفضل - الصلاة، ثمّ يتلوها الزكاة، وهي قرينة الصلاة، ثمّ يتلوها الصوم، ثمّ بعد ذلك الحجّ. وعليه فهذا الحديث - مضافاً إلى دلالته على أهمّيّة هذه الأمور الخمسة ووجوبها - فيه بيان للأفضل فالأفضل، وهذا الترتيب قد استفيد من الأحاديث السابقة، ولكن مع التصريح به في هذا الحديث.

ومن ثمّ ذكر الإمام (علیه السلام) : أنّ أفضل الأعمال بعد هذه الأمور، برّ الإخوان ومواساتهم، ببذل المال لهم بحسب المعروف؛ فإنّ اللَّه تعالى جعل الدرهم والدينار امتحاناً للعباد.

ثمّ بيّن (علیه السلام) : أنّ المداومة على الحجّ والإدمان عليه له آثار دنيويّة مادّيّة، فضلاً عن آثاره المعنويّة والأخرويّة، ومنها الغنى، ورفع الفقر. كما أنّ أداء فريضة واحدة من الصلاة - إذا قبلت - تعدل عند اللَّه ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبلات، ثمّ إنّ حجة واحدة خيرٌ من مل ء الدنيا ذهباً وفضة، تنفق في سبيل اللَّه سبحانه، ولكن قضاء حاجة المسلم وتنفيس كربته أفضل من عشر حجج وعشر عُمَر، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة(1).

ثمّ إنّ هنا أموراً ثلاثة لابدّ من الإشارة إليها:

ص: 227


1- الكافي 2 : 192، باب قضاء حاجة المؤمن، الاحاديث: 4 و 6 و8 و9 و11.

رفع التنافي عن الأحادیث المختلفة في بیان كمية الثواب

الأمر الأوّل: أنّه ورد في هذا الحديث تقديم الصوم على الحجّ في الترتيب والأفضليّة.

الأمر الثاني: أنّ الحديث اشتمل على أنّ صلاة فريضة واحدة تعدل عند اللَّه سبحانه ألف حجّة وألف عمرة، وقد اختلفت الروايات الواردة في بيان مقدار ثواب الصلاة بالقياس إلى الحجّ، ففي بعضها ورد: أنّها تعدل عشرين حجة(1)، وفي بعضها: ألف حجة(2)، وفي هذا الحديث: ألف حجّة وألف عمرة.

الأمر الثالث: اختلفت الروايات في بيان أفضليّة الصلاة من الحجّ، كما في كثير منها، أو افضليّة الحج من الصلاة، كما في بعض منها(3).

ويمكن توجيه هذا التعارض ورفع التنافي بينها بما يلي:

أمّا الأمر الأوّل، فقد تقدّم الكلام فيه، وقد أحلنا وجه الجمع إلى كتاب الحج، فلاحظ الحديث الثاني من الباب.

وأمّا الأمر الثاني، فإنّه لا يختصّ بالصلاة والحجّ، بل ربّما يوجد في

ص: 228


1- الكافي 3 : 265، باب فضل الصلاة، ح7، ومن لا يحضره الفقيه 209، ح630 و بحار الأنوار 79 : 154، باب فضل الصلاة ، ح55.
2- تهذيب الأحكام 2 : 240، ح953، ووسائل الشيعة 4 : 40 ب10 من أبواب أعداد الفرائض، ح8.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 143، ح626، وعلل الشرائع: 456، ح1 ، ووسائل الشيعة 11 : 112، ب41 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح5 و7.

بعض العبادات الأخرى أيضاً، كما في زيارة الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، فقد ورد في بعض الروايات: أنّها كسبعين حجّة مبرورة، وفي بعضها: ألف حجّة، وفي بعضها: ألف حجّة مبرورة، وألف عمرة مقبولة، وفي بعض منها: سبعين ألف حجّة، وفي بعضها: مائة ألف حاجّ ومعتمر، وفي بعضها: ألف ألف حجّة، وورد في ثوابها غير ذلك(1) .

ويمكن أن يقال: إنّ الاختلاف لعلّه بحسب تماميّة الشرائط والآداب المختصّة بالعمل، ومن جهة الأزمنة والأمكنة وغيرها؛ فإنّ العمل يختلف ثوابه من هذه الجهات، فإذا أتي به مع كمال الإيمان وتمام المعرفة والتوجّه التامّ، يكون ثوابه أكثر، وأمّا إذا أتي به مع بعض الشرائط والآداب فثوابه أقلّ، وهكذا.

وبما أنّ للعمل مراتب، فكذلك لثوابه، والشاهد على ذلك أنّه قد أفيد في بعض الروايات: أنّ الثواب الأكثر لمن عمل مع المعرفة.

ويمكن أن يقال: إنّ الإمام (علیه السلام) أخبر بالثواب بحسب درجات المخاطب، من إيمانه وإخلاصه؛ فإنّ الثواب بالنسبة إلى الأشخاص والمخاطبين مختلف، فالاختلاف في بيان الثواب ناشى ء من جهة اختلاف الأشخاص.

ويمكن أن يقال: إنّ الثواب هو المقدار الأكثر، ولكنّ الإمام (علیه السلام) من جهة مراعاة حال المخاطب واستعداده، أو لمصالح أخرى أخبر أوّلّاً بالأقلّ،

ص: 229


1- وسائل الشيعة 14 : 565 ، ب 87 من أبواب المزار وما يناسبه.

وقد يخبر بالثواب المتوسّط، وقد يخبر بالثواب الأكثر. وهذا ليس مخالفاً للواقع؛ فإنّه اكتفى بذكر بعض الثواب دون تمامه، وليس معناه: أنّ هذا المذكور هو تمام الثواب. والشاهد على ذلك: ما ورد في بعض الروايات من أنّ الإمام (علیه السلام) ابتدأ بالأقلّ، ثمّ أخبر بالزيادة، كما في الحديث الأوّل من زيارة الإمام الرضا (علیه السلام) ، عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: «من زار قبر ولدي علي (علیه السلام) كان له عند اللَّه كسبعين حجّة مبرورة»، قال: قلت: سبعين حجّة؟ قال: «نعم، وسبعين ألف حجّة»، قال: قلت: سبعين ألف حجّة؟ قال: «ربّ حجة لا تقبل. من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار اللَّه في عرشه...»(1)

وفي كتاب أبي الحسن الرضا (علیه السلام) : «أبلغ شيعتي: أنّ زيارتي تبلغ عند اللَّه عزّوجلّ ألف حجّة»، قال: فقلت لأبي جعفر (علیه السلام) : ألف حجّة؟ قال: «إي واللَّه، وألف ألف حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه»(2)، وغير ذلك من الموارد، ولعلّ هذا الوجه هو أقوى الوجوه.

وأمّا الأمر الثالث، فيمكن أن يقال:

أولاً: أنّ ما ورد من الروايات في أفضليّة الصلاة كثير جداً، ولعلّها وصلت إلى حدّ التواتر، وأمّا ما ورد في أفضليّة الحجّ فلا يتجاوز

ص: 230


1- تهذيب الأحكام 6 : 85، باب 34، ح3.
2- المصدر نفسه: ح 4.

الروايتين(1)، إحداهما وردت مرسلة في «الفقيه» والأخرى وردت مسندة في «العلل» ، ولعلّهما ترجعان إلى رواية واحدة، ومثله لا يعارض الطائفة الأولى، فيتعيّن الأخذ بالأولى.

وثانياً: على فرض التسليم، فيمكن الجمع بينها بوجوه:

توجیه الاختلاف الأحادیث في بیان أفضلية الصلاة علی الحج و بالعكس

الوجه الأوّل: أن تحمل الطائفة الثانية - الدالّة على أفضلّية الحجّ من الصلاة - على الحجّ بلحاظ اشتماله على الصلاة؛ باعتبار أنّ الحجّ مشتمل على الصلاة، وما دلّ على أنّ الصلاة أفضل من الحجّ على ما إذا لوحظ الحجّ وحده بدون الصلاة. والشاهد على هذا الوجه هي: صحيحة الكاهلي، حيث قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول ويذكر الحجّ، فقال: «قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): هو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء، ونحن الضعفاء. أما إنّه ليس شي ء أفضل من الحج إلّا الصلاة، وفي الحجّ لهاهنا صلاة، وليس في الصلاة قِبَلكم حج، لا تدع الحجّ وأنت تقدر عليه...» الحديث(2)

الوجه الثاني: أن تحمل روايات أفضليّة الحجّ على أفضليته من صلاة النافلة، وما دلّ على أفضلية الصلاة على صلاة الفريضة؛ والشاهد على هذا الجمع هو تقييد كثير من هذه الروايات: بأنّ صلاة فريضة أفضل من عشرين حجّة، وكذلك ما ورد في رواية العيّاشي عن زرارة «لحجّة متقبّلة خير من

ص: 231


1- راجع الهامش3 ص228.
2- الكافي 4 : 253، باب فضل الحج والعمرة، ح 7.

عشرين صلاة نافلة»(1) .

وقد ذكرت وجوه أخرى في المقام، لا يهمّنا التعرّض لها، والمهمّ منها هو هذان الوجهان.

سند الحديث:

للحديث سندان:

اسناد الشیخ إلی زریق بن الزبیر

الأوّل: ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن عقبة. وطريق الشيخ إلى عليّ بن عقبة هو: الحسين بن عبيد اللَّه، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عنه(2)

وجميع رجال الطريق قد تقدّم ذكرهم، وأنّهم من الثقات. وعليه فالطريق صحيح.

وأمّا عليّ بن عقبة: فقد قال النجاشي عنه: «علي بن عقبة بن خالد الأسدي، أبو الحسن، مولى، كوفيّ، ثقة، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3)

ص: 232


1- تفسير العياشي 1 : 191، ح109، في تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. (آل عمران: 97).
2- فهرست الطوسي: 154/385.
3- رجال النجاشي: 271/710.

وعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأمّا أبو كهمس: فقال النجاشي عنه: «الهيثم بن عبد اللَّه، أبو كهمس، ... ذكره سعد بن عبد اللَّه في الطبقات»(3)، وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) قائلاً: «الهيثم بن عبيد الشيبان، أبو كهمس الكوفيّ، أسند عنه»(4).

وقول الشيخ: «أسند عنه» لا يعدّ توثيقاً، ولكن يكفي في وثاقته وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة»(5) .

والحاصل: أنّ السند معتبر.

اسناد الشیخ إلی زریق بن الزبیر

السند الثاني: ما رواه الشيخ بإسناده عن رُزَيْق، (وفي الفهرست زُريق(6)، والأول هو الصحيح كما أثبته النجاشي(7)، والشيخ نفسه في «رجاله»(8)

ص: 233


1- رجال الطوسي: 245/3393.
2- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284 ، و ج2 : 203 .
3- رجال النجاشي : 436/1170.
4- رجال الطوسي: 320/4767.
5- أصول علم الرجال 1 : 247 .
6- فهرست الطوسي: 133/ 310.
7- رجال النجاشي: 168/ 442 .
8- رجال الطوسي: 205/ 2636.

و«أماليه»(1) وصاحب «الوسائل»(2) في الخاتمة. وللشيخ إليه طريقان:

الأوّل: أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن حميد، عن القاسم بن إسماعيل، عنه(3).

والجماعة تقدّم الكلام حولها، وأمّا أبو المفضل، فقد تقدّم ذكره أيضاً.

وأمّا حميد: فهو حميد بن زياد بن حمّاد، قال النجاشي عنه: «كان ثقة، واقفاً، وجهاً فيهم»(4) وقال الشيخ: «ثقة، كثير التصانيف، روى الأصول أكثرها، له كتب كثيرة على عدد كتب الأصول»(5) ، وعدّه في «رجاله» في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) قائلاً: «من أهل نينوى، قرية بجنب الحائر على ساكنه السلام، عالم جليل، واسع العلم، كثير التصانيف»(6)

وقال أبو غالب الزراري في رسالته إلى ولده: «وسمعت من حميد بن زياد - إلى أن قال: - وهؤلاء من رجال الواقفة، إلّا أنّهم كانوا فقهاء، ثقات في حديثهم، كثيري الرواية»(7)

ص: 234


1- أمالي الطوسي: 695 - 700 .
2- وسائل الشيعة 30 : 371.
3- فهرست الطوسي: 133/310.
4- رجال النجاشي: 132/339.
5- فهرست الطوسي: 114/238.
6- رجال الطوسي: 421/6081.
7- تاريخ آل زرارة 1 : 211، ورسالة أبي غالب الزراري: 150، الفقرة [9] المقطع [ب].

وأمّا القاسم بن إسماعيل: فهو القرشيّ، لم يرد فيه توثيق ولا مدح. وعليه فهذا الطريق ضعيف.

الثاني: ما ذكره صاحب «الوسائل»: أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن محمّد بن همام، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن أبي العباس رُزَيْق بن الزبير الخلقاني(1)

أمّا الحسين بن عبيد اللَّه: فهو الغضائري، وقد تقدّم.

وأمّا هارون بن موسى التلعكبري: فقال النجاشي عنه: «كان وجهاً في أصحابنا، ثقة، معتمداً، لا يطعن عليه»(2)

وقال الشيخ في «رجاله»: «جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، روى جميع الأصول والمصنفات... أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا»(3)، ومنه يظهر: أنّ الشيخ يروي عنه جميع أصول ومصنّفات الشيعة، وكذلك مشايخه، كالمفيد وابن الغضائري وغيرهما، فلاحظ. وهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(4).

وأمّا محمّد بن همام: فقال النجاشي فيه: «محمّد بن أبي بكر، همام بن

ص: 235


1- وسائل الشيعة 30 : 144.
2- رجال النجاشي:439/1184.
3- رجال الطوسي: 449/6386.
4- كامل الزيارات: 344، باب 75، ح5.

سهيل، الكاتب، الإسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدّمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث»(1)، وقال أيضاً في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك: «قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث... ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن هَمَّام»(2) .

وقال الشيخ: «محمّد بن هَمَّام الإسكافي، يكنّى أبا علي، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة»(3)، وذكر نحوه في «الرجال»(4)، وهو من مشايخ ابن قولويه(5).

وأما عبد اللَّه بن جعفر الحميري: فقد تقدّم ذكره.

وأما محمّد بن خالد الطيالسي: فقد عدّه الشيخ (رحمه الله) في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وفي من لم يرو عن الأئمة (علیهم السلام) ، وقال: «روى عنه حميد أصولاً كثيرة»(6) .

وذكره النجاشي (رحمه الله) أيضاً(7).

وفي رسالة أبي غالب الزراري: وكان جدّي أبو طاهر أحد رواة

ص: 236


1- رجال النجاشي: 379/1032.
2- المصدر نفسه: 122/313.
3- فهرست الطوسي: 217/612.
4- رجال الطوسي: 438/6270.
5- كامل الزيارات: 245، باب 46، ح364.
6- رجال الطوسي: 441/6304.
7- رجال النجاشي: 340/910.

الحديث، قد لقي محمّد بن خالد الطيالسي، فروي عنه: كتاب عاصم بن حميد، وكتاب سيف بن عميرة، وكتاب العلاء ابن رزين، وكتاب إسماعيل ابن عبدالخالق، وأشياء غير ذلك(1).

وقد روى عنه جماعة آخرون، منهم: الصفّار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وعلي بن إبراهيم ابن هاشم، وغيرهم، ومن هنا قال الأستاذ الأكبر البهبهاني (قدس سره) في تعليقته: رواية الأجلّة عنه تشير إلى الاعتماد عليه(2).

وقد عدّه المحدّث النوري (قدس سره) من الأجلاّء والثقات، وتعجّب من العلاّمة المجلسي (قدس سره) ؛ لعدّه - في الوجيزة - من المجاهيل، ومن الفاضل البحراني (قدس سره) ؛ لعدم ذكره له في البلغة(3).

وقال العلاّمة المامقاني في ترجمته: ويمكن اتّصافه بأدنى درجة الحسن باعتبار رواية الأجلّة عنه(4).

وقد وقع في أسناد نوادر الحكمة(5)،

وهو كافٍ بالقول بوثاقته على ما حقّقناه.

وأمّا رُزَيْق: فهو ابن الزبير الخلقاني، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق(6)

ص: 237


1- رسالة أبي غالب الزراري: 148.
2- تعليقة على منهج المقال: 306.
3- مستدرك الوسائل (الخاتمة) 9 : 39/ 2453.
4- تنقيح المقال 3: 114/ 10665.
5- تهذيب الأحكام 10 : 152/610.
6- رجال الطوسي: 205/2636.

والحاصل: أنّ الحديث معتبر بالسند الأوّل، وأمّا السند الثاني فغير معتبر بكلا طريقيه.

تصحیح جمیع روایات الحسن بن علي بن فضّال

هذا وقد ذكر في «الأمالي» الحديث بسند آخر، وهو: حدّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي، قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمّد بن وهبان، عن محمّد بن أحمد بن زكريا، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي كهمس.

وبإسناده عن زرعة، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، الحديث بناءً على نسخة، واما النسخة الأخرى: عن رزيق(1)

أمّا الحسين بن إبراهيم القزويني: فهو من مشايخ الشيخ، ولم يرد فيه شي ء(2)

وأمّا محمّد بن وهبان: فقال النجاشي فيه: «ثقة من أصحابنا، واضح الرواية، قليل التخليط»(3)

وأمّا محمّد بن أحمد بن زكريا: فلم يرد فيه شي ء.

وأما الحسن بن عليّ بن فضال وعلي بن عقبة وأبو كهمس: فقد تقدّم ذكرهم.

وهذا السند غير معتبر، ولكن يمكن تصحيحه بأن يقال: إنّ للشيخ (رحمه الله)

ص: 238


1- الأمالي للشيخ الطوسي: 694، ح 21.
2- معجم رجال الحديث 6 : 191/3257.
3- رجال النجاشي: 396/1060.

طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن عليّ بن فضّال.

وأمّا سنده عن زرعة، فله طريقان معتبران في «الفهرست» مضافاً إلى طريق الأمالي.

وأمّا زرعة: فهو أبو محمّد الحضرمي، قال النجاشي في حقه: «زرعة بن محمّد، أبو محمّد، الحضرمي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وأبي الحسن (علیه السلام) ، وكان صحب سماعة، وأكثرعنه، ووقف، له كتاب يرويه عنه جماعة»(1) ، وقال الشيخ: «له أصل»(2) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«التفسير» أيضاً(3).

ويستفاد من كلام النجاشي أنّ كتابه مشهور، وعليه فلا حاجة إلى ملاحظة الطريق إليه.

والحاصل: أنّ هذا الطريق معتبر، وقد ذكر في «الجامع»(4) أنّ بعض النسخ ونسخ «الأمالي» مختلفة، ففي بعضها: بالإسناد الأوّل عن زُرْعَة، وفي بعضها: عن رزيق، وغير ذلك، واللَّه العالم بالصواب.

ص: 239


1- رجال النجاشي : 176/466.
2- فهرست الطوسي : 134/313.
3- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 280 .
4- انظر: جامع أحاديث الشيعة 8 : 278/1087.

[35] 35 - عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ «الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ»، نَقْلاً مِنْ «تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ» بِإِسْنَادِهِ الآتِي(1)، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ: «وَأَمَّا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِهِ، فَدَعَائِمُ الإِسْلامِ، وَهِيَ خَمْسُ دَعَائِمَ، وَعَلَى هَذِهِ الْفَرَائِضِ بُنِيَ الإِسْلامُ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةَ حُدُودٍ، لا يَسَعُ أَحَداً جَهْلُهَا، أَوَّلُهَا: الصَّلاةُ، ثمّ الزَّكَاةُ، ثمّ الصِّيَامُ، ثمّ الْحَجُّ، ثمّ الْوَلايَةُ، وَهِيَ خَاتِمَتُهَا، وَالْحَافِظَةُ لِجَمِيعِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[35] - فقه الحديث:

هذا الحديث جامع لما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّه جمع الأمور الخمسة وجعلها دعائم الإسلام، وذكر: أنّ الإسلام بني عليها، وأنّها الفرائض التي لا يسع لأحد جهلها، وأنّ الولاية خاتمتها، وهي الحافظة لجميع الفرائض والسنن، وهذا لا يخفى؛ لأنّ الولاية فرع النبوّة، ومكمّلة لها، كما مرّ، فهي امتداد للنبوّة، فكما أنّ من وظائف النبي تبليغ الفرائض والسنن عن اللَّه تعالى، والحفاظ عليها تامة، سالمة من التحريف طيلة حياته، فكذا

ص: 240


1- يأتي الإسناد في آخر الفائدة الثانية من الخاتمة، رقم 52.
2- المحكم والمتشابه: 77، ويأتي قسم منه في الحديث 17 من الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، ويأتي ذيله في الحديث 15 من الباب 8 من أبواب ممّا تجب فيه الزكاة.

أوصياؤه (علیهم السلام) ، فإنّ لهم نفس الوظيفة، وهذا شأن من شؤون الولاية.

والحديث طويل، اكتفى صاحب «الوسائل» منه بهذا المقدار، وقد أورد قسماً منه في أفعال الصلاة، وقسماً آخر في ما تجب فيه الزكاة.

سند الحديث:

سند الشیخ النعماني إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام)

ورد هذا السند كثيراً في «الوسائل»، وليس له إلّا طريق واحد، وهو ما ذكره صاحب «الوسائل» نفسه في الفائدة الثانية من الخاتمة، حيث قال: «واعلم: أنّ سيدنا الأجلّ المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقل أحاديث من تفسير النعماني، وهذا إسنادها: قال [شيخنا] أبو عبد اللَّه، محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني(رضی الله عنه) في كتابه في تفسير القرآن: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبد اللَّه، جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام) يقول:... وذكر الحديث عن آبائه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) »(1)

أمّا عليّ بن الحسين المرتضى: فقد قال عنه النجاشي: «علي بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) ، أبو القاسم المرتضى، حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث

ص: 241


1- وسائل الشيعة 30 : 144، الفائدة الثانية، ورسالة المحكم والمتشابه: 55.

فأكثر، وكان متكلّماً، شاعراً، أديباً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، صنَّف كتباً»(1)

وقال الشيخ: «علي بن الحسين الموسوي، يكنّى أبا القاسم، الملقّب بالمرتضى، ذي المجدين، علم الهدى، أدام اللَّه تعالى أيّامه، أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلّم، فقيه، جامع للعلوم كلّها، مدّ اللَّه في عمره، يروي عن التلعكبري، والحسين بن عليّ بن بابويه، وغيرهم من شيوخنا، له تصانيف كثيرة ذكرنا بعضها في الفهرست، وسمعنا منه أكثر كتبه، وقرأناها عليه»(2) .

وقال في «الفهرست»: «علم الهدى الأجل المرتضى رضي الله عنه، متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم»(3) .

وأمّا صاحب التفسير - وهو الشيخ النعماني - : فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن إبراهيم بن جعفر، أبو عبد اللَّه الكاتب، النعماني، المعروف بابن زينب، شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث، قدم بغداد، وخرج إلى الشام، ومات بها، له كتب»(4)

وأمّا أحمد بن محمّد بن عقدة: فقد قال عنه النجاشي: «أحمد بن

ص: 242


1- رجال النجاشي: 270/708.
2- رجال الطوسي: 434/ 6209.
3- فهرست الطوسي: 164/431.
4- رجال النجاشي: 383/1043.

محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد اللَّه بن عجلان، مولى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس السَّبيعي، الهَمْداني، هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفيّاً زيديّاً جاروديّاً على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا؛ لاختلاطه بهم، ومداخلته إيَّاهم، وعظم محلّه، وثقته، وأمانته، له كتب»(1)

وقال الشيخ: «المعروف بابن عقدة، يكنّى أبا العباس، جليل القدر، عظيم المنزلة، له تصانيف كثيرة، ذكرناها في كتاب الفهرست، وكان زيديّاً جاروديّاً، إلّا أنّه روى جميع كتب أصحابنا، وصنَّف لهم، وذكر أصولهم، وكان حفظة، سمعت جماعة يحكون أنّه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث»(2)

وقال في «الفهرست»: «وأمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر»(3).

وهو من مشايخ الكليني (قدس سره) . وقال أبو عبد اللَّه النعماني في مقدمة كتابه «الغيبة»: «...وهو ما أخبرنا به أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، الكوفيّ، وهذا الرجل ممّن لا يطعن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث، والرجال

ص: 243


1- رجال النجاشي: 94/233.
2- رجال الطوسي: 409/5949.
3- فهرست الطوسي: 73/86 .

الناقلين له»(1)

وأمّا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي: فلم يرد فيه توثيق.

وأمّا إسماعيل بن مهران: فقد تقدّم ذكره.

اسناد الشیخ إلی في الحسن بن عليّ بن أبي حمزة

وأمّا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة: فقد قال عنه النجاشي: «قال أبو عمرو الكشّي: فيما أخبرنا به محمّد بن محمد، عن جعفر بن محمد، عنه، قال: قال محمّد بن مسعود: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فطعن عليه، وكان أبوه قائد أبي بصير يحيى بن القاسم، هو الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، مولى الأنصار، كوفي، ورأيت شيوخنا رحمهم اللَّه يذكرون أنّه كان من وجوه الواقفة، له كتب»(2)

وقال الكشّي: «محمد بن مسعود، قال: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً. وحكى لي أبو الحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه، أنه قال: الحسن بن عليّ بن أبي حمزة: رجل سوء»(3).

ص: 244


1- الغيبة للنعماني: 32.
2- رجال النجاشي: 36/73.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 827/1042.

وورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(1)

وهذا التوثيق معارض بالتضعيف بالكذب، بخلاف ما إذا كان التضعيف باللعن أو الوقف؛ فللجمع وجه حينئذٍ، وعليه فيستقرّ التعارض، ولا يمكن الحكم بوثاقته ويعامل معاملة المجهول.

وأمّا أبوه، فقد تقدّم ذكره.

وأمّا إسماعيل بن جابر الجعفي: فقال عنه النجاشي: «إسماعيل بن جابر الجعفي، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو الذي روى حديث الأذان، له كتاب ذكره محمّد بن الحسن بن الوليد في فهرسته»(2) .

وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) ، وقال: «إسماعيل بن جابر الخثعمي، الكوفي، ثقة، ممدوح، له أصول، رواها عنه صفوان بن يحيى»(3).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

والحاصل: أنّ السند غير معتبر بثلاثة أشخاص.

ص: 245


1- أصول علم الرجال 1 : 217، و ج2 : 186 .
2- رجال النجاشي: 32/71.
3- رجال الطوسي: 124/1246.
4- أصول علم الرجال 1 : 214 ، 277، و ج2 : 181 .

[36] 36 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِه»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ لَهَلَكُوا. وَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ لَهَلَكُوا. وَإِنَّ اللَّهَ لَيَدْفَعُ بِمَنْ يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لَهَلَكُوا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[36] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بوضوح على أهمّيّة هذه الواجبات المذكورة، وقد مضى مضمونه في الحديث السادس عشر، ودلّ - مضافاً إلى ذلك - على أنّ اللَّه يدفع العذاب والهلاك الدنيوييّن عن الفاسقين بعمل الصالحين، كما دلّت على ذلك أحاديث أخر:

منها: ما روي عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّه قال: «يقول اللَّه تعالى: لولا رجال خُشَّع، وصبيان رُضَّع، وبهائم رُتَّع، لصببت عليكم العذاب صبّاً»(3)

ص: 246


1- البقرة، الآية 251.
2- تفسير القمّي 1 : 83.
3- الجواهر السنية للحر العاملي: 168 - 169 .

ومنها: ما في وصيّة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لأبي ذر، حيث قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنّ اللَّه يصلح بصلاح العبد ولده، وولد ولده، ويحفظه في دُوَيرته، والدُّور حوله ما دام فيهم»(1)

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم وأبوه وابن أبي عمير: كلّهم ثقات أجلّاء كما تقدّم.

وأما جميل: فهو مشترك بين ستّة أشخاص، والمشهور منهم شخصان، وهما:

1 - جميل بن درّاج.

2 - جميل بن صالح.

وكلاهما ثقتان.

أمّا جميل بن درّاج: فقد قال عنه النجاشي: «جميل بن درّاج - ودرّاج يكنّى بأبي الصبيح - بن عبد اللَّه، أبو عليّ النخعي، وقال ابن فضّال: أبو محمّد شيخنا، ووجه الطائفة، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه، وأبي الحسن (علیهما السلام) ، [و] أخذ عن زرارة. وأخوه نوح بن درّاج القاضي، كان أيضاً من أصحابنا، وكان يخفي أمره، وكان أكبر من نوح، وعَمِي في آخر عمره، ومات في أيّام الرضا (علیه السلام) ، له كتاب، رواه عنه جماعات من الناس، وطرقه كثيرة»(2).

ص: 247


1- أمالي الطوسي: 543، المجلس السادس عشر، ح1162.
2- رجال النجاشي: 126/328.

ووثّقه الشيخ (قدس سره) في «الفهرست»(1)، وعدّه من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) (2).

وعدّه الكشّي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه(3)

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وأمّا جميل بن صالح: فقد قال عنه النجاشي: «جميل بن صالح الأسدي، ثقة، وجه، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال، روى عنه سماعة»(5)

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

ومن المحتمل قويّاً: أن يكون المراد منه هنا الأول؛ فإنّه الأشهر، وهو الذي روى عنه ابن أبي عمير كتابه.

وكيف كان، فالسند معتبر بلا إشكال.

ص: 248


1- فهرست الطوسي: 94/154.
2- رجال الطوسي: 177/2101، و333/4964.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705.
4- أصول علم الرجال 1 : 216، 278، و ج2 : 184 .
5- رجال النجاشي: 127/329.
6- أصول علم الرجال 1 : 216 ، 278، و ج2 : 184 .

[37] 37 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا مَا يُطِيقُونَ. إِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَلَّفَهُمْ مِنْ كلّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَكَلَّفَهُمْ صِيَامَ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ، وَكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[37] - فقه الحديث:

تقدّم مضمون الحديث في الحديث السابع والعشرين، والاختلاف بينهما يسير جدّاً، وما ذكرناه هناك يأتي بعينه هنا.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّم ذكرهم، وهم ثقات. وعليه فالسند معتبر.

ص: 249


1- المحاسن1 : 461، ح1069، وتقدم في الحديث 27 بسند آخر من هذا الباب، ويأتي في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

[38] 38 - وَعَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ مُعَاذِ ابْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدِّينِ(1)1*) الَّذِي لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ غَيْرَهُ، وَلا يَعْذِرُهُمْ عَلَى جَهْلِهِ؟ فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جُمْلَةً، وَالائْتِمَامُ بِأَئِمَّةِ الْحَقِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ»، الْحَدِيثَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[38] - فقه الحديث:

تقدّم مضمون صدر الحديث في الحديث الثاني عشر، وهو يدلّ بوضوح على أهمّيّة الأمور الخمسة، وعلى أمور أخرى تقدّمت في الأحاديث السابقة، كالحديث الثاني والثلاثين وغيره.

نعم، ورد في هذا الحديث أمران آخران:

أوّلهما: الغسل من الجنابة، وهو شرط واقعيّ للصلاة. وهنا سؤال وهو: أنه أي خصوصيّة للغسل من الجنابة حتّى يعدّ من جملة الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله؟ مع أن بعض الفرائض أهم منه كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 250


1- 1*) كلمة «الدين» ليست في المصدر.
2- 2*) المحاسن1 : 449 ، ح 1037.

ويجاب عنه أولاً: بأن كلمة الدين ليست في المصدر، فعليه لا إشكال في عدّ غسل الجنابة من الذي لا يقبل الله من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله.

وثانياً: على فرض ثبوت كلمة الدين - كما في المتن هنا - يمكن الحمل على أنّ الغسل من الدين أي من الحنيفية، وذكره في عداد الواجبات النفسية وإن أشعر بكونها منها، وقد استدل بعض الفقهاء به على أن غسل الجنابة واجب نفسي، لكن الإنصاف أنه لا يبلغ حدّ الظهور، فلا يمكن الاستدلال به على كونه واجباً نفسياً؛ والشاهد على هذا الحمل ما ورد في أحاديث الغسل من أن المجوس كانت لا تغتسل من الجنابة «والعرب كانت تغتسل، والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية»(1).

وثانيهما: الإقرار بما جاء من عند اللَّه جملة. ويحتمل أن يكون بمعنى: لزوم الإقرار بما جاء من عند اللَّه سبحانه وتعالى على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) على نحو الإجمال، كما قيل بذلك. ويحتمل أن يكون المراد: الإقرار بجميع ما جاء من عند اللَّه سبحانه وتعالى، بلا فرق بين ما جاء به نبيّنا(صلی الله علیه و آله و سلم)، أو سائر الأنبياء (علیهم السلام) ، كما عدّ ذلك من أصول الدين.

وفي ذيل الحديث صرّح بالولاية، بمعنى الائتمام بأئمّة الحقّ من آل محمد (علیهم السلام) . ولمّا سأل السائل عن أسماء الأئمّة (علیهم السلام) سمّاهم الإمام واحداً واحداً، ولمّا وصل إلى نفسه أشار إلى أنّه الإمام - من دون أن يصرّح بذلك -

ص: 251


1- وسائل الشيعة 2 : 177، ب1 من أبواب الجنابة، ح14.

بقوله (علیه السلام) : «والخير يعطيه اللَّه من يشاء».

وكلّما أصرّ السائل على معرفة الواقع بالتصريح أجابه الإمام بجواب يختلف عن سابقه.

وللحديث - أيضاً - دلالة على مقام الإمامة، وأنّها تختلف عن غيرها، فقد أشار (علیه السلام) إلى أمور:

الأوّل: أنّ هذا الأمر يجري لآخرنا كما يجري لأولنا، فهم كالنور الواحد. ولما كان هذا الكلام يوهم تساويهم جميعاً (علیهم السلام) في الفضل عقّب (علیه السلام) ذلك بقوله: «ولمحمد وعلي فضلهما»؛ تمييزاً لهما عن بقيّة الأئمّة (علیهم السلام) في الفضل؛ باعتبار أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أفضل الخلق قاطبة، وأخوه ووصيّه أمير المؤمنين (علیه السلام) نفسه، كما نصّ عليه الكتاب العزيز(1)، فلذا كان لهما شأنهما في الفضل.

الثاني: أنّهم الحجّة الثابتة والباقية إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها. وقد بيّن (علیه السلام) : أنّ هذا الأمر يجري كما يجري الليل والنهار. ولعلّه أشار إلى أنّهم اثنا عشر إماماً، كما أنّه يحدث بجريان الليل والنهار اثنا عشر شهراً.

الثالث: أنّهم كالحكم الثابت الذي لا يتغير بتغير الزمان، كأحكام الحدود، فكما أنّ أحكامها لا تتعطل، وأمرها بيد الإمام، كذلك الإمام موجود عبر الزمان وإن امتدّ، وأيضاً لابدّ من وجوده (علیه السلام) في كلّ زمان؛ لأن أمرها بيده (علیه السلام) .

ص: 252


1- آل عمران: 61.

الرابع: أنّ إمامتهم كالقرآن، وهي باقية كبقائه في الناس إلى يوم القيامة. ويمكن أن يكون المراد أنّهم كالقرآن في العصمة، وعدم تطرّق الريب، أو في الحجية إلى يوم القيامة، فكما أنّ القرآن حجة على الناس إلى يوم القيامة، فكذا هم (علیهم السلام) حجة على الناس إلى يوم القيامة.

ولو أنّ السائل سأل الإمام بكيفية غير هذه الكيفية لأجابه الإمام (علیه السلام) ، كما في قضية هشام بن سالم مع الإمام الكاظم (علیه السلام) ، فإنّه لمّا أدرك أنّ سؤاله عن الإمام كان خطأً، سأله قائلاً: هل عليك إمام؟ فقال الإمام: «لا» فعلم هشام أنّه الإمام(1).

إلّا أنّ السائل تنبّه أخيراً إلى ذلك، وأدرك أن الإمام (علیه السلام) في مقام بيان خصائص الإمامة والأئمّة (علیهم السلام) ، ولذا قال: جعلت فداك، أنت لتزيدني على أمر.

سند الحديث:

الحسين بن سيف: هو الكندي، ومن المحتمل أنه: ابن عميرة النخعي، ولم يرد في حقه شي ء.

نعم، ورد في «نوادر الحكمة» على نسخة، وفي نسخة أخرى: الحسين بن يوسف، والأوّل هو الأصح(2)

وأمّا معاذ بن مسلم: فقد وثّقه النجاشي(3)

ص: 253


1- الكافي 1 : 352، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة، ح7.
2- انظر: أصول علم الرجال 1 : 220.
3- رجال النجاشي: 324/883.

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»(1) ، وهو متّحد مع معاذ بن كثير، على ما صرّح به الشيخ الصدوق في «الفقيه»، حيث قال: «وفي رواية حذيفة بن منصور، عن معاذ بن كثير - ويقال له: معاذ بن مسلم الهرّاء - عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ...»(2) .

وقال فيه الشيخ المفيد في «الإرشاد»: «فممّن روى صريح النصّ بالإمامة من أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (علیه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد اللَّه وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين - رضوان اللَّه عليهم - : المفضّل بن عمر الجعفي، ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمن بن الحجّاج»(3) .

ووردت فيه روايات مادحة:

منها: ما رواه عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال لي: «بلغني أنّك تقعد في الجامع، فتفتي الناس؟»، قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إنّي أقعد في المسجد، فيجي ء الرجل يسألني عن الشي ء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجي ء الرجل أعرفه بحبّكم أو مودّتكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجي ء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول: جاء عن فلان: كذا، وجاء عن فلان: كذا، فأدخل قولكم فيما بين

ص: 254


1- أصول علم الرجال 1 : 240 .
2- من لايحضره الفقيه 2 : 169.
3- الإرشاد 2 : 216.

[39] 39 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «عَشْرٌ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَالْوَلايَةُ لأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابُ كلّ مُسْكِرٍ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُسْلِمٍ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ذلك قال: فقال لي: «اصنع كذا؛ فإنّي كذا أصنع»(3) .

وعليه فالسند معتبر.

[39] - فقه الحديث:

تقدّم نظيره في جملة من الأحاديث السابقة، وأضيف هنا: وجوب الإقرار بما جاء من عند اللَّه، والبراءة من أعداء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

المذكور للحديث هنا طريقان:

ص: 255


1- المحاسن 1 : 77 ، ح 38.
2- ثواب الأعمال 14، باب عشر خصال، ح1.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 524/470.

أوّلهما: ما رواه البرقي، عن أبيه، عن سعدان بن مسلم، عن الفضيل بن يسار.

وفي السند من لم يتقدّم ذكره سابقاً، من قبيل:

سعدان بن مسلم: الذي قال عنه النجاشي: «اسمه عبد الرحمن بن مسلم، أبو الحسن العامري، مولى أبي العلاء كرز بن حفيد العامري، من عامر ربيعة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وعمّر عمراً طويلاً ... له كتاب يرويه جماعة»(1)

وقال الشيخ في «الفهرست»: «له أصل، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل...»(2).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3).

وثانيهما: ما رواه الصدوق، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، واسمه عبد الرحمن بن مسلم.

وفي السند من لم يتقدّم ذكره، نحو:

العباس بن معروف: الذي قال عنه النجاشي: «العباس بن معروف، أبو الفضل، مولى جعفر بن [عمران بن[ عبد اللَّه الأشعري، قمّي، ثقة، له كتاب

ص: 256


1- رجال النجاشي: 192/515.
2- فهرست الطوسي: 141/336.
3- أصول علم الرجال 1 : 223 ، 280، و ج2 : 193 .

أَقُولُ: وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدّاً قَدْ تَجَاوَزَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَفِيمَا أَوْرَدْتُهُ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ(1)، وَكَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الآداب، وله نوادر»(3)

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، وقال: «العباس بن معروف، قمّي، ثقة، صحيح، مولى جعفر بن عمران بن عبد اللَّه الأشعري»، كما ذكره في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) (4)

وعليه فالطريقان معتبران.

وأقول: سبقت منّا الإشارة إلى هذا المعنى، وقد قال المصنّف في شرحه: «ورد فيها - يعني الولاية - أُلوف من المعجزات، مرويّة في كتب العامّة والخاصّة، قد جمعنا منها ما تجاوز حدّ التواتر بمراتب في كتاب مفرد»(5).

والحاصل: أنّ في الباب تسعة وثلاثين حديثاً، المعتبر منها واحد وثلاثون حديثاً، ويمكن القول باعتبار البقيّة أيضاً على بعض المباني

ص: 257


1- يأتي في الحديث 14 و 15 و 16 من الباب 5 من صلاة الجنازة.
2- يأتي في الحديث 25 و 26 من الباب 15 من أبواب الوضوء.
3- رجال النجاشي: 281/743.
4- رجال الطوسي: 361/5347 ، و ص389/ 5733.
5- تحرير وسائل الشيعة: 227.

المتقدّمة، كما لا يخفى.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية لأئمّة الهدى (علیهم السلام) ، بمعنى وجوب متابعتهم.

ومنها: أهمّيّة هذه العبادات الخمس على غيرها، وأنّها هي التي بني عليها الإسلام، وهي دين اللَّه.

ومنها: أنّها حدود الإيمان.

ومنها: أنّها هي الإسلام.

ومنها: أنّ من تركها هلك.

ومنها: أنّه لا يقبل غيرها، ولا يعذر على جهلها.

ومنها: أنّ اللَّه افترضها؛ ليميز الخبيث من الطيّب(1).

ومنها: أنّ الصلاة أصل الإسلام، وهي الطهر، وهي قرينة الزكاة، وأنّ الزكاة لا تقبل إلّا بها، وهي من جملة حدود الإيمان، والحكمة من تشريعها هي: التنزيه عن الكبر، وأنّ من لقي اللَّه بها دخل الجنة، وأنّ اللَّه يدفع بها عمّن لا يصلّي، وهي من المحمديّة السهلة السمحة، وهي الملّة.

ومنها: أنّ الزكاة فرع الإسلام، وهي الفطرة والمطهِّرة، وهي قرينة الصلاة، وهي من جملة حدود الإيمان، وهي موجبة للزيادة في الرزق،

ص: 258


1- كما في سورة الأنفال، الآية 37.

وهي المطيّبة للنفوس، والنافية للفقر، والمدحضة للذنب، وأنّ من لقي اللَّه بها دخل الجنة، وأن اللَّه يدفع بها عمّن لا يزكّي، وهي من المحمديّة السهلة السمحة.

ومنها: أنّ الصيام هو الجُنَّة، وهو من جملة حدود الإيمان، وأنّ من لقي اللَّه به دخل الجنّة، وأنّ اللَّه يدفع به عمّن لا يصوم، وهو من المحمديّة السهلة السمحة، والحكمة من تشريعه هي: تثبيت الإخلاص.

ومنها: أن الحجّ هو الشريعة، وهو تشييد للدين، وأنّ اللَّه يدفع به عمّن لا يحجّ، وأنّ إدمانه يسرع في الغنى، وينفي الفقر، وهو من جملة حدود الإيمان، وهو من المحمديّة السهلة السمحة.

ومنها: أنّ الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو عزّ للإسلام.

ومنها: أنّ الأمر بالمعروف مصلحة لعموم الناس، وهو الوفاء، والنهي عن المنكر هو الحجّة.

ومنها: أنّ الإقرار بما جاء من عند اللَّه من حدود الإيمان.

ومنها: أنّ التبرّي من أعداء آل محمد (علیهم السلام) من حدود الإيمان.

ومنها: وجوب اجتناب كلّ مسكر.

ومنها: أهمّيّة الولاية والمعرفة، وتفضيلها على غيرها من الواجبات الخمس.

ومنها: أنّ الولاية هي الحافظة لجميع الفرائض والسنن، وهي مفتاحها، وهي من المحمديّة السهلة السمحة، وهي الوحيدة من الفرائض التي لا

ص: 259

رخصة فيها، وأنّها التي يلزم التديّن بها في الحياة، كما يلزم أن يكون الموت عليها.

ومنها: أنّ طاعة أولي الأمر (علیهم السلام) موجبة لدخول الجنّة.

ومنها: أنّه ما نودي بشي ء من الفرائض وأُكّد عليه كما نودي بالولاية، وأنّ الناس تركوها.

ومنها: أنّ الولاية شرط للصلاة والزكاة، فهما لا تقبلان إلّا بها.

ومنها: أنّ الإيمان يطهّر من الشرك، وهو لا يتحقّق إلّا بالولاية.

ومنها: رجحان قضاء حاجة المسلم، وتنفيس كربته، وبرّ الإخوان، والمواساة لهم ببذل المال.

ص: 260

2 - باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2 - باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريّات

وغيرها ممّا تقوم الحجّة فيه بنقل الثقات

شرح الباب:

هذا الباب في بيان بعض ما يوجب الكفر والارتداد، وينبغي هنا التنبيه على أمور:

الأمر الأول: أنّ الكفر في اللغة بمعنى: الستر للشي ء وتغطيته، ومنه سمّي الليل كافراً؛ لأنّه يغطّي كلّ شي ء بسواده، والكفر والكافر يطلق كثيراً على من يجحد اللَّه والنبي، والكفران يطلق كثيراً على كفران النعمة، والكفور مبالغة في الكفر، وهو أشدّ من الكفور، كما أنّ الكفور يكون جمعاً للكفر {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً}(1)

والارتداد هو الرجوع، ومنه المرتدّ: أي الذي رجع عن الإسلام.

الأمر الثاني: أنّ الكفر والارتداد لهما أقسام:

أمّا الكفر، فله أقسام ثلاثة:

ص: 261


1- الإسراء، الآية 99.

1 - الكفر في العقيدة.

2 - كفر الإيمان.

3 - الكفر في العمل.

أما الأول: فإنّ كلّ شخص ينكر الربوبيّة أو النبوّة أو المعاد يعتبر كافراً، سواءً كان عن تقصير أو قصور، أو لم يقرّ بالوحدانيّة أو النبوّة أو المعاد، ويقابله المسلم الذي أقرّ بالشهادتين وبالمعاد.

وأما الثاني: فإنّ من اعتقد بهذه الأمور المتقدّمة، ولكن أنكر ولاية الأئمة (علیهم السلام) فإنّه ليس بمؤمن واقعاً، وإن كان يعامل معاملة المسلمين في الأحكام الظاهريّة، كطهارتهم، وجواز مناكحتهم، وحلّيّة ذبائحهم، والتوارث، ونحو ذلك، فتجري عليه أحكام الإسلام؛ وذلك لما ورد في غير واحد من الروايات من: أنّ المناط في الإسلام إنّما هو شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي التي عليها أكثر الناس. فالكفر في هذا القسم ليس هو الكفر في مقابل الإسلام، وإنّما هو في مقابل الإيمان بمعناه الأعمّ.

وأمّا الثالث: فهو يرجع إلى العمل من حيث الطاعة والعصيان، وقد يعبّر عنه بالفسق، ويقابله الإيمان بالمعنى الأخصّ، وهو أهون من القسمين الأولين. ويمكن أن يتدارك بالتوبة أو العفو.

وهناك قسم آخر، وهو المنكر لضروريّ من ضروريّات الإسلام، ممّا اتفق عليه جميع المسلمين أو اشتهر، كالصلاة، والزكاة، والحج... وغيرها.

ص: 262

والمشهور: أن منكر الضروريّ كافر مطلقاً، عن تقصير كان أو عن قصور، جاهلاً أو عالماً، وإليه ذهب صاحب «الجواهر»(1)،

وقوّاه صاحب «مفتاح الكرامة»(2)، وغيرهما .

واختار جماعة من محقّقي المتأخرين(3):

أنّ إنكار الضروريّ بما هو لا يوجب الكفر، إلّا إذا كان يستلزم إنكار النبوة، وكان المنكر عالماً بالملازمة. وأما مع عدم العلم بها، أو عروض شبهة، ولو عن تقصير، فلا يوجب ذلك الكفر.

وبناء على هذا القول، فالحكم لا يختصّ بالضروريّ، بل هو شامل لإنكار ما علم أنّه من الدين، وإن لم يكن ضروريّاً، ويكفي قيام الحجّة على أنّه من الدين. كما أنّ إنكار ما علم أنّه من الدين عن جحود - أي: لا عن شبهة - موجب للكفر والارتداد.

ومن عنوان الباب يستفاد هذا القول؛ حيث قال: إنّ إنكار ما قامت عليه الحجّة - وإن لم يكن ضروريّاً - يوجب الكفر والارتداد.

وأما الارتداد، فهو على قسمين: فطري وملّي، ولكل منهما حكم خاصّ، يأتي إن شاء اللَّه تعالى في الباب الثلاثين من هذه الأبواب.

ص: 263


1- جواهر الكلام 6 : 49.
2- انظر: مفتاح الكرامة 2 : 37 - 38.
3- كالشهيد الثاني في الروض 2 : 944 - 945، خاتمة في أحكام القضاء، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 199، الصلاة في السهو والشك، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 410.

[40] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ شَيْ ءٍ يَجُرُّهُ الإِقْرَارُ والتَّسْلِيمُ فَهُوَ الإِيمَانُ، وكُلُّ شَيْ ءٍ يَجُرُّهُ الإِنْكَارُ والْجُحُودُ فَهُوَ الْكُفْرُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأمر الثالث: أن صاحب «الوسائل»(2) (رحمه الله) وغيره من المحدّثين(3) اختاروا القول المشهور، وهو أنّ إنكار الضروري - مطلقاً - يوجب الكفر أو الارتداد.

والظاهر أنّ مراده من وضع هذا الباب هو أنّ الواجبات الخمسة المتقدّمة لمّا كانت ممّا بني عليها الإسلام وكانت من الضروريّات عند جميع المسلمين، فإنكار أحدها يوجب الكفر. وكذا ما عدّ من الضروريّات من غير هذه الأمور المذكورة.

منشأ الإيمان والكفر

[1] - فقه الحديث:

في هذا الحديث ذكر الإمام (علیه السلام) قضيّتين كلّيتين لمنشأ الإيمان والكفر، وهما: أنّ كلّ أمرٍ من الأمور - سواء كان من الأمور الجوانحيّة أو الجوارحيّة، فعلاً أو تركاً، قولاً أو عملاً - إن كان منشؤه الإقرار والتسليم فهو

ص: 264


1- الكافي 2 : 387، باب الكفر ، ح 15.
2- وسائل الشيعة 1 : 30، باب2 من أبواب مقدمة العبادات.
3- كالمجلسي في مرآة العقول 19 : 126، باب الربا ح11.

من الإيمان، وكل أمرٍ من الأمور إذا كان منشؤه الإنكار والجحود وعدم الاعتراف والإقرار فهو الكفر. وعليه فجميع الأمور لا يخلو منشؤها من أحد هذين الأمرين.

ومن هذا يتبيّن: أنّ تقابل الإيمان والكفر تقابل الملكة والعدم، فالإنسان إمّا مؤمن وإمّا كافر، ولا يخلو من أحدهما واقعاً. نعم، بالنسبة إلى الغير قد يكون مجهول الحال، فيكون من تقابل التضادّ.

والحديث شامل للقسمين الأوّلين، وظاهر في القسم الرابع. وأمّا القسم الثالث - وهو كفر العمل - فإذا لم يأتِ العاصي بالعمل لا بعنوان الجحود والإنكار فلا يكون شاملاً له.

سند الحديث:

محمّد بن يعقوب ومحمد بن يحيى وأحمد بن محمّد - وهو ابن عيسى - وابن محبوب - وهو الحسن بن محبوب - قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا أبو أيوب: فهو مشترك بين جماعة، والظاهر أنه الخزاز؛ لكثرة رواياته عن محمّد بن مسلم ورواية ابن محبوب عنه، وأنه كثير الرواية عن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ، وهو صاحب كتاب مشهور؛ قال النجاشي عنه: «إبراهيم بن عيسى، أبو أيّوب الخزّاز. وقيل: إبراهيم بن عثمان، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أبو العباس في كتابه، ثقة، كبير المنزلة، له كتاب نوادر، كثير الرواة عنه»(1)، ومنه يعلم أنّ كتابه مشهور، فلا

ص: 265


1- رجال النجاشي: 20/25.

يحتاج إلى الطريق.

وقال الشيخ: «إبراهيم بن عثمان، المكنّى بأبي أيّوب الخزّاز الكوفي، ثقة، له أصل»(1)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (2) .

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(3)

وقال الكشّي: «أبو أيّوب إبراهيم بن عيسى الخزّاز، قال محمّد بن مسعود، عن عليّ بن الحسن: أبو أيّوب كوفي، اسمه إبراهيم بن عيسى، ثقة»(4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وأمّا محمّد بن مسلم: فقال النجاشي: «محمد بن مسلم بن رَبَاح، أبو جعفر الأوقص الطحّان، مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وروى عنهما، وكان من أوثق الناس، له كتاب يسمّى الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام»(6)

وعدّه الشيخ في «رجاله» تارة في أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في

ص: 266


1- فهرست الطوسي: 41/13.
2- رجال الطوسي: 159/1775.
3- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 661/679.
5- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289، و ج2 : 218 .
6- رجال النجاشي: 323 / 882 .

أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وثالثة من أصحاب الكاظم (علیه السلام) (1)

وعدّه المفيد في «الرسالة العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(2).

وقد ذكر الكشّي: أنه ممّن أجمعت العصابة على تصديقهم، ووردت في مدحه روايات كثيرة:

منها: صحيحة سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي (علیه السلام) إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون في الآخرة».

ومنها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشِّر المخبتين بالجنّة»، وذكر منهم محمّد بن مسلم، «أربعة نجباء أمناء اللَّه على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست».

ومنها: صحيحة البقباق، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، أنّه قال: «أربعة أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبو جعفر الأحول»(3)

ص: 267


1- رجال الطوسي: 144/1570، و294/4293، و342/5100.
2- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 27.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 348/219 ، ص398/286 ، ص347/215.

[41] 2 - وعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَفَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ مُوجَبَاتٍ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ تَرَك فَرِيضَةً مِنَ الْمُوجَبَاتِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا وجَحَدَهَا كَانَ كَافِراً، وأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) بِأُمُورٍ كُلِّهَا حَسَنَةٌ. فَلَيْسَ مَنْ تَرَك بَعْضَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ(1) بِهِ عِبَادَهُ مِنَ الطَّاعَةِ بِكَافِرٍ، ولَكِنَّهُ تَارِكٌ لِلْفَضْلِ، مَنْقُوصٌ مِنَ الْخَيْرِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وعليه فالحديث صحيح.

الفرق بین ترك الفرائض والسنن

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث يشتمل على تفصيل بين الفرائض والسنن.

أمّا الفرائض: فهي الأمور التي أوجبها اللَّه تعالى على عباده من الأحكام التي تستفاد من ظاهر القرآن، فمن لم يأتِ بها - مع الإنكار والجحود - فهو

ص: 268


1- لتوضيح المراد انظر: الوافي 3 : 40، ومرآة العقول 11 : 109.
2- الكافي 2 : 283 ، ح 1.
3- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287، و ج2 : 211 .

كافر. وأمّا إذا لم يأتِ بها مع عدم الإنكار، فهو من القسم الثالث من أقسام الكفر، أي: من كفر الطاعة والعمل.

وأمّا السنن: فهي الأمور التي سنّها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي وإن كانت من أوامر اللَّه سبحانه، وشاملة للواجبات والمستحبّات، ولكنّ الفرق: أنّ تاركها حرم نفسه من الخير والبركة والآثار العظيمة، وإن لم يستوجب ذلك الكفر. وهذا أقوى المحتملات في معنى الحديث، فهو ظاهر الدلالة على المطلوب، وأنّ كلّ من جحد فريضة من فرائض اللَّه سبحانه فهو كافر.

بحث رجالي في داود الرقي

سند الحديث:

أمّا العدّة: فقد تقدّم الكلام حولها في المقدّمة، وكذا تقدّم الكلام حول أحمد بن محمّد والحسن بن محبوب.

وأمّا داود بن كثير الرقي: فقد اختلف في توثيقه وتضعيفه، فإنّ الشيخ وثّقه حيث قال: «مولى بني أسد، ثقة»(1)

، وعدّه المفيد من خواصّ الإمام الرضا (علیه السلام) ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(2)

، وقد وردت فيه روايات مادحة:

منها: ما روي عن الصادق (علیه السلام) : أنّه قال: «أنزلوا داود الرقّيّ منّي بمنزلة المقداد من رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)»(3)

ص: 269


1- رجال الطوسي: 336/5003.
2- الإرشاد 2 : 248.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 704/750.

[42] 3 - وعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الْكُفْرُ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْك، فَمَنِ اخْتَارَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وأَبَى الطَّاعَةَ، وأَقَامَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَهُوَ كَافِرٌ، ومَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مُشْرِك»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأمّا النجاشي فقد ضعّفه، حيث قال: «ضعيف جدّاً، والغلاة تروي عنه»(3)؛ ولذلك توقّف السيد الأستاذ (قدس سره) في أمره(4).

ولكن إذا أمكن حمل التضعيف على أنّه إنّما ضعِّف لرميه بالغلو، فيبقى التوثيق سليماً عن المعارض، فيكون ثقة في الحديث، وذلك هو الأقوى؛ بقرينة قول النجاشي: «والغلاة تروي عنه»، وقد عقدنا بحثاً مستقلاًّ حوله(5)

، ورجّحنا القول بوثاقته.

وعلى ذلك فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

قد أسقط صاحب «الوسائل» صدر الحديث، وهو قوله (علیه السلام) : «واللَّه، إنّ

ص: 270


1- الكافي 2 : 383 ، باب الكفر، ح 2.
2- أصول علم الرجال 1 : 221، و ج2 : 191 .
3- رجال النجاشي: 156/410.
4- معجم رجال الحديث 8 : 128/4429.
5- أصول علم الرجال 2 : 369 - 373 .

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، كَمَا يَأْتِي(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم»، قال: ثمّ ذكر كفر إبليس حين قال اللَّه له: «اسجد لآدم فأبى أن يسجد، فالكفر أعظم...».

و يدل الحديث على أنّ الكفر أقدم وأخبث وأعظم من الشرك؛ ووجه ذلك: أنّ أوّل ما تحقّق هو الكفر حين أمر اللَّه سبحانه إبليس بالسجود لآدم (علیه السلام) ، فأبى واستكبر وعصى.

وقوله (علیه السلام) : «فمن اختار على اللَّه عزّوجلّ، وأبى الطاعة، وأقام على الكبائر» بترك الفرائض وعمل المحرّمات «فهو كافر»، يدلّ على أنّ ترك الفرائض أو عمل المحرّمات إذا كان عن جحود وإنكار فهو كفر، سواء كان من الضروريّات أو غيرها.

وقد يقال: إنّ في الحديث إلماحاً إلى ما عليه العامة من أنّهم جحدوا الإمامة، وقدّموا الجبت والطاغوت، على خلاف ما أراد اللَّه تعالى، فقد اختاروا ديناً غير دين المؤمنين، فهم في الواقع من المشركين.

سند الحديث:

للحديث طريقان، وقد تقدّم البحث حول رجال الطريق الأول، وهو معتبر.

وأمّا الطريق الثاني - وهو ما رواه البرقي - : فسيأتي في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.

ص: 271


1- 1*) يأتي في الحديث 21 من هذا الباب.

[43] 4 - وعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «الْكُفْرُ أَقْدَمُ مِنَ الشِّرْك» ثمّ ذَكَرَ كُفْرَ إِبْلِيسَ، ثمّ قَالَ: «فَمَنِ اجْتَرَى عَلَى اللَّهِ فَأَبَى الطَّاعَةَ، وَأَقَامَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَهُوَ كَافِرٌ» يَعْنِي: مُسْتَخِفٌّ كَافِرٌ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ ترك العمل بالواجبات الضروريّة الذي يؤدي إلى الاستخفاف والتهاون موجب للكفر؛ لأنّ لازم الاستخفاف والتهاون هو الإنكار، فيكون من قبيل كفر الجحود، وعليه فدلالته أوضح من الحديث السابق، بالإضافة إلى دلالته على أسبقيّة الكفر على الشرك؛ فإنّ أوّل من كفر هو إبليس، وأظهر ذلك بإبائه السجود لآدم (علیه السلام) ، حيث أمره اللَّه تعالى، وإنكاره أفضليّة آدم (علیه السلام) ، وتمرّده على أمر اللَّه. وأمّا الشرك، فهو متأخّر رتبة عن الكفر؛ لأنّه يتضمّن الاعتراف باللَّه سبحانه، ولكنّه يشرك معه غيره.

سند الحديث:

رجال السند قد تقدّم البحث عنهم، وأنّهم من الثقات.

والحديث موثّق.

ص: 272


1- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 3.

[44] 5 - وبِالإِسْنَادِ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}؟(1)، قَالَ: «إِمَّا آخِذٌ فَهُوَ شَاكِرٌ، وإِمَّا تَارِك فَهُوَ كَافِرٌ»(2).

أَقُولُ: التَّرْك هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ، أَوِ الْكُفْرُ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَعْنَى الارْتِدَادِ؛ لِمَا مَضَى(3) ويَأْتِي(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

قد ورد تفسير الآية بهذا المعنى في غير «الكافي» أيضاً، فإنّ الإمام (علیه السلام) فسّر الآية المباركة بمقام العمل، أي: إمّا آخذ وعامل بالهداية التي هداه اللَّه سبحانه لها فهو شاكر، وإمّا تارك ما هداه اللَّه له فهو كافر.

ص: 273


1- الإنسان، الآية 3.
2- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 4.
3- لما مضى في الحديث 1 من هذا الباب.
4- يأتي في: أ - الباب 11 وفي الحديث 4 من الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض. ب - الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة. ج - في الحديث 1 من الباب 2 من أحكام شهر رمضان. د - الباب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه. ه- - في الحديث 11 من الباب 12 من أبواب صفات القاضي.

والآخذ بالهداية هو الآخذ بما جاء به الرسل؛ فإنّهم هداة الخلق إليه تعالى، فمن ترك ما أرسلوا به بعد إرسال الرسل وهدايته سبحانه إلى طريق السعادة فهو كافر، ومن أخذ فهو شاكر.

وعلّق صاحب «الوسائل»: بأنّ التارك كافر إذا كان على وجه الإنكار، فقد خصّ الكفر بمن ترك على وجه الإنكار.

وقد يقال: إنّ الكفر أعمّ من ذلك، فهو شامل للتارك حتّى لو لم يكن على وجه الإنكار، كما بيّنا في أقسام الكفر؛ فإنّ العاصي تارك غير منكر، ومع ذلك جاء التعبير عنه بالكافر.

سند الحديث:

المراد بقوله: «بالإسناد» هو: الإسناد المتقدّم في الحديث الرابع. ورجال السند قد تقدّم الكلام حولهم، وعليه فالسند موثّق أيضاً.

ص: 274

[45] 6 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {ومَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}(1) فَقَالَ: «تَرْك(2) الْعَمَلِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، مِنْهُ: الَّذِي يَدَعُ الصَّلاةَ مُتَعَمِّداً، لا مِنْ سُكْرٍ، ولا مِنْ عِلَّةٍ»(3).

ورَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، نَحْوَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

فسّر الإمام (علیه السلام) الكفر بترك العمل؛ إذ الإيمان إنّما يتحقّق بالعمل، فإنّه عبارة عن قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان(5). فإن كان الترك على وجه الإنكار فالأمر واضح، وإلّا فلابدّ من حمل الكفر على معنى آخر، وهو كفر الطاعة بمعنى العصيان.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) ذكر مصداقاً لذلك، وهو من ترك الصلاة متعمّداً، من

ص: 275


1- المائدة، الآية 5.
2- في المصدر: من ترك.
3- الكافي 2 : 387 ، باب الكفر، ح 12، وأورده الشيخ المصنّف (قدس سره) مختصراً.
4- المحاسن1: 158، ح221.
5- هذا التعريف للإيمان قريب في اللفظ ومطابق في المعنى للأحاديث الواردة في معنى الإيمان، فراجع: بحار الأنوار 66 : 323 و 324 و 325، الأحاديث 9 و11 و13.

دون سكرٍ، ولا علّة، والمراد بالسكر هو النوم، كما فسّر به في بعض الروايات(1).

سند الحديث:

قد ورد الحديث بطريقين. وجميع من ورد فيهما قد تقدّم الكلام حولهم، وفيه:

عبيد بن زرارة: قال النجاشي عنه: «عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني، روى عن أبي عبداللَّه (علیه السلام) ، ثقة، ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شكّ، له كتاب يرويه جماعة عنه»(2)

، ويظهر منه أنّ كتابه مشهور.

وقال الشيخ (قدس سره) : «عبيد بن زرارة، له كتاب»(3)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (4).

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام... الخ(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(6).

وعليه فالحديث - بكلا طريقيه - معتبر.

ص: 276


1- الكافي 3 : 299، باب الخشوع في الصلاة و...، ح1، و 371، باب بناء المساجد و...، ح15.
2- رجال النجاشي: 233/618.
3- فهرست الطوسي: 176/469.
4- رجال الطوسي: 243/3355.
5- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 41.
6- أصول علم الرجال 1: 228، 283.

[46] 7 - وعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: «مِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَتْرُك الصَّلاةَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ ولا شُغْلٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث كسابقه من حيث الدلالة. والفرق بينهما: أنّه في الحديث السابق قال: «منه: الذي يدع الصلاة متعمّداً، لا من سكر، ولا من علّة»، وهنا قال: «من ذلك: أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل»، وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالإيمان هو العمل، وإطلاقه عليه شايع. ولعلّ المراد من الكفر هنا هو كفر النعمة، لا كفر الجحود والإنكار، إلّا أن يكون ترك العمل مقروناً بالاستخفاف أو الجحود. كما أنّه لعلّ المراد: أنّ ترك العمل بالواجبات المؤكّدة والاستمرار على الترك من غير علة لا ينفكّ عن الاستخفاف أو الجحود.

ويؤيّد هذا المعنى ذكر إحباط العمل، وعدم السقم والشغل.

سند الحديث:

الحسين بن محمّد ومعلّى بن محمّد والحسن بن عليّ - وهو ابن

ص: 277


1- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 5.

فضّال - وعبيد بن زرارة - وفي نسخة: عبيد عن زرارة - قد تقدّم أنّهم من الثقات.

وأمّا حمّاد بن عثمان: فقال الشيخ عنه: «حمّاد بن عثمان الناب، ثقة، جليل القدر، له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(1)،

وذكره في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وفي أصحاب الرضا (علیه السلام) (2).

وقال الكشّي: «... حمدويه، قال: سمعت أشياخي يذكرون: أنّ حماداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي - وحمّاد يلقّب بالناب - كلّهم فاضلون، خيار، ثقات»(3)

، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم (4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وعليه فالحديث معتبر.

ص: 278


1- فهرست الطوسي: 115/240.
2- رجال الطوسي: 186/2281 ، و334/4971 ، و354/5240 .
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 670/694.
4- المصدر نفسه 2 : 673/705.
5- أصول علم الرجال 1 : 220 ، 279، و ج2 : 189 .

[47] 8 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْعِبَادَ إِذَا جَهِلُوا وَقَفُوا ولَمْ يَجْحَدُوا لَمْ يَكْفُرُوا»(1).

ورَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ بِالإِسْنَادِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

يستفاد من الحديث: أنّ سبب الكفر هو الإنكار، فينبغي على الإنسان إذا جهل شيئاً أن لا يبادر إلى إنكاره؛ فلعلّ وراءه أمراً مهمّاً لا يبلغ فهمه ولا عقله إليه، فيجب عليه التوقف حتّى يظهر وجهه، وهذا لا يوجب الكفر.

وأمّا إذا جهل وأنكر فإنّه يؤدّي إلى التكذيب، ونتيجته الكفر.

ثمّ إنّ هذا الحديث يستدلّ به على وجوب الاحتياط، كما هو مقرّر في المباحث الأصوليّة. ويستند إليه الأخباريّون في القول بوجوب التوقّف عند الشبهات الحكميّة التحريميّة؛ ولذلك لم يعلم وجه ذكر صاحب «الوسائل» (قدس سره) هذا الحديث في هذا الباب، إلّا أن يكون نظره إلى أنّ الإنكار إذا كان مع الجهل وعدم العلم فهو موجب للكفر. وعليه فمع العلم أو قيام الحجّة يكون موجباً له بطريق أولى.

ص: 279


1- الكافي 2 : 388 ، باب الكفر، ح 19، وأورده في الحديث 11 من الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
2- المحاسن 1 : 340، ح700.

[48] 9 - وعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْكُفْرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَمِنْهَا: كُفْرُ الْجُحُودِ(1) عَلَى وَجْهَيْنِ، والْكُفْرُ بِتَرْك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وكُفْرُ الْبَرَاءَةِ، وكُفْرُ النِّعَمِ. فَأَمَّا كُفْرُ الْجُحُودِ: فَهُوَ الْجُحُودُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، والْجُحُودُ عَلَى مَعْرِفَةٍ(2)، وهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْجَاحِدُ وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال السند - بكلا طريقيه - قد تقدّم الكلام حولهم، والحديث معتبر على الأظهر.

[9] - فقه الحديث:

أوجه الكفر الخمسة

هذا الحديث طويل، وأسقط منه صاحب «الوسائل» جملاً من أوله ووسطه وآخره، وذكر موضع الشاهد منه.

والكفر - بالفتح - التغطية، وقد كفرتُ الشي ء أكفر بالكسر كَفراً: سترته.

وقد بيّن الإمام (علیه السلام) فيه وجوه الكفر ومعانيه في القرآن الكريم، فقال: الكفر في كتاب اللَّه تعالى على خمسة أوجه ومعانٍ:

ص: 280


1- في المصدر زيادة: والجحود.
2- في المصدر: معرفته.

قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ؛ وقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ}(1)1*) - إِلَى أَنْ قَالَ: - والْوَجْهُ الرَّابِعُ مِنَ الْكُفْرِ: تَرْك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}(2)2*)، فَكَفَّرَهُمْ(3)3*) بِتَرْك مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، ونَسَبَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، ولَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ولَمْ يَنْفَعْهُمْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: {فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ}(4)4*)»، الْحَدِيثَ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: كفر الجحود، وهو على وجهين، والثالث: كفر النعم، والرابع: الكفر بترك ما أمر اللَّه سبحانه به، والخامس: كفر البراءة.

أمّا الأول - وهو كفر الجحود - : فهو على وجهين:

الوجه الأول: جحود الربوبيّة، والأصول الاعتقاديّة كالنبوة، والمعاد، وأن لا جنّة ولا نار، كما ذهب إليه صنف من الزنادقة والدهريّة الذين يقولون: وما يهلكنا إلّا الدهر.

ص: 281


1- 1*) النمل، الآية 14.
2- 2*) البقرة، الآية 85.
3- 3*) في نسخة: فكفروا. (منه (قدس سره) ).
4- 4*) البقرة، الآية 85.
5- 5*) الكافي 2 : 389 ، باب وجوه الكفر، ح 1، وقد اختصره المصنّف.

والوجه الثاني: جحود المعرفة، فهم يعرفون أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) مبعوث من اللَّه تعالى، وكانوا يبشّرون بمجيئه، ولمّا جاء(صلی الله علیه و آله و سلم) كفروا به، فهم ستروا الحقّ، وما كانوا يعتقدونه.

وأما الثالث: فهو كفر النعمة؛ فيكفر بالنعم ولا يشكرها، ولا يرى أنّها من عنده تبارك وتعالى. وقد ورد ذلك في عدّة من الآيات، من قبيل قوله تعالى على لسان سليمان (علیه السلام) : {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(1)

، وقوله تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(2) ، و قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(3)، فأطلق الكفر على ستر النعمة.

وأما الرابع: فهو الكفر بترك ما أمر اللَّه به من الواجبات الضروريّة، وما علم أنّها من الدين، وعدم امتثالها، أو الإتيان بما نهى اللَّه عنه، وعمل المحرمات، فأطلق الكفر على ترك الطاعة، كقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية(4)، فكفّرهم تعالى بترك ما أمر اللَّه عزّوجلّ به.

وأما الخامس: فهو كفر البراءة، وهو قطع علاقة الموالاة والمودّة؛ كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم (علیه السلام) : {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ

ص: 282


1- و2 - النمل، الآية 40.
2-
3- إبراهيم، الآية 7.
4- البقرة، الآية 85.

وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(1) ، فأطلق على براءته الكفر، وهكذا إبليس، فإنّه يتبرّأ من أوليائه يوم القيامة، كما عبّر عنه سبحانه بقوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}(2)

، أي: برئت، وقوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}(3)، أي: يبرأ بعضهم من بعض.

ومحلّ الشاهد الوجه الرابع؛ فإنّ ترك الضروريات وما تقوم عليه الحجّة موجب للكفر. وترك الإنسان ما أمر اللَّه به عن جحد وإنكار كفر.

سند الحديث:

بحث رجالي في بكر بن صالح

عليّ بن إبراهيم وأبوه - أي: إبراهيم بن هاشم - : تقدّم ذكرهما.

وأمّا بكر بن صالح: فقال النجاشي فيه: «بكر بن صالح الرازي، مولى بني ضبّة، روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، ضعيف، له كتاب نوادر يرويه عدّة من أصحابنا»(4)

وقال الشيخ: «له كتاب»(5) ، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الرضا (علیه السلام) تارة، وأخرى في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) (6).

ص: 283


1- الممتحنة، الآية 4.
2- إبراهيم، الآية 22.
3- العنكبوت، الآية 25.
4- رجال النجاشي: 109/276.
5- فهرست الطوسي: 87/127.
6- رجال الطوسي: 353 / 5233، و417/ 6031 .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(1) ووقوعه في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي» دليل على الوثاقة، فبناء على ذلك يقع التعارض بين التوثيق والتضعيف.

ويمكن الجمع ورفع التعارض، بأن يقال: إنّ نظر النجاشي في تضعيفه لجهة مذهبه، كما يشهد له ما ذكره ابن الغضائري في ترجمته من أنه ضعيف جدّاً، كثير التفرّد بالغرائب(2)، وهذا لا يكون منافياً للتوثيق الوارد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي».

وأمّا القاسم بن بريد - وفي بعض النسخ كما في «الكافي» يزيد، وهو خطأ- : فهو القاسم بن بريد العجلي.

قال النجاشي في حقّه: «القاسم بن بريد بن معاوية العجلي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه فضالة بن أيوب»(3)

وعدّه الشيخ في «رجاله» تارة في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (4)

وأمّا أبو عمرو الزبيري: فيمكن انطباقه على الذي ذكره النجاشي بعنوان: «محمد بن عمرو بن عبد اللَّه بن عمر بن مصعب بن الزبير بن العوّام،

ص: 284


1- أصول علم الرجال 1 : 215 ، 277 .
2- رجال ابن داود: 234.
3- رجال النجاشي: 313/ 857.
4- رجال الطوسي: 273 /3947، و342/ 5096 .

[49] 10 - وعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ فَيَمُوتُ، هَلْ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنَ الإِسْلامِ؟ وإِنْ عُذِّبَ كَانَ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَمْ لَهُ مُدَّةٌ وانْقِطَاعٌ؟ فَقَالَ: «مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ فَزَعَمَ أَنَّهَا حَلالٌ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ الإِسْلامِ، وعُذِّبَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. وإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً أَنَّهُ ذَنْبٌ(1) ومَاتَ عَلَيْهَا، أَخْرَجَهُ مِنَ الإِيمَانِ، ولَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلامِ، وكَانَ عَذَابُهُ أَهْوَنَ مِنْ عَذَابِ الأَوَّلِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

متكلّم، حاذق في أصحابنا، له كتاب الإمامة، حسن»(3)، وكنيته: أبو عمرو، على ما ذكره النجاشي في ترجمة عبد اللَّه بن عبد الرحمن الزبيري(4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)

وعليه فالحديث معتبر.

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الفرق بين الكفر والفسق، فإنّ من ارتكب الذنب

ص: 285


1- في المصدر: أذنب.
2- الكافي 2 : 285 ، باب الكبائر، ح 23.
3- رجال النجاشي: 339/909.
4- رجال النجاشي: 220/575.
5- أصول علم الرجال 1 : 238 ، 290 .

مستحلاًّ له فهو كافر، خارج عن الإسلام، وإن أقرّ بالشهادتين، وأتى ببعض الطاعات؛ لأنّ استحلاله للذنب يؤدّي إلى الإنكار والتكذيب للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولا ريب في كون ذلك كفراً وخروجاً عن الإسلام.

وأمّا من ارتكب الذنب لا مستحلاًّ له فهو خارج من الإيمان، ويكون فاسقاً، وتترتّب عليه أحكام الفسق، من ردّ شهادته، وعدم نفوذ الطلاق بمحضره، وعدم جواز الاقتداء به في الصلاة، وغير ذلك، وإن لم يخرج بذلك عن الإسلام.

ويترتّب على ذلك اختلاف عذاب كلّ منهما من حيث الشّدّة والضعف.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ على أنّ الكافر هو الذي يجحد، وأمّا الفاسق فهو الذي لا يجحد، وإن كانا يشتركان في المخالفة.

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم ومحمد بن عيسى - وهو: ابن عبيد اليقطيني - ويونس - وهو: ابن عبد الرحمن - : قد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عبد اللَّه بن سنان: فقال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن سنان بن طريف، مولى بني هاشم، ويقال مولى بني أبي طالب - إلى أن قال: - كوفي، ثقة، من أصحابنا، جليل، لا يطعن عليه في شي ء، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . وقيل: روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) وليس بثبت - إلى أن قال: - روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا؛ لعظمه في الطائفة، وثقته

ص: 286

وجلالته»(1) . ومن ذلك يظهر أنّ كتبه مشهورة.

وقال الشيخ: «عبد اللَّه بن سنان، ثقة، له كتاب رواه جماعة»(2)، وعدّه في «رجاله» تارة في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(4)

وقال الكشّي: «... وكان رحمه اللَّه من ثقات رجال أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

وعليه فالسند معتبر.

ص: 287


1- رجال النجاشي: 214/558.
2- فهرست الطوسي: 165 - 166/433 .
3- رجال الطوسي: 264 / 3778، و 339/5053 .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 46.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 710/770.
6- أصول علم الرجال 1 : 227 ، 283، و ج2 : 199 .

[50] 11 - وعَنْهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَكِبَ لِلْكَبِيرَةِ يَمُوتُ عَلَيْهَا، أتُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ؟ وإِنْ عُذِّبَ بِهَا فَيَكُونُ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ لَهُ انْقِطَاعٌ؟ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلامِ إِذَا زَعَمَ أَنَّهَا حَلالٌ، ولِذَلِكَ يُعَذَّبُ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ. وإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وأَنَّهَا(1) عَلَيْهِ حَرَامٌ، وأَنَّهُ يُعَذَّبُ عَلَيْهَا، وأَنَّهَا غَيْرُ حَلالٍ، فَإِنَّهُ مُعَذَّبٌ عَلَيْهَا. وهُوَ أَهْوَنُ عَذَاباً مِنَ الأَوَّلِ، ويُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ، ولا يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

إنّ لهذا الحديث صدراً لم يورده صاحب «الوسائل»(3).

وهو من حيث المضمون لا يختلف عن السابق، إلّا أنّ الإمام (علیه السلام) ذكر فيه قسماً من الكبائر وهي تسعة. هذا إذا جعلنا قوله (علیه السلام) : «واليأس من رَوح اللَّه» عطف تفسير

ص: 288


1- في نسخة: وهي. (منه (قدس سره) ).
2- الكافي 2 : 280 ، باب الكبائر، ح 10، ويأتي صدره في الحديث 13 من الباب 46 من أبواب جهاد النفس.
3- سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «الكبائر: القنوط عن رحمة اللَّه، واليأس من روح اللَّه، والأمن من مكر اللَّه، وقتل النفس التي حرّم اللَّه، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البيّنة، والتعرّب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، ...» . (الكافي 2 : 280 ، باب الكبائر، ح 10).

على قوله: «القنوط من رحمة اللَّه». وأمّا إذا خصّصنا القنوط بالأمور الأخرويّة واليأس بالأمور الدنيويّة فالأقسام عشرة.

هذا، وقد اختلفت الروايات في عدد الكبائر، وقد بحثنا ذلك مفصّلاً في بحث العدالة، وذكرنا الأقوال فيها، وبيّنا الميزان والمقياس في الحكم على الذنب بأنّه كبير أو صغير(1)

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم: تقدّم ذكره.

وأمّا هارون بن مسلم: فقال عنه النجاشي: «هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، السرّ من رائي، كان نزلها، وأصله الأنبار، يكنّى أبا القاسم، ثقة، وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقي أبا محمّد وأبا الحسن (علیهما السلام) »(2).

وقال الشيخ: «هارون بن مسلم، له روايات، من رجال الصادق (علیه السلام) »(3)،

وعدّه في «رجاله» في أصحاب العسكري (علیه السلام) (4) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)

ص: 289


1- العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) : 140 - 148 .
2- رجال النجاشي: 438/1180.
3- فهرست الطوسي: 259/785.
4- رجال الطوسي: 403/5912.
5- أصول علم الرجال 1 : 242 ، 288 .

وأمّا مسعدة بن صدقة: فالظاهر أنّه شخصان، أحدهما: من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وهو عامّي بتري، والآخر: من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) يروي عنه هارون بن مسلم(1) ، وقع في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(2) ، وهو ثقة.

تمييز مسعدة بن صدقة

وطريق التمييز بينهما: أنّه إذا روى عن الإمام الصادق (علیه السلام) أو كان الراوي عنه هارون بن مسلم فهو الثاني الثقة، وأمّا إذا كان يروي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، فهو الأول، الذي لم يرد فيه توثيق.

هذا، ولم ترد رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (علیه السلام) في شي ء من الكتب الأربعة، ومن جملتها هذه الرواية. وكل رواياته معتبرة. وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 290


1- رجال الطوسي: 146، ومعجم رجال الحديث 20 : 252 عن كامل الزيارات.
2- أصول علم الرجال 1 : 240 ، 287 .

[51] 12 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ - ، قَالَ: «يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا، ونَظَرَ فِي حَلالِنَا وحَرَامِنَا، وعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً. فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ، وعَلَيْنَا رَدَّ، والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْك بِاللَّهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل، وقد تناوله الأصوليّون والفقهاء بالدراسة والبحث في عدّة مواطن من أبحاثهم. فقد ذكر في علم الأصول في مبحث الشهرة، والاحتياط، والتراجيح، وغيرها. وذكر في الفقه في مبحث القضاء، والاجتهاد والتقليد، وولاية الفقيه، وغيرها.

وهو من جملة الأحاديث التي يكثر دورانها في المباحث؛ لاشتماله على

ص: 291


1- الكافي 1 : 67 ، باب اختلاف الحديث، ح 10، ورواه أيضاً: الشيخ في التهذيب 6 : 301، ح845، والصدوق في من لا يحضره الفقيه 3 : 5، ح 18، والطبرسي في الاحتجاج: 355 في باب احتجاج الإمام الصادق (علیه السلام) على الزنادقة، وأورده في الحديث 1 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

مسائل متعدّدة. وقد كثر الاختلاف في تفسيره على ما هو مشروح في كتب الفقه والأصول. ودلالته على نحو الإجمال واضحة؛ فإنّ الإمام (علیه السلام) نهى عن التحاكم إلى قضاة الجور وسلاطينهم، وعدّ ذلك من التحاكم إلى الطاغوت، واستشهد (علیه السلام) بالآية الواردة في هذا الشأن، بل إنَّ حكمهم باطل، وإن حكموا بالحقّ. وقد ورد في الحديث: «أنّ ما يؤخذ استناداً إلى حكمهم إنّما هو سحت وحرام»(1)، والظاهر عدم الإشكال في ذلك إذا كان بالاختيار، أو إذا كان ديناً. وأمّا إذا اضطر إلى ذلك ولم يتمكّن من تخليص حقه إلّا بالرجوع إليهم، أو حكم قاضي الجور بما يعلم أنّه حقه، وكان حقّه عيناً من الأعيان، فقد اختلف في جواز ذلك وعدمه. وتفصيله في الفقه.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) بيّن الطريق إلى ذلك، وهو الرجوع إلى أهل العلم ممّن أخذوا علومهم عنهم (علیهم السلام) ، على أن يكون قد توفّرت فيه ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون راوياً للحديث، وفي هذا الشرط بحث ذكرناه في محلّه، وخلاصته: أنّه هل تشترط الإجازة في الرواية، أو لا؟ وبيان ذلك في محلّه.

الشرط الثاني: أن يكون له نظر في الحلال والحرام.

ص: 292


1- الكافي 1 : 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، ح10، وج7 : 412، كتاب القضاء والأحكام، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح5، والوسائل 27 : 136، باب11 من أبواب صفات القاضي، ح1.

الشرط الثالث: أن يكون عارفاً بالأحكام.

وربّما يقال: إنّ المراد بهذين الشرطين، أن يكون مجتهداً مطلقاً، فإذا توفَّرت هذه الشرائط فيجب الرضا به؛ لأنّه مجعول من قبل الإمام (علیه السلام) .

المراد من الحاكم في مقبولة

وقد اختلفوا في المراد من قوله (علیه السلام) : «فليرضوا به حكماً؛ فإنّي جعلته عليكم حاكماً» بأنّ المقصود منه هل هو قاضي التحكيم، أو القاضي المنصوب؟ فإن كان الأول فمعناه: أنّ المتنازعين يختارون قاضياً يحكم فيما تنازعوا فيه، وإن كان الثاني فهو المنصوب من قِبل الإمام (علیه السلام) ، فلابدّ لهم من الرجوع إليه، سواء رضوا به أم لا.

وقد اختار جماعة من الأعلام: أنّ المراد به هو القاضي المنصوب، ومنهم: السيد الأستاذ (قدس سره) (1)؛

بقرينة قوله (علیه السلام) : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»، فإنّه بمنزلة العلّة لقوله: «فليرضوا به حكماً». فهذا القاضي بما أنّه منصوب من قبله (علیه السلام) فيجب عليهم الرضا به حَكَماً. وتفصيل ذلك وبيان الحق فيه موكول إلى محلّه من المباحث الفقهيّة.

ومحلّ الشاهد من الحديث الذي من أجله ذكره صاحب «الوسائل» هو قوله (علیه السلام) : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللَّه، وعلينا ردّ»، ومعنى ذلك: أنّ الحاكم إذا حكم بحكم الأئمة (علیهم السلام) ، فمن ردّه ولم يقبله فهو مستخفّ بحكم اللَّه، ورادّ على اللَّه تعالى، وعليهم (علیهم السلام) ، وهذا

ص: 293


1- انظر: مباني تكملة المنهاج (موسوعة الامام الخوئي) 41 : 10 - 11، ولكن السيد الخوئي (قدس سره) يرى قصور الرواية سنداً.

في حدّ الشرك.

فالفقيه - في المقام - واسطة في نقل الحكم عن الإمام (علیه السلام) ؛ لأنّه منصوب عنهم (علیهم السلام) . فردُّ حكمه وإنكاره وعدم قبوله - وإن لم يكن الحكم منه ضروريّاً، واحتمال الخلاف فيه موجود، إلّا أنّه من جهة كونه واسطة وناقلاً عن الإمام (علیه السلام) ، وهذا معلوم وضروري - موجب للاستخفاف بحكم اللَّه تعالى، وإنكار الضروري من الدين، ومآله الشرك باللَّه تعالى.

وقول الإمام (علیه السلام) : «على حدّ الشرك» فيه عدّة احتمالات:

الأول: أنّ عدم القبول من الحاكم المنصوب من قبل الإمام (علیه السلام) على مقربة من الشرك باللَّه تعالى، ومعنى حدّ الشرك: طرف الشرك.

الثاني: أنّ المراد أنّه داخل في الشرك، ومعنى حدّ الشرك هو نفس الشرك.

الثالث: أنّ المراد منه مرتبة من مراتب الشرك، وحدّ من حدوده؛ فإنّ للشرك حدوداً ومراتب، كالمرائي، فإنّه في مرتبة من مراتب الشرك.

الرابع: أنّ المراد التشبيه بالشرك؛ لبيان عظمة هذا الذنب، والمعنى: أنّ من ردّ حكم الحاكم المنصوب من قبلهم (علیهم السلام) فكأنّه أشرك باللَّه تعالى.

وعلى كلّ تقدير، فالمستفاد من الحديث هو: عدم جواز الردّ أو إنكار ما ثبت من الأحكام.

ص: 294

هذا، وقد ورد في نسخة «الوسائل»(1)

جملة «والرادّ علينا كافر ورادّ»، وهي زائدة؛ فإنّها غير مذكورة في المصدر، وكذلك في بقيّة الجوامع الناقلة له.

سند الحديث:

هذا الحديث يعرف بالمقبولة، وقد رواها الكليني والصدوق والشيخ، وتلقّاها الأصحاب بالقبول، فإن كان التلقّي بالقبول يكفي في اعتباره فهو، وإلّا فلابدّ من ملاحظة السند.

أمّا محمّد بن يحيى ومحمد بن عيسى - وهو: ابن عبيد اليقطيني - وصفوان بن يحيى: فقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا محمّد بن الحسين: فهو ابن أبي الخطّاب، قال عنه النجاشي: «محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، أبو جعفر الزيّات الهمداني، واسم أبي الخطاب: زيد، جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته»(2) .

وقال الشيخ: «كوفي، ثقة»(3)، وعدّه في «رجاله» تارةً في أصحاب الجواد (علیه السلام) قائلاً: كوفي، ثقة، وأخرى في أصحاب الهادي (علیه السلام) ، وثالثة في

ص: 295


1- في بعض طبعاتها، وإلّا فإنّ الطبعة التي بين أيدينا لا توجد فيها هذه الزيادة. وراجع: التهذيب 6 : 217، باب 1 من كتاب القضايا والأحكام، ح6، و301، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح52.
2- رجال النجاشي: 334/897.
3- فهرست الطوسي: 215/607.

أصحاب العسكري (علیه السلام) (1) .

وعدّه الكشّي من العدول الثقات من أهل العلم الذين رووا عن محمّد بن سنان(2)

وعدّه ابن شهرآشوب تارة من ثقات أبي جعفر محمّد بن علي (علیه السلام) ، واُخرى من ثقات أبي محمّد الحسن العسكري (علیه السلام) (3)

وأمّا داود بن الحصين: فقال عنه النجاشي: «داود بن حصين الأسدي، مولاهم، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وهو زوج خالة عليّ بن الحسن بن فضّال، كان يصحب أبا العباس البقباق، له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»(4) ومنه يظهر أنّ كتابه معروف.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «له كتاب»(5)، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) قائلاً: واقفي(6)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(7)

بحث رجالي في عمر بن حنظلة

وأمّا عمر بن حنظلة: فهو ممّن وقع الخلاف فيه، فذهب بعضهم إلى

ص: 296


1- رجال الطوسي: 379/5615، و391/5771، و402/5890 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 487 ، 525 .
4- رجال النجاشي: 159/421.
5- فهرست الطوسي: 124/277.
6- رجال الطوسي: 202/ 2572، و336/5007 .
7- أصول علم الرجال 1 : 221، وج2 : 191 .

القول بوثاقته كالشهيد الثاني وغيره(1)، وبعضهم إلى عدم ثبوت وثاقته، ومنهم السيد الأستاذ(2) (قدس سره) ، وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة(3) ستّة وجوه لتوثيقه، وناقشنا في الوجوه، إلّا في اثنين منها، وهما:

الأول: رواية المشايخ الثقات عنه، وهو يدلّ على الوثاقة.

والثاني: رواية الكليني في «الكافي» بسنده إلى يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إذاً، لا يكذب علينا»، الحديث(4) .

وهذا يدلّ على أنّ ابن حنظلة صدوق لا يكذب، وإنّما الإشكال في راوي الحديث، وهو يزيد بن خليفة؛ حيث لم يرد فيه توثيق، وبالتالي لا يمكن الاستشهاد بما رواه على وثاقة ابن حنظلة، ولكن يزيد بن خليفة روى عنه صفوان بن يحيى في موارد متعدّدة، وهو من المشايخ الثقات، وهذا أمارة على وثاقة ابن خليفة، وعليه فتكون الرواية معتبرة.

والحاصل: أنّ الحديث موثّق.

ص: 297


1- شرح البداية في علم الدراية 1 : 134، والرعاية في علم الدراية: 131، والمحدِّث النوري في خاتمة المستدرك 5 : 38 - 45، الفائدة الخامسة، ويظهر ذلك أيضاً من صاحب الوسائل 30 : 441، الفائدة الثانية عشرة، وص237 حيث ذكره في الجماعة الذين وثقهم الأئمة (علیهم السلام) و...، في التوثيقات العامة.
2- معجم رجال الحديث 14 : 31.
3- أصول علم الرجال 2 : 397 - 401 .
4- الكافي 3 : 275، باب وقت الظهر والعصر، ح 1.

[52] 13 - وعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ محمّد بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قِيلَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ: فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللَّهِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - ثمّ قَالَ: «فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

أسقط صاحب «الوسائل» جملاً من الحديث، وذكر محلّ الشاهد، وهو «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً».

وقد دلّ الحديث على أنّ الشهادة بالشهادتين لا توجب دخول المرء في الإيمان، ما لم تقرن بامتثال الفرائض التي افترضها اللَّه على العباد، ومنها: طاعة الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) ، كما مرّ مفصّلاً في الباب الأول، كما دلّ على أنّ مَنْ جحد الفرائض كان كافراً.

سند الحديث:

الضمير في «عنه» يعود إلى محمّد بن يحيى العطار، وقد تقدّمت ترجمته.

وأمّا أحمد بن محمد: فالظاهر أنّه ابن عيسى، وقد تقدّم أيضاً.

ص: 298


1- الكافي 2 : 33 ، كتاب الإيمان والكفر، باب بلا عنوان، ح 2.

وأمّا محمّد بن إسماعيل: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ستّة أشخاص ، وهم:

1 - محمّد بن إسماعيل النيسابوري.

2 - محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

3 - محمّد بن إسماعيل البرمكي.

4 - محمّد بن إسماعيل بن خثيم الكناني، له كتاب.

5 - محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني، ثقة، عين، روى عنه الثقات، وروى عنهم، له كتاب نوادر، ولقي أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

6 - محمّد بن إسماعيل الجعفري، له كتاب، روى عنه أبو العباس.

تعیین المراد بابن بزیع

والمراد به هنا: ابن بزيع؛ لأنّ الراوي لكتبه في طريق النجاشي والشيخ والصدوق إليه: هو أحمد بن محمّد بن عيسى، مضافاً إلى كثرة رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع في الكتب الأربعة في موارد كثيرة تصل إلى تسعة وأربعين مورداً، مضافاً أيضاً إلى تكرّر هذا السند في موارد متعدّدة، مع التصريح بأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن الفضيل.

وأمّا الخمسة الآخرون، فغير مرادين هنا؛ إمّا لعدم ملائمتهم من حيث الطبقة لأحمد بن محمّد بن عيسى، كما في الأولين: النيسابوري والبرمكي؛ وإمّا لعدم ثبوت روايته عنهم، كما في الباقين.

وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع: فقد قال عنه النجاشي: «أبو جعفر ...

ص: 299

كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل، له كتب... وقال أبو العباس بن سعيد في تاريخه: إنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع سمع منصور بن يونس، وحمّاد بن عيسى، ويونس بن عبد الرحمن، وهذه الطبقة كلّها، وقال: سألت عنه عليّ بن الحسن، فقال: ثقة، ثقة، عين»(1) .

وقال الشيخ: «له كتاب»، وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وأخرى من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «ثقة، صحيح، كوفي»، وثالثة من أصحاب الجواد (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(3)

وأمّا محمّد بن الفضيل: فهو وإن كان مشتركاً إلّا أنه ينصرف إلى الأزدي، وهو وإن ضعفه الشيخ في «رجاله» بقوله: «محمّد بن فضيل الكوفي الأزدي، ضعيف»(4)، إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)، فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بكونه ثقة في روايته، ضعيفاً في مذهبه لأجل رميه بالغلو والشاهد على ذلك أن الشيخ ذكره في موضع آخر من رجاله بقوله: «محمّد بن الفضيل، أزدي، صيرفي، يرمى بالغلو، له كتاب»(6).

ص: 300


1- رجال النجاشي: 330/893.
2- رجال الطوسي: 344/ 5130، و364/ 5393، و377/5590 .
3- أصول علم الرجال 1 : 236 .
4- رجال الطوسي: 343/5124.
5- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287 .
6- رجال الطوسي: 365/5423.

وأمّا أبو الصباح الكناني: فقال عنه النجاشي: «إبراهيم بن نعيم العبدي، أبو الصباح الكناني، نزل فيهم، فنسب إليهم، كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) يسميه الميزان؛ لثقته. ذكره أبو العباس في الرجال، رأى أبا جعفر (علیه السلام) ، وروى عن أبي إبراهيم (علیه السلام) ، له كتاب يرويه عنه جماعة»(1)، ومنه يظهر أنّ كتابه مشهور.

وقال الشيخ: «أبو الصباح الكناني، قال ابن عقدة: اسمه إبراهيم بن نعيم، له كتاب»(2).

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الباقر (علیه السلام) قائلاً: «إبراهيم بن نعيم العبدي الكناني، يكنّى أبا الصباح، كان يسمّى الميزان؛ من ثقته»، وعدّه أيضاً في أصحاب الصادق (علیه السلام) (3)

، وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام. (4)،

وذكر الكشّي في حقّه: «محمد بن مسعود، قال: قال عليّ بن الحسن: أبو الصباح الكناني ثقة»(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

وعليه فالحديث معتبر.

ص: 301


1- رجال النجاشي: 19 - 20/24 .
2- فهرست الطوسي: 271/840.
3- رجال الطوسي: 123 /1230، و156/1729 .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 31.
5- اختيار معرفة الرجال 2: 640/659.
6- أصول علم الرجال 1 : 212 ، 290، و ج2 : 179 .

[53] 14 - وعَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ محمّد بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَذِنَ لِمُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحُدُودَ، وقِسْمَةَ الْفَرَائِضِ، وأَخْبَرَهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا وبِهَا النَّارَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا، وأَنْزَلَ فِي بَيَانِ الْقَاتِلِ: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً}(1)، ولا يَلْعَنُ اللَّهُ مُؤْمِناً، وقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا ولا نَصِيراً}(2)، وأَنْزَلَ فِي مَالِ الْيَتَامَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}(3)، وأَنْزَلَ فِي الْكَيْلِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}(4)4*)، ولَمْ يَجْعَلِ الْوَيْلَ لأَحَدٍ حتّى

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل جدّاً، وقد تقدّم شطر منه في الحديث الخامس عشر من

ص: 302


1- النساء، الآية 93.
2- الأحزاب، الآية 64 - 65.
3- النساء، الآية 10.
4- 4*) المطففين، الآية 1.

يُسَمِّيَهُ كَافِراً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(1)1*)، وأَنْزَلَ فِي الْعَهْدِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً اُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ}(2)2*)، الآيَةَ، والْخَلاقُ: النَّصِيبُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الآخِرَةِ فَبِأَيِّ شَيْ ءٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟! وأَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلّا زانٍ أَوْ مُشْرِك وحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(3)3*)، فَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ الزَّانِيَ مُؤْمِناً ولا الزَّانِيَةَ مُؤْمِنَةً، وقَالَ رَسُولُ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): - لَيْسَ يَمْتَرِي(4)4*) فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ - : لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ

-----------------------------------------------------------------------------

الباب الأول. ودلالته على نحو الإجمال: أنّ اللَّه سبحانه بعث الأنبياء بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه، والإقرار بما جاء من عند اللَّه، والعمل به، فمن آمن باللَّه وأقرّ بما جاء من عند اللَّه ومات على ذلك دخل الجنة، وذلك منهاج وسبيل كلّ نبي، فهو مركّب من أمرين: الأول: الشهادتان، والثاني: الإقرار بما جاء من اللَّه والعمل به، ومن خالف فليس بمؤمن، بل هو كافر.

وعلى ذلك بعث اللَّه سبحانه نبينا محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكانت المرحلة الأولى - وهي أوّل البعثة بمكّة في مدّة عشر سنوات - تدور حول الإيمان باللَّه ونبيّه،

ص: 303


1- 1*) مريم، الآية 37.
2- 2*) آل عمران، الآية 77.
3- 3*) النور، الآية 3.
4- 4*) الامتراء في الشي ء: الشك فيه. (لسان العرب 15 : 278، مادة: «مرا»).

مُؤْمِنٌ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُلِعَ عَنْهُ الإِيمَانُ كَخَلْعِ الْقَمِيصِ، ونَزَلَ بِالْمَدِينَةِ: {والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ - إِلَى قَوْلِهِ: - وأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إلَّا الَّذِينَ تابُوا}(1)1*)، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مَا كَانَ مُقِيماً عَلَى الْفِرْيَةِ مِنْ أَنْ يُسَمَّى بِالإِيمَانِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}(2)2*)، وجَعَلَهُ اللَّهُ مُنَافِقاً؛ قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ}(3)3*)، وجَعَلَهُ مَلْعُوناً، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيا والآخِرَةِ}(4)4*)» (5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

يعني: الشهادتين، وفي تلك المدّة كلّ من أقرّ بالشهادتين دخل الجنة، وإن كانت هناك أحكام أخرى، ولكن لم يتوعّد عليها النار.

ثمّ ابتدأت المرحلة الثانية من هجرته(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى المدينة، حيث بني الإسلام على الخمس: الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان، وأنزلت سائر الأحكام وثبتت، من الواجبات والمحرّمات، وتوعّد عليها النار.

ومن خالف هذه الأمور حكم بكفره، وقد استدلّ الإمام على ذلك بعدّة

ص: 304


1- 1*) النور، الآية 4 ، 5 .
2- 2*) السجدة، الآية 18.
3- 3*) التوبة، الآية 67.
4- 4*) النور، الآية 23.
5- 5*) الكافي 2 : 28 ، باب بدون عنوان، ح 1.

من الآيات، كقتل مؤمن متعمّداً، وأكل مال اليتيم ظلماً، وتطفيف المكيال، ونقض العهد، والزنا، والسرقة، والإقامة على رمي المحصنات.

فارتكاب هذه الأمور يوجب الخروج من الإيمان، ويكون مرتكبها كافراً في العمل، وإن كان يرجع إلى الإيمان بعد التوبة والاستغفار.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حول السند في الحديث الخامس عشر من الباب الأول.

والحاصل منه: أنّ الحديث مرسل، وفيه عدّة مجاهيل. ولكن لمّا كان موجوداً في «الكافي»، فبناء على القول باعتبار شهادة الكليني (قدس سره) ، وتماميّتها وعدم المناقشة فيها يكون معتبراً.

ص: 305

[54] 15 - الْحَسَنُ بْنُ عليّ بْنِ شُعْبَةَ فِي «تُحَفِ الْعُقُولِ»، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «ويَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ بِخَمْسِ جِهَاتٍ مِنَ الْفِعْلِ، كُلُّهَا مُتَشَابِهَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ: الْكُفْرِ، والشِّرْك، والضَّلالِ، والْفِسْقِ، ورُكُوبِ الْكَبَائِرِ، فَمَعْنَى الْكُفْرِ: كلّ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا بِجِهَةِ الْجَحْدِ والإِنْكَارِ والاسْتِخْفَافِ والتَّهَاوُنِ فِي كلّ مَا دَقَّ وجَلَّ، وفَاعِلُهُ كَافِرٌ، ومَعْنَاهُ مَعْنَى كُفْرٍ(1)، مِنْ أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ، ومِنْ أَيِّ فِرْقَةٍ كَانَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ(2) بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي مَالَ بِهَوَاهُ إِلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمَعْصِيَةِ بِجِهَةِ الْجُحُودِ والاسْتِخْفَافِ والتَّهَاوُنِ فَقَدْ كَفَرَ. وإِنْ هُوَ مَالَ بِهَوَاهُ إِلَى التَّدَيُّنِ بِجِهَةِ التَّأْوِيلِ والتَّقْلِيدِ والتَّسْلِيمِ والرِّضَا بِقَوْلِ الآبَاءِ والأَسْلافِ فَقَدْ أَشْرَك»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

الحديث طويل، وقد ذكر مقدار الحاجة منه، وصريح الحديث: أنّ الإنسان يخرج عن الإيمان بخمسة أشياء: الكفر، الشرك، الضلال، الفسق، ركوب الكبائر.

ص: 306


1- في المصدر: الكفر.
2- وفيه: تكون منه معصية.
3- تحف العقول: 330، كلامه (علیه السلام) في صفة الخروج من الإيمان.

ومعنى الكفر هو كلّ معصية عصي اللَّه بها لجهة الجحد والإنكار والاستخفاف والتهاون، سواء كانت هذه المعصية صغيرة أو كبيرة. ومعنى كفره خروجه عن الإسلام من أيّ ملّة أو فرقة كان. وإن كان هواه للمعصية من جهة التأويل لظاهر الكلام والتقليد والتسليم بقول الآباء والأسلاف فهو مشرك.

وعليه فإنكار الضروريّ أو ما ثبت أنّه من الدين من جهة التهاون أو الاستخفاف يكون موجباً للكفر.

سند الحديث:

البحث حول كتاب تحف العقول

فصّلنا القول في مباحثنا الرجاليّة(1) حول «تحف العقول»، وذكرنا ثلاث جهات، نوردها هنا على سبيل الإيجاز:

الجهة الأولى: في المؤلِّف، وهو الحسن بن عليّ بن شعبة، وهو وإن كان معاصراً للشيخ الصدوق (قدس سره) ، ومن تلاميذ أبي عليّ محمّد بن همام الثقة الجليل، إلّا أنّ الكتب الرجاليّة المتقدّمة لم تتعرّض لترجمته. نعم، ذكره المتأخّرون، وهو من المشهورين. وعليه فمن البعيد أن يكون مدح المتأخّرين وتوثيقهم له بلا مستند، وأن لا يكون مدركهم أقوال أو كتب من تقدّمهم، فيكون جانب الحسّ أقوى، وبه يكتفى في اعتباره، والحكم بوثاقته، بل يظهر أنّه من الأجلّاء.

ص: 307


1- أصول علم الرجال 1 : 480 - 484 .

[55] 16 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِهِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}؟(1)، قَالَ: «إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ، وإِمَّا تَارِك فَكَافِرٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الجهة الثانية: الطريق إلى الكتاب، فقد عدّه صاحب «الوسائل» من الكتب المعتمدة التي وصلت إليه، إلّا أنّه لم يتعرّض لطريقه بخصوصه، ولكنّه مشمول لقوله: «... ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها، والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا، رضي اللَّه عنهم جميعاً»(3)

، مضافاً إلى أنّ الكتاب مشهور.

الجهة الثالثة: في شهادة المؤلِّف على اعتبار الأسناد، وصحّة الروايات في الكتاب لا تخلو عن الإجمال. ولا يفهم منها أنّ روايات الكتاب كلّها كانت مسندة، ولا أنّها كلّها منقولة عن الثقات، فينبغي الاحتياط في الأخذ برواياته، إلّا أن يحصل الاطمئنان.

[16] - فقه الحديث:

تقدّم بيان الحديث في الحديث الخامس من نفس الباب. ونضيف هنا:

ص: 308


1- الإنسان، الآية 3.
2- تفسير القمّي 2 : 398.
3- وسائل الشيعة 30 : 189 ، الفائدة الخامسة.

أنّ في هذا الحديث ردّاً على المجبّرة الذين يزعمون: أنّهم لا فعل لهم، وإنّما الفاعل هو اللَّه سبحانه وتعالى فحسب. فيكون المعنى: أنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد بيّن طريق الخير وطريق الشرّ، بواسطة نصب الحجج (علیهم السلام) ، وتبليغهم الأحكام والمعارف الحقّة. فإمّا أن يختار الإنسان الشكر للَّه سبحانه - بحسن اختياره - فيوافق الحقّ وأهله، وإمّا أن يكفر بسوء اختياره، فيكون ضالاًّ عن السبيل الحقّ. وليس المعنى: أنّه سبحانه سلب اختيار الإنسان في ذلك؛ فإنّه سبحانه وتعالى صدرت منه الهداية لجميع المكلّفين، فمنهم من يؤمن، ومنهم من يكفر ويجحد.

سند الحديث:

قد روى الحديث علي بن إبراهيم في «تفسيره»، وقد تقدّم الكلام في عليّ بن إبراهيم وكتابه «التفسير» في الحديث الثاني من الباب الأول.

وهنا ملاحظتان:

الأولى: أنّ ابن عمير يروي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، ولابدّ أن يكون المراد به: أبا جعفر الثاني الإمام الجواد (علیه السلام) لا الإمام الباقر (علیه السلام) ؛ لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الباقر (علیه السلام) ، وإنّما أدرك الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وكان من أصحاب الإمامين الرضا والجواد (علیهما السلام) .

الثانية: نسب صاحب «الوسائل» الحديث إلى عليّ بن إبراهيم في

ص: 309

«تفسيره»، وقد ذكرنا(1):

أنّ الظاهر كون الكتاب مركّباً من تفسير عليّ بن إبراهيم وأبي الجارود زياد بن المنذر، وهذه الرواية - بحسب الظاهر - ممّا رواها الجامع للتفسيرين؛ لأنّ أحمد بن إدريس من مشايخ الكليني، ومن المعاصرين لعلي بن إبراهيم، ولم ترد رواية واحدة في الكتب الأربعة يرويها عليّ بن إبراهيم عنه، بل إنّ ابن إدريس هو الذي يروي عن عليّ بن إبراهيم. ومن هنا يتبيّن أنّ الجامع - وهو: أبو الفضل العباس بن محمّد بن القاسم بن حمزة - يروي عن أحمد بن إدريس، وبما أنّه غير معروف، ولم يترجم في الكتب الرجاليّة، فالحديث غير معتبر؛ لأنّ الشخص الذي يروي عن أحمد بن إدريس مجهول.

نعم، لو كان الراوي عليّ بن إبراهيم فهي معتبرة مع توفّر الشرائط التي ذكرناها في مباحثنا الرجاليّة(2)

من كون الراوي منّا، والرواية متّصلة ومنتهية إلى المعصوم (علیه السلام) ، ولكنّ الأظهر كون الراوي هو الجامع، فلا تكون معتبرة.

نعم، تقدّم مضمون الحديث مع اختلاف يسير جدّاً، وكان السند معتبراً، فيمكن اعتبار المتن، دون السند؛ بناء على كون الراوي هو الجامع.

هذا، وعلي بن إبراهيم، وأحمد بن إدريس أبو عليّ الأشعري، وأحمد بن محمّد - وهو ابن عيسى - ومحمد بن أبي عمير قد تقدّم البحث حولهم، وأنّهم من الثقات.

ص: 310


1- أصول علم الرجال 1 : 273- 275 .
2- أصول علم الرجال 1 : 271 - 273 .

[56] 17 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الْقُمِّيِّ(1)، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ ولا يُزَكِّيهِ إِذَا تَرَك فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، أَوِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ»، قَالَ: قُلْتُ: لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، قَدْ أَشْرَك بِاللَّهِ»، قُلْتُ: أَشْرَك بِاللَّهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِأَمْرٍ وأَمَرَهُ إِبْلِيسُ بِأَمْرٍ، فَتَرَك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وصَارَ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ إِبْلِيسُ، فَهَذَا مَعَ إِبْلِيسَ فِي الدَّرْك السَّابِعِ مِنَ النَّارِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ تارك الفريضة - استخفافاً منه بالأمر الإلهي - غير مشمول للرحمة الإلهيّة، ولا نصيب له في الآخرة، وكذا مرتكب الكبيرة. فاللَّه تبارك وتعالى لا ينظر إلى عبده إذا ترك فريضة من الفرائض، أو ارتكب كبيرة من الكبائر، وعليه فهو مشرك؛ والوجه في كونه مشركاً: أنّه

ص: 311


1- في المصدر: «النوفلي» بدل «القمي».
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 246، عقاب من ترك فريضة من فرائض الله وارتكب كبيرة من الكبائر، ح1.

لم يطع اللَّه سبحانه، وإنّما أطاع إبليس لعنه اللَّه، فأشرك في طاعته.

والترك لما ذكر يتصوّر على وجهين:

تارة: يكون على وجه الاستخفاف والجحد، فهو مشرك حقيقة، وهو موجب للكفر.

وأخرى: لا يكون كذلك، بل لمجرّد العصيان والمخالفة، فهو مشرك في الواقع؛ لأن إطاعة إبليس وأوليائه توجب الشرك، تماماً كما هو الحال عند أولياء إبليس، فإنّهم مشركون بلا شكّ. وصيرورة متّبع إبليس ومتّبع أوليائه مشركاً مثلهم؛ إمّا لأجل الاستنان بسنتهم في الشرك، أو لأنّ المطيع لهم يصبح وليّاً من أولياء إبليس، فيكون منهم، ويشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(1)

ومن أمثلة كون المطيع لإبليس مشركاً: ما ورد من قوله سبحانه وتعالى:

{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(2)

وقد قال الشيخ في «التبيان»: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} أيّها المؤمنون فيما يقولون من استحلال أكل الميتة وغيره {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ؛ لأنّ من استحلّ الميتة كافر بالإجماع، ومن أكلها محرِّماً لها مختاراً فهو فاسق، وهو

ص: 312


1- المائدة، الآية 51.
2- الأنعام، الآية 121.

قول الحسن، وجماعة من المفسرّين(1) .

سند الحديث:

أمّا محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، وعلي بن أحمد - وهو ابن موسى الدقّاق - ومحمد بن سنان، والمفضل بن عمر: فقد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا محمّد بن جعفر الأسدي: فقال عنه النجاشي: «محمد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الري، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللَّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء»(2) .

وقال الشيخ: «محمد بن جعفر الأسدي، يكنّى أبا الحسين، كان أحد الأبواب» (3).

وذكر في «الفهرست»: أنّ له كتاباً(4)، وذكره في باب من لم يرو عنهم (علیهم السلام) (5) .

وقال في كتاب «الغيبة»: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم:

ص: 313


1- التبيان في تفسير القرآن 4 : 257.
2- رجال النجاشي: 373/1020.
3- رجال الطوسي: 439/6278.
4- فهرست الطوسي: 229/660.
5- رجال الطوسي: 439/6278.

أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رحمه اللَّه ... عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين: قبض شي ء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمّد بن جعفر العربي، فليدفع إليه؛ فإنّه من ثقاتنا»، ثمّ قال: «ومات الأسدي على ظاهر العدالة، ولم يطعن عليه»(1) ، وهو من مشايخ الكليني.

بحث رجالي في الحسین بن یزید النوفلي

وأمّا موسى بن عمران النخعي: فلم يرد فيه توثيق. نعم، ورد في القسم الثاني من «التفسير» (2)،

وفي أسناد «كامل الزيارات»، إلّا أنه ليس من مشايخه، وهو الذي روى الزيارة الجامعة على نسخة، وفي بعضها عبد اللَّه بن عمران.

وأمّا الحسين بن يزيد القمي: فلم نجد له رواية بهذا العنوان، ولم يذكر في كتب الرجال. نعم، ورد عن الحسين بن يزيد النخعي، والظاهر: أنّ القمّي هو النخعي، أي: النوفلي. وموسى بن عمران النخعي كثير الرواية، وفي بعضها عن عمّه(3).

فالظاهر: أنّ هذا الشخص هو النخعي، والقمي إمّا تصحيف، أو أنّه صار قمّياً فيما بعد، كما أنّه سكن الري.

ويشهد له: ما هو المثبت في المصدر من أنّه النوفلي، وهو لم يوثّق في

ص: 314


1- غيبة الطوسي: 415 ، 417 .
2- أصول علم الرجال 1 : 313.
3- من لا يحضره الفقيه3 : 313، ح 4119، و ج4 : 179، ح 5406، وص 351، ح 5758، وغيرها كثير.

كتب الرجال، إلّا أنّ النجاشي قال عنه: «الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبد الملك النوفلي - نوفل النخع - مولاهم، كوفي، أبو عبد اللَّه، كان شاعراً، أديباً، وسكن الري، ومات بها. وقال قوم من القميّين: إنّه غلا في آخر عمره، واللَّه أعلم، وما روينا له رواية تدلّ على هذا»(1)، وهذا لا يفيد إلّا المدح.

وقال الشيخ: «له كتاب»، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الرضا (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد (نوادر الحكمة)، وفي (تفسير القمي) بعنوان النوفلي في موارد كثيرة(3).

ولكن بما أنّه يروي عن السكوني في هذه الموارد - وهو عامّي - فلا تشمله الشهادة المذكورة في التفسير، وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة: أنّ الحكم بوثاقة الرواة يتوقّف على ثلاثة شروط:

1 - أن يكون الراوي منّا، أي: لا يكون من العامّة؛ لقوله: «ثقاتنا».

2 - أن تكون الرواية متّصلة؛ لقوله: «ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا».

3 - أن تنتهي الرواية إلى المعصوم (علیه السلام) ؛ لقوله: «عن الذين فرض اللَّه طاعتهم»، فيخرج ما كان منتهياً إلى غير المعصوم (علیه السلام) .

فإذا تحقّقت هذه الشروط في مورد شمله التوثيق، وإلّا فلا(4)

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف بموسى بن عمران النخعي، إلَّا أنه

ص: 315


1- رجال النجاشي: 38/77.
2- فهرست الطوسي: 114/234، ورجال الطوسي: 355/5265.
3- أصول علم الرجال 1 : 220 ، 292 .
4- المصدر نفسه 1 : 272 - 273.

[57] 18 - وفِي كِتَابِ «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ ابْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: وأَوْرَدَهُ فِي «جَامِعِهِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِسْلامُ قَبْلَ الإِيمَانِ، وهُوَ يُشَارِك الإِيمَانَ. فَإِذَا أَتَى الْعَبْدُ بِكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي، أَوصَغِيرَةٍ مِنْ صَغَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، كَانَ خَارِجاً مِنَ الإِيمَانِ، وثَابِتاً عَلَيْهِ اسْمُ الإِسْلامِ. فَإِنْ تَابَ واسْتَغْفَرَ عَادَ إِلَى الإِيمَانِ، ولَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى الْكُفْرِ والْجُحُودِ والاسْتِحْلالِ. وإِذَا قَالَ لِلْحَلالِ: هَذَا حَرَامٌ، ولِلْحَرَامِ: هَذَا حَلالٌ، ودَانَ بِذَلِكَ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ خَارِجاً مِنَ الإِيمَانِ والإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يمكن تصحيحه من جهة أن للشيخ الصدوق (رحمه الله) طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات محمّد بن سنان الخالية من الغلوّ والتخليط على ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في فهرسته(3).

[18] - فقه الحديث:

لم يذكر صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه، وإنّما أورد محلّ الشاهد،

ص: 316


1- في المصدر: قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : جعلت فداك... .
2- التوحيد: 228.
3- فهرست الطوسي: 219/619.

و نحن ننقل قطعة منه مكمّلة لما ذكره هنا، وكان ينبغي له ذكرها، وهي: «وسألت - رحمك اللَّه - عن الإيمان، فالإيمان هو الإقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالأركان. فالإيمان بعضه من بعض. وقد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً. فالإسلام قبل الإيمان...».

توجیه خروج صاحب الكبیرة عن الإیمان

وحاصله: أن الإسلام قبل الإيمان، فبعد أن عرّف الإمام الإيمان، وأنّه: «الإقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل بالأركان»، قال: «قد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً. فالإسلام قبل الإيمان، وهو يشارك الإيمان»، فمن خرج عن الإسلام خرج عن الإيمان، ومن خرج عن الإيمان لم يخرج عن الإسلام. فإذا أتى بكبيرة أو بصغيرة من المعاصي - أعمّ من أن يكون عن إصرار أو غير إصرار - يخرج عن الإيمان، وهو ثابت على الإسلام. فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان - وهذا تفضّل منه تعالى - ولم يخرج إلى الكفر والجحود والاستحلال بارتكاب المعاصي.

ومحلّ الشاهد: أنّ من أنكر شيئاً من الأحكام، وقال للحلال حرام، وللحرام حلال، والتزم واعتقد بذلك، فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان. فالجحود والإنكار واستحلال أيّ حكم موجب للكفر والارتداد.

وهذا الحديث مخالف لما عليه الأصحاب؛ فإنّه دلّ بظاهره على أنّ الإتيان بالكبيرة الواحدة موجب للخروج عن الإيمان. ويمكن أن يحمل إمّا

ص: 317

على الخروج من الإيمان الكامل، أو على الخروج من درجته الإيمانيّة التي يكون فيها؛ فإنّ الإيمان درجات، ولكل مؤمن درجة تخصّه، فهو يترقّى إلى الدرجة الأعلى من درجته التي هو فيها بسبب بعض الأعمال، ويتنزّل عنها بسبب بعض الأعمال الأخرى، كما بُيّن ذلك في بعض الروايات. فلعل المراد هنا من الخروج من الإيمان بسبب ارتكاب الكبيرة: أنّه يخرج عن درجته التي هو فيها بسبب اقتراف الكبيرة، فيتنزّل لما هو أدون منها، بدون أن يخرج من الإيمان بالكلّيّة، وكلّما خرج من درجة من درجات الإيمان دخل في مقابلها من دركات الكفر، كلّ مرتبة بحسبها، إلى أن يكاد ينعدم الفرق بينه وبين الكافر، كما هو المستفاد من العديد من الروايات.

وهذان الوجهان من الحمل ينفعان في كثير من الفروع التي مرّ ذكر بعضها، ويأتي بعضها الآخر في تضاعيف الأبواب، ولعلّ منها آية الحج، وهي قوله تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}(1)

ومنها: قوله (علیه السلام) : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»(2) .

ومنها: قوله (علیه السلام) : «إنّ المؤمن لا يخون»(3) .

ص: 318


1- آل عمران، الآية 97.
2- الكافي 5 : 123، باب القمار والنهبة، ح 4.
3- المصدر نفسه 5 : 94، باب الدين، ح 9.

ومنها: قوله (علیه السلام) : «إنّ تارك الصلاة كافر» يعني: من غير علّة (1)

سند الحديث:

روى المصنّف هذا الحديث بطريقين:

الطريق الأول: ما رواه الصدوق في كتاب «التوحيد»، وطريق صاحب «الوسائل» إليه معتبر، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ الصدوق،

وكتاب «الجامع» أيضاً معتبر، وقد تقدّم حالهما ووثاقتهما.

وأمّا عبد الرحيم القصير: فقد عدّ من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وممّن أدرك الباقر (علیه السلام) (2)

، ولم يرد فيه توثيق، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمي» في نسخة موافقة لتفسير «البرهان» أيضاً، وفي نسخة أخرى: عبد الرحمن القصير. والظاهر: أنّ الأول هو الصحيح؛ بقرينة سائر الروايات. وروى عنه المشايخ الثقات كما في «التفسير» (3).

وعليه فهذا الطريق معتبر. مضافاً إلى أنه يمكن تصحيحه من جهة حماد بن عثمان، الذي هو من أصحاب الإجماع، وأيضاً من جهة وجود الحديث في «جامع» ابن الوليد، وهو من الكتب المشهورة المعوَّل عليها كما ذكره الصدوق (رحمه الله) في أوّل الفقيه. (4)

وأمّا الطريق الثاني: فقدّ تقدّم ذكرهم أيضاً.

ص: 319


1- الكافي 2 : 279، باب الكبائر، ح 8.
2- رجال الطوسي: 237/3241.
3- أصول علم الرجال 1 : 282، و2 : 198.
4- من لا يحضره الفقيه 1 : 4.

[58] 19 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ فِي كِتَابِ «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمّد - يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى - عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ (بِأَنَّكُمْ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا ذُكِرَتْ(1) ولَمْ يَجْحَدْهُ؟ قَالَ: «أَمَّا إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي عِلْمِنَا فَلَمْ يَثِقْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ، فَهُوَ فِي عُذْرٍ حتّى يَسْمَعَ» ثمّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّ الطريقين معتبران.

[19] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمور:

منها: أنّه لا يسع المؤمن عدم القبول ممّن يوثق به في معارف الأئمة (علیهم السلام) ، إذا أخبره ببعض مقاماتهم وفضائلهم (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ من قامت عليه الحجّة من إخبار الثقات ولم يثق بمضمون ما أُخبر به فهو كافر، غير معذور في ذلك. وإثبات الكفر له هنا يمكن أن

ص: 320


1- في المصدر: بما يأتيكم في ليلة القدر كما ذكر.
2- بصائر الدرجات: 244، ح 15.

يكون لاستلزامه تكذيب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولو بوسائط، ولا ريب في أنّ مكذّب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) كافر.

ومنها: أنّ إخبار الثقة حجّة، يجب الأخذ به مطلقاً؛ لأنّ الحديث مطلق، لم يقيّد بالأحكام أو بالمعارف، فيشمل ما إذا أخبر الثقة عن حكم شرعي أو عن شي ء من الأصول الاعتقاديّة، بلا فرق.

ويشهد له: أنّ المسؤول عنه كان أمراً يتعلّق بالمعارف المرتبطة بمقامات الأئمة (علیهم السلام) .

وقد أشرنا في الحديث الثاني عشر من هذا الباب إلى أنّه لا يجوز التشكيك فيما يرويه الثقة من أحاديث عن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ من لم تقم عليه الحجّة - ولو بواسطة إخبار الثقة - فهو معذور حتّى يصله البيان.

ومنها: التأكيد على لزوم تصديق المؤمنين بالاستدلال بالآية الشريفة. وقد ورد الاستشهاد من قبل الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة في مقام لزوم ترتيب الأثر على إخبار المؤمنين عن فسق بعض من يتعامل معهم المؤمن؛ ففي «تفسير العيّاشي»: عن حمّاد، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) - في مَنْ شرب الخمر بعد أن حرّمها اللَّه على لسان نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) - قال: «ليس بأهل أن يزوَّج إذا خطب، وأن يصدَّق إذا حدَّث، ولا يشفَّع إذا شُفِّع، ولا يؤتمن على أمانة. فمن ائتمنه على أمانة فأهلكها أو ضيّعها فليس للذي ائتمنه أن يأجره اللَّه، ولا يخلف عليه». قال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إنّي أردت أن

ص: 321

أستبضع بضاعة إلى اليمن، فأتيت أبا جعفر (علیه السلام) ، فقلت: «إنّي أردت أن أستبضع فلاناً، فقال لي: أما علمت أنّه يشرب الخمر فقلت: قد بلغني عن المؤمنين يقولون ذلك، فقال: صدِّقهم؛ لأن اللَّه يقول: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} ثمّ قال: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس على اللَّه أن يأجرك، ولا يخلف عليك. فقلت: ولِمَ؟ قال: لأنّ اللَّه تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} فهل سفيه أسفه من شارب الخمر؟. إنّ العبد لا يزال في فسحة من ربّه ما لم يشرب الخمر، فإذا شربها خرق اللَّه عليه سرباله، فكان ولده وأخوه وسمعه وبصره ويده ورجله إبليس، يسوقه إلى كلّ شر، ويصرفه عن كلّ خير»(1)

وفي «تفسير العياشي» أيضاً، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن، فأتيت إلى أبي جعفر (علیه السلام) ، فقلت: إنّي أريد أن أستبضع فلاناً، فقال لي: أما علمت أنّه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك، فقال: صدِّقهم؛ فإنّ اللَّه يقول: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}. فقال: يعني: يصدِّق اللَّه، ويصدِّق المؤمنين؛ لأنه كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين»(2) .

ص: 322


1- تفسير العيّاشي 1 : 246، في تفسير الآية5 من النساء، ح21 .
2- المصدر نفسه 2 : 101، ح83 ، في سورة التوبة.

وقد استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}(1)

، أي: لابدّ من الاعتقاد بما قال المؤمن، إذا كان ثقة، ولا يجوز ردّ خبره.

ومن هذا الجواب يمكن أن يقال: إنّ صاحب «الوسائل» استظهر الحكم بالكفر على كلّ من وصل إليه حكم شرعي عن طريق الثقات ولم يقرّ به، سواء كان ضروريّاً، أو غير ضروريّ.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن الحسن الصفّار صاحب كتاب «بصائر الدرجات»، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب: فقد تقدّما.

وأمّا عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى: الملقّب ب- «بنان»، وهو: أخو أحمد بن محمّد بن عيسى، فقد ذكره الكشّي(2)

، ولم يرد فيه توثيق.

نعم ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(3) ، وهو كافٍ في وثاقته.

وأمّا محمّد بن عبد اللَّه: فهو ابن هلال؛ لأنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب يروي عن هذا الشخص، ولم يرو عنه غيره، وهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(4)، وهو كافٍ في وثاقته.

ص: 323


1- التوبة، الآية 61.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/980.
3- أصول علم الرجال 1 : 215 .
4- المصدر نفسه 1 : 237 .

وأمّا يونس: فهو مردّد بين يونس بن عبد الرحمن، وبين يونس بن يعقوب. والظاهر أنه الثاني؛ لأنّه هو الذي يروي عن عمر بن يزيد، وقد قال النجاشي فيه: «يونس بن يعقوب بن قيس، أبو عليّ الجلاّب البجلي الدهني - إلى أن قال - : اختصّ بأبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكان يتوكل لأبي الحسن (علیه السلام) ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا (علیه السلام) ، فتولّى أمره، وكان حظيّاً عندهم موثّقاً»(1)

وقال الشيخ: «يونس بن يعقوب، له كتاب»(2) ، وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: «يونس بن يعقوب، مولى نهد، له كتب، ثقة»، وثالثة في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «يونس بن يعقوب، ثقة، له كتاب، من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(3)

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(4) .

ووردت فيه عدّة روايات مادحة(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

ص: 324


1- رجال النجاشي: 446/1207. والحظي: الذي أحبه الناس ورفعوا منزلته، المنجد: 141، مادة «حظا».
2- فهرست الطوسي: 266/814.
3- رجال الطوسي: 323/4827، و345/ 5160، و 368/5477. .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 34.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 683/721، و685/723، 724، و686/726.
6- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289، و ج2 : 218 .

وأمّا عمر بن يزيد: فهو مشترك بين الصيقل، وبين بيّاع السابري، والمعروف هو عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابري؛ لأنه الأشهر، وبقرينة الصفّار الذي ذكر روايات السابري كما يظهر من الشيخ (رحمه الله) في فهرسته(1). وعليه فينصرف إلى السابري عند الإطلاق.

قال النجاشي: «عمر بن محمّد بن يزيد، أبو الأسود، بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفي، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كلّ سنة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أصحاب كتب الرجال، له كتاب في مناسك الحج وفرائضه وما هو مسنون من ذلك، سمعه كله من أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(2) .

وقال الشيخ: «عمر بن يزيد، ثقة، له كتاب»(3) ، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) مرّتين، وعدّه في أصحاب الكاظم (علیه السلام) أيضاً، وقال: «عمر بن يزيد بيّاع السابري، ثقة، له كتاب»(4) .

وقال الكشي: «... عن عمر بن يزيد، قال: قال لي أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : يابن يزيد، أنت - واللَّه - منّا أهل البيت، قلت له: جعلت فداك، من آل محمد؟ قال: إي واللَّه، من أنفسهم، قلت: من أنفسهم؟ قال: إي واللَّه، من أنفسهم يا عمر.

ص: 325


1- فهرست الطوسي: 184/502.
2- رجال النجاشي: 283/751.
3- فهرست الطوسي: 184/502.
4- رجال الطوسي: 252/3541، و 253/3548، و339/5046.

[59] 20 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ - يَعْنِي: لَيْثَ بْنَ الْبَخْتَرِيِّ الْمُرَادِيَّ - قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَرَأَيْتَ الرَّادَّ عَلَى هَذَا الأَمْرِ كَالرَّادِّ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرَ فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وعَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أما تقرأ كتاب اللَّه عزّوجلّ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(2)»(3).

وورد في «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وعليه فالحديث معتبر.

[20] - فقه الحديث:

ظاهر الحديث يدل على أنّ الرادّ على أمر الولاية كالرادّ على الأئمة (علیهم السلام) ، وهو موجب للكفر؛ حيث قال الإمام (علیه السلام) : «يا أبا محمد، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرادّ على رسول اللَّه، وعلى اللَّه عزّوجلّ»،

ص: 326


1- المحاسن 1 : 295، ح 591.
2- آل عمران، الآية 68.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 623/605.
4- أصول علم الرجال 1 : 285، و ج2 : 204، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 425، المشيخة.

ورَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ والْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، جَمِيعاً، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ولا ريب في أنّ الرادّ عليهما كافر، وكذلك الرادّ عليك هذا الأمر أيضاً. ولكن مورد هذا الحديث أمر الولاية فقط، والتعدّي عنه يحتاج إلى دليل.

والظاهر من صاحب «الوسائل» أنّه استفاد منه التعميم، وأنّ إنكار وردّ كلّ حكم - سواء كان في أمر الولاية أو غيره - موجب للكفر. وقد مرّ ما يفيد التعميم بظاهره.

وفي الكافي «...أرأيت الرادّ عليَّ هذا الامر كالرادّ عليكم...»(2)،

والظاهر أنه الصحيح بقرينة جواب الإمام (علیه السلام) .

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: ما رواه البرقيّ في «المحاسن»، وقد تقدّم ذكر جميع رجال السند ماعدا ليث بن البختري المرادي، قال النجاشي في حقه: «أبو محمد، وقيل: أبو بصير الأصغر، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، له كتاب

ص: 327


1- 1*) الكافي 8 : 146، ح120.
2- المصدر نفسه 8 : 146، ح120.

يرويه جماعة»(1) ، ومنه يظهر: أنّ الكتاب مشهور.

وقال الشيخ: «ليث المرادي، يكنّى أبا بصير، روى عن الصادق (علیه السلام) والكاظم (علیه السلام) ، وله كتاب»(2).

وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وثالثة في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3)،

وهو ممّن أجمعت العصابة على تصديقهم(4) .

وعدّه ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النصّ الصريح على إمامة موسى بن جعفر (علیه السلام) عن أبيه(5)

وقد ذكر الكشّي عدّة روايات مادحة له:

منها: عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة. أربعة نجباء أمناء اللَّه على حلاله وحرامه. لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست».

ومنها: عن سليمان عن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول:

ص: 328


1- رجال النجاشي: 321/876.
2- فهرست الطوسي: 205/585.
3- رجال الطوسي: 144/ 1568، و275/3970، و342/5099.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 507/507.
5- مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) 3 : 435 - 436 .

«ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة»(1)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

والثاني: ما رواه الكليني، وقد تقدّم ترجمة كلّ واحد منهم.

والحديث - بكلا الطريقين - صحيح.

ص: 329


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 398 / 286، و348/219 .
2- أصول علم الرجال 1 : 234، و ج2 : 219 .

[60] 21 - وعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنِ اجْتَرَأ عَلَى اللَّهِ فِي الْمَعْصِيَةِ وارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَهُو كَافِرٌ، ومَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِك»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ من اجترأ على اللَّه سبحانه وتعالى في المعاصي - أي: هجم على معصيته بلا تروّ، وهو مساوق للاستخفاف والتهاون - فذلك موجب للكفر، وقوله: «من نصب ديناً غير دين اللَّه» فيه إلماح إلى ما عليه العامّة، كما تقدّمت الإشارة إليه في الحديث الثالث.

سند الحديث:

أما العدّة التي يروي عنها البرقي، فغير معلومة. ولكن لا يضرّ وجودها؛ لأنّ الظاهر أنّ العدّة فيها واحد على الأقلّ من الثقات.

وأمّا عليّ بن أسباط: فقال عنه النجاشي: «علي بن أسباط بن سالم، بيّاع الزطي، أبو الحسن المقرى ء، كوفي، ثقة، وكان فطحيّاً، جرى بينه وبين عليّ بن مهزيار رسائل في ذلك، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، فرجع عليّ بن أسباط عن ذلك القول، وتركه، وقد روى عن الرضا (علیه السلام) من قبل ذلك، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة»(2) .

ص: 330


1- المحاسن 1 : 330، ح673 .
2- رجال النجاشي: 252/663.

وقال الشيخ: «له أصل وروايات»(1) ، وعدّه في «رجاله» تارة في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الجواد (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه الطاطري بلا واسطة(3)

وأمّا عمّه يعقوب: فهو يعقوب بن سالم الأحمر، الكوفي، أخو أسباط، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) (4)

ونقل القهبائي والتفريشي والميرزا عن النجاشي قوله: «يعقوب بن سالم، الأحمر، أخو أسباط بن سالم، ثقة، من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »، والنسخ المطبوعة خالية عن ترجمته، ولكن عدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء والرؤساء الأعلام ... الخ(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(6) ، وهذا يكفي في وثاقته.

وأمّا زرارة: فقد تقدّم ذكره، وعليه فالحديث معتبر.

ص: 331


1- فهرست الطوسي: 153/384.
2- رجال الطوسي: 360/ 5337، و376/ 5570.
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 229 .
4- رجال الطوسي: 323/4837، و346/ 5162 .
5- معجم رجال الحديث 21 : 143، و 136/13753، ولكنّه ورد في طبعة جماعة المدرسين بقم، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني/ 1212.
6- أصول علم الرجال 1 : 244 .

[61] 22 - محمّد بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَرَاغِيِّ، قَالَ: وَرَدَ تَوْقِيعٌ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلاءِ(1)، وذَكَرَ تَوْقِيعاً شَرِيفاً يَقُولُ فِيهِ: «فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لأَحَدٍ مِنْ مَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا؛ قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا، ونُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ»، الْحَدِيثَ(2).

أَقُولُ: ويَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كُتُبِ الْعِبَادَاتِ، وفِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثمّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مُطْلَقٌ، يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ؛ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ، كَمَا عَرَفْتَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[22] - فقه الحديث:

لم يذكر صاحب «الوسائل» تمام الحديث، وإنّما اكتفى بموضع الشاهد.

وصدر الحديث ورد في ذمّ أحمد بن هلال، وفي هذا التوقيع دلالة على

ص: 332


1- في المصدر: ورد على القاسم بن العلاء نسخة.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 816/1020 .
3- يأتي أيضاً في الباب 11 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، والباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، والباب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، والباب 5 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، والباب 10 من أبواب حدّ المرتد.

عدم العذر لأحد في ردّ خبر الثقة، فهو حجّة.

ووجه استدلال صاحب «الوسائل» بهذا الحديث: أن ردّ الخبر إن كان لجحود بعض الضروريّات أو غيرها ممّا تقوم الحجّة فيه، فهو موجب للارتداد.

وأمّا دلالة الحديث على حجّيّة خبر الثقة، ففيه احتمالان:

الأول: أن يراد من قوله (علیه السلام) : «ثقاتنا» مطلق الثقة، فكل من اتصف بالوثاقة ونقل عن الأئمّة حديثاً لم يجز ردّه أو إنكاره، ولابدّ من الأخذ بقوله عن الأئمة (علیهم السلام) .

الثاني: أن يراد من قوله (علیه السلام) : «ثقاتنا» الثقات المنسوبون إلى الأئمة (علیهم السلام) ، والذين هم من صفاتهم: أنّهم يحملون أسرار الأئمة (علیهم السلام) ، كما أنّ الأئمة (علیهم السلام) يفاوضونهم أسرارهم التي ينقلونها إلى الموالين بواسطتهم.

فعلى هذا الاحتمال لا يدلّ الحديث على حجّيّة مطلق خبر الثقة، بل يختصّ ذلك بثقات الأئمة، وحملة أسرارهم (علیهم السلام) ، ولا يشمل كلّ ثقة.

ولا بأس بالاحتمال الأول؛ لمناسبة الحكم والموضوع؛ فروايات الثقات لا يجوز التشكيك فيها، فلابدّ من الأخذ بخبر الثقة، كما ورد في الحديث التاسع والعشرين.

وعليه: فالحديث يدل على أنّه لا يجوز ردّ الحديث المنقول بواسطة الثقات عن الأئمة (علیهم السلام) . وردّه موجب للارتداد، إذا كان بعنوان الاستخفاف والإنكار والجحد.

ص: 333

سند الحديث:

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي: تقدّم ذكره.

وأمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة: فقال عنه النجاشي: «النيشابوري - عليه اعتمد أبو عمرو الكشّي في كتاب الرجال - أبو الحسن، صاحب الفضل بن شاذان، وراوية كتبه، له كتب...»(1).

وعدّه الشيخ في «رجاله» فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، قائلاً: «علي بن محمّد بن القتيبي، تلميذ الفضل بن شاذان نيسابوري، فاضل»(2)

واعتماد الكشّي عليه لا يدلّ على وثاقته؛ لأنّه روى عن الضعفاء كثيراً، والصحبة لا تدلّ عليها أيضاً.

وأمّا قول الشيخ: «فاضل» فكذلك لا يدلّ على التوثيق. نعم، هو مدح، فيكون حسناً.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ الرواية عن الضعفاء لا تنافي الاعتماد، فهو - بقرينة اعتماد الكشّي عليه - ثقة في نفسه، إلّا أنّه يروي عن الضعفاء، وعليه فهو مورد للاطمئنان، وإلّا لم يعتمد عليه الكشّي.

وأمّا أحمد بن إبراهيم المراغي - الذي يكنّى أبا حامد - : فهو من أصحاب العسكري (علیه السلام) ، كما في «رجال الشيخ»(3)،

ومدحه ابن داود، وقال:

ص: 334


1- رجال النجاشي: 259/678.
2- رجال الطوسي: 429/6159.
3- المصدر نفسه: 397/5830.

«ممدوح، عظيم الشأن»(1)

ووردت فيه رواية مادحة، ولكن الراوي لها هو نفسه، فلا يمكن الأخذ بها، والاعتماد عليها(2).

وأما القاسم بن العلاء: فعدّه الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) (3) ، وهو من مشايخ الكليني، ومن وكلاء الناحية، ووردت في حقّه رواية مادحة تدلّ على جلالته وكونه مرضيّاً(4).

وخلاصة القول: أنّ الحديث من جهة ابن قتيبة فيه كلام، وإن كان الأظهر أنّه ثقة . ولكن من جهة المراغي - الذي لم يرد فيه توثيق - لا يكون معتبراً.

والحاصل: أنّ في الباب اثنين وعشرين حديثاً، عشرون منها معتبرة، واثنان غير معتبرين، وهما السادس عشر والثاني والعشرون، وإن أمكن اعتبار متن أحدهما، وهو السادس عشر.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد منها أمور، يمكن تلخيصها بما يلي:

1 - الحكم بالكفر والارتداد على من أنكر أيّاً من ضروريّات الدين، بل أيّ حكمٍ قامت عليه الحجة، إذا كان عن جحدٍ أو استخفاف.

ص: 335


1- رجال ابن داود: 36/55.
2- معجم رجال الحديث 2 : 16/383.
3- رجال الطوسي: 436/6243.
4- معجم رجال الحديث 15 : 35 - 37/9543 .

2 - إنّ المؤمن إذا ارتكب الحرام خرج من الإيمان، ولم يخرج من الإسلام، وإذا تاب رجع إلى الإيمان.

3 - إنّ البدعة في الدين موجبة للشرك.

4 - وجوب الإقرار والتسليم لما جاء عن أهل البيت (علیهم السلام) .

5 - كفر تارك الصلاة عمداً مستحلاًّ.

6 - كفر فاعل الكبيرة مستحلاًّ.

7 - فسق فاعل الكبيرة إذا لم يكن مستحلاًّ.

8 - وجوب العمل برواية الثقة.

9 - عدم جواز الردّ على الثقة الراوي للحديث عن الأئمة (علیهم السلام) .

10 - وجوب التوقّف عند الجهل، وعدم جواز المبادرة إلى الجحود، حتّى يتّضح الحال.

11 - إنّ من موجبات الكفر: كلّ شي ء يجره الإنكار والجحود، ومنه جحد الفرائض الإلهيّة، والإباء عن طاعة اللَّه، واختيار غيره عليه، والإقامة على الكبائر، والاستخفاف بمعصية اللَّه، وترك الأخذ بسبيل اللَّه وهدايته، وتحليل الحرام، وتحريم الحلال، وعدم الوثوق بما قامت عليه الحجّة المعتبرة.

12 - إن الكفر أقدم من الشرك وأعظم، وله مراتب خمسة، وأما الشرك، فيتحقّق بنصب دين غير الدين النازل من عند اللَّه سبحانه وتعالى.

ص: 336

3 - باب اشتراط العقل في التكليف

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب اشتراط العقل في التكليف

شرح الباب:

العقل: هو الفهم لغة، كما ورد في غير واحد من المعاجم(1)،

وأمّا اصطلاحاً فقد أطلق على أمور:

الأوّل: قوّة إدراك الخير والشر، والتمييز بينهما، والتمكّن من معرفة أسباب الأمور وذوات الأسباب، وما يؤدّي إليها، وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى هو مناط التكليف والثواب والعقاب.

الثاني: ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخير والنفع، واجتناب الشرور والمضارّ، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة، والوساوس الشيطانيّة.

وهل هذا هو المرتبة الكاملة من العقل بالمعنى الأوّل، أم هو صفة أخرى وحالة مغايرة له؟ كلاهما محتمل، إلّا أنّ ما يشاهد في أكثر الناس من حكمهم بخيريّة بعض الأمور مع عدم إتيانهم بها، وبشرِّيّة بعض الأمور مع كونهم مولعين بها يدل على أنّ هذه الحالة غير العلم بالخير والشر.

ص: 337


1- كتاب العين 1 : 159 ، مادة: «عقل»، ومجمع البحرين 3 : 225 ، مادة: «عقل».

وهذان الأمران مشهوران في الروايات، فالعقل عقلان: عقل مطبوع، وعقل مسموع. والمقصود من العقل المطبوع هو الأوّل الذي يدرك به الأشياء، ويميّز به الحق عن الباطل، والخير عن الشر، وهو يتحقّق عند وجود الإنسان، وكلما كبر الإنسان قوي ونما. ففي حالة كونه جنيناً يكون ضعيفاً حتّى يكمل عند البلوغ. وهذا العقل يتكامل إلى حدّ الأربعين، وعنده ينتهي تكامله، فهو مع الإنسان، وإن كان يزول بالعوارض، وهذا العقل هو المناط في التكليف.

وأمّا العقل المسموع، وهو الأمر الثاني، فهو - كما ذكرنا - حالة توجب اكتساب الحسن، والاجتناب عن القبح، وقد مدح في الروايات، فقد ورد أنّه «ما عُبِدَ به الرحمنُ واكتُسِبَ به الجنانُ»(1).

الثالث: القوّة التي يستعملها الناس في نظام أمور معاشهم، فإن وافقت قانون الشرع واستعملت فيما استحسنه الشارع تسمّى بعقل المعاش، وهو ممدوح في الأخبار، ومغايرته لما قد مرّ بنوع من الاعتبار. وإذا استعملت في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى تلك القوّة بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع. ومنهم من أثبت لذلك قوّة أُخرى، وهو غير معلوم.

الرابع: مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريّات وقربها وبعدها عن ذلك. وأثبتوا لها مراتب أربعة، سمّوها: بالعقل الهيولاني، والعقل بالملكة، والعقل بالفعل، والعقل المستفاد، وقد تطلق هذه الأسماء على النفس في

ص: 338


1- معاني الأخبار: 239، وبحار الأنوار 1 : 101، باب4 من أبواب العقل والجهل، ح8 .

تلك المراتب. وتفصيلها مذكور في محالّها.

والظاهر رجوعها إلى ما ذكرنا أولاً؛ فإنّ الظاهر أنّها قوّة واحدة، تختلف أسماؤها بحسب متعلّقاتها، وما تستعمل فيه.

الخامس: النفس الناطقة الإنسانيّة، التي بها يتميّز عن سائر البهائم.

السادس: ما ذهب إليه الفلاسفة وأثبتوه بزعمهم، من أنّه جوهر مجرّد قديم لا تعلّق له بالمادّة ذاتاً ولا فعلاً. وقال بعض محققيهم: إنّ نسبة العقل العاشر - الذي يسمّونه بالعقل الفعّال - إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن، فكما أنّ النفس صورة للبدن، والبدن مادتها، فكذلك العقل صورة للنفس، والنفس مادّته، وهو مشرق عليها، وعلومها مقتبسة منه، ويكمل هذا الارتباط إلى حدّ تطالع العلوم فيه، وتتّصل به(1) .

وأمّا الدليل على هذه المراتب ثبوتاً ونفياً فموكول إلى محلّه.

الأقوال:

لا إشكال في أنّ العقل أحد الشرائط العامّة المعتبرة في التكليف، وقد استدلّ له بالكتاب والسنّة والإجماع، بل المسلمون على ذلك. وعليه فالحكم ضروريّ.

ص: 339


1- بحار الأنوار 1 : 100 - 101.

[62] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ محمّد بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثمّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ. أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كیفية استنطاق العقل

[1] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جملة الأخبار العويصة المبهمة الغامضة.

والغموض فيه من جهات:

الأولى: في كيفية استنطاقه.

الثانية: في كيفيّة الإقبال والإدبار، والمراد منهما.

الثالثة: في ما هو المقصود من قوله: «هو أحب إليّ».

الرابعة: في أنّ العقل إذا كان أحبّ شي ء عند اللَّه فكيف يعاقبه؟

الخامسة: في أنّه كيف يكون العقل أحبّ الخلق إليه سبحانه وتعالى، مع أنّه قد ورد في الروايات المتواترة: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة (علیهم السلام) هم أحبّ

ص: 340


1- الكافي 1 : 10، كتاب العقل والجهل، ح1.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الخلق إليه عزّ شأنه(3)؟

السادسة: في أنّه كيف يجمع بين الروايات التي تدلّ على أنّ أوّل ما خلقه اللَّه تعالى هو: العقل(4)،

مع ما ورد من أنّ أوّل ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته(5)؟

أمّا الأولى: فيمكن أن يكون المراد بالاستنطاق معناه الحقيقي، وهو أنّ اللَّه جلّت عظمته أنطقه بقدرته، فهو قادر على إنطاق كلّ شي ء، من الشجر والحجر والحيوان وغيرها من الأمور الجسمانيّة والروحانيّة، وقد ورد في رواية الصدوق في «الخصال»: «ثمّ قال له: تكلّم، فقال: الحمد للَّه الذي ليس له ضدّ ولا ندّ ولا شبيه ولا كفو ولا عديل ولا مثل، الذي كلّ

ص: 341


1- المحاسن 1 : 306، ح 604.
2- أمالي الصدوق : 504، ح692.
3- وسائل الشيعة 7 : 102، باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد، ح 8850 .
4- غوالي اللئالي 4 : 99، وبحار الأنوار 1: 87، باب2 من أبواب العقل والجهل.
5- الكافي 1 : 441 و442، باب مولد النبي، ح7 و ح10، و ص530، باب فيما جاء في الاثني عشر والنص عليهم، ح6.

شي ء لعظمته خاضع ذليل»(1)

المراد من إقبال العقل و إدباره

ويمكن أن يكون المراد من الاستنطاق: معنى التكلّم معه، كما نصّ عليه أهل اللغة، وكأنّما فرضه شيئاً وتكلّم معه، كما يكلّم الإنسان ما لا يعقل، كالدار، وغرضه التحسّر أو الاعتبار.

ويمكن أن يكون التكلّم بمعناه التكويني، أي: بمعنى أنّه أعطاه الفهم والإدراك والقابليّة، فاستنطقه، أي: فهّمه، فيكون دليلاً لعباده على وحدانيّته.

وأمّا الثانية: فالمراد من الأمر بالإقبال، إمّا إرادة المعنى الظاهري، وهو الإقبال والإدبار الحسّيّان، بمعنى الذهاب والإياب، كما أنّه يتصوّر في النفوس والحواسّ ونحوها؛ فإنّها تذهب وتجي ء، وتفارق على وجهٍ تصحّ نسبته إليها، ولا ينحصر ذلك فيما يعهد من إقبال الإنسان بوجهه، وإعراضه به.

والغرض في الأمر بالإقبال والإدبار، كالغرض في جميع التكاليف، من إظهار الانقياد، واختبار العباد، وبيان امتثال الأمر، كما أنّ من أراد اختبار طاعة عبده فإنّه يقول له: اذهب، ثمّ يقول له: ارجع مثلاً؛ لإظهار الطاعة، وإلزام الحجّة.

ولا بُعد في أَن يخلقه اللَّه تعالى أوّلاً على حالة يمكن اتّصافه بالإقبال والإدبار الحقيقيّين، وقد أعطى اللَّه الجنّ والملائكة قدرة التشكّل بأشكال بني آدم وغيرهم، فلا يبعد أن يعطي اللَّه العقل ذلك، ولو في حال الأمر

ص: 342


1- الخصال: 427 ، باب العشرة ح4.

بالإقبال والإدبار.

وأمّا أنّ الإقبال كان إلى العرش أو إلى الكعبة أو إلى غيرهما، فهو محلّ الخلاف.

وإمّا أن يراد معنى آخر، وهو الإقبال والإدبار غير الحسيّين، وهذا يتصوّر على معانٍ:

فإمّا أن يراد: الإقبال والإدبار إلى غير المكان، كما يقال: أقبل إلى العلم، وأعرض عن الجهل، فيكون المراد: إقبالاً إلى أمر غير حسّي من الخيرات، والإدبار عن الشرور والمهلكات. أو الكناية عن الإقرار بالحقّ في الإقبال، والإعراض عن الباطل في الإدبار.

أو يكون المراد: الإقبال التكريمي، بمعنى أنّه خلق العقل، وأمره بالإقبال إلى عالم الملك، وتحصيل المقامات العالية، والدرجات الرفيعة في مواقع القرب من اللَّه تعالى، ثمّ قال: أدبر عن هذا العالم، وارجع إلى اللَّه تعالى. أو يكون المراد من الإقبال: التوجّه إلى اللَّه تعالى، والانجذاب إلى جنابه؛ لتحصيل الكمالات الإلهيّة، والمراد من الإدبار: أنّه بعد الاستكمال يرجع إلى عالم الجسم، لتكميل النفوس، وهداية الناس.

أو يكون المراد: الإقبال الاستعدادي، بمعنى أنّ الإقبال هو استعداده لتحصيل المعارف، والكمالات، والقرب الإلهي، والمراد من الإدبار هو: استعداده للانحطاط والهبوط إلى الرذائل، والصفات الذميمة والبعد عن اللَّه عزّوجلّ. وهذا المعنى يلائم قوله «فاستنطقه» بمعنى: أنّه أعطاه الفهم

ص: 343

والإدراك والقابلية، وكذلك قوله: «بك أثيب، وبك أعاقب» فيكون له الثواب، وعليه العقاب، وبذلك يكون الإنسان أشرف المخلوقات، ويمتاز عن سائر الحيوانات.

المقصود من كون العقل أحبّ المخلوقات إليه تعالی

وأمّا الثالثة - وهي: أنّه أحبّ المخلوقات إليه - : فالحب إمّا من جهة العبادة، فإنّها لا تتحقّق إلّا مع كمال العقل، وقد ورد في الآيات والروايات: أنّ محبّة اللَّه لأوليائه لأجل عبادتهم وتقرّبهم إليه(1)؛

قال تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(2)؛

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(3)

أو من جهة أنّ الإنسان أشرف المخلوقات، وامتيازه عن سائر المخلوقات بهذه القوّة، أي: قوّة العقل، ولذلك جعل اللَّه سبحانه وتعالى محلّها في أفضل الأماكن من البدن، وهو الرأس.

ص: 344


1- الأحاديث في هذا المعنى كثيرة بسعة معنى العبادة وكثرة وسائل القرب إليه تعالى، منها ما في: الكافي 2 : 65، باب التفويض إلى الله، ح4. الكافي 2 : 99، باب الشكر، ح30. الكافي 2 : 112، باب الحلم، ح8. الكافي 2 : 65، باب التفويض إلى الله...، ح4. الكافي 5 : 535، باب الغيرة، ح1.
2- التوبة، الآية 108.
3- التوبة، الآية 4.

كیف یعاقب الله أحب الاشیاء إلیه

وأمّا الرابعة: فيمكن أن يحمل الحديث على ظاهره، ويقال: إنّه هو المتعلّق للثواب والعقاب؛ حيث إنّ له الاستعداد لتحصيل الكمالات، وإطاعة اللَّه سبحانه وتعالى، وله استعداد لكسب الرذائل وعصيانه سبحانه وتعالى، فبنفسه يثاب ويعاقب؛ لأنّه لا ينفكّ عن البدن والجسم، فإذا كان الجسم متنعِّماً فالعقل لا محالة يكون متنعّماً، وإذا كان الجسم معذّباً فالعقل أيضاً يكون معذّباً. وهذا الاحتمال موافق لظاهر هذا الحديث، والحديثين الثاني والثامن من هذا الباب.

أو يقال: بأنّه وإن كان متعلّقاً للثواب والعقاب، ولكن مجرّد العقاب على فرض المخالفة والعصيان، وأمّا في الخارج فلا يتحقّق منه العصيان، ومع ذلك يصحّ أن يخاطب: بأنّك إن عصيت فعليك العقاب، نظير قوله تعالى:

{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(1). ويمكن أن يحمل على أنّ العقل وسيط في تعلّق الثواب والعقاب بصاحبه، لا أنّه هو المتعلّق للثواب والعقاب. وهذا المعنى يوافق الحديثين: السادس والتاسع.

رفع التنافي بین كون العقل أحب الأشیاء للّه و بین كون أحب الخلق إلیه هم محمد و آله

وأمّا الخامسة: فقد يقال: إنّه يمكن انطباق العقل عليه صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله، ويكون هو المراد من العقل، وأنّه أوّل ما خلق اللَّه، وأحبّ ما خلق إليه، فهو عقل الكل، كما ذكر الحكماء العقول العشرة، فينطبق عليهم، ولكنهم أربعة عشر معصوماً، فلابّد لهم من القول: بعقول أربعة عشر، فهم الواسطة في الفيوضات الإلهيّة إلى سائر المخلوقات.

ص: 345


1- الزمر، الآية 65.

ولكنّ هذا المعنى لا يلائم بعض معاني الإقبال والإدبار، وكذلك بعض المعاني في تعلّق الثواب والعقاب، فإثبات ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث، واللَّه العالم.

رفع التنافي بین كون العقل أول مخلوق

وأمّا السادسة: فيمكن الجواب عنها:

أوّلاً: بأنّ الأوّليّة نسبيّة، أي: بالنسبة إلى جملة من المخلوقين، لا جميعهم. فالعقل يكون أوّل مخلوق بالنسبة إلى الروحانيّين، كما ورد في صحيحة سماعة بن مهران: «أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش»(1) ، مع أنّ نور النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وأهل بيته كان قبل العرش، كما ورد:

«أنّ أوّل ما خلق اللَّه الهواء»(2) ، أي: في العالم غير المرئي. أو أوّل ما خلق اللَّه الماء(3) في العالم المرئي، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(4) ، وعليه فالأوليّة نسبية.

وثانياً: بأن يقال: إنّ المراد من العقل هو النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، كما تقدّم.

وفي الحديث جهات أخرى تركناها؛ خوفاً من الإطالة.

ص: 346


1- الكافي 1 : 21، كتاب العقل والجهل، ح 14.
2- تفسير القمّي 1 : 321، ومستدرك الوسائل 9 : 335، ب12، وجوب احترام الكعبة، ح11032، وفيه: «وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء...».
3- الكافي 8 : 94، حديث أهل الشام.
4- الأنبياء، الآية 30.

سند الحديث:

للحديث ثلاثة طرق:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، قال: حدّثني عدّة من أصحابنا، منهم: محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن الحسن بن محبوب.

وهذا الطريق - أيضاً - صحيح بما تقدّم.

الثالث: ما رواه الصدوق في «المجالس»، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب.

وهذا الطريق - أيضاً - رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

والحاصل إنّ هذا الحديث واضح الدلالة؛ حيث دلّ على أنّ الثواب والعقاب يدوران مدار وجود العقل وعدمه، كما أنّه صحيح السند بطرقه الثلاثة.

ص: 347

[63] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ. إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ ابْنِ رَزِينٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

مضمون الحديث عين مضمون الحديث الأوّل، إلّا أنّه ذكر بدل «أحب»: «أحسن»، والتلازم فيهما ظاهر.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق وإن كان فيه سهل بن زياد الضعيف، إلّا أنّه يمكن

ص: 348


1- الكافي 1 : 26 ،كتاب العقل والجهل، ح 26.
2- المحاسن 1 : 306، ح 603. وفيه: عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) .

تصحيحه بجهتين:

الأولى: أنّه قد شهد الكليني بصحّة روايات كتابه «الكافي»(1).

الثانية: ما يظهر من النجاشي، من أنّ كتب العلاء بن رزين كانت مشهورة، رواها جماعة(2).

والشيخ وإن ذكر أنّ لكتابه أربع نسخ(3)، ولكن لم يذكر الاختلاف بين تلك النسخ، وهذا خلاف عادتهم، ولو كان بين النسخ اختلاف فمن الممكن أن يكون تعدّد النسخ من جهة الترتيب والوضع، فبناء على ذلك لا يحتاج إلى الطريق، وعليه فهذا الطريق معتبر.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن السندي بن محمّد، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق - أيضاً - رجاله كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، سوى:

السندي بن محمّد: وهو أبان بن محمّد، قال عنه النجاشي: «المعروف بسندي البزاز»، «وهو ابن أخت صفوان بن يحيى، كان ثقة، وجهاً في أصحابنا الكوفيّين»(4)

وورد في «نوادر الحكمة»(5). فهذا الطريق صحيح.

ص: 349


1- انظر: الكافي 1 : 8 - 9 ، مقدمة المصنف.
2- رجال النجاشي: 298/811 .
3- فهرست الطوسي: 182/499.
4- رجال النجاشي 14/11، و187/497.
5- أصول علم الرجال 1 : 224 .

[64] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّمَا يُدَاقُّ اللَّهُ الْعِبَادَ فِي الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي الدُّنْيَا»(1)1*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

المداقّة هي: المناقشة في الحساب، والاستقصاء فيه(3).

ويدل هذا الحديث على أنّ اللَّه سبحانه وتعالى إنّما يحاسب الناس في يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا، وعليه فمن كان عقله أكبر وأقوى كان أشدّ تكليفاً، وأكثر ثواباً. هذا، مع الالتفات إلى أنّ ضعف العقول وكمالها وإن أوجب الاختلاف في الدقّة في الحساب وفي الثواب، ولكن لا تختلف باختلافها التكاليف العامة، والأحكام الشرعيّة المتعلّقة بعامة الناس، بل المناط فيها هو: أصل العقل الخالي عن الخلل والضياع والفساد، وإن كان خفيفاً ناقصاً بالنسبة إلى بعض. وعليه فهذا

ص: 350


1- 1*) الكافي 1 : 11، كتاب العقل والجهل، ح 7.
2- 2*) المحاسن 1 : 310، ح 614.
3- مجمع البحرين 2 : 46 مادة «دقق»، ولسان العرب 10 : 102 مادة «دقق».

الحديث يدل بالأولويّة على أنّ من لا عقل له لا حساب عليه.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود.

وقد تقدّم الكلام في العدّة، وأحمد بن محمّد بن خالد، ومحمّد بن سنان.

وأمّا الحسن بن عليّ بن يقطين: فقال عنه النجاشي: «كان فقيهاً، متكلّماً، روى عن أبي الحسن والرضا (علیهما السلام) ، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى (علیه السلام) »(1)

وذكر الشيخ نحوه(2)، ووثّقه في «رجاله»، وعدّه من أصحاب الرضا (علیه السلام) (3)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا أبو الجارود: فهو زياد بن المنذر، قال عنه النجاشي: «أبو الجارود،

ص: 351


1- رجال النجاشي: 45/91.
2- فهرست الطوسي: 98/166.
3- رجال الطوسي: 354/5246.
4- أصول علم الرجال 1 : 218، و ج2 : 186 .

الهمداني، الخارفي، الأعمى ... كوفي، كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وتغيّر لما خرج زيد(رضی الله عنه) ... له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر (علیه السلام) »(1)

وقال الشيخ: «زياد بن المنذر، يكنّى أبا الجارود، زيديّ المذهب، وإليه تنسب الزيديّة الجاروديّة»(2)،

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) (3)

وقال الكشّي: «أبو الجارود، زياد بن المنذر، الأعمى، السرحوب، وحكي: أنّ أبا الجارود سمّي سرحوباً، ونسبت إليه السرحوبيّة من الزيديّة، سمّاه بذلك أبو جعفر (علیه السلام) ، وذكر: أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى، أعمى القلب»(4).

وذكر في حقه روايات ذامّة، وكلّها ضعيفة(5).

إلّا أنّ الظاهر أنّه ثقة؛ لما ورد في «الرسالة العدديّة» للشيخ المفيد من أنّه من الفقهاء الأعلام الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(6) .

ص: 352


1- رجال النجاشي: 170/448.
2- فهرست الطوسي: 131/303.
3- رجال الطوسي: 135/1409، وص 208/2685.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 495/413.
5- المصدر نفسه 2: 495/ 413 - 416.
6- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 30.

[65] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَحْمَرِ، عَنْ محمّد بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كما ورد في أسناد «تفسير القمي»، و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

الثاني: ما رواه البرقي عن الحسن بن عليّ بن يقطين... الخ، وهو الطريق الأوّل نفسه.

وعلى هذا فالحديث - على كلا الطريقين - معتبر.

[4] - فقه الحديث:

لم يذكر المصنّف صدر الحديث وذيله، وصدره هكذا: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : فلان من عبادته ودينه وفضله، فقال: «كيف عقله»؟ قلت: لا أدري، قال: «إنّ الثواب على قدر العقل»، ثمّ ذكر قصّة العابد المشهورة.

ودلالته على أنّ الاعتبار في الثواب والعقاب على قدر العقل واضح، فكل من كان عقله كاملاً كان ثواب عمله أكثر، وكل من كان عقله ناقصاً كان ثواب عمله - أيضاً - قليلاً؛ لأنّ زيادة الثواب تابع لكمال العبادة، وكمال

ص: 353


1- الكافي 1 : 12 ، كتاب العقل والجهل، ح 8.
2- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 290، و ج2 : 219 .

العبادة إنما هو بمعرفة المعبود وصفاته واستحقاقه للعبادة وحده دون غيره، ومعرفة حقيقة العبادة متوقّفة على صدورها عن خوف وخشية من اللَّه عزّوجلّ، ولا يحصل ذلك إلّا بزيادة العلم والعقل. فإذا كان الثواب الذي هو تفضّل من اللَّه عزّوجلّ لعباده على قدر عقولهم، فكيف بالعقاب الذي هو على سبيل الاستحقاق؟!

سند الحديث:

الظاهر أنّ عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه هو: ابن بندار، الذي يعدّ من مشايخ الكليني، وهو ثقة، كما تقدّم.

وأمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمر: فهو على ما قال النجاشي: «إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري، النهاوندي، كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتب»(1).

وقال الشيخ: «كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه»(2)،

وعدّه في «رجاله» ممّن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، وقال: «له كتب، وهو ضعيف»(3)

إلّا أنّ الوحيد البهبهاني(4) والسيد الأمين(5) وغيرهما قد وثّقوه، وحملوا

ص: 354


1- رجال النجاشي: 19/21.
2- فهرست الطوسي: 39/9.
3- رجال الطوسي: 414/5994.
4- في تعليقته على منهج المقال (المطبوعة معه) 1 : 264 - 265.
5- أعيان الشيعة 2 : 111.

الضعف على اتّهامه في مذهبه وارتفاعه، لا في حديثه.

بحث رجالي في محمّد بن سليمان الديلمي و أبیه

وأمّا محمّد بن سليمان الديلمي: فقال النجاشي عنه: «محمّد بن سليمان بن عبد اللَّه الديلمي، ضعيف جدّاً، لا يعوّل عليه في شي ء، له كتاب»(1)

وعدّه الشيخ في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: «له كتاب، يرمى بالغلو»(2)، وعدّه في أصحاب الرضا (علیه السلام) أيضاً، قائلاً: «محمّد بن سليمان الديلمي، بصري، ضعيف»(3)

وقد ذكره النجاشي في ترجمة أبيه سليمان بن عبد اللَّه، وقال: «إنّه لا يعمل بما تفرّد سليمان وابنه محمّد به من الرواية»(4).

وقال ابن الغضائري: «محمّد بن سليمان بن زكريا الديلمي، أبو عبد اللَّه، ضعيف في حديثه، مرتفع في مذهبه، لا يلتفت إليه»(5) .

إلّا أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»(6). وعليه فالجمع بين التوثيق والتضعيف - بحمل التضعيف على مذهبه ورميه بالغلو - مشكل.

ص: 355


1- رجال النجاشي: 365/987.
2- رجال الطوسي: 343/5109.
3- المصدر نفسه: 363/5389.
4- رجال النجاشي: 182/482.
5- معجم رجال الحديث 17 : 136/10900.
6- أصول علم الرجال 1 : 237 .

وأمّا أبوه: أي سليمان بن عبد اللَّه، فقد قال عنه النجاشي: «الديلمي، غمز عليه، وقيل: كان غالياً كذّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يعمل بما انفردا به من الرواية»(1)

وقال الكشّي: «محمد بن مسعود، قال: قال عليّ بن محمد: سليمان الديلمي من الغلاة الكبار»(2).

إلّا أنّه وقع في أسناد «تفسير القمي»(3)

وبهذا يظهر: أنّ ما ورد في حقه أخفّ وطأة ممّا ورد في حقّ ابنه، مع إمكان الجمع. إلّا أنّ السند مع ذلك ضعيف من جهة الأحمر ومحمد بن سليمان الديلمي. وعليه فهذا السند غير معتبر.

ص: 356