ايضاح الدلائل في شرح الوسائل

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 612 صفحة

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

الصورة

ص: 3

ايضاح الدلائل في شرح الوسائل

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 5

ص: 6

الصورة

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

طبع الجزء الأول من هذا الكتاب قبل عدّة سنوات، وقد نال منذ صدوره استحسان عدد كبير من العلماء الأعلام وطلاب العلم الأفاضل، وما زال الطلب لتكميل أجزائه متواصلاً، والتشجيع على مداومة العمل فيه متوالياً، والحث على إعادة طباعته لنفاذ نسخه مستمراً.

ولما حواه هذا الكتاب من دراسة مفصلة لكتاب وسائل الشيعة الذي تدور عليه رحى استنباط الأحكام الشرعية.

يبحث في هذه الدراسة - بعد شرح عنوان الباب عادة وبيان أقوال الخاصة والعامة - عن ترجمة آحاد الرواة الواقعين في السند لغرض بيان حالهم من حيث الوثاقة وعدمها عند أول ذكر للراوي في الكتاب ويحال في بقية الموارد التي يتكرر فيها إلى الموضع الأول الذي ذكر فيه، وعن تصحيح الرواية بطرق اُخر إذا لم يكن سندها معتبراً، وعن حلّ التعارض الموجود في بعض الموارد بين التوثيق والتضعيف للراوي الواحد، وعن ذكر الطرق إلى أصحاب الكتب من الرواة.

ولما تضمنه من بيان فقه أحاديثه مما يرتبط بعناوين الأبواب وما له صلة

ص: 9

مباشرة به، بياناً يميط اللثام عن وجهها، ويبدي بعضاً مما ستر من جمال معانيها وروعة مضامينها ودقة تعابيرها، وقد روعي في بيان فقه الحديث: ذكر المعاني اللغوية لبعض المفردات فيه، وإيضاح المبهم وحلّ المشكل وتفصيل المجمل وبيان كيفية ومقدار دلالة الحديث على عنوان الباب، ولو كان ذلك بضم أحاديث اُخر توضح المعنى، وحلّ مشكلة التعارض بين متنه وبقيّة المتون السابقة عليه أو اللاحقة له ولو في باب آخر، وذكر الفوائد المستنبطة من الأحاديث في نهاية كل باب.

وبهذا كلّه تميّز هذا الشرح عن غيره من شروح كتاب وسائل الشيعة كما يظهر بأدنى مقارنة بحيث لفت انظار الأعلام والفضلاء في الحوزات العلمية، لانه من ابحاث عالم وفقيه له مكانة رفيعة في الاوساط العلمية في مجال الفقه والاصول والتفسير والرجال، وله آثار علمية قيّمة في هذه المجالات، فإنّ سماحة الشيخ الاستاذ حفظه الله قد سار على نهج استاذه آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي (قدس سره) من التعمق في كل تلك المجالات، واحتذى حذوه في التحقيق فيها. ولهذا عقدت مؤسسة الامام الرضا (علیه السلام) العزم على تجديد طباعة هذا الاثر القيم مع بقية الاجزاء.

وتمتاز هذه الطبعة عن سابقتها بما يلي:

1- تصحيح بعض الأخطاء الواقعة في تقييم بعض الأسانيد.

2- زيادة البيان في دلالة بعض الأحاديث، حيث جاء البيان فيها مقتضباً في السابق بعض الشيء.

3- استدراك بعض النكات الدلالية في فقه الحديث.

ص: 10

4- استدراك بعض التراجم، واستدراك ما فات في بعض التراجم الأخرى.

5- ونظراً لصيرورة الجزء الأول ضخماً بسبب هذه الاضافات ارتأينا أن يكون في جزءين مناسبين من حيث عدد الصفحات لتماثل بقيّة الأجزاء الواقعة بعده من حيث الحجم.

ولا يفوتنا هنا أن نتقدّم بالشكر والامتنان إلى كلّ الإخوة المحقّقين، الّذين شاركوا في تحقيق وإخراج هذا الكتاب، أخصّ منهم بالذكر: حجة الإسلام الشيخ مرتضى الصالحي النجفي، وفضيلة الشيخ فالح العبيدي.

ختاما: نسأل الله تعالى أن يتقبل منّا، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

ص: 11

ص: 12

مقدمّة

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد..

فلا ريب في أهمّيّة السنّة الشريفة وعلوّ منزلتها، فإنّها عِدل القرآن الكريم، والمصدر الثاني للتشريع، وبها يُعرف تفسير الكتاب وتأويله، وفرائضه وسننه، وهي المبيّنة لتفاصيل مراداته، وفيها ما تحتاجه البشريّة من معارف ورؤىً وقوانين.

وللأهمّيّة البالغة للسنّة الشريفة حرص أتباع أهل البيت (علیهم السلام) ورواة تراثهم على تدوينها وضبطها في وقت مبكّر من عصر الرسالة الإسلاميّة إلى نهاية الغيبة الصغرى، بينما تعثّر تدوينها عند غيرهم قرابة قرن من الزمن؛ إثر منع الحكّام من تدوين الحديث. ولمّا ارتفع المنع دوّنت السنّة عندهم تحت تأثير السلطات والحكام، فحرّفت الأحكام، ووضعت الأحاديث على ما يوافق رأي السلطة الحاكمة.

وقد كان أتباع أهل البيت (علیهم السلام) بعيدين كلّ البعد عن تأثير الحكومات والعنصريّات والعصبيّات. ويظهر ذلك جليّاً في مدوّناتهم ومجاميعهم في

ص: 13

السنّة الشريفة.

ومن هذه الاستقلاليّة ومن الاستمرار في التدوين برزت كتب تحوي ما سجّله علماء الأمّة ورواة تراث الأئمّة، ممّا رووه عن أئمّة الهدى (علیهم السلام) . وبهذه الكتب خُلّد الحديث الشريف الجامع لأصول الدين وفروع الشريعة، وكان منها أربعمائة كتاب عرفت ب- «الاُصول الأربعمائة».

ثمّ تمخّضت زبدة تلك الاُصول في الكتب الأربعة: كتاب الكافي، وكتاب من لا يحضره الفقيه، وكتاب تهذيب الأحكام، وكتاب الاستبصار.

أما كتاب الكافي: فهو للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، المتوفّى سنة 329 ه- . ويمتاز: بقرب زمانه من الاُصول المعتمدة، وبدقّة ضبطه، وجودة ترتيبه، وحسن تبويبه.

وأما كتاب من لا يحضره الفقيه: فهو لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة 381 ه- ، والمعروف بالصدوق.

وأما كتابا التهذيب والاستبصار: فهما لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة 360ه- . والتهذيب شرح لكتاب المقنعة في الفقه لشيخه المفيد (رحمه الله) ، وقد أورد في ذيل مسائله الأحاديث الفقهيّة، وخصّ بعضها بأبواب عنونها بالزيادات في كلّ كتاب.

وأما الاستبصار فقد جعله للأخبار المتعارضة، وتعرّض للجمع فيما بينها إذا أمكن، أو ترجيح بعضها على الآخر.

وقد أصبحت هذه الكتب مرجعاً عامّاً للفقهاء الكرام، ومداراً لاستنباط

ص: 14

الأحكام الشرعيّة. وهذا لا يعني إلغاء غيرها من كتب الحديث وكتب التفسير الروائيّة، على كثرتها وكثرة ما فيها من الأحاديث.

ولمّا كانت الأحاديث المتعلّقة بكل فرع من الفروع الفقهيّة أو المسائل الاعتقاديّة متفرّقة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة، ولم يراع التنظيم في أكثرها، مضافاً إلى صعوبة الإحاطة والعثور على جميع ما يتعلّق بفرع فقهيّ معيّن في تلك الكتب، انبرى علماؤنا لرفع هذه النقائص وغيرها، وسدّ ذلك الخلل.

وممّن تصدّى لهذا العمل الكبير الواسع: الشيخ العلّامة، المحقّق الكبير، والمحدِّث الخبير، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي رضوان اللَّه عليه.

فقد ألّف كتابه الكبير وسائل الشيعة في مدّة ثماني عشرة سنة، وأتعب نفسه الشريفة في جمعه وتبويبه وتصحيحه وترتيبه، وأخرج فيه الأحاديث المرتبطة بالفروع الفقهيّة، وما يتعلّق بالسنن والآداب الشرعيّة، فصار مشتملاً على جميع أحاديث الأحكام الشرعيّة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة التي تبلغ اثنين وثمانين كتاباً، أورد أسماءها، ونقل عنها بلا واسطة، مع ذكر الأسانيد، وحسن الترتيب، وعقد باباً مستقلاًّ لكل حكم. فيه أهمّ الأحاديث ذات الدلالة الواضحة على عنوان الباب، الذي أورده على ما يوافق رأي مشهور الفقهاء، وإن كان مخالفاً لرأيه الشريف. وأما إذا كان الحكم مختلفاً فيه بلا شهرة فإنه يصدره بقوله: «باب حكم كذا» تاركاً استفادة الحكم من أحاديث الباب لمن يقدر على الترجيح بينها، وربما

ص: 15

أضاف أحاديث تعارض ما سبقها في الدلالة، ثمّ أعقبها بما يرفع التنافي بينها من وجوه الجمع. كما أشار في أكثر الأبواب إلى ما يناسب الباب ممّا تقدّم عليه أو تأخّر، ورتّب الأبواب على نسق ترتيب كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلي (رحمه الله) ، فبلغت تلك الأبواب قرابة السبعة آلاف باب على ما قيل، حوت من الأحاديث - بعد تقطيعها - خمسة وثلاثين ألفاً وثمانمائة وثمانية وستين، وعقد في آخر الكتاب خاتمة اشتملت على فوائد مهمّة، وعددها اثنتا عشرة فائدة.

كما كتب له فهرساً سمّاه ب- «من لا يحضره الإمام (علیه السلام) »؛ لتسهيل العثور على المطلوب. ذكر فيه الكتب والأبواب وعدد أحاديث كلّ باب، وما تدلّ عليه الأبواب من الأحكام، إضافة إلى ما ذكره في عنوان الباب. وهذا - بلا ريب - مجهود جبّار تنوء به العصبة أولو القوّة، مع ما كان للمصنّف من أشغال وكتابات موسوعيّة أخرى.

ولذلك كلّه حظى هذا الكتاب ما لم يحظ غيره، فصار مرجعاً فريداً لفقهائنا الأجلاء منذ تدوينه إلى عصرنا هذا ؛ لما حواه من مزايا ليست في سواه من المجاميع الحديثيّة المعاصرة له، كالوافي والبحار وغيرهما، فما من فقيه إلّا وهو ينهل من معين هذا الكتاب.

وقد قال المحدِّث النوري رضوان اللَّه عليه في شأن كتاب «الوسائل»: «فصار - بحمد اللَّه تعالى - مرجعاً للشيعة، ومجمعاً لمعالم الشريعة، لا يطمع

ص: 16

في إدراك فضله طامع، ولا يغني العالم المستنبط عنه جامع» (1) .

ولذا شرحه العلماء، وعلّقوا عليه، وأوضحوا بعض ما أُجمل فيه.

ولكنّ تلك الشروح لم تتمّ، وكان بعضها مختصّاً بتعيين ما تقدّم وتأخّر في أواخر الأبواب.

وكان من جملة من ألّف في التعليق على «الوسائل»: آية اللَّه العظمى الإمام السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ، فقد بيّن فيه - مضافاً إلى بيان ما تقدّم وما تأخّر وتعيين محلّه وبابه - ما يستفاد من أحاديث الباب زائداً على ما استفاده الشيخ الحرّ العاملي، وذكره في عنوان الباب، كما ذكر الأحاديث التي لم يذكرها الشيخ الحرّ العاملي في هذا الباب مع أنّه يدخل تحت عنوان الباب(2) .

وقد ذكر لنا الشيخ الاُستاذ الداوري حفظه اللَّه: أنّ السيد الخوئي (قدس سره) كان يرغب في أن يتصدّى أحد العلماء للقيام بشرح كتاب «الوسائل»، والتعليق عليه، والبحث عن أسانيد أحاديثه بالتفصيل.

وممّن تصدّى لشرح الكتاب: أُستاذنا آية اللَّه الشيخ مسلم الداوري حفظه اللَّه، عبر إلقائه المحاضرات القيّمة المختصّة ببيان الكتاب متناً وسنداً، والمشحونة بالفوائد، حيث جعله محوراً لمحاضراته الفقهيّة. فكان هذا الشرح ثمرة تلك الإفادات، مضافاً إلى ما استفدناه منه حفظه اللَّه خارج

ص: 17


1- مستدرك الوسائل1 : 60 ، مقدمة المؤلف.
2- الذريعة 4 : 352.

البحث. وسيأتي الكلام على مزايا هذا الشرح ضمن الاُمور التي صدّرنا بها هذا الجزء.

وممّا يجدر بنا ذكره هنا - حفظاً للحقوق - أنّا استفدنا ممّا كتبه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد عليّ المعلّم (رحمه الله) في خصوص الباب الأول وشطر من الثاني، كما استعنّا بما كتبه زميلنا سماحة حجة الإسلام الشيخ عبد المجيد العيسى في خصوص الباب الأول.

تنبيهات:

1 - أدرجنا جميع هوامش الطبعة الجديدة «للوسائل» بتحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، الطبعة الثانية (1414 ه- )؛ إتماماً للفائدة.

2 - جعلنا هوامش المتن مميّزة عن هوامش الشرح بنجمة صغيرة تأتي بعد رقم الحاشية محاطة بقوسين، كما أنّها أصغر حجماً من أرقام هوامش الشرح، وصورتها هكذا: (1٭).

3 - الرقم الأول في المتن المحاط بين معقوفتين هو: رقم التسلسل العام لأحاديث «الوسائل»، والرقم الثاني الذي يليه هو: رقم الحديث في الباب. فمثلاً: [45] 6- يعني: الحديث 45 بحسب التسلسل العام، وهو الحديث 6 من أحاديث الباب.

4 - الرقم المحاط بالمعقوفتين في الشرح - الذي يسبق عبارة (فقه الحديث) - إشارة إلى: أنّ فقه الحديث مرتبط بالحديث الذي يحمل الرقم نفسه في المتن. فمثلاً: [3] - فقه الحديث يعني: أنّ فقه الحديث هذا مرتبط

ص: 18

بالحديث 3 من الباب.

وختاماً نسأل اللَّه تعالى أن يجعل هذا الشرح عملاً خالصاً لوجهه الكريم، وخدمة لأهل العلم، وينفع به الباحثين في الوصول إلى الغرض، كما نفع بأصله، في ظلّ رعاية وليّ أمرنا بقيّة اللَّه الأعظم صاحب الزمان الحجّة بن الحسن أرواحنا له الفداء.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربِّ العالمين.

وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

عبّاس الحسيني محمّد عيسى البنّاي

قم المقدّسة

ص: 19

ص: 20

تمهيد: فیه اثنا عشر أمراً

اشارة

في بيان اُمور يحسن ذكرها قبل الشروع في أبواب الكتاب:

الأمر الأوّل:

إنّ ممّا يكثر ذكره في الوسائل عند النقل عن الكليني (قدس سره) : التعبير ب-«عدّة من أصحابنا»، فلابدّ من بيان هذه العبارة.

وأكثر ما يرد التعبير بها في أوّل السند، بعد ذكر الكليني، أو محمّد بن يعقوب، وأمّا ذكر العدّة في وسط السند فهو قليل.

والراوي بعد العدّة في أكثر الموارد هو أحد ثلاثة أشخاص:

1 - أحمد بن محمّد بن عيسى.

2 - أحمد بن محمّد بن خالد.

3 - سهل بن زياد.

وهناك أشخاص آخرون ورد ذكرهم بعد العدّة في كلام الكليني غير هؤلاء الثلاثة، ولكنَّ ذلك في موارد قليلة لا تتجاوز مورداً أو موردين، وهم تسعة أشخاص:

1 - جعفر بن محمّد.

2 - سعد بن عبد اللَّه.

ص: 21

3 - الحسين بن الحسن بن يزيد.

4 - أحمد بن الحسن.

5 - عليّ بن أسباط.

6 - عليّ بن الحسن بن صالح الحلبي.

7 - عليّ بن الحسن بن فضّال.

8 - محمّد بن عبد اللَّه.

9 - إبراهيم بن إسحاق الأحمر.

كما أنّه قد تذكر العدّة في أثناء السند في «الكافي» وغيره، ولم يفصّل غالباً أو يبيّن المراد منهم.

نعم، ورد في عدّة أسانيد من «الكافي»: الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، وقد ورد في أسانيد اُخرى التصريح بأسمائهم.

والمقصود بقوله: «غير واحد» هم: جعفر بن محمّد بن سماعة، والميثمي، والحسن بن حمّاد(1)

، على ما نقله صاحب «الوسائل»(2) .

كما أنّه لم يرد بيان أو تعريف بأفراد العدّة من الكليني نفسه، إلّا في الحديث الأوّل من كتابه، حيث قال: «حدّثني عدّة من أصحابنا، منهم:

محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد»(3) ، وفي الحديث الثاني من

ص: 22


1- تهذيب الأحكام 7 : 130، ب 9، ح 570.
2- وسائل الشيعة: 30 : 149 ، الفائدة الثالثة.
3- الكافي: 1 : 10 ، كتاب العقل والجهل، ح 1.

كتاب الحجّة، حيث قال: «عدّة من أصحابنا منهم: عبد الأعلى، وأبو عبيدة، وعبد اللَّه بن بشر الخثعمي، سمعوا ...»(1)

، على أنّ في المورد الثاني بيان العدّة من آخر السند، والكلام إنّما هو في العدة التي يروي عنها الكليني (قدس سره) ، وهي في أوّل السند.

وما ذكره صاحب «الوسائل» من: أنّه وجد في بعض نسخ «الكافي» من كتاب العتق هكذا: «عدّة من أصحابنا: عليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن جعفر، ومحمّد بن يحيى، وعليّ بن محمّد بن عبد اللَّه القمّي، وأحمد بن عبد اللَّه وعليّ بن الحسن جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن خالد»(2) لم يصل إلينا؛ فإنّ نسخ «الكافي» الموجودة ليس فيها ذكر لهذه العدّة، حتّى إنّ صاحب «الوسائل» نفسه في كتاب العتق لم يعتمد على ذلك، وإنّما نقلها بعنوان النسخة، وإن استظهر (قدس سره) في الخاتمة أنّ الرواة «المذكورين من جملة العدّة التي تروي عن ابن خالد»(3) .

وعلى كلّ تقدير، فإنّ التعبير بالعدّة أو غير واحد أو جماعة أو نحوها لا يُعدّ إرسالاً عند المشهور، بل هو في حكم المسند الصحيح، وإن لم يعرِّف الكليني (قدس سره) في «الكافي» العدّة التي يروي عنها.

نعم قال العلّامة في الفائدة الثالثة:

ص: 23


1- الكافي1 : 261 ، باب: أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان وما يكون، ح 2.
2- وسائل الشيعة 30 : 148.
3- المصدر نفسه.

«قال الشيخ الصدوق محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: والمراد بقولي: (عدّة من أصحابنا): محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم».

وقال: «كلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن اُذينة، وأحمد بن عبد اللَّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن».

وقال: «وكلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، فهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبد اللَّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني»(1)

هذا، ولم يذكر العلّامة مستنده فيما نقله؛ ولعلّه نقل ذلك عن بعض كتب الكليني (قدس سره) .

ونقل النجاشي في ترجمة الكليني عنه: «كلّما كان في كتابي عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، فهم: محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم»(2)

وما ذكره النجاشي في كتابه مطابق لما نقله العلّامة، ودليل على صدقه.

ص: 24


1- خلاصة الأقوال: 430 ، الفائدة الثالثة.
2- رجال النجاشي: 378 / 1026.

ثمّ إنّ هذه العِدد الثلاث معتبرة في الجملة؛ وذلك لاشتمال كلّ واحدة منها على أكثر من شخص قد ورد النصّ على توثيقه. بيان ذلك:

أمّا العدّة الأولى: - وهي التي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى - فهي تشتمل على خمسة أشخاص، كما ذكر العلاّمة والنجاشي، ثلاثة منهم ثقات، وهم:

الأوّل: محمّد بن يحيى العطّار، وقد نصّ النجاشي على وثاقته قائلاً: «شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث»(1) .

وقال الشيخ - في ذكر أسماء من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) - : «محمّد بن يحيى العطّار، روى عنه الكليني، قمّي، كثير الرواية»(2)

الثاني: أحمد بن إدريس، قال النجاشي: «أحمد بن إدريس بن أحمد، أبو عليّ، الأشعريّ، القمّي، كان ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية»(3)

وذكر الشيخ مثله(4)

الثالث: عليّ بن إبراهيم، قال النجاشي: «علي بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن، القمّي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع

ص: 25


1- رجال النجاشي: 353 /946.
2- رجال الطوسي: 439 /6274.
3- رجال النجاشي: 92/228 .
4- فهرست الطوسي: 71 /81.

فأكثر»(1) .

وأمّا الآخران - وهما: عليّ بن موسى الكمنداني (الكمنذاني) وداود بن كورة أبو سليمان القمّي، الأول ثقة، والثاني لم يرد في حقه توثيق.

وأمّا العدّة الثانية: - وهي التي تروي عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي - فهي تشتمل على أربعة أشخاص، ثلاثة منهم ثقات أيضاً، وهم:

الأوّل: عليّ بن إبراهيم بن هاشم، وقد تقدّم.

الثاني: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن اُذينة، كما في «الوسائل»(2) . والصحيح أنّه ابن بنته، أي أنّ البرقي جدّه لأمّه، وهو عليّ بن محمّد بن بندار، الملقّب أبوه ب- «ماجيلويه»، وهو ثقة.

قال النجاشي: «عليّ بن أبي القاسم عبد اللَّه بن عمران البرقي، المعروف أبوه ب- «ماجيلويه»، يكنّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي، وتأدّب عليه، وهو ابن بنته»(3)

الثالث: عليّ بن الحسن، والصحيح: عليّ بن الحسين السعدآبادي، وهو من مشايخ ابن قولويه(4)، وقد حقّقنا في محلّه(5): أنّ مشايخ ابن قولويه في

ص: 26


1- رجال النجاشي: 260/680 .
2- وسائل الشيعة30 : 148، الفائدة الثالثة.
3- رجال النجاشي: 261 /683.
4- كامل الزيارات: 216، باب36 ، ح314.
5- اُصول علم الرجال 1 : 323 و 324.

«كامل الزيارات» كلّهم ثقات.

الرابع: أحمد بن عبد اللَّه، عن أبيه. والصحيح: ابن ابنه؛ فإنّ البرقي جدّه لأبيه، فهو حفيده، وهو يروي عن جدّه، ولم يرد فيه توثيق.

وأمّا العدّة الثالثة: - وهي التي تروي عن سهل بن زياد - فهي تشتمل على أربعة أشخاص، اثنان منهم موثّقان، وهما:

الأوّل: عليّ بن محمّد بن علّان، والظاهر أنّ لفظ «ابن» الثانية زائدة؛ فإنّ عليّ بن محمّد هو: المعروف ب- «علّان»، وهو ثقة. قال النجاشي: «عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف ب- (علّان)، يكنّى أبا الحسن، ثقة، عين»(1)

، وهو خال الكليني وشيخه، كما ذكره النجاشي في ترجمة الكليني(2)

والثاني: محمّد بن أبي عبد اللَّه، وهو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، وهو ثقة. قال النجاشي: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الريّ، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللَّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء»(3)

وقال الشيخ في كتابه «الغيبة»: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين

ص: 27


1- رجال النجاشي: 260/682 .
2- المصدر نفسه: 377.
3- المصدر نفسه: 373/1020.

أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي (رحمه الله) ... ثمّ قال: ... ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغيّر ولم يطعن عليه»(1)

وأمّا الثالث: وهو محمّد بن الحسن، فقد اختلفت الأقوال في المعنيّ به، والمشهور أنّه محمّد بن الحسن الصفّار، وهو الظاهر من الفاضل الاسترابادي وصاحب «الوسائل» والكاظمي وغيرهم(2)؛

يروي عنه الكليني في واحد وتسعين مورداً مصرِّحاً باسمه، وهو من الأجلّاء الثقات. قال النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية»(3)

وقيل: هو محمّد بن الحسن البرناني، الذي روى عنه الكشّي(4)

، ولم يرد فيه توثيق.

وقيل: هو محمّد بن الحسن المحاربي. قال النجاشي: «جليل، من أصحابنا، عظيم القدر، خبير باُمور أصحابنا»(5) .

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن عليّ أبو المثنّى، كوفي. قال النجاشي:

ص: 28


1- الغيبة: 415 - 417 .
2- خاتمة المستدرك 21 : 516 ، الفائدة الرابعة.
3- رجال النجاشي: 354/948.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 414/307.
5- رجال النجاشي: 350/943.

«ثقة، عظيم المنزلة في أصحابنا»(1) .

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن الوليد، وهو من مشايخ الصدوق المعروف بالعدالة والدقّة.

وقيل: هو محمّد بن الحسن القمّي، الذي وصف بأنّه نظير ابن الوليد في الرواية.

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن بندار القمّي، المتّحد مع السابق على قولٍ(2).

وقيل(3):

هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة، وهذا ليس له ذِكر في كتب الرجال.

وقيل: هو محمّد بن الحسن الطائي الرازي، المذكور في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن العبّاس الخراذيني (الجراذيني) (4). وقد روى عنه الكليني في كتاب الجهاد(5) مصرّحاً باسمه، إلّا أنّه لم يرد فيه توثيق

ص: 29


1- رجال النجاشي: 382/1039.
2- وهو للأستاذ الاكبر. راجع: تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 290، كما جاء في خاتمة المستدرك 3 : 529، الفائدة الرابعة.
3- نسب هذا القول السيد البروجردي (قدس سره) إلى بعض، لكن السيد قال بأننا لم نظفر على ولد للحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة اسمه محمد. (مقدمة أسانيد كتاب الكافي المطبوعة في مجلّد حياة السيد البروجردي: 344، الثاني والثلاثون: محمّد بن الحسن).
4- رجال النجاشي: 255/668، عليّ بن العباس الجراذيني.
5- الكافي5 : 23، باب الجهاد مع من يكون، ح3.

صريح، واستظهره السيّد البروجردي (قدس سره) (1).

وقيل: هو محمّد بن الحسن الطاطري.

وقيل: هو محمّد بن الحسن الميثمي.

والظاهر أنّ المترجّح من كلّ ما ذكر اثنان:

أحدهما: الصفّار؛ لشهرته، وقربه من الكليني في الطبقة؛ حيث إنّه توفّي سنة (290ه-)، والكليني توفي سنة (329ه-)، وبقرينة المروي عنه؛ فإنّ بعضاً ممّن وقعوا بعد محمّد بن الحسن قد روى عنهم الصفّار، كسهل بن زياد.

وأمّا ابن الوليد، فقد توفّي بعد الكليني بأربع عشرة سنة، وهو يروي عن الصفّار، فكيف يروي عنه الكليني؟!

وأمّا الباقون، فلا دليل على كونهم في طبقة الكليني، بل إنّ بعضهم لم يثبت لهم وجود في كتب الرجال، كما في محمّد بن الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة، وكذا الطاطري، ولعلّه مصحّف الطائي، كما في بعض نسخ «الكافي».

وثانيهما: الطائي، وممّا يقرّب أن يكون هو المراد أمور:

أحدها: أنّه ورد في رواية من «الكافي» التصريح به، بناءً على ثلاث نسخ منه، موافقة «للوافي» و«الوسائل»، وإن كان في بعض نسخه: الطاطري،

ص: 30


1- في المقدمة الرابعة من مقدمة كتابه «أسانيد كتاب الكافي» المطبوعة في مجلّد حياة المؤلف: 346.

والظاهر أنّه غلط؛ لعدم وجوده في كتب الرجال.

ثانيها: أنّه ورد في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن عبّاس الجراذيني الرازي التصريح به، فقد قال: «أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، عن ابن أبي رافع، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن الطائي الرازي، قال: حدّثنا عليّ بن العبّاس ...»(1).

ثالثها: أنّه وردت رواية محمّد بن الحسن الطائي عن سهل في كتابي «التوحيد» و«الأمالي» في عدّة موارد، ولم ترد رواية الصفّار عنه إلّا في موردين: أحدهما في «التهذيب»، واحتمال التصحيف موجود فيه، والثاني في «الفقيه»، وهو قابل للتأمّل.

وكذلك لم ترد روايته عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر في الكتب الأربعة، ولا عن صالح بن أبي حمّاد، ولا عن عبد اللَّه بن أحمد، ولا عن عبد اللَّه بن الحسن، وغيرهم ممّن قد روى عنهم محمّد بن الحسن، إلّا أنّه سيأتي في مطاوي الكتاب القرائن الدالّة على أنّه الصفّار.

هذا، وقد ورد تارة بعنوان محمّد بن الحسن الرازي، وأخرى بعنوان محمّد بن الحسين بن الحسن الرازي الطائي.

وقد قال الشيخ منتجب الدين فيه: «فاضل، صالح»(2) ، وبذلك يحكم بوثاقته.

ص: 31


1- رجال النجاشي: 255/668 .
2- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم: 190.

وكيف كان، فالأمر دائر بين الصفّار والطائي، وكلاهما ثقتان.

والنتيجة: أنّ العدّة الاُولى تشتمل على ثلاثة من الموثّقين، والعدّة الثانية تشتمل على ثلاثة من الموثّقين أيضاً، والعدّة الثالثة تشتمل على اثنين أو ثلاثة من الموثّقين، ومن ذلك يُعلم أنّ العِدد الثلاث مورد للاعتبار والقبول، على أنّنا لو لم نعرف أنّ من أفراد هذه العِدد أشخاصاً ثقاتٍ، لم يُستبعد الحكم باعتبارها أيضاً؛ لقضاء العادة بأنّ الذي يروي عن عدّة أشخاص في عرض واحد لابدّ أن يكون فيهم شخص واحد - على الأقل - ثقة، فكيف إذا كان هناك نصّ على وثاقة بعضهم، كما بيّنا؟!

ثمّ إنّ وقوع العدّة في وسط السند أو آخره لا يعني أنّ الرواية مرسلة. فالتعبير بجماعة، أو غير واحد، أو نحو ذلك ليس إرسالاً في السند؛ وذلك لورود التصريح في عدّة أسانيد بأسماء المقصودين، كما أشار إلى ذلك صاحب «الوسائل» في الفائدة الثالثة من الخاتمة(1)،

بل لا يبعد القول باعتبار السند مع تماميّة سائر الشرائط؛ لما ذكرنا من قضاء العادة بذلك.

الأمر الثاني:

أنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) كثيراً ما يعبّر عند نقله الرواية عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) ، أو الشيخ الصدوق، أو غيرهما بقوله: «وروى بإسناده» وربما يقال: إنّ المراد بهذه اللفظة جمع سند، فتكون الهمزة مفتوحة. ولكنّ الظاهر

ص: 32


1- وسائل الشيعة 30 : 149، الفائدة الثالثة.

أنّ المراد منها هو المصدر، وأنّ الهمزة مكسورة؛ وذلك لأنّه قد لا يكون للشيخ الصدوق أو الشيخ - قدّس سرّهما - غير هذا السند في بعض الموارد، وإن كان له عدّة أسانيد في موارد اُخرى، فكون المراد بهذه اللفظة الجمع ليس صحيحاً دائماً.

على أنّ التعبير بالمصدر قد يؤدّي معنى الجمع، فالقدر المتيقّن هو إرادة المصدر؛ لأنّه وافٍ بالغرض. مضافاً إلى أنّه لو أراد التعدّد لعبّر بصيغة منتهى الجمع، وهي أسانيد، كما في بعض الموارد.

ثمّ إنّ التعبير «بإسناده» يدلّ على أنّ هناك سنداً لم يُذكر، ولابدّ من الفحص عنه في «المشيخة» أو الطرق إلى الكتب؛ لمعرفة أفراده، وملاحظة وثاقتهم وعدمها.

فإذا قال صاحب «الوسائل» مثلاً: «روى الشيخ بإسناده، عن محمّد بن يعقوب» فمعنى ذلك أنّ بين الشيخ وبين الكليني واسطة، لا أنّه يروي عنه مباشرةً. وعليه فلا يكتفى بما هو مذكور في السند من دون ملاحظة الواسطة.

وسوف نبيّن - إن شاء اللَّه - المراد ب- «إسناده»، ونتعرّض لكلّ فرد من أفراد السند المذكور في «المشيخة» أو الفهرست أو غيرهما من جهة الوثاقة وعدمها.

الأمر الثالث:

أنّ من عادة صاحب «الوسائل» - على ما ذكر في خاتمة الكتاب - أن

ص: 33

يصرّح باسم الكتاب الذي ينقل الحديث منه ومؤلّفه، غير الكتب الأربعة، فإنّه يصرّح باسم مؤلّفيها، ولا يصرّح بأسماء الكتب. فما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن يعقوب فهو من «الكافي»، وكذا ما كان معطوفاً عليه. وما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن عليّ بن الحسين فهو من كتاب «من لا يحضره الفقيه»، وكذا ما كان معطوفاً عليه. وما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن الحسن فهو من «التهذيب» أو «الاستبصار»، وكذا ما كان معطوفاً عليه.

وما لم ينتقل من اسم إلى اسم فهو باقٍ على الرواية عن صاحب العنوان الأوّل.

وأمّا إذا روى في أوّل حديثٍ عن عنوان محمّد بن يعقوب مثلاً، ثمّ قال بعده: ورواه الصدوق بإسناده نحوه، أو قال: ورواه الشيخ مثله، فهذا لا يعدّ انتقالاً عن الرواية عن صاحب العنوان، الذي هو محمّد بن يعقوب في المثال.

نعم، إذا قال بعد ذلك: محمّد بن الحسن... فإنّه انتقال من الرواية عن محمّد بن يعقوب في «الكافي» إلى الرواية عن محمّد بن الحسن في «التهذيب» أو «الاستبصار».

الأمر الرابع:

أنّ صاحب «الوسائل» قد يعقّب بعد أن يورد الرواية بقوله: ورواه البرقي في المحاسن مثلاً، أو يقول: وروى البرقي مثله، أو يقول: وروى البرقي نحوه. وهذه التعابير الثلاثة كثيرة في «الوسائل»، كما أنّها كذلك في «جامع

ص: 34

أحاديث الشيعة»، وبينهما جهة اشتراك وجهة اختلاف.

أمّا جهة الاشتراك، فهي أنّ الرواية واحدة في هذه الموارد الثلاثة، وإلّا لو كانت رواية أخرى لذكرها على نحو الاستقلال، من دون حاجة للعطف.

وأمّا جهة الاختلاف، فإنّ قوله: «رواها» يعني أنّ الرواية بعينها هي الرواية السابقة من دون زيادة ونقيصة.

وأمّا إذا قال: «مثله» فالمراد أنّها ليست عين الرواية السابقة، بل فيها زيادة أو نقيصة.

وأمّا إذا قال: «وروى نحوه» فالمراد أنّها ليست عين الرواية السابقة أيضاً، بل فيها زيادة ونقيصة معاً، وإن كان الجميع رواية واحدة.

وهذا الذي ذكرنا في تفسير المثل والنحو إنّما هو على النحو الغالب، وإلّا ففي بعض الموارد قد يقع خلاف ما تقدّم ذكره.

الأمر الخامس:

أنّ ممّا يبتلى به في الأسانيد هو العناوين المشتركة، وسبب الاشتراك يعود إجمالاً إلى أحد هذه الأمور:

أحدها: ورود الرواية مشتملة على ذكر اسم الراوي مجرّداً عن الأب والجدّ واللقب، كأن يرد في بعض الروايات «أحمد» أو «الحسين».

ثانيها: ورود الرواية مشتملة على ذكر الكنية فقط، مثل: أبي جعفر، أو أبي يحيى، أو ابن العرزمي، أو ابن سنان، وغيرهم.

ص: 35

ثالثها: التشابه في الاسم واسم الأب مع كونهما في زمان واحد، أو أزمنة مختلفة، مثل: أحمد بن محمّد، ومحمّد بن يحيى، وغيرهما.

رابعها: التشابه في اللقب أو النسبة، كالكلبي، أو القاضي، أو البغدادي، وغيرها.

وهناك أسباب أخرى تتّضح من مراجعة أسانيد الأحاديث.

والمهمّ هو العلاج وبيان قواعد يتميّز بها المراد من العنوان؛ حتّى يتبيّن حال الرواية، وأنّها معتبرة أو لا.

وهي أمور:

الأوّل: ملاحظة طبقة الراوي والمروي عنه، و بهذا الأمر يمكن تشخيص كثير من المشتركات، وتمييز بعضها عن بعض.

الثاني: ملاحظة الأسانيد المتشابهة والمكرّرة، فمع ملاحظة هذه الأسانيد يمكن تشخيص المشترك وتبيينه.

الثالث: نصّ أحد أعلام الرجاليّين وأهل الحديث على تعيين المراد من العنوان المشترك، كما إذا ورد عن أحدهم مثلاً: «كلّما قلت: أحمد بن محمّد، فهو أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً»، أو يظهر ذلك بواسطة القرائن.

الرابع: كون أحد الأشخاص من المشتركين في الاسم معروفاً في الرواية دون الباقين؛ من جهة أنّ له كتاباً أو أصلاً، ولم يكن للآخرين ذلك. فالمطلق ينصرف بحسب العادة إلى المعروف.

الخامس: كون أحد المشتركين معروفاً بالرواية؛ لكثرة رواياته في

ص: 36

الكتب دون الباقين؛ للوجه المتقدّم.

السادس: وجود طريق آخر للرواية وقع فيه العنوان المطلق مقيّداً، كما يوجد ذلك في كثير من روايات «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد يوجد في «الكافي» و«الفقيه» أيضاً.

فهذه أصول التمييز بين المشتركات، التي سوف نعتمد عليها في هذا المجال.

الأمر السادس:

أنّ هناك وجوهاً ذكرت في مقدار اعتبار روايات الوسائل، وهي تختلف في مدى اعتبار الروايات كلّاً أو بعضاً، وهي:

الوجه الأوّل: ما ذكره المحدّثون - كما هو رأي المؤلّف(1) وصاحب «الحدائق»(2) - من أنّ جميع ما في الكتب المعتبرة لا يحتاج إلى الفحص عن أسانيده، فكلّها معتبرة.

الوجه الثاني: ما ذكره جماعة من المحقّقين، من أنّ ما في الكتب الأربعة، أو «الكافي» و«الفقيه» معتبر.

الوجه الثالث: أنّ كلّ ما عمل به المشهور فهو معتبر، وما أعرضوا عنه فليس بمعتبر.

ص: 37


1- الفوائد الطوسية: 10، الفائدة الأولى.
2- الحدائق الناضرة 1 : 14.

الوجه الرابع: ما ذهب إليه مشهور المتأخّرين، من أنّه لابدّ من ملاحظة كلّ فرد وقع في أسانيد الروايات، فإن كان ورد فيهم توثيق فهي معتبرة وإلّا فلا يحكم باعتبارها.

وسوف نعتمد في توثيق الأشخاص على ما يلي:

1 - كتاب النجاشي.

2 و 3 - فهرست الشيخ ورجاله.

4 - رجال الكشّي، وهو المسمّى ب- «اختيار معرفة الرجال».

5 - فهرست الشيخ منتجب الدين.

6 - معالم العلماء، لابن شهرآشوب.

7 - ما ذكره ابن الغضائري، إلّا أنّه من باب التأييد.

8 - ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم في القسم الأوّل.

9 - ما ورد في نوادر الحكمة في قسم المستثنى منه.

10 - رواية المشايخ الثقات عن شخصٍ، والمشايخ الثقات: محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، ويونس بن عبد الرحمن.

وقد نسلك في تصحيح الرواية طرقاً أخرى من قبيل: شهرة الكتاب، أو كون الكتاب ممّا اعتُمِد عليه، وغير ذلك. فإن لم نجد تصحيحاً للرواية بهذه الطرق أشرنا إلى أحد المسالك المتقدّمة، وإن كان فيها نظر عندنا، كما حقّقناه في «أصول علم الرجال».

ص: 38

وليس مقصودنا من التعرّض للأسانيد بهذا النحو الردّ على سائر المباني أو تضعيفها، خصوصاً مبنى المحدِّث الجليل صاحب الوسائل (رحمه الله) ، فلعلّه - واللَّه العالم - هو الصواب.

إنّما المقصود أن يكون الشرح شاملاً لجميع المباني؛ لغرض تسهيل الاستفادة من الشرح، كلّ حسب مبناه.

الأمر السابع:

بناءً على الأمر السادس قد يقع التعارض في بعض الموارد، كما وقع في محمّد بن خالد البرقي؛ حيث ذكر النجاشي في ترجمته: «وكان محمّد ضعيفاً في الحديث»(1).

وذكر الشيخ في أصحاب الرضا (علیه السلام) أنّه ثقة(2) .

فحينئذٍ إن أمكن الجمع بينها ارتفع التعارض، كأن يقال: إنّ المراد بكونه ضعيفاً من جهة روايته عن الضعفاء كثيراً، واعتماده على المراسيل، كما هو المشهور المنسوب إليه، وإلّا فهو ثقة في نفسه.

ويؤيّد هذا الجمع ما ذكره ابن الغضائري من أنّ: «حديثه يعرف وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل»(3). ونظير هذا كثير في علم الرجال.

وأمّا إذا لم يمكن الجمع بمثل هذا الوجه، فقد يقال بتقديم الجرح على

ص: 39


1- رجال النجاشي: 335/ 898 .
2- رجال الطوسي: 363/5391 .
3- خلاصة الأقوال: 237/15.

التعديل، وقد يقال بتقديم شهادة النجاشي على غيره. ولكنّ الظاهر هو التعارض، فإنّهما شهادتان مقبولتان، وهما حجّتان، فلا وجه لتقديم إحداهما على الأخرى، فلابدّ من التوقّف. والنتيجة على هذا التقدير عدم القول بوثاقة الراوي.

الأمر الثامن:

أنّا نلتزم في أوّل كلّ باب بإيراد أقوال أصحابنا الإماميّة، وأقوال العامّة إن وجدت؛ وذلك لأنّ العلم بأقوال علمائنا ربما يوجب الترجيح بالشهرة عند اختلاف الروايات، كما أنّ العلم بأقوال العامّة يفيد في حمل بعض تلك الروايات على التقيّة عند المخالفة، أو في تحصيل الإجماع عند المسلمين في حال الموافقة؛ ولذلك نرى من اللازم استعراض الأقوال بالمقدار الذي له دخل فيما ذكرناه.

الأمر التاسع:

أنّا وإن تعرّضنا - بعد البحث عن الأحاديث في كلّ باب سنداً ودلالة - للفروع المناسبة لذاك الباب، ولكن ربّما كانت الفروع كثيرة، أو كان البحث فيها طويلاً، ولعلّ ضمّها إلى هذا الشرح يوجب الملل لعامّة الباحثين والقارئين؛ ولذلك أشرنا إلى تلك الفروع إجمالاً. وسنفردها مفصلة في كتاب مستقلّ إن شاء الله تعالى.

ص: 40

الأمر العاشر:

أنّا وإن ذكرنا طريقاً أو طرقاً متعدّدة لتصحيح الروايات، إلّا أنّ ذلك لا يعني: أنّ هذا الطريق معتبر عندنا، وإنّما ذكرناه لمجرّد الإشارة إلى وجود الطريق، ولو على بعض المباني؛ ولذلك نعبّر غالباً: بأنّه يمكن تصحيح الرواية بكذا، فمن يعتبر هذا الطريق يأخذ به دون من لا يعتبره. وقد لا نتعرّض لكل طريق يمكن تصحيح الرواية به، بل نكتفي بذكر طريق واحد أو طريقين.

الأمر الحادي عشر:

أنّا نذكر ترجمة كلّ شخص ورد في سند الحديث مرّة واحدة، ونحيل في سائر موارد ذكره إلى ذلك المكان بقولنا: قد تقدّم. وقد وضعنا فهرساً في آخر كلّ جزء من الكتاب بالأسماء الواردة في ذلك الجزء، يتبيّن فيه موضع ذكر ترجمة ذلك الشخص.

الأمر الثاني عشر:

أنّ هذا الشرح يتكفّل بيان ما له مساس بعناوين الأبواب، وما له صلة مباشرة بها. والأحاديث الشريفة وإن كان بعضها ظاهر الدلالة على المراد، وبيّن الإشارة إلى المفهوم المستفاد، إلّا أنّه يوجد فيها من الفوائد الشريفة، ما لا يبلغه أوّل الفكر، وبادي النظر، بل تستفاد بإمعان الفكر وتجديد النظر؛ فإنّ كلام أصحاب العصمة (علیهم السلام) نور لا يقدر على إبصاره كلّ أحد، وفيه من

ص: 41

المعاني الشريفة والمقاصد المنيفة ما لا يبلغه فكر الأوحديّ من الناس.

كما أنّ بعض الأحاديث مشكل من ناحية المعنى والدلالة، بحيث لا يمكن قبوله ظاهراً، وقد أمرونا أن نردّ علمه إليهم (علیهم السلام) ، لا أن نكذّب به ونطرحه؛ لمجرّد عدم فهمنا لوجهه.

ونحن هنا نتعرّض لبيان ما لعلّه يحتاج لبيان من المعنى بالنسبة إلى بعض الأفهام. وقد نضمّ لبعضها أحاديث أخر توضّح المراد؛ فإنّ كلامهم (علیهم السلام) يبيّن بعضه بعضاً.

ولا نتعرّض لبيان جميع غوامض الروايات، وإيضاح كلّ مبهماتها، وحلّ جملة مشكلاتها، وتفصيل مجملاتها، وذكر الفوائد المستنبطة منها، وإن كان لا يخلو شرحنا من ذلك إذا اقتضاه المقام؛ فإنّ اهتمامنا منصبّ على بيان مقدار دلالة الحديث على عنوان الباب، وقد نتعرّض لبعض التفاصيل بنحو الاختصار؛ لاقتضاء المقام ذلك.

والحمد للَّه ربّ العالمين.

ص: 42

أبواب مقدمة العبادات

وهي واحد وثلاثون باباً

تشتمل على ثلاثمائة وواحد وعشرين حديثاً

ص: 43

ص: 44

أبواب مقدّمة العبادات

1 - باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد

اشارة

------------------------------------------

أبواب مقدّمة العبادات

1 - باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة،

والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد

شرح الباب:

العبادة: هي الطاعة، ومادة العبادة كما تصدق على العبوديّة الاختياريّة الحقّة كذلك تصدق على العبادة الباطلة؛ قال اللَّه تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(1) . كما أنّها - أيضاً - تشمل حالة العبوديّة التسخيريّة، كما هو الحال في العبيد والمماليك. وهي تشعر بالخضوع الخاصّ الناتج عن الاعتقاد بأن للمعبود أو لمن يخضع له رفعة وعظمة وكمالاً.

والمقصود بها هنا الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال، بحيث لا كمال فوقه، وهذا الأمر منحصر في ذات اللَّه سبحانه وتعالى، وهو المستحقّ

ص: 45


1- يس، الآية 60.

للعبادة دون سواه؛ إذ هو الخالق وحده، المفيض لجميع النعم. ففي الحقيقة لا تصدق العبادة واقعاً إلّا إذا كانت له، وأما عبادة غيره فناشئة من اعتقاد باطل لا واقع حقيقي له.

ثمّ إنّ هذه العبادة لا تتأتى إلّا عبر الإسلام الخالد؛ فإنه ناسخ لجميع الأديان السماويّة السابقة، وهو عبارة عن جميع ما جاء به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من الدين الحقّ، المشار إليه بقوله عزّوجلّ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}(1).

والعبادات المشرّعة فيه كثيرة، وهي مبنيّة على المصالح الكثيرة، والتي قد لا يحيط بها الإنسان، إلّا إذا ورد بيانها من اللَّه سبحانه عن طريق نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) أو أحد أوصياء نبيّه (علیهم السلام) ، وهي جميعاً من مظاهر عبوديّة العبد لمعبوده الحقّ، كما أنّها تجلّيات للمعبود الحقّ في قلوب العباد، كلّ حسب مرتبة قربه من الحق جلّ وعلا، وهي كذلك منازل لسير الإنسان الكمالي، الذي لا يمكن تحقّقه بغير السير على تشريعات الإسلام الخالدة.

والعبادات الخمس المذكورة في هذا الباب أعظم أركان الإسلام، وأكمل أجزائه المعتبرة في قوامه. والولاية أعظم من تلك العبادات جميعاً. وبيان أهمّيّة هذه الاُمور الخمسة يستفاد من الأحاديث الآتية، بالإضافة إلى ما ورد من الآيات والأخبار المتواترة، وإجماع الطائفة، بل المسلمين، وإن أسقطوا أمر الولاية من رواياتهم.

ص: 46


1- آل عمران، الآية 19.

[1] 1 - محمّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رضی الله عنه)، عَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عبّاس بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أهمية الأمور الخمسه

[1] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث أمور:

الأمر الأوّل:

أنّه يدلّ على عظمة هذه الأمور الخمسة وأهمّيتها، بحيث تعدّ أساساً للإسلام؛ فقد عبّر فيه بأنّ بناء الإسلام على هذه الأمور، فكأنّما شبّه الإسلام ببيتٍ أساسه هذه الأمور، بحيث ينهدم البيت بانهدامها، فهي داخلة في حقيقة الإسلام. كما عبّر عنها في بعض الروايات بدعائم الإسلام، وفي بعضها بأركان الإسلام، وفي بعضها بالأسهم. وكلّها تشير إلى شي ء واحد، وهو: أنّ الإسلام متوقّف على هذه الأمور، وهي الفارق بين المسلم وغيره؛ فإنّها من الضروريّات، بل أهمّيّتها أيضاً ضروريّة. والمشهور على أنّ من أنكرها أو أنكر واحداً منها فهو كافر؛ والروايات بهذا المضمون كثيرة، ولا

ص: 47


1- لهذا الحديث ذيل لم يورده صاحب «الوسائل»، وفي قوله في آخره: «الحديث» إشارة إلى ذلك، وتمام الحديث: «ولم يناد بشي ء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه». (الكافي 2 : 18 ، ح3).

تختصّ برواياتنا، بل نقلها العامّة أيضاً(1) .

الجمع بین ما دلّ علی كونها خمسة و بین ما دل علی كونها عشرة

الأمر الثاني:

أنّه قد ورد في كثير من هذه الروايات - تقارب نصف هذا الباب - أنّها خمسة، وفي عدّة روايات أخرى أُضيف إليها الشهادتان، وورد في بعض الروايات أنّ الإسلام بُني على عشرة أشياء، بإضافة الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها. ولا تنافي بين جميع هذه الروايات فهي قابلة للجمع.

أمّا الشهادتان، فهما لازمتان للخمسة المذكورة في هذا الحديث؛ فإنّ من يصلّي ويزكّي ويحجّ ويصوم ويقول بالولاية لابدّ أن يشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله و سلم). فالشهادتان كامنتان في هذه الاُمور الخمسة.

وأمّا الجهاد، فهو تابع لنظر الإمام (علیه السلام) ، فهو داخل في الولاية، على ما بيّناه في مباحثنا الفقهيّة(2) .

وأمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما شُرِّعا لتنظيم المجتمع، وهما - أيضاً - لا يخرجان عن شؤون الولاية.

ص: 48


1- سنن الترمذي 4 : 119، ومجمع الزوائد للهيثمي 1 : 47، وصحيح ابن حبان 1 : 374، وصحيح ابن خزيمة 1 : 159، و ج3 : 187، والمعجم الكبير للطبراني 2 : 326، ومسند الحميدي 2 : 308 .
2- التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 58.

وبذلك يجمع بين الروايات الدالّة على أنّ الإسلام بُني على خمس، وبين الروايات الاُخرى المشار إليها.

نعم، ورد في حديثين من هذا الباب: أنّ الإسلام بُني على أربعة أشياء، وهي الأربعة الأولى من دون ذكر الولاية. والمراد به الإسلام بالمعنى الأعمّ، الذي تحقن به الدماء، وتحلّ به الذبائح والمناكح. وليس المراد به المعنى الأخصّ، وهو الإيمان؛ فإنّه مبنيّ على الخمسة؛ ولذلك ورد: أنّ الناس أخذوا بأربع وتركوا الخامسة(1)

، كما سيأتي.

المراد من الولاية

الأمر الثالث:

أنّ الولاية التي أُنيط بها الإيمان إمّا أن تُقرأ بكسر الواو، كما ذكر صاحب «الوسائل» أنّها بالكسر(2)،

بمعنى الخطَّة والإمارة والسلطان. وإمّا أن تُقرأ بفتح الواو، كما ذكر صاحب «المجمع»: أنّها بالفتح، بمعنى المحبّة والتأسّي والتبعيّة. فإن كانت بالمعنى المذكور فهي بمعنى محبّة أهل البيت واتّباعهم، وامتثال أوامرهم ونواهيهم، والتأسّي بهم في الأعمال والأخلاق.

وأمّا معرفة حقّهم واعتقاد إمامتهم، فذلك من أُصول الدين، لا من الفروع العمليّة(3).

والظاهر أنّ ما ذكره هو الصحيح؛ فإنّ هذا الأمر من عمل العباد،

ص: 49


1- الكافي 2 : 18 ، باب دعائم الإسلام، ح 3.
2- تحرير وسائل الشيعة: 223.
3- مجمع البحرين 1 : 561، مادّة (ولا).

ومطلوب منهم، وأمّا الخطّة والإمارة: فهما من عمل الإمام (علیه السلام) ومن شؤونه، فليست من جملة هذه الأُمور الخمسة.

السّر في تاخیر الولاية مع أهمیتها عن بقية الأمور

الأمر الرابع:

أنّه ورد في أكثر هذه الأحاديث ذكر الولاية في آخر تلك الأمور، وفي بعضها وردت في أوّلها، كما في الحديث الحادي عشر من هذا الباب.

والذي يلفت النظر ويثير التساؤل أنّه إذا كانت الولاية هي الأهمّ من بين هذه الأمور الخمسة، فلماذا ذكرت بعدها، مع أنّ المناسبة تقتضي تقديم الأهمّ، كما ورد في ذلك الحديث المشار إليه؟

ولكنّ الظاهر أنّ الحديث المشار إليه غير معتبر، والمناسب هو تأخير ذكر الولاية عن بقيّة الأمور؛ وذلك:

أولاً: بقرينة سائر الأحاديث، حيث ورد فيها التأخير.

وثانياً: أنّ الولاية هي: عنوان الإيمان، وبها كمال الدين، وتمام النعمة، كما ورد في الآية الشريفة(1) ، فالمناسب تأخيرها عن سائر الأحكام، وإن كانت أهمّ من جميعها.

المراد من(لم ينادَ بشي ء بمثل ما نودي بالولاية)

الأمر الخامس:

أنّه يظهر من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث الكثيرة أهمّيّة الولاية وتفضيلها على بقيّة الأمور، حيث لم ينادَ بشي ء بمثل ما نودي بالولاية.

ص: 50


1- المائدة، الآية 3.

والمستفاد من هذه العبارة أمور ثلاثة:

أوّلها: أنّ الولاية من أركان الدين، وممّا بني عليه الإسلام.

وثانيها: أنّها أعظم وأهمّ من جميع الأركان والواجبات، حتّى الصلاة والزكاة وغيرهما.

وثالثها: أنّه لم يؤمر ولم يؤكّد على شي ء من الواجبات مثل ما أمِر بالولاية وأُكّد عليها. ويتوقّف بيان هذه الأمور الثلاثة على الكلام في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل: أنّ الولاية ثابتة لأمير المؤمنين وأبنائه المعصومين (علیهم السلام) ، دون غيرهم، بالأدلّة الأربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وليس هنا موضع ذكرها، وسنشير إلى بعضها في المقام الثالث.

المقام الثاني: في أهمّيّة الولاية، وأنّها في مرتبة سابقة على جميع الواجبات. والمتكفّل لبيان هذا المقام هنا هو الحديث الثاني الآتي؛ فإنّه يبيّن توقّف الواجبات بأجمعها على الولاية، وأنّها أهمّ من سائرها عقلاً ونقلاً.

المقام الثالث: في أنّه لم يرد في الكتاب والسنّة طلب وتأكيد بمقدار ما ورد في الولاية. وتوضيح ذلك - مجملاً - أن يقال:

أمّا الكتاب الكريم، فالآيات الواردة في شأن الولاية ثلاثمائة أو أكثر، على ما روته كتب الإماميّة، وعلى ما روته كتب السنّة تزيد على مائة آية.

والحال أنّه لم يرد في الصلاة وشؤونها غير إحدى وخمسين آية، وفي الزكاة وأحكامها غير تسع عشرة آية، وفي الحجّ خمس عشرة آية، وفي

ص: 51

الجهاد ستّ عشرة آية، وفي الصوم ستّ آيات.

هذا، مضافاً إلى التأكيد في تلك الآيات على أمر الولاية، ونشير إلى جملة منها اختصاراً:

فمنها: آية التبليغ، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(1).

فالآية دالّة على أهمّيّة ما أُمر بتبليغه فيها، بحيث كان تركه مساوقاً لترك الرسالة من رأس. فهذا الأمر أصل من أُصول الدين، وليس هو التوحيد أو النبّوة أو المعاد؛ فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد بلّغها منذ أن صدع بالرسالة، فلابد أن يكون هذا الأمر مهمّاً بقدر أهمّيّة تلك الأُصول، وليس هو إلّا إمامة وولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وهي التي كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) يخشى مخالفة الناس لها إذا بلّغها؛ ولذا قال اللَّه تعالى بعد الإلزام بتبليغها بأشدّ أنواع الإلزام: {واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.

ومنها: قوله عزّ شأنه: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرَاً إلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}(2)

فقد دلّت هذه الآية على وجوب مودّة قربى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم). وبما أنّ المودّة

ص: 52


1- المائدة، الآية 67.
2- الشورى، الآية 23.

مطلقة، ولم تقيّد بجهة خاصة، فلابد من مودّتهم من جميع الجهات، وهو يستلزم وجوب الطاعة مطلقاً؛ ضرورة أنّ العصيان ينافي الودّ المطلق، ووجوب الطاعة مطلقاً يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة، ولا معصوم غير من يعتقد بهم الإماميّة بالإجماع، فتنحصر الإمامة بهم (علیهم السلام) ، ولا سيّما مع وجوب طاعتهم على جميع الأمّة.

وأمّا السنّة الشريفة، فلا تحصى كثرة. ونحن نقتصر على ذكر موردين: أحدهما في أوّل البعثة النبويّة، والآخر في آخرها:

فالأول: حديث الدار المشهور(1):

لمّا أمر سبحانه النبيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بإنذار عشيرته الأقربين، قام النبي بذلك، فأكّد على الولاية بعد طلبه للشهادة بالوحدانيّة للَّه، وبالرسالة والنبوّة له(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثمّ ذكر لهم أنّ من يُسلِم ويؤازره على أمر الرسالة فهو خليفته، وله الولاية بعده، فلم يجبه غير أمير المؤمنين (علیه السلام) .

فهذا دليل على أهمّيّة أمر الولاية؛ إذ اعتنى به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قبل بيان التكليف بغيره من الواجبات.

والثاني: حديث الثقلين المتواتر(2)، الذي كرَّره النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في مواطن

ص: 53


1- علل الشرائع 1 : 170، والإرشاد 1 : 48، والأمالي للطوسي: 581، والمناقب 1 : 305- 307، ومسند أحمد 1: 111، ومجمع الزوائد 8 : 302، وشرح نهج البلاغة 13 : 210 - 211، والرياض النضرة في مناقب العشرة 3 : 124، وغيرها.
2- بصائر الدرجات: 433 - 434، والأمالي للصدوق: 500، 616، والخصال: 66 -67، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 208 ، ودعائم الإسلام 1 : 27، ومسند أحمد 3 : 14، 17، 59، وسنن الدارمي 2 : 292/ 3311، وفضائل الصحابة: 15، وغيرها.

عديدة، منها في آخر عمره الشريف، حيث دخل المسجد مستنداً على أمير المؤمنين والفضل بن العباس، فخطب الناس، وقال فيما قال: «إنّي مخلِّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، من تمسّك بهما نجا... ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

فقد جعل أهل بيته قريناً للقرآن الكريم، ونصّ على أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، وهذا ملازم للعصمة، ووجوب الطاعة والاتّباع، كما يجب ذلك في القرآن.

والحاصل أنه لم يناد بشيء من الأمور الأربعة مثل ما نودي بالولاية؛ لتكرّر النداء بها وفي عدّة مواطن، كان آخرها غدير خم في ذلك الجمع العظيم، بخلاف غيرها فإنه لم يتكرّر النداء بها كما كان في الولاية، ولم يحدث النداء عليها في جمع كما حدث في الجمع الذي نودي فيه بها؛ ولذا ورد في الكافي في حديث آخر عن الفضيل: «ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير»(1).

وأما العقل، فإنّه يُقبِّح تقديم المفضول وإهانة الفاضل، ورفع مرتبة المفضول وخفض مرتبة الفاضل؛ فإنّه يقبح تقديم المبتدى ء في النحو على مثل سيبويه والخليل مثلاً، بل لو دار الأمر بين الرجوع إلى الطبيب الفاضل

ص: 54


1- الكافي: 2 : 21 ، باب دعائم الإسلام، ح8..

والطبيب المفضول، ورجع المريض إلى المفضول، لَلامَهُ العقلاء، إذا لم ينجح في علاجه، ولَا يلومونه إذا رجع إلى الفاضل حتّى لو لم ينجح في علاجه.

وأمّا الإجماع، فقد ثبت في محلّه أنّ الإمام لابدّ أن يكون معصوماً، وغير أئمّتنا ليسوا بمعصومين بالإجماع من جميع الفرق. فأئمّتنا هم المعصومون، وإلّا لزم خرق الإجماع لو أثبتناها لغيرهم، أو خلوّ الزمان من إمام معصوم، وكلاهما باطلان.

أما لزوم خرق الإجماع لو أثبتنا العصمة لغير الأئمة (علیهم السلام) فواضح؛ إذ الإمامية لا تقول بعصمة غير الأئمة (علیهم السلام) ، وغير الإمامية لا يقولون بعصمة أحد، لا الأئمّة ولا غيرهم. فإثباتها لأحد - غير الأئمة (علیهم السلام) - خروج عن الإجماع.

وأما لزوم خلوّ الزمان من إمام معصوم فبطلانه واضح أيضاً؛ إذ هو منافٍ لحديث الثقلين وغيره؛ فإنّه يحصل الافتراق بين القرآن والعترة لو لم يكن منهم معصوم في أحد الأزمنة الى يوم القيامة.

الأمر السادس:

أنّه إذا كانت الولاية بهذه الدرجة من الأهمّيّة، ولا يوجد شي ء أهمّ منها، وكان النداء بالصلاة أمراً مطلوباً، فالأحاديث الكثيرة دالّة على أنّ النداء بالولاية أمر مطلوب ومرغوب عند الشارع، بل يكون النداء بالولاية أمراً مطلوباً بالأولويّة.

ص: 55

ولأولوية النداء بالولاية لم يختص النداء بها بالأذان في فصل «حيّ على خير العمل» المفسّر في الأحاديث بالولاية، ولا بقول الشيعة فيه: «أشهد أنّ عليّاً ولي الله» بحيث صار شعاراً لهم على مرّ الزمان، بل لابدّ أن يكون النداء في غيره أيضاً؛ لمطلوبيّة النداء بالولاية بالأولوية كما قدّمنا.

كما أنّه يظهر أنّ الولاية مثل الصلاة والزكاة لا تختصّ بزمان دون زمان، فكما أنّ وجوب الصلاة لا يختصّ بزمان دون زمان فكذلك الولاية، فهي تكليف إلهي مستمرّ من زمن بعثة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى يوم القيامة، كما ورد في الكتاب الكريم: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)

، فالولي هو اللَّه سبحانه والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومِن بعده الأئمّة (علیهم السلام) ، فعدم ذكر العامّة في رواياتهم الأمر الخامس إنّما هو لتخيّلهم أنّ الولاية مختصّة بالأئمة (علیهم السلام) ، مع أنّها امتداد لولاية اللَّه سبحانه والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

الأمر السابع:

ذكر صاحب «الوسائل» (قدس سره) أنّ معنى قوله (علیه السلام) : «بُني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة... الخ» ظاهر في أنّها من أصول الدين؛ فإنّهم قالوا: الأصل ما يبنى عليه الشي ء، وهو خلاف المشهور من أنّها منحصرة في التوحيد والعدل والنبوّة ... الخ، وليس لهم دليل على ذلك الحصر(2).

ص: 56


1- المائدة، الآية 55.
2- تحرير وسائل الشيعة: 225.

أقول: لايبعد أنّ المراد من البناء في هذه الرواية هو بناء الإسلام من جهة العمل، فهذه الأمور من الأصول العمليّة للإسلام، ولا ينافي ذلك الحصر المذكور في الخمسة عند المشهور؛ فإنّها من الأصول الاعتقاديّة.

هذا، وقد ورد في هذا الباب تسعة وثلاثون حديثاً موافقاً للكتاب والسنّة، بل هي متواترة، بل ذكر صاحب «الوسائل» أنّها تجاوزت حدّ التواتر، كما سيأتي في صريح كلامه في آخر الباب، وفي «جامع أحاديث الشيعة» زاد تسعة أحاديث، وذكر ما ذكره صاحب «الوسائل» من أنّها تجاوزت حدّ التواتر(1).

سند الحديث:

أما محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) : فهو أشهر من أن يوصف.

قال عنه النجاشي: إنّه «شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي(2) في عشرين سنة»(3) وقال الشيخ: «إنّه ثقة، عارف بالأخبار»(4).

وقال الشيخ المفيد عن الكتاب: «إنّه أجلّ كتب الشيعة،

ص: 57


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 613 - 646 ، ح1085 - 1131.
2- هكذا وردت العبارة في المصدر، والخلل فيها واضح، والصحيح ما ورد في «نقد الرجال»: صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكافي في عشرين سنة. (نقد الرجال 4 : 352).
3- رجال النجاشي: 377 /1026.
4- فهرست الطوسي: 210/602.

وأكثرها فائدة»(1).

وأمّا أبو عليّ الأشعري: فهو أحمد بن إدريس القمّي، الذي تقدّم ذكره في بيان العِدد.

وأمّا الحسن بن عليّ الكوفي: فقد قال عنه النجاشي: «الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة البجلي، مولى جندب بن عبد اللَّه، أبو محمّد، من أصحابنا الكوفيين، ثقة، ثقة»(2)

وأمّا عبّاس بن عامر: فقد قال عنه النجاشي: «العبّاس بن عامر بن رباح، أبو الفضل الثقفي، القصباني، الشيخ الصدوق، الثقة، كثير الحديث»(3) ، وورد في «نوادر الحكمة»(4).

وأمّا أبان بن عثمان: وهو الملقّب بالأحمر، ويقال: أبان الأحمري، وأبان بن الأحمر، فهو وإن لم ينصّ على وثاقته، ولكنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(5)

، مضافاً إلى رواية المشايخ الثقات - وهم ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وابن أبي نصر البزنطي - عنه، وهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، وورد أيضاً في

ص: 58


1- تصحيح الاعتقاد: 70 فصل في النهي عن الجدال.
2- رجال النجاشي: 62/147.
3- المصدر نفسه: 281.
4- أصول علم الرجال 1 : 225 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705 .

«تفسير القمّي» و«نوادر الحكمة»(1) .

وأمّا ما ورد من أنّه كان من الناووسية، فهو من التصحيف لكلمة القادسيّة، ونسبته إلى الفطحيّة - كما في خلاصة العلاّمة(2) - غير ثابتة، على أنّ العلاّمة قد نسبه في المنتهى(3)

إلى الواقفيّة، ولا منشأ لهاتين النسبتين. وعلى فرض ثبوت النسبة فلا يخدش ذلك في وثاقته واعتبار روايته.

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد وردت عدّة روايات في مدحه والثناء عليه:

منها: ما رواه الكشّي بسنده عن إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) إذا رأى الفضيل بن يسار قال: «بشّر المخبتين، من أحبّ أن ينظر (يرى) رجلاً من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا»(4)

ومنها: ما ذكره الصدوق، حيث قال - بعد ذكر طريقه إليه - : وكان أبو جعفر (علیه السلام) إذا رآه قال: «بشّر المخبتين». وذكر ربعي بن عبد اللَّه عن غاسل الفضيل بن يسار: أنّه قال: إنّي لأغسّل الفضيل، وإنّ يده لتسبقني إلى عورته، قال: فخبّرت بذلك أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال: «رحم اللَّه الفضيل بن يسار، هو منّا أهل البيت»(5)

، وغيرها من الروايات.

ص: 59


1- أصول علم الرجال 1 : 276 ، 211 .
2- خلاصة الأقوال: 438.
3- منتهى المطلب 1 : 296.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 472 / 377 .
5- من لا يحضره الفقيه 4 : 441.

[2] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّه بْنِ الصَّلْتِ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ».

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، وقد نصّ النجاشي على وثاقته، فقال: «عربي، بصري، صميم، ثقة»(1). وكذلك الشيخ قال: «بصري، ثقة»(2). وعدّه الشيخ المفيد في «الرسالة العدديّة» من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(3)

فالحديث في غاية الاعتبار.

بيان مرتبة كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر

[2] - فقه الحديث:

المستفاد من هذا الحديث - زائداً على ما تقدّم - أمران:

الأوّل: بيان مرتبة كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر.

الثاني: الدليل على ذلك.

أمّا الأوّل، فالإمام (علیه السلام) بيّن أنّ أفضل هذه الأمور هي الولاية، ثمّ يأتي

ص: 60


1- رجال النجاشي: 309/846.
2- رجال الطوسي: 143/1545.
3- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43 .

قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ: وَأَيُّ شَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الْوَلايَةُ أَفْضَلُ؛ لأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ، وَالْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ». قُلْتُ: ثمّ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ؟ فَقَالَ: «الصَّلاةُ»(1).

بعدها في الفضل الصلاة، ثمّ الزكاة، ثمّ الحجّ، وبعده الصوم.

-----------------------------------------------------------------------------

ص: 61


1- الكافي 2 : 18 ، ح 5. وتتمته: إنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «الصلاة عمود دينكم». قال: قلت: ثمّ الذي يليها في الفضل؟ قال: «الزكاة؛ لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): الزكاة تذهب الذنوب». قلت: والذي يليها في الفضل؟ قال: «الحجّ، قال اللَّه عزّوجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}» وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر اللَّه له». وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال. قلت: فماذا يتبعه؟ قال: «الصوم». قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال: قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصوم جنّة من النار»، قال: ثمّ قال: «إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبةٌ دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه، إنّ الصلاة والزكاة والحجّ والولاية ليس يقع شي ء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك، وليس من تلك الأربعة شي ء يجزيك مكانه غيره»، قال: ثمّ قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان»، ثمّ قال: «أولئك المحسن منهم يدخله اللَّه الجنة بفضل رحمته».

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الصَّلْتِ، بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذا الترتيب لا خلاف فيه إلّا في الأخير، وهو الترتيب بين الحجّ والصوم؛ فإنّه بمقتضى هذا الحديث يكون الحجّ أفضل من الصوم، ولكنّ المستفاد من الحديث الرابع والثلاثين من نفس الباب أنّ الصوم أفضل من الحجّ.

كما أنّه ورد ذكر الحجّ مقدّماً على الصوم في اثني عشر حديثاً من الباب، وورد ذكر الصوم مقدّماً على الحجّ في ثلاثة وعشرين حديثاً.

وكيفيّة الجمع بين هذه الأحاديث تأتي - إن شاء اللَّه - في باب الحجّ.

الدليل التعبّدي على أفضليّة الولاية

وأمّا الثاني، فإنّ الحديث تضمّن دليلين على أفضليّة الولاية على بقيّة الأمور:

الأوّل: الدليل التعبّدي، وهو أنّ الولاية مفتاح لسائر العبادات، بمعنى أنّه من لم يدخل إلى عبادة اللَّه والتقرّب إليه من باب الولاية فلا يقبل منه عمل، وهذا نظير ما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في الحديث المشهور بين الفريقين:

«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليدخل من بابها»(2) .

ص: 62


1- المحاسن 1 : 446، ح1034.
2- راجع: عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 72، والخصال: 574، وأمالي الصدوق: 188 ، 342 ، 425 ، 472 ، 619 ، 655 ، والتوحيد للشيخ الصدوق: 307، وكتاب كمال الدين: 241، وكفاية الأثر للخزاز: 184، وتحف العقول: 430، وغيرها. وراجع أيضاً: مجمع الزوائد 9 : 114، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 165، والجامع الصغير للسيوطي 1 : 415، وكنز العمال 13 : 148، وكشف الخفاء 1 : 203، وقال فيه بعد نقله للحديث: «رواه الحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير...».

ويترتّب على ذلك أنّ كلّ من دخل من غير هذا الباب فقد اتّبع الشيطان وهوى النفس، وذلك هو الضلال المبين. وقد أكّد على ذلك الإمام (علیه السلام) بقوله: «أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان».

وبتعبير آخر: إنّ اللَّه تعالى امتحن عباده وتعبّدهم من طريق خاصّ، وإنّما يطاع اللَّه من حيث يريد هو تعالى، لا من حيث يريد العبد؛ وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما سيأتي في الحديث السادس من هذا الباب، وهو معتبرة عبد الحميد بن أبي العلا، قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت مولى لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فملت إليه لأسأله عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فإذا أنا بأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ساجداً، فانتظرته طويلاً، فطال سجوده عليَّ، فقمت وصلّيت ركعات، وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه: متى سجد؟ فقال: قبل أن تأتينا، فلمّا سمع كلامي رفع رأسه، ثمّ قال: «أبا محمّد، ادْنُ منّي»، فدنوت منه، فسلّمت عليه... فلمّا خرج من المسجد قال لي: «يا أبا محمّد، واللَّه لو أنّ إبليس سجد للَّه عزّ ذكره بعد المعصية والتكبّر عمر الدنيا ما نفعه

ص: 63

ذلك، ولا قبله اللَّه عزّ ذكره، ما لم يسجد لآدم كما أمره اللَّه عزّوجلّ أن يسجد له، وكذلك هذه الأمّة العاصية المفتونة بعد نبيّها(صلی الله علیه و آله و سلم)، وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم(صلی الله علیه و آله و سلم) لهم، فلن يقبل اللَّه تبارك وتعالى لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة حتّى يأتوا اللَّه عزّوجلّ من حيث أمرهم، ويتولّوا الإمام الذي أمروا بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه اللَّه عزّوجلّ ورسوله لهم...»(1)

والحاصل: أنّ حكمة اللَّه تعالى قد اقتضت أن يمتثل العباد أوامره من حيث أمرهم، ويسلكوا الطريق الذي هيّأه لهم، ويدخلوا من الباب الذي فتحه لهم.

الدليل العقلي علی أفضلية الو الولاية

الثاني: الدليل العقلي، وهو قوله (علیه السلام) : «والوالي هو الدليل عليهنّ»، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في مبحث ولاية الفقيه(2) .

وحاصله: أنّ العقل يحكم بأنّ كلّ قانون أو دين يراد له البقاء والاستمرار، فلابدّ له من حافظ وقيّم يحفظه عن الانحراف، وعن الزيادة والنقيصة، ويردّ عنه الشُّبه. وهذا أمر واضح، بل متحقّق في الخارج، ولولا وجود الحافظ لهذا القانون لتسرّب إليه التحريف، ولكان عرضة للاضمحلال والزوال. ولمّا كان الإسلام خاتمة الشرائع الإلهيّة، وقد أراد اللَّه تعالى له البقاء والاستمرار، فلابدّ له من الحافظ والدليل عليه؛ ليصونه عن

ص: 64


1- الكافي 8 : 270 ، ح 399.
2- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2 : 354.

الانحراف، ويدفع عنه الشبهات، ويقوم على رعايته، ويبيّن ما أشكل من أحكامه وتعاليمه، ويفسّر أغراضه وأهدافه. وهذا ما قامت عليه عقيدة الإمامية من ضرورة الإمامة، وأنّها بيد اللَّه تعالى، منصوبة من قِبله لا بانتخاب البشر. ولكن لمّا انحرف الناس عن جادّة الحق، ولم يتّبعوا أوامر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فيما عيّنه لهم من إمام بعده، واختاروا لأنفسهم إماماً من عند أنفسهم، ظهرت الانحرافات العقائديّة والأخلاقيّة والفقهيّة، وكاد الإسلام يضمحلّ، لولا وجود الحجّة (علیه السلام) ، وهو الحافظ لبقاء الدين واستمراره.

ولذلك لو تتبّعنا عقائد المخالفين وأحكامهم الفقهيّة لوجدناها على خلاف الحق، من اعتقادهم بالتجسيم والتعطيل، والتخبّط في أحكام الدين، حتّى أنّه روي عن الخليفة الثاني أنّه أفتى في ميراث الجدّ بمائة فتوى يناقض بعضها بعضاً(1)؛

وما ذلك إلّا نتيجة طبيعية لتجنّبهم الطريق الصحيح. بل إنّ ما وقع عند الشيعة الإماميّة من بعض الاختلافات إنّما هو بسبب المخالفين؛ لأنّهم ألجأوا الأئمة (علیهم السلام) وأصحابهم إلى التقيّة، والحكم على طبقها؛ خوفاً من الظالمين.

هذا ما يتعلّق بالدليل على تقديم الولاية.

وأمّا وجه تقديم الصلاة على غيرها؛ فقد علّله (علیه السلام) بقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصلاة عمود دينكم».

ص: 65


1- راجع - على سبيل المثال - : السنن الكبرى للبيهقي 6 : 245، ففيه: عن عبيدة قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضاً.

وأمّا وجه تقديم الزكاة وأنّها تلي الصلاة في الفضل؛ فعلّل (علیه السلام) ذلك بأنّ الزكاة في الكتاب والسنّة مقرونة بالصلاة، فهما متلازمتان، لا تنفكّ إحداهما عن الأخرى، بالإضافة إلى أنّه (علیه السلام) قال: «الزكاة تذهب الذنوب»، أي: تمحيها. ثمّ قال في وجه تقديم الحجّ على غيره بما يستفاد من قول اللَّه عزّوجل: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} من التأكيدات المتعدّدة والمبالغة في الحثّ على هذا الواجب، وإطلاق الكفر على تاركه، وبقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «لحَجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة...».

ثمّ ذكر بعد ذلك وجه أفضليّة الصوم على بقيّة الأعمال بقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصوم جنّة من النار».

كما ذكر علّة تأخيره عن الصلاة والزكاة والحجّ والولاية بأنّه ليس لهذه الأشياء بدل دون أدائها، بخلاف الصوم؛ إذ له بدل، وإذا فات لسفر أو مرض أو عذر فلا يصدق عليه عنوان الفوت والترك، بينما هذه الأربعة إذا تركت أُتي بها بعنوان الفوت وترك الواجب، وهذه أمارة على أهمّيّتها، بحيث إنّ الشارع لا يرضى بتركها أصلاً، ولم يجعل لها بدلاً. وأمّا صلاة الحائض: فإنّها ليست واجبة في حقّها، لا أداءً ولا قضاءً، فهي خارجة بالتخصيص. وفي الحديث أحكام أخرى تأتي الإشارة إليها في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 66

بحث رجالي في ابراهیم بن هاشم

سند الحديث:

روى المصنّف هذا الحديث بسندين:

السند الأوّل: ما رواه الكليني، عن عليّ بن إبراهيم المتقدّم ذكره في تفسير العدّة، عن أبيه.

وأبوه هو إبراهيم بن هاشم، ولم يرد في حقّه توثيق صريح، إلّا أنّه لا إشكال في وثاقته واعتبار روايته، وممّا يدلّ على ذلك:

أوّلاً: أنّ السيد ابن طاووس ادّعى الاتفاق على وثاقته(1)، وهو يكشف عن توثيق بعض القدماء له.

وثانياً: أنّ ابنه - أي: عليّ بن إبراهيم - قد روى عنه في «التفسير» كثيراً، وقد ذكر في مقدّمة كتابه: أنّه لا يروي إلّا عن الثقات(2)

وثالثاً: قال النجاشي: «وأصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم هو»(3)،

وبذلك يظهر أنّ القمّيين اعتمدوا عليه، ولم ينكروا شيئاً من رواياته، وإلّا لأخرجوه من قم، كما أخرجوا البرقي، وسهل بن زياد، وغيرهما.

ورابعاً: أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»، وقد حقّقنا في محلّه أنّ ذلك

ص: 67


1- فلاح السائل: 158.
2- تفسير القمّي 1 : 30.
3- رجال النجاشي: 16/18.

أمارة على الوثاقة(1).

وأمّا عبد اللَّه بن الصلت: فقد قال النجاشي عنه: «عبد اللَّه بن الصلت، أبو طالب القمّي، ... ثقة، مسكون إلى روايته»(2)، ووثّقه الشيخ في «رجاله»(3)، وورد في «تفسيرالقمّي»(4).

وأما قوله «جميعاً»: فالمراد به: أنّ عليّ بن إبراهيم يروي عن أبيه وعبد اللَّه بن الصلت، وهما يرويان عن حمّاد.

وأمّا حمّاد بن عيسى: فقد قال النجاشي في حقّه: «وكان ثقة في حديثه، صدوقاً»(5) ووثّقه الشيخ في الفهرست(6) ، وهو من أصحاب الإجماع، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(7) .

وأمّا حريز بن عبد اللَّه: فقد وثّقه الشيخ في «الفهرست»(8) ، وورد في

ص: 68


1- أصول علم الرجال 1 : 210 ، 212 .
2- رجال النجاشي: 217/564.
3- رجال الطوسي: 360/5347.
4- أصول علم الرجال 1 : 283 .
5- رجال النجاشي: 142/370.
6- فهرست الطوسي: 115/241.
7- أصول علم الرجال 1 : 220، وج2 : 189 .
8- فهرست الطوسي: 118/249.

أسناد «نوادر الحكمة» وفي «تفسير القمّي»(1)

وأمّا زرارة: فقد قال عنه النجاشي: «شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً، فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه»(2)،

وهو من أصحاب الإجماع، ووثّقه الشيخ أيضاً في «رجاله» في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3)

، ووردت في حقّه عدّة روايات مادحة:

منها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: ... وزرارة، أربعة نجباء أُمناء اللَّه على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست»(4)،

وغيرها من الروايات الكثيرة.

كما أنّه وردت فيه روايات ذامّة أيضاً، وهي إمّا ضعيفة السند، وإمّا محمولة على حفظ زرارة من كيد الظالمين، كما أشير إليه في بعض الروايات(5)

فالحديث معتبر بلا إشكال.

ص: 69


1- أصول علم الرجال 1 : 216 ، 278 .
2- رجال النجاشي: 175/463.
3- رجال الطوسي: 337/5010.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 398/ 286 .
5- معجم رجال الحديث 8 : 225/4671.

وأمّا السند الثاني: فهو ما رواه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي في «المحاسن»، عن عبد اللَّه بن الصلت.

أما أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي فقد قد قال النجاشي عنه: «كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنّف كتباً»(1)

وقال الشيخ: «كان ثقة في نفسه، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء، واعتمد المراسيل»(2).

وقال ابن الغضائري: «... وكان أحمد بن عيسى أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها، واعتذر إليه ... لمّا توفّي مشى أحمد بن محمّد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً؛ ليبرّى ء نفسه ممّا قذفه به»(3).

وأمّا عبد اللَّه بن الصلت، فقد تقدّم ذكره في السند الأوّل.

وقوله: بالإسناد المذكور: أي أنّه من عبد اللَّه بن الصلت يتّحد السند.

وهذا السند صحيح.

ص: 70


1- رجال النجاشي: 76/182.
2- فهرست الطوسي: 62/65.
3- معجم رجال الحديث 3 : 53 /861.

[3] 3 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِالإِسْلامِ: أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: «أَمَّا أَصْلُهُ فَالصَّلاةُ، وَفَرْعُهُ الزَّكَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ».

ثمّ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِأَبْوَابِ الْخَيْرِ»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ،...» الْحَدِيثَ (1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ الصلاة والزكاة والجهاد والصوم من أهمّ الواجبات، ودلالته على ذلك واضحة؛ حيث شبّه الإمام (علیه السلام) - لتقريب الأذهان - الإسلام بالشجرة التي لها أصل وفرع وذروة، فقال (علیه السلام) : «أمّا أصله فالصلاة»، وهي عمود الدين، وقد ورد أنّ أوّل ما ينظر في عمل العبد الصلاة، وأنّها إن قُبلت قُبِل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها(2)، وأنّ الفارق بين المسلم والكافر هو إقامة الصلاة. وأمّا الفرع فهو الزكاة، وهي تذهب بالذنوب، وتلي الصلاة في الأهمّيّة؛ ولذلك عبّر عنها بالفرع.

ص: 71


1- الكافي 2 : 24، باب دعائم الإسلام ، ح 15.
2- المصدر نفسه 3 ص 268، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها، ح 4 ، وتهذيب الأحكام 2 : 239، باب فضل الصلاة، ح 15 ، ووسائل الشيعة 4 : 35 ، الباب 8 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح13 .

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد بْنِ سَمَاعَةَ، عَنِ ابْنِ رِبَاطٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، نَحْوَهُ(2).

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، مِثْلَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: «الْجِهَادُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

والذروة - بالكسر والضمّ - من كلّ شي ء أعلاه، وسنام كلّ شي ء أعلاه، وهو الجهاد، وإنّما عبّر عن الجهاد بأنّه ذروة الإسلام وسنامه على سبيل الاستعارة. وقد ورد في شأنه أنّه عزّ الإسلام، وبه قوامه، وهو الباب الذي فتحه اللَّه لخاصّة أوليائه، وظهرت به الشريعة، وارتفع به لواؤها، وثبتت به الحقيقة، وسما بناؤها؛ ومن هنا كان الجهاد في القمّة، وأنّ المجاهدين هم الأبرار الذين ليس فوق برّهم برّ، وليس فوق عطائهم عطاء.

ثمّ أشار (علیه السلام) إلى أبواب الخير، وذكر أنّ الصوم جُنّة من النار، أي: هو الدرع الواقي عن غضب اللَّه سبحانه، وكذلك الصدقة والقيام؛ فإنّها من أبواب الخير أيضاً.

ص: 72


1- المحاسن 1 : 451 ، ح1039.
2- تهذيب الأحكام 2 : 242 ، ح 958.
3- الزهد: 13 ، ح 26.

وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عليّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عليّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ(3).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

وممّا يلفت النظر في هذا الحديث عدم تعرّضه للولاية، مع أنّها - أيضاً - من أهمّ الواجبات، كما تقدّم.

ويمكن الجواب عن ذلك بأمور:

الأوّل: أنّ الحديث ليس في مقام الحصر، فلابدّ من ملاحظة سائر الأحاديث.

الثاني: أنّه لمّا كان الجهاد الذي هو ذروة الإسلام وسنامه تابعاً لنظر

ص: 73


1- الكافي 4 : 62 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 4 : 151 ، ح419.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 75، ح1775.
4- المحاسن 1 : 450، ح1038.

المعصوم (علیه السلام) وأمره، وشأنه بيده، كما هو محقّق في محلّه، ففي ذلك إشارة ضمنيّة إلى الولاية، وهذا يغني عن التصريح بها.

الثالث: على فرض عدم تماميّة ما تقدّم يمكن أن يقال: بأنّ الرواية في مقام بيان الإسلام بالمعنى الأعمّ، الذي هو المناط في حقن الدماء، وحلّية الذبائح، وحرمة الأموال، وليست في مقام بيان الإسلام بالمعنى الأخصّ، الذي هو الإيمان المنوط بالولاية.

سند الحديث:

لهذا الحديث عدّة أسانيد:

السند الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد.

أمّا محمّد بن يحيى: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا أحمد بن محمّد: فهو مشترك بين أحمد بن محمّد بن خالد، وأحمد بن محمّد بن عيسى، وكثيراً ما ينقل محمّد بن يحيى عنهما، وقد ينقل عن أحمد بن محمّد بن الحسن، وأحمد بن محمّد بن هلال، وهما مجهولان، إلّا أنّ روايته عنهما كانت في مورد واحد، فلا ينصرف أحمد بن محمّد إليهما قطعاً. وعليه فينحصر الأمر بين المعروفين منهم، وهما الأوّلان.

والظاهر: أنّه ابن عيسى؛ لأنّ محمّد بن يحيى من العدّة التي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وليس من أفراد العدّة التي تروي عن البرقي.

ص: 74

أضف إلى ذلك: أنّ محمّد بن يحيى يروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى في الكتب الأربعة ما يقرب من ثمانمائة مورد، بينما يروي عن البرقي في سبعة موارد أو ثمانية.

هذا، والظاهر أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي، وهو من الثقات.

قال النجاشي في حقّه: «شيخ القمّيين، ووجههم، وفقيههم، غير مدافع، وكان - أيضاً - الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي الرضا (علیه السلام) »(1)

، ووثّقه الشيخ بهذا النحو(2).

وعلى فرض أنّه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهو - أيضاً ثقة - كما تقدّم.

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد قال النجاشي عنه: «وكان عليّ ثقة، وجهاً،ثبتاً، صحيحاً، واضح الطريقة»(3)،

وورد في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي» لكن في القسم الثاني(4)

وأمّا ابن مسكان: فقد قال النجاشي في حقّه: «عبد اللَّه بن مسكان، أبو

ص: 75


1- رجال النجاشي: 82/ 198.
2- فهرست الطوسي: 68/75.
3- رجال النجاشي: 274/719.
4- أصول علم الرجال 1 : 231 ، 307 .

محمّد، مولى عنزة، ثقة، عين»(1)

، ووثّقه الشيخ(2)

، وهو من أصحاب الإجماع، وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام(3)

، وورد في «تفسير القمّي»(4).

وأمّا سليمان بن خالد: فقد قال النجاشي في حقّه: «كان قارئاً، فقيهاً، وجهاً»(5).

وتعبيره بالوجه: دالّ على الوثاقة، مضافاً إلى توثيق الشيخ المفيد له في «الإرشاد»(6)

، وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(7)،

وقد ورد في حقّه: أنّه خرج مع زيد، ولم يخرج معه من أصحاب أبي جعفر (علیه السلام) غيره، قطعت يده، ومات في حياة أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فتوجّع لفقده، ودعا لولده، وأوصى بهم أصحابه(8)

وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأما السند الثاني: وهو ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن أبيه، عن

ص: 76


1- رجال النجاشي: 214/559.
2- فهرست الطوسي: 168/440.
3- معجم رجال الحديث 11 : 348/7173.
4- أصول علم الرجال 1 : 283 .
5- رجال النجاشي: 183/484.
6- الإرشاد 2 : 216، باب ذكر الإمام بعد أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد (علیهما السلام) .
7- اُصول علم الرجال 1 : 223 ، 281 ، و ج2 : 195 .
8- رجال النجاشي: 183/484، ورجال الطوسي : 215 - 216/2838.

عليّ بن النعمان. والبرقي قد تقدّم ذكره.

وأمّا أبوه: فهو محمّد بن خالد البرقي، قال عنه النجاشي: «وكان محمّد ضعيفاً في الحديث»(1).

وقال الشيخ في «رجاله»: «محمّد بن خالد البرقي ثقة»(2) .

ومقتضى الجمع بين تضعيف النجاشي وتوثيق الشيخ: أن يقال: إنّه ثقة في نفسه، إلّا أنّه ضعيف في الحديث، بمعنى: أنّه يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل.

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد تقدّم ذكره، ومنه يتّحد السندان.

وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

طریق شیخ إلی الحسن بن محمّد بن سماعة

وأمّا السند الثالث: وهو ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ابن رباط، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، فقد قال النجاشي في حقّ الشيخ: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، من تلامذة شيخنا أبي عبد اللَّه»(3) .

وأما سند الشيخ فقد ذكر طريقين إلى كتبه ورواياته:

أحدهما: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته أحمد بن عبدون، عن أبي طالب

ص: 77


1- رجال النجاشي: 335/898.
2- رجال الطوسي: 363/5391.
3- رجال النجاشي: 403/ 1068.

الأنباري، عن حميد بن زياد النينوائي، عنه(1).

وهذا الطريق ضعيف بأبي طالب الأنباري ولكن يمكن القول بوثاقته، ويجمع بين تضعيف الشيخ له(2)

وتوثيق النجاشي(3)؛

بأنّ التضعيف من جهة رميه بالغلو والارتفاع، وعليه فيكون ثقة في حديثه ضعيفاً في مذهبه.

وثانيهما: وأخبرنا أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن الحسن بن محمّد بن سماعة(4).

وهذا الطريق وان كان ضعيفا بعلي بن محمّد بن الزبير، إلّا أن للنجاشي طريقاً آخر، صحيحاً في رجاله إلى عليّ بن الحسن بن فضّال وهو: وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن بكتبه(5).

وبما أن شيخ النجاشي وهو ابن عبدون شيخ للطوسي أيضاً، ولا يحتمل أن يروي للنجاشي غير الذي رواه للشيخ، فيكون هذا الطريق الصحيح للنجاشي موجباً لتصحيح طريق الشيخ أيضاً.

هذا، مضافاً إلى وجود طريق ثالث صحيح ذكره الشيخ (رحمه الله) في «مشيخة

ص: 78


1- فهرست الطوسي: 103/ 193 .
2- رجال الطوسي: 434 / 6218 .
3- رجال النجاشي: 232/ 617 .
4- فهرست الطوسي: 103/193.
5- رجال النجاشي: 259 / 676 .

التهذيب» بقوله: الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة(1).

وأمّا الحسن بن محمّد بن سماعة: فقد قال النجاشي عنه: «من شيوخ الواقفيّة، كثير الحديث، فقيه، ثقة، وكان يعاند في الوقف، ويتعصّب»(2).

وقال الشيخ: «واقفي المذهب، إلّا أنّه جيّد التصانيف، نقي الفقه، حسن الانتقاء»(3).

وأمّا ابن رباط: فقد قال النجاشي في حقّه: «علي بن الحسن بن رباط البجلي، أبو الحسن، كوفيّ، ثقة، معوّل عليه»(4).

وأمّا ابن مسكان وسليمان بن خالد: فقد تقدّما.

وعليه فهذا الطريق أيضاً معتبر.

وأمّا السند الرابع: وهو ما رواه الحسين بن سعيد في «كتاب الزهد»، عن عليّ بن النعمان: فقد قال النجاشي عن كتب الحسين والحسن ابني سعيد: «وكتب ابني سعيد كتب حسنة، معمول عليها»(5)، كما أنّ الشيخ

ص: 79


1- تهذيب الأحكام 10 : 75، المشيخة.
2- رجال النجاشي: 40 - 41/84 .
3- فهرست الطوسي: 103/193.
4- رجال النجاشي: 251/659.
5- المصدر نفسه: 58/136

الصدوق شهد في أوّل «الفقيه»: بأنّها من جملة الكتب المشهورة المعوّل عليها(1).

وقال الشيخ (رحمه الله) : «الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الأهوازي، من موالي عليّ بن الحسين (علیهما السلام) ، ثقة، روى عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث (علیه السلام) »(2)،

وقال ابن النديم عنه وعن أخيه الحسن:

«أوسع أهل زمانهما علماً بالفقه، والآثار، والمناقب، وغير ذلك من علوم الشيعة»(3).

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد تقدّم.

وطريق صاحب «الوسائل» إلى «كتاب الزهد»: معتبر.

وأما السند الخامس: وهو: ما عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن عليّ بن عبد العزيز؛ فمحمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد بن عيسى قد تقدّم ذكرهما سابقاً.

وأمّا ابن فضّال - وهو الحسن بن عليّ بن فضّال - : فقد نقل النجاشي في حقّه أنّه: «أعبد من رأينا أو سمعنا به»(4)،

وقال الشيخ: «روى عن الرضا (علیه السلام) ، وكان خصيصاً به. كان جليل القدر، عظيم المنزلة، زاهداً،

ص: 80


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 ، مقدمة المصنف.
2- فهرست الطوسي: 112/230.
3- فهرست ابن النديم: 277.
4- رجال النجاشي: 34/72.

ورعاً، ثقة في الحديث وفي رواياته»(1)،

وذكر أيضاً أنّه: «كان فطحيّاً، يقول بإمامة عبد اللَّه بن جعفر، ثمّ رجع إلى إمامة أبي الحسن (علیه السلام) عند موته»(2)،

وهو من أصحاب الإجماع(3)، وورد في «نوادر الحكمة» وفي «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وأمّا ثعلبة: فهو ثعلبة بن ميمون، قال عنه النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، نحويّاً، لغويّاً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد»(5)،

فكونه وجهاً في أصحابنا دالّ على التوثيق.

وعن الكشّي أنّه: «ثقة، خيّر، فاضل، مقدّم، معلوم في العلماء والفقهاء الأجلّة من هذه العصابة»(6).

بحث رجالي في عليّ بن عبد العزيز

وأمّا عليّ بن عبد العزيز: فبناء على أنّه عليّ بن غراب، لم يرد فيه توثيق خاصّ، وهذا مبنيّ على اتّحادهما، كما هو ظاهر قول الشيخ: بأنّه المعروف ب- «علي بن غراب»(7).

ص: 81


1- فهرست الطوسي: 98/164.
2- المصدر نفسه.
3- إختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 ،و ج2 : 186 .
5- رجال النجاشي: 117/302.
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 711/776 .
7- فهرست الطوسي: 160/ 411.

نعم، وثّقه النجاشي في ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي، فقال: ثقة هو وأبوه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو يروي كتاب أبيه عنه(1).

فإذا كان عليّ بن أبي المغيرة هو: عليّ بن عبد العزيز، وهو عليّ بن غراب، فكنية غراب هي: أبو المغيرة، كما يشهد بذلك قول الصدوق (رحمه الله) في طريقه في «المشيخة» إلى عليّ بن غراب، فقد قال: وهو ابن أبي المغيرة الأزدي(2).

وأمّا بناء على تعدّدهما - كما هو ظاهر - فإنّ الصدوق قد ذكر طريقاً لكلّ واحد منهما(3).

فعليّ بن عبد العزيز لم يرد في حقّه شي ء.

نعم، روى المشايخ الثقات عنه(4).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

طرق الشيخ إلى محمّد بن يعقوب الكليني

وأمّا السند السادس: فهو ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.

وطرق الشيخ إلى محمّد بن يعقوب متعدّدة؛ فقد قال في «المشيخة»: «فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) ، فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد النعمان (رحمه الله) ، عن أبي القاسم جعفر بن

ص: 82


1- رجال النجاشي: 49/106.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 516 .
3- المصدر نفسه: 516 و517 .
4- أصول علم الرجال 2 : 202.

محمّد بن قولويه (رحمه الله) ، عن محمّد بن يعقوب (رحمه الله) .

وأخبرنا به - أيضاً - الحسين بن عبيد اللَّه، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، وأبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، وأبي عبد اللَّه أحمد بن أبي رافع الصيمري، وأبي المفضّل الشيباني، وغيرهم، كلّهم، عن محمّد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به - أيضاً - أحمد بن عبدون المعروف ب- (ابن الحاشر)، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد اللَّه بن نصر البزّاز، بتنيس وبغداد، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، جميع مصنّفاته وأحاديثه، سماعاً وإجازة»(1).

وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

وأما السند السابع: فهو ما رواه الصدوق بإسناده، عن عليّ بن عبد العزيز.

وسند الصدوق إلى عليّ بن عبد العزيز هكذا: «وما كان فيه عن عليّ بن عبد العزيز فقد رويته عن أبي(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، عن حمزة بن عبد اللَّه، عن إسحاق بن عمّار، عن عليّ بن عبد العزيز»(2).

ص: 83


1- تهذيب الأحكام 10 : 5 - 29 ، المشيخة .
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 517 ، المشيخة .

وهذا الطريق وإن كان ضعيفاً بحمزة بن عبد الله، كما هو في النسختين المصحّحتين، وحمزة بن محمّد، كما هو في النسخة المطبوعة، إلّا أنّه يمكن تصحيحه من جهة إسحاق بن عمار؛ فإنّ للصدوق طريقاً صحيحاً إلى أصله(1).

وبهذا يكون الطريق معتبراً أيضاً.

هذا، مضافاً إلى أن إسحاق بن عمّار له كتاب نوادر يرويه عنه عدّة من أصحابنا كما ذكر النجاشي(2).

وإذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة إلى النظر في الطرق إلى كتابه.

وعلى فرض أن يكون عليّ بن عبد العزيز هو ابن غراب، فسند الصدوق إليه هكذا: وما كان فيه عن عليّ بن غراب: فقد رويته عن أبي ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - ، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسان، عن إدريس بن الحسن، عن عليّ بن غراب، وهو ابن المغيرة الأزدي(3).

وهذا السند ضعيف بإدريس بن الحسن؛ فإنه مجهول.

وأما محمّد بن حسّان: فيمكن توثيقه؛ لوروده في «نوادر الحكمة»(4).

وأما السند الثامن: وهو ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن الحسن بن عليّ بن فضّال. والبرقي وابن فضّال قد تقدّما.

ص: 84


1- فهرست الطوسي: 45/ 52 .
2- رجال النجاشي: 71/169 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 516، المشيخة.
4- أصول علم الرجال 1 : 236 .

وهذا السند حاله حال السند الخامس.

تنبيهان:

الأوّل: أنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) جعل هذه الرواية مع الأسناد المذكورة رواية واحدة، ولكن في «جامع الأحاديث»(1)

جُعلت ثلاث روايات:

الأولى: وهي التي تنتهي إلى سليمان بن خالد، ورواها الكليني بسنده عنه.

الثانية: وهي التي تنتهي إلى سليمان بن خالد أيضاً، ورواها الشيخ بسنده عن الحسن بن محمّد بن سماعة.

الثالثة: وهي التي تنتهي إلى عليّ بن عبد العزيز، ورواها الكليني بسنده عنه.

وممّا يؤيّد ذلك أنّ الرواية تنتهي إلى رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . كما أنّ للرواية الثالثة طريقاً مستقلّاً ينتهي إلى عليّ بن عبد العزيز.

ولعلّ السبب في جعل صاحب «الوسائل» هذه الروايات الثلاث رواية واحدة هو اشتراك هذه الروايات في مدلول واحد.

الثاني: تقدّم أنّ طريق الصدوق إلى عليّ بن عبد العزيز غير معتبر على

ص: 85


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 619، ح1100، و620 ، ح1101، 1102 .

أحد الوجهين؛ لعدم توثيق إدريس بن الحسن، ولكن قد ذكر الصدوق في أوّل كتاب «الفقيه» أنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع(1)،

فإن كانت هذه الرواية قد نقلها الصدوق من كتاب عليّ بن عبد العزيز، فمعنى ذلك أنّ الكتاب مشهور ومعتمد عليه. وعلى ذلك يكون الحديث معتبراً، وإن ورد بطريق فيه ضعف. وأمّا إذا لم يثبت ذلك بقي ضعيف السند بطريق الصدوق فقط.

وقد قوّى صاحب «الوسائل» - تبعاً للعلاّمة المجلسي (رحمه الله) - احتمال أن يكون الصدوق قد نقلها من كتاب عليّ بن عبد العزيز، وبذلك تكون جميع أسانيد هذه الأحاديث معتبرة.

ص: 86


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3، مقدمة المصنف.

[4] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَلا أَقُصُّ عَلَيْكَ دِينِي؟ فَقَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَدِينُ اللَّه بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً (رَسُولُ اللَّه)(صلی الله علیه و آله و سلم)(1)، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَالْوَلايَةِ، - وَذَكَرَ الأَئِمَّةَ (علیهم السلام) - فَقَالَ: «يَا عَمْرُو هَذَا دِينُ اللَّه وَدِينُ آبَائِيَ، الَّذِي أَدِينُ اللَّه بِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

الجزء الذي أورده صاحب «الوسائل» (رحمه الله) يدل على أنّ الأمور المذكورة

ص: 87


1- في المصدر: عبده ورسوله.
2- الكافي 2 : 23، باب دعائم الاسلام، ح14. والحديث مقطوع الطرفين وتمامه: قال : دخلت على أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وهو في منزل أخيه عبد اللَّه بن محمّد، فقلت له: جعلت فداك، ما حوّلك إلى هذا المنزل؟ قال: «طلب النزهة» فقلت: جعلت فداك، ألا أقصُّ عليك ديني؟ ... وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور... والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، والولاية للحسن والحسين، والولاية لعلي بن الحسين، والولاية لمحمد بن علي، ولك من بعده صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وأنّكم أئمّتي، عليه أحيا وعليه أموت وأدين اللَّه به، فقال: «يا عمرو ... فاتّق اللَّه وكفّ لسانك إلّا من خير، ولا تقل إنّي هديت نفسي، بل اللَّه هداك، فأدِّ شكر ما أنعم اللَّه عزّوجلّ به عليك، ولا تكن ممّن إذا أقبل طعن في عينه، وإذا أدبر طعن في قفاه، ولا تحمل الناس على كاهلك، فإنّك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك».

من الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية من الواجبات، بل من أهم الواجبات؛ لأنّها جعلت في الحديث الدين الحق الواجب الاتباع؛ حيث عرضها عمرو بن حريث على الإمام (علیه السلام) ، وقال: «وأدين اللَّه به»، أي: أعبد اللَّه وأطيعه بتلك العقائد والأعمال، فأقرّه (علیه السلام) على ذلك وأكّده، فقال: إنّ هذا هو دينه ودين آبائه، الذي يدين اللَّه به في السر والعلانية. ولعل المراد بالسر هو القلب، وبالعلانية هي الجوارح، ومنها اللسان، أو أنّ المراد بالسّر هي الخلوة، وبالعلانية هي مجامع الناس ومحافلهم، مع عدم التقيّة والخوف منهم.

وقد صرّح في هذا الحديث بالشهادتين، وقد ذكرنا فيما تقدّم: أنّهما لازمتان للصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية.

سند الحديث:

روى الكليني الحديث بطريقين:

الأوّل: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن عمرو بن حريث.

الثاني: عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان.

أما السند الأوّل:

فعلي بن إبراهيم وأبوه، قد تقدّم البحث حولهما، وأنّهما ثقتان.

وأمّا صفوان: فهو صفوان بن يحيى البجلي بيّاع السّابري، وقد اجتمعت فيه وجوه التوثيق، فقد نصّ على وثاقته النجاشي فقال عنه: «ثقة، ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وروى هو عن الرضا (علیه السلام) ،

ص: 88

وكانت له عنده منزلة شريفة. ذكره الكشّي في رجال أبي الحسن موسى (علیه السلام) . وقد توكّل(1)

للرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ، وسَلِم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة»(2).

وقال الشيخ: «أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث، وأعبدهم، وكان يصلي كلّ يوم وليلة خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرات»(3)،

وهو من أصحاب الإجماع(4)، وأحد المشايخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(5)

، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(6).

وأمّا عمرو بن حريث: فقد قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(7)،

مضافاً إلى رواية صفوان عنه.

وأمّا السند الثاني:

فأبو عليّ الأشعري، قد تقدّم الكلام عنه.

وأمّا محمّد بن عبد الجبار: فقد قال الشيخ في حقّه: «محمّد بن عبد

ص: 89


1- أي كان وكيلاً عنهما.
2- رجال النجاشي: 197/524.
3- فهرست الطوسي : 145 - 146/356 .
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/ 1050 .
5- عدة الأصول 1 : 154 .
6- أصول علم الرجال 1 : 225 ، 282 .
7- رجال النجاشي: 289/775.

[5] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ...» ، الْحَدِيثَ(1). وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

الجبار، وهو ابن أبي الصهبان، قمّي، ثقة»(4)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(5).

والحديث بكلا طريقيه صحيح.

[5] - فقه الحديث:

الحديث الخامس كالحديث الثاني المتقدّم من جهة الدلالة.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث ثلاثة طرق:

ص: 90


1- الكافي 4 : 62 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ، ح 1، وتمامه: «وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): الصوم جُنّة من النار».
2- 2*) تهذيب الأحكام 4 : 151 ، ح 418.
3- 3*) من لا يحضره الفقيه 2 : 74، ح1770.
4- رجال الطوسي: 391/5765.
5- أصول علم الرجال 1 : 237 .

الأوّل: سند الشيخ الكليني (رحمه الله) :

وفيه حمّاد، وهو حمّاد بن عيسى؛ لأن إبراهيم بن هاشم يروي عنه بغير واسطة. وحمّاد ومن بعده قد تقدّم الكلام حولهم.

وعليه فهذا السند صحيح.

وأمّا الثاني - وهو ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن يعقوب - : فهو عين سند الكليني. وطريقه إليه قد تقدّم ذكره.

وأمّا الثالث - وهو ما رواه الصدوق (رحمه الله) مرسلاً - : فهو من مراسيل الصدوق «في الفقيه»؛ فإنّ كتابه كما احتوى على المسانيد احتوى أيضاً على مجموعة من الروايات المرسلة، تقرب من ثلث الكتاب، فيحسن أن نشير - بنحو الإجمال - إلى الأقوال المذكورة في اعتبار مراسيل الصدوق وعدمها، وهي ثلاثة:

القول الأوّل: اعتبار مراسيل الصدوق كمسانيده، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة منهم: صاحب «الوسائل»(1).

القول الثاني: عدم اعتبار المراسيل مطلقاً.

القول الثالث: التفصيل بين ما رواه بنحو الجزم عن الإمام، مثل قوله: قال الصادق (علیه السلام) ، وبين غيره، وقد ذهب إليه جماعة منهم السيد الأستاذ (قدس سره) في رأيه القديم(2).

ص: 91


1- مقباس الهداية 1 : 357.
2- الهداية في الأصول 3 : 256.

وبيان ذلك: أنّ مراسيل الصدوق على أنحاء مختلفة:

النحو الأوّل: ما ينسبه إلى الإمام بنحو الجزم، مثل قوله: قال الصادق (علیه السلام) ، أو قال أبو عبداللَّه (علیه السلام) .

النحو الثاني: ما يورده بنحو «روي عن الإمام»، مثل قوله: رُوي عن الصادق (علیه السلام) ، ومثل قوله: رُوي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو روي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الثالث: ما يذكره بقوله: «في رواية»، مثل: في رواية عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو في رواية عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الرابع: ما يذكره بنحو: «رُوي عن فلان عن الإمام»، مثل قوله: رُوي عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو رُوي عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الخامس: ما ينسبه إلى كتاب، مثل قوله: في كتاب «نوادر الحكمة» لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، أو في كتاب محمّد بن يعقوب.

النحو السادس: ما ينسبه إلى أحد الرواة، مثل قوله: روى زرارة عن الصّادق (علیه السلام) ، أو روى جميل عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

وقد قيل(1):إنّ النحو الأوّل هو المعتبر من مراسيل الصدوق، بل هو

ص: 92


1- الرواشح السماوية: 254.

أقوى من مسنداته؛ حيث إنّه نسبه إلى الإمام جزماً، بينما نسب المسند إلى الراوي.

والتحقيق في المقام: أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) في أوّل كتاب «الفقيه»(1) قد شهد بثلاث شهادات:

الأولى: أنّ جميع الروايات التي أوردها في الكتاب حجّة بينه وبين اللَّه عزّوجلّ.

الثانية: أنّها مستخرجة من الكتب المشهورة المعروفة.

الثالثة: أنّها المعوّل عليها، وإليها المرجع.

أمّا الشهادة الأولى، فيناقش فيها بأنّها حدسيّة لا اعتبار بها، فتبقى الشهادتان الأخيرتان، وهما حسّيّتان.

فإن قلنا باعتبارها فلازم ذلك القول بصحة جميع الروايات المذكورة في الكتاب، فبالشهادة الثانية يثبت أنّ أيّ شخص روى عنه فكتابه معروف ومشهور، ولا يحتاج إلى طريق إلى صاحب الكتاب الذي روى عنه.

وبالشهادة الأخيرة يثبت أنّ الرواية مورد لعمل الأصحاب، ومعوّل عليها، فتكون معتبرة، فلا يحتاج إلى الطريق من صاحب الكتاب إلى الإمام (علیه السلام) ، فإذا ضممنا الشهادة الثانية إلى الثالثة يثبت اعتبار مجموع الطريق إلى المعصوم (علیه السلام) .

ص: 93


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3.

وهذا في المسانيد معلوم. وأمّا في المراسيل، فالظاهر أنّ الشهادتين شاملتان لها أيضاً بأنحائها الستّة - وإن كان يستظهر في بادي النظر التفريق بين هذه الأنحاء - وذلك:

أولاً: من جهة عموميّة كلامه، وأنّ كلّ ما يورده في الكتاب داخل في الشهادتين ولم يستثنِ شيئاً.

وثانياً: أنّ الصدوق في أوّل الكتاب ذكر نيّفاً وعشرين رواية بنحو الإرسال بعد شهادته مباشرة، فكيف يمكن الجمع بين شهادته هذه والقول بعدم الشمول لما يذكره في أوّل الكتاب؟!

وثالثاً: أنّ مقتضى التتبّع في مراسيل الصدوق هو القول بالشمول؛ حيث نراه يعتمد على جميع هذه الأنحاء، فإنّه في أبواب مختلفة ومتعدّدة ذكر روايات بعنوان «روي» فقط من دون ذكر لرواية مسندة فيها، أو ذكر رواية فلان عن الإمام (علیه السلام) ، أو في كتاب فلان، وجعلها مستنداً للحكم، وهذا ممّا يوجب الاطمئنان بأنّ التعبير منه كان من باب التفنّن، لا لأجل الاختلاف في الاعتبار.

وبناءً على ذلك فمراسيل الصدوق حكمها حكم المسانيد في الاعتبار، ولا فرق بين النحو الأوّل وبقيّة الأنحاء. وهذا نظير مراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، وأحمد بن أبي نصر.

هذا كلّه بناء على القول باعتبار شهادته، وعدم المناقشة فيها. وأمّا بناء على المناقشة فيها فأيضاً لا فرق بين الأنحاء الخمسة في عدم اعتبارها.

ص: 94

[6] 6 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّه افْتَرَضَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ(صلی الله علیه و آله و سلم) خَمْسَ فَرَائِضَ: الصَّلاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ، وَوَلايَتَنَا»(1).

أَقُولُ: الْجِهَادُ مِنْ تَوَابِعِ الْوَلايَةِ وَلَوَازِمِهَا؛ لِمَا يَأْتِي، وَيَدْخُلُ فِيهِ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَيَأتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

تخصيص الإمام (علیه السلام) هذه الخمسة بالذكر، وتنصيصه عليها يدلّ على أهمّيّتها بعد الدلالة على الوجوب. والحديث فيه إشارة إلى الدليل التعبدي على عدم قبول الأعمال ما لم تكن عن طريق الولاية؛ وذلك لأنّ الوالي هو الدليل على الواجبات، والولاية هي المفتاح لتلك الواجبات، ولذا أكّد الإمام (علیه السلام) على ذلك بقوله - في آخر الحديث المذكور في الكافي - : «ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا»، بل وأقسم الإمام على ذلك؛ زيادة في التأكيد.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث طريقين، كلاهما للشيخ الكليني:

ص: 95


1- الكافي 8 : 270 ، ح 399.

الأوّل: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب.

والثاني: هو عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب.

وقوله: «جميعاً» يعني: أنّ كلا الطريقين يلتقيان في الحسن بن محبوب.

أما الطريق الأوّل:

فإنّ محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد قد تقدّم ذكرهما.

وأمّا الحسن بن محبوب: فقال الشيخ في حقّه: «ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكان جليل القدر، يعدّ في الأركان الأربعة في عصره»(1)،

وهو من أصحاب الإجماع(2)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(3).

وأمّا هشام بن سالم: فقد قال النجاشي في حقّه: «ثقة، ثقة»(4)، وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام ... الخ(5)،وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

ص: 96


1- فهرست الطوسي: 96/161.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050 .
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .
4- رجال النجاشي: 434/1165.
5- معجم رجال الحديث 20 : 324/13361.
6- أصول علم الرجال 1 : 242 ، 288 و ج2 : 216 .

وأما عبد الحميد بن أبي العلاء: فهو مشترك بين شخصين:

الأوّل: عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي الخفّاف، وقد ذكره النجاشي في ترجمة أخيه الحسين بن أبي العلاء الخفّاف بقوله: «إنّ أخويه عليّ وعبد الحميد، وأنّ الحسين أوجههم»(1)، وفي هذا دلالة على وجاهة عبد الحميد، كما أنّ أخويه كذلك، فيثبت حسنه.

والثاني: عبد الحميد بن أبي العلاء بن عبد الملك الأزدي، قال النجاشي فيه: «ثقة، ويقال له: السمين، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب»(2)،

فيكون الثاني هو المنصرف إليه عند الإطلاق؛ لأنّ له كتاباً، فيكون هو المعروف. وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأمّا الطريق الثاني: فإنّ العدّة قد مرّ الكلام حولها فيما سبق(3).

وأما سهل بن زياد: فقد أشبعنا البحث حوله في خاتمة «أصول علم الرجال»(4).

ومجمل القول فيه: أنّ النجاشي والشيخ ضعّفاه، كما أنّ محمّد بن عيسى قد شهد عليه بالغلو والكذب، ووثّقه الشيخ في «الرجال» على نسخة، ولكنّا رجّحنا هناك أدلّة الذم على أدلّة المدح.

ص: 97


1- رجال النجاشي: 52/117.
2- رجال النجاشي: 246/647.
3- راجع: التمهيد، الأمر الأول.
4- أصول علم الرجال 2 : 355 - 360 .

[7] 7 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَثَافِيُّ الإِسْلامِ ثَلاثَةٌ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْوَلايَةُ، لا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ (مِنْهَا إِلّا بِصَاحِبَتِهَا)»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وعليه فهذا الطريق ضعيف بسهل، إلّا أن يقال: بما أنّ للشيخ الطوسي (رحمه الله) طرقاً صحاحاً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب، ومن جملة رواياته: ما ورد في «الكافي»؛ لأنّه (رحمه الله) ناظر إلى رواياته حتماً، وحيث إنّه لم ينقل الاختلاف بين رواياته، فيتبيّن: أنّ لهذه الرواية طرقاً أخرى صحيحة، إضافة إلى الطريقين المذكورين، فتكون معتبرة.

[7] - فقه الحديث:

الحديث وإن اقتصر فيه على ذكر الثلاثة وهي: الصلاة والزكاة والولاية، إلّا أنّه لا منافاة بينه وبين ما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّ هذه الأمور هي الأهمّ، وقد تقدّم أنّ الصلاة هي عمود الدين، والزكاة قرينة لها، وتوقّفهما على الولاية أمر واضح. ولبيان أهمّيّة الثلاثة عبّر عنها بالأثافيّ، وهو جمع الأثفية بالضم والكسر، وهي: الأحجار التي توضع عليها القدر، وأقلها ثلاثة. فالأركان المهمة هي هذه الثلاثة، وأكّد على ذلك بأنّه لا تصحّ واحدة منها

ص: 98


1- الكافي 2 : 15، باب دعائم الاسلام ، ح 4. وفيه: منهنّ إلّا بصاحبتيها.

إلّا بصاحبتها، وفي نسخة: بصاحبتيها، كما أنّ القدر لا تستوي إلّا على ثلاث أثافي، فالإسلام أيضاً لا يتحقّق إلّا إذا التزم المسلم بهذه الأمور الثلاثة، فالصلاة والزكاة من دون الولاية لا أثر لهما، كما أنّ الولاية من دون تصديق فعلي بالعمل خارجاً لا تخرج عن كونها دعوى لا واقع لها، وكل واحد من هذه الأمور الثلاثة يشكّل جزءاً لا يستغنى عنه، فبالجميع يتحقق الإسلام الحقيقي.

وقد يقال: إنّ الصلاة والزكاة تتوقّفان على الولاية، وأمّا الولاية فلا تتوقّف على أيّ منهما، ولكنّ الأظهر: أنّ الولاية - أيضاً - تتوقّف على كلّ من الصلاة والزكاة، وإلّا كانت مجرّد دعوى بلا حقيقة.

سند الحديث:

الضمير يرجع إلى محمّد بن يحيى المتقدّم، وهو وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا ابن العرزمي: فقد قال النجاشي في حقّه: «عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد اللَّه العرزمي، الفزاري، أبو محمّد، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة»(1) . وفي «طرائف المقال»: أنّه يطلق على عيسى بن صبيح العرزمي، وهو له كتاب، يرويه الحسن بن محبوب(2).

ص: 99


1- رجال النجاشي: 237/628.
2- طرائف المقال 1 : 650.

والظاهر أنّه الأوّل؛ لأنّه لم يعهد رواية عيسى بن صبيح عن أبيه، بخلاف عبد الرحمن؛ فإنّه قد ورد في عدّة موارد روايته عن أبيه، مضافاً إلى أنه المعروف؛ لأنّ له كتاباً.

وأمّا أبوه: فهو محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي سليمان العرزمي، ولم يرد في حقّه شي ء. نعم، ورد في «تفسير القمّي»: العرزمي روى عن أبيه(1)، فيشمله التوثيق، سواء كان المراد بالعرزمي الابن وهو عبد الرحمن بن محمّد، أو الأب وهو محمّد، وإن كان بعيداً. وعليه فعلى كلا التقديرين يكون محمّد بن عبيد اللَّه مشمولاً للتوثيق. والحاصل أنّ السند معتبر.

ص: 100


1- أصول علم الرجال 1 : 292.

[8] 8 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ محمّد الثَّقَفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ جَمِيعاً، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّه أَعْطَى مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) شَرَائِعَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «ثُمَّ افْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَزَادَهُ الْوُضُوءَ، وَأَحَلَّ لَهُ الْمَغْنَمَ وَالْفَيْ ءَ(1)، وَجَعَلَ لَهُ الأَرْضَ مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَسْرَ الْمُشْرِكِينَ وَفِدَاهُمْ»(2)، الْحَدِيثَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

المقدار المذكور قطعة من الحديث، وهو طويل، اكتفى صاحب «الوسائل» بذكر محلّ الشاهد منه. وهو يدل بوضوح على أهمّيّة هذه الأمور

ص: 101


1- ما أخذ من الكفار إن كان من غير قتال فهو فيءٌ، مثل جزية الرؤوس وما صولحوا عليه. وإن كان مع القتال فهو غنيمة. (مجمع البحرين 3 : 333 ، مادة «غنم»، ولسان العرب 1 : 126 ، مادة «غنم»).
2- المراد فكاك الأسرى واستنقاذهم من الأسر بالمال أو مبادلتهم برجال آخرين. (راجع مجمع البحرين 3 : 373 ، ولسان العرب 15 : 150).
3- الكافي 2 : 17 ، باب الشرائع ، ح 1، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 7 من أبواب التيمّم.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المذكورة، كما تقدّم. والمراد بشرائع هؤلاء الأنبياء: إما الأصول والاعتقادات في شرائعهم، أو أكثر ما شرّعه الله لهم من التكاليف. وفي الحديث أحكام أخرى زيادة على هذه الأمور، كالوضوء، وحلّيّة المغنم والفي ء، والجزية، وجعل الأرض مسجداً وطهوراً، وهذه الأمور من مختصّات الشريعة ومزاياها. وعدم ذكر الولاية فيها لا ينافي ما تقدّم من الأحاديث؛ لما بيّناه سابقاً، ولا حاجة إلى الإعادة.

سند الحديث:

ذكر صاحب «الوسائل» للحديث ثلاث طرق:

الطريق الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم.

وفيه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال عنه النجاشي: «كوفي، لقي الرضا وأبا جعفر (علیهما السلام) ، وكان عظيم المنزلة عندهما»(2) ، وقال الشيخ: «كوفي، ثقة، لقي الرضا (علیه السلام) ، وكان عظيم المنزلة عنده، وروى عنه كتاباً»(3) ، كما

ص: 102


1- المحاسن 1 : 447، ح1035.
2- رجال النجاشي: 75/180.
3- فهرست الطوسي: 61/63.

عدّه الشيخ من المشايخ الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(1)،

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(2)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(3).

بحث رجالي في إبراهيم بن محمّد الثقفي

الطريق الثاني: ما رواه - أيضاً - عن العدّة، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وقد سبق ذكرها.

وأما إبراهيم بن محمّد الثقفي، فقد قال النجاشي في حقّه: «أصله كوفي، ... وانتقل أبو إسحاق هذا إلى إصفهان، وأقام بها، وكان زيديّاً أولاً، ثمّ انتقل إلينا، ويقال: إنّ جماعة من القمّيين كأحمد بن محمّد بن خالد وفدوا إليه، وسألوه الانتقال إلى قم، فأبى، وكان سبب خروجه من الكوفة، أنّه عمل كتاب المعرفة، وفيه المناقب المشهورة والمثالب، فاستعظمه الكوفيون، وأشاروا عليه بأن يتركه ولا يخرجه، فقال: أيّ البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: إصفهان، فحلف: لا أروي هذا الكتاب إلّا بها؛ فانتقل إليها، ورواه بها ثقةً منه بصحة ما رواه فيه»(4) .

وهو وإن لم يرد فيه توثيق صريح، إلّا أنّه قد يستفاد من هذا النصّ أنّه من المستميتين في الولاية، هذا أولاً.

ص: 103


1- عدّة الأصول 1 : 154.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050.
3- أصول علم الرجال 1 : 213 ، 277 .
4- رجال النجاشي: 17/19.

وثانياً: أنّ ابن طاووس وثّقه في «الإقبال»(1) ، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(2).

فعلى هذا يحكم بوثاقته.

وعن «فهرست» ابن النديم أنّ: «الثقفي إبراهيم بن محمّد الأصبهاني، من الثقات العلماء المصنفين»(3)

، وقال العلامة المجلسي: «إنّ له مدائح كثيرة»(4).

وأمّا محمّد بن مروان: فهو - بهذا العنوان - مشترك بين أربعة عشر شخصاً، والمعروف منهم أربعة:

1 - محمّد بن مروان الحنّاط، قال النجاشي عنه: «ثقة، قليل الحديث، له كتاب»(5) .

2 - محمّد بن مروان البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) ، وحدّث عنه أُسيد بن زيد(6)

3 - محمّد بن مروان الأنباري، قال النجاشي عنه: «له كتاب نوادر»(7)

ص: 104


1- إقبال الأعمال: 15، وفيه: «رأيت في كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم الثقفي، الثقة». إلّا أنّ آغابزرگ في الذريعة ذكر أنّ ما في المطبوع من الإقبال غلط، والصحيح «لأبي إسحاق إبراهيم». (راجع الذريعة 7 : 61).
2- أصول علم الرجال 1 : 211 ، 276 .
3- فهرست ابن النديم: 279.
4- معجم رجال الحديث 1 : 258/263.
5- رجال النجاشي: 360/967.
6- رجال الطوسي: 145/1587 ، و295/4308 .
7- رجال النجاشي: 345/930.

4 - محمّد بن مروان الذهلي، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق.

والظاهر أنّ المراد به الذهلي؛ وذلك لأنّ الحناط قليل الحديث، وأمّا محمّد بن مروان البصري فالراوي عنه أُسيد بن زيد، والراوي هنا عن محمّد بن مروان غيره، ولا ينطبق على الثالث؛ لأنّه روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، فهو متأخّر طبقة.

وهم وإن لم يرد فيهم توثيق غير الأوّل، إلّا أنّه روى المشايخ الثقات عن محمّد بن مروان بنحو الإطلاق(2)، فإذا قلنا: إنه ينطبق على الذهلي، فيكون ثقة.

وأمّا أبان بن عثمان: فقد تقدّم ذكره.

والحديث مرسل فلا يكون معتبراً، إلّا على القول بأنه لمّا كان أبان بن عثمان من أصحاب الإجماع، وكل ما ورد عنهم فهو صحيح، فيكون الحديث معتبراً.

مضافاً إلى أنّ في السند أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وهو لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة، فإذا كان هذا شاملاً للإرسال حتّى مع الواسطة، ولا يختص بالمباشر عنه، فلا يضر الإرسال.

والنتيجة: أنّ الحديث مرسل، إلّا إذا سلكنا أحد المبنيين، أو قلنا بكفاية

ص: 105


1- رجال الطوسي: 295/4309.
2- أُصول علم الرجال 2 : 211 .

[9] 9 - وَعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَجْلانَ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَوْقِفْنِي عَلَى حُدُودِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ(1) مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَصَلاةُ الْخَمْسِ، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَوَلايَةُ وَلِيِّنَا، وَعَدَاوَةُ عَدُوِّنَا، وَالدُّخُولُ مَعَ الصَّادِقِينَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وجوده في «الكافي».

وأما الطريق الثالث: فقد تقدّم حال كلّ واحد منهم.

الكلام في حدود الایمان

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدل على أنّ الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية من أهمّ الواجبات، ومن حدود الإيمان. نعم، في هذا الحديث بعض الإضافات التي لم تذكر في الأحاديث السابقة:

منها: الإقرار بما جاء من عند اللَّه، فيحتمل أن يكون المراد به: الإقرار الإجمالي بأحكام الشريعة، ويحتمل أن يكون المراد به: الإيمان بالشرايع السابقة والكتب المنزلة والملائكة، ولا يبعد هذا المعنى.

ص: 106


1- في المصدر زيادة: به.
2- الكافي 2 : 18، باب دعائم الاسلام ، ح 2.

وتؤيّده: الآيات القرآنية الكثيرة: كقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كلّ آمَنَ بِاللَّه وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ}(1)

، وغيرها من الآيات. فالإقرار بسائر الشرايع والكتب المنزلة والملائكة - أيضاً - من حدود الإيمان.

ومنها: البراءة من أعداء اللَّه تعالى، والولاية لأولياء اللَّه، وهما متلازمان؛ وقد ورد في الأحاديث الكثيرة المتواترة بأنّ الدين هو الحبّ والبغض، بل هو الإيمان(2)

ومنها: ما أشار إليه (علیه السلام) بقوله: «والدخول مع الصادقين»، وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(3)

، والدخول مع الصادقين: عبارة أخرى عن الولاية، ذكرها الإمام (علیه السلام) . وإشارته (علیه السلام) إلى الآية الشريفة كأنّه ذِكرٌ لها، فتكون دليلاً على الولاية، ويكون الدخول حينئذ تفسيراً للكون معهم، وهو بمعنى الامتثال لأوامرهم ومتابعتهم. ويستفاد منها استمرارها لكل زمان؛ وذلك لأنّ الآية تتضمن الخطاب للمؤمنين كافة إلى يوم القيامة، ولا ينحصر الخطاب بزمان خاصّ، وفي ذلك دلالة على وجود الحجة (علیه السلام) ، وأنّ اللَّه سبحانه لا يخلي

ص: 107


1- البقرة، الآية 285.
2- الكافي 2 : 124 ، باب الحب في اللَّه، والبغض في اللَّه.
3- التوبة، الآية 119.

الأرض من حجّة على العباد إلى أن يرث اللَّه الأرض وما عليها.

مضافاً إلى دلالتها على العصمة؛ لأنّ الأمر بالكون مع الصادقين أو الدخول معهم، مطلق في كلّ الأحوال، وذلك مستلزم للعصمة، وإلّا لم تجب متابعتهم في كلّ الأحوال. وقد قامت الأدلّة على ثبوت العصمة للأئمّة (علیهم السلام) دون غيرهم، ولم يُدَّعَ ذلك في حقّ غيرهم، بل وردت الروايات من طرق العامّة - فضلاً عن الخاصة - بأنّ الآية نزلت في أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وفي بعضها: أنّ المراد بهم الأئمّة (علیهم السلام) ، واعترف الفخر الرازي بدلالتها على وجود المعصوم، واستمرار بقائه، ولكنه ادعى: أنّ المراد به هو إجماع أهل الحلّ والعقد(1).

ووهن دعواه وبطلانها أوضح من أن يبيّن.

والحاصل: أنّ الحديث واضح الدلالة، فهو - مضافاً إلى إفادته وجوب الفرائض الخمس - يدلّ على حدود الإيمان وأهمّها الولاية والبراءة.

سند الحديث:

محمّد بن عيسى مشترك بين سبعة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن عيسى الأرمني.

2 - محمّد بن عيسى بن زياد، جدّ محمّد بن جعفر الرزّاز.

3 - محمّد بن عيسى بن سعد الأشعري، والد أحمد بن محمّد بن عيسى، وله «كتاب الخطب».

ص: 108


1- تفسير الفخر الرازي 16 : 227.

4 - محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني.

5 - محمّد بن عيسى الطلحي، له «دعوات الأيام».

6 - محمّد بن عيسى القطّان.

7 - محمّد بن عيسى الكندي.

والمشهور منهم ثلاثة: الأشعري، واليقطيني، والطلحي، وأشهر الثلاثة: اليقطيني. فالمطلق ينصرف إليه، وروى عنه عليّ بن إبراهيم بلا واسطة في اثنين وثمانين مورداً. وذكر السيد الأستاذ (قدس سره) في«المعجم»: أنّ روايته بواسطة أبيه غير صحيحة. وقد أحصاها إلى ستّة عشر مورداً (1)

ومحمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: مورد للخلاف بين الرجاليين، قال النجاشي فيه: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف... ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه، ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول، ويقولون: من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى»(2) .

ونقل الكشّي عن القتيبي: «كان الفضل بن شاذان (رحمه الله) يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويمدحه، ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه مثله. وبحسبك هذا الثناء من الفضل (رحمه الله) »(3)

ص: 109


1- معجم رجال الحديث 1 : 310 - 314 /332 .
2- رجال النجاشي: 333/896.
3- المصدر نفسه: 334.

وصرّح الكشّي بوثاقته في ترجمة محمّد بن سنان قائلاً: «وقد روى عنه الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمّد بن عيسى العبيدي... وغيرهم من العدول، والثقات من أهل العلم»(1)

وورد في «تفسير القمّي» في موارد كثيرة(2)، وأيضاً في «مشيخة الفقيه» في الطريق إلى يوسف بن يعقوب(3).

وذكره الشيخ في غير مورد، منها ما في «الاستبصار»، وقال: بأنّه ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة(4) .

وقال ابن نوح: «وقد أصاب شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله) على ذلك، إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد، فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»(5)

فيستفاد ممّا تقدّم نقله أو الإشارة إليه: أنّ منشأ رأي الشيخ في تضعيفه هو قول ابن الوليد، إلّا أنّه لا يقاوم وثاقته، بعدما عرفت من شهادة النجاشي، وتسالم الأصحاب على وثاقته، مضافاً إلى ما ذكره أبو العباس، والفضل بن

ص: 110


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.
2- أصول علم الرجال 1 : 287 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 523 ، المشيخة.
4- فهرست الطوسي: 216/611، والاستبصار 3 : 156.
5- رجال النجاشي: 348/939.

شاذان، والكشّي، ووروده في «تفسير القمّي»، فهذه الأمور تدلّ على وثاقته.

مضافاً إلى أنّ استثناء ابن الوليد إيّاه من «نوادر الحكمة» ليس حكماً بضعفه؛ وإنّما هو لتوقفه فيما يرويه عن يونس بإسناد منقطع، وفيما ينفرد بروايته، ولم يعلم الوجه في ذلك، وهو رأي خاصّ لابن الوليد، وتبعه الصدوق على ذلك؛ على أنّ ابن الوليد والصدوق قد رويا عن محمّد بن عيسى عن غير يونس، الأمر الذي يدلّ على أنّ محمّد بن عيسى لم يكن ضعيفاً في نفسه. وعليه فالظاهر عدم الإشكال في وثاقته.

وأمّا يونس بن عبد الرحمن: فقد قال النجاشي في حقه: «كان وجهاً في أصحابنا متقدّماً، عظيم المنزلة... وكان الرضا (علیه السلام) يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممّن بُذِل له على الوقف مال جزيل، فامتنع من أخذه، وثبت على الحقّ»(1)

، ووثّقه الشيخ، ووردت في حقّه روايات مادحة:

منها: ما روي عن الرضا (علیه السلام) : «... يونس بن عبدالرحمن في زمانه: كسلمان الفارسي في زمانه»(2)

ومنها: ما قاله العسكري (علیه السلام) لمّا عرض كتاب يونس عليه، حيث قال (علیه السلام) : «تصنيف من هذا»؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: «أعطاه اللَّه بكلّ حرف نوراً يوم القيامة»(3)

ص: 111


1- رجال النجاشي: 447/1208.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 782/926 .
3- رجال النجاشي: 447/1208.

ومنها: ما عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قال العبد الصالح: «يا يونس، أرفق بهم؛ فإنّ كلامك يدقّ عليهم»، قال: قلت: إنّهم يقولون لي زنديق، قال لي: «وما يضرّك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، وما كان ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة»(1)

وأثنى عليه الفضل بن شاذان قائلاً: «ما نشأ في الإسلام رجل من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي، ولا نشأ رجل بعده أفقه من يونس بن عبد الرحمن»(2)

وهو من أصحاب الإجماع(3)

، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا عجلان بن أبي صالح في نسخة - والصحيح: عجلان أبو صالح، كما في «الكافي» - فقال الكشّي عنه: «محمّد بن مسعود قال: سمعت عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال يقول: عجلان أبو صالح ثقة، قال: قال له أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : يا عجلان، كأنّي أنظر إليك إلى جنبي والناس يعرضون عليّ»(5) .

فسند الحديث معتبر.

ص: 112


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 783/929 .
2- المصدر نفسه 2 : 780/914 .
3- المصدر نفسه 2 : 830/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289 و ج2 : 218 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 710/772 .

[10] 10 - وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ محمّد الأَشْعَرِيِّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ محمّد الزِّيَادِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْوَشَّاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالْوَلايَةِ، وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْ ءٍ مَا نُودِيَ بِالْوَلايَةِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مِثْلَهُ(2)2*).

وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مِثْلَهُ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث وإن تقدّم مضمونه في الحديث الأوّل، إلّا أنّ في هذا زيادة وهي: «ولم ينادَ بشيء ما نودي بالولاية» وفي ذلك تقديم الحج على الصوم؛ ولذلك أفرده صاحب «الوسائل» (رحمه الله) بالذكر، فهو من حيث الدلالة واضح، فما ذكرناه هناك يأتي بعينه هنا.

ص: 113


1- الكافي 2 : 18، باب دعائم الاسلام ، ح 1.
2- 2*) المحاسن 1 : 445 ، ح 1033.
3- 3*) الكافي 2 : 21 ، باب دعائم الإسلام، ح 8، بزيادة في ذيله: يوم الغدير.

سند الحديث:

ورد الحديث بثلاثة أسانيد:

أمّا السند الأوّل: فالحسين بن محمّد الأشعري، وهو من مشايخ الكليني، وقد روى عنه كثيراً في موارد تزيد على ثمانمائة وخمسين مورداً، وقد نصّ النجاشي على وثاقته(1)، وورد في أسناد «تفسير القمّي» في القسم الثاني منه(2)

وأمّا معلّى بن محمّد الزيادي، فقال النجاشي عنه: «مضطرب الحديث والمذهب، وكتبه قريبة»(3)

وقال ابن الغضائري: «يعرف حديثه وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرّج شاهداً»(4)

إلّا أنّ وروده في أسناد «تفسير القمّي»(5) موجب للحكم بوثاقته؛ إذ النجاشي لم يضعّفه صريحاً فقوله: «مضطرب الحديث»: إشارة إلى ما ذكره ابن الغضائري من أنّ حديثه يعرف وينكر. وهو وإن ورد في «كامل

ص: 114


1- رجال النجاشي: 66/15.
2- أصول علم الرجال 1 : 279، وفيه: الحسن، والصحيح: الحسين .
3- رجال النجاشي: 418/1117.
4- خلاصة الأقوال: 409.
5- أصول علم الرجال 1 : 288 .

الزيارات»(1)

، إلّا أنّه ليس من شيوخ ابن قولويه، فلا يشمله التوثيق.

وأمّا الحسن بن عليّ الوشّاء: فقد قال النجاشي: «خَيِّر، من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وكان من وجوه هذه الطائفة. وذكر أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشّاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلّاء وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليّ، فقلت له: أُحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: يا رحمك اللَّه، وما عجلتك؟ اذهب فاكتبهما، واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه؛ فإنّي أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ، كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد (علیه السلام) . وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة»(2)،

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(3)

وأمّا أبان بن عثمان: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا الفضيل: فمن المحتمل أن يكون هو الفضيل بن يسار، فإن كان هو فقد تقدّم ذكره، إلّا أنّه بعيد؛ إذ الفضيل بن يسار لم يرو عن أبي حمزة الثمالي إلّا في مورد واحد. فيحتمل أن يراد به محمّد بن الفضيل؛ لأنّه كثيراً ما يروي عن أبي حمزة، وعليه فهو مشترك.

ص: 115


1- كامل الزيارات: 258 ، ب 50 ، ح 390 .
2- رجال النجاشي: 39 - 40/80 .
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .

واحتمل بعضهم: أن يكون هو الأزدي، ويحتمل أن يراد به الضبّي الذّي وثّقه الشيخ وعدّه من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،إلّا أنّ المشهور هو: الأزدي، وهو وإن ضعّفه الشيخ، إلّا أنّه ذكره في أصحاب الرضا (علیه السلام) وقال:

إنّه «يرمى بالغلو»(2)،

وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام ... الخ(3) وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

فيظهر أنّ تضعيف الشيخ راجع إلى المذهب، فعلى ذلك يحكم بوثاقته.

هذا، ومن المحتمل أن يكون في السند تصحيف الواو ب- «عن»، فالسند هكذا: عن الفضيل وأبي حمزة، فهما معاً يرويان عن أبي جعفر (علیه السلام) ؛ ويؤيّد هذا الاحتمال الطريق الثالث، إضافة إلى الحديث الأوّل من الباب.

وأمّا أبو حمزة: فهو الثمالي ثابت بن دينار، وثّقه النجاشي وقال فيه: «كان من خيار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) أنّه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه»(5) .

ووثّقه الشيخ والصدوق في «المشيخة»، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(6). فالسند معتبر.

ص: 116


1- رجال الطوسي: 292/4257.
2- المصدر نفسه: 365/5423.
3- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43.
4- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287 وج2 : 210 .
5- رجال النجاشي: 115/296.
6- فهرست الطوسي: 90/138 ، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 444 ، المشيخة ، وأصول علم الرجال 1 : 245 ، 290.

وأمّا السند الثاني: فالبرقي وابن محبوب وأبو حمزة قد تقدّم ذكرهم، فهذا السند - أيضاً - صحيح.

وأمّا السند الثالث: فعليّ بن إبراهيم تقدّم ذكره.

وأمّا صالح بن السندي، فلم يرد فيه شي ء، إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(1)، وأيضاً روى عن جعفر بن بشير كما في هذا السند، فبناء على ما قاله النجاشي من أنّه: «روى عن الثقات، ورووا عنه» واستفيد منها الدلالة على التوثيق لكل من روى عنهم ورووا عنه، فهو مشمول لهذا التوثيق أيضاً، ولكن في هذا البناء تأمّل فصّلناه في «اصول علم الرجال»(2) .

وأمّا جعفر بن بشير، فقال النجاشي فيه: «من زهّاد أصحابنا، وعبّادهم، ونسّاكهم، وكان ثقة، وقال: روى عنه الثقات، ورووا عنه»(3) .

وقال الشيخ: «ثقة، جليل القدر»(4) ، وروى عنه المشايخ الثقات(5) .

والحاصل: أنّ هذا السند - أيضاً - معتبر، وعليه فالحديث بجميع أسانيده معتبر.

ص: 117


1- أصول علم الرجال 1 : 224 .
2- المصدر نفسه 2 : 230 - 232 .
3- رجال النجاشي: 119/304.
4- فهرست الطوسي: 92/142.
5- أصول علم الرجال: 2 : 184 .

[11] 11 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ(1): الْوَلايَةِ، وَالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب هذه الأمور المذكورة. نعم، يختلف عن بقيّة الأحاديث في: أنّ الولاية ذكرت في أوّل هذه الخمسة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وقلنا: إن كان المناط مراعاة الأفضليّة، فلاشك أنّ الولاية هي المقدّمة، وإن كان المناط مراعاة المناسبة، فالأنسب مراعاة التأخير؛ لأنّ بها كمال الدين وتمام النعمة.

سند الحديث:

العدّة التي تروي عن سهل بن زياد قد تقدّمت، وكذا سهل وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، قد تقدّما أيضاً.

وأمّا مثنّى الحنّاط: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص:

1 - مثنّى بن راشد.

ص: 118


1- في المصدر زيادة: دعائم.
2- الكافي 2 : 21، باب دعائم الإسلام ، ح 7.

2 - مثنّى بن عبد السلام.

3 - مثنّى بن الوليد.

ونقل الكشّي عن محمّد بن مسعود، عن عليّ بن الحسن، أنّه قال: «سلام، والمثّنى بن الوليد، والمثّنى بن عبد السلام، كلهم حنّاطون، كوفيّون، لا بأس بهم»(1) وقوله: «لا بأس بهم»: إشعار بالحسن، أو التوثيق، وعليه فهذا الكلام يدل على وثاقة اثنين من هؤلاء، وهما: الثاني والثالث. وأمّا المثنّى بن راشد، فغير مذكور في كلام الكشّي، ولكن ورد في أسناد «نوادر الحكمة» بعنوان مثنّى الحنّاط(2) وروى عن جميعهم المشايخ الثقات، كما في هذا السند؛ فقد روى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن مثّنى الحنّاط. وبذلك يحكم بوثاقتهم جميعاً.

وأمّا عبد اللَّه بن عجلان: فعدّه ابن شهرآشوب من خواصّ أصحاب الصادق (علیه السلام) (3).

ويظهر هذا من الروايات التي نقلها الكشّي أيضاً(4)

، وذلك لا يقصر عن الوثاقة والجلالة، مضافاً الى رواية المشايخ الثقات عنه. وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 119


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 629/623.
2- أصول علم الرجال 1 : 235 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 512/443 و 444 و445.

[12] 12 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) عَنِ الدِّينِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، مَا لا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ، وَلا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ، مَا هُوَ؟ فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

الحديث كما في «الكافي»: عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن الدين الذي افترض اللَّه عزّوجلّ على العباد، ما لا يسعهم جهله، ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال: «أعد عليّ»، فأعاد عليه، فقال: «شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم) رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان»، ثمّ سكت قليلاً، ثمّ قال: «والولاية» - مرّتين - ثمّ قال: «هذا الذي فرض اللَّه على العباد، ولا يسأل الربّ العباد يوم القيامة، فيقول: ألا زدتني على ما افترضت عليك؟! ولكن من زاد زاده اللَّه، إنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) سنّ سنناً حسنة

ص: 120


1- الكافي 2 : 22 ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام، ح 11.

جميلة، ينبغي للناس الأخذ بها».

وهو دالٌّ على الوجوب بوضوح؛ حيث افترض اللَّه تعالى تلك الأمور على العباد، ولا يسع أحدهم جهلها، بمعنى أنّه لا عذر لهم فيها، ولا يقبل منهم غيرها. ولم يذكر الجهاد في هذا الحديث، وقد تقدّم أنّه لازم للولاية؛ إذ لا يتمّ الجهاد إلّا بأمر الإمام (علیه السلام) ، فهو تابع لها.

وقد شدّد الإمام (علیه السلام) على أمر الولاية بذكرها مرتين، كما نبّه (علیه السلام) على وجود أمور مستحبّة، يحسن بالمؤمن الإتيان بها، وهي ما سنّه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من السنن الحسنة الجميلة؛ فإنّها توجب رفع الدرجات، وزيادة الثواب والحسنات، وهي وإن لم تكن واجبة، ولن يسأل عنها المرء يوم القيامة، إلّا أنّ في تفويتها حرماناً من الخير الكثير، والثواب الجزيل من الربّ الجليل.

والحاصل: أنّ الأمور المذكورة مفترضة على العباد، ولا عذر لهم في التهاون بها، وعليهم الإتيان بها كما أراد اللَّه تعالى.

بحث رجالي في علي بن أبي حمزة

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم وصالح بن السندي وجعفر بن بشير تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عليّ بن أبي حمزة، فهو البطائني، وقد وقع الخلاف في وثاقته وعدمها، بعد الاتّفاق على أنّه كان في أوّل أمره من الأجلّاء الثقات. والسبب في الاختلاف هو ذهابه إلى القول بالوقف على الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) ، ودعواه أنّه لم يمت، وإنّما غاب كغيبة موسى بن عمران؛ وكان الدافع لهذا القول هو الطمع في حطام الدنيا؛ فإنّه كان من وكلاء

ص: 121

الإمام (علیه السلام) ، فلمّا استشهد (علیه السلام) طالبه الإمام الرضا (علیه السلام) بالأموال المودعة عنده، فشحّت نفسه، وادّعى أنّ الإمام لم يمت، وناوَأ الإمام الرضا (علیه السلام) ، وقد لعنه (علیه السلام) ، وشهد عليه بالكذب، وأخبر بأنّ مصيره إلى النار(1) .

ويعتبر أحد أعمدة الوقف، ووردت فيه روايات كثيرة تذمّه، وتبطل دعواه، وقد عقدنا في مباحثنا الرجاليّة مبحثاً خاصّاً به(2) ، ذكرنا فيه الوجوه الدالّة على وثاقته، والوجوه الدالّة على ضعفه، واستنتجنا أنّ له حالتين: حالة قبل الوقف، وحالة بعده، فهو - قبل قوله بالوقف - ثقة، ويمكن الاعتماد على رواياته، وأمّا بعده فلا، ولذا لابدّ من الفحص في الروايات، وملاحظة القرائن الدالّة على أنّ روايته كانت قبل الوقف، أو أنّها منقولة من أصله أو كتبه، فيؤخذ بها. ولعلّ منها هذه الرواية؛ حيث إنّ الراوي فيها جعفر بن بشير، وهو لا يروي إلّا عن الثقات، كما نصّ على ذلك النجاشي(3).

هذا، مضافاً إلى أنّ النجاشي قال: «روى عن أبي الحسن موسى، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثمّ وقف»(4)،

فيمكن أن يستفاد من هذا الكلام: أنّ رواياته كانت قبل وقفه، فكل ما ينقل عنه من الروايات في الكتب الأربعة كانت صادرة منه قبل وقفه، وفي حال استقامته. وأمّا إذا كانت الرواية عنه

ص: 122


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 742/833 و834 ، المناوأة: المعاداة، لسان العرب 4 : 4044 ، مادة: نوأ.
2- أصول علم الرجال 2 : 374 - 389 .
3- رجال النجاشي: 119/304، وفيه «روى عن الثقات، ورووا عنه».
4- المصدر نفسه: 249/656.

صادرة بعد قوله بالوقف، فلا يمكن الاعتماد عليها.

وأمّا أبو بصير: فهو مشترك بين خمسة أشخاص، وهم:

1 - أبو بصير يحيى بن القاسم.

2 - أبو بصير ليث بن البختري المرادي.

3 - عبد اللَّه بن محمّد الأسدي.

4 - يوسف بن الحارث.

5 - حمّاد بن عبد اللَّه بن أُسيد الهروي.

والمعروف منهم الأوّلان، وأمّا عبد اللَّه بن محمّد الأسدي فلم نعهد له رواية في الكتب الأربعة.

ويحيى بن القاسم قد وثّقه النجاشي فقال: «ثقة، وجيه»(1)

، وهو من أصحاب الإجماع على قولٍ(2). وذكر في أحواله أنّه ولد مكفوفاً، ورأى الدنيا مرّتين، مسح أبو عبد اللَّه (علیه السلام) على عينيه فقال: «انظر، ما ترى»؟ فقال:

أرى كوّة في البيت، وقد أرانيها أبوك من قبلك(3).

وأمّا ليث بن البختري المرادي، فقد وثّقه ابن الغضائري(4) ، وهو من أصحاب الإجماع(5).

ص: 123


1- رجال النجاشي: 441/1187.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 507/431 .
3- خلاصة الأقوال: 417.
4- المصدر نفسه: 234.
5- اختيار معرفة الرجال 2: 507/431 .

[13] 13 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِسْلامُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه(1)، وَأَنَّ مُحَمَّداً (رَسُولُ اللَّه)(صلی الله علیه و آله و سلم)(2)، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهَذَا الإِسْلامُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

مضافاً إلى أنّه قد وردت في كلّ منهما روايات مادحة، وبعضها صحيح السند، ووقع بعنوان أبي بصير في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وعليه فلا إشكال في وثاقتهما.

إلّا أنّ الأشهر منهما هو: يحيى بن القاسم، وهو المراد في هذه الرواية؛ بقرينة رواية عليّ بن أبي حمزة البطائني عنه، وقد كان قائده. وعليه فإن كان الراوي عنه عليّ بن أبي حمزة أو الحسن بن عليّ فهو يحيى بن القاسم، وإن كان ابن مسكان أو المفضّل فهو ليث المرادي. وعليه فالسند معتبر.

[13] - فقه الحديث:

دلّ المقدار الذي أورده المصنّف من الحديث على وجوب الأمور

ص: 124


1- في المصدر زيادة: وحده لا شريك له.
2- في المصدر: عبده ورسوله.
3- الكافي 2 : 24، الإيمان والكفر، باب أن الإسلام يحقن به الدم و..، ح4.
4- أصول علم الرجال 1 : 245 ، 289 و ج2 : 219 .

المذكورة، وأنّ الإسلام عنوان للمتّصف بها، وأنّه لا يتّم إسلام المرء إلّا بها، كما مرّ في الأحاديث السابقة.

وأمّا المقدار الذي لم يذكره المصنّف فقد اشتمل على بيان الفرق بين الإسلام والإيمان، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وأنّ عنوان الإيمان هو الولاية، الذي أشار إليه الإمام (علیه السلام) بقوله: «الإيمان معرفة هذا الأمر»، وبيّن (علیه السلام) : أنّ من لم يعرف هذا الأمر وإن كان حكم الإسلام جارياً عليه، إلّا أنّه ليس بمؤمن؛ لأنّه ترك طريق الهداية والاستقامة.

ويستشعر من الحديث: أنّه كان في ظرف التقية؛ فإنّ الإمام (علیه السلام) لم يجب السائل بعد أن سأله مرّتين، ولمّا أراد أن يجيبه أمره أن يلقاه في بيته (علیه السلام) .

والحاصل: أنّ هناك فرقاً بين الإسلام والإيمان، وأنّ الإيمان أخصّ من الإسلام. وسيأتي في الأحاديث التالية ما يوضّح الفرق بصورة أجلى، مضافاً إلى دلالة الأحاديث على المراد.

بحث رجالي في عليّ بن الحكم

سند الحديث:

محمّد بن يحيى هو العطّار، وأحمد بن محمّد هو ابن عيسى، وكلاهما قد تقدّما.

وأمّا عليّ بن الحكم: فقال الشيخ: «علي بن الحكم الكوفي، ثقة، جليل القدر»(1)

ص: 125


1- فهرست الطوسي: 151/376.

وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(1)

وقد وقع هذا العنوان مورداً للخلاف من حيث الاتّحاد والاشتراك. وبيان ذلك:

أنّ عليّ بن الحكم يطلق ويراد به أحد ثلاثة:

1 - عليّ بن الحكم الأنباري، ذكره الكشّي، ونقل عن محمّد بن عيسى: أنّه تلميذ ابن أبي عمير، ولقي من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) الكثير. وهو مثل ابن فضّال وابن بكير(2) ، أي في الخصوصيّات، وكثرة الروايات. وعليه فبشهادة محمّد بن عيسى يكون الأنباري ثقة.

2 - عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي، ذكره النجاشي، ولم يذكره بمدح ولا توثيق، وقال: «له كتاب يرويه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي»(3)

3 - عليّ بن الحكم الكوفي، ذكره الشيخ في «الفهرست»، وقال: «إنّه ثقة، جليل القدر، له كتاب، يروي عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي»(4) .

وقال العلّامة المجلسي في رجاله(5): إنّ ظنّ الاشتراك خطأ، أي: يكون

ص: 126


1- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 840/1079.
3- انظر رجال النجاشي: 274/718.
4- انظر: فهرست الطوسي: 151/376، وراجع أيضاً: رجال النجاشي: 274/718.
5- الوجيزة في الرجال: 122/ 1254 .

المراد من جميعهم واحداً. بينما ذكر العلّامة المامقاني(1) سبعة وجوه لاتّحاد هذه العناوين، واستظهر السيد الأستاذ (قدس سره) (2) الاتّحاد أيضاً، وهو الصحيح؛ ووجه ذلك:

أنّ الشيخ النجاشي ذكر في ترجمة عليّ بن الحكم بن الزبير أنّه نخعي(3)، وذكر في ترجمة صالح بن خالد أبي شعيب المحاملي: أنّه روى كتاب عليّ بن الحكم بن الزبير الأنباري(4)، ويظهر منه: أنّ الأنباري هو النخعي. وأمّا اتّحاد ابن الزبير النخعي مع عليّ بن الحكم الكوفي، فيظهر ممّا ذكره الشيخ في «رجاله» في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، حيث قال: «علي بن الحكم بن الزبير، مولى النخع، كوفي»(5).

ومقتضى الجمع بين هذه الموارد هو: أنّ عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي هو الأنباري، وهو الكوفي أيضاً. هذا، ويمكن إبداء قرائن أخرى:

منها: أنّ الشيخ ذكر واحداً منهما، والنجاشي ذكر الآخر، فيبعد أن يكونا متعدّدين؛ إذ أنّ ابن الزبير ذكره النجاشي، والكوفي ذكره الشيخ، وكل منهما له كتاب، يرويه سعد عن البرقي عنهما.

ص: 127


1- تنقيح المقال 2 : 285/ 8253، الطبع الحجري.
2- معجم رجال الحديث 12: 425/ 8101، و ص426/8102.
3- رجال النجاشي: 274/ 718.
4- المصدر نفسه: 201/ 535، و ص456/ 1240، وفيه أنّه «مولى عليّ بن الحكم بن الزبير... له كتاب». ولم يذكر أنّه روى كتاب عليّ بن الحكم.
5- رجال الطوسي: 361/5344.

[14] 14 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عليّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثِ الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ - قَالَ: «وَاجْتَمَعُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، فَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَأُضِيفُوا إِلَى الإِيمَانِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ومنها: أنّ الصدوق ذكر طريقه إلى عليّ بن الحكم، ولم يقيّده بواحد من الثلاثة(2).

ومنها: وروده بعنوان عليّ بن الحكم مطلقاً في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي».

وعليه فالتعدّد بعيد، فكلّما ورد عليّ بن الحكم في الروايات يحكم بوثاقته، وأنّه واحد.

وأمّا سفيان بن السّمط: فهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلّا أنّ المشايخ الثقات قد رووا عنه(3)،

وهذا يكفي في توثيقه. وعليه فالسند معتبر.

[14] - فقه الحديث:

وهذا الحديث من الأحاديث المهمّة المتكفّلة لبيان أمور هامّة، وهو

ص: 128


1- الكافي 2 : 26، كتاب الإيمان والكفر، باب أن الإيمان يشرك الإسلام و...،ح5.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 489 ، المشيخة.
3- أصول علم الرجال 2 : 194 .

طويل. واكتفى صاحب «الوسائل» بذكر محلّ الشاهد منه، وهو يدلّ على أهمّيّة هذه الأمور المذكورة، كما أنّه يدلّ على الفرق بين الإسلام والإيمان، وأنّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم بمؤمن. وقد بيّن الإمام (علیه السلام) ذلك بما ضربه من المثال، من صحّة الشهادة على دخول المسجد بالدخول في الكعبة، وعدم صحّة الشهادة على دخول الكعبة بالدخول في المسجد، واستشهد (علیه السلام) بالآية الشريفة في دعوى الأعراب الإيمان، وزجرهم على ذلك، وتنبيههم على أنّهم لم يؤمنوا، وإنّما أسلموا.

ومن هذا يعلم: أنّ الإيمان أخص من الإسلام. كما أنّه (علیه السلام) بيّن فيه أنّ الإيمان هو ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة، والتسليم لأمره تعالى، فهذا معنى الإيمان، بينما الإسلام هو ما ظهر من قول أو فعل.

نعم، يشترك المؤمن والمسلم في الأعمال الظاهرة، من الصلاة والزكاة والصيام والحجّ، ويفترقان في قبول الأعمال، والثواب عليها، ونيل الدرجات، والفضل عند اللَّه تعالى.

وقد يتراءى أنّه مخالف لما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّ الأحاديث السابقة تفيد أنّ عنوان الإيمان هو الولاية، ومعرفة هذا الأمر، بينما ذكر هذا الحديث: «الإيمان ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة للَّه، والتسليم لأمره»، وظاهر ذلك التنافي بين الأحاديث. ولكن يمكن الجمع بينها، بأن يقال: إنّ قوله: «والتسليم لأمره»: إشارة إلى

ص: 129

الولاية؛ لأنّ أمر الولاية وجعلها إنّما هو بيد اللَّه تعالى.

وأما قوله (علیه السلام) : «ما استقرّ في القلب، وأفضى به الى الله عزوجل، وصدّقه العمل بالطاعة لله» أيضاً تكون من مقومات الولاية، وأنّها لا تتحقّق إلّا بذلك، فهما أيضاً شرطان في الولاية.

ومن ذلك يعلم: أنّ أحاديث الباب على أقسام أربعة:

الأوّل: ما ورد فيها ذكر الأمور الخمسة، وهي: الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية.

الثاني: ما ورد فيها - زيادة على ذلك - الشهادتان والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتقدّم منّا أنّها لا تنافي القسم الأوّل؛ فإنّ الشهادتين لازمتان للأمور الخمسة، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من توابع الولاية.

الثالث: ما ورد فيها ذكر الأربعة الأول من دون ذكر الولاية، وقلنا: إنّها محمولة على الإسلام فقط.

الرابع: ما ورد فيها: أنّ الإيمان هو ما استقرّ في القلب، وصدّقه العمل بالطاعة، مضافاً إلى التسليم لأمر اللَّه. فإذا كان المراد به هو الولاية فهو، وإلّا فلابدّ من تقييده بالقسم الأوّل والثاني، ويكون الإيمان مركّباً من أمرين: الولاية، والاستقرار في القلب والتصديق بالعمل.

ص: 130

سند الحديث:

روى الكليني الحديث بطريقين:

الأوّل: عدّة، عن سهل بن زياد، وقد تقدّمت العدّة وسهل.

والثاني: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وتقدّما كلاهما، ويلتقي الطريقان في ابن محبوب، وقد تقدّم أيضاً.

وأما عليّ بن رئاب، فقد قال الشيخ عنه: «له أصل كبير، وهو ثقة، جليل القدر»(1) ، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأما حمران بن أعين: فقد وردت في الكشّي عدّة روايات تدلّ على جلالته.

منها: ما روي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) أنّه كان يقول: «حمران بن أعين، مؤمن لا يرتّد - واللَّه - أبداً».

ومنها: ما روي عنه (علیه السلام) - أيضاً - أنّه قال: «حمران، رجل من أهل الجنة»، وغيرها من الروايات(3)

والحديث صحيح بالطريق الثاني.

ص: 131


1- فهرست الطوسي: 151/375.
2- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284، و ج2 : 202 .
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 412/304.

[15] 15 - وَعَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ محمّد بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ»(1).

----------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

دلّ المقدار الذي أورده صاحب «الوسائل» على أهمّيّة هذه الأمور الخمسة، وأنّها تمثّل الإسلام، وهي مخالفة لما تقدّم؛ حيث لم يذكر فيها الولاية، ولكنّ المراد بالإسلام هنا هو المعنى الأعمّ؛ بقرينة قوله (علیه السلام) : «فلمّا أذن اللَّه لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) في الخروج من مكّة إلى المدينة بنى الإسلام»، الخ. والحديث طويل، وفيه مضامين عالية، وأحكام كثيرة، ولكن صاحب «الوسائل» اكتفى بذكر محلّ الشاهد فيه، كما هو عادته.

سند الحديث:

عليّ بن محمّد: من مشايخ الكليني، وهو مشترك بين شخصين:

الأوّل: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن عمران الجنابي، أبو الحسن، القمّي، البرقي، كان أبوه محمّد بن عبد اللَّه يكنّى أبا عبد اللَّه، ماجيلويه،

ص: 132


1- الكافي 2 : 28، كتاب الإيمان والكفر، باب بلا عنوان، ح1.

وجدّه عبد اللَّه بن عمران يكنّى أبا القاسم، وكان محمّد بن عبد اللَّه صهراً لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي؛ فعلي بن محمّد هذا ابن بنت البرقي، وقد روى الكليني عنه مائة وستّة وأربعين مورداً، وعبّر عنه تارة: بعلي بن محمّد بن بندار، وأخرى: بعلي بن محمّد بن عبد اللَّه، وثالثة: بعلي بن محمّد، ووثّقه النجاشي بقوله: «علي بن أبي القاسم، عبد اللَّه بن عمران، البرقي، المعروف أبوه بماجيلويه، يكنّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي، وتأدّب عليه، وهو ابن بنته»(1).

والثاني: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان، أبو الحسن، الرازي، الكليني، المعروف بعلّان، وهو خال الكليني، روى عنه في غير العدّة ما يقرب من خمسمائة مورد، وقد وثّقه النجاشي فقال: «ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم (علیه السلام) »(2).

وعلى كلّ تقدير فعلي بن محمّد ثقة.

وأما قوله عن بعض أصحابه فهو إرسال.

وأما آدم بن إسحاق: فقد قال النجاشي: «آدم بن إسحاق بن آدم بن عبد اللَّه بن سعد الأشعري، قمي، ثقة»(3)

وأمّا عبد الرزاق بن مهران والحسين بن ميمون: فلم يرد فيهما شي ء،

ص: 133


1- رجال النجاشي: 261/683 .
2- المصدر نفسه: 261/682.
3- المصدر نفسه: 105/262.

وليس لهما في الكتب الأربعة غير هذه الرواية.

نعم، ورد في تهذيب الكمال: «الحسين بن ميمون، قال عليّ بن المديني: ليس بمعروف، قلّ من روى عنه، وقال أبو زرعة: شيخ، وقال أبو حاتم: ليس بقويّ في الحديث، يكتب حديثه، وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال: ربما أخطأ. روى له أبو داود والنسائي في «مسند علي» حديثاً واحداً، وذكر الحديث بطوله وهو مشتمل على أنّ رسول اللَّه أعطى علياً (علیه السلام) الولاية لتقسيم الخمس من سهم ذوي القربى والسّادة في حياته(صلی الله علیه و آله و سلم) وكانت بيده (علیه السلام) واستمر حتّى آخر سنة من سني عمر، فإنه أتاه مال كثير...»(1)، الحديث. فلعلّه ينطبق على هذا.

وأمّا محمّد بن سالم: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن سالم بن أبي سلمة، الكندي، السجستاني، ولم يرد فيه توثيق.

2 - محمّد بن سالم بن شريح، الأشجعي، الحذّاء، وفي وثاقته خلاف؛ وذلك لأنّ الشيخ قال في ترجمته: «أسند عنه، مات سنة اثنتين وتسعين ومائة، وهو ابن تسع وخمسين سنة، ويقال له: سالم الحذّاء، وسالم الأشجعي، وسالم بن أبي واصل، وسالم بن شريح، وهو ثقة»(2).

ص: 134


1- انظر: تهذيب الكمال 6 : 489 - 491 .
2- رجال الطوسي: 284/ 4122 .

فإن كان قوله: «وهو ثقة» يرجع إلى محمّد - كما ذهب إليه العلّامة المامقاني (قدس سره) نافياً عنه الخفاء؛ لكونه بصدد بيان حاله، وإنّما فصل بين التوثيق وبين محمّد بن سالم بأسماء الأب - فهو ثقة، وإن كان يرجع إلى سالم - كما جزم به السيد الأستاذ (قدس سره) - فيكون التوثيق لأبيه(1)

وبما أنّه مورد للشكّ فلا يمكننا الحكم بوثاقته.

ثمّ إنّ في قول الشيخ «أسند عنه»: إشارة إلى أنّه مورد للعناية والاهتمام، فيدل على الحسن، على ما ذهب إليه بعضهم، وتفسير هذه الجملة: «أسند عنه» قد حقّقناه في «أصول علم الرجال»، وارتأينا بأنّه لا يفيد توثيقاً ولا مدحاً(2)

3 - محمّد بن سالم بن عبد الحميد، وقد نصّ الكشّي على وثاقته، حيث ذكره هو وغيره فقال: «هؤلاء كلهم فطحية، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) ، وكلهم كوفيّون»(3)،

وذكره الشيخ في أصحاب الجواد (علیه السلام) (4) ، وهو غير مراد في هذا السند ظاهراً؛ فإنّ الرواية عن أبي جعفر (علیه السلام) ، والظاهر أنّه الباقر (علیه السلام) ، ولو كان الجواد (علیه السلام) لقيل: عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) .

ص: 135


1- معجم رجال الحديث 17 : 110/10829.
2- أصول علم الرجال 2 : 323 .
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 835/1062.
4- رجال الطوسي: 378/5609.

[16] 16 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ الشِّيعَةَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لَهَلَكُوا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فيدور الأمر بين الأوّلين، والظاهر انطباقه على الثاني؛ فإنّ الأوّل متأخّر من حيث الطبقة؛ لأنّه روى عنه الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، اللذان هما من مشايخ الكليني، فلا يمكن أن يكون هو الراوي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) .

والحديث ضعيف بالإرسال، ولكن من جهة وجوده في «الكافي» - بناء على القول باعتبار شهادة الكليني (رحمه الله) وتماميّتها وعدم المناقشة فيها - يكون السند معتبراً.

[16] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب هذه الأمور وأهميتها، بحيث متى اجتمعت

ص: 136


1- الكافي: 2 : 451، باب أنّ الله يدفع بالعامل عن غير العامل ، ح 1، وقد أسقط صاحب «الوسائل» منه جملاً متعددة، وتمامه: «إنّ اللَّه [ ل- ] يدفع بمن يصلي من شيعتنا، عمّن لا يصلي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، إنّ اللَّه ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي، ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإنّ اللَّه ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحجّ، ولو أجمعوا على ترك الحجّ لهلكوا؛ وهو قول اللَّه عزّوجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 252] فو اللَّه ما نزلت إلّا فيكم، ولا عنى بها غيركم».

الشيعة على تركها كان ذلك سبباً لهلاكهم وعذابهم في الدنيا، وهذا من خصوصيّات هذه الأمور، ولم تكن في غيرها من الواجبات. نعم، العذاب الأخروي غير مختصّ بها، بل هو عامّ لترك الواجبات الأخرى.

وقد ورد - زيادة على ذلك - الصوم في رواية العيّاشي. والمراد من الهلاك هو الاستئصال والعذاب الدنيويّان، وإلّا لم تكن حاجة إلى إجماع الشيعة على ترك أحد تلك الأمور؛ فإنّ الفرد الواحد إذا ترك الصلاة، أو أي فريضة اخرى فهو هالك في الآخرة.

ولكنّ اللَّه سبحانه وتعالى - بلطفه وكرمه - جعل المؤمنين سبباً في رفع العذاب عن المقصّرين في دار الدنيا؛ ذلك نظراً لمراعاة المؤمنين ومحافظتهم على هذه الفرائض يتفضّل اللَّه تعالى - كرامة لهم - بعدم إتباع العقوبة، وتعجيلها على من لم يراعها منهم. ولو تركها الجميع لحلّت بهم النقمة الإلهيّة، ولوقع عليهم العذاب.

وهذا المعنى هو الظاهر من الرواية؛ ولعلّه لذلك استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة، وهو قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(1) .

وقد عنون الشيخ الكليني (قدس سره) الحديث: بأنّ اللَّه يدفع بالعامل عن غير العامل، وجعله في باب مستقلّ.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ على أهمّيّة هذه الفرائض، بحيث إنّ ترك

ص: 137


1- البقرة، الآية 251.

واحدة منها موجب للهلاك؛ لأنّها من الأركان.

وأمّا عدم ذكر الولاية في الحديث؛ فلأنّها أمر مسلّم، ولا يحتاج إلى بيانها؛ بقرينة قوله (علیه السلام) : «فواللَّه، ما نزلت إلّا فيكم، ولا عنى بها غيركم»(1)، فالخطاب كان للشيعة المعتقدين بالإمامة، كما هو واضح.

ثمّ إنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) استظهر من الحديث - كما في شرحه على «الوسائل» - بطلان الإجماع؛ وذلك لأنّ الإجماع على مبنى الإمامية هو ما يكون كاشفاً عن رأي المعصوم، فإذا كان داخلاً معهم فلا يلزم الهلاك، والحال أنّ الحديث يدلّ على أنّ الإجماع على ترك إحدى هذه الفرائض موجب للهلاك، وإن كان الإمام معهم، فالمستفاد من ذلك بطلان القول بالإجماع، وهو ما ذهب إليه الأخباريّون(2)

مناقشة المصنّف في بطلان الإجماع

ولا يخفى ما فيه؛ وذلك:

أولاً: أنّ الإجماع الذي يذهب إليه الأصوليّون هو الإجماع على الحكم الموافق للشرع، لا الإجماع على خلاف الشرع.

وثانياً: أنّ نصّ الحديث يدلّ على إجماع الشيعة، وليس الإمام واحداً منهم، فهو غير الإجماع الاصطلاحي.

وثالثاً: أنّه على فرض التنزّل يكون من قبيل التعليق على المحال، نظير

ص: 138


1- في ذيل الحديث المذكور.
2- راجع: تحرير وسائل الشيعة: 227.

قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}(1)

، بمعنى: أنّ الإمام والشيعة لو تركوا الصلاة لهلكوا، ولا يعني ذلك تحقّقه في الخارج، فالفرض صحيح وإن لم يكن متحقّقاً، فما ذكره (رحمه الله) - من الإشكال على الإجماع - غير تامّ.

سند الحديث:

عليّ بن معبد: لم يرد فيه توثيق، ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة» على نسخة، وفي نسخة اُخرى: عليّ بن سعيد، وفي موضع آخر: عليّ بن درست(2)

، والظاهر أنّها تصحيف، والصحيح: عليّ بن معبد؛ فإنّ إبراهيم بن هاشم هو الراوي لكتابه.

وأما عبد اللَّه بن القاسم: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - عبد اللَّه بن القاسم الجعفري، وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، كما في «رجال الشيخ»(3) ، ولم يذكر له كتاباً.

2 - عبد اللَّه بن القاسم الحارثي، قال النجاشي فيه: «ضعيف، غالٍ،كان صحب معاوية بن عمّار، ثمّ خلط وفارقه» ، وذكر له كتاباً (4)

3 - عبد اللَّه بن القاسم الحضرمي، قال النجاشي فيه: «المعروف

ص: 139


1- الأنبياء، الآية 22.
2- أصول علم الرجال 1 : 230.
3- رجال الطوسي: 229/3093.
4- رجال النجاشي: 226/593.

بالبطل، كذّاب، غال، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته»، وذكر له كتاباً(1) .

والأول ليس مراداً في هذا السند؛ لكونه غير معروف، فيدور الأمر بين الثاني والثالث.

هذا، وقد ورد عبد اللَّه بن القاسم في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2) ، إلّا أنّه لا يعلم انطباقه على أيّ واحد منهما، ولكن حيث إنّ كلاًّ منهما ضعيف، فلا يمكن الاعتماد على روايته.

نعم، قد يقال: إنّ المراد هو الثاني، وتضعيف النجاشي له إنّما هو من جهة الغلو، ولمّا كان مصاحباً لمعاوية بن عمّار قبل تخليطه، فيحكم بوثاقته.

وفيه: أنّه لا يمكن الحكم بذلك؛ لعدم الجزم بأنّه هو الواقع في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، والذي روى عنه المشايخ الثقات؛ لاحتمال انطباقه على الثالث، المنصوص على كذبه، وإن كان انطباقه على الثاني غير بعيد.

بحث رجالي في يونس بن ظبيان

وأما يونس بن ظبيان: فقد ورد فيه التوثيق والتضعيف.

أما التوثيق: فلأنّ ابن شهرآشوب قد عدّه من الثقات(3) ، وورد في «نوادر

ص: 140


1- رجال النجاشي: 226/594.
2- أصول علم الرجال 1 : 228 ، 283، و ج2 : 200 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 436.

الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(1). وأمّا وقوعه في تفسير القمّي، فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه في القسم الثاني(2) ، وقد بينّا في محلّه(3) عدم شمول التوثيق لرواة هذا القسم.

وأمّا التضعيف: فلما ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام) بسند صحيح من أنّه لعن يونس(4) ، وقال النجاشي: إنّه «ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلى ما رواه، كلّ كتبه تخليط»(5)، ونقل الكشّي عن الفضل بن شاذان، أنّه قال: «الكذّابون المشهورون: أبو الخطاب، ويونس بن ظبيان ...»(6) .

وقد يقال في الجمع بين التوثيق والتضعيف: إنّ التضعيف راجع إلى رميه بالغلو، فيرجح التوثيق، كما في ابن سنان، والمفضّل بن عمر؛ فإنّ هؤلاء رموا بالغلو، لأنّهم يروون روايات لطيفة دقيقة، ولكن ذلك يستبعد فيه مع لعن الإمام (علیه السلام) له؛ وبناء على ذلك فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيكون بحكم المجهول.

وعليه فالسند غير معتبر.

ص: 141


1- أصول علم الرجال 1 : 244، و ج2 : 218 .
2- المصدر نفسه 1 : 314 .
3- المصدر نفسه 1 : 276.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 657 /673.
5- رجال النجاشي: 448/1210.
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 823/1033.

[17] 17 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَخْبِرْنِي عَنِ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ، مَا هِيَ؟ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ، فَمَنْ أَقَامَهُنَّ، وَسَدَّدَ، وَقَارَبَ، وَاجْتَنَبَ كلّ مُسْكِرٍ(1)، دَخَلَ الْجَنَّةَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ولكن ورد الحديث في «تفسير القمّي» بسند صحيح، وهي الرواية السادسة والثلاثين من الباب، وسندها هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل(3)،

فيتبيّن أنّ لعلي بن إبراهيم طريقاً آخر صحيحاً. واكتفى الكليني (قدس سره) بهذا الطريق.

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الأمور المذكورة من الواجبات المفروضة، وهي من أهمّ الواجبات. و«الفرائض» في كلام السائل جمع محلى ب- «أل» وكذا «العباد»، والجمع المحلى ب-«أل» يفيد العموم، فيكون السؤال عمّا افترض الله

ص: 142


1- في المصدر: منكر، وهو الأنسب.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 204 ، ح 612، وفيه: «قال سليمان بن خالد للصادق: جعلت فداك، أخبرني...».
3- تفسير القمّي 1 : 83 . أورده في تفسير الآية (251) من سورة البقرة.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

على جميع العباد لا خصوص المسلمين. والظاهر من الجواب أيضاً العموم؛ فإن الشهادتين تجبان على جميع العباد بلا ريب، وقد عطفت بقيّة الواجبات عليهما، فيظهر وجوب الجميع على العباد جميعاً.

وقد مرّ أنّ الاقتصار على هذه الواجبات الفرعيّة الخمسة لأجل أهميتها وعلو شأنها، فليست الفرائض مختصة بها؛ ويؤيّد عدم الاختصاص قوله (علیه السلام) في ذيل الحديث: «واجتنب المسكر»، فإنه ظاهر في أنّ حرمة المسكر مفترضة، وأنّ اجتنابه ممّا يتوقف عليه دخول الجنة.

والضمير في «أقامهنّ» إما يرجع إلى الواجبات الفرعية الخمسة، ويكون المراد بإقامتها: الإتيان بها كما أمر الله تعالى، أي بجميع شرائطها وأركانها وأجزائها.

وإما يرجع إلى الجميع، ويكون المراد بإقامة الاعتقاد إما اعتقاد الشهادتين وما تتضمناه بيقين، أو يكون المراد، اظهار الاعتقاد.

وقوله (علیه السلام) : «وسدّد وقارب» يعني: طلب بعمله السداد والاستقامة، وهو: القصد في الأمر، والعدل فيه، فلا إفراط ولا تفريط.

وأمّا قوله (علیه السلام) : «وكلّ مسكر»، فلعل تخصيص المسكر بالذكر من بين

ص: 143


1- المحاسن 1 : 290، باب المحبوبات، ح437 وفيه أيضاً: منكر.

الأمور المنهي عنها في الشريعة لأجل الاهتمام بتحريمه وكونه السبب في ارتكاب مناهٍ كثيرة.

وقد ورد في «الجامع» (1)

وفي «الفقيه»(2) المطبوع وكذلك في «المحاسن»(3): «وكلّ منكر»، وكلمة «منكر» نكرة مصدرة ب-«كل» الموضوعة للعموم، فتفيد الاستغراق لكل المنهيات، ولعلّ الأصوب هو: كلّ مسكر؛ بقرينة سائر الروايات.

سند الصدوق إلی سلیمان بن خالد

سند الحديث:

ورد الحديث بطريقين:

الطريق الأوّل: ما رواه الصدوق بسنده، عن سليمان بن خالد، والمراد من إسناده: أنّ له طريقاً إلى الراوي، فلابدّ من ملاحظة الطريق، كما ذكرنا ذلك في المقدّمة.

وسند الصدوق في «المشيخة» هكذا: «وما كان فيه عن سليمان بن خالد البجلي فقد رويته: عن أبي(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد البجلي الأقطع الكوفي، وكان خرج مع زيد بن علي (علیه السلام) فأفلت»(4).

ص: 144


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 617، ح1094 .
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 204 ، ح612.
3- المحاسن 1 : 290 ، باب المحبوبات ، ح437.
4- من لا يحضره الفقيه 4 : 439، المشيخة.

أمّا الصدوق: فهو محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، القمّي، قال النجاشي فيه: «شيخنا، وفقيهنا، ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة، وهو حدث السن»(1)، وقال الشيخ: «جليل القدر، يكنّى أبا جعفر، كان جليلاً، حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم ير في القمّيّين مثله في حفظه، وكثرة علمه»(2)

، وذكر نحوه في «الرجال»(3).

وبالجملة: فعظمة الشيخ الصدوق لا يعتريها الريب.

وأمّا والده: فهو عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال النجاشي في حقّه: «أبو الحسن، شيخ القمّيّين في عصره، ومتقدّمهم، وفقيههم، وثقتهم»(4)

وقال الشيخ - بعد أن ترضّى عليه - : «كان فقيهاً، جليلاً، ثقة»(5)

، ووثّقه في «رجاله»(6).

وقد ذكر في أحواله: أنّ الإمام الحجة (علیه السلام) قد دعا له بأن يُرزق ولداً ذكراً، ورزقه اللَّه ولدين خيّرين، أحدهما الصدوق، وكان يفتخر ويقول:

ص: 145


1- رجال النجاشي: 389/1049.
2- فهرست الطوسي: 237/710.
3- رجال الطوسي: 439/6275.
4- رجال النجاشي: 261/684.
5- فهرست الطوسي: 157/391.
6- رجال الطوسي: 432/6191.

إنّي ولدت بدعوة صاحب الأمر (عج(1)

وأمّا سعد بن عبد اللَّه: فهو سعد بن عبد اللَّه بن خلف، القمّي، وهو من الأجلّاء الثقات، قال النجاشي فيه: «شيخ هذه الطائفة، وفقيهها، ووجهها، كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب الحديث»(2) .

وقال الشيخ: «يكنّى أبا القاسم، جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة»(3)،

وقيل: إنّه لقي الحجّة (عج)، وسمع منه»(4) .

وعدّ الصدوق في أوّل «الفقيه» كتاب الرحمة لسعد بن عبد اللَّه من الكتب المشهورة، التي عليها المعوّل، وإليها المرجع(5)

وأما إبراهيم بن هاشم: فقد تقدّم الكلام عنه.

وأمّا محمّد بن أبي عمير: فهناك شخصان بهذا العنوان، وهما:

الأوّل: محمّد بن أبي عمير، واسم أبيه زياد، وأبو عمير كنية والده، وكنيته أبو أحمد، ولقبه الأزدي، وهو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) (6) .

ص: 146


1- رجال النجاشي: 261/684.
2- المصدر نفسه: 177/677.
3- فهرست الطوسي: 135/316.
4- كمال الدين وتمام النعمة: 454 - 465 ، ب 43 ح 21.
5- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 - 4 .
6- معجم رجال الحديث 15 : 296/10043.

الثاني: محمّد بن أبي عمير، بيّاع السابري، البزّاز، لم يوثّق، وهو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، ومات في زمان الكاظم (علیه السلام) (1)

والأوّل هو المعروف بابن أبي عمير، قال النجاشي: «جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين»(2)، وقال الشيخ في «الفهرست»: «أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة، وأنسكهم نسكاً، وأورعهم، وأعبدهم... الخ»(3) .

وهو أحد أصحاب الإجماع(4)

وقال الشيخ عنه في موضع آخر: «لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة»(5)، ووثّقه في «الرجال» أيضاً(6) .

وقال عنه الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: سمعت عليّ بن الحسن بن فضّال يقول: كان محمّد بن أبي عمير أفقه من يونس، وأصلح، وأفضل»(7) .

وهو من المشايخ الثقات الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»(8) .

ص: 147


1- معجم رجال الحديث 15 : 287/10036.
2- رجال النجاشي: 326/887.
3- فهرست الطوسي: 218/616.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 830 /1050.
5- عدة الأصول 1 : 154.
6- رجال الطوسي: 365/5413.
7- اختيار معرفة الرجال 2 : 855/1106 .
8- أصول علم الرجال 1 : 286 ، 235 .

وأمّا الثاني: فلم يرد فيه توثيق، وورد في روايةٍ: أنّه أوصى إلى محمّد بن نعيم(1)

، وروى عنه ابن مسكان والسكوني وصالح النيلي.

وعليه فهما اثنان؛ ويدلّ على ذلك: أنّ الأوّل من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) ، والثاني من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) ، وكلاهما وردا في «الكشّي» في ترجمة زرارة، حيث قال: «بنان بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن أبي عمير، قال: قلت: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ...»(2) فلابدّ من التمييز بينهما بحسب الراوي والمرويّ عنه.

فإذا روى عن أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) فهو الثاني، وأما إذا روى عن الرضا أو الجوادين (علیهما السلام) فهو الأوّل؛ لأنّ الثاني مات في عهد الكاظم (علیه السلام) ، فيمكن تشخيصه من جهة المرويّ عنه.

وأمّا إذا روى عن الكاظم (علیه السلام) ، فيحتمل أن يكون الأوّل، وأن يكون الثاني، فإن كان الراوي متقدّماً فيتبين أنّه الثاني، وإن كان الراوي متأخّراً فيتبين أنّه الأوّل، وإن كان مردداً بين الأوّل والثاني فينصرف إلى الأوّل؛ لأنه المعروف والمشهور، فلا يتوقّف في الرواية.

وأمّا هشام بن سالم وسليمان بن خالد: فقد تقدّم ذكرهما.

الطريق الثاني: البرقي وأبوه قد تقدّم ذكرهما.

ص: 148


1- الكافي 7 : 16 ، باب الرجل يموت ولا يترك إلّا امرأته، ح 1.
2- اختيار معرفة الرجال 1 : 355/224.

[18] 18 - قَالَ ابْنُ بَابَوَيْهِ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا النضر بن سويد: فقد قال النجاشي فيه: «نضر بن سويد الصيرفي، كوفي، ثقة، صحيح الحديث»(2)

، ووثّقه الشيخ في «رجاله»(3) ، وورد في أسانيد «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا يحيى الحلبي: فهو يحيى بن عمران بن عليّ بن أبي سعيد، الحلبي. وثّقه النجاشي بقوله: «ثقة، ثقة، صحيح الحديث»(5)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

وأمّا عبد اللَّه بن مسكان وسليمان بن خالد: فقد تقدّم ذكرهما.

وعليه فالحديث صحيح بكلا طريقيه.

[18] - فقه الحديث:

هذا الحديث هو عين الحديث الخامس المتقدّم.

ص: 149


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 74 ، ح 1770.
2- رجال النجاشي: 427/1147.
3- رجال الطوسي: 345/5147.
4- أصول علم الرجال 1 : 288، و ج2 : 215 .
5- رجال النجاشي: 444/1199.
6- أصول علم الرجال 1 : 243 ، 289، و ج2 : 217 .

[19] 19 - قَالَ: وَخَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَأَطِيعُوا اللَّه فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

الحديث من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم التحقيق حول مراسيله وأقسامها.

[19] - فقه الحديث:

الحديث - كما تقدّم في نظائره - دالّ على وجوب هذه الأمور وأهميتها، ولم يشتمل الحديث على الولاية كبعض الأحاديث المتقدّمة؛ ولعلّه لأجل اقتضاء المقام؛ لأن أمير المؤمنين (علیه السلام) ألقى تلك الخطبة يوم الفطر، وهو مجمع يضمّ مجموعات من الناس، مختلفة الأنظار والأفكار، فلم يكن مناسباً لذكر الأمور الخاصة، وإنّما كان مناسباً لذكر الأمور العامّة، واللَّه العالم.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حوله، والكلام فيه عين ما تقدّم في الحديث السابق.

ص: 150


1- 1*) من لا يحضره الفقيه 1 : 517 ، ح 1482.

[20] 20 - وَفِي كِتَابِ «الْمَجَالِسِ» وَكِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ» وَكِتَابِ «التَّوْحِيدِ» وَكِتَابِ «إِكْمَالِ الدِّينِ» عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الدَّقَّاقِ(1) وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْوَرَّاقِ، جَمِيعاً، عَنْ محمّد بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَبِي تُرَابٍ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُوسَى الرُّوبَانِيِّ(2)، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي، فَقَالَ: هَاتِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَأَقُولُ: إِنَّ الْفَرَائِضَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ الْوَلايَةِ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ عليّ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) : «يَا أَبَا الْقَاسِمِ، هَذَا - وَاللَّهِ - دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَاثْبُتْ عَلَيْهِ، ثَبَّتَكَ اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[20] - فقه الحديث:

أورد صاحب «الوسائل» شطراً من الحديث؛ لدلالته على المطلوب،

ص: 151


1- في هامش الأصل المخطوط: «في التوحيد: عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق»، (منه (قدس سره) ).
2- في أمالي الصدوق والتوحيد وكمال الدين: أبي تراب عبيد اللَّه بن موسى الروياني.
3- أمالي الصدوق: 420، ح 557، وصفات الشيعة: 49، والتوحيد: 82، ح 37، وإكمال الدين: 380، ح 1.

حيث عُبّر عن هذه الأمور بالفرائض الواجبة. والحديث من الأحاديث الجليلة؛ لأنّه تضمّن جملة من المعارف والحقائق الاعتقاديّة، وقد أقرّ الإمام (علیه السلام) السيد عبد العظيم الحسني على هذه المعتقدات، بل أمره بالثبات عليها، ودعا له بالتثبيت في الدنيا والآخرة، مضافاً إلى أنّها تدلّ على أهمّيّة الولاية حيث قال: «وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية... إلخ»؛ لما تقدّم من أنّ الولاية هي المفتاح لهذه الفرائض، وتكون هي المقدمة؛ ولذا جعل الواجبات الفرعية بعد الولاية، وأقرّه الامام (علیه السلام) على ذلك. وقوله (علیه السلام) : «هذا واللَّه دين اللَّه الذي ارتضاه لعباده» تأكيد صريح على أهمّيّة الولاية، وأنّ من لم يعتقد بالولاية فدينه غير مرضيّ عند اللَّه تعالى.

والحاصل: أنّ الحديث من حيث الدلالة تام، وهو من غرر الأحاديث.

سند الحديث:

روى الشيخ الصدوق الحديث في أربعة من كتبه بسند واحد.

أمّا عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق - وهو عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران - وعلي بن عبد اللَّه الورّاق، فهما وإن لم يرد فيهما توثيق، إلّا أنّ الشيخ الصدوق قد ترضّى عنهما، وقد حقّق في محله: أنّ الترضّي من مثله أمارة على التوثيق(1)؛

وبناء على ذلك فهما ثقتان.

وأما محمّد بن هارون: فهو مشترك بين جماعة، وهم:

ص: 152


1- اُصول علم الرجال 2 : 317.

1 - محمّد بن هارون: الذي يروي عنه صاحب «نوادر الحكمة»، وقد استثناه ابن الوليد، فهو ضعيف(1)

2 - محمّد بن هارون أبو عيسى الورّاق: ذكر النجاشي أنّ له كتباً، ولم يوثّقه(2)، وذكر في «المعجم»:

أنّه لا يبعد اتّحاده مع سابقه(3).

3 - محمّد بن هارون بن عمران الهمداني: عدّه الصدوق فيمن رأى الحجّة (عج(4)،

ولم يرد فيه توثيق.

4 - محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري: ذكره النجاشي، وترحّم عليه(5)

، ولم يرد فيه توثيق.

5 - محمّد بن هارون الجلاّب: لم يرد فيه توثيق.

6 - محمّد بن هارون الزنجاني: من مشايخ الصدوق.

ويبعد انطباقه على كلّ من هذه الأفراد؛ أمّا الأوّل: فلأنّ الصدوق يروي عنه بثلاث وسائط، والمذكور هنا يروي عنه بواسطة واحدة، مع احتمال اتّحاده مع الثاني، فيبعد أن يكون هو أيضاً، كما في «المعجم».

وأمّا الثالث: فلأنّه روى عنه بواسطتين، وهنا روى عنه بواسطة واحدة،

ص: 153


1- معجم رجال الحديث 18 : 335/11968.
2- رجال النجاشي: 372/1016.
3- معجم رجال الحديث 18 : 335/11968.
4- كمال الدين: 443، ب 43، ذيل ح16.
5- رجال النجاشي: 79/189، ضمن ترجمة أحمد بن محمّد بن الربيع.

كما في «كمال الدين» في باب من شاهد الحجّة (عج).

وأمّا الرابع: فهو ابن التلعكبري، الذي هو في طبقة الصدوق، فكيف يروي عنه مع الواسطة؟!

وأمّا الخامس: فهو من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، فهو متقدّم من حيث الطبقة.

وأمّا السادس: فهو من مشايخ الصدوق، فلا يحتاج إلى الواسطة.

وعليه فالظاهر أنّه غير المذكورين. ولا يبعد أن يكون محمّد بن هارون الصوفي، الذي روى في عدّة من كتبه عن عبد اللَّه بن موسى الروياني، كما صرّح الصدوق نفسه في كتاب «كمال الدين» بأنّه الصوفي في مواضع في نفس هذا السند: أحدها في الباب 31، ح2، والآخر في الباب 36، ح 1، والثالث في الباب 37، ح 1 (1)،

وهو مجهول، ولم يذكر في الرجال(2) .

وأمّا أبو تراب عبد اللَّه بن موسى الروياني - وفي بعض نسخ «الوسائل»: الروباني، وفي المصدر: أبو تراب عبيد اللَّه بن موسى الروياني - فقد ذكره الشيخ والنجاشي في طريقيهما إلى عبد العظيم الحسني، ولم يرد فيه توثيق(3)

وأمّا عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني: فقد قال النجاشي فيه: «عبد

ص: 154


1- كمال الدين : 319، ب 31، ح 2، و377، ب 36، ح 1، و379، ب 37، ح 1 .
2- مستدركات علم الرجال 7 : 357/ 14639.
3- رجال النجاشي: 248/653، ومعجم رجال الحديث 11 : 52/6591.

العظيم بن عبد اللَّه بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أبو القاسم، له كتاب خطب أمير المؤمنين (علیه السلام) ... كان عبد العظيم ورد الري؛ هارباً من السلطان، وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة، في سكّة الموالي، فكان يعبد اللَّه في ذلك السرب، ويصوم نهاره، ويقوم ليله، فكان يخرج مستتراً، فيزور القبر المقابل قبره، وبينهما الطريق.... الخ»(1) .

وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الهادي (علیه السلام) والعسكري (علیه السلام) ، وترضّى عليه(2) .

وقال الصدوق: «وكان مرضيّاً، رضي اللَّه عنه»(3)

ووردت في حقّه روايات مادحة.

منها: عن بعض أهل الري، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (علیه السلام) ، فقال: «أين كنت؟» قلت: زرت الحسين (علیه السلام) ، قال: «أما إنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين (علیه السلام) »(4)

ومنها: ما دلّ على إرجاع بعض الشيعة إليه إذا أشكل عليه شي ء من أمر الدين(5) .

ومنها: ما دلّ على أنّ من زار قبره وجبت له الجنة، وغيرها من

ص: 155


1- رجال النجاشي: 248/653.
2- رجال الطوسي: 387/5706 ، ص401/5875 .
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 128، باب صوم يوم الشك ذيل الحديث 8 .
4- كامل الزيارات: 537، ح828..
5- مستدرك الوسائل 17 : 321، ب 11، ح 32.

الروايات(1) .

وعليه فلا إشكال في جلالة قدره، وعظم منزلته.

وقد أورد الحديث صاحب «الوسائل» في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2)، من دون أن يذكر في السند الروياني، فسقوطه هناك من سهو القلم.

تصحیح طریق الصدوق إلى السید عبد العظيم الحسني

والحاصل: أنّ الطريق ضعيف بشخصين. ويمكن تصحيح الطريق، بأن يقال: إنّ طريق الصدوق إلى روايات عبد العظيم الحسني صحيح، فإن قلنا بمقالة صاحب «الوسائل» تبعاً للعلّامة المجلسي رضوان اللَّه عليه - من باب أنّ الصدوق إنمّا يروي في «الفقيه» من كتاب عبد العظيم - فيكون الحديث معتبراً.

ويؤيد ذلك: أنّ الصدوق لم يذكر في «المشيخة» إلّا طريقاً واحداً، واكتفاؤه بذكر طريق واحد يدل على أنّه يروي من كتابه، وإلّا كان عليه أن يذكر أكثر من طريق؛ إذ يبعد أن تكون جميع روايات عبد العظيم بطريق واحد. ويدخل في هذا الطريق سائر الروايات المذكورة في كتب الصدوق، وإن كانت في غير «الفقيه»، ومنها هذا الحديث.

ويؤكد ذلك أنّ الشيخ (رحمه الله) يروي كتابه عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، الراوي عن عبد العظيم في طريق الصدوق (رحمه الله) في «المشيخة»،

ص: 156


1- مستدرك الوسائل 10 : 367، و368، ب 73 ح 1 و 2 .
2- وسائل الشيعة 16 : 240 ، باب 33 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح 9.

[21] 21 - وَفِي كِتَابِ «الْعِلَلِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيِّ: أَنَّ الْعَالِمَ كَتَبَ إِلَيْهِ - يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیهما السلام) - : «أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْفَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْ [ذَلِكَ](1) عَلَيْكُمْ بِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، بَلْ رَحْمَةً مِنْهُ إِلَيْكُمْ؛ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ لِيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «فَفَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَإِقَامَ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمَ، وَالْوَلايَةَ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

فيتبيّن أنّه راوٍ لكتابه. ولكن هذا الوجه إنمّا يتمّ إذا كانت جميع روايات السيد عبد العظيم منحصرة في كتابه، وأمّا إذا لم يحرز ذلك فلابدّ من التوقف.

[21] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل، وقد اكتفى صاحب «الوسائل» بذكر موضع الحاجة منه، وهو يشتمل على مضامين عالية:

منها: دلالته على أهمّيّة هذه الأمور المذكورة.

ومنها: أنّ تشريع الأحكام والتكليف بها ليس لحاجة من اللَّه سبحانه إليها، ولا نفع له فيها، بل إنّما هو رحمة للعباد وموجب لارتفاع درجاتهم،

ص: 157


1- أثبتناه من المصدر.
2- علل الشرائع 1 : 249، ح 6.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ»(1)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْحَلَبِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ.

وَرَوَاهُ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: خَرَجَ تَوْقِيعٌ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، وَذَكَرَهُ بِطُولِهِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وقربهم إلى الكمال المطلق، والسعادة الأبدية؛ وليميز الخبيث من الطيّب؛ ولعلّ قوله: «لا إله إلّا هو» للاستدلال على أنه تعالى هو الغني المطلق عن جميع الممكنات؛ إذ هو الإله الواحد الأحد، فلا يحتاج إلى عبادة عبيده.

ومنها: أنّه لا يمكن الوصول إلى هذه المراتب إلّا بالدخول من بابها، وهي الولاية؛ فيدلّ على أفضليّة الولاية وأهميّتها، فهي المفتاح لأبواب الفرائض، ولولا الولاية التي جعلها اللَّه لمحمد وآله (علیهم السلام) ما عرف الناس كيف يعبدون اللَّه، ولكانوا حيارى كالبهائم، لا يهتدون سبيلاً، وقد أكمل الدين بولايتهم، وجعل لهم حقوقاً على رقاب العباد.

سند الحديث:

لهذا الحديث ثلاث طرق:

ص: 158


1- أمالي الطوسي: 654، ح1355، وفيه: الحسين بن صالح بن شعيب، (الحسن بن علي الجوهري).
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 844 / 1088 .

أمّا الطريق الأوّل: فعلي بن أحمد - وهو ابن موسى الدقاق - ومحمّد بن يعقوب الكليني وعلي بن محمّد - وهو ابن بندار تقدّم ذكرهم.

وأمّا إسحاق بن إسماعيل النيسابوري: فوثّقه الشيخ(1)، وقال الكشّي عنه: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (علیه السلام) توقيع: «يا إسحاق بن إسماعيل، سترنا اللَّه وإيّاك بستره، وتولّاك في جميع أمورك بصنعه ... الخ»(2).

وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأمّا الطريق الثاني: فالحسين بن عبيد اللَّه، هو الغضائري، شيخ النجاشي والطوسي(3) ، وقدثبت في محلّه: أنّ جميع مشايخ النجاشي ثقات.

وأمّا عليّ بن محمّد الحلبي - أو العلوي على نسخة - فلم يرد فيه شي ء.

وأما الحسن بن عليّ الجوهري: فهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضَّى عليه(4) ، وهو دالّ على التوثيق.

وهذا الطريق غير معتبر من جهة العلوي. ولكن يمكن تصحيح هذا الطريق؛ وذلك لأنّ للحسين بن عبيد اللَّه الغضائري طرقاً إلى جميع روايات الكليني، ولا ينحصر بهذا الطريق. وكذلك الشيخ الطوسي (رحمه الله) .

ص: 159


1- رجال الطوسي: 397/5822.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 844/1088.
3- معجم رجال الحديث 7 : 22/3490.
4- أمالي الصدوق: 500، المجلس الرابع والستون، ح 686.

وأمّا الطريق الثالث:

فالكشّي: هو محمّد بن عمر بن عبد العزيز، الكشّي، قال النجاشي في حقّه: «كان ثقة، عيناً، وروى عن الضعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي، وأخذ عنه، وتخرّج عليه»(1)

وقال الشيخ: «ثقة، بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب»(2)

وقول الكشّي: «عن بعض الثقات» يكفي في اعتبار الرواية، فهو على وزان ما إذا قال شخص: حدّثني عدل أو ثقة. والمشهور كفاية ذلك.

والحاصل: أنّ الحديث معتبر بجميع طرقه.

ص: 160


1- رجال النجاشي: 372/1018.
2- رجال الطوسي: 440/6288.

[22] 22 - وَعَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ جَابِرٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ÷ فِي خُطْبَتِهَا: «فَرَضَ اللَّهُ الإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَالزَّكَاةَ زِيَادَةً فِي الرِّزْقِ، وَالصِّيَامَ تَثْبِيتاً(1) لِلإِخْلاصِ، وَالْحَجَّ تَسْنِيَةً(2) لِلدِّينِ، وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ، وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ»، الْحَدِيثَ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِعِدَّةِ أَسَانِيدَ طَوِيلَةٍ(4)4*).

وَرَوَاهُ فِي «الْفَقِيهِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، مِثْلَهُ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

[22] - فقه الحديث:

هذا الحديث قطعة من خطبة الزهراء÷، وهي مشهورة، وذكر صاحب «الوسائل» محلّ الشاهد منها، وإلّا فالخطبة طويلة ومفصّلة.

ص: 161


1- في نسخة: تبييناً. (منه (قدس سره) ).
2- التسنية من السناء: وهو المجد والشرف، وارتفاع القدر والمنزلة. (لسان العرب 14 : 403 مادة: سنى ، مجمع البحرين 2 : 439 مادة: سنى).
3- علل الشرائع 1 : 248 ، ح 2.
4- 4*) المصدر نفسه 1 : 248، ح 3 و 4 .
5- 5*) من لا يحضره الفقيه 3 : 568، ح 4940، ورواه الطبرسي في الاحتجاج 1 : 99 بسند آخر وبزيادة يسيرة.

والمقدار الذي ذكره صاحب «الوسائل» يدلّ على المقصود؛ حيث إنّ هذه الأمور من الفرائض التي افترضها اللَّه سبحانه على العباد، بل هي أهمّ الواجبات.

ثمّ إنّ الخطبة اشتملت - إضافة إلى ذلك - على بيان بعض الحِكَم والأسرار في تشريع هذه الأمور، ولا تنحصر الحكم بما ذكرته سلام الله عليها هنا، فقد وردت لكل واحد منها علل كثيرة في الروايات.

وأول الحكم المذكورة هنا: أنّ الإيمان - وهو الأصل لجميع الفرائض والسنن - يكون تطهيراً من نجاسة الشرك. والتطهير من الشرك غاية من أهم الغايات للشارع الأقدس. والإيمان يطلق على معنيين:

أحدهما: الاعتقاد بأصول الدين الخمسة وما يتعلق بها من لوازمها، وهذا هو الإطلاق الشائع والمنصرف إليه اللفظ.

ثانيهما: العمل بفروع الدين.

والذي يظهر من روايات أئمة الهدى (علیهم السلام) أنّ للإيمان والكفر مراتب كثيرة، فأعلى مراتب الإيمان: الإيمان الصرف، وهو الاعتقاد بأصول الدين الخمسة وتوابعها مع العمل بالواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات كلية، وهذه المرتبة لا توجد إلّا في النبي والأئمة والصديقة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وأدنى مراتب الكفر هو إنكار ما تقدّم قولاً وعملاً. وهذه المرتبة لا توجد إلّا في رؤساء أعداء الدين. وبين هاتين المرتبتين مراتب لا تحصى؛

ص: 162

فمن اعتقد بأصول الدين ولم يعمل بشيء من الفروع فهو مؤمن بالأصول وكافر بالفروع، ومن اعتقد بالأصول وعمل ببعض الفروع فهو مؤمن بالنسبة لما عمل به وكافر بالنسبة لما لم يعمل به، فإذا أتى بالصلاة فقد حاز مرتبة من مراتب الإيمان، وإذا تركها فقد تنزل لمرتبة من مراتب الكفر، وهكذا بقيّة الواجبات والمحرمات، بل المستحبات والمكروهات فعلاً وتركاً، ولكل مرتبة حكم في الفقه.

ثم إن كلّ مرتبة من مراتب الإيمان توجب طهارة باطنية، كما أنّ كلّ مرتبة من مراتب الكفر توجب نجاسة باطنية؛ ولذا كان الإيمان مقرّراً من قِبل الله عزوجل أن يطهّر من الشرك، الذي هو نوع من الكفر؛ فإن ترك ما افترضه الله تعالى وفعل ما نهى عنه يوجب إشراك الشيطان بالله سبحانه في العبادة؛ لأن مخالفة الله سبحانه عبادة للشيطان، قال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(1)، كما أنّ من جاء بالعبادة رياء أو سمعة فإنه مشرك، كما تأتي الإشارة إليه في الباب الحادي عشر من هذه الأبواب؛ وذلك لأنّ الشرك رجس، وأنّ كلّ المعاصي والآثام منشؤها البعد عن اللَّه تعالى، والسير في ركاب الشيطان، فلابدّ للإنسان من أن يطهّر نفسه من الأرجاس، ولا يتمّ ذلك إلّا بالإيمان.

وشرّعت الصلاة تنزيهاً عن الكبر؛ فإنّ الصلاة بأجزائها خضوع للَّه تعالى،

ص: 163


1- يس: الآيتان 60 و61.

كما أنها إقرار بالفقر؛ لما فيها من تعظيم لله سبحانه والخشوع بين يديه والحاجة إليه تعالى. فالصلاة وضعت لأجل أن تطوّع النفس الأمارة، التي هي مبدأ صفة الكبر؛ فلذا كان من غايات الصلاة تنزيه النفس عن الكبر. وشرّعت الزكاة زيادة في الرّزق، وفي بعض النسخ: «تزكية للنفس، ونماءً في الرّزق»؛ فإنّ الإنسان إذا أدّى حقّ الزكاة طهّر نفسه من البخل، وحبّ الدنيا، وكان ذلك سبباً في نماء المال وزيادته، بما يجعل اللَّه سبحانه فيه من الخير والبركة، على خلاف ما يتصوّر الناس من أنّه ينقص، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1).

وشرّع الصوم تثبيتاً للإخلاص؛ فإنّ الصوم أمر غير ظاهر، ولا محسوس؛ وقد ورد في الحديث: «الصوم لي، وأنا أجزي به»(2)، ولا مجال فيه للرّياء، وذلك هو الإخلاص.

وشرّع الحجّ تسنية أي توضيحاً وتشييداً وتقوية للدين؛ لأنّ فيه إعلاء لكلمة الدين، وإظهاراً لأوامره، وقد اجتمع فيه جميع العبادات المختلفة، مع ما يتضمّن من المنافع الدنيويّة والأخروية؛ ولذلك ورد عن الصادق (علیه السلام) : «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(3).

ص: 164


1- التوبة: الآية 103.
2- تهذيب الأحكام 4 : 152، باب فرض الصيام، ح 3.
3- الكافي 4 : 271 ، باب أنّه لو تُرِك الحج لجاءهم العذاب، ح 4.

وشرّع الجهاد لإظهار عزّ الإسلام؛ فإنّ فيه إظهار قوّة الإسلام وقدرته.

وشرّع الأمر بالمعروف مصلحة للعامة في دنياهم وآخرتهم؛ فإنّ فيه إجراء تعاليم اللَّه تعالى، وإرساء قواعد الدين، وإحياء السنن والأحكام، وبه يعيش جميع الناس بالأمن والأمان؛ وإنّما خصّت÷ العامة بالذكر لأنهم الأغلبية، ومن عداهم هم إما العلماء العاملون به أو الولاة الملتزمون بالأمر بالمعروف العاملون به.

وقد ذكرت صلوات اللَّه عليها أموراً أخرى، وبيّنت حكمها، وأسرارها: كالعدل؛ فإنّه موجب لاطمئنان النفوس واستقرار القلوب، والطاعة؛ فإنّها توجب إحكام النظام، والإمامة؛ فإنّها توجب جمع الكلمة على الحقّ، وعدم التفرّق، وهي الحبل الذي أمر الناس بالاعتصام به؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا...}(1)، وغيرها من الأمور الكثيرة التي اشتملت عليها هذه الخطبة الجليلة.

ثمّ إنّ هذه الخطبة ألقتها الصدّيقة الشهيدة÷ في مسجد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، لمّا أجمع القوم على منعها حقّها، فخرجت تطالب بحقّها، وكان غرضها الأساس هو الدفاع عن الإمامة، والمطالبة بحقّ أمير المؤمنين (علیه السلام) في ولاية الأمر، كما أمر اللَّه رسوله، وإلّا فما كانت فدك أو الميراث ذات أهمّيّة عندها سلام اللَّه عليها. ومن هنا يبدو جليّاً مدى أهمّيّة الإمامة؛ فإنّها الباب الذي يؤتى منه إلى اللَّه تعالى، ومع ذلك فإنّ الصدّيقة الزهراء÷ أقامت

ص: 165


1- آل عمران: الآية 103.

الحجّة على القوم، فأظهرت مظلوميّتها، مع عدم الحاجة إلى ذلك؛ فإنّها المعصومة التي يرضى اللَّه لرضاها، ويغضب لغضبها، ولكن من أجل إقامة الحجّة، وبيان فضاعة ما ارتكبه القوم من هضمها حقّها، والاتّفاق على جفائها؛ عناداً وحقداً منهم لها ولبعلها (علیه السلام) .

والحاصل: أنّ هذه الخطبة عميقة الغور، بعيدة المدى، وتعدُّ من الأسرار.

سند الحديث:

وردت الخطبة الشريفة بعدّة طرق، ذكر صاحب «الوسائل» طريقين منها، وأشار إلى بقيّة الطرق، وذكر صاحب «جامع الأحاديث»(1) طريقين آخرين منها.

توثیق محمّد بن موسى المتوكل

أما السند الأوّل:

فهو ما عن محمّد بن موسى المتوكل: وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه(2)، وهو أمارة على التوثيق، كما حقّقنا ذلك في محلّه(3)، والظاهر منه اعتماده عليه. مضافاً إلى أنّ ابن طاووس ذكر في «فلاح السائل» اتّفاق

ص: 166


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 631 ، ح1122.
2- علل الشرائع 2 : 441، باب 185، ح 1. وكذا في طريق الصدوق في «المشيخة» إلى الحسن بن زياد الصيقل.
3- أصول علم الرجال 2 : 317.

الأصحاب على وثاقته(1) .

وأمّا عليّ بن الحسين السعدآبادي: فهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»، فيحكم بوثاقته(2)

وأمّا أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا إسماعيل بن مهران: فقال النجاشي فيه: «إسماعيل بن مهران بن أبي نصر، السكوني...، ثقة، معتمد عليه»(3)

وذكر نحوه الشيخ(4)

وقال الكشّي: «حدّثني محمّد بن مسعود، قال: سألت عليّ بن الحسن عن إسماعيل بن مهران، قال: رمي بالغلو. قال محمّد بن مسعود: ويكذبون عليه، وكان تقيّاً، ثقة، خيّراً، فاضلاً»(5)

وورد في «تفسير القمّي»(6) ، وعليه فلا إشكال في وثاقته.

وأمّا أحمد بن محمّد بن جابر: فلم يذكر فيه شي ء.

وأمّا السيدة الطاهرة زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) : فهي أجلّ قدراً،

ص: 167


1- فلاح السائل: 158، الفصل التاسع عشر.
2- أصول علم الرجال 1 : 325، وكامل الزيارات: 216، باب 36، ح314.
3- رجال النجاشي: 26/49.
4- فهرست الطوسي: 46/32.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 854/1102.
6- أصول علم الرجال 1 : 277 .

وأرفع شأناً، من أن توفي حقّها ألسنة المدح والثناء والتوثيق، ولا غرو؛ فإنّها عقيلة بيت النبوّة وربيبة الإمامة.

سند الصدوق إلی سلیمان بن الخالد

وأمّا السند الثاني: فقد رواه الصدوق بإسناده، عن إسماعيل بن مهران. وسند الصدوق في «المشيخة» هو: ما كان فيه عن إسماعيل بن مهران - من كلام فاطمة÷- فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكل(رضی الله عنه)، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران، عن أحمد بن محمّد الخزاعي، عن محمّد بن جابر، عن عباد العامري، عن زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) ، عن فاطمة÷(1).

وفي نسخة: محمّد بن جابر بن عياذ العامري، وفي «الجامع»: أحمد بن محمّد، عن جابر، عن زينب÷.

ورجال السند إلى أحمد بن محمّد الخزاعي قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا أحمد، فهو بهذا العنوان يحتمل انطباقه على شخصين: أحدهما: أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن ثابت بن عثمان بن منصور بن يزيد الخزاعي الذي ذكره في تهذيب الكمال، وقال: «قال النسائي: ثقة»(2)، ووثقه العجلي، وابن حبان، وابن عساكر، والذهبي، وغيرهم(3).

ص: 168


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 531، المشيخة.
2- تهذيب الكمال 1 : 435.
3- تهذيب التهذيب 1 : 62، وتذكرة الحفاظ 2 : 464، ومعرفة الثقات 1 : 192، والثقات لابن حبان 8 : 13، سير أعلام النبلاء 11 : 7.

والآخر: أبو جعفر أحمد بن محمّد بن زيد الخزاعي الذي عده الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) وقال: يكنّى أبا جعفر، روى عنه حميد أصولاً كثيرة، ومات سنة اثنتين وستين ومائتين، وصلى عليه الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي(1).

وأمّا محمّد بن جابر: فالظاهر أنّه: محمّد بن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، قال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق»(2)، وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات»(3)، واحتمل في «القاموس»: أنّه محمّد بن جابر الجعفي اليماني(4)

وأمّا جابر: فهو من الصحابة الأجلّاء، عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، والحسنين (علیهما السلام) ، والسجاد والباقر (علیهما السلام) (5)

وقد أورد الكشّي في مدحه روايات كثيرة، من غير أن يورد ما يخالفها(6) .

وقد قال الفضل بن شاذان: «إنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير

ص: 169


1- رجال الطوسي: 408/5942.
2- تقريب التهذيب 2 : 61.
3- الثقات لابن حبان 5 : 354.
4- قاموس الرجال 9 : 149.
5- رجال الطوسي: 31/134 ، و 59/498 ، و93/93 ، و99/964، و111/1087 و129/1311.
6- اختيار معرفة الرجال 1 : 209 - 237 .

المؤمنين (علیه السلام) »(1)

وقال ابن عقدة: «إنّ جابر بن عبد اللَّه منقطع إلى أهل البيت (علیهم السلام) »(2).

وهو من جملة من لم يرتدّوا بعد قتل الحسين (علیه السلام) (3) .

وعليه فلا إشكال ولا ريب في جلالته (رضي اللَّه عنه).

وأمّا عبّاد العامري أو محمّد بن جابر بن عياذ العامري: فلم نجد له ذكراً في كتب الرجال.

وأمّا السند الثالث: فهو أيضاً عن الصدوق في «العلل» حيث قال: أخبرني عليّ بن حاتم، قال: حدّثنا محمّد بن أسلم، قال: حدّثني عبد الجليل الباقطاني (الباقلّاني)، قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب، قال: حدّثني عبد اللَّه بن محمّد العلوي، عن رجال من أهل البيت، عن زينب بنت علي (علیه السلام) .

أمّا عليّ بن حاتم: فهو عليّ بن أبي سهل بن أبي حاتم القزويني، قال النجاشي في حقّه: «ثقة من أصحابنا في نفسه، يروي عن الضعفاء، سمع فأكثر»(4)

ص: 170


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 181 - 182/78 .
2- خلاصة الأقوال: 94.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 338/194.
4- رجال النجاشي: 263/688.

وقال الشيخ: « رضي اللَّه عنه، له كتب كثيرة، جيّدة معتمدة»(1)

، وقال أيضاً: «يكنّى أبا الحسن، ثقة، له تصانيف»(2)

مضافاً إلى أنّه من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(3)

وأمّا محمّد بن أسلم: فهو مشترك بين أربعة أشخاص، والمعروف منهم ثلاثة، وهم:

1 - محمّد بن أسلم الجبلي: من أصحاب الرضا (علیه السلام) . ويروي عنه الصدوق بثلاثة وسائط، ولم يرد فيه توثيق، وهو غير مقصود هنا؛ لأنّ بينه وبين الصدوق واسطة واحدة.

2 - محمّد بن أسلم بن العلاء الهمداني: من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وهو متقدّم كثيراً من حيث الطبقة، فليس هو المقصود أيضاً.

3 - محمّد بن أسلم الطوسي: الراوي لحديث السلسلة الذهبيّة؛ ولذلك عدّ من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وعليه فهو كالأوّل(4)

والحاصل: أنّ محمّد بن أسلم الواقع في السند غير معلومٍ.

وأمّا عبد الجليل الباقلاني: فهو مجهول، ولعلّ ما في «الجامع» من أنّه

ص: 171


1- فهرست الطوسي: 163/163.
2- رجال الطوسي: 432/6190.
3- كامل الزيارات: 431، باب 82، ح661.
4- معجم رجال الحديث 16 : 88 /10258.

الباقطاني تصحيف(1)

وأمّا الحسن بن موسى الخشاب: فهو من الأجلاّء، قال النجاشي فيه: «من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم والحديث»(2) .

مضافاً إلى وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(3)

وأما عبد اللَّه بن محمّد العلوي، فهو مشترك بين شخصين، وهما:

1 - عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن الحسين: أحد أولاد الإمام الباقر (علیه السلام) ، وترضّى عليه الشيخ المفيد، وقال: «يشار إليه بالفضل والصلاح»(4)

2 - عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن جعفر: والظاهر انطباقه على الأوّل.

وأمّا رجال من أهل البيت: ففيه إشارة إلى أنّ الرواة كثيرون، وهم من أهل البيت (علیهم السلام) ، فيمكن الاعتبار لذلك.

والحاصل: أنّ هذا الطريق ضعيف بشخصين، هما: محمّد بن أسلم، والباقلّاني.

وأمّا السند الرابع: فهو - أيضاً - عن الصدوق في «العلل»، حيث قال:

ص: 172


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 633، ذيل ح1122.
2- رجال النجاشي: 42/85.
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .
4- الإرشاد 2 : 176.

أخبرني عليّ بن حاتم أيضاً، عن محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم المصري، قال: حدّثني هارون بن يحيى الناشب، قال: حدّثني عبيد اللَّه بن موسى العبسي، عن عبيد اللَّه بن موسى العمري، عن حفص الأحمر، عن زيد بن علي، عن عمّته زينب بنت علي (علیه السلام) .

أمّا عليّ بن حاتم: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا محمّد بن أبي عمير: فيبعد أن يكون هو المعروف والمشهور؛ فإنّ ابن حاتم من مشايخ الصدوق، فلا يمكن روايته عن محمّد بن أبي عمير بلا واسطة، إلّا أن تكون الواسطة ساقطة، أو يكون محمّد شخصاً آخر.

وأمّا محمّد بن عمارة: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن عمارة الذهلي: وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق، ولا يمكن رواية الصدوق عنه بواسطتين.

2 - محمّد بن عمارة بن الأشعث: وهو من أصحاب الرضا (علیه السلام) (2)،

ولم يرد فيه توثيق، ويبعد رواية الصدوق عنه بواسطتين.

3 - محمّد بن عمارة بن ذكوان الكلابي الجعفري: وهو من أصحاب

ص: 173


1- رجال الطوسي: 289/4214. هذا بناء على نسخة «عمارة» دون نسخة «عمار».
2- المصدر نفسه: 365/ 5409.

الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق، ويأتي فيه ما تقدّم.

والحاصل: أنّ محمّد بن عمارة في هذه الطبقة مجهول.

وأمّا محمّد بن إبراهيم المصري: فلم نجد له ذكراً في كتب الرجال.

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى العبسي: فقد عدّ من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق، ولكن عن يحيى بن معين: «ثقة»، وعن أبي حاتم: «صدوق، ثقة، حسن الحديث»، وعن العجلي: «ثقة، وكان عالماً بالقرآن، رأساً فيه»(2)،

وذكره العقيلي في «الضعفاء»(3) وقال ابن سعد: «كان ثقة، صدوقاً إن شاء اللَّه، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيّع، ويروي أحاديث في التشيّع منكرة؛ فضعّف بذلك عند كثير من الناس، وكان صاحب قرآن»(4)،

وذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات»(5)، وقال ابن حجر في «التقريب»: «ثقة، كان يتشيّع»(6)

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى العمري - وفي بعض النسخ: المعمري - وحفص الأحمر: فهما مجهولان.

ص: 174


1- رجال الطوسي: 290/ 4233.
2- أنظر: تهذيب الكمال 19 : 167 - 170.
3- ضعفاء العقيلي 3 : 127 .
4- أنظر: تهذيب التهذيب 7 : 48.
5- الثقات لابن حبان 7 : 152.
6- تقريب التهذيب 1 : 640.

وأما زيد بن علي (علیه السلام) : فإنّه من الأجلّاء، وقد وردت فيه عدّة روايات مادحة:

منها: ما روي عن الصادق (علیه السلام) ، أنّه قال - بعد شهادته - : «رحمه اللَّه، أما إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً. أما إنّه لو ظفر لوفى. أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها...»(1)،

وغيرها من الروايات.

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) : «ولمّا قتل بلغ ذلك من أبي عبد اللَّه (علیه السلام) كلّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً، حتّى بان عليه، وفرّق من ماله في عيال من أصيب معه في أصحابه ألف دينار»(2).

وعليه فلا إشكال في جلالة قدره، وعظم منزلته.

والحاصل: أنّ هذا الطريق يشتمل على خمسة من المجاهيل.

إلّا أنّ هذه الخطبة الشريفة تعدّ من محاسن الخطب وبدائعها، ورواها الخاصّة والعامّة بأسانيد كثيرة(3) ، حتّى روي: أنّ مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم، ويعلّمونها أبناءهم(4) وعليه فهي من الخطب المشهورة.

ص: 175


1- شرح الأخبار 3 : 287 ، واختيار معرفة الرجال 2 : 570.
2- الإرشاد 2 : 173.
3- راجع على سبيل المثال: بلاغات النساء لابن أبي طيفور: 16، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 211 – 213، ومنال الطالب لابن الأثير الجزري: 501 – 507 ، وتذكرة الخواص لابن الجوزي: 317، ومقتل الحسين (علیه السلام) للخطيب الخوارزمي 1 : ،77 وجواهر المطالب للباعوني الشافعي 1 : 155 - 164.
4- شرح نهج البلاغة 16 : 252.

[23] 23 - وَعَنْ عليّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عليّ الْعَبْدِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم):

«جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، الإِسْلامُ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لا سَهْمَ لَهُ فِيهَا، أَوَّلُهَا: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ، وَالثَّانِيَةُ: الصَّلاةُ، وَهِيَ الطُّهْرُ، وَالثَّالِثَةُ: الزَّكَاةُ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ، وَالرَّابِعَةُ: الصَّوْمُ، وَهُوَ الْجُنَّةُ، وَالْخَامِسَةُ: الْحَجُّ، وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالسَّادِسَةُ: الْجِهَادُ، وَهُوَ الْعِزُّ، وَالسَّابِعَةُ: الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْوَفَاءُ، وَالثَّامِنَةُ: النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَالتَّاسِعَةُ: الْجَمَاعَةُ، وَهِيَ الأُلْفَةُ، وَالْعَاشِرَةُ: الطَّاعَةُ، وَهِيَ الْعِصْمَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[23] - فقه الحديث:

إنّ لهذا الحديث ذيلاً لم يذكره صاحب «الوسائل»، واكتفى بموضع الشاهد منه(2) ، وهو يدلّ على أنّ هناك عشرة أمور، هي أهمّ ما في الإسلام،

ص: 176


1- علل الشرائع 1 : 249، ح 5، ويأتي مثله في الحديث 32 من هذا الباب.
2- وذيله كما في علل الشرايع 1 : 249، ب182 ، ح 5: «قال حبيبي جبرئيل: إنّ مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة، الإيمان أصلها، والصلاة عروقها، والزكاة ماؤها، والصوم سعفها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن المحارم ثمرها، فلا تكمل الشجرة إلّا بالثمرة، كذلك الإيمان لا يكمل إلّا بالكف عن المحارم».

مع ذكر حكمة التشريع لكل منها، بل إنّ صدر الحديث «الإسلام عشرة أسهم» يدلّ على أنّ هذه العشرة جامعة لتعاليم الإسلام، وأنّ ما عدا هذه العشرة داخل فيها:

أوّلها: الشهادة بالتوحيد، وهي: لا إله إلّا اللَّه، وهي الكلمة، والكلمة في اللغة: لفظ دالّ على معنى، سواء كان تامّاً أو غير تام. وقد تطلق على غير اللفظ، ممّا ينبى ء عن شي ء معيّن، وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى كثيراً. وعليه فقد يراد من الكلمة المعنى الحقيقي، وهو الشهادة للَّه بالوحدانيّة، وهي لا إله إلّا اللَّه؛ فإنّ كلّ ما في الوجود يرجع إلى هذه الكلمة؛ فإنّ الوجود الحقيقي في هذا العالم إنّما هو للَّه تعالى وحده، وكل ما سواه يرجع إليه تعالى، فلا معبود يستحقّ الوجود إلّا هو تعالى، وما عداه فوجوده بالغير.

ويؤيّد ذلك أنّه ورد أنّها أعظم كلمة(1)، وهي الكلمة العليا(2). وبهذه الكلمة يخرج الإنسان عن الكفر، ويدخل في حظيرة الإسلام؛ كما قد ورد في بعض الروايات: أنّها الحصن الذي من دخله أمن من العذاب - كما في حديث السلسلة الذهبيّة، المروي عن الإمام الرضا (علیه السلام) ، يوم ورد نيشابور - ولكن بشروطها(3)؛ فإن هذه الكلمة تستلزم الشهادة بالرسالة، كما أنّها تستتبع الولاية.

ص: 177


1- مستدرك الوسائل 5 : 365، ح6099.
2- الصراط المستقيم 2 : 225، ب11، فصل1.
3- غوالي اللئالي 4 : 94، ح134، والأمالي للشيخ الصدوق: 306. وثواب الأعمال للشيخ الصدوق: 6.

ويمكن أن يكون المراد بالكلمة: كلمة التقوى؛ بناء على كون اللام عهديّة. ويمكن أن يكون المراد بها: كلمة اللَّه التي هي العليا، والمقصود بها: ما ينبى ء عن معنى، كما ورد أنّ المسيح (علیه السلام) كلمة اللَّه(1)، الذي ينبى ء عن عظمة اللَّه وقدرته، وكذا ورد عنهم (علیهم السلام) : «نحن الكلمات التامات»(2)؛ حيث إنّهم المظهر الأتمّ لصفاته، فهم أتمّ الكلمات، وأجلى المظاهر.

وثانيها: الصلاة، وعبّر عنها بالطهر؛ فإنّ الصلاة من أهم الفرائض، بل هي عمود الدين، وقد اختلفت الروايات في بيان حكمة الصلاة، فقد جاء في الرواية السابقة في خطبة الزهراء÷: أنها شرّعت تنزيهاً عن الكبر؛ لاشتمالها على مثل: الخشوع، والخضوع، وتعفير الجبين - وهو أعلى ما في الإنسان - وإرغام الأنف، وغير ذلك من حالات التذلّل. وسيأتي في الحديث الثاني والثلاثين: أنّ الصلاة هي الفريضة، وورد في القرآن الكريم: أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر(3)، وغيرها من الوجوه. ولا تنافي بينها؛ فإنّ جميع هذه المعاني تستوجب استقامة الإنسان باطناً وظاهراً، وذلك هو معنى الطهر. فالمراد من الطهر: ما هو الأعمّ من الطهر الواقعي المعنوي، ومن الطهر الظاهري. وقد ورد في عدّة من الروايات: أنّ الصلاة ثلثها طهور، وفي بعضها تشبيه الصلاة بالنهر الجاري الذي يكون على باب الدار، يغتسل منه الإنسان

ص: 178


1- مشكاة الأنوار: 277، الفصل1 فيما جاء في الصبر على المصائب.
2- تأويل الآيات: 433 .
3- العنكبوت، الآية 45.

في اليوم والليلة خمس مرات، فلا يبقى على بدنه درن(1)، وهكذا الصلاة؛ فإنّها لا تبقي شيئاً من الرذائل المعنويّة، بل والظاهريّة، وهو المعنى العام الذي ذكرناه.

وثالثها: الزكاة، وعبّر عنها بالفطرة، ومعنى الفطرة الخلقة، وسيأتي في الحديث المشار إليه: أنّها المطهرة، ولا تنافي بين المعنيين؛ فإنّ الزكاة موجبة للتطهير، كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}(2)،

والتطهير هو: إزالة جميع الأدران والخبائث، وتنقية النفس وتزكيتها، وهذا هو معنى الفطرة؛ فإنّها كون الشي ء على طبيعته الأولى التي لا كدر فيها.

ورابعها: الصوم، وعبّر عنه بالجُنّة، أي: الوقاية، وهو العبادة التي هي أبعد ما تكون عن الرِّياء؛ ولذلك ورد في بعض الروايات: «الصوم لي، وأنا أجزي به»(3)

، فالصوم وقاية من النار.

وخامسها: الحجّ، وفي أكثر الروايات ورد تقديم الصوم عليه، كما هنا، وقد عبّر عنه بالشريعة، أي: الدين، وعبادة الحجّ هي المظهرة للدين، وتشييده، وبيان عظمته؛ فإنّها عبادة جامعة تتجلّى فيها عظمة الإسلام،

ص: 179


1- بحار الأنوار 79 : 148 و 150 و 160، كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة...، ح40 و 45 و66.
2- التوبة، الآية 103.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 75، باب فضل الصيام، ح 1773.

وتعاليمه، وقد مرّ في الأحاديث السابقة: أنّ الحجّ تشييد للدين، وفي ثانٍ: تثبيت للدين، وفي ثالثٍ: تسنية للدين، أي: السناء بمعنى الظهور.

وسادسها: الجهاد، وهو عزّ للإسلام، وبيان لقوّته. وقد ورد عين هذا التعبير في الحديث السابق.

وسابعها: الأمر بالمعروف، وهو الوفاء، أي: توفية الأحكام والتعاليم؛ لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1) ، أو هو من الوفاء للدِّين، وبيان أحكامه، وحمل الناس على تطبيقه؛ لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} ،(2) الآية.

وثامنها: النهي عن المنكر، وهو الحجّة؛ وذلك لأنّ من يأتي بما يخالف الدين لا حجّة له على ما يأتي به؛ فإنّ من ينهاه عن المخالفة هو الذي له الحجّة عليه، أو أنّ المراد: أنّ اللَّه تعالى جعله حجّة على العباد، فلا يتهاونون بالقيام بهذه الوظيفة العظيمة التي يترتب عليها ارتفاع المفاسد من بين الناس، فتصلح البلاد والعباد، وقد ورد الأمر والحثّ عليه في الآيات(3)

ص: 180


1- التوبة، الآية 71.
2- آل عمران، الآية 110.
3- الآيات (104) من آل عمران، و (63) و (79) من المائدة، و (116) من هود، و (41) من الحج، و (17) من لقمان، و (6) من التحريم.

والروايات(1)، وأنّه من موجبات استجابة الدعاء(2)، وأنّ تركه موجب لتسلّط الظالمين على العباد(3).

وتاسعها: الجماعة، وعبّر عنها بالألفة، ولم تذكر في الحديث السابق، وفيها احتمالات، الظاهر منها الجماعة في الصلاة، وقد أكّد في الروايات على حضورها(4)، حتّى أنّ بعض المحدِّثين ذهب إلى القول بوجوب الحضور في صلاة الجماعة(5)، وقد ورد: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) همّ بإحراق بيوت أقوام كانوا لا يحضرون الجماعة(6)، على أنّ الجماعة قد تكون واجبة في بعض الحالات، كما في صلاة الجمعة؛ فإنّها لا تصحّ إلّا جماعة، وفي صلاة العيدين في زمان الحضور.

والجماعة توجب الألفة، وهي من الجمع والتقريب بين النفوس والقلوب، وعدم الحضور يوجب النفرة وتباعد القلوب؛ والشاهد على ذلك: أنّه ورد في آداب وأحكام صلاة الجماعة: استحباب تسوية الصفوف وسدّ

ص: 181


1- راجع: بحار الأنوار 97 : 50، باب 1 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- المصدر نفسه: 56 و 62 و 63 و 66، الأحاديث:30 و60 و61 و 68 و 90، وأمالي الطوسي: 523 و 670، المجلس18، ح1157، والمجلس36 ،ح1408.
3- راجع المصدرين السابقين.
4- بحار الأنوار 85 : 5، باب فضل الجماعة.
5- انظر: بحار الأنوار 85 : 16، ثواب صلاة الجماعة، ح29.
6- بحار الأنوار 85 : 9، باب فضل الجماعة، ح11، وأمالي الصدوق : 392، المجلس73، ح14.

الفُرَج(1)؛ وعلّل في بعض الروايات: بأنّ ذلك يمنع دخول الشيطان(2).

وعاشرها: الطاعة، وهي العصمة، وقد مرّ أنّ المراد بها طاعة وليّ الأمر، وهو الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن بعده الإمام (علیه السلام) ؛ فإنّ طاعته توجب العصمة من الاختلاف والتشتّت، كما قالت الصدّيقة الزهراء÷: «والطاعة نظاماً للملّة»(3).

سند الحديث:

إنّ بين ما ذكره صاحب «الوسائل» والمصدر اختلافاً في موردين، وهما:

الأوّل: جاء في المصدر: مَعْمَر، عن قتادة، وفي «الوسائل»: مَعْمَر بن قتادة، وهو من غلط النساخ.

الثاني: أنّ في المصدر: أنس بن مالك، مع أنّ المذكور في «الوسائل»: أنس.

والحاصل: أنّ عليّ بن حاتم قد تقدّم ذكره.

وأمّا أحمد بن عليّ العبدي والحسن بن إبراهيم الهاشمي وإسحاق بن إبراهيم، فهم مجهولون.

وأمّا عبد الرزاق بن همام، فهو اليماني، وهو من أصحاب الباقر

ص: 182


1- وسائل الشيعة 8 : 422، باب 70 من ابواب صلاة الجماعة.
2- المصدر نفسه، ح4.
3- من لا يحضره الفقيه 3 : 568، ح4943.

والصادق (علیهما السلام) ، وهو أحد أعلام الشيعة. وفي رجال النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي، حيث نقل عن هارون بن موسى، عن محمّد بن همام، عن أحمد بن مابنداذ، عن أبيه: أنّه لم يرَ أحداً مثل عبد الرزاق بن همام في العلم، ولا نظير له في العصر، وأنّه قد تشيّع على يده، وجعله حجّة بينه وبين اللَّه، في حكاية طويلة. فهذه الحكاية، يظهر منها جلالة قدره، ورفعة شأنه(1).

وقال ابن حجر فيه: «ثقة، حافظ، مصنّف، شهير، عمي في آخر عمره فتغيّر، وكان يتشيّع من التاسعة»(2).

وتوثيق ابن حجر وإن كان لا يفيد، ولم يرد تصريح بوثاقته من غيره، إلّا أنّ ما ذكره النجاشي كافٍ؛ فإنّه لا يقصر عن حسنٍ موجب لحجّية خبره، كما في «المعجم»(3).

ولكنه صاحب أحد الكتب المشهورة من كتب العامّة، وهو كتاب «المصنَّف». ورمي عند علماء العامّة بالتشيّع، وقد نقل جماعة منهم ذلك، وقالوا: بل كان يحب عليّاً (علیه السلام) ، ويبغض من قاتله، كما هو مذكور في ترجمته في مقدّمة كتابه، يروي عنه إسحاق بن إبراهيم، ويروي هو عن

ص: 183


1- رجال النجاشي: 379 - 380/1032 .
2- تقريب التهذيب 1 : 599. وقال عنه في مقدمة فتح الباري: «أحد الحفاظ الأثبات، صاحب التصانيف، وثّقه الأئمّة كلهم، إلّا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده، فتكلم بكلام أفرط فيه، ولم يوافقه عليه أحد... الخ». (مقدمة فتح الباري: 418).
3- معجم رجال الحديث 11 : 15/6504.

مَعْمَر، ويكثر عنه، وله كتاب بعنوان «الجامع» بروايته عن مَعْمَر(1)

وأمّا مَعْمَر بن قتادة: فلم يذكر في الرجال.

وأمّا بناء على ما في «العلل» - من أنّه معمر عن قتادة - فمَعْمَر وإن كان مشتركاً بين أكثر من خمسة وعشرين شخصاً، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد هو مَعْمَر بن راشد؛ بقرينة الراوي عنه، ولم يرد فيه توثيق.

نعم، ورد في رجال العامّة(2) وثاقته عن جلّهم، بل عن أبي حاتم: «انتهى الإسناد إلى ستّة نفر، أدركهم مَعْمَر، وكتب عنهم، لا أعلم اجتمع لأحد غير معمر»(3) .

وأمّا قَتَادَة، فهو مشترك أيضاً بين ثلاثة أشخاص. والظاهر أنّ المراد به: قتادة بن دِعَامَة؛ بقرينة روايته عن أنس. ولم يرد فيه توثيق.

وقد ذكر في أحواله: أنّه من فقهاء العامّة، بل فقيه أهل البصرة، وأجمعوا على وثاقته، بل قيل: إنّه أحفظ الناس في زمانه(4). وقيل: إنّه كان محبّاً لأهل البيت (علیهم السلام) (5) .

ص: 184


1- راجع تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 364، والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني 10 : 379 وما بعدها.
2- راجع: تهذيب التهذيب 8 : 282/ 7087.
3- تهذيب الكمال 28 : 306.
4- المصدر نفسه 23 : 507.
5- الكافي 6 : 256، باب ما ينتفع به من الميتة، ح1 .

بحث رجالي في أنس بن مالك

وأمّا أنس بن مالك، فهو مشهور بانحرافه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد كتم الشهادة عن بيعة الغدير، فأصابه البرص في الحال، وكان قد حجب أمير المؤمنين (علیه السلام) عن الدخول على رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) ليأكل معه الطير المشويّ، كما في الرواية المشهورة(1)، وقد ورد في رواية عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : «ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة»(2) ، وقد اعترف هو بأنّه إنّما أصابه البرص لكتمانه الشهادة(3)

هذا، وقد ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(4) ، وذلك ممّا يدلّ على اعتباره ووثاقته.

ويمكن الجمع بين التوثيق والتضعيف: بأنّه وإن كان منحرفاً أوّلاً، ولكنّه ندم وتاب على كتمانه الشهادة لأمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد حلف أن لا يكتم منقبة بعد ذلك، بل روى عدّة روايات في فضائل الأئمّة (علیهم السلام) ، وفيها إشارة إلى إمامتهم.

وأمّا الرواية الدالّة على أنّه من الكذّابين فهي ضعيفة السند؛ فبناء على ذلك يمكن القول بوثاقته في الحديث، ومع ذلك فهو مورد للتأمّل.

ص: 185


1- أمالي الصدوق: 753، المجلس 94، ح1012.
2- الخصال: 190، باب الثلاثة، ح 263.
3- معجم رجال الحديث 4 : 149/1566.
4- أصول علم الرجال 1 : 214 .

وقد يقال: إنّ المراد به شخص آخر، وقد ذكر في أصحاب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو أنس بن مالك الكعبي القشيري.

وفيه: أنّ المشهور والمعروف هو أنس بن مالك، خادم الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، وأمّا أنس بن مالك الكعبي، فلم يروِ إلّا رواية واحدة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، فمن البعيد جدّاً أن يكون هو المراد.

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف السند بعدّة مجاهيل. ولكن سيأتي حديث معتبر بنفس هذا المضمون، وهو الحديث الثاني والثلاثون.

ص: 186

[24] 24 - وَفِي «الْخِصَالِ»: عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، جَمِيعاً، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَجُعِلَ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا رُخْصَةٌ، وَلَمْ يُجْعَلْ فِي الْوَلايَةِ رُخْصَةٌ؛ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً صلّى قَاعِداً، وَأَفْطَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ، صَحِيحاً كَانَ أَوْ مَرِيضاً، أَوْ ذَا مَالٍ أَوْ لا مَالَ لَهُ، فَهِيَ لازِمَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[24] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدلّ على أنّ الخمسة من دعائم الدين وأركانه. وفي هذا دلالة على أهمّيّة الولاية، غير ما تقدّم ذكره؛ حيث تقدّمت خمسة وجوه تدلّ على أهمّيّة الولاية، وفي هذا الحديث ذُكر وجه سادس، فالوجوه الستة هي كما يلي:

الأوّل: أنّه لم يناد بشي ء مثل ما نودي بالولاية.

الثاني: أنّ الولاية مفتاح الأعمال.

ص: 187


1- الخصال: 278 ، باب الخمسة، ح 21.

الثالث: أنّ الوالي هو الدليل على ما سواها.

الرابع: أنّ قبول الأعمال منوط بالولاية.

الخامس: أنّ الولاية من دعائم الدين.

السادس: ما في هذا الحديث، وهو: أن لا رخصة في أمر الولاية أبداً؛ فإنّ الإنسان قد يعذر في صومه، كما إذا كان مريضاً، فيسقط عنه، وقد يكون لا مال له فلا زكاة عليه، ولا حجّ، وقد يعذر عن الصلاة الاختياريّة، ويجزيه أن يأتي بإحدى مراتبها الاضطرارية، كالصلاة قاعداً، أو مستلقياً، أو إيماءً. وأمّا الولاية فلا عذر فيها، ولا مجال لاستبدالها بشي ء آخر، أو سقوطها؛ ومن ذلك يعلم أهمّيّة الولاية على سائر الفرائض على الإطلاق.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن الحسن: فهو ابن الوليد، قال النجاشي في حقّه: «أبو جعفر، شيخ القمّيين، وفقيههم، ومتقدّمهم، ووجههم، ويقال: إنّه نزيل قم، وما كان أصله منها، ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه»(1)

وقال الشيخ: «جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به»(2) ، وقال في«رجاله» عنه: «جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة»(3)

ص: 188


1- رجال النجاشي: 383/1024.
2- فهرست الطوسي: 237/709.
3- رجال الطوسي: 439/6273.

وهو أحد مشايخ الصدوق، و قد ترضّى عنه، وقال فيه: «كل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ - قدّس اللَّه روحه - ولم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك، غير صحيح»(1)،

وقد تبع الصدوق شيخه في استثنائه من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى(2)

، وهو أحد مشايخ ابن قولويه(3).

وأمّا سعد بن عبد اللَّه، وأحمد بن محمّد بن عيسى، فقد تقدّم ذكرهما.

وأمّا القاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطين: فقال النجاشي فيه: «كان ضعيفاً على ما ذكره ابن الوليد»(4)، وقال الشيخ: «يرمى بالغلو»(5) .

وقال ابن الغضائري: «حديثه نعرفه وننكره، ذكر القمّيون: أنّ في مذهبه ارتفاعاً، والأغلب عليه الخير»(6).

وقد وردت في حقّه روايات تدلّ على زندقته وذمّه:

منها: ما ذكره أحمد بن محمّد بن عيسى من تأويله الصلاة برجل، والزكاة كذلك، فكتب (علیه السلام) : «ليس هذا من ديننا، فاعتزله»(7).

ومنها: ما عن العسكري (علیه السلام) : «لعن اللَّه القاسم اليقطيني، ولعن اللَّه

ص: 189


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 90 - 91 .
2- معجم رجال الحديث 16 : 220/10490.
3- كامل الزيارات: 94، باب11 ، ح2.
4- رجال النجاشي: 316/ 865.
5- رجال الطوسي: 390/5745.
6- خلاصة الأقوال: 389، وعلّق عليه العلّامة بقوله: «وهذا يعطي تعديله منه».
7- اختيار معرفة الرجال 2: 803/ 994.

ابن حسكة القمّي، إنّ شيطاناً يتراءى للقاسم، فيوحي إليه زخرف القول غروراً»(1) .

وأمّا ابن أبي نجران: فهو عبد الرحمن بن أبي نجران، قال النجاشي فيه: «ثقة، ثقة، معتمد على ما يرويه، له كتب كثيرة»(2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وأمّا جعفر بن سليمان: فإنّه مشترك بين جماعة، وهم:

الأوّل: جعفر بن سليمان، وهو من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق.

الثاني: جعفر بن سليمان الضبعي البصري، وهو - أيضاً - من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، ووثّقه الشيخ في «الرجال» في أصحاب الصادق (علیه السلام) (4)

الثالث: جعفر بن سليمان القمّي، قال الشيخ النجاشي فيه: «أبو محمّد، ثقة من أصحابنا القميّين» وهو ممّن يروي عنه محمّد بن الحسن بن الوليد(5).

والمذكور في السند لا ينطبق على الثالث؛ لتأخّره زماناً، فيدور أمره بين

ص: 190


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 803/996.
2- رجال النجاشي: 235/622.
3- أصول علم الرجال 1 : 226 ، 282، و ج2 : 198 .
4- رجال الطوسي: 176/2081.
5- رجال النجاشي: 121 - 122/312 .

الأوّل المجهول، والثاني الثقة، ولا وجه للتمييز، فهو مشترك بين الثقة وغيره، ولكن لا يضرّ وجوده في السند؛ لاقترانه مع ابن أبي نجران.

وأمّا العلاء بن رزين: فقد قال النجاشي فيه: «صحب محمّد بن مسلم، وتفقّه عليه، وكان ثقة، وجهاً»(1)

وقال الشيخ: «ثقة، جليل القدر»(2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وأمّا أبو حمزة الثمالي: فقد تقدّم ذكره.

والحديث وإن كان ضعيفاً بالقاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطين، إلّا أنه يمكن تصحيحه بوجه آخر، وهو: أنّ العلاء بن رزين كونه صاحب كتب مشهورة يرويها جماعة(4)، يقتضي عدم الحاجة إلى النظر في الطريق إلى كتبه.

مضافاً إلى أن سعد بن عبد الله القمّي قد وقع في الطريق - وهو من الرواة الذين لهم كتب معروفة مشهورة(5)

ومعوَّل عليها(6) فهو يقتضي أيضاً ذلك؛ هذا بناء على وجود هذا الحديث في كتبهما.

ص: 191


1- رجال النجاشي: 298/811.
2- فهرست الطوسي: 182/499.
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 201 .
4- المصدر نفسه 1 : 146.
5- كتابه «الرحمة» هو المشهور، وله كتب كثيرة غيره.
6- أصول علم الرجال 1 : 135.

[25] 25 - وَعَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ الْبُنْدَارِ، عَنْ محمّد بْنِ جُمْهُورٍ(1) الْحَمَّادِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ محمّد الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحِمَّصِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ. أَلا فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، وَأَطِيعُوا وُلاةَ أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ثم إنّ هذا نظير الحديث العاشر المتقدّم، الذي ينتهي سنده إلى أبي حمزة الثمالي، كما سيأتي حديث آخر صحيح السند عن أبي حمزة، وهو الحادي والثلاثون، وإنّما الاختلاف بينهما في ذيل كلّ منهما.

[25] - فقه الحديث:

الحديث واضح الدلالة، فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد مهّد لبيان أصول الدين، وأهمّ الفرائض:

أولاً: بالخطاب بقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): «أيّها الناس»؛ للفت الأنظار إلى أنّ كلّ مخاطب معنيّ بالخطاب.

ص: 192


1- كذا في المخطوط، وفي المصدر: محمّد بن محمّد بن جمهور.
2- الخصال: 321 ، باب الستة، ح 6.

وثانياً: تهيئة النفوس بقوله: «لا نبيّ بعدي، ولا أُمّة بعدكم»، فهو خاتم الأنبياء (علیهم السلام) ، وأمّته خاتمة الأمم، وذلك يعني: أنّه لابدّ من الاهتمام بما سيتلى عليكم.

وثالثاً: الأمر بالتوجّه للَّه بالعبوديّة على نحو الإطلاق والإجمال. ثمّ فصّل ذلك ببيان أهمّ الفرائض، وهي: الصلوات الخمس، وصوم الشهر، أي: شهر رمضان، وحجّ البيت، وأداء الزكاة عن طيب نفس ورضى بما شرّعه اللَّه تعالى، لا عن إكراه أو تثاقل، وإطاعة ولاة الأمر، وهم الأئمّة (علیهم السلام) ، المنصوص على ولايتهم في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(1)،

وقد ذكرنا في مباحثنا الفقهيّة(2): أنّ هذه الآية لا تنطبق إلّا على أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ؛ فإنّ الإطاعة هنا على نحو الإطلاق، ومعنى ذلك: أنّ المطاع لابدّ وأن يكونمعصوماً، وهذا المعنى لا يتمّ إلّا على ما تذهب إليه الشيعة الإماميّة من الاعتقاد بعصمة الأئمّة الاثني عشر (علیهم السلام) .

ثمّ ذكر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): أنّ الجزاء على ذلك هو دخول الجنّة، ومن ذلك يظهر أهمّيّة هذه الأمور الخمسة، وهي العمدة في الفرائض، فالحديث كسائر الأحاديث السابقة، إلّا أنّه امتاز بذكر هذه الأمور بصورة الخطاب، مع التمهيد لذلك وإعداد النفوس لتلقّي الخطاب. وختام الحديث بذكر

ص: 193


1- النساء، الآية 59.
2- التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 377.

الجزاء، وما أعدّه اللَّه تعالى لمن قام بهذه الأمور، وهو الدخول في الجنّة.

سند الحديث:

أما محمّد بن جعفر البندار: فالظاهر أنّه شيخ الصدوق، وقد ورد في «الخصال» روايته عنه في عشرين مورداً. وفي بعض الموارد قال: محمّد بن جعفر البندار الفرغاني، وفي بعضها: الشافعي الفرغاني(1)، وفي بعضها: الفقيه الفرغاني، فيعلم من ذلك: أنّه شافعي، وهو من فقهائهم، ولم يرد في كتبنا توثيق لهذا الشخص.

نعم، ذكره الخطيب في «تاريخه»(2) ، وكذلك السمعاني في «الأنساب»، حيث قال في ترجمة أبي جعفر أحمد بن الخليل بن ثابت البرجلاني: «...

سمع محمّد بن عمر الواقدي... وجماعة آخرهم محمّد بن جعفر بن الهيثم البندار، وكان ثقة»(3)

وأمّا محمّد بن جمهور الحمادي وصالح بن محمّد البغدادي: فلم يرد لهما توثيق في كتبنا الرجاليّة، فلعلّهما من العامّة.

وأمّا عمرو بن عثمان الحِمْصِي: فهو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحِمْصِي، وهو من العامّة، وذكر ابن حجر في «التقريب»: أنّه

ص: 194


1- الخصال: 52، باب الاثنين، ح64، و174، باب الثلاثة، ح231، وفضائل الأشهر الثلاثة: 66.
2- تاريخ بغداد 2 : 148.
3- الأنساب 1 : 310.

صدوق(1)

، وكذا ورد في «الجرح والتعديل» للرازي(2).

وأمّا إسماعيل بن عَيَّاش: فهو إسماعيل بن عيّاش بن مسلم العباسي - أو العبسي(3)

- الحِمْصِي، وهو من العامّة، ولكنّهم مدحوا علمه وحفظه. فعن يعقوب بن سفيان: «وتكلّم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع... وعن عثمان بن صالح السهمي: ... وكان أهل حمص يتنقصون عليّ بن أبي طالب حتّى نشأ فيهم إسماعيل بن عيّاش، فحدّثهم بفضائله، فكفّوا عن ذلك. وعن يحيى بن معين: أنّه ثقة إذا حدّث عن الشيوخ الثقات، مثل: محمّد بن زياد، وشرحبيل بن مسلم ...» (4)، ووثّقه غيره أيضاً (5) .

وأمّا شُرَحْبيل بن مسلم: فهو ابن حامد الخَوْلاني، وهو من العامّة، وورد في كتبهم: أنّه صدوق(6)، وعن أحمد بن حنبل: أنّه من ثقات الشاميّين(7)

ص: 195


1- تقريب التهذيب 1 : 740.
2- الجرح والتعديل 6 : 249.
3- في تهذيب التهذيب 1 : 331/ 511 وتقريب التهذيب 11 : 53/511: إسماعيل بن عيَّاش بن سَلْم، في الأول «سُلَيم» وفي الثاني «العَنْسي» بالنون.
4- تهذيب الكمال 3 : 163 - 181 .
5- انظر: تحفة الأحوذي 2 : 285.
6- تقريب التهذيب 1 : 415.
7- تهذيب التهذيب 4 : 286.

، ووثقه العجلي(1)

، وذكره ابن حبّان في الثقات(2). وقال بعضهم: إنّ هذا الرجل كان يذكر فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) .

وأمّا محمّد بن زياد: فهو - أيضاً - من العامّة، وهو محمّد بن زياد الألهاني الحِمْصِي، وثّقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي(3) .

وأمّا أبو أمامة، فهو مشترك، إلا أنّ المعروف منهم اثنان:

الأوّل: أبو أمامة الباهلي، واسمه صعدي (صديّ) بن عَجْلان(4) .

الثاني: أبو أمامة الخزرجي.

والمراد هو: الأوّل؛ فإنّه هو الذي يروي عنه شرحبيل بن مسلم(5)، وهو من أصحاب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، وممّن عمّر طويلاً، وبقي إلى زمان عبد الملك بن مروان، وذكر: أنّ معاوية بن أبي سفيان بعث إليه بالمال؛ ليسير إليه، فلم يقبل. وروى عدّة روايات في فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ولكن مع ذلك لم يرد فيه توثيق في كتب الخاصّة. وأمّا عند العامّة، فجميع الصحابة عندهم ثقات.

وهذا السند عامّي، ولعلّ الصدوق روى عنهم؛ لأنّهم من المعروفين بالصّدق عند العامّة.

ص: 196


1- معرفة الثقات 1 : 451.
2- الثقات لابن حبان 4 : 363.
3- تهذيب التهذيب 9 : 150.
4- طبقات خليفة بن خياط: 553.
5- وإن قيل بأنه لم يلق أبا أمامة، ولكن يمكن روايته عنه بحسب الطبقة.

[26] 26 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الْمُحَمَّدِيَّةُ السَّمْحَةُ(1):

إِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَالطَّاعَةُ لِلإِمَامِ، وَأَدَاءُ حُقُوقِ الْمُؤْمِنِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[26] - فقه الحديث:

ذكر صاحب «الوسائل» قسماً من وسط الحديث؛ لأنّه محلّ الشاهد، وأسقط الطرفين، وفي هذا الحديث - زائداً على ما تقدّم - التأكيد على أداء حقوق المؤمن، وهذا - أيضاً - أمر عظيم، ومهمّ جداً؛ فقد ورد في حقّ المؤمن روايات كثيرة، قد جاوزت حدّ التواتر، واشتملت على تفاصيل دقيقة ومهمة في بيان منزلة المؤمن عند اللَّه، وما افترضه اللَّه له من الحقوق على إخوانه، وهي مذكورة في مواطن متعدّدة من هذا الكتاب، بل عقد صاحب «الوسائل» في كتابه هذا أبواباً سمّاها: أبواب العِشرَة، أورد فيها جملة كثيرة من الروايات المشتملة على حقوق المؤمن(3). وهذه الحقوق لابدّ من رعايتها.

ص: 197


1- في نسخة: السهلة. (منه (قدس سره) ).
2- الخصال: 328، باب الخمسة، ح20، ويأتي ذيله في الحديث 20 من الباب 122 من أبواب أحكام العشرة.
3- وسائل الشيعة 12 : 5، تتمة كتاب الحج، وج15 : 354، باب 51، وج16 : 221، باب 28.

وهذا الحديث لم يتعرض لتفصيل هذه الحقوق، لكن المستفاد منه أهمّيّة تلك الحقوق، بحيث لا مجال للتهاون بها؛ وذلك لأنّها ذكرت عقيب ذكر أهمّ الفرائض، مضافاً إلى ما ذكر ممّا أعده اللَّه تعالى من العقاب لمن حبس حقّ المؤمن.

وعلى كلّ حال، فالحقوق قد تكون أخرويّة، وقد تكون دنيويّة، وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.

والحاصل: أن هذا الحديث اشتمل على تعريف المحمديّة - وهو الدين الذي جاء به النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) - بهذه الأمور، فكأنّ المعنى: أنّ الدين هو هذه الأشياء، وهي ذات يسر وسهولة، وذلك يدلّ على عظمة هذه الفرائض وأهميتها، وضرورة الاهتمام والاعتناء بها.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن أحمد: فهو محمّد بن أحمد بن يحيى بن عبد اللَّه بن سعد بن مالك، الأشعريّ، القمّي، وهو صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، قال النجاشي في حقه: «كان ثقة في الحديث، إلّا أنّ أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شي ء»(1)

ص: 198


1- رجال النجاشي: 348/939.

وقال الشيخ: «جليل القدر، كثير الرواية، له كتاب نوادر الحكمة»(1)

ولنا تحقيق حول هذا الكتاب وأسانيده، ذكرناها في مباحثنا الرجاليّة(2)

، والكتاب وإن كان مفقوداً، إلّا أنّنا استطعنا استخراج أسانيده، وأن نميّز الرواة من حيث الوثاقة والضعف.

وأمّا محمّد بن يحيى وسهل بن زياد: فقد تقدّم ذكرهما.

وأمّا محمّد بن سنان: فقد وقع الخلاف في وثاقته، وتضاربت فيه الأقوال، والمشهور ضعفه، وذهب إليه السيد الأستاذ (قدس سره) (3).

وقد فصّلنا القول فيه في خاتمة «أصول علم الرجال»، وذكرنا هناك خمسة وجوه لتضعيفه، وثمانية وجوه لوثاقته، وقد رجّحنا وثاقته(4).

وأمّا المفضّل بن عمر: فقد وقع الخلاف في وثاقته أيضاً، وقد ذكرنا في الخاتمة من كتاب «أصول علم الرجال» تسعة وجوه لتوثيقه، وأربعة وجوه لتضعيفه، واخترنا وثاقته أيضاً(5).

وأمّا يونس بن ظبيان: فقد تقدّم ذكره.

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف، فيكون مؤيّداً لبقية الأحاديث.

ص: 199


1- فهرست الطوسي: 221/622.
2- أصول علم الرجال 1 : 201 - 252 .
3- معجم رجال الحديث 17 : 169/ 10938.
4- أصول علم الرجال 2 : 402 - 420 .
5- المصدر نفسه 2 : 421 - 437 .

[27] 27 - وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ بُهْلُولٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «وَاللَّهِ، مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا دُونَ مَا يُطِيقُونَ؛ إِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَلَّفَهُمْ فِي كلّ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَماً، وَكَلَّفَهُمْ فِي السَّنَةِ صِيَامَ ثَلاثِينَ يَوْماً، وَكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[27] - فقه الحديث:

دلالة الحديث ظاهرة، ففيه: أنّه سبحانه كلَّف العباد بأربعة أمور، وهي: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ. فتخصيص هذه الأمور بالذكر يدلّ على أهميّتها، وهو وارد في بيان الإسلام وواجباته، ولم يذكر الولاية.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) ذكر: أنّ هذه الأمور هي دون ما يطيق الناس، وأنّهم يطيقون أكثر من ذلك، فاللَّه سبحانه لم يكلّف عباده بما يشقّ عليهم؛ رحمة منه، ورأفة بهم.

سند الحديث:

بحث رجالي في أحمد بن الحسن القطّان

أمّا أحمد بن الحسن القطّان: فهو أحد مشايخ الصدوق، وقد روى عنه

ص: 200


1- الخصال: 531، أبواب الثلاثين، ح 9، ويأتي في الحديث 37 من هذا الباب، وفي الحديث 1 من الباب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

في «الخصال» كثيراً، كما روى عنه في غيره، ولم يرد فيه توثيق. وفي «المعجم»: أنّ الصدوق ترحّم عليه، ولا دلالة فيه على التوثيق، ولا على الحسن، وكذلك عبّر عنه بقوله: شيخ لأهل الحديث، وهو أيضاً كذلك، وإن تضمّن مدحاً. كما عبّر عنه بقوله: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه (عبدون) العدل، وهذا أيضاً لا يدلّ على شي ء؛ فإنّه لم يصفه بالعدل، وإنما ذكر: أنّه كان معروفاً بأبي عليّ بن عبد ربّه العدل، ومعنى هذا أنّ العدل كان لقباً له، ولا يبعد أن يكون الرجل من العامّة، كما استظهر بعضهم ذلك(1).

ولا يبعد أن يكون الظاهر من هذا الكلام أنّ العدل وصف، لا لقب؛ بقرينة ذكره بلفظ آخر، كما نقل في مورد من «الأمالي»: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربه المعدَّل(2). ولكن بما أنّ هذه الكلمة وقعت مورداً للخلاف فيتوقّف في ذلك، فلا نحكم بوثاقته، وإن كان الأرجح القول بحسنه. وإذا كان المقصود من العدل هو المعتدل، أي: غير المفرط في طريقه، فلا يدلّ على التوثيق، ولا على الحسن. ولكن مع ذلك كلّه فقد ترضّى عنه الصدوق (رحمه الله) ، وقد روى روايات تدلّ على كونه إماميّاً. فاحتمال كونه عاميّاً بعيد، وهذا المقدار يكفي في الحكم بوثاقته.

ص: 201


1- انظر: معجم رجال الحديث 2 : 93/511. وهذا البعض الذي استظهر كونه عاميّاً هو صاحب الوافية السيد صدر الدين في حواشيه على منتهى المقال، كما نقله العلامة المامقاني (رحمه الله) في تنقيح المقال 6 : 13.
2- أمالي الصدوق: 566، المجلس83، ح5.

وأمّا أحمد بن يحيى بن زكريا: فهو القطّان، أبو العباس، لم يرد فيه توثيق، فهو مجهول.

وأمّا بكر بن عبد اللَّه بن حبيب: فقد ذكر النجاشي فيه: أنّه «يعرف وينكر»(1)، ولم يرد فيه توثيق، وقد ذُكِر أنّ له روايات شريفة في فضائل الأئمّة (علیهم السلام) (2)

وأمّا تميم بن بهلول: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا أبو معاوية: فالظاهر أنّه محمّد بن خازم الضرير، الذي يروي عن الأعمش، ويروي عنه تميم بن بهلول، وقد وثّقه الذهبي في «الميزان». وقال الحاكم: احتجّ به الشيخان، وقد اشتهر عنه الغلو، أي غلوّ التشيّع(3)

وأما إسماعيل بن مهران: فقد تقدّمت ترجمته.

وعليه فالسند ضعيف.

ورواه البرقي بسند معتبر في كتاب «المحاسن»، كما سيأتي في الحديث السابع والثلاثين.

ص: 202


1- رجال النجاشي: 109/279.
2- راجع على سبيل المثال: كتاب علل الشرايع 1 : 156، باب 125، ذيل الحديث2، وج2 : 159، باب 128 ح3، و206، باب 156، ح 3، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 66، باب 6، ح31، والخصال: 211، باب الأربعة، ح35.
3- قاموس الرجال 11 : 518.

[28] 28 - وَفِي كِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: «مَنْ عَادَى شِيعَتَنَا فَقَدْ عَادَانَا» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «شِيعَتُنَا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيُوَالُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَيَبْرَءُونَ مِنْ أَعْدَائِنَا، أُولَئِكَ أَهْلُ الإِيمَانِ، وَالتُّقَى، وَ(الأَمَانَةِ(1). مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ طَعَنَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى اللَّهِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[28] - فقه الحديث:

لم يورد صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه، وإنّما ذكر شطراً منه ممّا يناسب الباب(3)

ص: 203


1- في المصدر: وأهل الورع والتقوى.
2- صفات الشيعة: 3 ، ح 5.
3- وتمامه هو: عن أبي نجران قال: سمعت أبا الحسن (علیه السلام) يقول: «من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا؛ لأنّهم مِنّا، خلقوا من طينتنا. من أحبّهم فهو مِنّا، ومن أبغضهم فليس مِنّا. شيعتنا ينظرون بنور اللَّه، ويتقلّبون في رحمة اللَّه، ويفوزون بكرامة اللَّه. ما من أحد من شيعتنا يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا اغتمّ إلّا اغتممنا لغمّه، ولا يفرح إلّا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عَنّا أحد من شيعتنا أينما كان في شرق الأرض أو غربها. ومن ترك من شيعتنا ديناً فهو علينا، ومن ترك منهم مالاً فهو لورثته. شيعتنا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت، ويتبرّؤون من أعدائهم (أعدائنا)، أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، ومن ردّ عليهم فقد ردّ على اللَّه، ومن طعن عليهم فقد طعن على اللَّه؛ لأنهم عباد اللَّه حتماً، وأولياؤه صدقاً. واللَّهِ إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفّعه اللَّه تعالى فيهم؛ لكرامتهم على اللَّه عزّوجلّ».

وقد ورد هذا الحديث ليبيّن فضائل الشيعة وصفاتهم، وما ينبغي أن يكونوا عليه، وما أعدّه اللَّه لهم، وليوضّح منزلتهم عند اللَّه، وعند الأئمّة (علیهم السلام) .

وقد اشتمل الحديث على أكثر من عشرين وصفاً من أوصافهم، ومن أبرز تلك الأوصاف: أنّهم خلقوا من طينة الأئمّة (علیهم السلام) ، وأنّهم من الأئمّة، وأنّهم ينظرون بنور اللَّه.

ومن أبرز فضائلهم: أنّهم في رحمة اللَّه يتقلّبون، وبكرامته فائزون، وأنّهم تحت نظر الأئمّة (علیهم السلام) ورعايتهم، والأئمّة (علیهم السلام) يحضرون عندهم، ويشاركونهم في أفراحهم وأحزانهم.

ومن أبرز ما كشف الحديث من مقاماتهم: أنّ من ردّ عليهم فقد ردّ على اللَّه، ومن طعن عليهم فقد طعن على اللَّه؛ والسبب في ذلك: أنهم أخلصوا العبودية للَّه، ووالوا اللَّه وأولياءه، وتبرّؤوا من أعدائه وأعدائهم، وقد أعدَّ اللَّه لهم يوم القيامة مقام الشفاعة، وأن الواحد منهم ليشفع في الخلق الكثير، فيشفّعه اللَّه فيهم.

ص: 204

وهذا الحديث - مضافاً إلى دلالته على ما نحن فيه من وجوب الأمور الخمسة المذكورة وبيان الإيمان بمعناه الأخصّ - يدلّ عى مقام الشيعة ومنزلتهم، وما أعدّه اللَّه لهم؛ فلذا ينبغي للشيعة أن يلتفتوا إلى ذلك، ويغتنموا الفرص في الاستزادة من الخير والتقوى، وأن لا يفرِّطوا بهذه المنزلة والشأن لمطامع دنيوية زائفة ذاهبة، تذهب لذّتها، وتبقى تَبِعَتُها، وذلك هو الخسران المبين. نسأل اللَّه أن يجعلنا من شيعة آل محمّد (علیهم السلام) ، كما وصفهم الإمام (علیه السلام) في هذا الحديث.

سند الحديث:

رواه صاحب «الوسائل» من كتاب «صفات الشيعة» للصدوق، وطريقه إلى الكتاب معتبر، كما ذكره في خاتمة «الوسائل»(1).

ورجال السند قد تقدّم الكلام حولهم، وأنّهم من الثقات، وبقي منهم:

عبد اللَّه بن جعفر: وهو الحميري، أبو العباس القمّي، قال عنه النجاشي: «شيخ القمّيين، ووجههم»(2)

، وذكر في ترجمة العمركي بن عليّ البوفكي: أنّه «روى عنه شيوخ أصحابنا، منهم عبد اللَّه بن جعفر الحميري»(3) .

ووثّقه الشيخ في «الفهرست» و«الرجال»، وقد أكثر المشايخ الرواية عنه، وله عدّة كتب ومسائل ومكاتبات للأئمّة (علیهم السلام) (4)

ص: 205


1- وسائل الشيعة 30 : 217، الفائدة السادسة.
2- رجال النجاشي: 219/573.
3- المصدر نفسه: 303/828.
4- فهرست الطوسي: 167/439، ورجال الطوسي: 400/5857.

[29] 29 - وَفِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَوَلايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِه (علیهم السلام) »(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» أيضاً(2) .

وعليه فالحديث صحيح.

[29] - فقه الحديث:

الحديث واضح الدلالة، وقد تقدّم مضمونه في كثير من الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رواة الحديث، وهو معتبر على الأظهر.

ص: 206


1- أمالي الصدوق: 340 ، ح 404.
2- أصول علم الرجال 1 : 227 .

[30] 30 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي «كِتَابِ الزُّهْدِ»، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّهِ: الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاصِ؛ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِهِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ، وَمَدْحَضَةٌ(1)، لِلذَّنْبِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[30] - فقه الحديث:

للحديث تتمّة لم ينقلها صاحب «الوسائل»، واكتفى بمحلّ الشاهد منه.

وهو يدلّ على وجوب الأمور المذكورة وأهميتها، مع بيان بعض حِكَم

ص: 207


1- الدحض: الدفع. (لسان العرب 7 : 148، مادة : «دحض»).
2- الزهد : 13، ح 27، وأورد ذيله في الحديث 13 من الباب 138 من أبواب أحكام العشرة، وأورده في الحديث 4 من الباب 13 من أبواب الصدقة، وقطعة منه في الحديث 12 من الباب 1 من أبواب فعل المعروف «وصلة الرحم؛ فإنها مثراة للمال ومنسأة في الأجل، وصدقة السِّر؛ فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرّب، وصنايع المعروف؛ فإنها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان، ألا فاصدقوا فإنّ الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإنّ الكذب يجانب الإيمان، ألا وإنّ الصادق على شفا نجاة وكرامة، ألا وإنّ الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحامكم وعودوا بالفضل عليهم».

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

تشريعها، كما تقدّم نظيره في الأحاديث السابقة. وفي هذا الحديث ذكر: أنّ الحجّ ينفي الفقر، ويمحي الذنب، وهما حكمتان، إحداهما دنيويّة، والثانية أخرويّة.

ولم يذكر الولاية في الحديث، إلّا أنّه يمكن استفادتها من قوله (علیه السلام) : «والجهاد في سبيل اللَّه؛ فإنّه لابدّ فيه من إذن الإمام (علیه السلام) ، فلعلّ ذكر الجهاد إشارة إلى ذلك، أو يكون عدم ذكرها من باب التقيّة.

وأمّا ذيل الحديث: فهو يدلّ على مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، من صلة الرحم، وصدقة السرّ، ومجانبة الكذب، وأداء الأمانة، وعمل المعروف؛ فإنّ لهذه الصفات آثاراً وحكماً ومصالح، وقد اشتمل الحديث على ذكر بعضها.

سند الحديث:

قد ورد الحديث بثلاث طرق:

ص: 208


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 205، ح 613.
2- علل الشرائع 1 : 247، ح 1، ورواه ابن الشيخ في الأمالي: 216، ح380 مثله، ورواه البرقي في المحاسن1 : 451، ح1040.

أمّا الطريق الأوّل: فالحسين بن سعيد وحماد بن عيسى، قدّ تقدّم ذكرهما.

وأمّا إبراهيم بن عمر اليماني: فقال النجاشي في حقّه: «شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) »(1) .

وذكره الشيخ قائلاً: «له أصل»(2) .

وورد في «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

، فلا إشكال في وثاقته، ولكن حيث إنّ الحديث مرفوع فلا يمكن اعتباره من هذه الجهة؛ لسقوط الواسطة.

وأما الطريق الثاني: فهو من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم الكلام حولها، فلاحظ.

وأمّا الطريق الثالث: فأبوه وسعد بن عبد اللَّه وحمّاد بن عيسى وإبراهيم بن عمر اليماني، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا إبراهيم بن مهزيار: فقال النجاشي فيه: «إبراهيم بن مهزيار، أبو إسحاق، القمّي، له كتاب»(4)

ص: 209


1- رجال النجاشي: 20/26.
2- فهرست الطوسي: 43/20.
3- أصول علم الرجال 1 : 276، و ج2 : 179 .
4- رجال النجاشي: 16/17.

وعدّه الشيخ من أصحاب الجواد (علیه السلام) ، ولم ينصّ على وثاقته(1)

إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(2)

، وهو كافٍ في اعتبار روايته على الأظهر. وأمّا وقوعه في «تفسير القمي» فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه ورد في القسم الثاني(3).

وأمّا أخوه - وهو عليّ بن مهزيار فقد قال النجاشي فيه: «علي بن مهزيار، الأهوازي، أبو الحسن - إلى أن قال: - وروى عن الرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ، واختصّ بأبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، وتَوكَّل له، وعظم محلّه منه، وكذلك أبو الحسن الثالث (علیه السلام) ، وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير، وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده، وصنّف الكتب المشهورة»(4)

وقال الشيخ: «رحمه اللَّه، جليل القدر، واسع الرواية، ثقة، له ثلاثة وثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة»(5) ، ووثّقه في «رجاله»(6)، وهو ممّن روى النص عن الإمام الهادي (علیه السلام) على ابنه الحسن بن علي (علیه السلام) .

ص: 210


1- رجال الطوسي: 374/5532.
2- أصول علم الرجال 1 : 212 .
3- المصدر نفسه 1 : 293 .
4- رجال النجاشي: 253/664.
5- فهرست الطوسي: 152/379.
6- رجال الطوسي: 360/5336 ، و 388 /5706.

ونقل عنه المفيد في باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد (علیه السلام) (1).

وذكر الكشّي روايات تدلّ على عظم محلّه وجلالته(2) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(3)

، وعدّه الشيخ من السفراء الممدوحين(4) .

والحديث - بطرقه الثلاثة - ما بين مرفوع، ومرسل، فلا يحكم بصحّته من هذه الجهة. نعم، يمكن تصحيحه من جهات أخرى، وهي:

الأولى: ما ورد في شأن حمّاد بن عيسى، من أنّه من أصحاب الإجماع؛ وبناء على القول بأنّ تصحيح ما يصحّ عنهم هو صحّة رواياتهم، ولا يلتفت إلى الواسطة بينهم وبين الإمام (علیه السلام) ، يكون الحديث معتبراً.

الثانية: بناء على اعتبار مراسيل الصدوق في «الفقيه».

الثالثة: وجوده في «كتاب الزهد»، وهو من الكتب المشهورة، المعوّل عليها، كما ذكره الصدوق في أوّل «الفقيه»(5)؛

فبناء على هذا الوجه لا يحتاج إلى الطريق.

ص: 211


1- الإرشاد 2 : 316.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 825 - 827/1038 و1039 و1040 .
3- أصول علم الرجال 1 : 231 ، 284 .
4- الغيبة للطوسي: 349.
5- من لا يحضره الفقيه 1 : 3، مقدمة الكتاب.

[31] 31 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ فِي «مَجَالِسِهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْوَلايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(1).

وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي «بِشَارَةِ الْمُصْطَفَى»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد الطُّوسِيِّ مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[31] - فقه الحديث:

تقدّم نظير الحديث كثيراً، وقد أوضحنا معنى تشبيه هذه الأمور بالدعائم، وهو دالّ على أهمّيّة هذه الأمور وعظمها.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الطريق الأوّل: ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي في «مجالسه»، وهو أبو عليّ الملقّب بالمفيد الثاني، ابن الشيخ؛ قال الشيخ

ص: 212


1- أمالي الطوسي: 124، ح192.
2- بشارة المصطفى: 117/58، وفيه: أخبرنا الشيخ أبو عليّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي.

منتجب الدين في «فهرسته»: «أبو علي... فقيه، ثقة، عين» (1) .

وقال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «كان عالماً، فقيهاً، محدّثاً، جليلاً، ثقة، له كتب»(2). وعليه فلا إشكال في وثاقته وجلالته.

وطريق صاحب «الوسائل» إلى الكتاب معتبر، وذكر طريقه إليه في الخاتمة(3)

وأما أبوه: فهو محمّد بن الحسن الطوسي، وهو شيخ الطائفة، وقد تقدّم ذكره.

وأمّا المفيد: فهو محمّد بن محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد، قال النجاشي: «شيخنا، وأستاذنا (رضي اللَّه عنه)، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، والثقة، والعلم»(4)

وقال الشيخ: «يكنّى أبا عبد اللَّه، المعروف بابن المعلّم، من جملة متكلّمي الإماميّة، انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته، وكان مقدّماً في العلم، وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنَّف كبار وصغار»(5)، وقال في «رجاله»:

ص: 213


1- فهرست منتجب الدين: 46.
2- معجم رجال الحديث 6 : 123/3103.
3- وسائل الشيعة 30 : 189 الخاتمة، الفائدة الخامسة.
4- رجال النجاشي: 399/1067.
5- فهرست الطوسي: 238.

«جليل، ثقة»(1) .

وأمّا جعفر بن محمّد بن قولويه: فقال النجاشي فيه: «من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه ... وعليه قرأ أبو عبد اللَّه الفقه، ومنه حمل، وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه، له كتب حسان»(2) ، وهو صاحب كتاب «كامل الزيارات».

وعن المفيد قال: «شيخنا الثقة، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه أيّده اللَّه»(3)

وقال الشيخ: «يكنّى أبا القاسم، ثقة، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه»(4)

وأمّا والده: فهو محمّد بن قولويه، قال النجاشي في حقّه: «من خيار أصحاب سعد»(5).

وقد أكثر الرواية عنه ابنه جعفر في «كامل الزيارات»، وقد التزم بأن لا يروي في كتابه هذا إلّا عن ثقة(6)

ص: 214


1- رجال الطوسي: 449/6375.
2- رجال النجاشي: 123/318.
3- قاموس الرجال 2 : 667.
4- فهرست الطوسي: 91/141.
5- رجال النجاشي: 123/318.
6- معجم رجال الحديث 18 : 175/11648.

وأمّا سعد بن عبد اللَّه وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسن بن محبوب وأبو حمزة الثمالي، فقد تقدّم ذكرهم.

الطريق الثاني: ما رواه الطبري، وهو عماد الدين أبو جعفر، محمّد بن أبي القاسم محمّد بن عليّ: قال الشيخ منتجب الدين في «فهرسته»: «فقيه، ثقة... قرأ عليه الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي»(1) .

وقال الشيخ الحرّ في «أمل الآمل»: «ثقة، جليل القدر، محدِّث»(2)

والحاصل: أنّ الحديث بكلا طريقيه صحيح، كما أنّ طريق صاحب «الوسائل» إلى كلا الكتابين معتبر. وقد رواه الشيخ المفيد أيضاً في «الأمالي»، كما في «جامع الأحاديث»، ولكن من دون ذكر الجملة الأخيرة، وهي قوله: «والولاية لنا أهل البيت (علیهم السلام) »، والظاهر: سقوطها عن نسخة «الأمالي».

ص: 215


1- فهرست منتجب الدين: 107.
2- أمل الآمل 2 : 234/698.

[32] 32 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ الْحَسَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ: عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهِيَ الْمِلَّةُ، وَالصَّلاةِ وَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَالصَّوْمِ وَهُوَ الْجُنَّةُ، وَالزَّكَاةِ وَهِيَ الْمُطَهِّرَةُ، وَالْحَجِّ وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالْجِهَادِ وَهُوَ الْعِزُّ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْوَفَاءُ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الأُلْفَةُ، وَالْعِصْمَةِ وَهِيَ الطَّاعَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[32] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث الثالث والعشرين ما أشرنا به إلى هذا الحديث، وهذان الحديثان وإن كانا بمضمون واحد، إلّا أنّ بينهما فرقاً من بعض الجهات:

منها: أنّه ورد في الحديث السابق أنّ شهادة أن لا إله إلّا اللَّه هي الكلمة، وفي هذا الحديث عبّر عنها بأنّها الملّة، ومعنى الملّة هو الدين، وهو بمعنى كلمة لا إله إلّا اللَّه؛ فإنّ الشرائع الإلهية تجتمع تحت هذه الكلمة، النافية لكل معبود وإله سوى اللَّه سبحانه وتعالى.

ومنها: ما ورد في الحديث السابق من أنّ الصلاة هي الطهر، وفي هذا

ص: 216


1- أمالي الطوسي: 44، ح50.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْخِصَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ» كَمَا مَرَّ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحديث عبّر عنها: بأنّها الفريضة، ومعنى الفريضة واضح.

ومنها: أنّه ورد في الحديث السابق أنّ الزكاة هي الفطرة، وفي هذا الحديث عبّر عنها بالمطهِّرة، وهي إشارة إلى ما تقدّم من الآية الشريفة من قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3)، فالزكاة مطهِّرة للنفس من الشحّ والبخل، ومطهِّرة للمال أيضاً، بحيث توجب نمّوه وزيادته وبركته.

وأمّا ما ورد من أنّ العصمة هي الطاعة، ففيه تقديم وتأخير؛ فإنّ الطاعة هي: العصمة، كما ورد في الحديث السابق، ولعلّ التقديم هنا من جهة إفادة الحصر، وأنّها تنحصر في طاعة الأئمّة (علیهم السلام) .

وذكرنا أنّ إطاعة الأئمة (علیهم السلام) - الذين هم ولاة الأمر - عصمة من الفرقة،

ص: 217


1- الخصال: 447 ، باب العشرة، ح 47.
2- مرّ في الحديث 23 من هذا الباب، وفيه: الطاعة وهي العصمة.
3- التوبة، الآية 103.

وأمان من الاختلاف.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ - بوضوح - على وجوب الأمور الخمسة وأهميتها.

سند الحديث:

ورد هذا الحديث بثلاثة طرق:

الطريق الأوّل: ما رواه ابن الشيخ، عن أبيه، وهو الشيخ الطوسي. وجميع رجال السند قد تقدّمت ترجمتهم ما عدا اثنين وهما:

الأوّل: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد: وهو من مشايخ المفيد (رحمه الله) ، ولم يرد فيه توثيق، مع أنّه كثير الرواية، إلّا أنّ هذا لا يكون مانعاً من صحّة رواياته؛ لأنّ للشيخ الطوسي طريقين آخرين معتبرين إلى جميع روايات أبيه(1)، وللصدوق أيضاً طريق صحيح(2).

والثاني: عبد اللَّه بن بكير: قال الشيخ في حقّه: «عبد اللَّه بن بكير، فطحيّ المذهب، إلّا أنّه ثقة»(3) ، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (4) ، وعدّه المفيد من الفقهاء الأعلام... الخ(5) .

ص: 218


1- فهرست الطوسي: 237/ 709.
2- المصدر نفسه: 237/ 709.
3- المصدر نفسه: 173/461.
4- رجال الطوسي: 230/3118.
5- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 37.

وقال الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: عبد اللَّه بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا»(1)

، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(2)

وقال الشيخ في «العدّة»: «عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة، مثل عبد اللَّه بن بكير وغيره»(3)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(4)، وروى عنه المشايخ الثقات(5).

وقال أبو غالب الزراري في رسالته: «وكان عبد اللَّه بن بكير فقيهاً، كثير الحديث»(6).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

الطريق الثاني: ما رواه الصدوق في «الخصال»، وقد تقدّم ترجمة كلّ واحد من أفراد السند، عدا إبراهيم بن إسحاق، و هو مشترك بين جماعة هم:

1 - إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري، النهاوندي.

2 - إبراهيم بن إسحاق، الأزدي، ولم يرد فيه توثيق.

ص: 219


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 635/639.
2- المصدر نفسه 2 : 673/705.
3- عدّة الأصول 1 : 150.
4- أصول علم الرجال 1 : 227 ، 283.
5- المصدر نفسه 2 : 199.
6- رسالة أبي غالب الزراري: 7، وقاموس الرجال 6 : 271.

3 - إبراهيم بن إسحاق بن أزور، ذكره الشيخ في أصحاب الهادي (علیه السلام) ، ووثّقه(1)

4 - إبراهيم بن إسحاق، الحارثي، ولم يرد فيه توثيق، وعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (2).

5 - إبراهيم بن إسحاق، الخدري، ولم يرد فيه توثيق، لكن روى المشايخ الثقات عنه(3).

6 - إبراهيم بن إسحاق، المدائني، ولم يرد فيه توثيق.

وهو من جهة الطبقة ينطبق على الأوّل، وهو المشهور من بينهم؛ لأنّ له كتاباً. فالمطلق ينصرف إليه. وهذا الشخص ضعيف، قال النجاشي في ترجمته: «كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتب»(4) ، وقال الشيخ: «كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه، وصنَّف كتباً جماعة (جملتها) قريبة من السداد»(5)، وضعّفه أيضاً في «الرجال»(6) .

والحاصل: أنّ هذا السند ضعيف بإِبراهيم بن إسحاق. ولكن يمكن

ص: 220


1- رجال الطوسي: 383/ 5635.
2- المصدر نفسه: 167/1930.
3- أصول علم الرجال 2 : 178.
4- رجال النجاشي: 19، والظاهر أنّ «متهوماً» مأخوذ من أتْهَمَ الرجلُ: صارت به الريبةُ، الصحاح: 1164 (مادة: وهم).
5- فهرست الطوسي: 39/9.
6- رجال الطوسي: 414/5994.

تصحيحه بوجهين:

الأول: أن للصدوق طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير(1)،

وهذا الحديث داخل فيها.

الثاني: أنّ لعبدالله بن بكير كتاباً معروفاً ومشهوراً(2)، وعليه فلا حاجة للنظر في الطريق إليه.

الطريق الثالث: ما رواه الصدوق في «العلل»، وهو نفس الطريق المذكور في الحديث الثالث والعشرين(3)،

وقد تقدّم الكلام فيه.

ص: 221


1- فهرست الطوسي: 219/ 617.
2- أصول علم الرجال 1 : 137.
3- يراجع الهامش في الحديث (23).

[33] 33 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ محمّد بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مُوسَى الْمُجَاشِعِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، وَعَنِ الْمُجَاشِعِيِّ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)،: قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ خِصَالٍ: عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْقَرِينَتَيْنِ، قِيلَ لَهُ: أَمَّا الشَّهَادَتَانِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُمَا، فَمَا الْقَرِينَتَانِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ لا تُقْبَلُ إِحْدَاهُمَا إِلَّا بِالأُخْرَى، وَالصِّيَامِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَخَتَمَ ذَلِكَ بِالْوَلايَةِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[33] - فقه الحديث:

لم يورد صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه(2) ، وهو من حيث الدلالة واضح؛ فإنّه يدل على أنّ الخصال الخمس التي بني عليها الإسلام هي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، وقد عبّر عنهما بالقرينتين؛ لاقترانهما كثيراً في الآيات والروايات، والصوم، والحجّ، والولاية، وهي عنوان الإيمان، وقد استشهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بالآية الشريفة الدالّة على أنّ كمال الدين وتمام النعمة ورضى اللَّه تعالى بالولاية.

ص: 222


1- أمالي الطوسي: 518، ح1134.
2- وتمامه: فأنزل اللَّه عزّوجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}.

سند الحديث:

المراد بالجماعة في طریق الشیخ (قدس سره)

ورد هذا الحديث بطريقين:

الأوّل: ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي، عن أبيه، وقد تقدّم حالهما.

والجماعة في الطريق ليست إرسالاً؛ لأنّه من المستبعد أن يكونوا جماعة وليس فيهم واحد ثقة، وقد تكرّر من الشيخ التعبير بالجماعة عن أبي المفضّل في «الأمالي»، وفي كتبه كثيراً. ومراده بالجماعة ما صرّح به في «الأمالي» في المجلس السادس عشر قائلاً: «أخبرنا جماعة، منهم: الحسين بن عبيد اللَّه، وأحمد بن عبدون، وأبو طالب بن غرور، وأبو الحسن الصقّال(1)، وأبو عليّ الحسن بن إسماعيل بن أشناس، قالوا: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللَّه بن المطلب الشيباني...»(2) .

ويكفي وثاقة الحسين بن عبيد اللَّه الغضائري، وهكذا أحمد بن عبدون.

وأمّا أبو المفضّل: فهو محمّد بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد اللَّه، أبو المفضّل، الشيباني، قال النجاشي فيه: «كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفيّ، وكان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه، ويضعّفونه، له كتب كثيرة. رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً،

ص: 223


1- هكذا في بعض النسخ، ويظهر أنّ الصحيح كما جاء في نسخ أُخر: الصفّار.
2- أمالي الطوسي: 445، ح995.

ثمّ توقفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه»(1)

وقال الشيخ: «كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا»(2).

وعليه فهو ضعيف، ولا أقلّ من عدم توثيقه.

هذا، وقد أكثر الشيخ الرواية عنه، فقد روى في «مجالسه» عنه من المجلس السادس عشر إلى الثالث والثلاثين إلى غير ذلك من الموارد.

وأمّا الفضل بن محمّد بن المُسَيَّب: وفي بعض النسخ: فضيل، فلم تذكر ترجمته في كتبنا الرجالية. نعم، قد جاءت في كتب رجال العامة؛ قال الذهبي في ميزان الاعتدال: «الفضل بن محمّد البيهقي الشعراني ... أكثر الترحال والكتابة، وقال الحاكم: كان أديباً فقيهاً عابداً عارفاً بالرجال ... وهو ثقة لم يطعن فيه بحجة. وقد سئل عنه الحسن القتباني فرماه بالكذب، قال: وسمعت أبا عبدالله الأخرم يسأل عنه فقال: صدوق، إلا أنه كان غالياً في التشيع»(3).

وأمّا هارون بن عمرو أبو موسى المجاشعي: فقال النجاشي في حقّه: «هارون بن عمر بن عبد العزيز بن محمّد، أبو موسى المجاشعي، صحب

ص: 224


1- رجال النجاشي: 396/ 1059.
2- فهرست الطوسي: 216/610.
3- ميزان الاعتدال 3 : 358/ 6747.

الرضا (علیه السلام) ، له كتب»(1)

وأمّا محمّد بن جعفر بن محمّد: فقد قال النجاشي عنه: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين (علیهم السلام) ، يلقّب ديباجة»(2) .

وقال الشيخ المفيد: «وكان محمّد بن جعفر سخيّاً شجاعاً، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ويرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف»(3)

والسخاء والشجاعة لا تدلّان على الوثاقة. وأمّا صومه يوماً دون يوم، فإنّه وإن كان يدلّ على الحسن، إلّا أنّ في مقابله وردت روايات تدلّ على ذمّه، وقد دعا إلى نفسه، ودُعي بأمير المؤمنين، وبويع بالخلافة، ووبّخه الإمام الرضا (علیه السلام) ، ولمّا مات أبطأ الإمام عنه، ولم يحضر عند موته(4). وعليه فالظاهر أنّه لم يكن مرضيّاً عند الإمام (علیه السلام) .

وأمّا السند الثاني: فهو ينتهي إلى المجاشعي، وقد تقدّم أنّه لم يرد فيه توثيق.

والحاصل: أنّ الحديث - بكلا طريقيه - غير معتبر.

ص: 225


1- رجال النجاشي: 439/1182.
2- المصدر نفسه: 367/993.
3- الإرشاد 2 : 211.
4- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 221، باب47، ح1، وج 2 : 51، باب النصوص على الرضا (علیه السلام) ، ح5، ومقاتل الطالبيين: 359 - 360، ومعجم رجال الحديث 16 : 173.

[34] 34 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عليّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ رُزَيْقٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ يَعْدِلُ هَذِهِ الصَّلاةَ، وَلا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَالصَّلاةِ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الزَّكَاةَ، وَلا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الصَّوْمَ، وَلا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الْحَجَّ. وَفَاتِحَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَعْرِفَتُنَا، وَخَاتِمَتُهُ مَعْرِفَتُنَا. وَلا شَيْ ءَ بَعْدَ ذَلِكَ كَبِرِّ الإِخْوَانِ، وَالْمُوَاسَاةِ بِبَذْلِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَسْرَعَ غِنًى وَلا أَنْفَى لِلْفَقْرِ مِنْ إِدْمَانِ حِجِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَصَلاةٌ فَرِيضَةٌ تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ أَلْفَ حَجَّةٍ وَأَلْفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَاتٍ، مُتَقَبَّلاتٍ وَلَحَجَّةٌ عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَمْلُوٍّ ذَهَباً، لا بَلْ خَيْرٌ مِنْ مِلْ ءِ الدُّنْيَا ذَهَباً وَفِضَّةً يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً، لَقَضَاءُ حَاجَةِ امْرِى ءٍ مُسْلِمٍ وَتَنْفِيسُ كُرْبَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ وَطَوَافٍ، وَحَجَّةٍ وَطَوَافٍ ...» - حتّى عَقَدَ عَشَرَةً - الْحَدِيثَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[34] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أهمّيّة الأمور الخمسة، وهي: الولاية، والصلاة،

ص: 226


1- في وسائل الشيعة ومستدركها 1 : 29، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي: «زريق» وفي الهامش: «زرعة».
2- 2*) أمالي الطوسي: 694، ح1478، ح21.

والزكاة، والصوم، والحجّ، وقد صرّح فيه بأفضليّة الولاية التي عبّر عنها بالمعرفة؛ فإنّها المناط في قبول الأعمال، وهي الفاتحة والخاتمة، وقد مرّ في الأحاديث السابقة أنّه لم يرخّص في الولاية أصلاً، ثمّ يتلوها - في الأهمية والفضل - الصلاة، ثمّ يتلوها الزكاة، وهي قرينة الصلاة، ثمّ يتلوها الصوم، ثمّ بعد ذلك الحجّ. وعليه فهذا الحديث - مضافاً إلى دلالته على أهمّيّة هذه الأمور الخمسة ووجوبها - فيه بيان للأفضل فالأفضل، وهذا الترتيب قد استفيد من الأحاديث السابقة، ولكن مع التصريح به في هذا الحديث.

ومن ثمّ ذكر الإمام (علیه السلام) : أنّ أفضل الأعمال بعد هذه الأمور، برّ الإخوان ومواساتهم، ببذل المال لهم بحسب المعروف؛ فإنّ اللَّه تعالى جعل الدرهم والدينار امتحاناً للعباد.

ثمّ بيّن (علیه السلام) : أنّ المداومة على الحجّ والإدمان عليه له آثار دنيويّة مادّيّة، فضلاً عن آثاره المعنويّة والأخرويّة، ومنها الغنى، ورفع الفقر. كما أنّ أداء فريضة واحدة من الصلاة - إذا قبلت - تعدل عند اللَّه ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبلات، ثمّ إنّ حجة واحدة خيرٌ من مل ء الدنيا ذهباً وفضة، تنفق في سبيل اللَّه سبحانه، ولكن قضاء حاجة المسلم وتنفيس كربته أفضل من عشر حجج وعشر عُمَر، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة(1).

ثمّ إنّ هنا أموراً ثلاثة لابدّ من الإشارة إليها:

ص: 227


1- الكافي 2 : 192، باب قضاء حاجة المؤمن، الاحاديث: 4 و 6 و8 و9 و11.

رفع التنافي عن الأحادیث المختلفة في بیان كمية الثواب

الأمر الأوّل: أنّه ورد في هذا الحديث تقديم الصوم على الحجّ في الترتيب والأفضليّة.

الأمر الثاني: أنّ الحديث اشتمل على أنّ صلاة فريضة واحدة تعدل عند اللَّه سبحانه ألف حجّة وألف عمرة، وقد اختلفت الروايات الواردة في بيان مقدار ثواب الصلاة بالقياس إلى الحجّ، ففي بعضها ورد: أنّها تعدل عشرين حجة(1)، وفي بعضها: ألف حجة(2)، وفي هذا الحديث: ألف حجّة وألف عمرة.

الأمر الثالث: اختلفت الروايات في بيان أفضليّة الصلاة من الحجّ، كما في كثير منها، أو افضليّة الحج من الصلاة، كما في بعض منها(3).

ويمكن توجيه هذا التعارض ورفع التنافي بينها بما يلي:

أمّا الأمر الأوّل، فقد تقدّم الكلام فيه، وقد أحلنا وجه الجمع إلى كتاب الحج، فلاحظ الحديث الثاني من الباب.

وأمّا الأمر الثاني، فإنّه لا يختصّ بالصلاة والحجّ، بل ربّما يوجد في

ص: 228


1- الكافي 3 : 265، باب فضل الصلاة، ح7، ومن لا يحضره الفقيه 209، ح630 و بحار الأنوار 79 : 154، باب فضل الصلاة ، ح55.
2- تهذيب الأحكام 2 : 240، ح953، ووسائل الشيعة 4 : 40 ب10 من أبواب أعداد الفرائض، ح8.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 143، ح626، وعلل الشرائع: 456، ح1 ، ووسائل الشيعة 11 : 112، ب41 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح5 و7.

بعض العبادات الأخرى أيضاً، كما في زيارة الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، فقد ورد في بعض الروايات: أنّها كسبعين حجّة مبرورة، وفي بعضها: ألف حجّة، وفي بعضها: ألف حجّة مبرورة، وألف عمرة مقبولة، وفي بعض منها: سبعين ألف حجّة، وفي بعضها: مائة ألف حاجّ ومعتمر، وفي بعضها: ألف ألف حجّة، وورد في ثوابها غير ذلك(1) .

ويمكن أن يقال: إنّ الاختلاف لعلّه بحسب تماميّة الشرائط والآداب المختصّة بالعمل، ومن جهة الأزمنة والأمكنة وغيرها؛ فإنّ العمل يختلف ثوابه من هذه الجهات، فإذا أتي به مع كمال الإيمان وتمام المعرفة والتوجّه التامّ، يكون ثوابه أكثر، وأمّا إذا أتي به مع بعض الشرائط والآداب فثوابه أقلّ، وهكذا.

وبما أنّ للعمل مراتب، فكذلك لثوابه، والشاهد على ذلك أنّه قد أفيد في بعض الروايات: أنّ الثواب الأكثر لمن عمل مع المعرفة.

ويمكن أن يقال: إنّ الإمام (علیه السلام) أخبر بالثواب بحسب درجات المخاطب، من إيمانه وإخلاصه؛ فإنّ الثواب بالنسبة إلى الأشخاص والمخاطبين مختلف، فالاختلاف في بيان الثواب ناشى ء من جهة اختلاف الأشخاص.

ويمكن أن يقال: إنّ الثواب هو المقدار الأكثر، ولكنّ الإمام (علیه السلام) من جهة مراعاة حال المخاطب واستعداده، أو لمصالح أخرى أخبر أوّلّاً بالأقلّ،

ص: 229


1- وسائل الشيعة 14 : 565 ، ب 87 من أبواب المزار وما يناسبه.

وقد يخبر بالثواب المتوسّط، وقد يخبر بالثواب الأكثر. وهذا ليس مخالفاً للواقع؛ فإنّه اكتفى بذكر بعض الثواب دون تمامه، وليس معناه: أنّ هذا المذكور هو تمام الثواب. والشاهد على ذلك: ما ورد في بعض الروايات من أنّ الإمام (علیه السلام) ابتدأ بالأقلّ، ثمّ أخبر بالزيادة، كما في الحديث الأوّل من زيارة الإمام الرضا (علیه السلام) ، عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: «من زار قبر ولدي علي (علیه السلام) كان له عند اللَّه كسبعين حجّة مبرورة»، قال: قلت: سبعين حجّة؟ قال: «نعم، وسبعين ألف حجّة»، قال: قلت: سبعين ألف حجّة؟ قال: «ربّ حجة لا تقبل. من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار اللَّه في عرشه...»(1)

وفي كتاب أبي الحسن الرضا (علیه السلام) : «أبلغ شيعتي: أنّ زيارتي تبلغ عند اللَّه عزّوجلّ ألف حجّة»، قال: فقلت لأبي جعفر (علیه السلام) : ألف حجّة؟ قال: «إي واللَّه، وألف ألف حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه»(2)، وغير ذلك من الموارد، ولعلّ هذا الوجه هو أقوى الوجوه.

وأمّا الأمر الثالث، فيمكن أن يقال:

أولاً: أنّ ما ورد من الروايات في أفضليّة الصلاة كثير جداً، ولعلّها وصلت إلى حدّ التواتر، وأمّا ما ورد في أفضليّة الحجّ فلا يتجاوز

ص: 230


1- تهذيب الأحكام 6 : 85، باب 34، ح3.
2- المصدر نفسه: ح 4.

الروايتين(1)، إحداهما وردت مرسلة في «الفقيه» والأخرى وردت مسندة في «العلل» ، ولعلّهما ترجعان إلى رواية واحدة، ومثله لا يعارض الطائفة الأولى، فيتعيّن الأخذ بالأولى.

وثانياً: على فرض التسليم، فيمكن الجمع بينها بوجوه:

توجیه الاختلاف الأحادیث في بیان أفضلية الصلاة علی الحج و بالعكس

الوجه الأوّل: أن تحمل الطائفة الثانية - الدالّة على أفضلّية الحجّ من الصلاة - على الحجّ بلحاظ اشتماله على الصلاة؛ باعتبار أنّ الحجّ مشتمل على الصلاة، وما دلّ على أنّ الصلاة أفضل من الحجّ على ما إذا لوحظ الحجّ وحده بدون الصلاة. والشاهد على هذا الوجه هي: صحيحة الكاهلي، حيث قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول ويذكر الحجّ، فقال: «قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): هو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء، ونحن الضعفاء. أما إنّه ليس شي ء أفضل من الحج إلّا الصلاة، وفي الحجّ لهاهنا صلاة، وليس في الصلاة قِبَلكم حج، لا تدع الحجّ وأنت تقدر عليه...» الحديث(2)

الوجه الثاني: أن تحمل روايات أفضليّة الحجّ على أفضليته من صلاة النافلة، وما دلّ على أفضلية الصلاة على صلاة الفريضة؛ والشاهد على هذا الجمع هو تقييد كثير من هذه الروايات: بأنّ صلاة فريضة أفضل من عشرين حجّة، وكذلك ما ورد في رواية العيّاشي عن زرارة «لحجّة متقبّلة خير من

ص: 231


1- راجع الهامش3 ص228.
2- الكافي 4 : 253، باب فضل الحج والعمرة، ح 7.

عشرين صلاة نافلة»(1) .

وقد ذكرت وجوه أخرى في المقام، لا يهمّنا التعرّض لها، والمهمّ منها هو هذان الوجهان.

سند الحديث:

للحديث سندان:

اسناد الشیخ إلی زریق بن الزبیر

الأوّل: ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن عقبة. وطريق الشيخ إلى عليّ بن عقبة هو: الحسين بن عبيد اللَّه، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عنه(2)

وجميع رجال الطريق قد تقدّم ذكرهم، وأنّهم من الثقات. وعليه فالطريق صحيح.

وأمّا عليّ بن عقبة: فقد قال النجاشي عنه: «علي بن عقبة بن خالد الأسدي، أبو الحسن، مولى، كوفيّ، ثقة، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3)

ص: 232


1- تفسير العياشي 1 : 191، ح109، في تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. (آل عمران: 97).
2- فهرست الطوسي: 154/385.
3- رجال النجاشي: 271/710.

وعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأمّا أبو كهمس: فقال النجاشي عنه: «الهيثم بن عبد اللَّه، أبو كهمس، ... ذكره سعد بن عبد اللَّه في الطبقات»(3)، وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) قائلاً: «الهيثم بن عبيد الشيبان، أبو كهمس الكوفيّ، أسند عنه»(4).

وقول الشيخ: «أسند عنه» لا يعدّ توثيقاً، ولكن يكفي في وثاقته وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة»(5) .

والحاصل: أنّ السند معتبر.

اسناد الشیخ إلی زریق بن الزبیر

السند الثاني: ما رواه الشيخ بإسناده عن رُزَيْق، (وفي الفهرست زُريق(6)، والأول هو الصحيح كما أثبته النجاشي(7)، والشيخ نفسه في «رجاله»(8)

ص: 233


1- رجال الطوسي: 245/3393.
2- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284 ، و ج2 : 203 .
3- رجال النجاشي : 436/1170.
4- رجال الطوسي: 320/4767.
5- أصول علم الرجال 1 : 247 .
6- فهرست الطوسي: 133/ 310.
7- رجال النجاشي: 168/ 442 .
8- رجال الطوسي: 205/ 2636.

و«أماليه»(1) وصاحب «الوسائل»(2) في الخاتمة. وللشيخ إليه طريقان:

الأوّل: أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن حميد، عن القاسم بن إسماعيل، عنه(3).

والجماعة تقدّم الكلام حولها، وأمّا أبو المفضل، فقد تقدّم ذكره أيضاً.

وأمّا حميد: فهو حميد بن زياد بن حمّاد، قال النجاشي عنه: «كان ثقة، واقفاً، وجهاً فيهم»(4) وقال الشيخ: «ثقة، كثير التصانيف، روى الأصول أكثرها، له كتب كثيرة على عدد كتب الأصول»(5) ، وعدّه في «رجاله» في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) قائلاً: «من أهل نينوى، قرية بجنب الحائر على ساكنه السلام، عالم جليل، واسع العلم، كثير التصانيف»(6)

وقال أبو غالب الزراري في رسالته إلى ولده: «وسمعت من حميد بن زياد - إلى أن قال: - وهؤلاء من رجال الواقفة، إلّا أنّهم كانوا فقهاء، ثقات في حديثهم، كثيري الرواية»(7)

ص: 234


1- أمالي الطوسي: 695 - 700 .
2- وسائل الشيعة 30 : 371.
3- فهرست الطوسي: 133/310.
4- رجال النجاشي: 132/339.
5- فهرست الطوسي: 114/238.
6- رجال الطوسي: 421/6081.
7- تاريخ آل زرارة 1 : 211، ورسالة أبي غالب الزراري: 150، الفقرة [9] المقطع [ب].

وأمّا القاسم بن إسماعيل: فهو القرشيّ، لم يرد فيه توثيق ولا مدح. وعليه فهذا الطريق ضعيف.

الثاني: ما ذكره صاحب «الوسائل»: أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن محمّد بن همام، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن أبي العباس رُزَيْق بن الزبير الخلقاني(1)

أمّا الحسين بن عبيد اللَّه: فهو الغضائري، وقد تقدّم.

وأمّا هارون بن موسى التلعكبري: فقال النجاشي عنه: «كان وجهاً في أصحابنا، ثقة، معتمداً، لا يطعن عليه»(2)

وقال الشيخ في «رجاله»: «جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، روى جميع الأصول والمصنفات... أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا»(3)، ومنه يظهر: أنّ الشيخ يروي عنه جميع أصول ومصنّفات الشيعة، وكذلك مشايخه، كالمفيد وابن الغضائري وغيرهما، فلاحظ. وهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(4).

وأمّا محمّد بن همام: فقال النجاشي فيه: «محمّد بن أبي بكر، همام بن

ص: 235


1- وسائل الشيعة 30 : 144.
2- رجال النجاشي:439/1184.
3- رجال الطوسي: 449/6386.
4- كامل الزيارات: 344، باب 75، ح5.

سهيل، الكاتب، الإسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدّمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث»(1)، وقال أيضاً في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك: «قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث... ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن هَمَّام»(2) .

وقال الشيخ: «محمّد بن هَمَّام الإسكافي، يكنّى أبا علي، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة»(3)، وذكر نحوه في «الرجال»(4)، وهو من مشايخ ابن قولويه(5).

وأما عبد اللَّه بن جعفر الحميري: فقد تقدّم ذكره.

وأما محمّد بن خالد الطيالسي: فقد عدّه الشيخ (رحمه الله) في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وفي من لم يرو عن الأئمة (علیهم السلام) ، وقال: «روى عنه حميد أصولاً كثيرة»(6) .

وذكره النجاشي (رحمه الله) أيضاً(7).

وفي رسالة أبي غالب الزراري: وكان جدّي أبو طاهر أحد رواة

ص: 236


1- رجال النجاشي: 379/1032.
2- المصدر نفسه: 122/313.
3- فهرست الطوسي: 217/612.
4- رجال الطوسي: 438/6270.
5- كامل الزيارات: 245، باب 46، ح364.
6- رجال الطوسي: 441/6304.
7- رجال النجاشي: 340/910.

الحديث، قد لقي محمّد بن خالد الطيالسي، فروي عنه: كتاب عاصم بن حميد، وكتاب سيف بن عميرة، وكتاب العلاء ابن رزين، وكتاب إسماعيل ابن عبدالخالق، وأشياء غير ذلك(1).

وقد روى عنه جماعة آخرون، منهم: الصفّار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وعلي بن إبراهيم ابن هاشم، وغيرهم، ومن هنا قال الأستاذ الأكبر البهبهاني (قدس سره) في تعليقته: رواية الأجلّة عنه تشير إلى الاعتماد عليه(2).

وقد عدّه المحدّث النوري (قدس سره) من الأجلاّء والثقات، وتعجّب من العلاّمة المجلسي (قدس سره) ؛ لعدّه - في الوجيزة - من المجاهيل، ومن الفاضل البحراني (قدس سره) ؛ لعدم ذكره له في البلغة(3).

وقال العلاّمة المامقاني في ترجمته: ويمكن اتّصافه بأدنى درجة الحسن باعتبار رواية الأجلّة عنه(4).

وقد وقع في أسناد نوادر الحكمة(5)،

وهو كافٍ بالقول بوثاقته على ما حقّقناه.

وأمّا رُزَيْق: فهو ابن الزبير الخلقاني، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق(6)

ص: 237


1- رسالة أبي غالب الزراري: 148.
2- تعليقة على منهج المقال: 306.
3- مستدرك الوسائل (الخاتمة) 9 : 39/ 2453.
4- تنقيح المقال 3: 114/ 10665.
5- تهذيب الأحكام 10 : 152/610.
6- رجال الطوسي: 205/2636.

والحاصل: أنّ الحديث معتبر بالسند الأوّل، وأمّا السند الثاني فغير معتبر بكلا طريقيه.

تصحیح جمیع روایات الحسن بن علي بن فضّال

هذا وقد ذكر في «الأمالي» الحديث بسند آخر، وهو: حدّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي، قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمّد بن وهبان، عن محمّد بن أحمد بن زكريا، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي كهمس.

وبإسناده عن زرعة، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، الحديث بناءً على نسخة، واما النسخة الأخرى: عن رزيق(1)

أمّا الحسين بن إبراهيم القزويني: فهو من مشايخ الشيخ، ولم يرد فيه شي ء(2)

وأمّا محمّد بن وهبان: فقال النجاشي فيه: «ثقة من أصحابنا، واضح الرواية، قليل التخليط»(3)

وأمّا محمّد بن أحمد بن زكريا: فلم يرد فيه شي ء.

وأما الحسن بن عليّ بن فضال وعلي بن عقبة وأبو كهمس: فقد تقدّم ذكرهم.

وهذا السند غير معتبر، ولكن يمكن تصحيحه بأن يقال: إنّ للشيخ (رحمه الله)

ص: 238


1- الأمالي للشيخ الطوسي: 694، ح 21.
2- معجم رجال الحديث 6 : 191/3257.
3- رجال النجاشي: 396/1060.

طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن عليّ بن فضّال.

وأمّا سنده عن زرعة، فله طريقان معتبران في «الفهرست» مضافاً إلى طريق الأمالي.

وأمّا زرعة: فهو أبو محمّد الحضرمي، قال النجاشي في حقه: «زرعة بن محمّد، أبو محمّد، الحضرمي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وأبي الحسن (علیه السلام) ، وكان صحب سماعة، وأكثرعنه، ووقف، له كتاب يرويه عنه جماعة»(1) ، وقال الشيخ: «له أصل»(2) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«التفسير» أيضاً(3).

ويستفاد من كلام النجاشي أنّ كتابه مشهور، وعليه فلا حاجة إلى ملاحظة الطريق إليه.

والحاصل: أنّ هذا الطريق معتبر، وقد ذكر في «الجامع»(4) أنّ بعض النسخ ونسخ «الأمالي» مختلفة، ففي بعضها: بالإسناد الأوّل عن زُرْعَة، وفي بعضها: عن رزيق، وغير ذلك، واللَّه العالم بالصواب.

ص: 239


1- رجال النجاشي : 176/466.
2- فهرست الطوسي : 134/313.
3- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 280 .
4- انظر: جامع أحاديث الشيعة 8 : 278/1087.

[35] 35 - عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ «الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ»، نَقْلاً مِنْ «تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ» بِإِسْنَادِهِ الآتِي(1)، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ: «وَأَمَّا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِهِ، فَدَعَائِمُ الإِسْلامِ، وَهِيَ خَمْسُ دَعَائِمَ، وَعَلَى هَذِهِ الْفَرَائِضِ بُنِيَ الإِسْلامُ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةَ حُدُودٍ، لا يَسَعُ أَحَداً جَهْلُهَا، أَوَّلُهَا: الصَّلاةُ، ثمّ الزَّكَاةُ، ثمّ الصِّيَامُ، ثمّ الْحَجُّ، ثمّ الْوَلايَةُ، وَهِيَ خَاتِمَتُهَا، وَالْحَافِظَةُ لِجَمِيعِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[35] - فقه الحديث:

هذا الحديث جامع لما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّه جمع الأمور الخمسة وجعلها دعائم الإسلام، وذكر: أنّ الإسلام بني عليها، وأنّها الفرائض التي لا يسع لأحد جهلها، وأنّ الولاية خاتمتها، وهي الحافظة لجميع الفرائض والسنن، وهذا لا يخفى؛ لأنّ الولاية فرع النبوّة، ومكمّلة لها، كما مرّ، فهي امتداد للنبوّة، فكما أنّ من وظائف النبي تبليغ الفرائض والسنن عن اللَّه تعالى، والحفاظ عليها تامة، سالمة من التحريف طيلة حياته، فكذا

ص: 240


1- يأتي الإسناد في آخر الفائدة الثانية من الخاتمة، رقم 52.
2- المحكم والمتشابه: 77، ويأتي قسم منه في الحديث 17 من الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، ويأتي ذيله في الحديث 15 من الباب 8 من أبواب ممّا تجب فيه الزكاة.

أوصياؤه (علیهم السلام) ، فإنّ لهم نفس الوظيفة، وهذا شأن من شؤون الولاية.

والحديث طويل، اكتفى صاحب «الوسائل» منه بهذا المقدار، وقد أورد قسماً منه في أفعال الصلاة، وقسماً آخر في ما تجب فيه الزكاة.

سند الحديث:

سند الشیخ النعماني إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام)

ورد هذا السند كثيراً في «الوسائل»، وليس له إلّا طريق واحد، وهو ما ذكره صاحب «الوسائل» نفسه في الفائدة الثانية من الخاتمة، حيث قال: «واعلم: أنّ سيدنا الأجلّ المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقل أحاديث من تفسير النعماني، وهذا إسنادها: قال [شيخنا] أبو عبد اللَّه، محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني(رضی الله عنه) في كتابه في تفسير القرآن: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبد اللَّه، جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام) يقول:... وذكر الحديث عن آبائه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) »(1)

أمّا عليّ بن الحسين المرتضى: فقد قال عنه النجاشي: «علي بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) ، أبو القاسم المرتضى، حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث

ص: 241


1- وسائل الشيعة 30 : 144، الفائدة الثانية، ورسالة المحكم والمتشابه: 55.

فأكثر، وكان متكلّماً، شاعراً، أديباً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، صنَّف كتباً»(1)

وقال الشيخ: «علي بن الحسين الموسوي، يكنّى أبا القاسم، الملقّب بالمرتضى، ذي المجدين، علم الهدى، أدام اللَّه تعالى أيّامه، أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلّم، فقيه، جامع للعلوم كلّها، مدّ اللَّه في عمره، يروي عن التلعكبري، والحسين بن عليّ بن بابويه، وغيرهم من شيوخنا، له تصانيف كثيرة ذكرنا بعضها في الفهرست، وسمعنا منه أكثر كتبه، وقرأناها عليه»(2) .

وقال في «الفهرست»: «علم الهدى الأجل المرتضى رضي الله عنه، متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم»(3) .

وأمّا صاحب التفسير - وهو الشيخ النعماني - : فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن إبراهيم بن جعفر، أبو عبد اللَّه الكاتب، النعماني، المعروف بابن زينب، شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث، قدم بغداد، وخرج إلى الشام، ومات بها، له كتب»(4)

وأمّا أحمد بن محمّد بن عقدة: فقد قال عنه النجاشي: «أحمد بن

ص: 242


1- رجال النجاشي: 270/708.
2- رجال الطوسي: 434/ 6209.
3- فهرست الطوسي: 164/431.
4- رجال النجاشي: 383/1043.

محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد اللَّه بن عجلان، مولى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس السَّبيعي، الهَمْداني، هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفيّاً زيديّاً جاروديّاً على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا؛ لاختلاطه بهم، ومداخلته إيَّاهم، وعظم محلّه، وثقته، وأمانته، له كتب»(1)

وقال الشيخ: «المعروف بابن عقدة، يكنّى أبا العباس، جليل القدر، عظيم المنزلة، له تصانيف كثيرة، ذكرناها في كتاب الفهرست، وكان زيديّاً جاروديّاً، إلّا أنّه روى جميع كتب أصحابنا، وصنَّف لهم، وذكر أصولهم، وكان حفظة، سمعت جماعة يحكون أنّه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث»(2)

وقال في «الفهرست»: «وأمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر»(3).

وهو من مشايخ الكليني (قدس سره) . وقال أبو عبد اللَّه النعماني في مقدمة كتابه «الغيبة»: «...وهو ما أخبرنا به أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، الكوفيّ، وهذا الرجل ممّن لا يطعن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث، والرجال

ص: 243


1- رجال النجاشي: 94/233.
2- رجال الطوسي: 409/5949.
3- فهرست الطوسي: 73/86 .

الناقلين له»(1)

وأمّا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي: فلم يرد فيه توثيق.

وأمّا إسماعيل بن مهران: فقد تقدّم ذكره.

اسناد الشیخ إلی في الحسن بن عليّ بن أبي حمزة

وأمّا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة: فقد قال عنه النجاشي: «قال أبو عمرو الكشّي: فيما أخبرنا به محمّد بن محمد، عن جعفر بن محمد، عنه، قال: قال محمّد بن مسعود: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فطعن عليه، وكان أبوه قائد أبي بصير يحيى بن القاسم، هو الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، مولى الأنصار، كوفي، ورأيت شيوخنا رحمهم اللَّه يذكرون أنّه كان من وجوه الواقفة، له كتب»(2)

وقال الكشّي: «محمد بن مسعود، قال: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً. وحكى لي أبو الحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه، أنه قال: الحسن بن عليّ بن أبي حمزة: رجل سوء»(3).

ص: 244


1- الغيبة للنعماني: 32.
2- رجال النجاشي: 36/73.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 827/1042.

وورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(1)

وهذا التوثيق معارض بالتضعيف بالكذب، بخلاف ما إذا كان التضعيف باللعن أو الوقف؛ فللجمع وجه حينئذٍ، وعليه فيستقرّ التعارض، ولا يمكن الحكم بوثاقته ويعامل معاملة المجهول.

وأمّا أبوه، فقد تقدّم ذكره.

وأمّا إسماعيل بن جابر الجعفي: فقال عنه النجاشي: «إسماعيل بن جابر الجعفي، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو الذي روى حديث الأذان، له كتاب ذكره محمّد بن الحسن بن الوليد في فهرسته»(2) .

وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) ، وقال: «إسماعيل بن جابر الخثعمي، الكوفي، ثقة، ممدوح، له أصول، رواها عنه صفوان بن يحيى»(3).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

والحاصل: أنّ السند غير معتبر بثلاثة أشخاص.

ص: 245


1- أصول علم الرجال 1 : 217، و ج2 : 186 .
2- رجال النجاشي: 32/71.
3- رجال الطوسي: 124/1246.
4- أصول علم الرجال 1 : 214 ، 277، و ج2 : 181 .

[36] 36 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِه»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ لَهَلَكُوا. وَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ لَهَلَكُوا. وَإِنَّ اللَّهَ لَيَدْفَعُ بِمَنْ يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لَهَلَكُوا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[36] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بوضوح على أهمّيّة هذه الواجبات المذكورة، وقد مضى مضمونه في الحديث السادس عشر، ودلّ - مضافاً إلى ذلك - على أنّ اللَّه يدفع العذاب والهلاك الدنيوييّن عن الفاسقين بعمل الصالحين، كما دلّت على ذلك أحاديث أخر:

منها: ما روي عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّه قال: «يقول اللَّه تعالى: لولا رجال خُشَّع، وصبيان رُضَّع، وبهائم رُتَّع، لصببت عليكم العذاب صبّاً»(3)

ص: 246


1- البقرة، الآية 251.
2- تفسير القمّي 1 : 83.
3- الجواهر السنية للحر العاملي: 168 - 169 .

ومنها: ما في وصيّة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لأبي ذر، حيث قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنّ اللَّه يصلح بصلاح العبد ولده، وولد ولده، ويحفظه في دُوَيرته، والدُّور حوله ما دام فيهم»(1)

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم وأبوه وابن أبي عمير: كلّهم ثقات أجلّاء كما تقدّم.

وأما جميل: فهو مشترك بين ستّة أشخاص، والمشهور منهم شخصان، وهما:

1 - جميل بن درّاج.

2 - جميل بن صالح.

وكلاهما ثقتان.

أمّا جميل بن درّاج: فقد قال عنه النجاشي: «جميل بن درّاج - ودرّاج يكنّى بأبي الصبيح - بن عبد اللَّه، أبو عليّ النخعي، وقال ابن فضّال: أبو محمّد شيخنا، ووجه الطائفة، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه، وأبي الحسن (علیهما السلام) ، [و] أخذ عن زرارة. وأخوه نوح بن درّاج القاضي، كان أيضاً من أصحابنا، وكان يخفي أمره، وكان أكبر من نوح، وعَمِي في آخر عمره، ومات في أيّام الرضا (علیه السلام) ، له كتاب، رواه عنه جماعات من الناس، وطرقه كثيرة»(2).

ص: 247


1- أمالي الطوسي: 543، المجلس السادس عشر، ح1162.
2- رجال النجاشي: 126/328.

ووثّقه الشيخ (قدس سره) في «الفهرست»(1)، وعدّه من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) (2).

وعدّه الكشّي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه(3)

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وأمّا جميل بن صالح: فقد قال عنه النجاشي: «جميل بن صالح الأسدي، ثقة، وجه، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال، روى عنه سماعة»(5)

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

ومن المحتمل قويّاً: أن يكون المراد منه هنا الأول؛ فإنّه الأشهر، وهو الذي روى عنه ابن أبي عمير كتابه.

وكيف كان، فالسند معتبر بلا إشكال.

ص: 248


1- فهرست الطوسي: 94/154.
2- رجال الطوسي: 177/2101، و333/4964.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705.
4- أصول علم الرجال 1 : 216، 278، و ج2 : 184 .
5- رجال النجاشي: 127/329.
6- أصول علم الرجال 1 : 216 ، 278، و ج2 : 184 .

[37] 37 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا مَا يُطِيقُونَ. إِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَلَّفَهُمْ مِنْ كلّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَكَلَّفَهُمْ صِيَامَ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ، وَكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[37] - فقه الحديث:

تقدّم مضمون الحديث في الحديث السابع والعشرين، والاختلاف بينهما يسير جدّاً، وما ذكرناه هناك يأتي بعينه هنا.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّم ذكرهم، وهم ثقات. وعليه فالسند معتبر.

ص: 249


1- المحاسن1 : 461، ح1069، وتقدم في الحديث 27 بسند آخر من هذا الباب، ويأتي في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

[38] 38 - وَعَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ مُعَاذِ ابْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدِّينِ(1)1*) الَّذِي لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ غَيْرَهُ، وَلا يَعْذِرُهُمْ عَلَى جَهْلِهِ؟ فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جُمْلَةً، وَالائْتِمَامُ بِأَئِمَّةِ الْحَقِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ»، الْحَدِيثَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[38] - فقه الحديث:

تقدّم مضمون صدر الحديث في الحديث الثاني عشر، وهو يدلّ بوضوح على أهمّيّة الأمور الخمسة، وعلى أمور أخرى تقدّمت في الأحاديث السابقة، كالحديث الثاني والثلاثين وغيره.

نعم، ورد في هذا الحديث أمران آخران:

أوّلهما: الغسل من الجنابة، وهو شرط واقعيّ للصلاة. وهنا سؤال وهو: أنه أي خصوصيّة للغسل من الجنابة حتّى يعدّ من جملة الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله؟ مع أن بعض الفرائض أهم منه كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 250


1- 1*) كلمة «الدين» ليست في المصدر.
2- 2*) المحاسن1 : 449 ، ح 1037.

ويجاب عنه أولاً: بأن كلمة الدين ليست في المصدر، فعليه لا إشكال في عدّ غسل الجنابة من الذي لا يقبل الله من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله.

وثانياً: على فرض ثبوت كلمة الدين - كما في المتن هنا - يمكن الحمل على أنّ الغسل من الدين أي من الحنيفية، وذكره في عداد الواجبات النفسية وإن أشعر بكونها منها، وقد استدل بعض الفقهاء به على أن غسل الجنابة واجب نفسي، لكن الإنصاف أنه لا يبلغ حدّ الظهور، فلا يمكن الاستدلال به على كونه واجباً نفسياً؛ والشاهد على هذا الحمل ما ورد في أحاديث الغسل من أن المجوس كانت لا تغتسل من الجنابة «والعرب كانت تغتسل، والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية»(1).

وثانيهما: الإقرار بما جاء من عند اللَّه جملة. ويحتمل أن يكون بمعنى: لزوم الإقرار بما جاء من عند اللَّه سبحانه وتعالى على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) على نحو الإجمال، كما قيل بذلك. ويحتمل أن يكون المراد: الإقرار بجميع ما جاء من عند اللَّه سبحانه وتعالى، بلا فرق بين ما جاء به نبيّنا(صلی الله علیه و آله و سلم)، أو سائر الأنبياء (علیهم السلام) ، كما عدّ ذلك من أصول الدين.

وفي ذيل الحديث صرّح بالولاية، بمعنى الائتمام بأئمّة الحقّ من آل محمد (علیهم السلام) . ولمّا سأل السائل عن أسماء الأئمّة (علیهم السلام) سمّاهم الإمام واحداً واحداً، ولمّا وصل إلى نفسه أشار إلى أنّه الإمام - من دون أن يصرّح بذلك -

ص: 251


1- وسائل الشيعة 2 : 177، ب1 من أبواب الجنابة، ح14.

بقوله (علیه السلام) : «والخير يعطيه اللَّه من يشاء».

وكلّما أصرّ السائل على معرفة الواقع بالتصريح أجابه الإمام بجواب يختلف عن سابقه.

وللحديث - أيضاً - دلالة على مقام الإمامة، وأنّها تختلف عن غيرها، فقد أشار (علیه السلام) إلى أمور:

الأوّل: أنّ هذا الأمر يجري لآخرنا كما يجري لأولنا، فهم كالنور الواحد. ولما كان هذا الكلام يوهم تساويهم جميعاً (علیهم السلام) في الفضل عقّب (علیه السلام) ذلك بقوله: «ولمحمد وعلي فضلهما»؛ تمييزاً لهما عن بقيّة الأئمّة (علیهم السلام) في الفضل؛ باعتبار أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أفضل الخلق قاطبة، وأخوه ووصيّه أمير المؤمنين (علیه السلام) نفسه، كما نصّ عليه الكتاب العزيز(1)، فلذا كان لهما شأنهما في الفضل.

الثاني: أنّهم الحجّة الثابتة والباقية إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها. وقد بيّن (علیه السلام) : أنّ هذا الأمر يجري كما يجري الليل والنهار. ولعلّه أشار إلى أنّهم اثنا عشر إماماً، كما أنّه يحدث بجريان الليل والنهار اثنا عشر شهراً.

الثالث: أنّهم كالحكم الثابت الذي لا يتغير بتغير الزمان، كأحكام الحدود، فكما أنّ أحكامها لا تتعطل، وأمرها بيد الإمام، كذلك الإمام موجود عبر الزمان وإن امتدّ، وأيضاً لابدّ من وجوده (علیه السلام) في كلّ زمان؛ لأن أمرها بيده (علیه السلام) .

ص: 252


1- آل عمران: 61.

الرابع: أنّ إمامتهم كالقرآن، وهي باقية كبقائه في الناس إلى يوم القيامة. ويمكن أن يكون المراد أنّهم كالقرآن في العصمة، وعدم تطرّق الريب، أو في الحجية إلى يوم القيامة، فكما أنّ القرآن حجة على الناس إلى يوم القيامة، فكذا هم (علیهم السلام) حجة على الناس إلى يوم القيامة.

ولو أنّ السائل سأل الإمام بكيفية غير هذه الكيفية لأجابه الإمام (علیه السلام) ، كما في قضية هشام بن سالم مع الإمام الكاظم (علیه السلام) ، فإنّه لمّا أدرك أنّ سؤاله عن الإمام كان خطأً، سأله قائلاً: هل عليك إمام؟ فقال الإمام: «لا» فعلم هشام أنّه الإمام(1).

إلّا أنّ السائل تنبّه أخيراً إلى ذلك، وأدرك أن الإمام (علیه السلام) في مقام بيان خصائص الإمامة والأئمّة (علیهم السلام) ، ولذا قال: جعلت فداك، أنت لتزيدني على أمر.

سند الحديث:

الحسين بن سيف: هو الكندي، ومن المحتمل أنه: ابن عميرة النخعي، ولم يرد في حقه شي ء.

نعم، ورد في «نوادر الحكمة» على نسخة، وفي نسخة أخرى: الحسين بن يوسف، والأوّل هو الأصح(2)

وأمّا معاذ بن مسلم: فقد وثّقه النجاشي(3)

ص: 253


1- الكافي 1 : 352، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة، ح7.
2- انظر: أصول علم الرجال 1 : 220.
3- رجال النجاشي: 324/883.

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»(1) ، وهو متّحد مع معاذ بن كثير، على ما صرّح به الشيخ الصدوق في «الفقيه»، حيث قال: «وفي رواية حذيفة بن منصور، عن معاذ بن كثير - ويقال له: معاذ بن مسلم الهرّاء - عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ...»(2) .

وقال فيه الشيخ المفيد في «الإرشاد»: «فممّن روى صريح النصّ بالإمامة من أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (علیه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد اللَّه وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين - رضوان اللَّه عليهم - : المفضّل بن عمر الجعفي، ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمن بن الحجّاج»(3) .

ووردت فيه روايات مادحة:

منها: ما رواه عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال لي: «بلغني أنّك تقعد في الجامع، فتفتي الناس؟»، قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إنّي أقعد في المسجد، فيجي ء الرجل يسألني عن الشي ء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجي ء الرجل أعرفه بحبّكم أو مودّتكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجي ء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول: جاء عن فلان: كذا، وجاء عن فلان: كذا، فأدخل قولكم فيما بين

ص: 254


1- أصول علم الرجال 1 : 240 .
2- من لايحضره الفقيه 2 : 169.
3- الإرشاد 2 : 216.

[39] 39 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «عَشْرٌ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَالْوَلايَةُ لأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابُ كلّ مُسْكِرٍ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُسْلِمٍ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ذلك قال: فقال لي: «اصنع كذا؛ فإنّي كذا أصنع»(3) .

وعليه فالسند معتبر.

[39] - فقه الحديث:

تقدّم نظيره في جملة من الأحاديث السابقة، وأضيف هنا: وجوب الإقرار بما جاء من عند اللَّه، والبراءة من أعداء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

المذكور للحديث هنا طريقان:

ص: 255


1- المحاسن 1 : 77 ، ح 38.
2- ثواب الأعمال 14، باب عشر خصال، ح1.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 524/470.

أوّلهما: ما رواه البرقي، عن أبيه، عن سعدان بن مسلم، عن الفضيل بن يسار.

وفي السند من لم يتقدّم ذكره سابقاً، من قبيل:

سعدان بن مسلم: الذي قال عنه النجاشي: «اسمه عبد الرحمن بن مسلم، أبو الحسن العامري، مولى أبي العلاء كرز بن حفيد العامري، من عامر ربيعة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وعمّر عمراً طويلاً ... له كتاب يرويه جماعة»(1)

وقال الشيخ في «الفهرست»: «له أصل، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل...»(2).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3).

وثانيهما: ما رواه الصدوق، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، واسمه عبد الرحمن بن مسلم.

وفي السند من لم يتقدّم ذكره، نحو:

العباس بن معروف: الذي قال عنه النجاشي: «العباس بن معروف، أبو الفضل، مولى جعفر بن [عمران بن[ عبد اللَّه الأشعري، قمّي، ثقة، له كتاب

ص: 256


1- رجال النجاشي: 192/515.
2- فهرست الطوسي: 141/336.
3- أصول علم الرجال 1 : 223 ، 280، و ج2 : 193 .

أَقُولُ: وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدّاً قَدْ تَجَاوَزَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَفِيمَا أَوْرَدْتُهُ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ(1)، وَكَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الآداب، وله نوادر»(3)

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، وقال: «العباس بن معروف، قمّي، ثقة، صحيح، مولى جعفر بن عمران بن عبد اللَّه الأشعري»، كما ذكره في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) (4)

وعليه فالطريقان معتبران.

وأقول: سبقت منّا الإشارة إلى هذا المعنى، وقد قال المصنّف في شرحه: «ورد فيها - يعني الولاية - أُلوف من المعجزات، مرويّة في كتب العامّة والخاصّة، قد جمعنا منها ما تجاوز حدّ التواتر بمراتب في كتاب مفرد»(5).

والحاصل: أنّ في الباب تسعة وثلاثين حديثاً، المعتبر منها واحد وثلاثون حديثاً، ويمكن القول باعتبار البقيّة أيضاً على بعض المباني

ص: 257


1- يأتي في الحديث 14 و 15 و 16 من الباب 5 من صلاة الجنازة.
2- يأتي في الحديث 25 و 26 من الباب 15 من أبواب الوضوء.
3- رجال النجاشي: 281/743.
4- رجال الطوسي: 361/5347 ، و ص389/ 5733.
5- تحرير وسائل الشيعة: 227.

المتقدّمة، كما لا يخفى.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية لأئمّة الهدى (علیهم السلام) ، بمعنى وجوب متابعتهم.

ومنها: أهمّيّة هذه العبادات الخمس على غيرها، وأنّها هي التي بني عليها الإسلام، وهي دين اللَّه.

ومنها: أنّها حدود الإيمان.

ومنها: أنّها هي الإسلام.

ومنها: أنّ من تركها هلك.

ومنها: أنّه لا يقبل غيرها، ولا يعذر على جهلها.

ومنها: أنّ اللَّه افترضها؛ ليميز الخبيث من الطيّب(1).

ومنها: أنّ الصلاة أصل الإسلام، وهي الطهر، وهي قرينة الزكاة، وأنّ الزكاة لا تقبل إلّا بها، وهي من جملة حدود الإيمان، والحكمة من تشريعها هي: التنزيه عن الكبر، وأنّ من لقي اللَّه بها دخل الجنة، وأنّ اللَّه يدفع بها عمّن لا يصلّي، وهي من المحمديّة السهلة السمحة، وهي الملّة.

ومنها: أنّ الزكاة فرع الإسلام، وهي الفطرة والمطهِّرة، وهي قرينة الصلاة، وهي من جملة حدود الإيمان، وهي موجبة للزيادة في الرزق،

ص: 258


1- كما في سورة الأنفال، الآية 37.

وهي المطيّبة للنفوس، والنافية للفقر، والمدحضة للذنب، وأنّ من لقي اللَّه بها دخل الجنة، وأن اللَّه يدفع بها عمّن لا يزكّي، وهي من المحمديّة السهلة السمحة.

ومنها: أنّ الصيام هو الجُنَّة، وهو من جملة حدود الإيمان، وأنّ من لقي اللَّه به دخل الجنّة، وأنّ اللَّه يدفع به عمّن لا يصوم، وهو من المحمديّة السهلة السمحة، والحكمة من تشريعه هي: تثبيت الإخلاص.

ومنها: أن الحجّ هو الشريعة، وهو تشييد للدين، وأنّ اللَّه يدفع به عمّن لا يحجّ، وأنّ إدمانه يسرع في الغنى، وينفي الفقر، وهو من جملة حدود الإيمان، وهو من المحمديّة السهلة السمحة.

ومنها: أنّ الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو عزّ للإسلام.

ومنها: أنّ الأمر بالمعروف مصلحة لعموم الناس، وهو الوفاء، والنهي عن المنكر هو الحجّة.

ومنها: أنّ الإقرار بما جاء من عند اللَّه من حدود الإيمان.

ومنها: أنّ التبرّي من أعداء آل محمد (علیهم السلام) من حدود الإيمان.

ومنها: وجوب اجتناب كلّ مسكر.

ومنها: أهمّيّة الولاية والمعرفة، وتفضيلها على غيرها من الواجبات الخمس.

ومنها: أنّ الولاية هي الحافظة لجميع الفرائض والسنن، وهي مفتاحها، وهي من المحمديّة السهلة السمحة، وهي الوحيدة من الفرائض التي لا

ص: 259

رخصة فيها، وأنّها التي يلزم التديّن بها في الحياة، كما يلزم أن يكون الموت عليها.

ومنها: أنّ طاعة أولي الأمر (علیهم السلام) موجبة لدخول الجنّة.

ومنها: أنّه ما نودي بشي ء من الفرائض وأُكّد عليه كما نودي بالولاية، وأنّ الناس تركوها.

ومنها: أنّ الولاية شرط للصلاة والزكاة، فهما لا تقبلان إلّا بها.

ومنها: أنّ الإيمان يطهّر من الشرك، وهو لا يتحقّق إلّا بالولاية.

ومنها: رجحان قضاء حاجة المسلم، وتنفيس كربته، وبرّ الإخوان، والمواساة لهم ببذل المال.

ص: 260

2 - باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2 - باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريّات

وغيرها ممّا تقوم الحجّة فيه بنقل الثقات

شرح الباب:

هذا الباب في بيان بعض ما يوجب الكفر والارتداد، وينبغي هنا التنبيه على أمور:

الأمر الأول: أنّ الكفر في اللغة بمعنى: الستر للشي ء وتغطيته، ومنه سمّي الليل كافراً؛ لأنّه يغطّي كلّ شي ء بسواده، والكفر والكافر يطلق كثيراً على من يجحد اللَّه والنبي، والكفران يطلق كثيراً على كفران النعمة، والكفور مبالغة في الكفر، وهو أشدّ من الكفور، كما أنّ الكفور يكون جمعاً للكفر {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً}(1)

والارتداد هو الرجوع، ومنه المرتدّ: أي الذي رجع عن الإسلام.

الأمر الثاني: أنّ الكفر والارتداد لهما أقسام:

أمّا الكفر، فله أقسام ثلاثة:

ص: 261


1- الإسراء، الآية 99.

1 - الكفر في العقيدة.

2 - كفر الإيمان.

3 - الكفر في العمل.

أما الأول: فإنّ كلّ شخص ينكر الربوبيّة أو النبوّة أو المعاد يعتبر كافراً، سواءً كان عن تقصير أو قصور، أو لم يقرّ بالوحدانيّة أو النبوّة أو المعاد، ويقابله المسلم الذي أقرّ بالشهادتين وبالمعاد.

وأما الثاني: فإنّ من اعتقد بهذه الأمور المتقدّمة، ولكن أنكر ولاية الأئمة (علیهم السلام) فإنّه ليس بمؤمن واقعاً، وإن كان يعامل معاملة المسلمين في الأحكام الظاهريّة، كطهارتهم، وجواز مناكحتهم، وحلّيّة ذبائحهم، والتوارث، ونحو ذلك، فتجري عليه أحكام الإسلام؛ وذلك لما ورد في غير واحد من الروايات من: أنّ المناط في الإسلام إنّما هو شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي التي عليها أكثر الناس. فالكفر في هذا القسم ليس هو الكفر في مقابل الإسلام، وإنّما هو في مقابل الإيمان بمعناه الأعمّ.

وأمّا الثالث: فهو يرجع إلى العمل من حيث الطاعة والعصيان، وقد يعبّر عنه بالفسق، ويقابله الإيمان بالمعنى الأخصّ، وهو أهون من القسمين الأولين. ويمكن أن يتدارك بالتوبة أو العفو.

وهناك قسم آخر، وهو المنكر لضروريّ من ضروريّات الإسلام، ممّا اتفق عليه جميع المسلمين أو اشتهر، كالصلاة، والزكاة، والحج... وغيرها.

ص: 262

والمشهور: أن منكر الضروريّ كافر مطلقاً، عن تقصير كان أو عن قصور، جاهلاً أو عالماً، وإليه ذهب صاحب «الجواهر»(1)،

وقوّاه صاحب «مفتاح الكرامة»(2)، وغيرهما .

واختار جماعة من محقّقي المتأخرين(3):

أنّ إنكار الضروريّ بما هو لا يوجب الكفر، إلّا إذا كان يستلزم إنكار النبوة، وكان المنكر عالماً بالملازمة. وأما مع عدم العلم بها، أو عروض شبهة، ولو عن تقصير، فلا يوجب ذلك الكفر.

وبناء على هذا القول، فالحكم لا يختصّ بالضروريّ، بل هو شامل لإنكار ما علم أنّه من الدين، وإن لم يكن ضروريّاً، ويكفي قيام الحجّة على أنّه من الدين. كما أنّ إنكار ما علم أنّه من الدين عن جحود - أي: لا عن شبهة - موجب للكفر والارتداد.

ومن عنوان الباب يستفاد هذا القول؛ حيث قال: إنّ إنكار ما قامت عليه الحجّة - وإن لم يكن ضروريّاً - يوجب الكفر والارتداد.

وأما الارتداد، فهو على قسمين: فطري وملّي، ولكل منهما حكم خاصّ، يأتي إن شاء اللَّه تعالى في الباب الثلاثين من هذه الأبواب.

ص: 263


1- جواهر الكلام 6 : 49.
2- انظر: مفتاح الكرامة 2 : 37 - 38.
3- كالشهيد الثاني في الروض 2 : 944 - 945، خاتمة في أحكام القضاء، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 199، الصلاة في السهو والشك، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 410.

[40] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ شَيْ ءٍ يَجُرُّهُ الإِقْرَارُ والتَّسْلِيمُ فَهُوَ الإِيمَانُ، وكُلُّ شَيْ ءٍ يَجُرُّهُ الإِنْكَارُ والْجُحُودُ فَهُوَ الْكُفْرُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأمر الثالث: أن صاحب «الوسائل»(2) (رحمه الله) وغيره من المحدّثين(3) اختاروا القول المشهور، وهو أنّ إنكار الضروري - مطلقاً - يوجب الكفر أو الارتداد.

والظاهر أنّ مراده من وضع هذا الباب هو أنّ الواجبات الخمسة المتقدّمة لمّا كانت ممّا بني عليها الإسلام وكانت من الضروريّات عند جميع المسلمين، فإنكار أحدها يوجب الكفر. وكذا ما عدّ من الضروريّات من غير هذه الأمور المذكورة.

منشأ الإيمان والكفر

[1] - فقه الحديث:

في هذا الحديث ذكر الإمام (علیه السلام) قضيّتين كلّيتين لمنشأ الإيمان والكفر، وهما: أنّ كلّ أمرٍ من الأمور - سواء كان من الأمور الجوانحيّة أو الجوارحيّة، فعلاً أو تركاً، قولاً أو عملاً - إن كان منشؤه الإقرار والتسليم فهو

ص: 264


1- الكافي 2 : 387، باب الكفر ، ح 15.
2- وسائل الشيعة 1 : 30، باب2 من أبواب مقدمة العبادات.
3- كالمجلسي في مرآة العقول 19 : 126، باب الربا ح11.

من الإيمان، وكل أمرٍ من الأمور إذا كان منشؤه الإنكار والجحود وعدم الاعتراف والإقرار فهو الكفر. وعليه فجميع الأمور لا يخلو منشؤها من أحد هذين الأمرين.

ومن هذا يتبيّن: أنّ تقابل الإيمان والكفر تقابل الملكة والعدم، فالإنسان إمّا مؤمن وإمّا كافر، ولا يخلو من أحدهما واقعاً. نعم، بالنسبة إلى الغير قد يكون مجهول الحال، فيكون من تقابل التضادّ.

والحديث شامل للقسمين الأوّلين، وظاهر في القسم الرابع. وأمّا القسم الثالث - وهو كفر العمل - فإذا لم يأتِ العاصي بالعمل لا بعنوان الجحود والإنكار فلا يكون شاملاً له.

سند الحديث:

محمّد بن يعقوب ومحمد بن يحيى وأحمد بن محمّد - وهو ابن عيسى - وابن محبوب - وهو الحسن بن محبوب - قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا أبو أيوب: فهو مشترك بين جماعة، والظاهر أنه الخزاز؛ لكثرة رواياته عن محمّد بن مسلم ورواية ابن محبوب عنه، وأنه كثير الرواية عن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ، وهو صاحب كتاب مشهور؛ قال النجاشي عنه: «إبراهيم بن عيسى، أبو أيّوب الخزّاز. وقيل: إبراهيم بن عثمان، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أبو العباس في كتابه، ثقة، كبير المنزلة، له كتاب نوادر، كثير الرواة عنه»(1)، ومنه يعلم أنّ كتابه مشهور، فلا

ص: 265


1- رجال النجاشي: 20/25.

يحتاج إلى الطريق.

وقال الشيخ: «إبراهيم بن عثمان، المكنّى بأبي أيّوب الخزّاز الكوفي، ثقة، له أصل»(1)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (2) .

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(3)

وقال الكشّي: «أبو أيّوب إبراهيم بن عيسى الخزّاز، قال محمّد بن مسعود، عن عليّ بن الحسن: أبو أيّوب كوفي، اسمه إبراهيم بن عيسى، ثقة»(4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وأمّا محمّد بن مسلم: فقال النجاشي: «محمد بن مسلم بن رَبَاح، أبو جعفر الأوقص الطحّان، مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وروى عنهما، وكان من أوثق الناس، له كتاب يسمّى الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام»(6)

وعدّه الشيخ في «رجاله» تارة في أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في

ص: 266


1- فهرست الطوسي: 41/13.
2- رجال الطوسي: 159/1775.
3- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 661/679.
5- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289، و ج2 : 218 .
6- رجال النجاشي: 323 / 882 .

أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وثالثة من أصحاب الكاظم (علیه السلام) (1)

وعدّه المفيد في «الرسالة العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(2).

وقد ذكر الكشّي: أنه ممّن أجمعت العصابة على تصديقهم، ووردت في مدحه روايات كثيرة:

منها: صحيحة سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي (علیه السلام) إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون في الآخرة».

ومنها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشِّر المخبتين بالجنّة»، وذكر منهم محمّد بن مسلم، «أربعة نجباء أمناء اللَّه على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست».

ومنها: صحيحة البقباق، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، أنّه قال: «أربعة أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبو جعفر الأحول»(3)

ص: 267


1- رجال الطوسي: 144/1570، و294/4293، و342/5100.
2- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 27.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 348/219 ، ص398/286 ، ص347/215.

[41] 2 - وعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَفَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ مُوجَبَاتٍ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ تَرَك فَرِيضَةً مِنَ الْمُوجَبَاتِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا وجَحَدَهَا كَانَ كَافِراً، وأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) بِأُمُورٍ كُلِّهَا حَسَنَةٌ. فَلَيْسَ مَنْ تَرَك بَعْضَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ(1) بِهِ عِبَادَهُ مِنَ الطَّاعَةِ بِكَافِرٍ، ولَكِنَّهُ تَارِكٌ لِلْفَضْلِ، مَنْقُوصٌ مِنَ الْخَيْرِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وعليه فالحديث صحيح.

الفرق بین ترك الفرائض والسنن

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث يشتمل على تفصيل بين الفرائض والسنن.

أمّا الفرائض: فهي الأمور التي أوجبها اللَّه تعالى على عباده من الأحكام التي تستفاد من ظاهر القرآن، فمن لم يأتِ بها - مع الإنكار والجحود - فهو

ص: 268


1- لتوضيح المراد انظر: الوافي 3 : 40، ومرآة العقول 11 : 109.
2- الكافي 2 : 283 ، ح 1.
3- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287، و ج2 : 211 .

كافر. وأمّا إذا لم يأتِ بها مع عدم الإنكار، فهو من القسم الثالث من أقسام الكفر، أي: من كفر الطاعة والعمل.

وأمّا السنن: فهي الأمور التي سنّها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي وإن كانت من أوامر اللَّه سبحانه، وشاملة للواجبات والمستحبّات، ولكنّ الفرق: أنّ تاركها حرم نفسه من الخير والبركة والآثار العظيمة، وإن لم يستوجب ذلك الكفر. وهذا أقوى المحتملات في معنى الحديث، فهو ظاهر الدلالة على المطلوب، وأنّ كلّ من جحد فريضة من فرائض اللَّه سبحانه فهو كافر.

بحث رجالي في داود الرقي

سند الحديث:

أمّا العدّة: فقد تقدّم الكلام حولها في المقدّمة، وكذا تقدّم الكلام حول أحمد بن محمّد والحسن بن محبوب.

وأمّا داود بن كثير الرقي: فقد اختلف في توثيقه وتضعيفه، فإنّ الشيخ وثّقه حيث قال: «مولى بني أسد، ثقة»(1)

، وعدّه المفيد من خواصّ الإمام الرضا (علیه السلام) ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(2)

، وقد وردت فيه روايات مادحة:

منها: ما روي عن الصادق (علیه السلام) : أنّه قال: «أنزلوا داود الرقّيّ منّي بمنزلة المقداد من رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)»(3)

ص: 269


1- رجال الطوسي: 336/5003.
2- الإرشاد 2 : 248.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 704/750.

[42] 3 - وعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الْكُفْرُ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْك، فَمَنِ اخْتَارَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وأَبَى الطَّاعَةَ، وأَقَامَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَهُوَ كَافِرٌ، ومَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مُشْرِك»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأمّا النجاشي فقد ضعّفه، حيث قال: «ضعيف جدّاً، والغلاة تروي عنه»(3)؛ ولذلك توقّف السيد الأستاذ (قدس سره) في أمره(4).

ولكن إذا أمكن حمل التضعيف على أنّه إنّما ضعِّف لرميه بالغلو، فيبقى التوثيق سليماً عن المعارض، فيكون ثقة في الحديث، وذلك هو الأقوى؛ بقرينة قول النجاشي: «والغلاة تروي عنه»، وقد عقدنا بحثاً مستقلاًّ حوله(5)

، ورجّحنا القول بوثاقته.

وعلى ذلك فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

قد أسقط صاحب «الوسائل» صدر الحديث، وهو قوله (علیه السلام) : «واللَّه، إنّ

ص: 270


1- الكافي 2 : 383 ، باب الكفر، ح 2.
2- أصول علم الرجال 1 : 221، و ج2 : 191 .
3- رجال النجاشي: 156/410.
4- معجم رجال الحديث 8 : 128/4429.
5- أصول علم الرجال 2 : 369 - 373 .

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، كَمَا يَأْتِي(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم»، قال: ثمّ ذكر كفر إبليس حين قال اللَّه له: «اسجد لآدم فأبى أن يسجد، فالكفر أعظم...».

و يدل الحديث على أنّ الكفر أقدم وأخبث وأعظم من الشرك؛ ووجه ذلك: أنّ أوّل ما تحقّق هو الكفر حين أمر اللَّه سبحانه إبليس بالسجود لآدم (علیه السلام) ، فأبى واستكبر وعصى.

وقوله (علیه السلام) : «فمن اختار على اللَّه عزّوجلّ، وأبى الطاعة، وأقام على الكبائر» بترك الفرائض وعمل المحرّمات «فهو كافر»، يدلّ على أنّ ترك الفرائض أو عمل المحرّمات إذا كان عن جحود وإنكار فهو كفر، سواء كان من الضروريّات أو غيرها.

وقد يقال: إنّ في الحديث إلماحاً إلى ما عليه العامة من أنّهم جحدوا الإمامة، وقدّموا الجبت والطاغوت، على خلاف ما أراد اللَّه تعالى، فقد اختاروا ديناً غير دين المؤمنين، فهم في الواقع من المشركين.

سند الحديث:

للحديث طريقان، وقد تقدّم البحث حول رجال الطريق الأول، وهو معتبر.

وأمّا الطريق الثاني - وهو ما رواه البرقي - : فسيأتي في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.

ص: 271


1- 1*) يأتي في الحديث 21 من هذا الباب.

[43] 4 - وعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «الْكُفْرُ أَقْدَمُ مِنَ الشِّرْك» ثمّ ذَكَرَ كُفْرَ إِبْلِيسَ، ثمّ قَالَ: «فَمَنِ اجْتَرَى عَلَى اللَّهِ فَأَبَى الطَّاعَةَ، وَأَقَامَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَهُوَ كَافِرٌ» يَعْنِي: مُسْتَخِفٌّ كَافِرٌ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ ترك العمل بالواجبات الضروريّة الذي يؤدي إلى الاستخفاف والتهاون موجب للكفر؛ لأنّ لازم الاستخفاف والتهاون هو الإنكار، فيكون من قبيل كفر الجحود، وعليه فدلالته أوضح من الحديث السابق، بالإضافة إلى دلالته على أسبقيّة الكفر على الشرك؛ فإنّ أوّل من كفر هو إبليس، وأظهر ذلك بإبائه السجود لآدم (علیه السلام) ، حيث أمره اللَّه تعالى، وإنكاره أفضليّة آدم (علیه السلام) ، وتمرّده على أمر اللَّه. وأمّا الشرك، فهو متأخّر رتبة عن الكفر؛ لأنّه يتضمّن الاعتراف باللَّه سبحانه، ولكنّه يشرك معه غيره.

سند الحديث:

رجال السند قد تقدّم البحث عنهم، وأنّهم من الثقات.

والحديث موثّق.

ص: 272


1- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 3.

[44] 5 - وبِالإِسْنَادِ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}؟(1)، قَالَ: «إِمَّا آخِذٌ فَهُوَ شَاكِرٌ، وإِمَّا تَارِك فَهُوَ كَافِرٌ»(2).

أَقُولُ: التَّرْك هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ، أَوِ الْكُفْرُ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَعْنَى الارْتِدَادِ؛ لِمَا مَضَى(3) ويَأْتِي(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

قد ورد تفسير الآية بهذا المعنى في غير «الكافي» أيضاً، فإنّ الإمام (علیه السلام) فسّر الآية المباركة بمقام العمل، أي: إمّا آخذ وعامل بالهداية التي هداه اللَّه سبحانه لها فهو شاكر، وإمّا تارك ما هداه اللَّه له فهو كافر.

ص: 273


1- الإنسان، الآية 3.
2- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 4.
3- لما مضى في الحديث 1 من هذا الباب.
4- يأتي في: أ - الباب 11 وفي الحديث 4 من الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض. ب - الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة. ج - في الحديث 1 من الباب 2 من أحكام شهر رمضان. د - الباب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه. ه- - في الحديث 11 من الباب 12 من أبواب صفات القاضي.

والآخذ بالهداية هو الآخذ بما جاء به الرسل؛ فإنّهم هداة الخلق إليه تعالى، فمن ترك ما أرسلوا به بعد إرسال الرسل وهدايته سبحانه إلى طريق السعادة فهو كافر، ومن أخذ فهو شاكر.

وعلّق صاحب «الوسائل»: بأنّ التارك كافر إذا كان على وجه الإنكار، فقد خصّ الكفر بمن ترك على وجه الإنكار.

وقد يقال: إنّ الكفر أعمّ من ذلك، فهو شامل للتارك حتّى لو لم يكن على وجه الإنكار، كما بيّنا في أقسام الكفر؛ فإنّ العاصي تارك غير منكر، ومع ذلك جاء التعبير عنه بالكافر.

سند الحديث:

المراد بقوله: «بالإسناد» هو: الإسناد المتقدّم في الحديث الرابع. ورجال السند قد تقدّم الكلام حولهم، وعليه فالسند موثّق أيضاً.

ص: 274

[45] 6 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {ومَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}(1) فَقَالَ: «تَرْك(2) الْعَمَلِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، مِنْهُ: الَّذِي يَدَعُ الصَّلاةَ مُتَعَمِّداً، لا مِنْ سُكْرٍ، ولا مِنْ عِلَّةٍ»(3).

ورَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، نَحْوَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

فسّر الإمام (علیه السلام) الكفر بترك العمل؛ إذ الإيمان إنّما يتحقّق بالعمل، فإنّه عبارة عن قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان(5). فإن كان الترك على وجه الإنكار فالأمر واضح، وإلّا فلابدّ من حمل الكفر على معنى آخر، وهو كفر الطاعة بمعنى العصيان.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) ذكر مصداقاً لذلك، وهو من ترك الصلاة متعمّداً، من

ص: 275


1- المائدة، الآية 5.
2- في المصدر: من ترك.
3- الكافي 2 : 387 ، باب الكفر، ح 12، وأورده الشيخ المصنّف (قدس سره) مختصراً.
4- المحاسن1: 158، ح221.
5- هذا التعريف للإيمان قريب في اللفظ ومطابق في المعنى للأحاديث الواردة في معنى الإيمان، فراجع: بحار الأنوار 66 : 323 و 324 و 325، الأحاديث 9 و11 و13.

دون سكرٍ، ولا علّة، والمراد بالسكر هو النوم، كما فسّر به في بعض الروايات(1).

سند الحديث:

قد ورد الحديث بطريقين. وجميع من ورد فيهما قد تقدّم الكلام حولهم، وفيه:

عبيد بن زرارة: قال النجاشي عنه: «عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني، روى عن أبي عبداللَّه (علیه السلام) ، ثقة، ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شكّ، له كتاب يرويه جماعة عنه»(2)

، ويظهر منه أنّ كتابه مشهور.

وقال الشيخ (قدس سره) : «عبيد بن زرارة، له كتاب»(3)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (4).

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام... الخ(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(6).

وعليه فالحديث - بكلا طريقيه - معتبر.

ص: 276


1- الكافي 3 : 299، باب الخشوع في الصلاة و...، ح1، و 371، باب بناء المساجد و...، ح15.
2- رجال النجاشي: 233/618.
3- فهرست الطوسي: 176/469.
4- رجال الطوسي: 243/3355.
5- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 41.
6- أصول علم الرجال 1: 228، 283.

[46] 7 - وعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: «مِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَتْرُك الصَّلاةَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ ولا شُغْلٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث كسابقه من حيث الدلالة. والفرق بينهما: أنّه في الحديث السابق قال: «منه: الذي يدع الصلاة متعمّداً، لا من سكر، ولا من علّة»، وهنا قال: «من ذلك: أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل»، وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالإيمان هو العمل، وإطلاقه عليه شايع. ولعلّ المراد من الكفر هنا هو كفر النعمة، لا كفر الجحود والإنكار، إلّا أن يكون ترك العمل مقروناً بالاستخفاف أو الجحود. كما أنّه لعلّ المراد: أنّ ترك العمل بالواجبات المؤكّدة والاستمرار على الترك من غير علة لا ينفكّ عن الاستخفاف أو الجحود.

ويؤيّد هذا المعنى ذكر إحباط العمل، وعدم السقم والشغل.

سند الحديث:

الحسين بن محمّد ومعلّى بن محمّد والحسن بن عليّ - وهو ابن

ص: 277


1- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 5.

فضّال - وعبيد بن زرارة - وفي نسخة: عبيد عن زرارة - قد تقدّم أنّهم من الثقات.

وأمّا حمّاد بن عثمان: فقال الشيخ عنه: «حمّاد بن عثمان الناب، ثقة، جليل القدر، له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(1)،

وذكره في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وفي أصحاب الرضا (علیه السلام) (2).

وقال الكشّي: «... حمدويه، قال: سمعت أشياخي يذكرون: أنّ حماداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي - وحمّاد يلقّب بالناب - كلّهم فاضلون، خيار، ثقات»(3)

، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم (4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وعليه فالحديث معتبر.

ص: 278


1- فهرست الطوسي: 115/240.
2- رجال الطوسي: 186/2281 ، و334/4971 ، و354/5240 .
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 670/694.
4- المصدر نفسه 2 : 673/705.
5- أصول علم الرجال 1 : 220 ، 279، و ج2 : 189 .

[47] 8 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْعِبَادَ إِذَا جَهِلُوا وَقَفُوا ولَمْ يَجْحَدُوا لَمْ يَكْفُرُوا»(1).

ورَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ بِالإِسْنَادِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

يستفاد من الحديث: أنّ سبب الكفر هو الإنكار، فينبغي على الإنسان إذا جهل شيئاً أن لا يبادر إلى إنكاره؛ فلعلّ وراءه أمراً مهمّاً لا يبلغ فهمه ولا عقله إليه، فيجب عليه التوقف حتّى يظهر وجهه، وهذا لا يوجب الكفر.

وأمّا إذا جهل وأنكر فإنّه يؤدّي إلى التكذيب، ونتيجته الكفر.

ثمّ إنّ هذا الحديث يستدلّ به على وجوب الاحتياط، كما هو مقرّر في المباحث الأصوليّة. ويستند إليه الأخباريّون في القول بوجوب التوقّف عند الشبهات الحكميّة التحريميّة؛ ولذلك لم يعلم وجه ذكر صاحب «الوسائل» (قدس سره) هذا الحديث في هذا الباب، إلّا أن يكون نظره إلى أنّ الإنكار إذا كان مع الجهل وعدم العلم فهو موجب للكفر. وعليه فمع العلم أو قيام الحجّة يكون موجباً له بطريق أولى.

ص: 279


1- الكافي 2 : 388 ، باب الكفر، ح 19، وأورده في الحديث 11 من الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
2- المحاسن 1 : 340، ح700.

[48] 9 - وعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْكُفْرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَمِنْهَا: كُفْرُ الْجُحُودِ(1) عَلَى وَجْهَيْنِ، والْكُفْرُ بِتَرْك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وكُفْرُ الْبَرَاءَةِ، وكُفْرُ النِّعَمِ. فَأَمَّا كُفْرُ الْجُحُودِ: فَهُوَ الْجُحُودُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، والْجُحُودُ عَلَى مَعْرِفَةٍ(2)، وهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْجَاحِدُ وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال السند - بكلا طريقيه - قد تقدّم الكلام حولهم، والحديث معتبر على الأظهر.

[9] - فقه الحديث:

أوجه الكفر الخمسة

هذا الحديث طويل، وأسقط منه صاحب «الوسائل» جملاً من أوله ووسطه وآخره، وذكر موضع الشاهد منه.

والكفر - بالفتح - التغطية، وقد كفرتُ الشي ء أكفر بالكسر كَفراً: سترته.

وقد بيّن الإمام (علیه السلام) فيه وجوه الكفر ومعانيه في القرآن الكريم، فقال: الكفر في كتاب اللَّه تعالى على خمسة أوجه ومعانٍ:

ص: 280


1- في المصدر زيادة: والجحود.
2- في المصدر: معرفته.

قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ؛ وقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ}(1)1*) - إِلَى أَنْ قَالَ: - والْوَجْهُ الرَّابِعُ مِنَ الْكُفْرِ: تَرْك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}(2)2*)، فَكَفَّرَهُمْ(3)3*) بِتَرْك مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، ونَسَبَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، ولَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ولَمْ يَنْفَعْهُمْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: {فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ}(4)4*)»، الْحَدِيثَ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: كفر الجحود، وهو على وجهين، والثالث: كفر النعم، والرابع: الكفر بترك ما أمر اللَّه سبحانه به، والخامس: كفر البراءة.

أمّا الأول - وهو كفر الجحود - : فهو على وجهين:

الوجه الأول: جحود الربوبيّة، والأصول الاعتقاديّة كالنبوة، والمعاد، وأن لا جنّة ولا نار، كما ذهب إليه صنف من الزنادقة والدهريّة الذين يقولون: وما يهلكنا إلّا الدهر.

ص: 281


1- 1*) النمل، الآية 14.
2- 2*) البقرة، الآية 85.
3- 3*) في نسخة: فكفروا. (منه (قدس سره) ).
4- 4*) البقرة، الآية 85.
5- 5*) الكافي 2 : 389 ، باب وجوه الكفر، ح 1، وقد اختصره المصنّف.

والوجه الثاني: جحود المعرفة، فهم يعرفون أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) مبعوث من اللَّه تعالى، وكانوا يبشّرون بمجيئه، ولمّا جاء(صلی الله علیه و آله و سلم) كفروا به، فهم ستروا الحقّ، وما كانوا يعتقدونه.

وأما الثالث: فهو كفر النعمة؛ فيكفر بالنعم ولا يشكرها، ولا يرى أنّها من عنده تبارك وتعالى. وقد ورد ذلك في عدّة من الآيات، من قبيل قوله تعالى على لسان سليمان (علیه السلام) : {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(1)

، وقوله تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(2) ، و قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(3)، فأطلق الكفر على ستر النعمة.

وأما الرابع: فهو الكفر بترك ما أمر اللَّه به من الواجبات الضروريّة، وما علم أنّها من الدين، وعدم امتثالها، أو الإتيان بما نهى اللَّه عنه، وعمل المحرمات، فأطلق الكفر على ترك الطاعة، كقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية(4)، فكفّرهم تعالى بترك ما أمر اللَّه عزّوجلّ به.

وأما الخامس: فهو كفر البراءة، وهو قطع علاقة الموالاة والمودّة؛ كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم (علیه السلام) : {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ

ص: 282


1- و2 - النمل، الآية 40.
2-
3- إبراهيم، الآية 7.
4- البقرة، الآية 85.

وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(1) ، فأطلق على براءته الكفر، وهكذا إبليس، فإنّه يتبرّأ من أوليائه يوم القيامة، كما عبّر عنه سبحانه بقوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}(2)

، أي: برئت، وقوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}(3)، أي: يبرأ بعضهم من بعض.

ومحلّ الشاهد الوجه الرابع؛ فإنّ ترك الضروريات وما تقوم عليه الحجّة موجب للكفر. وترك الإنسان ما أمر اللَّه به عن جحد وإنكار كفر.

سند الحديث:

بحث رجالي في بكر بن صالح

عليّ بن إبراهيم وأبوه - أي: إبراهيم بن هاشم - : تقدّم ذكرهما.

وأمّا بكر بن صالح: فقال النجاشي فيه: «بكر بن صالح الرازي، مولى بني ضبّة، روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، ضعيف، له كتاب نوادر يرويه عدّة من أصحابنا»(4)

وقال الشيخ: «له كتاب»(5) ، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الرضا (علیه السلام) تارة، وأخرى في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) (6).

ص: 283


1- الممتحنة، الآية 4.
2- إبراهيم، الآية 22.
3- العنكبوت، الآية 25.
4- رجال النجاشي: 109/276.
5- فهرست الطوسي: 87/127.
6- رجال الطوسي: 353 / 5233، و417/ 6031 .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(1) ووقوعه في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي» دليل على الوثاقة، فبناء على ذلك يقع التعارض بين التوثيق والتضعيف.

ويمكن الجمع ورفع التعارض، بأن يقال: إنّ نظر النجاشي في تضعيفه لجهة مذهبه، كما يشهد له ما ذكره ابن الغضائري في ترجمته من أنه ضعيف جدّاً، كثير التفرّد بالغرائب(2)، وهذا لا يكون منافياً للتوثيق الوارد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي».

وأمّا القاسم بن بريد - وفي بعض النسخ كما في «الكافي» يزيد، وهو خطأ- : فهو القاسم بن بريد العجلي.

قال النجاشي في حقّه: «القاسم بن بريد بن معاوية العجلي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه فضالة بن أيوب»(3)

وعدّه الشيخ في «رجاله» تارة في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (4)

وأمّا أبو عمرو الزبيري: فيمكن انطباقه على الذي ذكره النجاشي بعنوان: «محمد بن عمرو بن عبد اللَّه بن عمر بن مصعب بن الزبير بن العوّام،

ص: 284


1- أصول علم الرجال 1 : 215 ، 277 .
2- رجال ابن داود: 234.
3- رجال النجاشي: 313/ 857.
4- رجال الطوسي: 273 /3947، و342/ 5096 .

[49] 10 - وعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ فَيَمُوتُ، هَلْ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنَ الإِسْلامِ؟ وإِنْ عُذِّبَ كَانَ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَمْ لَهُ مُدَّةٌ وانْقِطَاعٌ؟ فَقَالَ: «مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ فَزَعَمَ أَنَّهَا حَلالٌ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ الإِسْلامِ، وعُذِّبَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. وإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً أَنَّهُ ذَنْبٌ(1) ومَاتَ عَلَيْهَا، أَخْرَجَهُ مِنَ الإِيمَانِ، ولَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلامِ، وكَانَ عَذَابُهُ أَهْوَنَ مِنْ عَذَابِ الأَوَّلِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

متكلّم، حاذق في أصحابنا، له كتاب الإمامة، حسن»(3)، وكنيته: أبو عمرو، على ما ذكره النجاشي في ترجمة عبد اللَّه بن عبد الرحمن الزبيري(4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)

وعليه فالحديث معتبر.

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الفرق بين الكفر والفسق، فإنّ من ارتكب الذنب

ص: 285


1- في المصدر: أذنب.
2- الكافي 2 : 285 ، باب الكبائر، ح 23.
3- رجال النجاشي: 339/909.
4- رجال النجاشي: 220/575.
5- أصول علم الرجال 1 : 238 ، 290 .

مستحلاًّ له فهو كافر، خارج عن الإسلام، وإن أقرّ بالشهادتين، وأتى ببعض الطاعات؛ لأنّ استحلاله للذنب يؤدّي إلى الإنكار والتكذيب للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولا ريب في كون ذلك كفراً وخروجاً عن الإسلام.

وأمّا من ارتكب الذنب لا مستحلاًّ له فهو خارج من الإيمان، ويكون فاسقاً، وتترتّب عليه أحكام الفسق، من ردّ شهادته، وعدم نفوذ الطلاق بمحضره، وعدم جواز الاقتداء به في الصلاة، وغير ذلك، وإن لم يخرج بذلك عن الإسلام.

ويترتّب على ذلك اختلاف عذاب كلّ منهما من حيث الشّدّة والضعف.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ على أنّ الكافر هو الذي يجحد، وأمّا الفاسق فهو الذي لا يجحد، وإن كانا يشتركان في المخالفة.

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم ومحمد بن عيسى - وهو: ابن عبيد اليقطيني - ويونس - وهو: ابن عبد الرحمن - : قد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عبد اللَّه بن سنان: فقال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن سنان بن طريف، مولى بني هاشم، ويقال مولى بني أبي طالب - إلى أن قال: - كوفي، ثقة، من أصحابنا، جليل، لا يطعن عليه في شي ء، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . وقيل: روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) وليس بثبت - إلى أن قال: - روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا؛ لعظمه في الطائفة، وثقته

ص: 286

وجلالته»(1) . ومن ذلك يظهر أنّ كتبه مشهورة.

وقال الشيخ: «عبد اللَّه بن سنان، ثقة، له كتاب رواه جماعة»(2)، وعدّه في «رجاله» تارة في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(4)

وقال الكشّي: «... وكان رحمه اللَّه من ثقات رجال أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

وعليه فالسند معتبر.

ص: 287


1- رجال النجاشي: 214/558.
2- فهرست الطوسي: 165 - 166/433 .
3- رجال الطوسي: 264 / 3778، و 339/5053 .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 46.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 710/770.
6- أصول علم الرجال 1 : 227 ، 283، و ج2 : 199 .

[50] 11 - وعَنْهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَكِبَ لِلْكَبِيرَةِ يَمُوتُ عَلَيْهَا، أتُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ؟ وإِنْ عُذِّبَ بِهَا فَيَكُونُ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ لَهُ انْقِطَاعٌ؟ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلامِ إِذَا زَعَمَ أَنَّهَا حَلالٌ، ولِذَلِكَ يُعَذَّبُ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ. وإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وأَنَّهَا(1) عَلَيْهِ حَرَامٌ، وأَنَّهُ يُعَذَّبُ عَلَيْهَا، وأَنَّهَا غَيْرُ حَلالٍ، فَإِنَّهُ مُعَذَّبٌ عَلَيْهَا. وهُوَ أَهْوَنُ عَذَاباً مِنَ الأَوَّلِ، ويُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ، ولا يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

إنّ لهذا الحديث صدراً لم يورده صاحب «الوسائل»(3).

وهو من حيث المضمون لا يختلف عن السابق، إلّا أنّ الإمام (علیه السلام) ذكر فيه قسماً من الكبائر وهي تسعة. هذا إذا جعلنا قوله (علیه السلام) : «واليأس من رَوح اللَّه» عطف تفسير

ص: 288


1- في نسخة: وهي. (منه (قدس سره) ).
2- الكافي 2 : 280 ، باب الكبائر، ح 10، ويأتي صدره في الحديث 13 من الباب 46 من أبواب جهاد النفس.
3- سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «الكبائر: القنوط عن رحمة اللَّه، واليأس من روح اللَّه، والأمن من مكر اللَّه، وقتل النفس التي حرّم اللَّه، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البيّنة، والتعرّب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، ...» . (الكافي 2 : 280 ، باب الكبائر، ح 10).

على قوله: «القنوط من رحمة اللَّه». وأمّا إذا خصّصنا القنوط بالأمور الأخرويّة واليأس بالأمور الدنيويّة فالأقسام عشرة.

هذا، وقد اختلفت الروايات في عدد الكبائر، وقد بحثنا ذلك مفصّلاً في بحث العدالة، وذكرنا الأقوال فيها، وبيّنا الميزان والمقياس في الحكم على الذنب بأنّه كبير أو صغير(1)

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم: تقدّم ذكره.

وأمّا هارون بن مسلم: فقال عنه النجاشي: «هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، السرّ من رائي، كان نزلها، وأصله الأنبار، يكنّى أبا القاسم، ثقة، وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقي أبا محمّد وأبا الحسن (علیهما السلام) »(2).

وقال الشيخ: «هارون بن مسلم، له روايات، من رجال الصادق (علیه السلام) »(3)،

وعدّه في «رجاله» في أصحاب العسكري (علیه السلام) (4) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)

ص: 289


1- العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) : 140 - 148 .
2- رجال النجاشي: 438/1180.
3- فهرست الطوسي: 259/785.
4- رجال الطوسي: 403/5912.
5- أصول علم الرجال 1 : 242 ، 288 .

وأمّا مسعدة بن صدقة: فالظاهر أنّه شخصان، أحدهما: من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وهو عامّي بتري، والآخر: من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) يروي عنه هارون بن مسلم(1) ، وقع في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(2) ، وهو ثقة.

تمييز مسعدة بن صدقة

وطريق التمييز بينهما: أنّه إذا روى عن الإمام الصادق (علیه السلام) أو كان الراوي عنه هارون بن مسلم فهو الثاني الثقة، وأمّا إذا كان يروي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، فهو الأول، الذي لم يرد فيه توثيق.

هذا، ولم ترد رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (علیه السلام) في شي ء من الكتب الأربعة، ومن جملتها هذه الرواية. وكل رواياته معتبرة. وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 290


1- رجال الطوسي: 146، ومعجم رجال الحديث 20 : 252 عن كامل الزيارات.
2- أصول علم الرجال 1 : 240 ، 287 .

[51] 12 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ - ، قَالَ: «يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا، ونَظَرَ فِي حَلالِنَا وحَرَامِنَا، وعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً. فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ، وعَلَيْنَا رَدَّ، والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْك بِاللَّهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل، وقد تناوله الأصوليّون والفقهاء بالدراسة والبحث في عدّة مواطن من أبحاثهم. فقد ذكر في علم الأصول في مبحث الشهرة، والاحتياط، والتراجيح، وغيرها. وذكر في الفقه في مبحث القضاء، والاجتهاد والتقليد، وولاية الفقيه، وغيرها.

وهو من جملة الأحاديث التي يكثر دورانها في المباحث؛ لاشتماله على

ص: 291


1- الكافي 1 : 67 ، باب اختلاف الحديث، ح 10، ورواه أيضاً: الشيخ في التهذيب 6 : 301، ح845، والصدوق في من لا يحضره الفقيه 3 : 5، ح 18، والطبرسي في الاحتجاج: 355 في باب احتجاج الإمام الصادق (علیه السلام) على الزنادقة، وأورده في الحديث 1 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

مسائل متعدّدة. وقد كثر الاختلاف في تفسيره على ما هو مشروح في كتب الفقه والأصول. ودلالته على نحو الإجمال واضحة؛ فإنّ الإمام (علیه السلام) نهى عن التحاكم إلى قضاة الجور وسلاطينهم، وعدّ ذلك من التحاكم إلى الطاغوت، واستشهد (علیه السلام) بالآية الواردة في هذا الشأن، بل إنَّ حكمهم باطل، وإن حكموا بالحقّ. وقد ورد في الحديث: «أنّ ما يؤخذ استناداً إلى حكمهم إنّما هو سحت وحرام»(1)، والظاهر عدم الإشكال في ذلك إذا كان بالاختيار، أو إذا كان ديناً. وأمّا إذا اضطر إلى ذلك ولم يتمكّن من تخليص حقه إلّا بالرجوع إليهم، أو حكم قاضي الجور بما يعلم أنّه حقه، وكان حقّه عيناً من الأعيان، فقد اختلف في جواز ذلك وعدمه. وتفصيله في الفقه.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) بيّن الطريق إلى ذلك، وهو الرجوع إلى أهل العلم ممّن أخذوا علومهم عنهم (علیهم السلام) ، على أن يكون قد توفّرت فيه ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون راوياً للحديث، وفي هذا الشرط بحث ذكرناه في محلّه، وخلاصته: أنّه هل تشترط الإجازة في الرواية، أو لا؟ وبيان ذلك في محلّه.

الشرط الثاني: أن يكون له نظر في الحلال والحرام.

ص: 292


1- الكافي 1 : 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، ح10، وج7 : 412، كتاب القضاء والأحكام، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح5، والوسائل 27 : 136، باب11 من أبواب صفات القاضي، ح1.

الشرط الثالث: أن يكون عارفاً بالأحكام.

وربّما يقال: إنّ المراد بهذين الشرطين، أن يكون مجتهداً مطلقاً، فإذا توفَّرت هذه الشرائط فيجب الرضا به؛ لأنّه مجعول من قبل الإمام (علیه السلام) .

المراد من الحاكم في مقبولة

وقد اختلفوا في المراد من قوله (علیه السلام) : «فليرضوا به حكماً؛ فإنّي جعلته عليكم حاكماً» بأنّ المقصود منه هل هو قاضي التحكيم، أو القاضي المنصوب؟ فإن كان الأول فمعناه: أنّ المتنازعين يختارون قاضياً يحكم فيما تنازعوا فيه، وإن كان الثاني فهو المنصوب من قِبل الإمام (علیه السلام) ، فلابدّ لهم من الرجوع إليه، سواء رضوا به أم لا.

وقد اختار جماعة من الأعلام: أنّ المراد به هو القاضي المنصوب، ومنهم: السيد الأستاذ (قدس سره) (1)؛

بقرينة قوله (علیه السلام) : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»، فإنّه بمنزلة العلّة لقوله: «فليرضوا به حكماً». فهذا القاضي بما أنّه منصوب من قبله (علیه السلام) فيجب عليهم الرضا به حَكَماً. وتفصيل ذلك وبيان الحق فيه موكول إلى محلّه من المباحث الفقهيّة.

ومحلّ الشاهد من الحديث الذي من أجله ذكره صاحب «الوسائل» هو قوله (علیه السلام) : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللَّه، وعلينا ردّ»، ومعنى ذلك: أنّ الحاكم إذا حكم بحكم الأئمة (علیهم السلام) ، فمن ردّه ولم يقبله فهو مستخفّ بحكم اللَّه، ورادّ على اللَّه تعالى، وعليهم (علیهم السلام) ، وهذا

ص: 293


1- انظر: مباني تكملة المنهاج (موسوعة الامام الخوئي) 41 : 10 - 11، ولكن السيد الخوئي (قدس سره) يرى قصور الرواية سنداً.

في حدّ الشرك.

فالفقيه - في المقام - واسطة في نقل الحكم عن الإمام (علیه السلام) ؛ لأنّه منصوب عنهم (علیهم السلام) . فردُّ حكمه وإنكاره وعدم قبوله - وإن لم يكن الحكم منه ضروريّاً، واحتمال الخلاف فيه موجود، إلّا أنّه من جهة كونه واسطة وناقلاً عن الإمام (علیه السلام) ، وهذا معلوم وضروري - موجب للاستخفاف بحكم اللَّه تعالى، وإنكار الضروري من الدين، ومآله الشرك باللَّه تعالى.

وقول الإمام (علیه السلام) : «على حدّ الشرك» فيه عدّة احتمالات:

الأول: أنّ عدم القبول من الحاكم المنصوب من قبل الإمام (علیه السلام) على مقربة من الشرك باللَّه تعالى، ومعنى حدّ الشرك: طرف الشرك.

الثاني: أنّ المراد أنّه داخل في الشرك، ومعنى حدّ الشرك هو نفس الشرك.

الثالث: أنّ المراد منه مرتبة من مراتب الشرك، وحدّ من حدوده؛ فإنّ للشرك حدوداً ومراتب، كالمرائي، فإنّه في مرتبة من مراتب الشرك.

الرابع: أنّ المراد التشبيه بالشرك؛ لبيان عظمة هذا الذنب، والمعنى: أنّ من ردّ حكم الحاكم المنصوب من قبلهم (علیهم السلام) فكأنّه أشرك باللَّه تعالى.

وعلى كلّ تقدير، فالمستفاد من الحديث هو: عدم جواز الردّ أو إنكار ما ثبت من الأحكام.

ص: 294

هذا، وقد ورد في نسخة «الوسائل»(1)

جملة «والرادّ علينا كافر ورادّ»، وهي زائدة؛ فإنّها غير مذكورة في المصدر، وكذلك في بقيّة الجوامع الناقلة له.

سند الحديث:

هذا الحديث يعرف بالمقبولة، وقد رواها الكليني والصدوق والشيخ، وتلقّاها الأصحاب بالقبول، فإن كان التلقّي بالقبول يكفي في اعتباره فهو، وإلّا فلابدّ من ملاحظة السند.

أمّا محمّد بن يحيى ومحمد بن عيسى - وهو: ابن عبيد اليقطيني - وصفوان بن يحيى: فقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا محمّد بن الحسين: فهو ابن أبي الخطّاب، قال عنه النجاشي: «محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، أبو جعفر الزيّات الهمداني، واسم أبي الخطاب: زيد، جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته»(2) .

وقال الشيخ: «كوفي، ثقة»(3)، وعدّه في «رجاله» تارةً في أصحاب الجواد (علیه السلام) قائلاً: كوفي، ثقة، وأخرى في أصحاب الهادي (علیه السلام) ، وثالثة في

ص: 295


1- في بعض طبعاتها، وإلّا فإنّ الطبعة التي بين أيدينا لا توجد فيها هذه الزيادة. وراجع: التهذيب 6 : 217، باب 1 من كتاب القضايا والأحكام، ح6، و301، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح52.
2- رجال النجاشي: 334/897.
3- فهرست الطوسي: 215/607.

أصحاب العسكري (علیه السلام) (1) .

وعدّه الكشّي من العدول الثقات من أهل العلم الذين رووا عن محمّد بن سنان(2)

وعدّه ابن شهرآشوب تارة من ثقات أبي جعفر محمّد بن علي (علیه السلام) ، واُخرى من ثقات أبي محمّد الحسن العسكري (علیه السلام) (3)

وأمّا داود بن الحصين: فقال عنه النجاشي: «داود بن حصين الأسدي، مولاهم، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وهو زوج خالة عليّ بن الحسن بن فضّال، كان يصحب أبا العباس البقباق، له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»(4) ومنه يظهر أنّ كتابه معروف.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «له كتاب»(5)، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) قائلاً: واقفي(6)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(7)

بحث رجالي في عمر بن حنظلة

وأمّا عمر بن حنظلة: فهو ممّن وقع الخلاف فيه، فذهب بعضهم إلى

ص: 296


1- رجال الطوسي: 379/5615، و391/5771، و402/5890 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 487 ، 525 .
4- رجال النجاشي: 159/421.
5- فهرست الطوسي: 124/277.
6- رجال الطوسي: 202/ 2572، و336/5007 .
7- أصول علم الرجال 1 : 221، وج2 : 191 .

القول بوثاقته كالشهيد الثاني وغيره(1)، وبعضهم إلى عدم ثبوت وثاقته، ومنهم السيد الأستاذ(2) (قدس سره) ، وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة(3) ستّة وجوه لتوثيقه، وناقشنا في الوجوه، إلّا في اثنين منها، وهما:

الأول: رواية المشايخ الثقات عنه، وهو يدلّ على الوثاقة.

والثاني: رواية الكليني في «الكافي» بسنده إلى يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إذاً، لا يكذب علينا»، الحديث(4) .

وهذا يدلّ على أنّ ابن حنظلة صدوق لا يكذب، وإنّما الإشكال في راوي الحديث، وهو يزيد بن خليفة؛ حيث لم يرد فيه توثيق، وبالتالي لا يمكن الاستشهاد بما رواه على وثاقة ابن حنظلة، ولكن يزيد بن خليفة روى عنه صفوان بن يحيى في موارد متعدّدة، وهو من المشايخ الثقات، وهذا أمارة على وثاقة ابن خليفة، وعليه فتكون الرواية معتبرة.

والحاصل: أنّ الحديث موثّق.

ص: 297


1- شرح البداية في علم الدراية 1 : 134، والرعاية في علم الدراية: 131، والمحدِّث النوري في خاتمة المستدرك 5 : 38 - 45، الفائدة الخامسة، ويظهر ذلك أيضاً من صاحب الوسائل 30 : 441، الفائدة الثانية عشرة، وص237 حيث ذكره في الجماعة الذين وثقهم الأئمة (علیهم السلام) و...، في التوثيقات العامة.
2- معجم رجال الحديث 14 : 31.
3- أصول علم الرجال 2 : 397 - 401 .
4- الكافي 3 : 275، باب وقت الظهر والعصر، ح 1.

[52] 13 - وعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ محمّد بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قِيلَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ: فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللَّهِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - ثمّ قَالَ: «فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

أسقط صاحب «الوسائل» جملاً من الحديث، وذكر محلّ الشاهد، وهو «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً».

وقد دلّ الحديث على أنّ الشهادة بالشهادتين لا توجب دخول المرء في الإيمان، ما لم تقرن بامتثال الفرائض التي افترضها اللَّه على العباد، ومنها: طاعة الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) ، كما مرّ مفصّلاً في الباب الأول، كما دلّ على أنّ مَنْ جحد الفرائض كان كافراً.

سند الحديث:

الضمير في «عنه» يعود إلى محمّد بن يحيى العطار، وقد تقدّمت ترجمته.

وأمّا أحمد بن محمد: فالظاهر أنّه ابن عيسى، وقد تقدّم أيضاً.

ص: 298


1- الكافي 2 : 33 ، كتاب الإيمان والكفر، باب بلا عنوان، ح 2.

وأمّا محمّد بن إسماعيل: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ستّة أشخاص ، وهم:

1 - محمّد بن إسماعيل النيسابوري.

2 - محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

3 - محمّد بن إسماعيل البرمكي.

4 - محمّد بن إسماعيل بن خثيم الكناني، له كتاب.

5 - محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني، ثقة، عين، روى عنه الثقات، وروى عنهم، له كتاب نوادر، ولقي أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

6 - محمّد بن إسماعيل الجعفري، له كتاب، روى عنه أبو العباس.

تعیین المراد بابن بزیع

والمراد به هنا: ابن بزيع؛ لأنّ الراوي لكتبه في طريق النجاشي والشيخ والصدوق إليه: هو أحمد بن محمّد بن عيسى، مضافاً إلى كثرة رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع في الكتب الأربعة في موارد كثيرة تصل إلى تسعة وأربعين مورداً، مضافاً أيضاً إلى تكرّر هذا السند في موارد متعدّدة، مع التصريح بأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن الفضيل.

وأمّا الخمسة الآخرون، فغير مرادين هنا؛ إمّا لعدم ملائمتهم من حيث الطبقة لأحمد بن محمّد بن عيسى، كما في الأولين: النيسابوري والبرمكي؛ وإمّا لعدم ثبوت روايته عنهم، كما في الباقين.

وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع: فقد قال عنه النجاشي: «أبو جعفر ...

ص: 299

كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل، له كتب... وقال أبو العباس بن سعيد في تاريخه: إنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع سمع منصور بن يونس، وحمّاد بن عيسى، ويونس بن عبد الرحمن، وهذه الطبقة كلّها، وقال: سألت عنه عليّ بن الحسن، فقال: ثقة، ثقة، عين»(1) .

وقال الشيخ: «له كتاب»، وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وأخرى من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «ثقة، صحيح، كوفي»، وثالثة من أصحاب الجواد (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(3)

وأمّا محمّد بن الفضيل: فهو وإن كان مشتركاً إلّا أنه ينصرف إلى الأزدي، وهو وإن ضعفه الشيخ في «رجاله» بقوله: «محمّد بن فضيل الكوفي الأزدي، ضعيف»(4)، إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)، فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بكونه ثقة في روايته، ضعيفاً في مذهبه لأجل رميه بالغلو والشاهد على ذلك أن الشيخ ذكره في موضع آخر من رجاله بقوله: «محمّد بن الفضيل، أزدي، صيرفي، يرمى بالغلو، له كتاب»(6).

ص: 300


1- رجال النجاشي: 330/893.
2- رجال الطوسي: 344/ 5130، و364/ 5393، و377/5590 .
3- أصول علم الرجال 1 : 236 .
4- رجال الطوسي: 343/5124.
5- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287 .
6- رجال الطوسي: 365/5423.

وأمّا أبو الصباح الكناني: فقال عنه النجاشي: «إبراهيم بن نعيم العبدي، أبو الصباح الكناني، نزل فيهم، فنسب إليهم، كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) يسميه الميزان؛ لثقته. ذكره أبو العباس في الرجال، رأى أبا جعفر (علیه السلام) ، وروى عن أبي إبراهيم (علیه السلام) ، له كتاب يرويه عنه جماعة»(1)، ومنه يظهر أنّ كتابه مشهور.

وقال الشيخ: «أبو الصباح الكناني، قال ابن عقدة: اسمه إبراهيم بن نعيم، له كتاب»(2).

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الباقر (علیه السلام) قائلاً: «إبراهيم بن نعيم العبدي الكناني، يكنّى أبا الصباح، كان يسمّى الميزان؛ من ثقته»، وعدّه أيضاً في أصحاب الصادق (علیه السلام) (3)

، وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام. (4)،

وذكر الكشّي في حقّه: «محمد بن مسعود، قال: قال عليّ بن الحسن: أبو الصباح الكناني ثقة»(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

وعليه فالحديث معتبر.

ص: 301


1- رجال النجاشي: 19 - 20/24 .
2- فهرست الطوسي: 271/840.
3- رجال الطوسي: 123 /1230، و156/1729 .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 31.
5- اختيار معرفة الرجال 2: 640/659.
6- أصول علم الرجال 1 : 212 ، 290، و ج2 : 179 .

[53] 14 - وعَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ محمّد بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَذِنَ لِمُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحُدُودَ، وقِسْمَةَ الْفَرَائِضِ، وأَخْبَرَهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا وبِهَا النَّارَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا، وأَنْزَلَ فِي بَيَانِ الْقَاتِلِ: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً}(1)، ولا يَلْعَنُ اللَّهُ مُؤْمِناً، وقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا ولا نَصِيراً}(2)، وأَنْزَلَ فِي مَالِ الْيَتَامَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}(3)، وأَنْزَلَ فِي الْكَيْلِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}(4)4*)، ولَمْ يَجْعَلِ الْوَيْلَ لأَحَدٍ حتّى

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل جدّاً، وقد تقدّم شطر منه في الحديث الخامس عشر من

ص: 302


1- النساء، الآية 93.
2- الأحزاب، الآية 64 - 65.
3- النساء، الآية 10.
4- 4*) المطففين، الآية 1.

يُسَمِّيَهُ كَافِراً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(1)1*)، وأَنْزَلَ فِي الْعَهْدِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً اُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ}(2)2*)، الآيَةَ، والْخَلاقُ: النَّصِيبُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الآخِرَةِ فَبِأَيِّ شَيْ ءٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟! وأَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلّا زانٍ أَوْ مُشْرِك وحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(3)3*)، فَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ الزَّانِيَ مُؤْمِناً ولا الزَّانِيَةَ مُؤْمِنَةً، وقَالَ رَسُولُ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): - لَيْسَ يَمْتَرِي(4)4*) فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ - : لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ

-----------------------------------------------------------------------------

الباب الأول. ودلالته على نحو الإجمال: أنّ اللَّه سبحانه بعث الأنبياء بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه، والإقرار بما جاء من عند اللَّه، والعمل به، فمن آمن باللَّه وأقرّ بما جاء من عند اللَّه ومات على ذلك دخل الجنة، وذلك منهاج وسبيل كلّ نبي، فهو مركّب من أمرين: الأول: الشهادتان، والثاني: الإقرار بما جاء من اللَّه والعمل به، ومن خالف فليس بمؤمن، بل هو كافر.

وعلى ذلك بعث اللَّه سبحانه نبينا محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكانت المرحلة الأولى - وهي أوّل البعثة بمكّة في مدّة عشر سنوات - تدور حول الإيمان باللَّه ونبيّه،

ص: 303


1- 1*) مريم، الآية 37.
2- 2*) آل عمران، الآية 77.
3- 3*) النور، الآية 3.
4- 4*) الامتراء في الشي ء: الشك فيه. (لسان العرب 15 : 278، مادة: «مرا»).

مُؤْمِنٌ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُلِعَ عَنْهُ الإِيمَانُ كَخَلْعِ الْقَمِيصِ، ونَزَلَ بِالْمَدِينَةِ: {والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ - إِلَى قَوْلِهِ: - وأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إلَّا الَّذِينَ تابُوا}(1)1*)، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مَا كَانَ مُقِيماً عَلَى الْفِرْيَةِ مِنْ أَنْ يُسَمَّى بِالإِيمَانِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}(2)2*)، وجَعَلَهُ اللَّهُ مُنَافِقاً؛ قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ}(3)3*)، وجَعَلَهُ مَلْعُوناً، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيا والآخِرَةِ}(4)4*)» (5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

يعني: الشهادتين، وفي تلك المدّة كلّ من أقرّ بالشهادتين دخل الجنة، وإن كانت هناك أحكام أخرى، ولكن لم يتوعّد عليها النار.

ثمّ ابتدأت المرحلة الثانية من هجرته(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى المدينة، حيث بني الإسلام على الخمس: الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان، وأنزلت سائر الأحكام وثبتت، من الواجبات والمحرّمات، وتوعّد عليها النار.

ومن خالف هذه الأمور حكم بكفره، وقد استدلّ الإمام على ذلك بعدّة

ص: 304


1- 1*) النور، الآية 4 ، 5 .
2- 2*) السجدة، الآية 18.
3- 3*) التوبة، الآية 67.
4- 4*) النور، الآية 23.
5- 5*) الكافي 2 : 28 ، باب بدون عنوان، ح 1.

من الآيات، كقتل مؤمن متعمّداً، وأكل مال اليتيم ظلماً، وتطفيف المكيال، ونقض العهد، والزنا، والسرقة، والإقامة على رمي المحصنات.

فارتكاب هذه الأمور يوجب الخروج من الإيمان، ويكون مرتكبها كافراً في العمل، وإن كان يرجع إلى الإيمان بعد التوبة والاستغفار.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حول السند في الحديث الخامس عشر من الباب الأول.

والحاصل منه: أنّ الحديث مرسل، وفيه عدّة مجاهيل. ولكن لمّا كان موجوداً في «الكافي»، فبناء على القول باعتبار شهادة الكليني (قدس سره) ، وتماميّتها وعدم المناقشة فيها يكون معتبراً.

ص: 305

[54] 15 - الْحَسَنُ بْنُ عليّ بْنِ شُعْبَةَ فِي «تُحَفِ الْعُقُولِ»، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «ويَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ بِخَمْسِ جِهَاتٍ مِنَ الْفِعْلِ، كُلُّهَا مُتَشَابِهَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ: الْكُفْرِ، والشِّرْك، والضَّلالِ، والْفِسْقِ، ورُكُوبِ الْكَبَائِرِ، فَمَعْنَى الْكُفْرِ: كلّ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا بِجِهَةِ الْجَحْدِ والإِنْكَارِ والاسْتِخْفَافِ والتَّهَاوُنِ فِي كلّ مَا دَقَّ وجَلَّ، وفَاعِلُهُ كَافِرٌ، ومَعْنَاهُ مَعْنَى كُفْرٍ(1)، مِنْ أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ، ومِنْ أَيِّ فِرْقَةٍ كَانَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ(2) بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي مَالَ بِهَوَاهُ إِلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمَعْصِيَةِ بِجِهَةِ الْجُحُودِ والاسْتِخْفَافِ والتَّهَاوُنِ فَقَدْ كَفَرَ. وإِنْ هُوَ مَالَ بِهَوَاهُ إِلَى التَّدَيُّنِ بِجِهَةِ التَّأْوِيلِ والتَّقْلِيدِ والتَّسْلِيمِ والرِّضَا بِقَوْلِ الآبَاءِ والأَسْلافِ فَقَدْ أَشْرَك»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

الحديث طويل، وقد ذكر مقدار الحاجة منه، وصريح الحديث: أنّ الإنسان يخرج عن الإيمان بخمسة أشياء: الكفر، الشرك، الضلال، الفسق، ركوب الكبائر.

ص: 306


1- في المصدر: الكفر.
2- وفيه: تكون منه معصية.
3- تحف العقول: 330، كلامه (علیه السلام) في صفة الخروج من الإيمان.

ومعنى الكفر هو كلّ معصية عصي اللَّه بها لجهة الجحد والإنكار والاستخفاف والتهاون، سواء كانت هذه المعصية صغيرة أو كبيرة. ومعنى كفره خروجه عن الإسلام من أيّ ملّة أو فرقة كان. وإن كان هواه للمعصية من جهة التأويل لظاهر الكلام والتقليد والتسليم بقول الآباء والأسلاف فهو مشرك.

وعليه فإنكار الضروريّ أو ما ثبت أنّه من الدين من جهة التهاون أو الاستخفاف يكون موجباً للكفر.

سند الحديث:

البحث حول كتاب تحف العقول

فصّلنا القول في مباحثنا الرجاليّة(1) حول «تحف العقول»، وذكرنا ثلاث جهات، نوردها هنا على سبيل الإيجاز:

الجهة الأولى: في المؤلِّف، وهو الحسن بن عليّ بن شعبة، وهو وإن كان معاصراً للشيخ الصدوق (قدس سره) ، ومن تلاميذ أبي عليّ محمّد بن همام الثقة الجليل، إلّا أنّ الكتب الرجاليّة المتقدّمة لم تتعرّض لترجمته. نعم، ذكره المتأخّرون، وهو من المشهورين. وعليه فمن البعيد أن يكون مدح المتأخّرين وتوثيقهم له بلا مستند، وأن لا يكون مدركهم أقوال أو كتب من تقدّمهم، فيكون جانب الحسّ أقوى، وبه يكتفى في اعتباره، والحكم بوثاقته، بل يظهر أنّه من الأجلّاء.

ص: 307


1- أصول علم الرجال 1 : 480 - 484 .

[55] 16 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِهِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}؟(1)، قَالَ: «إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ، وإِمَّا تَارِك فَكَافِرٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الجهة الثانية: الطريق إلى الكتاب، فقد عدّه صاحب «الوسائل» من الكتب المعتمدة التي وصلت إليه، إلّا أنّه لم يتعرّض لطريقه بخصوصه، ولكنّه مشمول لقوله: «... ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها، والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا، رضي اللَّه عنهم جميعاً»(3)

، مضافاً إلى أنّ الكتاب مشهور.

الجهة الثالثة: في شهادة المؤلِّف على اعتبار الأسناد، وصحّة الروايات في الكتاب لا تخلو عن الإجمال. ولا يفهم منها أنّ روايات الكتاب كلّها كانت مسندة، ولا أنّها كلّها منقولة عن الثقات، فينبغي الاحتياط في الأخذ برواياته، إلّا أن يحصل الاطمئنان.

[16] - فقه الحديث:

تقدّم بيان الحديث في الحديث الخامس من نفس الباب. ونضيف هنا:

ص: 308


1- الإنسان، الآية 3.
2- تفسير القمّي 2 : 398.
3- وسائل الشيعة 30 : 189 ، الفائدة الخامسة.

أنّ في هذا الحديث ردّاً على المجبّرة الذين يزعمون: أنّهم لا فعل لهم، وإنّما الفاعل هو اللَّه سبحانه وتعالى فحسب. فيكون المعنى: أنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد بيّن طريق الخير وطريق الشرّ، بواسطة نصب الحجج (علیهم السلام) ، وتبليغهم الأحكام والمعارف الحقّة. فإمّا أن يختار الإنسان الشكر للَّه سبحانه - بحسن اختياره - فيوافق الحقّ وأهله، وإمّا أن يكفر بسوء اختياره، فيكون ضالاًّ عن السبيل الحقّ. وليس المعنى: أنّه سبحانه سلب اختيار الإنسان في ذلك؛ فإنّه سبحانه وتعالى صدرت منه الهداية لجميع المكلّفين، فمنهم من يؤمن، ومنهم من يكفر ويجحد.

سند الحديث:

قد روى الحديث علي بن إبراهيم في «تفسيره»، وقد تقدّم الكلام في عليّ بن إبراهيم وكتابه «التفسير» في الحديث الثاني من الباب الأول.

وهنا ملاحظتان:

الأولى: أنّ ابن عمير يروي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، ولابدّ أن يكون المراد به: أبا جعفر الثاني الإمام الجواد (علیه السلام) لا الإمام الباقر (علیه السلام) ؛ لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الباقر (علیه السلام) ، وإنّما أدرك الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وكان من أصحاب الإمامين الرضا والجواد (علیهما السلام) .

الثانية: نسب صاحب «الوسائل» الحديث إلى عليّ بن إبراهيم في

ص: 309

«تفسيره»، وقد ذكرنا(1):

أنّ الظاهر كون الكتاب مركّباً من تفسير عليّ بن إبراهيم وأبي الجارود زياد بن المنذر، وهذه الرواية - بحسب الظاهر - ممّا رواها الجامع للتفسيرين؛ لأنّ أحمد بن إدريس من مشايخ الكليني، ومن المعاصرين لعلي بن إبراهيم، ولم ترد رواية واحدة في الكتب الأربعة يرويها عليّ بن إبراهيم عنه، بل إنّ ابن إدريس هو الذي يروي عن عليّ بن إبراهيم. ومن هنا يتبيّن أنّ الجامع - وهو: أبو الفضل العباس بن محمّد بن القاسم بن حمزة - يروي عن أحمد بن إدريس، وبما أنّه غير معروف، ولم يترجم في الكتب الرجاليّة، فالحديث غير معتبر؛ لأنّ الشخص الذي يروي عن أحمد بن إدريس مجهول.

نعم، لو كان الراوي عليّ بن إبراهيم فهي معتبرة مع توفّر الشرائط التي ذكرناها في مباحثنا الرجاليّة(2)

من كون الراوي منّا، والرواية متّصلة ومنتهية إلى المعصوم (علیه السلام) ، ولكنّ الأظهر كون الراوي هو الجامع، فلا تكون معتبرة.

نعم، تقدّم مضمون الحديث مع اختلاف يسير جدّاً، وكان السند معتبراً، فيمكن اعتبار المتن، دون السند؛ بناء على كون الراوي هو الجامع.

هذا، وعلي بن إبراهيم، وأحمد بن إدريس أبو عليّ الأشعري، وأحمد بن محمّد - وهو ابن عيسى - ومحمد بن أبي عمير قد تقدّم البحث حولهم، وأنّهم من الثقات.

ص: 310


1- أصول علم الرجال 1 : 273- 275 .
2- أصول علم الرجال 1 : 271 - 273 .

[56] 17 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الْقُمِّيِّ(1)، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ ولا يُزَكِّيهِ إِذَا تَرَك فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، أَوِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ»، قَالَ: قُلْتُ: لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، قَدْ أَشْرَك بِاللَّهِ»، قُلْتُ: أَشْرَك بِاللَّهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِأَمْرٍ وأَمَرَهُ إِبْلِيسُ بِأَمْرٍ، فَتَرَك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وصَارَ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ إِبْلِيسُ، فَهَذَا مَعَ إِبْلِيسَ فِي الدَّرْك السَّابِعِ مِنَ النَّارِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ تارك الفريضة - استخفافاً منه بالأمر الإلهي - غير مشمول للرحمة الإلهيّة، ولا نصيب له في الآخرة، وكذا مرتكب الكبيرة. فاللَّه تبارك وتعالى لا ينظر إلى عبده إذا ترك فريضة من الفرائض، أو ارتكب كبيرة من الكبائر، وعليه فهو مشرك؛ والوجه في كونه مشركاً: أنّه

ص: 311


1- في المصدر: «النوفلي» بدل «القمي».
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 246، عقاب من ترك فريضة من فرائض الله وارتكب كبيرة من الكبائر، ح1.

لم يطع اللَّه سبحانه، وإنّما أطاع إبليس لعنه اللَّه، فأشرك في طاعته.

والترك لما ذكر يتصوّر على وجهين:

تارة: يكون على وجه الاستخفاف والجحد، فهو مشرك حقيقة، وهو موجب للكفر.

وأخرى: لا يكون كذلك، بل لمجرّد العصيان والمخالفة، فهو مشرك في الواقع؛ لأن إطاعة إبليس وأوليائه توجب الشرك، تماماً كما هو الحال عند أولياء إبليس، فإنّهم مشركون بلا شكّ. وصيرورة متّبع إبليس ومتّبع أوليائه مشركاً مثلهم؛ إمّا لأجل الاستنان بسنتهم في الشرك، أو لأنّ المطيع لهم يصبح وليّاً من أولياء إبليس، فيكون منهم، ويشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(1)

ومن أمثلة كون المطيع لإبليس مشركاً: ما ورد من قوله سبحانه وتعالى:

{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(2)

وقد قال الشيخ في «التبيان»: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} أيّها المؤمنون فيما يقولون من استحلال أكل الميتة وغيره {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ؛ لأنّ من استحلّ الميتة كافر بالإجماع، ومن أكلها محرِّماً لها مختاراً فهو فاسق، وهو

ص: 312


1- المائدة، الآية 51.
2- الأنعام، الآية 121.

قول الحسن، وجماعة من المفسرّين(1) .

سند الحديث:

أمّا محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، وعلي بن أحمد - وهو ابن موسى الدقّاق - ومحمد بن سنان، والمفضل بن عمر: فقد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا محمّد بن جعفر الأسدي: فقال عنه النجاشي: «محمد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الري، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللَّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء»(2) .

وقال الشيخ: «محمد بن جعفر الأسدي، يكنّى أبا الحسين، كان أحد الأبواب» (3).

وذكر في «الفهرست»: أنّ له كتاباً(4)، وذكره في باب من لم يرو عنهم (علیهم السلام) (5) .

وقال في كتاب «الغيبة»: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم:

ص: 313


1- التبيان في تفسير القرآن 4 : 257.
2- رجال النجاشي: 373/1020.
3- رجال الطوسي: 439/6278.
4- فهرست الطوسي: 229/660.
5- رجال الطوسي: 439/6278.

أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رحمه اللَّه ... عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين: قبض شي ء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمّد بن جعفر العربي، فليدفع إليه؛ فإنّه من ثقاتنا»، ثمّ قال: «ومات الأسدي على ظاهر العدالة، ولم يطعن عليه»(1) ، وهو من مشايخ الكليني.

بحث رجالي في الحسین بن یزید النوفلي

وأمّا موسى بن عمران النخعي: فلم يرد فيه توثيق. نعم، ورد في القسم الثاني من «التفسير» (2)،

وفي أسناد «كامل الزيارات»، إلّا أنه ليس من مشايخه، وهو الذي روى الزيارة الجامعة على نسخة، وفي بعضها عبد اللَّه بن عمران.

وأمّا الحسين بن يزيد القمي: فلم نجد له رواية بهذا العنوان، ولم يذكر في كتب الرجال. نعم، ورد عن الحسين بن يزيد النخعي، والظاهر: أنّ القمّي هو النخعي، أي: النوفلي. وموسى بن عمران النخعي كثير الرواية، وفي بعضها عن عمّه(3).

فالظاهر: أنّ هذا الشخص هو النخعي، والقمي إمّا تصحيف، أو أنّه صار قمّياً فيما بعد، كما أنّه سكن الري.

ويشهد له: ما هو المثبت في المصدر من أنّه النوفلي، وهو لم يوثّق في

ص: 314


1- غيبة الطوسي: 415 ، 417 .
2- أصول علم الرجال 1 : 313.
3- من لا يحضره الفقيه3 : 313، ح 4119، و ج4 : 179، ح 5406، وص 351، ح 5758، وغيرها كثير.

كتب الرجال، إلّا أنّ النجاشي قال عنه: «الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبد الملك النوفلي - نوفل النخع - مولاهم، كوفي، أبو عبد اللَّه، كان شاعراً، أديباً، وسكن الري، ومات بها. وقال قوم من القميّين: إنّه غلا في آخر عمره، واللَّه أعلم، وما روينا له رواية تدلّ على هذا»(1)، وهذا لا يفيد إلّا المدح.

وقال الشيخ: «له كتاب»، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الرضا (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد (نوادر الحكمة)، وفي (تفسير القمي) بعنوان النوفلي في موارد كثيرة(3).

ولكن بما أنّه يروي عن السكوني في هذه الموارد - وهو عامّي - فلا تشمله الشهادة المذكورة في التفسير، وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة: أنّ الحكم بوثاقة الرواة يتوقّف على ثلاثة شروط:

1 - أن يكون الراوي منّا، أي: لا يكون من العامّة؛ لقوله: «ثقاتنا».

2 - أن تكون الرواية متّصلة؛ لقوله: «ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا».

3 - أن تنتهي الرواية إلى المعصوم (علیه السلام) ؛ لقوله: «عن الذين فرض اللَّه طاعتهم»، فيخرج ما كان منتهياً إلى غير المعصوم (علیه السلام) .

فإذا تحقّقت هذه الشروط في مورد شمله التوثيق، وإلّا فلا(4)

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف بموسى بن عمران النخعي، إلَّا أنه

ص: 315


1- رجال النجاشي: 38/77.
2- فهرست الطوسي: 114/234، ورجال الطوسي: 355/5265.
3- أصول علم الرجال 1 : 220 ، 292 .
4- المصدر نفسه 1 : 272 - 273.

[57] 18 - وفِي كِتَابِ «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ ابْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: وأَوْرَدَهُ فِي «جَامِعِهِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِسْلامُ قَبْلَ الإِيمَانِ، وهُوَ يُشَارِك الإِيمَانَ. فَإِذَا أَتَى الْعَبْدُ بِكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي، أَوصَغِيرَةٍ مِنْ صَغَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، كَانَ خَارِجاً مِنَ الإِيمَانِ، وثَابِتاً عَلَيْهِ اسْمُ الإِسْلامِ. فَإِنْ تَابَ واسْتَغْفَرَ عَادَ إِلَى الإِيمَانِ، ولَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى الْكُفْرِ والْجُحُودِ والاسْتِحْلالِ. وإِذَا قَالَ لِلْحَلالِ: هَذَا حَرَامٌ، ولِلْحَرَامِ: هَذَا حَلالٌ، ودَانَ بِذَلِكَ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ خَارِجاً مِنَ الإِيمَانِ والإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يمكن تصحيحه من جهة أن للشيخ الصدوق (رحمه الله) طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات محمّد بن سنان الخالية من الغلوّ والتخليط على ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في فهرسته(3).

[18] - فقه الحديث:

لم يذكر صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه، وإنّما أورد محلّ الشاهد،

ص: 316


1- في المصدر: قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : جعلت فداك... .
2- التوحيد: 228.
3- فهرست الطوسي: 219/619.

و نحن ننقل قطعة منه مكمّلة لما ذكره هنا، وكان ينبغي له ذكرها، وهي: «وسألت - رحمك اللَّه - عن الإيمان، فالإيمان هو الإقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالأركان. فالإيمان بعضه من بعض. وقد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً. فالإسلام قبل الإيمان...».

توجیه خروج صاحب الكبیرة عن الإیمان

وحاصله: أن الإسلام قبل الإيمان، فبعد أن عرّف الإمام الإيمان، وأنّه: «الإقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل بالأركان»، قال: «قد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً. فالإسلام قبل الإيمان، وهو يشارك الإيمان»، فمن خرج عن الإسلام خرج عن الإيمان، ومن خرج عن الإيمان لم يخرج عن الإسلام. فإذا أتى بكبيرة أو بصغيرة من المعاصي - أعمّ من أن يكون عن إصرار أو غير إصرار - يخرج عن الإيمان، وهو ثابت على الإسلام. فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان - وهذا تفضّل منه تعالى - ولم يخرج إلى الكفر والجحود والاستحلال بارتكاب المعاصي.

ومحلّ الشاهد: أنّ من أنكر شيئاً من الأحكام، وقال للحلال حرام، وللحرام حلال، والتزم واعتقد بذلك، فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان. فالجحود والإنكار واستحلال أيّ حكم موجب للكفر والارتداد.

وهذا الحديث مخالف لما عليه الأصحاب؛ فإنّه دلّ بظاهره على أنّ الإتيان بالكبيرة الواحدة موجب للخروج عن الإيمان. ويمكن أن يحمل إمّا

ص: 317

على الخروج من الإيمان الكامل، أو على الخروج من درجته الإيمانيّة التي يكون فيها؛ فإنّ الإيمان درجات، ولكل مؤمن درجة تخصّه، فهو يترقّى إلى الدرجة الأعلى من درجته التي هو فيها بسبب بعض الأعمال، ويتنزّل عنها بسبب بعض الأعمال الأخرى، كما بُيّن ذلك في بعض الروايات. فلعل المراد هنا من الخروج من الإيمان بسبب ارتكاب الكبيرة: أنّه يخرج عن درجته التي هو فيها بسبب اقتراف الكبيرة، فيتنزّل لما هو أدون منها، بدون أن يخرج من الإيمان بالكلّيّة، وكلّما خرج من درجة من درجات الإيمان دخل في مقابلها من دركات الكفر، كلّ مرتبة بحسبها، إلى أن يكاد ينعدم الفرق بينه وبين الكافر، كما هو المستفاد من العديد من الروايات.

وهذان الوجهان من الحمل ينفعان في كثير من الفروع التي مرّ ذكر بعضها، ويأتي بعضها الآخر في تضاعيف الأبواب، ولعلّ منها آية الحج، وهي قوله تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}(1)

ومنها: قوله (علیه السلام) : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»(2) .

ومنها: قوله (علیه السلام) : «إنّ المؤمن لا يخون»(3) .

ص: 318


1- آل عمران، الآية 97.
2- الكافي 5 : 123، باب القمار والنهبة، ح 4.
3- المصدر نفسه 5 : 94، باب الدين، ح 9.

ومنها: قوله (علیه السلام) : «إنّ تارك الصلاة كافر» يعني: من غير علّة (1)

سند الحديث:

روى المصنّف هذا الحديث بطريقين:

الطريق الأول: ما رواه الصدوق في كتاب «التوحيد»، وطريق صاحب «الوسائل» إليه معتبر، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ الصدوق،

وكتاب «الجامع» أيضاً معتبر، وقد تقدّم حالهما ووثاقتهما.

وأمّا عبد الرحيم القصير: فقد عدّ من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وممّن أدرك الباقر (علیه السلام) (2)

، ولم يرد فيه توثيق، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمي» في نسخة موافقة لتفسير «البرهان» أيضاً، وفي نسخة أخرى: عبد الرحمن القصير. والظاهر: أنّ الأول هو الصحيح؛ بقرينة سائر الروايات. وروى عنه المشايخ الثقات كما في «التفسير» (3).

وعليه فهذا الطريق معتبر. مضافاً إلى أنه يمكن تصحيحه من جهة حماد بن عثمان، الذي هو من أصحاب الإجماع، وأيضاً من جهة وجود الحديث في «جامع» ابن الوليد، وهو من الكتب المشهورة المعوَّل عليها كما ذكره الصدوق (رحمه الله) في أوّل الفقيه. (4)

وأمّا الطريق الثاني: فقدّ تقدّم ذكرهم أيضاً.

ص: 319


1- الكافي 2 : 279، باب الكبائر، ح 8.
2- رجال الطوسي: 237/3241.
3- أصول علم الرجال 1 : 282، و2 : 198.
4- من لا يحضره الفقيه 1 : 4.

[58] 19 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ فِي كِتَابِ «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمّد - يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى - عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ (بِأَنَّكُمْ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا ذُكِرَتْ(1) ولَمْ يَجْحَدْهُ؟ قَالَ: «أَمَّا إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي عِلْمِنَا فَلَمْ يَثِقْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ، فَهُوَ فِي عُذْرٍ حتّى يَسْمَعَ» ثمّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّ الطريقين معتبران.

[19] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمور:

منها: أنّه لا يسع المؤمن عدم القبول ممّن يوثق به في معارف الأئمة (علیهم السلام) ، إذا أخبره ببعض مقاماتهم وفضائلهم (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ من قامت عليه الحجّة من إخبار الثقات ولم يثق بمضمون ما أُخبر به فهو كافر، غير معذور في ذلك. وإثبات الكفر له هنا يمكن أن

ص: 320


1- في المصدر: بما يأتيكم في ليلة القدر كما ذكر.
2- بصائر الدرجات: 244، ح 15.

يكون لاستلزامه تكذيب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولو بوسائط، ولا ريب في أنّ مكذّب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) كافر.

ومنها: أنّ إخبار الثقة حجّة، يجب الأخذ به مطلقاً؛ لأنّ الحديث مطلق، لم يقيّد بالأحكام أو بالمعارف، فيشمل ما إذا أخبر الثقة عن حكم شرعي أو عن شي ء من الأصول الاعتقاديّة، بلا فرق.

ويشهد له: أنّ المسؤول عنه كان أمراً يتعلّق بالمعارف المرتبطة بمقامات الأئمة (علیهم السلام) .

وقد أشرنا في الحديث الثاني عشر من هذا الباب إلى أنّه لا يجوز التشكيك فيما يرويه الثقة من أحاديث عن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ من لم تقم عليه الحجّة - ولو بواسطة إخبار الثقة - فهو معذور حتّى يصله البيان.

ومنها: التأكيد على لزوم تصديق المؤمنين بالاستدلال بالآية الشريفة. وقد ورد الاستشهاد من قبل الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة في مقام لزوم ترتيب الأثر على إخبار المؤمنين عن فسق بعض من يتعامل معهم المؤمن؛ ففي «تفسير العيّاشي»: عن حمّاد، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) - في مَنْ شرب الخمر بعد أن حرّمها اللَّه على لسان نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) - قال: «ليس بأهل أن يزوَّج إذا خطب، وأن يصدَّق إذا حدَّث، ولا يشفَّع إذا شُفِّع، ولا يؤتمن على أمانة. فمن ائتمنه على أمانة فأهلكها أو ضيّعها فليس للذي ائتمنه أن يأجره اللَّه، ولا يخلف عليه». قال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إنّي أردت أن

ص: 321

أستبضع بضاعة إلى اليمن، فأتيت أبا جعفر (علیه السلام) ، فقلت: «إنّي أردت أن أستبضع فلاناً، فقال لي: أما علمت أنّه يشرب الخمر فقلت: قد بلغني عن المؤمنين يقولون ذلك، فقال: صدِّقهم؛ لأن اللَّه يقول: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} ثمّ قال: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس على اللَّه أن يأجرك، ولا يخلف عليك. فقلت: ولِمَ؟ قال: لأنّ اللَّه تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} فهل سفيه أسفه من شارب الخمر؟. إنّ العبد لا يزال في فسحة من ربّه ما لم يشرب الخمر، فإذا شربها خرق اللَّه عليه سرباله، فكان ولده وأخوه وسمعه وبصره ويده ورجله إبليس، يسوقه إلى كلّ شر، ويصرفه عن كلّ خير»(1)

وفي «تفسير العياشي» أيضاً، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن، فأتيت إلى أبي جعفر (علیه السلام) ، فقلت: إنّي أريد أن أستبضع فلاناً، فقال لي: أما علمت أنّه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك، فقال: صدِّقهم؛ فإنّ اللَّه يقول: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}. فقال: يعني: يصدِّق اللَّه، ويصدِّق المؤمنين؛ لأنه كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين»(2) .

ص: 322


1- تفسير العيّاشي 1 : 246، في تفسير الآية5 من النساء، ح21 .
2- المصدر نفسه 2 : 101، ح83 ، في سورة التوبة.

وقد استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}(1)

، أي: لابدّ من الاعتقاد بما قال المؤمن، إذا كان ثقة، ولا يجوز ردّ خبره.

ومن هذا الجواب يمكن أن يقال: إنّ صاحب «الوسائل» استظهر الحكم بالكفر على كلّ من وصل إليه حكم شرعي عن طريق الثقات ولم يقرّ به، سواء كان ضروريّاً، أو غير ضروريّ.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن الحسن الصفّار صاحب كتاب «بصائر الدرجات»، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب: فقد تقدّما.

وأمّا عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى: الملقّب ب- «بنان»، وهو: أخو أحمد بن محمّد بن عيسى، فقد ذكره الكشّي(2)

، ولم يرد فيه توثيق.

نعم ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(3) ، وهو كافٍ في وثاقته.

وأمّا محمّد بن عبد اللَّه: فهو ابن هلال؛ لأنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب يروي عن هذا الشخص، ولم يرو عنه غيره، وهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(4)، وهو كافٍ في وثاقته.

ص: 323


1- التوبة، الآية 61.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/980.
3- أصول علم الرجال 1 : 215 .
4- المصدر نفسه 1 : 237 .

وأمّا يونس: فهو مردّد بين يونس بن عبد الرحمن، وبين يونس بن يعقوب. والظاهر أنه الثاني؛ لأنّه هو الذي يروي عن عمر بن يزيد، وقد قال النجاشي فيه: «يونس بن يعقوب بن قيس، أبو عليّ الجلاّب البجلي الدهني - إلى أن قال - : اختصّ بأبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكان يتوكل لأبي الحسن (علیه السلام) ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا (علیه السلام) ، فتولّى أمره، وكان حظيّاً عندهم موثّقاً»(1)

وقال الشيخ: «يونس بن يعقوب، له كتاب»(2) ، وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: «يونس بن يعقوب، مولى نهد، له كتب، ثقة»، وثالثة في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «يونس بن يعقوب، ثقة، له كتاب، من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(3)

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(4) .

ووردت فيه عدّة روايات مادحة(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

ص: 324


1- رجال النجاشي: 446/1207. والحظي: الذي أحبه الناس ورفعوا منزلته، المنجد: 141، مادة «حظا».
2- فهرست الطوسي: 266/814.
3- رجال الطوسي: 323/4827، و345/ 5160، و 368/5477. .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 34.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 683/721، و685/723، 724، و686/726.
6- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289، و ج2 : 218 .

وأمّا عمر بن يزيد: فهو مشترك بين الصيقل، وبين بيّاع السابري، والمعروف هو عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابري؛ لأنه الأشهر، وبقرينة الصفّار الذي ذكر روايات السابري كما يظهر من الشيخ (رحمه الله) في فهرسته(1). وعليه فينصرف إلى السابري عند الإطلاق.

قال النجاشي: «عمر بن محمّد بن يزيد، أبو الأسود، بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفي، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كلّ سنة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أصحاب كتب الرجال، له كتاب في مناسك الحج وفرائضه وما هو مسنون من ذلك، سمعه كله من أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(2) .

وقال الشيخ: «عمر بن يزيد، ثقة، له كتاب»(3) ، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) مرّتين، وعدّه في أصحاب الكاظم (علیه السلام) أيضاً، وقال: «عمر بن يزيد بيّاع السابري، ثقة، له كتاب»(4) .

وقال الكشي: «... عن عمر بن يزيد، قال: قال لي أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : يابن يزيد، أنت - واللَّه - منّا أهل البيت، قلت له: جعلت فداك، من آل محمد؟ قال: إي واللَّه، من أنفسهم، قلت: من أنفسهم؟ قال: إي واللَّه، من أنفسهم يا عمر.

ص: 325


1- فهرست الطوسي: 184/502.
2- رجال النجاشي: 283/751.
3- فهرست الطوسي: 184/502.
4- رجال الطوسي: 252/3541، و 253/3548، و339/5046.

[59] 20 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ - يَعْنِي: لَيْثَ بْنَ الْبَخْتَرِيِّ الْمُرَادِيَّ - قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَرَأَيْتَ الرَّادَّ عَلَى هَذَا الأَمْرِ كَالرَّادِّ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرَ فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وعَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أما تقرأ كتاب اللَّه عزّوجلّ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(2)»(3).

وورد في «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وعليه فالحديث معتبر.

[20] - فقه الحديث:

ظاهر الحديث يدل على أنّ الرادّ على أمر الولاية كالرادّ على الأئمة (علیهم السلام) ، وهو موجب للكفر؛ حيث قال الإمام (علیه السلام) : «يا أبا محمد، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرادّ على رسول اللَّه، وعلى اللَّه عزّوجلّ»،

ص: 326


1- المحاسن 1 : 295، ح 591.
2- آل عمران، الآية 68.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 623/605.
4- أصول علم الرجال 1 : 285، و ج2 : 204، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 425، المشيخة.

ورَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ والْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، جَمِيعاً، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ولا ريب في أنّ الرادّ عليهما كافر، وكذلك الرادّ عليك هذا الأمر أيضاً. ولكن مورد هذا الحديث أمر الولاية فقط، والتعدّي عنه يحتاج إلى دليل.

والظاهر من صاحب «الوسائل» أنّه استفاد منه التعميم، وأنّ إنكار وردّ كلّ حكم - سواء كان في أمر الولاية أو غيره - موجب للكفر. وقد مرّ ما يفيد التعميم بظاهره.

وفي الكافي «...أرأيت الرادّ عليَّ هذا الامر كالرادّ عليكم...»(2)،

والظاهر أنه الصحيح بقرينة جواب الإمام (علیه السلام) .

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: ما رواه البرقيّ في «المحاسن»، وقد تقدّم ذكر جميع رجال السند ماعدا ليث بن البختري المرادي، قال النجاشي في حقه: «أبو محمد، وقيل: أبو بصير الأصغر، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، له كتاب

ص: 327


1- 1*) الكافي 8 : 146، ح120.
2- المصدر نفسه 8 : 146، ح120.

يرويه جماعة»(1) ، ومنه يظهر: أنّ الكتاب مشهور.

وقال الشيخ: «ليث المرادي، يكنّى أبا بصير، روى عن الصادق (علیه السلام) والكاظم (علیه السلام) ، وله كتاب»(2).

وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وثالثة في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3)،

وهو ممّن أجمعت العصابة على تصديقهم(4) .

وعدّه ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النصّ الصريح على إمامة موسى بن جعفر (علیه السلام) عن أبيه(5)

وقد ذكر الكشّي عدّة روايات مادحة له:

منها: عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة. أربعة نجباء أمناء اللَّه على حلاله وحرامه. لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست».

ومنها: عن سليمان عن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول:

ص: 328


1- رجال النجاشي: 321/876.
2- فهرست الطوسي: 205/585.
3- رجال الطوسي: 144/ 1568، و275/3970، و342/5099.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 507/507.
5- مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) 3 : 435 - 436 .

«ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة»(1)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

والثاني: ما رواه الكليني، وقد تقدّم ترجمة كلّ واحد منهم.

والحديث - بكلا الطريقين - صحيح.

ص: 329


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 398 / 286، و348/219 .
2- أصول علم الرجال 1 : 234، و ج2 : 219 .

[60] 21 - وعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنِ اجْتَرَأ عَلَى اللَّهِ فِي الْمَعْصِيَةِ وارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَهُو كَافِرٌ، ومَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِك»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ من اجترأ على اللَّه سبحانه وتعالى في المعاصي - أي: هجم على معصيته بلا تروّ، وهو مساوق للاستخفاف والتهاون - فذلك موجب للكفر، وقوله: «من نصب ديناً غير دين اللَّه» فيه إلماح إلى ما عليه العامّة، كما تقدّمت الإشارة إليه في الحديث الثالث.

سند الحديث:

أما العدّة التي يروي عنها البرقي، فغير معلومة. ولكن لا يضرّ وجودها؛ لأنّ الظاهر أنّ العدّة فيها واحد على الأقلّ من الثقات.

وأمّا عليّ بن أسباط: فقال عنه النجاشي: «علي بن أسباط بن سالم، بيّاع الزطي، أبو الحسن المقرى ء، كوفي، ثقة، وكان فطحيّاً، جرى بينه وبين عليّ بن مهزيار رسائل في ذلك، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، فرجع عليّ بن أسباط عن ذلك القول، وتركه، وقد روى عن الرضا (علیه السلام) من قبل ذلك، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة»(2) .

ص: 330


1- المحاسن 1 : 330، ح673 .
2- رجال النجاشي: 252/663.

وقال الشيخ: «له أصل وروايات»(1) ، وعدّه في «رجاله» تارة في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الجواد (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه الطاطري بلا واسطة(3)

وأمّا عمّه يعقوب: فهو يعقوب بن سالم الأحمر، الكوفي، أخو أسباط، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) (4)

ونقل القهبائي والتفريشي والميرزا عن النجاشي قوله: «يعقوب بن سالم، الأحمر، أخو أسباط بن سالم، ثقة، من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »، والنسخ المطبوعة خالية عن ترجمته، ولكن عدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء والرؤساء الأعلام ... الخ(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(6) ، وهذا يكفي في وثاقته.

وأمّا زرارة: فقد تقدّم ذكره، وعليه فالحديث معتبر.

ص: 331


1- فهرست الطوسي: 153/384.
2- رجال الطوسي: 360/ 5337، و376/ 5570.
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 229 .
4- رجال الطوسي: 323/4837، و346/ 5162 .
5- معجم رجال الحديث 21 : 143، و 136/13753، ولكنّه ورد في طبعة جماعة المدرسين بقم، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني/ 1212.
6- أصول علم الرجال 1 : 244 .

[61] 22 - محمّد بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَرَاغِيِّ، قَالَ: وَرَدَ تَوْقِيعٌ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلاءِ(1)، وذَكَرَ تَوْقِيعاً شَرِيفاً يَقُولُ فِيهِ: «فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لأَحَدٍ مِنْ مَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا؛ قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا، ونُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ»، الْحَدِيثَ(2).

أَقُولُ: ويَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كُتُبِ الْعِبَادَاتِ، وفِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثمّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مُطْلَقٌ، يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ؛ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ، كَمَا عَرَفْتَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[22] - فقه الحديث:

لم يذكر صاحب «الوسائل» تمام الحديث، وإنّما اكتفى بموضع الشاهد.

وصدر الحديث ورد في ذمّ أحمد بن هلال، وفي هذا التوقيع دلالة على

ص: 332


1- في المصدر: ورد على القاسم بن العلاء نسخة.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 816/1020 .
3- يأتي أيضاً في الباب 11 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، والباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، والباب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، والباب 5 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، والباب 10 من أبواب حدّ المرتد.

عدم العذر لأحد في ردّ خبر الثقة، فهو حجّة.

ووجه استدلال صاحب «الوسائل» بهذا الحديث: أن ردّ الخبر إن كان لجحود بعض الضروريّات أو غيرها ممّا تقوم الحجّة فيه، فهو موجب للارتداد.

وأمّا دلالة الحديث على حجّيّة خبر الثقة، ففيه احتمالان:

الأول: أن يراد من قوله (علیه السلام) : «ثقاتنا» مطلق الثقة، فكل من اتصف بالوثاقة ونقل عن الأئمّة حديثاً لم يجز ردّه أو إنكاره، ولابدّ من الأخذ بقوله عن الأئمة (علیهم السلام) .

الثاني: أن يراد من قوله (علیه السلام) : «ثقاتنا» الثقات المنسوبون إلى الأئمة (علیهم السلام) ، والذين هم من صفاتهم: أنّهم يحملون أسرار الأئمة (علیهم السلام) ، كما أنّ الأئمة (علیهم السلام) يفاوضونهم أسرارهم التي ينقلونها إلى الموالين بواسطتهم.

فعلى هذا الاحتمال لا يدلّ الحديث على حجّيّة مطلق خبر الثقة، بل يختصّ ذلك بثقات الأئمة، وحملة أسرارهم (علیهم السلام) ، ولا يشمل كلّ ثقة.

ولا بأس بالاحتمال الأول؛ لمناسبة الحكم والموضوع؛ فروايات الثقات لا يجوز التشكيك فيها، فلابدّ من الأخذ بخبر الثقة، كما ورد في الحديث التاسع والعشرين.

وعليه: فالحديث يدل على أنّه لا يجوز ردّ الحديث المنقول بواسطة الثقات عن الأئمة (علیهم السلام) . وردّه موجب للارتداد، إذا كان بعنوان الاستخفاف والإنكار والجحد.

ص: 333

سند الحديث:

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي: تقدّم ذكره.

وأمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة: فقال عنه النجاشي: «النيشابوري - عليه اعتمد أبو عمرو الكشّي في كتاب الرجال - أبو الحسن، صاحب الفضل بن شاذان، وراوية كتبه، له كتب...»(1).

وعدّه الشيخ في «رجاله» فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، قائلاً: «علي بن محمّد بن القتيبي، تلميذ الفضل بن شاذان نيسابوري، فاضل»(2)

واعتماد الكشّي عليه لا يدلّ على وثاقته؛ لأنّه روى عن الضعفاء كثيراً، والصحبة لا تدلّ عليها أيضاً.

وأمّا قول الشيخ: «فاضل» فكذلك لا يدلّ على التوثيق. نعم، هو مدح، فيكون حسناً.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ الرواية عن الضعفاء لا تنافي الاعتماد، فهو - بقرينة اعتماد الكشّي عليه - ثقة في نفسه، إلّا أنّه يروي عن الضعفاء، وعليه فهو مورد للاطمئنان، وإلّا لم يعتمد عليه الكشّي.

وأمّا أحمد بن إبراهيم المراغي - الذي يكنّى أبا حامد - : فهو من أصحاب العسكري (علیه السلام) ، كما في «رجال الشيخ»(3)،

ومدحه ابن داود، وقال:

ص: 334


1- رجال النجاشي: 259/678.
2- رجال الطوسي: 429/6159.
3- المصدر نفسه: 397/5830.

«ممدوح، عظيم الشأن»(1)

ووردت فيه رواية مادحة، ولكن الراوي لها هو نفسه، فلا يمكن الأخذ بها، والاعتماد عليها(2).

وأما القاسم بن العلاء: فعدّه الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) (3) ، وهو من مشايخ الكليني، ومن وكلاء الناحية، ووردت في حقّه رواية مادحة تدلّ على جلالته وكونه مرضيّاً(4).

وخلاصة القول: أنّ الحديث من جهة ابن قتيبة فيه كلام، وإن كان الأظهر أنّه ثقة . ولكن من جهة المراغي - الذي لم يرد فيه توثيق - لا يكون معتبراً.

والحاصل: أنّ في الباب اثنين وعشرين حديثاً، عشرون منها معتبرة، واثنان غير معتبرين، وهما السادس عشر والثاني والعشرون، وإن أمكن اعتبار متن أحدهما، وهو السادس عشر.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد منها أمور، يمكن تلخيصها بما يلي:

1 - الحكم بالكفر والارتداد على من أنكر أيّاً من ضروريّات الدين، بل أيّ حكمٍ قامت عليه الحجة، إذا كان عن جحدٍ أو استخفاف.

ص: 335


1- رجال ابن داود: 36/55.
2- معجم رجال الحديث 2 : 16/383.
3- رجال الطوسي: 436/6243.
4- معجم رجال الحديث 15 : 35 - 37/9543 .

2 - إنّ المؤمن إذا ارتكب الحرام خرج من الإيمان، ولم يخرج من الإسلام، وإذا تاب رجع إلى الإيمان.

3 - إنّ البدعة في الدين موجبة للشرك.

4 - وجوب الإقرار والتسليم لما جاء عن أهل البيت (علیهم السلام) .

5 - كفر تارك الصلاة عمداً مستحلاًّ.

6 - كفر فاعل الكبيرة مستحلاًّ.

7 - فسق فاعل الكبيرة إذا لم يكن مستحلاًّ.

8 - وجوب العمل برواية الثقة.

9 - عدم جواز الردّ على الثقة الراوي للحديث عن الأئمة (علیهم السلام) .

10 - وجوب التوقّف عند الجهل، وعدم جواز المبادرة إلى الجحود، حتّى يتّضح الحال.

11 - إنّ من موجبات الكفر: كلّ شي ء يجره الإنكار والجحود، ومنه جحد الفرائض الإلهيّة، والإباء عن طاعة اللَّه، واختيار غيره عليه، والإقامة على الكبائر، والاستخفاف بمعصية اللَّه، وترك الأخذ بسبيل اللَّه وهدايته، وتحليل الحرام، وتحريم الحلال، وعدم الوثوق بما قامت عليه الحجّة المعتبرة.

12 - إن الكفر أقدم من الشرك وأعظم، وله مراتب خمسة، وأما الشرك، فيتحقّق بنصب دين غير الدين النازل من عند اللَّه سبحانه وتعالى.

ص: 336

3 - باب اشتراط العقل في التكليف

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب اشتراط العقل في التكليف

شرح الباب:

العقل: هو الفهم لغة، كما ورد في غير واحد من المعاجم(1)،

وأمّا اصطلاحاً فقد أطلق على أمور:

الأوّل: قوّة إدراك الخير والشر، والتمييز بينهما، والتمكّن من معرفة أسباب الأمور وذوات الأسباب، وما يؤدّي إليها، وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى هو مناط التكليف والثواب والعقاب.

الثاني: ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخير والنفع، واجتناب الشرور والمضارّ، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة، والوساوس الشيطانيّة.

وهل هذا هو المرتبة الكاملة من العقل بالمعنى الأوّل، أم هو صفة أخرى وحالة مغايرة له؟ كلاهما محتمل، إلّا أنّ ما يشاهد في أكثر الناس من حكمهم بخيريّة بعض الأمور مع عدم إتيانهم بها، وبشرِّيّة بعض الأمور مع كونهم مولعين بها يدل على أنّ هذه الحالة غير العلم بالخير والشر.

ص: 337


1- كتاب العين 1 : 159 ، مادة: «عقل»، ومجمع البحرين 3 : 225 ، مادة: «عقل».

وهذان الأمران مشهوران في الروايات، فالعقل عقلان: عقل مطبوع، وعقل مسموع. والمقصود من العقل المطبوع هو الأوّل الذي يدرك به الأشياء، ويميّز به الحق عن الباطل، والخير عن الشر، وهو يتحقّق عند وجود الإنسان، وكلما كبر الإنسان قوي ونما. ففي حالة كونه جنيناً يكون ضعيفاً حتّى يكمل عند البلوغ. وهذا العقل يتكامل إلى حدّ الأربعين، وعنده ينتهي تكامله، فهو مع الإنسان، وإن كان يزول بالعوارض، وهذا العقل هو المناط في التكليف.

وأمّا العقل المسموع، وهو الأمر الثاني، فهو - كما ذكرنا - حالة توجب اكتساب الحسن، والاجتناب عن القبح، وقد مدح في الروايات، فقد ورد أنّه «ما عُبِدَ به الرحمنُ واكتُسِبَ به الجنانُ»(1).

الثالث: القوّة التي يستعملها الناس في نظام أمور معاشهم، فإن وافقت قانون الشرع واستعملت فيما استحسنه الشارع تسمّى بعقل المعاش، وهو ممدوح في الأخبار، ومغايرته لما قد مرّ بنوع من الاعتبار. وإذا استعملت في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى تلك القوّة بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع. ومنهم من أثبت لذلك قوّة أُخرى، وهو غير معلوم.

الرابع: مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريّات وقربها وبعدها عن ذلك. وأثبتوا لها مراتب أربعة، سمّوها: بالعقل الهيولاني، والعقل بالملكة، والعقل بالفعل، والعقل المستفاد، وقد تطلق هذه الأسماء على النفس في

ص: 338


1- معاني الأخبار: 239، وبحار الأنوار 1 : 101، باب4 من أبواب العقل والجهل، ح8 .

تلك المراتب. وتفصيلها مذكور في محالّها.

والظاهر رجوعها إلى ما ذكرنا أولاً؛ فإنّ الظاهر أنّها قوّة واحدة، تختلف أسماؤها بحسب متعلّقاتها، وما تستعمل فيه.

الخامس: النفس الناطقة الإنسانيّة، التي بها يتميّز عن سائر البهائم.

السادس: ما ذهب إليه الفلاسفة وأثبتوه بزعمهم، من أنّه جوهر مجرّد قديم لا تعلّق له بالمادّة ذاتاً ولا فعلاً. وقال بعض محققيهم: إنّ نسبة العقل العاشر - الذي يسمّونه بالعقل الفعّال - إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن، فكما أنّ النفس صورة للبدن، والبدن مادتها، فكذلك العقل صورة للنفس، والنفس مادّته، وهو مشرق عليها، وعلومها مقتبسة منه، ويكمل هذا الارتباط إلى حدّ تطالع العلوم فيه، وتتّصل به(1) .

وأمّا الدليل على هذه المراتب ثبوتاً ونفياً فموكول إلى محلّه.

الأقوال:

لا إشكال في أنّ العقل أحد الشرائط العامّة المعتبرة في التكليف، وقد استدلّ له بالكتاب والسنّة والإجماع، بل المسلمون على ذلك. وعليه فالحكم ضروريّ.

ص: 339


1- بحار الأنوار 1 : 100 - 101.

[62] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ محمّد بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثمّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ. أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كیفية استنطاق العقل

[1] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جملة الأخبار العويصة المبهمة الغامضة.

والغموض فيه من جهات:

الأولى: في كيفية استنطاقه.

الثانية: في كيفيّة الإقبال والإدبار، والمراد منهما.

الثالثة: في ما هو المقصود من قوله: «هو أحب إليّ».

الرابعة: في أنّ العقل إذا كان أحبّ شي ء عند اللَّه فكيف يعاقبه؟

الخامسة: في أنّه كيف يكون العقل أحبّ الخلق إليه سبحانه وتعالى، مع أنّه قد ورد في الروايات المتواترة: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة (علیهم السلام) هم أحبّ

ص: 340


1- الكافي 1 : 10، كتاب العقل والجهل، ح1.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الخلق إليه عزّ شأنه(3)؟

السادسة: في أنّه كيف يجمع بين الروايات التي تدلّ على أنّ أوّل ما خلقه اللَّه تعالى هو: العقل(4)،

مع ما ورد من أنّ أوّل ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته(5)؟

أمّا الأولى: فيمكن أن يكون المراد بالاستنطاق معناه الحقيقي، وهو أنّ اللَّه جلّت عظمته أنطقه بقدرته، فهو قادر على إنطاق كلّ شي ء، من الشجر والحجر والحيوان وغيرها من الأمور الجسمانيّة والروحانيّة، وقد ورد في رواية الصدوق في «الخصال»: «ثمّ قال له: تكلّم، فقال: الحمد للَّه الذي ليس له ضدّ ولا ندّ ولا شبيه ولا كفو ولا عديل ولا مثل، الذي كلّ

ص: 341


1- المحاسن 1 : 306، ح 604.
2- أمالي الصدوق : 504، ح692.
3- وسائل الشيعة 7 : 102، باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد، ح 8850 .
4- غوالي اللئالي 4 : 99، وبحار الأنوار 1: 87، باب2 من أبواب العقل والجهل.
5- الكافي 1 : 441 و442، باب مولد النبي، ح7 و ح10، و ص530، باب فيما جاء في الاثني عشر والنص عليهم، ح6.

شي ء لعظمته خاضع ذليل»(1)

المراد من إقبال العقل و إدباره

ويمكن أن يكون المراد من الاستنطاق: معنى التكلّم معه، كما نصّ عليه أهل اللغة، وكأنّما فرضه شيئاً وتكلّم معه، كما يكلّم الإنسان ما لا يعقل، كالدار، وغرضه التحسّر أو الاعتبار.

ويمكن أن يكون التكلّم بمعناه التكويني، أي: بمعنى أنّه أعطاه الفهم والإدراك والقابليّة، فاستنطقه، أي: فهّمه، فيكون دليلاً لعباده على وحدانيّته.

وأمّا الثانية: فالمراد من الأمر بالإقبال، إمّا إرادة المعنى الظاهري، وهو الإقبال والإدبار الحسّيّان، بمعنى الذهاب والإياب، كما أنّه يتصوّر في النفوس والحواسّ ونحوها؛ فإنّها تذهب وتجي ء، وتفارق على وجهٍ تصحّ نسبته إليها، ولا ينحصر ذلك فيما يعهد من إقبال الإنسان بوجهه، وإعراضه به.

والغرض في الأمر بالإقبال والإدبار، كالغرض في جميع التكاليف، من إظهار الانقياد، واختبار العباد، وبيان امتثال الأمر، كما أنّ من أراد اختبار طاعة عبده فإنّه يقول له: اذهب، ثمّ يقول له: ارجع مثلاً؛ لإظهار الطاعة، وإلزام الحجّة.

ولا بُعد في أَن يخلقه اللَّه تعالى أوّلاً على حالة يمكن اتّصافه بالإقبال والإدبار الحقيقيّين، وقد أعطى اللَّه الجنّ والملائكة قدرة التشكّل بأشكال بني آدم وغيرهم، فلا يبعد أن يعطي اللَّه العقل ذلك، ولو في حال الأمر

ص: 342


1- الخصال: 427 ، باب العشرة ح4.

بالإقبال والإدبار.

وأمّا أنّ الإقبال كان إلى العرش أو إلى الكعبة أو إلى غيرهما، فهو محلّ الخلاف.

وإمّا أن يراد معنى آخر، وهو الإقبال والإدبار غير الحسيّين، وهذا يتصوّر على معانٍ:

فإمّا أن يراد: الإقبال والإدبار إلى غير المكان، كما يقال: أقبل إلى العلم، وأعرض عن الجهل، فيكون المراد: إقبالاً إلى أمر غير حسّي من الخيرات، والإدبار عن الشرور والمهلكات. أو الكناية عن الإقرار بالحقّ في الإقبال، والإعراض عن الباطل في الإدبار.

أو يكون المراد: الإقبال التكريمي، بمعنى أنّه خلق العقل، وأمره بالإقبال إلى عالم الملك، وتحصيل المقامات العالية، والدرجات الرفيعة في مواقع القرب من اللَّه تعالى، ثمّ قال: أدبر عن هذا العالم، وارجع إلى اللَّه تعالى. أو يكون المراد من الإقبال: التوجّه إلى اللَّه تعالى، والانجذاب إلى جنابه؛ لتحصيل الكمالات الإلهيّة، والمراد من الإدبار: أنّه بعد الاستكمال يرجع إلى عالم الجسم، لتكميل النفوس، وهداية الناس.

أو يكون المراد: الإقبال الاستعدادي، بمعنى أنّ الإقبال هو استعداده لتحصيل المعارف، والكمالات، والقرب الإلهي، والمراد من الإدبار هو: استعداده للانحطاط والهبوط إلى الرذائل، والصفات الذميمة والبعد عن اللَّه عزّوجلّ. وهذا المعنى يلائم قوله «فاستنطقه» بمعنى: أنّه أعطاه الفهم

ص: 343

والإدراك والقابلية، وكذلك قوله: «بك أثيب، وبك أعاقب» فيكون له الثواب، وعليه العقاب، وبذلك يكون الإنسان أشرف المخلوقات، ويمتاز عن سائر الحيوانات.

المقصود من كون العقل أحبّ المخلوقات إليه تعالی

وأمّا الثالثة - وهي: أنّه أحبّ المخلوقات إليه - : فالحب إمّا من جهة العبادة، فإنّها لا تتحقّق إلّا مع كمال العقل، وقد ورد في الآيات والروايات: أنّ محبّة اللَّه لأوليائه لأجل عبادتهم وتقرّبهم إليه(1)؛

قال تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(2)؛

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(3)

أو من جهة أنّ الإنسان أشرف المخلوقات، وامتيازه عن سائر المخلوقات بهذه القوّة، أي: قوّة العقل، ولذلك جعل اللَّه سبحانه وتعالى محلّها في أفضل الأماكن من البدن، وهو الرأس.

ص: 344


1- الأحاديث في هذا المعنى كثيرة بسعة معنى العبادة وكثرة وسائل القرب إليه تعالى، منها ما في: الكافي 2 : 65، باب التفويض إلى الله، ح4. الكافي 2 : 99، باب الشكر، ح30. الكافي 2 : 112، باب الحلم، ح8. الكافي 2 : 65، باب التفويض إلى الله...، ح4. الكافي 5 : 535، باب الغيرة، ح1.
2- التوبة، الآية 108.
3- التوبة، الآية 4.

كیف یعاقب الله أحب الاشیاء إلیه

وأمّا الرابعة: فيمكن أن يحمل الحديث على ظاهره، ويقال: إنّه هو المتعلّق للثواب والعقاب؛ حيث إنّ له الاستعداد لتحصيل الكمالات، وإطاعة اللَّه سبحانه وتعالى، وله استعداد لكسب الرذائل وعصيانه سبحانه وتعالى، فبنفسه يثاب ويعاقب؛ لأنّه لا ينفكّ عن البدن والجسم، فإذا كان الجسم متنعِّماً فالعقل لا محالة يكون متنعّماً، وإذا كان الجسم معذّباً فالعقل أيضاً يكون معذّباً. وهذا الاحتمال موافق لظاهر هذا الحديث، والحديثين الثاني والثامن من هذا الباب.

أو يقال: بأنّه وإن كان متعلّقاً للثواب والعقاب، ولكن مجرّد العقاب على فرض المخالفة والعصيان، وأمّا في الخارج فلا يتحقّق منه العصيان، ومع ذلك يصحّ أن يخاطب: بأنّك إن عصيت فعليك العقاب، نظير قوله تعالى:

{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(1). ويمكن أن يحمل على أنّ العقل وسيط في تعلّق الثواب والعقاب بصاحبه، لا أنّه هو المتعلّق للثواب والعقاب. وهذا المعنى يوافق الحديثين: السادس والتاسع.

رفع التنافي بین كون العقل أحب الأشیاء للّه و بین كون أحب الخلق إلیه هم محمد و آله

وأمّا الخامسة: فقد يقال: إنّه يمكن انطباق العقل عليه صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله، ويكون هو المراد من العقل، وأنّه أوّل ما خلق اللَّه، وأحبّ ما خلق إليه، فهو عقل الكل، كما ذكر الحكماء العقول العشرة، فينطبق عليهم، ولكنهم أربعة عشر معصوماً، فلابّد لهم من القول: بعقول أربعة عشر، فهم الواسطة في الفيوضات الإلهيّة إلى سائر المخلوقات.

ص: 345


1- الزمر، الآية 65.

ولكنّ هذا المعنى لا يلائم بعض معاني الإقبال والإدبار، وكذلك بعض المعاني في تعلّق الثواب والعقاب، فإثبات ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث، واللَّه العالم.

رفع التنافي بین كون العقل أول مخلوق

وأمّا السادسة: فيمكن الجواب عنها:

أوّلاً: بأنّ الأوّليّة نسبيّة، أي: بالنسبة إلى جملة من المخلوقين، لا جميعهم. فالعقل يكون أوّل مخلوق بالنسبة إلى الروحانيّين، كما ورد في صحيحة سماعة بن مهران: «أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش»(1) ، مع أنّ نور النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وأهل بيته كان قبل العرش، كما ورد:

«أنّ أوّل ما خلق اللَّه الهواء»(2) ، أي: في العالم غير المرئي. أو أوّل ما خلق اللَّه الماء(3) في العالم المرئي، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(4) ، وعليه فالأوليّة نسبية.

وثانياً: بأن يقال: إنّ المراد من العقل هو النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، كما تقدّم.

وفي الحديث جهات أخرى تركناها؛ خوفاً من الإطالة.

ص: 346


1- الكافي 1 : 21، كتاب العقل والجهل، ح 14.
2- تفسير القمّي 1 : 321، ومستدرك الوسائل 9 : 335، ب12، وجوب احترام الكعبة، ح11032، وفيه: «وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء...».
3- الكافي 8 : 94، حديث أهل الشام.
4- الأنبياء، الآية 30.

سند الحديث:

للحديث ثلاثة طرق:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، قال: حدّثني عدّة من أصحابنا، منهم: محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن الحسن بن محبوب.

وهذا الطريق - أيضاً - صحيح بما تقدّم.

الثالث: ما رواه الصدوق في «المجالس»، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب.

وهذا الطريق - أيضاً - رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

والحاصل إنّ هذا الحديث واضح الدلالة؛ حيث دلّ على أنّ الثواب والعقاب يدوران مدار وجود العقل وعدمه، كما أنّه صحيح السند بطرقه الثلاثة.

ص: 347

[63] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ. إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ ابْنِ رَزِينٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

مضمون الحديث عين مضمون الحديث الأوّل، إلّا أنّه ذكر بدل «أحب»: «أحسن»، والتلازم فيهما ظاهر.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق وإن كان فيه سهل بن زياد الضعيف، إلّا أنّه يمكن

ص: 348


1- الكافي 1 : 26 ،كتاب العقل والجهل، ح 26.
2- المحاسن 1 : 306، ح 603. وفيه: عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) .

تصحيحه بجهتين:

الأولى: أنّه قد شهد الكليني بصحّة روايات كتابه «الكافي»(1).

الثانية: ما يظهر من النجاشي، من أنّ كتب العلاء بن رزين كانت مشهورة، رواها جماعة(2).

والشيخ وإن ذكر أنّ لكتابه أربع نسخ(3)، ولكن لم يذكر الاختلاف بين تلك النسخ، وهذا خلاف عادتهم، ولو كان بين النسخ اختلاف فمن الممكن أن يكون تعدّد النسخ من جهة الترتيب والوضع، فبناء على ذلك لا يحتاج إلى الطريق، وعليه فهذا الطريق معتبر.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن السندي بن محمّد، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق - أيضاً - رجاله كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، سوى:

السندي بن محمّد: وهو أبان بن محمّد، قال عنه النجاشي: «المعروف بسندي البزاز»، «وهو ابن أخت صفوان بن يحيى، كان ثقة، وجهاً في أصحابنا الكوفيّين»(4)

وورد في «نوادر الحكمة»(5). فهذا الطريق صحيح.

ص: 349


1- انظر: الكافي 1 : 8 - 9 ، مقدمة المصنف.
2- رجال النجاشي: 298/811 .
3- فهرست الطوسي: 182/499.
4- رجال النجاشي 14/11، و187/497.
5- أصول علم الرجال 1 : 224 .

[64] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّمَا يُدَاقُّ اللَّهُ الْعِبَادَ فِي الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي الدُّنْيَا»(1)1*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

المداقّة هي: المناقشة في الحساب، والاستقصاء فيه(3).

ويدل هذا الحديث على أنّ اللَّه سبحانه وتعالى إنّما يحاسب الناس في يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا، وعليه فمن كان عقله أكبر وأقوى كان أشدّ تكليفاً، وأكثر ثواباً. هذا، مع الالتفات إلى أنّ ضعف العقول وكمالها وإن أوجب الاختلاف في الدقّة في الحساب وفي الثواب، ولكن لا تختلف باختلافها التكاليف العامة، والأحكام الشرعيّة المتعلّقة بعامة الناس، بل المناط فيها هو: أصل العقل الخالي عن الخلل والضياع والفساد، وإن كان خفيفاً ناقصاً بالنسبة إلى بعض. وعليه فهذا

ص: 350


1- 1*) الكافي 1 : 11، كتاب العقل والجهل، ح 7.
2- 2*) المحاسن 1 : 310، ح 614.
3- مجمع البحرين 2 : 46 مادة «دقق»، ولسان العرب 10 : 102 مادة «دقق».

الحديث يدل بالأولويّة على أنّ من لا عقل له لا حساب عليه.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود.

وقد تقدّم الكلام في العدّة، وأحمد بن محمّد بن خالد، ومحمّد بن سنان.

وأمّا الحسن بن عليّ بن يقطين: فقال عنه النجاشي: «كان فقيهاً، متكلّماً، روى عن أبي الحسن والرضا (علیهما السلام) ، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى (علیه السلام) »(1)

وذكر الشيخ نحوه(2)، ووثّقه في «رجاله»، وعدّه من أصحاب الرضا (علیه السلام) (3)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا أبو الجارود: فهو زياد بن المنذر، قال عنه النجاشي: «أبو الجارود،

ص: 351


1- رجال النجاشي: 45/91.
2- فهرست الطوسي: 98/166.
3- رجال الطوسي: 354/5246.
4- أصول علم الرجال 1 : 218، و ج2 : 186 .

الهمداني، الخارفي، الأعمى ... كوفي، كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وتغيّر لما خرج زيد(رضی الله عنه) ... له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر (علیه السلام) »(1)

وقال الشيخ: «زياد بن المنذر، يكنّى أبا الجارود، زيديّ المذهب، وإليه تنسب الزيديّة الجاروديّة»(2)،

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) (3)

وقال الكشّي: «أبو الجارود، زياد بن المنذر، الأعمى، السرحوب، وحكي: أنّ أبا الجارود سمّي سرحوباً، ونسبت إليه السرحوبيّة من الزيديّة، سمّاه بذلك أبو جعفر (علیه السلام) ، وذكر: أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى، أعمى القلب»(4).

وذكر في حقه روايات ذامّة، وكلّها ضعيفة(5).

إلّا أنّ الظاهر أنّه ثقة؛ لما ورد في «الرسالة العدديّة» للشيخ المفيد من أنّه من الفقهاء الأعلام الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(6) .

ص: 352


1- رجال النجاشي: 170/448.
2- فهرست الطوسي: 131/303.
3- رجال الطوسي: 135/1409، وص 208/2685.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 495/413.
5- المصدر نفسه 2: 495/ 413 - 416.
6- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 30.

[65] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَحْمَرِ، عَنْ محمّد بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كما ورد في أسناد «تفسير القمي»، و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

الثاني: ما رواه البرقي عن الحسن بن عليّ بن يقطين... الخ، وهو الطريق الأوّل نفسه.

وعلى هذا فالحديث - على كلا الطريقين - معتبر.

[4] - فقه الحديث:

لم يذكر المصنّف صدر الحديث وذيله، وصدره هكذا: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : فلان من عبادته ودينه وفضله، فقال: «كيف عقله»؟ قلت: لا أدري، قال: «إنّ الثواب على قدر العقل»، ثمّ ذكر قصّة العابد المشهورة.

ودلالته على أنّ الاعتبار في الثواب والعقاب على قدر العقل واضح، فكل من كان عقله كاملاً كان ثواب عمله أكثر، وكل من كان عقله ناقصاً كان ثواب عمله - أيضاً - قليلاً؛ لأنّ زيادة الثواب تابع لكمال العبادة، وكمال

ص: 353


1- الكافي 1 : 12 ، كتاب العقل والجهل، ح 8.
2- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 290، و ج2 : 219 .

العبادة إنما هو بمعرفة المعبود وصفاته واستحقاقه للعبادة وحده دون غيره، ومعرفة حقيقة العبادة متوقّفة على صدورها عن خوف وخشية من اللَّه عزّوجلّ، ولا يحصل ذلك إلّا بزيادة العلم والعقل. فإذا كان الثواب الذي هو تفضّل من اللَّه عزّوجلّ لعباده على قدر عقولهم، فكيف بالعقاب الذي هو على سبيل الاستحقاق؟!

سند الحديث:

الظاهر أنّ عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه هو: ابن بندار، الذي يعدّ من مشايخ الكليني، وهو ثقة، كما تقدّم.

وأمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمر: فهو على ما قال النجاشي: «إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري، النهاوندي، كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتب»(1).

وقال الشيخ: «كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه»(2)،

وعدّه في «رجاله» ممّن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، وقال: «له كتب، وهو ضعيف»(3)

إلّا أنّ الوحيد البهبهاني(4) والسيد الأمين(5) وغيرهما قد وثّقوه، وحملوا

ص: 354


1- رجال النجاشي: 19/21.
2- فهرست الطوسي: 39/9.
3- رجال الطوسي: 414/5994.
4- في تعليقته على منهج المقال (المطبوعة معه) 1 : 264 - 265.
5- أعيان الشيعة 2 : 111.

الضعف على اتّهامه في مذهبه وارتفاعه، لا في حديثه.

بحث رجالي في محمّد بن سليمان الديلمي و أبیه

وأمّا محمّد بن سليمان الديلمي: فقال النجاشي عنه: «محمّد بن سليمان بن عبد اللَّه الديلمي، ضعيف جدّاً، لا يعوّل عليه في شي ء، له كتاب»(1)

وعدّه الشيخ في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: «له كتاب، يرمى بالغلو»(2)، وعدّه في أصحاب الرضا (علیه السلام) أيضاً، قائلاً: «محمّد بن سليمان الديلمي، بصري، ضعيف»(3)

وقد ذكره النجاشي في ترجمة أبيه سليمان بن عبد اللَّه، وقال: «إنّه لا يعمل بما تفرّد سليمان وابنه محمّد به من الرواية»(4).

وقال ابن الغضائري: «محمّد بن سليمان بن زكريا الديلمي، أبو عبد اللَّه، ضعيف في حديثه، مرتفع في مذهبه، لا يلتفت إليه»(5) .

إلّا أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»(6). وعليه فالجمع بين التوثيق والتضعيف - بحمل التضعيف على مذهبه ورميه بالغلو - مشكل.

ص: 355


1- رجال النجاشي: 365/987.
2- رجال الطوسي: 343/5109.
3- المصدر نفسه: 363/5389.
4- رجال النجاشي: 182/482.
5- معجم رجال الحديث 17 : 136/10900.
6- أصول علم الرجال 1 : 237 .

وأمّا أبوه: أي سليمان بن عبد اللَّه، فقد قال عنه النجاشي: «الديلمي، غمز عليه، وقيل: كان غالياً كذّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يعمل بما انفردا به من الرواية»(1)

وقال الكشّي: «محمد بن مسعود، قال: قال عليّ بن محمد: سليمان الديلمي من الغلاة الكبار»(2).

إلّا أنّه وقع في أسناد «تفسير القمي»(3)

وبهذا يظهر: أنّ ما ورد في حقه أخفّ وطأة ممّا ورد في حقّ ابنه، مع إمكان الجمع. إلّا أنّ السند مع ذلك ضعيف من جهة الأحمر ومحمد بن سليمان الديلمي. وعليه فهذا السند غير معتبر.

ص: 356


1- رجال النجاشي: 182/482.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/704.
3- أصول علم الرجال 1 : 281 .

[66] 5 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ؛ فَإِنَّمَا يُجَازَى بِعَقْلِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ المدار في حسن حال الشخص، من فعل الصلاة والزكاة والصيام والحج والصدقات وغيرها من الأعمال الدينيّة والدنيويّة على حسن عقله، وأنّ العبد إذا حسن عقله حسنت أفعاله وصحّت أعماله؛ لأنّ المجازاة والمحاسبة على أفعال العباد - على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب - إنّما تكون على قدر عقله، وعلى هذا فثواب العالم أفضل من ثواب الجاهل، وإن كان الجاهل أعبد منه.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.

ص: 357


1- الكافي 1 : 12 ، كتاب العقل والجهل، ح 9.
2- المحاسن 1 : 309، ح 612، وفيه: النوفلي وجهم بن حكيم المدائني، عن السكوني.

أمّا محمّد بن يعقوب وعلي بن إبراهيم وأبوه، فهم ثقات أجلّاء وقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا الحسين بن يزيد النوفلي: فهو وإن لم يوثّق كما سبق منّا، إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(1)

وأمّا من جهة وقوعه في «التفسير»(2) فلا يمكن الحكم بوثاقته بمجرد ذلك، كما تقدّم؛ لعدم شمول الشهادة له؛ لكونه يروي عن السكوني العامّي. وعليه فجميع الروايات التي يرويها النوفلي عن السكوني لا تكون مشمولة لشهادة عليّ بن إبراهيم في مقدّمة تفسيره.

وأمّا إسماعيل بن مسلم السكوني: فقد قال الشيخ في «العدّة»: «عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن درّاج والسكوني وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا (علیهم السلام) »(3)،وعملهم لأجل أنّهم ثقات، كما أنه وورد في «النوادر»(4)، وعليه فهذا الطريق موثّق باعتبار السكوني.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن» عن النوفلي، عن السكوني.

وهذا الطريق - كسابقه - معتبر بما تقدّم.

ص: 358


1- أصول علم الرجال 1 : 220 .
2- المصدر نفسه 1 : 292 .
3- عُدة الاُصول 1 : 149.
4- أصول علم الرجال 1 : 250 .

[67] 6 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثمّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ. بِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَعَلَيْكَ أُثِيبُ»(1).

[68] 7 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى (علیه السلام) : أَنَا أُؤَاخِذُ عِبَادِي عَلَى قَدْرِ مَا أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ الْعَقْلِ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

مضمون هذا الحديث قد تقدّم في الحديثين الأول والثاني.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، بما فيهم هشام بن سالم، فالسند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث - من جهة الدلالة - واضح؛ حيث يدلّ على أنّ العقاب على

ص: 359


1- المحاسن 1 : 307، ح 605.
2- 2*) المصدر نفسه 1 : 308، ح 608.

قدر العقل، وهو الميزان في الثواب والعقاب.

سند الحديث:

أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ومحمد بن خالد البرقي ومحمد بن سنان: ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا قوله: «رجل»: فهو مجهول، وفي نسخة «الجامع»(1):

رجل من حمدان، من بني واعظ، وهو - أيضاً - لا يخرجه عن الجهالة.

وأمّا عبيداللَّه بن الوليد الوصّافي - وفي بعض النسخ: الرصافي، كما عن بعضها: «عبد اللَّه» بدل «عبيداللَّه»، والظاهر: أن الصحيح هو الأول؛ لأنّه المذكور في كتب الرجال - : فقد قال عنه النجاشي: «عبيد اللَّه بن الوليد الوصّافي، عربي، ثقة، يكنّى أبا سعيد، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، ذكره أصحاب كتب الرجال، له كتاب يرويه عنه جماعة»(2)

وقد ترجمه العامّة بهذا العنوان أيضاً؛ قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: «عبيد اللَّه بن الوليد، الوصّافي، أبو إسماعيل، الكوفي. قال البخاري: هو من ولد الوصّاف بن عامر العجلي... قال أبو طالب عن أحمد: ليس بمحكم الحديث، يكتب حديثه للمعرفة. وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن معين مرّة: ليس بشي ء. وقال عمرو

ص: 360


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 469، ح 703.
2- رجال النجاشي: 231/613.

[69] 8 - وَعَنْ محمّد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ، فَقَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، [فأقبل](1)، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ [فأدبر](2)، (ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ(3)، ثمّ قَالَ: لا(4) وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، لَكَ الثَّوَابُ، وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ»(5).

-----------------------------------------------------------------------------

بن عليّ والنسائي في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال العقيلي: في حديثه مناكير، لا يتابع على كثير من حديثه»(6)

وعليه فهذا الحديث وإن كان من حيث الدلالة واضحاً، إلّا أنّه من حيث السند ضعيف ومرسل؛ لجهالة الراوي الذي لم يعلم سوى: أنّه من حمدان من بني واعظ. إلّا أنّه يظهر من النجاشي أنّ كتاب عبيد اللَّه بن الوليد الوصّافي معروف، فإذا كانت الرواية من كتابه، فالسند معتبر من هذه الجهة.

[8] - فقه الحديث:

مضمون هذا الحديث قد تقدّم في الحديث الأول.

ص: 361


1- أثبتناه من المصدر.
2- أثبتناه من المصدر.
3- ليس في المصدر.
4- في المصدر: «له»، بدل «لا».
5- المحاسن1 : 306، ح 602.
6- تهذيب التهذيب 7 : 50.

سند الحديث:

روى الحديث أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في «المحاسن»، عن محمّد بن علي، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير.

أمّا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وأبو بصير: فهما من الثقات الأجلّاء، وقد تقدّم الكلام فيهما.

وأمّا محمّد بن علي: فهو مشترك بين جماعة - في هذه الطبقة - يزيدون على العشرين، ولكنّ المشهور منهم والذي يروي عنه البرقي سبعة، وهم:

1 - محمّد بن عليّ الهمداني.

2 - محمّد بن عليّ بن إبراهيم القرشي، أبو سمينة، وهو ضعيف جدّاً.

3 - محمّد بن عليّ بن حمزة، له مكاتبة، روى عن أبي الحسن وأبي محمد (علیهما السلام) ، وهو ثقة عين.

4 - محمّد بن عليّ بن الحسين، له نسخة، ومكاتبة عن أبي الحسن (علیه السلام) أيضاً.

5 - محمّد بن عليّ الصيرفي، له كتاب، روى عنه ابن سنان، وروى عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه.

6 - محمّد بن عليّ القمّي.

7 - محمّد بن عليّ الكوفي، روى عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه في «مشيخة الفقيه»، وهو متّحد مع الصيرفي، كما سيأتي في محلّه.

ص: 362

[70] 9 - وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ عَنْهُمْ (علیهم السلام) - فِي حَدِيثٍ - : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ، فَقَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْكَ، وَأَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، بِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّه بهذا العنوان مشترك بين جماعة فيهم الضعيف جدّاً، والثقة، والمجهول.

والمذكور في سند هذا الحديث يحتمل انطباقه على محمّد بن عليّ الهمداني؛ بقرينة المروي عنه، وهو وهب بن حفص؛ فإنّه ورد في طريق الصدوق في «المشيخة»(2)

إلى كتابه. وهو وإن عُدَّ من الوكلاء، ولكن ضعّفه الشيخ(3)

، واستثناه ابن الوليد من «نوادر الحكمة»(4).

وعليه فالسند ضعيف.

[9] - فقه الحديث:

قد تقدّم مضمون الحديث في الحديث الأول من هذا الباب.

ص: 363


1- المحاسن 1 : 309، ح611.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 465 ، المشيخة .
3- فهرست الطوسي: 222/622، ورجال الطوسي: 438/6264.
4- أصول علم الرجال 1 : 203 .

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المستفاد من أحادیث الباب

سند الحديث:

هذا الحديث رواه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابنا، وهو مجهول. ومضافاً إلى ذلك فالحديث مرفوع أيضاً. وعليه فهذا السند غير معتبر.

والحاصل: أنّ في هذا الباب تسعة أحاديث، خمسة منها معتبرة، وأربعة غير معتبرة.

ويستفاد من الأحاديث المتقدّمة أمور:

الأوّل: أنّ الثواب والعقاب مشروطان بالعقل.

ص: 364


1- يأتي في: أ - الحديث 11 من الباب التالي. ب - الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه، من كتاب الزكاة. ج - الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة من كتاب الزكاة. د - الباب 46 من أبواب أحكام الوصايا من كتاب الوصايا. ه- - البابين 32 و 34 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه من كتاب الطلاق. و - البابين 20 و 21 من كتاب العتق. ز - الباب 8 و 19 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة من كتاب الحدود والتعزيرات. ح - الباب 21 من أبواب حدّ الزنا من كتاب الحدود والتعزيرات. ط - الباب 36 من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

الثاني: أنّ زيادة الثواب على قدر العقل.

الثالث: أنّ المداقّة في الحساب على قدر العقل.

الرابع: أنّ أحبّ وأحسن الخلق إلى اللَّه هو العقل.

الخامس: أنّ التكليف منوط بوجود العقل.

السادس: أنّ ثواب العالم أكثر من ثواب الجاهل، وإن كان الجاهل أعبد منه.

ص: 365

ص: 366

4 - باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام أو الإنبات مطلقاً، أو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والأنثى تسع سنين، واستحباب تمرين الأطفال على العبادة قبل ذلك

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام أو الإنبات

مطلقاً، أو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والاُنثى تسع سنين،

واستحباب تمرين الأطفال على العبادة قبل ذلك

شرح الباب:

لا إشكال ولا شبهة في أنّ الأحكام الشرعية - من المحرّمات والواجبات - مشروطة ببلوغ الإنسان، الذي به يخرج عن حالة الطفولة والصبا وعدم القيد إلى حالة الرجولة والإلزام والالتزام، وهذا أمر متّفق عليه بين الخاصّة والعامّة. نعم، قد وقع الخلاف في تحديد حدّ البلوغ.

قال في «الجواهر»: «... فإنّ العلماء مع اختلافهم في حدّ البلوغ بالسنّ مجمعون على أنّ البلوغ الرافع للحجر هو الذي يثبت به التكليف، وأنّ الذي يثبت به التكليف في العبادات هو الذي يثبت به التكليف في غيرها، وأنه لا فرق بين الصلاة وغيرها من العبادات فيه، بل هو أمر ظاهر في الشريعة، معلوم من طريقة فقهاء الفريقين، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار من غير نكير، ولم يسمع منهم تقسيم الصبيان بحسب اختلاف مراتب السن،

ص: 367

بأنْ يكون بعضهم بالغاً في الصلاة مثلاً، غير بالغ في الزكاة...»(1)

والبلوغ يكون بأسباب ذكر منها صاحب «الوسائل» في هذا الباب ثلاثة: الإنبات مطلقاً، وإكمال خمس عشرة سنة للذكر، وإكمال تسع في الأنثى، والاحتلام.

الأقوال:

أمّا العلامة الأولى - وهي الإنبات - : فالمراد بها: ظهور الشعر الخشن على العانة. والظاهر أنّ هذا التحديد إجماعي، لا خلاف فيه. ويدل عليه - أيضاً - الأخبار التي ستأتي عن قريب.

قال في «مفتاح الكرامة»: «وهو خيرة المبسوط والخلاف وحجر التذكرة وكشف الحقّ وجامع المقاصد، وهو ظاهر الإيضاح. وفي المسالك: أنّه المشهور. وفي الخلاف: أنّ عليه إجماع الفرقة وأخبارهم. وفي كشف الحق: أنه مذهب الإمامية. وفي التذكرة: أنّه دليل على البلوغ في حقّ المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع»(2) وظاهر إطلاق كلامهم عدم الفرق في هذه العلامة بين الذكر والأنثى.

قال في «مفتاح الكرامة»: «أمّا أنّه لافرق في ذلك بين الذكر والأنثى، فهو المعلوم من معاقد الإجماعات والفتاوي؛ لمكان الإطلاقات، وتنقيح المناط،

ص: 368


1- جواهر الكلام 26 : 41.
2- مفتاح الكرامة 5 : 235.

من الحسنة أو الإجماع المركب»(1) .

هذا كله بالنسبة إلى الشعر الخشن على العانة، وأمّا بقيّة أقسام الشعر، كشعر الإبط والشارب واللحية، فهل تكون دليلاً شرعيّاً على البلوغ، أو لا ؟

المشهور عدم اعتبار غير شعر العانة، مثل الإبط والفخذ وغيرهما، بل ظاهرهم الإجماع في غير شعر اللحية.

قال في «المبسوط»: «ولا خلاف أنّ إنبات اللحية لا يحكم بمجرّده بالبلوغ، وكذا سائر الشعور» (2).

وفي «المسالك» في كتاب الحجر: «لا عبرة بغير شعر العانة عندنا»(3).

وفي «التذكرة»: «ولا اعتبار بشعر الإبط عندنا»(4)

ولكن في «التحرير» استقرب كون نبات اللحية دليلاً، دون غيره من الشعور(5)

وفي «الروضة» قال: «وفي إلحاق اخضرار الشارب ونبات اللحية بالعانة قول قويّ»(6)

ص: 369


1- مفتاح الكرامة: 237.
2- المبسوط 2 : 251، كتاب الحجر.
3- مسالك الأفهام 4 : 141.
4- التذكرة 14 : 189، المسألة 399.
5- تحرير الأحكام 2 : 535، كتاب الحجر.
6- الروضة البهية 2 : 145، كتاب الصوم، المسألة الخامسة عشرة.

والذي يظهر من صاحب «الوسائل»: أنّه يرى: أنّ الإنبات مطلقاً علامة على البلوغ، ومال إليه صاحب «الحدائق»(1) .

وأمّا العامة، فقد اختلفوا في المسألة:

قال النووي في «المجموع»: «فأمّا الإنبات، فمنهم من قال: يستدلّ به على البلوغ، روي عن ابن القاسم وسالم، وقاله مالك مرّة، والشافعي في أحد قوليه، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وقيل: هو بلوغ، إلّا أن يحكم به في الكفار، فيقتل من أنبت، ويجعل من لم ينبت في الذراري، قاله الشافعي في القول الآخر؛ لحديث عطية القرظي. ولا اعتبار في الخضرة والزغب، وإنّما يترتّب الحكم على الشعر. وقال مالك: العمل عندي على حديث عمر بن الخطاب: لو جرت عليه المواسى لحددته. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وأحب إليَّ أن لا يقام عليه الحد إلّا باجتماع الإنبات والبلوغ»(2)

وقال في «المغني»: «عن أبي حنيفة: لا اعتبار به؛ لأنّه نبات شعر، فأشبه نبات شعر سائر البدن»(3) .

وقال في «روضة الطالبين»: «ثم المعتبر: شعر خشن يحتاج في إزالته إلى حلق. فأمّا الزغب والشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر، فلا أثر له. وأما شعر الإبط واللحية والشارب، فقيل كالعانة. وقيل: لا أثر لها قطعاً.

ص: 370


1- الحدائق الناظرة 20 : 347، كتاب الحجر.
2- المجموع 13 : 362.
3- المغني 4 : 509، كتاب الحجر، الفصل الثالث.

وألحق صاحب التهذيب الإبط بالعانة، دون اللحية والشارب»(1).

وأمّا العلامة الثانية الدالة على البلوغ - وهي السن - : ففيها خلاف بين العلماء، والمشهور منهم ذهبوا إلى تحديد سنّ البلوغ في الذكر بخمس عشرة سنة، وفي الأنثى بتسع سنين، بل ادّعي الإجماع في كلمات كثير منهم قدّس اللَّه أسرارهم.

قال في «الجواهر»: «على المشهور بين الأصحاب في المقام شهرة عظيمة، كادت تكون إجماعاً، كما اعترف بذلك في المسالك، بل نقلها مستفيض أو متواتر، كالإجماع صريحاً وظاهراً، على ما في مفتاح الكرامة، حيث قال: كادت تبلغ إجماعات المسألة اثني عشر إجماعاً، من صريح وظاهر ومشعر به، بل هو معلوم.

وربّما يشهد له التتبّع، بل ربّما يزيد على ذلك، مع إطلاق الإشعار؛ لأنّه كما حكاه العلّامة الطباطبائي عن صريح الغنية، والظاهر كالنص عن الخلاف والتذكرة، وظاهر مجمع البيان، وكنز العرفان، وكنز الفوائد، والمسالك، والمسالك الجواديّة، وتلويح المنتهى، وكشف الرموز، وتلخيص الخلاف، ونقد الشرايع. وقضيّة انحصار المخالف في ابن الجنيد على ما يظهر من المختلف والمهذّب البارع وشرح الشرايع وغوالي اللئالي - وهو مع أنّه معلوم النسب - لا يقدح في الإجماع، خصوصاً مع ضعف مأخذه، وشدة وهنه، وشذوذه...».

ص: 371


1- روضة الطالبين 3 : 412.

وقال في تحديد سنّ الاُنثى بتسع: «على المشهور بين الأصحاب، بل هو الذي استقرّ عليه المذهب، خلافاً للشيخ في صوم المبسوط، وابن حمزة في خمس الوسيلة، فبالعشر. إلّا أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر، ووافق المشهور، وكذا الثاني في كتاب النكاح منها» (1)

وقال في «السرائر» - في أوائل كتاب الصيام: - «وهو الصحيح الظاهر في المذهب؛ لأنّه لا خلاف بينهم أنّ حدّ بلوغ المرأة تسع سنين»(2)

وأمّا العامة، فمشهورهم ذهبوا إلى تحديد البلوغ في الذكر والأنثى بخمس عشرة سنة.

قال في «المغني»: «وأمّا السن، فإنّ البلوغ به في الغلام والجارية بخمس عشرة سنة. وبهذا قال الأوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال داود: لا حدّ للبلوغ من السنّ؛ لقوله (علیه السلام) رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتّى يحتلم. وإثبات البلوغ بغيره يخالف الخبر، وهذا قول مالك. وقال أصحابه:

سبع عشرة أو ثماني عشرة»(3) .

وقال في «المجموع»: «فأمّا الإنبات والسن، فقال الأوْزاعي والشافعي وابن حنبل: خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم، وهو قول ابن وهب وأصبغ وعبد الملك بن الماجشون وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل

ص: 372


1- جواهر الكلام 26 : 16و 38 ، كتاب الحجر.
2- السرائر 1 : 371.
3- المغني 4 : 514.

المدينة، واختاره ابن العربي في أحكام القرآن. وتجب الحدود والفرائض عندهم على من بلغ هذه السن... وعن أبي حنيفة رواية أخرى: تسع عشرة، وهي الأشهر. وقال في الجارية: بلوغها لسبع عشرة سنة، وعليها النظر. وقال داود الظاهري: لا يبلغ بالسنّ ما لم يحتلم، ولو بلغ أربعين»(1).

وأمّا العلامة الثالثة - وهي الاحتلام، والمراد به: خروج المني من الذكر أو الأنثى، سواء خرج في نوم أو يقظة، بجماع أو احتلام أو غيرهما- : فلا خلاف - أيضاً - بين جميع المذاهب الإسلامية في كونه دليلاً على البلوغ.

قال في «التذكرة»: «الاحتلام - وهو خروج المني، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد - بلوغ في الرجل والمرأة عند علمائنا أجمع، ولا نعلم فيه خلافاً»(2)

وقال: «أجمع العلماء كافة على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل.

مسألة: ولا فرق في إفادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء، كما في الشعر عند عامّة أهل العلم، وللشافعي قول: إنّ خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهن؛ لأنّه نادر فيهن، ساقط العبرة»(3).

وأمّا مختار العامة، فيعرف من نقل العلامة، بأنّ المخالف ينحصر في

ص: 373


1- المجموع 13 : 362.
2- التذكرة 14 : 188، مسألة 400.
3- المصدر نفسه.

الشافعي فقط.

السّر في عدم عدّ الحیض و الحمل من علائم البلوغ

قال في «روضة الطالبين»: «المني لا يكون بلوغاً في النساء؛ لأنّه نادر فيهن. وعلى هذا قال الإمام: الذي يتّجه عندي أنّه لا يلزمها الغسل. وهذا الوجه شاذ، وفيما قاله الإمام نظر»(1).

فالمتحصّل من مجموع كلماتهم: أنّ البلوغ الشرعي - الذي هو مناط وجوب العبادات الشرعيّة - يعلم بالاحتلام، وبالسنّ، وبالإنبات. وهذه العلامات الثلاث يشترك فيها الرجال والنساء، كما عرفت سابقاً.

وهناك علامتان مختصّتان بالنساء لم يذكرهما صاحب «الوسائل» في عنوان الباب، وهما: الحيض والحمل.

ولعلّ عدم ذكره إيّاهما من جهة: أنّ الحيض والحمل ليسا دليلين على البلوغ، بل هما كاشفان عن سبق البلوغ عليهما. فالحيض لا يكون قبل بلوغ تسع سنين، فلا يتحقّق الحيض إلّا بعد كمالها، فإن رأته قبلها لم يكن حيضاً، وإن رأته بعدها فقد بلغت بها، فتنتفي فائدته في حقها، فيحكم بكونه علامة على سبقه.

نعم، إنّما يعدّ علامة في حقّ المجهولة السن.

وأمّا الحمل، فإنّه مسبوق بالإنزال؛ لأن الولد إنّما يتخلّق من المائين - أي: ماء الرجل وماء المرأة - لقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}(2)؛

ص: 374


1- روضة الطالبين 3 : 412.
2- الطارق، الآية 7.

[71] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ أَوْلادَ الْمُسْلِمِينَ مَوْسُومُونَ(1) عِنْدَ اللَّهِ: شَافِعٌ وَمُشَفَّعٌ فَإِذَا بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُتِبَتْ(2) لَهُمُ الْحَسَنَاتُ، فَإِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ كُتِبَتْ عَلَيْهِمُ السَّيِّئَاتُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

ولقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}(4).

وعلى هذا فلا يبعد عدّهما علامتين على سبقه.

قال في «الحدائق»: «ومنها: الحيض والحبل للأنثى، بغير خلاف يعرف في ذلك، ولا في كونهما دليلين على سبقه»(5) .

وقد جمع صاحب «الجواهر» مجموعة من الروايات الدالّة على عدم كونهما بلوغاً، لا يسع المجال لذكرها، فليراجعها مَن أحبّ(6) .

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحة على أنّ أولاد المسلمين قبل بلوغهم الحلم لا

ص: 375


1- الموسوم : المتحلّي بسمة معينة. (لسان العرب 12 : 636 مادة «وسم»).
2- في نسخة: كانت. (منه (قدس سره) ).
3- الكافي 6 : 3 ، باب فضل الولد، ح 8 .
4- الإنسان، الآية 2.
5- الحدائق الناضرة 20 : 350.
6- جواهر الكلام 26 : 43.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

تكتب عليهم السيّئات، وأنّ قلم كتابة السيئات مرفوع عنهم، فيكون قوله (علیه السلام) كناية عن عدم كونهم مكلّفين بالأحكام الإلزاميّة، التي كانت مخالفتها موجبة للسيّئة قبل بلوغهم الحلم.

وظاهرها أيضاً - لأجل قوله (علیه السلام) : «كتبت لهم الحسنات» - عدم كتابة شي ء لهم قبل بلوغ اثنتي عشرة سنة.

وقوله (علیه السلام) : «إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللَّه: شافع» يراد به: أنّهم يشفعون في يوم القيامة لمن ربّاهم وأحبّهم أو أصيب فيهم، وأمّا «ومشفَّع» - بفتح الفاء -

فيراد به: الذي يشفع فتقبل شفاعته؛ تكريماً لإسلام آبائهم وأمهاتهم.

وعليه فهذا الحديث يتضمّن كتابة الحسنات قبل بلوغ الحلم، وكتابة السيّئات بعده.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: موثق بطلحة بن زيد. وأمّا محمّد بن يعقوب ومحمد بن يحيى

ص: 376


1- التوحيد: 392، ح 3.

وأحمد بن محمّد بن عيسى، فقد تقدّموا، وهم ثقات أجلّاء.

وأمّا محمّد بن يحيى - الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى في هذه الرواية - : فهو وإن كان مردّداً بين محمّد بن يحيى الخزّاز الذي قال النجاشي عنه: «كوفي، روى عن أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة، عين»(1) ، وبين محمّد بن يحيى الخثعمي، وهو ثقة أيضاً، لكنّ الظاهر: أنّ اللفظ ينصرف عند الإطلاق إلى الخزّاز؛ لاشتهاره، وهو ممّن له كتاب. والخثعمي وإن كان له كتاب أيضاً، إلّا أنّه لاريب في أنّ الخزّاز هو الأشهر، حتّى أنّ الشيخ ترجمه في «الفهرست» من دون أن يذكره مقيّداً بالخزاز.

وأمّا طلحة بن زيد: فهو عامّي، لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال، إلّا أنّ الشيخ (قدس سره) ذكر في «الفهرست» ما لفظه: « إلّا أنّ كتابه معتمد»(2)

، وعلى هذا فقد يقال: لا معنى لاعتبار الكتاب إلّا كون صاحبه ممّن يعتمد عليه.

هذا، مضافاً إلى وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة»، ورواية المشايخ الثقات عنه(3)،

فيكون حينئذٍ معتبراً.

الثاني: كذلك؛ لأنّ رجاله كلهم ثقات، وقد تقدّمت ترجمتهم، بما فيهم محمّد بن سنان، الذي اخترنا وثاقته، ورجّحنا الأخذ بروايته. وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

ص: 377


1- رجال النجاشي: 359/964.
2- فهرست الطوسي: 149/372.
3- أصول علم الرجال 1 : 225، و ج2 : 197.

[72] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) : قُلْتُ لَهُ: مَتَى يَجِبُ عَلَى الْغُلامِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْحُدُودِ التَّامَّةِ، وَتُقَامَ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذَ بِهَا؟ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ عَنْهُ الْيُتْمُ وَأَدْرَكَ»، قُلْتُ: فَلِذَلِكَ حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ؟ فَقَالَ: «إِذَا احْتَلَمَ، أَوْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَشْعَرَ أَوْ أَنْبَتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَأُخِذَ بِهَا، وَأُخِذَتْ لَهُ»، قُلْتُ: فَالْجَارِيَةُ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَتُؤْخَذُ بِهَا، وَيُؤْخَذُ لَهَا(1)؟ قَالَ: «إنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْغُلامِ. إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ، وَدُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا، وَجَازَ أَمْرُهَا فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَأُخِذَ لَهَا بِهَا»، قَالَ: «وَالْغُلامُ لا يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الْيُتْمِ، حتّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ يَحْتَلِمَ، أَوْ يُشْعِرَ أَوْ يُنْبِتَ قَبْلَ ذَلِكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

الحديث ظاهر في أنّ الحدود التامّة والقصاص وغيرها من الأحكام لا تقام على الغلام غير البالغ، إلّا إذا بلغ وخرج عن اليتم، وأن البلوغ والخروج

ص: 378


1- في المصدر: وتؤخذ لها، ويؤخذ بها.
2- الكافي 7 : 197 ، باب حدّ الغلام والجارية، ح 1.

وَرَوَاهُ محمّد بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ «الْمَشِيخَةِ» لِلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: عَنْ حُمْرَانَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عن اليتم إنّما يكون بإكمال خمس عشرة سنة، أو بالاحتلام، أو بإنبات الشعر. كما يدل الحديث على أنّ المرأة إذا أكملت تسع سنين جاز أمرها، وأقيمت عليها الحدود، ووجبت عليها الفرائض.

وأمّا ما أشار إليه الحديث من أنّ الجارية إذا تزوّجت ودُخِل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامّة، فهي أمور تترتّب على البلوغ، ومن لوازمه. فالدخول بالمرأة لا يكون إلّا بعد بلوغها، أي: وصولها إلى مرحلة النضج الجنسي، بحيث تكون قابلة للدخول بها. وما يترتّب على ذلك من الحمل وغيره يتحقّق ببلوغها تسع سنين. فالزواج والدخول بها وذهاب اليتم ونحوها هي أمور تترتّب على البلوغ الشرعي، لا أنّ البلوغ يتحقّق بها.

وعلى هذا فالبلوغ المعتبر في الرجل والمرأة الموجب لترتّب جميع الأحكام الشرعية إنّما يعلم تحقّقه بأحد أمور: الاحتلام، والإنبات، والسنّ، وهو في الرجل إتمام خمس عشرة سنة، وفي المرأة تسع سنين، ومتى نقص عن ذلك لم يتحقّق البلوغ الذي هو مناط التكاليف الشرعيّة.

ص: 379


1- السرائر 3 : 634، المستطرفات من مشيخة السرّاد.

بقي شي ء:

وهو أنّ هذ الحديث جعل مطلق الإشعار علامة على البلوغ، وأنّه بمجرّد خروج الشعر يصدق هذا العنوان، سواء في ذلك شعر الوجه أو الشارب أو الصدر أو العانة.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: طريق الكليني، وفيه: محمّد بن يحيى العطار، وأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، والحسن بن محبوب، وكلهم ثقات قد تقدّموا.

وأمّا عبد العزيز العبدي: فقد نصّ على ضعفه النجاشي في ترجمته قائلاً: «عبد العزيز العبدي، كوفي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ضعيف»(1) .

نعم، في بعض نسخ «السرائر» ذكر عبد العزيز القندي(2)

بدل العبدي، وهو مهمل، ليس له ذكر في كتب الرجال.

وأمّا حمزة بن حمران: فلم يرد فيه توثيق في كتب الرجال؛ قال النجاشي: «روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وأخوه - أيضاً - عقبة بن حمران روى عنه، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»(3)

ص: 380


1- رجال النجاشي: 244/ 641.
2- السرائر 3 : 634، المستطرفات من مشيخة السرّاد.
3- رجال النجاشي: 140/365.

وذكره الشيخ في أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) (1)

نعم، روى عنه بعض المشايخ الثقات، الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، وورد في «نوادر الحكمة»(2)

؛ فيمكن الحكم بوثاقته لأجل ذلك.

وأمّا حمران: فهو حمران بن أعين الشيباني، أخو زرارة، يكنّى أبا الحسن، عدّه الشيخ من السفراء الممدوحين(3)

وأورد الكشّي في «رجاله» روايات في مدحه(4)

وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وعليه فهذا الطريق ضعيف؛ لوجود عبد العزيز العبدي، إلّا أن يقال: بأنّ كتاب حمزة بن حمران مشهور ومعروف؛ فإنّ النجاشي ذكر أنّه «يرويه عدّة من أصحابنا»(6)،

فلا يضرّ ضعف الطريق بالعبدي، ويكون السند معتبراً.

الثاني: ما رواه محمّد بن إدريس في آخر «السرائر»، نقلاً من كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب، مثله، أي: عن عبد العزيز العبدي، عن حمزة بن حمران(7).

ص: 381


1- رجال الطوسي: 132/1367، و 190/2348.
2- أصول علم الرجال 1 : 221، و ج2 : 189.
3- الغيبة: 346.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 412.
5- أصول علم الرجال 1 : 280، و ج2 : 189 .
6- رجال النجاشي: 140/365.
7- السرائر 3 : 634، المستطرف من كتاب المشيخة للسرّاد.

وهذا الطريق، حاله كسابقه.

وأمّا محمّد بن إدريس: فهو الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن إدريس العجلي، الحلّي. قال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «وقد أثنى عليه علماؤنا المتأخّرون، واعتمدوا على كتابه، وعلى ما رواه في آخره من كتب المتقدّمين، وأصولهم»(1)

وهو وإن كان فيه كلام مذكور في محلّه، إلّا أنّ جلالة قدره ووثاقته أمر غنيّ عن البيان، ومن شاء الزيادة فليراجع مظانّه.

سند ابن إدريس الحلي إلى كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب

وأمّا سند ابن إدريس إلى كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب فهو عبارة عمّا يتلفّق من سنده إلى الشيخ الطوسي، وسند الشيخ الطوسي إلى مشيخة الحسن بن محبوب.

أمّا بالنسبة إلى سند ابن إدريس إلى الشيخ فقد ذكرنا في «أصول علم الرجال»(2): أنّه يعلم طريقه إلى الشيخ من خلال ما ذكره العلّامة والشهيد الثاني والمحقّق الكركي والمجلسي الأول وغيرهم في سلسلة الإجازات المذكورة في «البحار»؛ إذ ورد في هذه الإجازات: أنّ ابن إدريس يروي جميع مصنّفات ومرويّات الشيخ، وبما أنّ هذه الإجازات كثيرة ولا يسع المجال لذكرها، فنقتصر هنا على إجازة المجلسي الأول للميرزا إبراهيم بن كاشف الدين محمّد اليزدي؛ إذ قال فيها:

ص: 382


1- معجم رجال الحديث 16 : 67/10214.
2- أصول علم الرجال 1 : 192 - 196 .

«وعن الشيخ شاذان، والشيخ محمّد بن إدريس، عن الشيخ الأجلّ الأعظم أبي القاسم العماد محمّد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ الأجلّ الأعظم الفقيه النبيه أبي عليّ الحسن الطوسي، عن أبيه شيخ الطائفة وملاذ علماء الإماميّة سند المذهب محمّد بن الحسن الطوسي بكتبه ورواياته»(1)

وهذا الطريق معتبر.

وأمّا سند الشيخ الطوسي إلى «مشيخة» الحسن بن محبوب فله طرق عديدة، أحدها: ما ذكره في «الفهرست» حيث قال: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن الهيثم بن أبي مسروق، ومعاوية بن حكيم، وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب»(2).

وهذا الطريق صحيح أيضاً. وبهذا نبني على صحّة طريق ابن إدريس إلى مشيخة الحسن بن محبوب، وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 383


1- بحار الأنوار 107 : 70.
2- فهرست الطوسي: 97/162.

[73] 3 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْجَارِيَةُ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ، وَزُوِّجَتْ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ لَهَا وَعَلَيْهَا»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جهة المضمون والاستدلال كالحديث السابق.

نعم، لهذا الحديث تكملة لم يذكرها صاحب «الوسائل» في هذا الباب، وهي هكذا: قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك، أتقام عليه الحدود على تلك الحالة ؟ قال: «أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة. ولا تبطل حدود اللَّه في خلقه، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم». وسيتّضح شرح تمام كلامه (علیه السلام) في الحديث الآتي.

سند الحديث:

قوله: «وبالإسناد» إحالة إلى الإسناد المتقدّم، وهو: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وهذا الطريق صحيح، ورجاله كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّمت ترجمتهم، ما عدا:

ص: 384


1- الكافي 7 : 198 ، باب حدّ الغلام والجارية...، ح 2، وأورده كاملاً في الحديث 1 من الباب 6 من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها من كتاب الحدود والتعزيرات.

[74] 4 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أبي أيوب، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - فِي غُلامٍ صَغِيرٍ لَمْ يُدْرِكْ، ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ، زَنَى بِامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ، قَالَ: «لا تُرْجَمُ؛ لأَنَّ الَّذِي نَكَحَهَا لَيْسَ بِمُدْرِكٍ؛ وَلَوْ كَانَ مُدْرِكاً رُجِمَتْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

اتحاد يزيد الكناسي مع أبو خالد القمّاط

يزيد الكناسي: وهو بهذا العنوان لم يوثّق في كلماتهم. نعم، ذكره النجاشي بعنوان يزيد أبو خالد القمّاط، ونصّ على توثيقه(2). والظاهر اتّحادهما، وأنّ الكناسي هو القمّاط نفسه، الثقة؛ وذلك لاتّحادهما في الاسم والكنية؛ لأن كلاًّ منهما يكنّى أبا خالد؛ ولأنّ الشيخ في «رجاله» ذكر الكناسي(3)،

ولم يذكر القمّاط، والنجاشي عكس، فذكر القمّاط دون الكناسي، فلو كانا متعدّدين لذكرهما كلّ من الشيخ والنجاشي، أو أحدهما على الأقلّ، خصوصاً وأنّ القمّاط صاحب كتاب، كما ذكره النجاشي.

[4] - فقه الحديث:

تقريب الاستدلال بهذا الحديث أن يقال: إنّ سائلاً سأل عن غلام صغير لم يدرك، وكان ابن عشر سنين، زنى بامرأة محصنة، فأجابه (علیه السلام) : بأنّها لا

ص: 385


1- الكافي 7 : 180 ، باب الصبي يزني بالمرأة المدركة...، ح 1.
2- رجال النجاشي: 452/1223.
3- رجال الطوسي: 149/1655.

ترجم؛ لأنّ من نكحها ليس بمدرك.

والشاهد في ذيل الحديث؛ حيث إنّ الإمام (علیه السلام) علّل عدم رجم البالغة بأنّ ناكحها ليس بمدرك، أي: ليس ببالغ. وعليه فالمستفاد من هذا الحديث: أنّ الصبي قبل البلوغ لا تترتّب عليه أحكام الحدود والقصاص، فلا تكليف ولا إلزام عليه. وأمّا لزوم تعزيره أو تأديبه، فهو أمر آخر غير ما نحن فيه، حيث دلّت عليه جملة من النصوص.

منها: رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وامرأة، قد لاط زوجها بابنها من غيره، وثقبه، وشهد عليه بذلك الشهود، فأمر به أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فضرب بالسيف حتّى قتل، وضرب الغلام دون الحدّ، وقال: «أما لو كنت مدركاً لقتلتك؛ لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك»(1).

ومنها: أيضاً تكملة الحديث الثالث المتقدّم، حيث قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه، ودخل بأهله، وهو غير مدرك، أتقام عليه الحدود وهو على تلك الحال ؟ قال: «أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال، فلا. ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة. ولا تبطل حدود اللَّه في خلقه، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم»(2).

ص: 386


1- الكافي 7 : 199 ، باب الحدّ في اللواط، ح 4 .
2- المصدر نفسه 7 : 198 ، باب حدّ الغلام والجارية...، ح 2.

وهناك روايات في هذا السياق لا يسع المجال لذكرها.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه من ردّ بعض النصوص إلى بعض: أنّ الحدود لا تقام على غير البالغ؛ لأنّ إيجابها منوط بالبلوغ، كما أنّه قبل البلوغ لا تبطل حقوق اللَّه بالكلّيّة، ولا حقوق المسلم ، بل يثبت عليه شي ء منها، إلّا أنّها ليست كالحدود الثابتة، والحقوق الواجبة على البالغين.

سند الحديث:

السند ينحل إلى طريقين

أحدهما: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي بصير. وهذا الطريق صحيح.

ثانيهما: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي بصير.

والجميع ثقات تقدّم ذكرهم. فهذا الطريق معتبر.

ص: 387

[75] 5 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ - فِي حَدِيثٍ - أنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) دَخَلَ بِعَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَيْسَ يُدْخَلُ بِالْجَارِيَةِ حتّى تَكُونَ امْرَأَةً(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

للحديث صدر وذيل(2)

تركهما المصنف، وأورد قطعة منه، وهي موضع ما يريده من الدلالة على عنوان الباب.

وهذا الحديث ظاهر في أنّ المرأة بإكمال العشر سنين تكون كبيرة وبالغة، ويصحّ الدخول بها، كما أنّه ظاهر - أيضاً - في عدم جواز الدخول بها قبل ذلك. ويدلّ الحديث أيضاً على التسوية بين الرجل والمرأة في الأحكام، وقبول شهادة البالغ عشراً مطلقاً، بل سائر أموره.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، ماعدا:

ص: 388


1- الكافي 7 : 388 ، باب شهادة الصبيان، ح 1.
2- وتمام الحديث: قال : سألت إسماعيل بن جعفر : متى تجوز شهادة الغلام ؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين. قلت: ويجوز أمره ؟ قال : فقال : إن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتّى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره، وجازت شهادته.

إسماعيل بن جعفر: وهو إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) .

قال الكشّي في ترجمة عبد اللَّه بن شريك: «عبد اللَّه بن محمد، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة الجمّال، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: إنّي سألت اللَّه في إسماعيل أن يبقيه بعدي، فأبى، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أخرى، أنّه يكون أوّل منشور في عشرة من أصحابه، ومنهم: عبد اللَّه بن شريك، وهو صاحب لوائه»(1) .

فهذا الحديث وغيره ظاهر الدلالة على مدحه وجلالته وعظيم مكانته عند الإمام (علیه السلام) . مضافاً إلى أن الشيخ المفيد قد ترضَّى عليه(2).

إذن، فسند الحديث إلى إسماعيل بن جعفر صحيح ومعتبر، ولكنّ الإشكال من جهة أنّه لم يثبت كونه رواية عن المعصوم؛ إذ لم يسنده إسماعيل بن جعفر إلى الإمام (علیه السلام) ، بل ظاهره أنّ ذلك هو رأيه وفتواه، ولا حجّيّة لرأيه ما لم يسنده إليه (علیه السلام) .

ولذا علّق صاحب «الوسائل» على نفس هذا الحديث في باب آخر بقوله: «أقول: قول إسماعيل ليس بحجّة، واستدلاله هنا ليس بصحيح، كما لا يخفى. وعلى تقدير كونه حديثاً سمعه من أبيه (علیه السلام) يكون مخصوصاً بما

ص: 389


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 485/391 .
2- الإرشاد 2 : 210.

[76] 6 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عليّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَطِعُ يُتْمُهُ؟ قَالَ: «إِذَا احْتَلَمَ، وَعَرَفَ الأَخْذَ وَالْعَطَاءَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

مرّ وبما يأتي»(2)

بیان أن الحدیث الخامس مرسل و لیس موقوفاً

وعلى هذا فقد يقال: إنّ الحديث موقوف، وليس رواية عن المعصوم (علیه السلام) ، فلا حجّيّة فيه.

ولكنّ الصحيح: أنّ محلّ الشاهد الذي ذكره صاحب «الوسائل» في هذا الباب مرسل، وليس موقوفاً؛ لأنّ إسماعيل بن جعفر إنّما رواه عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يذكر طريقه إليه.

والطبقات بين إسماعيل بن جعفر والنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) كثيرة؛ لبعد زمانه عنه، ولم يرد ذكرها. فالصحيح أن يقال: إنّ هذه القطعة من الحديث مرسلة. ولكن بناءً على القول بصحة روايات يونس فالحديث داخل في هذه الكبرى، فيمكن القول باعتباره.

[6] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث: أنّ انقطاع يتم اليتيم يتحقّق بالاحتلام، وبمعرفته

ص: 390


1- قرب الإسناد: 284، ح1125.
2- وسائل الشيعة 27 : 344، باب22 من أبواب كتاب الشهادات ، ح3.

الأخذ والعطاء، فيكون الاحتلام جزء الموضوع، ومعرفته الأخذ والعطاء جزءه الآخر. وقوله (علیه السلام) : «وعرف الأخذ والعطاء» كناية عن بلوغه ورشده. ونحو هذا الحديث صحيحة هشام، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) (1).

وجوه تصحیح روایات الحمیري لمسائل علي بن جعفر

سند الحديث:

قد روى الحديث صاحب «الوسائل» عن «قرب الإسناد» بطريق ضعيف؛ لاشتماله على عبد اللَّه بن الحسن، الذي لم تثبت وثاقته، إلّا أنّه مع ذلك يمكن تصحيح روايات الحميري عن عبد اللَّه بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر بعدّة وجوه:

الأوّل: ما ذكره النجاشي(2) من أنّ لعلي بن جعفر كتاباً مبوّباً، وغير مبوّب، بمعنى أنّ الكتاب يروى بطريقين أحدهما للمبوّب، والآخر لغير المبوّب، ثمّ ذكر طريقه إلى المبوّب، وهو طريق صحيح، وذكر طريقه إلى غير المبوّب، وفيه عبد اللَّه بن الحسن(3).

وليس بين النسختين اختلاف، وإلّا لنبّه النجاشي على ذلك، كما هي عادته. وبضمّ الطريق المجهول إلى الطريق المعتبر تصبح الروايات كلها معتبرة؛ وذلك لأنّ الطريقين ينتهيان إلى كتاب واحد. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ النجاشي يروي كتاب «قرب الإسناد» بطريق معتبر، فتكون النتيجة: أنّ الروايات التي يرويها

ص: 391


1- الكافي 7 : 68 ، باب الوصي يدرك أيتامه فيمتنعون من أخذ مالهم...، ح 2.
2- رجال النجاشي: 252/662.
3- المصدر نفسه.

الحميري، عن عبد اللَّه بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر من مسائل، كلها معتبرة.

هذا، ويمكن تصحيح الطريق من جهة الشيخ أيضاً؛ وذلك لأنّ الشيخ يروي جميع روايات وكتب الحميري - ومنها: «قرب الإسناد»(1) المصحّح - بطريق النجاشي إلى عليّ بن جعفر.

الثاني: أنّ الشيخ ذكر: أنّ لعلي بن جعفر كتاباً اسمه المناسك والمسائل، وذكر طريقه إليه(2). والظاهر: أنّ هذا الكتاب هو كتاب «الحلال والحرام»، الذي ذكره النجاشي(3)، لا أنّهما مختلفان، ولو كانا مختلفين لذكر الشيخ والنجاشي ذلك. وبهذا يتبين أنّه وإن ذكره الشيخ بعنوان «المناسك والمسائل»، وذكره النجاشي بعنوان «الحلال والحرام»، إلّا أنّهما عنوانان لكتاب واحد، فينطبق ما ذكره الشيخ على ما ذكره النجاشي. وطريق النجاشي وإن كان فيه عبد اللَّه بن الحسن(4)،إلّا أنّ طريق الشيخ إليه معتبر؛ إذ هو: عن جماعة، عن محمّد بن عليّ بن الحسين (الصدوق)، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن العمركي الخراساني البوفكي، عن عليّ بن جعفر.

وعليه فهذا الطريق معتبر، ويكون طريقاً لما رواه الحميري، عن عبد اللَّه

ص: 392


1- فهرست الطوسي: 167/ 439.
2- المصدر نفسه: 151/377.
3- رجال النجاشي: 252/662.
4- المصدر نفسه.

بن الحسن، عن عليّ بن جعفر، كما ذكره النجاشي.

الثالث: أنّ الشيخ يروي كتاب مسائل عليّ بن جعفر بعدّة طرق:

أحدها: الطريق المتقدّم عن البوفكي.

وثانيها: عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد والحميري - صاحب «قرب الإسناد» - وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى كلهم، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم البجلي، عنه(1). فمع قطع النظر عن اتّحاد الكتابين يعلم من هذا الطريق: أنّ للشيخ طريقاً إلى ما رواه الحميري من مسائل عليّ بن جعفر، وهو طريق معتبر. كما يعلم أيضاً: أنّ طريق الحميري لا ينحصر في عبد اللَّه بن الحسن، بل له طريق آخر، وهو: ما عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر.

وقال الشيخ الصدوق في «المشيخة»: «ورويته عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللَّه عنه، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد اللَّه جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى والفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر»(2)

وعلى كلّ تقدير، فيمكن تصحيح روايات الحميري من مسائل عليّ بن جعفر بعدّة وجوه. فكل ما ورد من روايات الحميري عن عبد اللَّه بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر - فيما سأل أخاه موسى الكاظم (علیه السلام) - معتبر،

ص: 393


1- فهرست الطوسي: 151/377.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 422، المشيخة.

ولايحتاج إلى ملاحظة السند(1) .

وأمّا عليّ بن جعفر: فهو العريضي، وهو ثقة، قال الشيخ: «علي بن جعفر، أخو موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، صلوات اللَّه عليهم أجمعين، جليل القدر، ثقة، وله كتاب المناسك، ومسائل لأخيه موسى الكاظم (علیه السلام) سأله عنها»(2) .

وقال الشيخ المفيد (قدس سره) : «كان من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان»(3).

وعدّه ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النصّ على موسى بن جعفر (علیه السلام) بالإمامة عن أبيه، وعدّه أيضاً من ثقات أبي إبراهيم موسى بن جعفر (علیه السلام) (4)

وقال السيد المهنّا: «وأما العريضي ابن جعفر الصادق (علیه السلام) ، ويكنّى أبا الحسن، وهو أصغر ولد أبيه، مات أبوه وهو طفل، وكان عالماً كبيراً، روى عن أخيه موسى الكاظم (علیه السلام) ، وعن ابن عمّ أبيه الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد، وعاش إلى أن أدرك الهادي عليّ بن محمّد بن عليّ بن الكاظم (علیهم السلام) ، ومات في زمانه»(5)

ص: 394


1- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2 : 454.
2- فهرست الطوسي: 151/377.
3- الإرشاد 2 : 216.
4- مناقب آل أبي طالب 3 : 435 ، في إمامة أبي إبراهيم موسى بن جعفر (علیه السلام) .
5- معجم رجال الحديث 12 : 317/ 7979.

[77] 7 - وَعَنْ عليّ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) : مَا حَدُّ الْبُلُوغِ؟ قَالَ: «مَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْحُدُودَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وللشيخ طريق صحيح إلى كتاب المناسك ومسائل عليّ بن جعفر كما أوضحنا قبل قليل. فهذا السند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

للحديث صدر لم يذكره صاحب «الوسائل» في الباب، وهو: قال: كتبت إلى الرضا (علیه السلام) : رجل طلّق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها غلام لم يحتلم قال: «لا، حتّى يبلغ، ...» .

وهذا الحديث يدلّ على المقصود بضميمة ما تقدّم، من أنّه إذا أكمل الرجل خمس عشر سنة والمرأة تسع سنين أقيمت عليهما الحدود.

سند الحديث:

روى الحديث الحميري في «قرب الإسناد»، عن عليّ بن الفضل.

وعلي بن الفضل: هو الواسطي، من أصحاب الكاظم والرضا (علیهما السلام) ، ولقّب في كلام الصدوق في «المشيخة» بصاحب الرضا (علیه السلام) (2)

، وهو مدح له، بل يدلّ على الحسن.

ص: 395


1- قرب الإسناد: 394، ح1383.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 474.

[78] 8 - وَعَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «عَرَضَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَوْمَئِذٍ - يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ - عَلَى الْعَانَاتِ، فَمَنْ وَجَدَهُ أَنْبَتَ قَتَلَهُ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَنْبَتَ أَلْحَقَهُ بِالذَّرَارِيِّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «نوادر الحكمة»(2). وعليه فالسند معتبر.

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ نبات هذا الشعر في هذا المكان الخاص دليل على البلوغ في حقّ المسلمين والكفار، بل قد لا يكون طريق لمعرفة بلوغ الكفار سوى هذه العلامة، بخلاف المسلمين، فإنّه يجوز الرجوع إليهم في معرفة البلوغ.

والحكم الموجود في هذا الحديث وارد عند الفريقين؛ فإنّه يؤمر بمن أُسر، فإن ثبت بلوغه قُتل، ومن لم يبلغ ألحق بالذراري. فيعتبر الإنبات وعدمه عند إشكال الأمر في البلوغ، فإن أنبت الشعر الخشن على العانة حكم ببلوغه، وإن لم ينبت جعل من جملة الذرّيّة.

وهذا الحكم منسوب عند العامة لسعد بن معاذ، بشأن بني قريظة، وأجازه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)(3).

ص: 396


1- قرب الإسناد: 133، ح467.
2- أصول علم الرجال 1 : 231 .
3- الشرح الكبير 4 : 557، وسنن البيهقي 6 : 58.

سند الحديث:

بحث رجالي في أبي البختري

أمّا السنديّ بن محمد: فقد تقدّم.

أمّا أبو البختري: فهو وهب بن وهب. قال النجاشي عنه: «وهب بن وهب ... أبو البختري، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكان كذّاباً»(1) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: «وهب بن وهب، أبو البختري، عامّي المذهب، ضعيف»(2).

وقال ابن الغضائري: «كذّاب عامّي، إلّا أنّ له أحاديث عن جعفر بن محمد (علیه السلام) ، كلّها يوثّق بها»(3)،

وما نُقِلَ في نسخة الخلاصة عن ابن الغضائري: «لا يوثَق بها» فهو غلط(4).

ونقل الكشّي عن الفضل بن شاذان: أنّه أكذب البريّة(5)

وقد ضعّفه الشيخ في موارد متعدّدة في كتابيه «التهذيب» و«الاستبصار»(6). إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى المشايخ الثقات عنه(7)،

ص: 397


1- رجال النجاشي: 430/1155.
2- فهرست الطوسي: 256/779.
3- مجمع الرجال 6 : 198.
4- خلاصة الأقوال: 414.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 597/558.
6- تهذيب الأحكام 9 : 77 و الاستبصار 1 : 48.
7- أصول علم الرجال 1 : 242، وج2 : 219 .

[79] 9 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) - فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله لِعَلِيٍّ (علیه السلام) - قَالَ: «يَا عَلِيُّ، لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فيمكن الجمع بما ذكره ابن الغضائري بين ضعفه ووثاقته: بأن يكون ثقة في روايته عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وإن كان ضعيفاً في نفسه.

وأمّا جعفر بن محمد: فهو الإمام الصادق (علیه السلام) . وعليه فالسند معتبر على احتمال.

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث من الأحاديث المشهورة عند الخاصة والعامة(2) ، وهو حديث طويل، لم يذكر صاحب «الوسائل» إلّا محل الشاهد منه.

ويدل الحديث بوضوح على أنّ الاحتلام من علامات البلوغ، وأنّه لا يطلق اليتيم على الصبي الذي مات أبوه إذا احتلم وبلغ.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، بإسناده عن حماد بن عمرو،

ص: 398


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 361، ح 5762.
2- سنن أبي داود 1 : 657 ، والمجموع 15 : 464.

عن جعفر بن محمد (علیه السلام) .

وطريق محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق إلى حمّاد بن عمرو هو: عن محمّد بن عليّ الشاه بمرو الرود، قال: حدَّثنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا أبو يزيد أحمد بن خالد الخالدي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد بن صالح التميمي، قال: أخبرنا أبي أحمد بن صالح التميمي، قال: أخبرنا محمّد بن حاتم القطّان، عن حمّاد بن عمرو، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) (1).

الثاني: محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، بإسناده عن أنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (علیه السلام) .

وطريق محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق إلى أنس بن محمّد هو: عن محمّد بن عليّ الشاه، قال: حدّثنا أبو حامد، قال: أخبرنا أبو يزيد، قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن صالح التميمي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني أنس بن محمّد أبو مالك، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) ، عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)(2).

سند الصدوق قدس سره إلی حماد بن عمرو و أنس بن محمّد

والسند ضعيف بطريقيه، إلّا أن يقال: إنّ الحديث مشمول لشهادة الصدوق في أوّل كتابه، بأنّه مأخوذ من الكتب المشهورة، المعوّل عليها، فمِن هذه الجهة يكون معتبراً.

ص: 399


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 536، المشيخة.
2- المصدر نفسه.

[80] 10 - قَالَ: وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: «عَلَى الصَّبِيِّ إِذَا احْتَلَمَ الصِّيَامُ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا حَاضَتِ الصِّيَامُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ الصوم إنّما يجب على الصبي إذا احتلم، وعلى المرأة إذا حاضت، وأمّا قبل ذلك فلا يجب. ويستفاد منه: أنّ بلوغ الصبي بالاحتلام، كما أنّ بلوغ المرأة بالحيض. والحديث وإن ورد في خصوص الصيام، إلّا أنّ إجماع المسلمين على عدم الفرق بينه وبين غيره من العبادات، بل على عدم الفرق في غيرها أيضاً.

سند الحديث:

الحديث - بحسب الظاهر - موقوف، لم ينسب إلى الإمام (علیه السلام) ، ولعلّ شهادة الصدوق تشمله، كما شملت مراسيله. وإذا كان كذلك فيدخل في مراسيل الصدوق، وقد تقدّم التحقيق حولها بأقسامها.

ص: 400


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 122 ، ح 1907.

[81] 11 - وَفِي «الْخِصَالِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد السَّكُونِيِّ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ ظَبْيَانَ(1)، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ(2)، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : «أَمَا عَلِمْتَ: أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حتّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حتّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حتّى يَسْتَيْقِظَ؟!»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

هذا الحديث واضح الدلالة؛ إذ يدلّ على رفع القلم، أي: رفع قلم التكليف، وأنّه لا عقاب ولا تكليف على الصبي حتّى يحتلم، ولا على المجنون حتّى يفيق من جنونه، ولا على النائم حتّى يستيقظ من نومه. وفيه دلالة على أنّ بلوغ الصبي بالاحتلام.

سند الحديث:

هذا الحديث يرويه الصدوق في «الخصال»، عن الحسن بن محمّد السكوني، عن الحضرمي، عن إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن ابن ظبيان.

أمّا الحسن بن محمّد السكوني: فهو من مشايخ الصدوق، ولم يرد فيه شي ء.

ص: 401


1- في المصدر: عن أبي ظبيان.
2- في المصدر: «فجرت»، بدل «زنت».
3- الخصال: 93، ح 40، و175 ، ح 233، وقد أورده المصنّف باختصار.

وأمّا الحضرمي: فالظاهر أنّه محمّد بن عبد اللَّه الحضرمي، ولم يرد فيه شي ء أيضاً.

وأمّا إبراهيم بن أبي معاوية: فلم يرد فيه شي ء في كتبنا، ولكن ذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق، صاحب سنّة(1)،

ووثّقه أبو عليّ الجبائي وابن خلفون والذهبي وغيرهم(2)

وأمّا أبوه - وهو محمّد بن خازم أبو معاوية الضرير - : فقد تقدّمت ترجمته.

وأمّا الأعمش: فهو سليمان بن مهران الأعمش، وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، عدّه ابن شهرآشوب من خواص الإمام (علیه السلام) (3) قال الذهبي: «سليمان بن مهران، الإمام، شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدّثين، أبو محمّد الأسدي، الكاهلي، مولاهم الكوفي، الحافظ»(4).

وقال في موضع آخر: «وقال أحمد بن عبد اللَّه العجلي: الأعمش ثقة، ثبت، كان محدِّث الكوفة في زمانه، يقال: إنّه ظهر له أربعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب، قال: وكان يقرأ القرآن و [هو] رأس فيه، وكان فصيحاً، وكان أبوه من سبي الديلم، وكان عسراً سيّى ء الخلق، وكان لا يلحن حرفاً،

ص: 402


1- تهذيب الكمال 2 : 171.
2- إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال 1 : 273.
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
4- سير أعلام النبلاء 6 : 226، الرقم: 110.

وكان عالماً بالفرائض، وكان فيه تشيّع»(1)

ونقل السيد ابن معصوم في «الدرجات الرفيعة» عن بعض الأصحاب: «عن إسحاق بن جعفر، عن سليمان بن مهران الأعمش، قال: شهد عندي عشرة نفر من خيار التابعين: أنّ البراء بن عازب قال: إني لأتبرّأ ممّن تقدّم على عليّ بن أبي طالب، وأنا بري ء منهم في الدنيا والآخرة»(2) .

وورد في «التفسير»(3)، وروى عنه ابن أبي عمير. وعليه فهو ثقة.

وأمّا ابن ظبيان: فهو الحصين بن جندب، لم يرد فيه شي ء في كتبنا، ولكن عن ابن معين وأبي زرعة والعجلي والنسائي والدارقطني وابن سعد وابن حبان: أنّه ثقة(4).

وعليه فهذا الطريق غير معتبر.

ص: 403


1- سير أعلام النبلاء: 234.
2- الدرجات الرفيعة: 453.
3- أصول علم الرجال 1 : 281.
4- تهذيب الكمال 6 : 515، وتهذيب التهذيب 2 : 327.

[82] 12 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْغُلامِ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ؟ فَقَالَ: «إِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِنِ احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ. وَالْجَارِيَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِنْ أَتَى لَهَا ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلاةُ، وَجَرَى عَلَيْهَا الْقَلَمُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث - بظاهره - مخالف للأحاديث المتقدّمة؛ من حيث دلالته على أنّ بلوغ الغلام يحصل بثلاث عشرة سنة، وكذلك بلوغ الجارية. ويدلّ أيضاً على إمكان تحقّق البلوغ بالاحتلام قبل هذا السن.

وهناك أحاديث بهذا المضمون، قد أوردها صاحب «الوسائل» في أبواب أخرى:

منها: صحيحة عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، وكتبت عليه السيّئات، وكتبت

ص: 404


1- تهذيب الأحكام 2 : 380، ح 1588.

له الحسنات، وجاز له كلّ شي ء، إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً»(1) .

ومنها: معتبرة عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: قلت له: جعلت فداك، في كم تجري الأحكام على الصبيان ؟ قال: «في ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة»، قلت: فإنّه لم يحتلم فيها؟ قال: «وإن لم يحتلم، فإنّ الأحكام تجري عليه»(2)

ومنها: ما دل على حصول البلوغ بثمان سنين، نحو: موثّقة الحسن بن راشد، عن العسكري (علیه السلام) : «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، وقد وجب عليه الفرائض والحدود»، الحديث(3)

ومنها: معتبرة الحلبي، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين»(4)

ومثل هذه الأخبار جملة أخرى، أعرضنا عن التطويل بنقلها.

سند الشيخ قدس سره إلى محمّد بن عليّ بن محبوب

سند الحديث:

للشيخ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب ثلاثة طرق:

الأوّل: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الحسين بن عبيد اللَّه وابن أبي جيد،

ص: 405


1- وسائل الشيعة 17 : 361، باب14 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 3.
2- المصدر نفسه 19 : 367، باب 45 من أبواب الوصايا، ح 3.
3- المصدر نفسه 19 : 212، باب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
4- المصدر نفسه 10 : 234، باب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح3.

عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ بن محبوب.

الثاني: أخبرنا بها - أيضاً - جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عنه.

الثالث: أخبرنا بها - أيضاً - جماعة، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عنه(1)

والطريق الأول معتبر، والثاني ضعيف. وأمّا الثالث فإنّه صحيح؛ لوثاقة جميع رجاله. وقد ذكر الشيخ في «التهذيب» طريقاً إليه قريب من الطريق الأول، وهو: الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، عن أبيه محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عليّ بن محبوب.

أمّا محمّد بن عليّ بن محبوب: فهو الأشعري القمّي. قال النجاشي عنه: «شيخ القمّيين في زمانه، ثقة، عين، فقيه، صحيح المذهب»(2)

وأمّا محمّد بن الحسين: فهو ابن أبي الخطّاب، وقد تقدّم.

وأمّا أحمد بن الحسن بن عليّ - كما في «الوسائل»، وفي «الجامع»(3) الحسن بن عليّ بدل أحمد بن الحسن بن علي، والظاهر: صحّة ما في «الوسائل»؛ بقرينة سائر الروايات - : فهو أحمد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن فضّال. قال النجاشي عنه: «إنه كان فطحياً، وكان ثقة في الحديث»(4) .

ص: 406


1- فهرست الطوسي: 222/623.
2- رجال النجاشي: 349/940.
3- جامع أحاديث الشيعة 1 : 478، ح 724.
4- رجال النجاشي: 80/194.

وقال الشيخ: «كان فطحيّاً، غير أنّه ثقة في الحديث»(1) .

وورد في «نوادر الحكمة»(2)

وأمّا عمرو بن سعيد: فهو عمرو بن سعيد، الساباطي، المدائني. قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن الرضا (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3)

وأمّا مصدّق بن صدقة: فقال الكشّي عنه: «إنّه فطحيّ، من أجلّة العلماء والفقهاء العدول»(4).

وورد في «نوادر الحكمة»(5) .

وأمّا عمّار بن موسى الساباطي: فقال عنه النجاشي: «عمّار بن موسى، الساباطي، أبو الفضل، مولى، وأخواه قيس وصباح، رووا عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكانوا ثقات في الرواية، له كتاب يرويه جماعة»(6)،

وعليه فيكون كتابه مشهوراً، ولا يحتاج إلى الطريق.

وقال الشيخ: «عمار بن موسى، الساباطي، وكان فطحياً، له كتاب كبير، جيّد، معتمد»(7).

ص: 407


1- فهرست الطوسي: 67/72.
2- أصول علم الرجال 1 : 212 .
3- رجال النجاشي: 287/767.
4- اخيار معرفة الرجال 2 : 835/1062.
5- أصول علم الرجال 1 : 240 .
6- رجال النجاشي: 290/779.
7- فهرست الطوسي 189/526.

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العددية» من الفقهاء والأعلام الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم(1)

وذكر الشيخ توثيقه في كتابيه: «التهذيب» و«الاستبصار»(2)

وهذا الحديث موثق من حيث السند، إلّا أنّه معارض لما تقدّم من الأحاديث.

ص: 408


1- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 30.
2- تهذيب الأحكام 7 : 101، والاستبصار 3 : 95.

أقول: هذا محمول على حصول الاحتلام أو الإنبات للغلام في الثلاث عشرة سنة، وعدم عقل الجارية قبلها؛ لما مضى(1). ويأتي ما يدل على ذلك وعلى التمرين في محلّه(2).

ويمكن حمل حكم الغلام على الاستحباب، وحكم الجارية على أنّ مفهوم الشرط غير مراد.

-----------------------------------------------------------------------------

الجمع بين الروايات بوجوه خمسة

الجمع بين الروايات:

ذكر صاحب «الوسائل» وجوهاً للجمع:

الأوّل: الحمل على ما إذا اتّفق حصول الاحتلام أو الإنبات في هذا الوقت.

ص: 409


1- مضى في الحديثين 3 و4 من هذا الباب.
2- يأتي في: أ - البابين 1 و 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه من كتاب الزكاة. ب - الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة من كتاب الزكاة. ج - الباب 29 من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصيام. د - الباب 46 من أبواب أحكام الوصايا من كتاب الوصايا. ه- - البابين 32 ، 34 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه من كتاب الطلاق. و - البابين 20 و 21 من كتاب العتق. ز - البابين 8 و 19 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة من كتاب الحدود والتعزيرات. ح - الباب 21 من أبواب حدّ الزنا من كتاب الحدود والتعزيرات. ط - الباب 36 من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

الثاني: الحمل على ضرب من الاستحباب والندب؛ بقرينة بعض المؤيّدات.

الثالث: الحمل على إرادة محض التمرين.

الرابع: الحمل على التقيّة؛ لموافقتها لجمهور العامّة.

الخامس: حمل الرواية التي وردت في الجارية على عدم عقل الجارية قبل ثلاث عشرة سنة.

والحاصل: أنّ في الباب اثني عشر حديثاً، عشرة منها معتبرة، واثنان منها وهما الخامس والحادي عشر ضعيفان، والخامس يمكن تصحيحه.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد من الباب أمور، منها:

1 - أنّ التكاليف الشرعيّة منوطة بتحقّق البلوغ في الرجل والمرأة.

2 - أنّ بلوغ الذكر يتحقّق بالاحتلام، أو إنبات الشعر الخشن على العانة، أو بلوغه خمس عشرة سنة.

3 - أنّ بلوغ الأنثى يتحقّق ببلوغ تسع سنين، أو بالإنبات، أو الاحتلام.

4 - أنّ قلم التكليف مرفوع عن الصبي والمجنون والنائم.

5 - أنّ الحدود التامّة مشروطة بالبلوغ، وكذا ذهاب اليتم.

6 - أنّه يجوز تزويج بنت تسع سنين، ولا يدخل بها حتّى تبلغ عشراً.

7 - أنّه يجوز الشراء والبيع بالنسبة للذكر والأنثى، بشرط توفّر إحدى علامات البلوغ.

8 - أنّ الراجح تمرين مَن لم يبلغ على العبادات، كالصلاة.

ص: 410

5 - باب وجوب النية في العبادات الواجبة، واشتراطها بها مطلقاً

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب وجوب النيّة في العبادات الواجبة، واشتراطها بها مطلقاً

تعریف النيّة و المراد بها

شرح الباب:

النيّة لغة هي: القصد، يقال: نويت الشي ء، أي: قصدته(1)

وفي اصطلاح الفقهاء هي: القصد إلى الفعل مع كون الداعي إرادته تعالى له، أو محبوبيّته له. وغاية ذلك: إمّا شي ء يرجع إليه تعالى، وهو: أنّه أهل للطاعة، وهذا أعلى الوجوه، وإمّا يرجع إلى العبد، وهو: الرغبة في الجنّة أو الخوف من النار، وهو أدناها(2)

ومجرّد تحريك اللسان وحديث النفس لا يحقّقان النيّة؛ لأن حقيقتها عبارة عن انبعاث النفس وميلها وتوجّهها لما فيه غرضها، وهو ممّا لا طريق إلى اكتسابه بمجرّد النطق، وتصوّر المعاني؛ فإنّه لا يكون إلّا كقول الشبعان: أشتهي الطعام، وأميل إليه، قاصداً حصول الميل والاشتهاء، أو كقول الفارغ: أعشق فلاناً وأحبّه وأطيعه.

ص: 411


1- كتاب العين: 394 ، مادة: «نوى».
2- راجع: العروة الوثقى 1 : 406.

كما أنّه لو نطق بها ولم يقصد بقلبه لم تجزه.

وأمّا التمييز وقصد الوجه: فغير داخلين فيها. ولا يعتبر إخطارها في القلب أيضاً؛ لتحقّقها بدونه.

وكذلك لا يلزم التلفّظ والنطق بها؛ لعدم الدليل عليه، بل قد يكون التلفّظ بها مكروهاً أو مفسداً.

نعم، قد يكون التلفّظ بها مستحبّاً، كما في نيّة الحج، أو واجباً، كما في تلبية الحج؛ لورود النص به، أو حراماً، كالتلفّظ بها في صلاة الاحتياط، بناءً على أنّها جزء من الصلاة أو كالجزء.

والنيّة - بهذا المعنى - واجبة في العبادات الواجبة، كالصلاة، والصوم، والزكاة، وغيرها، وشرط في صحّة العبادات مطلقاً، سواء كانت واجبة أو مستحبّة. وأمّا في غيرها من التوصّليّات فليست بواجب ولا بشرط، وإن كان الإتيان بها مع النيّة موجباً للثواب، وهو داخل في الطاعة.

الأقوال

الأقوال في النيّة:

أمّا الإماميّة: فقد نسب إليهم اعتبارها في الوضوء،كما عن «المنتهى»(1)،و«التذكرة»(2)، والإجماع كما عن «الخلاف»(3)، و«المختلف»(4)،

ص: 412


1- المنتهى 2 : 7.
2- التذكرة 1 : 139، مسألة 39.
3- الخلاف 1 : 71، مسألة 18 وجوب النية في الطهارة.
4- المختلف 1 : 274.

و«التنقيح»(1).

وهي شرط إجماعاً منّا في العبادة، واجبة كانت أو مستحبّة، وهو المراد بقوله: «مطلقاً» في عنوان الباب. ولا تجب النيّة في غير العبادات، وكذا في المحرّمات.

قال السيد في «المدارك»: «مذهب الأصحاب: وجوب النيّة في جميع الطهارات. وعزاه في المعتبر إلى الثلاثة وأتباعهم، ثمّ قال: ولم أعرف لقدمائنا فيه نصّاً على التعيين»(2).

وحكى الشهيد (رحمه الله) في «الذكرى» عن ظاهر ابن الجنيد الاستحباب(3).

والأصل في وجوب النيّة في الطهارة وغيرها من العبادات: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(4) ، وقول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم):

«إنّما الأعمال بالنيّات»(5)، وقول عليّ بن الحسين (علیه السلام) في حسنة أبي حمزة الثمالي: «لا عمل إلّا بنيّة»(6)، وقول الرضا (علیه السلام) : «لا قول إلّا بعمل، ولا

ص: 413


1- التنقيح الرائع 1 : 74.
2- المعتبر1 : 138، وفيه قال: وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم وابن الجنيد.
3- الذكرى 2 : 105.
4- البيّنة: الآية 5.
5- مسائل عليّ بن جعفر: 346، الأخلاقيات، ووسائل الشيعة 1 : 49، باب وجوب النية في العبادات الواجبة...، ح89 .
6- الكافي 2 : 84 ، باب النية ح1.

عمل إلّا بنيّة»(1) و(2)

وأمّا العامة: فهناك اختلاف في اعتبارها عندهم. قال ابن قدامة في «الشرح الكبير»: «ولا خلاف في المذهب في اشتراط النيّة؛ لما ذكرنا. وروي ذلك عن عليّ رضي اللَّه عنه، وهو قول مالك، وربيعة، والليث، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيدة، وابن المنذر.

وقال الثوريّ وأصحاب الرأي: تشترط النيّة في التيمّم، دون طهارة الماء؛ لأنّ اللَّه تعالى قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية؛ ولم يذكر النيّة، ولو كانت شرطاً لذكرها؛ ولأنّ مقتضى الأمر حصول الإجزاء بفعل المأمور به، فتقتضي الآية حصول الإجزاء بما تضمّنته، ولأنّها طهارة بالماء، فلم تفتقر إلى النيّة، كغسل النجاسة.

ولنا قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكل امرى ء ما نوى، متّفق عليه.

فنفى أن يكون له عمل شرعي بدون النيّة؛ ولأنّها طهارة عن حدث، فلم تصحّ بغير نيّة، كالتيمم. فأمّا الآية: فهي حجّة لنا؛ فإنّ قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي: للصلاة، كما يقال: إذا لقيت الأمير فترجّل، أي: له. وقولهم: لو كانت النيّة شرطاً لذكرها. قلنا: إنّما ذكر الأركان، ولم يذكر الشرائط، كآية التيمّم. وقولهم: مقتضى الأمر حصول

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 4 : 186، ح3.
2- مدارك الأحكام 1 : 184.

[83] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الإجزاء به. قلنا: بل مقتضاه: وجوب الفعل، ولا يمنع أن يشترط له شرط آخر، كآية التيمّم. وقولهم: إنّها طهارة. قلنا: إلّا أنّها عبادة، والعبادة لا تكون إلّا منويّة، كالصلاة؛ لأنّها قربة إلى اللَّه تعالى، وطاعة وامتثال أمر، ولا يحصل ذلك بغير نيّة»(2)

وآخر كلامه صريح في أنّ العبادات كلها مشروطة بالنيّة.

[1] - فقه الحديث:

استدلّ على وجوب النية بالكتاب، والسنّة، والإجماع، وسيرة المتشرّعة المعتضدة بجملة من الروايات.

أمّا الكتاب: فبقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(3)؛ فإنّ تقدير الآية: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم للصلاة، فوزانها وزان: «إذا لقيت الأمير فترجّل»، أي: له، ولا يكون الإنسان غاسلاً

ص: 415


1- الكافي 2 : 84، باب النيّة ح 1، ويأتي في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب النيّة من كتاب الصلاة.
2- الشرح الكبير 1 : 121.
3- المائدة، الآية 6.

لهذه الأعضاء للصلاة إلّا بنيّة.

وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(1)، وتقديرها: ما أمروا إلّا بعبادة اللَّه مخلصين له الدين، وهو لا يتمّ بدون النيّة الخالصة في العبادات المأمور بها.

نعم، في الاستدلال بالآيتين تأمّل، يطول المقام بذكره.

وأمّا السنة: فمنها هذا الحديث، والاستدلال به يتوقّف على ثبوت أمرين:

الأوّل: أنّ الخبر المقدَّر ل- «لا» النافية للجنس هو الصحّة.

والثاني: أن يكون المراد بالنيّة هو ما تقدّم من قصد الفعل بداعي التقرّب.

وتقريب ذلك يتوقّف على ذكر محتملات جملتي النفي والإثبات:

أمّا جملة النفي، فالاحتمالات فيها ثلاثة:

الاحتمالات في (لا عمل إلا بنّية) و بیان الأقوی منها

الاحتمال الأول: أنّ الخبر المقدّر هو الصحّة، فيكون المعنى لا عمل صحيح إلّا بالنيّة.

الاحتمال الثاني: أنّ الخبر المقدّر هو الكمال، فيكون المعنى لا عمل كامل، كما في «لا صلاة لجار المسجد إلّا في مسجده»(2).

ص: 416


1- البينة، الآية 5.
2- تهذيب الأحكام 1 : 92، ح244.

الاحتمال الثالث: أنّ الخبر المقدّر هو: الثواب والجزاء، فالمعنى لا عمل ذا ثوابٍ وجزاء.

فعلى الاحتمال الأول لا يسقط العمل عن عهدة التكليف إذا كان واجباً بدون النيّة؛ للحكم بعدم صحّته، بخلافه على الاحتمالين الآخرين، فإنّه مجزٍساقط عن العهدة، غايته: أنّ العمل ناقص من حيث الثواب، أو لا ثواب له.

وأمّا جملة الإثبات: فالمراد بالنيّة - أيضاً - أحد احتمالات ثلاثة:

وذلك أنّ المراد بها: إمّا المعنى المتقّدم، وإمّا أنّها بمعنى القصد إلى الفعل وعنوان العمل، فإذا لم يكن الفاعل قاصداً لعنوان الفعل لم يكن له عمل، كمن أتى بالغسلات والمسحات ولم يقصد الوضوء، فليس له وضوء حينئذٍ. وإمّا بمعنى: ما قصد من الحسن أو القبح، أي: لا عمل إلّا طبق ما قصد من الحسن أو القبح، فإن كان داعيه حسناً، كضرب اليتيم بداعي التأديب فهو حسن، وإن كان داعيه قبيحاً، كما إذا ضربه بداعي التشفّي فهو قبيح. وكالنوم؛ فإنّه إذا كان داعيه الاستراحة لأجل التفرّغ للعبادة والقوّة عليها كان حسناً، وإذا كان داعيه الاستراحة لتجدّد القوى على المعصية فهو قبيح. وهكذا الصلاة؛ فإنّه إذا أتى بها بداعي القربة اتّصفت بالحسن، وأثيب عليها، وإذا كان الداعي لها هو الرياء اتّصفت بالقبح، واستحقّ العقاب عليها. وكذا بقيّة الأعمال.

فالنيّة - على هذا الاحتمال - كالروح في الجسد، فالأفراد من الإنسان

ص: 417

وإن تشابهوا في الجسم والصورة، إلّا أنّهم يختلفون بحسب الروح والحقيقة. وكذا الأعمال.

وعليه فالاستدلال بهذا الحديث ونحوه إنّما يتمّ على الاحتمال الأول من جملتي النفي والإثبات، أي: إذا كان الخبر المقدّر هو الصحة، وكان المراد بالنيّة قصد الفعل مع القربة.

ويمكن استظهار ذلك بأن نقول: إنّ الخبر المقدّر هو: نفي الصحّة في الجملة المنفيّة؛ لأنّ المنساق من هذا الحديث ونظائره هو نفي الصحّة، ما لم تقم قرينة على خلافه، فإنّه يفهم عرفاً أنّ لهذا القيد أهمّيّة بحيث ينتفي المقيّد بانتفائه، كما في: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(1)،

و«لا صلاة إلّا بطهور»(2)،

وغيرهما.

هذا، مضافاً إلى أنّ نفي الصحّة أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة، فإذا لم يمكن حمل النفي على الحقيقة فالمتعيّن حمله على ذلك.

وأمّا أن النيّة في الجملة الإثباتيّة هي: قصد الفعل مع القربة، فيظهر من عدم مناسبة الحمل على الاحتمالين الثاني والثالث فيها.

أمّا على الاحتمال الثاني: فهو - مضافاً إلى كونه بعيداً جدّاً - لا يحتاج إلى بيان؛ فإنّ قصد العنوان واضح لدى جميع الناس بلا حاجة لأيّ بيان، مع

ص: 418


1- مستدرك الوسائل 4: 158، باب وجوب قراءة الفاتحة في الثنائيّة ...، ح5.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 33، باب وقت وجوب الطهور، ح67، وتهذيب الأحكام 1 : 50، ح144.

أنّ هذا التبيين خارجٌ عن وظيفة الشارع المقدس.

وأمّا على الاحتمال الثالث: فهو وإن أمكن حمل الحديث عليه، لكنّه خلاف ظاهر الجملة؛ فإن «إلّا» فيها بمنزلة غير، أي: لا عمل بغير نيّة، وهذا لا يناسب هذا الاحتمال، مضافاً إلى: أنّ من ينوي عملاً حسناً أو قبيحاً فله عمل، إمّا حسن أو قبيح، لا أنّه لا عمل له.

فالأقوى هو الاحتمال الأول، والمراد به هو ما يتبادر إلى الأذهان من قصد الفعل تقرّباً إلى اللَّه سبحانه وتعالى، المؤيّد بفهم الفقهاء خلفاً عن سلف.

والإشكال على هذا التقريب بلزوم تخصيص الأكثر - للزوم خروج التوصّليّات، وهي أكثر من التعبّديّات - غير وارد؛ فإنّها خارجة تخصّصاً، كما يظهر بالتأمّل.

وأمّا سيرة المتشرعة: فإنّ الارتكاز المتشرّعي ثابت في أذهان المتشرّعة؛ فإنّه لا خلاف في أنّ جميع المتشرّعة يرون أنّ الوضوء مثلاً - باعتباره أحد أفراد العبادة - أمر عبادي، وهذا كاشف عن أنّه وصلهم يداً بيد، حتّى يصل إلى زمان المعصومين (علیهم السلام) .

ويعضده: ما ورد من أنّ الوضوء من الصلاة(1)؛ فإنّه لا وجه لكون الوضوء من الصلاة إلّا كونه عبادة يعتبر قصد القربة فيها، وهو المطلوب.

ص: 419


1- الخصال: 33 ، باب الاثنين، ح 2.

سند الحديث:

كلّ رجاله قد تقدّم ذكر ترجمتهم، ما عدا مالك بن عطيّة.

و مالك بن عطية الأحمسي: وإن كان يحتمل بعيداً أنّه الدغشي، إلّا أنّه «لم يثبت كونه راوياً. وعلى فرض تسليم رواية له، يحمل المطلق - ما لم تكن قرينة في البين - على مالك بن عطيّة الأحمسي؛ فإنّه المعروف وصاحب الكتاب» (1)

وقال النجاشي: «مالك بن عطيّة الأحمسي، أبو الحسين البجلي، الكوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(2) .

ومن هذا - أي: قوله: «يرويه جماعة» - يظهر أنّ كتابه معروف، ولا يحتاج إلى الطريق.

فهذا الحديث صحيح السند. والظاهر أنّه قطعة من الحديث الثالث الآتي في هذا الباب.

ص: 420


1- معجم رجال الحديث 15 : 177/ 9839.
2- رجال النجاشي: 422/1132.

[84] 2 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلا قَوْلَ وَ(1) عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلا قَوْلَ وَ(2) عَمَلَ وَ(3) نِيَّةَ إِلَّا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ القول لا يصحّ إلّا بالعمل. والظاهر أنّ المراد بالقول هنا هو الشهادتان، أو الأعمّ، وهو مقتضى إطلاق قوله (علیه السلام) «ولا قول ولا عمل إلا بنيّة»، فيشمل كلّ قول يصدر من المؤمن. وينبغي أن يشفع بالعمل، وإلّا كان بلا فائدة، فكل عمل يصدر من المؤمن بلا نيّة باطل. وكذا الكلام في القول، فالنية شرط في القول والعمل، وإنما خرج عن ذلك التوصليات والمعاملات وبعض الإيقاعات، فلم يشترط في وقوعها صحيحةً النية؛ للإجماع، فهو المخصص لإطلاق هذا الحديث.

والمراد من العمل: العبادة، فالعمل لا يصحّ بدون نيّة تقارنه، ويشهد له

ص: 421


1- في المصدر زيادة: لا.
2- في المصدر زيادة: لا.
3- في المصدر زيادة: لا.
4- الكافي 1 : 70، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ح 9.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ مُرْسَلاً، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الْمُفِيدُ فِي «الْمُقْنِعَةِ» مُرْسَلاً(2).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، بِالإِسْنَادِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

قوله (علیه السلام) : «ولا قول وعمل ونية إلّا بإصابة السنّة».

والسنة لغةً: الطريقة والسيرة والطبيعة(4).

والوجه في اشتراط إصابة السنّة في القول والعمل والنية هو أن السنّة إذا أضيفت إلى اللَّه تعالى كان معناها: حكم اللَّه وأمره ونهيه وليس شيء إلّا وفيه كتاب أو سنة. وإصابة السنّة وموافقتها لا تتحقّق إلّا بالاقتداء بأئمة الهدى (علیهم السلام) ، الحافظين لما أُنزل من أحكام إلهيّة من التحريف والتزييف، والمبلّغين لها كما أرادها اللَّه عزّوجلّ؛ لمكان عصمتهم ومنصبهم الإلهي. وعليه فمتابعتهم والأخذ عنهم موجب لموافقة السنة، كما أنّ الإعراض عنهم والأخذ عن غيرهم موجب لمخالفتها.

والحديث دالّ على وجوب النية في العبادات كسابقه.

ص: 422


1- تهذيب الأحكام 4 : 186 ، ح 520.
2- المقنعة: 301.
3- المحاسن 1 : 348 ، ح 732، ورواه الطوسي في الأمالي 1 : 337، ح685، و386 ، ح839 .
4- مجمع البحرين 2 : 436 مادة: «سنن».

سند الحديث:

روى المصنّف الحديث بأربعة أسانيد:

الأوّل: ما عن «الكافي»، وفيه: أبو إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزدي، ولم يذكر بشي ء، والوارد في النوادر: إبراهيم بن إسحاق(1) فحسب.

وفيه أيضاً: أبو عثمان العبدي: ولم يذكر بشي ء، والوارد في «النوادر» أبو عثمان(2)

فحسب. وعليه فهذا الطريق ضعيف، إلّا على القول باعتبار روايات «الكافي».

الثاني: ما أرسله في «التهذيب»، وهو غير معتبر أيضاً.

الثالث: ما أرسله المفيد في «المقنعة»، وهو - كسابقه - غير معتبر.

الرابع: ما رواه البرقيّ في «المحاسن» عن أبيه، وسنده سند «الكافي» نفسه. فالكلام فيه عين ما تقدّم في سند «الكافي».

ص: 423


1- أصول علم الرجال 1 : 211.
2- المصدر نفسه: 246.

[85] 3 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْخِصَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لا حَسَبَ لِقُرَشِيٍّ وَلا عَرَبِيٍّ إِلَّا بِتَوَاضُعٍ، وَلا كَرَمَ إِلَّا بِتَقْوىً، وَلا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، (وَلا عِبَادَةَ إلَّا بِتَفَقُّهٍ(1)»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

الحسب هو: ما يعُدّه المرء من مفاخر آبائه، أو المال، أو الكرم، أو الأفعال الصالحة. وهي لا تكون تامّة، وكاملة إلّا إذا اقترنت بالتواضع، أي التواضع لله سبحانه ولأوليائه المعصومين (علیهم السلام) وللمؤمنين، وصاحبه مرفوع القدر في الدنيا والآخرة. فالحسب يثبت ويكون ذا أثر ظاهر إذا كان صاحبه متحلّياً بالتواضع، فإذا فقد التواضع كان المظهر للحسب مسيئاً ناقصاً، ولله تعالى أن يخفضه في الدنيا والآخرة.

وأما قوله (علیه السلام) «لا كرم إلّا بتقوى» فالتقوى هي اتخاذ الإنسان الوقاية من عتاب الله عزوجل، وتتحقق بفعل الطاعات وترك المعاصي، ومعنى «لا كرم إلّا بتقوى» أنه لا يتصف المرء بكونه كريماً عند الله تعالى إلّا إذا

ص: 424


1- ليس في المصدر.
2- الخصال: 18 ، باب الواحد، ح62 ، ورواه الكليني في الكافي 8 : 234 ، ح 312.

توفرت فيه صفة التقوى، فهي مدار الكرامة، فمن اتقى كان كريماً عند الله؛ لأنّ التقوى مجمع الخيرات، وأصل الطاعات؛ قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(1).

والحديث دالٌّ - أيضاً - على وجوب النيّة في العبادة؛ فإنه لا عمل صحيح إلّا بنيّة، أي بنيّة خالصة عن الأغراض الفاسدة كالرياء ونحوه.

وقوله (علیه السلام) : «ولا عبادة إلّا بتفقه»، أي: لا عبادة صحيحة وتامة إلّا بالتفقه؛ لأنّ الإتيان بالعبادة كما طلبها الشارع الأقدس يتوقف على معرفة أجزائها وشرائطها وموانعها وكيفيتها، وكل ذلك إنّما يتم بالتفقه.

سند الحديث:

أمّا عبد اللَّه بن جعفر الحميري: فقد قال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري، أبو العباس القمي، شيخ القميّين ووجههم»(2) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: «عبد اللَّه بن جعفر الحميري القمي، يكنّى أبا العباس، ثقة»(3)، ووثّقه أيضاً في «الرجال» في أصحاب أبي محمّد العسكري (علیه السلام) (4)

ص: 425


1- الحجرات، الآية 13.
2- رجال النجاشي: 219/573.
3- فهرست الطوسي: 167/439.
4- رجال الطوسي: 400/5859.

[86] 4 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ (وَنِيَّةٍ(1)، وَلا قَوْلَ وَعَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»(2).(3)

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا بقيّة السند: فقد تقدّمت أفراده. وعليه فالحديث معتبر.

[4] - فقه الحديث:

الحديث المذكور كالحديث الثاني المتقدّم تماماً. نعم، في «بصائر الدرجات» زيادة: «ولا نيّة إلّا بإصابة السنة».

سند الحديث:

أمّا أحمد بن محمد: فهو أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ القميّ. والبرقي هنا هو محمّد بن خالد، وقد تقدّما معاً، وكذا بقيّة السند. وهذا الحديث ضعيف كالحديث الثاني.

ص: 426


1- ليس في المصدر.
2- في المصدر زيادة: ولا نية إلّا بإصابة السنة.
3- بصائر الدرجات: 31، ذيل الحديث 4 ، ويأتي صدره في الحديث 4 من الباب 10 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.

[87] 5 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

إنّ هذه الجملة الشريفة تحتمل وجوهاً، نذكر منها وجهين؛ روماً للاختصار:

أحدهما: أنّ المراد: أنّ من نوى التقرّب إلى اللَّه حشر مع المقرّبين، ومن نوى التقرّب إلى الناس حشر مع الأشقياء المبعدين.

والثاني: أنّ المراد: أنّ من نوى في العبادات التي لها نفع دنيوي - كالسواك والخلال والخضاب والقيلولة والتزويج والكحل والطيب والتجمّل ونحوها - وجه اللَّه وامتثال أمره استحقّ أجراً عظيماً، وثواباً يصل إليه في القيامة، وربّما كان كفّارة للذنوب، ومن قصد بذلك نفع الدنيا فاته نفع الآخرة.

سند الحديث:

أبو عروة السلمي: لم يذكر في كتب الرجال، فهو مهمل. وعليه فالحديث ضعيف من هذه الجهة.

ص: 427


1- 1*) المحاسن 1 : 409 ، ح 929.

[88] 6 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) أَنَّهُ قَالَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»(1)1*).

[89] 7 - قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لامْرِى ءٍ مَا نَوَى»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

هذا الحديث مشهور، ورواه العامة أيضاً، بل ادّعي تواتره.

يدلّ الحديث على أنّ الإنسان إنّما يثاب على عمله بنيّته، فإن عمل عملاً بنية صالحة، يقصد بها وجه اللَّه تعالى، أثابه اللَّه على عمله، وإلّا فلا يثيبه عليه، ولم يكن له إلّا ما نواه، كما سيجي ء في الحديث العاشر.

سند الحديث:

الحديث مرسل، لكنّه حديث مشهور، فيمكن القول بقوّته حينئذٍ.

[7] - فقه الحديث:

إنّ الأعمال لمّا كانت قد تقع في الخارج بلا نيّة فيكون معنى الحديث:

ص: 428


1- 1*) تهذيب الأحكام 4 : 186 ، ح 518، ويأتي في الحديث 11 من الباب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته.
2- 2*) المصدر نفسه 1 : 83 ، ح 218، و ج4 : 186، ح519، ويأتي في الحديث 2 من الباب 1 من أبواب النية من كتاب الصلاة ، والحديث 12 من الباب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته.

أنّ الأعمال لا تكون قربية وشرعيّة إلّا بالنيّات. وهذا هو مدلول كلمة «إنّما» الدالة على الحصر، كما أنها تنفي ما عدا ذلك. وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «وإنّما لامرى ء ما نوى» دالّ مفهوماً على أنّه ليس للإنسان ما لم ينوه، فهو يفيد فائدة لم تحصل بقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنما الأعمال بالنيات»، وهذه الفائدة هي أن النيّة شرط لصحة العبادة، ووزانه وزان: إنّما لك عندي درهم، فإنّه دالّ على نفي أكثر من درهم له عندك. ونظيره: «إنّما الربا في النسيئة»،(1)

كما عن ابن عباس، و«إنّما الماء من الماء»(2).

ويحتمل أن يراد الأعم من العبادات المنوية فيشمل جميع الاعمال، ويكون مفاده: أن من نوى الجهاد مثلاً بخروجه كتب له ثواب الجهاد، ومن نوى بخروجه وجهاً آخر غير الجهاد - كإصابة الغنائم - لم يكتب له ثواب الجهاد، وكان نصيبه ما نواه من قصد الغنائم، وهكذا في غيره من الأعمال. فلو ضمّ إلى نيته الرياء مثلاً، أو كانت نيته فاسدة مجردة عن نيّة التقرّب فإن العمل يكون حراماً.

والحاصل: أن العمل تابع للنيّة، فمن كانت نيّته صالحة وفيها قصد التقرّب كان له الثواب وكان عمله صحيحاً، ومن لم ينو التقرّب أو خلط نيته بما ينافي نيّة التقرّب كان عمله محرماً وغير صحيح.

سند الحديث:

الكلام فيه كسابقه.

ص: 429


1- تهذيب الأحكام 1 : 84، ح219.
2- المصدر نفسه: ح220.

[90] 8 - وَفِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ الآتِي(1)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لِيَكُنْ لَكَ فِي كلّ شَيْ ءٍ نِيَّةٌ، حتّى فِي النَّوْمِ وَالأَكْلِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الترغيب في نيّة القُربة إلى الله تعالى في جميع الأعمال، فيستحبّ إيقاع جميع الأعمال - صغيرها وكبيرها - بداعي التقرّب إلى المولى جلّ وعلا. ومثّل له(صلی الله علیه و آله و سلم) بالنوم والأكل؛ فإنّه قد لا يتصوّر لأول وهلة إمكان جعلهما قُربيّين، وطريق جعلهما كذلك: أن ينوي بفعلهما - مثلاً - التقوّي على العلم والطاعة والعبادة.

سند الشیخ إلى أبي ذر

سند الحديث:

روى الشيخ الحديث في «المجالس»، بسنده إلى أبي ذر، وهو عن جماعة، عن أبي المفضل، عن رجاء بن يحيى العبرتائي، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن الفضيل بن يسار، عن وهب بن عبد اللَّه الهمداني، عن أبي حرب بن أبي الأسود

ص: 430


1- يأتي في الفائدة الثانية برقم 49 من الخاتمة.
2- الوصية المذكورة موجودة في أمالي الطوسي: 525، لكنها خالية من هذه القطعة ، ورواها الطبرسي ضمن الوصية في مكارم الأخلاق: 464 ، وعنه في البحار 82 : 77. وقال في جامع الأحاديث: «إن هذا لم يوجد فيما بأيدينا من النسخ». فالنسخة الموجودة عند صاحب «الوسائل» (رحمه الله) مشتملة على هذه القطعة.

الدؤلي، عن أبي ذر.

أمّا الجماعة: فهم - على ما في المجلس السادس عشر من «الأمالي»(1) - : الحسين بن عبيد اللَّه، وأحمد بن عبدون، وأبو طالب بن غرور(2)،

وأبو الحسن الصّقال(3)، والحسن بن إسماعيل بن أشناس.

تفسیر المراد بالجماعة في ستد الشیخ قدس سره

أمّا الحسين بن عبيد اللَّه: فهو الغضائري، وقد تقدّم.

وأما أحمد بن عُبْدُون: فقد قال عنه النجاشي: «أحمد بن عبد الواحد بن أحمد، البزّاز، أبو عبد اللَّه، شيخنا المعروف بابن عُبْدُون. له كتب...أخبرنا بسائرها، وكان قويّاً في الأدب، قد قرأ كتب الأدب على شيوخ أهل الأدب، وكان قد لقي أبا الحسن عليّ بن محمّد القرشي، المعروف بابن الزبير، وكان علواً (غلواً) في الوقت»(4) .

ص: 431


1- أمالي الطوسي: 445، ح955.
2- الموجود في أكثر النسخ عزور بالعين المهملة والزاي والواو والراء، وفي بعضها بالغين المعجمة والراءين بينهما واو، وفي بعضها بالعين والزاي والواو والراء، وفي بعضها بالعين المهملة والزايين بينهما واو. وبعضهم ضبطه بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي في التعليقة من مشايخ الشيخ، ذكره العلامة في إجازته للسادة أولاد زهرة، وغيره في غيرها، انتهى. وفي «الرياض» عدَّه العلامة في آخر إجازته لبني زهرة من مشايخ الشيخ الطوسي من الخاصة. ويظهر ذلك أيضاً من مطاوي «فهرست الشيخ». وفي ترجمة أحمد بن محمّد بن عمر بن موسى بن الجراح المعروف بابن الجندي، قال الشيخ: أخبرنا عن جميع كتبه أبو طالب بن عزور. وقد يعبر عنه الشيخ في «الفهرست» بابن عزور كما في ترجمة إبراهيم بن أبي رافع. ويروي عن ابن قولويه، انتهى (أعيان الشيعة 2 : 367).
3- في بعض النسخ: الصفّار
4- رجال النجاشي: 87/211.

وعدّه الشيخ في «رجاله» فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، قائلاً: «أحمد بن عبدون، المعروف بابن الحاشر، يكنّى أبا عبد اللَّه، كثير السماع والرواية، سمعنا منه، وأجاز لنا بجميع ما رواه سنة 423»(1).

وهو ثقة؛ لأنّه من مشايخ النجاشي.

وأمّا أبو طالب بن غرور: فقد قال الشيخ الحرّ في «أمل الآمل»: « أبو طالب بن غرور، عدّه العلّامة من مشايخ الشيخ الطوسي من الخاصّة»(2)

وقال الصفدي في «الوافي بالوفيات»: «أبو طالب الحسين بن عليّ بن محمّد بن غَزْوَر الأنماطي. ثمّ أورد عدّة أبيات من شعره، وقال: شعر جيّد في التوسط، وهو من تاجرٍ كثيرٌ، وكان شعره كثيراً إلى الغاية»(3)

وأما أبو الحسن الصفّار: فالصحيح هو أبو الحسن الصقّال؛ طبقاً لما جاء في النسخة القديمة من «الأمالي»، والنسخة القديمة من «بشارة المصطفى»، وقد صُحّح في الطبعة الجديدة، واسمه - على ما في «بشارة المصطفى» - محمّد بن الحسين، المعروف بابن الصقّال(4)

وأمّا الحسن بن علي: فهو الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن أشناس.

قال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «الحسن بن عليّ بن أشناس،

ص: 432


1- رجال الطوسي: 413/5988.
2- أمل الآمل 2 : 354/ 1100.
3- الوافي بالوفيات 9 : 76/684.
4- عن مقدمة الفهرست للسيد عبد العزيز الطباطبائي: 74.

كان عالماً، فاضلاً، وثّقه السيد عليّ بن طاووس في بعض مؤلّفاته»(1) .

وأمّا أبو المفضّل: فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد اللَّه بن البُهْلول بن هَمّام بن المطّلب بن هَمّام بن بحر بن مطر بن مُرّة الصغرى بن هَمّام بن مُرّة بن ذُهْل بن شَيْبان، أبو المفضّل، كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، وكان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلّط، ورأيت جُلّ أصحابنا يغمزونه، ويضعّفونه، له كتب كثيرة»(2)

وقال الشيخ: «كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا»(3).

وأمّا رجاء بن يحيى العَبَرتائي: فقد قال النجاشي عنه: «رجاء بن يحيى بن سامان، أبو الحسين، العبرتائي، الكاتب»(4) .

وقال الشيخ في «رجاله» في أصحاب الهادي (علیه السلام) : «رجاء العَبَرْتائي بن يحيى، يكنّى أبا الحسين، روى عنه أبو المفضّل محمّد بن عبد اللَّه بن المطّلب الشيْباني، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا»(5).

وقال السيد الأستاذ (قدس سره) : «وقع الرجل في طريق النجاشي إلى محمّد بن الحسن بن شَمُّون، وقال النجاشي: إنه طريق مظلم»(6)

ص: 433


1- معجم رجال الحديث 6 : 29/2948.
2- رجال النجاشي: 396/1059.
3- فهرست الطوسي: 216/610.
4- رجال النجاشي: 166/439.
5- رجال الطوسي: 387/5695.
6- معجم رجال الحديث 8 : 186.

بحث رجالي في محمّد بن الحسن بن شَمّون

وأمّا محمّد بن الحسن بن شَمّون: فقد قال عنه النجاشي: «أبو جعفر، بغدادي، واقف، ثمّ غلا، وكان ضعيفاً جدّاً، فاسد المذهب، وأضيف إليه أحاديث في الوقف، وقيل فيه»(1).

وقال عنه الشيخ: «محمّد بن الحسن بن شَمُّون، غال، بصري»(2)

ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة»(3).

ويمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق: بأنّ الضعف في مذهبه؛ ويؤيّده: ما ورد عن النجاشي: أنّ آل الرضا (علیه السلام) مولانا أبا جعفر وأبا الحسن وأبا محمد (علیهم السلام) يعولونه، ويعولون أربعين نفساً كلهم عياله(4)

ووردت بعض الروايات المادحة فيه(5).

وأمّا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي: فقد قال عنه النجاشي: «بصري، ضعيف، غال، ليس بشي ء، روى عن مسمع كردين وغيره، له كتاب المزار، سمعت ممّن رآه فقال لي: هو تخليط، وله كتاب الناسخ والمنسوخ»(6)

ص: 434


1- رجال النجاشي: 335/899.
2- رجال الطوسي: 402/5903.
3- أصول علم الرجال 1 : 236.
4- رجال النجاشي: 336/899 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 814/ 1018.
6- رجال النجاشي: 217/566.

ولكنه ورد في «النوادر»(1)

، فيأتي فيه الجمع المتقدّم في محمّد بن الحسن بن شَمُّون، وتكون النتيجة وثاقته.

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد تقدّم فيما سبق.

وأمّا وهب بن عبد اللَّه الهمداني: فلم يذكر في كتب الرجال، وفي «المستدركات»: «وهب بن عبد اللَّه بن أبي داود الهنابي»(2)، فالرجل مهمل.

وأمّا أبو حرب: فلم يذكر بشي ء سوى أنّه من أصحاب أبي عبد اللَّه الحسين (علیه السلام) (3).

نعم، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من قراء أهل البصرة، وقال: كان معروفاً وله أحاديث. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عبد البر في الكنى: «هو بصري ثقة»(4).

وأمّا أبوه أبو الأسود: فقد قال عنه الشيخ: «ظالم بن ظالم، وقيل: ظالم بن عمرو، يكنّى أبا الأسود، الدؤلي»(5).

وذكره في أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين والسجاد (علیهم السلام) (6) .

ولكن يظهر من سيرته: أنّه من الصلحاء الأخيار، وأنه من شيعة أمير

ص: 435


1- أصول علم الرجال 1 : 228 .
2- مستدركات علم رجال الحديث 8 : 114/15753.
3- رجال الطوسي: 106/1056.
4- تهذيب التهذيب 12 : 61.
5- رجال الطوسي: 70/636.
6- المصدر نفسه: 70/،636 و94/938، و102/996، و116/1168.

المؤمنين علي (علیه السلام) ، استعمله ابن عبّاس مكانه بالبصرة حين طلبه أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وهو واضع علم النحو بتعليم من أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ووثّقه يحيى بن معين، والعجلي، وابن حبّان، وابن حجر، والذهبي(1)

وأمّا أبو ذر(رضی الله عنه): فقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري، رضي الله عنه، أحد الأركان الأربعة»(2)، وهو أحد الثلاثة الذين لم يرتدّوا بعد رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو من حواري رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وقد قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) في حقّه: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ويدخل الجنّة وحده»(3)، وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ووصاية رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) واستخلافه إيّاه، وهو من الأربعة الذين أمر رسول اللَّه بحبّهم، ومن السبعة الذين بهم يرزق أهل الأرض، ومن الثلاثة الذين حلقوا رؤسهم للقتال دفاعاً عن أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد ارتداد الناس، وخذلانهم له (علیه السلام) ، وكان من أصفيائه (علیه السلام) ، ومن شرطة الخميس.

وقد ورد: أنّ من جملة كرامته على اللَّه: أنّ الوصائف اللاتي نزلن على فاطمة÷ من الجنّة كانت إحداهن لأبي ذر(4).

ص: 436


1- الكنى والألقاب 1 : 9 -11، والأعلام لخير الدين الزركلي 3 : 236، والوافي بالوفيات 11 : 342، والبداية والنهاية 8 : 343، والإجابة 3 : 455، وسير أعلام النبلاء 4 : 82 .
2- فهرست الطوسي: 95/160.
3- بحار الأنوار 22 : 398، باب 12 ، كيفيّة إسلام أبي ذر.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 99 وما بعدها، ومعجم رجال الحديث 5 : 139 - 143/2393.

[91] 9 - وَعَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ محمّد بْنِ عليّ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لا حَسَبَ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَلا كَرَمَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَلا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

يستفاد من قوله (علیه السلام) : «لا حسب إلّا بالتواضع» أنّ ما يعدّه المرء من مفاخر الآباء وشرفهم ومكانتهم أو المال أو غير ذلك لا يكون ذا أثر إلّا بالتواضع، فلا حسب يثبت ويكون ذا أثر ظاهر إلّا إذا كان صاحبه متحلّياً بالتواضع، وإلّا زال أثر تلك المفاخر، بل تبدلّت - مع الكِبر - إلى ضدّها، وهو القبح.

وأمّا «لا كرم إلّا بالتقوى» فمعناه: أنّه لا يتّصف المرء بكونه كريماً عند اللَّه إلّا إذا توفّرت فيه صفة التقوى، فهي مدار الكرامة، فمن اتّقى كان كريماً عند اللَّه؛ لأنّ التقوى مجمع الخيرات، وأصل الطاعات؛ قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ}(2)

وأمّا «لا عمل إلّا بنيّة» فقد مضى الكلام فيه.

ص: 437


1- أمالي الطوسي: 590، مجلس 25، ح1223.
2- الحجرات، الآية 13.

سند الحديث:

قد رواه الشيخ عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن حنظلة بن زكريا، عن محمّد بن عليّ بن حمزة العلوي، عن أبيه.

أمّا الجماعة الراوون عن أبي المفضّل، فقد تقدّموا معه في سند الحديث السابق.

وأمّا حنظلة بن زكريا: فقد قال عنه النجاشي: «حنظلة بن زكريا بن حنظلة بن خالد بن العَيّار، التميمي، أبو الحسن، القزويني، لم يكن بذلك»(1).

وقال الشيخ في «رجاله»: «يكنّى أبا الحسين، خاصّي»(2)

وأمّا محمّد بن عليّ بن حمزة: فقال عنه النجاشي: «محمد بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللَّه بن العباس بن عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، أبو عبد اللَّه، ثقة، عين في الحديث، صحيح الاعتقاد...، له كتاب: «مقاتل الطالبيين»(3)

وأمّا أبوه عليّ بن حمزة: فقال عنه النجاشي: «علي بن حمزة بن الحسن بن عبيداللَّه بن العباس بن عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، أبو محمد، ثقة، روى وأكثر الرواية»(4)

ص: 438


1- رجال النجاشي: 147/380.
2- رجال الطوسي: 423/6095.
3- رجال النجاشي: 347/938.
4- المصدر نفسه: 272/714.

[92] 10 - وَعَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُوسَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ محمّد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عليّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ محمّد وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، هَذَا عَنْ أَخِيهِ، وَهَذَا عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِى ءٍ مَا نَوَى. فَمَنْ غَزَا ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ غَزَا يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا أَوْ نَوَى عِقَالاً لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مَا نَوَى»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على اعتبار النية في صحّة العمل، كما تقدّم في الحديث السابع، وأنّ الأعمال مرهونة بالنيّات، فمن أتى بالعمل خالصاً للَّه فله أجره

ص: 439


1- أمالي الطوسي: 618، ح1274، باختلاف في السند والمتن.
2- يأتي في: أ - الحديثين 1و5 من الباب 6 من هذه الأبواب. ب - الباب 1 من أبواب النية من كتاب الصلاة. ج - الباب 56 من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة. د - الأحاديث 11و12و13 من الباب 2 من أبواب وجوب الصوم. ه- - الحديث 5 من الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

من اللَّه عزّوجلّ، ومن أتى به مجرّداً عن نيّة التقرّب أو ضمّ إليها ما ينافيها فإنّه يُحرم من أجر ذلك العمل، ويكون نصيبه ما نواه فحسب. وعليه فمن نوى بغزوه طلب ما عند اللَّه عزّوجلّ أعطاه اللَّه أجر جهاده على قدر إخلاصه.وأمّا من نوى بغزوه متاع الدنيا وحطامها أو نوى عقالاً - وهو زكاة عام من الإبل والغنم، ويطلق على الحبل الذي تشد به ركبة البعير(1)

- فقد حرم نصيبه من ثواب المجاهدين، ولم يكن له إلّا ما نواه من حطام الدنيا الزائل.

وهذا هو الظاهر من الحديث، وبه استظهر السيد الأستاذ (قدس سره) معنى النيّة، وأيّده بما جاء فيه من التعبير بالجمع؛ حيث إنه (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «الأعمال بالنيّات»؛ للدلالة على أنّ الدواعي مختلفة، فقد تكون حسنة، وقد تكون سيّئة، وقد لا تكون حسنة ولا سيّئة. فالأعمال بالنيّات؛ لأنّ الأفعال مختلفة بحسب اختلاف الدواعي(2).

مناقشة السید الأستاذ قدس سره في معانی الحدیث العاشر

وما ذكره (قدس سره) هو الأظهر في معنى الحديث، إلّا أنّ فيه:

أولاً: أنّ ما ذكره هنا في معنى النية وأيّده بالتعبير بالجمع في النيّات لا يلزم منه أن يكون معنى قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «لا عمل إلّا بنية» ذلك أيضاً.

وثانياً: أنّ ما ذُكر من دواعي الخير أو الشرّ إنّما هو من باب ذكر المصداق

ص: 440


1- الصحاح 5 : 1770 - 1771، مادة: «عقل».
2- التنقيح (موسوعة الامام الخوئي) 5 : 413.

للنية الكليّة، وقصد الفعل بداعي التقرّب أعمّ من داعي الخير ونحوه.

سند الحديث:

رواه الشيخ عن الجماعة التي تقدمت في سند الحديث الثامن عن أبي المفضّل، الذي تقدّم ذكره أيضاً، عن أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوي، عن أبيه، عن إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن محمد، عن عليّ بن جعفر بن محمّد وعلي بن موسى بن جعفر.

أمّا أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوي: فلم يذكر بشي ء في كتب الرجال.

وأبوه إسحاق بن العباس بن إسحاق الموسوي المهلوس: مثله.

وأمّا إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمد: فقد قال عنه النجاشي: «إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين، ثقة، روى عن جدّه إسحاق بن جعفر، وعن عمّ أبيه عليّ بن جعفر صاحب المسائل»(1)

وأمّا عليّ بن جعفر بن محمد: فقد تقدّم.

وعليه فسند هذا الحديث غير معتبر بعدة مجاهيل.

والحاصل: أنّ في هذا الباب عشرة أحاديث، أربعة منها معتبرة، وستة ضعيفة سنداً. ويمكن تصحيح الحديث السادس والسابع بالمباني المتقدّمة، بل

ص: 441


1- رجال النجاشي: 29/60.

يمكن قبول الجميع على بعض المباني؛ لموافقتها لبقيّة الروايات على الأقلّ.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: اعتبار النيّة في العبادات الواجبة.

ومنها: اعتبار النيّة في المستحبّات أيضاً.

ومنها: أنّ قصد القربة في المباحات يوجب حصول الثواب على فعلها.

ومنها: أنّ الناس يحشرون على نيّاتهم في يوم القيامة.

ومنها: أنّ النيّة والقول والعمل كالعدم إذا لم توافق أوامر اللَّه سبحانه وتعالى. وموافقتها لأوامر اللَّه منوطة باتّباع حججه المنصوبين من قبله، وهم أئمّة الهدى صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

ص: 442

6 - باب استحباب نية الخير والعزم عليه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب استحباب نيّة الخير والعزم عليه

شرح الباب:

لمّا كان الغرض الأصلي من العمل بالجوارح في العبادات هو: تأثّر القلب بذلك العمل - لما بين القلب والجوارح من الارتباط - بالميل إليه سبحانه وتعالى، وإيثاره على ما سواه، والانصراف عن غيره له جلّ وعلا، ورد الحثّ الأكيد على لزوم النيّة وتخليصها من الشوائب، وإلّا فإنّ الأعمال الجوارحيّة بأنفسها لا يتعلّق غرض التكليف بها منفردة، كما لا توجب الوصول والزلفى إليه جلّ شأنه لوحدها؛ فإنّ السجود - مثلاً - لم يقصد من التكليف به في الصلاة وغيرها: وضع الجبهة على الأرض فحسب، بل أمر به؛ لأنّ فيه تأكيداً لصفة التواضع في القلب؛ ولأنّه يؤثر في إظهار العبوديّة المقرّبة إليه سبحانه كمال التأثير.

ويمكن أن يستفاد ذلك من قوله سبحانه وتعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}(1)؛ إذ كان العرب في الجاهليّة يلطّخون حيطان الكعبة المشرّفة بدماء القرابين التي يتقربون بها لأوثانهم، فلمّا حجّ المسلمون همّوا بمثل ذلك، فنبّههم اللَّه إلى أنّ المقصود من تقديم

ص: 443


1- الحج، الآية 37.

القربان للَّه عزّوجلّ ليس اللحوم ولا الدماء، ولا أنّ المقصود: أنّهما ممّا يوجب قربه ورضاه سبحانه، وإنمّا الموجب للقربة إليه هي التقوى، التي هي من أفعال القلب، فإن حصلت نتيجة العمل فبها ونعمت، وإلّا لم يكن العمل منتجاً للغرض من تشريعه؛ ومن ثمّ أضيفت التقوى إلى القلوب في قوله عزّوجلّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(1)

والمراد: بذلها إيثاراً لوجه اللَّه تعالى، وهو الغرض المقصود من تشريع القربان.

وهذا التأثّر المطلوب قد يحصل عند الجزم بالنيّة والهمّ بالعمل من العبد، وإن عاق عن العمل عائق. وإنّما يكون الإتيان بالعمل المراد من قبل اللَّه سبحانه وتعالى مؤكّداً ومرسخاً لهذا الميل، فالأصل القصد والنيّة، والعمل - بعد ذلك - تابع.

وتوجد شواهد متعدّدة على أنّ الأصل هو النيّة، والعمل يتبعها في الحكم، منها: أنّ المجامع لامرأته بقصد أنّها غيرها مأثوم، وفي حكم الزاني، بخلاف المجامع غيرها على قصد أنّها امرأته، فإنّه لا إثم عليه. فالنيّة قلبت الحلال حراماً، والحرام حلالاً، بل هي تصيّر الفعل الواحد طاعةً تارة، ومعصية أخرى، كضرب اليتيم للتأديب، فإنّه يكون طاعة، بخلاف ضربه للتعذيب؛ إذ يكون معصية، مع أنّه فعل واحد.

ص: 444


1- الحج، الآية 32.

ولذا ورد التأكيد على نيّة الخير والعزم على الخير(1)،

وإن لم يوفّق للعمل به لعائق؛ فإن النيّة أفضل من العمل.

الأقوال:

الظاهر اتّفاق الخاصة والعامة على استحباب نيّة الخير والعزم عليه، بلا خلاف منهم فيه.

أمّا الخاصة: فلما ورد من الروايات المستفيضة في هذا المعنى، والتي مرّ بعضها، وسيأتي بعضها الآخر في تضاعيف الكتاب.

وأمّا العامة: فكذلك؛ فقد صرّح شرّاح الصحاح والمسانيد في مواضع مختلفة باستحباب نيّة الخير، المستفاد من كثير من الروايات، كرواية: «من طلب الشهادةَ صادقاً أُعْطِيَهَا، ولو لم تُصِبْه» المذكورة في «صحيح مسلم»(2)

وشروحه، ورواية «من سأل اللَّه الشهادة بصدق بلَّغه اللَّهُ منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»(3).

قال المازري: «وفيهما دلالة على أنّ من نوى شيئاً من أفعال البّر ولم يفعله لعذر، كان بمنزلة من عمله، وعلى استحباب طلب الشهادة، ونيّة الخير».

ص: 445


1- راجع روايات هذا الباب في وسائل الشيعة 6 : 49 - 56، باب استحباب نيّة الخير والعزم عليه.
2- صحيح مسلم: 966، ح4822.
3- المصدر نفسه، ح4823.

[93] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ، ارْزُقْنِي، حتّى أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْبِرِّ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقِ نِيَّةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَهُ لَوْ عَمِلَهُ؛ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد صرّح بذلك جماعة من علمائهم، حتّى قال الآبي: «لو لم ينوه كان حاله حال المنافق، لا يفعل الخير ولاينويه. وقيل: «مرّ رجل من بني إسرائيل - سنة القحط - على جبل من الرمل، فقال: لو كان حنطة لأنفقته على الفقراء. فأوحى اللَّه إلى رسول ذلك العصر، أن يقول له: إنّ اللَّه قبل صدقتك، وأعطاك أجر إنفاقه لو كان حنطة»(3)

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ المؤمن الفقير إذا قال بلسانه أو بقلبه: يا ربّ، ارزقني؛ حتّى أفعل كذا وكذا من أمور البّر ووجوه الخير، ولا يشترط أن

ص: 446


1- الكافي 2 : 85، باب النيّة، ح 3.
2- المحاسن 1 : 407 ، ح 924.
3- راجع: شرح مسلم للنووي 13 : 55، والأذكار النووية: 207، وبحار الأنوار 76 : 199.

يقول هذا اللفظ، بل يكفي إخطار هذا المعنى في النفس، أو إبرازه بأيّ لفظ اتّفق، فإنّ اللَّه عزّوجلّ إذا علم منه صدق النيّة، وأنّ هذه الأمنية غير كاذبة، وأنّه إذا رزقه من فضله وفى بما وعد به من الخير، كتب اللَّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمل العمل المنوي؛ فإنّه تعالى شأنه واسع الفضل والعطاء، وهو كريم بذاته، ولا بخل في ساحة قدسه.

والنيّة لمّا كانت من الأفعال الاختيارية - وإن كانت فعلاً قلبيّاً - فإنّه يترتّب عليها الثواب، كما وقع التصريح بذلك في هذا الحديث وغيره. فإذا تمكّن العبد من الإتيان بالعمل معها فله ثواب آخر، وأمّا إذا لم يتمكّن لمانع، كعدم قدرة، أو ضيق الوقت أثيب على مجرّد عزمه المتقدّم.

فترتّب الثواب على النيّة مشروط بعدم التقصير في العمل، بمعنى: أنّ عدم تحقّق العمل مستند إلى وجود المانع في البين، لا إلى تقصير العبد، وإلّا لم يثب على مجرّد النيّة، ولذلك قيّد بالفقير؛ فإنّه غالباً لا يتمكّن من العبادات الماليّة، ولا يشمل الحديث الغني الذي يتمكّن من العمل، ومع ذلك لا يعمل.

وبهذا يتضح: أنّ العمل بعد تحقّق النيّة وترتب الثواب عليها ليس لغواً، كما أنّ ثواب العمل مع النيّة معاً ليس كثواب النيّة المجردة عن العمل لمانع.

ويمكن أن يقال بوجه آخر في المقام حاصله: أنّ ثواب النيّة المجردة عن العمل لمانع كثواب النيّة مع العمل بلا مضاعفة، وأمّا إذا اقترنت النيّة

ص: 447

بالعمل، فيضاعف عشرة أمثال أو أكثر، ولا يلزم المحذوران السابقان.

ويؤيد هذا: ما سيأتي في الحديث السادس من هذا الباب وغيره، من أنّ اللَّه جعل لآدم في ذرّيته: أنّ من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة وعملها كتبت له عشراً.

قال الشيخ البهائي (قدس سره) : «هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيراً لقوله (علیه السلام) : نيّة المؤمن خير من عمله؛ فإنّ المؤمن ينوي كثيراً من هذه النيّات، فيثاب عليها، ولا يتيسّر العمل إلّا قليلاً»(1)

سند الحديث:

روي هذا الحديث بسندين: أحدهما عن «الكافي»، والآخر عن «المحاسن».

أمّا سند «الكافي»: فجميع من فيه قد تقدّموا فيما سبق، وهو صحيح.

وأمّا سند «المحاسن»: فحكمه حكم سند «الكافي».

ص: 448


1- نقله عنه في البحار 67 : 200، ب53، ح4، ومرآة العقول 8 : 102، ح3.

[94] 2 - وَعَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ(1) الْحُسَيْنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ حَسَنِ ابْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ حَدِّ الْعِبَادَةِ الَّتِي إِذَا فَعَلَهَا فَاعِلُهَا كَانَ مُؤَدِّياً؟ فَقَالَ: «حُسْنُ النيَّةِ بِالطَّاعَةِ»(2).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على أن حدَّ العبادة الصحيحة المقبولة إنّما هو بالنيّة الخالصة غير المشوبة بما يصرفها عن وجه اللَّه عزّوجلّ، والمطهّرة عن جميع النقائص، وهي الموصوفة بالحُسن في هذا الحديث.

ولعل المراد بالطاعة: كلّ أمر يطاع اللَّه به، فيكون المعنى: أنّ حدّ العبادة التي تكون به العبادة عبادة هي تزكية نيّة العبادة عن جميع النواقص، وتصفيتها عن جميع الوجوه والمقاصد غير وجه اللَّه سبحانه وتعالى.

كما يمكن أن يراد بالطاعة: طاعة الإمام المعصوم (علیه السلام) ، فالمعنى: أنّ حدّ العبادة التي إذا فعلها العبد كان مؤدّياً لها وكانت صحيحة مقبولة هي الإقبال على العبادة بإخلاص، مع طاعة الإمام؛ باعتبار أنّ طاعة المعصوم هي

ص: 449


1- كذا في الأصل، وفي الوافي: «عن»، وفي المصدر: «بن الحسين عن عمرو».
2- الكافي 2 : 85، باب النيّة، ح 4.
3- المحاسن 1 : 407 ، ح 925 بسند آخر.

الأساس في قبول العبادات، بل لا تكون العبادات صحيحة إلّا بالأخذ عنه، ولا شرعية إلّا بإمضائه (علیه السلام) .

وسيأتي في الحديث الثالث عشر: أنّ العبادة هي: حسن النية بالطاعة، من الوجه الذي يطاع اللَّه منه، أو الذي أمر به، وفيه إشارة لما ذكرنا.

سند الحديث:

روى المصنّف (قدس سره) هذا الحديث بسندين أيضاً: أحدهما عن «الكافي» والآخر عن «المحاسن».

أمّا سند «الكافي» ففيه:

محمّد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو: وفي طبعة «الكافي»: محمّد بن إسحاق بن الحسين، عن عمرو، عن الحسن بن أبان، وفي «الوافي»(1): محمّد بن إسحاق، عن الحسين بن عمرو. وكيف كان فلم يرد فيه شي ء.

وفيه أيضاً: الحسن بن أبان: ولم يرد فيه شيء، غير أنّ الحسين بن سعيد نزل عنده في بيته؛ قال الشهيد (قدس سره) : «إنّ هذا يدلّ على جلالته»(2)،

وهو ممنوع كما ترى.

فالسند ضعيف، لكن يمكن القول باعتباره؛ لوجوده في كتاب «الكافي».

ص: 450


1- الوافي 4 : 368/ 72137.
2- جامع الرواة 1 : 188، ومعجم رجال الحديث 4 : 273.

[95] 3 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَنِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ، وَكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الإشكال علی حدیث نية المؤمن خیر من عمله بإشكالین

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث متّفق عليه بين الخاصة والعامة، وقد جاء بلفظ «أفضل من عمله»(3)،

وفي حديث آخر: «أبلغ من عمله»(4).

والسر في ذلك: أنّ نفع العمل - وهو: استحقاق الثواب، أو سقوط العقاب، أو كلاهما - متوقّف عليها ابتداءً واستدامة، دون العكس؛ فإنّ النيّة وحدها نافعة، كما سبق في الحديث الأول، وسيأتي في الحديث السادس عشر: «إنّ العبد لينوي من نهاره أن يصلّي بالليل، فتغلبه عينه فينام، فيثبت اللَّه له صلاته، ويكتب نفسه تسبيحاً، ويجعل نومه عليه صدقة».

ولكن أشكل على هذا الحديث بإشكالين:

ص: 451


1- الكافي 2 : 84، باب النية ، ح 2.
2- المحاسن 1 : 405 ، ح 919.
3- علل الشرائع 2 : 524، ب301، ح2 ، وسيأتي هنا في الحديث ح17.
4- أمالي الطوسي: 454، ح1014، وسيأتي هنا في الحديث 22.

أحدهما: أنّه كيف تكون النيّة أفضل من العمل، مع أنّ العمل هو المتضمّن للتعب والمشقّة، وقد ورد: «أن أفضل العبادة أحمزها»(1)، أي: أكثرها مشقّة، فالعمل أحمز من النيّة، فكيف يكون مفضولاً؟ وروي أيضاً: «أنّ المؤمن إذا همَّ بحسنة كتبت واحدة، فإذا فعلها كتبت عشراً»(2)،

وهذا صريح في أنّ العمل أفضل من النيّة. مضافاً إلى أنّ العمل هو المقصود بالأصالة، وبه يتعلّق البعث المولوي، والنيّة من التوابع. مع أنّ مدح العاملين والعابدين والمصلّين والراكعين والساجدين ونحوهم مبنيّ على العمل.

الثاني: أنّه روي: أنّ النيّة المجردة لا عقاب فيها، فكيف تكون شرّاً من العمل؟

وقد أجيب عنهما بأجوبة متعدّدة،تصل إلى أكثر من اثني عشر وجهاً، وأحسنها: ما ورد في أحاديث الباب نفسها، ويمكن تلخيصها كما يلي:

الجواب عن الإشكالین بوجوه

الجواب الأول: أنّ نيّة المؤمن هي: اعتقاده الحق وإطاعة الربّ لو حصل له الخلود في الدنيا. وهذه النيّة منه خير من عمله؛ إذ ثمرتها الخلود في الجنّة، بخلاف عمله، فإنّه لا يوجب الخلود فيها. ونيّة الكافر هي: اعتقاده الباطل ومعصية الربّ لو حصل له الخلود في الدنيا، وهي شرّ من عمله؛ إذ ثمرتها الخلود في النار، بخلاف عمله. وقد ورد ذلك في الحديث الرابع.

ص: 452


1- الفروق للقرافي: 3 ، ح 2، ورواه المحقق الحلي بلفظ : «أفضل العبادات أحمزها»، في معارج الأصول: 215.
2- انظر الحديث: السادس والسابع والثامن من هذا الباب.

الجواب الثاني: أنّ المؤمن قد ينوي القيام بأفعال الخير ووجوه البّر، ممّا يكون خارجاً عن قدرته، فيثاب عليها بدون عمل. فنيّته - بهذا الاعتبار - خير من عمله؛ لأنّ ثوابها أكثر من ثوابه.

والكافر ينوي شروراً كثيرة، لا يقدر على القيام بها، فنيّته شرّ من عمله. وقد ورد ذلك في الأحاديث: السادس عشر والسابع عشر والثاني والعشرين.

الجواب الثالث: أن النيّة المعتبرة شرعاً لا يكاد يدخلها الرياء، بخلاف العمل، فإنّه يَعرُضه الرياء، كما ورد في الحديث الخامس عشر. ولا ريب في أنّ ما لا يدخله الرياء أفضل ممّا يدخله.

وإذا قيل: إنّ العمل وإن كان معرضاً للرياء، إلّا أنّ المراد به: العمل الخالي عن الرياء، وإلّا لم يقع التفضيل بينه وبين النيّة.

قلنا: إنّ التفضيل من بعض الجهات كافٍ في المقام.

الجواب الرابع: أنّ طبيعة نيّة المؤمن خير من عمله، كما أنّ طبيعة نيّة الكافر شرّ من عمله؛ وذلك لأن نيّة المؤمن لا يترتّب عليها عقاب أصلاً؛ فإنّها إن كانت خيراً أثيب عليها، وإن كانت شرّاً كان وجودها كعدمها، بخلاف العمل، فإنّ من يعمل مثقال ذرّة خيراً أثيب عليه، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً عوقب عليه، إلّا أن يستغفر ويتوب إلى اللَّه عزّوجلّ. فعلى هذا تكون نيّته خيراً من عمله.

وهذا بخلاف الكافر، فإنّ نيّته شرّ من عمله؛ لأن نيّة الشر يعاقب عليها ولا يعفى عنها. ومن المعلوم: أنّ نيّته من الشر، ومن الشرك والأعمال الفاسدة، أكثر من عمله، فتكون نيّته شراً من عمله. ويدل على ذلك ما في الحديث الرابع.

ص: 453

[96] 4 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ؛ لأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا: أَنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللَّهَ أَبَداً. وَإِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ؛ لأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا: أَنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ أَبَداً. فَبِالنِّيَّاتِ خُلِّدَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ»، ثمّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ كلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ}(1)، قَالَ: «عَلَى نِيَّتِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

روي الحديث بسندين: أولهما عن «الكافي»، وهو معتبر، وثانيهما عن «المحاسن»، وهو كسابقه.

[4] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث وأمثاله: أنّ المدار في الأعمال على النيّة التابعة للحالة التي اتّصفت بها النفس، سواء كان ما اتّصفت به من نوع العقائد، أو من نوع الأخلاق. وهذان النوعان ينقسمان إلى حسن وقبيح، والناس متّصفون بأحدهما لا محالة.

فإذا كانت النفس متوطّنة على العقائد الثابتة والأخلاق الحسنة - بحيث

ص: 454


1- الإسراء، الآية 84.
2- الكافي 2 : 85، باب النيّة، ح 5.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْقَاسَانِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ محمّد مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

صارتا راسختين - فإنّ الأعمال الصالحة الكاملة حينئذ لا تتخلّف عنها، حتّى لو فرض أنّ صاحب هذه النفس بقي في الدنيا أبداً، وعليه فيستحقّ الخلود في الجنّة بهذه الشاكلة والحالة.

وإذا كانت النفس قائمة على العقائد الباطلة والأخلاق القبيحة، فإنّه لو بقي صاحبها في الدنيا أبداً لعصى اللَّه تعالى دائماً. فهو إنّما استحقّ الخلود في النار بتلك الشاكلة(3)،

لا بالأعمال التي لم يعملها في حياته الدنيويّة. فلا يرد على ما ذكرنا: أنّه منافٍ للأخبار الواردة في أنّه «مَن هَمّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه»(4).

معاني النية ، و تفسیر الشاكلة

مع أنّه يمكن حمل تلك الأخبار النافية لكتابة السيّئة إذا لم يعملها على ما إذا لم تصر شاكلةً له، ولم تكن بحيث علم اللَّه أنّه لو بقي في الدنيا لأتى بها.

ص: 455


1- المحاسن 2 : 56 ، ح 1165.
2- علل الشرائع 2 : 523 ، ح 1.
3- أي: السجيّة والطبع .
4- الكافي 2 : 428، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة، ح2.

سند الحديث:

روي الحديث بثلاثة أسانيد:

السند الأول: ما عن «الكافي»، وفيه:

القاسم بن محمد: وهو مشترك بين القاسم بن محمّد الجوهري والقاسم بن محمّد الأصفهاني، الملقّب بكاسولا، وكلاهما يرويان عن سليمان بن داود المنقري، ويروي عنهما إبراهيم بن هاشم.

ويمكن تمييز الجوهري: بروايته عن الحسين بن أبي العلاء، وكليب بن معاوية الأسدي، ورومي بن زرارة، وحريز بن عبد اللَّه، وعبد الصمد بن بشير، وأبان بن عثمان، ومن كان في طبقتهم، وبرواية الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي عنه.

ويختصّ الأصفهاني عن الجوهري: برواية سعد بن عبد اللَّه، وأحمد بن أبي عبد اللَّه عنه؛ فإنّهما لم يرويا عن الجوهري. وعلى كلّ حال لم يرد في حقّهما شي ء.

ولكن قد ورد هذا العنوان في«نوادر الحكمة» وفي «تفسير عليّ بن إبراهيم»، وروى عنه المشايخ الثقات(1) ، فيكون ثقة.

والظاهر أنّ القاسم بن محمّد الجوهري هو الذي روى عنه المشايخ الثقات. ولكن الظاهر أنّ المراد به هنا هو الأصفهاني؛ لرواية سعد بن عبدالله

ص: 456


1- أصول علم الرجال 1 : 234 ، 286، و ج2 : 206 .

عنه في سند الصدوق في «العلل».

وفيه - أيضاً - : المنقري، وأحمد بن يونس، وأبو هاشم.

أمّا المنقري: فهو سليمان بن داود المنقري، قال عنه النجاشي: «ليس بالمتحقّق بنا، غير أنّه روى عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمد (علیه السلام) ، وكان ثقة»(1) .

وورد في كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير عليّ بن إبراهيم»(2) ، فيكون ثقة.

وأمّا أحمد بن يونس: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا أبو هاشم: فهو مجهول، وليس هو الجعفري داود بن القاسم؛ لأنّه من أصحاب الرضا والجواد (علیهما السلام) ، وكان أبوه يروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

وعليه فالسند غير معتبر.

ويمكن القول باعتباره؛ بناءً على صحّة روايات «الكافي».

والسند الثاني: ما عن «المحاسن» للبرقي، وفيه:

عليّ بن محمّد القاساني: قال عنه النجاشي: «كان فقيهاً، مكثراً من الحديث، فاضلاً، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسى، وذكر: أنّه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما يدل على ذلك»(3).

ص: 457


1- رجال النجاشي : 184/488.
2- أصول علم الرجال 1 : 224 و281 .
3- رجال النجاشي: 255/669.

[97] 5 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : «وَالنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ. أَلا وَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ» ثمّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: «{قُلْ كلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ}(1) يَعْنِي: عَلَى نِيَّتِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ، وقال: «ضعيف، أصبهاني»(3)

، ولكنه ورد في كتاب «نوادر الحكمة»(4).

ويمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه: بأن يحمل الضعف على ضعفه في مذهبه، والتوثيق على توثيقه في حديثه. ومع هذا فالسند ضعيف.

والسند الثالث: ما عن كتاب «علل الشرائع»، ورجاله قد تقدّموا بأجمعهم، وحاله حال السند الأول.

[5] - فقه الحديث:

تطلق النية على ثلاثة معانٍ:

أحدها: إرادة إيقاع الفعل.

ص: 458


1- الإسراء، الآية 84 .
2- الكافي 2 : 16، باب الإخلاص، ح 4، وأورد قطعة منه في الحديث 4 من الباب 8 من أبواب مقدمة العبادات.
3- رجال الطوسي: 388/5712.
4- أصول علم الرجال 1 : 231 .

والثاني: الغرض الباعث على الفعل.

والثالث: العزم على الفعل.

والمعنيان الأولان مقارنان للفعل، دون المعنى الثالث؛ فإنّه قبل الفعل. والنيّة بالمعنى الأول لا ينفكّ فعل الفاعل المختار عنها، كما سبقت الإشارة إليه. وهي بالمعنى الثاني يكون الإخلاص فيها من أشقّ الأمور وأصعبها على العابد؛ وذلك لأنّ الإخلاص يتطلّب إزالة حبّ الدنيا من القلب، والتوجّه إلى طلب الآخرة، وحبّ المولى جلّ جلاله، وهذه الأمور ليست بالسهلة اليسيرة؛ فإنّها تتطلّب كثيراً من المجاهدة للنفس، والتوطين لها على الابتعاد عن كلّ ما يبعد عن اللَّه جلّ جلاله، والاعتزال عمّن تكون خلطته موجبة للبعد عن اللَّه مهما أمكن.

وكلمّا كانت النيّة أكثر إخلاصاً عن الأغراض الفاسدة، كان العمل أكمل وأتمّ؛ ولذا ورد أنّ «نيّة المؤمن خير من عمله»(1).

وأمّا من غلب عليه حبّ الدنيا وشهواتها وانغمس في ملذّاتها فلا يمكنه إخلاص النيّة عن دواعيها، فهو بعيد - بهذا - عن طلب الآخرة، فإنّ «الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان، وسبيلان مختلفان. فمن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماشٍ بينهما، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر»(2)

ص: 459


1- الكافي 2 : 84، باب النية، ح2، وغوالي اللئالي 1 : 37 و 406، ح26 و67 .
2- نهج البلاغة 4 : 23.

ويمكن أن يكون هذا جواباً آخر، يضاف إلى ما قدّمناه من الأجوبة عن الإشكال على الحديث الثالث.

وأمّا أنّ النيّة هي العمل فيراد به: مبالغة في اشتراط العمل بها، و بيان أنّ العمل المجرد عن النية غير معتدّ به شرعاً، فالآتي بالعمل بلا نيّة غير آتٍ بعمل من رأس، فكأنّها نفس العمل وعينه؛ ولذا ورد التأكيد الشديد من الإمام (علیه السلام) على الاتّحاد بينهما، وأنّهما شي ء واحد؛ فقد أتى بحرف التنبيه «ألا»، وبحرف التأكيد «إنّ»، وأتى بالجملة الاسميّة، وعرّف الخبر باللام، وذلك مفيد للحصر، كما جاء بضمير الفصل المؤكّد له.

ثمّ استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الكريمة؛ لبيان أنّ مدار العمل - في صحته وفساده وفي كماله ونقصانه وفي قبوله وردّه - على النيّة، حيث قال: «{قُلْ كلّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}(1) يعني: على نيّته».

وقد تقدّم منّا - في بيان الحديث الرابع - تفسير الشاكلة، وأنّها الحالة التي اتّصفت النفس بها، سواء كان ما اتّصفت به من نوع العقائد، أو من نوع الأخلاق، وهذان النوعان ينقسمان إلى الحسن والقبيح، وعليه فغالب إطلاقها على ما ذكرنا. ولكنّ الإمام (علیه السلام) فسّرها بالنيّة، ولا يخفى ما فيه من الإشعار بأنّ النيّة تابعة لحالة الإنسان المترسّخة فيه، بحيث تكون ملكة في نفسه، أو قريبة منها.

بل وردت الشاكلة بمعنى النيّة - أيضاً - في اللغة، قال الفيروزآبادي:

ص: 460


1- الإسراء، الآية 84.

الشاكلة الشكل، والناحية، والنيّة، والطريقة(1) .

وقال الطبرسي في «مجمع البيان» عند تفسيره للآية: «أي: كلّ واحد من المؤمن والكافر يعمل على طبيعته وخليقته التي تخلّق بها، عن ابن عباس. وقيل: على طريقته وسنّته التي اعتادها. وقيل: ما هو أشكل بالصواب وأولى بالحق عنده، عن الجبائي»(2)

بحث في سفیان بن عٌيَيْنة

سند الحديث:

السند في «الكافي» هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري. وقد اختصره المصنف هنا بقوله: «وبالإسناد عن المنقري».

فيه سفيان بن عٌيَيْنة، وهو: «سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، كان جدّه أبو عمران عاملاً من عمال خالد القسري، له نسخة عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) »(3) .

وهو من كبار علماء العامة، وقد اتّفقوا على صدقه وحسن حديثه(4). ولم يرد في كتبنا الرجالية فيه شي ء، إلّا أنه ورد في «تفسير عليّ بن إبراهيم»(5) ، فيحكم بوثاقته. وعليه فالحديث معتبر إذا كان القاسم بن محمّد هو الجوهري.

ص: 461


1- القاموس المحيط 3 : 401، مادّة: «شكل».
2- مجمع البيان في تفسير القرآن 6 : 284 - 285 .
3- رجال النجاشي: 190/506.
4- راجع: تهذيب التهذيب 4 : 105/205.
5- أصول علم الرجال 1 : 281 .

[98] 6 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لآِدَمَ فِي ذُرِّيَّتِهِ: أَنَّ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ(1) لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَمَنْ هَمَّ بِهَا وَعَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

الهّمُّ هو: حديث النفس اختياراً، أن تفعل ما يوافقها، أو يخالفها، أو أن لا تفعل، وهو ما يكون قبل القصد.

وقد دلّ هذا الحديث على أنّ الهمّ الصادر من العبد، إن كان متعلّقه عملاً موجباً لاكتساب حسنة من الثواب كتبت له حسنة واحدة، فإن فعلها كتبت له عشر حسنات.

وإن كان متعلّقه عملاً موجباً لاكتساب سيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه، وإن ورد: أنّه يحرم رزقه، وتخرج نفسه منتن الريح(3) وإن فعلها كتبت عليه سيّئة واحدة. كلّ ذلك: مقتضى أحاديث هذا الباب، ولا خلاف فيه بين الأمة، إلّا أنّ بعض العامة(4) صرّح: بأنّ هذه الكرامة من اللَّه سبحانه وتعالى

ص: 462


1- في المصدر زيادة: ولم يعملها.
2- الكافي 2 : 428، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة، ح 1.
3- كما في الباب السابع الحديثان الثالث والرابع.
4- مرآة العقول 11 : 287 ، الحديث الأول.

مختصّة بهذه الأمة، إلّا أنّ ظاهر هذا الحديث أنّها في الأمم السابقة أيضاً.

ويظهر من هذا الحديث وغيره: أنّ العزم - وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك - إذا كان متعلّقه حراماً ومعصية لا يؤاخذ به صاحبه، وهو الموافق لما عن كثير من الأصحاب؛ لظاهر هذه الأحاديث.

والمسألة محلّ خلاف، وهي من فروع مسألة التجرّي، ويقع البحث فيها من ثلاثة جوانب: الأول على طريقة الفقهاء، والثاني على طريقة المتكلّمين،

والثالث على طريقة أهل الحديث؛ فإنّ لكل واحد من هذه الأصناف غرضاً في البحث يختلف عن غرض الآخر. وتفصيل البحث موكول إلى محلّ آخر.

بحث رجالي في عليّ بن حديد

سند الحديث:

فيه: عليّ بن حديد، وقد نقل الكشّي عن نصر بن الصباح: أنّه قال: «علي بن حديد بن حكيم، فطحي، من أهل الكوفة، وكان أدرك الرضا (علیه السلام) »(1) .

وهو مورد للخلاف، وقد ضعّفه الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»(2) في موارد ثلاثة. ولكنّه ورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات. وقد

ص: 463


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 840/1078 .
2- تهذيب الأحكام 7 : باب بيع الواحد بالاثنين ...، ذيل الحديث 435، والاستبصار 1 : 40، باب البئر يقع فيه الفأرة، ذيل الحديث 112، وج3 : 95، باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة، ذيل الحديث 325.

[99] 7 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَهُمُّ بِالْحَسَنَةِ وَلا يَعْمَلُ بِهَا فَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ. وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَهُمُّ بِالسَّيِّئَةِ أَنْ يَعْمَلَهَا، فَلا يَعْمَلُهَا، فَلا تُكْتَبُ عَلَيْهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ذكرنا ترجمته مستوفاة في خاتمة «أصول علم الرجال»(2).

وطريق الجمع أن يقال: إنّ الضعف في مذهبه خاصّة. مضافاً إلى أنّ رواياته عن جميل معتبرة؛ لأنّ كتابه مشهور.

وأفراد باقي السند ثقات أجلّاء، وقد تقدّم ذكرهم. وعليه فسند الحديث معتبر.

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عين ما تقدّم في الحديث السابق، لكنّه قيّده بالمؤمن هنا، فيؤيّد ما نقلناه سابقاً عن بعض العامة، من أنّ هذه الكرامة مخصوصة بهذه الأمّة، فلا تشمل الأمم السابقة، بل إنّ التقييد بالمؤمن هنا يفيد أنّ غيره لا يشاركه في هذا الحكم؛ تفضّلاً من اللَّه عليه.

إن قيل: قد دلّت آيات من الكتاب الكريم على المؤاخذة على الهمّ

ص: 464


1- الكافي 2 : 428 ، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة، ح 2.
2- أصول علم الرجال 2 : 390 - 396 .

بالمعصية:

منها: قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}(1)

ومنها: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(2).

ومنها: {وَلكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}(3) .

قيل في الجواب: إنّ الآيات تدل على الاستحقاق، والأحاديث دالة على التفضّل بالعفو من قبل اللَّه، أو تحمل الآيات على الأصول الاعتقاديّة، أو يقال: إنّ المؤاخذة والسؤال أعمّ من العقاب، فلا منافاة بينهما.

دفع إشكال المؤاخذة علی الهم بالمعصية

سند الحديث:

فيه: عثمان بن عيسى: وقد قال النجاشي في حقه: «عثمان بن عيسى، أبو عمرو، العامري، الكلابي... كان شيخ الواقفة ووجهها... وذكر نصر بن الصباح، قال: كان له في يده مال - يعني الرضا (علیه السلام) - فمنعه، فسخط عليه. قال: ثمّ تاب، وبعث إليه بالمال. وكان يروي عن أبي حمزة. وكان رأى في المنام: أنّه يموت بالحائر على صاحبه السلام، فترك منزله بالكوفة، وأقام بالحائر حتّى مات، ودفن هناك»(4)

ص: 465


1- البقرة، الآية 284.
2- الإسراء، الآية 36.
3- البقرة، الآية 225.
4- رجال النجاشي: 300/817.

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(1)، كما عدّه الشيخ في «العدّة» ممّن عملت الطائفة بأخبارهم من الواقفة(2)

وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وفيه: سماعة بن مهران: قال عنه النجاشي: «سماعة بن مهران بن عبد الرحمن، الحضرمي... ثقة، ثقة... له كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة»(4)، والظاهر أنّ كتابه مشهور، فلا يحتاج إلى السند.

وقال عنه الشيخ: «سماعة بن مهران...له كتاب، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، واقفي»(5).

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من العلماء الأعلام...(6).

وبقيّة أفراد السند ثقات، وقد تقدّموا. وعليه فالسند موثق.

ص: 466


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
2- عدّة الأصول 1 : 150 .
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 201 .
4- رجال النجاشي: 193/517.
5- رجال الطوسي: 337/5021.
6- الرسالة العدديّة 9 : 41 ضمن مصنفات الشيخ المفيد.

[100] 8 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ بُكَيْرٍ(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لآِدَمَ (علیه السلام) : يَا آدَمُ، جَعَلْتُ لَكَ: أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ. وَمَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

مفاد هذا الحديث هو: مفاد الحديث السادس المتقدّم نفسه، وهو عامّ غير مقيد بالعبد المؤمن، كما قيّد في الحديث السابق. وعدم ارتكاب العبد للسيئة بعد حصول الهمّ منه لا يفرّق فيه بين ما إذا لم يعملها خوفاً من اللَّه تعالى وبين ما إذا لم يعملها خوفاً من الناس، أو كان ذلك منه صيانة لعرضه؛ فإنّها لا تكتب عليه على كلّ تقدير.

والمجازاة بعشر أمثال الحسنة هو ما نصّ عليه القرآن الكريم؛ حيث قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(3).

ص: 467


1- في المصدر: ابن بكير.
2- الكافي 2 : 440، باب فيما أعطى الله عزّوجلّ...، ح 1، ويأتي ذيله في الحديث 1 من الباب 93 من أبواب جهاد النفس.
3- الأنعام، الآية 160.

وهذا المقدار هو ما يستفاد من الحديث المذكور، وقد يضاعف اللَّه للعامل بالحسنة إلى سبعمائة ضعف أو أكثر؛ إنّ اللَّه واسع كريم. كما سيأتي في الحديث العشرين من هذا الباب، ويأتي ما يدل عليه في أبواب أخر إن شاء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

فيه: بكير: وهو بكير بن أعين الشيباني.

روى الكشّي وكذلك الصدوق في «المشيخة» عند ذكره لطريقه إلى بكير مايلي:

لمّا بلغه - يعني: أبا عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) - وفاة بكير بن أعين قال: «أما واللَّه، لقد أنزله اللَّه بين رسول اللَّه وأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليهما»(1)

وقال الكشّي أيضاً: «حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا محمّد بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد، وحدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، قال: حدّثني المشايخ: أنّ حمران وزرارة وعبد الملك وبكيراً وعبد الرحمن بني أعين كانوا مستقيمين، ومات منهم أربعة في زمان أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكانوا من أصحاب أبي جعفر (علیه السلام) »(2).

ص: 468


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 419/315 ، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 441 المشيخة .
2- المصدر نفسه 1 : 382/270 .

وعن عبيد بن زرارة، قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فذكر بكير بن أعين، فقال: «رحم اللَّه بكيراً وقد فعل»، فنظرت إليه، وكنت يومئذ حديث السن، فقال: «إنّي أقول: إن شاء اللَّه»(1).

وقد ورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

ولكن ورد في «أصول الكافي»: «ابن بكير» بدل «بكير»، ولعله تصحيف. وعلى فرض ثبوت هذه النسخة يكون المراد به: عبد اللَّه بن بكير الفقيه الجليل؛ فإنّه - أيضاً - روى عنه جميل في موردين في الكتب الأربعة بعنوان ابن بكير. ولكنّ الأكثر: رواية جميل عن بكير بن أعين؛ فقد وردت روايته عنه بعنوان بكير - فحسب - في تسعة موارد في الكتب الأربعة.

هذا، وسائر أفراد السند قد تقدّم ذكرهم.

وكيف كان، فالحديث معتبر.

ص: 469


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 419/316 .
2- أصول علم الرجال 1 : 278، و ج2 : 183 .

[101] 9 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - أَنَّهُ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ فُلاناً. يَا عَلِيُّ، لَمْ تَشْهَدْ جَنَازَتَهُ»؟ قُلْتُ: لا، قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَشْهَدَ جَنَازَةَ مِثْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ كُتِبَ لَكَ ثَوَابُ ذَلِكَ بِمَا نَوَيْتَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ مجرّد نيّة فعل الخير كافٍ في ترتّب ثوابه، وإن لم يتحقّق الفعل خارجاً؛ لعارضٍ من العوارض التي تعيق المرء عن تحقيق ما يصبو إليه من الخيرات. ولا يحتمل الخصوصية لتشييع جنازة المؤمن والقيام بشؤونها، بل تعم كلّ عمل خير.

سند الحديث:

فيه: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه الحنّاط، وهو مهمل غير مذكور.

وأمّا بقيّة أفراد السند، فقد تقدّموا. وهذا السند ضعيف.

ص: 470


1- مختصر بصائر الدرجات: 297.

[102] 10 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِالسَّيِّئَةِ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على ما دلّت عليه الأحاديث السابقة، المتحدة معه في المضمون، ولم يقيّد هذا الحديث العبد بكونه مؤمناً أيضاً.

سند الشیخ إلی كتاب الزهد

سند الحديث:

فيه: عبد اللَّه بن المغيرة: وقد قال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن المغيرة، أبو محمد، البجلي، مولى جندب بن عبد اللَّه بن سفيان، العلقي،كوفي، ثقة، ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه، روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) . قيل: إنه صنّف ثلاثين كتاباً»(2)

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(3) .

وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وسند الشيخ إلى كتاب «الزهد» - بل إلى جميع كتب الحسين بن سعيد

ص: 471


1- 1*) الزهد: 72 ، ح 192.
2- رجال النجاشي: 215/561.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 283 ، 228، و ج2 : 200 .

[103] 11 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْمُثَنَّى الْحَنَّاطِ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِزْقِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ورواياته - طريقان، وهما:

1 - أخبرنا بكتبه ورواياته ابن أبي جيد القمي، عن محمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عنه.

2 - وأخبرنا بها عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن أبيه، ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكّل، عن سعد بن عبد اللَّه والحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عنه.

مضافاً إلى أنّ الصدوق (قدس سره) شهد في أوّل «الفقيه»: بأن كتب الحسين بن سعيد من الكتب المشهورة المعوّل عليها.

وأمّا جميل بن درّاج والحسين بن سعيد، فقد تقدّم ذكرهما.

وعليه فسند الحديث صحيح.

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من كانت نيّته حسنة في الأعمال والأخلاق وكانت

ص: 472


1- المحاسن 1 : 406 ، ح 922.

[104] 12 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ وَيُونُسَ، قَالا: سَأَلْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ}(1)1*): أَقُوَّةٌ فِي الأَبْدَانِ، أَوْ قُوَّةٌ فِي الْقَلْبِ؟ قَالَ: «فِيهِمَا جَمِيعاً»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

خالصة للَّه عزّوجلّ زاد اللَّه عز وجل في رزقه؛ لأنّه حينئذٍ يكون مصداقاً للمتّقي، والمتّقي مرزوق من حيث لا يحتسب، كما يدل عليه قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب}(3)

وهذا أثر دنيوي للنيّة الحسنة، مضافاً إلى الثواب المترتّب على النيّة الحسنة، كما تقدّم.

سند الحديث:

جميع أفراد السند تقدّم ذكرهم. وعليه فسند الحديث معتبر.

[12] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ اليهود كانوا ملزمين بالأخذ بالتوراة بقوة لمّا جاءهم نبيّهم بها؛ قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا

ص: 473


1- 1*) البقرة، الآية 63.
2- 2*) المحاسن 1 : 407 ، ح 923.
3- الطلاق، الآية 2 - 3 .

آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(1)

وفسّر الإمام (علیه السلام) المراد بالقوة في جوابه: بأنّها القوة في القلب وفي البدن معاً، فيكون المراد من الآية الشريفة: أنّا قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم وألزمناكم به من أحكام وفرائض، واقبلوه باجتهاد منكم، بلا تقصير ولا توانٍ.

والمراد: أخذ الأحكام - جملةً - بجدّ، والعمل بها بلا تقصير، وبنيّة حسنة قويّة، ويقين لا شكّ فيه.

والغرض من إيراد هذه القصة هو بيان أنّ على هذه الأمة أن تلتزم بما جاء به الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) بقوة في القلب والبدن.

سند الحديث:

فيه: أبو المغراء: وهو حُمَيْد بن المثنّى، قال عنه النجاشي: «حُمَيْد بن المُثَنّى، أبو المَغْراء، العِجْلي، مولاهم، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، كوفي، ثقة، ثقة»(2) .

وقال عنه الشيخ: «حُمَيْد بن المُثَنّى، العِجْلي، الكوفي، يكنّى أبا المَغْراء الصَيْرفي، ثقة، له أصل»(3)

ص: 474


1- البقرة، الآية 63.
2- رجال النجاشي: 133/340.
3- فهرست الطوسي: 114/236.

وروى عنه المشايخ الثقات(1).

وعليه فلا إشكال في وثاقته.

وفيه - أيضاً - إسحاق بن عمار: ذكره النجاشي بقوله: «إسحاق بن عمّار بن حَيّان، مولى بني تَغْلِب، أبو يعقوب، الصَيْرفي، شيخ من أصحابنا، ثقة. وإخوته يونس ويوسف وقيس وإسماعيل، وهو في بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه عليّ بن إسماعيل وبشر بن إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث. روى إسحاق عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أحمد بن محمّد بن سعيد في رجاله، له كتاب نوادر يرويه عنه عدّة من أصحابنا»(2).

ووثّقه الشيخ في «الفهرست»(3) و«الرجال»(4) ، وفي «رجال الكشّي»: عن زياد القندي قال: كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) إذا رأى إسحاق بن عمّار وإسماعيل بن عمّار قال: «وقد يجمعهما لأقوام» يعني: الدنيا والآخرة (5)

وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(6). وعليه فلا إشكال - أيضاً - في وثاقته.

التحقیق في أن یونس في السند هو ابن عمار لا یونس بن عبدالرحمن

وأمّا يونس: فهو مشترك، والمراد به هنا: يونس بن عمار، لا يونس بن

ص: 475


1- أصول علم الرجال 2 : 223 .
2- رجال النجاشي: 71/169.
3- فهرست الطوسي: 54/52.
4- رجال الطوسي: 331/4924.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 705/752 .
6- أصول علم الرجال 1 : 277 ، 213، و ج2 : 181 .

عبد الرحمن؛ لقرائن:

أحدها: أنّ يونس بن عمّار هو الذي يروي مباشرة عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، بخلاف يونس بن عبد الرحمن؛ فإنّه يروي عن الإمامين الكاظم والرضا (علیهما السلام) ، ولا يروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) بلا واسطة.

ثانيها: أنّ أبا المَغْراء يروي في هذا السند عن يونس، بينما يونس بن عبد الرحمن يروي عن أبي المغراء في غير هذا المورد، ويروي أيضاً عن إسحاق بن عمّار في عدّة موارد.

ثالثها: أنّ يونس هو أخ لإسحاق بن عمار،كما مرّ عن النجاشي، ونصّ عليه الصدوق في «المشيخة»(1)

أيضاً، واقترانهما معاً في هذا السند مؤيّد لكون المراد منه: يونس بن عمار، لا يونس بن عبد الرحمن؛ لاختلاف الطبقة.

ويونس بن عمّار هذا، غاية ما ورد فيه: ما تقدّم عن النجاشي في ترجمة أخيه إسحاق، من أنّه من بيت كبير من الشيعة، وهو لا يفيد إلّا كونه ممدوحاً.

وعدّه الشيخ(2) والبرقي(3) من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وورد في «كامل الزيارات»(4).

ص: 476


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 475، المشيخة.
2- رجال الطوسي: 324/4851 .
3- رجال البرقي: 29، الطبقات .
4- كامل الزيارات: 188، ب76 .

[105] 13 - وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بَلَغَ بِهِ خَيْثَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيَّ، قَالَ: سَأَلَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - وَأَنَا حَاضِرٌ - فَقَالَ: مَا الْعِبَادَةُ؟ فَقَالَ: «حُسْنُ النِّيَّةِ بِالطَّاعَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يُطَاعُ اللَّهُ مِنْهُ».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: قَالَ: «حُسْنُ النِّيَّةِ بِالطَّاعَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فعلى مبنى من يقبل توثيق جميع أصحاب الصادق (علیه السلام) أو من ورد في كتاب «كامل الزيارات»، فالرجل موثّق عنده، وأما من لا يقبل أحد هذين المبنيين أو كليهما، فلا طريق عنده لتوثيقه.

نعم، يمكن الحكم بحُسنه؛ لما تقدّم.

وكيف كان، فوجوده في السند غير ضائر؛ بعد مشاركة إسحاق بن عمّار له في الرواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) . وعليه فالسند صحيح.

[13] - فقه الحديث:

مرّ بيان المراد من هذا الحديث في شرح الحديث الثاني من الباب.

وتتمّة الحديث تشهد بكون المراد من الطاعة هنا هي طاعة الإمام المعصوم (علیه السلام) ؛ حيث قال (علیه السلام) : «أما إنّك - يا عيسى - لا تكون مؤمناً

ص: 477


1- المحاسن 1 : 407 ، ح 925.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَاذَانَ بْنِ الْخَلِيلِ، قَالَ: وَكَتَبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، بِإِسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى عِيسَى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

حتّى تعرف الناسخ من المنسوخ» قال: قلت: جعلت فداك، وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟ قال: فقال: «أليس تكون مع الإمام موطِّناً نفسك على حسن النيّة في طاعته، فيمضي ذلك الإمام، ويأتي إمام آخر، فتوطّن نفسك على حسن النيّة في طاعته ؟» قال: قلت: نعم، قال: «هذا معرفة الناسخ من المنسوخ»(3)

فمحصّل المراد من الحديث: أنّ العبادة الصحيحة هي ما كانت مع النيّة الخالصة، مع ضمّ طاعة أئمّة الهدى (علیهم السلام) . وتكون هذه العبادة مأخوذة من مصادرها المأمور بها، فلا تكون مبتدعة ولا مستندة إلى أئمّة الضلال، كما دلّ الحديث على أنّ الإيمان إنّما يتحقّق إذا وطّن العبد نفسه، واشتدّ عزمه على طاعة الإمام المعصوم، طاعة غير مشوبة برياء، ولا بأيّ نوع من أنواع البِدع.

ص: 478


1- الكافي 2 : 83 ، باب العبادة، ح 4.
2- معاني الأخبار: 240 ، ح 1.
3- الكافي 2 : 83 ، باب العبادة، ح 4 .

بحث رجالي في خَيْثَمَةُ بن عبد الرحمن الجُعْفي

سند الحديث:

ذكر لهذا الحديث ثلاثة أسانيد:

السند الأول: مرسل.

وفيه: خَيْثَمَةُ بن عبد الرحمن الجُعْفي: الكوفي، وهو عمّ بِسْطام بن الحُصَيْن. قال النجاشي في ترجمة بسطام بن الحصين: «كان وجهاً في أصحابنا، وأبوه وعمومته، وكان أوجههم إسماعيل»(1) .

وذكره الشيخ في «الرجال»: تارة في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) (2).

وقال عنه العقيقي: إنّه فاضل(3)،

إلّا أنّ مثل هذا التعبير لا يقتضي التعديل، وإن كان من المرجّحات.

والعمدة هو كلام النجاشي، فقد صرّح بأنّ بسطام كان وجهاً في أصحابنا، وكذا أبوه وعمومته؛ فإنّ توصيف عمومة بسطام بالوجاهة في الأصحاب مدح قريب من التوثيق؛ لأنّ كون رجل وجهاً في الأصحاب والرواة مرتبة عظيمة من الجلالة. وعليه فالرجل ممدوح؛ لشمول المدح المذكور له؛ باعتباره أحد عمومة بسطام.

وأمّا عيسى بن عبد اللَّه القمّي: فهو عيسى بن عبد اللَّه بن سعد،

ص: 479


1- رجال النجاشي: 111/281.
2- رجال الطوسي: 133/1386، و 199/2525.
3- رجال ابن داود: 89.

الأشعري، جدّ أحمد بن محمّد بن عيسى.

روى الكشّي عن أبي محمّد أخي يونس بن يعقوب، عنه، قال: كنت بالمدينة، فاستقبل جعفر بن محمد (علیه السلام) في بعض أزقتها، قال: فقال :«اذهب يا يونس، فإنّ بالباب رجلاً منّا أهل البيت»، قال: فجئت إلى الباب، فإذا عيسى بن عبد اللَّه القمّي جالس، قال: فقلت له: من أنت؟ فقال له: أنا رجل من أهل قم، قال: فلم يكن بأسرع من أن أقبل أبو عبد اللَّه (علیه السلام) . قال: فدخل على الحمار الدار، ثمّ التفت إلينا، فقال: «ادخلا». ثمّ قال: «يا يونس بن يعقوب، أحسبك أنكرت قولي لك: إنّ عيسى بن عبد اللَّه منّا أهل البيت!» قال: قلت: إي واللَّه، جعلت فداك؛ لأن عيسى بن عبد اللَّه رجل من أهل قم، فقال: «يا يونس، عيسى بن عبد اللَّه هو منّا حيّ، وهو منّا ميّت»(1)

وعليه فلا إشكال في وثاقته.

السند الثاني: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن شاذان بن الخليل، ورفعه إلى عيسى بن عبد اللَّه القمي.

وقد أورد العلّامة المجلسي (رحمه الله) في «مرآة العقول» السند هكذا: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى(2).

ص: 480


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 624/607 .
2- مرآة العقول 8 : 85، باب العبادة، ح4.

وهو - أيضاً - مرسل كسابقه.

بحث رجالي في شاذان بن الخليل

وفيه: شاذان بن الخليل: ذكره النجاشي في ترجمة ولده الفضل بن شاذان، قائلاً: «الفضل بن شاذان بن الخليل، أبو محمد، الأزدي، النيشابوري، كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل: الرضا (علیهما السلام) أيضاً. وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين، وله جلالة في هذه الطائفة...»(1)

وجملة: «كان ثقة» قد اختلف في تفسيرها بين الأعلام، فأرجعها بعضهم(2)

إلى الأب، وأرجعها آخرون(3) إلى الابن. وكلامه ظاهر في أنّ قوله: «وكان ثقة» يرجع إلى والد الفضل، لا إلى نفسه، وإلّا لقال: كان ثقة، وأحد أصحابنا، فجملة: «كان أبوه» إلى قوله: «ثقة» جملة مستأنفة.

كما ذكر الكشّي في ترجمة محمّد بن سنان: «قد روى عنه الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمد بن عيسى العبيدي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيّان، ابنا دندان، وأيّوب بن نوح، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم»(4).

ص: 481


1- رجال النجاشي: 306/840 .
2- كالسيد الخوئي في المعجم 10 : 10/5680 .
3- كالتفرشي في نقد الرجال 4 : 21 .
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.

[106] 14 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ بَابَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) : «مَا ضَعُفَ بَدَنٌ عَمَّا قَوِيَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وكلامه ظاهر في أنّ جميع من ذكره - وفيهم شاذان بن الخليل - من العدول والثقات(2).

فالسند ضعيف بالإرسال، ويمكن أن يصحح لوجوده في «الكافي».

السند الثالث: ما رواه الصدوق في «معاني الأخبار» عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن خَيْثَمَةَ بن عبد الرحمن.

وكل رجال السند قد تقدّم الكلام عنهم فيما سبق، والسند - كسابقيه - مبتلى بالإرسال.

[14] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ النيّة الحسنة قد تبلغ مراتب عالية جداً، لا يسعفها بدن الإنسان، ولا يمكن له مسايرتها، لا من ناحية الطاقة البشريّة العاديّة، ولا من ناحية الزمان، ولا المكان، وبهذا ونحوه كانت النيّة أفضل وأبلغ من العمل، كما سبق.

ص: 482


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 400 ، ح 5859.
2- معجم رجال الحديث 10 : 10/5680.

وَرَوَاهُ أَيْضاً مُرْسَلاً(1).

وَرَوَاهُ فِي «الأَمَالِي»، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ولكن من آثار النيّة الصادقة: أن تتقوّى الجوارح على العمل، وتنبعث نحوه بقوّة وشوق؛ إذ من الواضح وجود الارتباط بين القلب - وهو محلّ النيّة - وبين سائر الجوارح. فالنيّة الحسنة تبعث على العمل الحسن، وكلما كانت النيّة أكثر خلوصاً كان الانبعاث نحو العمل أقوى.

ويشهد له ما رواه في «الكافي» عن الصادق (علیه السلام) : «إن السريرة إذا صحّت قويت العلانية»(3)

سند الصدوق قدس سره إلی الحسن بن عليّ بن فضّال.

سند الحديث:

قد رواه الصدوق بأسانيد ثلاثة:

السند الأول: ما رواه في «الفقيه» بإسناده عن الحسن بن عليّ بن فضّال.

وإسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضّال - كما في «المشيخة»(4) - هكذا: أبوه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن

ص: 483


1- المواعظ: 98.
2- أمالي الصدوق: 408 ، ح526.
3- الكافي 2 : 295 ، باب الرياء، ح 11 .
4- من لا يحضره الفقيه 4 : 495، المشيخة .

عليّ بن فضال.

وهذا الطريق معتبر. وقد تقدمت ترجمة ابن فضّال.

وأما الحسن بن الجهم: فهو الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، أبو محمد، الشيباني. قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن أبي الحسن موسى والرضا (علیهما السلام) »(1) .

وذكر الشيخ في «الفهرست»: أنّ له مسائل(2) .

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد تقدّم ذكره. وعليه فهذا السند صحيح.

السند الثاني: ما أرسله الصدوق. وهذا السند ضعيف بالإرسال.

السند الثالث: ما رواه في «الأمالي» عن الحسين بن أحمد بن إدريس.

وفيه: الحسين بن أحمد بن إدريس، وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه كثيراً. وعليه فهو ثقة.

وأما أبوه وأحمد بن محمّد بن عيسى: فقد تقدّم الكلام عنهما.

والمراد من ابن فضّال هنا هو الحسن بن عليّ المتقدم في السند الأول. وعليه فهذا السند - أيضاً - معتبر.

ص: 484


1- رجال النجاشي: 50/109.
2- فهرست الطوسي: 97/163.

[107] 15 - وَفِي كِتَابِ «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكُوفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَبِيحٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، فَكَيْفَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَيْراً مِنَ الْعَمَلِ؟ قَالَ: «لأَنَّ الْعَمَلَ رُبَّمَا كَانَ رِيَاءً لِلْمَخْلُوقِينَ، وَالنِّيَّةُ خَالِصَةٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيُعْطِي عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النِّيَّةِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعَمَلِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أن النيّة أفضل من العمل؛ لأنّه قد يطرأ على العمل ما يوجب النقصان فيه، كأن يكون الإتيان به لأجل الرياء مثلاً، بخلاف النيّة، فإنّه لا يتطرّق إليها الرياء؛ لعدم إمكان الاطّلاع عليها من قبل المخلوقين، فيعطي اللَّه عزّوجلّ عليها من الثواب ما لا يعطيه على العمل.

وهذا أحد الوجوه المنصوصة في توجيه أفضليّة النيّة على العمل.

والوجه في إيراد هذا الحديث في هذا الباب هو: اشتماله على أنّ اللَّه يعطي على النيّة الحسنة الخالصة من شوائب الرياء ما لا يعطي على العمل. ويستفاد منه: استحباب أن ينوي المرء الأفعال الحسنة، التي يترتّب على مجرّد نيّتها الثواب الجليل، والذي قد لا يحصل من مجرّد الإتيان بالعمل العبادي.

ص: 485


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301 ح 1.

سند الحديث:

فيه: حبيب بن الحسين الكوفي: ولم يذكر بشي ء في كتب الرجال، ولا يعرف عنه سوى أنّه من مشايخ عليّ بن بابويه والكليني.

وأحمد بن صبيح الأسدي أبو عبد اللَّه: قال عنه النجاشي: «كوفي، ثقة، والزيديّة تدّعيه، وليس بصحيح، له كتب»(1) .

ومثله عن الشيخ في «الفهرست» إلّا أنّه أضاف: «فمن كتبه: كتاب التفسير، أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(2)

وأمّا زيد الشحّام: فقال عنه النجاشي: «زيد بن يونس، وقيل: ابن موسى، أبو أسامة، الشحّام، مولى شديد بن عبد الرحمن بن نعيم، الأزدي، الغامدي، كوفي، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: «زيد الشّحام، يكنّى أبا أسامة، ثقة، له كتاب»(4).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العددية» من الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم(5).

ص: 486


1- رجال النجاشي: 78/184.
2- فهرست الطوسي: 66/68.
3- رجال النجاشي: 175/462.
4- فهرست الطوسي: 129/298.
5- الرسالة العدديّة 9 : 46 ضمن مصنفات الشيخ المفيد.

[108] 16 - قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَنْوِي مِنْ نَهَارِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ، فَتَغْلِبُهُ عَيْنُهُ فَيَنَامُ، فَيُثْبِتُ اللَّهُ لَهُ صَلاتَهُ، وَيَكْتُبُ نَفَسَهُ تَسْبِيحاً، وَيَجْعَلُ نَوْمَهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد عدّه ابن شهر آشوب من خواصّ أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) في «المناقب» في الجزء4، تحت عنوان: «فصل في تواريخه وأحواله» [أي الإمام الصادق (علیه السلام) ] (2)

قد ذكر في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(3). وعليه فلا إشكال في وثاقته وجلالته.

وهذا الطريق وإن كان ضعيفاً بحبيب بن الحسين الكوفي، إلّا أنّه يمكن تصحيح هذا الحديث بكونه مأخوذاً من كتاب زيد الشحّام المشهور، والذي لا يحتاج إلى الطريق.

[16] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ مجرّد تحقّق النيّة من العبد كافٍ في ترتّب الثواب، والزيادة من فضل اللَّه عزّوجلّ، فمن نوى في نهاره أن يصلّي في الليل صلاة الليل أو غيرها، ثمّ طرأ عليه مانع حال بينه وبين الإتيان بها، كالنوم

ص: 487


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301، ح 1.
2- معجم رجال الحديث 8 : 375/4900.
3- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 289، و ج2 : 193 .

مثلاً، فجزاؤه أن يثبت اللَّه عزّوجلّ له ثواب تلك الصلاة، وكأنّه قد صلّاها، ويزيده الله من فضله، أن يكتب له بكل نفس يتنفّسه في نومه ثواب تسبيحٍ، بل ويجعل نومه عليه بمثابة الصدقة.

وفيه من الترغيب على نيّة فعل الخيرات ما لا يخفى.

سند الحديث:

الظاهر أنّ هذا الحديث جزء من الحديث السابق؛ فإنّه ورد في المصدر بعد قوله: «ما لا يعطي على العمل»: قال: وقال أبو عبد اللَّه... (علیه السلام) الخ(1) ، ولذا جعله في «جامع الأحاديث» تتمّة للحديث السابق(2)

وعلى هذا، فما يقال في سند الحديث المتقدم يقال هنا أيضاً.

ص: 488


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301، ح 1.
2- جامع أحاديث الشيعة 1 : 495، ح 777.

[109] 17 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ الْحُسَيْنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ يَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ مَا لا يُدْرِكُهُ. وَنِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ الْكَافِرَ يَنْوِي الشَّرَّ، وَيَأْمُلُ مِنَ الشَّرِّ مَا لا يُدْرِكُهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ النيّة الحسنة للمؤمن أفضل من العمل،كما أن النيّة السيئة للكافر شرّ من العمل. والسبب في ذلك: أنّ كلاًّ منهما ينوي ما يجانسه من الخير أو الشر، ويأمل ما لا يدركه. وهذا أحد الوجوه المنصوصة في توجيه أفضليّة النيّة على العمل.

سند الحديث:

فيه: محمّد بن أحمد: وهو محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، القمي، صاحب النوادر، الثقة الجليل.

وفيه: عمران بن موسى: وهو على ما قاله النجاشي: «عمران بن موسى الزيتوني، قمي، ثقة، له كتاب نوادر كبير»(2) .

ص: 489


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301، ح 2.
2- رجال النجاشي: 291/784.

وفيه: الحسن بن عليّ بن النعمان: قال عنه النجاشي: «مولى بني هاشم، أبوه عليّ بن النعمان، الأعلم، ثقة، ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد»(1)

ونحوه عن الشيخ في «الفهرست»، وأضاف: «أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(2)،

وعدّه في «الرجال» من أصحاب الإمام العسكري (علیه السلام) (3).

وفيه: الحسن بن الحسين الأنصاري: ولم يرد فيه شي ء.

وكيف كان، فالحديث مرسل، إلّا أنّه لا يضر؛ بناءً على أنّ كتاب الحسن بن عليّ بن النعمان من الكتب المصحّحة التي لا تحتاج إلى ملاحظة الطريق إلى الإمام (علیه السلام) (4).

ص: 490


1- رجال النجاشي: 40/81.
2- فهرست الطوسي: 106/201.
3- رجال الطوسي: 398/5841.
4- أصول علم الرجال 1 : 151.

[110] 18 - وَفِي «الْخِصَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ(1) بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَنْ تَمَنَّى شَيْئاً وَهُوَ للَّهِ رِضاً، لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حتّى يُعْطَاهُ»(2).

وَفِي «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، مِثْلَهُ(3)3*).

وَفِي «الْمَجَالِسِ»، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ إِسْحَاقَ التَّاجِرِ، مِثْلَهُ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

[18] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من نوى عملاً يرضي اللَّه عزّوجلّ وتمنّى تحقّقه، كان أثر تلك النيّة أن يحقّقه اللَّه له قبل أن يموت.

لا يقال: كم من مؤمن تمنّى عملاً للَّه فيه رضاً، وخرج من الدنيا ولم يرزقه.

فإنّه يقال: إنّ النيّة الحسنة الخالصة مع تمنّي الفعل الحسن بمنزلة

ص: 491


1- في نسخة: «الحسين».
2- الخصال: 4 ، باب الواحد، ح 7.
3- 3*) ثواب الأعمال: 185 ، ح 1.
4- 4*) أمالي الصدوق: 674 ، ح 910.

المقتضي لتحقّق الفعل، فلابّد من عدم المانع - أيضاً - حتّى يتحقق الفعل.

ونظير ذلك: الوعد الإلهي باستجابة الدعاء من الداعين في قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}(1)؛ فإنّا نرى كثيراً من الناس يدعون اللَّه تعالى ولا يستجاب لهم، فإنّ سبب منع الإجابة هو إخلال الداعي بشروط الدعاء، أو وجود أحد موانع الاستجابة عنده، واللَّه سبحانه لا يخلف وعده، وهو أصدق الصادقين.

سند الحديث:

روى الحديث الصدوق بثلاثة أسانيد في ثلاثة من كتبه:

السند الأول: ما في «الخصال»، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل.

وفيه: الحسن بن إسحاق: وهو الحسين بن إسحاق التاجر؛ بقرينة السند الثالث الآتي. ولم يرد فيه شي ء.

وفيه: فضالة بن أيوب: قال عنه النجاشي: «فضالة بن أيّوب الأزدي، عربي صميم، سكن الأهواز، روى عن موسى بن جعفر (علیه السلام) ، وكان ثقة في حديثه، مستقيماً في دينه»(2) .

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «فضالة بن أيّوب، له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن

ص: 492


1- البقرة، الآية 186.
2- رجال النجاشي: 310/850.

فضالة»(1)

وذكره الكشّي في أصحاب الإجماع(2) ، وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(3).

والحاصل: أن الحديث معتبر؛ لأنّه من كتب ابن مهزيار، وقد شهد الصدوق في أوّل «الفقيه»: بأنّها من الكتب المشهورة المعوّل عليها(4).

السند الثاني: ما في «ثواب الأعمال»، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى.

والكلام فيه هو الكلام في السند الأول؛ لأنّهما يتّحدان ابتداء من محمّد بن يحيى.

السند الثالث: ما في «المجالس»، عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن الحسين بن إسحاق التاجر.

وقد تقدّم الكلام عنهما، فالكلام فيه - أيضاً - هو الكلام في سابقيه.

ص: 493


1- فهرست الطوسي: 200/571.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
3- أصول علم الرجال 1 : 285، و ج2 : 205 .
4- الفقيه 1 : 3 ، المقدمة.

[111] 19 - وَفِي «الْخِصَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمّد الرَّازِيِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زَادَ اللَّهُ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِهِ زَادَ اللَّهُ فِي عُمُرِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[19] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على ترتّب بعض الآثار على بعض الأعمال، فمن صدق لسانه زكا عمله؛ لأنّ الأساس في صدق اللسان هو: طهارة القلب، وطهارة القلب موجبة لكون العمل الصادر عن طاهر القلب زكيّاً ممدوحاً مباركاً فيه.

ومن حسنت نيّته كان أثر ذلك أن يزيد اللَّه في رزقه، وهذا من آثار النيّة الحسنة. وفيه من الترغيب عليها ما لا يخفى؛ فإن الرِّزق من الأمور المهمّة الحياتيّة للإنسان، وتحصيله والسعي فيه وفي زيادته من مهمات الحياة

ص: 494


1- الخصال: 87 ، باب الثلاثة، ح 21.
2- 2*) الكافي 8 : 219 ، ح 269.

اليوميّة، وهذا ما يجعل الإنسان المؤمن توّاقاً دائماً لمعرفة ما يوجب زيادته، وقد ورد: أنّ إصلاح النيّة(1)

والنيّة الحسنة موجب لزيادته، فتكون النية الحسنة أمراً مرغوباً فيه.

ومن حسن برّه بأهله كان أثر ذلك أن يزيد اللَّه في عمره. والظاهر: أنّ المراد بالأهل: كلّ من يكون تحت عيالة الشخص؛ فإنّهم كالأسراء، وأفضل الناس من أحسن لأسرائه، كما ورد في أحاديث عدّة عن أهل بيت العصمة والطهارة (علیهم السلام) (2).

ويحتمل أن يراد: مطلق الأقارب، كما ورد: أنّ صلة الأرحام توجب طول العمر(3).

سند الحديث:

ورد الحديث بسندين:

الأوّل: ما رواه الصدوق في «الخصال»، عن أبيه.

وفيه: عبد اللَّه بن محمّد الرازي: وهو من أصحاب الإمام الجواد (علیه السلام) ، ولم يرد في حقّه شي ء، سوى أنّه روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى(4)، ويحتمل التصحيف فيه. والصحيح عبدالله بن أحمد الرازي؛ لكونه هو الذي

ص: 495


1- مستدرك الوسائل 1 : 93، باب استحباب نية الخير والعزم عليه، ح67 و77.
2- من لا يحضره الفقيه 3 : 555، باب النوادر، ح4909، والوسائل 20 : 171، ب88 باب استحباب الإحسان إلى الزوجة، ح25338.
3- الكافي 2 : 150 ، باب صلة الرحم، الأحاديث: 3، 4، 6، 9، 12، 13و ... .
4- رجال الطوسي: 433/6202.

روى عنه محمّد بن أحمد، وروى عن بكر بن صالح في التهذيب(1)، واستثناه ابن الوليد(2).

وفيه: أبو أيوب: وهو أبو أيّوب الخزّاز، وقد تقدّم مع باقي أفراد السند.

والثاني: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا.

وقد تقدّم هذا السند إلى مثنّى الحنّاط في الباب الأول، في الحديث الحادي عشر. وحيث إن للشيخ الكليني طريقاً صحيحاً إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر، فالسند معتبر من هذه الجهة.

ص: 496


1- تهذيب الأحكام 6 : 291 ، ح806.
2- أصول علم الرجال 1 : 203.

[112] 20 - وَفِي «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً، وَيُضَاعِفُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حتّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ(1)، وَإِنْ عَمِلَهَا أُجِّلَ تِسْعَ سَاعَاتٍ، فَإِنْ تَابَ وَنَدِمَ عَلَيْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[20] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ اللَّه سبحانه وتعالى جعل من فضله وكرمه على هذه الأمة: أنّ مَنْ هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومَن همَّ بحسنة وعملها كتبت له عشر حسنات، ويضاعف اللَّه عليها إلى سبعمائة حسنة، بل لا يقتصر الثواب على هذا المقدار الوارد في هذا الحديث؛ فإنّ فضل اللَّه كبير، وهو يضاعف لمن يشاء؛ إذ لا يخفى أنّه لا مفهوم للعدد.

وقد كانت حسنة الأمم السابقة بحسنة، وإذا نوى أحدهم حسنة ثمّ لم يعملها لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وهي من الآصار التي كانت

ص: 497


1- في المصدر زيادة: بتركه لفعلها.
2- التوحيد: 408، ح 7.

عليهم، فرفعها اللَّه عن هذه الأمة المرحومة.

وجعل أيضاً: أنّ مَن هَمَّ من هذه الأمة بسيّئة، فإن هو لم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها أجّل تسع ساعات، وفي بعض الروايات سبع ساعات(1)،

فإن ندم وتاب منها قبل انقضاء تلك الساعات لم تكتب تلك السيئة عليه، وإن انقضت ولم يتب ولم يندم عليها كتبت عليه تلك السيئة فحسب، وكان هذا الذّنب بينه وبين اللَّه سبحانه وتعالى، وله تعالى المشيئة، فإن شاء عذّبه عليه، وإن شاء عفا عنه.

سند الحديث:

فيه: السعدآبادي: وهو عليّ بن الحسين السعدآبادي، من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(2)،

وعليه فهو ثقة. وقد تقدّم الباقون، وعليه فالسند معتبر.

ص: 498


1- الكافي 2 : 430، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة، ح4.
2- كامل الزيارات: 216، ح314.

[113] 21 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ كَانَتِ النِّيَّاتُ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ يُؤْخَذُ بِهَا أَهْلُهَا إِذاً لأُخِذَ كلّ مَنْ نَوَى الزِّنَا بِالزِّنَا، وَكُلُّ مَنْ نَوَى السَّرِقَةَ بِالسَّرِقَةِ، وَكُلُّ مَنْ نَوَى الْقَتْلَ بِالْقَتْلِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ كَرِيمٌ، لَيْسَ الْجَوْرُ مِنْ شَأْنِهِ، وَلَكِنَّهُ يُثِيبُ عَلَى نِيَّاتِ الْخَيْرِ أَهْلَهَا وَإِضْمَارِهِمْ عَلَيْهَا، وَلا يُؤَاخِذُ أَهْلَ الْفِسْقِ(1) حتّى يَفْعَلُوا»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم مؤاخذة أهل الفسق على نيّاتهم بالعقاب، ما لم يقترفوا. وعلى أن ذلك مقتضى العدل الإلهي، وأن الجور هو مؤاخذتهم على ما نووه، والباري تعالى منزّه عن الجور.

وعدم العقاب على نيّة المعصية - تفضّلاً منه تعالى - لا ينافي استحقاق العقاب عليها، كما هو مقتضى الارتكازات العقلائيّة؛ لأنها نوع ظلم للمولى، وتقصير في حقه من قِبل العبد في نظرهم، كما دلّ الحديث على أنّه تعالى يثيب أهل الخير على نيّة الخير، وإن لم يتحقق العمل منهم خارجاً؛ تفضلاً منه تعالى.

ص: 499


1- في المصدر: الفسوق.
2- قرب الإسناد: 48، ح158.

[114] 22 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ (نِيَّةُ(1) الْفَاجِر»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

جميع رجال الحديث قد تقدموا فيما سبق، والسند معتبر.

[22] - فقه الحديث:

تقدّم بيان دلالة الحديث. وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «نيّة المؤمن أبلغ من عمله» يفيد: أنّ نيّته حَرِيَّة بأن تكون أوصل للغاية من عمله، وكذا نيّة الفاجر؛ لأنّ المؤمن ينوي عمل كلّ خير، وعمله لا يبلغ به هذه الغاية؛ لتقيّده بقيود الزمان والمكان والقدرة. وكذا الفاجر؛ فإنه ينوي عمل كلّ شرّ وسيئة، ولكن عمله لا يصل إلى هذه الغاية؛ لتقيّده - أيضاً - بقيود الزمان والمكان والقدرة، وعليه فتكون نيّة كلّ منهما أبلغ من العمل.

وهذا وجه لأفضليّة نيّة المؤمن من عمله.

ص: 500


1- ليس في المصدر.
2- أمالي الطوسي: 454، ح 1013.

سند الحديث:

فيه: عليّ بن أحمد بن سيابة (الماوردي): ولم يذكر بشي ء.

وفيه: عبد الرحمن بن كثير الهاشمي: وقد قال عنه النجاشي: «عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، مولى عبّاس بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن العباس، كان ضعيفاً، غمز أصحابنا عليه، وقالوا: كان يضع الحديث» (1)

ولكنّه ورد في القسم الثاني من «التفسير»(2)،

ونحن لا نقبل بهذا المبنى، فيبقى تضعيف النجاشي إياه بلا معارض.

وفيه أيضاً: عمر بن أُذينة: وهو عمر بن محمّد بن عبد الرحمن بن أذينة، قال عنه النجاشي: «شيخ أصحابنا البصريين ووجههم»(3).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «عمر بن أذينة، ثقة، له كتاب»(4)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) (5) ، ووثّقه في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) (6)، وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(7) ، وعليه فلا إشكال في وثاقته.

ص: 501


1- رجال النجاشي: 234/621.
2- أصول علم الرجال 1 : 304.
3- رجال النجاشي: 283/752.
4- فهرست الطوسي: 184/503.
5- رجال الطوسي: 254/3573.
6- المصدر نفسه: 339/5047.
7- أصول علم الرجال 1 : 285 ، 232، و ج2 : 204 .

[115] 23 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الصَّيْقَلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زِيدَ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ زِيدَ فِي عُمُرِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وباقي أفراد السند قد تقدّم الكلام فيهم. فهذا السند ضعيف.

[23] - فقه الحديث:

هذا الحديث متّحد الدلالة مع الحديث التاسع عشر.

سند الحديث:

فيه أيضاً: أبو الوليد، عن الحسن بن زياد الصيقل، والظاهر: زيادة «عن» في السند؛ لأنّ أبا الوليد كنية للحسن بن زياد الصيقل.

قال الصدوق في «مشيخة الفقيه» في طريقه إليه: «وهو كوفي، مولى، وكنيته: أبو الوليد، روى عنه يونس بن عبد الرحمن»(2).

وقال الشيخ في «رجاله»: «الحسن بن زياد الصيقل، يكنّى أبا الوليد، مولى، كوفي»(3)

ص: 502


1- أمالي الطوسي: 245، ح425.
2- الفقيه 4 : 436، المشيخة.
3- رجال الطوسي: 195/2440.

[116] 24 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) - فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ - قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هُمَّ بِالْحَسَنَةِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا، لِكَيْ لا تُكْتَبَ مِنَ الْغَافِلِينَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهو موجود في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)،

وعليه فلا إشكال في وثاقته، فيكون سند الحديث معتبراً.

[24] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من آثار النيّة الحسنة أن لا يكتب صاحبها من الغافلين، الذين ورد النهي عن الاتّصاف بصفتهم في الكتاب العزيز بقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(3)

وعليه فالذي يهمُّ بالحسنة حيناً بعد حين يكون له نوع ارتباط وذكر مع ربّه، ولو لم يعملها في الخارج، ويكون مثلها مثل بعض الأمور التي إذا واظب عليها المؤمن فإنّه لا يكتب من الغافلين أيضاً، كاتّخاذ الكفن وتعاهده، وكبعض الأدعية والأذكار، التي يكون الغرض منها بقاء الإنسان على حالة الذكر الدائم لله سبحانه، بحيث لو عرضت له غفلة في بعض

ص: 503


1- أمالي الطوسي: 536، ح1162.
2- أصول علم الرجال 1 : 217، و ج2 : 185 .
3- الأعراف، الآية 205.

[117] 25 - وَعَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بِكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ يُدْخِلُ الْعَبْدَ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ الْجَنَّةَ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

الأوقات لبادر إلى الذكر من جديد، كما هو المأمور به في الآية الشريفة؛ فإنّه ورد الأمر فيها بالذكر حيناً بعد حين؛ كيلا يكون الإنسان من الغافلين.

سند الحديث:

قد تقدّم السند نفسه في الحديث الثامن من الباب الخامس، وقلنا: إنه ضعيف.

[25] - فقه الحديث:

هذا المقدار قطعة من حديث، وصدره: «المرض لا أجر فيه، ولكنّه لا

ص: 504


1- أمالي الطوسي: 602 ، ح1245.
2- تقدم في الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات.
3- يأتي في: أ - الأبواب 7 ، 11 ، 12 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 18 من الباب 4 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

يدع على العبد ذنباً إلّا حطّه. وإنّما الأجر في القول باللسان، والعمل بالجوارح. وإن اللَّه بكرمه...».

ودلّ الحديث المذكور على أنّ المرض لا أجر فيه، بل هو موجب لحطّ الذنوب ومحوها، وإنّما الأجر والثواب يستحقهما العبد على ما صدر منه من فعل قربي؛ قضاءً لما قطعه اللَّه على نفسه من إثابة العابدين له، لا أنّ العبد يستحق المثوبة على اللَّه تعالى؛ ولذا فرّق صلوات اللَّه عليه بين المرض وبين القول والعمل، بعدم الأجر على الأول، وباستحقاق الأجر على الثاني، وبيّن (علیه السلام) : أنّ من فضل اللَّه وكرمه على عباده أن جعل دخول الجنّة من آثار النية الصادقة والسريرة الصالحة لصاحبهما.

ولا يخفى ما فيه من الترغيب في صدق النيّة والحثّ عليها، عن طريق بيان أنّ بسببها يدخل صاحبها الجنة.

سند الحديث:

فيه: عبيد اللَّه بن الحسين العلوي: ولم يرد فيه شي ء إلّا وصفُ أبي المفضّل له بالعبد الصالح، فقد قال: «حدّثنا أبو أحمد عبيد اللَّه الحسين بن إبراهيم بن علي العلوي النصيبي العبد الصالح»(1).

وأمّا أبوه: فلم يذكر بشي ء.

ولكن بما أنّ للشيخ طريقاً إلى البرقي، وهو: عن جماعة، عن أبي

ص: 505


1- أمالي الطوسي: 455، ح 1018 .

المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، عنه(1)، وللشيخ طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، فيصبح هذا الطريق معتبراً؛ لأنّه من جملة مرويّاته.

تصحیح السند إلی كتاب السید عبد العظیم الحسنی

كما أنّ للصدوق طريقاً معتبراً إلى عبد العظيم الحسني في «المشيخة»، وهو: محمد بن موسى بن المتوكّل، عن السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي(2).

فإذا كان ذلك طريقاً إلى كتاب عبد العظيم فيكون للشيخ أيضاً هذا الطريق، وبهذا يكون هذا السند معتبراً.

والحاصل: أنّ في هذا الباب خمسة وعشرين حديثاً، منها عشرون حديثاً معتبراً، وخمسة ضعاف، وإن أمكن قبول بعضها ببعض المباني المتقدمة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1 - استحباب نيّة الخير.

2 - أنّ نيّة الخير أفضل من عمل الخير نفسه.

3 - أنّ على مجرّد نيّة الخير تكتب حسنة.

4 - أنّ النيّة الصالحة تكون سبباً لدخول الجنة.

ص: 506


1- فهرست الطوسي: 193/548.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 468، المشيخة.

5 - أنّ نيّة المؤمن سبب للخلود في الجنة.

6 - أنّ نيّة الخير سبب لزيادة الرزق.

7 - أنّ نيّة الخير سبب للتوفيق للعمل.

8 - أنّ النيّة السيئة بمجردها لا تكتب على المؤمن.

9 - أنّ النيّة السيئة مكروهة، وموجبة للحرمان من الرزق.

10 - أنّ نيّة الشر من الكافر شرّ من عمله.

11 - أنّ نيّة الشر من الكافر سبب للخلود في النار.

12 - أنّ نيّة الشر من الكافر تكتب عليه.

13 - أنّ صاحب النيّة الحسنة وإن لم يعملها لا يكتب من الغافلين.

14 - نيّة السيئة إذا لم يعملها المؤمن تكتب له حسنة.

15 - أن المؤمن إذا ارتكب السيئة أُجِّلَ تسع ساعات، فإن تاب وندم عليها لم يكتب عليه شي ء، وإن لم يتب عنها كتبت عليه سيئة.

ص: 507

ص: 508

7 - باب كراهة نية الشر

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب كراهة نيّة الشر

شرح الباب:

هذا الباب مكمّل للباب السابق؛ حيث تعرّض المصنف هناك للأحاديث الدالة على استحباب نيّة الخير والعزم عليه، وتعرّض هنا للأحاديث الدالة على كراهة نيّة الشر والذنب، وإن لم يحققهما في الخارج؛ إذ لا ريب: أنّ العقلاء يذمّون العبد الذي يضمر مخالفة مولاه، فيما لو اطلعوا على ما انطوت عليه نفسه، ويقبِّحون هذه النيّة السيئة.

والنيّة السيئة هي الحجر الأساس للعمل السيّى ء، كما أنّ النيّة الحسنة هي الحجر الأساس للعمل الحسن، فتكون النيّة السيّئة مبغوضة عند المولى جلّ وعلا، كما أنّ النيّة الحسنة محبوبة عنده سبحانه. ثمّ إنّ الله تعالى لا يعاقب على نيّه الشرّ؛ تفضلاً منه ورحمة، وإن كان يثيب على النيّة الحسنة، كما تقدّم، وقد مرّ في الباب السابق ما يدلّ على ذلك.

وكراهة المولى عزّوجلّ لنيّة الشر إنّما هو لقبحها الذاتي، كما يشهد به العقلاء، وللآثار الوضعيّة التي تنتج عنها، كالحرمان من الرزق، وغير ذلك.

الأقوال:

أمّا الخاصة: فقد قال الشهيد في محكي «القواعد»: «لا يؤثر نيّة المعصية

ص: 509

عقاباً ولا ذماً، ما لم يتلبّس بها، وهو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه»(1)

وقال المحقّق الداماد (قدس سره) : «إنّ فقهاء الأصحاب وأصوليِّهم - رضي اللَّه تعالى عنهم - وكذلك الفقهاء والأصوليين من العامة قد اتّفقوا على أنّ العزم على المعاصي ونيتها ممّا لا يترتب عليه عقاب ومؤاخذة، ما لم يتحقّق التلبّس بالمعصية»(2)

وأمّا العامة: فيظهر من مطاوي كلمات بعضهم: أنّ مشهورهم على أنّ العزم على المعصية معصية.

قال الحطّاب الرعيني: «هو وإن كان غير معاقب على ترك الصلاة، فإنّه معاقب على تصميمه على ترك الصلاة؛ فإنّ العزم على المعصية والتصميم عليها معصية، فيؤاخذ بذلك...»(3)

ونقل النووي في «شرحه على صحيح مسلم» - في ذيل حديث: «ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق» - قولَ القاضي: «ففي هذا الحديث دلالة لمذهب الجمهور: أنّ العزم على المعصية إذا استقرّ في القلب كان ذنباً، يكتب عليه، بخلاف الخاطر الذي لا يستقرّ في القلب»(4)

وقال ابن حجر في «فتح الباري»: «قال عيّاض: في هذا الحديث حجة

ص: 510


1- القواعد والفوائد 2 : 107.
2- اثنا عشر رسالة: 88، المقالة السابعة.
3- مواهب الجليل 2 : 38.
4- شرح مسلم 11 : 107.

[118] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةً رَدَّاهُ اللَّهُ رِدَاهَا، إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرّاً فَشَرٌّ»(1).

أقول: هذا شامل للنيّة والعمل، ومثله كثير.

-----------------------------------------------------------------------------

للجمهور: أنّ العزم على المعصية... [وذكر ما يقرب مما سبق نقله عن النووي]»(2)

وقال ابن حزم: «ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً ومن همّ بسيئة، فإن تركها للَّه تعالى كتبت له حسنة، فإن تركها بغلبة أو نحو ذلك لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت له سيّئة واحدة»(3).

فجمهورهم على التفصيل بين العزم المستقّر، فيعاقب عليه، وبين غير المستقّر، فلا يعاقب عليه.

[1] - فقه الحديث:

للحديث صدر لم يذكره المصنّف، وهو هكذا: عمر بن يزيد قال: إنّي

ص: 511


1- الكافي 2 : 294، باب الرياء، ح 6، وص224، ح 5، وأورده بتمامه في الحديث 5 من الباب 11 من أبواب مقدمة العبادات.
2- فتح الباري 8 : 471.
3- المحلَّى 1 : 18.

لأتعشّى مع أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، إذ تلا هذه الآية: «{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}. يا أبا حفص، ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى اللَّه عز وجل بخلاف ما يعلم اللَّه تعالى...» .

السر والسريرة: ما يكتم في النفس. والرداء - بالكسر - : ما يستر أعالي البدن فقط، وإن شئت قلت: الرداء: الثوب الذي يجعل على العاتقين وبين الكتفين فوق الثياب(1)

وعليه فيكون معنى قوله (علیه السلام) : «من أسرّ سريرة» أي: أخفى شيئاً وكتمه، وهو شامل للنيّة والعمل، كما أشار إليه المصنِّف (قدس سره) . «ردّاه اللَّه رداءها» أي: أظهرها كما يظهر الرداء الذي هو أظهر الثياب. فشبّه (علیه السلام) الأثر الظاهر على الإنسان بسبب ما يسرّه في نفسه بالرداء؛ فإنّه يلبس فوق الثياب، ولا يكون مستوراً بثوب آخر. فإن كان ما يسرّه في نفسه خيراً، كان الرداء خيراً وإن كان ما يسرّه في نفسه شرّاً كان الرداء شرّاً.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، و عليه فالسند معتبر.

ص: 512


1- مجمع البحرين 2 : 169 ، مادة: «ردو ، ي».

[119] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَا مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ خَيْراً إِلَّا لَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حتّى يُظْهِرَ اللَّهُ لَهُ خَيْراً، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ شَرّاً إِلَّا لَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حتّى يُظْهِرَ اللَّهُ لَهُ شَرّاً»(1).

وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث أصرح في الدلالة من الحديث السابق؛ إذ يدل على أنّ مَن عمل عملاً صالحاً وأخفاه عن الناس، لئلّا يشاب بالرياء، أو أخفى في قلبه نيّة حسنة خالصة، أظهره اللَّه، وأظهر حاله يوماً لعباده، وصرف قلوبهم إليه؛ ليمدحوه ويوقّروه ويعظّموه، فيحصل له - مع ثناء اللَّه تعالى - ثناء الناس. وبحكم المقابلة لو أظهره؛ طلباً لرضاهم، صرف اللَّه عنه قلوبهم، وجعلها مبغضة له(3)

ص: 513


1- الكافي 2 : 295، باب الرّياء، ح 12.
2- المصدر نفسه 2 : 293، باب الرّياء، ح 4.
3- شرح أصول الكافي 9 : 292.

وأما من عمل عملاً قبيحاً وأخفاه عن الناس؛ لئلّا يسقط اعتباره عندهم، أو أخفى في قلبه نيّة سيئة، أظهر اللَّه حاله يوماً لعباده، وصرف قلوبهم عنه؛ ليحقّروه، ويكون مبغوضاً عند اللَّه وعند الناس، إلّا أن يتوب.

سند الحديث:

روى الحديث الكليني بطريقين:

الأوّل: عن عليّ بن إبراهيم.

وهذا الطريق قد تقدّم حال رجاله في الحديث الثاني عشر من الباب الأول، وهو ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني، إلّا أن يقال: بأنّ روايات عليّ بن أبي حمزة كانت قبل وقفه، كما يظهر من النجاشي؛ ويؤيده: رواية جعفر بن بشير عنه، الذي روى عن الثقات، ورووا عنه، وكذلك شهادة الكليني بصحة رواياته.

الثاني: عن محمّد بن يحيى.

أمّا محمّد بن يحيى، وأحمد بن محمد، والحسين بن سعيد، والنضر بن سويد: فهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا القاسم بن سليمان: فلم يرد فيه مدح ولا قدح.

نعم، ورد في «التفسير»(1)

، وروى عنه يونس بن عبد الرحمن في كتابه، فيحكم بوثاقته من هذه الجهة.

ص: 514


1- أصول علم الرجال 1 : 285 .

وأمّا جرّاح المدائني: فهو - أيضاً - لم يرد فيه مدح ولا توثيق. قال عنه النجاشي: «له كتاب يرويه عنه جماعة»(1)،

وورد في «مشيخة الفقيه»(2) ، وروى الصدوق عنه(3)،

كما وقع في أسناد «كامل الزيارات»(4) ، إلّا أنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه لتشمله الشهادة. وعليه فهو مهمل، فهذا السند ضعيف.

ص: 515


1- رجال النجاشي: 130/335.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 437 ، المشيخة.
3- المصدر نفسه 1 : 480، و ج2 : 173 .
4- كامل الزيارات: 532، باب فضل زيارة المؤمنين وكيف يزارون، ح806.

[120] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ ابْنِ حَفْصٍ، عَنْ عليّ بْنِ السَّائِحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَلَكَيْنِ: هَلْ يَعْلَمَانِ بِالذَّنْبِ إِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوِ الْحَسَنَةِ؟ فَقَالَ: «رِيحُ الْكَنِيفِ وَالطَّيِّبِ سَوَاءٌ»؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا هَمَّ بِالْحَسَنَةِ خَرَجَ نَفَسُهُ طَيِّبَ الرِّيحِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ: قُمْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ هَمَّ بِالْحَسَنَةِ، فَإِذَا فَعَلَهَا كَانَ لِسَانُهُ قَلَمَهُ، وَرِيقُهُ مِدَادَهُ، فَأَثْبَتَهَا لَهُ. وَإِذَا هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ خَرَجَ نَفَسُهُ مُنْتِنَ الرِّيحِ، فَيَقُولُ صَاحِبُ الشِّمَالِ لِصَاحِبِ الْيَمِينِ: قِفْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ، فَإِذَا هُوَ فَعَلَهَا كَانَ لِسَانُهُ قَلَمَهُ، وَرِيقُهُ مِدَادَهُ، فَأَثْبَتَهَا عَلَيْهِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

من همَّ بسيّئة خرج منه الريح النتن

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ العبد إذا هَمّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح، فإذا هو عملها كتبت له مع أضعافها، كما في كثير من الأحاديث(3). وإذا هَمّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح، فإذا هو عملها كتبها اللَّه عليه. ولا إشكال في

ص: 516


1- الكافي 2 : 429، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة، ح 3.
2- صفات الشيعة: 38 ، ح 62.
3- الكافي 2 : 429، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة.

أنّ الريح النتن يكشف عن ظلمة نفسانيّة جرّاء الهمّ بالسيئة. وهاتان الريحان ريحان معنويّتان، يستكشف منهما الملائكة الموكّلون نوع نيّة العبد.

قوله (علیه السلام) : «فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له»، قال في «الوافي»: إنّما جعل الريق واللسان آلة لإثبات الحسنة والسيئة؛ لأنّ بناء الأعمال إنّما هو على ما عقد في القلب من التكلّم بها، وإليه الإشارة بقوله سبحانه: {إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه}(1)،

وهذا الريق واللسان الظاهر صورة لذلك المعنى كما قيل:

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما *** جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً(2)

بحث رجالي في عبد اللَّه بن موسى بن جعفر

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا.

أمّا محمّد بن يعقوب والعدّة وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي: فقد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عليّ بن حفص العوسي: فلم يرد فيه شي ء.

كما أنّ عليّ بن السائح: لم يرد فيه شي ء أيضاً.

وأمّا عبد اللَّه بن موسى بن جعفر: فالظاهر أنّه أخو الإمام الرضا (علیه السلام) ،

ص: 517


1- فاطر، الآية 10.
2- كتاب الوافي 5 : 1022.

المدفون قرب قم في طريق أصفهان، وله مزار معروف.

قال الشيخ المفيد في«الإرشاد»: «ولكل واحد من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر (علیهما السلام) فضل، ومنقبة مشهورة»(1) .

وقال في «الاختصاص»: «وكان شيخاً كبيراً نبيلاً، عليه ثياب خشنة، وبين عينيه سجّادة، فجلس، وخرج أبو جعفر الجواد (علیه السلام) من الحجرة وعليه قميص قصب، ورداء قصب، ونعل جدد بيضاء، فقام عبد اللَّه، فاستقبله، وقبّل بين عينيه»(2)

ولكنّ الظاهر: أنّ ما ذكره الشيخ المفيد في «الإرشاد» لا دلالة فيه على الحسن، فضلاً عن الوثاقة. نعم، هو يفيد مدحاً.

وأمّا رواية «الاختصاص» فإنّها مرسلة، مضافاً إلى الشك والخلاف في نسبة كتاب «الاختصاص» إلى الشيخ المفيد.

وقد وردت فيه روايات ذامّة(3).

وبالجملة: للتوقّف فيه مجال. وعلى هذا فالسند ضعيف.

الثاني: ما رواه الصدوق في كتاب «صفات الشيعة»، عن أبيه.

وهذا الطريق قد تقدّم ذكر رجاله كلّهم. وعلى هذا فالحديث - من حيث الدلالة - تامّ، إلّا أنّه - من حيث السند - ليس كذلك، إلّا أن يحكم بصحته؛ بناءً

ص: 518


1- الإرشاد 2 : 246.
2- الاختصاص: 102.
3- المصدر نفسه: 102.

[121] 4 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ فِي كِتَابِ «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ محمّد الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَنْوِي الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ رِزْقَهُ»(1).

أَحْمَدُ بْنُ محمّد الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

على القول بصحة أحاديث «الكافي».

نية الذنب توجب حرمان الرزق

[4] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أن نيّة المعصية موجبة لحرمان الرزق. ولا يخفى ما في هذا البيان من الردع عن مجرّد نيّة ارتكاب المعصية؛ فإنّ العاقل إذا علم بأنّ شيئاً يوجب الحرمان من أهمّ عَصَب في الحياة - وهو الرزق - فإنّه يجتنب عنه لا محالة.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

ص: 519


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 241، عقاب من ينوي الذنب ، ح 1.
2- المحاسن1 : 206 ، ح 362.

الأوّل: محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه في كتاب «عقاب الأعمال»، عن محمّد بن الحسن بن الوليد.

أمّا محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه ومحمد بن الحسن بن الوليد ومحمد بن الحسن الصفّار: فهم ثقات أجلّاء، وقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا جعفر بن محمّد بن عبد اللَّه: فالظاهر أنّه جعفر بن محمّد بن عبد اللَّه الأشعري، الذي يروي عنه الصفّار ، وقد ورد في «نوادر الحكمة»(1).

وعليه فهو ثقة من هذه الجهة.

وأمّا بكر بن محمّد الأزدي: فقد قال النجاشي عنه: «بكر بن محمّد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي، الغامدي، أبو محمد، وجه في هذه الطائفة، من بيت جليل بالكوفة، من آل نعيم الغامديين. عمومته: شديد، وعبد السلام، وابن عمه موسى بن عبد السلام، وهم كثيرون. وعمّته: غنيمة، روت أيضاً عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أصحاب الرجال. وكان ثقة، وعمّر عمراً طويلاً، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»(2) وعليه فيظهر أنّ كتابه معروف ومشهور.

ونقل الكشّي: «عن محمّد بن عيسى العبيدي أنّ بكر بن محمّد الأزدي خَيِّر، فاضل»(3).

ص: 520


1- أصول علم الرجال 1 : 215 .
2- رجال النجاشي: 108/273.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 856/1107.

[122] 5 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَشْعَثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، يُكْتَبُ لِلْمُؤْمِنِ فِي سُقْمِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا كَانَ يُكْتَبُ فِي صِحَّتِهِ، وَيُكْتَبُ لِلْكَافِرِ فِي سُقْمِهِ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّى ءِ مَا كَانَ يُكْتَبُ فِي صِحَّتِهِ»، ثمّ قَالَ: قَالَ: «يَا جَابِرُ، مَا أَشَدَّ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ!»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(2).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

الثاني: أحمد بن محمّد البرقي في «المحاسن» عن بكر بن محمد، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ... .

وهذا الطريق صحيح أيضاً؛ لأنّ أحمد بن محمّد البرقي يروي عن بكر بن محمّد بلا واسطة. ولكن في روايته عن أصحاب الصادق تأمّل، إلّا أنّ كتاب بكر بن محمّد معروف ومشهور، فلا يحتاج إلى الطريق.

[5] - فقه الحديث:

المستفاد من هذا الحديث: أنّ المؤمن لمّا كان من نيّته المداومة على الأعمال الصالحة، فمتى حيل بينه وبينها بالمرض، فإنّ اللَّه سبحانه يكتب له

ص: 521


1- المحاسن 1 : 405، ح920.
2- أصول علم الرجال 1 : 277، و ج2 : 183 .

أَقُولُ: وَقَدْ تقدّم مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ(1)1*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْكَرَاهَةِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحته، من حيث نيّته. والكافر - أيضاً - لمّا كان من نيّته المداومة على تلك الأعمال القبيحة، فإنّه يكتب له ما كان يكتب في صحته.

وكون هذا الحديث شديداً جدّاً؛ لعلّه لخفاء وجهه على من يسمعه، وتوهّم منافاته للعدل الإلهي.

وبمضمون هذا الحديث أحاديث أخرى:

منها: ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): إنّ المسلم إذا غلبه ضعف الكبر أمر اللَّه عزّوجلّ الملك أن يكتب له في حاله تلك مثل ما كان يعمل وهو شاب نشيط صحيح. ومثل ذلك إذا مرض وكّل اللَّه به ملكاً يكتب له في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحّته، حتّى يرفعه اللَّه ويقبضه. وكذلك

ص: 522


1- 1*) تقدم في الباب السابق.
2- 2*) يأتي في: أ - البابين 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 13 من الباب 40 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد. ج - الحديث 14 من الباب 43 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

الكافر إذا اشتغل بسقم في جسده كتب اللَّه له ما كان يعمل من الشر في صحته»(1) .

ومنها: ما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين في «ثواب الأعمال»، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن عبد اللَّه بن يسار، عن عبد اللَّه، عن درست، عن أبي إبراهيم (علیه السلام) ، قال: «قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): للمريض أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر اللَّه الملك يكتب له كلّ فضل كان يعمله في صحته، ويتبع مرضه كلّ عضو في جسده فيستخرج منه ذنوبه، فإن مات، مات مغفوراً له، وإن عاش، عاش مغفوراً له»(2)

سند الحديث:

محمّد بن الحسن بن شمّون: تقدّم أنه ثقة على الأقوى.

وأمّا عبد اللَّه بن عمرو بن الأشعث: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا عبد الرحمن بن حماد الأنصاري: فقد قال عنه النجاشي: «رمي بالضعف والغلو»(3).

ص: 523


1- الكافي 3 : 113 ، باب ثواب المرض، ح 2.
2- ثواب الأعمال: 193.
3- رجال النجاشي: 238/633.

وقال ابن الغضائري: «ضعيف جداً، لا يلتفت إليه، في مذهبه غلو»(1)

ولكنه ورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

ويمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق: بأنّ الضعف في مذهبه لا في حديثه.

ويمكن أن يكون «عبدالله» بدل «عبد الرحمن»؛ لأنّ لقب الأنصاري لعبدالله بن حماد(3).

مضافاً إلى أنّه في موارد متعددة روى عبدالله عن عمرو بن شمر(4)،

ولم يوجد رواية عبد الرحمن عنه.

وأمّا عمرو بن شمر: فقد قال عنه النجاشي: «عمرو بن شمر، أبو عبد اللَّه الجعفي، عربي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ضعيف جداً، زِيد أحاديث في كتب جابر الجعفي، ينسب بعضها إليه، والأمر ملتبس»(5).

وقال ابن الغضائري: «عمرو بن شمر، أبو عبد اللَّه الجعفي، كوفي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وجابر، وهو ضعيف»(6)، وذكره الشيخ (7) ولم

ص: 524


1- خلاصة الأقوال: 375.
2- أصول علم الرجال 1 : 226، و ج2 : 198 .
3- كمال الدين: 673، ووسائل الشيعة 16 : 183، باب 17 من كتاب الأمر بالمعروف، الحديث 21299، وكتاب الغيبة للنعماني: 65.
4- انظر: المصدر نفسه.
5- رجال النجاشي : 287/765.
6- خلاصة الأقوال: 378.
7- رجال الطوسي: 250/3507.

يتعرض لضعفه.

إلّا أنه ورد في «التفسير»(1).

فيمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق: بأن يكون الضعف في مذهبه، لا في روايته.

وأمّا جابر: فهو الجعفي، وقد تعرّضنا لحاله في مباحثنا الرجاليّة(2)، وذكرنا هناك سبعة وجوه تدلّ على وثاقته، منها: أنّ المفيد قال في حقه: إنّه من الفقهاء الأعلام، الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(3).

وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)،

ووردت في حقه روايات مادحة(5). والحاصل أن السند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، المعتبر منها اثنان، والثلاثة الأخرى يمكن تصحيحها على بعض المباني المتقدمة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من الباب أمور:

منها: أنّ من أسرّ سريرة حسنة من نيّة أو عمل أظهرها اللَّه سبحانه، وكذا من أسرّ سريرة سيّئة.

ص: 525


1- أصول علم الرجال 1 : 285 .
2- المصدر نفسه 2 : 348 - 354 .
3- المصدر نفسه 2 : 348.
4- المصدر نفسه 1 : 278، و ج2 : 183 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 437 - 449/ 338 - 348.

ومنها: أنّ نتيجة إخفاء العمل العبادي - لئلّا يشاب بالرياء ونحوه - هو إظهار اللَّه هذا العمل لعباده؛ ليثنوا عليه ويوقّروه، أو أن يظهر له نتيجة نيّته نوعاً من الخير يسانخ نيّته الحسنة، بخلاف من أسرّ شراً، فإنّه لا تمضي الأيام إلّا وتظهر له نتيجة هذه النيّة، إمّا بأن تظهر نيّته للناس فيحقّروه، وإمّا أن تظهر له نتيجة نيّته نوعاً من الشر يسانخ نيّته السيئة.

ومنها: أنّ نَفَس العازم على الحسنة طيّب الريح، كما أنّ نَفَس العازم على السيئة منتن الريح. وهاتان الرائحتان معنويّتان، يستدلّ بهما الملائكة الموكّلون على عزم العبد.

ومنها: أنّ نيّة الذنب موجبة للحرمان من الرزق.

ومنها: أنّه يكتب للمؤمن في حال مرضه ما كان يكتب له في حال صحته من العمل الصالح؛ لأنّ مرضه هو الذي أعاقه عن العمل، فيثيبه اللَّه على نيّته.

ويكتب للكافر في حال مرضه ما كان يكتب له في حال حياته من العمل السيّى ء؛ لأنّ من نيّته أن يستمرّ عليه لولا المرض.

ص: 526

8 - باب وجوب الإخلاص في العبادة والنية

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب وجوب الإخلاص في العبادة والنيّة

مراتب الإخلاص سبع

شرح الباب:

تقدّم منّا أنّ النيّة المعتبرة هي: انبعاث النفس وميلها وتوجّهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها، إمّا عاجلاً أو آجلاً.

وأمّا الإخلاص: فقد ذكر الشيخ البهائي (قدس سره) : أنّ «الخالص في اللغة: كلّ ما صفا وتخلّص ولم يمتزج بغيره، سواء كان ذلك الغير أدون منه أو لا. فمن تصدَّق لمحض الرياء فصدقته خالصة لغة، كمن تصدّق لمحض الثواب. وقد خُصَّ العمل الخالص في العرف بما تجرّد قصد التقرّب فيه عن جميع الشوائب، وهذا التجريد يسمّى: إخلاصاً. وقد عرّفه أصحاب القلوب بتعريفات أخر:

فقيل: هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير اللَّه فيه نصيب. وقيل: إخراج الخلق عن معاملة الحق. وقيل: هو ستر العمل عن الخلائق، وتصفيته عن العلايق. وقيل: أن لا يريد عامله عليه عوضاً في الدارين، وهذه درجة عليّة عزيزة المنال، قد أشار إليها أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: «ما عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، ولا طَمَعَاً في جَنّتِكَ، ولكنَ وجَدْتُكَ أهلاً للعبادةِ فَعَبَدْتُك»(1)

ص: 527


1- مرآة العقول 7 : 81، ح4.

والحاصل: أنّ الإخلاص هو تجريد النيّة عن الشوائب في العبادة، وعدم لحاظ شي ء سوى وجه اللَّه تعالى.

وقد ذكروا للإخلاص مراتب متفاوتة، بحسب تفاوت طبقات العبّاد ودرجاتهم:

أحدها: عبادة الشاكرين، وهم الذين يعبدون اللَّه تعالى؛ شكراً على نعمائه اللامتناهية؛ قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : «إنّ قوماً عبدوا اللَّه رغبةً فتلك عبادةُ التجّار، وإنّ قوماً عبدوا اللَّه رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللَّه شُكْراً فتلك عبادةُ الأحرار»(1)

وثانيها: عبادة المقرّبين، وهم الذين يعبدون اللَّه تعالى؛ تقرباً إليه. والمراد بالقرب هنا هو القرب المعنوي، وهو أن يخرج العبد من حضيض نقص الامكان، ويتّصف بالكمالات، ويتخلّق بأخلاق اللَّه عزّوجلّ؛ فإنّه الغاية من خلق الإنسان؛ قال اللَّه عزّوجلّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ}(2) .

وثالثها: عبادة المُستَحِين، وهم الذين يعبدون اللَّه تعالى؛ حياءاً؛ قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : «اعْبُد اللَّهَ كأنَّك تَراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنّه يراكَ»(3)

ص: 528


1- نهج البلاغة 4 : 53.
2- الذاريات، الآية 56.
3- مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق (علیه السلام) : 8.

ورابعها: عبادة المتلذّذين، وهم الذين يتلذّذون بعبادة اللَّه تعالى بأعظم ممّا يلتذّ به أهل الدنيا من نعيم الدنيا؛ ففي «الكافي» عن أبي جميلة، قال: قال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «قال اللَّهُ تبارك وتعالى: يا عِبادي الصدِّيقين، تَنَعَّموا بعبادتي في الدنيا؛ فإنَّكم تَتَنَعَّمون بها في الآخرة»(1) .

وخامسها: عبادة المحبّين، وهم الذين وصلوا بطاعتهم وعبادتهم إلى أعلى درجات الكمال من حبّ اللَّه تعالى؛ قال الإمام الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) : «إنّ الناسَ يعبدون اللَّه عزّوجلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحُرَصاء، وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار، فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكنّي أعبده حبّاً له عزّوجلّ، فتلك عبادة الكرام، وهو الأمن؛ لقوله عزّوجل: {وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}(2)

، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(3)،

فمن أحبّ اللَّه عزّوجلّ أحبّه اللَّه، ومن أحبّه اللَّه عزّوجلّ كان من الآمنين»(4)

وسادسها: عبادة العارفين، وهم الذين بعثهم على العبادة كمال معبودهم، وأنه أهل للعبادة فعبدوه؛ كما ورد عن أمير المؤمنين (علیه السلام) : «ما

ص: 529


1- الكافي 2 : 83 ، باب العبادة، ح 2 .
2- النمل، الآية 89.
3- آل عمران، الآية 31.
4- علل الشرائع 1 : 12.

عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، ولا طَمَعَاً في جَنَّتِكَ، ولَكِنْ وَجَدْتُكَ أهلاً للعبادةِ فَعَبَدْتُك».

وسابعها: عبادة اللَّه لنيل ثوابه، أو الخلاص من عقابه. وسيأتي الكلام في الخلاف في خصوص هذه المرتبة.

وبعض هذه المراتب العالية تختصّ بأهل العصمة (علیهم السلام) ، ومن كان قريباً من مرتبتهم، كسلمان وأبي ذر والمقداد، وكثير منها لا يشاركهم فيها حتّى أمثال هؤلاء.

وقد قيل: إنّ من ادّعى تلك المراتب، فإنّما يصدّق في دعواه إذا علم من نفسه أنّه لو أيقن أنّ اللَّه تعالى يدخله بطاعته وعبادته النار وبمعصيته الجنّة يختار الطاعة، ويترك المعصية، وأين عامّة الخلق من هذه الدرجة؟!

وأمّا الضمائم، فهي قسمان:

أحدهما: الضمائم الجائزة بالمعنى الأعم.

وثانيهما: الضمائم المحرّمة والمرجوحة، وسيأتي الكلام عن هذين القسمين في الأبواب الآتية.

الأقوال:

هل قصد الثواب أو الخلاص من العقاب منافٍ للإخلاص؟

المشهور بين الفقهاء - إن لم يكن إجماعيّاً - اعتبار الخلوص في مطلق العبادات. وكلماتهم في اعتباره فيها منثورة في كتبهم عند التعرض للنيّة، سواء في مباحث الوضوء أو الصلاة أو غيرهما.

ص: 530

نعم، يظهر من السيد المرتضى (قدس سره) في «الانتصار»(1) القول بعدم البطلان بالرياء، بل العبادة مجزية ومسقطة للقضاء، ولكن لا ثواب عليها. وتبعه على ذلك بعض المتأخرين(2).

وكذا الكلام بالنسبة إلى العامة، فإنّهم يصرّحون بذلك في مثل تلك المباحث، ويرسلونها إرسال المسلمات(3)

وسيأتي في الباب الحادي عشر: أنّ ضمّ الرياء إلى العبادة مبطل لها، وصاحب هذا العمل مأثوم؛ لأنّه من الكبائر، بل هو شرك باللَّه تعالى على ما في بعض الأخبار(4).

نعم، نقل صاحب «المدارك»(5)، عن الشهيد في «القواعد والفوائد»(6)، عن الأصحاب بطلان العبادة بغاية نيل الثواب أو الخلاص من العقاب، أو كليهما، بل نسبه في «الحدائق»(7) إلى ظاهر المشهور بين الأصحاب، وقطع بذلك السيد رضيّ الدين بن طاووس(8)

ص: 531


1- الانتصار: 100، المسألة: 9.
2- وهو الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1 : 511 - 512، ويظهر منه أيضاً في ج3 : 411. .
3- راجع على سبيل المثال: مغني المحتاج 1 : 148 - 149 .
4- وسائل الشيعة 1 : 64، ب11، ح11 وما بعده.
5- المدارك 1 : 187.
6- القواعد والفوائد 1 : 77 ، الفائدة: 2 .
7- الحدائق 2 : 177 .
8- يقول السيد ابن طاووس محتجاً بأنّ قاصد ذلك إنما قصد الرشوة والبرطيل ولم يقصد وجه الرب الجليل. وهو دال على أنّ عمله سقيم وأنّه عبد لئيم. (إقبال الاعمال 3 : 195، فصل20، وراجع: مدارك الأحكام 1 : 187، ومشارق الشموس في شرح الدروس: 88).

وهو الظاهر من «الدروس»(1) أيضاً، وإن اختار الصحة في «الذكرى»(2) و«القواعد والفوائد»(3)،

وهو المنقول عن الصوفيّة من العامة.

ولعلّ الذي حداهم إلى هذا القول هو توهّم: أنّ قصد الثواب مخرج عن الإخلاص وابتغاء اللَّه بالعمل؛ لأنّ العابد جعل هذا القصد واسطة بينه وبين اللَّه عزّوجلّ، بل هذا القصد إنّما هو: قصد جلب المنفعة للنفس، أو دفع المضرّة عنها، وأين هذا من قصد وجه اللَّه تعالى؟!

وفيه:

أوّلاً: أنّ المكلّف لا يكاد ينفكّ عن أحد هذين القصدين أو كليهما غالباً، بل دفعه عن النفس يحتاج إلى رياضات شاقّة ومجاهدات عظيمة، فتكليف عامّة الناس به في نهاية العسر والحرج، وهما منفيّان في الشريعة المقدسة.

وثانياً: أنّ كون قصد الثواب مخرج للعمل عن الإخلاص غير مسلّم؛ لأنّ الثواب لمّا كان من عند اللَّه ومترتّباً على الإخلاص وقصد التقرّب، فإذا لم

ص: 532


1- انظر: الدروس 1 : 90 .
2- الذكرى 2 : 104 .
3- القواعد والفوائد 1 : 77، 89 . نقل بعضهم العبارة عنه بإضافة «أكثر الأصحاب» . كما في الطهارة (للشيخ الأنصاري) 2 : 45، والمستمسك 2 : 464 .

يأت بالعمل للَّه لم يترتّب عليه الثواب، بل يكون كالعدم. فالآتي بالعمل يقصد العمل لوجه اللَّه لا محالة، ولكنّه يرجو بذلك الثواب الذي وعده اللَّه عليه.

وثالثاً: ورود الآيات والروايات التي ترغّب في الثواب(1)، وتحذّر من العقاب، ومنها: روايات «من بلغ»(2)،

والروايات الواردة في الأعمال المأمور بها لقضاء الحوائج الدنيويّة(3). فلو كانت هذه القصود مُفسِدَة للعبادة لكان الحثّ عليها والوعد بها عبثاً وخلافاً للمقصود من بيانها للناس.

إلى غير ذلك من الوجوه التي يطول بذكرها الكلام.

ص: 533


1- كالآية 103 من البقرة، و 76 من مريم، و46 من الكهف، و195 من آل عمران، و80 من القصص، و 134 من النساء.
2- الكافي 2 : 87، باب من بلغه ثواب ... ، وهنا: باب 18 من أبواب مقدمة العبادات.
3- المصدر نفسه 2 : 192، باب قضاء حاجة المؤمن، و196، باب السعي في حاجة المؤمن، و199، باب تفريج كرب المؤمن، وغيرها.

[123] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَنِيفاً مُسْلِماً}(1)، قَالَ: «خَالِصاً مُخْلِصاً لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

تفسیر قوله تعالی (حَنِيفاً مُسْلِماً)

[1] - فقه الحديث:

قال في القاموس: «الحنف - محرّكة- : الاستقامة والاعوجاج في الرجل، أو أن يقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى... والحنيف - كأمير - : الصحيح الميل إلى الإسلام، الثابت عليه، وكل من حجّ، أو كان على دين إبراهيم (علیه السلام) »(3)

والآية الشريفة التي تلاها الإمام (علیه السلام) تثبت الحنف لإبراهيم (علیه السلام) ، فهو مسلم للَّه، وليس بمتّخذ له شريكاً. وفي إثبات الحنف له (علیه السلام) تعريض بأهل الكتاب، فإنّ اليهود مالوا إلى الماديّة المحضة، كما أنّ النصارى مالوا إلى المعنويّة المحضة، وإبراهيم بري ء عن الميل إلى أحد الطرفين، بل هو في الحدّ الوسط، وهو الإسلام للَّه.

فالحنيف: المسلم المنقاد، وهو المائل إلى الدين الحق، وهو الدين

ص: 534


1- آل عمران، الآية 67.
2- الكافي 2 : 15 ، باب الإخلاص، ح 1.
3- القاموس المحيط 3: مادّة: «حنف».

الخالص، ولذا فسّره (علیه السلام) بقوله: «خالصاً مخلصاً»، أي: خالصاً للَّه، مخلصاً للَّه عبادته وعمله من الشرك الجليّ والخفيّ، وعن ملاحظة غيره تعالى مطلقاً. وسيأتي في الحديث السابع من الباب عن «المحاسن»: «لا يشوبه شي ء»، وله ظهور في التعميم لما ذكرنا.

ثمّ وصفه على سبيل التأكيد بقوله: «ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان».

والمراد بالأوثان: إمّا الأوثان الحقيقيّة المعروفة التي كان يتّخذها المشركون، ويزعمون: أنّها تقرِّبهم إلى اللَّه زلفى، أو الأوثان المجازيّة الأعم منها ومن الشياطين والنفس، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها، وعبادة النفس في أهوائها، وقد نهى جلّ شأنه عن عبادتهما، فقال في محكم كتابه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(1)

، وقال أيضاً: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}(2)

وفي الحديث إشارة إلى أنّ الرياء داخل في عبادة الأوثان؛ إذ الرياء هو المصداق الظاهر الجليّ لعدم الإخلاص، فهما لا يجتمعان أبداً، وكل منهما يرفع موضوع الآخر، فإذا وجد الرياء انتفى الإخلاص، والعكس صحيح.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّموا جميعاً، والسند صحيح.

ص: 535


1- يس، الآية 60.
2- الجاثية، الآية 23.

[124] 2 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : وَبِالإِخْلاصِ يَكُونُ الْخَلاصُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

هذه قطعة من حديث وارد في الدعاء وشرائطه، ومعنى: «وبالإخلاص»: الإخلاص في الدعاء، وهو تجريده عن شوائب النقص والرياء، أو المراد: أنّه بإخلاص نفسه عن المهلكات والخبائث يكون الخلاص، أي: النجاة من المشقّة والبلاء، أو الوصول إلى اللَّه تبارك وتعالى، أو إلى المطلوب. وفيه إشارة إلى أنّ الإخلاص أمر راجح، وهو من شرائط الدعاء.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّموا جميعاً، والسند معتبر.

ص: 536


1- الكافي 2 : 468 ، باب أنّ الدعاء سلاح المؤمن، ح 2.

[125] 3 - وَعَنْهُمْ(1)، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ أَخْلَصَ للَّهِ الْعِبَادَةَ وَالدُّعَاءَ، وَلَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِمَا تَرَى عَيْنَاهُ، وَلَمْ يَنْسَ ذِكْرَ اللَّهِ بِمَا تَسْمَعُ أُذُنَاهُ، وَلَمْ يَحْزُنْ صَدْرُهُ بِمَا أُعْطِيَ غَيْرُهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «طوبى»، أي: الجنة، أو طيبها، أو شجرتها، أو العيش الطيّب، أو الخير، فكل هذا أو بعضه يحصل لمن أخلص للَّه العبادة والدعاء، وقصد سبحانه بهما، ولم يقصد غيره، ولم يشغل قلبه عن اللَّه وطاعته بما ترى عيناه من متاع الدنيا الزائل، وزخارفها الشهيّة، وصورها البهيّة، ولم ينس ذكر اللَّه بالقلب واللسان بما تسمع أذناه من الأصوات الداعية إلى الدنيا، والإخلاد إليها، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره من نعم الدنيا، ومن أسباب العيش، وحرم هو منها. والاتّصاف بهذه الصفات العليّة إنّما يتصوّر لمن قطع عن

ص: 537


1- علّق المؤلف هنا بقوله: «وعنهم» في هذا الباب وغيره من باب الاستخدام؛ لأنّ العدّة التي تروي عن ابن خالد غير العدّة التي تروي عن سهل، وهذا - مع جوازه - لطيف يناسب الاختصار. ثمّ هذه (ظ) [الروايات] بعضها دال على الوجوب وبعضها [على] مطلق الرجحان، وهو محمول (ظ) كذا في نسخة الأصل، وباقي الهامش لا يقرأ، كما أنّ ما بين المعقوفات كذلك. فلاحظ.
2- الكافي 2 : 16 ، باب الإخلاص، ح 3.

نفسه العلائق الدنيّة، وتوجّه بكلّه نحو الحضرة الأحديّة، مقتفياً في ذلك الآثار المحمديّة، والتعليمات الصادرة من العترة الهادية المهديّة عليهم أفضل الصلوات الأبديّة.

وعليه فهذا الحديث دالّ على رجحان الإخلاص في الدعاء، بل في مطلق العبادة، ويترتب عليه الأثر المذكور في الحديث.

تصحیح أصل و روایات علي بن أسباط

سند الحديث:

وفيه: سهل بن زياد: وهو محلّ خلاف، كما تقدم، وقد اخترنا ضعفه. والتفصيل موكول إلى محلّه في «أصول علم الرجال»(1)

إلّا أنّه يمكن تصحيح الحديث من جهة أخرى، وهي: أنّ للشيخ (قدس سره) طريقاً معتبراً إلى أصل وروايات عليّ بن أسباط (2)،

الواقع في سند هذا الحديث بعد سهل. وحيث إنّ للشيخ (قدس سره) أيضاً طريقاً معتبراً إلى جميع روايات الكليني (قدس سره) وكتبه(3)، فيعدّ الحديث من روايات الشيخ - أيضاً - بطريق معتبر، وبطريق الكليني معاً، فيصبح الحديث صحيحاً، مضافاً إلى شهادة الكليني (قدس سره) بصحة جميع الروايات المذكورة في كتابه.

ص: 538


1- أصول علم الرجال 2 : 355 - 360 .
2- فهرست الطوسي: 153/384.
3- المصدر نفسه: 211/ 602.

[126] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حتّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ. وَالْعَمَلُ الْخَالِصُ: الذِي لا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْهِ أحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الإخلاص المطلوب في العمل ليس مجرّد إيقاع العمل خالصاً لوجه اللَّه، بعيداً عن كلّ ما ينقصه ويشينه فحسب، بل المطلوب هو بقاؤه واستمراره خالصاً مادام العمر أيضاً، ولذا ورد في تفسير الإبقاء على العمل خالصاً تجرّده حتّى عن مجرّد الذكر للآخرين، فإنّه ينافي مرتبة من مراتب الإخلاص، فعن أبي جعفر (علیه السلام) : أنّه قال: «الإبقاء على العمل، أشدّ من العمل»، قال: وما الإبقاء على العمل؟ قال: «يصل الرجل بصلة وينفق نفقة للَّه وحده لا شريك له، فتكتب له سرّاً، ثمّ يذكرها فتمحى، فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها فتمحى، وتكتب له رياء»(2)

والسبب في ذلك: أنّ خلوص العمل وصفاءه لا يتحقق بمجرد أن يقول:أصوم - مثلاً - قربة إلى اللَّه، وإخطار معناه بالبال، واستعمال الجوارح فيه، بل

ص: 539


1- الكافي 2 : 16 ، باب الإخلاص، ح 4، وتقدمت قطعة منه في الحديث 5 من الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الكافي 2 : 296 ، باب الرياء، ح 16.

لا بد مع ذلك من تأثّر القلب بالعمل، وانقياده إلى الطاعة، وإقباله إلى اللَّه جلّ شأنه، وانصرافه عن الدنيا وما فيها، كما مرّ في الباب السادس. ولا ينال ذلك إلّا بتحصيل الفضائل، والاجتناب عن الرذائل النفسانيّة؛ فإنّ النفس تنبعث لما يلائمها من الأفعال التي تتفق مع شاكلتها. فإذا كانت النفس متحلّية بالصفات الحسنة انبعثت لما هو حسن، ومنه الفعل الخالص لوجه المولى عزّوجلّ؛ باعتباره مصداقاً لتعظيم مَن هو أحق بالتعظيم من غيره، ولا مجال حينئذٍ لملاحظة غيره، لا صدوراً ولا بقاءً. وإذا كانت ملوّثة بالصفات القبيحة انبعثت لما هو قبيح، ومنه صدور العمل لا عن إخلاص، كأن يكون مشوباً بالرياء ونحوه.

وتحصيل هذه الأمور مشكل جدّاً، لا يتيسر الوصول إليها إلّا لذوي الفطرة السليمة والفكرة المستقيمة. فقد ظهر من هذا: أنّ حفظ العمل من موجبات النقص والفساد أشدّ وأصعب من نفس العمل.

ثمّ أشار (علیه السلام) إلى تفسير العمل الخالص بقوله: «والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحدٌ» حين العمل وبعده «إلّا اللَّه تعالى»؛ تنبيهاً على أنّ الرياء وقصد المدحة والسمعة منافٍ للخلوص.

نعم، لو اطّلع الناس على عمله بلا تدخّل منه في ذلك ومدحوه، لم يقدح ذلك في خلوص عمله، بل هو من جميل صنع اللَّه تعالى ولطفه به، كما ورد في كثير من الروايات(1).

ص: 540


1- وسائل الشيعة 1 : 75، الباب 15 من أبواب مقدمة العبادات، ح1 و 2.

[127] 5 - وَبِالإِسْنَادِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(1)، قَالَ: «السَّلِيمُ(2): الَّذِي يَلْقَى رَبَّهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ»، قَالَ: «وَكُلُّ قَلْبٍ فِيهِ شَكٌّ أَوْ شِرْكٌ فَهُوَ سَاقِطٌ. وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا؛ لِتَفْرُغَ قُلُوبُهُمْ لِلآخِرَةِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وفي الحديث دلالة على أنّ قصد الثواب أو الخلاص من العقاب لا ينافي الخلوص، كما تدل عليه كثير من الروايات. وسيأتي مزيد بيان لذلك في الباب الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر إن شاء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

قد مرّ هذا السند عينه في الباب السادس في الحديث الخامس. وعليه فهو معتبر أيضاً.

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ القلب السليم الذي ينفع صاحبه يوم القيامة - يوم لا ينفع مال ولا بنون - هو القلب السليم الذي يلقى اللَّه وليس فيه أحد سواه، أي: شُغِل هذا القلب بربّه عن غيره من المال والولد وغيرهما، فليس فيه

ص: 541


1- الشعراء، الآية 89.
2- في المصدر: القلب السليم.
3- الكافي 2 : 16، باب الإخلاص، ح 5.

محلّ لغيره تعالى، وهو معنى الإخلاص المطلوب في العبادة؛ قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّه وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(1)

وقوله (علیه السلام) : «وكل قلب فيه شك»: يمكن أن يراد من الشكّ هنا: ضعف الإيمان بالآخرة، وعدم اليقين الكامل بها، ويتفرّع عليه حبُّ الدنيا، أو يراد الشك في العلم الذي يجب عليه تحصيله فيقنع منه بالظن، ولا يطلب العلم واليقين، فهو ساقط عن الاعتبار والقبول عند أهل العلم والدين، أو يكون ساقطاً عن قرب الحق جلّ جلاله.

وكذا كلّ قلب كان فيه شرك خفي نتج عن عبادة النفس أو الشيطان، بأن كان فيه رياء، أو كان العمل فيه مشوباً ببعض الأغراض الفاسدة.

وإنّما أراد الأنبياء والأوصياء وخُلَّص أصحابهم الزهد في الدنيا وتركها؛ لتفرغ قلوبهم للآخرة، وتتفكّر في أمر الدنيا، وفيما يوجب النجاة من المهالك، والترقّي فيها، من ذكر اللَّه وطاعته في الظاهر والباطن، ولتتطهّر قلوبهم من حبّ الدنيا وطاعة النفس والشيطان، وليصفوَ القلب عن غير اللَّه في الظاهر والباطن؛ ليصل إلى مقام القرب. فلا فائدة في ترك الدنيا في الظاهر مع اشتغال القلب بها، وتلوّثه بحبّه لها، وميله إلى عبادة النفس والشيطان في الباطن.

ص: 542


1- المنافقون، الآية 9.

[128] 6 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَخَافُ(1) أَنْ أَكُونَ مُنَافِقاً؟ فَقَالَ لَهُ: «إِذَا خَلَوْتَ فِي بَيْتِكَ نَهَاراً أَوْ لَيْلاً، أَ لَيْسَ تُصَلِّي؟» فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ: «فَلِمَنْ تُصَلِّي؟» قَالَ: للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَكُونُ مُنَافِقاً وَأَنْتَ تُصَلِّي للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لا لِغَيْرِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

هو نفس السند السابق بلا فرق. وعليه فلا إشكال في اعتباره.

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمرين:

الأوّل: أنّ الإتيان بالأعمال للَّه عزّوجلّ وحده، لا يجتمع مع النفاق أبداً، فيستفاد منه: أنّ المخلص في أعماله لا يكون منافقاً أبداً؛ لأنّ المنافق يخادع المؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر.

الثاني: أنّ من علامات المنافق، أنه إذا قام إلى الصلاة بحضرة المؤمنين

ص: 543


1- في المصدر: أتخاف عليّ.
2- معاني الأخبار: 142 ، ح 1.

قام متثاقلاً عنها، كأنّه مكره عليها، ولا يذكر اللَّه إلّا قليلاً؛ لأنّه لا يفعل ذلك إلّا بحضور من يراه، وهو أقلّ أحواله؛ قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّه إلّا قَلِيلاً}(1).

وأمّا المؤمن، فلا تتوفّر فيه مثل هذه الصفات؛ ولذا أجاب الإمام (علیه السلام) السائل: بأنّه ليس بمنافق؛ لأنّه يصلّي في غير محضر الناس، وصلاته يقصد بها اللَّه سبحانه وتعالى ويضيفها إليه، وهاتان الصفتان ليستا من صفات المنافق.

سند الحديث:

فيه يعقوب بن يزيد: قال عنه النجاشي: «يعقوب بن يزيد بن حمّاد، الأنباري، السلميّ، أبو يوسف، من كتّاب المنتصر، روى عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، وانتقل إلى بغداد، وكان ثقة صدوقاً»(2).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «يعقوب بن يزيد الكاتب، الأنباري، كثير الرواية، ثقة، له كتب، منها كتاب النوادر»(3)، وعدّه ابن شهرآشوب من ثقات أبي الحسن عليّ بن محمد (علیهما السلام) (4)

ص: 544


1- النساء، الآية 142.
2- رجال النجاشي: 450/1215.
3- فهرست الطوسي: 264/807 .
4- معجم رجال الحديث 21 : 157/13778.

[129] 7 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ: {حَنِيفاً مُسْلِماً}(1)، قَالَ: «خَالِصاً مُخْلِصاً لا يَشُوبُهُ شَيْ ءٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «النوادر» و«التفسير»(3) .

وتقدّم الكلام عن بقيّة رجال السند. وعليه فلا إشكال في اعتبار السند.

[7] - فقه الحديث:

تقدّم الكلام في دلالة الحديث الأول على لزوم الإخلاص ، إلّا أنّ الإمام (علیه السلام) قال هناك: «ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان»، وهنا قال: «لا يشوبه شي ء»، وهو ظاهر في التعميم لما ذكرناه هناك.

ولعلّهما كانا حديثاً واحداً، والاختلاف بينهما جاء من النقل بالمعنى، أو من جهة الرواة.

سند الحديث:

سند الحديث معتبر، وقد سبق الكلام حول أفراده فيما مرّ.

ص: 545


1- آل عمران، الآية 67.
2- المحاسن 1 : 391 ، ح 873 .
3- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289 .

[130] 8 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، يَقُولُ: «إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَحِيمٌ، يَشْكُرُ الْقَلِيلَ. إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُرِيدُ بِهِمَا وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِمَا الْجَنَّةَ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ وَالصَّدُوقُ وَالشَّيْخُ، كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

هذا المقدار قطعة من الحديث، وسيذكر المصنف الحديث كاملاً في الباب الثامن والعشرين، وكان الأولى ذكره بتمامه هنا؛ لعدم اختصاص الدلالة على الإخلاص بالصلاة، وتمام الحديث هكذا: «إيّاكم والكسل؛ إنّ ربّكم رحيم، يشكر القليل. إنّ الرجل ليصلي الركعتين تطوّعاً، يريد بهما وجه اللَّه، فيدخله اللَّه بهما الجنة. وإنّه ليتصدّق بالدرهم تطوّعاً، يريد به وجه اللَّه، فيدخله اللَّه به الجنة. وإنّه ليصوم اليوم تطوّعاً، يريد به وجه اللَّه، فيدخله اللَّه به الجنة»(3).

ص: 546


1- المحاسن 1 : 393 ، ح 880 .
2- يأتي في الحديث 4 من الباب 28 من أبواب مقدمة العبادات عن الصدوق والشيخ، وفي الحديث 4 من الباب 12 من أبواب أعداد الفرائض عن الشيخ، وفي الحديث 11 من الباب 1 من أبواب الصوم المندوب نحوه عن الكليني.
3- وسائل الشيعة 1 : 115 ب 28 من أبواب مقدمة العبادات، ح4.

والحديث دالٌّ على أنّ اللَّه سبحانه رحيم بعباده، ويجازي بالكثير على العمل القليل، بشرط أن يكون العمل خالصاً لوجه اللَّه تعالى. ولا يشترط كثرة العمل؛ إذ ليست الكثرة مداراً للقبول، وإنّما المدار على الخلوص في العمل المأتي به.

وفي الحديث دلالة أيضاً على التحذير من الكسل واستقلال العبادة؛ فإنّ هذين الأمرين يدعوان إلى ترك العبادة رأساً؛ فلذا ورد التحذير منه هنا. وسيأتي ما ينفع المقام في الباب المشار إليه.

بحث رجالي في إسماعیل بن یسار الهاشمي

سند الحديث:

قد ذكر المصنف سنداً واحداً للحديث صراحة، وأشار إلى وجود ثلاثة أسانيد أخرى:

أّمّا السند الصريح فهو - كما ذكر - ما عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن إسماعيل بن يسار.

وفيه من لم يتقدم سابقاً، أي: إسماعيل بن يسار: وهو مشترك بين الواسطي والهاشمي.

أمّا الهاشمي: فقد قال عنه النجاشي: «إسماعيل بن يسار، الهاشمي، مولى إسماعيل بن عليّ بن عبد اللَّه بن العباس، ذكره أصحابنا بالضعف، له كتاب»(1)

ص: 547


1- رجال النجاشي: 29/58.

[131] 9 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي فِي عَمَلِهِ لَمْ أَقْبَلْهُ إِلَّا مَا كَانَ لِي خَالِصاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهنا قد صرّح النجاشي بأنّ له كتاباً.

وأمّا الواسطي، فلم يذكر أنّ له كتاباً، فلا ينصرف إليه عند الإطلاق.

وقد ورد في «النوادر» بعنوان الهاشمي، كما ورد على نحو الإطلاق، وروى عنه المشايخ الثقات أيضاً(2)

ويمكن أن يجمع بين هذا التوثيق وبين تضعيف النجاشي له: بأن الضعف من جهة المذهب، أو من جهة شي ء آخر غير الضعف في الحديث. وعليه فهذا السند معتبر.

وأمّا الأسانيد الثلاثة التي أشار إليها المصنف، فستأتي في الباب المذكور.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم قبول العمل المأتي به غير خالص لوجه اللَّه تعالى، فهو تعالى أطلق على نفسه لفظ الشريك، على زعم هذا العابد الذي جعل له مقداراً من عمله، ولغيره تعالى المقدار الآخر، وبيّن تعالى أنه خير

ص: 548


1- المحاسن 1 : 392، ح 874، ورواه الكليني (قدس سره) في الكافي 2 : 295 ، باب الرّياء، ح 9.
2- أصول علم الرجال 1 : 214 و 2 : 182 .

الشريكين، فهو لا يفعل كسائر الشركاء من القسمة والمساهمة، بل يترك ما كان معه أحد غيره، ويقبل ما كان خالصاً من الرياء والعجب، ونحوهما.

ويمكن أن يستدل به - كما عن بعضٍ(1)

- على بطلان العمل العبادي المأتي به مشتركاً بين قصد وجه اللَّه وقصد غيره، مشاعاً أو مبعّضاً.

سند الحديث:

فيه من لم يسبق ذكره، وهو عليّ بن سالم: وهو مهمل لم يذكر بشي ء. وقد احتمل بعضهم(2):

أنّه عليّ بن أبي حمزة البطائني؛ لأنّ اسم أبيه سالم، ولكنه احتمال بعيد؛ فإنّه لم يعهد هذا الإطلاق في حقّه حتّى ينصرف إليه.

إلّا أنه قد روى عنه يونس بن عبد الرحمن الذي حكمه حكم المشايخ الثقات(3) ، فيكون ثقة على هذا.

فالسند معتبر، وكذا سند «الكافي» الذي أشار إليه المصنّف في آخر الباب؛ فإنه عين هذا السند.

ص: 549


1- كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري 1 : 280.
2- المجلسي الأول في روضة المتقين 14 : 399، كما جاء في منتهى المقال 5 : 12 نقلاً عن تعليقة الوحيد البهبهاني:233. وأمّا التفرشي فقد عنون ل- «علي بن سالم» وبعده ل- «علي بن سالم الكوفي» ، وعدّ الأول متحداً مع البطائني. (راجع: نقد الرجال 3 : 263).
3- أصول علم الرجال 2 : 282.

[132] 10 - وَعَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِذَا أَحْسَنَ الْمُؤْمِنُ ضَاعَفَ اللَّهُ عَمَلَهُ لِكُلِّ حَسَنَةٍ سَبْعَمِائَةٍ، فَأَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِ اللَّهِ - إِلَى أَنْ قَالَ - : وَكُلُّ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ للَّهِ فَلْيَكُنْ نَقِيّاً مِنَ الدنَسِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على لزوم تحسين الأعمال العباديّة، التي يكون الباعث عليها طلب الثواب، بل لا بد من تنقية كلّ عمل يقصد به اللَّه عزّوجلّ من الدنس، وهو في الأصل: الوسخ. ويمكن أن يراد به هنا الكناية عمّا يلوّث القلب من الصفات الرديّئة.

وفي الحديث دلالة على أنّ العبادة التي يقصد منها تحصيل الثواب لا بأس بها. نعم، لا بد من نسبتها إلى المولى جلّ وعلا، فيكون قصد الثواب من غايات الامتثال التي لا تتنافى مع الإخلاص، لا أن يقصد الثواب مجرداً عن نسبة وإضافة العمل العبادي إلى المولى، وإلّا بطل العمل، كما لا يخفى؛ لأنّ مجرّد قصد تحصيل الثواب على العمل لا يحقق الإضافة إلى المولى، والعمل العبادي - بدون هذه الإضافة - ليس له هذا الأثر.

سند الحديث:

رجاله قد تقدّموا، ولا إشكال في صحّة السند.

ص: 550


1- المحاسن 1 : 396 ، ح 887.

[133] 11 - وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلَّا قِلَّةُ الْعَقْلِ»، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ للَّهِ رِضاً فَيُرِيدُ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَخْلَصَ للَّهِ لَجَاءَهُ الَّذِي يُرِيدُ فِي أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا سند «الكافي»: فلم نعثر على الحديث في «الكافي» أصلاً.

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ قليل العقل - وهو: من سَخُف رأيه، فلم يميّز الصالح من الطالح - يعمل العمل المرضي للَّه عزّوجلّ إلّا أنّه يريد به غير اللَّه، ويشركه معه، فيفوته قبول العمل، والآثار التي تترتب على العمل؛ فإنّه إذا طلب بالعمل العبادي الرياء والمنزلة عند الناس - مثلاً - فقد أبطل عمله، وأثم على الرياء، ولم يحصل على المنزلة التي طلبها من الناس؛ لسقوط المرائي عن أعينهم.

ولو أنّه أخلص في عمله ونقّاه من الشوائب، لحصل على المنزلة والرفعة التي طلبها؛ فإنّه قد ورد في بعض الأخبار: أنّ اللَّه يتولّى نشر الحسن من الصفات والأفعال إذا أخلص صاحبها(2).

ص: 551


1- المحاسن 1 : 395 ، ح 884 .
2- وسائل الشيعة 1 : 66، ب11 من أبواب مقدمة العبادات، ح146، و71، ب12، ح159.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ(1)، وَكَذَا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ قَبْلَهُ.

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المستفاد من أحاديث الباب

سند الحديث:

الحديث مرسل، بل معضل؛ إذ كيف يروي البرقي عن الإمام الباقر (علیه السلام) بواسطة واحدة؟! إلّا أن يقال باعتباره من جهة شهادة الكليني (قدس سره) بصحة رواياته.

وكذا سند «الكافي»، إلّا أنّ فيه: «ليس بين الإيمان والكفر إلّا قلّة العقل».

والحاصل: أن في هذا الباب أحد عشر حديثاً، منها تسعة صحاح، واثنان ضعيفان.

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1 - أنّ بالإخلاص يكون الخلاص.

2 - أنّ بالإخلاص يستحقّ المخلص الجنّة.

ص: 552


1- الكافي 1 : 28، كتاب العقل والجهل، ح 33.
2- يأتي في: أ - البابين 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 31 من الباب 4 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

3 - أنّ بالإخلاص يستحقّ المخلص الجنّة، ولو كان عمله قليلاً.

4 - أنّ بالإخلاص والإحسان يضاعف العمل إلى سبعمائة ضعف.

5 - أنّ الإخلاص لا يجامع النفاق.

6 - أنّ الإخلاص بقاءً أشدّ من العمل.

7 - أنّ الإخلاص هو المراد بقوله تعالى: {حَنِيْفاً مُسْلِماً}(1)،

وبقوله تعالى: {إلّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم}(2).

8 - أنّ عدم الإخلاص مساوق لعبادة الأوثان.

9 - أنّ عدم الإخلاص مساوق للشرك.

10 - أنّ عدم الإخلاص مساوق للنفاق.

11 - أنّ عدم الإخلاص موجب لعدم قبول العمل.

12 - أنّ عدم الإخلاص سببه قلّة العقل، وسخف الرأي، وطلب ما يفنى بتضييع ما يبقى.

ص: 553


1- آل عمران: 67.
2- الشعراء الآية 89 .

ص: 554

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.

2- فهرس الكنى والألقاب.

3- فهرس الأسانيد.

4- فهرس المصادر.

5- فهرس مطالب الكتاب.

ص: 555

ص: 556

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- آ -

آدم بن إسحاق الأشعري (ب1 ح15)............................................. 133

- أ -

أبان بن عثمان (ب1 ح1)................................................................ 58

أبان بن محمّد = السندي بن محمّد (ب3 ح2)................................. 349

إبراهيم بن أبي معاوية (ب4 ح11)................................................. 402

إبراهيم بن إسحاق (مشترك) (ب1 ح32)....................................... 219

إبراهيم بن إسحاق (أبو إسحاق الأحمري النهاوندي) (ب1 ح32)... 219

إبراهيم بن إسحاق الأزدي (ب1 ح32).......................................... 219

إبراهيم بن إسحاق بن أزور (ب1 ح32)......................................... 220

إبراهيم بن إسحاق الحارثي (ب1 ح32)......................................... 220

إبراهيم بن إسحاق الخدري (ب1 ح32)........................................ 220

إبراهيم بن إسحاق المدائني (ب1 ح32)........................................ 220

إبراهيم بن عمر اليماني (ب1 ح30)............................................... 209

إبراهيم بن محمّد الثقفي (ب1 ح8)................................................ 103

إبراهيم بن مهزيار (ب1 ح30)....................................................... 209

ص: 557

إبراهيم بن هاشم (ب1 ح2)............................................................ 67

أحمد بن إبراهيم المراغي (ابو حامد) (ب2 ح22).......................... 334

أحمد بن أبي عبدالله البرقي (ب1 ح2)............................................ 70

أحمد بن إدريس القمي (ابو علي الأشعري) (التمهيد - العدة الأولى للكليني)... 25

أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوي (ب5 ح10)......................... 441

أحمد بن الحسن بن علي (بن فضال) (ب4 ح12)........................... 406

أحمد بن الحسن القطان (ب1 ح27).............................................. 200

أحمد بن صبيح الأسدي (ب6 ح15)............................................. 486

أحمد بن عبدالله (ابن ابنه) (التمهيد - العدة الثانية للكليني)................. 27

أحمد بن عبدون (ب5 ح8)............................................................ 431

أحمد بن علي العبدي (ب1 ح23)................................................. 182

أحمد بن محمّد بن أبي نصر (ب1 ح8).......................................... 102

أحمد بن محمّد بن جابر (ب1 ح22)............................................. 167

أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد (ب1 ح32)........................... 218

أحمد بن محمّد بن عقدة (ب1 ح35)............................................ 242

أحمد بن محمّد بن ثابت الخزاعي (ب1 ح22).............................. 168

أحمد بن محمّد بن زيد الخزاعي (ب1 ح22)................................ 169

أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمي (ب1 ح3) .................... 75

أحمد بن محمّد (مشترك) (ب1 ح3).............................................. 74

أحمد بن يحيى بن زكريا (القطان) (ب1 ح27).............................. 202

ص: 558

أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي (ب1 ح35)........................... 244

أحمد بن يونس (ب6 ح4)............................................................. 457

إسحاق بن إسماعيل النيسابوري (ب1 ح21).................................. 159

إسحاق بن إبراهيم (ب1 ح23)...................................................... 182

إسحاق بن العباس بن إسحاق الموسوي المهلوس (ب5 ح10)....... 441

إسحاق بن عمار (ب6 ح12)......................................................... 475

إسماعيل بن جابر الجعفي (ب1 ح35)........................................... 245

إسماعيل بن جعفر بن محمّد (علیه السلام) (ب4 ح5)................................... 389

إسماعيل بن عياش (ب1 ح25)...................................................... 195

إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد (ب5 ح10)....... 441

إسماعيل بن مسلم السكوني (ب3 ح5)........................................... 358

إسماعيل بن مهران (ب1 ح22)...................................................... 167

إسماعيل بن يسار (مشترك) (ب8 ح8)............................................ 547

إسماعيل بن يسار الهاشمي (ب8 ح8)............................................. 547

إسماعيل بن يسار الواسطي (ب8 ح8)............................................ 548

أنس بن مالك (ب1 ح23)............................................................. 185

- ب -

بكر بن صالح (ب2 ح9)................................................................. 283

بكر بن عبدالله بن حبيب (ب1 ح27)............................................. 202

ص: 559

بكر بن محمّد الأزدي (ب7 ح4).................................................... 520

بكير بن أعين الشيباني (ب6 ح8).................................................... 468

- ت -

تميم بن بهلول (ب1 ح 27)........................................................... 202

- ث -

ثابت بن دينار = أبو حمزة الثمالي (ب1 ح10)............................... 116

ثعلبة بن ميمون (ب1 ح3).............................................................. 81

- ج -

جابر (بن عبدالله الأنصاري) (ب1 ح22)......................................... 169

جابر (الجعفي) (ب7 ح5)............................................................... 525

جرّاح المدائني (ب7 ح2).............................................................. 515

جعفر بن بشير (ب1 ح10)............................................................. 117

جعفر بن سليمان (مشترك) (ب1 ح24).......................................... 190

جعفر بن سليمان، من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) (ب1 ح24)........ 190

جعفر بن سليمان الضبعي البصري (ب1 ح24)................................ 190

جعفر بن سليمان القمي (ب1 ح24)............................................... 190

جعفر بن محمّد بن عبدالله (الأشعري) (ب7 ح4)........................... 520

جعفر بن محمّد بن قولويه (ب1 ح31)........................................... 214

جميل (مشترك) (ب1 ح36).......................................................... 247

ص: 560

جميل بن درّاج (ب1 ح36)........................................................... 247

جميل بن صالح (ب1 ح36).......................................................... 248

جندب بن جنادة = أبوذر (ب5 ح8)............................................... 436

- ح -

حبيب بن الحسين الكوفي (ب6 ح15)........................................... 486

حريز بن عبدالله (ب1 ح2)............................................................. 68

الحسن بن أبان (ب6 ح2)............................................................... 450

الحسن بن إبراهيم الهاشمي (ب1 ح23)......................................... 182

الحسن بن إسحاق (ب6 ح18)....................................................... 492

الحسن بن الجهم (بن بكير بن أعين) ( ب6 ح14).......................... 484

الحسن بن الحسين الأنصاري (ب6 ح17)...................................... 490

الحسن بن زياد الصيقل (أبوالوليد) (ب6 ح23).............................. 502

الحسن بن علي = الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن أشناس (ب5 ح8) 432

الحسن بن علي بن أبي حمزة (ب1 ح35)...................................... 244

الحسن بن علي بن شعبة (ب2 ح15).............................................. 307

الحسن بن علي بن فضال (ب1 ح3)................................................ 80

الحسن بن علي بن النعمان (ب6 ح17)........................................... 490

الحسن بن علي بن يقطين (ب3 ح3)............................................... 351

الحسن بن علي الجوهري (ب1 ح21)............................................ 159

ص: 561

الحسن بن علي الكوفي (ب1 ح1).................................................. 58

الحسن بن علي الوشاء (ب1 ح10)................................................ 115

الحسن بن محبوب (ب1 ح6)......................................................... 96

الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي (ب1 ح31)........................... 212

الحسن بن محمّد بن سماعة (ب1 ح3)........................................... 79

الحسن بن محمّد السكوني (ب4 ح11).......................................... 401

الحسن بن موسى الخشاب (ب1 ح22).......................................... 172

الحسين بن إبراهيم القزويني (ب1 ح34)........................................ 238

الحسين بن أحمد بن إدريس (ب6 ح14)...................................... 484

الحسين بن سعيد الأهوازي (ب1 ح3)............................................ 79

الحسين بن سيف (الكندي) (ب1 ح38)........................................ 253

الحسين بن عبيدالله الغضائري (ب1 ح21)...................................... 159

الحسين بن محمّد الأشعري (ب1 ح10)......................................... 114

الحسين بن ميمون (ب1 ح15)....................................................... 133

الحسين بن يزيد القمي (الصحيح: النخعي) = النوفلي (ب2 ح17)... 314

الحسين بن يزيد النوفلي (ب2 ح17).............................................. 315

الحسين العلوي (ب6 ح25)........................................................... 505

الحصين بن جندب = ابن ظبيان (ب4 ح11)................................... 403

حفص الأحمر (ب1 ح22)............................................................ 174

حماد بن عثمان (ب2 ح7).............................................................. 278

ص: 562

حماد بن عيسى (ب1 ح2).............................................................. 68

حمران (بن أعين الشيباني) (ب1 ح14).......................................... 131

حمزة بن حمران (ب4 ح2)............................................................ 380

حميد بن زياد بن حماد (ب1 ح34)............................................... 234

حميد بن المثنى (العجلي) = أبو المغراء (ب6 ح12)....................... 474

حنظلة بن زكريا (ب5 ح9)............................................................ 438

- خ -

خيثمة بن عبدالرحمن الجعفي (ب6 ح13)..................................... 479

- د -

داود بن الحصين (ب2 ح12)......................................................... 296

داود بن كثير الرقي (ب2 ح2)........................................................ 269

داود بن كورة (التمهيد عند بيان العدة الأولى).................................. 26

- ر -

رجاء بن يحيى العبرتائي (ب5 ح8)................................................ 433

رزيق (بن الزبير الخلقاني) (ب1 ح34)........................................... 237

- ز -

زرارة بن أعين (ب1 ح2)............................................................... 69

زرعة بن محمّد (أبو محمّد الحضرمي) (ب1 ح34)........................ 239

ص: 563

زياد بن المنذر = أبو الجارود (ب3 ح3)......................................... 351

زيد بن علي (ب1 ح22)................................................................ 175

زيد الشحام (ب6 ح15)................................................................. 486

زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) (ب1 ح22)...................................... 167

- س -

سعد بن عبدالله (بن خلف القمي) (ب1 ح17)................................ 146

سعدان بن مسلم = عبدالرحمن بن مسلم (ب1 ح39)...................... 256

سفيان بن السمط (ب1 ح13)......................................................... 128

سفيان بن عيينة (ب6 ح5).............................................................. 461

سليمان بن خالد (ب1 ح3)............................................................. 76

سليمان بن داود المنقري (ب6 ح4)................................................ 457

سليمان بن عبدالله الديلمي (ب3 ح4)............................................. 356

سليمان بن مهران الأعمش (ب4 ح11).......................................... 402

سماعة بن مهران (ب6 ح7)............................................................ 466

السندي بن محمّد = أبان بن محمّد (ب3 ح2)................................. 349

سهل بن زياد (ب1 ح6)................................................................. 97

- ش -

شاذان بن الخليل (ب6 ح13)......................................................... 481

شرحبيل بن مسلم (ب1 ح25)....................................................... 195

ص: 564

- ص -

صالح بن السندي (ب1 ح10)........................................................ 117

صالح بن محمّد البغدادي (ب1 ح25)........................................... 194

صعدي بن عجلان = أبو أمامة (ب1 ح25)..................................... 196

صفوان بن يحيى (ب1 ح4)............................................................ 88

- ط -

طلحة بن زيد (ب4 ح1)................................................................. 737

- ظ -

ظالم بن ظالم (عمرو) = أبو الأسود الدؤلي (ب5 ح8)..................... 435

- ع -

عبّاد العامري = محمّد بن جابر بن عياذ العامري (ب1 ح22)........... 170

العباس بن عامر (ب1 ح1).............................................................. 58

العباس بن معروف (ب1 ح39)...................................................... 256

عبد الجليل الباقلاني (ب1 ح22)................................................... 171

عبد الحميد بن أبي العلاء (مشترك) (ب1 ح6)................................ 97

عبد الحميد بن أبي العلاء، الأزدي الخفاف (ب1 ح6).................... 97

عبد الحميد بن أبي العلاء بن عبد الملك الأزدي (ب1 ح6)............. 97

عبد الرحمن بن أبي نجران (ب1 ح24).......................................... 190

ص: 565

عبد الرحمن بن حماد الأنصاري (ب7 ح5).................................... 523

عبد الرحمن بن كثير الهاشمي (ب6 ح22)..................................... 501

عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد الله العزرمي (ب1 ح7).................... 99

عبد الرحيم القصير (ب2 ح18)...................................................... 319

عبد الرزاق بن مهران (ب1 ح15).................................................. 133

عبد الرزاق بن همام (ب1 ح23).................................................... 182

عبد العزيز العبدي (ب4 ح2).......................................................... 380

عبد العزيز القندي (ب4 ح2).......................................................... 380

عبد العظيم بن عبد الله الحسني (ب1 ح20).................................... 154

عبدالله بن بكير (ب1 ح32)........................................................... 218

عبدالله بن جعفر الحميري (ب1 ح28)........................................... 205

عبدالله بن سنان (ب2 ح10)........................................................... 286

عبدالله بن الصلت (ب1 ح2)........................................................... 68

عبدالله بن عبدالرحمن الأصم المسمعي (ب5 ح8).......................... 434

عبدالله بن عجلان (ب1 ح11)....................................................... 119

عبدالله بن عمرو بن الأشعث (ب7 ح5)........................................... 523

عبدالله بن القاسم (مشترك) (ب1 ح16).......................................... 139

عبدالله بن القاسم الجعفري (ب1 ح16).......................................... 139

ص: 566

عبدالله بن القاسم الحارثي (ب1 ح16)........................................... 139

عبدالله بن القاسم الحضرمي (ب1 ح16)........................................ 139

عبدالله بن محمّد (مشترك) (ب1 ح22).......................................... 172

عبدالله بن محمد بن علي بن الحسين (ب1 ح22)........................... 172

عبدالله بن محمّد بن علي بن عبدالله بن جعفر (ب1 ح22)............... 172

عبدالله بن محمّد بن عيسى (بنان) (ب2 ح19)................................ 323

عبدالله بن محمّد الرازي (ب6 ح19).............................................. 495

عبد الله بن مسكان (ب1 ح3)......................................................... 75

عبدالله بن المغيرة (ب6 ح10)........................................................ 471

عبدالله بن موسى بن جعفر (علیه السلام) (ب7 ح3)...................................... 517

عبدالله بن موسى الروياني (ب1 ح20)........................................... 154

عبيدالله بن الحسين العلوي(ب6 ح25)........................................... 505

عبيد الله بن موسى العبسي (ب1 ح22)........................................... 174

عبيدالله بن موسى العمري (المعمري) (ب1 ح22).......................... 174

عبيدالله بن الوليد الوصافي (ب3 ح7)............................................. 360

عبيد بن زرارة (ب2 ح6)................................................................ 276

عثمان بن عيسى (ب6 ح7)............................................................. 465

عجلان أبو صالح (ب1 ح9)........................................................... 112

العلاء بن رزين (ب1ح24)............................................................ 191

علي بن إبراهيم (التمهيد عند بيان العدة الأولى)................................ 25

علي بن أبي حمزة (البطائني) (ب1 ح12)....................................... 121

علي بن أحمد بن سيابة (الماوردي) (ب6 ح22)............................ 501

ص: 567

علي بن أحمد بن موسى الدقاق (ب1 ح20).................................. 152

علي بن أسباط (ب2 ح21)............................................................ 330

علي بن جعفر (ب4 ح6)................................................................ 394

علي بن حاتم (ب1 ح22).............................................................. 170

علي بن حديد (ب6 ح6)............................................................... 463

علي بن الحسن بن رباط (ب1 ح3)................................................. 79

علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (ب1 ح17)............................ 145

علي بن الحسين السعد آبادي (التمهيد عند بيان العدة الثانية)............. 26

علي بن الحسين المرتضى (ب1 ح35)........................................... 241

علي بن حفص العوسي (ب7 ح3).................................................. 517

علي بن الحكم (قيل باشتراكه) (ب1 ح13).................................... 125

علي بن الحكم الأنباري (ب1 ح13).............................................. 126

علي بن الحكم بن الزبير (ب1 ح13)............................................. 126

علي بن الحكم الكوفي (ب1 ح13)............................................... 126

علي بن حمزة (ب5 ح9)................................................................ 438

علي بن رئاب (ب1 ح14)............................................................. 131

علي بن السائح (ب7 ح3)............................................................... 517

علي بن سالم (ب8 ح9)................................................................. 549

علي بن عبدالعزيز (ب1 ح3).......................................................... 81

علي بن عبدالله الورّاق (ب1 ح20)................................................. 152

ص: 568

علي بن عقبة (ب1 ح34)............................................................... 232

علي بن الفضل (الواسطي) (ب4 ح7)............................................. 395

علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان (علّان) (ب1 ح15)................... 133

علي بن محمّد بن بندار (التمهيد عند بيان العدة الثانية)...................... 26

علي بن محمّد بن عبدالله بن عمران الجنابي (ب1 ح15)................. 132

علي بن محمّد بن عبدالله الحنّاط (ب6 ح9).................................... 470

علي بن محمّد بن قتيبة (ب2 ح22)................................................ 334

علي بن محمّد (علّان) (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)....................... 27

علي بن محمّد العلوي (ب1 ح21)................................................. 159

علي بن محمّد القاساني (ب6 ح4).................................................. 457

علي بن محمّد (من مشايخ الكليني، مشترك) (ب1 ح15)............... 132

علي بن معبد (ب1 ح16)............................................................... 139

علي مهزيار (ب1 ح30)................................................................ 210

علي بن موسى الكمنداني (الكمنداني) (التمهيد عند بيان العدة الأولى). 26

علي بن النعمان (ب1 ح3).............................................................. 75

عمار بن موسى (الساباطي) (ب4 ح12).......................................... 407

عمر بن أذينة = ابن أذينة (ب6 ح22)............................................ 501

عمر بن حنظلة (ب2 ح12)............................................................ 296

عمر بن يزيد (مشترك) (ب2 ح19)................................................ 325

عمر بن يزيد بياع السابري (ب2 ح19)........................................... 325

ص: 569

عمران بن موسى (الزيتوني) (ب6 ح17)........................................ 489

عمرو بن حريث (ب1 ح4)............................................................ 89

عمرو بن سعيد (الساباطي) (ب4 ح12).......................................... 407

عمرو بن شمر (ب7 ح5)................................................................ 524

عمرو بن عثمان الحمصي (ب1 ح25)............................................ 194

عيسى بن عبدالله القمي (ب6 ح13)............................................... 479

- ف -

فضالة بن أيوب (ب6 ح18).......................................................... 492

الفضل بن محمّد بن المسيّب (ب1 ح33)....................................... 224

الفضيل (مشترك) (ب1 ح10)........................................................ 115

الفضيل الأزدي (ب1 ح10)........................................................... 116

الفضيل بن يسار (ب1 ح1)............................................................. 59

الفضيل الضبي (ب1 ح10)............................................................ 116

- ق -

القاسم بن إسماعيل (ب1 ح34)..................................................... 235

القاسم بن بريد (ب2 ح9)............................................................... 284

القاسم بن الحسن بن علي بن يقطين (ب1 ح24)............................ 189

القاسم بن سليمان (ب7 ح2).......................................................... 514

القاسم بن العلاء (ب2 ح22).......................................................... 335

ص: 570

القاسم بن محمّد (مشترك) (ب6 ح4)............................................. 456

القاسم بن محمّد الأصفهاني (كاسولا) (ب6 ح4)............................ 456

القاسم بن محمّد الجوهري (ب6 ح4)............................................ 456

قتادة (مشترك) (ب1 ح23)............................................................ 184

قتادة بن دعامة (ب1 ح23)............................................................ 184

- ل -

ليث بن البختري المرادي (أبو بصير) (ب2 ح20)........................... 327

- م -

مالك بن عطية الأحمسي (ب5 ح1)................................................ 420

مثنى بن راشد (ب1 ح11)............................................................. 118

مثنى بن عبدالسلام (ب1 ح11)...................................................... 119

مثنى بن الوليد (ب1 ح11)............................................................ 119

مثنى الحنّاط (مشترك) (ب1 ح11)................................................ 118

محمّد بن إبراهيم بن جعفر (الكاتب ، النعماني) (ب1 ح35)........... 242

محمّد بن إبراهيم المصري (ب1 ح22).......................................... 174

محمّد بن أبي عبدالله (محمّد بن جعفر الأسدي) (التمهيد عند بيان العدة الثالثة). 27

محمّد بن أبي عمير (مشترك) (ب1 ح17)...................................... 146

محمّد بن أبي عمير (من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) ) (ب1 ح17). 146

محمّد بن أبي عمير، بيّاع السابري، البزاز، من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام)

ص: 571

(ب1 ح17).............. 147

محمد بن أبي القاسم (عماد الدين الطبري) (ب1 ح31).................. 215

محمّد بن أحمد بن زكريا (ب1 ح34)........................................... 238

محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي (ب1 ح26)................... 198

محمّد بن إدريس (الحلّي) (ب4 ح2)............................................. 382

محمّد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو (ب6 ح2)........................... 450

محمّد بن أسلم (مشترك) (ب1 ح22)............................................ 171

محمّد بن أسلم بن العلاء الهمداني (ب1 ح22).............................. 171

محمّد بن أسلم الجبلي (ب1 ح22)................................................ 171

محمّد بن أسلم الطوسي (ب1 ح22).............................................. 171

محمّد بن إسماعيل (مشترك) (ب2 ح13)...................................... 299

محمّد بن إسماعيل البرمكي ( ب2 ح13)....................................... 299

محمّد بن إسماعيل الجعفري (ب2 ح13)....................................... 299

محمّد بن إسماعيل بن بزيع (ب2 ح13)......................................... 299

محمّد بن إسماعيل بن ميمون (ب2 ح13)...................................... 299

محمّد بن إسماعيل خثيم (ب2 ح13)............................................. 299

محمّد بن إسماعيل النيسابوري (ب2 ح13).................................... 299

محمّد بن جابر (ب1 ح22)............................................................ 169

محمّد بن جعفر الأسدي (ب2 ح17)............................................. 313

محمّد بن جعفر البندار (ب1 ح25)................................................ 194

ص: 572

محمّد بن جعفر بن محمّد (ديباجة) (ب1 ح33)............................. 225

محمّد بن جمهور الحمادي (ب1 ح25)......................................... 194

محمّد بن حسّان (ب1 ح3)............................................................. 84

محمّد بن الحسن البرناني (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................... 28

محمّد بن الحسن بن شمّون (ب5 ح8)............................................ 434

محمّد بن الحسن بن علي (أبو المثنى) (التمهيد عند بيان العدة الثالثة).. 28

محمّد بن الحسن بن المغيرة (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)............... 29

محمّد بن الحسن بن الوليد (ب1 ح24).......................................... 188

محمّد بن الحسن الصفار (التمهيد عند بيان العدة الثالثة).................... 30

محمّد بن الحسن الطائي الرازي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة).......... 29

محمّد بن الحسن الطاطري (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................. 30

محمّد بن الحسن الطوسي (ب1 ح3).............................................. 71

محمّد بن الحسن القمي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)...................... 29

محمّد بن الحسن المحاربي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................ 28

محمّد بن الحسن الميثمي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................... 30

محمّد بن الحسين (المعروف بابن الصقّال) (ب5 ح8)..................... 432

محمّد بن الحسين (بن أبي الخطاب) (ب2 ح12)........................... 295

محمّد بن خازم الضرير (ب1 ح27)............................................... 202

محمّد بن خالد البرقي (ب1 ح3).................................................... 77

محمّد بن خالد الطيالسي (ب1 ح34)............................................. 236

ص: 573

محمّد بن زياد (الألهاني) الحمْصي (ب1 ح25).............................. 196

محمّد بن سالم (مشترك) (ب1 ح15)............................................. 134

محمّد بن سالم بن أبي سلمة الكندي (ب1 ح15)........................... 134

محمّد بن سالم بن شريح الأشجعي (ب1 ح15)............................. 134

محمّد بن سالم بن عبد الحميد (ب1 ح15).................................... 135

محمّد بن سليمان الديلمي (ب3 ح4).............................................. 355

محمّد بن سنان (ب1 ح26)........................................................... 199

محمّد بن عبد الجبّار = ابن أبي الصهبان (ب1 ح4)......................... 89

محمّد بن عبدالله بن محمّد الشيباني (ب1 ح33)............................. 223

محمّد بن عبدالله (ابن هلال) (ب2 ح19)....................................... 323

محمّد بن عبدالله الشيباني (أبو المفضّل) (ب5 ح8)......................... 433

محمّد بن عبدالله الحضرمي (ب4 ح11)......................................... 402

محمّد بن عبيدالله العرزمي (ب1 ح7)............................................. 100

محمّد بن علي (مشترك) (ب3 ح8)................................................ 362

محمد بن علي بن إبراهيم القرشي (ب3 ح8).................................. 362

محمّد بن علي بن الحسين (ب3 ح8).............................................. 362

محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق) (ب1 ح17).. 145

محمّد بن علي بن حمزة (ب5 ح9)................................................. 438

محمّد بن علي بن محبوب (ب4 ح12).......................................... 406

محمّد بن علي الصيرفي (ب3 ح8)................................................. 362

ص: 574

محمّد بن علي القمي (ب3 ح8)..................................................... 362

محمّد بن علي الكوفي (ب3 ح8)................................................... 362

محمّد بن علي الهمداني (ب3 ح8)................................................. 362

محمّد بن عمارة (مشترك) (ب1 ح22)........................................... 173

محمّد بن عمارة بن الأشعث (ب1 ح22)........................................ 173

محمّد بن عمارة بن ذكوان الكلابي الجعفري (ب1 ح22).............. 173

محمّد بن عمارة الذهلي (ب1 ح22).............................................. 173

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (ب1 ح21)........................... 160

محمّد بن عمرو الزبيدي (ب2 ح9)................................................. 284

محمّد بن عيسى (مشترك) (ب1 ح9).............................................. 108

محمّد بن عيسى الأشعري (ب1 ح9).............................................. 108

محمّد بن عيسى الطلحي (ب1 ح9)................................................ 109

محمّد بن عيسى اليقطيني (ب1 ح9)............................................... 109

محمد بن الفضيل (ب2 ح13)........................................................ 300

محمّد بن قولويه (ب1 ح31)......................................................... 214

محمّد بن محمّد بن النعمان (المفيد) (ب1 ح31)........................... 213

محمّد بن مروان (مشترك) (ب1 ح8).............................................. 104

محمّد بن مروان الأنباري (ب1 ح8)............................................... 104

محمّد بن مروان البصري (ب1 ح8)................................................ 104

محمّد بن مروان الحنّاط (ب1 ح8)................................................. 104

ص: 575

محمّد بن مروان الذهلي (ب1 ح8)................................................. 105

محمّد بن مسلم (ب2 ح1).............................................................. 266

محمّد بن موسى بن المتوكل (ب1 ح22)...................................... 166

محمّد بن هارون (مشترك) (ب1 ح20).......................................... 152

محمّد بن هارون (الذي يروي عنه صاحب نوادر الحكمة) (ب1 ح20) 153

محمّد بن هارون أبو عيسى الورّاق (ب1 ح20).............................. 153

محمّد بن هارون بن عمران الهمداني (ب1 ح20)........................... 153

محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري (ب1 ح20)......................... 153

محمّد بن هارون الجلّاب (ب1 ح20)............................................ 153

محمّد بن هارون الزنجاني (ب1 ح20)........................................... 153

محمد بن هارون الصوفي (ب1 ح20)............................................ 154

محمّد بن همام (ب1 ح34)........................................................... 235

محمّد بن وهبان (ب1 ح34).......................................................... 238

محمّد بن يحيى (مشترك) (ب4 ح1).............................................. 377

محمّد بن يحيى الخثعمي (ب4 ح1)............................................... 377

محمّد بن يحيى الخزاز (ب4 ح1).................................................. 377

محمّد بن يحيى العطار (التمهيد عند بيان العدة الأولى)..................... 25

محمّد بن يعقوب الكليني (ب1 ح1).............................................. 57

مسعدة بن صدقة (مشترك) (ب2 ح11).......................................... 290

مصدق بن صدقة (ب4 ح12)........................................................ 407

ص: 576

معاذ بن مسلم = معاذ بن كثير (ب1 ح38)...................................... 253

معلى بن محمّد الزيادي (ب1 ح10).............................................. 114

معمر بن راشد (ب1 ح23)............................................................. 184

معمر بن قتادة (ب1 ح23)............................................................. 184

المفضل بن عمر (ب1 ح26)......................................................... 199

موسى بن عمران النخعي (ب2 ح17)............................................. 314

- ن -

النضر بن سويد (ب1 ح17)........................................................... 149

- ه- -

هارون بن عمرو، أبو موسى المجاشعي (ب1 ح33)........................ 224

هارون بن مسلم (ب2 ح11).......................................................... 289

هارون بن موسى التلعكبري (ب1 ح34)........................................ 235

هشام بن سالم (ب1 ح6)................................................................ 96

الهيثم بن عبدالله (أبو كهمس) (ب1 ح34)..................................... 223

- و -

وهب بن عبدالله الهمداني (ب5 ح8).............................................. 435

وهب بن وهب = أبو البختري (ب4 ح8)........................................ 397

ص: 577

- ي -

يحيى بن القاسم (أبو بصير) (ب1 ح12)......................................... 123

يحيى الحلبي (ب1 ح17).............................................................. 149

يزيد الكناسي (ب4 ح3)................................................................ 385

يعقوب (بن سالم الأحمر) (ب2 ح21)........................................... 331

يعقوب بن يزيد (ب8 ح6)............................................................. 544

يونس (مشترك) (ب2 ح19).......................................................... 324

يونس بن عبدالرحمن (ب1 ح9).................................................... 111

يونس بن عمار (ب6 ح12)........................................................... 476

يونس بن ظبيان (ب1 ح16).......................................................... 140

يونس بن يعقوب (ب2 ح19)........................................................ 324

ص: 578

2- فهرس الكنى والألقاب

أبو إسماعيل = إبراهيم بن إسحاق الأزدي (ب5 ح2).......................................... 423

أبو الأسود الدؤلي = ظالم بن ظالم أو ظالم بن عمرو (ب5 ح8).............................. 435

أبو أمامة (مشترك) (ب1 ح25).................................................................. 196

أبو أمامة الباهلي (صعدي بن عجلان) (ب1 ح25)............................................. 196

أبو أمامة الخزرجي (ب1 ح25).................................................................. 196

أبو أيوب = إبراهيم بن عيسى (الخزاز) (ب2 ح1)............................................. 265

أبو البختري = وهب بن وهب (ب4 ح8)........................................................ 397

أبو بصير (مشترك) (ب1 ح12)................................................................. 123

أبو تراب (ب1 ح20).............................................................................. 154

أبو الجارود = زياد بن المنذر (ب3 ح3)........................................................ 351

أبو حرب (ب5 ح8)............................................................................... 435

أبو الحسن الصقّال = محمّد بن الحسين (المعروف بابن الصقّال) (ب5 ح8)............................ 432

أبو حمزة (الثمالي) = ثابت بن دينار (ب1 ح10)............................................... 116

أبو ذر = جندب بن جنادة (ب5 ح8)............................................................. 436

أبو الصباح الكناني (إبراهيم بن نعيم العبدي) (ب2 ح13)..................................... 301

أبو طالب الأنباري (ب1 ح3)..................................................................... 78

أبو طالب بن غرور (ب5 ح8).................................................................... 432

ص: 579

أبو عثمان العبدي (ب5 ح2)...................................................................... 423

أبو عروة السلمي (ب5 ح5)....................................................................... 427

أبو علي الأشعري (أحمد بن إدريس القمي) (التمهيد عند بيان العدة الأولى). 58

أبو عمرو الزبيري (محمّد بن عمرو الزبيري) (ب2 ح9)..................................... 284

أبو كهمس = الهيثم بن عبدالله (ب1 ح34)...................................................... 233

أبو معاوية = محمّد بن خازم الضرير (ب1 ح27)............................................. 202

أبو المغراء = (حميد بن المثنى) (ب6 ح12)................................................... 474

أبو المفضل الشيباني = محمّد بن عبدالله الشيباني (ب1 ح33)................................ 223

أبو هاشم (ب6 ح4)................................................................................ 457

أبو الوليد = الحسن بن زياد الصيقل (ب6 ح23)............................................... 502

الأعمش = سليمان بن مهران (ب4 ح11)....................................................... 402

الخشّاب = الحسن بن موسى الخشّاب (ب1 ح22).............................................. 172

الشيخ = محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ب1 ح3)......................................... 71

ابن أذينة = عمر بن أذينة (ب6 ح22)........................................................... 501

ابن ظبيان = الحصين بن جندب (ب4 ح11).................................................... 403

ابن عقدة = احمد بن محمّد بن سعيد (ب1 ح35)............................................... 242

ص: 580

3- فهرس الأسانيد

أسناد الشيخ الصدوق

سنده إلى إسماعيل بن مهران (ب1 ح22)...................................... 168

سنده إلى الحسن بن علي بن فضّال (ب6 ح14)............................. 483

سنده إلى حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد (ب4 ح9)...................... 399

سنده إلى سليمان بن خالد (ب1 ح17)........................................... 144

سنده إلى علي بن عبدالعزيز (ب1 ح3)........................................... 83

أسناد الشيخ الطوسي

سنده إلى أبي ذر(رضی الله عنه) (ب5 ح8)................................................... 430

سنده إلى الحسن بن محمد بن سماعة (ب1 ح3)............................ 77

سنده إلى الحسين بن سعيد (ب6 ح10)......................................... 471

سنده إلى زريق (ب1 ح34)........................................................... 233

سنده إلى علي بن عقبة (ب1 ح34)............................................... 232

سنده إلى محمّد بن علي بن محبوب (ب4 ح12)........................... 405

سنده إلى محمّد بن يعقوب الكليني (ب1 ح3)............................... 82

ص: 581

أسناد ابن إدريس (قدس سره)

سنده إلى كتاب الحسن بن محبوب (ب4 ح2)............................... 382

* * *

سند علي بن الحسين المرتضى إلى النعماني ومنه إلى أميرالمؤمنين (علیه السلام) (ب1 ح35)... 241

ص: 582

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.

2- إثنا عشر رسالة، المحقق الداماد، طبعة حجرية.

3- الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، الطبعة الأولى 1403 ه- ، نشر المرتضى، مشهد - ايران.

4- الاختصاص، الشيخ المفيد ابي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، تحقيق علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، الناشر: دار

المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية.

5- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404، مؤسسة آل البيت عليهم السلام

لإحياء التراث.

6- الأذكار النووية، يحيى بن شرف النووي، طبعة جديدة منقحة ومصححة، 1414، 1994م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

7- الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 583

8- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

9- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تقرير الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الرابعة، 1434 ه- ، تصحيح

الشيخ حسن العبودي، مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي.

10- الأعلام، خير الدين الزركلي، الطبعة الخامسة، أيار، مايو 1980، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.

11- إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، تحقيق جواد القيومي الاصفهاني، الطبعة الاُولى، رجب 1414، مكتب الإعلام الإسلامي.

12- إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، علاء الدين مغلطاي، تحقيق أبي عبد الرحمن أبي محمد عادل بن محمد أسام إبراهيم، الطبعة الاُولى 1422 ، 2001 م،

الفاروق الحديثة للطباعة والنشر.

13- الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى 1417، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

14- الأمالي، الشيخ الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 ، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

15- الأمالي، الشيخ المفيد، تحقيق حسين الاُستاد ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1414، 1993 م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 584

16- أمل الآمل، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، دار احياء التراث، الطبعة الاُولى 1431 ه- ، 2010 م .

17- الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد المرتضى علم الهدى، موسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.

18- الأنساب، السمعاني، تقديم وتعليق: عبدالله عمر البارودي، الطبعة الاُولى، 1408، 1988م، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

19- بحار الانوار، العلامة المجلسي، الطبعة الثانية المصححة، 1403، 1983م، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

20- بشارة المصطفى، محمد بن علي الطبري، تحقيق جواد القيوم الإصفهاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم

المشرفة.

21- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي1404، 1362ش، منشورات

الأعلمي، طهران.

22- بلاغات النساء، ابن طيفور، مكتبة بصيرتي. قم المقدسة.

23- تاريخ آل زرارة، أبو غالب الزراري، 1399.

24- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الاُولى، 1417، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

25- التبيان، الشيخ الطوسي، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1409، مكتب الإعلام الإسلامي.

ص: 585

26- تحرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

27- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1422 ه- قم

المقدسة.

28- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1404، 1363 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين

بقم المشرفة.

29- تحفة الأحوذي، المباركفوري، الاُولى، 1410، 1990م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

30- تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

31- تذكرة الخواص، لابن الجوزي يوسف بن قرغلي البغدادي الحنفي، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، اصدار مكتبة نينوى الحديثة طهران ناصر خسرو، مروى.

32- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

33- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد، تحقيق حسين درگاهي، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 586

34- تفسير الرازي، محمد بن عمر الرازي، الطبعة الثالثة.

35- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تحقيق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

36- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، صفر 1404، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر،

قم، إيران.

37- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة الاُولى، 1415ه- 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،

بيروت، لبنان.

38- تقريب التهذيب، ابن حجر، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الثانية، 1415، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

39- التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- ، قم المقدسة.

40- التنقيح في شرح العروة الوثقى، (موسوعة الإمام الخوئي) تقرير أبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة،

1428 ه- ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

41- تنقيح المقال، للعلامة الشيخ عبد الله المامقاني، الطبعة الحجرية، نشر جهان - ايران.

42- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365ش ، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ص: 587

43- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الطبعة الاُولى، 1404، 1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

44- تهذيب الكمال، المزي، تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة 1406، 1985م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

45- التوحيد، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

46- الثقات، ابن حبان، الطبعة الاُولى، 1393، مؤسسة الكتب الثقافية.

47- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة الثانية 1368 ش، منشورات الشريف الرضي، قم.

48- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، دار الأولياء ، بيروت - لبنان.

49- الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، الطبعة الاُولى، 1401، 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

50- الجرح والتعديل، الرازي، الطبعة الاُولى، 1371، 1952م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

51- الجواهر السنية، الحر العاملي، 1384، 1964م، مطبعة النعمان، النجف الأشرف.

52- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ص: 588

53- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (علیه السلام) ، ابن الدمشقي، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الاُولى، 1415، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم، إيران.

54- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

55- الخصال، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403، 1362 ش، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

56- خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، عبد الغدير 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

57- الخلاف، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

58- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1397، منشورات مكتبة بصيرتي، قم.

59- الدروس الشرعيّة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

60- الذريعة، آقا بزرگ الطهراني، الطبعة الثالثة، 1403، 1983م، دار الأضواء، بيروت، لبنان.

61- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1419، مؤسسة آل

ص: 589

البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

62- رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي داود الحلي، تحقيق السيد صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، قم المقدسة.

63- رجال البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، مؤسسة النشر في جامعة طهران. 1383ه-.

64- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق جواد القيومي الإصفاني، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1415، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

65- رجال الكشِّي، محمّد بن عمر الكشِّي، مؤسسة النشر في جامعة مشهد، 1348 ش.

66- رجال النجاشي، النجاشي، الطبعة الثامنة، 1427، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

67- رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل عين، لأبي غالب الزراري، الطبعة الاُولى 1411 ه- ، مركز البحوث والتحقيقات الإسلامية.

68- الرعاية في علم الدراية، الشهيد الثاني، تحقيق عبد الحسين محمد علي بقال، الطبعة الثانية 1408، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة.

69- الرواشح السماوية، للمير الداماد، تحقيق نعمة الله الجليلي و غلام محسن قصريه ها، الطبعة الاُولى 1415 ه- ، دار الحديث للطباعة والنشر.

ص: 590

70- روض الجنان، طبعة حجرية، الشهيد الثاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

71- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، الطبعة الاُولى والثانية، 1386، 1398، منشورات جامعة النجف

الدينية.

72- روضة الطالبين، محيي الدين النووي، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

73- الرياض النضرة في مناقب العشرة، أبو جعفر أحمد (المحب الطبري)، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان.

74- رياض العلماء، أفندي الأصبهاني، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، 1401، نشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم.

75- السرائر والمستطرفات، ابن إدريس الحلي، الطبعة الخامسة، 1428 ه-، موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

76- سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الطبعة الاُولى، 1410، 1990م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

77- سنن الترمذي، الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبدالوهاب عبداللطيف، الطبعة الثانية، 1403، 1983م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 591

78- سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان، 1425 - 1426 ه- .

79- السنن الكبرى، البيهقي، دار الفكر.

80- سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق، حسين الأسد، الطبعة التاسعة، 1413، 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

81- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، مع تعليقات: السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية، 1409، انتشارات استقلال، طهران.

82- شرح اُصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، الاُولى، 1421، 2000م، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

83- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

84- الشرح الكبير، عبد الرحمن بن قدامة، طبعة جديدة بالاُوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

85- شرح مسلم، النووي، 1407، 1987م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

86- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل

ص: 592

إبراهيم، الطبعة الاُولى، 1378، 1959م، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.

87- الصحاح، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1407، 1987م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.

88- صحيح ابن خزيمة، ابن خزيمة، تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الطبعة الثانية، 1412، 1992م، المكتب الإسلامي.

89- صحيح مسلم، الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: صدقي جميل العطار، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى ، 1421 ه- - 2000م.

90- صفات الشيعة، الشيخ الصدوق، كانون انتشارات عابدي، طهران.

91- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

92- طبقات خليفة، خليفة بن خياط العصفري، تحقيق الدكتور سهيل زكار، 1414، 1993م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

93- طرائف المقال، السيد علي البروجردي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الاُولى، 1410، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة، قم المقدسة.

94- العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تأليف الشيخ محمّد علي المعلم، تحقيق الشيخ حسن العبودي، الطبعة الاُولى 1425 ه- .

ص: 593

95- عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الاُولى، ذي الحجة 1417، 1376 ش.

96- العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم اليزدي ، تحقيق موسسة النشر الإسلامي، الناشر: موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقّدسة، الطبعة الاُولى 1420ه- ق.

97- العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي، تحقيق:علي أوسط الناطقي/ المساعد : سيد هاشم شهرستاني ، لطيف فرادي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة : الاُولى 1423 - 1381ش.

98- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385، 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

99- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404، 1894م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

100-الغيبة، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ عبادالله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الأولى، شعبان 1411 ه- ، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة.

101-فتح الباري، ابن حجر، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

ص: 594

102- فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، تحقيق وإخراج: ميرزا غلام رضا عرفانيان، الطبعة الثانية، 1412، 1992م، دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

103- فلاح السائل، السيد ابن طاووس، مكتب التبليغ الاسلامي، قم.

104-فهرست ابن النديم، ابن النديم البغدادي، تحقيق رضا، تجدد

105- فهرست منتجب الدين، المسمى ب-فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم، منتجب الدين بن بابويه، تحقيق سيد جلال الدين محدث الأرموي، 1366 ش، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

106- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، شعبان المعظم 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

107- الفوائد الطوسية، الحر العاملي، تحقيق سيد مهدي لاجوردي ومحمد درودي، الطبعة الاُولى ، المطبعة العلمية - قم ، ايران.

108- قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، الطبعة الاُولى، 1419 ه- د، قم. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

109- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، الطبعة الاُولى 1412 ه- ، دار إحياء التراث العربي.

110-قرب الاسناد، الحميري القمي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران.

ص: 595

111- القواعد والفوائد، الشهيد الأول، تحقيق السيد عبدالهادي الحكيم، منشورات مكتبة المفيد، قم، إيران.

112- الكافي في الفقه، تقي الدين بن نجم أبو صلاح الحلبي، تحقيق رضا الاستادي ، الناشر: مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، اصفهان- ايران الطبعة الاُولى.

113- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

114- كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة الاُولى 1417 ه- .

115- كتاب الزهد، الحسين بن سعيد الكوفي، تحقيق ميرزا غلام رضا عرفانيان 1399.

116- كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، جمادي الأول 1415، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

117- كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

118- كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410 ، مؤسسة دار الهجرة.

ص: 596

119- كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، فارس حسون كريم، الطبعة الاُولى، 1422، أنوار الهدى.

120- كشف الخفاء، العجلوني، الطبعة الثالثة، 1408، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت.

121- كشف اللثام، الفاضل الهندي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

122- كفاية الأثر، الخزار القمي، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، 1401، انتشارات بيدار.

123- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، محرم الحرام 1405، 1363 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

124- كنز العمال، المتقي الهندي، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، 1409، 1989م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

125- مباني تكملة المنهاج، (موسوعة الإمام الخوئي) السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الطبعة الثالثة، 1428ه- 2007م، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم.

126- المبسوط، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: السيد محمد تقي الكشفي 1387، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

ص: 597

127- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، 1408، 1367 ش، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

128- مجمع الزوائد، الهيثمي 1408، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

129- مجمع الفائدة والبرهان، المحقق الأردبيلي، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

130- المجموع، محيي الدين النووي، دار الفكر.

131- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370، 1330ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

132- مختصر البصائر، الحسن بن سليمان الحلي، تحقيق مشتاق المظفر.

133- مختلف الشيعة، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ذي القعدة 1413، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

134- مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة. الطبعة الاُولى، محرم 1410، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

135- مرآة العقول، العلامة المجلسي، الطبعة الثالثة، 1370 دار الكتب الإسلامية.

ص: 598

136- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني،تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران.

137- مسائل علي بن جعفر، الطبعة الاُولى 1409 ه- ، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

138- مستدرك وسائل الشيعة، الميرزا النوري، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى المحققة، 1408، 1987م، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، لبنان.

139- المستدرك، الحاكم النيسابوري، إشراف: يوسف عبدالرحمن المرعشلي.

140- مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، الطبعة الاُولى، ربيع الآخر 1412 ه- .

141- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الطبعة الرابعة 1404، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران.

142- مسند أحمد، الإمام احمد بن حنبل، دار صادر، بيروت، لبنان.

143- مسند الحميدي، عبدالله بن الزبير الحميدي، تحقيق وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الاُولى، 1409، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

144- مشارق الشموس، المحقق الخوانساري، طبعة حجرية، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

145- مصباح الشريعة، المنسوب للإمام الصادق (علیه السلام) ، الطبعة الاُولى، 1400، 1980 م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان.

ص: 599

146- المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.

147- معارج الاُصول، المحقق الحلي، إعداد: محمد حسين الرضوي، الطبعة الاُولى، 1403، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) للطباعة والنشر.

148- معالم العلماء، لابن شهر آشوب ، الناشر: المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الطبعة الاُولى 1380 ه- ق.

149- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1379، 1338ش مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

150- المعجم الكبير، الطبراني، تحقيق وتخريجات حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، مزيدة ومنقحة، دار إحياء التراث العربي.

151- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.

152- معرفة الثقات، العجلي، الطبعة الاُولى، 1405، مكتبة الدار، المدينة المنورة.

153- مغني المحتاج، محمد بن أحمد الشربيني، 1377، 1958م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

154- المغني، عبدالله بن قدامه، طبعة جديدة بالأوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

155- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد العاملي، تحقيق وتعليق: الشيخ

ص: 600

محمد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 1419، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

156- مقاتل الطالبيين، ابو الفرج الأصفهاني، تقديم وإشراف: كاظم المظفر، الطبعة الثانية، 1385، 1965م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

157- مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقاني، تحقيق الشيخ محمّد رضا المامقاني الطبعة الاُولى المحققة، 1411 ه- ، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

158- المقنعة ، الشيخ المفيد، الطبعة الخامسة، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

159- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، الطبعة السادسة، 1392، 1972م، منشورات الشريف الرضي.

160- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

161- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376، 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

162- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412، مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد.

ص: 601

163- المهذب البارع، ابن فهد الحلي،تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، غرة رجب المرجب 1407، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

164- مواهب الجليل، الحطاب الرعيني، ضبطه وخرَّج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الاُولى 1416، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

165- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الاُولى، 1382، 1963م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

166- نقد الرجال، السيد مصطفى التفرشي، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لأحياء التراث، قم المقدسة، الطبعة الأولى 1418.

167- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (علیه السلام) ،شرح: الشيخ محمد عبده، الطبعة الاُولى، 1412، 1370 ش، دار الذخائر، قم، ايران.

168- الهداية في الاُصول، تقرير بحث آية الله السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي، بقلم الشيخ حسن الصافي الأصفهاني، مؤسسة صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه، الطبعة الأولى، 1417 ه- .

169- الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، الطبعة الاُولى 1425ه- ، 2005م ، دار الفكر، بيروت - لبنان.

170- الوجيزة في الرجال، للعلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، تحقيق محمد كاظم رحمان ستايشي، الطبعة الاُولى 1420 ه- ، 1378 ، مؤسسة الطباعة والنشر - وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي،

ص: 602

تهران -ايران.

171- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

172- الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الاُولى 1408، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

ص: 603

5- فهرس مطالب الكتاب

مقدمة................................................................................................ 13

تمهيد: فيه اثنا عشر أمراً........................................................................... 21

الأمر الأول: البحث في عِدد الكليني.............................................................. 21

الأمر الثاني: البحث في قول الماتن (قدس سره) : «بإسناده»............................................... 32

الأمر الثالث: منهج الماتن (قدس سره) في نقل الأحاديث................................................... 33

الأمر الرابع: البحث في قول الماتن (قدس سره) : ورواه، مثله، نحوه...................................... 34

الأمر الخامس: في الاشتراك وطرق التمييز..................................................... 35

الأمر السادس: في وجوه اعتبار أحاديث الوسائل................................................ 37

الأمر السابع: البحث في التعارض بين التوثيق والتضعيف..................................... 39

الأمر الثامن: في وجه ذكر أقوال الخاصة والعامة في أوائل الأبواب.......................... 40

الأمر التاسع: الإشارة إلى وجه ترك التعرّض لتفاصيل الفروع الفقهية........................ 40

الأمر العاشر: الإشارة إلى وجه التعرّض لطرقٍ قد لا تكون معتبرة عندنا........................ 41

الأمر الحادي عشر: المنهج في تراجم الرواة..................................................... 41

الأمر الثاني عشر: المنهج في بيان فقه الأحاديث................................................ 41

أبواب مقدمة العبادات.............................................................................. 43

ص: 604

1- باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة،

والصوم، والحجّ، والجهاد

(عدد الأحاديث 39) ص45

أهمية الأمور الخمسة........................................................................ 47

الجمع بين ما دلّ على كونها خمسة وبين ما دلّ على كونها عشرة...... 48

المراد من الولاية.............................................................................. 49

السرّ في تأخير الولاية مع أهميتها عن بقية الأمور.............................. 50

المراد من (لم يناد بشيء بمثل ما نودي بالولاية)................................ 50

بيان مرتبة كل واحد من الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر................. 60

الدليل التعبدي على أفضلية الولاية................................................... 62

الدليل العقلي على أفضلية الولاية..................................................... 64

بحث رجالي في إبراهيم بن هاشم.................................................... 67

طريق الشيخ (قدس سره) إلى الحسن بن محمد بن سماعة............................. 77

بحث رجالي في علي بن عبدالعزيز................................................... 81

طرق الشيخ (قدس سره) إلى محمد بن يعقوب الكليني................................. 82

تنبيهان............................................................................................. 85

الكلام في مراسيل الصدوق (قدس سره) في الفقيه........................................ 91

بحث رجالي في إبراهيم بن محمد الثقفي......................................... 103

ص: 605

الكلام في حدود الإيمان.................................................................. 106

بحث رجالي في علي بن أبي حمزة.................................................. 121

بحث رجالي في علي بن الحكم....................................................... 125

مناقشة المصنّف في بطلان الإجماع.................................................. 138

بحث رجالي في يونس بن ظبيان...................................................... 140

سند الصدوق (قدس سره) إلى سليمان بن خالد............................................. 144

تصحيح طريق الصدوق إلى السيد عبد العظيم الحسني...................... 156

توثيق محمد بن موسى المتوكل....................................................... 166

سند الصدوق (قدس سره) إلى إسماعيل بن مهران........................................ 168

بحث رجالي في أنس بن مالك......................................................... 185

بحث رجالي في أحمد بن الحسن القطّان......................................... 200

المراد بالجماعة في طريق الشيخ (قدس سره) ................................................ 223

رفع التنافي عن الأحاديث المختلفة في بيان كمية الثواب.................. 228

توجيه اختلاف الأحاديث في بيان أفضلية الصلاة على الحج وبالعكس. 231

اسناد الشيخ إلى علي بن عقبة........................................................... 232

اسناد الشيخ إلى زريق بن الزبير......................................................... 233

تصحيح جميع روايات الحسن بن علي بن فضّال............................... 238

سند الشيخ النعماني إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) ........................................ 241

ص: 606

بحث رجالي في الحسن بن علي بن أبي حمزة.................................. 244

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 258

2- باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات

وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات

(عدد الأحاديث 22) ص261

منشأ الإيمان والكفر......................................................................... 264

الفرق بين ترك الفرائض والسنن........................................................ 268

بحث رجالي في داود الرقي............................................................. 269

أوجه الكفر الخمسة......................................................................... 280

بحث رجالي في بكر بن صالح......................................................... 283

تمييز مسعدة بن صدقة..................................................................... 290

المراد من الحاكم في مقبولة عمر بن حنظلة..................................... 293

بحث رجالي في عمر بن حنظلة........................................................ 296

تعيين المراد بابن بزيع....................................................................... 299

البحث حول كتاب تحف العقول..................................................... 307

بحث رجالي في الحسين بن يزيد النوفلي......................................... 314

توجيه خروج صاحب الكبيرة عن الإيمان......................................... 317

ص: 607

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 335

3- باب اشتراط العقل في التكليف

(عدد الأحاديث) ص337

كيفية استنطاق العقل........................................................................ 340

المراد من إقبال العقل وإدباره........................................................... 342

المقصود من كون العقل أحب المخلوقات إليه تعالى........................ 344

كيف يعاقب الله أحب الاشياء إليه.................................................... 345

رفع التنافي بين كون العقل أحب الأشياء لله وبين كون أحب الخلق إليه هم محمّد وآله 345

رفع التنافي بين كون العقل أول مخلوق وبين كون محمّد وآله أول المخلوقين 346

بحث رجالي في محمد بن سليمان الديلمي وأبيه.............................. 355

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 364

4- باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالإحتلام أو الإنبات مطلقاً،

أو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والأنثى تسع سنين،

واستحباب تمرين الأطفال على العبادة قبل ذلك

(عدد الأحاديث 12) ص367

ص: 608

الأقوال............................................................................................ 368

السرّ في عدم عدّ الحيض والحمل من علائم البلوغ........................... 374

علائم البلوغ.................................................................................... 378

سند ابن إدريس الحلي إلى كتاب المشيخة للحسن بن محبوب......... 382

اتحاد يزيد الكناسي مع يزيد أبو خالد القمّاط................................... 385

بيان أنّ الحديث الخامس مرسل وليس موقوفاً.................................. 390

وجوه تصحيح روايات الحميري لمسائل علي بن جعفر..................... 391

بحث رجالي في أبي البختري........................................................... 397

سند الصدوق (قدس سره) إلى حماد بن عمرو وأنس بن محمّد..................... 399

سند الشيخ (قدس سره) إلى محمّد بن علي بن محبوب................................. 405

الجمع بين الروايات بوجوه خمسة.................................................... 409

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 410

5- باب وجوب النية في العبادات الواجبة واشتراطها بها مطلقاً

(عدد الأحاديث 10) ص411

تعريف النيّة والمراد بها.................................................................... 411

الأقوال............................................................................................ 412

الاستدلال على وجوب النية بالكتاب والسنة والإجماع وسيرة المتشرّعة.. 415

ص: 609

الاحتمالات في (لا عمل إلّا بنيّة) وبيان الأقوى منها.......................... 416

سند الشيخ إلى أبي ذرّ..................................................................... 430

تفسير المراد بالجماعة في سند الشيخ (قدس سره) ......................................... 431

بحث رجالي في محمد بن الحسن بن شمون.................................... 434

مناقشة السيد الأستاذ (قدس سره) في معنى الحديث العاشر............................ 440

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 442

6- باب استحباب نية الخير والعزم عليه

(عدد الأحاديث 25) ص443

الغرض الأصل من العمل في العبادات هو تأثر القلب........................ 443

الأقوال............................................................................................ 445

الإشكال على حديث نيّة المؤمن خير من عمله بإشكالين.................. 451

الجواب عن الإشكالين بوجوه.......................................................... 452

معاني النية، وتفسير الشاكلة.............................................................. 455

بحث في سفيان بن عيينة.................................................................. 461

بحث رجالي في علي بن حديد........................................................ 463

دفع إشكال المؤاخذة على الهم بالمعصية.......................................... 465

سند الشيخ إلى كتاب الزهد............................................................. 471

ص: 610

التحقيق في أن يونس في السند هو ابن عمار لا يونس بن عبد الرحمن.. 475

بحث رجالي في خيثمة بن عبدالرحمن الجعفي................................ 479

بحث رجالي في شاذان بن خليل...................................................... 481

سند الصدوق (قدس سره) إلى الحسن بن علي بن فضال............................... 483

تصحيح السند إلى كتاب السيد عبد العظيم الحسني.......................... 506

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 506

7- باب كراهة نية الشر

(عدد الأحاديث 5) ص509

الأقوال............................................................................................ 509

من همَّ بسيّئة خرج منه الريح النتن.................................................... 516

بحث رجالي في عبد الله بن موسى بن جعفر..................................... 517

نيّة الذنب توجب حرمان الرزق........................................................ 519

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 525

8 - باب وجوب الإخلاص في العبادة والنية

(عدد الأحاديث 11) ص527

مراتب الإخلاص سبع...................................................................... 527

ص: 611

الأقوال............................................................................................ 530

هل قصد الثواب أو الخلاص من العقاب منافٍ للإخلاص؟............... 530

تفسير قوله تعالى {حَنِيفاً مُسْلِماً}................................................... 534

تصحيح أصل وروايات علي بن أسباط............................................. 538

بحث رجالي في إسماعيل بن يسار الهاشمي..................................... 547

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 552

فهارس الكتاب ص555

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب......................................................... 557

2- فهرس الكنى والألقاب........................................................................... 579

3- فهرس الأسانيد.................................................................................. 581

4- فهرس المصادر................................................................................. 583

5- فهرس مطالب الكتاب........................................... 604

ص: 612

المجلد 2

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 592 صفحة

ص: 1

اشارة

ص: 2

الصورة

ص: 3

ایضاح الدلایل فی شرح الوسایل

ص: 4

الصورة

ص: 5

ص: 6

9 - باب ما يجوز قصده من غايات النية وما يستحب اختياره منها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

9 - باب ما يجوز قصده من غايات النيّة وما

يستحبّ اختياره منها

شرح الباب:

قلنا في الباب السابق: إنّ الضمائم قسمان:

أحدهما: الضمائم الجائزة بالمعنى الأعم.

وثانيهما: الضمائم المحرّمة والمرجوحة.

وبيان ذلك: أنّ العبادة لمّا كانت من الأمور الاختياريّة، فلابد من أن تقصد لغاية وغرض ما، والغاية التي يقصدها الفاعل - مضافاً إلى أنّها لا بد أن تكون لوجه اللَّه تعالى وطاعته ومضافة إليه، وإلّا لم تتحقق العبادة - إمّا راجعة إلى المعبود، وبداعيه فحسب، فلا يلاحظ العابد سواه جلّ جلاله، أو راجعة إلى العابد، فيلاحظ فيها نفعه ونفسه.

الكلام في الضمائم و أقسامها

والأول - وهو ما يرجع إلى المعبود - على أربعة أقسام:

فتارة: تكون من باب أنّه تعالى محبوب للعبد، فيأتي بالعبادة حبّاً له تعالى؛ وذلك لأنّ كلّ شي ء محبوب في العالم يرجع إلى جماله وحسنه ولطافته، وكل حَسَنٍ وجميل فهو راجع إلى مبدئه وموجده؛ لأنّه الذي

ص: 7

أفاض عليه، فهو فوقه. وعليه فكل حبّ لشي ء في الواقع يرجع إلى حبّ اللَّه سبحانه وتعالى.

وأخرى: تكون من باب أنّه تعالى أهل للعبادة والثناء، وهي عبادة الصديقين.

وثالثة: تكون من باب الشكر له على جميع نعمه وآلائه السابغة على الإنسان، والعقل يحكم بلزوم شكر اللَّه تعالى على نعمائه التي لا تعدّ ولا تحصى.

ورابعة: تكون من باب الحياء؛ لأنّه تعالى مطّلع على حاله في جميع الأحوال.

وقد تقدّم التعرّض لهذه الأقسام في الباب السابق.

والثاني - وهو ما يرجع إلى العابد - على ثلاثة أقسام:

فإنّه تارة: يأتي بالعبادة تقرّباً إلى اللَّه تعالى، وأخرى: يأتي بها للحصول على الثواب والنعيم الدائم الأبدي، وثالثة: يأتي بها خوفاً من العقاب والعذاب.

الأقوال:

تقدّم أنّ مجموع الغايات سبع، ولا إشكال في صحّة وإجزاء العبادة إذا كانت مشتملة على الخمس الأوَل منها. وأمّا القسمان الأخيران: فقد نسب

ص: 8

إلى جماعة من العامة((1))

وبعض الخاصة((2))

الإشكال فيهما، وأنّه لا تجزي العبادة المشتملة عليهما، وقالوا ببطلان العبادة بقصدهما، كما نسب إلى ابن طاووس((3)) (قدس سره) ، ومن العامة الفخر الرازي في موارد متعدّدة من تفسيره((4)).

ولكن أكثر الفقهاء قالوا بالإجزاء، كما يظهر من العروة الوثقى وحواشيها((5))

إذا لم يكن بعنوان المعاوضة، وإن كان غيرهما من الأقسام أفضل، وهذا هو المراد باستحباب اختيارها، وقد تقدّم وجه ذلك ويأتي.

وهذا الباب معقود لبيان القسم الأول، والمراد بالجواز في هذا العنوان هو: الجواز بالمعنى الأعم الشامل للواجب. والمراد بالاستحباب هو: الوجوب التخييري مع رجحان أحد الأفراد، فيستحب اختيار الراجح، ويكون واجباً تخييريّاً، وترجيح هذا الواجب الراجح في نفسه مستحبّ، على ما صرّح به المصنّف في الشرح.

ص: 9


1- - راجع: مستند الشيعة 2 : 52، ورياض السالكين 4 : 417، في شرح دعاء ذكر التوبة وطلبها، والتحفة السنية (مخطوط): 75.
2- - راجع: 413.
3- - راجع الهامش 8 في ص413.
4- - انظر: تفسير الرازي 1 : 250، في الآية 5 من الحمد، وج14 : 134، في تفسير الآيتين 55 و56 من الاعراف وج32 : 44، الآية5 من البيّنة.
5- - انظر: العروة الوثقى (المحشّى) 2 : 435 ، والمستمسك 2 : 462 - 464.

[134] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْعِبَادَةُ ثَلاثَةٌ: قَوْمٌ عَبَدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَوْفاً، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَلَبَ الثَّوَابِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأُجَرَاءِ، وَقَوْمٌ عَبَدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُبّاً لَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ، وَهِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَة»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

ورد في بعض النسخ «العبّاد ثلاثة»، وحينئذٍ فلا يحتاج إلى تقدير، وفي بعضها: «العبادة»، فيحتاج إلى تقدير: إما في العبادة، أي: ذوو العبادة، أو في الأقوام، أي: عبادة قوم.

وكيف كان، فقد دلّ الحديث على أنّ غايات العبادة تختلف بحسب اختلاف العُبّاد؛ لاختلاف درجات معرفتهم بالله عزوجل، فقد تكون الغاية من العبادة هي اللَّه تعالى، بداعي الخشية من غضبه، والخوف من ناره التي أعدّها لمخالفي أوامره، وهي المشار إليها بقوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّه قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}((2))، وبقوله تعالى:

ص: 10


1- الكافي 2 : 84، باب العبادة، ح 5، وفي نسخة منه: العباد ثلاثة.
2- - الأعراف، الآية 56.

{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}((1))، وهذا النحو من العبادة هو المسمى في الحديث: بعبادة العبيد؛ وذلك لأنّ العابد فيها يشبه العبد المطيع لأوامر مولاه ونواهيه، خوفاً منه، وتحرّزاً من عقوبته، فلعلّه لولا النار لما عَبَد، كما أنّ العبد لو أمن من عقوبة مالكه لما امتثل.

وقد تكون الغاية من العبادة هي: طلب الثواب الأخروي، فهم يعبدون اللَّه تعالى لنيل الثواب، كما أنّ الأجير يعمل العمل للحصول على الأجر، بحيث لو لم يكن الأجر لما قام بالعمل.

وقد تكون الغاية القصوى من العبادة والامتثال هي اللَّه فحسب، من دون أن يشوبها غرض آخر من الأغراض الدنيويّة أو الأخرويّة، فهم لحبهم له سبحانه وتعالى واستغراق قلوبهم في ذكره واعتقادهم بأنّه تعالى أهل للعبادة عبدوه، فتلك عبادة الأحرار الذين لا ينظرون إلّا إليه، وقلوبهم غافلة عن غيره تعالى تماماً، فضلاً عن طلب الجنة وخوف النار.

وهذا اللون من الامتثال منحصر في الأنبياء المرسلين والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) ، الذين يصدق في حقهم أنّهم إذا علموا من أنفسهم أنّهم لو أيقنوا أنّ اللَّه تعالى يدخلهم بطاعتهم وعبادتهم النار وبمعصيتهم الجنّة فإنهم يختارون الطاعة ويتركون المعصية.

وهذه المرتبة هي أفضل العبادة؛ لأنّها خالصة من أيّ جهة تعود بالنفعإلى العبد، بخلاف المرتبتين السابقتين؛ فإنّ فيها ما يعود على العبد، إمّا

ص: 11


1- - الأنبياء، الآية 90.

بدفع الضرر والعقاب عنه، أو بجلب النفع والثواب له.

وقد روى العلّامة المجلسي (قدس سره) عن سيّد العابدين (علیه السلام) ما يقرب من هذا المضمون، حسبما نقل عن «التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (علیه السلام) »، أنّه قال: «قال عليّ بن الحسين (علیه السلام) : إنّي أكره أن أعبد اللَّه ولا غرض لي إلّا ثوابه، فأكون كالعبد الطَمِع المُطمِع، إن طمع عمل، وإلّا لم يعمل، وأكره أن [لا] أعبده إلّا لخوف عقابه، فأكون كالعبد السوء، إن لم يخف لم يعمل»، قيل: فلم تعبده ؟ قال: «لما هو أهله، بأياديه عليّ وإنعامه»((1)) .

صحة العبادة لله خوفاً أو طمعاً

وهذا لا يعني أنّ أولياء اللَّه قد لا يقومون ببعض الأعمال طلباً للجنة وصرف النار؛ لأنّ الحبيب الأعلى عزّوجلّ يحب ذلك، فهذا أمير المؤمنين سيّد الأولياء (علیه السلام) قد كتب كتاباً لبعض ما وقفه من أمواله، فصدّر كتابه بعد التسمية بهذا: «هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد اللَّه علي؛ ابتغاء وجه اللَّه؛ ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عنّي يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه»((2)).

وفي هذا الحديث دلالة على بطلان ما ذهب إليه بعض الأصحاب منبطلان العبادة بغاية نيل الثواب، أو الخلاص من العقاب، أو كليهما؛ وذلك:

أولاً: لأنّ الحديث صرّح: بأنّ العبادة ثلاثة أنواع، وأنّ الثالثة أفضل، وفي

ص: 12


1- - مرآة العقول 8 : 101.
2- - الكافي 7 : 49، باب صدقات النبي و...، ح7.

صيغة التفضيل دلالة على أنّ العبادة على النحوين السابقين عبادة صحيحة أيضاً، ولها فضل في الجملة.

وثانياً: أنّ تعبير الإمام (علیه السلام) بقوله: «عبادة العبيد» و «عبادة الأجراء» دالّ على الصحة؛ إذ لولاها لما كانت عبادة.

والواقع: أنّ العابد للَّه خوفاً من ناره أو طمعاً في جنته هو عابد للَّه عزّوجلّ على كلّ حال، ولا يعبد في ذلك نفسه، وإن كانت عبادة الشاكرين والمحبين للَّه تبارك وتعالى هي أعلى درجات العبادة؛ باعتبار أنّ العبد فيها يكون فانياً في اللَّه تبارك وتعالى، ولا يلتفت إلى أيّ شي ء في الوجود غيره سبحانه وتعالى، وهي لا تتأتى من كلّ أحد، كما أشرنا، بل هي مخصوصة بأهل العصمة وأوليائه تعالى فكيف تكون مطلوبة من الجميع، وما سواها باطل؟! إنْ هذا إلّا تكليف بما لا يطاق، تعالى اللَّه عنه.

سند الحديث:

في سند الحديث ممّن لم يتقدم، أي: هارون بن خارجة، وقد قال عنه النجاشي: «هارون بن خارجة، كوفي، ثقة»((1)) .وورد في «النوادر»((2)) و«التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)) . وعليه فلا إشكال في وثاقته.

ص: 13


1- - رجال النجاشي: 437/1176.
2- - تهذيب الأحكام 9 : 82، ح349.
3- - أصول علم الرجال 1 : 288 ، و ج2 : 216 .

[135] 2 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْعِلَلِ» وَ«الْمَجَالِسِ» وَ«الْخِصَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ السِّنَانِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ هَارُونَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْحَبَّالِ الطَّبَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ الْخَشَّابِ، عَنْ محمّد بْنِ مِحْصَنٍ(1)، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) : «إِنَّ النَّاسَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ: فَطَبَقَةٌ يَعْبُدُونَهُ رَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْحُرَصَاءِ، وَهُوَ الطَّمَعُ. وَآخَرُونَ يَعْبُدُونَهُ، خَوْفاً(2) مِنَ النَّارِ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَهِيَ رَهْبَةٌ. وَلَكِنِّي أَعْبُدُهُ حُبّاً لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْكِرَامِ، وَهُوَ الأَمْنُ؛

-----------------------------------------------------------------------------

والسند معتبر بلا إشكال.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الضمائم بالمعنى الأعم كما في الحديث السابق.وأنحاء العبادة في الحديث ثلاثة:

أوّلها: عبادة الحرصاء، والحرص هو الطمع، فهم يعبدون اللَّه تعالى رغبة في ثوابه، فلو علموا أنّه تعالى يمنعهم لما عبدوه، وهي المعبّر عنها: بعبادة الأجراء في الحديث السابق.

ص: 14


1- في العلل: محسن.
2- في نسخة: فرقاً. (منه (قدس سره) ).

لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}(1)1*)؛ وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}(2)2*). فَمَنْ أَحَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ مِنَ الآمِنِينَ»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

وثانيها: عبادة العبيد، فهم يعبدون اللَّه تعالى خوفاً من ناره وعقابه، فلو لم يتوعّدهم بالنار والعذاب لما عبدوه، وهي المعبّر عنها بعبادة العبيد أيضاً في الحديث السابق.

وثالثها: عبادة الكرام، وهم من عبدوه تعالى؛ لأنّه أهل للعبادة، وهو المحبوب الأعلى، فلو علموا أنّه تعالى يدخلهم النار بطاعتهم أو الجنةبمعصيتهم لاختاروا الطاعة، وتركوا المعصية، فحبّهم له سبحانه هو الذي يدفعهم لعبادته، ومن أحبّ اللَّه أحبّه اللَّه، ومن أحبّه اللَّه كان من الآمنين يوم الفزع الأكبر.

سند الحديث:

فيه: محمّد بن أحمد السناني، ولم يرد في حقّه شي ء، سوى أنّه من مشايخ الصدوق، لكنّ الشيخ الصدوق ترضّى عنه كثيراً. وعليه فلا إشكال

ص: 15


1- 1*) النمل، الآية 89 .
2- 2*) آل عمران، الآية 31.
3- 3*) علل الشرائع 1 : 12، ب9، ، ح 8 ، والأمالي: 91، ح65 ، والخصال: 188 ، ح 259 .

[136] 3 - محمّد بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ الْمُوسَوِيُّ فِي «نَهْجِ الْبَلاغَةِ»، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

في وثاقته.

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى الحبّال أو عبد اللَّه كما في «العلل»((2)) ، ومحمد بن الحسين الخشّاب، ومحمد بن محض، فهم مهملون.[3] - فقه الحديث:

الحديث متّحد الدلالة مع سابقيه، إلّا أنّه عبّر عن عبادة الأجراء أو الحرصاء بعبادة التّجار.

وقد ذكر في عبادة الأحرار هنا الشكر مكان الحب، ومرجعهما واحد؛ فإنّ الشكر هو: وضع الشي ء المنعم به في محلّه، وشكر العبادة: أن تكون للَّه الذي يستحقّها لذاته، فالعابد يعبد اللَّه، لأنّه اللَّه، «أي: لأنّه تعالى مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته، المحبوب لذاته، فليس الحب إلّا الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا فيه تعالى: هو معبود؛ لأنّه هو، وهو معبود؛ لأنه جميل محبوب، وهو معبود؛ لأنّه منعم

ص: 16


1- نهج البلاغة 4 : 53، الحكمة رقم 237 .
2- - علل الشرائع 1 : 12، ب9، ح8 .

أَقُولُ: وَتَأْتِي أَحَادِيثُ «مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ عَلَى عَمَلٍ، فَعَمِلَهُ؛ طَلَباً لِذَلِكَ الثَّوَابِ»، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى بَعْضِ مَضْمُونِ هَذَا الْبَابِ(1)1*). وَمِثْلُهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدّاً، تقدّم بَعْضُهَا(2)2*)، وَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي تَضَاعِيفِالأَبْوَابِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

مشكور بالعبادة، [ف-] يرجع جميعها إلى معنى واحد»((3)).

وهذه الأحاديث لم تكن في مقام تقسيم كلّ عبادة في الدنيا، وإلّا فهي لم تتعرّض لعبادة الأصنام والشهوات والطغاة، وغيرها من العبادات الباطلة، بل هي في مقام تقسيم كلّ عبادة حقّة وشرعيّة وصحيحة. ثمّ إنّ أحاديث «من بلغه ثواب على عمل فعمله طلباً لذلك الثواب»، وما دلّ على مشروعية صلوات الحاجات والأدعية الواردة لطلب الحوائج، تدل على جواز قصد تلك الغايات كما لا يخفى.

ص: 17


1- 1*) تأتي في: أ - الحديث 3 من الباب 16 من أبواب مقدمة العبادات. ب - أحاديث الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات. ج - الحديث 7 من الباب 20 من أبواب مقدمة العبادات. د - الحديث 5 من الباب 22 من أبواب مقدمة العبادات. ه- - الحديث 7 من الباب 27 من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2*) تقدم في الحديث 10 من الباب السابق.
3- - تفسير الميزان 1 : 38.

المستفاد من أحادیث الباب

سند الحديث:

الحديث محكوم بالإرسال.

والحاصل: أنّ في هذا الباب ثلاثة أحاديث، الأول منها معتبر، والآخران ضعيفان.

والمستفاد من الباب أمور:

منها: أنّ العبّاد على ثلاثة أقسام: عبيد وأحرار وتجار.

ومنها: أنّ أفضل تلك الأنواع هي: عبادة الأحرار، وهي مختصّة بأهلالعصمة (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ ضميمة طلب الثواب أو الخوف من العقاب لا ينافي الإخلاص ولا قصد القربة، والعبادة معه صحيحة.

ومنها: أنّ من أحبّ اللَّه عزّوجلّ أحبّه اللَّه تعالى، ومن أحبّه اللَّه كان من الآمنين يوم القيامة.

ومنها: أنّ من أحبّ اللَّه واتّبع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) أحبّه اللَّه وغفر له ذنوبه.

ص: 18

10 - باب عدم جواز الوسوسة في النية والعبادة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

10 - باب عدم جواز الوسوسة في النيّة والعبادة

سبب الوسوسة و آثارها

شرح الباب:

الوسواس - بالكسر - والوسوسة مصدران، والوسوسة: حديث النفس، يقال: وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواساً، والوسواس - بفتح الواو - : الشيطان، وهو الخنّاس أيضاً؛ لأنّه يوسوس في صدور الناس ويخنس((1)).

والوسوسة في العمل: هي الإتيان به مكرّراً؛ نتيجة لكثرة الشك في تحقّقه. فالوسواس مرتبة عالية من كثرة الشك، والوسوسة غالباً ما تكون في الأعمال العباديّة، كالطهارة والنجاسة، والصلاة والوضوء والغسل. وقلّما تكون في العبادات الماليّة، كالخمس والزكاة، والمعاملات.

وسبب الوسوسة هو: الانسياق وراء إيحاءات الشيطان؛ نتيجةً لضعف العقل؛ فإنّ الوسواسي يعلم أنّ هذه الإيحاءات من الشيطان، وأنّ المطلوب منه شرعاً في جميع أعماله دون ما يأتي به بمراتب كثيرة، وأنّه مطالب بمخالفة الشيطان الذي قصده بالوسوسة؛ ليشغل سرّه بحديث النفس، فيكرّر عليه أفعاله ويؤذيه.

ص: 19


1- - مجمع البحرين 4 : 503 ، مادّة : «وسوس».

ومع ذلك فإنّه يغضّ طرفه عن جميع ذلك، ويتّبع ما يمليه عليه العدوّ المبين، وهو يحسب أنّه يحسن صنعاً، وأنّ غيره على الباطل، فهو متردّد دائماً، وفي صراع دائم مع نفسه، وحينما يرجع إليها يرى أنّه مبتلى، وعندما يريد العمل تتطرّق إليه الوساوس، فيتناسى ابتلاءه، ويجري على ما يمليه عليه الشيطان من الإعادة والتكرار.

وقد يبلغ به الحال إلى مرتبة أعظم من الوسواس، بحيث لا يلتفت إلى أنّه وسواسي، ويرى صحّة عمله، وبطلان عمل غيره.

ولهذا الداء العظيم آثار سوء - وكلّها من المصائب العظيمة - كهجوم الهموم والغموم، والاضطراب والخوف على القلب، وكرفع النشاط عن الإنسان، وهو موجب لحب الإنسان الاعتزال عن الناس، وتسلّط النفرة حتّى عن نفسه عليه، والكسل والبطالة، وتضييع العمر الثمين والأوقات الغالية، وقد ينجرّ صاحبه إلى تضييع بعض الواجبات، بل قد يؤدي به الاسترسال فيه إلى اليأس عن روح اللَّه، والعياذ باللَّه.

ولذا قال بعض الأعلام: «وساوس الشيطان غير متناهية، فمهما عارضه فيما يوسوس بحجةٍ أتاه من باب آخر بوسوسة، وأدنى ما يفيده من الاسترسال في ذلك إضاعة الوقت. ولا تدبير في إبطال ما يأتي به من الفساد أقوى وأحسن من اللجأ إلى اللَّه تعالى، والاعتصام بحوله وقوّته»((1)).

ص: 20


1- - مجمع البحرين 4 : 503 ، مادّة : «وسوس».

الأقوال:

ذهب المشهور إلى حرمة الوسوسة في الأعمال تكليفاً ووضعاً، والجري العملي على طبقها في حدّ نفسها - بلا ضمّ أي عنوان - محرّم آخر، وذهب بعض((1))

إلى كراهته.

واختار آخرون - ومنهم السيد الأستاذ (قدس سره) - عدم الحرمة ما لم يستلزم عنواناً محرّماً آخر، كالإخلال بالنظام أو الهلاكة، وتضييع الأوقات الغالية، وكونه سبباً لنقض الصلاة - وهو محرّم على المشهور - أو لاستلزامه تأخير الصلاة عن وقتها، أو لتفويت واجب آخر، كالإنفاق على من يجب عليه إنفاقه ... فإنه لا إشكال في حرمة ذلك((2)).

وعلى هذا يكون عمل الوسواسي صحيحاً، ما لم يؤدِّ عمله إلى الوقوع في محرّم.

ص: 21


1- - راجع: فقه الشيعة 3 : 293 - 295.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 3 : 160 - 161.

[137] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: ذَكَرْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) رَجُلاً مُبْتَلىً بِالْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ، وَقُلْتُ: هُوَ رَجُلٌ عَاقِلٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «وَأَيُّ عَقْلٍ لَهُ وَهُوَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ»؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَكَيْفَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟ فَقَالَ: «سَلْهُ: هَذَا الَّذِي يَأْتِيهِ مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ هُوَ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ: مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على مبغوضيّة كثرة الشك المعبّر عنها اصطلاحاً بالوسوسة العمليّة، والمعبّر عنها في هذا الحديث بالابتلاء بالوضوء والصلاة، فإنّ الابتلاء بهما معناه: إمّا الابتلاء بالوسوسة في نيّتهما، أو في فعلهما، أو بالخواطر التي تشغل القلب عنهما.

والوسواسي إنّما صار إلى هذا الحال؛ نتيجة انسياقه وراء تسويلات الشيطان، وعدم اتّباعه لما يمليه عليه عقله من عدم متابعته، ولذا نفى الإمام (علیه السلام) أن يكون الوسواسي ذا عقل مع متابعته للشيطان. ولا يخفى ما فيهمن المبالغة في نفي العقل عن مثله؛ فإنّ من يتّبع الشيطان كأنّه لا عقل له،

ص: 22


1- الكافي 1 : 12، كتاب العقل والجهل، ح 10.
2- يأتي في الباب 16 و31 ، من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

لا أنّ له عقلاً غير كامل. ويحتمل أن يريد الإمام (علیه السلام) - من نفي العقل عنه - نفيه حال متابعته للشيطان، فيكون حال متابعته لا عقل له، لا في جميع أحواله.

وأما ما يتراءى من شدّة اهتمام الوسواسي بتصحيح نيّته وعبادته بالتكرار الكثير - ومعه كيف يكون صاحبه متّبعاً للشيطان - فليس بشي ء؛ فإنّ هذا الاهتمام لم يكن ناشئاً من إطاعة اللَّه، والسير على هدى العقل؛ والدليل على ذلك: أنّ الوسواسي نفسه يدرك تماماً أنّ هذه الوسوسة وحديث النفس الذي يأمره بالإبطال، واعتبار ما لم يحصل حاصلاً، وما هو حاصل غير حاصل، إنّما هو من عمل الشيطان.

فلذا لمّا استفهم عبد اللَّه بن سنان عن وجه كون الوسواسي يطيع الشيطان مع اشتغاله بالعبادة واهتمامه بها، أحال الإمام (علیه السلام) البيان إلى الوسواسي؛ تنبيهاً على أنّ كون ذلك من الشيطان أمر بيّن، يعرفه كلّ واحد حتّى صاحبه؛ لعلمه بأنّه هو الباعث على هذا العمل دون الشرع أو العقل؛ وذلك لأن كلّ واحد يعلم أنّ الزيادة في الدين إنّما هو من عمل الشيطان الرجيم.

وتصديقه بأنّ هذا العمل من الشيطان لا يوجب أن يكون عاقلاً كاملاً، ومثله مثل شارب الخمر؛ فإنّه يعلم بأنّ الشيطان هو سبب المعصية، ويقرّ بذلك، وهو - مع هذا الإقرار - يرتكب المعصية، وإنّما العاقل مَن ترك عمل الشيطان، ولم يعمل بقوله، بل اتّبع ما يمليه عليه الشرع الأقدس.

ولذا ورد النهي عن الوسوسة القلبيّة والعمليّة، والتحذير من الوقوع فيها،

ص: 23

فقد ورد في الحديث القدسي: «يا أحمد، وعزّتي وجلالي، ما من عبد ضمن لي أربع خصال إلّا أدخلته الجنّة: يطوي لسانه فلا يفتحه إلّا بما يعنيه، ويحفظ قلبه من الوسواس، ويحفظ علمي ونظري إليه، ويكون قرّة عينه الجوع»((1)).

وورد في الدعاء: «وطهّر جسدي من الدنس، وعيني من الخيانة، وصدري من الوسواس والحرج، ولا تخرجني من الدنيا إلّا وأنت عنّي راضٍ، يا أرحم الراحمين»((2)).

والحاصل: أنّ المشهور استدلّوا على حرمة الجري على الوسوسة في الأعمال بوجوه ثلاثة:

وجوه استدلال المشهور علی حرمة الوسوسة

الأوّل: ما يظهر من صاحب «الوسائل» (قدس سره) من الاستدلال بهذا الحديث، وبما دلّ من الآيات والروايات على تحريم الابتداع، والعمل بالهوى، والتشريع، والتعدّي على حدود اللَّه، والقول والعمل بغير الكتاب والسنة، وبخلاف ما أنزل اللَّه، كما أشار إليها في شرحه على الحديث((3)).

الثاني: ما يظهر من السيد الحكيم (قدس سره) من الإجماع؛ حيث ذكر فيمسألة كثير الشك: أنّه «لا إشكال في عدم الالتفات إليه إذا كان من

ص: 24


1- - الجواهر السنية: 192.
2- - جمال الأسبوع: 195.
3- - تحرير وسائل الشيعة: 286.

الوسواس؛ لحرمة العمل عليه إجماعاً»((1)).

الثالث: ما ذكره أيضاً (قدس سره) في مستحبّات القراءة بقوله: «للنهي عن العمل على مقتضى الوسواس الموجب للحرمة»((2)).

والظاهر: أنّ نظره إلى صحيحة زرارة وأبي بصير جميعاً، قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى، ولا ما بقي عليه، قال: «يعيد» قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك، كلّما أعادَ شَكَّ ؟ قال: «يمضي في شكه»، ثمّ قال: «لا تعوِّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوِّد. فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك». قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عُصِي لم يعد إلى أحدكم»((3)).

وإلى صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك؛ فإنّه يوشك أن يدعك؛ إنّما هو من الشيطان»((4)).

والغرض أنّ الإمام (علیه السلام) نهى عن الاعتناء بالشك، والنهي يقتضي الحرمة والبطلان.

ص: 25


1- - مستمسك العروة الوثقى 7 : 431.
2- - المصدر نفسه 6 : 291.
3- - الكافي 3 : 358، باب من شكّ في صلاته كلّها، ح 2 .
4- - المصدر نفسه: ح 8 .

ولكن ناقش السيّد الأستاذ (قدس سره) في جميع تلك الوجوه:

أمّا الإجماع: فعلى فرض تحقّقه أنّه ليس بكاشف عن رأي المعصوم.

وأمّا النهي الوارد عن اتّباع الشيطان ونقض الصلاة، فإنه ظاهر في الإرشاد، لا المولويّة، وليس كلّ متابعة للشيطان أو كلّ ما يأتي من قبله حراماً؛ فإن أصل السهو من الشيطان، على ما صرّحت به الأخبار، ولا حرمة فيه قطعاً، كما أنّ المكلّف قد يقدم على مكروه أو مباح؛ نتيجة لتسويلاته، وليست متابعته حينئذ حراماً قطعاً.

وأمّا الحديث المذكور في الباب: فلا يستفاد منه الحرمة، بل غايته الكراهة.

وأمّا الاستدلال بالآيات والروايات على تحريم الابتداع والعمل بالهوى والتشريع والتعدّي عن حدود اللَّه تعالى، فإنّه يصح إذا انجرّ الوسواس إلى أحد هذه الأمور، فهو يوجب الحرمة بعنوان آخر، لا بعنوانه الأوّلي.

ولكن لا يخفى أنّه مع الاعتراف بعدم كون ما يأتي به الوسواسي مأموراً به، بل يكون مبغوضاً، كيف يحكم بصحة العمل؟! فلا يبعد استفادة بطلان العمل من هذا الحديث وأشباهه ممّا يأتي في أبواب الخلل، إن شاء اللَّه تعالى.

مناقشة السید الأستاذ قدس سره لتلك الوجوه

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدموا جميعاً، والسند معتبر بلا إشكال.

ص: 26

علاج الوسواس:

ثمّ إنّ لهذا الداء العظيم معالجات وردت عن أهل بيت العصمة والطهارة (علیهم السلام) ، نقتصر على ذكر بعضها:

فمنها: أنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) كان إذا أتى مريضاً قال: «اَذْهِب الوسواس والبأس ربّ الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلّا شفاؤك»((1)).

ومنها: ما عن الباقر (علیه السلام) ، قال: «جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، فشكا إليه الوسوسة، وحديث النفس، وديناً قد فدحه، والعيلة، فقال له رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): قل: توكّلت على الحيّ الذي لا يموت، والحمد للَّه الذي لم يتّخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليّ من الذلّ، وكبّره تكبيراً، وكرّرها مراراً. فما لبث أن عاد إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: يا رسول اللَّه، قد أذهب اللَّه عنّي الوسوسة، وأدّى عنّي الدين، وأغناني من العيلة»((2)).

ومنها: ما عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال لأمير المؤمنين (علیه السلام) : «يا علي، أمان لك من الوسواس أن تقول: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً}((3)) ، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن

ص: 27


1- - بحار الأنوار 92 : 17، كتاب الذكر والدعاء، ب55 ، ح16، وللدعاء تكملة وهي: «شفاءً لا يُغادر سُقماً. اللهم أصلحِ القلب والجسم، واكشف السقم وأجب الدعوة» .
2- - مكارم الأخلاق: 128.
3- - الإسراء، الآية 45.

يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً}((1))»((2)).

ومنها: ما عن الإمام الصادق (علیه السلام) وقد سئل عن الوسوسة وإن كثرت، فقال: «لا شي ء فيها، تقول: لا إله إلّا اللَّه»((3)).

وعنه (علیه السلام) أيضاً: «قل: لا إله إلّا اللَّه»، قال جميل: فكلّما وقع في قلبي شي ء قلت: لا إله إلّا اللَّه، فيذهب عنّي((4)).

ومنها: ما عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): أنّه قال: «من وجد من هذا الوسواس شيئاً فليقل: آمنت باللَّه ورسله - ثلاثاً - فإنّ ذلك يذهب عنه»((5)) .

ومنها: ما عن جعفر الصادق (علیه السلام) : «أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لمن شكى إليهكثرة الوسواس حتّى لا يعقل ما صلّى من زيادة ونقصان: إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك اليسرى بإصبعك اليمنى المسبحة، ثمّ قل: بسم اللَّه، وباللَّه، توكّلت على اللَّه، أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، فإنّك تطرده»((6)).

ص: 28


1- - الإسراء، الآية 46.
2- - مكارم الأخلاق: 369.
3- - الكافي 2 : 424، باب الوسوسة وحديث النفس، ح 1 .
4- - المصدر نفسه : ح2.
5- - العقد الحسيني : 4.
6- - المصدر نفسه.

ومنها: أنّ بعض الصحابة شكا إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الوسوسة فقال: يا رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، إنّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، يلبسها عليّ، فقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «ذلك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسست به فتعوّذ باللَّه منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً»، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه اللَّه عنّي((1)).

ومنها: ما عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : ذِكرُنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب، وحبّنا رضا الربّ تبارك وتعالى»((2)).

والحاصل: أنّ في هذا الباب حديثاً واحداً معتبراً.

المستفاد من الباب

والمستفاد منه أمور:

منها: مرجوحيّة الوسوسة في النيّة وسائر العبادات.

ومنها: أنّ الوسواسي لا عقل له؛ لأنّه يتّبع الشيطان في تسويلاته.

ومنها: أنّ العقل المعتبر هو ما أدّى إلى طاعة اللَّه سبحانه وتعالى.

ص: 29


1- - العقد الحسيني : 4.
2- - المحاسن 1 : 136 ، ب 8 ، ح 173 .

ص: 30

11 - باب تحريم قصد الرياء والسمعة بالعبادة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

11 - باب تحريم قصد الرياء والسمعة بالعبادة

شرح الباب:

الشرك باللَّه عزّوجلّ على ثلاثة أنواع: ذاتي، بأن يجعل العابد له تعالى شريكاً في مرتبة ذاته المقدّسة؛ وفعلي، بأن يجعل له شريكاً في أفعاله؛ وعبادي، بأن يجعل له شريكأً في معبوديته. وهذا النوع من الشرك قسمان:

أحدهما: أن يؤتى بالعبادة لأجل عبادة غير اللَّه، كما هو الحال فيمن يعبد غير اللَّه من سائر المعبودات، وهذا القسم موجب لنجاسة فاعله، وترتّب أحكام أخرى عليه.

وثانيهما: أن يؤتى بالعبادة لأجل إراءة الغير فحسب، من دون قصد عبادة ذلك الغير، فصاحبه معتقد بوحدانيّة اللَّه تعالى ذاتاً وفعلاً وعبادة، وهو المبحوث عنه في الفقه هنا.

وهذا الباب معقود لذكر القسم الثاني من الضمائم، وهما هنا: الرياء والسمعة، وحكم كلّ منهما تكليفاً، بعد أن انتهى الكلام في الضمائم التي يجوز قصدها بالمعنى الأعم للجواز، وسيأتي حكمهما الوضعي في الباب اللاحق.

والرياء: مشتق من الرؤية، وقد عرّف بأنّه: طلب المنزلة عند الناس،

ص: 31

بإراءتهم خصال الخير؛ لتحصيل ما لم يكن حاصلاً من المنافع المحرّمة أو المباحة، ويكون ذلك تارة بالقول، وأخرى بالفعل.

وعلى هذا يكون طلب المنزلة عند الناس، لتحصيل غاية راجحة - كترويج الحق وإماتة الباطل بكلمته المسموعة - غير داخل في الرياء؛ لأنّ مرجعه إلى طلب المنزلة عند اللَّه.

وإن أبيت عن صدق هذا النوع على طلب المنزلة عند اللَّه، إلّا أنّه ليس بحرام؛ لأنّ عموم حرمة الرياء معارض بعموم رجحان تلك الغاية الشريفة.

وأركان الرّياء أربعة: المرائي، وهو العابد، والمراءى، وهم الناس المطلوبة رؤيتهم؛ لطلب المنزلة في قلوبهم وعلى ألسنتهم، والمراءى به، وهي الخصال التي قصد المرائي إظهارها، والرياء: وهو قصده إظهار ذلك.

أقسام الریاء و أحكامها

وأمّا السمعة: فهي مشتقّة من السماع، وهي: أن يقصد بالعمل سماع الناس به، فهي رتبة أو نوع أعظم عندهم من أفراد الرياء.

والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق؛ فإنّ الرياء أعمّ منها؛ لأنّه عبارة عن الإتيان بالعمل للناس، أعمّ من رؤيتهم له وإسماعهم إيّاه، وعدمه.

وأمّا حبّ استماع الناس لعمله من دون أن يفعله لذلك، فهو كحب رؤية الغير لعمله وسروره بذلك من دون أن يعمل لذلك، وهو ممّا ورد عدم البأس به، كما سيأتي في باب مستقلّ.

وينقسم الرياء إلى أقسام، على ما ذكره بعض علماء الأخلاق:

أحدها: الرياء بالعقيدة، بإظهار الإيمان وإسرار الكفر، وهذا هو النفاق،

ص: 32

وهو أشدّها خطراً على المسلمين؛ لخفاء كيد المنافق، وتستّره بظلمة النفاق.

ثانيها: الرياء بأصول العبادة مع صحّة العقيدة، وذلك بممارسة العبادات أمام ملأ الناس؛ مراءاة لهم، وتركها في الخلوة والسرّ، كالتظاهر بالصلاة والصيام والزكاة، ونحوه من صور الرياء، في صميم العبادة أو أجزائها وأركانها. وهنا يغدو المرائي أشدّ إثماً من تارك العبادة؛ لاستخفافه باللَّه عزّوجلّ، وتلبيسه على الناس.

ثالثها: الرياء في النوافل والسنن، التي لو تركها لم يكن عاصياً بتركها، ولكنّه يكسل عنها في الخلوة، وينشط في إتيانها أمام الناس، كحضور الجماعة في الصلاة، وعيادة المريض، والتهجّد بالليل، ونحو ذلك، وهذا أيضاً خطره عظيم، ولكنّه دون السابق.

رابعها: الرياء بأوصاف العبادة، لا بأصولها، وهو على ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يرائي بفعل ما يوجب تركه نقصان فضل العبادة، كما إذا أحسن الركوع أو السجود، وترك الالتفات، وتمّم الجلوس بين السجدتين، في محضر الناس، بحيث لو كان وحده لما أتى بذلك. وهذا - أيضاً - استهانة بالمولى الجليل جلّ وعلا، وهو من الرياء المحظور الموجب للبطلان.

الصورة الثانية: أن يرائي بفعل ما لا يوجب تركه نقصان فضل العبادة، ولكن فعله في حكم التكملة، كالتطويل في الركوع والسجود، وتحسين الهيئة في رفع اليدين، ومدّ القيام، ونحو ذلك، بحيث لو كان في خلوة لما

ص: 33

أتى بشي ء من ذلك. وهذه الصورة كسابقتها في كونها من الرياء المحظور. والمشهور: أنّه يوجب بطلان العبادة.

الصورة الثالثة: أن يرائي بزيادات خارجة عن العبادة، كحضور الجماعة قبل القوم، أو وقوفه في الصفّ الأول، أو اختياره جهة يمين الإمام في صلاة الجماعة، ونحو ذلك، بحيث لو خلّي ونفسه لا يبالي برعاية ما ذكر. وهذا القسم محلّ الكلام، وبما أنّه خارج عن نفس العبادة، فلا يوجب بطلانها، وإن كان مذموماً في حدّ نفسه.

خامسها: الرياء في غير العبادات، وهو على أقسام:

الأول: ما يكون بالبدن، كإظهار النحول والصفرة؛ ليوهم بذلك شدّة الاجتهاد، وعظم الحزن على أمر الدين، وغلبة خوف الآخرة، وليدل بالنحول على قلّة الأكل، وبالصفرة على سهر الليل، وكذلك ليدل بخفض الصوت وإغارة العينين وذبول الشفتين وتشعّث الشعر على استغراق وقته في الدين، وعدم تفرّغه لتسريح شعره، وأمثال ذلك.

الثاني: ما يكون بالزي والهيئة، مثل حلق الشارب، وإطراق الرأس في المشي، والهدوء في الحركة، وإبقاء أثر السجود في الجبهة، وتغليظ الثياب،ولبس الصوف، وتشميرها إلى نصف الساق، وتقصير الأكمام، وترك تنظيف الثوب، وتركه مخرقاً، كلّ ذلك يرائي به؛ ليظهر أنّه يتّبع السنّة، ويقتدي بعبادات الصالحين.

الثالث: ما يكون بالقول، كالوعظ والتذكير، والنطق بالحكمة، وحفظ

ص: 34

الأحاديث والأشعار؛ لأجل إظهار غزارة علمه، وليدل على شدّة عنايته بأقوال السلف الصالحين، وكذلك تحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق، وإظهار الغضب على المنكرات، وإظهار الأسف على اقتراف الناس للمعاصي والآثام، ونحو ذلك من الأمور.

الرابع: ما يكون بالعمل، كإطراق الرأس، وترك الالتفات، وإظهار السكون، وإرخاء الجفون عند اللقاء بالناس، وتنكيس الرأس؛ إظهاراً للإخبات، والوقار في الكلام أو المشي، بحيث قد يسرع في المشي إلى حاجته، فإذا اطّلع عليه شخص من أهل الدين رجع إلى الوقار؛ خوفاً من أن ينسبه إلى العجلة وقلّة الوقار، فإن غاب عنه عاد إلى سرعته، وربما استحيى المرائي من أن تخالف مشيته في الخلوة مشيته في غيرها، فيكلّف نفسه المشية الوقورة الحسنة في الخلوة، حتّى إذا رآه الناس لم يحتج إلى تغييرها، وبذلك يتضاعف رياؤه؛ فإنّه قد صار مرائياً حتّى في الخلوة.

الخامس: ما يكون بكثرة الأصحاب والزائرين والمخالطين، كمنيتكلَّف زيارة عالمٍ أو عابدٍ؛ ليقال: إنّ فلاناً قد زار العالم الفلاني أو العابد الفلاني، أو كمن يكثر من ذكر المشايخ وعلماء العرفان؛ ليقال: إنّ فلاناً لقي شيوخاً كثيرين، واستفاد منهم، فيتباهى بشيوخه حتّى ينتشر صيته وسمعته في البلاد، وتكثر الرحلة إليه، ويزداد اختلاف الناس على بابه، ونحو ذلك.

وهذه الأقسام - أيضاً - داخلة في الرياء، وكلها مذمومة. ولكن حيث إنّها

ص: 35

غير داخلة في العبادات فهي لا توجب حكماً وضعيّاً، كما كانت توجب البطلان في العباديّات.

وأما من جهة الحكم التكليفي وكونها محرّمة أو مكروهة، فهي محلّ كلام.

الأقوال:

أما الخاصة: فالرياء حرام عندهم تكليفاً كتاباً؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ}((1)

وسنّة متواترة، وإجماعاً من المسلمين، بل هو من الكبائر؛ لأنّ اللَّه أوعد عليه النار، وكل ما أوعد عليه النار فهو كبيرة وتبطل به العبادة. ونسب إلى المرتضى (قدس سره) القول بعدم بطلان العبادة به، بل العبادة غير مقبولة معه فحسب((2)). وعلى هذا فتجب التوبة عنه إذا كان الرياء في الإيمانوالعبادات، وأمّا غيرها فمحلّ كلام، كما تقدّم.

وأما العامة: فقد قال الجزيري في «الفقه على المذاهب الأربعة»: «من صلّى لفرض دنيوي، كأن يمدح عند الناس، بحيث لو لم يمدح لترك الصلاة، فإن صلاته لا تصح. وكذا إذا صلّى ليظفر بمال أوجاه، أو يحصل على شهوة من الشهوات فإنّ صلاته تكون باطلة. فعلى الناس أن يفهموا هذا

ص: 36


1- - الماعون، الآية 6.
2- - انظر: الانتصار: 100، مسألة9 ، حيث قال العلامة في المختلف 1 : 306 : ويلوح من كلام السيد الإجزاء.

[138] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ فَضْلٍ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُظْهِرَ حُسْناً وَيُسِرَّ سَيِّئاً؟ أَلَيْسَ يَرْجِعُ إِلَى نَفْسِهِ، فَيَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟! وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {بَلِ الإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}(1). إِنَّ السَّرِيرَةَ إِذَا صَلَحَتْ قَوِيَتِ الْعَلانِيَةُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المعنى جيداً ويدركوا أنّ من قصد بصلاته غرضاً من الأغراض الدنيوية فإن صلاته تقع باطلة، ويعاقب عليها المرائين المجرمين؛ قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}((3))، فمن لم يخلص في أرادة الصلاةويقصد أن يصلي لله وحده، فإنه يكون مخالفاً لأمره تعالى، فلا تصحّ صلاته. والنية بهذا المعنى متفق عليها»((4)).

فالظاهر أن الحكم مورد للاتفاق بين المسلمين.

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على توبيخ المرائي، وعدم فائدة الرياء له، بإظهاره الحسن

ص: 37


1- القيامة، الآية 14.
2- الكافي 2 : 295، باب الرياء، ح 11.
3- - البينة، الآية 5.
4- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 310 - 311.

وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

- ولعل المراد به: الأعمال والعبادات الظاهرة - وبإخفائه السيّىء، وهو قصد الرياء ونيّة التقرّب بها عند الناس؛ فإنّه لو رجع هذا إلى نفسه علم أنّ ذلك العمل ليس بمقبول؛ لسوء سريرته، وعدم صحّة نيّته، وليس عمله حسناً يترتّب عليه الثواب والتقرّب إلى اللَّه، بل علم أنّه معصية؛ لأنّ الإنسان عالم بحال نفسه من الخير والشر، فيجب عليه الاجتناب من الشر وما يضرّه، وهذا الإظهار وذاك الإخفاء لا ينفعانه.

وأما إذا قصد التقرّب إلى اللَّه جلّ شأنه وسعى للسعادة الأبديّة فتتقوّىالعلانية، وتصحّ الجوارح والأعضاء الظاهرة، وتصدر منها الأعمال الصالحة، كما ورد: «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة»((2))، وورد: «أنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد. ألا وهي القلب»((3)).

سند الحديث:

أورد صاحب «الوسائل» الحديث بسندين:

ص: 38


1- 1*) الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 310 - 311.
2- - وسائل الشيعة 1 : 53، ب6 من أبواب مقدمة العبادات، ح14.
3- - بحار الأنوار 103 : 58.

أمّا السند الأول: ففيه: أبو عليّ الأشعري، وهو أحمد بن إدريس القمي، وقد تقدم.

ومحمد بن عبد الجبّار، وهو ابن أبي الصهبان، وهو قمي ثقة، وقد تقدّم أيضاً.

وأمّا الفضل أبو العباس: فهو الفضل بن عبد الملك، أبو العباس (البقباق). قال عنه النجاشي: «مولى، كوفي، ثقة، عين»((1)).

وعن البرقي في أصحاب الصادق (علیه السلام) : «الفضل البقباق، أبو العباس، كوفي. وفي كتاب سعد: له كتاب، ثقة»((2)).وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) قائلاً: «الفضل بن عبد الملك، أبو العباس، البقباق، كوفي»((3)).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العددية» من الفقهاء الأعلام، والرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق لذمّ واحد منهم ((4)).

ص: 39


1- - رجال النجاشي: 308/843.
2- - أنظر: رجال البرقي - الطبقات: 34؛ فإنّ الظاهر أنّه ذكره في ترجمة «فضيل بن محمّد بن راشد»؛ حيث قال: «مولى الفضل البقباق، ابو العباس»، وما بعد هذه العبارة يرجع إلى الفضيل. وراجع: رجال ابن داود: 273/ 1183، وخلاصة العلامة: 132. ويرى السيد الخوئي أنّ ابن داود والعلامة قد اشتبها. (راجع: معجم رجال الحديث 14 : 355، الفضيل بن محمد).
3- - رجال الطوسي: 268/3858.
4- - الرسالة العددية 9 : 41 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد).

وورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((1)).

وعليه فالسند في غاية الاعتبار.

وأمّا السند الثاني:

ففيه: محمّد بن جمهور: قال عنه النجاشي: «أبو عبد اللَّه، العمِّي، ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء، اللَّه أعلم بها من عظمها، روى عن الرضا (علیه السلام) »((2)).

وقال عنه الشيخ في «الرجال»: «محمد بن جمهور، العَمِّي، عربي،بصري، غالٍ»((3)).

وقال السيد الأستاذ (قدس سره) : «الظاهر أنّ الرجل ثقة، وإن كان فاسد المذهب؛ لشهادة عليّ بن إبراهيم بوثاقته. غاية الأمر أنّه ضعيف في الحديث؛ لما في رواياته من تخليط وغلو، وقد ذكر الشيخ: أنّ ما يرويه من رواياته فهي خالية من الغلوّ والتخليط، وعليه فلا مانع من العمل بما رواه الشيخ من رواياته»((4)).

هذا، وقد ورد في القسم الثاني من «التفسير»((5)) .

ص: 40


1- - أصول علم الرجال 1 : 233، و ج2 : 205 .
2- - رجال النجاشي: 337/901.
3- - رجال الطوسي: 364/5404.
4- - معجم رجال الحديث16 : 191/10439.
5- - أصول علم الرجال 1 : 309 .

نكتة مهمّة في محمّد بن جمهور

وهنا نكتة مهمّة، وهي: أنّ محمّد بن جمهور كثيراً ما يرد في الأحاديث، ولم تثبت عندنا وثاقته؛ لأنّا لا نرى وثاقة من ورد في القسم الثاني من «التفسير»، ولا من ورد في «كامل الزيارات» من غير مشايخ ابن قولويه.

ولكن بما أنّ الشيخ قال: بخلوّ ما يرويه عنه من الغلوّ والتخليط((1)

فلا مانع من الأخذ بما رواه الشيخ. فالرجل وإن كان غير ثقة، إلّا أن رواياته الخالية عن الغلوّ والتخليط تكون معتبرة، وهي الروايات التي رواها الشيخ.وفيه أيضاً: معاوية: وهو مشترك بين جماعة. ولكن من يروي عنه فَضَالة منحصر في ثلاثة أشخاص:

أحدهم: معاوية بن عمار: الذي قال عنه النجاشي: «معاوية بن عمّار بن أبي معاوية خَبَّاب بن عبد اللَّه، الدُّهْني، مولاهم، كوفي - ودُهْن من بَجيلَة - وكان وجهاً في أصحابنا، ومقدّماً كبير الشأن، عظيم المحلّ، ثقة ... وله كتب منها: كتاب الحج، رواه عنه جماعة كثيرة من أصحابنا»((2)).

وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

وثانيهم: معاوية بن وهب: والذي قال عنه النجاشي: «معاوية بن وهب، البَجَلي، أبو الحسن، عربي صميمي، ثقة، حسن الطريقة، روى عن أبي عبد

ص: 41


1- - فهرست الطوسي: 223/626.
2- - رجال النجاشي: 411/1096.
3- - أصول علم الرجال 1 : 287 ، 240، و ج2 : 213 .

اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، له كتب»((1)).

وعدّه المفيد من الرؤساء الأعلام((2)).

وورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)) .

وثالثهم: معاوية بن ميسرة: ولم يرد فيه شي ء، سوى رواية المشايخالثقات عنه((4)).

والظاهر أنّ المراد به هنا: معاوية بن عمار؛ لأنّه روى عنه فضالة في مائة وثلاثين مورداً في الكتب الأربعة. وأمّا معاوية بن وهب: فقد روى عنه في ثمانية عشر مورداً، وابن ميسرة روى عنه في موردين.

والسند معتبر؛ لأمرين:

الأوّل: أنّ كتب معاوية مشهورة، فلا تحتاج إلى الطريق.

والثاني: أنّ الشيخ يروي هذا الحديث عن كتب محمّد بن جمهور الخالية عن التخليط.

بقي أمر: وهو أنه ورد في «جامع الأحاديث»((5)): عن «الفضيل» بدل «الفضل»، وكذلك في «مرآة العقول»((6))، مع أن معاوية روى عن الفضيل في

ص: 42


1- - رجال النجاشي: 412/1097.
2- - الرسالة العدديّة 9 : 46 ضمن مصنفات الشيخ المفيد .
3- - أصول علم الرجال 1 : 241، و ج2 : 213 .
4- - المصدر نفسه 2 : 213 .
5- - جامع أحاديث الشيعة 1 : 506، ح819 .
6- - مرآة العقول 10 : 112، باب الرياء، ح11.

[139] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلادِ، عَنْ سَعْدٍ الإِسْكَافِ، قَالَ: لا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَابِدٌ، فَأُعْجِبَ بِهِ دَاوُدُ (علیه السلام) ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: لا يُعْجِبْكَ شَيْ ءٌ مِنْأَمْرِهِ؛ فَإِنَّهُ مُرَاءٍ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلادِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

مورد واحد. فلعلّ هناك اشتباه من النّساخ.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ العمل المراد به الناس لا يكون ذا اعتبار عند اللَّه تعالى، وإن كان ظاهر العمل حسناً، وصاحبه ممقوت، يستحق العقاب، وهذا لا يكون إلّا في العمل المحرّم.

وتتمة الحديث: «فمات الرجل، فقال داود: ادفنوا صاحبكم، ولم يحضره. فلمّا غُسِّل قام خمسون رجلاً، فشهدوا باللَّه: ما يعلمون إلّا خيراً. فلمّا صلّوا عليه قام خمسون آخرون، فشهدوا بذلك أيضاً. فلمّا

ص: 43


1- الكافي 7 : 405، كتاب النوادر، ح 11، ويأتي بتمامه في الحديث 2 من الباب 90 من أبواب الدفن من كتاب الطهارة.
2- الزهد: 66 ، ح 175.

دفنوه قام خمسون آخرون، فشهدوا بذلك أيضاً. قال: فأوحى اللَّه تعالى إلى داود (علیه السلام) : ما منعك أن تشهد فلاناً؟ فقال داود: يا رب، للذي أطلعتني عليه من أمره. فأوحى اللَّه تعالى: أنْ كان ذلك لك،ولكنّه قد شهد قوم من الأحبار والرهبان ما يعلمون إلّا خيراً، فأجزت شهادتهم عليه، وغفرت له علمي فيه».

والظاهر أنّ العفو عن صاحب هذا العمل كان لشهادة الأحبار، وإلّا لعاقبه اللَّه عليه، ولم يقبله منه.

سند الحديث:

أورد صاحب «الوسائل» الحديث بسندين أيضاً:

أمّا السند الأول:

ففيه: إبراهيم بن أبي البلاد، قال عنه النجاشي: «كان ثقة، قارئاً، أديباً»((1)).

وقال في ترجمة ابنه يحيى: «ثقة هو وأبوه، أحد القرّاء، كان يتحقّق بأمرنا هذا»((2)).

ووثّقه الشيخ في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وقال: «كوفي، ثقة»((3)) .

وورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((4)) .

ص: 44


1- - رجال النجاشي: 22/32.
2- - المصدر نفسه: 446/ 1205.
3- - رجال الطوسي: 352/5212.
4- - أصول علم الرجال 1 : 211، و ج2 : 178 .

وفيه أيضاً: سعد الإسكاف: وهو سعد بن طريف الحنظلي. قال عنهالنجاشي: «كوفي، يعرف وينكر»((1))، وقال عنه الطوسي في «الرجال»: «ويقال: سعد الخفّاف، روى عن الأصبغ بن نباتة، وهو صحيح الحديث»((2)).

وقد ورد في تفسير القمي، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

وعليه فالرجل ثقة، والسند معتبر.

وإذا كان الحديث مأخوذاً من كتاب للحسين بن سعيد، فلاعتباره وجه آخر، وهو مشهوريّة كتبه، فلا حاجة إلى الطريق.

وأمّا السند الثاني - وهو سند كتاب «الزهد» للحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد - فهو كسابقه في الاعتبار.

مضافاً إلى أنّ هذا الحديث مأخوذ من كتابه، ولا حاجة إلى الطريق حينئذٍ؛ لشهرته، وللتعويل عليه، كما تقدّم.

ص: 45


1- - رجال النجاشي: 178/468.
2- - رجال الطوسي: 115/1147.
3- - أصول علم الرجال 1 : 280، و ج2 : 193 .

[140] 3 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَارَزَ اللَّهَ بِمَا كَرِهَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ مَاقِتٌ لَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من أظهر للناس أنّه يعبد اللَّه - وهو لا يعبده لو خلي ونفسه - لقي اللَّه وهو ماقت كاره له. وعليه فمن أسباب المقت والعقوبة والخزي في الدنيا والآخرة إظهار الطاعة للناس، طلباً للرفعة والمنزلة عندهم، والإقدام على معصية اللَّه عزّوجلّ. فمناط المقت هو إظهار العبادة للناس. ولا فرق بين أن يكون الإظهار بالرياء أو السمعة؛ إذ الملاك واحد فيها، وهو إظهار العبادة للغير ولطلب رضاه لا لله تعالى، وإن افترقا موضوعاً؛ إذ الرياء من الرؤية بالعين، والسمعة من السمع بالأذن. وحكمهما واحد؛ فإن السمعة كالرياء مبطلة للعبادة. ولا فرق بين وقوعها في أوّل العبادة أو وسطها أو آخرها. فحصول المقت من الله سبحانه للعبد إنّما هو بسبب إظهاره لما لا يحبه الله، ومبارزته له بما يكرهه وهو الرياء والسمعة. فلا يكون مسبب المقت عملاً صحيحاً، بل هو باطل تجب إعادته، كما أنه مبغوض له سبحانه فيترتب عليه العذاب.

ويحتمل أن يكون المقت من قبل اللَّه عزّوجلّ على سوء سريرته وفساد

ص: 46


1- الكافي 2 : 295، باب الرياء، ح 10.

نيته. لكنّه خلاف الظاهر؛ فإنّ المتبادر من الحديث أنّ عمل من يريد إظهار عمله للناس بالرياء أو السمعة ممقوت عند اللَّه عزّوجلّ.

بیان في توثیق داود بن كثیر الرقي

سند الحديث:

وفيه من لم يسبق الكلام عنهم:

داود: وهو مشترك بين جماعة كثيرة، ولكن داود الذي يروي عنه الحسن بن محبوب يدور بين أربعة أشخاص:

أحدهم: داود بن أبي يزيد: قال عنه النجاشي: «داود بن أبي يزيد الكوفي، العطار، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وعن أبي الحسن (علیه السلام) أيضاً، له كتاب يرويه عنه جماعة»((1)).

وثانيهم: داود بن فرقد: قال عنه النجاشي: «داود بن فرقد ... كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وإخوته يزيد وعبد الرحمن وعبد الحميد. قال ابن فضال: داود ثقة، ثقة، له كتاب رواه عدّة من أصحابنا ... وقد روى عنه هذا الكتاب جماعات من أصحابنا - رحمهم اللَّه - كثيرة»((2)).وقال عنه الشيخ: «ثقة، له كتاب»((3)) .

وثالثهم: داود بن كثير الرقّي: قال عنه النجاشي: «ضعيف جدّاً، والغلاة

ص: 47


1- - رجال النجاشي: 158/417.
2- - المصدر نفسه برقم 418.
3- - رجال الطوسي: 336/5004.

تروي عنه. قال أحمد بن عبد الواحد: قَلَّ ما رأيت له حديثاً سديداً»((1)) . وقد سبق أنّ السيد الأستاذ قد توقّف فيه.

ولكن الشيخ وثّقه في «الرجال»((2)

ووثّقه أيضاً الشيخ المفيد((3))، كما أنّه قد ورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((4)).

ويمكن الجمع بين هذه التوثيقات وبين تضعيف النجاشي له: بأنّ الضعف إنّما هو في مذهبه؛ من جهة رميه بالغلو. وعليه فالرجل ثقة، وقد فصّلنا القول فيه في خاتمة كتاب «أصول علم الرجال»، فراجع((5)).

رابعهم: داود بن سليمان الحمار: قال عنه النجاشي: «كوفي ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا، منهم الحسن بن محبوب»((6)) .وهؤلاء كلهم قد اتصفوا بالشهرة، والأقوى كون المراد به هنا هو داود بن كثير الرقي، أو داود بن سليمان الحمار؛ فإنّ الحسن بن محبوب وقع في الطريق إلى كتابهما.

وعلى كلّ تقدير فالحديث معتبر.

ص: 48


1- - رجال النجاشي: 156/410.
2- - رجال الطوسي: 336/5003.
3- - الإرشاد 2 : 248.
4- - أصول علم الرجال 1 : 221، و ج2 : 191.
5- - المصدر نفسه 2 : 369 - 373 .
6- - رجال النجاشي: 160/423.

[141] 4 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَخْبُثُ فِيهِ سَرَائِرُهُمْ، وَتَحْسُنُ فِيهِ عَلانِيَتُهُمْ؛ طَمَعاً فِي الدُّنْيَا، لا يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ رَبِّهِمْ، يَكُونُ دِينُهُمْ رِيَاءً، لا يُخَالِطُهُمْ خَوْفٌ، يَعُمُّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ، فَيَدْعُونَهُ دُعَاءَ الْغَرِيقِ، فَلا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

الحديث من جملة الإخبارات النبوية الغيبية التي تبيّن حال غالبية الناس من حيث ملكاتهم النفسانية. وقد دلّ الحديث على أنّ الشخص المرائي يظهر للناس من أعماله الحسنة؛ رغبة في الدنيا وزخرفها، مع أنّ ما يسرّه من معاصٍ أو من نيّة فاسدة خلاف ما يظهره للناس، فسريرته خبيثة؛ والسبب الذي يبعث المرائي على التلبّس بهذه الصفة الرذيلة وإفساد سريرته هو الطمع في الدنيا وشهواتها، ونسيان الآخرة وعذابها، وحب الدنيا رأس كلّ خطيئة، ومنبع كلّ ذنب، وهو الذي يحول بين القلب وبين تفكّره في عاقبةأمره، فهو قد استبدل النعيم المقيم بنعيم موهوم زائل، ولم يخف من اللَّه؛

ص: 49


1- الكافي 2 : 296، باب الرياء، ح 14.
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 252 ، ح 3.

فإنّه لو كان له خوف من اللَّه لزهد في الدنيا، وأقبل على الآخرة، وأخلص سريرته وطهّر ضميره.

وعليه فالمرائي مستحق للعقوبة؛ لأنّه قد منع حقّ اللَّه؛ فإنّ خلوص العبادة حقّ للَّه عليه، فإذا منع المرائي حقّه تعالى، فله أن يمنع حقّه عنه، وهو استجابة الدعاء. فحتى لو دعا بدعاء الغريق - وهو المضطر الذي لا يرى له خلاصاً - لم يستجب له تعالى.

وقد دلّ الحديث أيضاً على أنّ من شرائط استجابة الدعاء: الصلاح والخوف والرجوع عن المخالفة بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سند الحديث:

أورد صاحب «الوسائل» للحديث سندين:

أولهما: ما عن الكليني، عن عليّ بن إبراهيم. وقد تقدّم الكلام عنهم جميعاً، والسند موثّق.

وثانيهما: ما عن الصدوق. والكلام فيه كسابقه.

ص: 50

[142] 5 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: إِنِّي لأَتَعَشَّى مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) إِذْ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {بَلِ الإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ}(1)، ثمّ قَالَ(2): «مَا يَصْنَعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَتَقَرَّبَ(3) إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِخِلافِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ؟! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةً رَدَّاهُ اللَّهُ رِدَاهَا، إِنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الإنسان ذو بصيرة على نفسه، يدرك بقلبه ما في نفسه، فهو على يقين منه، وإن تطلّب المعاذير لنفسه، فهو يعلم علم اليقين: أنّ ما يظهره من أعمال يراد به وجه اللَّه، أو يراد به الرفعة والمنزلة عند الناس. فالمرائي يعلم علماً يقينيّاً - لأنّه ذو بصيرة على نفسه - أنّ ما يظهره إنّما هو للناس، لا أنّه للَّه، فكيف يرجو مع ذلك ثواب اللَّه على عمله، و النجاة من عقابه؟!

وإطلاق البصيرة في الآية الشريفة على الإنسان من باب المبالغة كما

ص: 51


1- القيامة، الآية 14 - 15 .
2- في المصدر زيادة: يا أبا حفص.
3- في نسخة: أن يعتذر. (منه (قدس سره) ).
4- الكافي 2 : 294، باب الريّاء، ح 6، وص296، باب الرياء، ح 15، وأورد صاحب «الوسائل» قطعة منه في الحديث 1 من الباب 7 من هذه الأبواب.

يقال: زيد عدل.

فالعمل القربي إذا لم يكن خالصاً للَّه تعالى، بأن أشرك العامل فيه غيره بقصد إراءته للغير، كان هذا العمل سيّئاً والنيّة خبيثة. واللَّه سبحانه يعلم أنّ باطن المرائي مخالف لظاهره، فالتقرّب إلى اللَّه تعالى بهذا العمل المشترك سفه واستهزاء بالذات العليّة؛ ولذا قال الإمام (علیه السلام) : «ما يصنع الإنسان». ولا يخفى أنّ فيه تقريعاً وتنبيهاً على أنّ هذا العمل الذي خولف فيه بين الظاهر والباطن ليس غير نافع فحسب، بل هو ضارّ لصاحبه؛ لما فيه من الاستهزاء بالمولى جلّ وعلا، فهو لا يستحق حرمان الثواب على هذا العمل فحسب، بل يستحق العقاب أيضاً؛ لهتكه حرمة مولاه.

ثمّ إنّ نتيجة هذه السريرة السيّئة - سواء كانت نيّة أو عملاً - أن يلبسه اللَّه سبحانه لباسها، بأن يجعلها كالرداء عليه، وهي كناية عن تحميله نتيجة عمله. كما أنّ نتيجة السريرة الحسنة أن يلبسه اللَّه سبحانه لباسها، كما روى الإمام (علیه السلام) ذلك عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم). فكما أنّ من تردّى برداء حسن صار زيناً له، ومن تردّى برداء غير حسن صار له شيناً، فكذا صاحب السريرة، حسنة كانت أو قبيحة، فإنّه يجني ثمرتها، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر. وقد تقدّم ذيل الحديث في الباب السابع.

سند الحديث:

تقدّم هذا السند بعينه في الحديث الأول من الباب السابع، وقد قلنا: إنّ السند معتبر.

ص: 52

[143] 6 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد الأَشْعَرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَنَّهُ قَالَ لِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الْبَصْرِيِّ فِي الْمَسْجِدِ: «وَيْلَكَ يَا عَبَّادُ، إِيَّاكَ وَالرِّيَاءَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على التحذير من الرّياء - الذي هو من تسويلات الشيطان والنفس الأمّارة الطالبة للدنيا - بأيّ نحو اتّفق، فإنّهما ربّما خيّلا للعابد أنّ الناس يعظّمون من حاز على صفة حسنة، كالعلم والعبادة وسائر الخيرات، ويكنّون له غاية الاحترام والتقدير، بل لعلّهم يعينون من اتّصف بشي ء منها بالمال وغيره، ويقضون حوائجه، فيتمسّك هذا المسكين بالخيرات وإظهار الصفات الحسنة رياءً وسمعة، ويطلب بهذا الإظهار صرف قلوب الناس إليه، وقيامهم بحوائجه، وإعانته وخدمته، وهو يحسب أنّه يحسن صنعاً، وقد غفل عن أنّ صفة الرّياء موبقة عظيمة يستحق عليها العذاب الأليم.

وما درى هذا المسكين أنّ من عمل عملاً لغير اللَّه وكله اللَّه إلى ذلك الغير يوم القيامة، ويقال له: خذ أجرك منه، وقد روي عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: «إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، ياغادر، يا خاسر، حبط عملك، وبطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم،

ص: 53


1- الكافي 2 : 293 باب الرّياء ، ح 1.

فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له»((1)).

سند الحديث:

في السند: سهل بن زياد: وقد تقدّم.

وفيه: جعفر بن محمّد الأشعري: وهو جعفر بن محمّد بن عبد اللَّه الأشعري، ورد في طريق كتاب ابن القدّاح، وقد تقدّم أنّه شيخ لابن قولويه في «كامل الزيارات» وورد في «نوادر الحكمة»((2)).

وفيه أيضاً: ابن القدّاح: وهو عبد اللَّه بن ميمون القدّاح. قال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن ميمون بن الأسود، القدّاح، ... وكان ثقة، له كتب»((3)).

وورد في «النوادر» و«التفسير»((4))، وعليه فلا إشكال في وثاقته. والسند ضعيف.

ص: 54


1- - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 255، ح1.
2- - أصول علم الرجال 1 : 215 .
3- - رجال النجاشي : 213/557.
4- - أصول علم الرجال 1 : 283، 228.

[144] 7 - وَعَنْهُمْ، عَنْ سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ شَمُّونٍ، عَنِ الأَصَمِّ، عَنْ مِسْمَعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهُ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَا زَادَ خُشُوعُ الْجَسَدِ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ فَهُوَ عِنْدَنَا نِفَاقٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ زيادة خشوع الجسد على خشوع القلب نفاق، وإن كان المتّصف به مؤمناً بالمعنى الأعم، أي: كان شيعيّاً اثنا عشرياً. ولمشابهة الرياء للنفاق في إخفاء ما هو قبيح وباطل وإظهار ما هو حسن أُطلِق عليه: أنّه نفاق. وأمّا تساوي خشوع القلب والجسد أو زيادة خشوع القلب على خشوع الجوارح، فهو من صفات المؤمن.

سند الحديث:

فيه: ابن شمّون: وهو محمّد بن الحسن بن شمّون، وقد تقدم.

وفيه: الأصمّ: وهو عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ، وقد تقدّم أيضاً، كما تقدّمت العدّة عن سهل.

وفي السند: مسمع: وهو مِسْمَع بن عبد الملك، أبو سيّار كردين. قال عنه النجاشي: مسمع بن عبد الملك بن مسمع ... أبو سيّار، الملقّب كُرْدِين،شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها، وسيد المسامِعَة، وكان أوجه من أخيه

ص: 55


1- الكافي 2 : 396، باب صفة النفاق والمنافق، ح 6.

عامر بن عبد الملك وأبيه ... روى عن أبي جعفر (علیه السلام) رواية يسيرة، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وأكثر، واختصّ به، وقال له أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إنّي لَأُعِدُّكَ لأمر عظيم، يا أبا السيّار [سيّار ظ]» وروى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ((1)).

وقال الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: سألت أبا الحسن عليّ بن الحسن بن فَضّال عن مسْمَع كُرْدِين؟ فقال: هو ابن مالك، من أهل البصرة، وكان ثقة»((2)).

وورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)). والسند ضعيف.

ص: 56


1- - رجال النجاشي: 420/1124.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 598/560 .
3- - أصول علم الرجال 1 : 240، و ج2 : 212 .

[145] 8 - وَعَنْهُمْ، عَنْ سَهْلٍ وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ محمّد بْنِ عَرَفَةَ، قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا (علیه السلام) : «وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَرَفَةَ، اعْمَلُوا لِغَيْرِ رِيَاءٍ وَلا سُمْعَةٍ؛ فَإِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى مَا عَمِلَ. وَيْحَكَ، مَا عَمِلَ أَحَدٌ عَمَلاً إِلَّا رَدَّاهُ اللَّهُ بِهِ، إِنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً(1)1*)»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب الإتيان بالعمل غير مشوب بالرياء والسمعة، وأنّ من عمل لغير اللَّه وكله اللَّه إلى ما عمل له يوم القيامة، ويقول له: خذ أجرك منه. وما من أحد عمل عملاً - سواء كان شرّاً في نفسه، أو شرّاً لكونه مشوباً بالرّياء - إلّا ألبسه اللَّه إيّاه، وأحاطه وشمله به، كما أن الرداء يحيط بالجسد ويشمله، فإن كان عمله خيراً كان جزاؤه خيراً، وإن كان عمله شراً كان جزاؤه شرّاً، كما أن الرّداء إذا كان حسناً زاد لابسه حُسناً، وأمّا إذا كان قبيحاً قبّح صاحبه، أو زاده قبحاً.

سند الحديث:

قد تقدّم الكلام عن رواة الحديث كلّهم غير محمّد بن عرفة، وهومهمل، لم يذكر في حقّه شي ء. فالسند غير معتبر، إلّا ان يقال: إن الحديث

ص: 57


1- 1*) في المصدر: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
2- 2*) الكافي 2 : 294، باب الرّياء، ح 5.

[146] 9 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بَشِيرٍ النَّبَّالِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ أَرَادَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلِيلِ مِنْ عَمَلِهِ أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُ أَكْثَرَ ممّا أَرَادَهُ بِهِ. وَمَنْ أَرَادَ النَّاسَ بِالْكَثِيرِ مِنْ عَمَلِهِ فِي تَعَبٍ مِنْ بَدَنِهِ وَسَهَرٍ مِنْ لَيْلِهِ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُقَلّلهُ فِي عَيْنِ مَنْ سَمِعَهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

موجود في «الكافي»، فيعتبر لذلك.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من عمل للَّه مخلصاً ولم يخلط عمله برياء ولا بسمعة أظهر اللَّه عمله عند الناس بأكثر ممّا يحسب، كما دلّت عليه بعض الروايات الأخرى. والهدف من إظهار اللَّه لعمل العبد المخلص له هو: معرفة الناس له بالتقوى والصلاح، فيكون قد اجتمع له خير الدنيا والآخرة في سلامة من دينه. ويمكن أن يراد من الإظهار: إظهار العمل له يوم فقره وفاقته بأزيد ممّا كان يأمله من عمله، كما دلّ عليه قوله تعالى: {مَن جَاءبِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}((3))، وإرادة المعنى الأعم من الإظهار أولى.

ص: 58


1- في هامش الأصل: الكافي: «عن أبيه» بدل «عمّن ذكره».
2- المحاسن 1 : 397 ، ح 888 ، والكافي 2 : 296، باب الرياء، ح 13.
3- - الأنعام، الآية 160.

وأمّا من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى اللَّه عزّوجلّ إلّا أن يقلّله في عين من سمعه. فالمراد: إما بأن يكشف لهم عن سرّه ظاهراً فيمقتونه، أو يكشف لهم عن سرّه باطناً فيعرفونه بقلوبهم فيمقتونه.

ولعل تقليل عمله في أعينهم كناية عن تحقيرهم وبغضهم له؛ إذ هو عاصٍ بارتكاب هذه الموبقة، فلا يستحق التمجيد من أحد مهما بلغ من شدة اجتهاده في العبادة؛ إذ هي في أعين الناس كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف؛ لأنّه قد أقدم بهذه العبادة الظاهريّة على هتك حرمة المولى، ولم يُرِد بها وجهه،كما دلّ عليه ما روي: «أنّ رجلاً من بني إسرائيل قال: لأعبدنّ اللَّه عبادة أُذكر بها، فمكث مدّة مبالغاً في الطاعات، وجعل لا يمرّ بملأ من الناس إلّا قالوا: متصنّع مرائي. فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك، وضيّعت عمرك في لا شي ء، فينبغي أن تعمل للَّه سبحانه، فغيّر نيّته وأخلص عمله للَّه، فجعل لا يمرّ بملأ من الناس إلّا قالوا: ورع تقي»((1)).

سند الحديث:

للحديث سندان:

أمّا الأول، ففيه: عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن أسباط، وهذا هو المورد الثاني الذي يروي فيه البرقي عن عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن أسباط. وقد تقدّم المورد الأول في الباب الثاني في الحديث 21.

ص: 59


1- - عدة الداعي لابن فهد الحلي: 216.

[147] 10 - وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد الأَشْعَرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) ، قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : اخْشَوُا اللَّهَ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ(1)، وَاعْمَلُوا للَّهِ فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَلا سُمْعَةٍ؛ فَإِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وفيه: يحيى بن بشير النبّال: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3)

ولم يذكر بشي ء. فالسند ضعيف.

وأما الثاني: فهو ما عن «الكافي»، وهو عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن يحيى بن بشير (النبّال)، عن أبيه. ذكره صاحب «الوسائل» بعد ذكره السند الثاني للحديث العاشر، كما يأتي قريباً، وفيه سهل بن زياد وبشير النبّال.[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على لزوم الخشية والخوف من اللَّه سبحانه في السر والعلن. وفي «المصباح»: عذّر في الأمر تعذيراً إذا قصّر ولم يجتهد((4))، والمراد:

ص: 60


1- في هامش المخطوط، منه (قدس سره) ما نصّه: «العذر معروف، وأعذر: أبدى عذراً وقصّر ولم يبالغ وهو يُري أنّه مبالِغٌ، وعذَّره تعذيراً: لم يثبت له عذراً». (القاموس المحيط: 2 : 88).
2- المحاسن 1 : 396 ، ح 886 .
3- - رجال الطوسي: 322/4814.
4- - المصباح المنير: 2، مادّة: «عذر».

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1)1*).

وروى الذي قَبْله عنهم، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، مثله(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

اخشوا اللَّه خشية ليست متلبّسة بتقصير في الأعمال؛ لكي لا تكون بحاجة إلى الاعتذار عنه، بل لابدّ أن تكون هذه الخشية مع الجدّ والاجتهاد في الأعمال، وهي الخشية المستلزمة للتوافق بين السرّ والعلانية، وترك محارم اللَّه الظاهرة والباطنة.

وفيه تأكيد على لزوم الإخلاص، وعدم مخالفة الظاهر للباطن.

ودلّ أيضاً على لزوم العمل للَّه مخلصاً، والنهي عن الرِّياء والسمعة، وأنّ من شاب عمله برياء أو بسمعة كان جزاؤه أن يوكل إلى عمله. ولا شكّ أنّعمله هذا لا ينهض به في جلب ثوابٍ، ولا دفع عقاب.

سند الحديث:

للحديث - أيضاً - سندان:

أولهما: ما رواه البرقي، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القداح. وقد تقدّم رجاله قريباً، وهو معتبر.

ص: 61


1- 1*) الكافي 2 : 297، باب الرياء، ح 17.
2- 2*) المصدر نفسه 2 : 296 ، باب الرياء، ح 13.

[148] 11 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ جَمِيعاً، عَنْ محمّد بْنِ عليّ الْحَلَبِيِّ، عَنْ زُرَارَةَ وَحُمْرَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ عَبْداً عَمِلَ عَمَلاً يَطْلُبُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ وَأَدْخَلَ فِيهِ رِضَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ مُشْرِكاً»(1).

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَنْ عَمِلَ لِلنَّاسِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى النَّاسِ. يَا زُرَارَةُ،(2)2*) كلّ رِيَاءٍ شِرْكٌ».

-----------------------------------------------------------------------------

وثانيهما: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد، وفيه سهل أيضاً. وعليه فالسند ضعيف.

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من عزم على عبادة خالصة لوجه اللَّه تعالى، ولكن اعترضها الرياء أو السمعة في أوّلها، فإن لم يدفع هذه الضميمة واستمرّ في العمل، فعمله مساوق للشرك باللَّه عزّوجلّ. وبما أنّ الشرك حرام، فالعمل الذي يكون مصداقاً له حرام وباطل أيضاً. ومن هنا يجب على العابد أن يدفع هذه الضميمة، ويأتي بالعمل خالصاً لوجه اللَّه.

ص: 62


1- المحاسن 1: 212، ح 384.
2- 2*) في المصدر: يا يزيد، وقد ورد الحديث في الكافي 2 : 293، باب الرياء ، ح 3، بإسناده عن يزيد بن خليفة.

وَقَالَ (علیه السلام) : «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَمِلَ لِي وَلِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ».

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «عِقَابِ الأَعْمَالِ» وَ«الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

للحديث أيضاً - سندان:

أولهما: عن عبد الرحمن بن أبي نجران ومحمد بن علي، عن المفضّل بن صالح جميعاً، عن محمّد بن عليّ الحلبي، عن زرارة وحمران؛ وبناءً عليه يكون البرقي راوياً تارة عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن عليّ الحلبي، وأخرى عن محمّد بن علي، عن المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبي. والمراد من قوله «جميعاً»: عبد الرحمن ومفضّل بن صالح.

ولكنّ الموجود في «المحاسن»: عنه، عن محمّد بن علي، عن المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبي، عن زرارة وحمران((2)) ، بدون أن يذكر «عبد الرحمن بن أبي نجران»، و «جميعاً». فعلى التقدير الأول ليسفي السند الأول المفضّل بن صالح.

ص: 63


1- 1*) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 242، ح1، ولم نعثر على الرواية في «الأمالي».
2- - المحاسن 1 : 212، ح384.

وأمّا على التقدير الثاني، ففي السند المفضل بن صالح موجود، ومن المحتمل على خلاف القاعدة أن المراد من «جميعاً» أي: روى عبد الرحمن ومحمد بن عليّ عن المفضل جميعاً، وذلك بملاحظة الطبقة.

بحث رجالي في المفضّل بن صالح

أما المفضّل بن صالح: فقد قال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد: «روى عنه جماعة غُمِز فيهم وضعّفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضّل بن صالح، ومُنَخَّل بن جميل، ويوسف بن يعقوب»((1)).

ونسب إليه ابن الغضائري الكذب والوضع((2)).

ولكنّه ورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

ويمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه: بكون التضعيف راجعاً إلى مذهبه؛ لأجل رميه بالغلو، ووثاقته في حديثه؛ والشاهد على ذلك: أنّ الشيخ (رحمه الله) ذكره في «الفهرست» و«الرجال» ولم يتعرّض لضعفه، واكتفى في «الفهرست» بالقول: «مفضّل بن صالح، يكنّى أبا جميلة، له كتاب، وكان نخّاساً يبيع الرقيق، ويقال: إنّه كان حدّاداً»((4)).

وأما: محمّد بن عليّ الحلبي: فقد قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي: «ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، وعن أبيه

ص: 64


1- - رجال النجاشي: 128/ 332.
2- - معجم رجال الحديث 19: 312/ 12607.
3- - أصول علم الرجال 1 : 288، 245، و ج2 : 213 .
4- - فهرست الطوسي: 252/765، ورجال الطوسي: 307/4541.

من قبل، وهو ابن عم عبيد اللَّه وعبد الأعلى وعمران ومحمد الحلبيين، روى أبوهم عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكانوا ثقات»((1)).

وقال أيضاً: «وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (علیهما السلام) ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون»((2)).

وقال أيضاً: «محمد بن عليّ بن أبي شعبة، الحلبي، أبو جعفر، وجه أصحابنا وفقيههم، والثقة الذي لا يطعن عليه، هو وإخوته عبيد اللَّه وعمران وعبد الأعلى»((3)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «محمد بن عليّ الحلبي، له كتاب، وهو ثقة»((4)). وعليه فسند هذا الحديث معتبر بكلا طريقيه.

وثانيهما: سند الصدوق في «عقاب الأعمال» و«الأمالي» عن أبيه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن المفضّل بن صالح.

وفيه: محمّد بن أبي القاسم: قال عنه النجاشي: «محمد بن أبي القاسم عبيد اللَّه بن عمران، الجنابي، البرقي، أبو عبد اللَّه، الملقّب ماجيلويه، وأبو القاسم يلقّب بندار، سيّد من أصحابنا القميين، ثقة، عالم، فقيه عارف

ص: 65


1- - رجال النجاشي: 98/245.
2- - المصدر نفسه: 230/612.
3- - المصدر نفسه: 325/885.
4- - فهرست الطوسي: 205/586.

[149] 12 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ وَالشَّيْطَانُ، وَالْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، وَالْهُدَى وَالضَّلالَةُ، وَالرُّشْدُ وَالْغَيُّ، وَالْعَاجِلَةُ وَالْعَاقِبَةُ، وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنَاتٍ فَللّهِ، وَمَا كَانَ مِنْ سَيِّئَاتٍ فَلِلشَّيْطَانِ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

بالأدب والشعر والغريب»((3)) .

وأمّا محمّد بن عليّ الكوفي: فالظاهر أنّه أبو سمينة. وعليه فهذا السند غير معتبر.

[12] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ المقصود هو إمّا اللَّه أو الشيطان، والرِّياء ممّا يعود إلى الشيطان، بل لو أراد بعمله وجه اللَّه وغيره، لم يقبل اللَّه ذلك العمل، وتركه لمن عمله له، وهو الشيطان أو الناس.

وفي الحديث ترغيب في مراقبة النفس في حركاتها وسكناتها؛ فإنّ ما

ص: 66


1- المحاسن 1 : 391 ، ح 872.
2- الكافي 2 : 15، باب الإخلاص، ح 2.
3- - رجال النجاشي: 353/947.

تفعله النّفس لا يخرج من دائرة الحق أو الباطل، والهدى والضلالة، والرشد والغيّ، والعاجلة والعاقبة، والحسنات والسيئات، فرغّب في مراقبتها؛ ليمنعها صاحبُها عن السيّئات ويزيّنها بالحسنات، ويراعي الإخلاص والتقرّب في أعماله كلها، بأن يفعلها لوجه اللَّه، لا لغيره؛ لئلّا تصير سيّئات.

سند الحديث:

للحديث - أيضاً - سندان:

أوّلهما: ما عن البرقي، عن أبيه، عمّن رفعه إلى أبي جعفر (علیه السلام) . وهو مرسل، لم تعلم فيه الواسطة.

وثانيهما: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن أبيه. وهو كسابقه.

ص: 67

[150] 13 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِهِ» قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)، عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(1)، فَقَالَ: مَنْ صلّى مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً ممّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ مُرَاءٍ(2)2*)»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ المراد من العمل الصالح في الآية الشريفة هو: العمل الخالص لوجه اللَّه، وأنّ العمل الذي يرائي به صاحبه يعدّ من الشرك في العبادة. وفي هذا كمال التنفير عن الرِّياء؛ فقد رتّب العمل الصالح وعدم الإشراك بعبادة الرب تبارك وتعالى على لقاء اللَّه والاعتقاد بالمعاد؛ لأنّ اعتقاد العابد بوحدانية اللَّه عزّوجلّ وشوق لقائه لا يجتمع مع الإشراك في العمل؛ لاقتضاء وحدانيّته سبحانه وتعالى الوحدانيّة في جميع الصفات، ومنها المعبوديّة، فلابدّ أن يُعبد وحده لا شريك له.

ص: 68


1- الكهف، الآية 110.
2- 2*) في المصدر: مراءاة .
3- 3*) تفسير القمّي 2 : 47.

[151] 14 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَبَارَزَ اللَّهَ فِي السِّرِّ بِمَا يَكْرَهُ اللَّهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ولَهُ مَاقِتٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

في السند: أبو الجارود: وهو زياد بن المنذر، عدّه الشيخ المفيد (قدس سره) من الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام((2)).

وورد في «النوادر» و«التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)). هذا، ولكن الرواية مرسلة.

[14] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من أسباب المقت والعقوبة والخزي في الدنيا والآخرة : التزيّن للناس بكل ما يحبه اللَّه من الطاعات، بإظهار الطاعة لخلق اللَّه؛ طلباً للرفعة والمنزلة عندهم، والإقدام على معصية اللَّه في غيرمحضرهم، وهذا نحو محاربة للَّه تعالى؛ فإنّ من يعصي اللَّه سبحانه بمرأى

ص: 69


1- قرب الإسناد: 92، ح309.
2- - الرسالة العدديّة 9 : 30 ضمن مصنفات الشيخ المفيد .
3- - أصول علم الرجال: 1 : 222 ، 290، و ج2 : 219 .

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

منه ومسمع فكأنّه يبارزه ويحاربه، وما يفعله في الخلوة يراه اللَّه ويعلمه، فهو لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وهو مطلع على جميع خطرات الأنفس. فإذا ضمّ الإنسان الرِّياء إلى عمله - مع علمه باطّلاع اللَّه عليه ونهيه عنه - فكأنّه بارز اللَّه وحاربه، فيكون جزاؤه غضب اللَّه عليه ومقته ونبذه وإبعاده عن رحمته.

وقد مرّ نظيره في الحديث الثالث من هذا الباب.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

أوّلهما: ما عن الحميري في «قرب الإسناد»: عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان.

أما الحسن بن ظريف: فقد قال عنه النجاشي: «الحسن بن ظريف بنناصح، كوفي، يكنّى أبا محمد، ثقة، سكن ببغداد، وأبوه قبل، له نوادر، والرواة عنه كثيرون»((2)).

ص: 70


1- 1*) الزهد : 69.
2- - رجال النجاشي: 61/140.

وورد في «النوادر»((1)) .

بحث رجالي في الحسين بن علوان

وأما: الحسين بن علوان: فقد ذكره النجاشي بقوله: «الحسين بن علوان، الكلبي، مولاهم، كوفي، عامي - وأخوه الحسن يكنّى أبا محمّد - ثقة، رويا عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وليس للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولى»((2)) .

وقد اختلف في رجوع التوثيق إليه أو إلى أخيه الحسن بن علوان، واستفاد بعضهم: أنّ التوثيق في كلامه راجع إلى الحسن، ولكنه فاسد، بل التوثيق راجع إلى الحسين؛ فإنّه المترجم له، وجملة «وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد» جملة معترضة، وقد تكرّر مثل ذلك في كلام النجاشي في عدّة موارد((3)).

وقال ابن عقدة: إنّ الحسن كان أوثق من أخيه، وأحمد عند أصحابنا،ولا تخفى دلالته على التوثيق((4)) . وعليه فسند الحديث معتبر.

وثانيهما: الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد».

وفي السند ممّن لم يتقدم، وهو أبو خالد: وهو مشترك؛ فإنّ هذه الكنية لعدّة أشخاص، المعروف منهم هو أبو خالد القمّاط، وهي أيضاً كنية

ص: 71


1- - أصول علم الرجال 1 : 217 .
2- - رجال النجاشي: 52/116.
3- - معجم رجال الحديث 5 : 376/2929.
4- - خلاصة الأقوال: 338.

لعدّة أشخاص بهذا العنوان، والمعروف بينهم ثلاثة:

1 - كنكر أبو خالد القمّاط: المعروف بالكابلي، له كتاب((1)) ، جليل القدر، من حواريي الإمام السجاد (علیه السلام) ((2)) .

2 - صالح بن خالد: ولم يرد فيه شي ء سوى أنّ له كتاباً، ويروي عنه صفوان((3)).

3- يزيد أبو خالد القمّاط: اسمه يزيد بن ثعلبة، قاله ابن شهر آشوب((4)). وقال النجاشي: «كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((5)) ، وراوي كتابه هو صفوان بن يحيى.ويوجد شخص رابع وهو: خالد بن يزيد، يكنّى أبا خالد القمّاط((6)) ، وليس له كتاب.

وكيف كان، فالثلاثة الأوائل كلهم ثقات ومعروفون، فينصرف إلى أحدهم عند الإطلاق. وعليه فلا إشكال في اعتبار السند.

ص: 72


1- - فهرست الطوسي 269/830 .
2- - اختيار معرفة الرجال 1 : 43/20 .
3- - رجال النجاشي: 201/536.
4- - مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
5- - رجال النجاشي: 452/1223.
6- - رجال الطوسي: 201/2557.

[152] 15 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ(رضی الله عنه) بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عِيسَى الْفَرَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ (علیه السلام) يَقُولُ: «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : مَنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَرْجَحَ مِنْ بَاطِنِهِ خَفَّ مِيزَانُهُ»(1).

وَفِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من كان ما يظهره من أعمال أحسن - في عين من يراه من الناس - ممّا يخفيه وأرجح، فهو ممّن خفّ ميزانه يوم القيامة {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}((3)

ومورد الآية يشمل من أشرك الناسَ في عبادة ربه رياء وسمعة، فإنّ الحقّ الواجب في العبودية للَّه تعالى يقتضي أن تكون العبادة خالصة من شوب الرِّياء والسمعة. والعبادة المأتيّ بها مشوبةً ليست عملاً مشتملاً على الحق الواجب في العبوديّة، فتكون محرمة، وغير مجزية عمّا هو الواجب عليه.

ص: 73


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 404 ، ح 5870.
2- أمالي الصدوق: 580 ، ح798.
3- - المؤمنون، الآية 103.

اسناد الصدوق قدس سره إلی ابن أبي عمیر

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

أولهما: ما عن الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير.

وسند الصدوق إلى ابن أبي عمير في «مشيخة الفقيه» هكذا:

أبوه ومحمد بن الحسن(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه والحميري جميعاً، عن أيّوب بن نوح ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبد الجبار، جميعاً عنه((1)).

ويظهر من «الفهرست» للشيخ الطوسي: أنّ له طريقاً إلى جميع كتبه ورواياته، عن أبيه، عن سعد والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عنه((2)) .

وأمّا ابن أبي عمير: فقد تقدّم.

وفيه أيضاً: عيسى الفرّاء: والظاهر أنّه عيسى بن خليد الفرّاء الكوفي، الذي قال عنه الشيخ: «عيسى بن خليد، الفرّاء، الكوفي، أسند عنه»((3)) . وروى عنه المشايخ الثقات((4)).

وفيه أيضاً: عبد اللَّه بن أبي يعفور: قال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بنأبي يعفور، العبدي... يكنّى أبا محمد، ثقة، ثقة، جليل في أصحابنا، كريم

ص: 74


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 460، المشيخة.
2- - فهرست الطوسي: 219/617.
3- - رجال الطوسي: 258/3670.
4- - أصول علم الرجال 2 : 205.

على أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ومات في أيّامه، وكان قارئاً يُقرى ء في مسجد الكوفة، له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»((1)).

وروى الكشّي عن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) : «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ... ثمّ ينادي: أين حواريّ محمّد بن عليّ وحواريّ جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد اللَّه بن شريك العامري، وزرارة بن أعين، وبريد بن معاوية العجلي، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، وعبد اللَّه بن أبي يعفور، وعامر بن عبد اللَّه بن جذاعة، وحجر بن زائدة، وحمران بن أعين»((2)).

وذكر الكشّي أيضاً: «عن محمّد بن مسعود قال: حدّثني عليّ بن الحسن: أنّ ابن أبي يعفور ثقة، مات في حياة أبي عبد اللَّه (علیه السلام) سنة الطاعون»((3)).

وأورد روايات عدّة فيها فضل ابن أبي يعفور ومقامه عند الإمام الصادق (علیه السلام) ، ومقدار طاعته وتسليمه له. وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاءالأعلام، المأخوذ عنهم الحلال والحرام.((4)) وعليه فهذا السند معتبر.

وثانيهما: ما عن «المجالس» عن أحمد بن محمّد بن يحيى.

بیان لتصحیح روایات أحمد بن محمد بن یحیی

وفي السند ممّن لم يتقدم سابقاً، وهو: أحمد بن محمّد بن يحيى:

ص: 75


1- - رجال النجاشي: 213/556.
2- - اختيار معرفة الرجال 1 : 43/20 .
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 515/454 .
4- - الرسالة العدديّة 9 : 37 ضمن مصنفات الشيخ المفيد.

وقد ترضّى عنه الشيخ الصدوق (رحمه الله) ((1))، والترضّي علامة الوثاقة، بل وحتى لو لم نقل بوثاقته أو بحسنه بهذا الأمر فإنّه يمكن اعتبار طريق آخر للصدوق إلى سعد، لا يمرّ بأحمد بن محمّد هذا؛ فإنّ للشيخ الصدوق (قدس سره) طريقاً آخر إلى جميع كتب وروايات سعد،كما يظهر من «الفهرست»((2))، وهو: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد((3)) .

وعليه فهذا السند - أيضاً - معتبر كسابقه.

ص: 76


1- - علل الشرائع 2 : 439، ب 181، ح2، ومعاني الأخبار: 177، باب معنى سبع كلمات تبع...، ح1، وص234، باب معنى قول سلمان ...، ح1، وغيرها.
2- - وللمزيد من الإيضاح راجع اُصول علم الرجال 2 : 338 - 341 .
3- - فهرست الطوسي: 135/316.

[153] 16 - وَفِي «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) سُئِلَ: فِيمَا النَّجَاةُ غَداً؟ فَقَالَ: إِنَّمَا النَّجَاةُ فِي أَنْ لا تُخَادِعُوا اللَّهَ فَيَخْدَعَكُمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ، وَيَخْلَعْ مِنْهُ الإِيمَانَ، وَنَفْسَهُ يَخْدَعُ لَوْ يَشْعُرُ؛ قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ يُخَادِعُ اللَّهَ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، ثمّ يُرِيدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي الرِّيَاءِ؛ فَإِنَّهُ الشِّرْكُ بِاللَّهِ. إِنَّ الْمُرَائِيَ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: يَا كَافِرُ، يَا فَاجِرُ، يَا غَادِرُ، يَا خَاسِرُ، حَبِطَ عَمَلُكَ، وَبَطَلَ أَجْرُكَ، فَلا خَلاصَ لَكَ الْيَوْمَ، فَالْتَمِسْ أَجْرَكَ مِمَّنْ كُنْتَ تَعْمَلُ لَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

معنی كون المرائی یخادع اللّه تعالی

[16] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ المنجي من عذاب اللَّه يوم القيامة هو: الإخلاص في طاعته وعبادته، وأنّ الرِّياء - وهو أن يعمل الإنسان عملاً قد أمر اللَّه به، ولكنّه يريد به غير اللَّه - والسمعة هو الشرك باللَّه، وجزاؤه يوم القيامة أن يدعى بأسماء أربعة: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، وأن لا يكتب له من عمله شي ء، ولا ينفعه أحد ممّن عمل له في ذلك اليوم، ويقال له: اطلبأجر عملك ممّن كنت تعمل له. ومعنى مخادعة المرائي للَّه عزّوجلّ هو

ص: 77


1- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 255 ، ح 1.

وَرَوَاهُ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْمَجَالِسِ» وَ«مَعَانِي الأَخْبَارِ» أَيْضاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الْفَامِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

خداعه بإظهار ما يخالف ما في نفسه؛ فإنّ الخداع من الإنسان يقع بالاحتيال والمكر، ومن اللَّه أن يتمّ عليهم النعمة في الدنيا، ويستر عنهم ما أعدّ لهممن عذاب الآخرة؛ فلذا قال جلّ شأنه: {يُخَادِعُونَ اللَّه وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}((5))، فجمع تعالى بين الفعلين؛

ص: 78


1- معاني الأخبار: 340 ، ح 1.
2- أمالي الصدوق: 677 ، ح 921، ولم نجده في النسخة المطبوعة من «معاني الأخبار» بهذا السند.
3- تقدم في الحديث 15 من الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات، وفي الباب 8 من أبواب مقدمة العبادات.
4- يأتي في: أ - الباب التالي. ب - الباب 14 من أبواب مقدمة العبادات. ج - الحديث 12 من الباب 4 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد. د - الحديث 22 من الباب 49 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد. ه- - الحديث 1 من الباب 51 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
5- - البقرة، الآية 9.

لتشابههما من هذه الجهة، لا أنّه يمكن خداع الباري تعالى؛ فإنّ الخديعة تجوز على من لا يعلم السرّ دون من يعلمه.

سند الحديث:

قد أورد المصنف لهذا الحديث ثلاثة أسانيد:

أولها: ما في «عقاب الأعمال» عن أبيه.

وفيه ممّن لم يتقدم ذكره، نحو:

مسعدة بن زياد: قال عنه النجاشي: «مسعدة بن زياد، الربعي، ثقة، عين، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »((1))

، وعليه فهذا السند معتبر.

وثانيها: ما في «معاني الأخبار».

ورجال السند تقدموا جميعاً، والسند معتبر بلا إشكال.

وثالثها: ما في «الأمالي» و«معاني الأخبار».

وفيه: أحمد بن هارون الفامي (القاضي): وهو من مشايخ الصدوق (رحمه الله) ، روى عنه كثيراً، مترحّماً عليه، ومترضّياً عنه((2))، وروى عنهالشيخ المفيد (رحمه الله) أيضاً مترحمّاً عليه. وعليه فهو ثقة.

وفيه أيضاً: محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر: وهو ابن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، وهو ثقة كأبيه؛ لأنّه من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات». وعليه فالسند معتبر - أيضاً - بلا إشكال.

ص: 79


1- - رجال النجاشي: 415/1109.
2- - أمالي الصدوق: 92، ح68، والتوحيد 76، والخصال: 3، وكمال الدين: 510، ح41.

والحاصل: أنّ في هذا الباب ستّة عشر حديثاً، عشرة منها معتبرة، وستّة غير معتبرة، إلّا على بعض المباني.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد من هذا الباب أمور:

منها: أنّ الرِّياء حرام، وهو من الكبائر، وكذا السّمعة.

ومنها: أنّ الرِّياء شرك باللَّه عزّوجلّ.

ومنها: أنّ الرِّياء موجب لمقت اللَّه وغضبه.

ومنها: أنّ الرِّياء نفاق.

ومنها: أنّ الرِّياء مخادعة للَّه سبحانه.

ومنها: أنّ الرِّياء موجب لخفّة الميزان.

ومنها: أنّ الرِّياء موجب للعقاب، وعدم إجابة الدعاء.

ومنها: أنّ الرِّياء من السيّئات، وهو باطل وضلال وغيّ.

ومنها: أنّ الرِّياء من أسباب الهلاك يوم القيامة.

ومنها: أنّ العمل المراءى به غير مقبول.

ومنها: أنّ العمل المراءى به يظهره اللَّه للناس، ويردِّيه اللَّه به.ومنها: أنّ اللَّه يوكل المرائي إلى الناس.

ومنها: أنّ اللَّه يوكل المرائي إلى عمله الذي عمله، وهو موجب لخسرانه.

ومنها: أنّ المرائي يخلع منه الإيمان، ولا خلاص له يوم القيامة.

ومنها: أنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر.

ص: 80

12 - باب بطلان العبادة المقصود بها الرياء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

12 - باب بطلان العبادة المقصود بها الرِّياء

شرح الباب:

الآثار الوضعية للرياء

هذا الباب معقود لبيان الجهة الوضعيّة للرِّياء، وهي بطلان العبادة بانضمام الرِّياء إليها، فهي غير مقبولة، ولا ثواب لها، بل هي موجبة للعقاب؛ لأنها شرك واستهانة بالرب الجليل تبارك وتعالى.

الأقوال:

أمّا الخاصة: فقد أشرنا سابقاً إلى أن مشهور فقهاء الإماميّة يرون بطلان العبادة بانضمام الرِّياء إليها؛ فعن جامع المقاصد «قولاً واحداً»((1))، ونفى في الجواهر العلم بالخلاف((2))، عدا ما عن السيد المرتضى (قدس سره) في «الانتصار»((3))، حيث ذهب إلى حرمة العمل المأتيّ به، وعدم قبوله، دون البطلان؛ لأنّ الأدلة تدل على عدم القبول فحسب.

وقوله هذا مخدوش، فإنّه إن كان مراده عدم البطلان حتّى مع فقد قصدالقربة، فبطلانه ضروري؛ لأنّ العبادات متقوّمة بقصدها عند الجميع، حتّى

ص: 81


1- - جامع المقاصد 2 : 226.
2- - جواهر الكلام 2 : 96.
3- - الانتصار: 100 ، المسألة 9 .

عنده (قدس سره) .

وإن كان مراده: أنّ الرِّياء من الضمائم التي لا تضرّ بقصد القربة، فإطلاق بعض أحاديث الباب تردّه، كالحديث الأول والثالث؛ فإنّ في الأول دلالة على استحقاق المرائي النار على عمله، فكيف يمكن أن يكون العمل صحيحاً، ومع ذلك يوجب استحقاق النار؟! وفي الثالث على أنّ عمله يجعل في سجّين، فكيف يمكن أن يكون العمل صحيحاً، ومع ذلك يؤمر بجعله في سجين؟!

مضافاً إلى أنّه لا ينحصر الدليل على البطلان بما دلّ على نفي القبول.

مضافاً أيضاً إلى أنّ عدم القبول قد يطلق في الأخبار على عدم الصحة، كما في خبر ابن بكير الوارد في الصلاة فيما لا يؤكل لحمه: «لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره»((1))

، وكذا في ما ورد من عدم قبول الصلاة ممّن صلّى بلا طهور((2)).

وأمّا عند العامّة: فقد ذكر في «المجموع»: «هل يشترط الإضافة إلى اللَّه في نيّة الوضوء وسائر العبادات؟ فيه وجهان، حكاهما إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما، أصحهما لا يشترط؛ لأنّ عبادة المسلم لا تكون إلّاللَّه تعالى، ومقتضى كلام الجمهور القطع بأنّها لا تشترط»((3)).

ص: 82


1- - وسائل الشيعة 2 : 345، باب 2 من أبواب لباس المصلي، ح 1.
2- - المصدر نفسه 1 : 369، باب 2 من أبواب الوضوء، ح 4.
3- - المجموع 1 : 334، كتاب الطهارة، باب نيّة الوضوء.

وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»: «واعلم أنَّ العمل لغير الله أقسام: فتارةً يكون رياءً محضاً، بحيث لا يُرادُ به سوى مراءات المخلوقين لغرض دُنيويٍّ كحالِ المنافقين في صلاتهم، كما قال الله عز وجل: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً}((1)).

وقال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ}((2)).

وكذلك وصف الله الكفار بالرِّياء في قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}((3)).

وهذا الرِّياءُ المحضُ لا يكاد يصدُر من مُؤمنٍ في فرض الصَّلاة أو الصِّيام، وقد يصدُر في الصَّدقةِ الواجبة أو الحجِّ، وغيرهما من الأعمال الظاهرةِ، أو الَّتي يتعدَّى نفعُها، فإنَّ الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشكُّ مسلمٌ أنَّه حابِط وأن صاحبه يستحقُّ المقتَ مِنَ الله والعُقوبة.

وتارةً يكونُ العمل لله، ويُشاركُه الرَّياءُ، فإنْ شارَكَهُ مِنْ أصله، فالنُّصوص الصَّحيحة تدلُّ على بُطلانِهِ وحُبُوطه أيضاً»((4)).

وقد تقدّم عن الحريري - في

ص: 83


1- - النساء، الآية 142.
2- - الماعون، الآية 4 - 6.
3- - الأنفال، الآية 47.
4- - جامع العلوم والحكم 1 : 79.

[154] 1 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ(رضی الله عنه) فِي كِتَابِ «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ صلوات اللَّه عليهم، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): يُؤْمَرُ بِرِجَالٍ إِلَى النَّارِ - إِلَى أَنْ قَالَ - فَيَقُولُ لَهُمْ خَازِنُ النَّارِ: يَا أَشْقِيَاءُ مَا كَانَ حَالُكُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْمَلُ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَنَا: خُذُوا ثَوَابَكُمْ مِمَّنْ عَمِلْتُمْ لَهُ»(1).

وَفِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

«الفقه على المذاهب الأربعة» - الحكم ببطلان صلاة المرائي، ولم يذكر الخلاف في ذلك((3)).

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحةً على أنّ المرائي يستحق دخول النار بسبب عمله. ولا شكّ أنّ العمل الذي يؤدّي بصاحبه إلى النار باطل، وغير مقبول؛ لوضوح أنّ العمل الذي يوجب دخول النار عمل محرّم، والمحرّم لا يكون مصداقاً للواجب.

ص: 84


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 223، ح 1.
2- علل الشرائع 2 : 46 ، ح 18.
3- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 310 - 311.

سند الحديث:

للحديث

المذكور هنا سندان:

السند الأول: ما في «عقاب الأعمال» للشيخ الصدوق، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن العمركي الخراساني، عن عليّ بن جعفر.

والمراد من محمّد بن يحيى هو العطّار شيخ الكليني.

وأمّا العَمْرَكي الخراساني: فهو على ما قاله النجاشي: «العمركي بن علي، أبو محمّد البوفكي، وبوفك قرية من قرى نيشابور، شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عنه شيوخ أصحابنا، منهم: عبد اللَّه بن جعفر الحميري»((1)) .

وبقيّة رجال السند تقدّم الكلام فيهم. وعليه فلا إشكال في صحّة السند.

والسند الثاني: ما عن «العلل»، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه.وهو معتبر؛ لأنّ أحمد بن محمّد بن يحيى ترضّى عنه الشيخ الصدوق (قدس سره) ((2)).

ص: 85


1- - رجال النجاشي: 303/828.
2- - أمالي الصدوق: 327/386، والتوحيد: 102، والخصال: 3.

[155] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ وَالْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ كَانَ عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ حتّى يَنْتَهِيَ إِلَيْهِ أَجَلُهُ؟! أَتُرِيدُونَ تُرَاءُونَ النَّاسَ؟! إِنَّ مَنْ عَمِلَ لِلنَّاسِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْ عَمِلَ للَّهِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ. إِنَّ كلّ رِيَاءٍ شِرْكٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على رجحان إخفاء العبادة عن الناس، إذا خيف الرياء أو السمعة من إظهارها، ولو أدّى ذلك إلى ترك معاشرة الناس؛ فإنّ ترك المعاشرة حينئذٍ جائز، إذا لم تجب عليه من جهة أخرى. وحينئذٍ فأيّ ضرر أو نقص ينتج من العزلة ولو كانت على أعلى جبل من الجبال حتّى يأتي الأجل، فإنّها خير من ارتكاب الرياء؛ فإنّ من راءى الناسَ كان ثوابه - لو كان لازماً على أحد - لازماً عليهم؛ فإنّه تعالى قد شرط في الثواب الإخلاص، فهو لا يستحقّ منه تعالى شيئاً، والحال أن الناس لا يملكون له نفعاً حتّى يثيبوه.

ولعلّ المراد: أنّه تعالى يحيله يوم القيامة على الناس، وهم يومئذٍ لاينفعونه، والأمر كلّه للَّه سبحانه.

ص: 86


1- علل الشرائع 2 : 560 ، ح 4.

ودلّ الحديث أيضاً على أن الرِّياء شرك، وهو الشرك الخفي؛ فإنّ المرائي لمّا أشرك في قصد العبادة غيره تعالى من الناس، فيكون كمن يثبت معبوداً غيره سبحانه، كالأصنام وغيرها ممّا اتّخِذ أرباباً من دون اللَّه. وعلى هذا فيكون عمله مبغوضاً ومبعّداً وحراماً، والعمل المتّصف بهذه الصفات يكون باطلاً لا محالة.

سند الحديث:

في السند ممّن لم يتقدم، نحو: يزيد بن خليفة: قال عنه النجاشي: «روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((1)).

وقال الشيخ في «رجاله» في باب أصحاب الكاظم (علیه السلام) : يزيد بن خليفة واقفي((2)).

وقد وردت عدّة روايات في مدحه، ولكنّها إمّا ضعيفة، أو كان هو الراوي لها، فتكون مدحاً لنفسه.

ولكن روى عنه المشايخ الثقات((3)) ، وهو كافٍ في وثاقته. وعليه فالسند معتبر.

ص: 87


1- - رجال النجاشي : 452/1224.
2- - رجال الطوسي: 346/ 5171.
3- - أصول علم الرجال 2 : 217 .

[156] 3 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله و سلم): إِنَّ الْمَلَكَ لَيَصْعَدُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مُبْتَهِجاً بِهِ، فَإِذَا صَعِدَ بِحَسَنَاتِهِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ؛ إِنَّهُ لَيْسَ إِيَّايَ أَرَادَ بِهِ(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الملك الموكّل بعرض أعمال العبد على اللَّه عزّوجلّ يشرع في الصعود بعمل العبد مبتهجاً مسروراً بما يحمل من عمل، فإذا تمّ صعوده ووصل إلى موضع يعرض فيه الأعمال على اللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى: أثبتوا تلك الأعمال التي تزعمون أنّها حسنات في ديوان الفجّار، الذي هو في سجّين، كما قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ}((3)).

وهو بإطلاقه يفيد: أنّ ضمّ الرِّياء والسمعة للعمل موجب لإثباته في سجّين. فإذا كان العمل بهذه المثابة فإنّه لا يكون صحيحاً.سند الحديث:

قد تقدّم هذا السند بعينه مكرّراً، والحديث معتبر.

ص: 88


1- في المصدر: بها.
2- الكافي 2 : 294 ، باب الرياء، ح 7.
3- - المطففين، الآية 7.

[157] 4 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «كُلُّ رِيَاءٍ شِرْكٌ. إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ لِلنَّاسِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْ عَمِلَ للَّهِ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

مرّت دلالة الحديث عند بيان دلالة الحديث الثاني.

سند الحديث:

أورد المصنف الحديث بطريقين:

الأوّل: تقدّمت أفراده فيما سبق، وهو معتبر.

والثاني: عن محمّد بن سنان، عن يزيد بن خليفة، كما سيأتي في ذيل الحديث السادس من الباب، وهو كسابقه.

ص: 89


1- الكافي 2 : 293، باب الرياء، ح 3، ورواه الحسين بن سعيد الأهوازي في الزهد: 65 ، ح173.

[158] 5 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عليّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ هَذَا للَّهِ، وَلا تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ؛ فَإِنَّهُ مَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ للَّهِ، وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ فَلا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على لزوم جعل أمر الشيعة - وهو: إمّا الاعتقادات الحقّة التي منها الولاية، وإمّا العبادات، وإما كلا الأمرين - للَّه، إمّا بمعنى التقرّب إليه، وإمّا امتثال أمره تعالى؛ لأنّه تعالى أمر به. فإذا قُصد بالمأتيّ به وجه اللَّه كان مقبولاً عنده، بل الإخلاص شرط في قبول العمل، فهو تعالى لا يرضى بما هو مشوب بشي ء آخر غير وجهه الكريم، أو ما يرجع إليه تعالى.

وأمّا إذا قُصد الناس بالمأتيّ به، فهو لا يصعد إلى اللَّه تعالى، وهو مردود على صاحبه؛ فإنّه لم يفِ بشرط القبول، فليس له عند اللَّه شي ء.

سند الحديث:

أورد المصنف الحديث بطريقين:

الأوّل: وفيه ممّن لم يتقدم ذكره، نحو: عقبة: وهو مشترك بين جماعةكثيرة، والمعروف منهم اثنان، كلاهما في طبقة واحدة، وهما:

ص: 90


1- 1*) الكافي 2 : 293، باب الرياء، ح 2، ولم نعثر على هذا الحديث في كتاب «الزهد» للأهوازي.

[159] 6 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(1)، قَالَ: «الرَّجُلُ يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الثَّوَابِ لا يَطْلُبُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إِنَّمَا يَطْلُبُ تَزْكِيَةَ النَّاسِ، يَشْتَهِي أَنْ يُسَمِّعَ بِهِ النَّاسَ، فَهَذَا الَّذِي أَشْرَكَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ»، ثمّ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ أَسَرَّ خَيْراً فَذَهَبَتِ الأَيَّامُ أَبَداً حتّى يُظْهِرَ اللَّهُ لَهُ خَيْراً، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ شَرّاً فَذَهَبَتِ الأَيَّامُ حتّى يُظْهِرَ اللَّهُ لَهُ شَرّاً»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

عقبة بن محمد: روى عنه ابن أبي عمير كتابه.

عقبة بن خالد: وهو والد عليّ بن عقبة، ولم يرد فيه شي ء، إلّا أنّه ورد في «نوادر الحكمة»((3))

، فيكون ثقة. وعليه فالسند معتبر.

والثاني: عن الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد»، عن عليّ بن عقبة، كما سيأتي في ذيل الحديث السادس من الباب، وهو معتبر.

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ السمعة شرك، وأنّ من كان يرجو لقاء اللَّه فلا بّد له

ص: 91


1- الكهف، الآية 110.
2- الكافي 2 : 293 ، باب الرياء، ح 4.
3- - أصول علم الرجال 1 : 229 .

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ(1)1*)، وَالَّذِي قَبْلَهُ: عَنْ عليّ بْنِ عُقْبَةَ، وَالَّذِي قَبْلَهُمَا: عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَلِيفَةَ، مِثْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

من الإتيان بالعمل الصالح كما أراده اللَّه، وأن يكون ذلك العمل خالصاً لوجهه تعالى.

وعلى هذا فمن عمل عملاً عباديّاً ولم يقصد به وجه اللَّه تعالى، بل قصد مدح الناس وتزكيتهم له، واشتهى أن يسمعهم به، فهذا هو الذي أشرك بعبادة ربّه.

وأمّا من عمل للَّه خالصاً وأخفى عمله؛ خوفاً من الرِّياء، وطلباً لرضاه تعالى، فإنّ اللَّه سيظهره ويظهر حاله يوماً لعباده، ويصرف قلوبهم إليه؛ ليمدحوه ويعظِّموه، ويكون عمله الخالص موجباً لترغيب الناس وتحريكهم إلى فعل الخير، فيحصل له مع ثناء اللَّه تعالى عليه ثناء الناس أيضاً، وبدون ترتّب أيّ منقصة في حقه على عمله.

ويقابله أنّ مَن عمل للَّه وأظهر عمله طلباً لرضا الناس صرف اللَّه عنهقلوبهم وجعلها مبغضة له.

وأمّا من عمل رياء أو عمل شرّاً وأخفاه؛ خوفاً من لوم الناس وذمّهم له، فإنّه تعالى يرتّب على إخفائه ذلك نقيض مقصوده، فيظهره لعباده، ويظهر

ص: 92


1- 1*) الزهد: 67 ، ح 177.

سوء حاله؛ ليذمّوه ويحقّروه.

سند الحديث:

أورد المصنف الحديث بطريقين:

الأوّل: وفيه جرّاح المدائني: وقد تقدّم أنّ كتابه مشهور، وأنّه ورد في «مشيخة الفقيه»، وروى الصدوق بسنده عنه. ويمكن تصحيح أمثال هذا الحديث بكونه وارداً في كتب الحسين بن سعيد، المشهورة والمعوّل عليها عند الطائفة.

الثاني: ما رواه الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد»، عن النضر بن سويد. والكلام فيه هو ما تقدّم في سابقه.

وأمّا بقيّة الأشخاص والأسانيد التي ذكرها المصنف في ذيل هذا الحديث، فقد مضى الكلام فيها في محلّها المناسب لها قريباً.

ص: 93

[160] 7 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، فَمَنْ عَمِلَ لِي وَلِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَهُ غَيْرِي»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

وصف الباري عزّوجلّ نفسه بأنّه: «خير شريك». والمراد منه: إمّا أنّه سبحانه لا يقبل الشركة؛ لأنّه سبحانه غنيّ لا يحتاج إلى الشركة، وإنّما يقبل الشركة من لم يكن غنيّاً بالذات، فلا يقبل العمل المخلوط؛ لرفعته وغناه سبحانه. أو يكون المراد: أنّي محسن إلى الشركاء، أدع إليهم ما كان مشتركاً بيني وبينهم، ولا أقبله؛ ولذا ورد: «أنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: أنا خير شريك، ما شوركت في شي ء إلّا تركته»((2)).

ولعل الوجه فيه: أنّ التشريك هتك واستهانة بساحة المولى جلّ وعلا.

والترك هنا وعدم القبول يفيدان بطلان العمل المأتيّ به لغيره تعالى؛ فإنّه سبحانه قد نزّله منزلة العمل الذي أتى به العبد خالصاً لغيره تعالى. ومن الظاهر: أنّ العمل لغيره ممّا لا يحسب من العمل للَّه في ديوانه، بل يحسب لمن أتى له.فالعمل المشوب بالرياء أو السمعة باطل غير مرضي عند الله سبحانه.

ص: 94


1- المحاسن 1 : 392 ، باب الإخلاص، ح875.
2- - بحار الأنوار 96 : 299، ح36، نقلاً عن تفسير العياشي 2 : 353.

وحول قوله (علیه السلام) : «فهو لمن عمله غيري»، قال السيد الأستاذ (قدس سره) : هكذا في نسخة «الوسائل» المطبوعة جديداً وقديماً، والظاهر: أنّها غلط. وفي نسختنا المصححة من «الوسائل»: «فهو كمن عمله غيري»، والظاهر: سقوط اللام عن قوله «غيري». وعليه فالرواية هكذا: «من عمل لي ولغيري فهو كمن عمله لغيري»((1)) أو كلمة «غيري» بيان لقوله «لِمَن».

ولكن في «البحار»: «فهو لمن عمل له غيري»((2)).

والأمر سهل.

بیان الصحیح من قوله علیه السلام «فهو لمن عمله غیري»

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال الحديث جميعاً، والسند معتبر.

ص: 95


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6 : 7.
2- - بحار الأنوار 69 : 299، باب (116) الرياء، ح32، ومن الجدير بالذكر أنّه نقله عن «المحاسن».

[161] 8 - محمّد بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ فِي «نَهْجِ الْبَلاغَةِ»، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الظَّمَأُ وَالْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا [السَّهَرُ وَ](1) الْعَنَاءُ. حَبَّذَا صَوْمُ(2) الأَكْيَاسِ(3) وَإِفْطَارُهُمْ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ المدار في الأعمال على الإخلاص فيها، وليس المدار على كثرة العمل كيف كانت، وكونه حسناً في عين رائيه. فالخوارج كانوا أهل سهر وعناء في قيام الليل وتلاوة القرآن، وكذلك كثير من الفِرَق الباطلة، لكنّها كلّها عاملة ناصبة. فما لم يتحقق الإخلاص من شوب الرِّياء لم يفد العمل صاحبه، وذهب عمله هباءً، وكان باطلاً، ولم يترتب عليه الثواب الموعود على العمل، بل كان صاحبه مستحقاً للعقاب الأليم، ما لم يتب.

وإنّما مدح (علیه السلام) نوم الأكياس وإفطارهم؛ لأنّ الكيّس هو الذي يستعمل ذكاءه وفطنته في طريق الخير، وعلى الوجه المرضيّ للشارع المقدّس،ويضع كلّ شي ء في موضعه. ومن كان كذلك كان نومه وإفطاره وجميع

ص: 96


1- أثبتناه من المصدر.
2- في نسخة: نوم. (منه (قدس سره) ).
3- الأكياس: جمع كيِّس وهو العاقل. (مجمع البحرين 4 : 101 مادة: «كيس»).
4- نهج البلاغة 4 : 35، الحكمة رقم 145 .

تصرّفاته في عباداته في موضعها، من رضا اللَّه تعالى ومحبّته، بخلاف الجاهلين باللَّه وبشرائط العبادة، فإنّ نصيبهم من الصيام والقيام ما ذكره أمير المؤمنين (علیه السلام) من الجوع والعطش في حال الصوم عن رياء، والسَّهر والتعب في حال القيام رياءً. ولا يصير صومه جنّة له من النّار في الآخرة ولا زكاة لبدنه في الدنيا.

كما لا ينهاه قيامه - وهو صلاته التي يصليها فرضاً أو نفلاً - عن الفحشاء والمنكر، مع أن الصوم جنة من النار وزكاة للبدن، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

والحاصل: أنهم لم يدركوا الراحة في الدنيا بسبب ما عانوه من مشقّة الصيام والصلاة، ولا الفائدة المترتبة عليهما في الآخرة.

سند الحديث:

هو محكوم بالإرسال، كما تقدم.

ص: 97

[162] 9 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ محمّد التَّمَّارِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ(1)، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

تقدّم تقريب دلالته في الحديث السابق.

سند الحديث:

فيه: الحسين بن محمّد النحوي، أبو الطيّب التمّار: وهو من مشايخ الشيخ المفيد (رحمه الله) ، روى عنه في عدّة موارد((3)).

والظاهر أنّه من العامة، وذكره الخطيب في «تاريخه»((4))، والعسقلاني في «لسان الميزان»((5))، ولميرد فيه شي ء، وعليه فهو مجهول.

ص: 98


1- في المصدر: إسماعيل بن جعفر.
2- أمالي الطوسي : 166/277.
3- - أمالي المفيد: 224، 233، 299.
4- - تاريخ بغداد 8 : 98.
5- - لسان الميزان 2 : 302.

وفيه أيضاً: محمّد بن يحيى بن سليمان: وهو محمّد بن يحيى بن سليمان بن زيد بن زياد، أبو بكر المروزي. وهو من العامة أيضاً . ولم يرد فيه شي ء كذلك.

وفيه أيضاً: يحيى بن داود: ولم يرد فيه شي ء كذلك.

وفيه أيضاً: جعفر بن سليمان: وهو مشترك بين ثلاثة أشخاص:

أحدهم: من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وله أربع روايات فحسب، ولم يرد فيه توثيق.

وثانيهم: جعفر بن سليمان القمّي: الذي قال عنه النجاشي: «أبو محمد، ثقة من أصحابنا القمّيّين، له كتاب ثواب الأعمال»((1))، ويروي عنه ابن الوليد، فهو متأخّر طبقةً.

وثالثهم: جعفر بن سليمان الضُّبَعِي البصري: وثّقه الشيخ في «الرجال» في أصحاب الصادق (علیه السلام) ((2)).

وعليه، فيدور أمره بين الأول والثالث. والظاهر أنّه الثالث؛ لأنّه هو المعروف بالحديث عند العامة أيضاً، وقد وصفوه بأنّه رافضيّ، ووثّقهأكثرهم، كأبي حاتم، وابن سعد، وابن أبي شيبة، والسمعاني، وضعّفه بعضهم، وقد اختلفوا في مذهبه((3)). ولكن في المصدر: إسماعيل بن جعفر، وهو من

ص: 99


1- - رجال النجاشي: 121/312.
2- - رجال الطوسي: 176/2081.
3- - راجع: تهذيب التهذيب 2 : 81، ووالأنساب 4 : 80.

العامّة، وثَّقه أبو زرعة ويحيى بن معين والنسائي وأحمد وجماعة((1)).

وفيه أيضاً: عمر بن أبي عمرو: في رجال الشيخ (رحمه الله) أنه أعطاه أمير المؤمنين راية الهذيل في صفين((2)).

وأمّا عند العامة فاسم أبيه: مَيْسَره، مولى المطلب بن عبد اللَّه. واختلفوا فيه، قال أبو زرعة: ثقة، وقال أبو حاتم وابن عدي: لا بأس به، وقال النسائي: ليس بالقويّ، وعن يحيى بن معين: في حديثه ضعف، ليس بالقوي((3)) (وحوله كلام طويل).

وفيه أيضاً: المَقْبِري أبو سعيد: وهو مدني تابعي، وثّقه العجلي في كتاب «معرفة الثقات»، وقال: إنّ اسمه كَيْسان((4)). وذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات»((5)). وقال ابن حجر في «التقريب»: «ثقة، ثبت»((6)). وقال الواقدي: ثقة. وقال النسائي: لا بأس به. وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة. توفي في سنة مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز((7)

وهو كسابقه.

وفيه أيضاً: أبو هريرة: الصحابي المشهور بالكذب والانحراف عن أميرالمؤمنين (علیه السلام) . وعلى هذا فالسند ضعيف.

ص: 100


1- - تهذيب الكمال 3 : 59.
2- - رجال الطوسي: 89/ 906.
3- - تهذيب الكمال وذيله 22 : 170، وتهذيب التهذيب 8 : 73.
4- - معرفة الثقات 2 : 405.
5- - الثقات لابن حبّان: 3 : 110.
6- - تقريب التهذيب 2 : 46.
7- - تهذيب الكمال وذيله 24 : 240.

[163] 10 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدْ صَلَّى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ صَلَّيْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَيُقَالُ لَهُ: بَلْ صَلَّيْتَ؛ لِيُقَالَ: مَا أَحْسَنَ صَلاةَ فُلانٍ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ».

ثمّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْقِتَالِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّدَقَةِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الرياء في العبادات كالصلاة والجهاد وقراءة القرآن والصدقة مبطل لها؛ وذلك لأنّه يؤمر بالمرائي فيها إلى النار؛ لأنّه قد ابتغى وجه الناس، مع أنّه يظنّ تحقّق قصد القربة منه.

والعبادة التي يؤمر بصاحبها بسببها إلى النار لا تكون صحيحة قطعاً، وما يكون مبغوضاً بهذه الدرجة كيف يكون صحيحاً ومقرّباً ؟!

سند الحديث:

فيه: القاسم بن محمد: وهو الجوهري، وقد تقدّم الكلام عنه.

وفيه أيضاً: علي: وهو عليّ بن أبي حمزة البطائني؛ بقرينة روايته عن أبي بصير، وقد تقدّم الكلام عنه أيضاً. وهو ضعيف، إلّا أن يقال باعتباره

ص: 101


1- الزهد: 62 ، ح 166.

[164] 11 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الأَغْنِيَاءِ عَنِ الشَّرِيكِ، فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي فِي عَمَلٍ(1) لَمْ أَقْبَلْهُ(2)، إِلَّا مَا كَانَ لِي خَالِصاً»(3).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

لوروده في كتب الحسين بن سعيد المعوّل عليها؛ أو لأنّ روايات البطائني كانت قبل الوقف، فتعتبر لذلك.

[11] - فقه الحديث:

مضى تقريب دلالة الحديث في الحديث السابع.سند الحديث:

قد تقدم جميع رجال الحديث، والسند معتبر.

بقي أمران ينبغي التعرّض لهما:

ص: 102


1- في المصدر: عمله.
2- في المصدر زيادة: ولا أقبل.
3- الزهد: 63 ، ح 167.
4- تقدم في: أ - الحديث 15 من الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات. ب - البابين 8 و 11 من أبواب مقدمة العبادات.

أنحاء العشرة الرياء في العمل العبادي، والحكم الوضعي لكل منها

الأمر الأول: أنحاء دخول الرياء في العمل العبادي، والحكم الوضعي لكل منها.

والأمر الثاني: في علاج الرياء.

أمّا الأول: فالرياء في العمل على أنحاء:

النحو الأول: أن يأتي بالعمل لمجرد إراءة الناس، من دون أن يقصد به امتثال أمر اللَّه تعالى، بأن يكون الداعي الوحيد هو الرياء فحسب، ولا يقصد به طاعة الربّ بوجه. وهذا باطل بلا إشكال؛ لأنّه فاقد لقصد القربة أيضاً.

النحو الثاني: أن يكون داعيه ومحرِّكه على العمل القربة وامتثال الأمر والرياء معاً.

وهذا على أربع صور:

الصورة الأولى: أن يكون الباعث على ارتكاب العمل والمحرّك نحوه مجموع القصدين، فكل منهما جزء من المؤثّر، بحيث لو انعزل أحدهما عن الآخر لما أقدم على العمل؛ لقصور كلّ منهما وحده عن صلاحيّة الدعوة والتحريك، فلا يكون الداعي إلّا مجموع القصدين على صفة الانضمام.

ولا شكّ في البطلان في هذه الصورة على القاعدة؛ لأنّه يعتبر قصدالتقرّب في العبادة، بمعنى: أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد الأمر، وهذا الانبعاث مفقود في المقام؛ لقصور الداعي عن صلاحيّة الدعوة في حدّ نفسه.

الصورة الثانية: أن يكون كلّ منهما مستقلاً في التأثير في حدّ نفسه،

ص: 103

بحيث لو انفرد عن الآخر كان تامّ الداعويّة وصالحاً للتحريك، وإن كان التأثير الفعلي مستنداً إلى مجموع الأمرين.

ومقتضى القاعدة هنا الصحة؛ لصدق أنّ العمل صدر عن داعٍ قربي مستقلّ في الداعويّة في حدّ نفسه، وإن انضمّ له داعٍ آخر؛ فإنّه لا يعتبر في اتّصاف العمل بالعباديّة عدم اقترانه بداع آخر غير الداعي القربي، ولو كان ذلك الداعي مستقلاً في الدعوة في حدّ نفسه.

الصورة الثالثة: أن يكون الداعي الإلهي أصيلاً والريائي تابعاً.

ومقتضى القاعدة هنا الصحة أيضاً، بل الصحة هنا أولى؛ لأنّ الداعي الإلهي هو الأصيل، وهو المحرِّك نحو العمل، ولم يعتبر في اتّصاف العمل بالعباديّة أن لا يقترن بداعٍ آخر غير الداعي القربي. هذا بحسب مقتضى القاعدة.

ولكن أحاديث الباب تقتضي الخروج عن هذه القاعدة في الصورتين الثانية والثالثة جميعاً، والحكم بالبطلان فيهما؛ حيث إنّ إطلاقها يشمل حتّى هاتين الصورتين؛ فإنّ التعبير بالشرك في بعضها يقتضي حرمة العمل المأتيّبه رياءً، فإذا كان حراماً بطل؛ فإنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

وكذا التعبير بإدخال رضا أحد من الناس في العمل؛ فإنّه من الواضح: أنّ إدخال رضا أحد من الناس يصدق حتّى فيما إذا كان الرياء تابعاً، فضلاً عمّا إذا كان مستقلاًّ في التحريك في عرض الباعث الإلهي نحو العمل.

الصورة الرابعة: أن يكون الداعي الريائي أصيلاً والإلهي تابعاً. وبطلان

ص: 104

العبادة في هذه الصورة لا يحتاج إلى بيان.

وبالجملة: مقتضى إطلاق النصوص هو البطلان في جميع هذه الصور.

النحو الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة في العبادة الرِّياء، وهذا أيضاً موجب للبطلان. والكلام تارة في الصلاة، وأخرى في غيرها من العبادات:

أمّا في الصلاة: فنفس الجزء المراءى فيه محكوم بالبطلان، لصدوره رياءً حسب الفرض، وبتبعه تفسد الصلاة أيضاً، سواء تداركه مع بقاء محل التدارك أم لا؛ للإخلال بها من جهة النقيصة أو الزيادة كما لا يخفى. هذا إذا قصد بالجزء المأتي به الجزئية. وأمّا إذا لم يقصد الجزئية، فلا، إلّا إذا استلزم الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة.

وأمّا في غير الصلاة من سائر العبادات، ممّا لا تكون الزيادة مبطلة لها، كالوضوء والغسل ونحوهما، فلا موجب للبطلان أصلاً. فلو غسل يده اليمنى رياءً - ولو بقصد الجزئيّة - ثمّ ندم فتداركه بقصد التقرّب صحَّ، معمراعاة الموالاة ؛ لعدم كون الزيادة مبطلة في غير الصلاة.

لا يقال: إن إطلاق قوله (علیه السلام) : «وأدخل فيه رضا أحد من الناس» شامل لجميع العبادات، فتبطل جميعها كالصلاة.

لأنّه يقال: إنّه مبنيّ على أن يكون المراد من كلمة «في» في الصحيحة مطلق الظرفيّة، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به، وإلّا لزم القول بفساد الوضوء أو الصوم، فيما لو قرأ في الأثناء سورة أو دعاءً أو ذكراً رياءً؛ لصدق إدخال

ص: 105

رضا الناس فيه، وهو كما ترى.

النحو الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة الرِّياء، كالقنوت في الصلاة. وهنا يبطل الجزء، دون المركّب؛ لعدم سراية البطلان من الجزء إلى المركّب؛ لما مرّ من أنّ مجرّد الظرفيّة لا يستلزم السراية، إلّا إذا قورن بموجب آخر للبطلان، كالفصل الطويل المضرّ بالموالاة، أو الماحي لصورة الصلاة.

النحو الخامس: أن يكون أصل العمل للَّه، لكن أتى به في مكان وقصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء، كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد المشرّفة رياءً. فالرياء إنّما وقع فيما هو خارج عن ذات العمل كلاًّ أو بعضاً، من الخصوصيّات الفرديّة المكانيّة أو الزمانيّة أو المكتنفة، بأن راءى في الصلاة في هذا المكان مثلاً.

فهنا يحكم بالفساد أيضاً؛ لأنّ الخصوصيّة المفردة مصداق للطبيعةومحقّق لها، وبينهما الاتّحاد والعينيّة، فالصلاة الموجودة في الخارج متّحدة مع الصلاة في هذا المكان. والفرض: أنّ الخصوصيّة صارت محرّمة للرياء، فلا تكون مصداقاً للواجب، والمبغوض لا يكون مقرِّباً، فيحكم بالبطلان.

النحو السادس: أن يكون الرياء في الزمان، كالصلاة في أوّل الوقت رياءً، وهذا أيضاً باطل؛ لما مرّ في النحو الخامس بعينه؛ إذ لا فرق بين الخصوصيّة الزمانيّة والمكانيّة في محلّ البحث.

النحو السابع: أن يكون الرياء في أوصاف العمل، كالإتيان بالصلاة

ص: 106

جماعة، أو القراءة بالتأنّي أو بالخشوع، أو نحو ذلك، إذا تعلّق القصد بهذا الفرد الخاصّ من الصلاة. وهذا أيضاً باطل؛ لانطباق الطبيعة المتّحدة وجوداً مع مصداقها على الفرد الريائيّ.

نعم، إذا تعلّق قصده بالصلاة خالصاً لوجهه تعالى، ثمّ بدا له أن يبكي أو يخشع، بحيث كان ذلك بنفسه موضوعاً مستقلاًّ للرياء، لا أنّه من الأول قصد الصلاة المتّصفة بالخشوع الرِّيائي، فحينئذ لا موجب للفساد، وإن ارتكب الإثم.

النحو الثامن: أن يكون الرياء في مقدّمات العمل، كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد، لا في إتيانه العمل في المسجد. وهنا لا يبطل العمل؛ لأنّ المقدّمات أمور خارجة عن العمل، فلا مقتضي للسراية.

النحو التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة،كالتحنُّك حال الصلاة. وهذا لا يكون مبطلاً، إلّا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنّكاً. والوجه فيه ما تقدّم في النحو السابع.

النحو العاشر: أن يكون العمل خالصاً للَّه، ولكنّه كان بحيث يعجبه أن يراه الناس. والظاهر عدم بطلانه أيضاً؛ لأنّه عجب، وصفة العجب وإن كانت منقصة ينبغي للمؤمن الحقيقي تنزيه نفسه عنها، إلّا أنّها لا تستوجب البطلان، بعد فرض صدور العمل بكامله خالصاً لوجهه الكريم، ولاسيّما أنّها عامّة البلوى، لا ينجو منها إلّا الأوحديّ والعارف الحقيقي، الذي لا يهمّه مدح الناس أو قدحهم، وكلّ همّه طلب مرضاته سبحانه، وإلّا فغالب الناس

ص: 107

تعجبهم عباداتهم ويدخلهم السرور من رؤية الناس، ويحبّون أن يمدحوا بها، ويعرفوا بين الناس بأنّهم من المتعبّدين ومن عباد اللَّه الصالحين. لكن مجرّد ذلك لا دليل على قدحه في صحّة العبادة، بل قد دلّت على عدم القدح روايات الباب الخامس عشر الآتي قريباً، نحو ما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: سألته عن الرجل يعمل الشي ء من الخير، فيراه إنسان، فيسّره ذلك؟ قال: «لا بأس. ما من أحد إلّا وهو يحبّ أن يظهر له في الناس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك»((1)).

وأمّا الخطور القلبي: فهو لا يضرّ؛ لعدم منافاته الإخلاص المعتبر في صحّة العبادة، والانبعاث عن محض قصد الامتثال، بل هو من وساوسالشيطان، كما جاء في بعض الأخبار، وخصوصاً إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور؛ لأنّه كاشف قطعي عن بلوغه مرتبة راقية من الخلوص، وموجب لتأكّد إضافة العمل إلى المولى سبحانه وتعالى.

وكذا لا يضرّ الرياء بترك الأضداد، كأن يترك مجالسة الخائضين في اللغو رياءً، ويتشاغل بالصلاة؛ فإنّه لا موجب لفسادها؛ لعدم تعلّق الرياء بها، بل الرياء قد تعلّق بترك ضدّها، وهو الاشتراك في ذاك المجلس، الذي هو أمر آخر مقارن للصلاة، ولم يكن متّحداً معها.

علاج الریاء

وأمّا الأمر الثاني - أي: علاج الرّياء - : فقد ذكروا هنا أموراً ينبغي الالتفات إليها:

ص: 108


1- - وسائل الشيعة 1 : 75 ، ب 15 من أبواب مقدمة العبادات، ح1.

منها: أن يعرف العبد مضرّة الرياء، وما يفوته من صلاح قلبه، وما يحرم منه من التوفيق في العاجلة، والمنزلة عند اللَّه في الآجلة، وما يتعرّض له من العقاب والمقت، وما يفوته من ثواب اللَّه ورضاه عنه.

ومنها: أن يتفكّر في أنّه يتعب بدنه، ويحبط أجره بهذا الرياء، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة؛ لما يتعرّض له في الدنيا من تشتّت البال؛ بسبب ملاحظة قلوب الناس؛ فإنّ رضاهم غاية لا تدرك.

ومنها: أن يعلم أنّه لا كمال في مدح الناس له، ولا نقص في ذمّهم، ولو كان راغباً في المدح وخائفاً من الذمّ فليرغب في مدح الملائكة المقرّبين، بل في مدح ربّ العالمين، وليخش ذمّه وذمّهم.ومنها: أن يعوّد نفسه إخفاء عباداته، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، ويجعل قلبه قانعاً بعلم اللَّه واطّلاعه على عبادته، ولا تنازعه نفسه إلى طلب علم غير اللَّه به، فإذا واظب على ذلك مدّة سقط عنه ثقله.

ومنها: أن يستعين باللَّه ويجاهد نفسه، فإنّ من العبد المجاهدة، ومن اللَّه الهداية، كما وعد سبحانه وتعالى بذلك: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}((1)).

والحاصل: أنّ في الباب أحد عشر حديثاً، اثنان ضعيفان، والبقيّة كلّها معتبرة.

ص: 109


1- - العنكبوت، الآية 69.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد من الباب أمور، منها:

1 - أنّ عمل المرائي شرك باللَّه العظيم.

2 - أنّ عمل المرائي يجعل في سجّين.

3 - أنّ عمل المرائي ثوابه على الناس، ولا ثواب له من اللَّه عزّوجلّ.

4 - أنّ عمل المرائي لا يصعد إلى اللَّه عزّوجلّ.

5 - أنّ عمل المرائي لا يقبله اللَّه منه.

6 - أنّ عمل المرائي يظهره اللَّه له شرّاً.

7 - أنّ عمل المرائي حرام، فيكون باطلاً.8 - أنّ أهل الرياء يؤمر بهم إلى النار.

9 - أنّ أهل الرياء يقال لهم: يا أشقياء.

ص: 110

13 - باب كراهية الكسل في الخلوة

اشارة

والنشاط بين الناس

-----------------------------------------------------------------------------

13 - باب كراهية الكسل في الخلوة

والنشاط بين الناس

أثر الریاء علی العمل العبادي

هذا الباب تتميم للباب السابق، ويتعرّض لعلامات المرائي، وهي ترجع إلى كيفيّات العمل مع إتيان أصل العمل خالصاً لوجه اللَّه سبحانه وتعالى، وهي على صورتين، كما سبقت الإشارة إليهما:

إمّا أن تكون الكيفيّة المراءى بها داخلة في وجود العبادة خارجاً، بحيث تكون متّحدة الوجود معها في الخارج، كما إذا صلّى في المسجد رياءً، وإن كان أصل الصلاة مستنداً إلى الداعي الإلهي، إلّا أنّ الحصّة الخاصّة من الصلاة - أعني: الصلاة في المسجد - صادرة بداعي الرِّياء. ونظيره ما إذا صلّى بوقار مع إطالة الصلاة رياءً؛ للنشاط الحاصل له عند رؤية الناس.

وإمّا أن تكون موجودة على حدة، ولا تتّحد مع العبادة في الوجود، بل هي وصف زائد خارج عنها، وهذا كما إذا صام للَّه، إلّا أنّه قرأ الأدعية في صيامه بداعي الرياء، أو صلّى للَّه وتحنّك رياءً؛ لأنّ التحنّك وقراءة الأدعية أمران آخران غير الصيام والصلاة.

والذي يظهر من كلام المصنّف (قدس سره) - بل هو صريح كلامه - عدم بطلان

ص: 111

العبادة في كلتا الصورتين؛ حيث قال ما نصّه: «لا يلزم من تحريم الرياء تحريم علامات المرائي، كما لا يخفى، على أنّها ليست بكليّة، بل هي أغلبيّة؛ فقد ينشط المرائي بين الناس بقصد الرياء، وينشط وحده بقصد الإخلاص، وقد يحبّ أن يحمد في جميع أموره، ولا يكون مرائياً. ويمكن اختصاص العلامات بالمرائي الكامل الرياء، الذي قد عدم الإخلاص بالكليّة سرّاً وجهراً، وذلك في الحقيقة هو المنافق الخارج عن الإيمان والإسلام، ومع ذلك لا يلزم تحريم علاماته»((1)).

وأمّا سيدنا الاستاذ (قدس سره) ، فقد اختار بطلان العبادة في الصورة الأولى؛ بتقريب: أنّ الرياء في الكيفيّة المتّحدة مع العمل في الوجود موجب لبطلان العبادة لا محالة؛ لأنّ الحصّة الخاصّة من العبادة - أعني: الموجود الخارجي - قد صدرت عن داعٍ غير إلهي - أعني: داعي الرياء - فهي محرّمة ومبغوضة، والمبغوض كيف يقع مقرِّباً، والمحرّم لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب، فتبطل.

وأمّا الرِّياء في الكيفيّة المنحازة عن أصل العمل، فلا موجب لكونه مبطلاً للعبادة؛ لأنّ المبغوض والمحرّم شي ء، والعبادة شي ء آخر، ولا تسري حرمة أحدهما إلى الآخر. ولا يمكن أن يقال: إنّه أمر قد أشرك فيه غيره سبحانهمعه، بل هما أمران، أحدهما أتى به للَّه، والآخر أتى به لغيره، ولعلّه ظاهر((2)).

ص: 112


1- - هامش مخطوطة الوسائل على ما في المطبوعة. (راجع: وسائل الشيعة 1 : 73، أبواب مقدمة العبادات، ب 13، وتحرير وسائل الشيعة: 297، باختلاف يسير).
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6 : 10 - 11 .

[165] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : ثَلاثُ عَلامَاتٍ لِلْمُرَائِي: يَنْشَطُ إِذَا رَأَى الناسَ، وَيَكْسَلُ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ»(1).

محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) «فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) لِعَلِيٍّ (علیه السلام) : أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ، لِلْمُرَائِي ثَلاثُ عَلامَاتٍ»، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)3*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

الكلام في علامات المرائی

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على كراهة الكسل في حال الخلوة والنشاط في العبادة إذا كان بين الناس، وعلى كراهة حبّ مدح الناس في جميع الأمور، وأنّ هذهالخصال الثلاث علامات للمرائي، بها يعرف ويشخّص.

ص: 113


1- الكافي 2 : 295، باب الرياء، ح 8.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 361 ، ح 5762.
3- 3*) تقدم في: أ - البابين 11 و12 من هذه الأبواب. ب - الحديث 6 من الباب 8 من هذه الأبواب.
4- 4*) يأتي في الحديث 16 من الباب 20 من هذه الأبواب.

وقوله: «ينشط إذا رأى الناس» سواء كان النشاط قبل العمل وباعثاً للشروع فيه، أم كان بعد الشروع فيه وسبباً لتجويده.

وقوله: «ويحبّ أن يحمد في جميع أموره» لا فرق فيه فيما كان من أمور الدين، كفعل الطاعات وترك المنهيّات، فإنّه قد يترك الزنا وشرب الخمر؛ ليمدحه الناس بالصلاح، أم كان من أمور الدنيا، كالتشبّع بالمال والتحلّي باللباس؛ لثناء الناس عليه. وإليه أشار النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بقوله: «إنّ لكلّ حقّ حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يحمد على شي ء مِنْ عَمَلِ اللَّه»((1)).

تصحیح من الحدیث

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.

وهذا الطريق معتبر، وقد تقدّم مراراً.

الثاني: محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه بإسناده، عن حماد بن عمرووأنس بن محمد.

وهذا الطريق قد تقدّم بعينه في الباب الرابع، الحديث التاسع، وفيه عدّة مجاهيل.

ص: 114


1- - شرح أصول الكافي 9 : 294، ومستدرك الوسائل 1 : 100 ، باب8 ، ح89 ، وفيه: «عملٍ لله» بدل «عملِ الله».

ولكن قلنا باعتباره؛ لشمول شهادة الصدوق في أوّل كتابه له؛ وأنه مأخوذ من الكتب المشهورة المعوّل عليها.

ووردت هذه الرواية أيضاً بطرق أخرى معتبرة:

منها: ما ورد في «قرب الإسناد»، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: «للمرائي ثلاث علامات...» ((1)).

ومنها: ما ورد في «الخصال» أيضاً: حدَّثنا أبي رضي اللَّه عنه، قال: حدَّثنا سعد بن عبد اللَّه، قال: حدّثني القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، قال: حدّثني حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، مثله((2)).

وعلى هذا فالرواية معتبرة في نفسها. وإنّما الكلام في دلالتها على الحرمة أو الكراهة، كما مرّ.

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً معتبراً بكلا سنديه. والمستفاد منه أمور واضحة.

ص: 115


1- - قرب الإسناد: 28 ، باب في أحاديث متفرّقة، ح92.
2- - الخصال: 121، ح113 .

ص: 116

14 - باب كراهة ذكر الإنسان عبادته للناس

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

14 - باب كراهة ذكر الإنسان عبادته للناس

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان فضل إخفاء العبادة، وكراهة الإفشاء والإذاعة لها، وأنّه يستحبّ اختيار عمل السرّ على عمل العلانية. ولكن هذا ليس على إطلاقه، كما سيتّضح. والأحاديث الواردة في هذا المضمون متواترة، كما ذكرها المصنّف في كتابه «الفصول المهمّة»((1)).

ونحن نذكر منها هنا ما ورد في ذمّ الاشتهار بالعبادة:

بیان فضل إخفاء العبادة و كراهة الجهر بها

ففي صحيح أبي حمزة الثمالي، عن جعفر بن محمد (علیه السلام) ، قال: «الاشتهار بالعبادة ريبة»، الحديث((2)).

وفي رواية ابن فضّال، عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، قال: «من شهَّر نفسه بالعبادة فاتّهموه على دينه»((3)).

وفي «مشكاة الأنوار» عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : «إنّ اللَّه يبغض الشهرتين:

ص: 117


1- - الفصول المهمة في أصول الأئمّة 1 : 661.
2- - معاني الأخبار: 195 ، ح 1.
3- - أمالي الطوسي: 649 ، ح 1348.

شهرة اللباس وشهرة الصلاة»((1)).

إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في أبواب متفرّقة.

والمتحصّل من جميعها: أنّ ذكر العبادة إذا كان من هذه الجهة فهو مذموم، وإلّا كان موجباً لنقص الثواب، كما ورد في أنّ فضل عمل السرّ على عمل الجهر سبعون ضعفاً((2)). وقد استثنى الأعلام موارد تأتي.

الأقوال:

الحكم بالكراهة مجمع عليه بين الخاصة والعامة:

أمّا الخاصّة: فهم وإن لم يصرّحوا بالكراهة، إلّا أنّه يمكن استظهار ذلك من مراجعة كلماتهم في موارد متفرّقة، كقولهم بأفضليّة صدقة السرّ على صدقة العلانية، وأنّ الإسرار بالنوافل وإتيانها في المنزل أفضل من الإعلان بها وإتيانها في المسجد، خلافاً للفرائض، واستحباب إخفات الذكر والدعاء والقراءة؛ ليبعد عن الرياء، وغير ذلك من الموارد.

واستثنوا من ذلك موارد، قال كاشف الغطاء: يستحبّ التظاهر في العبادات الواجبات والمندوبات لمن كان قدوة الناس، يقتدون به؛ لرياسته في الدين أو الدنيا؛ ليكون باعثاً على عملهم، فإنّ الداعي إلى الخير قولاً أوفعلاً كفاعله، ولمن أراد أن يجبّ الغيبة عن نفسه، فلا يرمى بالتهاون

ص: 118


1- - مستدرك الوسائل1 : 119، ب 16 من أبواب المقدمات، الحديث 10.
2- - بحار الأنوار 67 : 251، باب العبادة والاختفاء فيها وذم الشهرة بها، الحديث 4 ، 6.

والتكاسل في العبادة، وربّما وجب لذلك، ولمن أراد ترغيب الناس إلى الطاعات وإيقاعهم في الغيرة؛ ليرغبوا في العبادات، ولمن أراد تنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين((1)).

وأمّا العامّة: فقد قال ابن حجر: قوله: «كره أن يكون شي ء من عمله أفشاه»؛ وذلك أنّ كتمان العمل الصالح أفضل من إظهاره إلّا لمصلحة راجحة، كمن يكون ممّن يقتدى به((2)).

وقال النووي: قوله: «وكره أن يكون شيئاً من عمله أفشاه»، فيه استحباب إخفاء الأعمال الصالحة، وما يكابده العبد من المشاقّ في طاعة اللَّه تعالى، ولا يظهر شيئاً من ذلك إلّا لمصلحة، مثل بيان حكم ذلك الشي ء، والتنبيه على الاقتداء به فيه، ونحو ذلك. وعلى هذا يحمل ما وجد للسلف من الإخبار بذلك ((3)) .

ص: 119


1- - كشف الغطاء 1 : 318.
2- - فتح الباري 7 : 325.
3- - شرح مسلم للنووي 12 : 197.

[166] 1 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى}(1)، قَالَ: «قَوْلُ الإِنْسَانِ: صَلَّيْتُ الْبَارِحَةَ، وَصُمْتُ أَمْسِ، وَنَحْوَ هَذَا»، ثمّ قَالَ (علیه السلام) : «إِنَّ قَوْماً كَانُوا يُصْبِحُونَ فَيَقُولُونَ: صَلَّيْنَا الْبَارِحَةَ، وَصُمْنَا أَمْسِ، فَقَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : لَكِنِّي أَنَامُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَلَوْ أَجِدُ بَيْنَهُمَا شَيْئاً لَنِمْتُهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

فسّر الإمام عليه السلام تزكية النفس في الآية الشريفة بذكر الإنسان عبادته وطاعته لغيره، وهو من التفسير بذكر بعض المصاديق. وهذا الحديث يدلّ على عدم محبوبيّة الإفشاء والإشاعة للأعمال، بل المحبوب كتمان العبادات عن الناس؛ لأنّه أقرب إلى القربة، وأبعد عن الرّياء، فيكون إظهارها موجباً لقلّة ثوابها. ولا يخفى أنّ التحرّز واليقظة في مثل هذه الأمور مطلوب؛ لما في الإظهار من مظنّة الرّياء، وإن كان ذلك ليس على إطلاقه، كما يأتي.

وأمّا قوله (علیه السلام) : «لكنّي أنام الليل والنهار، ولو أجد بينهما شيئاً لنمته»فالغرض منه ستر العبادات والطاعات عن الغير، وإلّا فإن من كانوا معه (علیه السلام)

ص: 120


1- النجم، الآية 32.
2- معاني الأخبار: 243 ، ح 1.

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، أَوْ عَلَى نَوْمِ بَعْضِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَوْ عَلَى احْتِقَارِ عِبَادَةِ نَفْسِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَجَعَلَ عِبَادَتَهُ بِمَنْزِلَةِ النَّوْمِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يعلمون أنه لم يرد أنه ينام الليل كله والنهار كله على نحو الحقيقة؛ لاشتهار عبادته (علیه السلام) ، وإنما قال ما قال للتنبيه على خطأ إفشاء العبادة عن عمد. وقد أورد المصنّف لها ثلاثة تأويلات ومحامل:

أحدها: أنّها محمولة على المبالغة.

الثاني: أنّها محمولة على نوم بعض الليل والنهار، فأطلق الكل وأراد الجزء. ومعلوم: أن من ينام بعض الليل وبعض النهار ليس بمشتغل بالصلاة ولا بغيرها من العبادات.

ولكن قوله (علیه السلام) «ولو أجد بينهما شيئاً لنمته» يظهر منه إرادة الكل، وإلّا لما كان لقوله هذا معنى. وعليه فهذا الحمل بعيد.

ص: 121


1- الزهد: 66 ، ح 174.
2- ورد في هامش النسخة الثانية من المخطوطة ما نصّه: يدلّ على أنّه ليس شي ء من الأوقات خارجاً عن الليل والنهار. ويؤيّد ما ذكرناه: ما ذكره الشيخ بهاء الدين في أوّل مفتاح الفلاح. (منه (قدس سره) ). (راجع: مفتاح الفلاح: 4).

الثالث: أنّها محمولة على احتقار عبادة نفسه بالنسبة إلى ما يستحقّه اللَّه من العبادة. فجعل عبادته بمنزلة النوم وإن كان هذا لا ينافي قوله (علیه السلام) : «ولو أجد بينهما شيئاً لنمته»، ولكن الظاهر في اختيار النوم على فعل مثل الصلاة، فالظاهر منها إرادة تبكيت من أفشى عبادته، وأنه (علیه السلام) مع أنه أحق الناس بأداء العبادات وإقامة الطاعات إلّا أنه ينام الليل والنهار، ولو وجد وقتاً خارجاً عن الليل والنهار، فكأنه أراد: أنّ النوم كلّ هذه الأوقات خير من ذكر العبادات للغير، وهذا أبلغ في الدلالة على كراهية الإفشاء للغير.

سند الحديث:

روى المصنّف الحديث بطريقين، كلاهما صحيح:

الأول: ما عن الصدوق في «معاني الأخبار».

الثاني: الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد»، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، على ما في «الوسائل» المطبوعة جديداً وقديماً. ولكن في نسخة كتاب «الزهد» المطبوعة حالياً: محمّد بن أبي عمير، عن فضالة، عن جميل((1)). وفي نسخة «البحار»: محمّد بن أبي عمير وفضالة، عنجميل((2))، وهو الصحيح. وعليه فالسند معتبر.

ص: 122


1- - كتاب الزهد: 66، ح174.
2- - بحار الأنوار 69 : 324، الإيمان والكفر، ب118، ح3.

[167] 2 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ»، قَالَ: وَمَا الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ؟ قَالَ: «يَصِلُ الرَّجُلُ بِصِلَةٍ وَيُنْفِقُ نَفَقَةً للَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فَكُتِبَتْ لَهُ سِرّاً، ثمّ يَذْكُرُهَا، فَتُمْحَى، فَتُكْتَبُ لَهُ عَلانِيَةً، ثمّ يَذْكُرُهَا، فَتُمْحَى، وَتُكْتَبُ لَهُ رِيَاءً»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

لا ريب أنّ الاخلاص في العمل من الأمور الشاقة الشديدة، ولكن الأصعب منه هو إبقاء العمل خالصاً. فقد يعمل الإنسان الطاعة في السر بإخلاص فتكتب له عبادة خالصة، إلّا أنه إذا ذكرها لغيره انحطت عن تلكوتكتب عبادة علنية، ويكون ثوابها حينئذٍ أقل، وهذا معنى كراهة ذكرها للغير.

وإذا ذكرها للغير - بعد ذكره الأول لها - كتبت له رياءً. لكن السؤال أنه ما الفرق بين الذكر الأول والذكر الثاني؟ فإن الظاهر أن الذكر الأول

ص: 123


1- الكافي 2 : 296، باب الرياء، ح 16.
2- تقدم في الحديث 6 من الباب 12 من هذه الأبواب.
3- يأتي في الباب 17 من هذه الأبواب.

يخرجها عن السرية، والذكر الثاني يزيد عليه بشيء.

فهذا الحديث بظاهره يدلّ على بطلان العبادة بذكرها بعد الفراغ منها، وهو بظاهره مخالف للمشهور؛ حيث يرون عدم بطلان العبادة السابقة بالعجب المتأخّر عنها، وعليه فلابدّ إمّا من طرحه، أو من تأويل ما في ذيله بما لا ينافي ما عليه المشهور. والأظهر: حمله على حبط الثواب، أو نقصه؛ إذ لا موجب لبطلان العبادة بعد أن كانت خالية من الرياء حين الإتيان بها.

المستفاد من الباب

سند الحديث:

هذا الطريق وإن أمكن تصحيحه بما تقدّم في الحديث الثالث من الباب الثامن، إلّا أنّه هنا مرسل؛ لأنّ عليّ بن أسباط رواها عن بعض أصحابه، ولم يعلم مَن هو.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أحدهما معتبر.

والمستفاد من الباب أمور:

منها: كراهة ذكر الإنسان أعماله وعباداته للناس.ومنها: النهي عن تزكية النفس.

ومنها: مطلوبيّة الإبقاء على العمل خالصاً.

ومنها: أنّ إخفاء العبادة ممّن يحسن منه إخفاؤها مرغوب فيه، وهو أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء.

ص: 124

15 - باب عدم كراهية سرور الإنسان باطلاع غيره على عمله بغير قصده

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

15 - باب عدم كراهية سرور الإنسان

باطّلاع غيره على عمله بغير قصده

بیان عدم كراهة السرور باطلاع غیره علی عبادته

هذا الباب تتميم أيضاً للباب السابق، تعرّض فيه المصنّف (قدس سره) لحكم من كان آتياً بعمل بداعي الأمر والتقرّب، إلّا أنّه يفرح إذا اطّلع عليه الناس، ويدخله السرور من ذلك، من غير أن يكون ذلك داخلاً في قصده.

وقد حكم (قدس سره) بعدم الكراهة، واستدلّ على ذلك بأمور، نذكر منها مايلي:

الأوّل: أنّ السرور المذكور ليس باختياريّ، ولا يكاد يقدر أحد على دفعه، بل هو طبيعيّ، لا يتعلّق به التكليف، ولا يتوجّه إليه النهي((1)) .

الثاني: روايات الباب.

ص: 125


1- - تحرير وسائل الشيعة: 300.

[168] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ الشَّيْ ءَ مِنَ الْخَيْرِ، فَيَرَاهُ إِنْسَانٌ، فَيَسُرُّهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لا بَأْسَ. مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ فِي النَّاسِ الْخَيْرُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ صَنَعَ(1) ذَلِكَ لِذَلِكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم كراهة سرور العبد باطّلاع غيره على عمله، بل إنّ هذا السرور لا يكاد ينفكّ عن أحد. ويفهم من هذا الحديث - بمفهوم الشرط - ثبوت البأس الذي هو النقص؛ إذا صنع ذلك العمل ليراه الناس، سواء كان ذلك رياءً أو سمعة.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم. وعليه فالسند معتبر.

ص: 126


1- في نسخة: يصنع. (منه (قدس سره) ).
2- الكافي 2 : 297، باب الرياء ، ح 18.

[169] 2 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عليّ الأَسَدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1)1*) الْمَرْزُبَانِ، عَنْ عليّ بْنِ الْجَعْدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُونِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ (رحمه الله) : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، وَيُحِبُّهُ النَّاسُ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث من حيث المضمون واضح.

وأمّا قوله: «تلك عاجل بشرى المؤمن» فالمراد البشرى المعجّلَة له في الدنيا، والبشرى الأخرى ما أشير إليه في قوله سبحانه: {بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهارُ}((3)).

سند الحديث:

هذا الحديث مرويّ من طرق العامّة، لا من طرقنا؛ حيث رووه في أكثرالصحاح وغيرها((4)) ، فيكون مؤيّداً للحديث السابق.

ص: 127


1- 1*) في المصدر: زيادة «بن».
2- 2*) معاني الأخبار: 322 ، ح 1.
3- - الحديد، الآية 12.
4- - مسند أحمد 5 : 157 ، وصحيح مسلم 8 : 44.

أمّا محمّد بن أحمد بن عليّ الأسدي: فهو المكنّى بأبي الحسن، المعروف بابن جرادة البردعي، من مشايخ الصدوق، لم يرد فيه شي ء.

وأمّا عبد اللَّه بن محمّد المرزبان - على ما في «الوسائل». وفي «أمالي الصدوق»((1))

: عبد اللَّه بن محمّد بن المرزبان - : فهو أيضاً لم يرد فيه شي ء.

بحث رجالي في عليّ بن الجعد

وأمّا عليّ بن الجعد، أو عليّ بن جعفر على ما في بعض النسخ، وفي أغلب مصادر العامّة: محمّد بن جعفر: فإن كان الأوّل - وهو عليّ بن الجعد بن عبيد، الجوهري، أبو الحسن، البغدادي - فلم يرد في كتبنا فيه شي ء.

ولكن قال الذهبي: عليّ بن الجعد بن عبيد، الإمام، الحافظ، الحجّة، مسند بغداد، أبو الحسن، البغدادي، الجوهري، مولى بني هاشم((2)) .

ومعنى الحجّة - كما قال التهانوي - هو الذي أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث ((3)).

وقال محمّد بن حمّاد: سألت يحيى بن معين عن عليّ بن الجعد، فقال:ثقة، صدوق...((4)).

وقال أبو حاتم: كان متقناً صدوقاً، لم أرَ من المحدِّثين من يحفظ ويأتي

ص: 128


1- - أمالي الصدوق: 297/332.
2- - سير أعلام النبلاء 10 : 459.
3- - راجع: قواعد في علوم الحديث: 29.
4- - تاريخ بغداد 11 : 364.

بالحديث على لفظ واحد لا يغيّره سوى عليّ بن الجعد((1)) .

وقال عنه ابن حجر: ثقة، ثبت، رمي بالتشيّع((2)) .

وعدّه ابن قتيبة من رجال الشيعة((3)) .

وقال الجوزجاني: عليّ بن الجعد، متثبّت بغير بدعة، زائغ عن الحق ((4)).

أقول: روى البخاري عنه اثني عشر حديثاً، فكيف يروي عن رجل زائغ عن الحق اثني عشر حديثاً؟!

وإن كان الثاني - وهو عليّ بن جعفر - فهو مهمل، لم يرد فيه شي ء. نعم، ذكره العامّة، وقد وثّقوه. قال الحاكم النيسابوري: وعليّ بن جعفر المدائني ثقة((5)).

وإن كان الثالث - وهو محمّد بن جعفر - فهو أيضاً مهمل، لم يرد فيهشي ء، وقد ترجمه العامّة في كتبهم. قال ابن حبّان: محمد بن جعفر غندر، صاحب الكرابيس، كنيته أبو عبد اللَّه، الهذلي، صاحب الطيالسة، من أهل البصرة. يروي عن شعبة ومعمّر. روى عنه أحمد بن محمّد بن حنبل، ويحيى، وأهل العراق. وكان من خيار عباد اللَّه، ومن أصحّهم كتاباً، على

ص: 129


1- - أنظر: الجرح والتعديل 6 : 178.
2- - تقريب التهذيب 1: 689.
3- - المعارف لإبن قتيبة: 624.
4- - تهذيب الكمال 20 : 346.
5- - المستدرك على الصحيحين 1 : 112.

غفلة فيه((1)).

وأمّا شعبة: فالظاهر أنّه شعبة بن الحجّاج، من فقهاء العامة، ذكره الشيخ في رجاله. وقال: أسند عنه((2)).

وذكره العامّة بكلّ تجليل. قال النسائي: «الأمناء على حديث رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) ثلاثة: شعبة بن الحجّاج...»((3)).

وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان من سادات أهل زمانه حفظاً وإتقاناً وورعاً وفضلاً، وهو أوّل من فتّش بالعراق عن أمر المحدِّثين، وجانب الضعفاء والمتروكين، حتّى صار عالماً يقتدى به((4)).

وعن يزيد بن زريع: قدم علينا شعبة البصرة، ورأيه رأي سوء خبيث - يعني:الترفض - فما زلنا به حتّى ترك قوله، ورجع وصار معنا((5)).

وأمّا أبو عمران الجوني: فهو عبد الملك بن حبيب، أبو عمران، الجوني، لم يرد فيه شي ء، وقد ذكره ابن حبّان في الثقات((6)) ، وابن سعد في الطبقة الثالثة، وقال: كان ثقة((7)).

ص: 130


1- - الثقات 9 : 50.
2- - رجال الطوسي: 224/3015.
3- - تذكرة الحفاظ 1 : 300.
4- - الثقات 6 : 446.
5- - تاريخ بغداد 9 : 261.
6- - الثقات 5 : 117.
7- - الطبقات الكبرى 7 : 238.

وأمّا عبد اللَّه بن الصامت: فهو ابن أخي أبي ذر (رحمه الله) ، وفي رواية الأعمش: أنّ الصادق (علیه السلام) قال: «إنّه من الذين لم يغيّروا ولم يبدّلوا بعد نبيّهم، وأنّ ولايتهم واجبة»((1)).

ووثقه جماعة من العامة((2)).

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أحدهما معتبر.

المستفاد من الباب

والمستفاد من الباب أمور:

منها: أنّه لا يكره السرور باطّلاع الناس على العمل إذا لم يقصد اطّلاعهم عليه.

ومنها: أنّ هذا السرور من الأمور الطبيعيّة في الإنسان.ومنها: أنّ هذا السرور لا يتعلّق به تكليف، ولا يتوجّه إليه نهي.

ومنها: أنّ اطّلاع الناس على العمل وحبّهم للعامل بشرى معجّلة للعامل إذا لم يقصد اطّلاعهم على عمله.

ص: 131


1- - الخصال: 607 ، ح 9.
2- - الثقات لابن حبان 5: 30، وتقريب التهذيب 1 : 502، والكاشف: 563، ومعرفة الثقات 2 : 38.

ص: 132

16 - باب جواز تحسين العبادة ليقتدى بالفاعل وللترغيب في المذهب

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

16 - باب جواز تحسين العبادة ليقتدى

بالفاعل وللترغيب في المذهب

جواز تحسین العبادة للاقتداء أو للترغیب اما استثناء أو أنه مختص بالفرائض

شرح الباب:

في روايات هذا الباب حثّ وترغيب للمؤمنين على تحسين أعمالهم؛ حتّى يكونوا دعاة لمذهب الحقّ بأعمالهم وأخلاقهم وورعهم. ولعلّ حكمة ذلك - كما يظهر من هذه الأحاديث وغيرها - إمّا جلب قلوب المخالفين إلى الإيمان، أو لأجل المداراة معهم؛ لدفع شرّهم، أو لأجل تأديب الشيعة بالأخلاق الحسنة والأوصاف الجميلة؛ ليمتازوا بها عن غيرهم حتّى يقال: رحم اللَّه جعفراً، ما كان أحسن ما أدّب به أصحابه.

كما ورد في رواية زيد الشحّام عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، أنّه قال: «يا زيد، خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا؛ فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريّة، رحم اللَّه جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريّة،فعل اللَّه بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه»((1)) .

ص: 133


1- - من لا يحضره الفقيه 1 : 383 ، ح 1128.

[170] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «كُونُوا دُعَاةً إِلَى أَنْفُسِكُمْ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ، وَكُونُوا زَيْناً، وَلا تَكُونُوا شَيْناً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وغير خفي أنّ الجواز في عنوان الباب هو بالمعنى الأعم - في مقابل المنع - الذي يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح. فهذا الباب إمّا استثناء لما يأتي من كراهة الاشتهار بالعبادة أو استحباب إخفائها، أو يقال باختصاصه بالفرائض والفضائل الأخلاقيّة، ولا يكون شاملاً للمستحبّات والنوافل.

[1] - فقه الحديث:

لهذا الحديث صدر وذيل، تركهما المصنف((2))، وهو من حيث الدلالة واضح.

ص: 134


1- الكافي 2 : 77، باب الورع، ح 9، وأورد قطعة منه في الحديث 4 من الباب 20 من أبواب مقدمة العبادات. وتمامه في الحديث 10 من الباب 21 من أبواب جهاد النفس.
2- - وتمام الحديث : سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول : «عليك بتقوى اللَّه ، والورع والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، وعليكم بطول الركوع والسجود، فإنّ أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويله أطاع وعصيت، وسجد وأبيت».

قوله (علیه السلام) : «كونوا دعاة إلى أنفسكم»، لابدّ فيه من تقدير مضاف، أي: إلى دينكم وعقائدكم التي أنتم عليها، لا إلى أنفسكم، وإلّا كان أمراً بالرّياء إن كان النفع دنيويّاً.

وقوله (علیه السلام) : «بغير ألسنتكم» أي: بجوارحكم وأعمالكم الصالحة الصادرة عنها؛ فإنّ الدعاء بالفعل أبلغ من الدعاء بالقول، وإن كان اللسان أيضاً داخلاً فيها من جهة الأعمال((1)

لا من جهة الدعوة الصريحة.

وقوله (علیه السلام) : «وكونوا زيناً» أي: زينة لنا بحسن أفعالكم؛ ليرغب من رأى عملكم وعبادتكم وورعكم في متابعة دينكم وموافقة اعتقادكم. «ولا تكونوا شيناً» أي: عيباً وعاراً علينا، بأن تتركوا الواجبات، وترتكبوا المحرّمات، فتنسبون إلى القبيح، مع أنّكم مضافون إلينا، فينسب القبيح بالتالي إلينا.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، ومن ضمنهم أبو أسامة وهو زيدالشحّام، قد تقدّم ذكرهم. وعليه فهذا السند صحيح.

ص: 135


1- - أي: من حيث الصدق والتأدّب في الكلام، وغيرهما.

[171] 2 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَجَّالِ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ؛ لِيَرَوْا مِنْكُمُ الْوَرَعَ وَالاجْتِهَادَ وَالصَّلاةَ وَالْخَيْرَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على مطلوبيّة الدعوة إلى المذهب الحقّ بغير اللسان من الأفعال الحسنة والمعاملة الطيّبة والعبادات والخيرات والورع عن المحارم والاجتهاد في الطاعات؛ فإنّ في ذلك دعوة الناس إلى مذهب الحقّ والصواب، وهو مذهب أهل البيت (علیهم السلام) . بمعنى أنّ ذلك يدعو الناس إلى متابعة مذهبكم والاقتداء بكم في تلك الأعمال الصالحة.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّم الكلام فيهم ما عدا الحجّال: وهو عبد اللَّه بن محمّد الأسدي الحجّال. قال النجاشي عنه: ثقة، ثقة ((2))، ووثّقه الشيخ فيأصحاب الرضا (علیه السلام) ((3)).

وعليه فهذا السند كسابقه صحيح.

ص: 136


1- الكافي 2 : 78، باب الورع، ح14، ويأتي في الحديث 13 من الباب 21 من أبواب جهاد النفس.
2- - رجال النجاشي: 226/595.
3- - رجال الطوسي: 360/5332.

[172] 3 - محمّد بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلاً مِنْ كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الرَّجُلُ يَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ، فَيُجَوِّدُ صَلاتَهُ وَيُحَسِّنُهَا؛ رَجَاءَ أَنْ يَسْتَجِرَّ(1) بَعْضَ مَنْ يَرَاهُ(2) إِلَى هَوَاهُ؟ قَالَ: «لَيْسَ هَذَا مِنَ الرِّيَاءِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

اسناد ابن إدریس إلی كتاب عبدالله بن بكیر

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث - من جهة الدلالة - أوضح من الحديثين السابقين على عنوان الباب؛ حيث إنّ الراوي يسأل الإمام (علیه السلام) عن الرجل الذي يحسّن صلاته حيث يراه الناس؛ لغرض جلب قلوبهم إلى الإيمان والولاية، فأجابه (علیه السلام) : بأنّ هذا ليس من الرّياء.

والظاهر أنّ ذكر الرجل والصلاة في السؤال من باب المثال، لا لخصوصيّة فيهما؛ ويدلّ على ذلك الحديثان المتقدّمان.سند الحديث:

محمّد بن أدريس، وعبد اللَّه بن بكير، وعبيد بن زرارة ثقات أجلّاء، قد تقدّمت ترجمتهم.

وأمّا طريق محمّد بن إدريس إلى كتاب عبد اللَّه بن بكير، فهو أيضاً

ص: 137


1- يستجر: يجتذب. (لسان العرب 4 : 125 مادة: «جرر»).
2- في المصدر: رآه.
3- السرائر 3 : 668، ما استطرفناه من كتاب عبدالله بن بكير.

معتبر؛ لوجوه:

الأوّل: أنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلى كتاب عبد اللَّه بن بكير((1))، وفيه أحمد بن محمّد بن عيسى، وله إليه طريق معتبر((2))، فيكون طريق الشيخ طريقاً لابن إدريس؛ لأنّه يروي جميع رواياته.

الثاني: أنّ للصدوق طريقاً معتبراً إلى عبد اللَّه بن بكير((3))، وما دام الشيخ يروي جميع روايات وكتب الشيخ الصدوق، فالشيخ أيضاً يكون له طريق معتبر إلى روايات عبد اللَّه بن بكير من طريق الصدوق، وابن إدريس يروي جميع كتب وروايات الشيخ، فيكون طريق الشيخ أيضاً طريقاً لابن إدريس.

الثالث: أنّ كتاب عبد اللَّه بن بكير كتاب معروف، ومشهور؛ لقول النجاشي: إنّه كثير الرواة((4)

فلا يحتاج إلى طريق. هذا بناءً على بقاء الكتابعلى شهرته إلى زمان محمّد بن إدريس، وأمّا مع الشك فلا يكون هذا الوجه معتبراً.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة.

المستفاد من الباب

والمستفاد منها أمور:

منها: جواز تحسين العبادة؛ لغرض الاقتداء بالعامل، وللترغيب في

ص: 138


1- - فهرست الطوسي: 173/461.
2- - المصدر نفسه: 69/75.
3- - من لا يحضره الفقيه 4 : 427، المشيخة.
4- - رجال النجاشي: 222/581.

المذهب الحق.

ومنها: أنّ هذا التحسين ليس داخلاً في باب الرياء.

ومنها: أنّ التحلّي بالورع والاجتهاد في العبادة وحسن الأفعال موجب لرغبة الرائي في متابعة الدين الحق وموافقة الاعتقاد بإمامة الأئمة (علیهم السلام) .

ص: 139

ص: 140

17 - باب استحباب العبادة في السر واختيارها على العبادة في العلانية إلاّ في الواجبات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

17 - باب استحباب العبادة في السرّ واختيارها على

العبادة في العلانية إلّا في الواجبات

شرح الباب:

لمّا كان الدين مبنيّاً على الإخلاص، وكلّما قرب العمل من الإخلاص ازدادت فضيلته وشرفه؛ لذا ورد ترجيح جانب السرّ في العبادة؛ لئلّا تكون في معرض الرّياء والسمعة، وحتّى ينقطع الطريق على الشيطان الموسوس في نفوس العباد؛ إذ إنّ في إخفاء العبادة ابتعاداً عن حبّ اطّلاع الناس عليها، وعدم الابتلاء بوساوس الشيطان المحرّكة نحو الرِّياء، والماحقة لإخلاص العبادة.

وهذا الإخفاء في العبادة ليس على إطلاقه؛ فإنّه غير محبَّذٍ في العبادات الواجبة؛ لأنّها بعيدة عن الرِّياء؛ باعتبار أنّ جميع الناس يفعلونها، كما سيأتي بيانه في أبواب الزكاة إن شاء اللَّه تعالى. وكذا إذا استلزم إخفاء بعض العبادات اتّهام الناس له بما يضرّ بمكانته بين الناس، كما إذا أخفى زكاته، وكان هذا الإخفاء موجباً لتهمته بعدم المواساة للفقراء، فإظهارها أفضل؛ لأنّه لا ينبغي أن يجعل عِرْضَه عُرْضة للتُّهم.

ص: 141

ولو تحقّق منه قصد متابعة الناس له في ذلك واقتدائهم به بالإظهار كان الإظهار أفضل؛ لما فيه من التحريض على نفع الفقراء.

الأقوال:

ذهب مشهور أصحابنا إلى استحباب العبادة في السرّ في المستحبّات دون الواجبات، كما عن «الحدائق»، بل عليه الإجماع، وفتوى الأصحاب في مواضع متفرّقة،كما عن «المعتبر»، ونسبه في «المنتهى» إلى علمائنا، مشعراً بالإجماع((1)).

أضف إلى ذلك نصوص الباب وغيرها، كما يأتي في الزكاة، وصدقة السرّ، واستحباب الدعاء سرّاً، وذكر اللَّه سرّاً، والتلاوة سرّاً، وصلاة النافلة، وغيرها ممّا يأتي.

وحكى العلامة في «المنتهى» عدم الخلاف بين المسلمين فيه((2)).

ص: 142


1- - المعتبر 2 : 112، ومنتهى المطلب1 : 542، ومجمع الفائدة والبرهان 2 : 145، وذخيرة المعاد 2 : 248، والحدائق الناضرة 22 : 274.
2- - منتهى المطلب 1 : 542.

[173] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ محمّد الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ مِنْ أَغْبَطِ أَوْلِيَائِي عِنْدِي عَبْداً مُؤْمِناً ذَا حَظٍّ مِنْ صَلاحٍ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَعَبَدَ اللَّهَ فِي السَّرِيرَةِ، وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ، فَلَمْ يُشَرْ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً، فَصَبَرَ عَلَيْهِ، فَعُجِّلَتْ بِهِ الْمَنِيَّةُ، فَقَلَّ تُرَاثُهُ، وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أغبط أولیاء اللّه

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أحقّ الناس بأن يحسد أو يغبط على ما يكتنفه من نِعم ويتمنّى الناس منزلته هو: الوليّ الذي حاز نصيباً حسناً وافراً من الصلاح، والذي أحسن عبادة ربّه كمّاً وكيفاً في السر، غائباً عن الناس؛ لأنّه أخلص وأبعد من الرِّياء. ولا يخفى ما فيه من الترغيب على العبادة في السرّ واختيارها وترجيحها على العبادة في العلانية.

ومثل هذا الوليّ يكون خامل الذكر، أو غير معروف الحسب، بحيث لا

ص: 143


1- الكافي 2 : 141، باب الكفاف ، ح 6، ويأتي في الحديث 1 من الباب 16 من أبواب النفقات من كتاب النكاح.
2- قرب الإسناد: 40.

تشير إليه الأصابع؛ لعدم معروفيّته لدى الناس؛ فقد قنع برزقه، ورضي منه بما يغنيه ويكفّه عن الناس، وصبر عليه، ولذا قلّ ما يتركه من إرث بعد موته، وقَلَّ مَن يبكي عليه؛ لخمول ذكره عند الناس.

وأمّا تعجيل المنيّة: فلأنّه من المصائب التي ترد عليه، وعلم اللَّه صلاحه في ذلك لخلاصه من أيدي الظلمة، أو بذله نفسه للَّه بالشهادة.

وقيل: إنّ المراد بعجلة منيّته: زهده في مشتهيات الدنيا، وعدم افتقاره إلى شي ء منها، وكأنّه ميّت، وقد ورد في الحديث المشهور: «موتوا قبل أن تموتوا»((1)).

وفيه أيضاً دلالة على الإذن في العزلة، ما لم تجب المعاشرة أو ترجّح؛ لجهة من الجهات.

سند الحديث:

أورد المصنف للحديث سندين:

أوّلهما: ما رواه محمّد بن يعقوب.

وقد تقدّم ترجمة من فيه غير أحمد بن إسحاق: وهو أحمد بن إسحاقبن عبد اللَّه بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري، أبو عليّ القمّي. قال عنه النجاشي: كان وافد القمّيين، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (علیهما السلام) ،

ص: 144


1- - ذكر هذا الحديث المولى هادي السبزواري في شرح الأسماء 1 : 148، 219، وج2 : 109. وهذا الحديث مشهور كما ذكر ذلك العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار 58 : 96. وقائل هذا المعنى هو الفيض الكاشاني في الوافي 4 : 411، ب54 ، ح1.

[174] 2 - وَعَنْهُ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ مِرْدَاسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَالْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ جَمِيعاً، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «يَا عَمَّارُ، الصَّدَقَةُ - وَاللَّهِ - فِي السِّرِّ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلانِيَةِ، وَكَذَلِكَ - وَاللَّهِ - الْعِبَادَةُ فِي السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْعَلانِيَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وكان خاصّة أبي محمد (علیه السلام) ((2)).

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: كبير القدر، وكان من خواصّ أبي محمد (علیه السلام) ، ورأى صاحب الزمان (علیه السلام) ، وهو شيخ القميين ووافدهم ((3)). وقال عنه في «الرجال»: قمي، ثقة ((4)) . وعليه فالسند معتبر.

وثانيهما: ما رواه الحميري في «قرب الإسناد»، عن أحمد بن إسحاق،وهو كسابقه في الاعتبار.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أفضليّة الصدقة في السرّ على الصدقة في العلانية،

ص: 145


1- الكافي 4 : 8، باب فضل صدقة السر، ح 2، ويأتي في الحديث 3 من الباب 13 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة، ورواه الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 2 : 67 ، ح 1736.
2- - رجال النجاشي: 91/225.
3- - فهرست الطوسي: 70/78.
4- - رجال الطوسي: 397/5817.

وعلى أفضليّة العبادة مطلقاً في السرّ على العبادة في العلن، وقد أكّد الإمام على ذلك بواسطة القسم؛ ليفيد المبالغة في الأفضليّة.

وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِیَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}((1)).

وقد روى الجمهور عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة، عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّه قال: «سبعة يظلُّهم اللَّه في ظلِّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه... ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»((2)).

تصحیح الحدیث الثالث بوجه آخر

سند الحديث:

فيه ممّن لم يذكر سابقاً: عليّ بن مرداس، وهو مهمل، لم يرد فيه شي ء.

ولكن يمكن تصحيح السند، فإنّ كتاب عمّار الساباطي، الثقة، مشهورومعروف، يرويه عنه جماعة((3)).

ص: 146


1- - البقرة، الآية 271.
2- - كتاب الموطأ 2 : 953.
3- - رجال النجاشي: 290/ 779.

[175] 3 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «وكَذَلِكَ - وَاللَّهِ - عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ، وَتَخَوُّفُكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَحَالِ الْهُدْنَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ إِمَامِ الْحَقِّ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ إِكْمَالِ الدِّينِ، عَنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيِّ، عَنْ حَيْدَرِ بْنِ محمّد وَجَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ مَسْعُودٍ جَمِيعاً، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، نَحْوَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

هذا المقدار الذي أورده المصنّف قطعة من حديث أورده الشيخ الكليني (رحمه الله) في «الكافي»، ونحن نورد أوّله ليتضح المراد منه:

عن عمّار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : أيّما أفضل، العبادة في السّر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: «يا عمّار، الصدقة في السرّ - واللَّه - أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك - واللَّه - عبادتكم في السرّمع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوّفكم من عدوّكم في دولة

ص: 147


1- الكافي 1 : 333، باب نادر في حال الغيبة، ح 2، وأورد قطعة منه في الحديث 4 من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
2- 2*) إكمال الدين: 645 ، ح 7.

الباطل وحال الهدنة أفضل ممّن يعبد اللَّه - عزَّوجلَّ ذِكْرُهُ - في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن((1))

في دولة الحقّ. واعلموا: أنّ من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستتر بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب اللَّه له خمسين صلاة فريضة في جماعة. ومن صلّى منكم صلاة فريضة وحده، مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب اللَّه عزّوجلّ بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة. ومن صلّى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمّها، كتب اللَّه له بها عشر صلوات نوافل. ومن عمل منكم حسنة كتب اللَّه عزّوجلّ له بها عشرين حسنة، ويضاعف اللَّه عزّوجلّ حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقيّة على دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة؛ إنّ اللَّه - عزّوجلّ - كريم ...أما واللَّه - يا عمّار - لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند اللَّه من كثير من شهداء بدر وأحد، فأبشروا»((2)).

فالحديث فيه إشارة إلى ما هو الأفضل من العبادة، وهل هي العبادة في زمان الإمام المستتر في دولة الباطل أو في زمان الإمام الظاهر في دولة الحق؟

ص: 148


1- - في إكمال الدين: «مع الأمن» بدل «والأمن».
2- - الكافي 1 : 333، باب نادر في حال الغيبة، ح2.

والمراد من الإمام المستتر: من لا يقدر على إظهار الدين كما ينبغي؛ خوفاً من الأعداء والظلمة، سواء كان ظاهراً بين الخلق، أو كان غائباً عنهم، فكلّ إمام إلى زمان ظهور صاحب الزمان مستتر بهذا المعنى، وهو في حال هدنة مع أعداء اللَّه، والعبادة في زمانه عبادة مع الخوف.

والمراد بالإمام الظاهر: من قدر على إظهار الدين كما ينبغي، وكان حكمه جارياً على الخلق، وهو صاحب الزمان بعد ظهوره، والعبادة في زمانه عبادة مع الأمن.

وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ؛ إذ الأولى فيها الابتلاء بالتقيّة من حكّام الجور، بخلاف الثانية، فإنّها حاوية على نعمة الأمان في ظلّ صاحب الزمان (علیه السلام) . ولمّا كانت الأولى أشقّ وأجهَد كانت أفضل. فليست العبادة مع الخوف على النفس والمال والعرض في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن من تلف النفس والمال والعرض في دولة الحقّ، بل الأولى أجزل ثواباً، وأكمل رتبة من الثانية. ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت درجات الخوف والأمن.

وعليه فالحديث جاء ليبيّن الأفضل من العبادتين بلحاظ التقيّة، واستتار الإمام وعدمها، وليس له تعرّض لبيان الأفضليّة بلحاظ إعلان العبادة وإسرارها، وإن لم يكن هناك تقيّة، وكان الإمام مستتراً.

والشاهد على هذا قوله (علیه السلام) : «من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستتر بها من عدوّه.... ومن صلّى منكم صلاة فريضة وحده،

ص: 149

مستتراً بها من عدوّه في وقتها.....حسنة. ويضاعف اللَّه عزّوجلّ حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقيّة على دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة؛ إنّ اللَّه عزّوجلّ كريم».

نعم، تشبيه الإمام (علیه السلام) هذا بالصدقة سرّاً والصدقة علانيةً ربّما يفيد ذلك، وأنّ العبادة سرّاً أفضل، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ ما تقدّم وإن كان هو الظاهر، إلّا أنّه (علیه السلام) لمّا لم يقل: «مثل العبادة مع الأمن»، كما قال: «مثل العبادة مع الخوف»، كان ذلك إشعاراً بأنّ الفضل بينهما إنّما هو باعتبار العبادة في نفسها، والخوف في نفسه، على أن يكون كلّ واحد منهما مستقلاًّ في الاتّصاف به، لا باعتبار مجموع الخوف والعبادة من حيث المجموع، حتّى يكون التفاضل بين العبادتين بلحاظ حال التقيّة واستتار الإمام وعدمهما.

وعلى هذا يكون الحديث دالاًّ على استحباب العبادة في السرّ، وأنّه ينبغي اختيار العبادة في السّر على العلانية؛ لأنّها أفضل.

سند الحديث:

أورد المصنّف للحديث سندين أيضاً:أوّلهما: مطابق لسند الحديث السابق تماماً، والكلام فيه كما في سابقه.

وثانيهما: ما رواه الصدوق في كتاب «إكمال الدين».

وفيه: المظفر بن جعفر العلوي: وهو من مشايخ الصدوق (رحمه الله) ، وقد

ص: 150

ترضّى عنه((1))، فهو ثقة.

وفيه أيضاً: حيدر بن محمد: وهو حيدر بن محمّد بن نعيم السمرقندي، قال عنه الشيخ في «الفهرست»: جليل القدر، فاضل، من غلمان محمّد بن مسعود العيّاشي، وقد روى جميع مصنفاته، وقرأها عليه، وروى ألف كتاب من كتب الشيعة بقراءة وإجازة، وهو يشارك محمّد بن مسعود في روايات كثيرة يتساويان فيها ((2)) .

وقال عنه في «رجاله» أيضاً: «عالم جليل، يكنّى أبا أحمد، يروي جميع مصنفات الشيعة وأصولهم عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي، وعن أبي عبد اللَّه الحسين بن أحمد بن إدريس القمّي، وعن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي، وعن أبيه، روى عن الكشّي عن العياشي جميع مصنفاته»((3)).

وفيه أيضاً: جعفر بن محمّد بن مسعود العيّاشي: قال عنه الشيخ في«الرجال»: «فاضل، روى عن أبيه جميع كتب أبيه. روى عنه أبو المفضّل الشيباني»((4)) .

وفيه أيضاً: أبوه، وهو محمّد بن مسعود العيّاشي: قال عنه النجاشي:

ص: 151


1- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 36، ح15، ومعاني الأخبار: 201.
2- - فهرست الطوسي:120/259.
3- - رجال الطوسي: 420/6073.
4- - رجال الطوسي: 418/6043.

«أبو النضر، المعروف بالعيّاشي، ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة»((1)).

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطّلع عليها، له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنَّف، ذكر فهرست كتبه ابن إسحاق النديم»((2)).

وقال عنه في «الرجال»: «أكثر أهل المشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ونُبْلاً في زمانه، صنَّف أكثر من مائتي مصنَّف، ذكرناها في الفهرست، وكان له مجلس للخاص، ومجلس للعام، رحمه اللَّه»((3)) .

وفيه أيضاً: القاسم بن هشام: وهو القاسم بن هشام اللؤلؤي. قال عنه الكشّي في «رجاله»: قال أبو عمرو: سألت أبا النضر محمّد بن مسعود عن جميع هؤلاء؟ فقال: ... وأمّا القاسم بن هشام: فقد رأيته فاضلاً خيّراً، وكانيروي عن الحسن بن محبوب ((4)).

وفيه الحسن بن محبوب، وقد تقدّم. و عليه فالسند معتبر.

مضافاً إلى أنّ للصدوق طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب، كما يظهر ذلك من الشيخ في «الفهرست»، حيث قال (رحمه الله) :

ص: 152


1- - رجال النجاشي: 350/944
2- - فهرست الطوسي: 212/604.
3- - رجال الطوسي: 440/6282.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 812/1014.

[176] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ مِنْ أَغْبَطِ أَوْلِيَائِي عِنْدِي رَجُلاً خَفِيفَ الْحَالِ، ذَا حَظٍّ مِنْ صَلاةٍ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ بِالْغَيْبِ، وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ، جُعِلَ رِزْقُهُ كَفَافاً، فَصَبَرَ عَلَيْهِ، عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ، فَقَلَّ تُرَاثُهُ، وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة

من أصحابنا، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن الهيثم بن أبي مسروق ومعاوية بن حكيموأحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب((2)). وعليه فلا إشكال في اعتبار السند.

[4] - فقه الحديث:

متن الحديث قريب من متن الحديث الأول من هذا الباب. وهو دالٌّ - كالأوّل - على الترغيب في العبادة في السرّ واختيارها وترجيحها على العبادة في العلانية، وأنّ من كان متّصفاً بهذه الأوصاف الخمسة، وهي: أن

ص: 153


1- الكافي 2 : 140، باب الكفاف، ح 1، وأورده في الحديث 1 من الباب 16 من أبواب النفقات من كتاب النكاح.
2- - فهرست الطوسي: 97/162.

يكون خفيف الحال - وفي بعض النسخ: حفيف، بالحاء، بمعنى: قليل المال - وكان صاحب نصيب حسن وافرٍ من الصلاة، فرضاً ونفلاً، كمّاً وكيفاً، وقد أحسن عبادة ربّه غائباً عن الناس - فإنّه أخلص وأبعد من الرّياء - وكان غامضاً في الناس، بمعنى أنه مغمور غير مشهور؛ إمّا للتقيّة؛ أو لأنه ليس طالباً للشهرة ورفعة الذكر بين الناس، وجُعِل رزقه كفافاً بقدر الحاجة، لا يزيد ولا ينقص، وبقدر ما يكفّه عن السؤال، فهو صابر وشاكر للَّه تعالى، وعُجِّلت منيّته من المصائب التي ترد عليه، وعلم اللَّه صلاحه في ذلك. ولعلَ المراد من الفقرة الأخيرة: أنّه مهما قرب موته قلّ تراثه، وقلّت بواكيه؛ لانسلاله متدرّجاً عن أمواله وأولاده، وقلّة البواكي لقلّة عياله وأولاده وغربته وعدم اشتهاره؛ أو لأنّه ليس له مال ينفق في تعزيته فيجتمع عليه الناس. فمثل هذا الوليّ أحق الناس بأن يحسد ويغبط على ما يكتنفه من نعمجليلة، فهو أغبط أولياء اللَّه تبارك وتعالى، بمعنى: أنّه أحسن حالاً وأعظم سروراً عنده.

سند الحديث:

في السند ممّن لم يتقدم ذكره نحو: عاصم بن حميد: قال عنه النجاشي: عاصم بن حميد، الحنّاط، الحنفي، أبو الفضل، مولى، كوفي، ثقة، عين، صدوق ((1)).

ص: 154


1- - رجال النجاشي: 301/821.

وفيه أيضاً: أبو عبيدة الحذّاء: قال عنه النجاشي: زياد بن عيسى، أبو عبيدة، الحذّاء، كوفي، ثقة... وقال سعد بن عبد اللَّه الأشعري: ومن أصحاب أبي جعفر أبو عبيدة، وهو زياد بن أبي رجاء، كوفي، ثقة، صحيح... . وقال العقيقي العلوي: أبو عبيدة، زياد الحذّاء، [و] كان حسن المنزلة عند آل محمد، وكان زامل أبا جعفر (علیه السلام) إلى مكة((1)).

والتعبير بغير واحد في الطريق لا يوجب الإرسال؛ لأن النفس تطمئنّ بوجود الثقة فيهم.

وعليه فالسند معتبر بلا إشكال.

ص: 155


1- - رجال النجاشي: 170/449.

[177] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا أَحْسَنَ مِنَ الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ، فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ، ثمّ يَتَنَحَّى حَيْثُ لا يَرَاهُ أَنِيسٌ، فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على حسن إسرار العبادة، وأدائها بعيداً عن أعين الناس، فيتنحّى بعبادته بحيث لا يراه أحد؛ لما في ذلك من البعد عن حبّ الاشتهار بالعبادة، وطلب المنزلة عند من يراه من الناس حال العبادة، فهو أقرب للإخلاص. وإسباغ الوضوء: إتمامه وإكماله، وذلك من خلال إتمامه على ما فرض اللَّه تعالى، وإكماله على ما سنّه رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله و سلم).

وهو دالّ أيضاً على استحباب إسباغ الوضوء.

سند الحديث:

جميع رجال الحديث قد تقدّموا فيما سبق، والسند معتبر.

ص: 156


1- الكافي 3 : 264، باب فضل الصلاة ، ح 2، ويأتي بتمامه في الحديث 2 من الباب 10 من أبواب السجود.

[178] 6 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ»، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : أَنَّ رَجُلاً وَفَدَ إِلَيْهِ(1) مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (علیه السلام) : «هَلْ فِي بِلادِكَ قَوْمٌ قَدْ شَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخَيْرِ لا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ فِي بِلادِكَ قَوْمٌ قَدْ شَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشَّرِّ لا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ فِي بِلادِكَ قَوْمٌ يَجْتَرِحُونَ السَّيِّئَاتِ وَيَكْتَسِبُونَ الْحَسَنَاتِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «تِلْكَ خِيَارُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ(صلی الله علیه و آله و سلم)(2)، النُّمْرُقَةُ(3) الْوُسْطَى، يَرْجِعُ إِلَيْهِمُ الْغَالِي، وَيَنْتَهِي إِلَيْهِمُ الْمُقَصِّرُ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أفضل الفرق - التي هي في حدّ الاعتدال - تلك التي تكتسب الحسنات، ولم تشهر نفسها بالخير رياءً، وكانت عبادتها في السرّ،وكذلك لم تشهر نفسها بارتكاب المعاصي، وإن كانت قد ترتكب

ص: 157


1- في المصدر: عن أبيه: «أنّ عليّاً (علیه السلام) وفد إليه رجل...».
2- في المصدر زيادة: تلك.
3- النمرقة: الوسادة، وأراد هنا مجازاً: المستند. (مجمع البحرين 5 : 242، مادة: «نمرق»).
4- أمالي الطوسي: 648، ح1345.

المعاصي أحياناً؛ لعدم العصمة، ولكن الحسنات تمحوها، فهم أفضل من الفرقة الأولى، مع أنّهم يرتكبون المعاصي ولو خفيةً، بل هم قد يقترفون بعض المعاصي بمقتضى عدم عصمتهم، ولكنّهم لا يتجاهرون بها، فحرمتهم محفوظة، فهم ليسوا كالفرقة الثالثة((1)) التي تتجاهر بفعلها للمعاصي، وبهذا أسقطت حرمتها بتجاهرها بمعصية اللَّه عزّوجلّ.

ولعلّ المراد من الفرقة الأولى: قوم من أرباب البدع والمرائين، شهروا أنفسهم بالخير، فلذا فضّل عليهم الفرقة الأخيرة. أو المراد: أنّ تلك أيضاً من الأخيار، إلّا أنّ الفرقة الأخيرة أفضل؛ لإخفائهم العبادة، فهم النمرقة الوسطى، والحدّ المطلوب الذي يرجع إليه من كان في طرف الإفراط أو التفريط، فإليهم يرجع الغالي، وهو من اشتهر بالعبادة والخيرات، أو من يقول في أهل البيت (علیهم السلام) ما لا يقولون في أنفسهم، كمن يدّعي فيهم النبّوة والألوهيّة.

ويلحق بهم المقصّر الذي اشتهر بالشرّ والمعاصي، أو المقصّر في تنزيلهم منازلهم التي رتّبهم اللَّه فيها.

والنمرقة - بضم النون والراء وكسرهما - : الوسادة، والنَّمَط: الطريقة من الطرائق، والجماعة من الناس أمرهم واحد، وأصله ضرب من البسط لهخمل رقيق.

وبه فسّره الإمام الباقر (علیه السلام) في حديث يصبّ في هذا المجرى؛ فقد ورد

ص: 158


1- - أي: الثالثة بحسب ترتيب الشرح، والثانية بترتيب الرواية.

عن عمرو بن سعيد بن بلال، قال: دخلت على أبي جعفر (علیه السلام) ونحن جماعة، فقال: «كونوا النُّمْرُقَةَ الوسطى، يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي. واعلموا - يا شيعة آل محمّد - ما بيننا وبين اللَّه من قرابة، ولا لنا على اللَّه حجة، ولا يتقرّب إلى اللَّه إلّا بالطاعة. من كان مطيعاً نفعته ولايَتُنا، ومن كان عاصياً لم تنفعه ولايَتُنا»، قال: ثمّ التفت إلينا وقال: «لا تَغْترّوا، ولا تَفْتُروا»، قلت: وما النُّمْرُقَةُ الوسطى ؟ قال: «ألا ترون أهلاً تأتون أن تجعلوا للنّمَط الأوسط فضله؟»((1)).

بمعنى أنّكم تأتون بيتاً فيه أنماط ونمارق وتتوجّهون إلى الوسط منها، وترون فضله على سائر الوسائد والبسط.

سند الحديث:

في السند ممّن لم يتقدّم ذكره وهو: يعقوب بن يوسف: وهو مشترك بين جماعة، ولكن المراد به هنا هو: يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي، الوارد في طريق الشيخ في «الفهرست» إلى كتاب زيد بن وهب فيخطب أمير المؤمنين (علیه السلام) على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها((2)

وذلك بقرينة الراوي عنه، وهو ابن عقدة. ولم يرد فيه شي ء.

نعم، وردت له روايات تدلّ على حسن عقيدته، ولكنّها لا تدلّ على وثاقته.

ص: 159


1- - مشكاة الأنوار 1 : 133، ومستدرك الوسائل 11 : 257، ب18 (وجوب طاعة الله)، ح12922.
2- - الفهرست: 130/301.

وفيه أيضاً الحُصَيْن بن مخارق: وهو أبو جُنادة. قال عنه النجاشي: حصين بن المخارق بن عبد الرحمن بن ورقاء بن حُبْشِي بن جنادة، أبو جنادة، السَّلُولي، وحبشي صاحب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، روى عنه ثلاثة أحاديث: أحدها: «عليٌّ منّي وأنا منه». وقيل في حُصَيْن بعض القول وضعّف بعض التضعيف((1)) .

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وقال: إنّه واقفي((2)).

وقال العلامة في «الخلاصة»: قال ابن الغضائري: إنّه ضعيف. ونقل هو عن ابن عقدة أنّه كان - يعني حُصيناً - يضع الحديث، وهو من الزيديّة، لكن حديثه يجي ء في حديث أصحابنا، يشير إلى ابن عقدة((3)).

ص: 160


1- - رجال النجاشي: 145/376.
2- - رجال الطوسي: 335/4993، ولا يخفى اتحاده مع الحسين بن مخارق كما ذكر السيد الخوئي (قدس سره) .
3- - خلاصةالأقوال: 342، وفيه: «الحضين» بدل «الحصين».

[179] 7 - وَعَنْهُ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْعَلَوِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ الْمُكَتِّبِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد الْكُوفِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ شَهَرَ نَفْسَهُ بِالْعِبَادَةِ فَاتَّهِمُوهُ عَلَى دِينِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ شُهْرَةَ الْعِبَادَةِ وَشُهْرَةَ اللِّبَاسِ»(1)، ثمّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا فَرَضَ عَلَى النَّاسِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مَنْ أَتَى بِهَا لَمْ يَسْأَلْهُ اللَّهُ عَمَّا سِوَاهَا. وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) مِثْلَيْهَا؛ لِيَتِمَّ بِالنَّوَافِلِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ النُّقْصَانِ. وَإِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ عَلَى كَثْرَةِ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، وَلَكِنَّهُ يُعَذِّبُ عَلَى خِلافِ السُّنَّةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على كراهية اللَّه سبحانه وتعالى شهرة العابد بالعبادة، أو شهرته بلباس معيّن غير متعارف بين أمثاله، إذا كان من قصده أن يشتهر بالعبادة رياءً وسمعة، وكان يسعى للحصول عليها، بل هو متّهم على دينه.

وأمّا إذا لم يعبد اللَّه عزّوجلّ بهذا القصد، وكانت عبادته خالصة لوجه اللَّه تعالى، فإنّ هذا الحديث منصرف عن مثله، بل إنّ اشتهاره بالعبادة لا بّد منه؛إذ إنّ اللَّه تبارك وتعالى يظهر عبادة العابد المخلص، وإن أخفاها ولم يشهر

ص: 161


1- في المصدر: الناس.
2- أمالي الطوسي : 649، ح1348.

هو نفسَه بها، كما دلّت عليه الأحاديث السابقة وغيرها.

ويدلّ الحديث أيضاً على أنّ من أتى بالفرائض لم يسأله اللَّه عزّوجلّ عن النوافل؛ فإنّه سبحانه قد فرض على الناس سبع عشرة ركعة، لكن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) أضاف إليها مثليها؛ ليتمّ بها ما ينقص منها بسبب عدم حضور القلب والسهو وغيره، فيكون ما يأتي به ممّا شرّعه رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) تتميماً للفرائض.

وأمّا بالنسبة إلى كثرة الصلاة والصيام، فهي مندوب إليها، ولا يعذّب اللَّه عليها؛ فإنّ الصلاة خير موضوع، والصيام له جلّ شأنه، وهو يثيب صاحبه عليه.

وإنّما يعذّب اللَّه جلّ شأنه على ما كان خلاف السنّة، أي: على تبديلها، بأن يزيد عليها أو ينقص منها، معتقداً أنّ العمل بهذه الكيفية وهذا العدد في تلك الأوقات مطلوب بخصوصه، كصلاة الضحى وأمثالها من البدع.

وقد ورد في رواية أخرى: أنّه لمّا سأل الراوي عن صلاة رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) وبيّن له الإمام ذلك، قال: جعلت فداك، فإن كنت أقوى على أكثر من هذا، أيعذّبني اللَّه على كثرة الصلاة؟ فقال: «لا، ولكن يعذّب على ترك السنّة»((1)). والمراد بها أيضاً نحو ما ذكرناه؛ فإنّ السنّة يراد بها الطريقة المستمرّة للنبيوالأئمة (علیهم السلام) ، وهي أعمّ من الوجوب والاستحباب. والعذاب على ترك الواجب ظاهر، وأمّا على ترك المستحب: فهو مخصوص بما كان الترك على

ص: 162


1- - تهذيب الأحكام 2 : 4، باب المسنون من الصلوات، ح4.

نحو التهاون والاستخفاف، ولا يكاد ينفكّ الترك له - لغير عذر ، مع المداومة عليه - عن الاستخفاف والتهاون.

سند الحديث:

وفيه: عليّ بن محمّد العلوي: وهو أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ بن القاسم العلوي، لم يرد فيه شيء.

وفيه: محمّد بن أحمد المكتّب: وهو السناني، من مشايخ الصدوق (رحمه الله) ، وقد تقدّم.

وأحمد بن محمّد الكوفي: وهو مشترك بين ابن عقدة وبين أحمد بن محمّد بن عاصم، المعروف بالعاصمي، وكلاهما من مشايخ الكليني (رحمه الله) ، وهما ثقتان؛ فإنّ ابن عقدة هو أحمد بن محمّد بن سعيد، يعرف بابن عقدة الهمداني، وقد تقدّمت ترجمته.

وأمّا أحمد بن محمّد بن عاصم: فقد قال عنه النجاشي: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة، أبو عبد اللَّه، وهو ابن أخي أبي الحسن عليّ بن عاصم، المحدِّث، يقال له: العاصمي، كان ثقة في الحديث، سالماً خيّراً،أصله كوفيّ، وسكن بغداد، روى عن الشيوخ الكوفييّن، له كتب»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «أحمد بن محمّد بن عاصم، أبو عبد اللَّه، وهو ابن أخي عليّ بن عاصم، المحدِّث، ويقال له: العاصمي، ثقة في

ص: 163


1- - رجال النجاشي: 93/232.

الحديث، سالم الجنبة، أصله الكوفة، سكن بغداد، وروى عن شيوخ الكوفيّين»((1)).

وفيه أيضاً عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال: قال عنه النجاشي: «علي بن الحسن بن عليّ بن فضّال بن عمر بن أيمن، مولى عِكْرِمَة بن ربْعِي، الفيّاض، أبو الحسن، كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئاً كثيراً، ولم يعثر له على زلّة فيه، ولا ما يشينه، وقلّ ما روى عن ضعيف، وكان فطحيّاً، ولم يرو عن أبيه شيئاً»((2))، ويظهر من كلامه: أنّ رواية الأجلّاء لا تدلّ على الوثاقة.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «علي بن الحسن بن فضّال، فطحيّ المذهب، ثقة، كوفي، كثير العلم، واسع الرواية والأخبار، جيّد التصانيف، غير معاند، وكان قريب الأمر إلى أصحابنا الإماميّة القائلين بالاثني عشر،وكتبه في الفقه مستوفاة في الأخبار حسنة، وقيل: إنّها ثلاثون كتاباً»((3)).

وعدّه الكشّي من أجلاء الفطحية المنتمين إلى أصحابنا((4)).

وقال في موضع آخر: «قال أبو عمرو: سألت أبا النضر محمّد بن مسعود عن جميع هؤلاء؟ فقال: أمّا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، فما رأيت

ص: 164


1- - فهرست الطوسي: 73/85.
2- - رجال النجاشي: 257/676.
3- - فهرست الطوسي: 156/391.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 635/639 .

[180] 8 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): أَعْظَمُ الْعِبَادَةِ أَجْراً أَخْفَاهَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فيمن لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل من عليّ بن الحسن بالكوفة، ولم يكن كتاب عن الأئمة (علیهم السلام) من كلّ صنف إلّا وقد كان عنده، وكان أحفظ الناس، غير أنّه كان فطحيّاً، يقول بعبد اللَّه بن جعفر، ثمّ بأبي الحسن موسى (علیه السلام) ، وكان من الثقات»((2)).

وعليه فالسند غير معتبر لأجل وجود عليّ بن محمّد العلوي، إلّا أن يقال: إن للشيخ طريقاً إلى جميع روايات ابن فضّال وكتبه، كما ستعرف ذلك في خلال المباحث الآتية. وبناء على ذلك فالسند معتبر.

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ العبادة التي تخفى أعظم أجراً من التي تعلن؛ لما تقدّم من بعدها عن الرِّياء وشبهه، وقرب صاحبها من الإخلاص، فتكون أعظم أجراً من العبادة المعلنة، والتي تكون في معرض ما يشينها من رياء أو سمعة أو إدلال أو عجب.

ص: 165


1- قرب الإسناد: 135.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 812/1014 .

[181] 9 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ قَالَ: «الاشْتِهَارُ بِالْعِبَادَةِ رِيبَةٌ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أيّوب بْنِ نُوحٍ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) (2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّموا فيما سبق، والسند معتبر.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الاشتهار بالعبادة موجب للشكّ في أنّ تلك العبادة التي اشتهر بها وقعت رياء أو لا. فينبغي إخفاء العبادة وسترها، وإن كان العابد بين الناس، أو يوقعها في السرّ والخلوة، بحيث لا يطّلع عليه إلّا اللَّه تعالى؛ لكي لا يكون في معرض الوقوع في الريبة والشك بأنّه مراءٍ بعبادته.

وتتمة الحديث: «إنّ أبي حدّثني عن أبيه، عن جدّه (علیهم السلام) : أنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)قال: أعبد الناس من أقام الفرائض، وأسخى الناس من أدّى

ص: 166


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 394، ح 5840 .
2- معاني الأخبار: 195 باب معنى الغايات ، ح 1.

وَرَوَاهُ فِي الْمَجَالِسِ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ السِّنَانِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ(1).

أَقُولُ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ مِنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(2).

-----------------------------------------------------------------------------

زكاة ماله، وأزهد الناس من اجتنب الحرام، وأتقى الناس من قال الحقّ فيما له وعليه...»((3)).

سند الحديث:

أورد المصنف للحديث ثلاثة أسانيد:

الأوّل: ما عن الصدوق بإسناده، عن يونس بن ظبيان.

ولم يذكر في «المشيخة» سنده إلى يونس بن ظبيان. وعليه فسنده

ص: 167


1- أمالي الصدوق: 72 ، ح 41.
2- يأتي في: أ - الباب 22 من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة. ب - الباب 13 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
3- - من لا يحضره الفقيه 4 : 394 ، ح 5840، والسرائر 3 : 623.

مجهول. ولعلّ سنده هو السند الثالث عن «المجالس».

والثاني: ما رواه أيضاً في «معاني الأخبار»، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار.

وفي السند: أيّوب بن نوح: قال عنه النجاشي: «أيوب بن نوح بن درّاج، النخعي، أبو الحسين، كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمد (علیهما السلام) ، عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته، وأبوه نوح بن درّاج كان قاضياً بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد، وأخوه جميل بن درّاج»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «أيوب بن نوح بن درّاج، ثقة، له كتابوروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث (علیه السلام) ، أخبرنا بها عدّة من أصحابنا»((2)).

ووثّقه أيضاً في «الرجال» في أصحاب كلّ من الإمام الرضا والجواد والهادي (علیهم السلام) ((3)).

وقد نقل الكشّي عن أبي عمرو: أنّه من العدول، والثقات من أهل العلم((4)). كما روى عن أبي محمّد الرازي خبراً عن الناحية المقدّسة (علیه السلام)

ص: 168


1- - رجال النجاشي: 102/254.
2- - فهرست الطوسي: 56/59.
3- - رجال الطوسي: 352/5214، و373/5524، و383/5642.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979 .

جاء فيه: «الغائب العليل ثقة، وأيّوب بن نوح وإبراهيم بن محمّد الهمداني وأحمد بن حمزة وأحمد بن إسحاق ثقات جميعاً»((1)) .

وورد في «نوادر الحكمة»((2)).

وفي السند أيضاً: سيف بن عميرة: قال عنه النجاشي: «سيف بن عميرة، النخعي، عربي، كوفي، [ثقة]، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) . له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا»((3)).وقال الشيخ في «الفهرست»: «سيف بن عَمِيرة، ثقة، كوفي نخعي عربي، له كتاب، أخبرنا به عدّة من أصحابنا»((4)).

وقال ابن شهر آشوب: «ثقة، من أصحاب الكاظم (علیه السلام) »((5)).

وورد في «التفسير» و«النوادر»، كما روى عنه المشايخ الثقات((6)).

وأمّا سائر الأفراد في السند، فتقدّمت ترجمتهم.

وعليه فهذا السند صحيح.

والثالث: ما رواه أيضاً في «المجالس»، عن محمّد بن أحمد السناني.

ص: 169


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 831/1053.
2- - أصول علم الرجال 1 : 214 .
3- - رجال النجاشي: 189/504.
4- - فهرست الطوسي: 140/333.
5- - معالم العلماء: 56/377.
6- - أصول علم الرجال 1 : 224 ، 281، و 2 : 195 .

وفيه: محمّد بن أبي عبد اللَّه الكوفي: وهو محمّد بن جعفر الأسدي، الثقة، أحد الأبواب للناحية المقدّسة، وقد تقدّم بعنوان محمّد بن جعفر الأسدي في الحديث السابع عشر من الباب الثاني.

وأمّا موسى بن عمران النخعي: فقد تقدّم أنّه لم يرد فيه شي ء، في السند المشار إليه نفسه.

والحسين بن يزيد، هو النوفلي، وقد تقدّم مع باقي السند.

والحاصل: أنّ هذا الباب يشتمل على تسعة أحاديث، اثنان ضعيفان، والبقيّة معتبرة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: أنّ أغبط الأولياء عند اللَّه سبحانه هو الذي يعبده عبادة حسنة في السر.

ومنها: أنّ الصدقة في السر أفضل من الصدقة في العلانية.

ومنها: أنّ العبادة في السر أفضل من العبادة في العلانية.

ومنها: أنّ العبادة في السر مع الإمام المستتر في دولة الباطل أفضل منها مع الإمام المبسوط اليد.

ومنها: الإذن في جواز العزلة عن الناس، ما لم تجب المعاشرة أو تستحب.

ومنها: أنّ النمرقة الوسطى هم خيار هذه الأمة.

ص: 170

ومنها: أنّ أعظم العبادة أجراً أخفاها.

ومنها: أنّ المشتهر بالعبادة عُدّ غالياً.

ومنها: أنّ المشتهر بالشرّ عُدّ مقصّراً.

ومنها: أنّ الشهرة في العبادة موجبة للتهمة في الدين.

ومنها: أنّ الاشتهار بالعبادة واللباس بقصد الاشتهار بهما مكروه عند اللَّه سبحانه وتعالى.

ومنها: أنّ الاشتهار بالعبادة موجب للريبة والشك.

ص: 171

ص: 172

18 - باب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع، روي له ثواب عنهم (علیهم السلام)

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

18 - باب استحباب الإتيان بكلّ عمل مشروع، روي

له ثواب عنهم (علیهم السلام)

شرح الباب:

بیان قاعدة التسامح

عنوان الباب إشارة إلى القاعدة المعروفة بين فقهائنا رضوان اللَّه عليهم، وهي قاعدة التسامح في أدلّة المستحبّات والمكروهات، التي مفادها على المشهور: ترتّب الثواب على العمل الّذي بلغه أنّ فيه الثواب، وإن لم يكن صادراً في الواقع عنهم (علیهم السلام) .

ولا شكّ أنّ ترتّب الثواب على عمل دليل على استحبابه، والمثبت لهذا الاستحباب هو عنوان البلوغ الطارئ بالخبر الضعيف، فيكون عنوان البلوغ من قبيل سائر العناوين الطارئة على الأفعال الموجبة لحسنها وقبحها ولتغيّر أحكامها، كعنوان العسر والضرر والنذر والإكراه، وغير ذلك من العناوين الثانويّة.

وعلى أساس هذه القاعدة أفتى المشهور باستحباب كثير من الأحكام الشرعيّة في أبواب الفقه المختلفة، مع عدم ورود نصّ خاصّ معتبر فيها، ومع عدم انطباق عمومات أو مطلقات على تلك الأحكام.

ص: 173

ولكن يظهر من قوله (قدس سره) : «بكل عمل مشروع» أنّ العمل لابدّ وأن يكون مشروعاً قبل بلوغ الثواب عليه، لا أنّه تثبت شرعيّته ببلوغ الثواب. فصاحب «الوسائل» (قدس سره) لا يرى دلالة روايات الباب على إثبات الاستحباب للعمل، بل لابدّ من العلم بالمشروعيّة والاستحباب من طريق معتمد، وإنّما يثبت بالخبر الضعيف ترتّب الثواب أو مقداره، لا غير ،كما صّرح بذلك((1)).

الأقوال:

والأحاديث التي ذكرت في هذا الباب قد اتفق على نقلها كلا الفريقين((2)

وانعقد عليها إجماعهم، بل قد تجاوزت بكثرتها حدّ التواتر المعنوي.

أمّا الخاصة: فقد قال الشيخ الأنصاري (قدس سره) : «إنّ هذه الأخبار مستفيضة، لا يبعد دعوى تواترها معنىً».

وقال أيضاً: «إنّ هذه الأخبار - مع صحّة بعضها - غنيّة عن ملاحظة سندها؛ لتعاضدها وتلقّيها بالقبول بين الفحول»((3)) .

وقال الشهيد (قدس سره) في «الذكرى»: «أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند

ص: 174


1- - الفصول المهمة في أصول الأئمّة 1 : 617.
2- - انظر: مجمع الزوائد1: 149، وكنز العمّال15: 791، وتاريخ بغداد 8 :292، والكامل2: 59، ومسند أبي يعلى6: 163.
3- - رسائل فقهية: 142 - 143 .

أهل العلم»((1)) بما لا يتسامح في غيرها، وظاهر قوله عند أهل العلم»: الخاصّة والعامّة معاً.

وفي «عدّة الداعي» - بعد نقله الروايات المتعلّقة بما نحن فيه - قال: «فصار هذا المعنى مجمعاً عليه بين الفريقين»((2)).

وعن الشهيد الثاني (قدس سره) في «الدراية» أنّه قال: «جوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في صفات اللَّه المتعال وأحكام الحلال والحرام، وهو حسن، حيث لم يبلغ الضعيف حدّ الوضع والاختلاق؛ لما اشتهر بين العلماء المحقّقين من التساهل في أدلّة السنن، وليس في المواعظ والقصص غير محض الخبر؛ ولما ورد عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) من طرق الخاصة والعامة، أنّه قال: «من بلغه عن اللَّه تعالى فضيلة فأخذها وعمل بما فيها؛ إيماناً باللَّه، ورجاء ثوابه، أعطاه اللَّه تعالى ذلك، وإن لم يكن كذلك»((3)).

وعن الشيخ البهائي (رحمه الله) في «أربعينه» نسبته إلى فقهائنا((4)). وعن العلّامة المجلسي في «البحار» - بعد نقله رواية هشام بن سالم - قال: «إنّ هذا الخبرمن المشهورات، رواه العامة والخاصة بأسانيد»((5)).

ص: 175


1- - ذكرى الشيعة 2 : 34 .
2- - عدّة الداعي: 10.
3- - الرعاية في علم الدراية: 94، ونقله عن العامة في مقدمة عدّة الداعي: 9.
4- - الأربعون حديثاً: 196.
5- - بحار الأنوار 2 : 256.

نعم، خالف في ذلك العلامة في «المنتهى»((1))، ونُسِب الخلاف أيضاً إلى بعض الأخباريين، كصاحب «الحدائق» (رحمه الله) ((2))، وصاحب «المدارك»((3))، بل يظهر ذلك من الشيخ الصدوق (رحمه الله) وشيخه ابن الوليد في كتاب الصوم من «الفقيه»، قال: «وأمّا خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه، فإنّ شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد لم يصحّحه، ويقول: إنّه من طريق محمّد بن موسى الهمداني، وكان كذاباً غير ثقة. وكل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح»((4)).

ولكن حكي رجوع العلامة((5)) عمّا ذكره، وكذلك رجوع صاحب«المدارك» في باب الصلاة((6)) عمّا ذكره في أوّل الطهارة، كما أفاده الصدر في «شرح الوجيزة»((7)).

ص: 176


1- - حكاه عنه في مفاتيح الأصول: 345.
2- - الحدائق 4 : 197 - 198 والدرر النجفية 3 : 171 وما بعدها.
3- - المدارك 1 : 13.
4- - من لا يحضره الفقيه 2 : 90، ح1817.
5- - حكاه عنه أيضاً في مفاتيح الأصول: 346، ولا يبعد كونه متردداً فيه. (انظر: الغنائم 3 : 204، في مسألة استحباب إعادة المنفرد صلاته إذا وجد جماعة، والجواهر 6 : 236، و ج2 : 343 في مسألة صلاة المربية بالثوب النجس، وفي كراهة الاستعانة في الوضوء، ومفتاح الكرامة 4 : 249، في مسألة استحباب جعل شيء من تربة الحسين (علیه السلام) مع الميت).
6- - انظر: المدارك 3 : 238.
7- - نهاية الدراية في شرح الوجيزة: 286.

وأمّا ما ذكره الشيخ الصدوق (رحمه الله) من عدم تصحيحه الخبر، فلا دلالة فيه على عدم عمله بقاعدة التسامح، بل إنّما هو من جهة التزامه في أوّل «الفقيه» بذكر الأخبار الصحاح. وبما أنّ هذا الطريق قد وقع فيه محمّد بن موسى الهمداني - وهو ضعيف - أشكل الحكم بصحتّه من هذه الجهة خاصة.

وأمّا ما نسب إلى بعض الأخباريين، فهو مجرّد نسبة، لم نعرف قائلاً صريحاً به. ومن هنا يظهر ممّا ذكرنا: بأنّا لا نعلم مخالفاً من الطائفة في ذلك.

وأمّا العامة: فقد عملوا بمفاد هذه الأحاديث أيضاً.

قال محيي الدين النووي: وقد سبق مرّات: أنّ العلماء متّفقون على التسامح في الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، ونحوها ممّا ليس من الأحكام، واللَّه أعلم((1)).

وقال الحطّاب الرعيني في «مواهب الجليل»: اشتهر أنّ أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعيف، ما لم تكن موضوعة ((2)).

وروى الحاكم والخطيب عن أحمد بن حنبل، قال: إذا روينا عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدّدنا في الأسانيد. وإذا روينا عن النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد ((3)) .

ص: 177


1- - المجموع 8 : 261.
2- - مواهب الجليل 3 : 320.
3- - الكفاية في علم الرواية 1 : 399/374، والمدخل في أصول الحديث: 147 ، 148 .

[182] 1 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ بَابَوَيْهِ فِي كِتَابِ «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى (شَيْ ءٍ مِنَ الْخَيْرِ)(1) فَعَمِلَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ، (وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) لَمْ يَقُلْهُ)(2)»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وروى الخطيب أيضاً عن محمّد بن نعيم، قال: «سمعت أبا زكريّا العنبريّ يقول: الخبر إذا ورد لم يحرّم حلالاً، ولم يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيبٍ أو ترهيبٍ أو تشديدٍ أو ترخيصٍ، وجب الإغماض عنه والتساهل في روايته»((4)).

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على حصول الأجر والثواب للآتي بالعمل بمجرّد بلوغ الخبر، وإن لم يكن صادراً من النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بحسب الواقع. ولا يتوهم وجود الفرق بين أن يكون البلوغ عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وبين أن يكون عن بقيّة المعصومين الأربعة عشر (علیهم السلام) ؛ إذ هم (علیهم السلام) نور واحد، وحديثهم هو حديث

ص: 178


1- في المصدر: خير.
2- وفي نسخة: وإن لم يكن على ما بلغه. (منه (قدس سره) ).
3- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 132 ، ح 1.
4- - المصدر نفسه.

رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم). وترتّب الثواب للعامل في هذا الحديث يقتضي رجحان الإتيان بذلك الفعل. ويفهم من قوله (علیه السلام) «على شيء من الخير»: أنّ الشيء البالغ معلوم الخيرية، وكأنه عبارة أخرى عن كونه مشروعاً. وهذا كافٍ في إثبات استحباب كلّ ما ورد فيه رواية، ولو لم تكن جامعة لشرائط الحجّية. وهناك احتمالات أخرى، بل أقوال في معنى هذا الحديث وغيره، سيأتي ذكرها عن قريب.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدموا فيما سبق. والسند غير معتبر لأجل عليّ بن موسى الكمنداني. إلّا أن يقال بأن كتاب صفوان بن مهران مشهور؛ فإن النجاشي ذكر أنه «يرويه جماعة»((1)) ، فلا يضرّ حينئذ ضعف الطريق بالكمنداني.

ص: 179


1- - رجال النجاشي: 198/ 525.

[183] 2 - وَفِي «عُيُونِ الأَخْبَارِ»، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ محمّد بْنِ عُبْدُوسٍ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}(1)، قَالَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ بِإِيمَانِهِ فِي الدُّنْيَا إِلَى جَنَّتِهِ وَدَارِ كَرَامَتِهِ فِي الآخِرَةِ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلتَّسْلِيمِ للَّهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ، وَالسُّكُونِ إِلَى مَا وَعَدَهُ مِنْ ثَوَابِهِ، حتّى يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

الشرح هو: التوسعة، ويعبّر عن السرور بسعة القلب وشرحه((3)). ومعنى صدر الحديث: أنّ من يرد اللَّه أن يهديه في الآخرة إلى طريق الجنّة، وفي الدنيا إلى طريق الخيرات، يوسّع صدره في الدنيا للإسلام. وهذا كناية عن جعل القلب قابلاً للحقّ، مهيّئاً لحلوله فيه، بحيث يسع ما يصادفه من المعارف الحقّة، والأعمال الصالحة، فلا يلقى إليه قول حقّ إلّا وعاه، ولا عمل صالح إلّا أخذ به، وهذا هو التسليم للَّه سبحانه والانقياد لأمره.والتسليم للَّه سبحانه يستتبع الاعتماد عليه، والسكون إلى وعده لأهل الإيمان

ص: 180


1- الأنعام، الآية 125.
2- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 120، ح27.
3- - مجمع البحرين 2 : 495 ، مادة: «شرح».

بعظيم الثواب وجزيل الأجر يوم يقوم الحساب. والظاهر أنّ سياق هذا الحديث أجنبيّ عن قول المشهور، وإن كان موافقاً لعنوان الباب؛ لأنّ الاطمئنان بوعد اللَّه وثوابه إنّما يكون بعد الفراغ عن وعد اللَّه وثوابه. وعليه فهو خارج عمّا نحن فيه.

اللهم إلّا أن يقال: إن قوله (علیه السلام) «والسكون إلى ما وعده من ثوابه» مطلق يشمل ما إذا كان الوعد بالثواب واصلاً للعبد عن طريق معتبر، وما إذا كان واصلاً له عن طريق غير معتبر، وحينئذ يكون السكون والاطمئنان بوعد الله تعالى بالثواب بعد صدوره - ولو بطريق غير معتبر - موجباً للشوق لتحصيل ما وعده الله من الثواب على العمل.

بیان أن الحدیث أجنبي عن قول المشهور

سند الحديث:

فيه: عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس: هو النيسابوري، العطّار، من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه في «المشيخة»، وقال بعد رواية عنه: وحديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس رضي اللَّه عنه عندي أصح، ولا قوّة إلّا باللَّه ((1)). وعليه فيكون ثقة.

وأمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة: فقد تقدّم أنّه ثقة على الأقوى.

وأمّا حمدان بن سليمان: فقد ذكره النجاشي قائلاً: «حمدان بن سليمان،أبو سعيد، النيشابوري، ثقة، من وجوه أصحابنا»((2)).

وعليه فالسند معتبر.

ص: 181


1- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 135، ب35، ح2.
2- - رجال النجاشي: 138/357.

[184] 3 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) شَيْ ءٌ مِنَ الثَّوَابِ فَعَمِلَهُ كَانَ أَجْرُ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) لَمْ يَقُلْهُ»(1).

[185] 4 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) شَيْ ءٌ مِنَ(2) الثَّوَابِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ؛ طَلَبَ قَوْلِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، كَانَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله و سلم) لَمْ يَقُلْهُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذا الحديث وإن كان من حيث السند تاماً، إلّا أنّه قاصر الدلالة، كما لا يخفى.

إن الحديث مقيّد لسائر الروایات

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث كالحديث الأول في الدلالة. ورجال السند قد تقدّم الكلامحولهم. فالسند صحيح.

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث مقيّد لسائر الأحاديث المطلقة في هذا الباب؛ حيث ورد

ص: 182


1- المحاسن 1 : 93 ، ح 53.
2- 2*) في المصدر: فيه.
3- 3*) المحاسن 1 : 93 ، ح 1.

فيه قيد زائد، وهو إتيان العمل بداعي طلب قول النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، فيدلّ على أنّ الأجر والثواب مترتّبان على العمل المأتيّ به بداعي امتثال قوله(صلی الله علیه و آله و سلم). ولذلك حمله بعضهم((1)) على الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد في مورد بلوغ الثواب، وإن لم يكن الأمر كما بلغه، من دون نظر له إلى إثبات استحباب أصل العمل، كما ذهب إليه المشهور.

وهذا الحديث هو عمدة المستند في ميل الشيخ الأعظم((2)) والمحقق العراقي((3))

والسيد الأستاذ((4))عجل الله تعالی فرجه الشریف إلى أنّه لا يستفاد من أخبار هذا الباب أكثر من الثواب الانقيادي. ويأتي الكلام في ذلك، إن شاء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

رجال الحديث ثقات، قد تقدّم ذكرهم، سوى أحمد بن النضر: الذي قالالنجاشي عنه: أحمد بن النضر الخزّاز، كوفي، ثقة، له كتاب يرويه جماعة ((5)) .

وقد ورد في «تفسير القمي» و«نوادر الحكمة»((6)).

وعليه فالسند معتبر.

ص: 183


1- - راجع الصفحة: 193 عند شرح الحديث 190 من هذا الباب.
2- - فرائد الأصول 2 : 155.
3- - نهاية الأفكار 3 : 279.
4- - مصباح الأصول (موسوعة الإمام الخوئي) 47 : 369.
5- - رجال النجاشي: 98/244.
6- - أصول علم الرجال 1 : 213 ، 277 .

[186] 5 - وَعَنْ عليّ بْنِ محمّد الْقَاسَانِيِّ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَاباً فَهُوَ مُنْجِزُهُ لَهُ، وَمَنْ أَوْعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَاباً فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَار»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

هذا الحديث من الأحاديث المشهورة، رواه الخاصة والعامة في كتبهم، إلّا أنّه أجنبي عن قول المشهور؛ لأنّ معناه: أنّ ما وعده اللَّه تعالى من حسنالجزاء والمثوبة على العمل فهو منجزه ومحقّقه؛ لقبح خلف الوعد واستحالته عليه سبحانه، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار، فإن عذّبه فبعدله، وإن عفا عنه فبفضله وكرمه.

وعلى هذا يكون الحديث دالاًّ على ترتّب الثواب على العمل المقطوع ثبوته، لا العمل الذي بلغ عليه الثواب، وهو لم يثبت في حدّ نفسه بعد. وهذا مطلب آخر أجنبيّ عمّا نحن فيه، كما لا يخفى.

ص: 184


1- المحاسن 1 : 382 ، ح 845.
2- التوحيد: 406 ، ح 3.

[187] 6 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ الثَّوَابِ عَلَى شَيْ ءٍ، فَصَنَعَهُ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا بَلَغَهُ»(1).

وَرَوَاهُ ابْنُ طَاوُوسٍ فِي كِتَابِ «الإِقْبَالِ»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأُصُولِ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ وعده بمعنى: الإيصال والبيان له، وهو أعمّ من أن يكون مطابقاً للواقع أو لا، فيصحّ جعله دليلاً في المقام.سند الحديث:

للحديث طريقان كلاهما ضعيف؛ بالإرسال، ووجود عبد اللَّه بن القاسم الجعفري، وقد تقدّم.

[6] - فقه الحديث:

الحديث أعمّ مطلقاً من بقيّة أحاديث الباب؛ لأنّ المذكور فيه: «من سمع شيئاً من الثواب على شي ء، فصنعه كان له، وإن لم يكن على ما بلغه»، ويراد بسماع الثواب مطلق بلوغه إليه، سواء كان على سبيل الرواية

ص: 185


1- الكافي 2 : 87، باب من بلغه ثواب من الله على عمل، ح 1.
2- الإقبال 3 : 171، ب8 .

أو الفتوى أو المذاكرة أو نحو ذلك، كما إذا رآه في شي ء من كتب الحديث أو الفقه.

وهو - أيضاً - شامل بإطلاقه للخبر المنسوب إلى الأئمّة (علیهم السلام) .

هذا، ولكن لا يبعد أيضاً إلغاء خصوصيّة ورود الحديث عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ممّا سبق من أحاديث؛ لأنّ الأئمّة (علیهم السلام) هم الوارثون لأمره، القائمون بأمر أمّته من بعده. بل قد ورد التصريح منهم (علیهم السلام) بأنّ حديث أحدهم هو حديث أبيه، وحديث أبيه حديث جدّه، وهكذا إلى أن يصل إلى رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم).

فقد روى الكليني بسنده، عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيرهما، قالوا: سمعنا أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسينحديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وحديث أمير المؤمنين (علیه السلام) حديث رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وحديث رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) قول اللَّه عزّوجلّ»((1)) .

وعن كتاب حفص بن البختري، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : نسمع الحديث منك، فلا أدري منك سماعه ، أو من أبيك؟ فقال: «ما سمعته منّي فاروه عن أبي، وما سمعته منّي فاروه عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)»((2)).

ص: 186


1- - الكافي 1 : 53، باب رواية الكتب والحديث، ح 14 .
2- - وسائل الشيعة 27 : 104، ب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 33331، نقلاً عن كتاب «الإجازات» لابن طاووس.

وروى الشيخ المفيد أيضاً في «الأمالي» بسند معتبر عن جابر، قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) : إذا حدثتني بحديث فأسنده لي، فقال: «حدثني أبي، عن جدي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، عن جبرئيل، عن الله عز وجل، وكل ما أحدثك بهذا الإسناد»((1)).

وهو - أيضاً بالبيان المتقدّم - شامل لفتوى الفقيه باستحباب شي ء؛ وذلك لأنّ فتوى المجتهد على قسمين:

الكلام في شمول الحدیث لفتوی الفقیه

الأول : أن يكون مستندها معلوماً، وهو على أربع صور:

فإنّه تارة تكون بألفاظ ومتون الروايات، كما كان على ذلك دأب القدماء، مثل عليّ بن بابويه في «فقه الرضا (علیه السلام) »، والشيخ في «النهاية»،والصدوق في «المقنع»، فإن كانت دلالتها تامة فلا إشكال في دخولها في أخبار من بلغ. وأخرى تكون دلالتها غير تامة في نظرنا. وثالثة لا يكون دأب المجتهد ذلك، بل ينقل فتواه، ولكنّه استند في فتواه إلى رواية غير تامة الدلالة. ورابعة أفتى باستحباب شي ء، نعلم أنّ مستنده في ذلك قاعدة عقليّة. وهذه الموارد الثلاثة خارجة عن أخبار التسامح بلا إشكال؛ لعدم صدق البلوغ عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في جميعها.

والوجه في ذلك بالنسبة إلى الأخير واضح؛ فإنّ البلوغ منصرف إلى غير ذلك. وكذلك بالنسبة إلى القسمين الأوّلين؛ فإنّ احتمال مطابقته للواقع واحتمال الثواب لا يكفي بمقتضى هذه الأخبار.

ص: 187


1- - أمالي المفيد: 42، المجلس الخامس، ح10.

والثاني: أن يفتي باستحباب شي ء، ولا نعلم مستنده، ونحتمل أنّه كان خبراً عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يصل إلينا، وهذا هو محلّ الكلام. فإن كان المأخوذ في الموضوع هو البلوغ عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) - كما في صحيح هشام ومحمد بن مروان - فمع احتمال الحدس وإعمال النظر والرأي لا يحرز البلوغ عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، فلا يثبت الموضوع حتّى تشمله الأخبار، فلعلّه كان المستند أحد الثلاثة الأخر.

وإن كان المأخوذ في الموضوع هو السماع - كما في حديثنا هذا «من سمع شيئاً من الثواب فعمله» - وقلنا بعدم انصرافه إلى المتعارف، وهو الإخبار عن حسّ، ولم يكن مقيّداً بالصحيحين المتقدّمين، فيكون حينئذشاملاً لفتوى الفقيه ونحوها ممّا يتضمّن الإخبار عن الثواب؛ لأنّ المفتي - على كلّ تقدير - ينسب الحكم إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ويشمله قوله: «وإن لم يقله»؛ فإنّه مطلق، سواء كان أصل الحكم لم يصدر منه (علیه السلام) ، أو صدر كلام منه (علیه السلام) ولا يدلّ على الحكم، فظنّ المفتي دلالته على ذلك.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

أمّا الطريق الأول: فرجاله ثقات تقدّم ذكرهم، وهو معتبر.

وأمّا الطريق الثاني: فهو الذي رواه ابن طاووس في «كتاب الإقبال»، نقلاً عن كتاب هشام بن سالم، الذي هو من جملة الأصول، عن الصادق (علیه السلام) . وهو أيضاً معتبر؛ لأنّ السيد ابن طاووس (رحمه الله) لم يروِ هذا

ص: 188

الحديث عن هشام بن سالم ابتداءً؛ ليقال بجهالة الوسائط بينه وبين هشام بن سالم، وإنّما يرويه عن كتب الشيخ، وطريقه إلى جميع كتبه صحيح. كما أنّ طريق الشيخ إلى كتاب هشام بن سالم صحيح أيضاً. وعليه فيظهر أنّ للسيد ابن طاووس (رحمه الله) طريقاً صحيحاً إلى كتاب هشام بن سالم.

وأمّا ابن طاووس: فهو عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن محمّد الطاوس العلوي الحسني، رضيّ الدين (قدس سره) : من أجلّاء هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر عظيم المنزلة، كثير الحفظ، نقيّ الكلام، حاله في العبادة والزهد أشهر من أن يذكر. له كتبحسنة رضي اللَّه عنه. هكذا ذكره السيد التفريشي في نقد الرجال((1)).

وقال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «حاله في العلم والفضل والزهد والعبادة والثقة والفقه والجلالة والورع أشهر من أن يذكر. وكان أيضاً شاعراً أديباً منشئاً بليغاً، له مصنفات كثيرة»((2)) . والحديث بكلا الطريقين معتبر.

ص: 189


1- - نقد الرجال 3 : 303/3711.
2- - معجم رجال الحديث 13 : 202/8546 .

[188] 7 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عِمْرَانَ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أُوتِيَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ كَمَا بَلَغَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث كالحديث الرابع من حيث الدلالة، ولكن مع فارق وهو قوله (علیه السلام) هنا «بلغه ثواب من الله»، و«فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب»، بينما قال هناك: «من بلغه عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)»، و «ففعل ذلك طلب قول النبي»، والمضمون متحد.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم قد تقدّم ذكرهم سوى عمران الزعفراني: الذي قال فيه الشيخ: «هو مجهول»((2)).وعليه فالسند ضعيف.

ص: 190


1- الكافي 2 : 87، باب من بلغه ثواب من الله على عمل، ح 2.
2- - الاستبصار 1 : 76 ، باب ذكر جمل من الأخبار يتعلّق بها أصحاب العدد ، ح 231 .

[189] 8 - أَحْمَدُ بْنُ فَهْدٍ فِي «عُدَّةِ الدَّاعِي»، قَالَ: رَوَى الصَّدُوقُ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، بِطُرُقِهِ إِلَى الأَئِمَّةِ (علیهم السلام) : «أَنَّ مَنْ بَلَغَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَ بِهِ كَانَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا بَلَغَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا نُقِلَ إِلَيْهِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

قد اتضح معنى الحديث ممّا مرّ في الحديث الأول.

سند الحديث:

وأمّا إسناد أحمد بن فهد: فيعلم من ضمّ طريق الشهيد إلى الشيخ الطوسي، والذي له طريق معتبر إلى الصدوق (قدس سره) ؛ فإنّ ابن فهد يروي عن تلامذة الشهيد (قدس سره) .

وأمّا أحمد بن فهد: فقد قال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد الحلي، فاضل، عالم، ثقة، صالح، زاهد، عابد، ورع، جليل القدر، له كتب((2)). والحديث مرسل.

ص: 191


1- 1*) عدّة الداعي: 9.
2- - معجم رجال الحديث 2 : 201/757.

[190] 9 - عليّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ طَاوُسٍ فِي كِتَابِ «الإِقْبَالِ»، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ بَلَغَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَعَمِلَ بِهِ، كَانَ لَهُ [أَجْرُ](1)1*) ذَلِكَ، وَإِنْ (لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا بَلَغَهُ) (2)2*)»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

قد مرّ ما في هذا الحديث متناً((4)) .

سند الحديث:

روى الحديث ابن طاووس عن الصادق (علیه السلام) مرسلاً؛ لمّا كانت الواسطة مجهولة لنا كانت الرواية مرسلة.

هذا مجمل الكلام في أحاديث الباب، وما اشتملت عليه.

وأمّا المحتملات في تصوير مفاد هذه الأحاديث ثبوتاً، فهي خمسة:

الأول: أن يكون المستفاد منها جعل الحجيّة للأخبار التي دلّت على الثواب على شي ء، مع كون الفعل بذلك الداعي؛ لأنّها تدل على أنّ الأجر والثواب نفسه يعطى له ويستحقه. فمن هذا الطريق يستكشف أنّ الخبرالدال كان منجّزاً، وإلّا فلا وجه لاستحقاق الأجر نفسه، وحينئذ فلابدّ من

ص: 192


1- 1*) أثبتناه من المصدر.
2- 2*) في المصدر: كان رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) لم يقله.
3- 3*) إقبال الأعمال 3 : 170، ب8.
4- - راجع الرقم العام في فقه الحديث 182.

تخصيص الأدلّة الدالّة على حجّيّة خبر الواحد - مع اجتماع الشرائط المعتبرة - بغير الخبر الدالّ على الاستحباب، ويقال: بأنّها في نفسها مختصّة بالأحكام الإلزاميّة من الواجبات والمحرّمات، كما يقال بالنسبة إلى آية النبأ.

وعلى فرض إطلاقها تخصّص بهذه الروايات في خصوص الأخبار الدالّة على الاستحباب، وعليه تكون المسألة أصوليّة. وهذا الاحتمال نسب إلى المشهور، وهو معنى التسامح في أدلّة السنن.

الثاني: أن يكون المستفاد منها: الإنشاء. ولكن يثبت بها استحباب نفس الفعل الذي بلغ عليه الثواب بعنوانه؛ وذلك لأنّ صحيح هشام بن سالم وما شاكله ليس فيه تقييد بالإتيان بداعي طلب قول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أو التماس ذلك الثواب. فتدل على استحباب نفس الفعل بعنوانه. وهذا الاحتمال هو مختار صاحب «الكفاية» (رحمه الله) ((1))، والمحقق النائيني (رحمه الله) ((2))، والمحقق الأصفهاني (رحمه الله) ((3)).

الثالث: أن يكون المستفاد منها: الإنشاء أيضاً، ولكن يثبت بها استحباب الفعل بعنوان الرجاء وطلب قول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

الرابع: أن يكون المستفاد منها: الإرشاد إلى ما حكم به العقل من حسن الاحتياط، وإعطاء الثواب يكون من هذه الجهة؛ لأنّه انقياد. وهو الظاهر من

ص: 193


1- - كفاية الأصول: 353.
2- - أجود التقريرات 3 : 363.
3- - نهاية الدراية في شرح الكفاية 2 : 536.

المحقق العراقي((1))، والشيخ في «الرسائل»((2))، والسيد الأستاذ (قدس سره) ((3))، إلّا أنّه في «الهداية»((4)) اختار قول صاحب «الكفاية» (رحمه الله) .

الخامس: أن يكون المستفاد منها: مجرّد الإخبار عمّا بعد العمل، وأنّ اللَّه تعالى يعطي الثواب والأجر إذا بلغه شرعاً أو عقلاً بنحو كان حجّة، سواء طابق الواقع أم لم يطابق. فلم تكن حينئذ ناظرة إلى الاحتياط والانقياد، بل إلى الإطاعة مع عدم المصادفة. واختاره المحقق الحائري في «الحاشية»، والمصنّف كما يظهر من عنوان الباب وتصريحه في شرحه. هذا كله في مقام الثبوت.

وأمّا إثباتاً، فنقول: إنّ منشأ الاحتمالات المتقدّمة غير الأول والأخير هو وجود كبرى مسلّمة، وهي أنّه إذا ورد دليل يتضمّن ترتّب الثواب على عمل - لا اقتضاء فيه في حدّ نفسه للثواب - كان ذلك الدليل كاشفاً بطريق الإن عن أنّ الفعل مستحبّ ومتعلّق للأمر. وقد فهم الأصحاب كثيراً منالأحكام من الواجبات والمحرّمات أو المستحبّات والمكروهات بهذا الطريق. كما أنّه إذا كان العمل الذي تعلّق به الثواب مقتضياً للثواب في نفسه - كالانقياد مثلاً - فلا يكشف منه الاستحباب وتعلّق الأمر المولوي به.

ص: 194


1- - نهاية الأفكار 3 : 279.
2- - فرائد الأصول 2 : 157.
3- - مصباح الأصول (موسوعة الإمام الخوئي) 47: 369.
4- - الهداية في الأصول 3 : 329.

وهذه الكبرى متسالم عليها، وهي غير قابلة للمناقشة، وإنّما الكلام في الصغرى، وأنّ الموضوع في ترتّب الثواب أيّ من القسمين، فهل تدلّ هذه الأخبار على ترتّب الثواب على ذات العمل الذي بلغ عليه الثواب، أو على العمل المقيّد، أي العمل المقيّد بقصد طلب الأمر والتماس الثواب، أو على العمل الذي بلغ عليه الثواب والذي يأتي به احتياطاً ورجاءً للأمر؟ فعلى الأوّلين يثبت الاستحباب لنفس الفعل أو مقيّداً بقصد الثواب، أي: استحباب الاحتياط، وعلى الثالث لا يثبت الاستحباب أصلاً؛ لأنّ الاحتياط والرجاء انقياد بنفسه يقتضي الثواب، وعليه فالإخبار بالثواب لا يكون كاشفاً عن الأمر.

التحقیق في المقام

والفرق بين الأولين: أنه على الاحتمال الأوّل إذا قام خبر ضعيف على استحباب فعل، كالغسل والصلاة يوم النيروز مثلاً، فللفقيه أن يفتي باستحباب العمل بواسطة أخبار من بلغ. وأمّا على الاحتمال الثاني: فلا يجوز له ذلك، بل يجوز له أن يفتي باستحباب العمل رجاءً والتماساً للثواب، كما أنّه على الاحتمال الثالث ليس له أن يفتي بالاستحباب أصلاً.

وأمّا منشأ الاحتمالين الأول والأخير: فواضح كما تقدم، وبناءً على الأول يحكم بصحة الرواية، مضافاً إلى استحباب الفعل.وأمّا على الأخير: فلا ربط له بالقاعدة أصلاً، ولا يحكم بصحة الرواية، كما لا يدلّ على استحباب الفعل لا مولويّاً ولا إرشاديّاً.

والتحقيق في المقام: أن يقال: ومن خلال التأمل في الروايات يمكن

ص: 195

استظهار الاحتمالات التالية:

الأول: أنّ المراد منها: إعطاء العامل بالخير - الذي بلغ عليه الثواب - الثواب نفسه الذي تضمّنه الخبر، وإن لم يطابق الخبر الواقع في مقدار ثواب العمل. فهي ليست في مقام بيان أنّ الفعل مستحب، كمن سرّح لحيته فله كذا. وممّا يشهد لهذا الاحتمال ما ورد في رواية هشام، عن صفوان، عنه (علیه السلام) ، قال: «من بلغه شي ءٌ من الثواب على خير»، وما ورد في رواية ابن فهد: «أنّ من بلغه شي ء من الخير، فعمل به، كان له من الثواب ما بلغه، وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه»، وأوضح منها ما ورد في رواية الجعفري: «من وعده اللَّه على عمل ثواباً فهو منجزه له».

ولكن يضعّف هذا الاحتمال قوله (علیه السلام) : «كان له ذلك»، وهو ظاهر في استحقاق المقدار المعيّن مع عدم صدوره واقعاً، مع أنّ المقدار المعيّن لا يكون مستحقّاً إذا لم يطابق الواقع.

والثاني: أن تكون الأخبار في مقام الترغيب في الفعل المطلق، وأنّ العامل يستحقّ الثواب المعيّن على العمل، فتدل على أنّ الفعل مطلوب بهذا العنوان، وله ذلك الأجر المعيّن.

والثالث: أن تكون في مقام الترغيب في الفعل المقيّد، وصحيحتا هشام وإن كانتا ظاهرتين في الاحتمال الثاني، ولكن رواية محمّد بن مروان ورد فيها التقييد بطلب قول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وحيث إنّها - أيضاً - معتبرة فيكون التقييد قريباً؛ فإنّ محمّد بن مروان وإن كان مشتركاً بين أشخاص، إلّا أنّ الظاهر

ص: 196

أنّه الذهلي، صاحب الكتاب المعروف، وهو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((1)).

وأمّا الحنّاط، فالظاهر أنّه ليس من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ؛ لأنّه يروي عنه ابن عقدة بواسطتين((2)).

وأمّا البصري، فليس له كتاب((3)). وأمّا الأنباري، فهو متأخّر طبقة((4)). فيبقى المعروف من أصحابه حينئذ هو الذهلي، وقد روى عنه المشايخ الثقات((5))، وهو يكفي في وثاقته.

وقد ورد في «التفسير» في القسم الثاني((6))، فلا يشمله التوثيق العام، كما ورد في «كامل الزيارات»((7))، ولكنه ليس من مشايخه. وعليه فلا يكونمشمولاً للتوثيق العام أيضاً.

وبالجملة: أنّه مع وجود التقييد في الرواية المعتبرة، فاحتمال كون الموضوع مقيّداً قريب؛ لوجود خصوصيّة في المقام، وهي أنّ الروايات كلها في مقام بيان حكم واحد لموضوع واحد، فلابد من البناء على القدر المتيقّن، وهو القول بأنّ الفعل مقيّد بقصد التماس الثواب أو طلب قول

ص: 197


1- - انظر رجال الطوسي: 295/4309، وفهرست الطوسي: 217/613.
2- - رجال النجاشي: 360/967.
3- - رجال الطوسي: 295/ 4308.
4- - رجال النجاشي: 345/930.
5- - أصول علم الرجال 2 : 211.
6- - أصول علم الرجال 1 : 311، وتفسير القمّي 2: 197.
7- - كامل الزيارات: 175، 285، وغيرها.

النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، فيكون مستحبّاً شرعاً، والحمد للَّه ربّ العالمين، واللَّه عزّوجلّ هو العالم بالصواب.

والحاصل: أنّ مجموع أحاديث الباب تسعة أحاديث، أربعة منها صحاح، والباقي ضعاف.

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: جواز العبادة بقصد تحصيل الثواب.

ومنها: أنّ من بلغه ثواب على عمل مشروع، فعمله؛ طلباً لقول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أعطاه اللَّه ذلك الثواب، وإن كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لم يقله.

ومنها: أنّ اللَّه أوجب على نفسه إنجاز وعده بالثواب، ولم يوجب إنجاز وعيده بالعقاب، بل هو بالخيار، إن شاء عاقب، وإن شاء عفا وتجاوز.

ص: 198

19 - باب تأكد استحباب حب العبادة والتفرغ لها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

19 - باب تأكّد استحباب حبّ العبادة والتفرّغ لها

شرح الباب:

العبّاد في محبتهم للَّه عزّوجلّ على قسمين:

فقسم منهم يحب اللَّه تعالى؛ لأنّه المنعم بالنعم التي لا تتناهى، من قبيل الخلق، والرزق، والإحسان، ودفع المكاره، وغير ذلك ممّا لا تحصى كثرة، ولو لم يفعل اللَّه بالعبد ذلك لم يحبه.

وقسم منهم يحب اللَّه تعالى؛ لأن له صفات مجانسة لصفات اللَّه تعالى، كلّ حسب استعداده ومرتبته؛ فإنّه إذا اتّصف المحبوب بصفة مشاكلة لصفة الحبيب، مال الحبيب إلى محبوبه بسببها.

وما دامت المحبّة فرع المعرفة، ومعرفة الذات العليّة مستحيلة، والممكن هو معرفة الصفات خاصة، وكان المعصومون مظاهر صفات اللَّه، فتكون معرفتهم هي معرفته تعالى، فمعرفتهم مقدّمة لحبّهم، وحبّهم هو حبّ للَّه تعالى، كما جاء في الزيارة الجامعة: «من أحبَّكُم فقد أحَبَّ اللَّهَ»((1)).

ومن لوازم المحبّة محبّة ما يحبّه المحبوب، وما يدعو إليه، وتحقيق

ص: 199


1- - من لا يحضره الفقيه 2 : 613، زيارة جامعة لجميع الأئمة (علیهم السلام) ، ح3213.

غرضه. ولاريب أنّ غرض المولى عزّ وجلّ من خلق الناس هو العبادة، ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}((1)).

فالعبادة

هي غرض المولى من الخلقة، وكذا ما يتبعها من الآثار، كالرحمة والمغفرة ونحوهما، وهي محبوبة له وللمعصومين المنصوبين من قبله، فلابدّ أن يحبّها العبد لحبّ اللَّه وأحبّائه إيّاها، وأن يفرِّغ نفسه لأدائها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

والعبادة هي الموجبة إلى قربه تعالى، وهي السلّم والوسيلة التي توصل العبد إلى المرتبة العظيمة، والوسام الرفيع الذي لا يعطيه اللَّه تعالى إلّا من أحبّه.

ألا ترى أنّ اللَّه تعالى حين أراد أن يلبس نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) حلّة الشّرف والكرامة نسب العبوديّة إليه فقال: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}((2)) .

ص: 200


1- - الذاريات، الآية 56.
2- - الكهف، الآية 1.

[191] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأُ قَلْبَكَ غِنىً، وَلا أَكِلْكَ(1) إِلَى طَلَبِكَ، وَعَلَيَّ أَنْ أَسُدَّ فَاقَتَكَ، وَأَمْلأَ قَلْبَكَ خَوْفاً مِنِّي. وَإِنْ لا تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأُ قَلْبَكَ شُغُلاً بِالدُّنْيَا، ثمّ لا أَسُدُّ فَاقَتَكَ، وَأَكِلُكَ إِلَى طَلَبِكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ التفرّغ لعبادة اللَّه عزّوجلّ سبب لحصول غنى القلب، وزوال الحاجة، وحصول الخوف من اللَّه تعالى، والاستغناء عن الكسب.

والتفرّغ للعبادة والجدّ فيها، وعدم ثقلها على النفس لا يحصل إلّا بنزع القلب عن شهوات الدنيا، وقطع التعلّق بعلائقها، والتحرّز عن جميع المعاصي، وكسر القوة الشهويّة والغضبيّة، فإذا حصل ذلك حصل الشوق إلى اللَّه، والمحبّة له، واللذّة بعبادته.

كما أنّ عدم التفرّغ لها موجب لانجذاب النفس إلى الدنيا، والاشتغالالتامّ بها؛ لأنّ الدنيا والآخرة ضرّتان، وما اقترب أحد من إحداهما إلّا وابتعد

ص: 201


1- أي لا يخلّي اللَّه تعالى بينه وبين طلبه. (راجع: مجمع البحرين 5 : 495، مادة: «وكل»).
2- الكافي 2 : 83، باب العبادة، ح 1.

[192] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): أَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ عَشِقَ الْعِبَادَةَ فَعَانَقَهَا، وَأَحَبَّهَا بِقَلْبِهِ، وَبَاشَرَهَا بِجَسَدِهِ، وَتَفَرَّغَ لَهَا، فَهُوَ لا يُبَالِي عَلَى مَا أَصْبَحَ مِنَ الدُّنْيَا: عَلَى عُسْرٍ، أَمْ عَلَى يُسْرٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عن الأخرى، وهو موجب أيضاً للفاقة، والحاجة لغير اللَّه تعالى، وعدم الاستغناء عن الكسب.

سند الحديث:

الحديث معتبر، وتقدّم وثاقة جميع من فيه.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أفضل الناس هو من أحبّ العبادة حبّاً كثيراً؛ باعتبار أنّها وسيلة إلى المحبوب الحقيقي، وذريعة للوصول إليه والقرب منه، فحبّها تابع لحبّه تعالى والعشق: الإفراط في المحبة. ومعانقة العبادة كناية عن الالتزام بها وعدم تركها، كما أن المعانِق يلتزم المعانق ولا يتركه في حالالمعانقة. ولعل المراد بالمعانقة هنا الالتزام القلبي بها بحيث يكون للعبادة حضور دائم في قلبه.

ص: 202


1- الكافي 2 : 83، باب العبادة، ح 3.

وباشر الأمر: وَلِيَهُ بنفسه((1))، وهو مستعار من مباشرة المرأة؛ لأنّه لا بشرة للأمر؛ إذ ليس بعين، وهنا استعار مباشرة العبادة بالجسد؛ لأنّ العبادة عرض، والعرض ليس له بشرة، ومباشرة العبادة هي: أن تحضرها بنفسك، وتليها بنفسك، وليس المطلوب أن يباشر العبادة بين الفينة والفينة، ووقت الفراغ، بل المندوب إليه هو التفرغ للعبادة.

وفي الحديث دلالة على أنّ يسر العيش والجاه لا ينافي حبّ العبادة، وتفريغ القلب عن غيرها لأجلها، وإنّما المنافي له تعلّق القلب بما متّع به من يسر العيش والغنى ووفرة المال والجاه.

ثمّ إنّ صاحب «مستدرك سفينة البحار» ذكر ما يلي: «نقل عن بعض الأفاضل: أنّ الأنسب أن يكون: عسق العبادة، بالسين المهملة؛ يقال: عسق به بالكسر، أي: أُولع به ولزمه، انتهى. نقله في «المجمع»((2)) عن الجوهري، وفي «المنجد»: عسق وتعسق به: لصق وعسق عليه، وألحّ في ما يطلبه منه ((3)).

الكلام في العشق

بقي شي ء:

وهو الكلام في العشق، فنقول: عشق يعشق عشقاً من باب تعب، والاسم العشق بالكسر، وهو الإفراط في المحبّة، قيل: ذكر الحكماء في كتبهم الطبّية: أنّ العشق ضرب من الماليخوليا والجنون والأمراض السوداويّة،

ص: 203


1- - القاموس المحيط 1 : 373، مادّة: «بشر».
2- - مجمع البحرين 3 : 181. وفيه: ويقال: لزمه ولزق به. قاله الجوهري.
3- - مستدرك سفينة البحار 7 : 246.

وقرّروا في كتبهم الإلهيّة: أنّه من أعظم الكمالات، وأتمّ السعادات.

وربما يظن أنّ بين الكلامين تنافياً، وهو من واهي الظنون؛ فإنّ المذموم هو العشق الجسماني الحيواني الشهواني، والممدوح هو الروحاني الإنساني النفساني، والأول يزول ويفنى بمجرّد الوصال والاتّصال، والثاني يبقى ويسمو أبد الآباد على كلّ حال.

وينبغي هنا نقل كلام الشيخ المتبحّر النوري في العشق، وإشكاله على المحدِّث الجزائري (رحمه الله) ، وإرجاع الحكم أو التوفيق بين كلاميهما إلى القارى ء الكريم. وملخّصه كما في «السفينة»:

إنّ العشق هو الإفراط في الحب، وعرّفه الأطبّاء بأنّه: مرض وسواسي يجلبه الإنسان إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي تكون له، ويعتري للعزّاب والبطّالين والرعاع، ويزيد بالنظر والسماع، وينقص بالسفر والجماع. وقالوا: لا علاج أنفع من الوصال.

وقال بعضهم: إنّه ربّما لا يكون معه شهوة مجامعة، بل كان المطلوب مطلق المشاهدة والوصال. وهذا الصنف منه يعتري للعارفين وكبراء النفوس، وينتقلون من هذا العشق المجازي إلى الحقيقي، وهو معرفة اللَّه عزّوجلّ.

قال شيخنا في ردّ هذا الكلام: هذا طريق كلّما ازداد صاحبه سيراً زاد بعداً عن ساحة معرفة الحق، التي هي غاية سير السالكين؛ فإنّ خلوّ القلب عن حبّه تعالى هو السبب الأعظم في استحسان الصور، فكيف يصير طريقاً له،

ص: 204

وقد أبان من لايعرف اللَّه إلّا بمعرفتهم طرق الوصول إلى معرفته، وليس فيها حبّ الفتيان والأمارد للانتقال إلى حبّه تعالى، إلّا أن يكون إكمال الدين وإتمامه بيد هؤلاء الذين هم غيلان الدين، ولصوص شريعة سيّد المرسلين.

ومن هنا كان التعبير عن الإفراط في حبّ اللَّه تعالى بالعشق خروجاً عن طريق محاورة الأئمّة ومصطلحهم، ولم يعهد التعبير عنهم به في أدعيتهم ومناجاتهم وبيانهم لصفات المتّقين والمؤمنين، وذكرهم لصفات الإمام وخصائصه وفضائله، ولا عن الذين كانوا لهم أخصّاء وأولياء في السرّ والعلانية.

رأيت أحداً في السالكين أعشق - على مصطلح هؤلاء - من سيّد الساجدين (علیه السلام) ؟ أَوَرأيت في حِكَمِه ومناجاته لفظ العشق ؟!

والذي رام التشبّه بهم لا يخرج عن سننهم وآدابهم في جميع المراتب، بما يقدر عليه من الأفعال والأقوال والحركات والسكنات، بل في توقيفيّة الأسماء الإلهيّة ما يغني عن التطويل؛ فإنّ كثيراً من الألفاظ نراها إطلاقها على اللَّه صحيحاً بحسب معناها اللغوي أو العرفي، بل قد ورد إطلاق لفظ عليه تعالى دون ما يرادفه، فلا يجوز استعماله؛ إذ الضابط في جوازه وروده،لا صحّة معناه، وعدم ورود لفظ العشق وما يشتقّ منه في أسماء اللَّه تعالى كورود لفظ الحب والحبيب.

وفي صفات أوليائه الأكرمين دليل، إمّا على عدم جواز استعماله، أو

ص: 205

كراهتهم له؛ لدخول الشهوة في معناه العرفي، وإلّا فكان الأولى اختصاص نبينا(صلی الله علیه و آله و سلم) بالعاشق، لا الحبيب، كما اختصّ إبراهيم بالخليل، وموسى بالكليم، وعيسى بروح اللَّه.

والعجب من السيد المحدّث الجزائري حيث ملأ في كتاب «المقامات» وفي نور حبه من كتاب «أنواره» لفظ العشق الحقيقي والمجازي، والتعبير عن أولياء اللَّه بعشّاق اللَّه، وعن الإمام بسيد العاشقين، وهو منه في غاية العجب، وإن لم يكن عجباً من غيره ممّن نبذ الأخبار وراءه ظهريّاً((1)).

سند الحديث:

في السند ممّن لم يتقدم ذكره نحو: عمرو بن جميع: قال عنه النجاشي: «عمرو بن جُمَيع، الأزدي، البصري، أبو عثمان، قاضي الري، ضعيف»((2)).

وقال عنه الشيخ في «الرجال»: «عمرو بن جميع، أبو عثمان، الأزدي، البصري، قاضي الري، ضعيف الحديث»((3)) .وروى عنه المشايخ الثقات، وأصحاب الإجماع((4)) .

وهنا لا يمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه؛ لتصريح الشيخ بكون ضعفه في الحديث. وعليه فالحديث غير معتبر.

ص: 206


1- - سفينة البحار 6 : 272 - 273 .
2- - رجال النجاشي: 288/769 .
3- - رجال الطوسي: 251/3517.
4- - أصول علم الرجال 2 : 204 .

[193] 3 - وَعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا عِبَادِيَ الصِّدِّيقِينَ، تَنَعَّمُوا بِعِبَادَتِي فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّكُمْ تَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِي الآخِرَةِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

الحديث من الأحاديث القدسيّة التي يخاطب فيها اللَّه سبحانه عباده الصدّيقين، ويأمرهم بالتنعّم بعبادته في دار الدنيا. أو المراد: الأمر بالتنعّم بسبب العبادة؛ لأنّ العبادة غذاء روحاني بها تحصل التربية للروح الإيمانيّة في الإنسان، وتزداد قوّتها بسبب ذلك الغذاء، كما أنّها سبب للرزق وسعته، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}((3)).

ونتيجة ذلك: أنّهم في الآخرة يتنعّمون بها، أي: بسببها أو بثوابها، أو أنّهم ينعمون بأصل العبادة؛ فإنّ الصدّيقين يلتذّون بعبادة ربّهم أكثر من جميع اللذّات والمشتهيات، بل لا يلتذّون بشي ء إلّا بها، فهم في الجنّة يعبدون اللَّه ويذكرونه، لا على وجه التكليف، بل لالتذاذهم وتنعّمهم بها.

ص: 207


1- الكافي 2 : 83، باب العبادة، ح 2.
2- أمالي الصدوق: 377، ح477.
3- - الطلاق، الآية 2 - 3 .

[194] 4 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الأَحْوَلِ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «كَفَى بِالْمَوْتِ مَوْعِظَةً، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنىً، وَكَفَى بِالْعِبَادَةِ شُغُلاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأول: ما عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن أبي جميلة.

وفيه إشكال؛ من جهة أنّ رواية محمّد بن عيسى عن أبي جميلة غير معهودة، بل المعروف أنّه يروي عنه بواسطة يونس بن عبد الرحمن.ويؤيّده، بل يدلّ عليه سند الصدوق (قدس سره) الآتي، حيث صرّح فيه بتوسّط يونس بينه وبين أبي جميلة.

والثاني: ما عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة.

والطريقان معتبران، وقد تقدّمت ترجمة أفرادهما.

[4] - فقه الحديث:

الموعظة هي: كلّ ما يزجر عن الدنيا وعن الرّكون إليها، وكلّ ما يدعو

ص: 208


1- الكافي 2 : 85، باب (بدون عنوان) ، ح 1، وأورده بتمامه في الحديث 5 من الباب 26 من أبواب مقدمة العبادات.

إلى الآخرة وقرب الحقّ جلّ وعلا، وأعظم موعظة في التأثير هو الموت؛ إذ العاقل إذا تفكّر فيه وفيما يلحقه من أحوال البرزخ والقيامة وأهوالها والحساب والعقاب، وما لقاه أهل الدنيا من قطع رجائهم عنها، وإخراجهم منها صفر اليد منها ومن ملذّاتها، وما يرى بعينه أباه وأمه وأقاربه وأصدقاءه وسائر الناس يذوقون شربة الموت، ولم يكن أحد يستثنى منه، هانت عنده الدنيا وما فيها، وتوجّه إلى الطاعة، وتحرّز عن المعصية.

والغنى هو: كلّ ما يغني عن غير اللَّه تعالى ويرفع الحاجة، واليقين باللَّه وباليوم الآخر وبحصول ما وعده اللَّه من الجزاء والإرزاق أقوى ما يغني عن غير اللَّه سبحانه؛ لأنّه نور موجب لوصول السالك إلى الحقّ واتّصاله به اتصالاً معنويّاً، بحيث لا يشاهد غيره تعالى، فضلاً عن الاحتياج إليه.

والشغل: هو كلّ ما يشغل الإنسان عمّا سواه، والعبادة: شغل، أي: كلّعمل يكون في الله ولله ويتقرب به إلى الله فهو عبادة، وما سواها لعب ولهو، وكفى بها شاغلاً للعبد عمّا سواها؛ لأنّ كلّ شغل غير العبادة فهو لهو ولعب، يوجب البعد عنه تعالى، وتنقطع ثمرته، بخلاف العبادة، فإنّها توجب القرب إليه تعالى، وتدوم ثمرتها.

سند الحديث:

في السند: الأحول: والمراد به: محمّد بن عليّ بن النعمان، مؤمن الطاق. قال عنه النجاشي: «محمد بن عليّ بن النعمان بن أبي طريفة، البجلي، مولى، الأحول، أبو جعفر، كوفي، صيرفي، يلقّب مؤمن الطاق، وصاحب الطاق،

ص: 209

ويلقّبه المخالفون شيطان الطاق.... فأمّا (وأما) منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر، وقد نسب إليه أشياء لم تثبت عندنا... وكانت له مع أبي حنيفة حكايات كثيرة، فمنها: أنّه قال له يوماً: يا [أ] با جعفر، تقول بالرجعة؟ فقال له: نعم. فقال له: أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك. فقال له في الحال: أريد ضميناً يضمن لي أنّك تعود إنساناً؛ فإنّي أخاف أن تعود قرداً، فلا أتمكّن من استرجاع ما أخذت مني»((1)).

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «كان ثقة، متكلّماً، حاذقاً، حاضر الجواب، له كتب»((2)).ووثّقه في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((3)) .

وروى الكشّي فيه روايات مادحة، منها: ما عن ابن أبي عمير، عن أبي العباس البقباق، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : أنّه قال: «أربعة أحبّ الناس إليَّ أحياء وأمواتاً: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبو جعفر الأحول، أحبّ الناس إليَّ أحياء وأمواتاً»((4)) .

وعدّه ابن شهرآشوب من خواصّ أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ((5)) .

ص: 210


1- - رجال النجاشي: 325/886.
2- - فهرست الطوسي: 207/594.
3- - رجال الطوسي: 343/5117.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 423/326 .
5- - مناقب آل أبي طالب 3 : 400 .

[195] 5 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ «الْعِلَلِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدَ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ النَّهِيكِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ}(1)؟ فَقَالَ: «خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

وفي السند أيضاً: سلام بن المستنير: وقد ورد في «التفسير»((4)

وعليه فهو ثقة، والسند معتبر.

[5] - فقه الحديث:

قال الطبرسي (رحمه الله) في قوله تعالى: {إِلّا لِيَعْبُدُونِ}: «أي: لم أخلق الجنّ والإنس إلّا لعبادتهم إيّاي، فإذا عبدوني استحقّوا الثواب.

وقيل: إلّا لآمرهم وأنهاهم وأطلب منهم العبادة، واللام لام الغرض،

ص: 211


1- الذاريات، الآية 56.
2- علل الشرائع 1 : 13 باب 9 ، ح 11.
3- - أصول علم الرجال 1 : 249 ، 290، وج2 : 219 .
4- - المصدر نفسه 1 : 281 .

والمراد: أنّ الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب، وذلك لا يحصل إلّا بأداء العبادات، فصار كأنّه سبحانه خلقهم للعبادة.

ثمّ إنّه إذا لم يعبده قوم لم يبطل الغرض، ويكون كمن هيّأ طعاماً لقوم ودعاهم ليأكلوه، فحضروا ولم يأكله بعضهم؛ فإنّه لا ينسب إلى السفه، ويصحّ غرضه؛ فإنّ الأكل موقوف على اختيار الغير. وكذلك المسألة، فإن اللَّه إذا أزاح علل المكلّفين من القدرة والآلة والألطاف، وأمرهم بعبادته، فمن خالف فقد أتي من قبل نفسه، لا من قبله سبحانه.

وقيل: معناه: إلّا ليقروا بالعبوديّة طوعاً وكرهاً.ثمّ قال تعالى: {ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُون}، هذا نفي الإيهام عن خلقهم لعبادته أن يكون ذلك لعائدة نفع يعود عليه تعالى، فبيّن: أنّه لعائدة النفع على الخلق، دونه تعالى...؛ لأنّه غنيّ بنفسه، فلا يحتاج إلى غيره، وكلّ الخلق يحتاج إليه.

وقيل: معناه: ما أريد أن يرزقوا أحداً من خلقي... وإنّما أسند الإطعام إلى نفسه؛ لأنّ الخلق كلّهم عيال اللَّه، ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه»((1)) .

وتفسير الإمام (علیه السلام) للآية بقوله «خلقهم للعبادة»: بيان لحصر الخلق في غاية هي العبادة، بمعنى: أنّ الغاية من خلق الثقلين هي العبادة، وما دامت الغاية من الخلق هي العبادة فمعناه أن المطلوب من الخلق الوصول إلى هذه الغاية، ولا غاية غيرها حتّى يشتغل بها الخلق ويتعلقوا بها. وإذا كان الحال

ص: 212


1- - مجمع البيان 9 : 269.

كذلك فلابد من التعلّق بهذه الغاية والتفرغ لها.

بحث رجالي في عبد اللَّه بن أحمد النهيكي

سند الحديث:

في السند: عبد اللَّه بن أحمد النهيكي: قال عنه الشيخ: «عبد اللَّه بن أحمد، النهيكي، له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عنه»((1)) ، وعدّه في «رجاله» في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) . لكن فيه: عبيد اللَّه مصغّراً، قال: «عبيد اللَّه بن أحمد بن نهيك،يكنّى أبا العباس، كوفي، روى عنه حميد كتباً كثيرة من الأصول»((2)).

وقال عنه النجاشي: «عبيد اللَّه بن أحمد بن نهيك، أبو العباس، النخعي، الشيخ الصدوق، ثقة، وآل نهيك بالكوفة بيت من أصحابنا، منهم: عبد اللَّه بن محمّد وعبد الرحمن السمريّان وغيرهما، له كتاب النوادر. أخبرنا القاضي أبو الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن، قال: اشتملت إجازة أبي القاسم جعفر بن محمّد بن ابراهيم الموسوي - وأراناها - على سائر ما رواه عبيد اللَّه بن أحمد بن نهيك»((3)).

ولاريب أنّ من ترجمه النجاشي والشيخ في «الفهرست» رجل واحد؛ وذلك:

أولاً: لأنّه من البعيد أن يكونا أخوين مشهورين، لكلّ منهما كتاب،

ص: 213


1- - فهرست الطوسي: 170/447.
2- - رجال الشيخ: 430/6176.
3- - رجال النجاشي: 232/615.

يتعرّض الشيخ لترجمة أحدهما، ويتعرّض النجاشي للآخر.

وثانياً: لو فرضنا تعدّدهما للزم على الشيخ أن يذكر عبد اللَّه أيضاً في «الرجال»، كما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) في «معجمه»((1)).

وفي السند أيضاً: عليّ بن الحسن الطاطري: قال عنه النجاشي: «علي بن الحسن بن محمّد الطائي، الجرمي، المعروف بالطاطري، وإنما سمّيبذلك؛ لبيعه ثياباً يقال لها: الطاطريّة، يكنّى أبا الحسن، وكان فقيهاً، ثقة في حديثه، وكان من وجوه الواقفة وشيوخهم، وهو أستاذ الحسن بن محمّد بن سماعة، الصيرفي، الحضرمي، ومنه تعلّم، وكان يشركه في كثير من الرجال، ولا يروي الحسن عن عليّ شيئاً، بلى منه تعلّم المذهب»((2)) .

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «علي بن الحسن الطاطري، الكوفي، كان واقفيّاً، شديد العناد في مذهبه، صعب العصبيّة على من خالفه من الإماميّة، وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه، وله كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم، فلأجل ذلك ذكرناها»((3)).

كما وثّقه في «العدّة»، حيث قال: «ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة... وأخبار الواقفة... ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال وبنو سماعة

ص: 214


1- - معجم رجال الحديث 11 : 114/6705.
2- - رجال النجاشي: 254 - 255/667 .
3- - فهرست الطوسي: 156/390.

والطاطريون وغيرهم»((1))؛ فإنّه يدل على وثاقة المعروفين منهم؛ فإنّه صرّح قبل ذلك: بأنّ منشأ عمل الطائفة بأخبار هؤلاء - إذا لم يوجد له معارض عن طريق أصحابنا - هو وثاقتهم وتحرّجهم عن الكذب. ولا ريب في أنّ عليّ بن الحسن من المعروفين من الطاطريين.

وفيه أيضاً: درست بن أبي منصور: قال عنه النجاشي: «درست بن أبيمنصور محمد، الواسطي، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ومعنى درست أي صحيح، له كتاب يرويه جماعة، منهم: سعد بن محمّد الطاطري، عمّ عليّ بن الحسن الطاطري»((2)).

وورد فى «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)). وبقيّة أفراد السند قد تقدّم ذكرهم. وعليه فالسند معتبر.

ص: 215


1- - عدّة الأصول 1 : 150 - 151 .
2- - رجال النجاشي: 162/430.
3- - أصول علم الرجال 1 : 280 ، 221، و ج2 : 191 .

[196] 6 - وَعَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ}، قَالَ: «خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ». قُلْتُ: خَاصَّةً أَمْ عَامَّةً؟ قَالَ: «لا، بَلْ عَامَّةً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ العبادة عامّة لجميع الخلق، مؤمنهم وكافرهم.

ولمّا توهّم الراوي أنّ معنى الآية: أنّ الغرض من الخلق حصول العبادة نفسها، فيلزم تخلّف الغرض في الكفار، سأل ثانياً: أنّ هذا خاصّ بالمؤمنين، أو عامّ لجميع الخلق؟ فإنّ اللام في {لِيَعْبُدُونِ} إذا كانت للغرض كانت العبادة غرضه تعالى، المراد من الخلقة، ومن المحال أن يتخلّف مراده تعالى عن إرادته، ومن المعلوم المشاهد أنّ كثيراً منهم لا يعبدونه تعالى، بل هم الأكثر، وهذا دليل على أنّ اللام في الآية ليست للغرض.

فأجاب (علیه السلام) بأنّه عامّ؛ إذ الغرض: التكليف بالعبادة، وقد حصل التكليف للجميع، كما سيأتي صريحاً في الحديث الآتي.

سند الحديث:

جميع رجال الحديث قد تقدموا، والسند معتبر.

ص: 216


1- علل الشرائع1 : 14 باب 9، ح 12.

[197] 7 - وَعَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ السِّنَانِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ}؟، قَالَ: «خَلَقَهُمْ؛ لِيَأْمُرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ». قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ}(1)، قَالَ: «خَلَقَهُمْ؛ لِيَفْعَلُوا مَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ رَحْمَتَهُ، فَيَرْحَمَهُمْ»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)3*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ للخلقة غرضاً، وأنّ الغرض هو الأمر بالعبادة،بمعنى: أمرهم بأن يكونوا عابدين للَّه، لا أن الغرض كونه معبوداً؛ فقد قال: ليعبدون، ولم يقل: لأُعبد، أو لأكون معبوداً لهم، وهذا معنى كون العبادة عامّة، كما سبق.

ص: 217


1- هود، الآيتان 118 و 119.
2- علل الشرائع 1 : 13 ، ح 10.
3- 3*) تقدّم في الباب 9 من أبواب مقدمة العبادات.
4- 4*) يأتي في الباب التالي.

وسؤال الراوي الثاني إشارة إلى الإشكال المعروف، من أنّ حمل اللام في {لِيَعْبُدُونِ} على الغرض يعارضه قوله تعالى: {ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم} وقوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْس}((1)

فإنّ ظاهر الآية الأولى كون الغرض من الخلقة: الاختلاف، وظاهر الثانية كون الغرض من خلق كثير من الجن والإنس: دخول جهنّم، فلا محيص عن رفع اليد عن حمل اللام على الغرض، وحملها على الغاية.

فأجاب الإمام (علیه السلام) عن مورد السؤال: بأنّه تعالى خلقهم للعبادة، وبالعبادة يستوجبون آثارها من الرحمة والمغفرة، ونحوهما. فالإشارة فيها بقوله تعالى{وَلِذلِكَ} إلى الرحمة، لا الاختلاف.

وأجيب عن الآية الثانية: بأنّ اللام فيها للغرض، لكنّه غرض تبعي، وبالقصد الثاني، لا أنّه الغرض الأصلي من الخلقة.

سند الحديث:

في السند: عليّ بن سالم: والظاهر أنّه غير عليّ بن أبي حمزة، وإن كان أبوه أيضاً سالماً، إلّا أنه غير معروف بذلك. والشاهد على ذلك: أنّ الشيخ (رحمه الله) ذكر كليهما في «رجاله»، ووصفه بالكوفي، وأنّه هو الراوي عن أبي بصير، لا بواسطة أبيه. ومن المحتمل اتحادهما. فعلى الأول لم يرد فيه

ص: 218


1- - الأعراف، الآية 179.

شي ء، إلّا أنه روى عنه يونس بن عبد الرحمن، الذي أُلحق بالمشايخ الثقات. وأمّا بناء على الثاني، أي: عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقد سبق أنّه ضعيف، لكن يمكن الاعتماد على مرويّاته؛ لأنّه رواها قبل الوقف.

وفيه: أبوه: وعلى الاحتمال الثاني هو سالم، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((1)

ولم يرد في حقّه شي ء . وبقيّة رواة السند قد تقدّمت ترجمتهم.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، خمسة منها معتبرة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1 - استحباب حبّ العبادة، واستحباب التفرّغ لها.

2 - أنّ التفرّغ للعبادة موجب لحصول غنى القلب عن الناس، وزوال الحاجة إليهم، وحصول الخوف من اللَّه عزّوجلّ، والاستغناء عن الكسب، وإنّ عدم التفرّغ يوجب عدم ذلك كلّه.3 - أنّ أفضل الناس عند اللَّه عزّوجلّ من أحبّ العبادة حبّاً شديداً، وتفرّغ لها.

4 - أنّ عبادة اللَّه نعمة منه، أو هي سبب لتنعّم الصدّيقين في دار الدنيا، ونتيجتها التنعّم بها لهم في الآخرة.

5 - أنّ اللَّه عزّوجلّ خلق العباد جميعاً، ليكلّفهم بالعبادة، لأجل أن يستوجبوا منه آثارها من الرحمة والمغفرة.

ص: 219


1- - رجال الطوسي: 218/2884.

ص: 220

20 - باب تأكد استحباب الجد والاجتهاد في العبادة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

20 - باب تأكّد استحباب الجدّ والاجتهاد

في العبادة

شرح الباب:

تقدّم في الأبواب السابقة التأكيد على لزوم الإخلاص في النيّة في جميع العبادات، بتخليصها من شوائب الرياء والعجب وغيرهما، والإتيان بالعبادات كما شرّعها اللَّه سبحانه وتعالى.

هذا من ناحية الكيفيّة. وأمّا من ناحية الكمّيّة: فقد تعرّض هذا الباب لبيان استحباب الاجتهاد في العبادة، والإكثار منها بقدر الوسع والطاقة، مع مراعاة الورع والتقوى والاحتياط؛ فإنّ العبادة تكليف، والتكليف يقتضي المشقّة، فإذا روّض المؤمن نفسه على تحمّل مشقّة العبادة خفّت على نفسه تدريجاً، وببلوغه إلى بعض المقامات يتحوّل ثقل العبادة إلى خفّة، ومن ثمّ إلى حبّ وعشق. وبما أنّ غرض المحبوب قد تعلّق بالعبادة، فيصير هوى المحبّ في الإتيان بها والإكثار منها. ومقتضى التأسّي بأحبّاء اللَّه وأوليائه (علیهم السلام) الإكثار منها؛ فإنّه لا يخفى تهالك المعصومين (علیهم السلام) في العبادة، وصرف أعمارهم الشريفة في الإتيان بها بأنواعها.

ص: 221

[198] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ ابْنِ هِلالٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد نقلت لنا التواريخ والأخبار صوراً مشرّفة من اعتنائهم بالعبادة كيفيّة وكمّيّة، وحثّهم متابعيهم على الاهتمام بها والإكثار منها. ولم يقتصر ذلك على نوع منها، بل ورد الحثّ على الإكثار منها جميعاً.

الأقوال:

الحكم مورد اتّفاق بين الفريقين. قال المصنّف في شرحه: إنّ الإجماع أوضح من أن يبيّن، كما لا يخفى»((2)).

[1] - فقه الحديث:

للحديث ذيل، وهو: «واعلم: أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه».

ثمّ إنّ التقوى: اسم من وقيت، وأصلها الحفظ، ثمّ استعملت في مخافة اللَّه، بحيث يحفظ الإنسان نفسه بها من عقاب اللَّه، وأصل تقوى: وَقْوَى،فأبدلت الواو تاء، كذلك تقاة أصلها وقاة، ورجل تقي أصله وقي، واتقى

ص: 222


1- الكافي 2 : 76، باب الورع، قطعة من الحديث 1، وأورده بتمامه في الحديث 2 من الباب 21 من أبواب جهاد النفس.
2- - تحرير وسائل الشيعة: 317.

أصله أوتقى، فقلبت وأدغمت.

والمراد بتقوى اللَّه: الكفّ عن المحرّمات. والورع في الأصل: الكفّ عن محارم اللَّه، والتحرّج منها، ثمّ استعمل في الكفّ المطلق، وقد قسّم إلى أقسام أربعة:

أقسام الورع

1 - الكفّ الذي يخرج المكلَّف عن الفسق، ويوجب قبول شهادته، وقد ورد في الحديث: «أورع الناس من تورّع عن محارم اللَّه»((1)

ويسمّى ورع التائبين.

2 - ما يخرج المكلّف به عن الشبهات؛ فإنّ من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ويسمّى ورع الصالحين.

3 - الكفّ عن الحلال الذي يتخوّف انجراره إلى المحرّم، ويسمّى ورع المتّقين.

4 - الإعراض عن غيره سبحانه؛ خوفاً من ضياع ساعة من العمر فيما لا فائدة فيه، زيادة في القرب فيه، ويسمّى ورع الصدِّيقين.

والمراد بالورع هنا: إمّا المعنى الأول، فيكون تأكيداً للتقوى، وإمّا أحد المعاني الثلاثة الباقية أو جميعها، أي: مع ترك الشبهات، وبعض المباحات. كما أنّ المراد من الاجتهاد: بذل الجهد بقدر المستطاع في فعل الطاعات،ولكن مع الورع عن المحرّمات والشبهات.

ص: 223


1- - مجمع البحرين 4 : 490 ، مادة: «ورع».

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم قد تقدّم ذكرهم ما عدا: عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي: وهو لم يوصف بمدح ولا قدح، وليس هو عمرو بن سعيد بن هلال المدائني الثقة، كما قال بذلك المحقق((1)

والعلّامة((2)

والشهيد((3)

حيث بنوا على اتحادهما، فذكروا: أنّ عمرو بن سعيد الثقفي فطحي؛ وذلك لأنّ عمرو بن سعيد الثقفي المذكور في هذا الحديث من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وعمرو بن سعيد المدائني من أصحاب الرضا (علیه السلام) ((4))، بل عدّ من أصحاب العسكري (علیه السلام) ((5))، فكيف يمكن اتّحادهما؟!

وعلى هذا فالحديث غير تام السند، إلّا بناءً على تماميّة كبرى وجوده في «الكافي»، أو بناءً على تصحيح ما يصحّ عن أصحاب الإجماع، فيكون معتبراً حينئذٍ.

ص: 224


1- - المعتبر 1 : 58.
2- - مختلف الشيعة 1 : 194.
3- - الذكرى 1 : 92.
4- - رجال النجاشي: 287/767
5- - كتاب الغيبة للطوسي: 349، ح 307.

[199] 2 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «جَاءَ جَبْرَئِيلُ (علیه السلام) إِلَى النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ لاقِيهِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

لهذا الحديث تكملة، لم يذكرها المصنّف هنا، وهي: «واعلم: أنّ شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزّه كفّه عن أعراض الناس»((2)).

وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة المتلقّاة بالقبول عند الفريقين((3))

، وهو من حيث الدلالة واضح. فقوله (علیهم السلام) : «يا محمد، عش ما شئت» هذاالخطاب له(صلی الله علیه و آله و سلم)؛ لتعليم غيره، ولعلّ الأمر للتسوية، كقولهم: جالس الحسن

ص: 225


1- 1*) الكافي 3 : 255، باب النوادر، ح 17، ورواه الحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 79 / 214، ويأتي بسندين مختلفين عن «الخصال» في الحديثين 3 و 27 من الباب 39 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة.
2- - هذا المقطع رواه ابن أبي عمير عن ابن سنان كما جاء في كتاب الزهد : 79 ، ب14 ، ح214، ونقله في الوسائل 8 : 145 ، ب39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة، ح3، عن الصدوق في الخصال: 7 ، باب الواحد ، ح19، ونقل أيضاً في الوسائل: ح27 من نفس الباب، مثله عن سهل بن سعد مع استبدال «وعزه كفه عن أعراض الناس» ب- «وعزّه استغناؤه عن الناس».
3- - المستدرك على الصحيحين 4 : 325، ومجمع الزوائد 2 : 253، وكنز العمال 7 : 782.

أو ابن سيرين، أو للتهديد، إذا كان المقصود بالخطاب الأمّة.

وحاصل معنى الحديث: أنّ العيش لا محالة ينتهي إلى الموت، فلابّد للإنسان أن لا يطمئنّ إليه، وكذا المحبوب لابدّ وأن تفارقه. وأمّا العمل: فلابدّ أن تلاقيه ولا يفارقك، فإن كان العمل حسناً سرّك جزاؤه، وإن كان سيّئاً ساءك لقاؤه. فلابدّ للإنسان أن يعلم: أنّه لا ينفعه إلّا عمله، ولا يؤخذ بجرم غيره، ولا يثاب على طاعة غيره، وحقيقة نصيب الإنسان من الدنيا هو العمل الذي يعمله لآخرته.

فعلى العاقل بعد معرفة هذا أن يشمّر ساعد الجد للعبادة والاجتهاد، والاستكثار منها فإنها رأس المال، وهي الباقية التي يلقاها يوم القيامة.

سند الحديث:

روى الحديث الكليني، عن عليّ بن إبراهيم.

والكلّ أجلّاء ثقات، قد تقدّم ذكرهم. وعليه فالسند معتبر.

ص: 226

[200] 3 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَحَفْصِ ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَسَلَمَةَ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) إِذَا أَخَذَ كِتَابَ عَلِيٍّ (علیه السلام) فَنَظَرَ فِيهِ قَالَ: مَنْ يُطِيقُ هَذَا؟ مَنْ يُطِيقُ ذَا؟». قَالَ: «ثمّ يَعْمَلُ بِهِ. وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حتّى يُعْرَفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَمَا أَطَاقَ أَحَدٌ عَمَلَ عَلِيٍّ (علیه السلام) مِنْ وُلْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَّا عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) »(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

سيأتي في الحديث الثامن عشر: أنّ الإمام زين العابدين (علیه السلام) كان شبيهاً بجدّه أمير المؤمنين (علیهم السلام) في عبادته وزهده وسيرته، ومع أنّه بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد إلّا أنه كان يقول: «من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ؟» ((2)).

وهذا الحديث فيه دلالة على ما كان يتمتّع به أمير المؤمنين (علیه السلام) من كثرة العبادة، والاجتهاد في طاعة اللَّه تعالى؛ حيث وهب حياته للَّه تعالى، وسرى حبّه في أعماق قلبه ودخائل نفسه، وقد قطع معظم حياته صائماًنهاره، قائماً ليله، قد أحياه بالصلاة والدعاء والابتهال إلى اللَّه تعالى، حتّى

ص: 227


1- الكافي 8 : 163 ، كتاب الروضة، ح 172.
2- - وسائل الشيعة 1 : 91، ب 20 من أبواب مقدّمة العبادات، ح215.

صار مثالاً يقتدي به سائر من أتى بعده. كما أنّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين (علیهما السلام) فاق غيره في شدّة انقطاعه إلى ربّه، واجتهاده في العبادة والتقوى، حتّى أنّه ما أطاق أحد عمل أمير المؤمنين (علیه السلام) من ولده من بعده غيره (علیه السلام) . فينبغي للمؤمن التأسّي بهم في ذلك، بأن يجتهد في العبادة بقدر طاقته وجهده فهو أمر مطلوب ومحبوب للمولى عزّوجلّ.

سند الحديث:

للحديث عدّة طرق:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم.

ورجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

وفيه: عبد الرحمن بن الحجّاج: قال النجاشي: «وكان ثقة، ثقة، ثبتاً، وجهاً ... له كتب يرويها عنه جماعات من أصحابنا»((1)).

وقال الشيخ في «الغيبة»: «من الوكلاء الممدوحين لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ومات في عصر الرضا (علیه السلام) على ولايته»((2)).

وعدّه الشيخ المفيد من شيوخ أصحاب أبي عبد اللَّه (علیهم السلام) ، وخاصّتهوبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين((3)).

ووردت فيه روايات مادحة، منها: أنّ الإمام أبا الحسن موسى بن

ص: 228


1- - رجال النجاشي: 237/630.
2- - الغيبة: 348، ح302.
3- - الإرشاد 2 : 216.

جعفر (علیهما السلام) قال: «إنه لثقيل في الفؤاد»((1)

أي: عظيم، له محلّ في القلب.

وورد في أسناد «تفسير القمي»، وورد أيضاً في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((2)). وعليه فهذا الطريق صحيح.

الثاني: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري.

ورجاله كلّهم قد تقدّم ذكرهم ماعدا:

حفص بن البختري: وقد قال النجاشي فيه: «كوفي، ثقة ... له كتاب يرويه عنه جماعة»((3)).

وروى عن المشايخ الثقات، وورد في «التفسير»، و«نوادر الحكمة»((4)).

وعليه فهذا الطريق معتبر أيضاً.

الثالث: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبيعمير، عن سلمة بيّاع السابري.

وفيه: سلمة بيّاع السابري: وهو وإن لم يرد فيه شي ء، إلّا أنّه روى عنه المشايخ الثقات، كما في هذه الرواية، حيث روى عنه ابن أبي عمير، فيكون ثقة. وعليه فهذا الطريق معتبر أيضاً.

ص: 229


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 740/829.
2- - أصول علم الرجال 1 : 282 ، 226 ، و ج2 : 198 .
3- - رجال النجاشي: 134/344.
4- - أصول علم الرجال 2 : 188 ، و ج1 : 279 ، 220 .

[201] 4 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد وَعَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الرابع: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

الخامس: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري.

السادس: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بنشاذان، عن ابن أبي عمير، عن سلمة بيّاع السابري.

وهذه الطرق الثلاثة أيضاً معتبرة؛ لما قد تقدّم سابقاً.

وعليه فهذا الحديث - من جهة السند - صحيح بجميع طرقه.

[4] - فقه الحديث:

تقدّم الكلام في دلالته في الحديث الأول.

ص: 230


1- الكافي 2 : 77، باب الورع، ح 9، ويأتي بتمامه في الحديث 10 من الباب 21 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه.
2- المحاسن 1 : 83 ، ب11 وصايا أهل بيته (علیهم السلام) ، ح 50. وفيه: «عليكم» بدل «عليك».

[202] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عليّ ابْنِ عُقْبَةَ، عَنِ أَبِي كَهْمَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

كلّ رجال الحديث ثقات أجلّاء قد تقدّمت ترجمتهم. والظاهر: أنّ أحمد بن محمّد الذي يروي عنه البرقي هو: أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، هذا أوّلاً.

وثانياً: لم ترد رواية أحمد بن محمّد عن أبي أسامة في شي ء منالروايات غير هذه الرواية، ولكن في «المحاسن»: أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن أبي أسامة»، وعلى ذلك فهو طريق آخر غير طريق الكافي.

[5] - فقه الحديث:

قد اتّضح معنى الحديث ممّا مرّ((2)).

ص: 231


1- الكافي 2 : 78، باب الورع، ح 11، ويأتي في ذيل الحديث 2 من الباب 21 من أبواب جهاد النفس.
2- - راجع فقه الحديث الأول من هذا الباب .

[203] 6 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلَّانٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «شِيعَتُنَا الشَّاحِبُونَ(1)1*)، الذَّابِلُونَ، النَّاحِلُونَ، الَّذِينَ إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ اسْتَقْبَلُوهُ بِحُزْنٍ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّمت ترجمتهم، وهو غير معتبر؛ لجهالة عمرو بن سعيد بن هلال.

[6] - فقه الحديث:

الشاحبون: جمع شاحب، وهو المتغيّر اللون من هزال أو جوع أو سفر أو سهر أو نحو ذلك.

والناحل: المهزول، من نحل جسمه وضعف، والذابل: من جفّ لسانه وشفتاه.

عيّن الحديث صفات للشيعة، بها كانوا شيعة، وهم من شحب لونه وتغيّر، وجفّ لسانه، وهزل جسمه من العبادة، وإذا سترهم الليل استقبلوه بالحزن، مشفقين من ربهم، وجلين. ولعلّ هذه صفات من كمل فيه التشيّع والإيمان؛لأنّ الشيعة التابعين لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين (علیهم السلام) لهم درجات

ص: 232


1- 1*) شحب جسمه: إذا تغيّر. (لسان العرب 1 : 484 ، مادة: «شحب»). وفي نسخة: السائحون.
2- 2*) الكافي 2 : 233، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح 7.

ومراتب، بمقدار متابعتهم للأئمة (علیهم السلام) في الأعمال. ولا يخفى ما فيه من الترغيب في الجدّ في العبادة حتّى يحوز المؤمن أعلى درجات الشيعة.

سند الحديث:

محمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وعمرو بن جُمَيْع، قد تقدّم ذكرهم. والأولان ثقتان جليلان، والأخير فيه كلام.

وأمّا محمّد بن الحسن بن علان - وفي بعض النسخ بن زعلان - : فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا أبو إسحاق الخراساني: فهي كنية لعدّة من الرواة، ولم يعلم أيّهم هو المراد. واحتمل بعضهم((1)):

أنّها كنية لإبراهيم بن أبي محمود الخراساني، إلّا أنّه مجرّد احتمال لا يعتنى به، فهو مجهول الحال.

وعليه فهذا الحديث غير معتبر السند، إلّا أنّه يمكن أن يكون مؤيّداً لما تقدّم ولما يأتي من الأحاديث.

ص: 233


1- - وهو المحقق التستري في قاموس الرجال 11 : 205.

[204] 7 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ بُزُرْجَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِيَّاكَ وَالسَّفِلَةَ؛ فَإِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ (علیه السلام) مَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، وَاشْتَدَّ جِهَادُهُ، وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ، وَرَجَا ثَوَابَهُ، وَخَافَ عِقَابَهُ، فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ فَأُولَئِكَ شِيعَةُ جَعْفَرٍ (علیه السلام) »(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

السّفلة - بفتح السين وكسر الفاء - أراذل الناس وسُقَاطهم((2)).

هذا الحديث من جهة المعنى واضح، حيث قال الإمام (علیه السلام) : إنّ الشيعيّ من كان جامعاً للأوصاف المذكورة، وهي: أن يكون صائناً لبطنه وفرجه من المحرّمات، ومجتهداً في العبادة الخالصة له، راجياً ثوابه، وخائفاً من عقابه. وعليه فيدلّ هذا الحديث على استحباب وتأكيد الاجتهاد في العبادة.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم سوى:

منصور بزرج: الذي قال النجاشي في حقّه: «كوفي، ثقة»((3))، وعدّه الشيخ

ص: 234


1- الكافي 2 : 233، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح9، ويأتي مثله بسند آخر عن صفات الشيعة في الحديث 13 من الباب 22 من أبواب جهاد النفس.
2- - لسان العرب 11 : 337، مادة: «سفل».
3- - رجال النجاشي: 413/ 1100.

[205] 8 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عليّ بْنِ رِئَابٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ شِيعَةَ عَلِيٍّ (علیه السلام) كَانُوا خُمُصَ(1) الْبُطُونِ، ذُبُلَ الشِّفَاهِ، أَهْلَ رَأْفَةٍ وَعِلْمٍ وَحِلْمٍ، يُعْرَفُونَ بِالرَّهْبَانِيَّةِ، فَأَعِينُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِالْوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وذكر أنه روى أيضاً عن أبي الحسن (علیه السلام) - أي الإمام الكاظم (علیه السلام) - وذكره أيضاً في أصحاب الإمام الكاظم وقال: «منصور بن يونس بزرج، له كتاب، واقفي»((3))، وقد وقع في أسناد «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات((4)).

ومفضّل: هو المفضل بن عمر الذي رجحنا وثاقته في كتابنا أصول علم الرجال((5)).

وعليه فالسند معتبر.

[8] - فقه الحديث:

قد اتّضح معنى الحديث ممّا مر.

ص: 235


1- خمص: جمع خميص، وهو الضامر البطن من الجوع وغيره. (لسان العرب 7 :30، مادة: «خمص»).
2- الكافي 2 : 233، الإيمان والكفر، باب المؤمن وعلاماته ... ، ح 10.
3- - رجال الطوسي: 306/4510، وص343/5119.
4- - أصول علم الرجال 1 : 288 و 2 : 214 .
5- - المصدر نفسه 2 : 421 - 437.

[206] 9 - وَعَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ عَهِدْتُ أَقْوَاماً عَلَى عَهْدِ خَلِيلِي رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَإِنَّهُمْ لَيُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ شُعْثاً، غُبْراً، خُمُصاً، بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَرُكَبِ الْمِعْزَى، يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أَقْدَامِهِمْ وَجِبَاهِهِمْ، يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ، وَيَسْأَلُونَهُ فَكَاكَ رِقَابِهِمْ مِنَ النَّارِ. وَاللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ مَعَ هَذَا وَهُمْ خَائِفُونَ مُشْفِقُونَ»(1).

وَعَنْهُمْ، عَنِ ابْنِ خَالِدٍ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم قد تقدّم ذكرهم، وهذا الطريق وإن وقع فيه سهل بن زياد الضعيف، إلّا أنه بالإمكان تصحيحه؛ من جهة شهرة كتاب ابن أبييعفور، على ما ذكره النجاشي((3)).

وشهرة الكتاب تغني عن الطريق.

[9] - فقه الحديث:

الشعث بالتحريك تفرّق وتلبّد الشعر؛ لقلّة تعهّده بالدهن.

ص: 236


1- الكافي 2 : 235، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح 21.
2- المصدر نفسه 2 : 236، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح 22.
3- - رجال النجاشي: 213/556.

والركب - بضمّ الراء وفتح الكاف - جمع الركبة، وهي موصل الفخذين والساق.

والمعزى خلاف الضأن من الغنم.

وفي هذا الحديث وصف أمير المؤمنين (علیه السلام) جماعة من المؤمنين كانوا على عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بعدّة أوصاف:

أحدها: أنّهم كانوا يصبحون ويمسون شعثاً غبراً، لشدّة اهتمامهم بالعبادة، ولتركهم زينة الدنيا.

وثانيها: أنّهم كانوا خمص البطون من الصوم أو الفقر، أو كانوا لا يشبعون؛ لئلّا يكسلوا عن العبادة.

وثالثها: أنّه كان بين أعينهم كركب المعزى، شبّه الأثر الحاصل في الجبهة من كثرة السجود بركب المعزى، بجامع الصلابة والخشونة في كلّ منهما. وهذا الأثر يحصل من كثرة وضع الجبهة على الأرض.

ورابعها: أنّهم كانوا يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربّهم،ويسألونه فكاك رقابهم من النار. والمراوحة بين الأقدام والجباه أن يقوموا على القدمين، فإذا تعبوا رفعوا إحدى القدمين واعتمدوا على الأخرى، فإذا تعبوا رفعوا الثانية واعتمدوا على الأولى، وهكذا. والمراوحة في الجبهة بالسجود على أحد الصدغين عند التعب من السجود على الجبهة. وإنّما يفعلون ذلك؛ لغرض الاستراحة.

وخامسها: أنهم كانوا يخافون من ردّ أعمالهم، مشفقين من عذاب اللَّه.

ص: 237

والحاصل: أنّ هذا الحديث يفيد أنّ المقصود من استشهاد الإمام الباقر بكلام أمير المؤمنين (علیهما السلام) : كون المنعوتين بهذه الصفات هم الشيعة الكاملين في صفات التشيع، وأنّهم مع هذا الجدّ والاجتهاد في العمل كانوا يعدّون أنفسهم مقصّرين، ولم يكونوا بأعمالهم معجبين.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللَّه بن سنان، عن معروف بن خرَّبوذ.

ورجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم سوى:

معروف بن خرَّبوذ: الذي قال الكشّي عنه: إنّه «ممّن اجتمعت العصابة علیتصديقهم من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وانقادوا لهم بالفقه»((1)) .

ووقع في أسناد «تفسير القمي»((2)).

وعليه فهذا الطريق صحيح.

الثاني: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن ابن خالد، عن السندي بن محمد، عن محمّد بن الصلت، عن أبي حمزة.

والمراد بابن خالد هو: البرقي؛ بقرينة الطريق الأول، والمراد بأبي حمزة هو: الثمالي، وقد تقدمت ترجمة الجميع ما عدا:

ص: 238


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 507/431.
2- - أصول علم الرجال 1 : 287 .

[207] 10 - وَعَنْهُمْ، عَنِ ابْنِ خَالِدٍ، عَنْ محمّد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ محمّد ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ عِيسَى النَّهْرَسِيرِيِّ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَظَّمَهُ مَنَعَ فَاهُ مِنَ الْكَلامِ، وَبَطْنَهُ مِنَ الطَّعَامِ، وَعَنَّى(2) نَفْسَهُ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. قَالُوا: بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلاءِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَكَتُوا فَكَانَ سُكُوتُهُمْ ذِكْراً، وَنَظَرُوا فَكَانَ نَظَرُهُمْ عِبْرَةً، وَنَطَقُوا فَكَانَ نُطْقُهُمْ حِكْمَةً، وَمَشَوْا فَكَانَ مَشْيُهُمْ بَيْنَ النَّاسِ بَرَكَةً. لَوْلا الآجَالُ الَّتِي قَدْكُتِبَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ؛ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ(3)، وَشَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

محمّد بن الصلت: والظاهر: أنّه محمّد بن الصلت القرشي، الذي ذكره الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ،((5))

و لم يرد فيه توثيق. وعليه فهذا الطريق غير معتبر.

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ الإنسان كلما زادت معرفته باللَّه زادت عبادته

ص: 239


1- في المصدر: «النهريري».
2- عنّى - بالنون المهملة والنون المشدّدة - : أي أتعب نفسه. (مجمع البحرين 1 : 308، مادة: «عنا»)، وفي المصدر: «عفى».
3- في المصدر: العذاب.
4- الكافي 2 : 237، باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ح 25.
5- - رجال الطوسي: 286/4154 .

محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْمَجَالِسِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ ابْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ(1).

وَعَنْ محمّد بْنِ عليّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ الْكُوفِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

له وخوفه منه، وبعثه ذلك على الورع والتقوى والزهد في الدنيا، ودوامالعمل للَّه. فعن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال: «من عرف اللَّه خافه، ومن خاف اللَّه حثّه الخوف من اللَّه على العمل بطاعته، والأخذ بتأديبه». وقال عزّ شأنه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}((3)). فمن عرف الله منع لسانه من فضول الكلام، ولو كان مباحاً؛ لأنّ الكلام المباح يضيّع رأس مال الإنسان ويفوّته من غير عوض؛ إذ يمكنه أن يصرف هذا المقدار من عمره في ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن أو نحوها، ويدرك به خيراً كثيراً.

ومن عرف الله منع بطنه من الطعام؛ فإنّ الإكثار منه يورث الثقل عن العبادة، ويحتمل أن يكون كناية عن الصوم، أو أنّ المراد به: المنع الشرعي، أي: عن الحرام أو المكروه شرعاً.

ص: 240


1- أمالي الصدوق: 379 ، ح 482.
2- المصدر نفسه: 647 ، ح 878.
3- - فاطر، الآية 28. والحديث ورد في المستدرك 11 : 228، ب14، ح12817، وقد أسقط منه ذيله. وأمّا الآية، فقد جاءت في حديث آخر نحوه، وهو الحديث 12837 من نفس المصدر.

«وعنّى نفسه بالصيام والقيام» - بالعين المهملة والنون المشدّدة - أي: أتعب نفسه بذلك. ومعاناة الشيء ملابسته ومباشرته. ويحتمل أن يكون قوله: «وعنّى نفسه بالصيام» عطفاً تفسيريّاً على السابق.

«قالوا: بآبائنا وأمّهاتنا يا رسول اللَّه، هؤلاء أولياء اللَّه»، أي: نفديك بآبائنا وأمهاتنا، فالباء للتفدية بحذف الفعل، وهي في الحقيقة باء العوض، كما في خذ هذا بهذا.وقولهم: «هؤلاء أولياء اللَّه» استفهام محذوف الأداة. ويحتمل أن يكون خبراً قصد به لازم الحكم، وهو علمهم بذلك.

وتوكيد الخبر في قوله: «إنّ أولياء اللَّه» الخ لكون الخبر ملقى إلى السائل المتردّد على الأول، ولكون المخاطب حاكماً بخلافه على الثاني، إن جعل قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنّ أولياء اللَّه» ردّاً لقولهم: «هؤلاء أولياء اللَّه»، أي: إنّ أولياء اللَّه أناس آخرون، صفاتهم فوق هذه الصفات. وإن جعل تصديقاً لقولهم فهو رائج عندهم، متقبّل لديهم، صادر عنه(صلی الله علیه و آله و سلم) عن كمال الرغبة؛ لأنّه في صدد وصف أولياء اللَّه بأعظم الصفات، فكان مظنّة التأكيد والتحقيق، كما ذكره صاحب «الكشّاف» عند قوله تعالى: {وإِذا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا}((1)).

وقوله: «فكان سكوتهم ذكراً» يراد به: أنّهم عند سكوتهم تكون قلوبهم

ص: 241


1- - الكشاف 1 : 186.

مشغولة بذكر اللَّه، وتذكّر صفاته الكمالية، وآلائه ونعمائه، وغرائب صنعه وحكمته. وفي رواية «المجالس»: «فكان سكوتهم فكراً». قال الشيخ البهائي (رحمه الله) : «أطلق على سكوتهم الفكر؛ لكونه لازماً له، غير منفكّ عنه، وكذا إطلاق العبرة على نظرهم، والحكمة على نطقهم، والبركة على مشيهم. وجعل(صلی الله علیه و آله و سلم) كلامهم ذكراً، ثمّ جعله حكمة؛ إشعاراً بأنّه لا يخرج عن هذين، فالأول في الخلوة، والثاني بين الناس، ولك إبقاء النطق علىمعناه المصدري، أي: إنّ نطقهم بما نطقوا به مبنيّ على حكمة ومصلحة»((1)).

و أمّا قوله: «فكان مشيهم بين الناس بركة»، فلأنّ قصدهم قضاء حوائج الناس، وهدايتهم، وطلب المنافع لهم، ودفع المضارّ عنهم، مع أنّ وجودهم سبب لنزول الرحمة عليهم، ودفع البلايا عنهم.

وقوله: «لم تقرّ أرواحهم» - وفي «المجالس»: «لم تستقرّ» - «خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب» فيه إشارة إلى تساوي الخوف والرجاء فيهم، وكونهما معاً في الغاية القصوى والدرجة العليا((2)).

والحاصل: أنّ هذا الحديث اشتمل على صفات الأولياء، وهي:

الأولى: الصمت وحفظ اللسان، وهو باب النجاة.

الثانية: الجوع، وهو مفتاح الخيرات.

ص: 242


1- - بحار الأنوار 66 : 291.
2- - المصدر نفسه 66 : 291.

الثالثة: الجهد في العبادة، بصيام النهار، وقيام الليل، وهو سُلّم درجات التقرّب إلى اللَّه سبحانه وتعالى.

الرابعة: الفكر، وهو عمل القلب، وقد ورد: أنّه أفضل من عبادة ستّين سنة((1)).الخامسة: الذكر، الأعمّ من القلبي واللساني.

السادسة: نظر الاعتبار.

السابعة: النطق بالحكمة.

الثامنة: كونهم بركة للناس.

التاسعة والعاشرة: الخوف والرجاء.

بحث رجالي في محمّد بن علي

سند الحديث:

للحديث ثلاثة طرق:

الأوّل: محمّد بن يعقوب في «الكافي».

وفيه: محمّد بن علي: والمراد به هنا: أبو سُمَيْنَة، وهو الراوي لكتاب محمّد بن سنان في طريق الشيخ. قال النجاشي: «ضعيف جدّاً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شي ء، وكان ورد قم، وقد اشتهر بالكذب بالكوفة، ونزل على أحمد بن محمّد بن عيسى مدة، ثمّ تشهّر بالغلو، فَجُفِيَ، وأخرجه

ص: 243


1- - بحار الأنوار 66 : 293.

أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم»((1)) .

ولكن طريق الشيخ - وكذلك الصدوق - إلى كتبه صحيح؛ حيث قال: إلّا ما كان فيها من تخليط أو غلوّ أو تدليس، أو ينفرد به ولا يعرف من غيرطريقه((2)).

ونقل الكشّي عن الفضل بن شاذان في بعض كتبه: من الكذّابين المشهورين أبو الخطّاب ويونس بن ظبيان ويزيد الصائغ ومحمد بن سنان، وأبو سُمَيْنة أشهرهم»((3)).

وقد استثناه ابن الوليد من كتاب «نوادر الحكمة». ويمكن الجمع بين التوثيق والتضعيف بأن يقال: إنّ جميع ما ورد من الضعف في حقه إنّما هو من جهة رميه بالغلو؛ لأنّه ورد في «الكشّي» عن حمدويه عن بعض مشيخته: محمّد بن عليّ رمي بالغلو((4)).

مناقشة السید الأستاذ في محمد بن علي و اجواب عنها

وقد ذكر السيد الأستاذ (قدس سره) : أنّ محمّد بن عليّ الكوفي هو غير الصيرفي الملقب ب- «أبي سُمَيْنة»؛ بدليل أنّ الصدوق (قدس سره) قد التزم أن لا يذكر في كتابه إلّا ما يعتمد عليه، ويحكم بصحته، فكيف يمكن أن يذكر فيه روايات من هو معروف بالكذب والوضع؟! إذاً فمحمد بن عليّ القرشي

ص: 244


1- - رجال النجاشي: 332/894.
2- - فهرست الطوسي: 223/624.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 823/1033.
4- - المصدر نفسه: 823/ 1032

الكوفي رجل آخر غير أبي سُمَيْنة، المشهور بالكذب((1)).

ويلاحظ على ماذكره (قدس سره) :أوّلاً: أنّ الصدوق (قدس سره) لعلّه يرى صحّة رواياته المذكورة في كتابه، ويعتمد عليه؛ لأنّه لا يعتني بتضعيف جماعة إيّاه؛ فإنّ جميع ما ورد من الضعف في حقّه إنّما هو من جهة رميه بالغلو.

وثانياً: أن ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتابه هو ما كان خالياً من تخليط أو غلو أو تدليس، أو لم ينفرد به، وعرف من غير طريقه. وعليه فالوجه الذي ذكره في التعدّد غير تامّ. والظاهر أنّ الكوفي هو الصيرفي الملقّب ب- «أبي سُمَيْنة».

وأمّا عيسى النهرسيري: فقد قال في «المرآة»: إنّ في «المجالس»: عيسى الجريري، وهو عيسى بن أعين، الجريري، الأسدي، مولى، كوفي، ثقة، وعدّه من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((2)).

فما في «المجالس» أظهر سنداً ومتناً، لكن في أكثر نسخ «المجالس»: النهر تيري بالتاء، كما في بعض نسخ «الكافي»، وفي بعضها النهر بيري بالباء الموحّدة، وفي بعضها النهري، والأخير كأنّه نسبة إلى النهروان((3)).

والجريري مع النهرتيري شخصان، عدّهما الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) .

ص: 245


1- - معجم رجال الحديث 17 : 322/11286.
2- - رجال النجاشي: 296/803..
3- - مرآة العقول 9 : 253.

ولكن ما ذكره المجلسي في «المرآة» من كونه عيسى الجريري مجرّد احتمال لادليل عليه؛ لأنّ النسخ مختلفة، فلا يعتمد على شي ء منها. وعليهفهذا الطريق حينئذ غير معتبر.

الثاني: محمّد بن عليّ بن الحسين في «المجالس».

وقد اتّضح حاله بما بيّناه في الطريق السابق. وأمّا بقيّة السند: فقد تقدّم حالهم.

الثالث: محمّد بن عليّ بن الحسين في «المجالس».

وهو أيضاً ضعيف بما تقدّم. وعليه فهذا الحديث غير معتبر السند بجميع طرقه، إلّا أنّه يمكن اعتباره من جهة وجوده في «الكافي»، وإلّا كان مؤيّداً لبقيّة الأحاديث.

ص: 246

[208] 11 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الشِّيعَةِ: «وَاللَّهِ، إِنِّي لأُحِبُّ رِيحَكُمْ وَأَرْوَاحَكُمْ، فَأَعِينُوا عَلَى ذَلِكَ بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ. وَاعْلَمُوا أَنَّ وَلايَتَنَا لا تُنَالُ إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالاجْتِهَادِ. مَنِ ائْتَمَّ مِنْكُمْ بِعَبْدٍ فَلْيَعْمَلْ بِعَمَلِهِ»، الْحَدِيثَ(1).

----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «واللَّه، إنّي لأحبّ ريحكم» يراد به: ريحكم الطيّبة.

ص: 247


1- أمالي الصدوق: 725، المجلس91، ح992، وهذه تكملة الحديث: «أنتم شيعة اللَّه، وأنتم أنصار اللَّه، وأنتم السابقون الأولون، والسابقون الآخرون، السابقون في الدنيا إلى ولايتنا، السابقون في الآخرة إلى الجنة . وقد ضمنّا لكم الجنة بضمان اللَّه عزّوجلّ وضمان رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، واللَّه ما على درجة الجنة أكثر أزواجاً منكم، فتنافسوا في فضائل الدرجات، أنتم الطيبون ونساؤكم الطيبات، كلّ مؤمنة حوراء عيناء، وكل مؤمن صدّيق. ولقد قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لقنبر : يا قنبر، أبشر وبشّر واستبشر، فواللَّه لقد مات رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) وهو على أمته ساخط إلّا الشيعة، ألا وإنّ لكل شي ء عزّاً، وعز الإسلام الشيعة، ألا وإنّ لكل شي ء دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة، ألا وإنّ لكل شي ء ذروة، وذروة الإسلام الشيعة. ألا وإنّ لكل شي ء شرفاً، وشرف الإسلام الشيعة، ألا وإنّ لكل شي ء سيّداً، وسيّد المجالس مجالس الشيعة، ألا وإنّ لكل شي ء إماماً، وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة...» الحديث.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

و«وأرواحكم» جمع روح بالضم أو بالفتح بمعنى: النسيم، وكأنّ الأول كناية عن عقائدهم ونيّاتهم الحسنة؛ لما تقدّم سابقاً من أنّ المؤمن إذا قصد فعل طاعة يستشمّ منه رائحة حسنة، والثاني كناية عن أقوالهم الطيّبة. ولمّا كان الإمام (علیه السلام) متكفّلاً لنجاة شيعته ومتابعيه من أهوال الآخرة وعقباتها بمقتضى حبّه لهم، طلب منهم إعانته على تحقيق ذلك لهم بالورع - وهو الكفّ عن المحارم - وبالاجتهاد في الأعمال الصالحة وتزكية النفس؛ اقتداء بالأئمة الهداة (علیهم السلام) ؛ حتّى يتسنّى له (علیه السلام) تحصيل النجاة لهم بنحو أيسر وأسهل.

وقد صرّح الإمام بأنّ ولايتهم لا تنال بمجرّد لقلقة اللسان، بل لابدّ من بذل الجهد في العمل والاجتهاد في الطاعات؛ ائتماماً بأئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ؛ فإنّ من ائتمّ بعبد فلابدّ له من أن يعمل بعمله؛ ليتحقّق معنى الائتمام به، وإلّا كان ذلك الائتمام نفاقاً وهزءاً.

ولا ريب في شدّة اجتهاد وعمل أئمّتنا (علیهم السلام) ، وهذا غير خفيّ على أحد، فلابدّ لمن يدّعي الائتمام بهم أن يسير على نهجهم في ذلك بمقدار استطاعته؛ فإنّ عبادتهم (علیهم السلام) لا يقدر عليها أحدكما هي.

ص: 248


1- 1*) الكافي 8 : 212 ، كتاب الروضة ، ح 259.

سند الحديث:

للحديث أربعة طرق، ذكر صاحب «الوسائل» طريقين منها:

الأوّل: محمّد بن عليّ بن الحسين في «المجالس».

أمّا محمّد بن الحسن: فالظاهر أنّه ابن الوليد؛ بقرينة روايته عن الحسين بن الحسن بن أبان كثيراً، وقد تقدّم.

وأمّا الحسين بن الحسن بن أبان: فإنّه لم يرد فيه توثيق. نعم، روى عن الحسين بن سعيد كتبه كلَّها((1)

وروى عنه ابن الوليد في مائتين وستة عشر مورداً في الكتب الأربعة، ووثّقه ابن داود في ترجمة محمّد بن أرومة((2))، فإن أوجب ذلك الاطمئنان فهو ثقة، وإلّا فلا دليل على وثاقته.

وأمّا عليّ بن أبي حمزة: فهو البطائني الواقفي الضعيف. - وقد تقّدم - وعليه فهذا السند غير معتبر، إلّا على بعض المباني المتقدمّة.

الثاني: ما رواه الكليني.

وفيه عمرو بن أبي المقدام: وهو عمرو بن ثابت بن الحدّاد، لم يرد فيه توثيق، إلّا أنّه روى عنه المشايخ الثقات، وورد في أسناد «تفسير القمي»((3))، فيكون ثقة. وعليه فهذا الطريق معتبر.

ص: 249


1- - رجال الطوسي: 424/6109.
2- - رجال ابن داود:270/431.
3- - أصول علم الرجال 1 : 285.

[209] 12 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ محمّد بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : أَنَّهُ قَالَ: «وَاللَّهِ، إِنْ كَانَ عَلِيٌّ (علیه السلام) لَيَأْكُلُ أَكْلَ الْعَبْدِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ لَيَشْتَرِي الْقَمِيصَيْنِ السُّنْبُلانِيَّيْنِ(1)، فَيُخَيِّرُ غُلامَهُ خَيْرَهُمَا، ثمّ يَلْبَسُ الآخَرَ، فَإِذَا جَازَ أَصَابِعَهُ قَطَعَهُ، وَإِذَا جَازَ كَعْبَهُ حَذَفَهُ. وَلَقَدْ وَلِيَ خَمْسَ سِنِينَ، مَا وَضَعَ آجُرَّةً عَلَى آجُرَّةٍ، وَلا لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلا أَقْطَعَ قَطِيعاً، وَلا أَوْرَثَ بَيْضَاءَ وَلا حَمْرَاءَ. وَإِنْ كَانَ لَيُطْعِمُ النَّاسَ خُبْزَ الْبُرِّ وَاللَّحْمَ، وَيَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالزَّيْتَ وَالْخَلَّ. وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ كِلاهُمَا للَّهِ رِضاً إِلَّا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى بَدَنِهِ. وَلَقَدْ أَعْتَقَ أَلْفَ مَمْلُوكٍ مِنْ كَدِّ يَدِهِ، وَتَرِبَتْ فِيهِ يَدَاهُ، وَعَرِقَ فِيهِ وَجْهُهُ. وَمَا أَطَاقَ عَمَلَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَ لَيُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبُ النَّاسِ شَبَهاً بِهِ عليّ بْنَ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، وَمَاأَطَاقَ عَمَلَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بَعْدَهُ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث يتضمّن الإشارة إلى جملة من عبادات الإمام علي (علیه السلام) ،

ص: 250


1- ثوب سنبلاني: أي سابغ في الطول، أو منسوب إلى بلدة سنبلان بالروم. (مجمع البحرين 2 : 432، مادة: «سبل»).
2- أمالي الصدوق: 356، ح437.

وَرَوَاهُ الطَّبْرِسِيُّ فِي «مَجْمَعِ الْبَيَانِ»، عَنْ محمّد بْنِ قَيْسٍ، نَحْوَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

منها:

التواضع للَّه سبحانه في كلامه ومشيه وجلوسه ومأكله ومشربه. ومنها: أنّه كان يطعم الناس طيّب الطعام ويأكل ما دونه. ومنها: أنّه كان يختار أحمز الأعمال وأصعبها على بدنه، ودلّ قوله (علیه السلام) : «وما ورد عليه أمران كلاهما للَّه رضاً إلّا أخذ بأشدّهما على بدنه» على غاية الجدّ والاجتهاد منه (علیه السلام) . وعليه فينبغي التأسّي به (علیه السلام) بقدر الطاقة؛ فإنّ الحديث قد صرّح بأنّه ما أطاق عمله أحد من الناس بعده والإمام السجّاد (علیه السلام) كان أقرب الناس شبهاً به. وقد مرّ وسيأتي أنّه قال: «من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) » ومآثره الطيّبة؟!

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: ما عن محمّد بن عليّ بن الحسين في «المجالس».

ورجاله كلّهم قد تقدّم ذكرهم، ماعدا:

محمّد بن قيس: وهو مشترك بين ستّة أشخاص. والظاهر: أنّه البجلي؛ بقرينة رواية عاصم عنه. قال النجاشي: «ثقة، عين، كوفي، روى عن أبي

ص: 251


1- 1*) مجمع البيان 9 : 147، ورواه الشيخ في أماليه بسند آخر. (أمالي الطوسي: 692، المجلس 39، ح1470).

جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، له كتاب القضايا المعروف، رواه عنه عاصم بن حميد الحنّاط، ويوسف بن عقيل وعبيد ابنه»((1)).

وروى عنه المشايخ الثقات، وورد في «التفسير»، و«نوادر الحكمة»((2)).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

أسناد الطبرسي في مجمع البیان الی محمّد بن قيس

الثاني: ما رواه الطبرسي في «مجمع البيان» عن محمّد بن قيس.

قال الشيخ منتجب الدين في «فهرسته»: «الشيخ الإمام أمين الدين، أبو علي، الفضل بن الحسن بن الفضل، الطبرسي، ثقة، فاضل، ديّن، عين، له تصانيف منها: مجمع البيان في تفسير القرآن»((3)) .

والطبرسي له طريق إلى جميع كتب وروايات الشيخ، وكذلك الصدوق.يظهر ذلك من طريق صاحب «الوسائل» وغيره. ولهما طريق معتبر إلى جميع روايات وكتب محمّد بن قيس البجلي((4))، وعليه فهذا الطريق معتبر.

ص: 252


1- - رجال النجاشي: 323/881.
2- - أصول علم الرجال 2 : 211، و ج1 : 287 ، 239 .
3- -. فهرست منتجب الدين: 96 -97 /336.
4- - فهرست الطوسي: 206/590، ومن لا يحضره الفقيه: 4 : 486، المشيخة.

[210] 13 - وَفِي «الْعِلَلِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَرْمَكِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ مَوْلاةً لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقُلْتُ: صِفِي لِي أُمُورَ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَتْ: أُطْنِبُ أَوْ أَخْتَصِرُ؟ فَقُلْتُ: بَلِ اخْتَصِرِي، قَالَتْ: مَا أَتَيْتُهُ بِطَعَامٍ نَهَاراً قَطُّ، وَلا فَرَشْتُ لَهُ فِرَاشاً بِلَيْلٍ قَطُّ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على شدّة اجتهاد الإمام السجاد (علیه السلام) في العبادة، واستغراق أوقاته الشريفة فيها. ولا غرو؛ فقد لقّبه رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) بزين العابدين، واشتهر به بين المخالف والمؤالف.

سند الحديث:

عليّ بن أحمد بن محمّد بن موسى بن عمران الدقّاق ومحمد بن أبي عبدالله الكوفي ويسمَّى محمّد بن جعفر الأسدي ثقتان، كما تقدّم.

وأمّا محمّد بن إسماعيل البرمكي: فقد قال النجاشي فيه: «محمد بن

ص: 253


1- علل الشرائع 1 : 232 ، ب165 ، ح 9.

إسماعيل بن أحمد بن بشير، البرمكي، المعروف بصاحب الصومعة، أبو عبد اللَّه، سكن قم، وليس أصله منها، ذكر ذلك أبو العباس بن نوح، وكان ثقة، مستقيماً، له كتب، منها كتاب التوحيد»((1)).

وأمّا الحسين بن الهيثم: فلم يرد فيه شي ء.

بحث رجالي في عبّاد بن يعقوب

وأمّا عبّاد بن يعقوب: فهو الرواجني، الأسدي، أبو سعيد، الكوفي. قال النجاشي فيه: «عبّاد، أبو سعيد، العُصْفُري، كوفي، كان أبو عبد اللَّه الحسين بن عبيد اللَّه رحمه اللَّه يقول: سمعت أصحابنا يقولون: إن عبّاداً هذا هو عباد بن يعقوب، وإنّما دلّسه أبو سمينة. أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران، قال: حدّثنا محمّد بن همّام، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن خاقان النهدي، قال: حدّثنا أبو سمينة بكتاب عبّاد»((2)).

وظاهر كلام الشيخ: أنّه مغاير لعبّاد العصفري، الذي يكنّى أبا سعيد أيضاً؛ حيث إنّه ذكر كلاًّ منهما مستقلاًّ، متّصلاً أحدهما بالآخر، وذكر لكل منهما طريقاً.

قال الشيخ: «عبّاد بن يعقوب الرواجني، عاميّ المذهب، له كتاب أخبار المهدي (علیه السلام) ، وكتاب المعرفة في معرفة الصحابة، أخبرنا بهما أحمد بنعبدون، عن أبي بكر الدوري، عن أبي الفرج الأصفهاني عليّ بن الحسين الكاتب، وقال: حدّثنا عليّ بن عبّاس المقانعي، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب،

ص: 254


1- - رجال النجاشي: 341/915.
2- - المصدر نفسه: 293/793.

عن مشيخته»((1)).

وقال في ترجمة عبّاد العصفري: «يكنّى أبا سعيد، له كتاب أخبرنا به جماعة، عن التلعكبري، عن ابن همام، عن محمّد بن خاقان النهدي، عن محمّد بن عليّ - يكنّى أبا سُمَيْنة - عنه»((2)) .

ولكن الظاهر اتّحادهما؛ لصريح قول النجاشي، عن الحسين بن عبيد اللَّه، عن أصحابنا حكاية: أنّ عبّاداً العُصْفُري هو عبّاد بن يعقوب، ولا يبعد أن يكون كلام النجاشي ناظراً إلى ما في «الفهرست»، واعتراضاً عليه في ذكره متعدّداً. وعلى أيّ حال، فلم يرد فيه توثيق، إلّا أنّه ورد في القسم الثاني من «التفسير»((3)). وعليه فهو ثقة على مبنى السيد الأُستاذ (قدس سره) .

ثمّ إنّ الشيخ ذكر: أنّه عامّي المذهب، إلّا أنّ جمعاً من العامّة قالوا: إنّه كان رافضيّاً، وصرّح بعضهم: بأنّه كان صدوقاً. قال الذهبي في «ميزانه»: «من غلاة الشيعة، ورؤوس البدع، لكنّه صادق الحديث»((4)).

وقال ابن حجر في «فتح الباري»: «عبّاد بن يعقوب، الرواجني ... رافضيّ مشهور، إلّا أنّه كان صدوقاً، وثّقه أبو حاتم»((5)) .

ص: 255


1- - فهرست الطوسي: 192/540.
2- - المصدر نفسه برقم 541.
3- - أصول علم الرجال 1 : 303 .
4- - ميزان الاعتدال 2 : 379.
5- - مقدمة فتح الباري: 410.

وقال أيضاً: «قال ابن إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة: لولا رجلان من الشيعة ما صحّ لهم حديث: عبّاد بن يعقوب، وإبراهيم بن محمّد بن ميمون»((1)).

وقال ابن حبّان فيه: «هو رافضي، داعية، ويروي المناكير عن مشاهير، فاستحقّ الترك»((2)).

فيظهر أنّ اتّهامهم إيّاه ليس إلّا من جهة تشيّعه، ورفضه، وروايته أحاديث في فضائل أهل البيت (علیهم السلام) ، ومثالب أعدائهم. فالحقّ أنه من الخاصة. قال المحدّث النوري: «وأمّا كتاب أبي سعيد عبّاد العصفري (رحمه الله) - وهو بعينه عبّاد بن يعقوب الرواجني - : ففيه تسعة عشر حديثاً، كلّها نقيّة، دالّة على تشيّعه، بل تعصّبه فيه، كالنصّ على الأئمّة الاثني عشر، وأنّ اللَّه خلقهم من نور عظمته، وأقامهم أشباحاً في ضياء نوره، يعبدونه قبل خلق الخلق((3))، وأنّهم أوتاد الأرض، فإذا ذهبوا ساخت الأرض بأهلها((4))، ومفاخرة أرضالكعبة وكربلا، وأنّ اللَّه أوحى إليها: أن كفّي وقرّي، فوعزّتي، ما فضل ما فُضّلتِ به، فيما أعطيت أرض كربلا، إلّا بمنزلة إبرة غمست في البحر، فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلا ما فضّلت، ولولا ما تضمّنت أرض

ص: 256


1- - تهذيب التهذيب 5 : 96.
2- - المصدر نفسه 5 : 96.
3- - الكافي 1 : 530 - 531، باب ما جاء في الاثني عشر و...، ح6.
4- - المصدر نفسه : 534، ح17.

[211] 14 - وَفِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْكَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا}(1)، قَالَ: «لا تَنْسَ صِحَّتَكَ وَقُوَّتَكَ وَفَرَاغَكَ وَشَبَابَكَ وَنَشَاطَكَ أَنْ تَطْلُبَ بِهَا الآخِرَةَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

كربلا ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت((3)) ، الخبر»((4)).

وأمّا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقد تقدّم هو وأبوه.

وعليه فهذا الحديث من جهة السند غير تام؛ فيكون مؤيّداً لسائر الأحاديث.[14] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّه ينبغي للمؤمن أن يبادر إلى فعل الطاعات والقربات، وترك المنهيّات، مهما أمكن له ذلك، في حال صحّته قبل سقمه، وشبابه قبل هرمه، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل موته؛ لأجل نيل الحياة

ص: 257


1- القصص، الآية 77.
2- معاني الأخبار: 325 ، ح 1.
3- - خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 1 : 53، الفائدة الثانية.
4- - المستدرك 10 : 322، ب51.

الأبديّة والنعمة الأخرويّة، وهذا هو نصيبه من الدنيا؛ حيث إنّ مجيئه إليها إنّما هو لأجل تحصيل الفضل والكمال والدرجات العالية،

فلابدّ من السعي إليها والجدّ فيها.

سند الحديث:

أمّا الحسن بن عبد اللَّه العسكري: فهو أبو أحمد الحسن بن عبد اللَّه بن سعيد، العسكري، من مشايخ الصدوق، روى عنه في «العلل» و«معاني الأخبار» و«الخصال» كثيراً، ولكنّه لم يترضَّ عنه، ولم يرد فيه توثيق.

وله ترجمة في رجال العامّة. قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء»: «قال الحافظ أبو طاهر السلفي: كان أبو أحمد العسكري من الأئمّة المذكورين بالتصرّف في أنواع العلوم، والتبحّر في فنون الفهوم، ومن المشهورين بجودة التأليف وحسن التصنيف، ألّف كتاب «الحكم والأمثال»، وكتاب «التصحيف» وكتاب «راحة الأرواح» وكتاب «الزواجر والمواعظ». وعاش حتّى علا به السنّ، واشتهر في الآفاق. انتهت إليه رئاسة التحدّث والإملاء للآدابوالتدريس بقطر خوزستان، وكان يملي بالعسكر وبتستر ومدن ناحيته»((1)).

وفي «معجم المؤلّفين»: «الحسن بن عبد اللَّه بن سعيد، العسكري (أبو أحمد)، لغوي، أديب، أخباري، نحوي، محدّث. ولد لستّ عشر ليلة خلت من شوّال، وسمع ببغداد والبصرة وأصبهان وغيرها. وتوفّي لسبع خلون من ذي الحجّة. من تصانيفه الكثيرة: التصحيف، المصون في الأدب، الحكم

ص: 258


1- - سير أعلام النبلاء 16 : 414.

والأمثال، صناعة الشعر، والمختلف والمؤتلف»((1)).

وقال الحموي: «انتهت إليه رئاسة التحديث والإملاء للآداب والتدريس بقطر خوزستان....» وهو أُستاذ أبي هلال العسكري، وهو الذي تمنّى الصاحب رؤيته، فاعتذر بكبر السنّ، فسافر الصاحب إليه في عسكر مكرم((2)).

وأمّا محمّد بن أحمد: فهو محمّد بن أحمد بن حمدان، القشيري؛ بقرينة سائر الروايات، لم يرد فيه شي ء، وقال عنه العامّة: بأنّه كان يضع الحديث((3)).

توثیق موسی بن إسماعیل بن جعفر

وأمّا أحمد بن عيسى: فهو أبو الحريش، أحمد بن عيسى، الكلابي، الكوفي؛ بقرينة سائر الروايات، لم يرد فيه شي ء، وقد روى عنه العامّة كثيراًفي كتبهم((4)).

وأمّا موسى بن إسماعيل: فهو حفيد الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) ، لم ترد فيه عبارة صريحة تدلّ على توثيقه ومدحه. ولكن يمكن استظهار وثاقته بما ذكره ابن الغضائري من أنّ سهل بن أحمد الديباجي ممّن يضع الحديث، ولا بأس بما رواه من «الأشعثيّات» وما يجري مجراها ممّا لا ينفرد به؛ حيث إنّ ابن الغضائري ممّن عرف بالقدح في الرجال ورميهم بالضعف

ص: 259


1- - معجم المؤلفين 3 : 239.
2- - معجم الأدباء 8 : 236 - 250.
3- - ميزان الاعتدال للذهبي 3 : 463 ، والكشف الحثيث: 218.
4- - السنن الكبرى 2 : 30 ، وتهذيب الكمال 1 : 285 ، و ج2 : 409، و ج9 : 88 ، وتهذيب التهذيب 6 : 327.

والوضع، ومع ذلك يقول: ولا بأس بما في «الأشعثيّات»، وفيه دلالة على ثبوت وثاقة موسى عنده؛ فإنّه لم يذكر طريقاً آخر غير طريق موسى بن إسماعيل، فنفي البأس عن الكتاب من ابن الغضائري توثيق ضمني لرواته.

وقال ابن طاووس في«الإقبال» في تعظيم شهر رمضان: وقد رأيت ورويت من كتاب «الجعفريّات»، وهي ألف حديث بإسناد واحد عظيم الشأن إلى مولانا موسى بن جعفر (علیه السلام) ((1)) ، وبناء على اعتبار توثيقات ابن طاووس يعدّ هذا التعبير منه توثيقاً لموسى بن إسماعيل.

هذا، مضافاً إلى قول المفيد (قدس سره) في آخر باب عدد أولاد أبي الحسن موسى (علیه السلام) : «ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى (علیه السلام) فضل ومنقبةمشهورة»((2)

وهذا توثيق عام يمكن استفادة الحسن منه أو المدح على الأقل؛ بناءً على شمول الولد لأولاد الأولاد.

وأمّا إسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) : فالظاهر أنّه من الأجلاء؛ وذلك لأمور:

أوّلاً: أنّ الإمام أدخله في وصيّته وصدقته، كما روي ذلك في «الكافي» بسند صحيح((3)).

ثانياً: أنّ الكشّي أورد رواية مضمونها: أنّه لما توفّي صفوان بن يحيى،

ص: 260


1- - إقبال الأعمال 1 : 29.
2- - الإرشاد 2 : 246.
3- - الكافي 7 : 54، كتاب الوصايا، باب صدقات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وفاطمة والأئمة (علیهم السلام) ووصاياهم، ح 8 .

[212] 15 - وَفِي «عُيُونِ الأَخْبَارِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْهَمَدانِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ - فِي حَدِيثٍ - : أَنَّ الرِّضَا (علیه السلام) (كَانَ رُبَّمَا يُصَلِّي)(1) فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَإِنَّمَا يَنْفَتِلُ(2) مِنْ صَلاتِهِ سَاعَةً فِي صَدْرِ النَّهَارِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ، وَعِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَهُوَ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِقَاعِدٌ فِي مُصَلَّاهُ، يُنَاجِي رَبَّهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

أمره الإمام أبو جعفر الثاني (علیه السلام) بالصلاة عليه، وهو من أعمام الإمام الجواد (علیه السلام) ((4)).

ثالثاً: أنّ الشيخ المفيد ذكر: أنّه من أولاد الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) ، ولكلّ واحد من أولاده فضل ومنقبة مشهورة((5)).

[15] - فقه الحديث:

يدلّ الخبر على أنّ أكثر وقت الإمام الرضا (علیه السلام) مستغرق في الصلاة،

ص: 261


1- في المصدر: لأنّه ربما صلَّى.
2- انفتل فلان عن صلاته: أي انصرف. (لسان العرب 11 : 514، مادة: «فتل»).
3- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 197، ب44، ح 6، ويأتي صدره في الحديث 4 من الباب 30 من أبواب أعداد الفرائض.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 792/961.
5- - الإرشاد 2 : 246.

وفعله (علیه السلام) حجة، وأدلة التأسّي تفيد رجحان ذلك. وعليه فقد دلّ الحديث على استحباب الجد والاجتهاد في العبادة.

وقوله: «وإنّما ينفتل من صلاته»، أي: ينصرف من الصلاة في هذه الأوقات. فيدل على كراهة الصلاة فيها، كما ورد في غيره من الأحاديث.

سند الحديث:

في السند أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني: كما في هذه الطبعة من«الوسائل». وكذا في نسخة «عيون أخبار الرضا»((1))

: «أحمد بن زياد» بدل «أحمد بن زيد» ، وهو الصحيح.

وهو من مشايخ الصدوق (قدس سره) ، وقد وثّقه صريحاً، وترضّى عنه في موارد كثيرة.

قال في «كمال الدين وتمام النعمة»: «لم أسمع هذا الحديث إلّا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضی الله عنه) بهمدان، عند منصرفي من حجّ بيت اللَّه الحرام، وكان رجلاً ثقة ديّناً فاضلاً، رحمة اللَّه عليه ورضوانه»((2)). وقد روى عنه عليّ بن إبراهيم كثيراً.

وأمّا عبد السلام بن صالح الهروي: فهو أبو الصلت الهروي. قال النجاشي: «عبد السلام بن صالح، أبو الصلت الهروي، روى عن الرضا (علیه السلام) ،

ص: 262


1- - الإرشاد 2 : 246.
2- - كمال الدين وتمام النعمة: 369.

ثقة، صحيح الحديث، له كتاب وفاة الرضا (علیه السلام) »((1)).

وقد عدّه الشيخ في باب الكنى من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «أبو الصلت، الخراساني، الهروي، عامي»((2)).

وقد ترجم له العامّة في كتبهم في الرجال والتراجم، وأثنوا عليه، ووثّقوه،ولم يضعّفه إلّا الشاذّ منهم، كالعقيلي والجعفي((3)

ورموه بالتشيّع وحب آل البيت (علیهم السلام) .

والظاهر أنّه شيعي، بل كان مجاهراً بعقيدته أيضاً؛ ومن هنا تسالم علماء العامة على أنّه شيعي، وما ذكره الشيخ من أنّه عامي - على فرض صحّة نسخة «الرجال» - فهو من سهو قلمه الشريف، ولكن نسختا الميرزا والمولى القهبائي خاليتان عن ذكر ذلك.

وعليه فهذا الحديث معتبر.

ص: 263


1- - رجال النجاشي: 245/643.
2- - رجال الطوسي: 360/5328.
3- - ميزان الاعتدال 2 : 616.

[213] 16 - وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : أَنَّهُ كَانَ (علیه السلام) قَلِيلَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ، كَثِيرَ السَّهَرِ، يُحْيِي أَكْثَرَ لَيَالِيهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى الصُّبْحِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَلا يَفُوتُهُ صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ، وَيَقُولُ: ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْهُ فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ. فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَهُ فِي فَضْلِهِ فَلا تُصَدِّقْهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[16] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على شدّة اجتهاد الإمام الرضا (علیه السلام) في طاعة اللَّه، ومدى انقطاعه إليه وتمسّكه به، بحيث صرف عمره الشريف في العبادة ليلاً ونهاراً، وكان لا يفتر عنها ساعة. فينبغي لشيعته بقدر استطاعتهم التأسّي به والاقتداء بأفعاله (علیه السلام) ، والسير على نهجه. ودلالة الحديث على مطلوبية إحياء أكثر الليالي بالعبادة، وكثرة الصيام، وخصوص صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر الذي هو بمثابة صوم الدهر، وأيضاً مطلوبية كثرة المعروف والصدقة في السر، كلّ ذلك للتأسي؛ ولعل كثرة صدور الصدقة من الإمام (علیه السلام) سرّاً في الليالي المظلمة، لأجل زيادة إخفاء هذه الطاعة؛ فإنالظلمة تمنع من التعرف عليه صلوات الله عليه.

ص: 264


1- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 197، ب44، ح7.

سند الحديث:

في السند: جعفر بن نعيم بن شاذان: وهومن مشايخ الصدوق (قدس سره) ، وقد ترضّى عنه((1)

فيكون ثقة.

وأمّا أحمد بن إدريس وإبراهيم بن هاشم، فقد تقدّمت ترجمتهما.

وأمّا إبراهيم بن العباس: فهو إبراهيم بن العباس بن محمّد بن صول تكين، الصولي، الشاعر المشهور، أبو إسحاق، أصله من خراسان، من ألمع شعراء عصره، بحيث قال عنه شاعر أهل البيت (علیهم السلام) دعبل الخزاعي: «لو تكسّب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير شي ء»((2)).

وترجم له العامّة أيضاً في كتبهم. قال عمر كحالة في «معجم المؤلّفين»: «إبراهيم بن العباس بن محمّد بن صول الصولي (أبو إسحاق)، أحد البلغاء والشعراء الفصحاء والكتّاب. مات بسامرا، كان إليه ديوان الرسائل في مدة جماعة من الخلفاء، وكان ظريفاً (نبيلاً). له من التصانيف: ديوان رسائله، ديوان شعره، كتاب الدولة، كتاب الطبيخ، وكتاب العطر»((3)) .

وقال الخطيب البغدادي: «إبراهيم بن العباس بن محمّد بن صول، مولى يزيد بن المهلّب، يكنّى أبا إسحاق الصولي، وأصله من خراسان، وكان كاتباً من أشعر الكتّاب، وأرقّهم لساناً، وأسيرهم قولاً، وله ديوان شعر

ص: 265


1- - كما في علل الشرائع 1 : 67، ب56، ح1، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 19، ب30، ح39 و44.
2- - الأعلام 1 : 45.
3- - معجم المؤلفين 1 : 42.

مشهور، وكان صول جد أبيه وفيروز أخوين تركيين ملكين بجرجان، يدينان بالمجوسيّة، فلمّا دخل يزيد بن المهلّب جرجان أمّنهما، فأسلم صول على يده، ولم يزل معه حتّى قتل يوم العقر، وقد روى إبراهيم بن العباس عن عليّ بن موسى الرضا»((1)) .

والظاهر أنّه شيعي؛ يظهر ذلك من رواياته في فضائل الإمام عليّ بن موسى الرضا (علیه السلام) ، ومناقب أهل البيت (علیهم السلام) . وقد اتّصل بالإمام الرضا (علیه السلام) اتّصالاً وثيقاً، بحيث كان من خواصّه وجلسائه، وقد مدحه في شعره((2)).

وروى الأصفهاني في «الأغاني» أيضاً مدحه للرضا (علیه السلام) ، وإهداء الإمام له عشرة آلاف من دراهمه، وجعل بعضها لمهور نسائه، وبعضها لكفنه وجهازه إلى قبره((3)).

ص: 266


1- - تاريخ بغداد 6 : 115.
2- - أمالي المرتضى 2 : 130.
3- - الأغاني 10 : 277.

[214] 17 - وَفِي «الْخِصَال»ِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي محمّد الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «يَا أَبَا الْمِقْدَامِ، إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ (علیه السلام) الشَّاحِبُونَ، النَّاحِلُونَ، الذَّابِلُونَ، ذَابِلَةٌ شِفَاهُهُمْ، خَمِيصَةٌ بُطُونُهُمْ، مُتَغَيِّرَةٌ أَلْوَانُهُمْ، مُصْفَرَّةٌ وُجُوهُهُمْ، إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ اتَّخَذُوا الأَرْضَ فِرَاشاً، وَاسْتَقْبَلُوا الأَرْضَ بِجِبَاهِهِمْ، كَثِيرٌ سُجُودُهُمْ، كَثِيرَةٌ دُمُوعُهُمْ، كَثِيرٌ دُعَاؤُهُمْ، كَثِيرٌ بُكَاؤُهُمْ، يَفْرَحُ النَّاسُ وَهُمْ مَحْزُونُونَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

قد اتضح معنى الحديث ممّا مرّ في الحديث السادس، والحصر في المقام يدل على أنّ المراد أعلى مراتب الشيعة، فإنهم متّصفون بهذه الأوصاف الدالة على معاناتهم الجهد والمشقة في عبادة اللَّه تعالى.

سند الحديث:

في السند: محمّد بن أحمد: والظاهر أنّه محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري؛ لأنّه هو الذي يروي عنه أحمد بن إدريس كثيراً، وقد ورد في طريقه في مشيخة «الفقيه»((2)) و«التهذيب»((3)) ولا يراد به محمّد بن أحمد بن

ص: 267


1- الخصال: 444 ، ح 40.
2- - من لا يحضره الفقيه 4 : 460، المشيخة.
3- - تهذيب الأحكام 10 : 71، المشيخة.

عبداللَّه الرازي؛ لأنّه قليل الرواية عنه، بل لم يرو عنه في شي ء من الكتب الأربعة. وعلى هذا فالذي يروي عنه أحمد بن إدريس غالباً هو محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري الثقة.

وأمّا أبو محمّد الأنصاري: فهو عبد اللَّه بن إبراهيم بن أبي عمر الأنصاري. قال الصدوق عنه في «معاني الأخبار»: «وكان خيّراً»((1))، وهو من ألفاظ الحسن، بل يمكن جعله من أسباب التوثيق.

وأمّا عمرو بن أبي المقدام: فقد تقدّم أنّه ثقة.

وأمّا أبوه: فهو ثابت بن هرمز الفارسي، أبو المقدام العجلي، ولم يوثّق في كتب الرجال، بل روى الكشّي رواية معتبرة في ذمّه عن عليّ بن الحسن، قال: حدّثني العباس بن عامر وجعفر بن محمد، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: «إنّ الحكم بن عُيَيْنة وسلمة وكثيراً وأبا المقدام والتمّار - يعني سالماً - أضلّوا كثيراً ممّن ضلّ من هؤلاء، وإنّهم ممّن قال اللَّه عزّوجلّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبالْيَوْمِ الآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين}»((2)) .

إلّا أنّه ورد في أسناد «تفسير القمي»((3)) ، فيمكن الجمع بأن يقال: إنّه ثقة في حديثه، ضعيف في مذهبه. وعليه فهذا الحديث معتبر السند.

ص: 268


1- - معاني الأخبار: 142.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 509/439. والآية 8 من سورة البقرة
3- - أصول علم الرجال 1 : 278 .

[215] 18 - محمّد بْنُ محمّد بْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيدُ فِي «الإِرْشَادِ»، عَنْ سَعِيدِ بْنِ كُلْثُومٍ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «وَاللَّهِ مَا أَكَلَ عليّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) مِنَ الدُّنْيَا حَرَاماً قَطُّ، حتّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَمَا عُرِضَ لَهُ أَمْرَانِ (كِلاهُمَا)(1) للَّهِ رِضًا إِلَّا أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ(2)، وَمَا نَزَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) نَازِلَةٌ قَطُّ إِلَّا دَعَاهُ ثِقَةً بِهِ، وَمَا أَطَاقَ (أَحَدٌ)(3) عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ رَجُلٍ، كَانَ وَجْهُهُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَرْجُو ثَوَابَ هَذِهِ، وَيَخَافُ عِقَابَ هَذِهِ. وَلَقَدْ أَعْتَقَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ مَمْلُوكٍ فِي طَلَبِ وَجْهِ اللَّهِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ، ممّا كَدَّ بِيَدَيْهِ، وَرَشَحَ مِنْهُ جَبِينُهُ. وَإِنْ كَانَ لَيَقُوتُ أَهْلَهُ بِالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَالْعَجْوَةِ(4)، وَمَا كَانَ لِبَاسُهُ إِلَّا

-----------------------------------------------------------------------------

[18] - فقه الحديث:

الحديث كالأحاديث السابقة في وضوح الدلالة. والعجوة: نوع من التمر، يقال: هو ما غرسه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بيده. والجلم - بالتحريك - : ما يجز به الشعروالصوف كالمقراض.

ص: 269


1- في المصدر: قطّ هما.
2- في نسخة: بدنه. (منه (قدس سره) ).
3- لم ترد في المصدر.
4- العجوة: ضرب من التمر، يقال: هو مما غرسه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بيده. (لسان العرب 15 : 31، مادة: «عجا»).

الْكَرَابِيسَ(1)1*)، إِذَا فَضَلَ شَيْ ءٌ عَنْ يَدِهِ دَعَا بِالْجَلَمِ(2)2*) فَقَطَعَهُ. وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ وُلْدِهِ وَلا أَهْلِ بَيْتِهِ أَحَدٌ أَقْرَبُ شَبَهاً بِهِ فِي لِبَاسِهِ وَفِقْهِهِ مِنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، وَلَقَدْ دَخَلَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) ابْنُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ، فَرَآهُ قَدِ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَوَرِمَتْ سَاقَاهُ وَقَدَمَاهُ مِنَ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : فَلَمْ أَمْلِكْ - حِينَ رَأَيْتُهُ بِتِلْكَ الْحَالِ - الْبُكَاءَ، فَبَكَيْتُ؛ رَحْمَةً لَهُ، فَإِذَا هُوَ يُفَكِّرُ. فَالْتَفَتَ إِلَيَّ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مِنْ دُخُولِي، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَعْطِنِي بَعْضَ تِلْكَ الصُّحُفِ الَّتِي فِيهَا عِبَادَةُ عليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) ، فَأَعْطَيْتُهُ، فَقَرَأَ فِيهَا شَيْئاً يَسِيراً، ثمّ تَرَكَهَا مِنْ يَدِهِ؛ تَضَجُّراً، وَقَالَ: مَنْ يَقْوَى عَلَى عِبَادَةِ عليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (علیه السلام) !»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

طريق الشيخ المفيد (قدس سره) إلى سعيد بن كلثوم بهذا النحو: أخبرني أبومحمّد الحسن بن محمّد بن يحيى، قال: حدثني جدي، قال: حدثني أبو محمّد الأنصاري، قال: حدثني محمد بن ميمون البزّاز، قال: حدثنا الحسين

ص: 270


1- 1*) الكرابيس: جمع كرباس، وهو ثوب خشن أو غليظ من القطن. (معجم الصحاح: 907، والمعجم الوسيط: 781).
2- 2*) في المصدر: إذا فَضَل شَيءٌ عن يَدهِ من كُمِّه دعا بالجَلَم فقصّه. والجلم: المقص. (لسان العرب 12 : 102، مادة: «جلم»).
3- 3*) الإرشاد 2 : 141.

بن علوان، عن أبي عليّ زياد بن رستم، عن سعيد بن كلثوم، قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) ((1)).

وفيه ممّن لم يتقدم سابقاً:

أبو محمّد الحسن بن محمد: الذي قال عنه النجاشي: الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) ، أبو محمّد المعروف بابن أخي طاهر. روى عن جده يحيى بن الحسن وغيره، وروى عن المجاهيل أحاديث منكرة. رأيت أصحابنا يضعفونه((2)).

وهو من مشايخ الصدوق، وكثيراً ما يروى عنه مترضياً((3)).

وعليه فيمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق بكون التضعيف راجعاً إلى نقله عن المجاهيل، وهذا لا يمنع أن يكون ثقة في نفسه.

وفيه أَيضاً: يحيى جد الحسن: وقد ذكره النجاشي بقوله: يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بنأبي طالب (علیهم السلام) ، أبو الحسين العالم الفاضل الصدوق، روى عن الرضا (علیه السلام) ((4))، وترجم له الشيخ في باب «من لم يرو عن واحد عن الأئمّة من الرجال» بقوله: يحيى بن الحسن العلوي، له كتاب نسب آل أبي طالب.

ص: 271


1- - الإرشاد 2 : 141 .
2- - رجال النجاشي: 64/ 150.
3- - الخصال: 76، ح121، و77، ح122 و123، و181، ح247 و248.
4- - رجال النجاشي: 441/1189.

[216] 19 - وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَكَانَتِ الرِّيحُ تُمِيلُهُ مِثْلَ السُّنْبُلَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

روى ابن أخي طاهر عنه((2)).

ولم نجد روايته عن الإمام الرضا (علیه السلام) في أسناد الكتب الأربعة، بل في غيرها أيضاً.

وفيه أَيضاً: أَبو عليّ زياد بن رستم: ويحتمل اتحاده مع زياد بن رستم بن الدوالدون بياع الأدم، أبو معاذ الخزار الكوفي الذي ذكره الشيخ في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) ((3)).

وفيه أيضاً: سعيد بن كلثوم: لم يرد فيه قدح ولا مدح في كتب الرجال.

وعليه فيبقى هذا الحديث غير معتبر من جهة السند، فيكون مؤيّداً لسائر الأحاديث.

[19] - فقه الحديث وسنده:

قد مرّ ما في هذا الحديث متناً((4)). وأما سنداً فهو مرسل؛ لجهالة الواسطة بين الشيخ المفيد وبين عمرو بن شمر. وتقدمت ترجمة عمرو بن شمر وجابر بن يزيد الجعفي.

ص: 272


1- الإرشاد 2 : 143، وفيه: «بمنزلة» بدل: «مثل».
2- - رجال الشيخ: 450/ 6397.
3- - رجال الطوسي: 209/ 2705.
4- - راجع الرقم العام في فقه الحديث 209.

[217] 20 - محمّد بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُوسَوِيُّ الرَّضِيُّ فِي «نَهْجِ الْبَلاغَةِ»، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) فِي خُطْبَةٍ لَهُ، قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ وَالتَّأَهُّبِ وَالاسْتِعْدَادِ وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[20] - فقه الحديث:

حثّ (علیه السلام) على الجد والاجتهاد، ولم يذكر متعلقها، ولكن من الواضح من هذه الخطبة: أنّ المراد الجد في العمل والاجتهاد فيه، والتأهب والاستعداد للموت وما بعده من مراحل لابدّ لكل إنسان من أن يطويها، وإنما يكون التأهب لتلك المراحل بالعمل الصالح والعبادة النافعة، ولذا عقّبه (علیه السلام) بقوله: «والتزود»، أي: التزود بالتقوى والعمل الصالح في منزل الزاد، يعني الدنيا، فهي المنزل الذي ينزل فيه الإنسان وهو في طريق السفر إلى الآخرة. وإضافة المنزل إلى الزاد لإفادة أن هذا المنزل ينحصر فيتحصيل زاد الآخرة فيه. ثمّ إنه لعلّ الفرق بين الجدّ والاجتهاد: «أنّ الأول صفة للعزم والنية، والثاني للعمل»، ونظيره الفرق بين التأهب والاستعداد، «فالتأهب للعزم، والاستعداد للعمل»((2)).

سند الحديث:

الحديث محكوم بالإرسال.

ص: 273


1- 1*) نهج البلاغة 2 : 224 ، الخطبة: 230 .
2- - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 14 : 419.

[218] 21 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، قَالَ: رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ - وَكَانَتْ لَيْلَةً قَمْرَاءَ - فَأَمَّ الْجَبَّانَةَ(1)، وَلَحِقَهُ جَمَاعَةٌ يَقْفُونَ أَثَرَهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، ثمّ قَالَ: «مَنْ أَنْتُمْ؟» قَالُوا: شِيعَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَفَرَّسَ فِي وُجُوهِهِمْ، ثمّ قَالَ: «فَمَا لِي لا أَرَى عَلَيْكُمْ سِيمَاءَ الشِّيعَةِ»!؟ قَالُوا: وَمَا سِيمَاءُ الشِّيعَةِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «صُفْرُ الْوُجُوهِ مِنَ السَّهَرِ، عُمْشُ(2) الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، حُدْبُ الظُّهُورِ مِنَ الْقِيَام،ِ خُمُصُ الْبُطُونِ مِنَالصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ، عَلَيْهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

دلالة الحديث واضحة.

أمّا قوله (علیه السلام) : «عليهم غبرة الخاشعين»، فالغبرة - بالتحريك - : الغبار بضم الغين، وهو العجاج والكدورة، وفي بعض النسخ بالعين المهملة، أي: بكاؤهم، وفي بعضها بالمعجمة، أي: ذلّهم وشعثهم، وفي «القاموس»: الغبراء: من السنين الجدبة، وبنو غبراء الفقراء، والمغبرة قوم يغبرون بذكر

ص: 274


1- في المصدر: فأتى الجبانة. والجبّانة بالتشديد: الصحراء، وتسمّى بها المقابر؛ لأنّها تكون في الصحراء، تسمية للشي ء بموضعه. (لسان العرب 13 : 85، مادة: «جبن»).
2- العَمَش: ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها. (لسان العرب 6 : 320، مادة: «عمش»)، والمعجم الوسيط: 628.
3- أمالي الطوسي: 216، ح 377.

[219] 22 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِلالِ بْنِ محمّد الْحَفَّارِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عليّ الدِّعْبِلِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ عليّ أَخِي دِعْبِلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیهم السلام) أَنَّهُ قَالَ لِخَيْثَمَةَ: «أَبْلِغْ شِيعَتَنَا: أَنَّا لا نُغْنِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، وَأَبْلِغْ شِيعَتَنَا: أَنَّهُ لا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَبْلِغْ شِيعَتَنَا: أَنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلاً ثمّ خَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَبْلِغْ شِيعَتَنَا: أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا بِمَا أُمِرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------اللَّه، أي: يهلّلون ويردّدون الصوت بالقراءة وغيرها، سمّوا بها؛ لأنّهم يرغّبون الناس في الغابرة، أي: الباقية((2)) .

سند الحديث:

هذا الحديث مرسل، وهو مؤيّد لبقية الأحاديث.

[22] - فقه الحديث:

في هذا الحديث إبلاغات أربعة: أحدها - وهو محلّ الشاهد - قوله (علیه السلام) : «وأبلغ شيعتنا: أنّه لا ينال ما عند اللَّه إلّا بالعمل»، ولا يخفى ما فيه من الحثّ على العمل، وعدم الاتّكال على مجرّد الاعتقاد بإمامة الأئمة (علیهم السلام) .

ص: 275


1- أمالي الطوسي: 370، ح796.
2- - القاموس المحيط 2 : 99 مادة: «غبر».

أَقُولُ: وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدّاً، وَقَدْ تقدّم بَعْضُهَا(1)1*)، وَيَأْتِي جُمْلَةٌ أُخْرَى مِنْهَا مُتَفَرِّقَةً(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وفيه مدح للشيعة العاملين، وتعريض بغير الشيعة؛ حيث أثبت لهمالحسرة، وأنّهم أعظم الناس حسرة يوم القيامة.

سند الحديث:

في السند: هلال بن محمّد الحفّار: وهو أبو الفتح، هلال بن محمّد بن جعفر بن سعدان، الحفار، من مشايخ الشيخ الطوسي، يروي عنه الشيخ في «أماليه» أحاديث في فضل أهل البيت (علیهم السلام) ، وقد ترجم له العامة، فقال تلميذه الخطيب البغدادي: «كتبنا عنه، وكان صدوقاً»((3)).

وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء»: «الشيخ الصدوق، مسند بغداد، أبو الفتح، هلال بن محمّد بن جعفر بن سعدان بن عبدالرحمن بن ماهويه بن مهيار بن المرزبان»((4)).

ص: 276


1- 1*) تقدم ما يدل عليه: أ - في الحديث 2 من الباب 16 من أبواب مقدمة العبادات. ب - وتدل عليه أيضاً أحاديث الباب 19 من هذه الأبواب.
2- 2*) تأتي جملة أخرى: أ - في الحديث 1 من الباب 22 من أبواب مقدمة العبادات. ب - في الحديث 14 ، 16 ، 31 من الباب 4 من أبواب جهاد النفس.
3- - تاريخ بغداد 14 : 76.
4- - سير أعلام النبلاء 17 : 293.

ويطلق هلال بن محمّد الحفّار على: هلال بن محمّد بن جعفر بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) الحفار، ذكره في «الرياض» وقال: عالم عظيم القدر والشأن وهو من أجلاء هذه الطائفة الحقّة الإمامية، وكان من مشايخ الشيخ الطوسي((1)).

وكذلك ذكره العلامة المجلسي((2)) والسيد بحر العلوم((3))

(رحمه الله) وغيرهما((4)

وقد نقل عن كلّ منهما «المسندللإمام الرضا (علیه السلام) » و«الأمالي»((5)).

وأمّا إسماعيل بن عليّ الدعبلي: فقد قال النجاشي فيه: «إسماعيل بن عليّ بن عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن بُدَيْل بن ورقاء، الخزاعي، ابن أخي دِعْبِل، كان بواسط مقامه، وولي الحسبة بها، وكان مختلطاً، يعرف منه وينكر، له كتاب تاريخ الأئمة، وكتاب النكاح»((6)).

وقال الشيخ : «وكان مختلط الأمر في الحديث، يعرف منه وينكر...» ((7)).

وعن ابن الغضائري: «كان كذّاباً وضّاعاً، لا يلتفت إلى ما رواه عن أبيه عن الرضا (علیه السلام) ، ولا غير ذلك، ولا ما صنّف»((8)). وعليه فيكون ضعيفاً.

ص: 277


1- - رياض العلماء 5 : 325.
2- - بحار الأنوار 104 : 136. وفيه: «الجبّار» بدل «الحفّار».
3- - الفوائد الرجالية 4 : 97.
4- - خاتمة المستدرك 3 : 184 ، الفائدة الثالثة، والمعجم للسيد الخوئي) 20 : 342/13399.
5- - أمالي الطوسي: 331 ؛ المجلس12 ، الفهرست للشيخ الطوسي: 50/ 37.
6- - رجال النجاشي: 32/69.
7- - فهرست الطوسي: 50/37.
8- - خلاصة الأقوال: 316.

وأمّا عليّ بن عليّ أخو دعبل بن علي: فلم يرد فيه توثيق ولا مدح. قال النجاشي: «علي بن عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن بُدَيْل بن ورقاء الخزاعي، أبو الحسن، أخو دعبل بن علي. ما عرفحديثه إلّا من قبل ابنه إسماعيل، له كتاب كبير عن الرضا (علیه السلام) »((1)) .

وعليه فهذا الحديث وإن كان من حيث السند ضعيفاً؛ لاشتماله على عدّة مجاهيل، إلّا أنّ مضمونه صحيح، موافق للأحاديث المعتبرة، فيكون مؤيّداً لها.

والحاصل: أنّ في هذا الباب اثنان وعشرون حديثاً، اثنا عشر منها معتبرة، وعشرة ضعاف.

المستفاد من أحاديث الباب

ويستفاد منها أمور، وهي:

1 - الحثّ على الجدّ والاجتهاد في العبادة.

2 - أنّ أقصى مراتب الجدّ والاجتهاد كان من نصيب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، ومن بعده حفيده الإمام زين العابدين (علیه السلام) .

3 - أنّ الجدّ والاجتهاد من صفات أصحاب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم).

4 - أنّ الجدّ والاجتهاد من سيماء الشيعة وخصالهم.

5 - أنّه لا تنال الولاية إلّا به.

6 - أنّ الجد والاجتهاد سبب للفوز في يوم القيامة.

ص: 278


1- - رجال النجاشي: 276/727.

21 - باب استحباب استواء العمل، والمداومة عليه، وأقله سنة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

21 - باب استحباب استواء العمل، والمداومة عليه،

وأقلّه سنة

شرح الباب:

هذا الباب فيه تحريض وترغيب للمؤمنين في المواظبة والمداومة على العمل القليل الذي تدوم الطاعة والعبادة به؛ لأنّ القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : «قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه»((1)). والمراد بالعمل هو العمل المندوب، كالنوافل والأدعية وسائر المستحبات، بقرينة جواز التحوّل، كما سيأتي في أحاديث الباب.

وأمّا الفرائض فتجب المداومة عليها على الوجه المأمور به شرعاً، ولا يجوز تركها. ثمّ إنّ أقلّ المداومة على العمل سنة، ثمّ بعدها يتحوّل إلى غيره من الطاعات إن شاء.

الأقوال:

الظاهر أنّ الحكم مورد اتّفاق بين الفريقين:

ص: 279


1- - نهج البلاغة 4 : 68 ، الحكمة: 444 .

أمّا الخاصة: فيظهر ذلك من أحاديث الباب نفسها وغيرها.

وأمّا العامة: فقد قال في «فتح الباري»: «قوله والمداومة على العمل، أي: الصالح، ذكر فيه ثمانية أحاديث أكثرها مكرّر، وفي بعضها زيادة على بعض، ومحصّل ما اشتملت عليه الحثّ على مداومة العمل الصالح وإن قلّ»((1)) .

وقال في «تحفة الأحوذي»: «وفي الحديث أنّ العمل القليل مع المداومة والمواظبة خير من العمل الكثير مع ترك المراعاة والمحافظة»((2)).

ويظهر ذلك أيضاً من رواياتهم، فقد روى أحمد والنسائي عن أمّ سلمة، أنّها قالت: ما مات رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) حتّى كان أكثر صلاته قاعداً، إلّا المكتوبة، وكان أحبّ العمل إليه أدومه، وإن قلّ ((3)).

ص: 280


1- - فتح الباري شرح صحيح البخاري 11 : 252.
2- - تحفة الأحوذي 8 : 112.
3- - مسند أحمد 6 : 319 ، وسنن النسائي 3 : 222.

[220] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ عِيسَى ابْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) يَقُولُ: إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أَقْدمَ عَلَى رَبِّي وَعَمَلِي مُسْتَوٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

في هذا الحديث تحريض وحثّ على مراقبة ومحاسبة المؤمن نفسه، بحيث يكون عمله مستوياً من حيث الكمّيّة والكيفيّة، والزيادة والنقصان، وأن لا يكون بعضه أضعف من بعض. ويمكن أن يكون المراد: الاستواء في الترقّي، فيكون فيه حثّ على الإكثار والزيادة من الخير؛ ليكون يومه أفضل من أمسه؛ لما روي من أنّ «من تساوى يوماه فهو مغبون»((2)).

والحديث يدلّ على استحباب استواء العمل، ولازمه المداومة عليه.

سند الحديث:

رواة الحديث كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، ما عدا:

عيسى بن أيوب: وهو أبو محمد، عيسى بن محمّد بن أيّوب الأشعري،لم يرد فيه مدح أو ذمّ، وقد وقع في طريق الشيخ في «الفهرست» إلى كتاب

ص: 281


1- الكافي 2 : 83، باب استواء العمل والمداومة عليه، ح 5.
2- - أمالي الصدوق: 766، المجلس الخامس والتسعون، ح1030، وورود هذا الحديث في كثير من المصادر ب-«استوى» أو «اعتدل» بدل «تساوى».

[221] 2 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) يَقُولُ: إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أُدَاوِمَ عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنْ قَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عليّ بن حديد((2)).

وعليه فهذا الحديث من حيث السند غير تام؛ لعدم وثاقة عيسى بن أيوب.

إلّا أنّه يمكن تصحيح السند بوجوه أخرى:

الأوّل: أنّ لابن إدريس أبي عليّ الأشعري طريقاً صحيحاً آخر إلى جميع كتب عليّ بن مهزيار، لا يمرّ بعيسى بن أيّوب((3)).

الثاني: أنّ كتب عليّ بن مهزيار مشهورة، كما يظهر من النجاشي والصدوق((4))، ومعه فلا حاجة إلى الطريق.

الثالث: أنّ كتاب العلاء بن رزين قد رواه جماعة((5))، ومعناه: أنّ كتابه معروف ومشهور، فلا يحتاج إلى طريق. وعليه فيكون معتبراً.

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ العمل الدائم - وإن قلّ - أحسن من العمل الكثير

ص: 282


1- الكافي 2 : 82 ، باب استواء العمل والمداومة عليه، ح 4.
2- - فهرست الطوسي: 153/382.
3- - يظهر من الفهرست: 152/379 في ترجمة عليّ بن مهزيار.
4- - رجال النجاشي: 253/664، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 4، المقدمة.
5- - رجال النجاشي: 298/811.

[222] 3 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ نَجِيَّةَ(1)1*)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَمَلٍ يُدَاوَمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

الذي يترك. فهذا الحديث دلالته واضحة على محبوبية المداومة على العمل.

سند الحديث:

السند إلى فضالة متّحد مع السند المتقدّم. وهذا السند وإن وقع فيه عيسى بن أيّوب غير الموثّق، إلّا أنّه يمكن تصحيحه بالوجهين الأوّلين المتقدّمين.

[3] - فقه الحديث:

قد اتّضحت دلالة الحديث ممّا مرّ، بل هو أوضح ممّا قبله.

سند الحديث:

في السند: نجيّة: كما في «الوسائل». وفي «جامع أحاديث الشيعة»((3)) ، و«المرآة»((4)): نجبة.

ص: 283


1- 1*) في المصدر: نجبَة.
2- 2*) الكافي 2 : 82، باب استواء العمل والمداومة عليه، ح 3.
3- - جامع أحاديث الشيعة 1 : 424، ب 18 من أبواب المقدمات، ح 13.
4- - مرآة العقول 8 : 81.

ونجيّة: مشترك بين ثلاثة أشخاص:

بحث رجالي في نجيّة

أحدهم: نجيّة بن إسحاق: وهو لم يرد فيه توثيق. نعم، روى الصدوق عن أبيه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا محمّد بن زياد مولى بني هاشم، قال: حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له: نجيّة بن إسحاق الفزاري، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن الحسن، قال: قال لي أبو الحسن: «لم سمّيت فاطمة فاطمة.. الخ»((1)). ولم يرد اسمه إلّا في هذه الرواية، ولا يستفاد منه التوثيق؛ لأنّ احتمال كون المراد من محمّد بن زياد مولى بني هاشم هو: ابن أبي عمير، في غاية البعد؛ لأنّه غير معروف بهذا، على ما يظهر ممّا ذكره النجاشي، بل إنّ النجاشي((2)) وغيره((3)) وصفوه بأنّه: من موالي المهلّب، أو بني أميّة.

وعليه فالظاهر: أنّ المراد به هو أبو عبد اللَّه محمّد بن زياد الكوفي، المعروف بابن الأعرابي، مولى بني هاشم، الذي كان أحد العلماء باللغة، والمشهورين بمعرفتها، وكان يحضر مجلسه جمع كثير، وأخذ عن أبي معاوية الضرير والقاسم بن معن، وأخذ عنه أبو العبّاس ثعلب وابن السكّيت وإبراهيم الحربي وغيرهم، ومن تصانيفه «النوادر» و «الالفاظ»، ولد سنة

ص: 284


1- - علل الشرائع 1: 178، باب 142، العلة التي من أجلها سميت فاطمة ÷ فاطمة، ح2.
2- - رجال النجاشي: 326/887.
3- - خلاصة الأقوال: 239.

150 ه- ، ومات سنة 231 ه-((1)).

الثاني: نجيّة بن الحارث العطّار: لم يذكر بمدح ولا قدح، إلّا أنّه روى عنه المشايخ الثقات((2)

فيكون ثقة.

الثالث: نجيّة بن الحارث القوّاس: قال الكشّي: «قال حمدويه: قال محمّد بن عيسى: نجيّة بن الحارث شيخ صادق، كوفي، صديق عليّ بن يقطين»((3)) .

والظاهر: أنّ نجيّة ينصرف إلى نجيّة بن الحارث العطّار متى ما أطلق؛ لاشتهاره وكثرة أخباره، وبهذا تثبت وثاقته. وعليه فالكلام في هذا السند كالكلام في سابقيه.

ص: 285


1- - الأنساب 1 : 187 ، والروضات: 686 ، ومعجم الأدباء 18 : 189 ، والوافي بالوفيات 3 : 66، وتاريخ بغداد 2 : 354.
2- - أصول علم الرجال 2 : 215.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 480.

[223] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَدُمْ عَلَيْهِ سَنَةً، ثمّ يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَكُونُ فِيهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

السّر في المداومة على العمل، إلی سنة

[4] - فقه الحديث:

يدل الحديث على محبوبيّة المداومة على العمل، وأقلّه سنة؛ فإنّه وإن لم تجرِ قاعدة الإطلاق والتقييد في المندوبات، ولكن يمكن أن يجعل هذا الحديث قرينة على أنّ أقلّ المداومة سنة؛ لما ورد فيها من التعليل. مضافاً إلى ما يأتي في الحديث السادس؛ والوجه في ذلك مصادفة ليلة القدر، التي فيها ما شاء اللَّه من الثواب العظيم والأجر الجزيل، فيكون ثواب العمل مضاعفاً، أو صيرورة تلك المصادفة سبباً لتقدير الأمور العظيمة والبركات الكثيرة له. وقوله (علیه السلام) : «ثم يتحوّل عنه إن شاء إلى غيره» دليل على أنّ أحاديث الباب مختصّة بالمندوبات؛ بقرينة التحوّل عنها إلى غيرها من الطاعات.

سند الحديث:

رواة الحديث كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

ص: 286


1- الكافي 2 : 82، باب استواء العمل والمداومة عليه، ح 1.

وعليه فسند هذا الحديث معتبر.[224] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَاوَمَ(1) الْعَبْدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ»(2).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

اتّضح فقه الحديث ممّا تقدّم.

اسناد إبن إدریس إلی كتاب حریز

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

الثاني: ما رواه ابن إدريس في آخر «السرائر» نقلاً من كتاب حريز بن عبداللَّه، عن زرارة.

ص: 287


1- في هامش المخطوط: دام. (منه (قدس سره) ).
2- الكافي 2 : 82، باب استواء العمل والمداومة عليه، ح 2، ويأتي صدره في الحديث 11 من الباب 27 من هذه الأبواب، وتمامه في الحديث 10 من الباب 3 من أبواب المواقيت.
3- السرائر 3 : 625، وفيه: «دام» بدل «داوم».

[225] 6 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِيَّاكَ أَنْ تَفْرِضَ عَلَى نَفْسِكَ فَرِيضَةً، فَتُفَارِقَهَا اثْنَيْ عَشَرَ هِلالاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وكتاب «السرائر» من الكتب المعتمدة عند أصحابنا، ويوجد في خاتمته مجموعة من الروايات، قد ألحقها مصنّفه في آخره، وقد وقع الكلام في هذه الروايات؛ لأنّها بالنظرة البدويّة تكون مرسلة؛ وذلك لأنّ ابن إدريس لم يذكر الطريق إلى صاحب الكتاب الذي ينقل عنه. وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة((2)):

إمكان تصحيح هذه الروايات، واستظهار طريق لابن إدريس إلى هذه الكتب. والطريق هنا إلى كتاب حريز وإن لم يذكره ابن إدريس، إلّا أنّ طريق الشيخ صحيح إلى كتاب حريز بن عبد اللَّه، وحيث إنّ لابن إدريس طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات الشيخ وكتبه، فيكون طريق الشيخ إلى كتاب حريز طريقاً لابن إدريس، وبهذا يكون السند معتبراً أيضاً.

وعليه فهذا الحديث واضح الدلالة، كما أنّه معتبر بكلا طريقيه.

[6] - فقه الحديث:

يستفاد من الحديث: أنّ المكلّف ينبغي له أن لا يفرض شيئاً على نفسه

ص: 288


1- الكافي 2 : 83 ، باب استواء العمل والمداومة عليه، ح 6.
2- - أصول علم الرجال 1 : 192.

من الطاعات، ثمّ يفارقه ويتركه قبل السنة. فهذا الحديث يدل على استحباب المداومة على العبادة والاعتياد عليها، وأقلّها سنة كاملة. والظاهر من قوله (علیه السلام) : «إيّاك أن تفرض» : أنّ المراد: لا يلزم على نفسه إتيان شي ء من المندوبات، وإلّا فالفرائض مفروضة عليه من اللَّه سبحانه وتعالى، كما أنها ليست مقيّدة بسنة واحدة.

سند الحديث:

رواة الحديث كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم ماعدا:

عبد الكريم بن عمرو: وهو عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي. قال النجاشي: وقف على أبي الحسن (علیه السلام) ، كان ثقة، ثقة، عيناً، يلقب كرّاماً، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا ((1)).

وقال الشيخ: من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، واقفي، خبيث ((2)).

وقال المفيد في حقّه: إنّه من الفقهاء الأعلام، الرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّواحد منهم((3)).

وروى عنه المشايخ الثقات((4)). وعليه فلا إشكال في وثاقته، وإن كان

ص: 289


1- - رجال النجاشي: 245/645.
2- - رجال الطوسي: 339/5051.
3- - الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 42.
4- - أصول علم الرجال 2 : 198 .

[226] 7 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَا أَقْبَحَ الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى، وَأَقْبَحَ الْخَطِيئَةَ بَعْدَ الْمَسْكَنَةِ. وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ الْعَابِدُ للَّهِ، ثمّ يَدَعُ عِبَادَتَهُ»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

واقفياً، خبيثاً.

والسند موثق حينئذٍ.

[7] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ الفقر الذي يكون من فعل العبد واختيارهبالإسراف والتبذير بعد الغنى قبيح، أو أن الفقر نفسه - وإن لم يكن بفعله - عند الناس قبيح، وكذلك الخطيئة بعد المسكنة، فإنَّ الخطيئة والمعصية مع شدّة الفقر موجبة لخسران الدنيا والآخرة، مع أنّ الإقبال على الواجبات والأعمال الصالحة ربّما يوجب خلاصه من المسكنة. وأقبح من ذلك - أي:

ص: 290


1- الكافي 2 ص 84 ، باب استواء العمل والمداومة عليه ، ح 6.
2- يأتي في: أ - الحديث 10 من الباب 28 من هذه الأبواب. ب - الحديث 1 من الباب 14 من أبواب أعداد الفرائض. ج - الحديث 2 من الباب 26 من أبواب أعداد الفرائض.

من الأخير، أو من كليهما - من ذاق طعم العبادة والأنس مع ربه، ثمّ يقطعها ولا يبالي بها، فيصير حاله كحال سائر الناس. وعليه فالحديث ظاهر فيمن قطع العبادة رأساً. ويمكن القول بإطلاقها، وأن يكون مطلق القطع مورداً للذمّ. وقبح الخطيئة وإن كان متضمّناً للحرمة أيضاً، ولكنّ المراد: مطلق القبح الشامل للقبح العرفيّ، فلا يدل على حرمة قطع العبادة، أو عدم المداومة عليها فيفيد الذمّ فقط.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المراد بالعبادة: الفرائض أيضاً، فيكون تركها مطلقاً موجباً للحرمة، والسرّ في ذلك: أنّ كلّ واحد منهم انتقل من مقام أعلى إلى مقام أدنى، ومن البيّن: أنّ مقام الطاعة أرفع من مقام الغنى والمسكنة، فيكون ترك الطاعة أقبح. وعليه فيدل على: مطلوبية المداومة على الطاعة.

سند الحديث:

رواة الحديث كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، والسند معتبر.

والحاصل: أنّ في هذا الباب سبعة أحاديث، خمسة منها صحاح، واثنان موثّقان.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد منها أمور:

الأوّل: أنّ المداومة على العمل وإن قلّ أحبّ شي ء إلى اللَّه عزّوجلّ.

الثاني: أنّ المداومة على العمل وإن قلّ أحبّ الأعمال إلى اللَّه عزّوجلّ.

الثالث: أنّ المداومة على العمل واستواءه محبوب عند الإمام السجاد (علیه السلام) .

ص: 291

الرابع: أنّ الامام الصادق (علیه السلام) أمر بالمداومة على العمل إلى سنة.

الخامس: أّن عدم المداومة على العمل وفراقه قبل اثني عشر هلالاً منهيّ عنه.

السادس: أنّ عدم المداومة على العمل وقطعه أقبح من الفقر بعد الغنى، والخطيئة بعد المسكنة.

ص: 292

22 - باب استحباب الاعتراف بالتقصير في العبادة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

22 - باب استحباب الاعتراف بالتقصير في العبادة

شرح الباب:

الغرض من هذا الباب: هو بيان أنّ المكلّف إذا نسب فضل طاعته إلى نعم اللَّه التي لا تحصى كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} يعدّ نفسه مقصّراً عن أداء شكره، وأداء حقّه اللازم على العباد، مهما بذل من جهد. وهذا معلوم عقلاً ونقلاً؛ فإنّ اللَّه لا يمكن أن يُعبد حقّ عبادته، كما قال سيّد البشر(صلی الله علیه و آله و سلم): «ما عبدناك حقّ عبادتك»((1)) .

وقد ورد في «أصول الكافي» عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «أوحى الله عزوجل إلى موسى (علیه السلام) : يا موسى، اشكرني حقّ شكري، فقال: وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليَّ؟ قال: يا موسى، الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني»((2)).

فينبغي للإنسان الاعتراف بتقصيره عن أداء حقّه، مهما اجتهد في عبادتهوطاعته؛ فإنّ أعماله بالقياس إلى نعم اللَّه تعالى عليه كالعدم.

ص: 293


1- - الاختصاص : 353.
2- - الكافي 2 : 98، كتاب الإيمان والكفر، باب الكفر، ح27، وبحار الأنوار 13 : 351، باب 11 ما ناجى به موسى (علیه السلام) ربه ، ح 41.

وفي هذا الباب أيضاً إشارة إلى ذمّ العجب، والإيمان المعار، والنهي عن استكثار الخير، واستقلال الذنوب، والترغيب في حسن الظن باللَّه، وغير ذلك.

الأقوال:

هذا الحكم مورد اتّفاق بين المسلمين:

أمّا الخاصّة: فيظهر من روايات الباب وعدم وجود ما يعارضها: أن لا خلاف في الفتوى على مضمونها.

وأمّا العامّة: فقال المنّاوي في «فيض القدير شرح الجامع الصغير»: إنّ العبد وإن بالغ في التنزيه والتحميد واجتهد في العبادة والتمجيد، ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقّه تعالى في ذلك((1)).

ص: 294


1- - فيض القدير (شرح الجامع الصغير) 1 : 82.

[227] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ لِبَعْضِ وُلْدِهِ: «يَا بُنَيَّ، عَلَيْكَ بِالْجِدِّ، لا(1) تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ مِنْ حَدِّ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ وَطَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

هذا الحديث واضح الدلالة؛ حيث حثّ (علیه السلام) فيه على الجدّ والاجتهاد في العبادة، ونهى عن أن يرى العابد نفسه خارجة عن حدّ التقصير في أداء حقه، أي: يعتقد ذلك في قرارة نفسه؛ لأنّه مهما بالغ في الاجتهاد في جميع الطاعات، والانقطاع إليه تعالى، فإنّ ذلك لا يفي بشكر نعمة واحدة من نعمه سبحانه وتعالى، كما نقرأ في الدعاء المروي عن عليّ بن الحسين سيّد العابدين (علیهما السلام) : «إنّ أحداً لا يبلغ من شكرك غاية إلّا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكراً، ولا يبلغ مبلغاً من طاعتك وإن اجتهد إلّا كان مقصّراً دون استحقاقك بفضلك، فأشكر عبادك عاجز عن شكرك،وأعبدُهم مقصّرٌ عن طاعتك»((3)) .

ص: 295


1- في الأصل عن نسخة: «ولا».
2- الكافي 2 : 72، باب الاعتراف بالتقصير، ح 1.
3- - الصحيفة السجادية: 162 ، الدعاء 37 من دعائه (علیه السلام) إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ(1).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي «السَّرَائِرِ»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ الْمَشِيخَةِ لِلْحَسَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ(2).

وَرَوَاهُ الطُّوسِيُّ فِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وقال (علیه السلام) أيضاً: «إلهي وعزّتك وجلالك وعظمتك، لو أنّي منذ بدعت فطرتي من أوّل الدهر عبدتك - دوام خلود ربوبيّتك - بكلّ شعرة في كلّ طرفة عين - سرمد الأبد - بحمد الخلائق وشكرهم أجمعين، لكنت مقصّراً في بلوغ أداء شكر أخفى نعمة من نعمتك عليّ»((4)).

فيستفاد من هذا الحديث: أنّ على العبد أن يعدّ نفسه مقصّراً في طاعتهسبحانه وتعالى، وإن بالغ في الاجتهاد في ذلك، بل لا نؤمّل إلّا عفوه وكرمه سبحانه، مع اعترافنا بعجزنا عن شكره.

ص: 296


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 292 ، ح 882 باختلاف.
2- السرائر 3 : 591، ويأتي ذيله في الحديث 4 من الباب 66 من أبواب جهاد النفس.
3- أمالي الطوسي: 211 ، ح367.
4- - أمالي الصدوق: 375، ح474 .

سند الحديث:

للحديث أربعة طرق:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.

وهذا الطريق رجاله كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، ما عدا:

سعد بن أبي خلف: الذي قال النجاشي عنه: «سعد بن أبي خلف، يعرف بالزام، مولى بني زهرة بن كلاب، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم ابن أبي عمير»((1)).

وقال الشيخ: «سعد بن أبي خلف (الزام)، صاحب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له أصل»((2)

وذكره في أصحاب الكاظم (علیه السلام) قائلاً: «سعد بن أبي خلف الزام، ثقة»((3)). كما روى عنه المشايخ الثقات((4)).

وعليه فهذا الطريق صحيح، مضافاً إلى أنّ كتابه مشهور.

الثاني: ما رواه الصدوق بإسناده، عن الحسن بن محبوب.

وطريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب هكذا: محمّد بن موسى بن المتوكل رضي اللَّه عنه، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري وسعد بن عبد اللَّه،

ص: 297


1- - رجال النجاشي: 178/469 .
2- - فهرست الطوسي: 137/320.
3- - رجال الطوسي: 338/5029 .
4- - أصول علم الرجال 2 : 193.

عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب((1)).

وهذا الطريق صحيح أيضاً.

الثالث: ما رواه ابن إدريس في «السرائر»، نقلاً من كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب.

وبما أنّ طريق الشيخ صحيح إلى كتاب الحسن بن محبوب((2)

ولابن إدريس طريق صحيح إلى جميع روايات الشيخ وكتبه((3)

فيكون طريق الشيخ إلى كتاب الحسن بن محبوب طريقاً لابن إدريس، هذا أوّلاً.

وثانياً: يظهر من كلام ابن إدريس (قدس سره) : أنّ كتاب «المشيخة» كان موجوداً عنده، وأنّه ينقل عنه بلا واسطة، فيكون طريقه إلى نفس الكتاب معتبراً.

الرابع: ما رواه الطوسي، عن أبيه، عن المفيد، عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّدبن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن سعد بن أبي خلف. وهذا الطريق صحيح أيضاً.

ص: 298


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 453 ، المشيخة .
2- - فهرست الطوسي: 97/162.
3- - أصول علم الرجال 1 : 192 - 195.

[228] 2 - وَبِالإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ يُونُسَ، وَعَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَكْثِرْ مِنْ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ، لا تَجْعَلْنِي مِنَ الْمُعَارِينَ، وَلا تُخْرِجْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ». قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا الْمُعَارُونَ فَقَدْ عَرَفْتُ: أَنَّ الرَّجُلَ يُعَارُ الدِّينَ، ثمّ يَخْرُجُ مِنْهُ، فَمَا مَعْنَى: لا تُخْرِجْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ؟ فَقَالَ: «كُلُّ عَمَلٍ تُرِيدُ بِهِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ فَكُنْ فِيهِ مُقَصِّراً عِنْدَ نَفْسِكَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ مُقَصِّرُونَ، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على طلب الإكثار من هذا الدعاء: «اللهمّ، لا تجعلني من المعارين، ولا تخرجني من التقصير».

والمعارون هم: الذين أعارهم اللَّه الإيمان غير المستقرّ في قلوبهم، فإذا شاء سلبه منهم، وهو إشارة إلى الإيمان المستودع، فعن أمير المؤمنين (علیه السلام) : أنّه قال لكميل: «يا كميل، إنّه مستقرّ ومستودع، واحذر أن تكون من المستودَعِين. يا كميل، إنَّما تستحق أن تكون مستقرّاً إذا لزمت الجادّةالواضحة، التي لا تخرجك إلى عوج، ولا تزيلك عن منهج...»((2)).

ص: 299


1- الكافي 2 : 73، باب الاعتراف بالتقصير، ح 4.
2- - بحار الأنوار 74 : 272، باب 11، وصية الإمام علي (علیه السلام) لكميل بن زياد النخعي، ح 1.

وقوله (علیه السلام) : «كل عمل تريد به اللَّه عزّوجلّ فكن فيه مقصِّراً عند نفسك» يراد به: أنّ كلّ عمل تلتمس به وجه اللَّه عز وجل والدار الآخرة، فاعترف بالتقصير فيه عن أداء حقّ عبادته، وإن بالغت في بذل غاية الجهد؛ فإنّ الناس كلّهم في أعمالهم مقصّرون، غير بالغين في عبادتهم أداء حقّ شكر نعمه تعالى، إلّا من عصمه اللَّه من التقصير، وهم الأنبياء والأوصياء؛ لأنّ عصمتهم ونورانيّة ذواتهم وكمال نفوسهم وصفاتهم وخلوص عقائدهم ودوام ذكرهم أخرجتهم عن حدّ التقصير، ومع ذلك اعترفوا به؛ إظهاراً للعجز والنقصان، وإن جاءوا بما هو المطلوب من الإنسان على نهاية ما يتصوّر من القدرة والإمكان.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: يتّحد مع ما قبله إلى ابن محبوب، ورجاله كلّهم ثقات، قد تقدّم ذكرهم، ماعدا:

الفضل بن يونس: وهو أيضاً من الثقات. قال النجاشي: «الفضل بنيونس، الكاتب، البغدادي، روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، ثقة»((1)).

وقال الشيخ: «أصله كوفي، تحوّل إلى بغداد، مولى، واقفي»((2)).

ص: 300


1- - رجال النجاشي: 309/844.
2- - رجال الطوسي: 342/5093.

[229] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: «لا تَسْتَكْثِرُوا كَثِيرَ الْخَيْرِ، وَلا تَسْتَقِلُّوا قَلِيلَ الذُّنُوبِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وروى عنه المشايخ الثقات((2)) .

الثاني: ما رواه الكليني عن أبي عليّ الأشعري.

وهذا الطريق قد تقدّم كلّ أفراده، وهم ثقات، غير عيسى بن أيّوب، الذي لم يرد فيه توثيق، إلّا أنّه يمكن تصحيح السند بما تقدّم سابقاً، من أنّ كتاب عليّ بن مهزيار مشهور، فلا يحتاج إلى طريق.

مضافاً إلى أنّ لأبي عليّ الأشعري - أحمد بن إدريس القمّي - طريقاًآخر ليس فيه عيسى بن أيوب. وعليه فهذا الحديث معتبر السند.

[3] - فقه الحديث:

يدل هذا الحديث على أنّه ينبغي للمرء أن يستقلّ عبادته، ولا يستكثر على اللَّه جلّ جلاله شيئاً منها؛ لأنّ استعظام العمل واستكثاره يوجب إخراج

ص: 301


1- للحديث ذيل لم يذكره المصنف وهو هكذا: «فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يصير كثيراً، وخافوا اللَّه في السرّ حتّى تعطوا من أنفسكم النصف، وسارعوا إلى طاعة اللَّه، وأصدقوا الحديث، وأدوا الأمانة، فإنّما ذلك لكم، ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فإنّما ذلك عليكم». (الكافي 2 : 457، باب محاسبة العمل، ح 17).
2- - أصول علم الرجال 2 : 205 .

النفس عن حدّ التقصير، بل قد يوجب العجب وإحباط الأجر.

وينبغي للمرء أيضاً أن لا يستصغر الذنب؛ لأنّ استصغاره وتقليله موجب لعدم المبالاة به، وعدم الاعتناء بشأنه، وسبب للوقوع فيه والإتيان به مرّة بعد أخرى، وهكذا حتّى تجتمع عليه ذنوب كثيرة، فيخرج عن حدّ الذنوب الصغيرة، ويدخل في حدّ الكبائر، كما روي عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: «لا تحقّروا شيئاً من الشرّ، وإن صغر في أعينكم، ولا تستكثروا شيئاً من الخير، وإن كبر في أعينكم؛ فإنّه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار»((1)).

وقال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «اتّقوا المحقّرات من الذنوب؛ فإنّها لا تغفر»((2)).

وقال الصادق (علیه السلام) : «إنّ اللَّه يحب العبد أن يطلب إليه في الجرمالعظيم، ويبغض العبد أن يستخفّ بالجرم اليسير»((3)).

فينبغي للعابد أن يستقلّ عبادته، ويرى نفسه مقصّرة في الطاعة، حتّى مع كمال العبادة، بل لا طريق إلى شكر نعمه علينا إلّا بالاعتراف بقصورنا عن أداء حقّه، وبالتفريط في جنبه.

ص: 302


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 18 ، باب ذكر جمل من مناهي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ح 4968.
2- - الكافي 2 : 287، باب استصغار الذنب، ح 1.
3- - المحاسن 1 : 456، ح1055. وطلب إليه: إمّا بمعنى: رغب إليه، أي: ابتهل وتضرّع إليه. أو بمعنى: طلب منه العون والإسعاف في رفع ما أصابه، كما يقال: طَلَبَ إليَّ فأطْلَبْتُهُ: أي أسعفْتُه، تاج العروس 2 : 185، مادة: «طلب».

[230] 4 - وَ عَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ محمّد بْنِ الْمُثَنَّى الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «يَا جَابِرُ، لا أَخْرَجَكَ اللَّهُ مِنَ النَّقْصِ وَالتَّقْصِيرِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات، قد تقدّم ذكرهم، والسند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

دلالة الحديث واضحة؛ حيث دعا الإمام (علیه السلام) لجابر بالتوفيق من اللَّه سبحانه، بأن لا يرى كثرة عبادته، وعدم تقصيره، بل يعترف بالتقصير دائماً،ولا يخرجه عن هذا الحال أصلاً، فيكون هذا الحال مطلوباً ومرغوباً فيه. فيدلّ على استحباب الاعتراف بالتقصير في العبادة.

سند الحديث:

في السند بعض العراقيين، وهم مجهولون.

وأمّا محمّد بن المثنّى الحضرمي: فقال النجاشي عنه: «محمد بن المثنى بن القاسم، كوفي، ثقة، له كتاب»((2)).

ص: 303


1- الكافي 2 : 72، باب الاعتراف بالتقصير، ح 2.
2- - رجال النجاشي: 371/1012.

وأمّا أبوه، فهو مثنّى بن الحضرمي: لم يذكر بمدح ولا ذم. قال عنه النجاشي: «مثنّى بن الحضرمي، له كتاب، قال الحسن بن حمزة: حدّثنا ابن بطّة عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عنه»((1))، إلّا أنّه - مع ذلك - يمكن القول بوثاقته؛ من جهة رواية المشايخ الثقات عنه((2)).

وأمّا عثمان بن زيد: فلم يرد فيه مدح ولا ذم. قال عنه الشيخ: «عثمان بن زيد بن عدي، أبو عدي الجهني، أسند عنه، كوفي»((3)) .

وأمّا وقوعه في «تفسير القمي» فلا دلالة فيه على الوثاقة؛ لأنّه وارد فيالقسم الثاني منه((4)).

وأمّا الأشخاص الآخرون فتقدّمت ترجمتهم. وعليه فهذا الحديث غير معتبر السند؛ لوجود المجاهيل فيه، إلّا على القول باعتبار روايات «الكافي».

ص: 304


1- - رجال النجاشي: 414/1104.
2- - أصول علم الرجال 2 : 225 .
3- - رجال الطوسي: 259/3687.
4- - أصول علم الرجال 1 : 305 .

[231] 5 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ لِي عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي؛ فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ(1) فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ، غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي، فِيمَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي، وَالنَّعِيمِ فِي جِنَانِي(2)، وَرَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي، وَلَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا، وَفَضْلِي فَلْيَرْجُوا(3)، وَإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا»، الْحَدِيثَ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

للحديث صدر وذيل تركهما المصنف.

وهو يدلّ على أنّ العبد ينبغي أن لا يتّكل في نيل ثواب اللَّه أو الخلاص من عقابه على محض أعماله، وإن كانت صحيحة تامّة الأركان في نفسها؛ لأنّه وإن بالغ واجتهد إلّا أنّه مقصّر، غير بالغ كنه العبادة وحقيقتها، ولأنّه لاقيمة لعبادته في جنب ثوابها، وهو الجنة ونعيمها ودرجاتها، فلابد له من

ص: 305


1- في المصدر: وأفنوا أعمارهم.
2- في نسخة: جنّاتي. (منه (قدس سره) ).
3- في المصدر: فليفرحوا.
4- الكافي 2 : 60، باب الرضا بالقضاء ، ح4، قطعة من حديث طويل.

وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «التَّوْحِيدِ» عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(2).

وَرَوَاهُ الطُّوسِيُّ فِي «مَجَالِسِهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْرَوَيْهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

الاستعانة بربه، وعليه أن يدعوه لهدايته، ويحسن ظنّه به في قبول عمله ورفع درجته، ويعتمد على فضله وكرمه.

ولذا ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين (علیه السلام) : «يا محسن، يا مجمل، يا منعم، يا مفضل، لسنا نتّكل في النجاة من عقابك على أعمالنا، بل بفضلك علينا؛ لأنّك أهل التقوى وأهل المغفرة، تبتدئالإحسان نِعَماً، وتعفو عن الذنب كرماً»((5)).

ص: 306


1- الكافي 2 : 71، باب حسن الظنّ بالله عزّوجلّ، ح 1.
2- التوحيد: 404 ، ح 12، قطعة أخرى من حديث الكافي 2 : 60، ح 4، وهي القطعة الواردة في الحديث 1 من الباب الآتي.
3- أمالي الطوسي : 212، ح368.
4- المصدر نفسه : 167، ح278.
5- - إقبال الأعمال 1 : 160.

سند الحديث:

للحديث خمسة طرق:

الأوّل: ما عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات، قد تقدّم ذكرهم، بما فيهم داود بن كثير، الذي وقع الخلاف في وثاقته، وقد عقدنا له بحثاً مستقلاًّ في مباحثنا الرجاليّة((1)) ، وذكرنا فيه وجوهاً يمكن الاستدلال بها على وثاقته.

الثاني: ما عن محمّد بن يعقوب أيضاً، عن عدّة من أصحابنا.

وهذا هو السند المتقدّم، غير أنّ فيه: عن عدّة من أصحابنا...، وقد تقدّم المراد من العدّة.

الثالث: ما رواه الصدوق في «التوحيد»، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد.

وهذا الطريق يشترك مع الطريق السابق في أحمد بن محمد، وقد تقدّمت ترجمة والد الصدوق وسعد بن عبد اللَّه.

الرابع: ما رواه الطوسي في «مجالسه»، عن أبيه، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.

وهذا الطريق يشترك في محمّد بن يعقوب، فهو عين الطريق الأوّل، وقد تقدّمت ترجمة الشيخ الطوسي والمفيد وابن قولويه.

وعليه فهذه الطرق كلها معتبرة.

ص: 307


1- - أصول علم الرجال 2 : 369 - 373 .

بحث رجالي في عمر بن محمّد

الخامس: ما رواه الطوسي أيضاً، عن أبيه، عن المفيد، عن عمر بن محمد، عن عليّ بن مهرويه، عن داود بن سليمان.

وهذا الطريق فيه عمر بن محمد: وللشيخ المفيد شيخان بعنوان عمر بن محمّد، أحدهما: المعروف بأبي حفص الزيات الصيرفي: وقد صرّح باسمه الكامل في الأمالي للشيخ الطوسي((1))، ولم يترجم له في الكتب الرجالية. نعم، ورد في الوافي بالوفيات: عمر بن محمّد بن عليّ بن يحيى، أبو حفص الناقد الزيات البغدادي. قال ابن أبي الفوارس: كان ثقة متقناً، جمع أبواباً وشيوخاً. وتوفى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة((2))، والثاني: عمر بن محمد المعروف بأبي بكر الجعابي، أو ابن الجعابي، قال الشيخ: «عمر بن محمّد بن سالم (مسلم) بن البرا، يكنّى أبا بكر، المعروف بابن الجعابي، ثقة، خرج إلى سيف الدولة، فقرّبه وأدناه واختصّ به، وكان حفظة، عارفاً بالرجال من العامّة والخاصة، وله كتب، أخبرنا بها جماعة من أصحابنا، منهم الشيخ المفيد رحمه اللَّه، والحسين بن عبيد اللَّه، وأحمد بن عبدون، عنه، وقال ابن عبدون: هو عمر بن محمّد بن عمر بن سالم الجعابي»((3)).هذا كلّه في نسخة الشيخ.

وأمّا نسختا العلّامة وابن داود فإنّهما خاليتان عن كلمة «ثقة».

ص: 308


1- - أمالي الطوسي: 125، 197 ، المجلس5.
2- - الوافي بالوفيات: 15 : 9/2589.
3- - فهرست الطوسي: 185/505.

نعم، بناء على اتّحاده مع محمّد بن عمر بن سالم - الذي عنونه النجاشي بقوله: «محمد بن عمر بن محمّد بن سالم بن البراء بن سبرة بن سيّار، التميمي، أبو بكر، المعروف بالجعابي، الحافظ، القاضي، كان من حفّاظ الحديث، وأجلّاء أهل العلم»((1))

- يكون في أعلى درجات الحسن، الذي لا يقلّ عن التوثيق.

وبهذا العنوان قد ترجمه العامة أيضاً. قال الخطيب البغدادي: «وكان أحد الحفّاظ الموجودين، صحب أبا العباس بن عقدة، وعنه أخذ الحفظ، وله تصانيف كثيرة في الأبواب والشيوخ ومعرفة الإخوة والأخوات وتواريخ الأمصار، وكان كثير الغرائب، ومذهبه في التشيّع معروف، وكان يسكن بعض سكك باب البصرة»((2)).

وأمّا عليّ بن مهرويه: فلم يرد فيه توثيق.

وقد ذكره العامة أيضاً. قال الذهبي: «ابن مهرويه، المحدِّث، الإمام، الرحّال، الصدوق، أبو الحسن، عليّ بن محمّد بن مهرويه، القزويني، المعمِّر، وقال الخليلي: سمعت عبد الواحد بن محمّد بن مالك، سمعت عليّبن محمّد بن مهرويه، سمعت ابن أبي خيثمة يقول: سألت يحيى بن معين عن مكّي بن إبراهيم، فقال: صالح، ثقة»((3)).

ص: 309


1- - رجال النجاشي: 394/1055.
2- - تاريخ بغداد 3 : 236.
3- - سير أعلام النبلاء 15 : 369.

وأمّا داود بن سليمان: فلم يرد فيه توثيق. قال النجاشي: «داود بن سليمان بن جعفر، أبو أحمد القزويني، ذكره ابن نوح في رجاله، له كتاب عن الرضا (علیه السلام) ، أخبرني محمّد بن جعفر النحوي، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد الفرزدق القطعي، قال: حدّثنا أبو حمزة بن سليمان، قال: نزل أخي داود بن سليمان، وذكر النسخة»((1)) .

وترجمه الشيخ في أصحاب الرضا (علیه السلام) قائلاً: «داود بن سليمان بن يوسف، أبو أحمد القاري، أسند عنه، روى عنه ابن مهرويه»((2)).

وقد ترجمه العامة أيضاً. قال الذهبي في «ميزان الاعتدال»: «داود بن سليمان، الجرجاني، الغازي، عن عليّ بن موسى الرضا (علیه السلام) وغيره، كذّبه يحيى بن معين، ولم يعرفه أبو حاتم. وبكل حال فهو شيخ كذّاب»((3)) . ولعلّ تكذيبهم إيّاه من جهة روايته فضائل أهل البيت (علیهم السلام) .

وعليه فيكون هذا الطريق غير معتبر؛ لوجود المجاهيل فيه.وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً بالطريق الخامس، إلّا أنّه معتبر ببقيّة الطرق الاخرى.

ص: 310


1- - رجال النجاشي: 161/426.
2- - رجال الطوسي : 357/5292 ، في متن الكتاب: بن يونس بن أحمد الغازي، وفي الهامش: يوسف أبو أحمد القاري (خ ل) .
3- - ميزان الاعتدال 2 : 8.

[232] 6 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْخِصَالِ»، عَنْ محمّد ابْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُمَرَ(1) بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ الإِسْكَافِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «ثَلاثٌ قَاصِمَاتُ الظَّهْرِ: رَجُلٌ اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَنَسِيَ ذُنُوبَهُ، وَأُعْجِبَ بِرَأْيِهِ»(2).

وَفِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ محمّد ابْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

القصم: كسر الشي ء الشديد حتّى يبين. قَصَمَه يقصِمه قصماً فانقصم وتقصّم: كَسَرَهُ كَسْراً فيه بينونة. والقاصم: المهلك((4)).

قوله (علیه السلام) : «ثلاث قاصمات الظهر»، أي: موجبات للهلاك والعقاب؛ لما يترتّب عليهنّ من المفاسد والمخاطر، وفوت الثواب، فينبغي أن يكون الإنسان على حذر منهن:

الأولى: استكثار العمل؛ فإنّه يوجب العجب والفخر والاعتقاد بخروج

ص: 311


1- في المصدر: عمرو.
2- الخصال: 111 ، ح 85.
3- معاني الأخبار: 343 ، ح 1.
4- - مجمع البحرين 3 : 513، مادة «قصم».

النفس عن حدّ التقصير.

الثانية: نسيان الذنب؛ لظنّه الاستغناء؛ بسبب إعجابه بعمله، بحيث يرى نفسه خارجة عن حدّ التقصير. والنسيان وإن لم يكن مقدوراً، إلّا أنّ سببه مقدور، وهو ترك الذكّر لله، والتشاغل عنه بغيره.

الثالثة: الإعجاب بالرأي، بحيث يرى المرء نفسه أعقل الناس، فيترك مشاورتهم، ويستقلّ في أعماله برأيه، فلا محالة يقع في المهلكة والخسران.

والحاصل: أنّه ينبغي للمرء أن يستقلّ عبادته، ويحكم بتقصيره فيها، ولا يستكثرها؛ فإنّ ذلك موجب للهلاك والخسران.

بحث رجالي في محمّد بن عبد الحميد

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: ما عن محمّد بن عليّ بن الحسين في «الخصال»، عن محمّد بن الحسن.

وفيه: محمّد بن عبد الحميد: وهو محمّد بن عبد الحميد بن سالم، العطّار، لم يرد فيه توثيق. وأمّا قول النجاشي في ترجمته: «محمد بن عبد الحميد بن سالم، العطّار، أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسنموسى، وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر»((1))

فلا يدل على توثيقه، فإنّ التوثيق راجع إلى أبيه عبد الحميد، لا إلى محمّد نفسه؛ بقرينة

ص: 312


1- - رجال النجاشي: 339/906.

العطف بالواو، إذ لم يذكر جملة تامة قبل ذلك إلّا جملة: روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، فلابد وأن يكون المعطوف عليه تلك الجملة. ولكن مع ذلك كله فهو ثقة؛ لأنّه وقع في كتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((1)).

وأمّا عامر بن رباح: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا عمر بن الوليد: فلم يرد فيه مدح ولا ذم. وأمّا رواية جعفر بن بشير عنه فلا تدل على وثاقته.

وأمّا بقيّة السند، فقد تقدّم ذكرهم. وعليه فهذا الطريق غير معتبر.

الثاني: ما عن محمّد بن عليّ بن الحسين في «معاني الأخبار»، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن عبد الحميد.

وهذا الطريق يشترك مع سابقه في محمّد بن عبد الحميد، فهو - كسابقه - غير معتبر.

ص: 313


1- - أصول علم الرجال 1 : 237، و ج2 : 209 .

[233] 7 - وَفِي«الْخِصَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ إِبْلِيسُ(1): إِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنِ ابْنِ آدَمَ فِي ثَلاثٍ لَمْ أُبَالِ مَا عَمِلَ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ: إِذَا اسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَنَسِيَ ذَنْبَهُ، وَدَخَلَهُ الْعُجْبُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث قد اتضح معناه ممّا تقدّم.

سند الحديث:

رجال الحديث كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، والسند معتبر.

ص: 314


1- في المصدر زيادة: لعنة اللَّه عليه لجنوده.
2- الخصال: 112 ، ح 86.

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(1)1*)، وَفِي أَدْعِيَةِ الصَّحِيفَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ دَلالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى ذَلِكَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّ في هذا الباب خمسة أحاديث صحيحة، واثنان ضعيفان.

المستفاد من أحاديث الباب

ويستفاد منه أمور:

الأول: النهي المؤكّد عن إخراج النفس عن حدّ التقصير في العبادة؛ لأنّ اللَّه عزّوجلّ لا يعبد حقّ عبادته.

الثاني: الدعاء والطلب من اللَّه في أن يعدّ العبد نفسه مقصّراً دائماً في عبادته.

الثالث: النهي عن استكثار كثير الخير.

الرابع: أنّ استكثار العمل من قاصمات الظهر.

الخامس: أنّ استكثار العمل من موجبات عدم قبوله.

ص: 315


1- 1*) في الحديث الأوّل من الباب الآتي.
2- 2*) كالدعاء 12 في الاعتراف وطلب التوبة إلى اللَّه من أدعية الصحيفة السجادية.

ص: 316

23 - باب تحريم الإعجاب بالنفس وبالعمل والإدلال به

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

23 - باب تحريم الإعجاب بالنفس وبالعمل والإدلال به

شرح الباب:

الكلام في عنوان هذا الباب يقع في جهات:

الجهة الأولى: في بيان حقيقة العُجب ومنشئه وأضراره:

حقیقة العجب

العُجْب - بضمّ الأول وسكون الثاني - من الصفات الرذيلة، والمهلكات العظيمة، التي يجب الابتعاد عنها، ومعناه - على ما يظهر من أهل اللغة - إعظام العمل واعتقاد أنّه عظيم، إمّا لكيفيّته، كما إذا كانت صلاته مع البكاء من أوّلها إلى آخرها، وإمّا لكمّيّته، كما إذا أطال صلاته أو سجوده ونحوهما((1)).

وقد عرّفه علماء الأخلاق: بأنّه استعظام نفسه؛ لأجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في الواقع، أم لا، وسواء كانت صفة كمال في نفس الأمر، أم لا((2)). وقيل: هو إعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها إلى المنعم ((3)) .

ص: 317


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6 : 18.
2- - إذا استعظم نفسه - لأجل تلك الصفة - على الغير يصير تكبّراً، وهو أخص من العجب.
3- - جامع السعادات 1 : 282.

وكيف كان، فهو عبارة عن استعظام العمل الصالح واستكثاره والسرور به من نفسه ولنفسه، مع نسيان إضافته إلى المنعم سبحانه وتعالى، بحيث يرى: أنه قدّم شيئاً كبيراً يستحق أن يشكر ويثنى به عليه وينجو بسببه، وينسى نعمة اللَّه عليه بالتوفيق والتمكين منه، وأنّ الحياة والقوة والنطق جميعها من مواهب اللَّه تعالى، التي أكرم بها الإنسان، وتفضّل بها عليه.

الفرق بین العجب و الإدلال

وأمّا لو قارن نفسه مع غيره الذي هو أعظم منه، كأن يرى: أنّ اللَّه لا يستحق ما أتى به من العبادة، ولذا يمنّ بها عليه سبحانه وتعالى - نعوذ باللَّه منه ومن أمثاله -

بتخيّل أنّ له عند اللَّه حقاً، وأنّه منه بمكان، واستبعد أن يجري عليه مكروه، أو كان متوقعاً منه كرامة لأجل عمله؛ لأنّه أتى بشي ء فوق ما يستحقه اللَّه تعالى - على حسب عقيدته - وأنّ نعمته تعالى لا تقتضي إلّا الإتيان بالفرائض فحسب، فيأتي بصلاة الليل مثلاً، ويمنّ بها على اللَّه؛ لاعتقاده عدم استحقاقه تعالى لها، وأنّها تفضّل منه على اللَّه جلّت عظمته. فهذا يسمى إدلالاً بالعمل، فكأنّه يرى لنفسه على اللَّه دالة، فهو وراء العجب وفوقه، وهو أعظم من المرتبة المتقدمة من العجب، وعلى هذا يكون الميزان في تحقّق العجب هو حصول استعظام العمل ونسيان إضافة النعمة للمنعم الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى من دون أن يتوقع الجزاء، وأماالإدلال فهو فوق العجب، وقوامه بتوقع الجزاء على العمل، فكل إدلال فيه عجب ولا عكس.

ومنشأ العجب هو رؤية أنّ لعمله مقاماً وثواباً عظيمين، وهذا من إبشع الجهل، فإنه لو رأى عظمة الله تعالى لما استعظم عمله، وكل ما يعمله

ص: 318

الإنسان لا يُعدّ شيئاً قبال عظمة الباري جلّ وعلا، كما أنّ عبادة العابد وقوته وحركاته وسكناته من الله سبحانه، وأمّا هو فهو فقر محض، وقد ورد في «الكافي» عن محمّد بن أبي نصر، قال: قال أبو الحسن الرضا (علیه السلام) : «قال الله يا ابن آدم، بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي»، الحديث((1)

فلا يستعظم عمله إلّا جاهل ضعيف العقل، وهذان سببان لعدم رعاية تعظيم الله سبحانه وعدم شكر نعمه، اللذان هما منشأ العجب في العمل.

وأما أضراره فكثيرة، منها: استصغار عظمة الله تعالى، وهذا بحد ذاته هتك لحرمة المولى. كما أنه موجب لعدم رفع نواقص نفس المعجب بعمله، فيبقى على نواقصه كما هي، ولا يجد من يرجعه إلى الطريق الصحيح فيضل.

حرمة العجب

الجهة الثانية: في مفاد الأخبار من حيث حرمة العجب وعدمها:

لا شبهة في قبح صفة العجب تكويناً، بل كشفها عن خفّة عقل صاحبها،وعن خسّة نفسه، وانحطاط درجته.

وأمّا حكمه تشريعاً، فلا ينبغي التأمّل في حرمته؛ لأنّه يؤول إلى هتك حرمة المولى، وتحقير نعمه؛ إذ المعجب بعمله يرى نفسه غير مقصّر تجاه نِعم ربه؛ لأنّه قد أتى بما يساويها أو يزيد عليها، فلا يرى - والعياذ باللَّه -

ص: 319


1- - الكافي: 1 : 152، باب المشيئة والإرادة، ح6 .

فضلاً له تعالى عليه. ورّبما أوجب ذلك نسيان الذنوب وإهمالها، وإذا ذكرها استصغرها، فلا يجتهد في التوبة عنها وتداركها، وهذا ممّا لا كلام في أنّه من الجرائم والموبقات العظيمة.

وقد استدلّ على الحرمة بالنصوص الكثيرة، وفيها المعتبرة:

منها: ما رواه الكليني بإسناده، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): قال اللَّه تعالى: إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده، فيجتهد لي الليالي، فيتعب نفسه في عبادتي، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين؛ نظراً منّي له، وإبقاءاً عليه، فينام حتّى يصبح، فيقوم وهو ماقت لنفسه، زارى ء عليها. ولو أُخلّي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه؛ لعجبه بأعماله، ورضاه عن نفسه، حتّى يظن أنّه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حدّ التقصير، فيتباعد منّي عند ذلك، وهويظن أنّه يتقرّب إليّ»، الحديث((1)).

وهذا إنّما يتّجه لو أريد بالعجب ذلك، دون ما كان خارجاً عن الاختيار، وإلّا إذا قلنا: إنّ العجب ليس أمراً اختياريّاً، بمعنى: أنّه صفة نفسانيّة قبيحة غير مسبوقة بالعزم والإرادة لتقع مورداً للتكليف، وأنه كالتكبّر والحسد

ص: 320


1- - الكافي 2 : 60 ، باب الرضا بالقضاء، ح 4 .

ونحوهما من رذائل الأخلاق، التي هي من الأوصاف النفسانيّة الموصوفة بالقبح الفاعلي، وليس فيها قبح فعلي، وهي خارجة عن الأفعال التي تصدر عن المكلّفين بالاختيار، فلا حكم لها بوجه، فهي غير محرّمة ولا مباحة. نعم، قد يتعلّق به حكم شرعي بأحد أمرين:

عدم بطلان العبادة بالعجب المقارن أو المتأخر

الأوّل: أن يكون العجب محرّماً من حيث مقدّمته، فيجب شرعاً القيام بعمل يمنع حدوث تلك الصفة في النفس، نحو: التفكّر في عظمة اللَّه ونعمه، وفي ما يصدر منه من العمل، وأنّه لا يصدر منه باستقلاله.

الثاني: من حيث إزالته، كالذنب، بحيث يجب عليه القيام بعمل يزيل تلك الصفة على تقدير حصولها في النفس، كما إذا كبر وبلغ وهو معجب بعمله، فيجب عليه أن يتفكّر فيما ذكرناه، ليزيل عن نفسه هذه الصفة.

وهذان الأمران قابلان لتعلّق الحكم الشرعي بهما، إلّا أنّ الأخبار الواردة في المقام لا يستفاد منها وجوب التفكّر المزبور قبل حصول هذه الصفة، أو بعده؛ ليمنع حدوثها، أو يزيلها بعد تحققها.

بل غاية ما يستفاد منها أقلّيّة الثواب معه على العمل، أو بيان القبح الفاعلي دون القبح الفعلي. فالعجب بهذا المعنى من الصفات الأخلاقيّة التي لا تستلزم الحرمة المولويّة، ولهذا ذهب المحقق الهمداني في «مصباح الفقيه»((1))

إلى عدم الحرمة التكليفيّة، وكذلك السيد الاستاذ (قدس سره) ((2)).

ص: 321


1- - مصباح الفقيه 2 : 236 - 237، الوضوء، لو ضم إلى نية التقرب ... ، المقام الثاني .
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6 : 21 .

الجهة الثالثة: أنّه هل يستلزم العجب المقارن وكذا المتأخر بطلان العبادة، أو لا؟

نقل المحقق الهمداني عن السيد صاحب البرهان " بطلانها بكل من العجب المقارن والمتأخر((1)).

وقال في الجواهر: وربّما ألحق بعض مشايخنا((2)) العجب المقارن للعمل بالرّياء في الإفساد، ولم أعرفه لأحد غيره، بل قد يظهر من الأصحاب خلافه؛ لمكان حصرهم المفسدات، وذكرهم الرياء، وترك العجب، مع غلبة الذهن إلى الانتقال إليه عند ذكر الرياء((3)).

وعن بعض المتأخرين((4)) الحكم ببطلانها بالعجب المقارن فيما لو وصل إلى حدّ المنِّ على اللَّه تعالى بتلك العبادة؛ لأنّ العُجب إذا وصل إلى هذه المرتبة يكون منافياً لقصد القربة؛ لما يرى المعجب بنفسه من أنّها خارجة عن حدّ التقصير، وأنّه أتى بما فوق ما يستحقه اللَّه تعالى، وهذا الاعتقاد الفاسد السخيف مناف لاحترامه تعالى، وموجب للاستخفاف بساحته،

ص: 322


1- - مصباح الفقيه 1 : 121.
2- - الشيخ كاشف الغطاء في كشف الغطاء 1 : 281، في الصوم، و ح4 : 119، في العبادات المالية .
3- - جواهر الكلام 2 : 100.
4- - وهو السيد السيستاني، راجع: منهاجه 1 : 50 و 196، وقبله الشيخ محمّد حسين بن عليّ بن محمّد رضا. راجع: سؤال وجواب للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، نشر مؤسسة كاشف الغطاء .

وعدم توقيره سبحانه تعالى، فيدخل فيما ينافي العبوديّة وحقيقة الربوبيّة؛ فهو مبطل للعبادة.

إلّا أنّ مشهور الفقهاء ذهبوا إلى عدم البطلان في المقارن والمتأخر معاً، وهو الصحيح؛ وذلك لعدم دلالة شي ء من الأخبار على البطلان بالعجب المقارن فضلاً عن المتأخر، كما سيأتي.

وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ الدليل على أن العجب يكون مبطلاً للعمل هو: الروايات التي ذكرها صاحب «الوسائل» في هذا الباب.

ص: 323

[234] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ يَجْتَهِدُ فِي عِبَادَتِي، فَيَقُومُ مِنْ رُقَادِهِ وَلَذِيذِ وِسَادِهِ، فَيَجْتَهِدُ لِيَ اللَّيَالِيَ، فَيُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي عِبَادَتِي، فَأَضْرِبُهُ بِالنُّعَاسِ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ؛ نَظَراً مِنِّي لَهُ، وَإِبْقَاءً عَلَيْهِ، فَيَنَامُ حتّى يُصْبِحَ، فَيَقُومُ وَهُوَ مَاقِتٌ لِنَفْسِهِ، زَارِى ءٌ عَلَيْهَا. وَلَوْ أُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ عِبَادَتِي لَدَخَلَهُ الْعُجْبُ مِنْ ذَلِكَ، فَيُصَيِّرُهُ الْعُجْبُ إِلَى الْفِتْنَةِ بِأَعْمَالِهِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ هَلاكُهُ؛ لِعُجْبِهِ بِأَعْمَالِهِ، وَرِضَاهُ، عَنْ نَفْسِهِ، حتّى يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ فَاقَ الْعَابِدِينَ، وَجَازَ فِي عِبَادَتِهِ حَدَّ التَّقْصِيرِ، فَيَتَبَاعَدُ مِنِّي عِنْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ وَالطُّوسِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

والحديث ظاهر في الحرمة التكليفيّة المستتبعة للإثم؛ من جهة كونالعجب من الأمور المهلكة للإنسان.

ص: 324


1- الكافي 2 : 60، باب الرضا بالقضاء، ح 4.
2- تقدم في ذيل الحديث 5 من الباب السابق، إلّا أنّ الطوسي لم يرو هذه القطعة في «أماليه»، وإنّما وردت فيه قطعة الحديث 5 المذكور.

وأمّا الحرمة الوضعيّة - بمعنى: فساد العبادة في حال مقارنة العجب لها أو تأخّره عنها - فقد تقرب دلالته عليها بأن يقال: إنّ ما فيه الهلاك - الذي نشأ من العجب - لا يكون صحيحاً ومأموراً به، وهو معنى الفساد.

ويرد عليه: أنّ غاية ما يستفاد من هذا الحديث: أنّ العجب من المهلكات والأوصاف القبيحة التي تبعّد عن جنابه تعالى، ولا يفهم منه بطلان عمله؛ وذلك لما في العجب من تزكية النفس والثناء عليها، الذي يعمي عن عيوب العمل نحو: عدم الإخلاص والتضييع والاستخفاف والاستثقال والمنّ والأذى بعد الصدقة وغيرها، بل قد ينتهي به الأمر إلى أن يرى نفسه من العبّاد والمقرّبين، وقد نهى اللَّه عن ذلك بقوله: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم}((1)).

فيأخذ بذلك العبد الوجهة المبعدة له عن اللَّه سبحانه بزعم: أنّه يتقرّب إليه؛ اعتماداً منه على عمله، وبذلك ينال الحرمان من شفاعة الأئمّة الأطهار (علیهم السلام) .

وعليه: فهذا الحديث ظاهر في الحرمة التكليفيّة ليس غير.

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: سند الكليني، ورجاله كلّهم ثقات، قد تقدّم ذكرهم، بما فيهم

ص: 325


1- - النجم، الآية 32 .

[235] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ وَهُوَ خَائِفٌ مُشْفِقٌ، ثمّ يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْبِرِّ فَيَدْخُلُهُ شِبْهُ الْعُجْبِ بِهِ، فَقَالَ: «هُوَ فِي حَالِهِ الأُولَى وَهُوَ خَائِفٌ أَحْسَنُ حَالاً مِنْهُ فِي حَالِ عُجْبِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

داود بن كثير، الذي استظهرنا وثاقته، كما سبق وعليه فالسند معتبر.

والثاني: ما رواه الصدوق والطوسي وطريقهما يصل لمحمد بن يعقوب الكليني. وقد مرّ في الباب السابق في الحديث الخامس أنهما معتبران.

[2] - فقه الحديث:

قول الراوي: «الرجل يعمل العمل»، أي: يعمل العمل القبيح بقرينة مقابلته بقوله: «ثم يعمل شيئاً من البر»، والكلام في هذا الحديث كالكلام في الحديث الذي قبله، من حيث عدم دلالته على بطلان العبادة بالعجب؛ وذلك لأنّه بصدد بيان مطلب آخر، لا ربط له بما نحن فيه، وهو أن المعصية مع الخوف الناتج من التوبة أهون من العبادة مع العجب، وهذا لا دلالة له

ص: 326


1- الكافي 2 : 314، باب العجب، ح 7.
2- المحاسن 1 : 212 ، ح 385.

[236] 3 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) - فِي حَدِيث - ٍ: قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (علیه السلام) لإِبْلِيسَ: أَخْبِرْنِي بِالذَّنْبِ الَّذِي إِذَا أَذْنَبَهُ ابْنُ آدَمَ اسْتَحْوَذْتَ(1) عَلَيْهِ، قَالَ: إِذَا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، وَاسْتَكْثَرَ عَمَلَهُ، وَصَغُرَ فِي عَيْنِهِ ذَنْبُهُ. وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ: يَا دَاوُدُ، بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ، وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ، قَالَ: كَيْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِينَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّيقِينَ؟ قَالَ: يَا دَاوُدُ، بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ أَنِّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَأَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ، وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَنْ لا يُعْجَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلَّا هَلَكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

على بطلان العمل بالعجب.سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: سند الكليني (رحمه الله) . ورجاله كلّهم ثقات، قد تقدّم ذكرهم.

والثاني: سند البرقي في «المحاسن»، وهو أيضاً صحيح.

[3] - فقه الحديث:

دلّ صدر الحديث على أن إبليس يستولي على ابن آدم عند ثلاث

ص: 327


1- استحوذ: غلب. (لسان العرب 3 : 487 ، مادة: «حوذ»).
2- الكافي 2 : 314، باب العجب، ح 8.

حالات:

الأولى: إذا أعجبته نفسه، وهذا دليل ضعف عقله. والصفة التي تستوجب استحواذ إبليس على صاحبها مذمومة بلا ريب.

والثانية: إذا رأى أنّ ما يأتي به من عمل كثير، لاعتقاده أنّ عمله فوق حدّ استحقاق ربه سبحانه وتعالى من حيث الكيفية أو الكمية أو كليهما.

والثالثة: إذا رأى ذنبه صغيراً، فإن هذا من عظم جهله بمقام من يعصيه.

وأما ذيل الحديث: فقد بيّن أن الله تعالى يبشر المذنبين على لسان نبيه: بأنه يقبل التوبة من التائبين ويعفو عن الذنب ممن يتوب، وأنه تعالى أيضاً ينذر الصديقين - وهم المبالغون في الصدق والتصديق((1))، أو كثيرواالصدق((2))

- أن لا يعجبوا بأعمالهم التي يعملونها، فكلها قليلة في حقه تعالى مهما بلغت من الكثرة، ولا تستوجب استحقاق العبد للثواب، فإن الثواب تفضّل من الله تعالى، ولو حاسب الله تعالى العباد لهلكوا؛ لعدم استحقاقهم الثواب بأعمالهم مهما كانت، لأن الإتيان بالطاعات والإقدار عليها إنما هو بتهيئة الأسباب التي لا تتهيأ إلّا بكرمه عز وجل، ورفع الموانع التي لا ترتفع إلّا بكرمه سبحانه، ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً.

وجميع الطاعات التي يؤديها العبد لا تفي بشكر نعمة واحدة من نعمه

ص: 328


1- - لسان العرب 10 : 193 - 194 ، مادة: «صدق» .
2- - مجمع البحرين 2 : 595 ، مادة: «صدق» .

سبحانه، مع أن نعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى. فالإحسان والإثابة تفضّل إلهيّ على العباد المتقربون لساحة القدس، ولا يشمل من كان بعيداً عن الله سبحانه بذنوبه.

فالحديث بصدد بيان: أن العجب رذيلة مهلكة، ومبعد عن الله تعالى، ومعرّض له للمداقّة في الحساب. وبه يحرم عن عفو الله ورحمته، وأنه من الذنوب الموجبة لاستحواذ وتسلط إبليس عليه.

والحاصل: أنّ هذا الحديث - أيضاً - قاصر الدلالة على أصل بطلان العبادة بالعجب، فضلاً عمّا إذا قارنها العجب؛ وذلك لأنّ بشارة المذنبين إنّما هي من جهة قبول توبتهم بعد الندم وحصول الذنب، لا فيما إذا وقع الذنبمقارناً للعجب في العبادة.

سند الحديث:

الحديث وإن رواه الكليني بسند فيه إرسال، إلّا أنّ مرسله يونس بن عبد الرحمن، الذي له مكانة معلومة، ومراسيله - كمراسيل ابن أبي عمير - في حكم المسانيد؛ بناءً على ما اخترناه في كتاب «أصول علم الرجال»((1)) .

ص: 329


1- - أصول علم الرجال 2 : 280.

[237] 4 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَنْدَمُ عَلَيْهِ، وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيَسُرُّهُ ذَلِكَ، فَيَتَرَاخَى عَنْ حَالِهِ تِلْكَ. فَلأَنْ يَكُونَ عَلَى حَالِهِ تِلْكَ خَيْرٌ لَهُ ممّا دَخَلَ فِيهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث من حيث الدلالة كسابقه؛ إذ لا يدل على بطلان العبادة بالعجب، بل غاية ما يدل عليه أنّ حالة الندامة خير من حالة العجب والسرور بالعمل.

ويراد بالسرور في قوله (علیه السلام) : «ويعمل العمل فيسرّه ذلك»: الإدلال بالعمل، واستعظامه، وإخراج نفسه عن حدّ التقصير.

وقوله (علیه السلام) : «فيتراخى عن حاله تلك»، أي: تصير حاله بسبب هذا السرور والعجب أدون من حاله وقت الندامة.

سند الحديث:

للحديث سندان:

ص: 330


1- الكافي 2 : 313، باب العجب، ح 4.
2- الزهد: 67 ، ح 178.

[238] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلاَّلِ، عَنْ عليّ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْعُجْبِ الَّذِي يُفْسِدُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: «الْعُجْبُ دَرَجَاتٌ، مِنْهَا: أَنْ يُزَيَّنَ لِلْعَبْدِ سُوءُ عَمَلِهِ، فَيَرَاهُ حَسَناً، فَيُعْجِبَهُ، وَيَحْسَبَ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعاً. وَمِنْهَا: أَنْ يُؤْمِنَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ، فَيَمُنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَنُّ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وهو معتبر؛ إذ المراد من مرجع الضمير في «عنه»: عليّ بن إبراهيم، والمراد من «أبيه»: هو إبراهيم بن هاشم.

والثاني: سند الحسين بن سعيد، وهو صحيح.

[5] - فقه الحديث:

تعرّض الحديث لبعض درجات العجب، فذكر درجتين:

الأولى: أن يزين الشيطان أو النفس للعبد العمل السيئ، وهذا يحصل له تدريجاً بسبب تكرار العمل حتّى يخف على نفس المؤمن فتتقبله بعد أن كان ثقيلاً؛ لكونه عملاً سيئاً، حتّى يراه العبد بعد ذلك حسناً بسبب تلبيس

ص: 331


1- الكافي 2 : 313، باب العجب، ح 3.
2- معاني الأخبار: 243.

الشيطان الرجيم والنفس الأمارة، وقد قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً}((1)

وقال سبحانه أيضاً: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}((2))، فإذا وصل العبد إلى هذه المرحلة وتجذّر العمل السيئ في قلبه واستخف به واستحقره تراه يرتكب ما هو أعظم منه حتّى تكون كبائر المعاصي حقيرة في نفسه، فلا تبقى عنده معصية كبيرة يصعب عليه اقتحامها، وينجرّ بعد ذلك لما هو أعظم وهو الكفر؛ قال تعالى {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}((3))، وهذا يدل على أن العجب لا ينحصر في الأعمال الحسنة، بل يتعدّاها إلى الأعمال السيئة.الثانية: أن يمنّ على الله سبحانه بإيمانه، مع أنّ هذا الإيمان - وهو عمل باطني - هو من فضل الله تعالى، فله سبحانه المنّ على جميع العباد أن هداهم للإيمان.

لكن هذا الحديث - أيضاً - قاصر الدلالة على المدّعى، وهو بطلان العمل بطروء العجب؛ وذلك لأنّ الفساد بالنسبة إلى من يعمل عملاً سيّئاً ويراه حسناً - من خلال الاعتياد عليه، بحيث صار عنده من صفة الكمال - لم يطرأ

ص: 332


1- - فاطر، الآية 8 .
2- - الكهف، الآيتان 103 - 104.
3- - الروم، الآية 10.

على العمل الصحيح حتّى يقال: إنّ إعجابه أفسد العمل، بل كان العمل فاسداً من الأول، فلا معنى لفساده بالعجب المقارن له.

وأمّا من كان مؤمناً باللَّه تعالى ويَمُنّ بعمله على ربّه سبحانه وتعالى فالفساد فيه أيضاً غير واضح؛ وذلك لأنّه لا معنى لكون العجب مبطلاً للإيمان؛ حيث إنّ الإيمان غير قابل للاتّصاف بالصحة والفساد. نعم، المَنّ على اللَّه تعالى - مع أنّه سبحانه له المنّة على جميع الخلق - يوجب انحطاط مقام العبد عند اللَّه تعالى، ولو بالإحباط من حسناته. وعليه فلا دلالة في هذا الحديث على بطلان العمل بالعجب، حتّى يقال بوجوب إعادته أو قضائه.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأول: ما رواه الكليني (قدس سره) .

ورجال هذا الطريق كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم ما عدا:

أحمد بن عمر الحلاّل: الذي قال النجاشي عنه: أحمد بن عمر الحلاّل، كان يبيع الحَلَّ، يعني الشَّيْرج((1))، روى عن الرضا (علیه السلام) ، وله عنه مسائل ((2)) .

وقال الشيخ: «كان يبيع الحَل، كوفي، أنماطي، ثقة، ردي ء الأصل»((3)).

ص: 333


1- - وهو زيت السمسم.
2- - رجال النجاشي: 99/248.
3- - رجال الطوسي: 352/5213.

[239] 6 - وَعَنْهُ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ عَقْلِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وعليه فهو ثقة. وأمّا الذمّ المذكور - من كونه رديء الأصل - فهو لا ينافي الوثاقة والنقل في الرواية.

وعليّ بن سويد: هو عليّ بن سويد السائي، من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وثّقه الشيخ في «رجاله»((2)).

الثاني: ما رواه الصدوق في «معاني الأخبار».وهذا الطريق أيضاً رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، بما فيهم محمّد بن الحسين، وهو ابن أبي الخطاب.

وعليه فهذا الحديث بكلا طريقيه معتبر.

[6] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كغيره من الأحاديث المتقدّمة - غير واضح الدلالة على بطلان العبادة بحصول العجب المقارن، فضلاً عن المتأخّر. وغاية ما يدل

ص: 334


1- الكافي 1 : 27 ، كتاب العقل والجهل، ح 31.
2- - رجال الطوسي: 359/5320.

عليه هو مرجوحيّة العجب، وأنّ المعجب بعمله قليل العقل؛ إذ لو كان له عقل كامل وعلم تامّ ومعرفة بما له جلّ شأنه من القوّة والقدرة والغلبة والعظمة والجلال، لعلم أنّ كلّ طاعة لا تتحقق إلّا بتوفيقه تعالى وتسديد منه سبحانه، وقد ورد عنهم (علیهم السلام) : «لا تحمد - يا سيدي - إلّا بتوفيق منك يقتضي حمداً، ولا تشكر على أصغر منّة إلّا استوجبت بها شكراً، فمتى تحصى نعماؤك يا إلهي، وتجازى آلاؤك يا مولاي، وتكافأ صنايعك يا سيدي. ومن نعمك يحمد الحامدون، ومن شكرك يشكر الشاكرون»((1)

فكيف للعبد - مع كلّ هذه النعم الكثيرة - أن يعجب بعمله اليسير، ويعدّ نفسه قائماً بحقوق العبودية والألوهيّة؟!

سند الحديث:

أمّا الكليني وعلي بن إبراهيم، فهما ثقتان جليلان، قد تقدّمت ترجمتهما.

وأمّا موسى بن إبراهيم: فهو موسى بن إبراهيم، المحاربي؛ بقرينة بعض، ولم يرد فيه توثيق.

وأمّا الحسن بن موسى: فلم يعلم من هو، ومن المحتمل أن يراد به: الحسن بن موسى الخشّاب، الذي مدحه النجاشي بقوله: «من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم والحديث»((2)).

ص: 335


1- - بحار الأنوار 99 : 56.
2- - رجال النجاشي: 42/85.

[240] 7 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ رَجُلٍ يَرْفَعُهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا ابْتُلِيَ مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ أَبَداً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا موسى بن عبد اللَّه: فهو مشترك بين جماعة، ولعلّه موسى بن عبداللَّه بن سعد الأشعري، الذي ورد فيه: أنّه من أهل بيت نجباء((2)).

وأمّا ميمون بن علي: فلم يذكر عنه سوى أنّه روى عن أبي عبداللَّه (علیه السلام) ، وروى عنه موسى بن عبد اللَّه، كما في هذا الحديث. ويحتمل أن يكون مقلوب «علي بن ميمون»، الذي له كتاب((3)).

وعليه: فالرجل مجهول الحال.

وقد تلخّص ممّا سبق: أنّ هذا الطريق ضعيف.

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدلّ على أنّ الذنب خير من العمل الذي يعجب الإنسان، وأنّ العجب أشدّ منه؛ وذلك لأنّ الذنب يزول بالتوبة، ويكفّر بالطاعات. وأمّا العجب فهو من الصفات الخبيثة المهلكة التي يصعب إزالتها، والبالغة

ص: 336


1- 1*) الكافي 2 : 313، باب العجب، ح 1.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 624/ 608.
3- - رجال النجاشي: 272/712.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

بالإنسان إلى ما لا يرضى به اللَّه سبحانه؛ لما فيه من الآفات الكثيرة، من أدائه إلى الكبر، وإلى نسيان الذنوب وإهمالها، فبعض ذنوبه لا يذكرها، ولا يتفقّدها لظنّه أنّه مستغن عن تفقّدها فينساها، وأمّا الذي يتذكّره منها فإنّه يستصغرها، فلا يجتهد في تداركها. ثمّ المعجب يغترّ بنفسه ويستهين بربّه، ويأمن مكره وعذابه، ويظن أنّه عند اللَّه بمكان، وأنّ له على اللَّه منّة وحقّاًبأعماله التي هي نعمة من نعمه، وعطيّة من عطاياه. ثمّ إنّ إعجابه بنفسه ورأيه وعمله وعقله يمنعه من الاستفادة والاستشارة والسؤال، فيستنكف من سؤال من هو أعلم منه، وربّما يعجب بالرأي الخاطى ء الذي خطر له، فيصرّ عليه، وآفات العجب أكثر من أن تحصى.

وعلى هذا يكون العجب مبغوضاً عقلاً، ومحرّماً شرعاً. وأمّا بطلان العمل به مقارناً كان أو متأخراً فلا يستفاد من هذا الحديث.

سند الحديث:

للحديث طريقان، في كليهما إرسال، وتقدّم من كان مذكوراً فيهما.

ص: 337


1- 1*) علل الشرائع2 : 579، ب385، ح8 .

[241] 8 - وَعَنْهُ(1)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جَنَاحٍ، عَنْ أَخِيهِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ دَخَلَهُ الْعُجْبُ هَلَكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

تقدّم مضمونه في الحديث الأول.

سند الحديث:

الظاهر: أنّ الضمير في «وعنه» يرجع إلى أحمد بن محمّد بن عيسى، لا إلى محمّد بن يحيى، وهو الصحيح؛ بقرينة سائر الروايات، ولعدم إمكان رواية محمّد بن يحيى عن سعيد بن جناح بحسب الطبقة.

وأمّا سعيد بن جناح: فقد قال النجاشي في ترجمته: سعيد بن جناح، أصله كوفي، نشأ ببغداد ومات بها، مولى الأزد. ويقال: مولى جُهَيْنة، وأخوه أبو عامر، روى عن أبي الحسن والرضا (علیهما السلام) ، وكانا ثقتين((3)

وذكره مرة ثانية، قائلاً: سعيد بن جناح الأزدي، روى عن الرضا (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة((4)).

وأمّا أبو عامر: فهو أبو عامر بن جناح، قد اتّضح حاله بما بيّناه في ترجمة أخيه سعيد بن جناح من حيث الوثاقة.

ص: 338


1- هذه عبارة الكليني، والظاهر أنّ ضمير «عنه» راجع إلى «أحمد» لا إلى «محمد». (منه (قدس سره) ).
2- الكافي 2 : 313، باب العجب، ح 2.
3- - رجال النجاشي: 191/512.
4- - المصدر نفسه: 182/481.

[242] 9 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ نَضْرِ بْنِ قِرْوَاشٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ:«أَتَى عَالِمٌ عَابِداً فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ صَلاتُكَ؟ فَقَالَ: مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ صَلاتِهِ، وَأَنَا أَعْبُدُ اللَّهَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا؟! قَالَ: فَكَيْفَ بُكَاؤُكَ؟ فَقَالَ: أَبْكِي حتّى تَجْرِيَ دُمُوعِي، فَقَالَ لَهُ الْعَالِمُ: فَإِنَّ ضَحِكَكَ وَأَنْتَ خَائِفٌ أَفْضَلُ مِنْ بُكَائِكَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ(1)؛ إِنَّ الْمُدِلَّ لا يَصْعَدُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْ ءٌ»(2).

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا قوله عن رجل، فهو مجهول، ومعه يدخل الحديث في المراسيل، ولا يمكن أن نعتمد عليه في مقام الاستدلال.

نعم، يمكن أن يكون مؤيّداً للأحاديث الدالة على الحرمة التكليفيّة للعجب، كما تقدّم.

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث أيضاً ليس فيه دلالة على فساد العبادة بالعجب.

ص: 339


1- المدِلّ: المتّكل على عمله ظانّاً بأنّه هو الذي ينجيه. (مجمع البحرين5 : 372، مادة: «دلل»).
2- الكافي 2 : 313، باب العجب، ح 5.
3- الزهد: 63 ، ح 168 باختلاف يسير.

والمراد من عدم الصعود هنا هو: الكناية عن قلّة الأجر والثواب المترقّب منها، وإلّا إذا قلنا: بأن عمله مردود عند اللَّه تعالى؛ إذ لا يصعد إليه إلّا العمل الصالح، للزم الحكم ببطلان عبادة عاقّ الوالدين، وآكل الربا، ونحوهما ممّا ورد: أنّ العمل معه لا يصعد((1)).

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأول: ما رواه الكليني (قدس سره) .

وهذا الطريق رجاله كلهم ثقات، قد تقدّم ذكرهم، ما عدا:

نضر بن قرواش: وهو وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال، إلّا أنّه وردت رواية المشايخ الثقات عنه((2)) ، وهذا يكفينا في الاعتماد عليه.

وأما محمّد بن سنان: فقد بنينا على وثاقته((3))، وإن ذهب جماعة إلىضعفه. وعليه فهذا السند معتبر.

الثاني: ما رواه الحسين بن سعيد في كتاب «الزهد».

وهذا الطريق معتبر كسابقه.

ص: 340


1- - بحار الأنوار 93 : 295، باب 36، آداب الصائم، ح25، ودعائم الإسلام 1 : 268، واعلام الدين: 416، باب ما جاء من عقاب الأعمال، ووسائل الشيعة 18 : 122، ب1 من أبواب الربا، ح23284.
2- - أصول علم الرجال 2 : 215 .
3- - المصدر نفسه 2 : 240 .

[243] 10 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «دَخَلَ رَجُلانِ الْمَسْجِدَ، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ فَاسِقٌ، فَخَرَجَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْفَاسِقُ صِدِّيقٌ، وَالْعَابِدُ فَاسِقٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْعَابِدُ الْمَسْجِدَ مُدِلًّا بِعِبَادَتِهِ، يُدِلُّ بِهَا، فَتَكُونُ فِكْرَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَتَكُونُ فِكْرَةُ الْفَاسِقِ فِي التَّنَدُّمِ عَلَى فِسْقِهِ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ممّا صَنَعَ مِنَ الذُّنُوبِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد رَفَعَهُ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث أيضاً يمكن المناقشة في شموله للحرمة الوضعيّة؛ وذلك لأنّ صيرورة العابد فاسقاً من جهة العجب لا دلالة له على ابطاله لأعماله، وإنّما وجهه: أنّ العجب قد يبلغ بالإنسان مرتبة يَمُنّ بعمله على اللَّه، أو يعتقد: أنّه في مرتبة الإمامة والنبوّة، وينتظر نزول جبرئيل، وقد يبكي، ويتعجّب من تأخير نزوله، وغير ذلك ممّا يوجب فسقه، بل كفره.

وأمّا صيرورة الفاسق صدّيقاً - أي: مؤمناً صادقاً في إيمانه كثير الصدق

ص: 341


1- الكافي 2 : 314، باب العجب، ح 6.
2- علل الشرائع 2 : 354 ، ب66، ح 1.

والتصديق قولاً وفعلاً - فهو من جهة ندمه وتوبته، وأنّه بالتندّم تتبدّل السيّئة حسنة، كما أشارت إلى ذلك الآية المباركة: {فأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ}((1))

في حقّ التائبين من الذنوب، وهذا بخلاف العجب بالعبادة؛ لأنّه يذهب بثوابها((2)).

سند الحديث:

للحديث طريقان، كلاهما مرسل، وفي السند ممّن لم يتقدم نحو:

أحمد بن أبي داود: وهو مجهول، لم يرد فيه شي ء.

ص: 342


1- - الفرقان، الآية 70.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 28.

[244] 11 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ خَالِدٍ الصَّيْقَلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَوَّضَ الأَمْرَ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَخَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعَ أَرَضِينَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الأَشْيَاءَ قَدِ انْقَادَتْ لَهُ، قَالَ: مَنْ مِثْلِي؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ نُوَيْرَةً مِنَ النَّارِ». قُلْتُ: وَمَا النُّوَيْرَةُ؟ قَالَ: «نَارٌ مِثْلُ الأَنْمُلَةِ، فَاسْتَقْبَلَهَا بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ، فَتَخَيَّلَ(1) لِذَلِكَ حتّى وَصَلَتْ إِلَى نَفْسِهِ؛ لِمَا دَخَلَهُ الْعُجْبُ»(2).(3)

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

الحديث - كسابقه - لا دلالة له على بطلان العمل بالعجب، بل غاية ما يدل عليه: أنّ العجب صفة مذمومة، موبقة للإنسان، وموجبة لحبط أجره، ولهلاكه. فينبغي للإنسان المؤمن الابتعاد عن هذه الصفة القبيحة؛ لما فيها من التكبّر على عباد اللَّه وعلى اللَّه، مع أنّه لابدّ أن تكون القربة التي يتقرّب بها المرء إليه مقرونة بالتذلّل والخضوع. ولا شبهة أنّ العجب بالمعنى الذي ذكرناه في أوّل الباب ينافي الخشوع والتذلّل له سبحانه وتعالى.

ص: 343


1- في نسخة: فتخلّلت. (منه (قدس سره) )، وفي المصدر: فتخبّل.
2- هذا يشعر بأنّ بعض العجب غير محرّم؛ لما تقرّر من عصمة الملائكة، ولعلّه أوّل مراتبه، فتدبّر. (منه (قدس سره) ).
3- المحاسن 1 : 214، ح391.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الصَّيْقَلِ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأول: ما رواه أحمد بن محمّد البرقي في «المحاسن»، عن ابن سنان، عن العلاء، عن خالد الصيقل.

أمّا أحمد بن محمّد البرقي: فهو ثقة جليل، وقد تقدّم.

وأمّا ابن سنان، فالظاهر: أنّه محمّد بن سنان، لا عبد اللَّه بن سنان؛ لأنّه قد ثبت رواية البرقي عنه كثيراً، ولم يثبت روايته عن عبد اللَّه بن سنان؛ لتأخّر البرقي طبقة، فلا يروي بلا واسطة عن عبد اللَّه، الذي هو من أصحاب الصادق (علیه السلام) .

ثمّ إنّ محمّد بن سنان قد وقع محلاًّ للكلام، فقد وثّقه بعض، وضعّفه بعض آخر، وحيث بنينا في محلّه على وثاقته وتصحيح رواياته فلا إشكال عندنا من ناحيته.

وأمّا العلاء: فهو مردّد بين العلاء بن الفضيل بن يسار والعلاء بن

ص: 344


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 251، ح 1.

رزين القلاّء. وكلاهما ثقتان، وثّقهما النجاشي((1))، وإن كان الظاهر أنه الأول، لأنه هو الذي يروي عنه محمّد بن سنان كثيراً، ولعدم ثبوت رواية محمّد بن سنان عن الثاني إلّا في موارد قليلة.

وأمّا خالد الصيقل: فلم يذكر في كتب الرجال بمدح ولا قدح.

وعليه: فهذا الطريق ضعيف؛ لجهالة خالد الصيقل.

الثاني: ما رواه الصدوق في «عقاب الأعمال»، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن العلاء، عن أبي خالد الصيقل.

وهذا الطريق أيضاً ضعيف، لجهالة خالد الصيقل أو أبي خالد. وعليه فكلا الطريقين محكومان بعدم الاعتبار.

ص: 345


1- - رجال النجاشي: 298/ 810 و 811.

[245] 12 - وَعَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ÷، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)» - فِي حَدِيثٍ - : ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ(1) مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

قد عدّ(صلی الله علیه و آله و سلم) العجب بالنفس في هذا الحديث من جملة المهلكات التي تؤدّي بفاعلها إلى الهلاك؛ لما يترتّب عليه من التكبّر أو التحقير للآخرين، أو تحقير اللَّه سبحانه، أو غير ذلك، ولا دلالة له على إبطاله العمل والعبادة.

وقد مرّ لهذا الحديث نظير، وهو الحديث الثامن من هذا الباب.

سند الحديث:

روى الحديث أحمد بن محمّد البرقي في «المحاسن».

ورجال هذا الطريق كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

ص: 346


1- الشّح: البخل. (لسان العرب 2 : 494 ، مادة: «شحح»). وفي (كتاب العين 3 : 12) الشح: البخل، وهو الحرص. وفي (النهاية 2 : 380) الشح: أشدّ البخل وهو أبلغ في المنع من البخل. وفي (معجم مقاييس اللغة 3 : 179) يقولون للمواظب على الشيء: شحيح. ولا يكون مواظبته عليه إلّا شحّاً به.
2- المحاسن 1 : 62 ، ح 3.

[246] 13 - وَعَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ مُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قالَ - فِي حَدِيثٍ - : «ثَلاثٌ مُوبِقَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد عَنِ الْبَرْقِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

هذا الحديث من حيث الدلالة كسابقه، والموبقات هي: المهلكات.

سند الحديث:

له طريقان:

الأول: ما رواه أحمد بن محمّد البرقي في «المحاسن».

أمّا هارون بن الجهم: فقد قال النجاشي في ترجمته: «هارون بن الجهم بن ثوير بن أبي فاختة، سعيد بن جهمان، مولى اُم هانئ بنت أبي طالب،وابن الجهم روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، كوفي، ثقة»((3)).

ص: 347


1- المحاسن 1 : 62 ، ح 4، وتأتي قطعة منه في الحديث 7 من الباب 54 من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة، وقطعة منه أيضاً في الحديث 19 من الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة، ويأتي تمامه في الحديث 17 من الباب 5 من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة عن «الخصال» و«الزهد».
2- معاني الأخبار: 314 ، ح 1، والخصال: 83 ، ح 10.
3- - رجال النجاشي: 438/1178.

وأمّا أبو جميلة مفضّل بن صالح: فقد تقدمت ترجمته، وهو ضعيف، على ما ذكره النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد، من أنّه «روى عنه جماعة، غُمِزَ فيهم وضعّفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضّل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب»((1)).

ولكن هذا التضعيف معارض برواية المشايخ الثقات الذين لا يروون ولايرسلون إلّا عن الثقات، وكذلك بوروده في أسناد «تفسير القمي»((2)).

ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: إنّ التضعيف من جهة نسبة الغلوّ إليه، لا من جهة الضعف في نفسه، والشاهد على هذا الجمع: أنّ الشيخ ذكره في «الفهرست» و«الرجال»، ولم يتعرّض لضعفه. وعليه فالأقوى وثاقته؛ لما ذكرنا.

بحث رجالي في سعد بن طريف

وأمّا سعد بن طريف: فقد قال النجاشي في ترجمته: «إنّه يعرف وينكر»((3)).

وعدّه الشيخ في «رجاله» في أصحاب السجاد (علیه السلام) ، قائلاً: «سعد بنطريف، الحنظلي، الإسكاف، مولى بني تميم، الكوفي، ويقال: سعد الخفاف، روى عن الأصبغ بن نباتة، وهو صحيح الحديث»((4)).

ص: 348


1- - رجال النجاشي: 128/332.
2- - أصول علم الرجال 2 : 213 ، و ج1 : 288 .
3- - رجال النجاشي: 178/468.
4- - رجال الطوسي: 115/1147.

وهذا - كما ترى - توثيق صريح من الشيخ في حقه؛ لأنّ كون راوٍ صحيح الحديث إنّما يصحّ إذا كان ثقة في إخباره. ويضاف إلى ذلك وقوعه في أسناد «تفسير القمي»((1)).

وأمّا قول النجاشي عنه: «إنّه يعرف وينكر» فلا يكون مانعاً عن وثاقته؛ إذ لا تنافي بين وثاقة الراوي وروايته أموراً منكرة من جهة كذب من حدّثه بها؛ لحسن ظنّه به، أو لغير ذلك من الأسباب، فالنتيجة: أنّ الرجل ثقة يعتمد على رواياته.

وعليه فهذا الطريق معتبر، والظاهر أن كلمة «أبيه» ساقطة من الناسخ، أو أنَ عدم ذكرها اعتماداً على الحديث السابق (الحادي عشر).

الثاني: ما رواه الصدوق في «معاني الأخبار».

وهذا الطريق أيضاً رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

والمراد بأحمد بن محمّد في هذا السند هو: أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، كما صرّح باسمه في «المعاني». وعليه فهذا الحديث بكلا طريقيه معتبر.

ص: 349


1- - أصول علم الرجال 1 : 280.

[247] 14 - وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو النَّصِيبِيِّ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) - فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) - قَالَ: «لا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

في بعض النسخ: «ولا وحشة أوحش من العجب».

وهذا الحديث أيضاً لا يدل على إفساد العجب للعبادة. والوجه في كون العجب أوحش من الوحدة هو: أنّ المعجب بنفسه وأعماله يحقّر خلق اللَّه؛ لأنّه يتوقّع منهم الاحترام والتعظيم له، فيصير ذلك سبباً لوحشة الناس عنه، أو نحو ذلك ممّا يوجب الرغبة عنه، فيبقى وحيداً.

سند الحديث:

روى الحديث أحمد بن محمّد البرقي.

أما حماد بن عمرو النصيبي: فلم يذكر في كتبنا الرجاليّة بمدح ولا قدح، ولكن نسب في كتب العامة إلى الضعف.

فعن البخاري: أنّه منكر الحديث، وعن النسائي: متروك الحديث، وعنابن معين: ليس بشي ء، وعن أبي زرعة: واهي الحديث، وعن أبي حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث جداً ((2)).

ص: 350


1- المحاسن 1 : 80 ، ح 47.
2- - لسان الميزان 2 : 351.

[248] 15 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) - فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) لِعَلِيٍّ (علیه السلام) - قَالَ: «يَا عَلِيُّ، ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأما السَّرِيّ بن خالد: فعدّه الشيخ (رحمه الله) من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((2))، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

وهذا كاف في الحكم بالوثاقة. وعليه فهذا الطريق غير معتبر؛ لجهالة حمّاد بن عمرو النصيبي.

[15] - فقه الحديث:

مرّ نظير هذا الحديث متناً، وكذلك سنداً((4))، وقد قلنا: إن السند ضعيفبطريقيه، ويمكن تصحيحه عن طريق شهادة الصدوق بأن كتابه مأخوذ من الكتب المشهورة المعوّل عليها.

ص: 351


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 361 ، ح 5762، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 54 من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.
2- - رجال الطوسي: 221/2961.
3- - أصول علم الرجال 2 : 193.
4- - راجع الرقم العام في سند الحديث 79، وفقه الحديث 245.

[249] 16 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ زِيَادٍ - يَعْنِي: ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ - عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَإِنْ كَانَ الْمَمَرُّ عَلَى الصِّرَاطِ حَقّاً فَالْعُجْبُ لِمَاذَا؟!»(1)1*) و(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------[16] - فقه الحديث:

وهذا الحديث أيضاً لا دلالة له على بطلان العمل بالعجب، ولا على حرمته بوجه؛ لأنّه نظير ما ورد في فقرة من الحديث من: أنّ الممات إذا كان حقّاً فالحرص على جمع المال لماذا ؟ وكذا سائر فقراته، وظاهر أنّ الحرص على جمع المال لا حرمة فيه، وإنّما تدل على أنّ الممرّ على الصراط - مع تلك الدقّة والخوف من الوقوع في النار - إذا كان حقّاً

ص: 352


1- 1*) نقل صاحب الوسائل قطعة من الحديث التي هي محل الشاهد، ولا بأس بنقل تمامه ونصّه : أنّه جاء إليه رجل فقال له : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول اللَّه علِّمني، موعظة، فقال له (علیه السلام) : «إن كان اللَّه تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ ! وإن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا؟! وإن كان الحساب حقّاً فالجمع لماذا ؟ ! وإن كان الخلف من اللَّه عزوجل حقّاً فالبخل لماذا؟! وإن كانت العقوبة من اللَّه عزّوجلّ النار فالمعصية لماذا؟! وإن كان الموت حقاً فالفرح لماذا؟! وإن كان العرض على اللَّه عزّوجلّ حقّاً فالمكر لماذا؟! وإن كان الشيطان عدوّاً فالغفلة لماذا ؟ ! وإن كان الممرّ على الصراط حقّاً فالعجب لماذا؟! وإن كان كلّ شي ء بقضاء من اللَّه وقدره فالحزن لماذا؟! وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا؟!».
2- 2*) من لا يحضره الفقيه 4 : 393، ح 5836.

ووصول كلّ أحد إلى ما عمله فالعجب لماذا؟! أي: لا معنى له.

طریق الفهرست المعتبر إلی ابن أبي عمیر

سند الحديث:

روى الحديث محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، بإسناده عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، بما فيهم طريق الصدوق إلى ابن أبي عمير، الذي ذكره في «المشيخة» بقوله: وما كان فيه عن محمّد بن أبي عمير فقد رويته عن أبي، ومحمد بن الحسن رضي اللَّه عنهما، عن سعد بن عبد اللَّه، والحميري جميعاً، عن أيّوب بن نوح، وإبراهيم بن هاشم، ويعقوب بن يزيد، ومحمد بن عبد الجبار جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير((1)).وله (رحمه الله) طريق آخر صحيح على ما يظهر من «الفهرست» إلى جميع كتب وروايات محمّد بن أبي عمير((2)). وعليه فيعلم أنّ له إليه طريقين، كلاهما صحيح.

ص: 353


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 460، المشيخة .
2- - فهرست الطوسي: 219/617 .

[250] 17 - وَفِي «الْعِلَلِ» وَفِي «التَّوْحِيدِ»، عَنْ طَاهِرِ بْنِ محمّد بْنِ يُونُسَ، عَنْ محمّد بْنِ عُثْمَانَ الْهَرَوِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، عَنْ جَبْرَئِيلَ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ... وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ يُرِيدُ الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَأَكُفُّهُ عَنْهُ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ عُجْبٌ، فَيُفْسِدَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

قد يقال باستفادة بطلان العمل بالعجب من هذا الحديث؛ وذلك لأنّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) أسند إفساد العمل والعبادة إليه.

وهذا الاستدلال إنّما يصح إذا تعيّن رجوع الضمير في قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «فيفسده» إلى العمل، وليس كذلك، بل من المحتمل رجوعه إلى العامل نفسه. بمعنى: من فيه العجب هو فاسد بلحاظ الأخلاق، وفساد الشخص لا يوجب فساد العمل الصحيح الصادر عنه. وعليه فالحديث أجنبيّ عن المقام.

سند الحديث:

في السند عدّة مجاهيل:

ص: 354


1- علل الشرائع 1 : 12 ، ب9، ح 7، والتوحيد: 398 ، ح 1.

أمّا طاهر بن محمّد بن يونس: فهو من مشايخ الصدوق، ولم يرد فيه توثيق.

وأمّا محمّد بن عثمان الهروي: فهو - أيضاً - مجهول، لم يذكر في كتب الرجال. نعم، ترجمه العامة، كما عن الخطيب البغدادي بقوله: «محمد بن عثمان بن عبد الجليل بن نضر بن محمد، أبو بكر، الهرويّ»((1)) .

وأما الحسن بن مهاجر وهشام بن خالد والحسن بن يحيى وصدقة بن عبد اللَّه: فلم يذكروا في الكتب الرجاليّة بشي ء من الوثاقة والمدح.

وأمّا هشام: فهو مشترك بين جماعة. والظاهر - بحسب الطبقة - أنّه هشام بن عمارة الكناني، وهو - أيضاً - لم يرد فيه شي ء.

وأمّا أنس، فقد تقدّم الكلام فيه سابقاً، فلاحظ.

وعليه: فسند هذا الحديث من العامة، وهو غير معتبر؛ لوجود عدّة مجاهيل فيه.

ص: 355


1- - تاريخ بغداد 3 : 259.

[251] 18 - وَفِي «الأَمَالِي» - وَيُقَالُ لَهُ «الْمَجَالِسُ» - عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى، عَنْ محمّد بْنِ هَارُونَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْهَادِي(1)، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : مَنْ دَخَلَهُ الْعُجْبُ هَلَكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[18] - فقه الحديث وسنده:

مرّ نظير هذا الحديث متناً وسنداً((3))، والسند ضعيف، ويمكن تصحيحه عن طريق الصدوق المعتبر إلى عبد العظيم الحسني .

ص: 356


1- في المصدر: عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (علیه السلام) .
2- أمالي الصدوق: 531، ذيل الحديث 9.
3- - راجع الرقم العام في سند الحديث 20، وفقه الحديث 241.

[252] 19 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ»، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَلَوِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لَوْ لا أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ مَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ ذَنْبٍ أَبَداً»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[19] - فقه الحديث:

قد تقدّم مضمون هذا الحديث في الحديث السابع.

سند الحديث:

في السند ممّن لم يتقدم، نحو:

عليّ بن القاسم بن الحسين والقاسم بن الحسين: والظاهر أنّه ابن الحسين بن زيد، وعلي حفيده. ولم يرد فيهما توثيق.

وأمّا الحسين بن زيد: فهو الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين، أبو عبد اللَّه، يلقّب ذا الدمعة، كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) تبنّاه وربّاه وزوّجه ببنت (بنت)الأرقط، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ((2)).

ص: 357


1- 1*) أمالي الطوسي: 571، ح1184.
2- - رجال النجاشي: 52/115 .

[253] 20 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي «كِتَابِ الزُّهْدِ»، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنِ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ مِنْ عِبَادِي لَمَنْ يَسْأَلُنِي الشَّيْ ءَ مِنْ طَاعَتِي لأُحِبَّهُ، فَأَصْرِفُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِكَيْلا يُعْجِبَهُ عَمَلُهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهو وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال، إلّا أنّه محكوم بالوثاقة؛ لرواية المشايخ

الثقات عنه، ولوروده في أسناد «نوادر الحكمة»((2)).

[20] - فقه الحديث وسنده:

مرّ الكلام في نظير هذا الحديث متناً وسنداً((3))، وقلنا: إن السند معتبر.

ص: 358


1- الزهد: 68 ، ح 179.
2- - أصول علم الرجال 1 : 219، و ج2 : 187 .
3- - راجع الرقم العام في سند الحديث 245، وفقه الحديث 250 .

[254] 21 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنِ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): ثَلاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَوْفُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ. وَثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوىً مُتَّبَعٌ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ»(1)1*).

[255] 22 - محمّد بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ الْمُوسَوِيُّ فِي «نَهْجِ الْبَلاغَةِ»، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) ، قَالَ: «سَيِّئَةٌ تَسُوؤُكَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث وسنده:

مرّ نظير هذا الحديث متناً وسنداً، وسنده أيضاً معتبر((3)).

[22] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في نظير هذا الحديث، وقلنا: إن أفضليّة السيّئة المتعقّبة بالتوبة من جهة تبدّلها إلى الحسنة؛ لقوله تعالى: {إلَّا مَنْ تابَ وآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأُولئكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئاتِهِم حَسَنَاتٍ}((4))، بخلاف العبادةمع العجب؛ لأنّه يذهب بثوابها، ولا تتبّدل إلى حسنة، ومع ذلك لا دلالة له على

ص: 359


1- 1*) الزهد: 68 ، ح 180.
2- 2*) نهج البلاغة 4 : 13 ، الحكمة: 46 .
3- - راجع فقه وسند الحديث 245.
4- - الفرقان، الآية 70.

[256] 23 - قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : «الإِعْجَابُ يَمْنَعُ الازْدِيَادَ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

إبطال العجب للعمل.

سند الحديث:

قد مرّ الكلام فيه((2)).

[23] - فقه الحديث:

معنى الحديث: أنّ الإعجاب بالنفس يمنع من الاستكثار من الطاعات؛ لأنّ المعجب بنفسه يرى أنّه قد بلغ الغرض ووصل إلى الغاية في العبادة، وإنّما يطلب الزيادة من يستشعر التقصير، لا من يتخيّل أنّه بلغ الكمال والغاية القصوى.

وهو - كما ترى - لا يدل على البطلان.

سند الحديث:

قد مرّ الكلام فيه((3)).

ص: 360


1- 1*) نهج البلاغة 4 : 41 ، الحكمة: 167 .
2- - راجع سند الحديث 136.
3- - راجع الرقم العام في سند الحديث 136.

[257] 24 - قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : «عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[24] - فقه الحديث:

الحاسد: هو الذي يتمنّى زوال النعمة عن الغير، ويتمنّى وصولها إليه، وقد لا يتمنّى الوصول، فهو يحول بين الإنسان وبين مصالحه، وكذلك العجب يحول بين العقل ونعمة الكمال، فيؤثّر في منعه من الاستكثار من الطاعات، فيكون حاسداً له.

وهو - كما ترى - لا دلالة له على بطلان العبادة بالعجب.

سند الحديث:

قد مرّ الكلام فيه((2)).

ص: 361


1- 1*) نهج البلاغة 4 : 49 ، الحكمة: 212 .
2- - راجع الرقم العام في سند الحديث 136.

[258] 25 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «مَجَالِسِهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْرَوَيْهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیهم السلام) ، قَالَ: «الْمُلُوكُ حُكَّامٌ عَلَى النَّاسِ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ عَلَيْهِمْ. وَحَسْبُكَ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ، وَحَسْبُكَ مِنَ الْجَهْلِ أَنْ تُعْجَبَ بِعِلْمِكَ»(1)1*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)2*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[25] - فقه الحديث:

لا دلالة للحديث على فساد العمل بالعجب، وإنّما يدل على أنّ الاعجاب بالعلم ناشئٌ عن الجهل، فيكون العجب مرجوحاً، فلا ربط له بالعمل.

سند الحديث:

قد تكلّمنا حول السند في الباب السابق، الحديث الخامس((4)

فلا نعيد.

والمتحصّل: أنه لا دلالة في شي ء من تلك الأحاديث على بطلان العملبالعجب، مقارناً كان أو متأخّراً، بل الثاني أولى بعدم البطلان. كيف، مع أنّ

ص: 362


1- 1*) أمالي الطوسي: 56، ح78.
2- 2*) تقدم في الحديث 7 من الباب 22 من أبواب مقدمة العبادات.
3- 3*) يأتي في الحديث 5 من الباب 55 ، والحديث 2 من الباب 75 من أبواب جهاد النفس.
4- - راجع ذيل الحديث الخامس في الباب22 .

الكفر أشدّ منه بمراتب، وهو لا يبطل الأعمال الواقعة حال الإسلام؟!

نعم، أحاديث الباب تدلّ على أنّه من الصفات الخبيثة المهلكة، البالغة بالإنسان إلى ما لا يرضى به اللَّه سبحانه، فينبغي أن يجاهد المرء بكل ما أوتي من قوّة للابتعاد عنه؛ حتّى لا يقع فيما ذكر، وقد مرّ علاج ذلك بما هو المستفاد من الأحاديث.

المستفاد من أحاديث الباب

ويستفاد أيضاً من أحاديث الباب أمور:

الأول: أنّ العجب بالأعمال يوجب الهلاك.

الثاني: أنّ العجب بالنفس من المهلكات.

الثالث: أنّ العجب يوجب البعد عن اللَّه تعالى.

الرابع: أنّ العجب مفسد للعمل بالمعنى الذي ذكرناه سابقاً.

الخامس: أنّ العجب دليل على ضعف العقل.

السادس: أنّ العجب بالعلم يكفي دليلاً على الجهل.

السابع: أنّ العجب إنذار للصدّيقين.

الثامن: أنّ العجب يمنع الازدياد.

التاسع: أنّ الرجل المذنب التائب أفضل حالاً من المعجب.

العاشر: أنّه لا وحدة أوحش من العجب.

الحادي عشر: أنّ المعجب المدلّ لا يصعد من عمله شي ء.

ص: 363

ص: 364

24 - باب جواز السرور بالعبادة من غير عجب، وحكم تجدد العجب في أثناء الصلاة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

24 - باب جواز السرور بالعبادة من غير عجب، وحكم تجدّد

العجب في أثناء الصلاة

شرح الباب:

تقدّم حكم العجب بالعبادة فيما سبق، وهذا الباب معقود لبيان أمرين:

الأول: حكم السرور من غير عجب.

والثاني: حكم تجدّد العجب في أثناء الصلاة، بعد أن لم يكن موجوداً عند أوّل أدائها.

أما الأمر الأول، فالذي تدلّ عليه الأحاديث هو: جواز السرور بالعبادة؛ فإنّ العبد غالباً ما يسرّ بعبادته فيما إذا أنجزها على وجهها، مراعياً فيها حسن أدائها، وشرائطها ومقارناتها وآدابها، بل لا يكاد ينفكّ هذا السرور عنه غالباً، كما هو الحال في غير العبادة من الأعمال التي يسرّ بها صاحبها، إذا أنجزها على وجهها، وهذا أغلبيّ في الناس.

ولعلّ هذا هو السرّ في عدم تحريم هذا النوع من السرور، وعدم إبطاله للعبادة.

والجواز المذكور في عنوان الباب هو الجواز بالمعنى الأعم، الشامل

ص: 365

للاستحباب والوجوب، بل يظهر من أحاديث الباب رجحانه، وأقلّ الرجحان هو الاستحباب.

ولا ريب في أنّ الإنسان إذا كان راضياً عن أدائه لعبادته - بعد أن يكون قد أدّاها على وجهها المطلوب - زاده ذلك حبّاً لها، وكان ذلك دافعاً له إلى بذل المزيد من الوسع في تخليصها عن كلّ ما يشينها، وينقص درجتها عند اللَّه سبحانه وتعالى.

وأمّا الأمر الثاني، فقد تقدّم آنفاً حكم العجب بالعبادة، وهو لا يتحقق إلّا بعد أداء العبادة، كما مرّ. وأمّا في أثنائها فلا يتصوّر العجب إلّا بالنسبة إلى ما مضى من الأجزاء. وسيأتي التعرّض لحكمه عند بيان الأقوال.

الأقوال:

حكم جماعة من علمائنا بأنّ العجب غير مبطل للعبادة، بحيث يجب القضاء؛ لتأخّره عنها بعدما وقعت صحيحة((1))

، بل لعله ظاهر الأصحاب، كما عن «المستمسك»((2)).

وكذا بالنسبة إلى الأجزاء؛ حيث إنّها وقعت أيضاً صحيحة؛ ولأنّ مبطلات الصلاة وموجبات الإعادة محصورة في أمور، ليس من ضمنهاتجدّد العجب أثناء العبادة. وقد نقل في «الجواهر» عن بعض مشايخه القول

ص: 366


1- - تحرير وسائل الشيعة: 333.
2- - المستمسك 6 : 29 .

[259] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

بالبطلان إذا كان مقارناً مع العمل((2)). هذا من جهة الحكم الوضعي. وأما الحكم التكليفي فالظاهر عدم الإشكال في حرمته.

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ المؤمن الكامل الإيمان هو من سرّته حسنته وساءته سيئته، ويدلّ أيضاً على جواز السرور بالمعنى الأعم، كما تقدّم.

وعليه فالسرور بالعبادة جائز للمؤمن، لا غضاضة فيه، بل هو أمر راجح؛ لما فيه من البعث نحو الإتيان بالعبادة بشكل أكمل وأكثر ، بخلاف العجب؛ فإنّه يمنع من الازدياد من العبادة والإكثار منها.

والظاهر: أنّ تنوين «مؤمن» للتعظيم، أي: مؤمن كامل الإيمان، فالمؤمن الحق الكامل الإيمان هو من سرّته عبادته الحسنة الكاملة كمّاً وكيفاً، وساءته أعماله السيئة كذلك. وسيأتي في وجوب الندم على السيئة ما يدلعلى وجوب الندم على السيئة المستلزم لوجوب الاستغفار منها.

والحديث ظاهر في أنّ كمال الإيمان بمجموع السرور بالحسنة والاستياء

ص: 367


1- الكافي 2 : 232، باب المؤمن وعلاماته وصفاته ، ح 6.
2- - الجواهر 2 : 100 .

[260] 2 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله و سلم) عَنْ خِيَارِ الْعِبَادِ؟ فَقَالَ: الَّذِينَ إِذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا، وَإِذَا أُعْطُوا شَكَرُوا، وَإِذَا ابْتُلُوا صَبَرُوا، وَإِذَا غَضِبُوا غَفَرُوا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

من السيئة، لا بكل واحد من الأمرين على حدة.

خیار العباد من اجتمعت فیه خمس خصال

سند الحديث:

في السند القاسم بن عروة: ولم يرد فيه توثيق، ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((2))، فيكون ثقة. وأمّا بقيّة أفراد السند فقد تقدّم الكلام حولهم. وعليه فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ خيار العباد من اجتمعت فيه خمس خصال:

الأولى: من إذا أحسنوا استبشروا؛ فإنّ المؤمن يفرح بما يؤدّيه من عبادة حسنة، قام بها على وجهها لربّه.

ص: 368


1- الكافي 2 : 240، باب المؤمن وعلاماته وصفاته ، ح 31.
2- - أصول علم الرجال 1 : 234 ، و2 : 206 .

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ النَّخَعِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

والثانية: من إذا أساءوا استغفروا؛ فإن المؤمن إذا أساء لنفسه أو لغيره استغفر. والإساءة هنا وإن كانت مطلقة تعمّ الإساءة التي هي بينهم وبين ربّهم، والإساءة التي تكون بينهم وبين الناس، إلّا أنّها - بقرينة العطف على الجملة السابقة - يراد بها: المعنى الأول، والحمل على مجموع المعنيين أولى؛ فإنّ الاستغفار من كلّ ذنب بحسبه، فالاستغفار من التفريط في حقوق الناس يكون بالندم على التفريط في حقوقهم، بالإضافة إلى إرجاع الحق إلى صاحبه.

والاستغفار من التفريط في الحقوق الإلهية - المعبّر بها هنا بالإساءةللنفس - يكون بالاستغفار القولي، مضافاً إلى الندم والعزم الصادق على عدم العود إليها، ويعبّر عن ذلك بالتوبة النصوح.

والثالثة: من إذا أعطوا شكروا، والعطاء هنا عام يشمل ما كان تفضّلاً من عند اللَّه عزّوجلّ، وما كان من عند الناس، فالمؤمنون إذا أعطوا شكروا صاحب النعمة على ما أعطاهم، بما يناسب حال المنعم وشأنه.

ص: 369


1- 1*) أمالي الصدوق: 19 ، ح 4.

والرابعة: من إذا ابتلوا صبروا. والابتلاء: إمّا بمنع العطاء عنهم، أو بغيره من الابتلاءات، فشأن المؤمن أنّه إذا مُنع من نعمة معيّنة من عطاء إلهي حظي به غيره، أو منع من عطاء الناس لما يستحقه منهم، فإنّه يصبر، وسيأتي الكلام عن الصبر في محلّه، وأنّه قسمان: واجب، ومستحب.

والخامسة: من إذا غضبوا غفروا. والمراد من الغضب هنا هو: ما عدا الغضب للَّه عزّوجلّ والغضب في الحق؛ فإنّه يلزم أن لا تأخذ المؤمن في موجباتهما لومة لائم، لا أن يكون متسامحاً فيما يرتكب من حرمات اللَّه عزّوجلّ، أو يتساهل فيه من حقوقه أو حقوق عباده.

وأمّا في الأمور الشخصيّة وغيرها ممّا يرجع إلى حقوق المؤمن نفسه، فإنّه ينبغي الصفح عمّن تجاوزها، وهذا خلق رفيع، قد خصّه القرآن وصفاً للمؤمن، حيث قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}((1)

وقد جسّده النبي وأئمة الهدى (علیهم السلام) في أروعصوره، حتّى لقّب سابع الأئمّة بالكاظم (علیه السلام) ؛ لاشتهاره بهذه الخصلة النبيلة، وإن كان النبي وسائر الأئمة (علیهم السلام) يتحلّون بها أيضاً، وللمؤمن في رسول اللَّه وأهل بيته أسوة حسنة.

وعليه: فلا ريب في رجحان جميع هذه الخصال، وأقلّ الرجحان هو الاستحباب، كما قدّمنا.

ص: 370


1- - آل عمران، الآية 134.

سند الحديث:

قد أورد المصنف (قدس سره) للحديث سندين:

الأول: ما عن «الكافي».

وهذا السند مركّب من سندين:

أوّلهما: ما عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو النخعي، عمّن ذكره.

وثانيهما: ما عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن سليمان بن عمرو النخعي، عمّن ذكره.

وفي أوّلهما: سليمان بن عمرو النخعي: قال عنه الشيخ في «الرجال» في أصحاب الصادق (علیه السلام) : أبو داود الكوفي، أسند عنه ((1)) ، ولكنّه ليسبتوثيق. ونقل ابن داود عن ابن الغضائري تضعيفه، ونسبته إلى الكذب((2))

، ولكنّ كتاب ابن الغضائري لم تثبت نسبته إليه.

وهذا الطريق ظاهره الإرسال؛ لقوله في آخره: عمّن ذكره. ولكنّ المراد به: محمّد بن مسلم وغيره؛ بقرينة سند «الخصال»((3))، و«الأمالي» الآتي، فيبقى الإشكال فيه من جهة سليمان.

ص: 371


1- - رجال الطوسي: 217/2864.
2- - رجال ابن داود: 550.
3- - الخصال: 317، ح99.

وفي ثانيهما: الحسين بن يوسف: وقد تقدم.

وعلي - وهو عليّ بن سيف بن عميرة - أخو الحسين بن سيف. قال عنه النجاشي: عليّ بن سيف بن عميرة النخعي، أبو الحسين، كوفي، مولى، ثقة، هو أكبر من أخيه الحسين، روى عن الرضا (علیه السلام) ، له كتاب كبير يرويه عن الرجال ((1)).

وفيه أيضاً (عمّن ذكره)، والمراد به: محمّد بن مسلم وغيره؛ بقرينة السند الثاني الآتي، حيث صرّح بذلك فيه. وعليه فحكم هذا الطريق حكم الطريق الأول.

الثاني: ما عن الصدوق في «الأمالي».

وجميع رجاله تقدّم شرح حالهم، وبقي الكلام في:

سليمان بن جعفر النخعي: فإنّ الظاهر أنّه سليمان بن عمرو، المتقدم في السند الأول. وجعفر في هذا السند إمّا مصحّف، وإمّا منسوب إلى أحد أجداده، وإن لم يذكر لسليمان جدٌّ مسمّى بجعفر. وكذا لم يرد سليمان بن جعفر النخعي في الكتب الأربعة، ولا في الرجال. نعم، ورد في «الخصال» الحديث (99) بعين السند.

والسند كسابقه، إلّا على القول بصحة ما في «الكافي».

ص: 372


1- - رجال النجاشي: 278/729.

[261] 3 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قِيلَ لَهُ وَأَنَا حَاضِرٌ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي صَلاتِهِ خَالِياً، فَيَدْخُلُهُ الْعُجْبُ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ أَوَّلَ صَلاتِهِ بِنِيَّةٍ يُرِيدُ بِهَا رَبَّهُ فَلا يَضُرُّهُ مَا دَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلْيَمْضِ فِي صَلاتِهِ، وَلْيَخْسَأِ الشَّيْطَانَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

يدل الحديث على الأمر الثاني الذي تكفّل به العنوان. وتوضيح ذلك أن يقال: إنّ من شرع في الصلاة خالياً من قصد الرّياء أو قصد التوصّل إلى العجب، وكان بنيّة خالصة يريد بها ربّه، ثمّ حدث له العجب في أثناء الصلاة بقرينة قوله (علیه السلام) : «ما دخله بعد ذلك»، وقوله أيضاً: «فليمض في صلاته»، وجب عليه المضيّ في صلاته، وهي صحيحة، وما مضى منها ليس بباطل، بحيث يجب الاستئناف؛ فإنّ العجب من الشيطان، وهو يريد إبطال ثواب العبادة، أو يريد إبطال أكثر ثوابها عن طريق العجب، أو يريد المنع من زيادة العبادة والإكثار منها، والذي هو نتيجة طبيعيّة للعجب؛ حيث إنّ المعجب بعمله يراه كثيراً حسناً، فلا يرى الاستكثار منه.

فلذا حكم الإمام (علیه السلام) بصحة الصلاة، وعدم بطلان ما مضى منها، ثمّقال (علیه السلام) : «وليخسأ الشيطان» بمعنى: وليطرد الشيطان، أو ليبعد الشيطان؛

ص: 373


1- الكافي 3 : 268، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها، ح 3.

فإنّ ما حاوله باء بالفشل. لكن قد يقال: إن مفهوم الحديث أنه إذا كان العجب من الأول، فلم يكن خالياً من قصد العجب، فإنّ ذلك يضره، بمعنى: أنه لا يمضي في صلاته، فصلاته غير صحيحة.

وأجيب عنه: بحمل دخول العجب على الوسوسة، لا أنه دخله العجب واقعاً، وإلّا لبطل العمل، بلا فرق بين أن يقع في أثنائه أو أوله، فهنا قرينة عقلية، فإن التقرّب معتبر في الجميع، والعجب ينافيه، بلا فرق بين أوّل العمل أو أثنائه أو آخره.

هذا، مضافاً للقرينة اللفظية، وهي قوله (علیه السلام) : «فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان» فإنها تدل على أنه ليس معجباً في الواقع، بل هي وسوسة، فإنّ الشيطان لا يريد صدور العبادة الخالصة من العبد، ولذا أمر (علیه السلام) بالمضي في الصلاة وليخسأ الشيطان.

نعم، يحتمل أن يراد من المفهوم: أن من يدخله العجب من الأول فإنه يضر بعبادته، لكن لا بمعنى بطلانها.

وفي نسخ عند المصنف (قدس سره) ورد: «ليخسا» بغير همزة، خلافاً لما في نسخةٍ، ولما في «القاموس»، ولعل ما ورد في تلك النسخ لأجل تسهيل الهمزة أو حذفها.

ص: 374

[262] 4 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

في السند: يونس بن عمّار: وهو أخ لإسحاق بن عمّار. قال النجاشي في إسحاق بن عمّار: «شيخ من أصحابنا، ثقة، وإخوته يونس ويوسف وقيس وإسماعيل - وهو في بيت كبير من الشيعة - وابنا أخيه عليّ بن إسماعيل وبشر بن إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث»((2)).

وهذا يدل على مدحه. وروى عنه المشايخ الثقات، وورد في «النوادر»((3)

وقد تقدم باقي أفراد السند، وعليه فهو معتبر.

[4] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث الأول من الباب هذا النصّ بعينه، وقد بيّنا دلالته على المطلوب، فلا نعيد.

ص: 375


1- صفات الشيعة: 32 ، ح 44.
2- - رجال النجاشي: 71/169.
3- - أصول علم الرجال 2 : 218، و ج1 : 244 .

سند الحديث:

جميع رجال الحديث تقدّم شرح حالهم، والسند معتبر أيضاً.

وأمّا كتاب «صفات الشيعة» للشيخ الصدوق (قدس سره) فقد وصل إلى صاحب «الوسائل» بطريق معتبر، ويظهر ذلك من طرقه العامة إلى كتبه.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، ثلاثة منها معتبرة، والرابع يمكن القول بصحته.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد منها أمور، منها:

1 - جواز السرور بالعبادة، بل رجحانه، إذا كان من غير عجب.

2 - أنّ المؤمن الكامل الإيمان من توفّرت فيه خصلتان معاً: تسرّه حسنته، وتسوؤه سيئته.

3 - أنّ خيار عباد اللَّه من حاز خمس خصال: إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا.

4 - أنّ العجب من عمل الشيطان؛ ليفسد على الإنسان عمله العبادي.

ص: 376

25 - باب جواز التقية في العبادات، ووجوبها عند خوف الضرر

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

25 - باب جواز التقيّة في العبادات، ووجوبها عند

خوف الضرر

شرح الباب:

أنواع التقية: و هي ثلاثة

التقيّة - لغة - : الحذر والحفظ، وهي اسم مشتقّ من اتّقى يتّقي ووقى وقاية، أي: حفظ الشي ء ممّا يؤذيه ويضرّه، يقال: وقيت الشي ء أقيه وقاية ووقاء.

والتقوى: جعل النفس في وقاية ممّا يخاف، وصارت التقوى في عرف الشرع حفظ النفس عمّا يؤثم، وذلك بترك المحظور((1)).

وفي الاصطلاح: هي ستر الاعتقاد في الأمور الدينيّة بقول أو فعل، لمصلحة الدين أو المجتمع مع عدم الإكراه، أو لأجل الخوف على النفس أو المال أو العرض مع الإكراه((2)).

والتقية على ثلاثة أنواع، بحسب غاياتها:

الأول: التقيّة المداراتيّة أو التحبيبيّة، وهي المماشاة والمداراة، وحسن

ص: 377


1- - مفردات غريب القرآن: 531 .
2- - انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية: 137 ، والتقيّة للشيخ الأنصاري: 37 ، وغيرهما.

المعاشرة، وجلب النفع، ورعاية المصلحة النوعيّة مع العامة، بالصلاة في عشائرهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، ومصافحتهم، والبشاشة معهم، ونحو ذلك؛ حفظاً للوحدة الإسلاميّة، وتأييداً للدين، وإعلاء لكلمة الإسلام والمسلمين في مقابل الكفار والمشركين.

من فوائد التقية المداراتية حفظ الوحدة الإسلامية

والغرض: أنّ مقتضى أن يكون الشيعة زيناً للأئمة (علیهم السلام) : أن لا يصدر منهم ما ينفّر مخالفيهم عن المذهب الحق، وحسن المعاشرة مع المخالفين يوجب زوال الضغائن، ورفع الأحقاد، وتحويل العداوة إلى مودّة ومؤآخاة، ويؤيّد هذا قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}((1)).

وقد ورد: «قولوا للناس كلّهم حُسناً، مؤمنهم ومخالفهم. أمّا المؤمن فيبسط لهم وجهه، وأمّا المخالفون فيكلّمهم بالمداراة؛ لاجتذابهم إلى الإيمان»((2)).

وعن هشام الكندي، عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، قال: «إيّاكم أن تعملوا عملاً يعيّرونا به؛ فإنّ ولد السوء يُعيّر والده بعمله. كونوا لمن انقطعتمإليه زَيْناً، ولا تكونوا عليه شَيْناً، صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شي ء من الخير؛

ص: 378


1- - فصلت، الآية 34.
2- - مستدرك الوسائل 12 : 261، باب 27 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 1.

فأنتم أولى به منهم. واللَّه، ما عُبد اللَّهُ بشي ء أحبُّ إليه من الخب ء»، قلتُ: وما الخب ء؟ قال: «التقيّة»((1)).

وعن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، أنّه قال: «يا زيد، خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريّة، رحم اللَّه جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريّة، فعل اللَّه بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه»((2)).

وهذا القسم من التقيّة هو الأشدّ ميزاً من بينها، والذي انفردت به الإماميّة؛ تبعاً لتعاليم أئمتهم (علیهم السلام) عن بقيّة الفرق؛ فإنّك لا تجد مذهباً آخر يحثّ أتباعه على المجاملة؛ تأديباً لهم بالأخلاق الحسنة؛ ليمتازوا بها عن غيرهم، وليعرفوا بالأوصاف الجميلة، وعدم التعصّب والعناد واللجاج، وليتخلّقوا بما ينبغي أن يتخلّق به، حتّى يقال في حقّهم: رحم اللَّه جعفراً، ما أحسن ما أدّب أصحابه.ومن فوائدها زيادة على ما ذكرنا ما يلي:

1 - إنّ التقيّة دعوة إلى اتّباع سبيل اللَّه، وهي أحد مصاديق قوله تعالى:

ص: 379


1- - أصول الكافي 2 : 219 ، باب التقيّة، ح 11.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 383 ، ح 1128.

{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}((1))؛ فإنّ التقيّة في مداراة أهل الباطل تؤدّي إلى اجتذابهم نحو الحق.

2 - إنّ فيها بياناً لما عليه الشيعة من الحق، وسدّاً لباب التشكيك فيهم، وترويج الباطل ضدهم، ككثير من الأمور التي يروّجها الأعداء ضد الشيعة؛ لإغراء من يريدون إضلاله بالجهل. فمع المعاشرة الحسنة للمخالفين لن يتسنّى للأعداء نسج الأكاذيب حول الشيعة، سواء من ناحية المعتقد، أو من ناحية العمل؛ إذ المخالف سيعرف الحق من خلال معاشرته معهم.

3 - إنّها توجب تعظيم الناس للمتّقي؛ لأنّه يحسن إليهم بالمداراة، والمعاشرة الطيّبة معهم، والإنسان عبد الإحسان.

4 - إنّها توجب الوحدة والألفة بين المسلمين؛ حتّى يكونوا يداً واحدة، وسدّاً منيعاً في مقابل أهل الباطل، وبذلك يصان الدين من هجمة الكفر وأعداء الحق. وهذه فائدة عظيمة. هذا كلّه حول النوع الأوّل من أنواع التقيّة.

الثاني: التقيّة الخوفيّة، وهي ستر الاعتقاد؛ لدفع الضرر عند الخوف منه،سواء أكان الخوف شخصيّاً، أم نوعيّاً.

الثالث: التقيّة الكتمانيّة، وهي ستر الاعتقاد؛ لحفظ الدين من الاندثار

ص: 380


1- - النحل: الآية: 125.

والانمحاء في دولة الباطل، فيما لو أُذيعت تعاليمه وأحكامه المخالفة لهوى السلطة الظالمة، ولا سيّما إذا كان أهل الحق هم القلّة القليلة المحاطة بزمر الباطل.

التقية في مقابل النفاق بل هي من أهم الأحكام

وكيف كان فالتقيّة من المسائل التي انفردت بها الطائفة المحقّة عن العامة. فالإماميّة على جوازها بالمعنى الأعم، ولهم عليها أدلّة عديدة من آيات وروايات، كما قام عليها إجماعهم، ودليل العقل.

بل إنّهم ما زالوا ينكرون على العامّة المخالفين ويناظرونهم في جوازها ووجوبها.

ومازالت العامة قديماً وحديثاً تتّهم الطائفة المحقّة بالعمل بالنفاق((1))، وتقول بأنّه لا فرق بين التقيّة والنفاق؛ لأنّ ملاكها إظهار خلاف ما انطوت عليه النفس وانعقد عليه القلب، وهو عبارة أخرى عن النفاق، جاهلينمفهومها الحقيقي، وما فيها من الحكم والآثار؛ فإنّهم لو فهموها لجعلوها من أهمّ الأحكام، كما نطقت به أحاديثنا، أو متجاهلين الفرق الشاسع جدّاً بينهما؛ فهما متقابلان؛ فإن النّفاق هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر، والتظاهر

ص: 381


1- - راجع على سبيل المثال كتاب بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود للجميلي 1 : 639، حيث قال بعد استعراضه لبعض روايات التقية: «جاء في هذه الروايات الحث على التظاهر بخلاف ما يدين به الإنسان ويعتقده، وهذه ليست من صفات المؤمنين، بل هي من شيم المنافقين الذين قال اللَّه فيهم: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (البقرة، الآية 15)، وقال في وصفهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ ممّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (البقرة، الآية 168)».

بالحقّ وإخفاء الباطل، بينما التقيّة هي مخالفة الحقّ قولاً وفعلاً، لا اعتقاداً، عند الخوف على أحد الأمور المذكورة. وعلى هذا لا يمكن عدّ التقيّة من فروع النّفاق، ولا اتّهام المتّقي الخائف على النّفس أو البضع أو المال بأنّه منافق، خصوصاً إذا كانت التقيّة عن مداراة معهم.

والتقيّة حقّ مشروع لكلّ من خاف من إظهار الحق، بل إنّ جميع البشر يعمل بهذه الرّخصة عند الخوف على شي ء من المذكورات، فليست هي من مختصّات الإماميّة، بل هي طريق يسلكه من خاف من إظهار أمر يعقبه ضرر عليه. وقد أوردنا الأدلّة على ذلك في كتابنا «التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) » من الكتاب والسنّة وسيرة الأنبياء (علیهم السلام) من آدم إلى نبينا(صلی الله علیه و آله و سلم) وما بعده بما لا يقبل الإنكار.

وقد وافقنا جمع من علماء العامّة على جواز التقيّة ومشروعيّتها، مستدلّين على ذلك بالآيات الشريفة، منهم: الفخر الرازي والآلوسي والمراغي وجمال الدين القاسمي والواحدي والزمخشري وابن عطيّة الأندلسي في تفاسيرهم، وغيرهم((1)).

وقد نقل السرخسي الحنفي في كتابه «المبسوط» عن الحسن البصري

ص: 382


1- - تفسير الرازي 8 : 14، وتفسير روح المعاني للآلوسي 3 : 161، سورة آل عمران، الآية 28، وتفسير المراغي 3: 132 - 134، ومحاسن التأويل 2 : 306، وتفسير الواحدي 1 : 205، والكشاف للزمخشري: 167، ذيل الآية 28 من سورة آل عمران، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1 : 240.

قوله: إنّ التقيّة للمؤمن جائزة إلى يوم القيامة، وعقّبه بقوله: وبه نأخذ. والتقيّة: أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره، وإن كان يضمر خلافه ((1)) .

انقسام التقية للأحكام التكليفية الخمسة

وهذه الرّخصة - كغيرها من الرّخص الشرعية - تعود إلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار، الشاملة لمثل أكل الميتة في المخمصة.

وهي تنقسم إلى الأحكام التكليفيّة الخمسة، وقد ذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) في «رسالة التقيّة» انقسامها إلى الأحكام الخمسة، وصوّر ذلك كما يلي:

إنّ الواجب منها ما يكون لدفع ضرر متوجّه للمكلّف من النفس أو العرض، بحيث يكون دفعه واجباً، ولا يدفع ذلك الضرر إلّا التقيّة، فتجب لذلك.

والمستحبّ منها ما كان موجباً للتحرّز عن التعرّض للضرر، بأن يكون تركها مؤدّياً إلى الضرر ولو تدريجاً، كهجر المخالفين، وترك مداراتهم؛ فإنّ ذلك يؤدّي في الغالب إلى حصول النفرة والمعاداة، والتي يترتب عليهاالضرر غالباً، فيكون الحضور في جماعتهم والعمل على طبق أعمالهم تقيّة مستحبّاً؛ لأجل هذه الغاية، وإن لم يترتب على الترك ضرر فعلي.

والمباح ما تساوى فيه التحرّز عن الضرر بالتقيّة وعدمه بعدمها في نظر الشارع المقدّس؛ لتساوي مصلحة التقيّة وتركها، كما قيل في إظهار كلمة الكفر؛ حيث إنّ في فعل التقيّة مصلحة، وفي تركها أيضاً مصلحة إعلاء

ص: 383


1- - المبسوط ، للسرخسي 24 : 45.

كلمة الإسلام، وذلك في فرض تساوي مصلحة حفظ النفس مع مصلحة إعلاء كلمة الإسلام.

الموارد المستثناة من التقية

والمحرّم منها ما كان في الدماء؛ فإنّ قتل المؤمن في مورد لا يستحق القتل فيه تقيّةً حرام بلا كلام.

والمكروه ما كان تركها وتحمّل الضرر أولى من فعلها كما ذكر بعضهم في إظهار كلمة الكفر، وأنّ الأولى تركها لمن يقتدي به الناس؛ إعلاءً لكلمة الإسلام. والمراد بالمكروه حينئذٍ ما يكون ضدّه أفضل ((1)) .

ولكن فيما ذكره أخيراً تأمّل؛ لأنّ ترك المستحب ليس بمكروه، مع أنّ ضده أفضل.

وقد مثّل الشهيد (قدس سره) لهذا القسم بإتيان ما هو مستحبّ عند المخالفين، مع عدم خوف الضرر، لا عاجلاً ولا آجلاً، إذا كان المأتّي به مكروهاً واقعاً، وإلّا لو كان حراماً فالتقيّة بإتيانه لموافقتهم حرام بلا كلام.ويمكن إضافة بعض أقسام التقيّة المداراتيّة إلى الواجب، كما إذا كان الحفاظ على بيضة الإسلام ووحدة المسلمين متوقّفاً عليها.

كما يمكن إضافة التقيّة المداراتيّة إلى المستحب، وإن لم يترتب ضرر أيضاً؛ فإنّ مداراتهم وإرشادهم بالعمل ومعاشرتهم أيضاً مستحب، وإن لم يترتب ضرر على الترك ولو تدريجاً.

نعم، هناك موارد مستثناة، لا يجوز فيها التقية، تبلغ اثني عشر مورداً، منها:

ص: 384


1- - رسالة التقيّة للشيخ الأنصاري: 39 بتصرّف.

1 - التقيّة في الدم.

2 - التقيّة في ما يوجب الفساد في الدين.

3 - التقيّة في البراءة من أمير المؤمنين (علیه السلام) .

4 - التقيّة في متعة الحج.

5 - التقيّة في المسح على الخفين.

6 - التقيّة في شرب النبيذ.

ومن شاء التفصيل فعليه بكتابنا «التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ».

الأقوال:

لا خلاف بين الإمامية في جواز التقيّة بالمعنى الأعم، ولا في وجوبها عند خوف الضرر، إلّا ما استثني. وقد اختلفوا في بعض التفاصيل والصور. وسيأتي الكلام عليها في أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن شاءاللَّه تعالى.

وقد أنكرها العامة جملة، عدا من ذكرنا.

ص: 385

[263] 1 - عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ «الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ»، نَقْلاً مِنْ «تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ» بِإِسْنَادِهِ الآتِي، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ(1) : «وَأَمَّا الرُّخْصَةُ الَّتِي صَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ فَإِنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُؤْمِنَ أَنْ يَتَّخِذَ الْكَافِرَ وَلِيّاً، ثمّ مَنَّ عَلَيْهِ بِإِطْلاقِ الرُّخْصَةِ لَهُ - عِنْدَ التَّقِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ - أَنْ يَصُومَ بِصِيَامِهِ، وَيُفْطِرَ بِإِفْطَارِهِ، وَيُصَلِّيَ بِصَلاتِهِ، وَيَعْمَلَ بِعَمَلِهِ، وَيُظْهِرَ لَهُ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ، مُوَسَّعاً عَلَيْهِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَدِينَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْبَاطِنِ بِخِلافِ مَا يُظْهِرُ لِمَنْ يَخَافُهُ مِنَ الْمُخَالِفِينَ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الأُمَّةِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}(2)، فَهَذِهِ رَحْمَةٌ(3)، تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ رَحْمَةً لَهُمْ؛ لِيَسْتَعْمِلُوهَا عِنْدَ التَّقِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ التقيّة من جملة الرخص الشرعيّة الواجبة

ص: 386


1- اختلفت عبارة هذا الحديث في النسخ المطبوعة من المصدر، ففيها تقديم وتأخير، انظر ذلك في الطبعة الحجرية.
2- آل عمران، الآية 28.
3- في المصدر: رخصة.
4- المحكم والمتشابه: 36 - 37 .

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَحْكَامِ التَّقِيَّةِ فِي الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ، عَنِ الْمُنْكَرِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والمستحبة، والتي مَنَّ اللَّه عزّوجلّ على المؤمنين بها وقد ذكر الإمام (علیه السلام) نوعاً منها - على سبيل المثال لا الحصر - وهو التقيّة من المخالفين المستولين على الأمّة، فإنّه قد رُخّص للمؤمن في أن يصوم بصيامهم، ويفطر بإفطارهم، ويصلّي بصلاتهم، ويعمل بعملهم، ويظهر لهم جميع ذلك؛ رحمة من اللَّه به، وإن كان يجب عليه أن يدين اللَّه تعالى في الباطن بخلاف ما يظهره لمن يخافه من المخالفين المتسلّطين على الأمّة.

واستشهد (علیه السلام) بالآية الشريفة الدالة على النهي عن اتّخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، ومن يتولّهم فليس من اللَّه في شي ء. والمراد من الولاية هنا هي ولاية المودة والمحبة، وهي المفضية إلى التقرّب والتأثر بإرادة المحبوب، فهذه الولاية تؤدي إلى مطاوعة الكفّار في أخلاقهم وسائر شؤونهم الحياتية، والتي منها التأثر بما هي عليه من الضلال، ولذا قال بعدذلك: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، أي: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء بالمحبة مؤثرين حبهم على حبّ المؤمنين، ومتصلين بهم دون المؤمنين، والكفر الموجود في الكفار لا يناسب ولاية المحبة من المؤمن؛ لأنّ الإيمان مباين للكفر، وولاية المحبة توجب الاتحاد، فلا مناسبة بينهما. نعم، دلّت

ص: 387


1- يأتي في الأبواب: 24 ، 25 ، 26 ، 27 ، 28 ، 29 ، 30 من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الآية أيضاً على تشريع التقيّة عند الخوف في الظاهر؛ توسعة على المؤمنين ورحمة بهم. فالتقية تضفي على المتقي صورة الولاية ظاهراً لا واقعاً.

ثمّ قال (علیه السلام) - راوياً عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) - : «إنّ اللَّه يحبّ أن يؤخذ برخصه» وهي ترخيص اللَّه العبد فيما يخففه عليه ويسهّله، «كما يحب أن يؤخذ بعزائمه» وهي فرائضه التي أوجبها، وهو دالّ على أنّ اللَّه كما يحب أن يأخذ عبده بفرائضه التي افترضها عليه، فكذا يحب أن يأخذ برخصه التي منها التقيّة.

وهذا القول كما يحمل على استحباب الأخذ بالرخص كما هو الظاهر، كذلك يحتمل الوجوب. وسيأتي أنّ بعض أنواع الرّخص واجب، كالقصر في الصلاة في السفر وترك الحائض والنفساء للصلاة والصوم. وبعضها مستحب، وبعضها مباح.

سند الحديث:

جاء في آخر «مشيخة الشيخ الطوسي (رحمه الله) » ذكر سند «تفسير النعماني»، عن رسالة «المحكم والمتشابه» للسيد المرتضى (رحمه الله) ، والسند هكذا:

قال شيخنا أبو عبد اللَّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رضي اللَّه عنه في كتابه في «تفسير القرآن»: أحمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام) يقول: ... وذكر الحديث عن آبائه

ص: 388

عن أمير المؤمنين (علیهم السلام) ((1)).

وفيه: أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي: وفي نسخة يونس بدل يوسف، وهي غلط؛ فإنّ الصحيح يوسف؛ لما ورد في طريق النجاشي إلى الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، وهو هذا الطريق، وفيه يوسف، حيث قال (قدس سره) : وله كتاب فضائل القرآن، أخبرناه أحمد بن محمّد بن هارون، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب بن حمزة بن زياد الجعفي القصباني، يعرف بابن الجلا (الحلا) بعرزم، قال: حدّثنا إسماعيل بن مهران بن محمّد بن أبي نصر عن الحسن به ((2))، وأيضاً في طريقه إلى جميل بن درّاج((3)).وكذا ورد في طريق الشيخ إلى الأصبغ بن نباتة((4)) .

وهو متّحد مع أحمد بن يوسف مولى بني تيم اللَّه، الذي قال عنه الشيخ (قدس سره) في أصحاب الرضا (علیه السلام) : كوفي، كان منزله بالبصرة، ومات ببغداد، ثقة ((5)) .

بحث رجالي في إسماعيل بن جابر

وفيه: إسماعيل بن جابر: وهو الجعفي. قال عنه النجاشي: إسماعيل بن

ص: 389


1- - وسائل الشيعة 30 : 144، من الخاتمة، الفائدة الثانية
2- - رجال النجاشي: 36/73.
3- - المصدر نفسه: 127/328.
4- - فهرست الطوسي: 86/119.
5- - رجال الطوسي: 351/5205.

جابر، الجعفي، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو الذي روى حديث الأذان، له كتاب ((1)).

وقال عنه الشيخ في «الرجال»: إسماعيل بن جابر، الخثعمي، الكوفي، ثقة، ممدوح، له أصول رواها عنه صفوان بن يحيى ((2)).

والظاهر أنّ الخثعمي محرّف الجعفي؛ ويدلّ على ذلك: أنّ العلامة ذكره في القسم الأول بعنوان الجعفي، وقال: إسماعيل بن جابر، الجعفي، الكوفي، ثقة، ممدوح، وما ورد فيه من الذم فقد بيّنا ضعفه في كتابنا الكبير، وكان من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وحديثه اعتمد عليه((3)).فقد أخذ ذلك من عبارة الشيخ قطعاً، ونسخة التفريشي((4))

و«المجمع» للقهبائي: «الجعفي»، كما لم يذكر الصدوق (قدس سره) طريقه إلّا إلى الجعفي، كما لم يعنونه النجاشي، ولا الشيخ في «الفهرست»((5)).

فالظاهر: أنّ إسماعيل بن جابر ثقة، مضافاً إلى رواية المشايخ الثقات عنه، ووروده في «تفسير القمي» بعنوان إسماعيل الجعفي((6)).

والحاصل: أن في الباب حديثاً واحداً، وهو ضعيف بالحسن بن عليّ بن

ص: 390


1- - رجال النجاشي: 32/71.
2- - رجال الطوسي: 124/1246.
3- - خلاصة الأقوال: 54.
4- - نقد الرجال 1: 212/480.
5- - راجع: معجم رجال الحديث 4 : 31 - 38/1310.
6- - أصول علم الرجال 2 : 181، و ج1 : 277 .

أبي حمزة وأبيه،كما تقدّم في محلّه، وتأتي في أبواب الأمر بالمعروف أحاديث كثيرة تدلّ على عنوان الباب.

المستفاد من الحديث

والمستفاد من الحديث أمور، منها:

1 - أنّ التقيّة جائزة بالمعنى الأعم، وواجبة عند خوف الضرر.

2 - أنّه لا يجوز اتّخاذ الكفار أولياء.

3 - أنّ التقيّة منّة من اللَّه عزّوجلّ على المؤمنين، وتفضّل منه عليهم.

4 - أنّ على العامل بالتقيّة أن يدين اللَّه في الباطن بخلاف ما يظهره من الباطل لمن يخافه من المخالفين.

5 - أنّ اللَّه يحبّ أن يؤخذ برخصه، كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه.

ص: 391

ص: 392

26 - باب استحباب الاقتصاد في العبادة عند خوف الملل

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

26 - باب استحباب الاقتصاد في العبادة عند خوف الملل

الجمع بین ما دلّ علی الاقتصاد في العبادة عند خوف الملل

شرح الباب:

لا شكّ أنّ العبادة أمر محبوب للَّه سبحانه وتعالى، بل هي الغرض من خلق الثقلين، كما مرّ، وهي مصداق لشكر الخالق عزّوجلّ.

وقد ورد الحثّ الأكيد على الاجتهاد في العبادة، وبذل الجهد فيها، والإكثار منها والترغيب فيها، ومدح العبّاد في كثير من الروايات، وقد مرّ بعضها.

ولكن وردت روايات فيها دلالة على استحباب الاقتصاد في العبادة، كروايات الباب، والتي دلت على زجر المبالغين في الجدّ والاجتهاد في العبادة، فالمطلوب هو الاقتصاد في العبادة إذا خيف الملل من الإكثار منها؛ فإنّ النفس إذا أُكرهت على شي ء ملّته، ولو بعد حين، وذهب بذلك أجر العبادة، بل ربّما أدى ذلك إلى الترك والحرمان من فعل العبادة.

وما دامت العبادة خلاف مقتضى الطبع فلا بد من أن يسلك فيها العابد سبيل التدريج والمداراة لنفسه؛ ليكون له نشاط في الأعمال والأفعال، فالاقتصاد فيها أنظر للنّفس، وأبلغ في حضور القلب مع المولى عزّوجلّ. وهذا في المستحبّات التي رغّب فيها الشرع الأقدس. وأمّا الواجبات

ص: 393

[264] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «اجْتَهَدْتُ فِي الْعِبَادَةِ وَأَنَا شَابٌّ، فَقَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ، دُونَ مَا أَرَاكَ تَصْنَعُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً رَضِيَ مِنْهُ بِالْيَسِيرِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والمفروضات فلا بدّ من أدائها وتعاهدها في أوقاتها، وإن كانت ثقيلة على النفس.

وكأنّ في هذه الروايات إشارة إلى أنّ السعي في زيادة كيفيّة العبادة أحسن وأهمّ من السعي في زيادة كمّيّتها.

نعم، من أحرز من نفسه عدم الفتور عن العبادة بكثرتها، وعدم بغضها بطول المداومة عليها، لم يبعد رجحان ذلك بالنسبة إليه، ويدل عليه ورود الأمر من الشارع الأقدس بعبادات كثيرة المشاقّ: كصيام الدهر، وبعض الصلوات، وغيرهما.

والوجه في الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات: أن تُقيّد الطائفة الثانية - وهي روايات الباب - بخوف الملل، وكراهة النفس للعبادة.

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على استحباب الاقتصاد في العبادة؛ حيث إنّ مولاناالصادق (علیه السلام) اجتهد في العبادة في زمان شبابه؛ اغتناماً لوجود قوّة البدن

ص: 394


1- الكافي 2 : 87 ، باب الاقتصاد في العبادة ، ح 5.

[265] 2 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لا تُكَرِّهُوا إِلَى أَنْفُسِكُمُ الْعِبَادَةَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والشباب قبل حصول الضعف والهرم، فرآه مولانا الباقر (علیه السلام) فأمره بتقليل العبادة قائلاً: «دون ما أراك تصنع»، أي: اصنع صنعاً دون ما أراك تصنع؛ وهي الاقتصاد. فدلّ ذلك على أنّه مستحبّ، لا واجب، وإلّا لما أتى بمقابله المعصوم، ولما تركه بعد ذلك، فاتّضح: أنّ الاقتصاد في العبادة مستحبّ، لا واجب.

ثمّ أضاف (علیه السلام) : أن اللَّه عزّوجلّ إذا أحبّ عبداً بسبب حسن عقائده وأخلاقه، وبسبب رعايته لشرائط الأعمال المعتبرة فيها، والتي منها التقوى، رضي منه باليسير، أي: رضي منه باليسير من العبادة، وهذا ظاهر في مطلوبيّة الاقتصاد في العبادة.

سند الحديث:

جميع رجال السند قد تقدّم ذكرهم، والسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على النهي عن جعل العبادة مبغوضة إلى النفس، بحيث لا تكون راغبة فيها، ولا نشيطة في أدائها؛ فإنّ مراتب التحمّل مختلفة لدى

ص: 395


1- الكافي 2 : 86 ، باب الاقتصاد في العبادة، ح 2.

[266] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَرَّ بِي أَبِي وَأَنَا بِالطَّوَافِ، وَأَنَا حَدَثٌ وَقَدِ اجْتَهَدْتُ فِي الْعِبَادَةِ، فَرَآنِي وَأَنَا أَتَصَابُّ عَرَقاً، فَقَالَ لِي: يَا جَعْفَرُ، يَا بُنَيَّ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، وَرَضِيَ عَنْهُ بِالْيَسِيرِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

الناس، فإنّ منهم من يتحمّل في أداء المستحبّات ما لا يتحمّله آخر. فحمل النفس على الإتيان بعبادات هي فوق حدّ تحمّلها يؤدّي إلى النفرة من العبادة وبغضها والملل منها، فكأنّ المفرط في الإتيان بالعبادات يُبَغّض بذلك العبادة إلى نفسه.

سند الحديث:

سند الحديث هو السند السابق بعينه، فيكون معتبراً أيضاً.

[3] - فقه الحديث:

دلالة الحديث كدلالة الحديث الأول، مع اختلاف يسير؛ حيث إنّه قد صرّح في هذا الحديث بالطواف. وهذا لا يعني: أنّ الاقتصاد مطلوب في الطواف المستحب فحسب، بل هو مطلوب في جميع أنواع العبادة؛ فإنّ الحكمة من الأمر بالاقتصاد في الجميع واحدة. ويدلّ على ذلك: قوله (علیه السلام) :

ص: 396


1- 1*) الكافي 2 : 86، باب الاقتصاد في العبادة ، ح 4.

«وقد اجتهدت في العبادة»؛ فإنّ العبادة هنا عامّة تشمل جميع أنواع العبادات المستحبة.

سند الحديث:

في السند: منصور: وهو مشترك بين جماعة، والذي ينطبق عليه بحسب الطبقة شخصان:

منصور بن حازم، ومنصور بن يونس بزرج.

أمّا منصور بن حازم: فقد قال النجاشي عنه: منصور بن حازم، أبو أيّوب، البجلي، كوفي، ثقة، عين، صدوق، من جلّة أصحابنا وفقهائهم، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن موسى (علیهما السلام) ، له كتب ((1)).

وعدّه المفيد في «رسالته العددية» من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريقإلى ذمّ واحد منهم((2)).

وأمّا منصور بن يونس بزرج: فقد حقّقنا وثاقته فيما سبق، وعليه فالسند معتبر.

ص: 397


1- - رجال النجاشي: 413/1101.
2- - الرسالة العددية 9 : 32 - ضمن مصنفات الشيخ المفيد .

[267] 4 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً فَعَمِلَ [عَمَلاً](1) قَلِيلاً جَزَاهُ بِالْقَلِيلِ الْكَثِيرَ، وَلَمْ يَتَعَاظَمْهُ أَنْ يَجْزِيَ بِالْقَلِيلِ الْكَثِيرَ لَهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ العبد إذا أحبّه اللَّه تعالى؛ لكون عقائده وأخلاقه حسنة، وعمل قليلاً، فإنّ اللَّه يجازيه على هذا القليل بالكثير، ولم يستكثر سبحانه مجازاته عن القليل بالكثير، ولم يعظم عليه ذلك. ويدلّ على هذا المعنى آيات وروايات تقدمت فيما سبق، وفي بعضها تحديد المضاعفة للأعمال الحسنة بسبعمائة ضعف. ويظهر من بعض آخر أنّه لا تحديد للثواب بهذه الأعداد، بل هو فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، كلّ حسب نيّته، ومقدار درجتها في الإخلاص.

وليس هذا حثّاً على العمل القليل لذاته، بل المراد: أنّ العمل من المؤمن وإن كان قليلاً، إلّا أنّه مقبول عند اللَّه عزّوجل، فلا ينبغي له أن يستقلّه إذا لم تطعه نفسه على الاستكثار منه؛ فإنّ الاستقلال يؤدّي إلى الترك، كماسيأتي في الباب الثامن والعشرين من أبواب مقدّمات العبادات.

ص: 398


1- أثبتناه من المصدر.
2- الكافي 2 : 86 ، باب الاقتصاد في العبادة ، ح 3.

سند الحديث:

في السند محمّد بن إسماعيل: وقد تقدّم الكلام في أنّه مشترك، وأنّ المراد به هنا هو: محمّد بن إسماعيل بن بزيع؛ لأنّ أحمد بن محمّد بن عيسى هو راوي كتبه، كما ذكر النجاشي ذلك في ترجمة إسماعيل بن بزيع((1)) .

وفيه أيضاً: حنان بن سدير: قال عنه الشيخ في «الفهرست»: حنان بن سدير، ثقة، له كتاب ((2)).

وقال الكشّي في «رجاله»: سمعت حمدويه ذكر عن أشياخه: أنّ حنان بن سدير واقفي، أدرك أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، ولم يدرك أبا جعفر (علیه السلام) ، وكان يرتضي به سديداً ((3)).

وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((4)) ، وعليه فالسند موثق.

ص: 399


1- - رجال النجاشي : 330/893.
2- - فهرست الطوسي: 119/254.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1049 .
4- - أصول علم الرجال 1 : 280 ، 221 ، و ج2 : 190 .

[268] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الأَحْوَلِ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): أَلا إِنَّ لِكُلِّ عِبَادَةٍ شِرَّةً(1)، ثمّ تَصِيرُ إِلَى فَتْرَةٍ. فَمَنْ صَارَتْ شِرَّةُ عِبَادَتِهِ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ خَالَفَ سُنَّتِي فَقَدْ ضَلَّ، وَكَانَ عَمَلُهُ فِي تَبَارٍ(2). أَمَا إِنِّي أُصَلِّي، وَأَنَامُ، وَأَصُومُ، وَأُفْطِرُ، وَأَضْحَكُ، وَأَبْكِي. فَمَنْ رَغِبَ عَنْ مِنْهَاجِي وَسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. وَقَالَ: كَفَى بِالْمَوْتِ مَوْعِظَةً، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنىً، وَكَفَى بِالْعِبَادَةِ شُغُلاً»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ لكل عبادة من العبادات شرّة، بحيث ينشط لأدائها العابد في حال معيّن، وتكون له رغبة تامة، تبعث النفس على الجدّ فيها، وتحمّل جميع مشاقّها، ثمّ إنّه قد تصير تلك العبادات بعد المداومة عليها إلى حدّ الفتور؛ بسبب الملل أو غيره؛ فإنّ النفس غير مطبوعة على حبّ تحمّل المشقّة. فمن صارت حدّة عبادته ونشاطه لها إلى حدود الشريعة وسنّةالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وطريقته، وهي طريقة الاقتصاد، ولم تتجاوز عنها، فقد اهتدى؛

ص: 400


1- الشرّة: الرغبة والنشاط. (لسان العرب 4 : 401، مادة: شرر).
2- في نسخة: تباب. (منه (قدس سره) )، وتبار، بمعنى الهلاك. (الصحاح: 600). والتباب: الخسران والهلاك. (مجمع البحرين 1 : 279، مادة: تبب).
3- الكافي : 2 : 85، باب من دون عنوان (بعد باب النية) ، ح 1، وقد مرّ ذيله في الحديث 4 من الباب 19 من أبواب مقدمة العبادات.

لأنّ طريق الاقتصاد لا يعتريه الفتور والسأم غالباً، بخلاف المتجاوز عن طريق الاقتصاد؛ فإنّه معرّض غالباً للفتور والسأم.

ويمكن أن يكون المراد: أنّ من صارت حدّة عبادته ونشاطه لها إلى حدود الشريعة وطريقة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي طريقة الاقتصاد، ولم تتجاوز عنها إلى عبادات غير منصوصة عموماً أو خصوصاً، أو لم يتجاوزها إلى حدّ تتعطّل فيه أموره الحياتيّة، أو يختلّ بها النظام، فقد اهتدى، حتّى أنّه ورد في مَن خرج حاجّاً مع رفقة، فإذا نزلوا لم يزل يهلّل إلى أن ارتحلوا، فإذا ارتحلوا لم يزل يذكر اللَّه حتّى نزلوا، فسأل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) عمّن كان يكفيه علف ناقته وصنع طعامه؟ فأجاب أصحاب الرجل: كلّنا، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم): «كلكم خير منه»((1)).

وعليه: فهذا مخالف للسنة التي أتى بها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وبلّغها عنه أئمّة الهدى (علیهم السلام) .

وهذا الاحتمال في هذا الحديث لا يوافق عنوان الباب، وإن كان صحيحاً في نفسه، ويمكن أن يكون الحديث التاسع مؤيّداً له.

والغرض: أنّه لا بد من التأسّي بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة (علیهم السلام) في كلّ أمر، ومنها الاعتدال في العبادة، التي تكون نتيجة عدم مراعاتها: الملل منالعبادة، وبغضها، أو الإخلال بالنظام، مع أنّ من أهمّ مقاصد الشريعة المقدّسة الحفاظ عليه، فقد كان(صلی الله علیه و آله و سلم) يصلّي، وينام، ويصوم، ويفطر،

ص: 401


1- - مكارم الأخلاق: 265.

ويضحك، ويبكي، ولم تكن جميع حالاته على وتيرة واحدة، مع أنّه مستغرق في جميع حالاته مع اللَّه سبحانه وتعالى، وكل حركاته وسكناته للَّه عزّوجلّ، ولم يترك عبادة من العبادات؛ عجزاً عنها، فكانت هذه سنّته. فمن رغب عن سنّته كان خارجاً عنها. ومنهاجه هو الاتجاه إلى اللَّه سبحانه بالعبادة والإكثار منها، ما لم يترتب عليها ما ينافي مقاصد الشريعة ويضادّها، أو يؤدّي إلى فساد كيفيّتها. فإذا أدّت كثرة العبادة إلى السأم منها وبغضها استحبّ له ضدّ ذلك، وهو الاقتصاد فيها، والإنسان على نفسه بصيرة.

ثمّ أضاف النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) مواعظ هامّة جداً، فقال: «كفى بالموت موعظة». والموعظة هي الزاجرة عن الركون إلى الدنيا، والداعية إلى الآخرة . ويعتبر الموت أعظم المواعظ، وأكثرها تأثيراً في نفس الإنسان؛ لأنّ العاقل إذا تفكّر في الموت وشدّته، وما يأتي بعده من أهوال البرزخ والقيامة ودقّة الحساب وشدّة العقاب، هانت عليه الدنيا وما فيها. وتكون نتيجة هذا التفكّر الاجتهاد في الطاعة، والتحرّز عن المعصية.

وقال: «وكفى باليقين غنى»، والغنى: ما يغني عن غير اللَّه تعالى. فاليقين باللَّه وبالمعاد وما فيه من حصول ما وعده اللَّه من الجزاء والنعيم المقيم أفضل وأكثر ممّا يغني عن غير اللَّه سبحانه.

وقال: «وكفى بالعبادة شغلاً»؛ لأنّ العبادة توجب القرب من اللَّهعزّوجلّ، وثمرة العبادة دائمة، بخلاف كلّ ما يشتغل بغيرها، فإنّه لهو ولعب موجب للبعد عن ساحته المقدّسة، وثمرته مقطوعة. ولا يخفى ما فيه من الترغيب في العبادة، والحثّ على الاشتغال بها، وترك ما عداها.

ص: 402

[269] 6 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا(1) فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلا تُكَرِّهُوا عِبَادَةَ اللَّهِ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ، فَتَكُونُوا كَالرَّاكِبِ الْمُنْبَتِّ(2)، الَّذِي لا سَفَراً قَطَعَ، وَلا ظَهْراً أَبْقَى»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

في السند: الأحول: وهو محمّد بن عليّ بن النعمان بن أبي طريفة البجلي، الملقّب عند أصحابنا بمؤمن الطاق، وقد تقدّمت ترجمته.

وفيه: سلّام بن المستنير: ولم يرد فيه شي ء، لكن ورد في «التفسير»((4))، كما تقدّم في الباب التاسع عشر، الحديث الرابع. وعليه فالسند معتبر.

[6] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ ديننا - وهو جميع ما تعبّد اللَّه به خلقه - متين قوي، وعباداته شاقة، ومنها ترك المحرّمات والمكروهات، بل بعض المباحات

ص: 403


1- أوغلوا: ادخلوا. (لسان العرب 11 : 732 ، مادة «وغل»).
2- الراكب المنبت: هو الذي أتعب دابته حتّى عطب ظهره، فبقي منقطعاً به، لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى. (لسان العرب 2 : 7، مادة: «بتت»).
3- الكافي 2 : 86، باب الاقتصاد في العبادة، ح 1.
4- - أصول علم الرجال 1 : 281 .

وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُقَرِّنٍ، عَنْ محمّد بْنِ سُوقَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

التي هي فوق حدّ الإحصاء، فلا بد من السير فيه سيراً متيناً؛ لبلوغ الغاية القصوى منه برفق. والغرض: أنّه ينبغي أن يتدرّج العابد في الإتيان بالعبادات، ولا يكره نفسه عليها إكراهاً؛ فإنّ للنفوس إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فعلى العبد أن يستغلّ هذا الإقبال ويشتغل بالنوافل، وإذا أدبرت فلا ينبغي له إكراهها عليها، وليقتصر على ما تقبله نفسه منها، وتطيعه على أدائها. وليرفق بنفسه؛ حتّى لا ينقطع العمل.

وليرفق بغيره أيضاً؛ حتّى لا يكون سبباً في كراهة غيره لعبادة اللَّه عزّوجلّ؛ فإنّه قد يراه غيره مجتهداً في العبادة، فيوسوس الشيطان لذلك الغير: بأنّه لا يقدر على مثل عبادته، فيكره العبادة، بتخيّل عدم قدرته على مماشاته فيها.

وقد شبّه(صلی الله علیه و آله و سلم) نفس العابد المستنفد لطاقته في العبادة بالراكب، وشبّهالبدن وقواه بالمركوب؛ لاحتياج النفس إليهما في الوصول إلى القرب الإلهي، كما أنّ المسافر يحتاج في سيره إلى مركوب. وكما أنّ المسافر إذا جدّ في السير وحمّل على مركوبه أثقالاً كثيرة فإنّ مركوبه يعطب قبل أن يبلغ مقصده، فيبقى متحيّراً منفرداً عن رفقته وأصحابه. فكذلك نفس العابد، فإنّها إذا جدّت في أنواع العبادات وحملت على مركوبها أعمالاً كثيرة شاقة

ص: 404


1- 1*) الكافي 2 : 86، باب الاقتصاد في العبادة، ح 1.

ملّ البدن وكلّت قواه، وذلك يضعفهما ويهلكهما، فتبقى النفس متحيّرة منقطعة قبل الوصول إلى مطلوبها، وهو القرب الإلهي. فلا بد لها من ترك الإفراط والتفريط، واختيار الحد الوسط، كما لا بد منه للمسافر الذي يريد الوصول إلى مقصده، فهو لم يُبق على مركوبه؛ لأنه أعطبه، ولا قطع المسافة لبلوغ مقصده، فهو خاسر لهما.

سند الحديث:

أورد المصنف (قدس سره) للحديث طريقين:

أوّلهما: ما عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود.

وقد تقدّم الكلام في جميع رجال السند، والسند معتبر.

وثانيهما: ما عن أحمد، عن محمّد بن سنان، عن مقرن، عن محمّد بن سوقة.

وفيه: مقرن: وهو مشترك بين عدّة أشخاص من أصحاب الصادق (علیه السلام) ،ولم يرد في أيٍّ منهم شي ء.

وفيه أيضاً: محمد بن سوقة: قال عنه النجاشي في ترجمة ابن أخيه حفص: «حفص بن سوقة، العمري، مولى عمرو بن حريث المخزومي، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكره أبو العباس بن نوح((1)) في

ص: 405


1- - الظاهر أنّ الصواب: «وابن نوح».

[270] 7 - وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْخَشَّابِ، عَنِ ابْنِ بَقَّاحٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): يَا عَلِيُّ، إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ. إِنَّ الْمُنْبَتَّ - يَعْنِي: الْمُفْرِطَ - لا ظَهْراً أَبْقَى، وَلا أَرْضاً قَطَعَ، فَاعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَمُوتَ هَرِماً، وَاحْذَرْ حَذَرَ مَنْ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَمُوتَ غَداً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

رجالهما، أخواله زياد ومحمد ابنا سوقة أكثر منه رواية عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، ثقات»((2)).

وقال عنه الشيخ في «الرجال»: محمّد بن سوقة، البجلي، المرضي،الخزّاز، تابعي، أسند عنه»((3)) .

[7] - فقه الحديث:

دلالة الحديث كدلالة الحديث السابق، وفيه ما يوافق ما سيأتي من التصريح: بأنّ المفرط في الإتيان بالعبادات لعلّه يبغّض العبادة إلى نفسه، فلا يتمّ مقصوده من الإكثار منها، ويكون الإفراط فيها نقضاً لغرضه من الازدياد منها. فعليه بالاقتصاد فيها، والإتيان بها معتدلة متوسطة بين الخوف والرجاء،

ص: 406


1- الكافي 2 : 87، باب الاقتصاد في العبادة ، ح 6.
2- - رجال النجاشي: 135/348.
3- - رجال الطوسي: 285/4137.

فيعمل الطاعات برفق، ويأخذ حظّه من جميع أنواعها عمل من يرجو أن يعمّر إلى أن يصير هرِماً، ويحذر من ارتكاب المنهيّات حذر من يخاف الموت في غده، فعليه أن ينتهي عنها جميعها حتّى لا يدركه الموت وهو راكب لبعضها.

سند الحديث:

وفيه: الخشّاب: وهو الحسن بن موسى الخشّاب، وقد تقدم.

وفيه أيضاً: ابن بقّاح: وهو الحسن بن عليّ بن بقّاح. قال عنه النجاشي: «الحسن بن عليّ بن بقّاح،كوفي، ثقة، مشهور، صحيح الحديث، روى عن أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب نوادر»((1)).وفيه أيضاً: معاذ بن ثابت: وهو معاذ بن ثابت الجوهري، روى عنه المشايخ الثقات((2)).

وفيه أيضاً: عمرو بن جميع: وقد تقدّم: أنه ضعيف في الحديث.

ص: 407


1- - رجال النجاشي:40/82.
2- - أصول علم الرجال 2: 212.

[271] 8 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «كَانَ أَبِي يَقُولُ: مَا مِنْ أَحَدٍ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: لا يُعَذِّبُنِيَ اللَّهُ عَلَى أَنْ أَجْتَهِدَ فِي الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) تَرَكَ شَيْئاً مِنَ الْفَضْلِ، عَجْزاً عَنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ أبغض خلق اللَّه إليه من يقال له: كان رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) يفعل كذا وكذا من العبادة، فيستقلّه بلسانه أو في نفسه، ويقول: لا يعذّبني اللَّه على أن أجتهد في العبادة أكثر، وكأنّه يرى أنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) ترك شيئاً فيه فضل، عاجزاً عن الإتيان به.

وهذا دالّ على أنّ ترك الاقتصاد مخالفة لرسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، مبغوض لدى المولى عزّوجلّ ؛ لأنّ الاقتصاد أمر عبادي آخر مطلوب، وإلّا لما فعله الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 408


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 81 ، ح 1785.
2- الكافي 4 : 90، باب صوم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ح 3.

ويستفاد منه أيضاً: أنّ الاعتقاد بأنّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ترك ما فيه فضل؛ عجزاً عنه، لا يناسب ساحة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو مبغوض جدّاً للمولى عزّوجلّ.

سند الحديث:

أورد المصنف (قدس سره) للحديث طريقين:

أوّلهما: ما عن الشيخ الصدوق (قدس سره) في «الفقيه».

وفيه: جميل بن صالح: قال عنه النجاشي: «جميل بن صالح، الأسدي، ثقة، وجه، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) »((1)).

وذكر الشيخ في «الفهرست»: أنّ له أصلاً((2)) .

كما ورد في «التفسير» و «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

وفيه أيضاً: محمّد بن مروان: وهو مشترك، وقد تقدّم أنّ الظاهر أنّه الذهلي؛ فإنّه المعروف. وأمّا غيره من أصحاب الصادق (علیه السلام) ممّن يشترك معه في العنوان، فليس فيهم رجل معروف، وقد مرّ أنّ الذهلي روى عنه المشايخ الثقات. وعليه فهذا السند معتبر.

وثانيهما: ما رواه الكليني، وهو ضعيف بسهل، ويمكن تصحيحه بالقول بشمول شهادة الكليني (رحمه الله) له بالصحة.

ص: 409


1- - رجال النجاشي: 127/329.
2- - فهرست الطوسي: 94/ 155.
3- - أصول علم الرجال 1 : 278، 216، و ج2 : 184 .

[272] 9 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي» - وَيُقَالُ لَهُ: الْمَجَالِسُ - ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنِ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ»، ثمّ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِمَّنْ عَلِمَ فَعَمِلَ»(1)1*).

أَقُولُ: وَقَدْ تقدّم مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)2*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ الاقتصاد في العبادة - إذا كانت موافقة للسّنة التي أتىبها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وبلّغها أئمّة الهدى (علیهم السلام) - خير من الاجتهاد في عبادة لا توافق السنّة، فهي بدعة مبغوضة، لا خير فيها أصلاً. وعليه: فأفعل التفضيل ليس على بابه، فلا يدلّ على التفضيل بين شيئين.

ثمّ ختم (علیه السلام) كلامه بالأمر بالتعلّم ممّن علم الدين من طريقه الصحيح،

ص: 410


1- أمالي الطوسي: 264، ح484، ولكنه في المصدر غير منسوب إلى المعصوم، وفي «البحار» أيضاً 2 : 301، ح30 رواه عن ابن مسعود، وأيضاً في الكتب العامة نقلوه عن ابن مسعود. (مجمع الزوائد 1 : 173، والمعجم الكبير 10 /209، ح10488).
2- 2*) تقدم في الحديث 7 من الباب 17، وفي الحديث 21 من الباب 23 من هذه الأبواب.
3- 3*) يأتي في: أ - الحديث 10 من الباب 28 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 4 ، 5 ، 8 ، 11 من الباب 16 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

فأتى مدينة العلم من بابها الذي أمر اللَّه به، فعمل بما علم، وفيه إشارة إلى النهي عن أخذ علم الدين ممّن لم يعلمه من أهله العاملين به، سواء كان من المخالفين أم ممّن ينتحل التشيع ولكنه لم يأخذ العلم من أهله.

بحث رجالي في أبي عمر بن مهدي

سند الحديث:

في السند: أبو عمر بن مهدي: وهو عبد الواحد بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مهدي الفارسي الكازروني، ولم يرد فيه شي ء في كتبنا الرجاليّة، إلّا أنّ النجاشي أشار إلى أنّه من مشايخه في ترجمة يعقوب بن شَيْبة، حيث قال: قرأت هذا الكتاب على أبي عمر عبد الواحد بن مهدي ...((1)) .

والطريف: أنّه لم يأتِ في مقام النقل عنه بمثل: «أخبرني، أو حدّثني»، أو ما أشبه ذلك، مع أنّه من مشايخه بلا ريب. كما أنّه يظهر من أمالي الشيخ (قدس سره) : أنّه من مشايخه، وقد روى عنه في سنة 410 في منزله بدرب الزعفراني. وعلى كلّ حال: هو ثقة على مبنى من يعتبر وثاقة كلّ مشايخالنجاشي (قدس سره) .

وفيه أيضاً: أحمد: والمراد به: أحمد بن سعيد بن عقدة، الزيدي، الجارودي الثقة؛ بقرينة وروده مصرّحاً باسمه الكامل في «الأمالي» للشيخ الطوسي، فقد جاء فيها: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمّد بن عبد اللَّه بن محمّد بن مهدي، قال:

ص: 411


1- - رجال النجاشي: 451/1218.

أخبرنا أبو العبّاس، أحمد بن سعيد بن عقدة،... ((1)) .

وفيه أيضاً: أحمد بن يحيى: قال عنه المزيّ في «تهذيب الكمال»: أحمد بن يحيى بن زكريا، الأودي، أبو جعفر، الكوفي، الصوفي، العابد، روى عن إبراهيم بن محمّد بن ميمون، الكوفي ،... وعبد الرحمن بن شريك بن عبد اللَّه، النخعي ،... روى عنه: النسائي، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار، وأبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الحافظ، ... قال أبو حاتم: ثقة، وقال النسائي: لا بأس به»((2)).

وفيه أيضاً: عبد الرحمن: وهو عبد الرحمن بن شريك بن عبد اللَّه، القاضي؛ بقرينة رواية أحمد بن يحيى بن زكريا عنه، وروايته عن أبيه شريك، ويروي هذا الأخير عن الأعمش.

قال الرازي في «الجرح والتعديل»: «عبد الرحمن بن شريك بن عبد اللَّه، روى عن أبيه شريك، روى عنه محمّد بن عبد اللَّه بن نمير، سمعت أبييقول ذلك، ويقول: هو واهي الحديث، [قال أبو محمد]: روى عنه أبو شيبة إبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي شيبة ومحمد بن مسلم بن وارة»((3)).

وقال ابن حبّان في «الثقات»: عبد الرحمن بن شريك بن عبد اللَّه، النخعي، من أهل الكوفة، يروي عن أبيه، روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر بن

ص: 412


1- - الأمالي: 246 ، ح432.
2- - تهذيب الكمال للمزي 1 : 517 - 518 .
3- - الجرح والتعديل للرازي 5 : 244.

أبي شيبة والكوفيون، ربما أخطأ»((1)).

وجاء في «الكامل» لابن عدي: «سمعت ابن سعيد يقول: إسحاق بن الأزرق يغرب على شريك بأحاديث، وهكذا عبد الرحمن بن شريك يغرب على أبيه»((2)).

بحث رجالي في شريك بن عبد اللَّه

وفيه: شريك بن عبد اللَّه: وهو شريك بن عبد اللَّه بن سنان بن أنس النخعي، جدّه قاتل الحسين (علیه السلام) . قال معاوية بن صالح: سألت أحمد عن شريك، فقال: كان عاقلاً، صدوقاً، محدّثاً، وكان شديداً على أهل الريب والبدع، مات سنة سبع وسبعين ومائة، وقد كان يوالي أمير المؤمنين عليّاً (علیه السلام) ، وينقم على معاوية.

وأمّا تفضيله على من تقدّمه ففيه ترديد؛ من جهة التهافت فيما روي عنه في ذلك.

ثمّ الظاهر من قول أحمد: كان شديداً على أهل الريب والبدع. هو: ما صرّح به في الروايات من أنّه كان يردّ شهادة من ينتمي إلى جعفر بن محمد (علیهما السلام) ، فكان له معهم عداء، وإن كان هو يعتقد بجلالة جعفر بن محمد (علیهما السلام) ، لو صحّ ما ذكره الكشّي، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني((3)).

وفيه أيضاً: تميم بن سلمة: قال عنه الرازي في «الجرح والتعديل»:

ص: 413


1- - الثقات لابن حبان 8 : 375 .
2- - الكامل لعبد اللَّه بن عدي 4 : 19 .
3- - معجم رجال الحديث 10 : 27، بتصرف.

تميم بن سلمة، السلمي، روى عن ابن الزبير وشريح وعروة، روى عنه طلحة بن مصرف ومنصور والأعمش، سمعت أبي يقول ذلك، حدّثنا عبد الرحمن، قال: ذكره أبي عن إسحاق [بن منصور] عن يحيى بن معين، أنّه قال: تميم بن سلمة ثقة ((1)) .

وقال ابن حبّان في «مشاهير علماء الأمصار»: تميم بن سلمة، السلمي، من جلّة الكوفيين، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مائة ((2)).

بحث رجالي في عبد اللَّه بن مسعود

وفيه أيضاً: أبو عبيدة: وهو أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود. قال العجلي في «معرفة الثقات»: أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود، كوفي، ثقة، تابعي، ولم يسمع من أبيه شيئاً ((3)) ، وأورده ابن حبّان في الثقات((4)) .

وفيه أيضاً: عبد اللَّه بن مسعود: قال عنه الفضل بن شاذان لمّا سئل عنه وعن حذيفة: لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود؛ لأنّ حذيفة كان ركناً، وابن مسعود خلط، ووالى القوم، ومال معهم، وقال بهم((5)) .

إلّا أنّه وردت فيه روايات مادحة، وأنّه من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في مجلس الخلافة، وأنّه كان شريكاً في قتل عثمان.

ص: 414


1- - الجرح والتعديل للرازي 2 : 441.
2- - مشاهير علماء الأمصار لابن حبان: 172 .
3- - معرفة الثقات 2 : 414.
4- - الثقات لابن حبان 5 : 561.
5- - اختيار معرفة الرجال 1 : 179 .

ولكن الروايات المادحة له لا تقاوم ما ورد في ذمّه، وأنّه لم يقبل من أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وكانت له فتاوى مستقلّة، ووردت روايات في تخطئته، فهو لم يشايع أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ولم يثبت أنّه قال بالحق، بل الثابت أنّه استقلّ في أمره.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة أحاديث، المعتبر منها ستّة، والثلاثة الأخرى يمكن تصحيحها على بعض المباني المتقدمة.

المستفاد من أحاديث الباب

ويستفاد منها أمور، منها:

1 - استحباب الاقتصاد في العبادة، إذا كانت كثرتها مؤدّية إلى الملل منها أو بغضها.

2 - أنّ الاقتصاد في العبادة طاعة.3 - أنّ اللَّه سبحانه إذا أحبّ عبداً رضي منه باليسير، وأدخله الجنّة.

4 - أنّ من كان نشاطه في العبادة والاجتهاد فيها موافقاً للسنّة فهو مهتدٍ.

5 - أنّ من كان نشاطه في العبادة والاجتهاد فيها مخالفاً للسنة فهو ضالّ، وعمله هالك.

6 - أنّ الإفراط والوسواس الذي يعرض لبعض العبّاد مبغوض للمولى، ومنهي عنه.

7 - النهي عن تبغيض العبادة للنفس أو للغير؛ بسبب الإفراط فيها.

8 - أنّ الدين متين صلب، والمطلوب هو الدخول فيه برفق، فيؤتى بالعبادات المستحبّة بنحو التدريج.

ص: 415

9 - استحباب الإتيان بالعبادة على النحو المتوسّط، بحيث يعمل عمل من يرجو العيش طويلاً، وعمل من يخاف أن يموت غداً.

10 - النهي عن مخالفة سنّة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في الإتيان بالعبادات، والنهي عن اعتقاد أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ترك شيئاً فيه فضل؛ عجزاً عنه.

11 - أنّ الاقتصاد في العبادة خير من الإكثار منها إذا خالفت السنّة، بل لا خير فيه أصلاً لكونها بدعة حينئذٍ.

12 - وجوب أخذ علم الدين ممّن علم به من طريقه الصحيح، وعدم جواز أخذه للعمل به من غير طريقه.

ص: 416

27 - باب استحباب تعجيل فعل الخير وكراهة تأخيره

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

27 - باب استحباب تعجيل فعل الخير وكراهة تأخيره

شرح الباب:

لا يخفى أنّ أفعال الخير كثيرة جدّاً، تفوق حدّ الإحصاء، والعقل قبل الشرع يحثّ عليها، ويبعث نحوها، إذا أدرك بعض فوائدها، وغير خفي أيضاً أنّ عمر الإنسان محدود، وتتوارد عليه الحالات المختلفة، من صحّة وسقم، وغنى وفقر، وفراغ وشغل. ولا شكّ أيضاً أنّ أعمال الخير تحتاج - فيما تحتاج - إلى صحّة المزاج، والكثير منها يحتاج إلى الغنى، كما تحتاج إلى الفراغ وعدم الانشغال عنها بغيرها، ولو بالمباحات.

فعلى هذا ينبغي اغتنام الصحة والشباب؛ للاستكثار من الخير، واغتنام فرصة الغنى؛ لتوقّف إيجاد كثير من الخيرات عليه، واقتناص فرصة الفراغ قبل الشغل؛ فإنّ الموانع كثيرة، ولا تنحصر فيما ذكر. فحتى لو توفّر كلّ من الصحّة والشباب والغنى والفراغ، إلّا أنّ شياطين الجن والإنس بالمرصاد، فهم يصدّون المؤمن عن سبيل اللَّه، ويمنعونه بالتسويل، ويغرونه بالتسويف. ولذا جاءت الآيات والروايات داعمة لحكم العقل برجحان تعجيل فعل الخير، ومرجوحيّة التأخير؛ فإنّ التأخير يؤدّي إلى ترك العمل في أغلب الأحيان.

ص: 417

الأقوال:

ادّعى المصنّف (رحمه الله) تواتر الروايات في هذا المعنى، ووجود الإجماع((1)).

ويؤيّد مضمون الباب من الآيات قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}((2)) ، وقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}((3)).

وغيرهما ممّا دلّ - بمادّة المسارعة - على رجحان المسارعة والمبادرة إلى الخيرات.

ثمّ إنّ أحاديث الباب مخصوصة بغير العبادات التي يستحبّ فيها تأخيرها، على ما دلّت عليه الأدلة الشرعيّة، كما سيأتي في مواقيت الصلاة وغيرها.

ص: 418


1- - تحرير وسائل الشيعة: 341.
2- - آل عمران، الآية 133.
3- - البقرة، الآية 148.

[273] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِخَيْرٍ فَلا يُؤَخِّرْهُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا صلّى الصَّلاةَ أَوْ صَامَ الْيَوْمَ، فَيُقَالُ لَهُ: اعْمَلْ مَا شِئْتَ بَعْدَهَا، فَقَدْ غُفِرَ(1) لَكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على استحباب المبادرة إلى العمل بما يعزم عليه المؤمن؛ وعلّل الإمام (علیه السلام) ذلك: بأنّه قد يقال له: اعمل ما شئت بعد هذه المبادرة وهذا العمل، فقد غفر اللَّه لك؛ فإنّ للَّه نفحات يعرّض عباده لها في أوقات مخصوصة، قد أخفاها عنهم؛ ترغيباً في المسارعة إلى العمل والمداومة عليه. فلعلّ الزمان الذي يقصد العبد فيه الخير والعبادة يوافق أحد هذه الأوقات التي يحصل للعابد فيها مزيد قرب واختصاص، ولا يضرّ معهما شي ء من تقصيرات العبد. ولعلّ هذا التعليل مبنيّ على أنّ التأخير كثيراً ما يستلزم الترك؛ فإنّ الموانع الطارئة كثيرة ومتنوعة، وقد لا يحسب لها المسوّف حساباً.

ولا يتوهّم: أنّ الأمر في قوله «اعمل ما شئت» يفيد إباحة أن يفعل العبد

ص: 419


1- في المصدر: غفر اللَّه.
2- الكافي 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير ، ح 1.

[274] 2 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُرَازِمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا هَمَمْتَ بِخَيْرٍ فَبَادِرْ؛ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا يَحْدُثُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

بعد ذلك ما يشاء ممّا يخالف الشريعة المقدّسة، بل الأمر هنا - كما قيل - : أمر إكرام، كما في قوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}((2)

وإخبار عن الرجل: بأنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومحفوظ في الآتي ((3)).

ودلّ الحديث أيضاً على كراهة التأخير، وهو المستفاد من النهي في قوله (علیه السلام) : «فلا يؤخّره».

سند الحديث:

تقدّم رجال الحديث، والسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على استحباب المبادرة إلى مطلق الخير بمجرّد العزم عليه؛فإنه لا يُدرى ما يحدث مع التأخير له من الموانع، فقد ينسى العمل، أو يوسوس له الشيطان بتركه، أو تحصل من النفس مخالفة ومدافعة؛ لأنّها

ص: 420


1- الكافي 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير ، ح 3.
2- - الحجر، الآية 46.
3- - تفسير القرطبي 4 : 213، بتصرف.

توّاقة إلى رفض القيود، والعبادات الشرعيّة أغلبها تكاليف وقيود، أو يحصل الهرم المستلزم لضعف العقل والبنية ونقصانهما، أو المرض وانحراف المزاج، الذي يمنع من الإتيان بالعبادة أو الموت، أو تزلزل النفس بخوف الفقر من الإنفاق في الخيرات والمبرّات، أو خوف فوات المال، ونحوها من الموانع الكثيرة.

سند الحديث:

في السند: مُرازِم بن حكيم: قال عنه النجاشي: مرازم بن حكيم، الأزدي، المدائني، مولى، ثقة، وأخواه محمّد بن حكيم وحديد بن حكيم، يكنّى أبا محمد، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ومات في أيام الرضا (علیه السلام) ، وهو أحد من بُلي باستدعاء الرشيد له وأخوه، أحضرهما الرشيد مع عبد الحميد بن عواض، فقتله وسلما، ولهم حديث ليس هذا موضعه، له كتاب يرويه جماعة ((1)).

وعدّه الشيخ في «الرجال» من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وقال: مرازم بن حكيم، الأزدي، مولى، ثقة ((2)). وورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخالثقات((3)).

وعليه فالسند معتبر.

ص: 421


1- - رجال النجاشي: 424/1138.
2- - رجال الطوسي: 342/5105.
3- - أصول علم الرجال 1 : 240، وج2 : 212 .

[275] 3 - وَعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ ثَقَّلَ الْخَيْرَ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا كَثِقْلِهِ فِي مَوَازِينِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ خَفَّفَ الشَّرَّ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا كَخِفَّتِهِ فِي مَوَازِينِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ الموانع من فعل الخير كثيرة، فيحتاج - في الإتيان بالخير - إلى رفع هذه الموانع أو دفعها، فلا بد من جهاد النفس، ورفع الشواغل؛ حتّى يتحقّق العمل. فينبغي تعجيله قبل أن تهجم الموانع أو تزداد، بحيث تتمكّن في النفس، وتمنع من صدور العمل من العبد، وتحول بينه وبينه. ولذا كان الخير ثقيلاً على أهل الدنيا، وهم كلّ من هو منها، لا من هو طالب لها فحسب، ولكون الخير ثقيلاً والشرّ خفيفاً عليهم، قلّ صدور الخير، وكثر صدور الشرّ منهم. كما أنّ الخير ثقيل في موازين الحسنات يوم القيامة؛ باعتبار أنّ له قدراً واعتباراً في نفسه، وعظمة باعتبار مضاعفتهتوجب عظمة صاحبه ورفعة شأنه، والشرّ خفيف في الموازين يوم القيامة؛ لأنّ له خفّة وحقارة توجب خفة صاحبه وتحقيره ومهانته.

قال تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}((2)).

ص: 422


1- الكافي: 2 : 143 ، باب تعجيل الخير ، ح 10.
2- - القارعة، الآية 6 - 9.

[276] 4 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «افْتَتِحُوا نَهَارَكُمْ بِخَيْرٍ، وَأَمْلُوا عَلَى حَفَظَتِكُمْ فِي أَوَّلِهِ خَيْراً، وَفِي آخِرِهِ خَيْراً، يُغْفَرْ لَكُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فثقل عمل الخير على نفوس أهل الدنيا هو كثقله في ميزان الآخرة لو عملوا به، وخفّة الشر على نفوسهم كخفته في ميزان الآخرة لو عملوا به.

سند الحديث:

قد تقدّم رجال الحديث، والسند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث - كغيره من أحاديث الباب - على رجحان المبادرة إلىفعل الخير، حيث أمر الإمام (علیه السلام) بافتتاح النهار بعمل من أعمال الخير، فيكون هذا العمل بمنزلة الإملاء على الملائكة الموكّلين بكتابة الأعمال؛ إذ هم موكلون بكتابة الأعمال، إن خيراً كتبوه خيراً وإن شرّاً كتبوه شرّاً. وهذا دالّ على استحباب المبادرة إلى عمل الخير؛ فإنّ افتتاح النهار بعمل عبادي والإملاء على الملائكة في أوّل النهار معناه: إيقاعه في أوّل النهار، بحيث لا يكون قبله عمل غيره، ولازمه المسارعة إليه قبل غيره من الأعمال.

ص: 423


1- الكافي: 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير، ح 2.

كما أمر (علیه السلام) باختتام النهار بعمل خير؛ فإن المسارعة إلى فعل الخير في افتتاح النهار، والختم له بفعل آخر توجبان غفران ما يقع بين طرفي النهار والتجاوز عنه بمنّ اللَّه عزّوجلّ وفضله، وهذا أمر يرتبط بالمشيئة الإلهيّة.

ولعل السر فيه كما عن بعضهم: أنّه إذا أوجد العبد عمل الخير في أوّل كلّ يوم وآخره، فإنّه يندر أن لا يكون منه في وسط النهار عمل خير؛ لأنّ المداومة على الخير تورث شيئاً فشيئاً ملكة مانعة من الشرّ. لكن لو فرض وقوع الشرّ منه في وسط النهار فهو مغفور له، ويكون الإتيان بالخير في أوّل النهار وآخره مكفّراً لما بينهما، كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}((1)) .

وقد جاء في بعض الروايات: أنّ اللَّه سبحانه وتعالى يستحي من العبد أنيقبل أوّل عمله وآخره ويردّ وسطه أو يعذّبه به((2)).

وأيضاً يبعد من كرمه العميم وفضله الجسيم: أن يرضى عن عبده أوّل النهار وآخره، ثمّ يعذّبه على شي ء صدر منه في وسط النهار.

سند الحديث:

قد تقدّم رجال الحديث، والسند معتبر.

ص: 424


1- - هود، الآية 114. انظر: شرح أصول الكافي 8 : 415 .
2- - وقع نظيرها في الكافي 2 : 495، باب الصلاة على النبي وأهل بيته (علیهم السلام) ، ح16.

[277] 5 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُعَجَّلُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ اللَّه سبحانه يحبّ من أعمال الخير ما يعجّل في أدائه، وهذا ليس على إطلاقه، كما أشرنا إليه سابقاً؛ إذ سيأتي في محلّه بعض ما هو خارج؛ لدلالة الأدلة الشرعيّة على استحباب تأخيرها؛ ولعل تعلّق الحب الإلهي بما يعجَّل من الخير لأجل دلالة هذا الفعل على التفاني في خدمة المولى وشدة الخضوع والانقياد له، بحيث يكون طالباً لرضاه ومحققاً لمراتب العبودية. وهذا إنما يظهر إذا كان العبد مسارعاً لامتثال مايحبه المولى. وإذا كان الشيء محبوباً لله تعالى كان راجحاً، والإتيان به مستحباً.

سند الحديث:

قد تقدّم رجال الحديث. والمراد بابن أذينة هو: عمر بن أذينة. والسند معتبر.

ص: 425


1- الكافي 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير ، ح 4.

[278] 6 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا هَمَمْتَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَيْرِ فَلا تُؤَخِّرْهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رُبَّمَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ عَلَى شَيْ ءٍ مِنَ الطَّاعَةِ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، لا أُعَذِّبُكَ بَعْدَهَا أَبَداً. وَإِذَا هَمَمْتَ بِسَيِّئَةٍ فَلا تَعْمَلْهَا؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ عَلَى شَيْ ءٍ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، لا أَغْفِرُ لَكَ بَعْدَهَا أَبَداً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمرين:

أوّلهما: النهي عن تأخير الخير، وهو دالّ على كراهة تأخيرعمل الخير؛ وعلّل ذلك بأنّ اللَّه عزّوجلّ قد لا يعذّب صاحب هذا العمل بعده أبداً. وفيه ترغيب في عمل الخير، فإن تعريض النفس للنفحات الإلهية مطلوب، فمن سارع إلى عمل الخير ولم يؤخره بعد أن همّ به، فلعل نفحة من تلك النفحات تصيبه فتزيده قرباً من ربه، وثباتاً على طريق العبودية فيستحق بذلك مثوبة الله، والبعد عن عذابه تعالى. هذا عدا ما استثني من العبادات التي ثبت استحباب تأخيرها، على ما تقدّمت الإشارة إليه.

وثانيهما: النهي عن المبادرة إلى السيّئة، وعلّل ذلك: بأنّ اللَّه عزّوجلّ قدلا يغفر لصاحبها بعدها أبداً؛ إذ قد تكون تلك المعصية سبباً للإضلال الذي

ص: 426


1- الكافي 2 : 143، باب تعجيل فعل الخير ، ح 7.

[279] 7 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا أَرَدْتَ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ فَلا تُؤَخِّرْهُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَصُومُ الْيَوْمَ الْحَارَّ يُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَيُعْتِقُهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّارِ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أبي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يتبع الضلال الابتدائي، فلا يرجع العبد بعد ضلاله إلى الهدى، فلا يستحق مغفرة الله تعالى.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم من الأجلّاء، تقدّمت ترجمتهم، والسند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

دلالة الحديث كدلالة الشقّ الأول من الحديث السادس، مع زيادة: أنّالعبد يصوم اليوم الحارّ يريد ما عند اللَّه بإخلاص، فيعتقه اللَّه بهذا العمل من النار. وهو موافق أيضاً للتعليل الوارد في الشقّ الأول من الحديث السادس،

ص: 427


1- الكافي 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير ، ح 5.
2- أمالي الصدوق :448 ، المجلس الثامن والخمسون، ح 602.

ولكن التعليل هناك عام، وهنا وإن ذكر صوم اليوم الحارّ بإخلاص، إلّا أنّه من باب المثال.

سند الحديث:

قد أورد المصنف (قدس سره) للحديث سندين:

أوّلهما: ما عن «الكافي».

وفيه: بشير (أو بشر، على نسخة) بن يسار: والأكثر وروداً هو الأول، ولم يرد فيه توثيق، ولكن روى عنه المشايخ الثقات بعنوان: بشّار بن يسار، وكذلك عنونه النجاشي والشيخ في «فهرسته» وهكذا ورد في الكشي((1)) ، وورد في «النوادر» بعنوان بشر، وبعنوان بشير أيضاً((2)) ، فيكون موثّقاً، وبقية أفراد السند تقدّمت سابقاً.

وعليه: فالسند معتبر، وأبان من أصحاب الإجماع، فيصحّ ما صحّ عنه على المشهور.

وثانيهما: ما رواه الصدوق.

وفيه: عليّ بن أحمد بن أبي عبد اللَّه: وهو عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، أبو القاسم من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه في طريقه إلى محمّد بن مسلم، وفي كتاب «التوحيد»((3)).

ص: 428


1- - رجال النجاشي: 113/ 290 ، والفهرست: 88/131 ، واختيار معرفة الرجال 2 : 711/733.
2- - أصول علم الرجال 1 : 214 .
3- - التوحيد: 99، ح 6 و 7.

[280] 8 - وَعَنْهُمْ، عَنْهُ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِخَيْرٍ فَلْيُعَجِّلْهُ، وَلا يُؤَخِّرْهُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا عَمِلَ الْعَمَلَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَدْ غَفَرْتُ لَكَ، وَلا أَكْتُبُ عَلَيْكَ شَيْئاً أَبَداً. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلا يَعْمَلْهَا؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا عَمِلَ الْعَبْدُ السَّيِّئَةَ، فَيَرَاهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ، فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِي وَجَلالِي، لا أَغْفِرُ لَكَ بَعْدَهَا أَبَداً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا: أبوه أحمد بن عبد اللَّه بن أبي عبد اللَّه: فلم يرد فيه توثيق. ومن المحتمل كونه شيخ الكليني. وبقية أفراد السند قد تقدّمت سابقاً.

وعليه فالسند بطريقه الأول معتبر.

[8] - فقه الحديث:

دلالة الحديث قريبة من دلالة الحديث السادس. وغفران اللَّه لذنوب العبد إذا صدر منه ذلك العمل: إمّا من باب التفضّل منه سبحانه وتعالى، أوأنّه مستند إلى ذلك العمل نفسه، فيكون هذا الحديث موافقاً لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}((2)).

وعدم الكتابة من اللَّه عزّوجلّ لشي ء بعد ذلك العمل يحتمل أن يكون المراد: أنّه سبحانه لا يكتب الذنوب التي يرتكبها بعد العمل في بقيّة عمره؛ إمّا تفضّلاً

ص: 429


1- الكافي 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير ، ح 6. وفيه: عنه، عن ابن فضّال.
2- - هود: الآية 114.

ومنّة منه سبحانه، وإمّا بسبب ذلك العمل، بأن يكون لذلك العمل خصوصيّة ومدخليّة في محو ما بعده من الذنوب، كما أنّ له مدخلاً وخصوصيّة في محو ما قبله. وما دامت الأعمال الصالحة كلها يحتمل فيها ترتّب هذه الخصوصيّة، فإنّ كلّ عمل يصلح أن يكون كذلك. ففي الحديث ترغيب في العمل الصالح والمسارعة إليه؛ إذ لعلّه يوافق العمل الذي يحوي تلك الخصوصية.

وفيه: تخويف من ارتكاب الأعمال السيئة، خصوصاً مع وجود القسم المغلّظ من الحضرة الربوبيّة بعدم الغفران لمرتكبه أبداً؛ إذ قد يوكل اللَّه المسي ء إلى نفسه، فيسلّط عليه شيطانه، ويفتح له باب المعاصي، فيخوض في أنواع المعاصي، وتكون نتيجة ذلك سلب الإيمان منه، فيخرج من الدنيا بدون إيمان، فيستحقّ بذلك النار خالداً فيها. أو المراد: أنّه سبحانه لا يغفر له ذنوبه أصلاً، فيؤاخذه بها، ويعذّبه عليها، وهذا لا يدلّ على عقوبته أبد الآبدين. وعليه: فلا يرد أنّه إذا خرج من الدنيا مع إيمان، فكيف يستحقّالعقوبة الإلهيّة خالداً؟!

تصحیح الحدیث الثامن

سند الحديث:

في السند: ابن فضّال: هو الحسن بن عليّ بن فضّال الثقة.

وابن بكير: هو عبد اللَّه بن بكير بن أعين الموثّق.

والحديث مرسل، إلّا أنّه يمكن تصحيحه بكون ابن بكير من أصحاب

ص: 430

[281] 9 - وَعَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ محمّد بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِخَيْرٍ أَوْ صِلَةٍ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ شَيْطَانَيْنِ، فَلْيُبَادِرْ، لا يَكُفَّاهُ عَنْ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الإجماع، وابن فضّال من أصحاب الإجماع على قول((2)) ، فيصحّ ما يصحّ عنهم. مضافاً إلى أن ذيل الحديث ورد في باب الذنوب، ح17، بالسند عن ابن بكير، عن أبي عبدالله (علیه السلام) ، مذكور في «الكافي».

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على استحباب المبادرة إلى الخير؛ حتّى لا يطرأ على العبد مانع يحجزه عن الإتيان بالعمل. ومن تلك الموانع التي صرّح بها الحديث: وجود شيطانين عن يمين العبد وشماله، وعملهما تثبيط عزم العبد عن عمل ما يوجب له الزلفى عند ربّه، والنفث في نفسه الأمّارة بالسوء باجتناب عمل الخير، وتحرّي الحيلة مرّة بعد أخرى في منع نفسه عن العزم الصحيح لما فيه سعادة الآخرة؛ ليسدّ عليها طرق الوصول إلى الخيرات.

والنفس البشريّة ضعيفة في مقابل تلك الوساوس، فهي ترى: أنّ العباداتشاقّة وثقيلة عليها، وترى: أنّ المبرّات والصِّلات فيها صرف للمال

ص: 431


1- الكافي 2 : 143، باب تعجيل فعل الخير، ح 8.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705 .

المحبوب لها، ممّا يسهّل مهمّة الشيطان في صرفها عن الخير، وما يوجب سعادتها الدائمة. فربما يتمكّن منها الشيطان غاية التمكّن؛ حتّى يصرفها عن تلك الإرادة، ويكفّها عن هذه السعادة.

وقد أتى هذا الحديث بعلاج هذه الحالة، وبيّن: أنّ على المرء المبادرة إلى ما عزم عليه من الخير أو المبرّة، واغتنام الفرصة؛ حتّى يضيّع على الشيطان فرصة تثبيطه وفلّ عزمه عن العمل.

سند الحديث:

في السند: محمّد بن حمران: والظاهر أنّه النهدي، الذي قال عنه النجاشي: محمّد بن حمران، النهدي، أبو جعفر، ثقة، كوفي الأصل، نزل جرجرايا، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . له كتاب، أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا عليّ بن أسباط بن سالم في دهليزه يوم الأربعاء عشيّاً لأربع ليال خلون من شعبان سنة ثلاثين ومائتين، قال: حدّثنا محمّد بن حمران، ولهذا الكتاب رواة كثيرة ((1)).

وعليه فالسند معتبر.

ص: 432


1- - رجال النجاشي: 359/965.

[282] 10 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «مَنْ هَمَّ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَيْرِ فَلْيُعَجِّلْهُ؛ فَإِنَّ كلّ شَيْ ءٍ فِيهِ تَأْخِيرٌ فَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَظْرَةً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على استحباب تعجيل فعل الخير الذي يعزم عليه المؤمن؛ وعلّل ذلك بأنّ كلّ شي ء من الخير يكون فيه تأخير وتوانٍ من جانب العبد، فإنّ للشيطان فيه نظرة، أي: مهلة يُعمل فيها الحيلة؛ ليثني العبد عن عزمه بالوسوسة إليه في ترك العمل بأمور توجب ترك العبد له، وتزهّده في فعله، أو بإشغال فكر العبد بأمور أخرى؛ لينسيه إيّاه، أو غير ذلك من مكائده. والذي يقطع على الشيطان كلّ مكائده ويسدّ هذه الأبواب في وجه تسويلاته وتثبيطاته هو تعجيل فعل الخير، وعدم التسويف في فعله.

سند الحديث:

قد تقدّمت رجال الحديث، والسند معتبر.

ص: 433


1- الكافي 2 : 143، باب تعجيل فعل الخير ، ح 9.

[283] 11 - محمّد بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَر (علیه السلام) ، قَالَ: «اعْلَمْ: أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَبَداً أَفْضَلُ، فَتَعَجَّلِ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْتَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أوّل الوقت هو الأفضل دائماً، فينبغي اختياره على غيره؛ حتّى ليقع على الوجه الأفضل، ولازم ذلك تعجيل فعل الخير. ولا يخفى ما فيه من البعث نحو أفعال الخير معجّلة.

وكون أوّل الوقت أفضل عام، يشمل جميع العبادات إلّا ما استثني، كما أشرنا إليه قريباً.

سند الحديث:

مرّ الكلام في سند الحديث في الحديث الخامس من الباب الحادي والعشرين، وهو معتبر.

ص: 434


1- السرائر 3 : 625، المستطرفات [9]. ويأتي بتمامه في الحديث 10 من الباب 3 من أبواب المواقيت.

[284] 12 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ ابْنِ الزَّيَّاتِ، عَنْ محمّد بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَلامَةَ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْفُجَيْعِ الْعُقَيْلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا عَرَضَ لَكَ شَيْ ءٌ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ فَابْدَأْ بِهِ، وَإِذَا عَرَضَ لَكَ شَيْ ءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَتَأَنَّهُ؛ حتّى تُصِيبَ رُشْدَكَ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على استحباب تعجيل ما يرجع إلى الآخرة؛ فإنّ كلّ ما يرجع إلى الآخرة فيه الصلاح، فلا داعي إلى تأخيره. كما دلّ على استحباب التأنّي والتدبّر فيما يرجع إلى أمور الدنيا، حتّى يتبيّن ما هو الرشاد فيها فيتّبع، وما هو الغيّ والضلال فيجتنب؛ فإنّ الأمور الراجعة إلى الدنيا مشوبة بهذين، ومخلوطة بهما، وبعضها واضح الرشاد، كما أن بعضها واضح الضلال، وبعضها لا يتميّز أنّه من أي قسم إلّا بالتأمّل والتأنّي. ولذا جاء الأمر بالتأنّي والتدبّر؛ حتّى يتبيّن ما هو الصالح، فإمّا أن يكون الصلاح في جهة الفعل، وإمّا أن يكون الصلاح في جهة الترك.

سند الحديث:

في السند: ابن الزيّات: وهو عمر بن محمد، أبو حفص، لم يرد فيه

ص: 435


1- 1*) أمالي الطوسي: 7، ح8.

شي ء، إلّا ترحم الشيخ المفيد (قدس سره) عليه ((1)).

وهذا غير كاف في الوثاقة.

وفيه أيضاً: محمّد بن همام: وقد وثّقه النجاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك بن عيسى بن سابور، حيث قال: ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن همّام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما اللَّه ((2)).

وقال عنه في باب الميم: محمد بن أبي بكر، همام بن سهيل، الكاتب، الإسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدّمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث ((3)) .

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: محمد بن همام، الإسكافي، يكنّى أبا علي، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة ((4))، وقال عنه في «الرجال»: جليل القدر، ثقة ((5)).

بحث رجالي في جعفر بن محمّد بن مالك

وفيه أيضاً: جعفر بن محمّد بن مالك: قال عنه النجاشي: جعفر بنمحمّد بن مالك بن عيسى بن سابور، كان ضعيفاً في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعاً، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا

ص: 436


1- - أمالي المفيد: 279 .
2- - رجال النجاشي: 122/313.
3- - المصدر نفسه: 379/1032.
4- - فهرست الطوسي: 217/612.
5- - رجال الطوسي: 438/ 6270.

النبيل الثقة أبو عليّ بن همّام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري، رحمهما اللَّه ((1)) .

ولكن الشيخ قال عنه في «الرجال»: جعفر بن محمّد بن مالك، كوفي، ثقة، ويضعّفه قوم، روى في مولد القائم (علیه السلام) أعاجيب ((2)).

وذكر النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى: أنه ضعّفه ابن الوليد وابن نوح والصدوق((3)).

وحكى الشيخ أيضاً تضعيفه عن أبي جعفر بن بابويه في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى((4)).

ولذا حكم السيد الأستاذ (قدس سره) بتعارض التوثيق والتضعيف، فلا يمكن الحكم بوثاقته((5)).

وفيه أيضاً: أحمد بن سلامة، ومحمد بن الحسن العامري، وأبومعمّر، والفجيع العقيلي: ولم يذكروا بشي ء.

وفيه أيضاً: أبو بكر بن عيّاش: ذكره البرقي في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وقال عنه: كوفي، عامي((6)). وعليه فالسند ضعيف .

ص: 437


1- - رجال النجاشي: 122/313.
2- - رجال الطوسي: 418/6037.
3- - رجال النجاشي: 348/ 939.
4- - فهرست الطوسي: 222/ 622.
5- - راجع: معجم رجال الحديث 5 : 87/ 2288.
6- - رجال البرقي: 43.

[285] 13 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) - قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ. يَا أَبَا ذَرٍّ، إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ(1) بِأَمَلِكَ؛ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكَ، وَلَسْتَ بِمَا بَعْدَهُ. يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ»(2).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على استحباب اغتنام المؤمن خمس حالاتٍ موهوبة له قبل تبدّلها إلى أضدادها:

منها: زمن الشباب في عمل الخير والمبادرة إليه قبل أن يحلّ الهرم؛ فإنّ الهرم - وهو شدّة الكِبَر - مانع من فعل كثير من الخيرات التي لا يمكن الإتيان بها إلّا في زمن القوة والشباب والنشاط. وأمّا زمان الهرم فهو زمان انحلالالقوى وقلّة النشاط وانحراف المزاج، فلا يمكن الإتيان بكثير من الطاعات

ص: 438


1- التسويف: التأخير. من قولك: سوف أفعل. (كتاب العين 7 : 309 ، مادة: سوف).
2- أمالي الطوسي: 525 - 526، ح1162.
3- يأتي في الباب 2 والباب 9 من أبواب فعل المعروف.

البدنيّة، التي لا بد فيها من قوّة الشباب والنشاط واعتدال المزاج.

وكذا الكلام في بقيّة الفقرات؛ فإنّ السقم والفقر والشغل والموت موانع قويّة من فعل كثير من الخيرات والعبادات، فلا ينبغي تفويت الغنيمة - وهي الخير والعبادة - بالتأخير؛ فإنّ هذه الموانع وغيرها بالمرصاد. ولذا حذّر(صلی الله علیه و آله و سلم) أبا ذر عن التسويف، وتأخير الخيرات بسبب طول الأمل؛ فلعلّه أمل كاذب وظنّ خائب؛ فإنّ الإنسان في يومه الحاضر، ويمكنه الإتيان بالخير فيه، وليس هو فيما بعده من الأيام؛ إذ لا وثوق بالحياة ولا بالصحة ولا بغيرهما ممّا يعين على الإتيان بالخير.

ونهاه أيضاً عن طول الأمل، فإذا أصبح فلا يحدّث نفسه بالمساء؛ فإنّه طول أمل وتسويف، فليقصّر أمله، وليغتنم هذه الفترة الزمنيّة في الإكثار من فعل الخير؛ إذ لعلّه لا يمتدّ به العمر إلى المساء. وكذا إذا أمسى فلا يحدّث نفسه بأنّه سيبقى إلى الصباح.

سند الحديث:

قد تقدّم الكلام في السند مفصّلاً في الحديث الثامن من الباب الخامس.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة عشر حديثاً، ثلاثة منها غير معتبرة، والبقيّة معتبرة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من الباب أمور:

1 - استحباب تعجيل الخير، وكراهة تأخير فعله، إلّا ما استثني.

ص: 439

2 - أنّ اللَّه ثقّل الخير على أهل الدنيا بالموانع، ويكون الخير ثقيلاً في موازين الحسنات يوم القيامة، لأجل صعوبة الإتيان به.

3 - أنّ اللَّه خفّف الشرّ على أهل الدنيا بعدم الموانع منه، فيكون خفيفاً في ميزانهم يوم القيامة.

4 - أنّ من افتتح نهاره بخير وختمه بخير غفر الله له ما بينهما، إن شاء اللَّه.

5 - أنّ اللَّه يحبّ من الخير ما يعجّل، إلّا ما استثني.

6 - أنّ الاستعجال بالخير قد يوجب المغفرة بعده أبداً.

7 - أنّ عدم الانتهاء عن المعصية التي يهمّ بها العبد قد يوجب عدم الغفران بعدها أبداً.

8 - أنّ الاستعجال بالعبادة يوجب العتق من النار.

9 - أنّ الاستعجال بالعبادة قد يوجب أن لا يكتب عليه شي ء أبداً.

10 - أنّ موانع فعل الخير كثيرة، منها: الهرم، والسقم، والفقر، والشغل، والموت، وشيطانان عن يمين العبد وشماله يكفّانه عن عمل الخير.

11 - أنّ أوّل الوقت في العبادات الموقّتة أبداً أفضل، فينبغي تعجيل الخير بقدر المستطاع.

12 - استحباب التعجيل في أمور الآخرة، واستحباب التأنّي في أمورالدنيا.

ص: 440

28 - باب عدم جواز استقلال شي ء من العبادة والعمل استقلالاً يؤدي إلى الترك

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

28 - باب عدم جواز استقلال شي ء من العبادة والعمل استقلالاً يؤدي إلى الترك

النهي عن اسقلال العبادة قبل العمل لا بعده

شرح الباب:

إنّ أحد مقاصد الشريعة المقدّسة هو أن يستمرّ المؤمن في عبادته، ويستكثر منها، ما لم تؤدّ إلى الملل منها وكراهتها. ولذا ورد الترغيب الكثير جدّاً في سائر أنواع العبادات، ممّا يشكّل دافعاً قويّاً إلى الإتيان بما أمكن منها على تنوّعها.

كما ورد التحذير أيضاً من كلّ ما يُشكّل عائقاً عن أدائها، كما سبق - على سبيل المثال - في الباب السابق، وهذا الباب بمثابة تتمّة للباب السابق، فهو يُعنى بالتعرّض لمانع آخر يؤدّي إلى ترك العبادة غالباً، وهو استقلال العبادة التي يعزم المرء على الإتيان بها، فينبغي له أن يأتي بها وإن كانت قليلة؛ فإنّ اللَّه يضاعف ثوابها.

والمراد من الاستقلال المنهيّ عنه في هذا الباب وغيره هو: استقلال العبادة قبل فعلها؛ فإنّه يدعو صاحبه إلى تركها غالباً. وأمّا استقلال العمل بعد فعله والاعتراف بالتقصير فيه فقد سبق: أنّ أثره يكون على العكس؛ فإنّ

ص: 441

[286] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ بَشِيرِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَلا تَسْتَقِلَّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ شِقَّ تَمْرَةٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

استقلال العمل والاعتراف بالتقصير فيه بعد إنجازه يخلق دافعاً قويّاً إلى الاستزادة منه كمّاً وكيفاً.

وعدم الجواز هنا هو عدم الجواز بالمعنى الأعم، فيكون استقلال العمل مكروهاً إذا كان العمل مستحبّاً، وحراماً إذا كان واجباً.

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على النهي عن استقلال كلّ عمل يتقرّب به إلى اللَّه قبل فعله، فإنّ الفعل المضارع يكون للحال أو الاستقبال، لا أنّه للماضي، فتعيّن أن يكون الاستقلال المنهي عنه هو الاستقلال السابق على العبادة. فلا ينبغي للمؤمن أن يحقّر أي عمل قربيّ، مهما صغر، ولو كان ذلك العمل صغيراً جدّاً، كالتصّدق بشقّ تمرة، أي: بنصفها.

سند الحديث:

قد تقدم رجال الحديث، والسند معتبر.

ص: 442


1- الكافي 2 : 142، باب تعجيل فعل الخير ، ح 5.

[287] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ محمّد بْنِ مَارِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : حَدِيثٌ رُوِيَ لَنَا أَنَّكَ قُلْتَ: إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَقَالَ: «قَدْ قُلْتُ ذَلِكَ»، قَالَ: قُلْتَ: وَإِنْ زَنَوْا أَوْ سَرَقُوا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ؟ فَقَالَ لِي: «إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! وَاللَّهِ، مَا أَنْصَفُونَا أَنْ نَكُونَ أُخِذْنَا بِالْعَمَلِ، وَوُضِعَ عَنْهُمْ. إِنَّمَا قُلْتُ: إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ مِنْ قَلِيلِ الْخَيْرِ وَكَثِيرِهِ؛ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْكَ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

معني (إذا عرفت فاعمل ما شئت)

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ العارف - وهو من اعتقد بولاية النبي والأئمة (علیهم السلام) - يقبل اللَّه منه العمل وإن قلّ، فلا ينبغي استقلال أي عمل قربيّ، وإن كان قليلاً واقعاً.

وفي الحديث ردّ على بعض الصوفيّة القائلين: بأنّ من بلغ في المعرفة حدّ الكمال - على حدّ زعمهم - سقطت عنه التكاليف. فهم يستحلون بعد هذا الزعم جميع المحرمات ويتركون كلّ الواجبات؛ ولذا استرجعالإمام (علیه السلام) ، وبيّن أن المراد من الحديث الذي رووه من أنه «إذا عرفت فاعمل ما شئت» هو أنه: إذا اعتقدت بولاية الأئمّة (علیهم السلام) فاعمل ما شئت من الخير، قليلاً كان أو كثيراً؛ فإنه يقبل منك على كلّ حال. فالمعرفة وإن

ص: 443


1- 1*) الكافي 2 : 464، باب أنّ الإيمان لا يضرّ معه سيّئة...، ح 5.

كانت أساس العبودية لله تبارك وتعالى إلّا أنّ العمل أيضاً ركن فيها؛ ولذا فإن العمل لازم حتّى على من تجب على العباد معرفته، وهم النبي والأئمة والصديقة الطاهرة (علیهم السلام)

وإنما يقبل العمل على كلّ حال، قليلاً أو كثيراً، لتوفر شرط المعرفة، أي: معرفة الحق. وقد أوضح الإمام (علیه السلام) أنّ ما رووه عنه (علیه السلام) مبتور، ومغيّر لمراده.

سند الحديث:

في السند: محمّد بن مارد: قد قال عنه النجاشي: محمد بن مارد، التميمي، عربي صميم، كوفي، خَتَن محمّد بن مسلم، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة، عين، له كتاب يرويه الحسن بن محبوب ((1)).

وتقدّمت ترجمة غيره، وفيه إرسال؛ ولكن يمكن تصحيحه من جهة محمد بن مارد؛ حيث إن ابن محبوب يروي كتابه((2)

ومن جهة عبيد بنزرارة؛ لأن كتابه معروف((3))، وكذلك ورد في رواية الحسين بن سعيد. هذا كله بناءً على أن يكون الحديث مذكوراً في كتبهم.

ص: 444


1- - رجال النجاشي : 357/958 .
2- - المصدر نفسه.
3- - المصدر نفسه: 233/618.

[288] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ محمّد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ محمّد بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «تَصَدَّقْ بِالشَّيْ ءِ وَإِنْ قَلَّ؛ فَإِنَّ كلّ شَيْ ءٍ يُرَادُ بِهِ اللَّهُ وَإِنْ قَلَّ - بَعْدَ أَنْ تَصْدُقَ النِّيَّةُ فِيهِ - عَظِيمٌ. إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يستقلّ العبادة قبل أن يأتي بها؛ فإنّه يؤدّي إلى الترك بسبب استصغارها، بل ينبغي له أن يأتي بها، وإن كانت قليلة، كالتصدّق بنصف تمرة؛ فإنّ كلّ شي ء يراد به اللَّه خالصاً عظيم في نفسه؛ لأنه منسوب إلى العظيم تبارك وتعالى، واللَّه سبحانه وتعالى يضاعف ثواب هذا القليل. وقد استدلّ الإمام (علیه السلام) على ذلك بقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاًيَرَهُ}((3)).

على أنّ من عمل عملاً فإنه يراه يوم القيامة، إن كان خيراً فجزاؤه خير، وإن كان شرّاً فجزاؤه شرّ، ولا يضيع عمل أحد.

ص: 445


1- الزلزلة، الآية 7 و8 .
2- الكافي 4 : 4 ، باب فضل الصدقة، ح 10. وفيه - بعد كلام - : «مُر الصبيَّ فليتصدَّق بيده بالكسرة والقبضة والشي ء وإن قلّ». ويأتي تمامه في الحديث 1 من الباب 4 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
3- - الزلزلة، الآية 7 و 8 .

[289] 4 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ «إِيَّاكُمْ

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

في السند: محمّد بن علي: والظاهر أنّه أبو سمينة المشهور بالكذب، وقد تقدّم.

وفيه: محمّد بن عمر بن يزيد (بيّاع السابري): الذي قال عنه النجاشي: محمد بن عمر بن يزيد، بيّاع السابري، روى عن أبي الحسن (علیه السلام) ، له كتاب ((1)

وكذا نحوه عن الشيخ في «الفهرست»((2)). روى عنه المشايخ الثقات((3)

وهو يكفي في وثاقته.

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على التحذير من الكسل في العبادة واستصغارها، الذي يؤدّي إلى تركها والاستخفاف بها. وهذا حثّ على الطاعة والعمل وإنْ قلّ. وفيه ترغيب في فعل الخير، وإن كان قليلاً ، كأداء ركعتين، أو التصدّق بدرهم، أو صيام يوم تطوّعاً، يُراد به وجه الله، فإنّ جزاء العامل هو الجنّة،

ص: 446


1- - رجال النجاشي: 364/981.
2- - فهرست الطوسي: 215/606.
3- - أصول علم الرجال 2 : 210.

وَالْكَسَلَ، إِنَّ رَبَّكُمْ رَحِيمٌ يَشْكُرُ الْقَلِيلَ. إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ تَطَوُّعاً يُرِيدُ بِهِمَا وَجْهَ اللَّهِ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِمَا الْجَنَّةَ، وَإِنَّهُ لَيَتَصَدَّقُ بِالدِّرْهَمِ تَطَوُّعاً يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَإِنَّهُ لَيَصُومُ الْيَوْمَ تَطَوُّعاً يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(2)2*).

وَرَوَاهُ فِي «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ(3)3*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْعُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ، مِثْلَهُ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

لأنّ اللَّه سبحانه رحيم بعباده، يشكر القليل.

فهذا الترغيب يتضمّن الاهتمام بفعل الخير وإن قلّ. ويدلّ على مرجوحيّة استقلال العبادة؛ فإنّ الاستقلال يؤدّي إلى الترك وعدم الأداء.

ص: 447


1- تهذيب الأحكام 2 : 238 ، ح 941 باختلاف يسير، وأورده في الحديث 8 من الباب 8 من هذه الأبواب، وفي الحديث 4 من الباب 12 من أبواب أعداد الفرائض.
2- 2*) من لا يحضره الفقيه 1 : 209 ، ح 631.
3- 3*) ثواب الأعمال: 39.
4- 4*) المحاسن 1 : 393 ، ح 880 .

سند الحديث:

قد أورد المصنف هذا الحديث بأربعة أسانيد:

الأول: ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمّد بن عليّ بن محبوب.

وقد سبق منّا ذكر إسناد الشيخ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب، وذكرنا أنّ أحد الطرق الثلاثة المذكورة صحيح.

وأمّا العباس: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ستة، وهم:

1 - العباس بن عامر القَصَبَاني.

2 - العباس بن معروف.

3 - العباس بن موسى الورّاق.

4 - العباس بن الوليد بن صبيح.

5 - العباس بن هشام الناشري.6 - العباس بن هلال.

ويبعد أن يراد به الأخير هنا؛ لأنّ له نسخة، ويروي عنه إبراهيم بن هاشم. وأمّا الباقون فكلّهم ثقات.

والظاهر أنّ المراد به هنا هو العبّاس بن معروف؛ لأنّ الراوي عنه هو محمّد بن عليّ بن محبوب، كما أنّه يروي عن عبد اللَّه بن المغيرة، دون الأخيرين.

وقد تقدّم في الباب الأول في الحديث التاسع والثلاثين توثيقه عن

ص: 448

النجاشي((1)).

وأمّا إسماعيل بن يسار: فقد تقدّم في الحديث الثامن من الباب الثامن، أنّه مشترك، وأنّه ينصرف إلى الهاشمي، وقد رجّحنا هناك وثاقته. وعليه فهذا السند معتبر.

الثاني: ما عن الصدوق مرسلاً.

الثالث: ما عن الصدوق أيضاً في «ثواب الأعمال»، عن محمّد بن الحسن... .

ورجاله قد تقدّموا جميعاً، والظاهر اعتبار هذا السند أيضاً.

الرابع: ما عن البرقي في «المحاسن»، عن أبيه... .ورجاله أيضاً قد تقدّموا جميعاً، والظاهر اعتبار هذا السند أيضاً.

ص: 449


1- - رجال النجاشي: 281/743.

[290] 5 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِيهِ: «إِذَا عَرَفْتَ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ»، وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ كلّ مُحَرَّمٍ؟ فَقَالَ: «مَا لَهُمْ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ! إِنَّمَا قَالَ أَبِي (علیه السلام) : إِذَا عَرَفْتَ الْحَقَّ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ مِنْ خَيْرٍ يُقْبَلُ مِنْكَ»(1) و(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلالة الحديث كدلالة الحديث الثاني، بل هذا الحديث أبلغ في الردّ والإنكار على بعض الصوفيّة من الحديث الثاني؛ حيث إنّ الإمام (علیه السلام) لعنهم.

سند الحديث:

في السند: فضيل بن عثمان: ويقال له الفضل أيضاً. قال عنه النجاشي: مولى، ثقة ثقة...، له كتاب يرويه جماعة ((3)).

وعدّه الشيخ المفيد من الرؤساء الأعلام، المأخوذ عنهم الحلال والحرام((4)).

ص: 450


1- معاني الأخبار: 181.
2- جاء في هامش المخطوط، (منه (قدس سره) ): «فيه ردّ على الصوفية القائلين بسقوط التكليف عند الكشف وكمال المعرفة، وقد تقدم مثله (ح 2) بهذا الباب أيضاً عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ».
3- - رجال النجاشي: 308/841..
4- - الرسالة العدديّة: - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 40 .

[291] 6 - وَفِي «الْخِصَالِ»، وَفِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، وَفِي كِتَابِ «إِكْمَالِ الدِّينِ»، عَنْ محمّد بْنِ عليّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ عَمِّهِ محمّد بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عليّ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ، فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِهِ؛ فَرُبَّمَا وَافَقَ رِضَاهُ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ. وَأَخْفَى سَخَطَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ، فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَتِهِ؛ فَرُبَّمَا وَافَقَ سَخَطُهُ (مَعْصِيَتَهُ)(1) وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ. وَأَخْفَى إِجَابَتَهُ فِي دَعْوَتِهِ، فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ شَيْئاً مِنْ دُعَائِهِ؛ فَرُبَّمَا وَافَقَ إِجَابَتَهُ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ. وَأَخْفَى وَلِيَّهُ فِي عِبَادِهِ، فَلا تَسْتَصْغِرَنَّ عَبْداً مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ(2)؛ فَرُبَّمَا يَكُونُ وَلِيَّهُ وَأَنْتَ لا تَعْلَمُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»((4))، وروى عنه المشايخ الثقات((5)).وعليه فالسند معتبر.

أن الله إخفی أربعة في أربعة

[6] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على النهي عن استصغار شي ء من الطاعة أو المعصية أو

ص: 451


1- ليس في المصدرين الأخيرين.
2- في المصدر: من عباد.
3- الخصال: 209 ، ح 31، ومعاني الأخبار: 112 ، ح 1، وإكمال الدين: 296 ، ح 4.
4- - أصول علم الرجال 1 : 233.
5- - المصدر نفسه 2 : 206.

الدعاء أو عبد من عباد اللَّه؛ لأنّ اللَّه عزوجلّ أخفى رضاه في طاعته، وربما وافق المأتيّ به من الطاعة رضا اللَّه تعالى، بلا فرق بين كونه صغيراً أو كبيراً. وإذا وافق رضا الله تعالى استحق الثواب بمقتضى الوعد الإلهي، كما في كثير من الأحاديث وقد تقدّم بعضها.

وأخفى سخطه في معصيته، وربما وافق سخطه المعصية التي ارتكبها، وإن كانت صغيرة في تصوّر المقترف لها، فإذا وافقت المعصية سخط الله تعالى استحق العقاب، فإن شاء عذّبه عليها، وإن شاء عفا عنها بمقتضى الوعيد الإلهي.

وأخفى إجابته في دعوته فربما وافق الدعاء إجابة الله تعالى، فلا فرق بين دعاء طويل وآخر قصير، ولا غير ذلك من أنحاء الاختلاف.

وأخفى وليّه في عباده، فإنّ الأولياء لبعدهم عن حبّ الظهور - ولو بسيماء الأولياء - لا يكادون يتميزون عمّن سواهم، فربما يستصغر شخصٌ مؤمناً فيصادف أن يكون قد استصغر ولياً لله تعالى.

والحكمة الظاهرة في هذا الإخفاء هي جعل العبد يتوقع رضا اللَّه تعالى في كلّ خير، فيأتي به صغيراً كان أو كبيراً، ويتوقع سخط اللَّه في كلّ سيّئةيجترحها، فيجتنب عنها، صغيرة كانت أو كبيرة، ويؤمّل إجابته تعالى للدعاء كيفما كان، فلا يتركه. ويعرف أنّ العبد قد يكون وليّاً من أوليائه تعالى، فيكنّ الاحترام لكل مؤمن، وإن لم يشتهر بكونه من الأولياء.

وقد ورد في الحديث: «من أهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة،

ص: 452

ودعاني إليها»((1))، فقد نسب سبحانه المحاربة إلى نفسه؛ تعظيماً لشأن الولي، وتفخيماً لمرتبته عنده، بحيث تصبح محاربته محاربة للَّه.

والفائدة من هذا النهي والتحذير عن الاستهانة والاستخفاف هي الحثّ الأكيد على الإتيان بجميع العبادات التي يمكنه الإتيان بها، بلا تفريق بين صغيرها وكبيرها. وهذا إنّما يتمّ إذا لم يستصغر العبد بعض العبادات ويستخفّ بها؛ فإنّ الاهتمام بها جميعاً يؤدّي إلى الإتيان بما أمكن منها، كما أنّ الاستصغار لبعضها يؤدّي إلى الترك لهوانها في نفسه .

ومن هذا يتّضح الكلام في بقيّة فقرات الحديث.

سند الحديث:

في السند: القاسم بن يحيى: وهو وإن لم يرد فيه شي ء، إلّا أن الصدوق (قدس سره) ذكر في ذيل ما رواه في زيارة الحسين (علیه السلام) : أنّها أصحّالزيارات عنده من طريق الرواية((2))، ومقتضى ذلك: أنّه ثقة؛ لوجوده في هذا السند. وأيضاً ورد في كتاب «نوادر الحكمة»((3)).

وفيه: الحسن بن راشد: ولم يرد فيه شي ء أيضاً، إلّا أنّه مولى لبني العباس، وكان وزيراً للمهدي وهارون وموسى، وقد وقع أيضاً في سند هذه

ص: 453


1- - معاني الأخبار: 19 ، باب معنى رضا الله عزّوجلّ وسخطه، ح 2 .
2- - من لا يحضره الفقيه 2 : 598 ، ذيل الحديث 3200 .
3- - أصول علم الرجال 1 : 234 .

[292] 7 - وَفِي «الْعِلَلِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ خَالِهِ محمّد بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ (علیه السلام) ، أَنَّهُ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ: «يَا محمّد ابْنَ مُسْلِمٍ، لا يَغُرَّنَّكَ النَّاسُ مِنْ نَفْسِكَ؛ فَإِنَّ الأَمْرَ يَصِلُ إِلَيْكَ دُونَهُمْ، وَلا تَقْطَعَنَّ(1) النَّهَارَ عَنْكَ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ مَعَكَ مَنْ يُحْصِي عَلَيْكَ، وَلا تَسْتَصْغِرَنَّ حَسَنَةً تَعْمَلُهَا(2)؛ فَإِنَّكَ تَرَاهَا حَيْثُ (تَسُرُّكَ، وَلا تَسْتَصْغِرَنَّ سَيِّئَةً تَعْمَلُ بِهَا؛ فَإِنَّكَ تَرَاهَا حَيْثُ)(3) تَسُوؤُكَ، وَأَحْسِنْ؛ فَإِنِّي

-----------------------------------------------------------------------------

الزيارة، مضافاً الى أنه وقع في «تفسير القمي»((4)) و«نوادر الحكمة»، ولا يعتمد على تضعيف ابن الغضائري إياه؛ لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه. ومقتضى ذلك وثاقته أيضاً. وعليه فالسند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على النهي عن اتّباع تسويلات شياطين الإنس التي تخدع المؤمن في الأمور الراجعة إلى النفس، فتحسّن القبيح عنده وتقبّح الحسن،

ص: 454


1- في المصدر: تقطع.
2- وفيه: تعمل بها.
3- ما بين القوسين ليس في المصدر.
4- - أصول علم الرجال: 217 ، 278.

لَمْ أَرَ شَيْئاً قَطُّ أَشَدَّ طَلَباً وَلا أَسْرَعَ دَرْكاً مِنْ حَسَنَةٍ مُحْدَثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِيمٍ»(1)1*).

الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عليّ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وأنّ نتيجة تلك الخدع إنّما يصل أثرها له، لا لهم؛ لأنه هو الخاسر والمضيّع بعد أن انخدع بكلامهم.

ويدلّ أيضاً على النهي عن قضاء النهار فيما لا يعود على النفس بالفائدة؛فإنّ الإنسان ليس بمتروك سدى؛ لأنّ معه من يحصي عليه ما يعمل. والمراد به: إمّا الملائكة الموكّلون بكتابة الحسنات والسيئات، أو الباري سبحانه وتعالى نفسه، أو الجميع؛ فإنّه سبحانه المطّلع على جميع تصرّفات العبد وحركاته وسكناته، بل وخلجات نفسه، وما انطوى عليه ضميره، وقد أخفى اللَّه عزّوجلّ بعض ذلك عن ملائكته، فلا يطّلع عليه سواه سبحانه؛ تكرّماً منه ورحمة، كما دلّت عليه الأحاديث والأدعية الشريفة((3)).

ص: 455


1- 1*) علل الشرائع2 : 599 ، ب385، ح 49.
2- 2*) الزهد: 16 ، ح 31.
3- - الكافي 2 : 184، باب المعانقة، ح2، وبحار الأنوار 92 : 164، ب 105 الأدعية لقضاء الحوائج...، ذيل ح17. وهذا المقطع من دعاء كميل: «وكل سيئة أمرتَ بإثباتها الكرام الكاتبين... وبرحمتك أخفيته، وبفضلك سترته. (مصباح المتهجد: 849) .

ويدلّ الحديث أيضاً على النهي عن استصغار الحسنة؛ فإنّ جزاء الحسنة يظهر يوم القيامة، ولو كانت صغيرة، وكذا الكلام في السيئة.

ويدلّ أيضاً على الأمر بالإحسان إلى النفس باكتساب الحسنات؛ فإنّ الحسنة المحدثة أشدّ طلباً للذنب القديم، فتمحو أثره، وأسرع شي ء دركاً له.

وأثرها عظيم في ذلك اليوم الذي يتشبث فيه الإنسان بكل ما ينجيه، وإن كان قليلاً، والحسنات وإن قلّت يُسرّ بها الإنسان ذلك اليوم لتأثيرها في ثقل الميزان.

وفي هذا من الترغيب في فعل الخير الشيء الكثير.

البحث في محمد بن سلیمان

سند الحديث:

أورد المصنف هذا الحديث بسندين:

أولهما: ما ذكره الصدوق في «علل الشرائع».

وفيه: عبد اللَّه بن الفضل: وقد قال عنه النجاشي: أبو محمد، النوفلي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة، له كتاب، رواه عنه محمّد بن أبي عمير((1)).

وروى عنه المشايخ الثقات((2)) .

وفيه أيضاً: محمّد بن سليمان: وهو مشترك بين جماعة، والمشهور

ص: 456


1- - رجال النجاشي: 223/585.
2- - أصول علم الرجال 2 : 200 .

منهم بحسب الطبقة والكتاب اثنان:

1 - محمّد بن سليمان الأصفهاني: قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب»((1)).

2 - محمّد بن سليمان البصري الديلمي: قال عنه النجاشي: ضعيف جدّاً، لا يعوّل عليه في شي ء، له كتاب ((2)) . وقال الشيخ في موضع من «الرجال»: له كتاب، يرمى بالغلو. وفي موضع آخر: بصري، ضعيف ((3)).لكنّه ورد في «النوادر»((4)) ، فيعارض تضعيف النجاشي والشيخ.

ويحتمل أنّ المراد هنا غير المعروفين، نحو: محمّد بن سليمان النوفلي، وهو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وكان محبوساً في زمان مناظرة هشام بن الحكم في محضر هارون، ولمّا وصله خبر قول هشام بعد أن حوصر في الكلام في وجوب طاعة الإمام في الخروج على الظالم، قال: ترى هشاماً ما استطاع أن يعتل؟ ((5)). وعليه فالرجل ممدوح، وباقي أفراد السند قد تقدّم شرح حالهم.

ص: 457


1- - رجال النجاشي: 367/994.
2- - رجال النجاشي: 365/ 987.
3- - رجال الطوسي: 343/ 5109، و363/ 5389، وكلمة «ضعيف» من زيادة بعض النسخ كما في الهامش.
4- - أصول علم الرجال 1 : 237 .
5- - اختيار معرفة الرجال 2 : 538 .

[293] 8 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ محمّد بْنِ حَكِيمٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ عليّ (علیه السلام) : اعْلَمُوا أَنَّهُ لا يَصْغَرُ مَا ضَرَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يَصْغَرُ مَا يَنْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكُونُوا فِيمَا أَخْبَرَكُمُ اللَّهُ كَمَنْ عَايَنَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وثانيهما: ما في كتاب «الزهد».وفيه: عبد اللَّه بن يزيد: ولم يذكر بشي ء.

وفيه أيضاً: علي بن يعقوب: والظاهر أنّه علي بن يعقوب بن الحسين الهاشمي، ولم يذكر بشي ء.

ويمكن تصحيح هذين السندين بالقول: بأنّ ابن أبي عمير من المشايخ الذين لا يروون إلّا عن ثقة. وهو أيضاً مع فضالة من أصحاب الإجماع، فيصحّ ما صحّ عنهما.

تصحیح سندي الحدیث السابع

[8] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ ما يضرّ الإنسان من الأعمال السيئة لا تكون صغيرة يوم القيامة، كما أنّ ما ينفع الإنسان من الأعمال الحسنة لا تكون صغيرة يوم القيامة، فكل ما يضّر يوم القيامة أو ينفع لا يعدّ صغيراً.

وهذا تحذير من اقتراف الذنوب حتّى صغيرها؛ فإنّها لا تكون صغيرة يوم القيامة؛ لأنّها معصية للمولى الأكبر عزّوجلّ، ولا يُنظر فيها إلى المعصية

ص: 458


1- المحاسن 1 : 387 ، ح 861.

نفسها، بل يُلاحظ فيها مَن عُصي. ففي هذا الكلام من التحذير - المصدّر ب- «اعلموا» الدالة على أهمّيّة ما بعدها - ما يجعل العاقل منتهياً عن كلّ ما دقّ وصغر من الأعمال التي تضرّه في يوم القيامة لسوء عاقبتها.

وفيه ترغيب في فعل الحسنات، وإن صغرت؛ فإنّها لا تكون صغيرة يوم القيامة؛ لأنّ اللَّه سبحانه يضاعف العمل الحسن للعبد بأضعاف كثيرة؛ تفضّلاً منه، كما سبق. ففي هذا الكلام من الترغيب ما يدفع بالعاقل نحواكتساب كلّ عمل ينفع في يوم القيامة ترتّب رضا الله تعالى عنه، وإن صغر.

وسيأتي في الحديث الحادي عشر من الباب: أنّه سبحانه يضاعف عمل العبد بكل حسنة سبعمائة ضعف.

وفيه إلماح إلى أن العاقل لا ينبغي له أن يستصغر الأعمال سيّئها وحسنها.

وهذا الترغيب وذاك الترهيب ممّا أخبر به اللَّه عزّوجل، ولعلّه لذلك أمر الإمام (علیه السلام) بالتيقّن بهما، وأن يُصدّق بهما تصديق من عاين وشاهد الثواب والعقاب على الأعمال يوم القيامة. والمعاين لما كان متيقناً بما عاين يقيناً لا يشوبه أدنى شكّ يندفع نحو العمل وإن كان العمل صغيراً، كما أنه بمقتضى هذا اليقين الحاصل له يكفّ نفسه عن كلّ عمل سيئ؛ لأنه لن يكون صغيراً يوم القيامة.

سند الحديث:

في السند: ابن سنان: والظاهر أنّه محمّد بن سنان؛ لأنّه يروي عن محمّد بن حكيم، وقد تقدّم الكلام عنه.

ص: 459

[294] 9 - محمّد بْنُ الْحُسَيْنِ الرَّضِيُّ الْمُوسَوِيُّ فِي «نَهْجِ الْبَلاغَةِ»، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) ، أَنَّهُ قَالَ: «افْعَلُوا الْخَيْرَ، وَلا تُحَقِّرُوا مِنْهُ شَيْئاً؛ فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ، وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ؛ إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ أَهْلاًفَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وفيه أيضاً: محمّد بن حكيم: وهو الخثعمي. قال عنه النجاشي: روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، يكنّى أبا جعفر، له كتاب يرويه جعفر بن محمّد بن حكيم ((2)).

وورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)

فهو ثقة، لكن السند مرسل.

[9] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على رجحان فعل الخير، والنهي عن استصغار شي ء منه، وعلّل ذلك بأنّ صغير الخير كبير، وقليله كثير، ولعلّ ذلك باعتبار مضاعفة ثوابه.

ويدلّ أيضاً على النهي عن الاستخفاف بفعل بعض الخيرات، والقول بأنّ

ص: 460


1- نهج البلاغة 4 : 99، الحكمة: 422 .
2- - رجال النجاشي: 357/ 957.
3- - أصول علم الرجال 1 : 236، و ج2 : 209 .

غيري أحقّ وأولى بفعل الخير الفلاني منّي؛ فإنّ من يقول ذلك يحرم نفسه من ذلك الخير، بالإضافة إلى ترسيخ روح التخاذل عن المكرمات في النفس، وهو أمر مرغوب عنه، وقد جاء الترغيب والحثّ على العمل هنا؛لنزع هذه الروح المدمّرة للنفس.

فإذا عرض للعبد فعل خيرٍ وتركه؛ استخفافاً به، فإن للخير أهلاً يعرفون قيمته، يقومون به عنه، وكذا إذا عرض له فعل شرٍّ وتركه، فإنّ للشر أهلاً، يقومون به عنه.

فعلى العاقل أن يخيّر نفسه بين أن يفعل ما إن تَرَكَه فَعَلَه غيرُه، وفاز بثوابه، وبالثناء الجميل من الناس عليه، وبين فعل ما إن تَرَكَه فَعَلَه غيرُه، وشقي بالعقاب الآجل، والذم العاجل.

وحيث إنّ الخير والشر من الأمور النسبيّة، فقد يترك بعض أهل الشرّ شرّاً فظيعاً لأشرّ منه، كما ترك المغيرة قتل حجر بن عدي لزياد بن أبيه، وقال: إنّه قد اقترب أجلي، ولا أُحبّ أن ابتدى ء أهل هذا المصر بقتل خيارهم؛ فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعزّ في الدنيا معاوية، ويذلّ يوم القيامة المغيرة ((1)) .

سند الحديث:

الحديث محكوم بالإرسال.

ص: 461


1- - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة 13 : 219، عن تاريخ الطبري.

[295] 10 - وَقَالَ (علیه السلام) : «قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ القليل من العبادات المستحبّة، التي يداوم العبد عليها خير من عبادات كثيرة منقطعة؛ بسبب الملل. وقد ورد في الدليل المعتبر عن أبي جعفر (علیه السلام) : «أحبّ الأعمال إلى اللَّه عزّوجلّ ما داوم عليه العبد، وإن قلّ»((2)).

والغرض: أنه بدوام القليل تدوم الطاعة والعبادة والعبوديّة، ويزداد الثواب شيئاً فشيئاً مع المداومة، ويكون أثرها في القلب أشد بسبب التكرار، كما أنّ احتمال مصادفتها لرضا اللَّه أكبر. هذا، وبالمداومة على العمل يتحقق التعرّض للنفحات الإلهية التي من صادفها زاد قربه من الله تعالى، وكان ثباته على طريق العبودية أشد. فيستحق بذلك ثواب الله تعالى والبُعد عن عذابه. بخلاف العبادة الكثيرة المنقطعة؛ فإنّ فيها انقطاعاً عن العبادة بسبب الترك، وبه ينقطع الثواب.

سند الحديث:

الحديث محكوم بالإرسال.

ص: 462


1- نهج البلاغة 4 : 103، الحكمة: 444 .
2- - الكافي 2 : 82 ، باب استواء العمل والمداومة عليه ، ح 2.

[296] 11 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي محمّد الْوَابِشِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا أَحْسَنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ ضَاعَفَ اللَّهُ عَمَلَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ}(1)» (2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على الترغيب في فعل الخير، وأنّ الحسنة يضاعفها اللَّه سبحانه إلى سبعمائة ضعف، وقد فسّر الإمام (علیه السلام) قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} بذلك.

بل دلّت بعض الأحاديث على أنّ المضاعفة للثواب لا تقف عند عشرة أضعاف أو سبعين أو سبعمائة، بل تفوق ذلك بكثير؛ فإنّ اللَّه واسع عليم،وقد ورد في بعضها الاستشهاد بهذه الآية الشريفة نفسها((3)).

ولا يخفى ما في هذا من الترغيب في فعل الخير، وإن قلّ؛ لما فيه من

ص: 463


1- البقرة، الآية 261.
2- أمالي الطوسي: 224 ، ح388.
3- - وسائل الشيعة 1 : 55 ، ب6 باب استحباب نية الخير ... ، ح112، وبحار الأنوار 93 : 345 ، ب46، وجوب صوم رمضان وفضله، ح9، والمحاسن 1 : 396 ، ب30، باب الإخلاص، ح887.

الثواب المضاعف.

سند الحديث:

في السند: أبو محمّد الوابشي: واسمه عبد اللَّه بن سعيد الوابشي، ذكره الشيخ في أصحاب أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) ((1))، وعدّه البرقي في «رجاله» أيضاً من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((2)).

وقد ورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)). وباقي أفراد السند قد تقدموا.

وعليه فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب أحد عشر حديثاً، خمسة منها معتبرة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من الأحاديث أمور، منها:

1 - النهي عن استقلال عمل الخير، ولو كان من قبيل التصدّق بشقّ تمرة.

2 - أنّ كلّ شي ء يراد به اللَّه فهو عظيم.

3 - أنّ اللَّه رحيم، يشكر القليل.

4 - النهي عن استصغار ما ينفع يوم القيامة.

5 - النهي عن استصغار ما يسرّ يوم الحسرة.

ص: 464


1- - رجال الطوسي: 232/ 3157 ، وكذا في الكنى: 325/4871 بعنوان «أبو محمّد الوابشي».
2- - رجال البرقي: 42.
3- - أصول علم الرجال 1 : 291 ، و ج2 : 222 .

6 - النهي عن استصغار شي ء من طاعة اللَّه؛ إذ ربّما وافق رضاه تعالى.

7 - أنّ صغير الخير كبير، وقليله كثير.

8 - أنّ الخير القليل المدوم عليه خير من الكثير المملول منه المنقطع.

9 - أنّ معنى «إذا عرفت فاعمل ما شئت» هو: عمل الخير، قليلاً كان أم كثيراً؛ فإنّه مقبول.

10 - أنّ اللَّه يضاعف عمل المؤمن سبعمائة ضعف.

11 - أنّ للخير أهلاً، فإن تركه العبد فعله أهله، واستحقّوا عليه الثواب، وحرم هو منه.

12 - الحثّ الأكيد على الإتيان بجميع العبادات التي يمكن للعبد الإتيان بها، بلا فرق بين صغيرها وكبيرها.

ص: 465

ص: 466

29 - باب بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة (علیهم السلام) واعتقاد إمامتهم

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

29 - باب بطلان العبادة بدون ولاية الأئمّة (علیهم السلام)

واعتقاد إمامتهم

شرح الباب:

أصل الدين هو ما اعتقدت به الإمامية

لا ريب في كون الدين الإسلامي ديناً واحداً، نزلت أحكامه من عند اللَّه سبحانه، وبلّغها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وما افترقت الفرق وتشعّبت المذاهب إلّا نتيجة لأسباب لا تخفى على المطّلع على تاريخ نشوء الفرق والمذاهب.

والمذهب الإمامي هو أصل الدين الثابت بالكتاب الكريم والسنّة القطعيّة والعقل السليم. وإنّما يقال له: المذهب؛ مسامحة ومماشاة مع أصحاب المذاهب الأخرى. فهو لا يشابه تلك المذاهب المبتدعة؛ لأنّها نتيجة آراء اجتهاديّة، ومبتدعات تستند إلى الهوى، بينما تجد المذهب الإمامي تابعاً لأئمة الحق المبلّغين لحقائق القرآن الكريم ومراداته، كما أرادها اللَّه سبحانه، والمبيّنين لتفاصيل السنّة النبويّة الشريفة، والحافظين لهما من التحريف والاندثار.

ولمّا كان الدين واحداً متمثلاً بالمذهب الإمامي، فمن الواضح أنّ غيره لا ينتمي إلى هذا الدين؛ لمخالفته له أصولاً وفروعاً. ومن الطبيعي أن لا تقبل اعتقادات معتقديه، كما هو واضح، ولا أعمالهم أيضاً؛ لمخالفتها غالباً

ص: 467

لما عليه الإماميّة، من حيث فقد الشروط أو الأجزاء، أو وجود الموانع.

وتعتبر الوَلاية أهم شرط لقبول العبادات؛ لما مرّ في الباب الأول وسيأتي هنا من أنّها المفتاح لسائر العبادات، و من لم يدخل إلى عبادة اللَّه والتقرّب إليه من باب الولاية فلا يقبل منه عمل. ومعنى هذا: أنّ كلّ من دخل من غير هذا الباب فإنما هو متّبع للشيطان وهوى النفس، وذلك هو الضلال المبين.

ولكنّ الكلام فيما إذا أتى بالعبادات مطابقة لما عليه الإماميّة، عدا الاعتقاد بإمامة الأئمّة (علیهم السلام) ووجوب طاعتهم، فهل تكون تلك الأعمال مقبولة، بمعنى: استحقاق الثواب عليها، أو بمعنى: سقوط الأمر الإلهي المتوجّه إليه، أو لا تكون مقبولة بأحد المعنيين أو بكليهما؟

دلت الأحادیث علی اشتراط قبول الأعمال بولاية النبي و الأئمة علیهم السلام

والذي دلّت عليه أحاديثنا التي جاوزت حدّ التواتر هو اشتراط الأعمال بولاية النبي والأئمة (علیهم السلام) ((1)

وأنّ من لم يحرز هذا الشرط فأعماله غير مقبولة، وعدم القبول هنا بمعنى الحرمان من الثواب عليها، وإن أتى بها على وفق المذهب الإمامي.

وعدم صحّة أعماله بهذا المعنى ممّا لا ريب فيه، بعد تطابق الروايات العديدة عليه.

إنّما الشأن في عدم الصحة بمعنى عدم سقوط الأمر عنه، كما إذا صلّى على ميّت - مثلاً - على وفق مذهب الإماميّة، فقد وقع ذلك مورداً للخلاف بين علمائنا.

ص: 468


1- - قد عقد لها في الكافي 1 : 185، باباً عنونه: باب فرض طاعة الأئمة (علیهم السلام) .

الأقوال:

ادعى بعضٌ لزوم اشتراط صحّة العبادات - بمعنى ما يلازم سقوط الأمر - بولاية الأئمّة الاثني عشر (علیهم السلام) ، والاعتراف بإمامتهم وخلافتهم عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو المعبّر عنه بالإيمان، فلا تصح العبادات بدونه، واستدلّ له بروايات الباب، التي تدل على نفي القبول.

وفَهِم أنّ نفي القبول فيها يرجع إلى عدم الإجزاء، وعدم سقوط الأمر، كما عن سيد «المدارك»((1))

واختاره صاحب «الحدائق»((2))، وهو المنسوب إلى غيرهما((3))، بل علّل بعضهم - كما عن «الجواهر» - البطلان بتعذّر نيّة القربة منه((4)).

ولكنّ المشهور على خلاف ذلك، فقد ادّعي أنّ نفي القبول يرجع إلى نفي الثواب أو القرب أو ارتفاع الدرجات، لا إلى عدم الإجزاء وسقوطالأمر؛ وذلك للمناقشة في دلالة أحاديث الباب، كما سيتّضح.

هذا كله إذا لم يستبصر المخالف. وأمّا إذا استبصر فسيأتي قريباً حكم قضاء عباداته التي مضت قبل استبصاره.

ص: 469


1- - المدارك 5 : 41 ، وجوب الزكاة على الكافر.
2- - الحدائق 10 : 5، اعتبار الإيمان في إمام الجماعة.
3- - مستند الشيعة 8 : 26، والغنائم 2 : 31، ومناهج الأحكام: 58، والمستمسك 11 : 7 ، وذخيرة المعاد 1 : ق3، 426.
4- - جواهر الكلام 3 : 39، وجوب الغسل على الكافر، و ج17 : 161، اعتبار الإسلام في الاعتكاف، و ج28 : 8، في مسألة وقف الذمي.

[297] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «كلّ مَنْ دَانَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَلا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ، فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَاللَّهُ شَانِئٌ لأَعْمَالِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ. وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ: أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وَأَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، قَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا، فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ، لا يَقْدِرُونَ ممّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ، ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ كلّ من أطاع اللَّه تعالى بعبادةٍ يكلّف فيها نفسه مشقّة، وليس له إمام من قبل اللَّه تعالى واختياره - سواء كان له إمام باختياره هو، أم لم يكن - فكل سعي له غير مقبول؛ لأنّ العمل للَّه تعالى لا يتصوّر إلّا بتوسّط هادٍ مرشد إلى دين اللَّه وشرائطه وكيفيّة العمل به، والعامل المعتمد برأيه أو بإمام اختاره لنفسه وإن قصد الصلاح في عمله واجتهد فيه، فإنّه يقع في الباطل، فيحصل انحراف عن الدين، وضلال عن الحق، فيضيعالعمل، ويخسر الكدح، كدأب الخوارج والعامة العادلين عن العترة الطاهرة، وإليهم

ص: 470


1- الكافي 1 : 183، باب معرفة الإمام والردّ إليه، ح 8 .

يشير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}((1))

و ((2)).

فمن يكون اللَّه شانئاً لأعماله ومبغضاً لأفعاله لوقوعها على خلاف إرادته سبحانه كيف يصح التقرّب منه؟! وهو ضالّ متحيّر في سلوكه؛ لعدم معرفته بالهادي له، وبذلك لا يقبل سعيه. والشنآن: بغض العمل، وهو لا يجتمع مع طلبه والأمر به، وتقرّب المكلف بفعله، فكل ذلك يدلّ على البطلان.

وذيل الحديث لا يقصر عن صدره في إفادة ذلك؛ فإنّ تشبيه أعمال المخالفين التي يعملونها، مثل الصوم والصلاة والصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وغير ذلك بالرماد - الذي هو في معرض الريح الشديدة في تشتته وعدم بقائه وثباته وعدم إمكان ردّه بعد ما طيّرته الرياح العاصفة - يفيد عدم انتفاعهم به من ناحية الثواب، وعدم صحته؛ فإنّ الصحة عبارة عن موافقة المأتيّ به للأمر.

ولا يعقل أن يوافق المأتيّ به الأمر من دون أن يترتب عليه ثواب؛ فإنّ الثواب لازم عقلاً لذلك، ولا يمكن تخلّفه في الحكمة.

مضافاً إلى وصفهم بأنّهم لا يقدرون يوم القيامة ممّا كسبوا من أعمالهم على شي ء ، فلا يرون له أثراً من الثواب، وذلك يعني ضلالهم مع حسبانهم أنّهم يحسنون صنعاً، وهو الضلال البعيد؛ لكونهم في غاية البعد عن طريق

ص: 471


1- - الكهف، الآيتان 103 و 104.
2- - شرح أصول الكافي 5 : 141.

[298] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «ذِرْوَةُ الأَمْرِ وَسَنَامُهُ وَمِفْتَاحُهُ وَبَابُ الأَشْيَاءِ وَرِضَى الرَّحْمَنِ الطَّاعَةُ لِلإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ. أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَهُ، وَصَامَ نَهَارَهُ، وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْ وَلايَةَ وَلِيِّ اللَّهِ فَيُوَالِيَهُ، وَيَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلالَتِهِ إِلَيْهِ، مَا كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ، وَلا كَانَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ بِالإِسْنَادِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحق. فقد شبّه أعمالهم في سقوطها وحبوطها - لبنائها على غير أساس من الإيمان باللَّه وبرسوله وبالأئمة (علیهم السلام) - بالرّماد المذكور في عدم إمكان الانتفاع به بعدما عصفت به الريح.

سند الحديث:

جميع أفراد السند تقدّم الكلام حولهم، والسند صحيح أعلائي.

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ طاعة الأئمّة (علیهم السلام) هي أرفع أنواع الطاعات من حيث المرتبة، وهي الموصلة إلى قرب الحق؛ لأنّ طاعتهم طاعته عزّوجلّ،

ص: 472


1- الكافي 2 : 18، باب دعائم الإسلام، ح 5.
2- المحاسن 1 : 447 ، ح 1034.

وطاعتهم هي الموجبة لامتثال الأوامر الإلهية، كما أرادها هو سبحانه وتعالى، وهي المفتاح لنيل جميع الخيرات الدنيويّة والأخرويّة، والدخول من بابها دخول في الدين الحق الذي ارتضاه الحق جلّ وعلا، وهي الموجبة لرضاه تعالى؛ لأنّها السبب في حصول العفو والمغفرة الإلهية، وهي العلة في نزول الرحمة، وكسب الدرجات العليّة، والدخول مع الصادقين (علیهم السلام) في جنات النعيم.

قال المولى المازندراني في «شرحه على اصول الكافي»: وهي - من حيث إنّها أرفع الطاعات مرتبة، وأسناها منزلة - كالذروة. ومن حيث إنّها توصل إلى المطلوب - وهو قرب الحق - كالسّنام. ومن حيث إنّها سبب للوصول إلى جميع الخيرات الدنيويّة والأخرويّة كالمفتاح. ومن حيث إنّ بها يتحقّق الدخول في الدّين ومعرفة قوانينه كالباب. ومن حيث إنّها توجبالمغفرة والرحمة والدرجات العالية رضاء الرحمن ((1)) .

والضمير في قوله: «بعد معرفته» راجع إلى الإمام، أو إلى اللَّه تعالى، واستبعد المجلسي الثاني (قدس سره) رجوع الضمير إلى اللَّه تعالى((2)).

ولو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللَّه حتّى يواليه ويطيعه في أمره ونهيه، وتكون جميع أعماله بدلالته إليها، ما كان له على اللَّه حقّ في ثوابه، ولا كان من

ص: 473


1- - شرح أصول الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني 8 : 66.
2- - بحار الأنوار 23 : 295.

[299] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ محمّد ابْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يَأْتِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ حَسَنَةٌ، وَلَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُ عَنْ سَيِّئَةٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أهل الإيمان؛ لعدم شمول آيات الوعد له؛ لأنّ اللَّه سبحانه إنّما وعد المؤمنين الثواب بالجنّة، وهو ليس من المؤمنين، فلا يستحقّ الثواب بمقتضى الوعد أيضاً، وإن كان المؤمنون المحسنون أيضاً لا يستحقّون الثواب بمحض أعمالهم، لكن على اللَّه إثابتهم؛ بمقتضى وعده لهم.والحاصل: أنّ من كان هذا حاله لم تفده أعماله شيئاً في الآخرة، وهذا يساوق بطلان أعماله طرّاً.

سند الحديث:

قد تقدّم هذان السندان بعينهما في الحديث الثاني من الباب الأول، وقلنا هناك: إنّ السندين معتبران بلا إشكال.

[3] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ من لم يأت اللَّه عزّوجلّ يوم القيامة بولاية الأئمّة (علیهم السلام) لم يقبل اللَّه منه كلّ عمل خير عمِلَه في دار الدنيا، ولم يتجاوز

ص: 474


1- الكافي 8 : 34، مقامات الشيعة وفضائلهم، ح 6.

عنه أيّ عمل سيئ عمله فيها؛ لأنّ العمل للَّه تعالى لا يتصوّر إلّا بتوسّط هادٍ ومرشد إلى دينه وإلى شرائطه وكيفيّة العمل به، والعامل المستند إلى رأيه أو إلى إمام اختاره لنفسه - وإن قصد الصلاح في عمله واجتهد فيه - يقع في الباطل لا محالة، فيحصل انحراف من الدين وضلال عن الحق، فيضيع العمل، ويخسر الكدح، فلا يكون مورداً لثواب الله عز وجل، وحيث إنّه موردٌ لسخط اللَّه تعالى ولم يكن له شفيع فلا يقع مشمولاً لعفو اللَّه سبحانه وغفرانه عن سيّئاته.

سند الحديث:

في السند: محمّد بن سليمان: وقد سبق أنّه مشترك، والظاهر هنا: أنّه محمّد بن سليمان الديلمي؛ بقرينة روايته عن أبيه، وقد مرّ تعارض التوثيق والتضعيف فيه، ويمكن رفع التعارض بأن التضعيف راجع إلى مذهبه لأجل رميه بالغلو، والشاهد على ذلك: أنّ الشيخ ذكره في «الفهرست»((1)) و«الرجال»((2)) ولم يتعرض لضعفه.

وأمّا أبوه: فقد ضعّفه النجاشي بقوله: غمز عليه، وقيل: كان غالياً كذّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يعمل بما انفردا به من الرواية ((3)).

ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة» وفي «التفسير»((4))، فيأتي فيه ما أتى في ابنه من التعارض ورفعه.

ص: 475


1- - فهرست الطوسي: 138/327.
2- - رجال الطوسي: 216/2842.
3- - رجال النجاشي: 182/482.
4- - أصول علم الرجال 1 : 224 ، 281 .

[300] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) لِعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ: «اعْلَمْ أَنَّهُ لا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْكَ شَيْئاً حتّى تَقُولَ قَوْلاً عَدْلاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أن في السند ضعفاً لا ضير فيه من جهتهما، ولكن الإشكال من جهة اشتماله على سهل بن زياد، الذي عرفت تضعيفه سابقاً. ويمكنت صحيح الطريق بناء على القول بصحة ما في «الكافي»، كما مرّ مراراً.

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على: أنّ الله عزّ وجلّ لا يتقبل من العبد شيئاً من الأعمال وإن اشتملت على جهات الكمال حتّى يقول قولاً عدلاً مستقيماً. وهذا الخطاب وإن وجّهه الإمام (علیه السلام) لعبّاد بن كثير العامّي المرائي، إلّا أنّه غير خاصّ به، كما هو أوضح من أن يخفى. ولمّا كانت ألفاظ لسان عبّاد وأغلاط أقواله كثيرة، منها إنكاره الولاية للأئمة الطاهرين، نبّهه (علیه السلام) : بأنّ تزهّده وأعماله لا تنفعه بدون أن يستقيم لسانه، ويقول قولاً عدلاً مستقيماً، وهو الإقرار بالولاية.

بحث في إمكان روايته يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الصادق علیه السلام

سند الحديث:

في السند: يونس بن عبد الرحمن: والإشكال في إمكان روايته عن

ص: 476


1- الكافي 8 : 107، في الرد على من زعم أنّ الكمال كله في عفة البطن والفرج ، ح 81 .

أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ؛ حيث إنّ النجاشي قال: إنّه ولد في أيّام هشام بن عبد الملك، ورأى جعفر بن محمّد (علیهما السلام) بين الصفا والمروة، ولم يرو عنه ((1)) . ولكن الظاهر أنّ عمره عند استشهاد الإمام الصادق (علیه السلام) كان أربعاً وعشرين سنة، فيمكن له أن يروي عنه (علیه السلام) ، ولم يرد في الكتب الأربعة روايته عنه (علیه السلام) إلّا في هذه الرواية وإن وردت في موارد في غير الكتب الأربعة.ويحتمل أن يكون هناك سقط في السند.

وكيف كان: فقد ذكرنا في محلّه((2)): أنّ روايات يونس معتمدة، معوّل عليها، مضافاً إلى وجود الرواية في «الكافي»، فيمكن تصحيحها، وإن كان احتمال الإرسال موجوداً.

ص: 477


1- - رجال النجاشي: 446/ 1208.
2- - أصول علم الرجال 2 : 280.

[301] 5 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَاللَّهِ، لَوْ أَنَّ إِبْلِيسَ سَجَدَ للَّهِ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَالتَّكَبُّرِ عُمُرَ الدُّنْيَا مَا نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَلا قَبِلَهُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ، مَا لَمْ يَسْجُدْ لآِدَمَ، كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ. وَكَذَلِكَ هَذِهِ الأُمَّةُ الْعَاصِيَةُ الْمَفْتُونَةُ(1) بَعْدَ نَبِيِّهَا(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَبَعْدَ تَرْكِهِمُ الإِمَامَ الَّذِي نَصَبَهُ نَبِيُّهُمْ(صلی الله علیه و آله و سلم) لَهُمْ، فَلَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَمَلاً، وَلَنْ يَرْفَعَ لَهُمْ حَسَنَةً، حتّى يَأْتُوا اللَّهَ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ، وَيَتَوَلَّوُا الإِمَامَ الَّذِي أُمِرُوا بِوَلايَتِهِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَهُمْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

تقريب الاستدلال بالحديث: هو أنّه قد قرن فيه بين عمل إبليس وعمل من لا ولاية له، فكما أنّ عمل إبليس باطل؛ لأنّه غير مطلوب للمولى عزّوجلّ، فسجوده - ولو بلغت مدته عمر الدنيا مع معصيته لأمر اللَّه بالسجود لآدم - غير مطلوب، ولا ينفعه، فكذا عمل المخالف. وكأن مطلوب اللَّهتعالى هو الإتيان بالأعمال عن طريق ولاية آل محمّد (علیهم السلام) ، وإرشادهم،

ص: 478


1- الفتنة: الابتلاء، والامتحان، والاختبار. (لسان العرب 13 : 317، مادة «فتن).
2- الكافي 8 : 270، اختلاف الأصحاب بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، ح 399.

[302] 6 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «مَنْ لا يَعْرِفُ اللَّهَ وَمَا يَعْرِفُ الإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُ وَيَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، هَكَذَا وَاللَّهِ ضَلالاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وخلافه غير مطلوب، فلا يكون صحيحاً، ولأنّ العبادات التي لا تكون من الوجه الذي أمر اللَّه تعالى به لا تقرّب صاحبها إلى الكمال والسعادة، ولا إلى مقام القرب من الربّ تبارك وتعالى، الذي أمرهم أن يأتوه عن طريق أئمّة الهدى (علیهم السلام) ، وأمرهم أن يتولوا الإمام الذي أُمروا بولايته، ويدخلوا من باب علمه تعالى الذي فتحه جلّ وعلا، وفتحه رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم) للناس حتّى يأخذوا أحكام الله من الطريق الذي أمرهم به مع الاعتقاد بالولاية والاتباع حتّى يترتب على ذلك قبول الأعمال ورفع الحسنات.

والمراد من الإمام: جنس الإمام المنصوب من قبل الله تعالى للهداية، فيعم جميع الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) .

سند الحديث:

رجال الحديث تقدّم الكلام عنهم، والسند معتبر.

[6] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ المعيار في عبادة اللَّه عزّوجلّ هي معرفته ومعرفة

ص: 479


1- الكافي 1 : 181، باب معرفة الإمام والردّ إليه، ح 4.

الأئمّة من آل محمّد (علیهم السلام) ، فإنّهم الطريق إلى اللَّه، ومن لم يسلك الطريق ضلّ عن المقصد لا محالة، فيصبح عابداً لغير اللَّه، وفي أشد الضلال؛ إِذ إن من لا يعرف الله تعالى عن طريق أئمّة الهدى (علیهم السلام) فقد أخطأ معرفة الله تعالى؛ فإن المعرفة المستقاة من غير أهل البيت (علیهم السلام) هي معرفة شوهاء، ومجافية للحقيقة، ومشوبة بالتجسيم والتحديد لصفات الله عز وجل، وعدم تقديره حقّ قدره، فمثل هذا الشخص لا يعرف الله، ومعرفته تعلقت بشيء آخر غير الله، فيصدق عليه أنه يعرف غير الله، كما أن من لا يعرف أئمّة الهدى (علیهم السلام) ولم يأخذ عنهم الشريعة وتفاصيل العبادات وغيرها، فإنه في الحقيقة لا يعبد الله عز وجل؛ إذ الله تبارك وتعالى لم يأمره بتلك العبادة، فهو وإن أتى بصورة العبادة إلّا أنّها ليست عبادة لله تعالى، لكونها عن غير أمره، وهي عن أمر غيره تعالى، هذا إذا أتى بها تامة الأجزاء والشرائط، وإلّا فإنّ من لا يعرف أهل البيت (علیهم السلام) هو متّبع لغيرهم، فقد يخترع عبادات لم ينزل الله بها من سلطان، فهو مطيع لغير الله، وعابد له.

سند الحديث:

أحمد بن محمّد هو ابن عيسى، وابن محبوب هو الحسن بن محبوب، وجابر هو جابر الجعفي. والسند معتبر.

ص: 480

[303] 7 - وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نَجِيحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «النَّاسُ سَوَادٌ، وَأَنْتُمُ الْحَاجُّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

السواد: جماعة من الناس تراهم، ويقال: كثرت القوم بسوادي ونحوه((2)

وسواد الناس عامّتهم، وكلّ عدد كثير((3)). ويراد من الناس هنا في هذا الحديث وفي كثير من الأحاديث: العامة، فالناس: أي العامة سواد، أي: كثيرون، لكنهم لا يتصفون بكونهم حجاجاً؛ لعدم اعتقادهم بولاية الأئمة (علیهم السلام) . وينحصر وصف الحاج فيمن يعتقد بولاية الأئمة (علیهم السلام) .

وقد يدلّ الحديث على أنّ العمل بلا ولاية كلا عمل؛ فإنّ نفي الحج عن الخالي عن الولاية صريح في اشتراط العمل بالولاية، بعد إلغاء الخصوصيّة للحج.

سند الحديث:

ابن سماعة: هو الحسن بن سماعة، وأحمد بن الحسن: هو الميثمي

ص: 481


1- الكافي 4 : 523، باب النفر من منى ...، ح 12. ويأتي تمامه في الحديث 5 من الباب 9 من أبواب العود إلى منى.
2- - العين 7 : 282، مادة: «سود».
3- - الصحاح 2 : 492، مادة: «سود».

كما صرّح به الشيخ الكليني في «الكافي»((1)

قال النجاشي عنه: أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار، مولى بني أسد. قال أبو عمرو الكشي: كان واقفاً ... وقد روى عن الرضا (علیه السلام) وهو على كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه((2)).

وقال الشيخ في حقه: أبو عبدالله، مولى أسد، كوفي صحيح الحديث، سليم، روى عن الرضا (علیه السلام) ((3)

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: أحمد بن الحسن الميثمي، واقفي((4)).

وإسماعيل بن نجيح - وهو ابن رمّاح - : ليس له إلّا هذه الرواية في الكتب الأربعة، ولم يرد فيه شي ء. وعليه فالسند غير معتبر، إلّا على القول باعتبار روايات «الكافي».

ص: 482


1- - الكافي 4 : 523، باب النفر من منى الأول والآخر، ح12.
2- - رجال النجاشي: 74/179.
3- - فهرست الطوسي: 95/66.
4- - رجال الطوسي: 333/ 4950.

[304] 8 - وَعَنْ عليّ بْنِ محمّد (عَنْ عليّ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)(1)، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ، مَا للَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ حَاجٌّ غَيْرُكُمْ، وَلا يَتَقَبَّلُ إِلَّا مِنْكُمْ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على حصر الحاجّ في الموالين لأهل البيت (علیهم السلام) ، ومعناه: نفي الحج عن غيرهم، فهو على وزان نفي الصلاة عن غير المتطهّر، كما حصر القبول في المعتقد بولاية الأئمة (علیهم السلام) . فالحديث يدلّ على اشتراط الأعمال بالولاية، ولا خصوصيّة للحج في ذلك بحسب المتفاهم العرفي، بل يشمل ذلك مطلق العبادة.

سند الحديث:

عليّ بن محمد: هو علي بن محمد بن بندار، من مشايخ الكليني، وقد أكثر الرواية عنه، وتقدم أنه ثقة.

وأمّا عليّ بن العباس: فهو الجراذيني الضعيف. قال عنه النجاشي: عليبن العباس، الجراذيني، الرازي، رمي بالغلو، وغمز عليه، ضعيف جداً ((3)).

ص: 483


1- في المصدر: عليّ بن الحسن.
2- الكافي 8 : 288، فضل الشيعة ، ح 434.
3- - رجال النجاشي: 255/668.

وقال عنه ابن الغضائري: علي بن العباس، الجراذيني، أبو الحسن، الرازي، مشهور، له تصنيف في الممدوحين والمذمومين يدل على خبثه، وتهالك مذهبه، لايلتفت إليه، ولا يعبأ بما رواه ((1)).

وأمّا الحسن بن عبد الرحمن: فالمراد به الحماني. ورد له في «الكافي» و«الروضة» عدة روايات، ولم يرد في حقه شيء.

إذاً، السند في «الوسائل» يختلف مع ما في المصدر؛ فإن في «الكافي»: عنه، عن علي بن الحسن، عن منصور بن يونس. وكذلك في «المرآة». ولكن في «الوسائل» جعل «علي بن عباس، عن الحسن بن عبد الرحمن» بعد «علي بن محمد،» بين القوسين؛ ولعله إشارة إلى احتمال التعليق على السند السابق الذي فيه علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن، وهو الموافق لنسخة «الوافي» و«البحار» أيضاً((2))، ولا يبعد وقوع التصحيف في «الكافي»، وأن علي بن الحسن مصحّف علي عن الحسن. والمراد بعلي: هو علي بن العباس، وبالحسن: هو ابن عبدالرحمنكما ورد بهذا العنوان في موارد متعددة((3)). ولم ترد رواية علي بن الحسن عن منصور بن يونس. وعليه فالسند غير معتبر.

ص: 484


1- - مجمع الرجال للقهبائي 4 : 202.
2- - الوافي 3 : 942 ، باب ما نزل فيهم (علیهم السلام) وفي أعدائهم، ح1638، وبحار الأنوار 24 : 315، باب جوامع تأويل ما نزل فيهم (علیهم السلام) ونوادرها، ح19.
3- - الكافي 8 : 90، حديث الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان، ح1، و ج8 : 187، حديث قوم صالح (علیهم السلام) ، ح214، و ج8 : 285، حديث نوح (علیه السلام) ووصيّه، ح431.

[305] 9 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ محمّد ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : إِنَّ أَهْلَ الْمَوْقِفِ لَكَثِيرٌ، فَقَالَ: «غُثَاءٌ(1) يَأْتِي بِهِ الْمَوْجُ مِنْ كلّ مَكَانٍ. لا وَاللَّهِ، مَا الْحَجُّ إِلَّا لَكُمْ لا وَاللَّهِ، مَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ إِلَّا مِنْكُمْ»(2)2*).

وَرَوَاهُ الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

شبه (علیه السلام) غير الشيعة الإمامية بالغثاء. والغثاء هو: ورق الشجر البالي المختلط بزبد السيل، والجامع هو الخسة وعدم الأهمية في كلٍّ. فمن لايعتقد بولاية الأئمة (علیه السلام) وإن كثر عددهم فهم كالغثاء يأتي به الموج من كلّ مكان فيجتمع، وأهل الموقف من غير الامامية كذلك، والتشريف بالحج التام وتشريعه هو لمن يعتقد بولاية الأئمة (علیهم السلام) ؛ لوجود الشرط فيه، وهو الولاية، فهو الذي يتقبل منه دون غيره، ممن لم يتوفر فيه، وهم أراذل الناس.

ص: 485


1- الغثاء: الهالك البالي من ورق الشجر الذي إذا خرج السيل رأيته مخالطاً زبده ... يريد أرذال الناس وسقطهم. (لسان العرب 15 : 116، مادة: «غثا»).
2- 2*) الكافي 8 : 237 ، ح 318.
3- 3*) أمالي الطوسي 1 : 186، ح310.

وفي الحديث تنبيه على أن المدار في العمل على الولاية، وأن العمل الصادر عن الكثير لا يعني شيئاً في ميزان الأعمال.

سند الحديث:

قد أورد المصنف (قدس سره) الحديث بطريقين:

الأول: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة، عن معاذ بن كثير.

وفيه: حمّاد بن أبي طلحة: قال عنه النجاشي: حمّاد بن أبي طلحة، بيّاع السابري، كوفي، ثقة، له كتاب يرويه عنه جماعة ((1)).

وفيه: معاذ بن كثير: المتّحد مع معاذ بن مسلم، الثقة، كما مرّ نقل تصريح الصدوق (رحمه الله) بالاتّحاد في الحديث الثامن والثلاثين من الباب الأول.

وهذا الطريق وإن كان فيه سهل بن زياد الضعيف، إلّا أنه يمكن تصحيحه بجهتين:

الأولى: القول بصحة أحاديث «الكافي».

الثانية: أن كتاب حماد بن أبي طلحة، الثقة، مشهور، يرويه عنه جماعة((2))، وإذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة حينئذ إلى النظر في الطريق إلى كتابه.

ص: 486


1- - رجال النجاشي: 144/ 372.
2- - أصول علم الرجال 1 : 141.

[306] 10 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «مَا أَكْثَرَ السَّوَادَ»؟! يَعْنِي النَّاسَ، قُلْتُ: أَجَلْ، فَقَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ، مَا يَحُجُّ (أَحَدٌ)(1) للَّهِ غَيْرُكُمْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الثاني: ما رواه الطوسي في «الأمالي»، عن أبيه، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن محمّد بن يعقوب... .

وهذا الطريق كسابقه يأتي فيه الإشكال المتقدم، ويصحح بالوجه الثاني.

[10] - فقه الحديث:

تعجب الإمام (علیه السلام) من كثرة الناس لأجل التمهيد للمهم من الكلام، وهو التنبيه على أن العمل الصادر عن هذه الكثرة الكاثرة لا اعتبار به، وأن الحج الحقيقي لا يصدر إلّا ممّن يعتقد بولاية الأئمّة (علیهم السلام) . وأما غيرهم فإن حجهم ليس لله تعالى بعد أن لم يكن مطلوباً له سبحانه.

وعلى هذا فيدلّ الحديث على نفي الحج من غير الموالي للأئمة (علیهم السلام) ، وهو مساوق للبطلان. فيدلّ على اشتراط الولاية في العمل.

ص: 487


1- ليس في المصدر.
2- المحاسن 1 : 241 ، ح 444.

سند الحديث:

في السند ممّن لم يتقدم ذكره، وهو حمزة بن عبد اللَّه: أي حمزة بن عبد اللَّه الجعفري، ولم يرد فيه شي ء.

وأمّا الكلبي: فهو عمر بن أبان. قال عنه النجاشي: «عمر بن أبان، الكلبي، أبو حفص، مولى، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((1)). ويمكن تصحيح السند لمشهورية كتاب الكلبي، فلا حاجة إلى النظر في الطريق إليه.

وذكره الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) قائلاً: «مولى، أبو حفص،كوفي، أسند عنه»((2)).

وبما أن الكلبي كتابه مشهور فلا يحتاج إلى ملاحظة سنده.

وعليه: فيكون هذا السند ضعيفاً بجهالة حمزة بن عبدالله، إلّا أنّه يظهر من النجاشي أن جميل بن دراج - الواقع بعد حمزة بن عبدالله - له كتاب معروف ومشهور قد رواه جماعات من الناس، وطرقه كثيرة((3))، فإذا كان هذا الحديث مأخوذاً من كتابه المستقل لا من كتابه المشترك بينه وبين مرازم بن حكيم - كما هو الظاهر - فهو معتبر، ولا حاجة حينئذ إلى ملاحظة الطريق.

ص: 488


1- - رجال النجاشي: 285/759.
2- - رجال الطوسي: 253/3561.
3- - رجال النجاشي: 126/ 328، وأصول علم الرجال 1 : 136.

[307] 11 - وَعَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «يَا عَبَّادُ، مَا عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ، وَمَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا مِنْكُمْ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا لَكُمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ الثابتين على ملّة إبراهيم الخليل هم الموالونللأئمة (علیهم السلام) ، العارفون بحقهم، والسائرون على طريقتهم، والمستضيئون بنور ولايتهم، وأنّ اللَّه عزّوجلّ لا يقبل من أحد عملاً إلّا منهم، ولا يغفر الذنوب إلّا لهم. وهذا ظاهر في اشتراط الولاية في قبول الأعمال وغفران الذنوب.

سند الحديث:

في السند عباد بن زياد كما في المصدر (المحاسن)((2)) ، وكذا في بحار الأنوار((3)) نقلاً عن المحاسن، وكذا على ما أبتدا به السند في «شرح الأخبار»((4)) للنعماني، وهو بهذا العنوان لم يرد فيه توثيق. نعم، لو كان متحداً مع عبادة بن زياد - الذي قال عنه النجاشي: عبادة بن زياد الأسدي، الكوفي،

ص: 489


1- المحاسن 1 : 244 ، ح 451.
2- - المصدر نفسه 1 : 244، ح451.
3- - بحار الأنوار 65 : 89، باب أن الشيعة هم أهل دين الله ...، ح17.
4- - شرح الأخبار 3 : 484، ح1400.

[308] 12 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: قَالَ لَنَا عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) : «أَيُّ الْبِقَاعِ أَفْضَلُ؟»، فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَنَا: «أَفْضَلُ الْبِقَاعِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عُمِّرَ مَا عُمِّرَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ، أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، ثمّ لَقِيَاللَّهَ بِغَيْرِ وَلايَتِنَا، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ شَيْئاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ثقة، زيدي، له كتاب((2))

- فله حكمه، ويكون السند معتبراً. ولا يبعد الاتحاد؛ لأنّه قد ورد في موضعين من «الكافي» تارة بعنوان عباد((3))، وأخرى بعنوان عبادة((4)).

[12] - فقه الحديث:

سؤال الإمام (علیه السلام) عن أفضل البقاع على الأرض لتمهيد بيان عدم الانتفاع بالعبادة من دون الولاية، وهذا دالّ على الاشتراط؛ فإنّ من عمّر عمر نوح وعبد اللَّه في أفضل البقاع - وهي ما بين الركن والمقام - يصوم النهار ويقوم

ص: 490


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 245 ، ح 2313.
2- - رجال النجاشي: 304/ 830.
3- - الكافي 5 : 510 ، باب إكرام الزوجة، ح3.
4- - المصدر نفسه 5 : 337، باب ما يستحب من تزويج النساء عند بلوغهن وتحصينهن بالأزواج ، ح7، وص535، باب الغيرة، ح9.

وَفِي «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، مِثْلَهُ(1)1*).وَرَوَاهُ الطُّوسِيُّ فِي «مَجَالِسِهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ عُمَرَ الْجِعَابِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عليّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

الليل ولم يصدر منه ذنب، لم ينفعه ذلك شيئاً بدون الولاية، فكيف بسائر الناس؟!

سند الحديث:

أورد المصنف للحديث ثلاثة أسانيد:

الأول: سند الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى أبي حمزة الثمالي، وهو: عن أبيه، عن سعد بن عبداللَّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة((3)).والسند معتبر.

الثاني: فيه عاصم: وهو عاصم بن حميد الحنّاط، وقد تقدّم أنّه ثقة. والسند معتبر أيضاً.

ص: 491


1- 1*) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 204 ، ح 2.
2- 2*) أمالي الشيخ الطوسي 1 : 131.
3- - من لا يحضره الفقيه 4 : 444، المشيخة.

الثالث: فيه محمد بن عمر الجعابي: من مشايخ الصدوق (قدس سره) وهو من حفاظ الحديث وأجلاء أهل العلم، كما عن النجاشي((1))، وقال عنه الشيخ:أحد الحفاظ والناقدين للحديث((2))، وهذا يعني أنه في أعلى درجات الحسن.

وفيه: عبد اللَّه بن أحمد: وهو عبدالله بن أحمد بن المستورد على ما صرح به عماد الدين الطبري في «بشارة المصطفى»((3)

والمجلسي في «البحار»((4))، والسيد البروجردي في «جامع أحاديث الشيعة»((5)

وقد روى بهذا العنوان عن عبدالله بن يحيى الكاهلي في غير مورد من الروايات((6)

وهو لم يرد فيه شيء.

وفيه أيضاً: عبد اللَّه بن يحيى: قال عنه النجاشي: عبد اللَّه بن يحيى، أبو محمد، الكاهلي، عربي، أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكان عبد اللَّه وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام) ، ووصّى به عليّ بن يقطين، فقال [له]: «اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة»((7)) .

ص: 492


1- - رجال النجاشي: 394/ 1055.
2- - فهرست الطوسي: 229/ 655.
3- - بشارة المصطفى: 119.
4- - بحار الأنوار 27 : 172، باب أنّه لا تقبل الأعمال إلّا بالولاية، ح16.
5- - جامع أحاديث الشيعة 1 : 570 ، ح1007.
6- - أمالي الطوسي: 145، ح238، و198، ح388.
7- - رجال النجاشي: 221/580.

وفيه أيضاً: عليّ بن عاصم: وهو من أصحاب مولانا الجواد (علیه السلام) ، وبقي إلى زمان الغيبة. قال الشيخ يوسف البحراني في «كشكوله» ناقلاً عن«رسالة أبي غالب الزراري»: ... وكان عليّ بن عاصم شيخ الشيعة في وقته، ومات في حبس المعتضد ((1)).

تصحیح اشتباه في سند الحدیث الثانی عشر

وفي السند غلط؛ لأنّ الراوي عن أبي حمزة هو عاصم، لا عليّ بن عاصم؛ فإنّه لا يمكنه أن يروي عن أبي حمزة؛ لاختلاف الطبقة.

والسند وإن كان فيه محمّد بن عمر الجعابي وعبدالله بن أحمد المستورد، ولكن يمكن القول باعتباره من جهة أنّ كتاب عبدالله بن يحيى الكاهلي مشهور((2)).

ص: 493


1- - معجم رجال الحديث 12 : 67، ورسالة أبي غالب الزراري: 115، الفقرة [3].
2- - أصول علم الرجال 1 : 145.

[309] 13 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ كَرَّامٍ الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ أَبِي الصَّامِتِ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «يَا مُعَلَّى، لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللَّهَ مِائَةَ عَامٍ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، حتّى يَسْقُطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَيَلْتَقِيَ تَرَاقِيهِ هَرَماً، جَاهِلاً بِحَقِّنَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

يدلّ على أنّ الجاهل بولاية الأئمّة (علیهم السلام) ليس له ثواب على أعماله مطلقاً، ولو اجتهد في العبادة وعبد اللَّه مائة عام ما بين الركن والمقام، يصوم النهار، ويقوم الليل، حتّى يسقط حاجباه على عينيه من الهرم.

ونفي الثواب إنّما هو لعدم صحّة العمل، ولو صحّ العمل لم يتخلّف الثواب في الحكمة الإلهية، كما تقدّم.

سند الحديث:

في السند: عليّ بن موسى: وهو من مشايخ الكليني، تقدم ذكره في العدة الذين يروي عنهم الكليني، ولم يرد فيه توثيق.

ص: 494


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 204 ، ح 1، وفي بعض النسخ زيادة: «عمن ذكره» بعد «الوشاء».

والوشّاء: هو الحسن بن عليّ الثقة الجليل.

وكرّام الخثعمي: هو عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، الذي رجّحنا وثاقته فيما سبق.

وأمّا أبو الصامت: فلم يرد فيه توثيق، وأما وقوعه في «تفسير القمّي» فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه في القسم الثاني((1)).

وأمّا المعلّى بن خُنَيْس: فقد فصّلنا القول فيه في خاتمة «أصول علم الرجال»، وانتهينا إلى أنّه ثقة صدوق، وأنّ انحرافه غير ثابت، وهو من الأجلاّء الثقات((2)).والسند يمكن القول باعتباره من جهة أن كتاب معلى بن خنيس مشهور((3)).

ص: 495


1- - أصول علم الرجال 1 : 316.
2- - المصدر نفسه 2 : 438 - 447 .
3- - المصدر نفسه 1 : 149.

[310] 14 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عليّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُيَسِّرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ وَالْمَقَامِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ، وَذَاكَ حَطِيمُ إِسْمَاعِيلَ. وَوَاللَّهِ، لَوْ أَنَّ عَبْداً صَفَّ قَدَمَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقَامَ اللَّيْلَ مُصَلِّياً حتّى يَجِيئَهُ النَّهَارُ، وَصَامَ النَّهَارَ حتّى يَجِيئَهُ اللَّيْلُ، وَلَمْ يَعْرِفْ حَقَّنَا وَحُرْمَتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً أَبَداً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على عدم قبول عبادة من لم يعرف حقّ الأئمّة (علیهم السلام) - وهو أنهم أئمّة مفروضي الطاعة من الله تعالى - وحرمتهم، ولم يهتدِ بهديهم، ولم يستضئ بنور ولايتهم، وإنْ صفّ قدميه للعبادة ليلاً ونهاراً، موصلاً نهاره بليله، وليله بنهاره في أفضل البقاع، وهي ما بين الركن والمقام وباب الكعبة.

سند الحديث:

في السند: مُيَسِّر: وهو ميسّر بن عبد العزيز، النخعي، المدائني، بيّاع الزطي،مات في حياة أبي عبد اللَّه، وقيل: ميسر بفتح الميم. ذكره الشيخ في أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((2)).

ص: 496


1- ثواب الأعمال: 204 ، ح 3، وفي المصدر: «عن أبيه عقبة بن خالد» غير موجود.
2- - رجال الطوسي: 145/ 1581، و309/4572، و310/4590.

وروى الكشي: عن زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «رأيت كأنّي على رأس جبل، والناس يصعدون عليه من كلّ جانب، حتّى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء، وجعل الناس يتساقطون عنه من كلّ جانب، حتّى لم يبق عليه منهم إلّا عصابة يسيرة، يفعل ذلك خمس مرات، وكل ذلك يتساقط الناس عنه، وتبقى تلك العصابة عليه. أما أنّ ميسّر بن عبد العزيز وعبد اللَّه بن عجلان في تلك العصابة. فما مكث بعد ذلك إلّا نحواً من سنتين حتّى هلك صلوات اللَّه عليه.

وقال عليّ بن الحسن: إن ميسر بن عبد العزيز كان كوفياً، وكان ثقة»((1)). وعليه فلا إشكال في اعتبار السند.

ص: 497


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 512/444 ، و513/446 .

[311] 15 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ محمّد بْنِ حَسَّانَ السُّلَمِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ (علیه السلام) عَلَى النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم)، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، السَّلامُ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَمَا فِيهِنَّ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ وَمَا عَلَيْهِنَّ، وَمَا خَلَقْتُ مَوْضِعاً أَعْظَمَ مِنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَلَوْ أَنَّ عَبْداً دَعَانِي مُنْذُ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ ثمّ لَقِيَنِي جَاحِداً لِوَلايَةِ عليّ لأَكْبَبْتُهُ فِي سَقَرَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على اشتراط الولاية في قبول الأعمال؛ فإنّ من يلقى اللَّه جاحداً لولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) فمصيره في سقر، وأعماله لا تنفعه وإنْ عبد اللَّه في أعظم موضع حرمه - وهو الركن والمقام، أو ما بينهما على ما في بعض الأخبار - منذ أن خلق اللَّه السماوات والأرضين إلى يوم القيامة، ولو صحت أعماله لنفعته.

سند الحديث:

في السند: محمّد بن حسّان السُّلَمي: ولم يذكر في كتب الرجال.

ومحمد بن جعفر بن محمد: تقدّم أنّه لم يرد فيه توثيق.

وعليه فالسند غير معتبر.

ص: 498


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 210 ، ح 15.

[312] 16 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ محمّد بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُيَسِّرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «أَيُّ الْبِقَاعِ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا مُيَسِّرُ، مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ. وَوَاللَّهِ، لَوْ أَنَّ عَبْداً عَمَّرَهُ اللَّهُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَمَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ، يَعْبُدُهُ أَلْفَ عَامٍ، ثمّ ذُبِحَ عَلَى فِرَاشِهِ مَظْلُوماً كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ الأَمْلَحُ، ثمّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ بِغَيْرِ وَلايَتِنَا، لَكَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ أَنْ يُكِبَّهُ عَلَى مَنْخِرَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[16] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ تارك الولاية معذّب في النّار، ولو عبد اللَّه ألف عام في أعظم البقاع حرمة عند اللَّه، وهما ما بين الركن والمقام، وما بين قبر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والمنبر الشريف، ومات مذبوحاً على فراشه مظلوماً، فأعماله لا تنفعه يوم القيامة، ولو كان عمله صحيحاً لنفعه، واستحق عليه الثواب.وقد قيل: إنّ هذا الحديث لا يدل على اشتراط العمل بالولاية، بل غاية ما يدل عليه: أنّ تارك الولاية يعذّب في النّار، فقد يكون العذاب لتركه الولاية.

ص: 499


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 210، ح 16.

[313] 17 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَلْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ للَّهِ فِي وَقْتِ كلّ صَلاةٍ يُصَلِّيهَا هَذَا الْخَلْقُ لَعْنَةً». قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَلِمَ؟ قَالَ: «بِجُحُودِهِمْ حَقَّنَا، وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّانَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

إلّا أنّ الظاهر - بقرينة ذكر العبادة الكثيرة في أعظم الأماكن حرمة عند اللَّه - : أنّ أعماله لا تقبل منه بدون الولاية. كما أنّ أيّ ظلم يحلّ عليه لا يعفيه من دخول النّار بدونها.

سند الحديث:

في السند: إبراهيم بن إسحاق: المشترك بين جماعة، والمنصرف إلى الأحمري الضعيف، على ما تقدم.

وهذا السند أيضاً كسابقه غير معتبر.

[17] - فقه الحديث:

المستفاد من الحديث: أنّ على المكذّبين للأئمة (علیهم السلام) والجاحدين لحقهم المارقين من ولايتهم لعنة من اللَّه في وقت كلّ صلاة؛ لأنّهم - بجحدهم حقّ الأئمّة المجعول لهم من اللَّه تعالى - قد ضيّعوا فرائض اللَّه؛ فإنّ

ص: 500


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 248 ، ح 8، ورواه في علل الشرائع 2 : 602 ، ب385، ح62.

للأئمة (علیهم السلام) مقام الهداية إلى اللَّه، والجاحدون لحقهم ضالّون عن طريق الهداية، فهم لم يتلقّوا التعاليم الإلهيّة من الباب الذي فتحه اللَّه لهم، فضلّوا وأضلّوا، وضيّعوا ما افترضه اللَّه عليهم، فحقّت عليهم اللعنة من اللَّه سبحانه.

سند الحديث:

في السند: الفضل بن كثير المدائني: ولم يرد فيه توثيق خاص.

نعم، ورد في «نوادر الحكمة»((1)) ، فيكون ثقة.

وفيه: سعيد بن أبي سعيد البلخي: الذي عدّه الشيخ - بعنوان سعد بن سعيد البلخي - من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ((2)).

وهذا السند أيضاً كسابقيه غير معتبر.

ص: 501


1- - أصول علم الرجال 1 : 233 .
2- - رجال الطوسي: 338/5032.

[314] 18 - وَفِي «الْعِلَلِ»، عَنْ محمّد بْنِ عليّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ عَمِّهِ محمّد بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ الْكُوفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ صَبَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً فِيهِ: «أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً قَطُّ يَدْعُو إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، لَيْسَ مَعَهَا طَاعَةٌ فِي أَمْرٍ وَلا نَهْيٍ. وَإِنَّمَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ(1) بِالْفَرَائِضِ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى حُدُودِهَا، مَعَ مَعْرِفَةِ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ، وَمَنْ أَطَاعَ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَصَلَّى، وَصَامَ، وَحَجَّ، وَاعْتَمَرَ، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِ اللَّهِ كُلَّهَا، وَلَمْ يَدَعْ مِنْهَا شَيْئاً، وَعَمِلَ بِالْبِرِّ كُلِّهِ، وَمَكَارِمِ الأَخْلاقِ كُلِّهَا، وَتَجَنَّبَ سَيِّئَهَا [وَمَنْ](2) زَعَمَ: أَنَّهُ يُحِلُّ الْحَلالَ وَيُحَرِّمُ الْحَرَامَ بِغَيْرِ مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) لَمْ يُحِلَّ للَّهِ حَلالاً، وَلَمْ يُحَرِّمْ لَهُ حَرَاماً. وَأَنَّ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ وَفَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِغَيْرِ مَعْرِفَةِ مَنِ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ طَاعَتَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ إِلَى

-----------------------------------------------------------------------------

[18] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أن كلّ شريعة منزلة من الله تعالى لابدّ فيها منتكاليف، عبارة عن أوامر ونواه. وهذه التكاليف لها حدود ومعها شرط، وهو معرفة من دعا إليه تعالى، سواء كان نبيّاً أو إماماً. فمن عمل بها

ص: 502


1- في المصدر زيادة: العمل.
2- أثبتناه من المصدر.

أَنْ قَالَ: - لَيْسَ لَهُ صَلاةٌ، وَإِنْ رَكَعَ وَإِنْ سَجَدَ، وَلا لَهُ زَكَاةٌ، وَلا حَجٌّ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ رَجُلٍ مَنَّ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ بِطَاعَتِهِ، وَأَمَرَ بِالأَخْذِ عَنْهُ»، الْحَدِيثَ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

بحدودها وتوفر فيه شرط معرفة الداعي إلى الله فهو مقبول العمل. وأما من زعم أنه يعمل بالتكاليف بلا معرفة مبلّغ الشريعة فهو في الحقيقة لم يعمل بالشريعة.

تقریب دلالة الحدیث الثامن عشر علی نفي الصحة بوجوه ثلاثة

وتقريب الاستدلال بالحديث على اشتراط الولاية من وجوه:

الأول: أنّه اعتبر معرفة من دعا إلى الأعمال من حدود الأعمال، ولازم ذلك اعتبار المعرفة شرطاً، وهذا على وزان عدّ الوضوء - مثلاً - من حدود الصلاة.

الثاني: أنّه اعتبر أنّ العامل لعمل بدون معرفة من افترض اللَّه طاعته كأنّه لم يفعل شيئاً، وليس معنى ذلك إلّا نفي الصحة.

الثالث: أنّ قوله (علیه السلام) : «ليس له صلاة، وإن ركع وإن سجد، ولا له زكاة، ولا حج. وإنّما ذلك كله يكون بمعرفة رجل مَنّ اللَّه بطاعته»من قبيل «لا صلاة إلّا بطهور»، والظاهر أن القبول بمعنى الصحة، ولا ظهور له في نفي الأجر خاصة.

ص: 503


1- 1*) علل الشرائع 1 : 250 ، ح 7 ب182.

سند الحديث:

في السند: محمّد بن عليّ الكوفي: المتّحد ظاهراً مع أبي سمينة الضعيف، وقد تقدّم سابقاً. وفي «جامع الأحاديث»((1)) والنسخة المطبوعة: «يحيى بن علي الكوفي»، ولكن الظاهر أنه تصحيف محمد بن علي؛ بقرينة سائر الروايات.

وفيه: صباح المدائني: الذي لم يرد في حقه شي ء، ولكن ذكر بعضهم: أنّه يوجد في نسخةٍ: المزني بدل المدائني((2)) . وعلى هذه النسخة هو ثقة؛ لأنّ النجاشي (رحمه الله) قال في حقّه: صباح بن يحيى، أبو محمّد المزني، كوفي، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، له كتاب يرويه جماعة ((3)).

ويحتمل أنّ صباح مصحّف ميّاح، وهو الذي ذكره الشيخ النجاشي (رحمه الله) بقوله: ميّاح المدائني، ضعيف جدّاً، له كتاب يعرف برسالة ميّاح، وطريقها أضعف منها، وهو محمّد بن سنان ((4)).

وعليه: فهذا السند أيضاً غير معتبر.

ص: 504


1- - جامع أحاديث الشيعة 1 : 603.
2- - بحار الأنوار 27 : 175، باب أنّه لا تقبل الأعمال إلّا بالولاية، ح 21.
3- - رجال النجاشي: 201/537.
4- - المصدر نفسه: 424 - 425/1140 .

[315] 19 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِهِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثمّ اهْتَدى}(1)، قَالَ: «أَلا تَرَى كَيْفَ اشْتَرَطَ، وَلَمْ تَنْفَعْهُ التَّوْبَةُ وَالإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، حتّى اهْتَدَى؟! وَاللَّهِ، لَوْ جَهَدَ أَنْ يَعْمَلَ(2) مَا قُبِلَ مِنْهُ حتّى يَهْتَدِيَ»، قَالَ: قُلْتُ: إِلَى مَنْ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «إِلَيْنَا»(3).

أَقُولُ: وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدّاً(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[19] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ شرط المغفرة هو الاهتداء إلى الأئمّة من آل محمّد (علیهم السلام) ، فالتوبة والإيمان بالنبي والإتيان بالعمل الصالح لا تكفي في حصول الرضا من اللَّه تعالى، حتّى يقرنها العبد بولاية أئمّة الهدى (علیهم السلام) ، ويكون عمله بناء على هديهم وسنّتهم (علیهم السلام) .

ص: 505


1- طه، الآية82.
2- في المصدر زيادة: بعمل.
3- تفسير القمّي 2 : 61.
4- تقدّم منها في الباب 1 من هذه الأبواب، ويأتي في الحديث 15، من الباب 86 من أبواب جهاد النفس وغيرها.

سند الحديث:

في السند: أحمد بن علي: ولعلّه أحمد بن عليّ الفائدي، الذي ترجمه النجاشي بقوله: أبو عمر، القزويني، شيخ، ثقة، من أصحابنا، وجه، له كتاب كبير نوادر ((1)) .

وهو الراوي لكتاب المتعة من كتب الحسين بن عبيد اللَّه السعدي.

وفيه: الحسين بن عبيد اللَّه: وهو مشترك بين جماعة، هم:

1 - الحسين بن عبيد اللَّه بن الغضائري، الثقة.

2 - الحسين بن عبيد اللَّه السكوني، الثقة.

3 - الحسين بن عبيد اللَّه السعدي، الذي رمي بالغلو، وله كتب صحيحة الحديث، كما عن النجاشي((2)

وهو موافق للمورد المشترك من حيث الطبقة.

4 - الحسين بن عبيد اللَّه القزويني، الثقة.

5 - الحسين بن عبيد اللَّه القمي، المرميّ بالغلو، من أصحاب مولانا الهادي (علیه السلام) ((3)). والظاهر أنّ هذا غير الثالث؛ لأنّ الشيخ (قدس سره) قد ذكرهما كليهما.

والظاهر انطباق الاسم على الثالث؛ لأنّ كتابه معروف ومشهور، وهوالملائم من حيث الطبقة، بخلاف البقيّة، فلا ينصرف إلى أحدهم، فهو

ص: 506


1- - رجال النجاشي: 95/237.
2- - المصدر نفسه: 42/ 86 .
3- - رجال الطوسي: 386/ 5680 .

الحسين بن عبيد اللَّه السعدي، وقد مرّ عن النجاشي: أنّ له كتباً صحيحة الحديث. وقد ورد في «تفسير القمي» بعنوان: الحسين بن عبدالله السعدي، ولكنه في القسم الثاني((1)).

وفيه أبان، وهو أبان بن عثمان الأحمر.

وفيه: الحارث: ولعله الحارث بن المغيرة النصري، ذكره الشيخ في أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) قائلاً: أسند عنه ((2)).

وقال النجاشي: روى عن أبي جعفر، وجعفر، وموسى بن جعفر، وزيد بن عليّ (علیهم السلام) ، ثقة، ثقة، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا ((3)) .

وروى الكشّي عن زيد الشحّام، قال: دخلت على أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال لي: «يا زيد، جدّد التوبة، وأحدث عبادة»، قال: قلت: نعيت إليَّ نفسي، قال: فقال لي: «يا زيد، ما عندنا لك خير، وأنت من شيعتنا، إلينا الصراط، وإلينا الميزان، وإلينا حساب شيعتنا. واللَّه، لأنا لكم أرحم من أحدكم بنفسه. يا زيد، كأنّي أنظر إليك في درجتك من الجنة،ورفيقك فيها الحارث بن المغيرة النصري»((4)).

ويحتمل أنّه الحارث بن بهرام.

ص: 507


1- - أصول علم الرجال 1 : 297.
2- - رجال الطوسي: 132/1363، 191/2373 .
3- - رجال النجاشي: 139/ 361.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 628/619.

وفيه أيضاً: عمرو: ولعلّه عمرو بن جميع.

وعليه فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة عشر حديثاً، المعتبر منها سبعة، والبقية ضعيفة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور :

1 - بطلان جميع أنواع العبادات بدون الاعتقاد بولاية الأئمّة (علیهم السلام) .

2 - أنّ من لا إمام له من اللَّه - سواء لم يكن له إمام أصلاً، أو كان له إمام غير منصوب من قبل اللَّه تعالى - فسعيه غير مقبول، وهو ضالّ متحيّر، واللَّه مبغض لأعماله، وإن مات على غير الولاية مات ميتة كفر ونفاق.

3 - أنّ الولاية ذروة الإسلام ومفتاحه وبابه، وهي الموجبة لرضا اللَّه عزّوجلّ.

4 - أنّ الولاية شرط في صحّة العمل وقبوله.

5 - أنّ الولاية شرط في حصول المغفرة الإلهيّة، بضميمة التوبة والإيمان والعمل الصالح، فلا تصاب المغفرة بدونها.

6 - أنّ العابد المجهد لنفسه في العبادة في أفضل البقاع والأماكن لا يقبل عملُه بدون الولاية، ولو عمّر عمر الدنيا، ومصيره إلى النار.7 - أنّ الآتي بالعمل من دون ولاية كمن لم يأت به أصلاً.

8 - أنّ قبول الأعمال وغفران الذنوب مختصّان بمن يوالي الأئمّة (علیهم السلام) .

9 - أنّ معرفة الأئمّة (علیهم السلام) من حدود الأعمال، ولازمه اعتبار المعرفة شرطاً في الأعمال.

ص: 508

30 - باب أن من كان مؤمناً ثم كفر ثم آمن لم يبطل عمله في إيمانه السابق

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

30 - باب أنّ من كان مؤمناً ثمّ كفر ثمّ آمن

لم يبطل عمله في إيمانه السابق

موجبات الارتداد

شرح الباب:

الارتداد في اللغة هو: الرجوع، ومنه المرتدّ((1)). وفي الاصطلاح: يطلق على الكفر بعد الإسلام((2)) .

وهو من أفحش أنواع الكفر، وأغلظها حكماً. قال اللَّه تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}((3)).

إلى غير ذلك من الآيات.

وعن الصادق (علیه السلام) : «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحدمحمداً(صلی الله علیه و آله و سلم) نبوته وكذّبه، فإنّ دمه مباح...» ((4)).

ص: 509


1- - الصحاح للجوهري 2 : 473 مادّة: «ردد».
2- - الروضة البهية 9 : 333.
3- - البقرة، الآية 217.
4- - وسائل الشيعة 28 : 324، أبواب حدّ المرتد ب 1، ح 3.

ويثبت بالإقرار، والبيّنة، وصدور فعل دالٍّ صريحاً على الاستهزاء بالدين، ورفع اليد عنه، وصدور قولٍ كذلك.

ويتحقّق الارتداد بإنكار اللَّه تعالى، أو توحيده، أو الرسالة، أو الرسول، أو تكذيبه، أو جحد ما علم ثبوته أو نفيه من الدين بالضرورة، سواء كان ذلك عناداً، أو استهزاءً، أو اعتقاداً.

موجبات الارتداد

كما يتحقق بإهانة المصحف الشريف: بإلقائه في القاذورات، أو تمزيقه، ونحوهما ممّا ينطوي تحت عنوان الإهانة، وإهانة الكعبة المشرفة كتلويثها، ونحو ذلك ممّا يدل على إهانة الدين، والاستهزاء به، ورفع اليد عنه.

ويعتبر في تحقّق الارتداد الشروط العامة في التكليف، وهي: العقل، والبلوغ، والقصد، والاختيار.

وقد قسّم الفقهاء المرتدّ إلى قسمين:

تقسیم المرتد إلی فطري و ملّي

الأول : المرتدّ الفطري: وقد اختلفوا في تحديده، فقد حدّده بعضهم، بأنّه: من ولد على فطرة الإسلام، كالشيخ، وابن حمزة، وابن إدريس، والعلاّمة في «التحرير»، والشهيد الأول، وغيرهم((1)).وعرّفه السيد الأستاذ (قدس سره) بأنّه: الذي ولد على الإسلام من أبوين مسلمين، أو من أبوين أحدهما مسلم ((2)).

وقد ذكر له تعاريف أخر، لا مجال لذكرها هنا.

ص: 510


1- - المبسوط7 : 282، والوسيلة:424، والسرائر3 : 572، وتحرير الأحكام 5 : 389، والدروس 2 : 52.
2- - مباني تكملة المنهاج (موسوعة الإمام الخوئي) 41 : 393.

الثاني : المرتدّ الملّي: وهو من أسلم عن كفر أصلي ثمّ ارتدّ. والظاهر أنّه لا يوجد اختلاف في تحديده بذلك.

الأحكام المترتبة على المرتدّ:

أمّا المرتدّ الفطري، فيجب قتله، وتبين منه زوجته، وتعتدّ عدّة الوفاة، وتقسّم أمواله حال حياته بين ورثته.

وأمّا المرتد الملّي، فيستتاب، فإن تاب خلال ثلاثة أيام فهو، وإلّا قُتل في اليوم الرابع، ولا تزول عنه أملاكه، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته، وتعتدّ عدّة المطلّقة إذا كانت مدخولاً بها.

وأمّا المرأة، فإنّها إذا ارتدّت ولو عن فطرة لم تقتل، وتبين من زوجها، وتعتدّ عدّة الطلاق، وتستتاب، فإن تابت فهو، وإلّا حبست دائماً، وضربت في أوقات الصلاة، واستخدمت خدمة شديدة، ومنعت الطعام والشراب إلّا ما يمسك نفسها، وألبست خشن الثياب.

ولا خلاف - ظاهراً - في قبول توبة المرتد الملّي والمرتدّة الملّية، فإنّتوبتهما تقبل ظاهراً وباطناً، بمعنى: أنّه تترتّب عليهما أحكام الإسلام بحسب الظاهر، ويغفر اللَّه سبحانه لهما ما صدر منهما حال الردّة، ويدخلان الجنة، إن كانت توبتهما صادقة.

وإنّما الكلام في قبول توبة المرتدّ الفطري، فقد اختلف الفقهاء في قبول توبته. وسيأتي بعض التفصيل فيه عند بيان الأقوال.

وهذا الباب معقود لبيان قبول توبة المرتد، وعدم بطلان عمله الذي قام

ص: 511

به في حال إيمانه السابق.

الأقوال في قبول توبة المرتد الفطري

اختلف الفقهاء في قبول توبة المرتد الفطري، وأهم الأقوال فيه خمسة:

الأول: عدم القبول مطلقاً، لا ظاهراً ولا باطناً. وهذا القول هو المعروف بين المتقدّمين على الشهيد الأول، فإنّ كلامهم وإن لم يكن صريحاً في ذلك، إلّا أنّه ظاهر فيه، كالشيخ، وابن إدريس، والمحقق، والعلامة، وغيرهم ممّن تأخّر عن الشهيد الأول، كصاحب «كشف اللثام»((1)

بل نسب هذا القول إلى المشهور((2)) .الثاني: القبول مطلقاً، وهو المشهور عن ابن الجنيد، فإنّه اشتهر عنه القول بقبول توبة المرتد مطلقاً، ملّياً كان أو فطرياً، ورجلاً كان أو امرأة، ظاهراً وباطناً، وبالنسبة إلى جميع الأحكام((3)).

الثالث: التفصيل بين الأحكام المنصوص عليها، كوجوب قتله، وبينونة زوجته، واعتدادها عدّة الوفاة، وتقسيم أمواله، فلا تقبل توبته فيها، وبين غيرها فتقبل فيه، بمعنى: أنّه تصح عباداته، ويطهر بدنه، ويملك ما يكتسبه

ص: 512


1- - المبسوط 7 : 282، والسرائر 3 : 572، وشرائع الإسلام 4 ، وانظر: إرشاد الأذهان 2 : 189، وقواعد الأحكام 3 : 574 ، وتحرير الأحكام 5 : 389، وكشف اللثام 9 : 358.
2- - انظر: روض الجنان : 355 ، وذخيرة الأحكام : 383 ، ومفتاح الكرامة 24 : 104.
3- - انظر: الحدائق 11 : 15، ومفتاح الكرامة 4 : 104، والمستمسك 2 : 120.

بعد التوبة، ويجوز له نكاح المسلمة، ونحو ذلك، إلّا أنّه يجب على الحاكم إجراء حدّ المرتد - وهو القتل - عليه، وتبين منه زوجته، وتعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها، وتقسم أمواله بين ورثته، ولا ترتفع هذه الأحكام بالتوبة.

وقد رجّح هذا الرأي كثير ممّن تأخّر عن الشهيد الأول، نحو: ابن فهد الحلّي، والمحقق الأردبيلي، والسيد العاملي، والمحدّث الكاشاني، وصاحب «الحدائق»، والشيخ الأنصاري، والمحقق الهمداني، والسيد اليزدي، والسيد الحكيم، والسيد الأستاذ (قدس سره) ((1)).الرابع: التفصيل بين قبول التوبة فيما بينه وبين اللَّه، فتقبل توبته، ويغفر اللَّه له، ويدخل الجنة، وعدم قبولها بحسب الظاهر، بمعنى: عدم طهارته، ومعاملته معاملة الكافر، وعدمالسماح له بنكاح المسلمة، وإجراء الأحكام المنصوصة عليه. وذهب إلى ذلك صاحب «الجواهر»((2)).

الخامس: التفصيل بين من كان ارتداده بإنكار بعض الضروريّات مع سبق بعض الشبهات، وكان داخلاً في عنوان المسلمين، مثل: الجبريّة،

ص: 513


1- - الدروس 2 : 52، وانظر: الروضة البهية 9 : 337، والمهذّب البارع 4 : 343، ومجمع الفائدة 3 : 202، والمدارك 4 : 292 - 293، و ج6 : 204 - 205، ومفاتيح الشرائع 2 : 104، والحدائق 11 : 15 - 16، والطهارة (للشيخ الأنصاري) 2 : 388، ومصباح الفقيه 1 ق2 : 639، والعروة الوثقى: كتاب الطهارة، فصل المطهرات ، الثامن (الإسلام)، المسألة الأولى، ومنهاج الصالحين (للسيد الحكيم) 2 : 383، كتاب الإرث، المسألة 8 ، الطهارة 3 : 224.
2- - جواهر الكلام 6 : 298.

[316] 1 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ كَانَ مُؤْمِناً فَحَجَّ، وَعَمِلَ فِي إِيمَانِهِ، ثمّ أَصَابَتْهُ فِي إِيمَانِهِ فِتْنَةٌ، فَكَفَرَ، ثمّ تَابَ وَآمَنَ» قَالَ: «يُحْسَبُ لَهُ كلّ عَمَلٍ صَالِحٍ عَمِلَهُ فِي إِيمَانِهِ، وَلا يَبْطُلُ مِنْهُ شَيْ ءٌ»(1).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ آيَاتِ التَّوْبَةِ وَأَحَادِيثِهَا وَغَيْرِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

-----------------------------------------------------------------------------

والمفوّضة، والصوفيّة، فتقبل توبته ظاهراً وباطناً، ومن لم يكن كذلك، فلاتقبل توبته مطلقاً. وذهب إلى هذا التفصيل كاشف الغطاء، وتبعه صاحب «الجواهر»((2)).

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على قبول توبة المرتد، وعدم بطلان عمله الذي قام به في حال إيمانه السابق.

كما يدلّ على أنّ الإنسان قد تصيبه فتنة، قد تؤدّي به إلى الرجوع عمّا كان عليه من الإيمان. والفتنة قد تكون من الشيطان، وقد تكون من البشر، وقد تكون من اللَّه. قال اللَّه تعالى: {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ

ص: 514


1- تهذيب الأحكام 5 : 459 ، ح 1597.
2- - كشف الغطاء 1 : 173، وجواهر الكلام 6 : 298.

وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}((1)).

والحكمة من الفتنة المنسوبة إلى الله تعالى إظهار كمال المفتون إن صبر، وأنّه أهل للمقام الذي هو فيه، أو يستحقه يوم القيامة، كما في قضيّة النبي أيّوب (علیه السلام) ، أو إظهار خبثه إن لم يصبر، وأنّه ليس أهلاً لما هو فيه، كما في قضية قارون، فإنّ الفتنة إذا اشتدّت ربما أفسدت القلوب، وأورثتها القسوة والغفلة التي هي سبب الشقاء الدائم؛ ولذلك ذكر (علیه السلام) الفتنة، وفرّع الكفر عليها فإنه قد يفتن وينجو من الفتنة.

وإذا تاب المرتد بعد كفره وآمن يحسب له كلّ عمل صالح عمله فيإيمانه، ولا يبطل منه شي ء.

وعموم هذا الحديث أو إطلاقه يدل على أنّ توبة المرتد مقبولة، وإن كان فطريّاً.

ومفهوم الشرط فيه يدل على أنّ الكفر الذي لم تلحقه التوبة منه يحبط الأعمال الصالحة السابقة. ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}((2))، والخطاب وإن كان موجهاً للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، إلّا أنّ المراد: أمته؛ لعدم جواز الشرك على الأنبياء، فمن أشرك من الأمّة فإنّ عمله السابق الذي عمله في حال الإيمان يحبط ولا يحسب له؛ لأنه كفر بعد الإيمان، فعمله كالعدم؛ لعدم توبته. وهذا ممّا أوحي إلى الرسل من قبل، ولا يختص بشريعتنا.

ص: 515


1- - طه، الآية 40.
2- - الزمر، الآية 65.

وقال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}((1)).

وهذا الحديث وإن كان جواب الإمام (علیه السلام) فيه عامّاً، ولا يختص بالحج، كما كان في السؤال؛ إذ قال: «وعمل في إيمانه»، أي: عمل في حال إيمانه ما يوجب ثواب الله تبارك وتعالى. إلّا أنّ هناك رواية عن الإمام (علیه السلام) نفسه،تفيد العموم أيضاً، وليس فيها تخصيص السؤال عن عبادة معينة، وهي ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «من كان مؤمناً فعمل خيراً في إيمانه، ثمّ أصابته فتنة، فكفر، ثمّ تاب بعد كفره، كتب له وحسب له كلّ شي ء كان عمله في إيمانه، ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره»((2))، فالعبادات السابقة صحيحة ومحسوبة له من جهة الثواب، فلا تبطل حتّى يحتاج لإعادتها، ولا يحبط ثوابها.

وهذا موافق لآيات التوبة: كقوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}((3)) ، وعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}((4)) ، وكذلك قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ

ص: 516


1- - البقرة ، الآية 217.
2- - وسائل الشيعة 16 : 104، الباب 99 من أبواب جهاد النفس، ح 1.
3- - آل عمران، الآية 195.
4- - التوبة، الآية 120.

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}((1)).

وهو موافق أيضاً لأحاديث التوبة، وهي كثيرة جدّاً، بل متواترة. وقد ذكر صاحب «الوسائل» في «شرحه»: أنّها متجاوزة حدّ التواتر((2)) .

ولنعم ما استدلّ به المحقق الهمداني بعد استدلاله بهذا الحديث، فقدقال: مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على محبوبيّة الإسلام والتوبة من كلّ أحد، الآبية عن التخصيص، المعتضدة ببعض المؤيّدات العقليّة والنقليّة. كيف، مع أنّ من الأمور الواضحة: أنّ من أكبر مقاصد الأمير والحسنين (علیهم السلام) في حروبهم وغيرها استتابة المرتدّين، من الخوارج، والنواصب، والغلاة الذين اعترفوا بإلهيّة أمير المؤمنين، وأنّهم (علیهم السلام) كانوا يقبلون توبة من رجع منهم، ويعاملون معه معاملة المسلم. وتوهّم كون ذلك من باب المماشاة لبعض المصالح في غاية الضعف ((3)).

سند الحديث:

روى الحديث الشيخ بإسناده، عن الحسين بن علي، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة.

أمّا الحسين بن علي: فلم ترد روايته عن عليّ بن الحكم إلّا في هذه الرواية. قال السيد الأستاذ (قدس سره) : كذا في «الوافي» و«الوسائل». ولكن في

ص: 517


1- - الزلزلة، الآية 7.
2- - تحرير وسائل الشيعة: 347.
3- - مصباح الفقيه 1 : 639 ق2.

نسخة من الطبعة القديمة: الحسن بن علي((1)).

تصحیف طریق الشیخ إلی الحسین بن علي و أن الصحیح هو علي بن الحسن

والحسن بن عليّ: قيل: إنّه الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة. وقيل: إنّه الحسين بن عليّ الخزّاز القمي، لا الحسن.

ولكن لا يمكن المصير إلى أيٍّ منهما؛ لأنّه لم ترد رواية الحسن بن عليّالكوفي أو الحسين بن عليّ الخزاز عن عليّ بن الحكم. كما لم ترد رواية الحسن بن عليّ بن فضّال عنه أيضاً؛ لأنّ طبقته متقدمة على طبقة عليّ بن الحكم.

وعليه: فالظاهر أنّ الموجود هنا تصحيف عليّ بن الحسن، والمراد به: عليّ بن الحسن بن فضّال؛ وذلك بشهادة التتبّع لمثل هذا السند. فقد جاء في بعض الموارد من «الاستبصار» و«التهذيب» بعنوان: عليّ بن الحسن، عن عليّ بن الحكم...((2))، وفي موارد أخرى منهما بعنوان: عليّ بن الحسن بن فضّال، عن عليّ بن الحكم...((3)).

كما ورد في «الاستبصار» هكذا: علي بن الحسن بن علي، عن عليّ بن الحكم، وإبراهيم بن أبي بكر بن أبي سمّاك، عن موسى بن بكر... ((4)).

ص: 518


1- - معجم رجال الحديث 7 : 39/3510.
2- - تهذيب الأحكام 7 : 331، ب28، ح1363. وورد نفسه في الاستبصار 3 : 168، ب 109، ح616، وأيضاً في تهذيب الأحكام 7 : 464، ب41، ح 1863، و ج9 : 181، ب8، ح 729.
3- - الاستبصار 3 : 227، ب140، ح 821.
4- - المصدر نفسه 3 : 317، ب183، ح 1129.

هذا، وإسناد الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال - على ما ذكره في «الفهرست» - هكذا: أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها والباقي إجازة: أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير سماعاً وإجازة عنه ((1)) .ولكن هذا الطريق ضعيف - كما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) ((2)) - بعلي بن محمّد بن الزبير.

ويمكن تصحيحه بأن يقال:

إنّ للشيخ النجاشي (رحمه الله) طريقاً آخر صحيحاً في «رجاله» إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، وهو: وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن بكتبه((3)).

وبما أنّ شيخ النجاشي - وهو ابن عبدون - شيخ الطوسي أيضاً، ولم يُذكر اختلاف بين نسخ كتب كل من الطريقين، أي أن الكتب التي نُقلت بالطريق الصحيح بنفس النسخة التي نُقلت بالطريق الضعيف، فيكون هذا الطريق الصحيح للنجاشي موجباً لتصحيح طريق الشيخ أيضاً.

وإلى هنا صحّ طريق الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن فضّال الثقة.

وأمّا موسى بن بكر: فهو الواسطي، وقد قال عنه النجاشي: موسى بن بكر الواسطي، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) وعن الرجال، له

ص: 519


1- - فهرست الطوسي: 156/ 391.
2- - معجم رجال الحديث 12 : 364/ 8019، والتنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 372.
3- - رجال النجاشي: 259/ 676 .

كتاب يرويه جماعة ((1)) .وروى عنه المشايخ الثقات، وورد في «التفسير»، و«نوادر الحكمة»((2)) .

ولكن الشيخ في «الرجال» ذكر أنّه واقفي((3)) ، وروايته للخبر الذي ينصّ على إمامة الرضا (علیه السلام) ((4)) لا تنافي وقفه بعد ذلك.

البحث في كتاب موسی بن بكر و احتمال أنه كان كله معتبراً

وكيف كان: فقد روى محمّد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: دفع إليَّ صفوان كتاباً لموسى بن بكر، فقال لي: هذا سماعي من موسى بن بكر، وقرأته عليه، فإذا فيه: موسى بن بكر ، عن عليّ بن سعيد، عن زرارة، قال (صفوان): هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا، الحديث((5)) .

وقوله: «هذا» كما يحتمل أن يكون إشارة إلى الحديث، كذلك يحتمل أيضاً أن يكون إشارة إلى الكتاب. وحينئذٍ يكون الكتاب مورداً لعمل الأصحاب، وأنّه ليس فيه خلاف.

وقال السيد الأستاذ (قدس سره) : وسند الرواية قوي. ويؤكد ذلك: أنّ جعفر بن سماعة قد اعتمد على رواية موسى بن بكر: أنّ المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة. وقد روى محمّد بن يعقوب، عن حميد بن زياد، عن

ص: 520


1- - رجال النجاشي: 407/ 1081.
2- - أصول علم الرجال 2 : 214، وج1 : 288 ، 241 .
3- - رجال الطوسي: 343/5108.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 737 .
5- - الكافي 7 : 97 ، باب ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح 3 .

الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: وكان جعفر بن سماعة يقول: يتبعها(المختلعة) الطلاق في العدة، ويحتجّ برواية موسى بن بكر، عن العبد الصالح (علیه السلام) ((1)).

ولا يخفى أنّ هذا كلّه كافٍ في وثاقة الرجل. وبضميمة ما يستفاد من النجاشي من أنّ كتابه مشهور يكون السند معتبراً.

والحاصل: أن في الباب حديثاً واحداً، وهو معتبر.

المستفاد من الباب

والمستفاد منه:

أنّ من كان مؤمناً، فأصابته فتنة في إيمانه فكفر، لم يحبط عمله السابق، بل يحسب له كلّ عمل صالح عمله في حال إيمانه، ولا يبطل منه شي ء.

ص: 521


1- - معجم رجال الحديث 20 : 34/12767 .

ص: 522

31 - باب عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر، سوى الزكاة إذا دفعها إلى غير المستحق، والحج إذا ترك ركناً منه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

31 - باب عدم وجوب قضاء المخالف عبادته

إذا استبصر، سوى الزكاة إذا دفعها إلى غير

المستحق، والحج إذا ترك ركناً منه

شرح الباب:

الاستبصار في اللغة: الاستبانة، واستبصر: تبيّن ما يأتيه من خير وشر، واستبصر في دينه: صار ذا بصيرة فيه، والبصيرة: الحجّة((1)).

وفي الاصطلاح: هو الاهتداء إلى مذهب الإماميّة، اعتقاداً وعملاً. فمن اهتدى من سائر الفرق الإسلاميّة إلى مذهب الإماميّة فهو مستبصر. وأمّا إذا كان كافراً ثمّ أسلم واختار المذهب الإمامي فهو مستبصر واقعاً، ولكن لا يلحقه ما ذكره الفقهاء من أحكام المستبصر. وكذا لو ارتدّ ثمّ رجع إلى الحقّ.

وهذا الباب معقود لذكر ما يجب على المستبصر قضاؤه من العباداتالتي أتى بها قبل الاستبصار. .

ص: 523


1- - انظر: لسان العرب 4 : 66، مادة: «بصر» ، وتاج العروس 6 : 91 ، مادة: «بصر».

وهي تنحصر في عبادتين:

الأولى: الزكاة.

والثانية: الحج إذا ترك ركناً منه.

وبما أنّ الاستبصار تارة يكون بعد خروج وقت العبادة، وأخرى يحصل والوقت باقٍ، فلا محالة يقع البحث في مقامين، كما سيأتي توضيحه عند بيان الأقوال.

الأقوال:

المعروف بين فقهائنا رضوان اللَّه عليهم: أنّ المخالف إذا استبصر لا يجب عليه قضاء ما أتى به من العبادات إلّا الزكاة، إذا أعطاها أهل نحلته، بلا خلاف ظاهر((1)). قال في «الجواهر»: لو أعطى مخالف زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعاد، بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّه إجماعيّ، كما حكاه في «التنقيح» وغيره؛ لعدم وصول المال إلى مستحقه ((2)).

وقال في «الحدائق»: ووجه استثناء الزكاة في هذه الأخبار: أنّ الزكاة حقّ ماليّ للفقراء، ومثلها الخمس، فلا يحصل العفو به، بخلاف غيرهما منالعبادات، فإنّه حقّ اللَّه عزّوجلّ، وقد تفضّل اللَّه عليهم؛ لمّا قالوا بالولاية ((3)).

ص: 524


1- - جواهر الكلام 15 : 386 - 388 .
2- - المصدر نفسه 15 : 386.
3- - الحدائق الناضرة 14 : 161.

إذا استبصر المخالف بعد خروج الوقت

والاستبصار يتصور على وجهين:

الوجه الأول: ما إذا استبصر بعد خروج الوقت.

والاحتمالات المتصوّرة في هذا الوجه بالنسبة إلى غير الحج من العبادات ثلاثة:

الاحتمال الأول: أن يأتي بالفعل مطابقاً لمذهبه، وإن خالف فيه المذهب الحق، وهذا هو القدر المتيقّن الذي تشمله الروايات الدالة على الإجزاء.

الاحتمال الثاني: أن يأتي بالفعل مخالفاً لمذهبه وللمذهب الحق.

وهنا قد يقال: بشمول الروايات محل البحث له؛ لأنّ الحكم بالإجزاء منّة من اللَّه سبحانه. ومقتضى الامتنان إلغاء وجوب القضاء عنه بعد أن استبصر، وإن كان ما أتى به فاسداً في المذهبين.

وفيه: أنّ السؤال الوارد في الروايات كان عن حكم إعادة الحج أو الصلاة أو غيرهما من العبادات لأجل العقيدة الفاسدة فحسب. فهو يرى عمله صحيحاً لو بقي على عقيدته السابقة.

وعلى هذا فلا تكون الروايات شاملة لما إذا كان عمله السابق علىالاستبصار فاسداً عنده أيضاً.

الاحتمال الثالث : أن يأتي بالفعل مخالفاً لمذهبه وموافقاً للمذهب الحق.

ويظهر القول بعدم وجوب الإعادة من الشهيد الثاني، و صاحب

ص: 525

«الجواهر» في كتاب الحج، والمحقق الهمداني، والسيدين: الحكيم والأستاذ((1)). ولكن قيّده صاحب «الجواهر» والسيد الأستاذ (قدس سره) بإمكان قصد القربة: بأن يعتقد المخالف صحّة العبادة المأتيّ بها وفقاً لمذهب الإماميّة.

واحتمل وجوب الإعادة الشهيد الأول في «الذكرى»، وصاحب «الجواهر» في بحث قضاء الصلاة، والسيد اليزدي في «العروة»((2)) .

وأما بالنسبة إلى الحج، ففيه أقوال:

القول الأول: وجوب الإعادة مطلقاً، سواء أتى به صحيحاً، أو فاسداً، عندنا أو عندهم. وهذا القول منسوب إلى ابن الجنيد، واختاره ابن البرّاج((3)).

القول الثاني: وجوب الإعادة إذا أخلّ بركن. نسبه صاحب «المدارك» إلى الشيخ وأكثر الأصحاب((4)).

القول الثالث: وجوب الإعادة إذا كان فاسداً عنده فحسب. واختار هذا الرأي السادة: اليزدي والحكيم والأستاذ((5)).

ص: 526


1- - روض الجنان : 356 ، وجواهر الكلام 17 : 306، ومصباح الفقيه، الصلاة 601، ومستمسك العروة الوثقى 7 : 59 -60 ، والمستند (موسوعة الإمام الخوئي) 16 : 112.
2- - الذكرى 2 : 432، وجواهر الكلام 13 : 9 - 10، والعروة الوثقى : كتاب الصلاة ، فصل القضاء ، المسألة الخامسة.
3- - أنظر: مختلف الشيعة 4 : 19، والمهذب 1 : 268.
4- - مدارك الأحكام 7 : 74.
5- - العروة الوثقى : كتاب الحج، شرائط وجوب حجة الاسلام، المسألة 78، ومستمسك العروة الوثقى 10 : 224 - 225، والمعتمد (موسوعة الإمام الخوئي) 26 : 221.

الوجه الثاني: ما إذا استبصر والوقت باق، وفيه قولان:

إذا استبصر المخالف و الوقت باقٍ

الأول: وجوب الإعادة، واختاره السيد صاحب «العروة»((1)). ويمكن أن يستدل له: بعموم أدلة التكليف بالعبادة، وأنّ نصوص الإجزاء إنّما هي مختصّة بالقضاء.

الثاني: عدم وجوب الإعادة، وهو الظاهر من صاحب «الجواهر»((2))، وقوّاه السيد الأستاذ (قدس سره) ((3)).

ويمكن أن يستدل له بعدم اختصاص نصوص الإجزاء بالقضاء. وأمّا ورود لفظ القضاء في بعضها فهو لا يعدّ قرينة لإرادةخصوص القضاء المصطلح؛ فإنّ المراد منه مطلق الإعادة، فهو أعمّ من القضاء المصطلح.

والظاهر من عبارات الفقهاء: عدم اختصاص الأحكام المتقدّمة بفرقة دون أخرى، فتشمل جميع المخالفين، حتّى من حكم بكفره، كالنواصب والغلاة. وربّما يظهر من العلاّمة وجوب القضاء على الناصب ونحوه؛ لكفره((4)).

وتفصيل الكلام في محلّه.

ص: 527


1- - العروة الوثقى: كتاب الصلاة، فصل 42 في صلاة القضاء، المسألة الخامسة
2- - جواهر الكلام 13 : 9.
3- - راجع تعليقته على العروة الوثقى 3 : 61.
4- - مختلف الشيعة 4 : 21.

[317] 1 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ صَفْوَانَ وَابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «كلّ عَمَلٍ عَمِلَهُ وَهُوَ فِي حَالِ نَصْبِهِ(1) وَضَلالَتِهِ، ثمّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَرَّفَهُ الْوَلايَةَ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، إِلَّا الزَّكَاةَ، فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا؛ لأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا؛ لأَنَّهَا لأَهْلِ الْوَلايَةِ. وَأَمَّا الصَّلاةُ وَالْحَجُّ وَالصِّيَامُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ»(2).أَقُولُ: الْمُرَادُ: الْحَجُّ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً مِنْ أَرْكَانِهِ؛ لِمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(3).

-----------------------------------------------------------------------------

حكمه بالنسیة إلی زكاته و حجّه

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ الناصب إذا عمل أي عمل عبادي في حال ضلالته فإنه لا يؤجر عليه. كما دلّ على أنّ الهداية من الله تعالى، يمنّ بها على من يشاء؛ كما تدلّ عليه الأحاديث الكثيرة، ولكنه إذا استبصر لم يجب عليه إعادة شي ء من أعماله، حتّى الصلاة والصيام والحج، وهو مأجور عليها؛ منّة من اللَّه سبحانه، ما عدا الزكاة، فإنّها غير مجزية عنه؛ لأنّه صرفها في غير موضعها؛ لأنها مختصة مصرفاً بأهل الولاية، وهي لهم. والحديث بإطلاقه يدلّ على إجزاء ما أتي به حتّى الحج.

ص: 528


1- الناصب : هو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت (علیهم السلام) . (مجمع البحرين 4 : 316).
2- التهذيب5 :9 ، ح23، ويأتي في الحديث 1 ، 3 من الباب3 من أبواب المستحقين للزكاة.
3- يأتي في الباب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ثمّ ذَكَرَ مِثْلَهُ، إلّا أَنَّهُ أَسْقَطَ لَفْظَ «الْحَجِّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وسيأتي في أبواب وجوب الحج: أنّ المجزيّ هل هو الحج الذي لم يترك منه ركناً، أو الأعم؟

سند الحديث:

أورد المصنف الحديث بطريقين:

الطريق الأول: ما عن محمّد بن الحسن بإسناده، عن موسى بن القاسم.

وإسناد الشيخ إلى موسى بن القاسم له طريقان:

أولهما: جماعة، عن أبي جعفر بن بابويه، عن محمّد بن الحسن، عنه.

ثانيهما: ابن أبي جيّد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، وسعد بن عبد اللَّه، عن الفضل بن عامر، وأحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، عن رجاله((2)).

أمّا موسى بن القاسم: فقد قال عنه النجاشي: أبو عبد اللَّه، يلقّب المُجْلِيّ، ثقة، ثقة، جليل، واضح الحديث، حسن الطريقة، له كتب ((3)) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: له ثلاثون كتاباً، مثل كتب الحسين بن

ص: 529


1- الكافي 3 : 546 ، باب الزكاة لا تعطى غير أهل الولاية ، ح 5 ، باختلاف .
2- - فهرست الطوسي: 243/ 718.
3- - رجال النجاشي: 405/ 1073.

سعيد، مستوفاة، حسنة، وزيادة كتاب الجامع ((1))، ووثّقه في أصحاب الرضا (علیه السلام) ((2))، وورد في «النوادر»((3)) .وأمّا بُرَيْد بن معاوية: فقد فقال عنه النجاشي: بريد بن معاوية، أبو القاسم العجلي، عربي، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي جعفر (علیهما السلام) ، ومات في حياة أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وجه من وجوه أصحابنا، وفقيه أيضاً، له محلّ عند الأئمّة (علیهم السلام) ((4)) .

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((5)) .

وقد نقل الكشّي: أنّه من حواريّ الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ، فقد روى عن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر (علیهما السلام) : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواريّ محمّد بن عبد اللَّه رسول اللَّه، الذين لم ينقضوا العهد، ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.... ثمّ ينادي: أين حواريّ محمّد بن عليّ وحواريّ جعفر بن محمد؟ فيقوم عبد اللَّه بن شريك العامري، وزرارة بن أعين، وبريد بن معاوية العجلي، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير ليث بن البختري

ص: 530


1- - فهرست الطوسي: 243/ 718.
2- - رجال الطوسي: 365/ 5424.
3- - أصول علم الرجال 1 : 241 .
4- - رجال النجاشي: 112/287 .
5- - رجال الطوسي: 128/1298 ، و 171/2008.

[318] 2 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَأَحْمَدَ بْنِ محمّد جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ - فِي حَدِيثٍ - :«وَكَذَلِكَ النَّاصِبُ إِذَا عَرَفَ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَجَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المرادي، وعبد اللَّه بن أبي يعفور، وعامر بن عبد اللَّه بن جذاعة، وحجر بن زائدة، وحمران بن أعين»((2)).

وورد في «التفسير» و«النوادر». وفي رواية المشايخ الثقات عنه كلام((3)).

وأمّا صفوان وابن أبي عمير: فقد تقدّمت ترجمتهما. وعليه فسند الحديث معتبر.

الطريق الثاني: ما عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم.

ورجاله تقدّم ذكرهم جميعاً، والسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث مخالف للحديث السابق، وللأحاديث الآتية، فقد تعرّض لعدم إجزاء الحج، إذا كان قد حج قبل استبصاره ومعرفته للحق الذي هو

ص: 531


1- الكافي 4 : 273، باب ما يجزئ من حجة الإسلام وما لا يجزئ، ح 1، ويأتي في الحديث5 من الباب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.
2- - اختيار معرفة الرجال 1 : 43/20 .
3- - أصول علم الرجال 1 : 277 ، 214، و ج2 : 182 .

أَقُولُ: هَذَا يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ الأَرْكَانِ، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى الاسْتِحْبَابِ.

-----------------------------------------------------------------------------

القول بإمامة الأئمّة الاثني عشر (علیهم السلام) ، وأنّ عليه الحج بعده.

وقد ذكر المصنف وغيره له حملين:

أحدهما: أن يحمل على ترك بعض أركان الحج، وسيأتي الكلام فيه في محله.

ثانيهما: أن يحمل الأمر فيه على الاستحباب؛ بقرينة بقيّة النصوص المعتبرة، المصرّحة بالاستحباب.

منها: صحيحة عمر بن أذينة، عن رجل حج ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر، ثمّ مَنَّ اللَّه عليه بمعرفته والدينونة به، أعليه حجة الإسلام ؟ قال: «قد قضى فريضة اللَّه، والحج أحبّ إليّ»((1)).

تصحیح الحدیث الثاني بعدة طرق

سند الحديث:

في السند: سهل بن زياد: وقد تقدّم ضعفه، ولكن لا يضرّ في المقام؛ لوجود أحمد بن محمّد معه.

نعم، فيه: عليّ بن أبي حمزة: وهو البطائني، وهو ضعيف، إلّا أن يقال: بأنّ حديثه قبل وقفه، ورواية ابن أبي نصر شاهدة على ذلك. أو يقال: بصحة روايات أصحاب الإجماع، أو بناءً على القول باعتبار أحاديث «الكافي».

ص: 532


1- - وسائل الشيعة 11 : 61، باب 23 من أبواب وجوب الحج، ح 2 و 3 .

[319] 3 - وَعَنْهُمْ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: كَتَبَإِبْرَاهِيمُ بْنُ محمّد بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيُّ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : إِنِّي حَجَجْتُ وَأَنَا مُخَالِفٌ، وَكُنْتُ صَرُورَةً(1)، فَدَخَلْتُ مُتَمَتِّعاً بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ؟ قال: فَكَتَبَ إِلَيْهِ «أَعِدْ حَجَّكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

فعلى أحد هذه الوجوه السند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

يدلّ على أنّ المخالف لا يجزيه حجه السابق، وإن طابق عمله مذهب الحق، فعليه الحج ثانياً، فإن قول السائل: «فدخلت متمتعاً بالعمرة إلى الحج» ظاهر في أنه أتى بالوظيفة الواجبة عليه، موافقاً لما عليه مذهب أهل البيت (علیهم السلام) ، لكن في حال فساد عقيدته وخلافه للحق.

ولكن يأتي فيه ما تقدّم؛ جمعاً بين الأدلة.

سند الحديث:

رجال الحديث تقدّم ذكرهم. والكلام في السند كسابقه، ويضاف له: أنّ كتب عليّ بن مهزيار مشهورة، ومعوّل عليها، وهي مثل كتب الحسين بن سعيد((3)).

ص: 533


1- الصرورة : يقال للذي يحج لأول مرة. (انظر: مجمع البحرين 3 : 365).
2- الكافي 4 : 275 ، باب ما يجزئ عن حجة الإسلام وما لا يجزئ ، ح 5، ويأتي في الحديث 6 من الباب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.
3- - رجال النجاشي: 253/664.

[320] 4 - محمّد بْنُ مَكِّيٍّ الشَّهِيدُ فِي «الذِّكْرَى»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ «الرَّحْمَةِ» لِسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُسْنَداً عَنْ رِجَالِ الأَصْحَابِ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَأَنَا جَالِسٌ: إِنِّي مُنْذُ عَرَفْتُ هَذَا الأَمْرَ أُصَلِّي فِي كلّ يَوْمٍ صَلاتَيْنِ، أَقْضِي مَا فَاتَنِي قَبْلَ مَعْرِفَتِي، قَالَ: «لا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ الْحَالَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ مَا تَرَكْتَ مِنَ الصَّلاةِ»(1).

وَرَوَاهُ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ مَسْعُودٍ وَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ الْبَرَاثِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ محمّد بْنِ فَارِسٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عليّ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ(2).

قَالَ الشَّهِيدُ: يَعْنِي: مَا تَرَكْتَ مِنْ شَرَائِطِهَا، وَأَفْعَالِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على إجزاء الصلاة التي صلاّها المخالف في حال خلافه، وأنّ خلاف الحق الذي كان مقيماً عليه أعظم من ترك الصلاة الصحيحة،التامّة الأجزاء والشرائط، كما قاله الشهيد (قدس سره) ، لا أنّ المراد: أنّه ترك

ص: 534


1- ذكرى الشيعة 2 : 432 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 652/667 .

صلواتٍ في حال خلافه؛ فإنّ أدلة القضاء تشمل هذه الصورة، وهي خارجة عن مثل دليل الإجزاء، هذا.

اسناد الشهید في الذكری إلی كتاب سعد

سند الحديث:

أورد المصنف الحديث بطريقين:

الأول: ما عن «الذكرى»، عن كتاب «الرحمة» لسعد بن عبد اللَّه مسنداً، عن رجال الأصحاب، عن عمّار الساباطي.

والشهيد وإن كان له طريق معتبر إلى الشيخ الطوسي، الذي يروي كتاب «الرحمة» لسعد بن عبد اللَّه، إلّا أنّ السند من سعد إلى عمّار الساباطي غير معلوم.

والثاني: ما عن محمّد بن مسعود، ومحمد بن الحسن البراثي، عن إبراهيم بن محمّد بن فارس، عن أحمد بن الحسن، عن عليّ بن يعقوب، عن مروان بن مسلم، عن عمّار الساباطي.

أمّا محمّد بن مسعود: فهو العيّاشي، صاحب «التفسير»، وقد تقدّم.

وأمّا محمّد بن الحسن البراثي: فلم يرد في حقه شي ء.

وأمّا إبراهيم بن محمّد بن فارس: فقد قال عنه الكشّي:... وأمّا إبراهيم بن محمّد بن فارس فهو في نفسه لا بأس به، ولكن بعض من يروي هوعنه((1)).

ص: 535


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 812/ 1014 .

وأمّا أحمد بن الحسن: فهو أحمد بن الحسن بن فضّال الفطحي، الثقة ، المتقدم ذكره.

وأمّا عليّ بن يعقوب: فهو الهاشمي، ولم يرد فيه شي ء.

وأمّا مروان بن مسلم: فقد قال عنه النجاشي: مروان بن مسلم، كوفي، ثقة، له كتاب يرويه جماعة ((1)).

والسند غير معتبر، إلّا أن يقال: إنّ كتاب مروان بن مسلم وكتاب عمّار بن موسى كلاهما مشهوران((2))، فلا يحتاجان إلى الطريق.

ص: 536


1- - رجال النجاشي: 419/1120.
2- - أصول علم الرجال 1 : 147، 149.

[321] 5 - وَفِي «الذِّكْرَى»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ عليّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ كُوفِيَّانِ، كَانَا زَيْدِيَّيْنِ، فَقَالا(1): إِنَّا كُنَّا نَقُولُ بِقَوْلٍ، وَإِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَيْنَا بِوَلايَتِكَ، فَهَلْ يُقْبَلُ شَيْ ءٌ مِنْ أَعْمَالِنَا؟ فَقَالَ: «أَمَّا الصَّلاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالصَّدَقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُتْبِعُكُمَا ذَلِكَ وَيُلْحِقُ بِكُمَا. وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلا؛ لأَنَّكُمَا أَبْعَدْتُمَا حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَأَعْطَيْتُمَاهُ غَيْرَهُ»(2).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي كِتَابِ الْحَجِّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(3)3*).

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَأْتِي أَيْضاً مِنْ أَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ وَآدَابِهَا أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي أَبْوَابِ جِهَادِ النَّفْسِ وَغَيْرِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لأَنَّ تِلْكَ الْمَوَاضِعَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً بِهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على إجزاء الصلاة والصوم والحج والصدقة حال الخلاف،بشرط لحوق الاستبصار. وأمّا الزكاة فلا يجزي دفعها له سابقاً؛ لأنّها لم

ص: 537


1- في المصدر زيادة : جعلنا لك الفداء.
2- الذكرى 2 : 432 ، مواقيت القضاء.
3- 3*) يأتي في الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة، وفي الباب 23 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

تصرف في محلّها، وهم أهل الولاية.

بحث رجالي في عليّ بن إسماعيل الميثمي

سند الحديث:

للشهيد طريق معتبر إلى الشيخ الطوسي، ولكنّ طريق الشيخ الطوسي إلى كتب عليّ بن إسماعيل الميثمي مجهول. نعم، طريق الصدوق إليه صحيح، وهو طريق للشيخ، كما بيّنّا غير مرّة، وهو كما في «المشيخة»:

عن أبي رضي اللَّه عنه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي((1)).

أمّا عليّ بن إسماعيل الميثمي: فقد قال عنه النجاشي: علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التّمار، أبو الحسن، مولى بني أسد، كوفي، سكن البصرة، وكان من وجوه المتكلّمين من أصحابنا، كلّم أبا الهذيل والنظّام، له مجالس وكتب((2)).

وقال عنه الشيخ: علي بن إسماعيل بن ميثم التمّار، وميثم من أجلّة أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وعليّ هذا أوّل من تكلّم على مذهب الإماميّة، وصنّف كتاباً في الإمامة سمّاه الكامل، وله كتاب الاستحقاق، رضي اللَّه عنه((3)).

وغاية ما يفيده هذا: المدح، إلّا أنّه روى عنه المشايخ الثقات، مضافاً إلى

ص: 538


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 532 ، المشيخة.
2- - رجال النجاشي: 251/ 661.
3- - فهرست الطوسي: 150/ 374.

ترضّي الشيخ عنه، ووروده في «نوادر الحكمة»((1)).وعليه فهو ثقة.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، واحد منها معتبر، والبقيّة يمكن تصحيحها بأحد المباني المتقدّمة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1 - أنّ عبادات المستبصر السابقة على استبصاره مجزية، فلا يجب عليه إعادتها، ما عدا الزكاة، فلا إشكال في عدم إجزائها. وأمّا الحج فيستحبّ إعادته.

2 - أنّ الحكم المتقدم لا يختصّ بفرقة دون أخرى، فتشمل جميع المخالفين، حتّى من حكم بكفره، كالنواصب والغلاة.

3 - أنّ البقاء على خلاف الحق أعظم من ترك شرائط الصلاة وأفعالها.

4 - حيث إنّ الخلاف للحق هو المعيار في عدم الإجزاء في العبادات، فلو جاء بها مطابقة للمذهب الحق، من دون الاعتقاد بمذهب لم تجزِ((2)).

ص: 539


1- - أصول علم الرجال 2 : 202، و ج1 : 229 .
2- - المراد: أنّ الاعتقاد بالمذهب الحق هو الأصل، والإتيان بالعبادات مطابقاً للمذهب الحق فرع. والالتزام بالفرع لا يفيد مع عدم الالتزام بالأصل والأساس.

ص: 540

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.

2- فهرس الكنى والألقاب.

3- فهرس الأسانيد.

4- فهرس المصادر.

5- فهرس مطالب الكتاب.

ص: 541

ص: 542

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- أ -

إبراهيم بن أبي البلاد (ب11 ح2)................................ 44

إبراهيم بن العباس (ب20 ح16)................................. 265

إبراهيم بن محمّد بن فارس (ب31 ح4).......................... 535

أحمد بن الحسن الميثمي (ب29 ح7) ............................ 481

أحمد = أحمد بن سعيد بن عقدة (الزيدي) (ب26 ح9)........... 411

أحمد بن أبي داود (ب23 ح10).................................. 342

أحمد بن إسحاق (الأشعري القمي) (ب17 ح1).................. 144

أحمد بن زيد (زياد) بن جعفر الهمداني (ب20 ح15)........... 262

أحمد بن سلامة (ب27 ح12).................................... 437

أحمد بن عبدالله بن أبي عبدالله (ب27 ح7)....................... 429

أحمد بن علي الفائدي (ب29 ح19).............................. 506

أحمد بن عمر الحلال (ب23 ح5)................................ 333

أحمد بن عيسى (الكلابي) = أبو الحريش (ب20 ح14)......... 259

أحمد بن فهد (ب18 ح8)......................................... 191

أحمد بن محمّد بن عاصم (ب17 ح7)............................ 163

أحمد بن محمّد بن يحيى (ب11 ح15)........................... 75

أحمد بن محمّد الكوفي (مشترك) (ب17 ح7).................... 163

أحمد بن النضر (الخزاز) (ب18 ح4)........................... 183

ص: 543

أحمد بن هارون الفامي (القاضي) (ب11 ح16)................. 79

أحمد بن يحيى (ب26 ح9)....................................... 412

أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي (ب25 ح1).................. 389

إسماعيل بن جابر الجعفي (ب25 ح1) .......................... 389

إسماعيل بن علي الدعبلي (ب20 ح22)......................... 277

إسماعيل بن موسى بن جعفر (علیه السلام) (ب20 ح14).................... 260

إسماعيل بن نجيح = ابن رمّاح (ب29 ح7)..................... 482

أيوب بن نوح (ابن دراج) (ب17 ح9)........................... 168

- ب -

بريد بن معاوية العجلي (ب31 ح1).............................. 530

بشير (بشر) بن يسار (ب27 ح7)................................ 428

- ت -

تميم بن سلمة (ب26 ح9)........................................ 413

- ث -

ثابت بن هرمز (الفارسي) = أبو المقدام (ب 20 ح17)......... 268

- ج -

جعفر بن سليمان (مشترك) (ب12 ح9) ......................... 99

جعفر بن سليمان، من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) (ب12 ح9)..... 99

جعفر بن سليمان، الضبعي البصري (ب12 ح9) ............... 99

ص: 544

جعفر بن سليمان القمي (ب12 ح9) ............................. 99

جعفر بن محمّد (الأشعري) (ب11 ح6)......................... 54

جعفر بن محمّد بن مالك (ب27 ح12)........................... 436

جعفر بن محمّد بن مسعود العياشي (ب17 ح3)................. 151

جعفر بن نعيم بن شاذان (ب20 ح16)........................... 265

جميل بن صالح الأسدي (ب26 ح8) ............................ 409

- ح -

الحارث (بن المغيرة النصري) (ب29 ح19).................... 507

الحسن بن راشد (ب28 ح6)...................................... 453

الحسن بن ظريف (ب11 ح14).................................. 70

الحسن بن عبدالرحمن (ب29 ح8)............................... 484

الحسن بن عبدالله العسكري (ب20 ح14)........................ 258

الحسن بن علي (ب30 ح1)...................................... 517

الحسن بن مهاجر (ب23 ح17).................................. 355

الحسن بن موسى (ب23 ح6).................................... 335

الحسن بن يحيى (ب23 ح17).................................... 355

الحسين بن الحسن بن أبان (ب20 ح11)......................... 249

الحسين بن زيد (بن علي بن الحسين (ع) (ب23 ح19)......... 357

الحسين بن عبيد الله (مشترك) (ب29 ح19)..................... 506

الحسين بن عبيد الله السعدي (ب29 ح19)....................... 506

الحسين بن عبيد الله السكوني (ب29 ح19)...................... 506

ص: 545

الحسين بن عبيد الله الغضائري (ب29 ح19).................... 506

الحسين بن عبيد الله القزويني (ب29 ح19)...................... 506

الحسين بن عبيد الله القمي (ب29 ح19)......................... 506

الحسين بن علوان (ب11 ح14).................................. 71

الحسين بن علي (ب30 ح1)...................................... 518

الحسين بن محمّد النحوي (التمّار) (ب12 ح9).................. 98

الحسين بن الهيثم (ب20 ح13)................................... 254

الحصين بن مخارق (أبو جنادة السلولي) (ب17 ح6)........... 160

حفص بن البختري (ب20 ح3)................................... 229

حماد بن ابي طلحة (بيّاع السابري) (ب29 ح9)................. 486

حماد بن عمرو النصيبي (ب23 ح14)........................... 350

حمدان بن سليمان (ب18 ح2).................................... 181

حمزة بن عبدالله (الجعفري) (ب29 ح10)....................... 488

حنان بن سدير (ب26 ح4)....................................... 399

حيدر بن محمّد (السمرقندي) (ب17 ح3)........................ 151

- خ -

خالد بن يزيد (ب11 ح14)....................................... 72

خالد الصيقل (ب23 ح11)....................................... 345

- د -

داود (مشترك) (ب11 ح3)....................................... 47

داود بن أبي يزيد (ب11 ح3).................................... 47

ص: 546

داود بن سليمان الحمار (ب11 ح3).............................. 48

داود بن سليمان (الجرجاني، القزويني) (ب22 ح5)............. 310

داود بن فرقد (ب11 ح3)......................................... 47

داود بن كثير الرقي (ب11 ح3).................................. 47

درست بن أبي منصور (ب19 ح5).............................. 215

- ز -

زياد بن رستم (أبوعلي) (ب20 ح18)........................... 272

زياد بن عيسى الحذاء (أبو عبيدة الحذاء) (ب 17 ح4).......... 155

- س -

سالم (والد علي بن سالم) (ب19 ح7)............................ 218

السري بن خالد (ب23 ح14).................................... 351

سعد الإسكاف (ب11 ح2)........................................ 45

سعد بن أبي خلف (الزام) (ب22 ح1)........................... 297

سعد بن طريف (ب23 ح13).................................... 348

سعيد بن أبي سعيد البلخي (ب29 ح17)......................... 501

سعيد بن جناح (ب23 ح8)....................................... 338

سعيد بن كلثوم (ب20 ح18)..................................... 272

سلام بن المستنير (ب19 ح4).................................... 211

سلمة بيّاع السابري (ب20 ح3).................................. 229

سليمان بن جعفر النخعي (ب24 ح2)............................ 372

سليمان الديلمي (ب29 ح3)....................................... 475

ص: 547

سليمان بن عمرو النخعي (ب24 ح2)............................ 371

سيف بن عميرة (ب17 ح9)...................................... 169

- ش -

شريك بن عبدالله (ب26 ح9)..................................... 413

شعبة (بن الحجاج) (ب15 ح2).................................. 130

- ص -

صالح بن خالد (ب11 ح14)..................................... 72

صباح المدائني (ب29 ح18)..................................... 504

صدقة بن عبدالله (ب23 ح17)................................... 355

- ط -

طاهر بن محمّد بن يونس (ب23 ح17).......................... 355

- ع -

عاصم بن حميد (ب17 ح4)...................................... 154

عامر بن رباح (ب22 ح6)....................................... 313

عبّاد بن زياد (ب29 ح11)....................................... 489

عبادة بن زياد (ب29 ح11)...................................... 489

عبّاد بن يعقوب (ب20 ح13).................................... 254

العباس (مشترك) ب28 ح4)..................................... 448

العباس بن عامر القصباني (ب28 ح4)......................... 448

ص: 548

العباس بن معروف (ب28 ح4).................................. 448

العباس بن موسى الوراق (ب28 ح4)............................ 448

العباس بن هاشم الناشري (ب28 ح4)............................ 448

العباس بن هلال (ب28 ح4)..................................... 448

العباس بن الوليد بن صبيح (ب28 ح4).......................... 448

عبد الرحمن بن الحجاج (ب20 ح3)............................. 228

عبد الرحمن (بن شريك القاضي) (ب26 ح9)................... 412

عبد السلام بن صالح الهروي = أبو الصلت (ب20 ح15)...... 262

عبد الكريم بن عمرو (الخثعمي) (ب21 ح6).................... 289

عبدالله بن أبي يعفور (ب11 ح15)............................... 74

عبدالله بن أحمد (ب29 ح12).................................... 492

عبدالله بن أحمد النهيكي (ب19 ح5)............................. 213

عبدالله بن سعيد الوابشي = أبو أحمد الوابشي (ب28 ح11)..... 464

عبدالله بن الصامت (ب15 ح2).................................. 131

عبدالله بن الفضل (ب28 ح7).................................... 456

عبدالله بن محمّد الأسدي = الحجال (ب16 ح2)................. 136

عبدالله بن محمّد المرزبان (بن المرزبان) (ب15 ح2)........... 128

عبدالله بن مسعود (ب26 ح9).................................... 414

عبدالله بن ميمون = ابن القداح (ب11 ح6)...................... 54

عبدالله بن يحيى (ب29 ح12).................................... 492

عبدالله بن يزيد (ب28 ح7)....................................... 458

عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس (ب18 ح2)..................... 181

ص: 549

عبدالواحد بن مهدي = أبو عمر بن مهدي (ب26 ح9).......... 411

عبيد الله بن موسى الحبال (ب9 ح2)............................. 16

عثمان بن زيد (بن عدي، الجهني) (ب22 ح4).................. 304

عقبة (مشترك) (ب12 ح5)....................................... 90

عقبة بن خالد (ب12 ح5)......................................... 91

عقبة بن محمّد (ب12 ح5)....................................... 91

العلاء بن الفضيل (ب23 ح11).................................. 344

عليّ بن أبي حمزة (البطائني) (ب31 ح2)....................... 532

علي بن أحمد بن أبي عبدالله (ب27 ح7)......................... 428

علي بن إسماعيل الميثمي (ب31 ح5)........................... 538

علي بن الجعد (بن عبيد الجوهري) (ب15 ح2)................. 128

علي بن جعفر (المدائني) (ب15 ح2)............................ 129

علي بن الحسن بن علي بن فضال (ب17 ح7).................. 164

علي بن الحسن الطاطري (ب19 ح5)........................... 214

علي بن سالم (ب19 ح7)......................................... 218

علي بن سويد (السائي) (ب23 ح5).............................. 334

علي بن سيف بن عميرة (ب24 ح2)............................. 372

علي بن عاصم (ب29 ح12)..................................... 493

علي بن العباس (الجراذيني) (ب29 ح8)........................ 483

علي بن علي (بن رزين الخزاعي، أخو دعبل الخزاعي) (ب20 ح22) 278

علي بن القاسم بن الحسين (ب23 ح19)......................... 357

علي بن محمد العلوي (ب17 ح7)............................... 163

ص: 550

علي بن مرداس (17 ح2)........................................ 146

علي بن مهرويه (القزويني) (ب22 ح5)......................... 309

علي بن موسى بن جعفر بن محمّد (ابن طاووس) (ب18 ح6).. 189

علي بن ميمون (ب23 ح6)...................................... 336

علي بن يعقوب (الهاشمي) (ب28 ح7).......................... 458

عمر بن أبان (الكلبي) (ب29 ح10)............................. 488

عمر بن أبي عمرو (ب12 ح9).................................. 100

عمر بن محمّد = (أبو بكر الجعابي أو ابن الجعابي) (ب22 ح5) 308

عمر بن محمد ابو حفص الزيات الصيرفي (ب 22 ح5)........ 308

عمر بن محمّد (ابن الزيّات) (ب27 ح12)....................... 435

عمر بن الوليد (ب22 ح6)....................................... 313

عمران الزعفراني (ب18 ح7)................................... 190

العمركي الخراساني (العمركي بن علي البوفكي) (ب12 ح1)... 85

عمرو بن أبي المقدام (ب20 ح11).............................. 249

عمرو بن جميع (ب19 ح2)...................................... 206

عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي (ب20 ح1)..................... 224

عيسى بن أيوب (الأشعري) (ب21 ح1)......................... 281

عيسى الفرّاء (ب11 ح15)....................................... 74

عيسى النهرسيري (ب20 ح10)................................. 245

- ف -

الفجيع العقيلي (ب27 ح12)...................................... 437

ص: 551

الفضل أبو العباس = الفضل بن عبدالملك (ب11 ح1).......... 39

الفضل بن الحسن الطبرسي (أبو علي الطبرسي) (ب20 ح12). 252

الفضل بن كثير المدائني (ب29 ح17)........................... 501

الفضل بن يونس (ب22 ح2)..................................... 300

فضيل بن عثمان (ب28 ح5)..................................... 450

- ق -

القاسم بن الحسين (ب23 ح19).................................. 357

القاسم بن عروة (ب24 ح1)...................................... 368

القاسم بن هشام (اللؤلؤي) (ب17 ح3)........................... 152

القاسم بن يحيى (ب28 ح6)...................................... 453

- ك -

كرّام الخثعمي (ب29 ح13)...................................... 495

كنكر أبو خالد القمّاط (ب11 ح14).............................. 72

- م -

مثنى بن الحضرمي (ب22 ح4).................................. 304

محمّد بن أبي القاسم (ب11 ح11)................................ 65

محمّد بن أحمد (بن حمدان القشيري) (ب20 ح14).............. 259

محمّد بن أحمد بن علي الأسدي (ب15 ح2)..................... 128

محمد بن أحمد بن يحيى (ب20 ح17)........................... 267

محمّد بن أحمد السناني (ب9 ح2)................................ 15

ص: 552

محمّد بن إسماعيل البرمكي (ب20 ح13)........................ 253

محمّد بن جعفر (غندر) (ب15 ح2).............................. 129

محمّد بن جمهور (ب11 ح1).................................... 40

محمّد بن حسّان السلمي (ب29 ح15)............................ 498

محمد بن الحسن البراثي (ب31 ح4)............................. 535

محمّد بن الحسن بن علّان

(زعلان) (ب20 ح6)................ 233

محمّد بن الحسن العامري (ب27 ح12).......................... 437

محمّد بن الحسين الخشّاب (ب9 ح2)............................. 16

محمّد بن حكيم (ب28 ح8)....................................... 460

محمّد بن حمران (النهدي) (ب27 ح9)........................... 432

محمّد بن سليمان (مشترك) (ب28 ح7).......................... 456

محمّد بن سليمان الأصفهاني (ب28 ح7)........................ 457

محمّد بن سليمان البصري الديلمي (ب28 ح7).................. 457

محمد بن سليمان النوفلي (ب28 ح7)............................ 457

محمد بن سنان (ب23 ح11)..................................... 344

محمّد بن سوقة (ب26 ح6)....................................... 405

محمّد بن الصلت (القرشي) (ب20 ح9).......................... 239

محمّد بن عبد الحميد (بن سالم العطار) (ب22 ح6)............. 312

محمّد بن عبدالله بن جعفر (الحميري) (ب11 ح16)............. 79

محمّد بن عثمان الهروي (ب23 ح17)........................... 355

محمّد بن عرفة (ب11 ح8)...................................... 57

ص: 553

محمّد بن علي (أبو سمينة) (ب20 ح10)........................ 243

محمّد بن علي بن النعمان = الأحول (ب19 ح4)................ 209

محمّد بن علي الحلبي (ب11 ح11).............................. 64

محمد بن عمر الجعابي (ب29 ح12)............................ 492

محمّد بن عمر بن يزيد (بيّاع السابري) (ب28 ح3)............. 446

محمّد بن قيس (مشترك) (ب20 ح12)........................... 251

محمّد بن قيس البجلي (ب20 ح12).............................. 251

محمّد بن مارد (ب28 ح2)....................................... 444

محمّد بن المثنى الحضرمي (ب22 ح4)......................... 303

محمّد بن محض (ب9 ح2)....................................... 16

محمد بن مروان (ب26 ح8)..................................... 409

محمّد بن مسعود العياشي (ب17 ح3)............................ 151

محمّد بن همام (ب27 ح12)..................................... 436

محمّد بن يحيى بن سليمان (ب12 ح9)........................... 99

محمّد بن الحسن البراثي (ب31 ح4)............................. 535

مرازم بن حكيم (ب27 ح2)...................................... 421

مروان بن مسلم (ب31 ح4)...................................... 536

مسعدة بن زياد (ب11 ح16)..................................... 79

مسمع (بن عبد الملك) (ب11 ح7)............................... 55

المظفر بن جعفر العلوي (ب17 ح3)............................. 150

معاذ بن ثابت (الجوهري) (ب26 ح7)........................... 407

معاوية (مشترك) (ب11 ح1).................................... 41

ص: 554

معاوية بن عمّار (ب11 ح1)..................................... 41

معاوية بن ميسرة ( ب11 ح1)................................... 42

معاوية بن وهب (ب11 ح1)..................................... 41

معروف بن خربوذ (ب20 ح9).................................. 238

المعلى بن خنيس (ب29 ح13)................................... 495

المفضل بن صالح (ب11 ح11)................................. 64

المقبري أبو سعيد (ب12 ح9).................................... 100

مقرن (مشترك) (ب26 ح6)...................................... 405

منصور (مشترك) (ب26 ح3)................................... 397

منصور بزرج (ب20 ح7)....................................... 234

منصور بن حازم (ب26 ح3).................................... 397

منصور بن يونس بزرج (ب26 ح3)............................ 397

موسى بن إبراهيم (المحاربي) (ب23 ح6)...................... 335

موسى بن إسماعيل (بن الإمام الكاظم (علیهما السلام) ) (ب20 ح14)........... 259

موسى بن بكر (الواسطي) (ب30 ح1)........................... 519

موسى بن عبدالله (مشترك) (ب23 ح6).......................... 336

موسى بن عبد الله بن سعد الأشعري (ب23 ح6)................ 336

موسى بن القاسم (ب31 ح1)..................................... 529

ميّاح المدائني (ب29 ح18)...................................... 504

ميسر (بن عبدالعزيز النخعي) (ب29 ح14)..................... 496

ميمون بن علي (ب23 ح6)...................................... 336

ص: 555

- ن -

نجيّة (مشترك) (ب21 ح3)....................................... 284

نجيّة بن إسحاق (ب21 ح3)...................................... 284

نجيّة بن الحارث (العطار) (ب21 ح3).......................... 285

نجيّة بن الحارث (القواس) (ب21 ح3).......................... 285

نضر بن قرواش (ب23 ح9)..................................... 340

- ه- -

هارون بن الجهم (ب23 ح13)................................... 347

هارون بن خارجة (ب9 ح1)..................................... 13

هشام (مشترك) (ب23 ح17).................................... 355

هشام بن خالد (ب23 ح17)...................................... 355

هشام بن عمارة (ب23 ح17).................................... 355

هلال بن محمّد الحفار (أبو الفتح) (ب20 ح22)................. 276

- ي -

يحيى بن بشير النّبال (ب11 ح9)................................. 60

يحيى (جدّ الحسن) (ب20 ح18)................................. 271

يحيى بن داود (ب12 ح9)........................................ 99

يزيد أبو خالد القمّاط (يزيد بن ثعلبة) (ب11 ح14).............. 72

يزيد بن خليفة (ب12 ح2)........................................ 87

يعقوب بن يوسف (ب17 ح6).................................... 159

يونس بن عمّار (ب24 ح3)...................................... 375

ص: 556

2- فهرس الكنى والألقاب

أبو إسحاق الخراساني (ب20 ح6)............................................................... 233

أبو بكر بن عيّاش (ب27 ح12).................................................................. 437

أبو الجارود = زياد بن المنذر (ب11 ح13).................................................... 69

أبو الحريش (أحمد بن عيسى الكلابي) (ب20 ح14)........................................... 259

أبو خالد (مشترك) (ب11 ح14)................................................................. 71

أبو سمينة = محمّد بن علي (ب20 ح10)....................................................... 243

أبو الصامت (ب29 ح13)........................................................................ 495

أبو الصلت (عبد السلام بن صالح الهروي) (ب20 ح15)..................................... 262

أبو عامر (بن جناح) (ب23 ح8)................................................................. 338

أبو عبيدة (بن عبدالله بن مسعود) (ب26 ح9)................................................... 414

أبو عبيدة الحذّاء = زياد بن عيسى الحذّاء (ب17 ح4)......................................... 155

أبو علي الطبرسي (الفضل بن الحسن الطبرسي) (ب20 ح12)............................... 252

أبو عمر بن مهدي (عبد الواحد بن مهدي) (ب26 ح9)........................................ 411

أبو عمران الجوني = عبدالملك بن حبيب الجوني (ب15 ح2)................................ 130

أبو محمد (الحسن بن محمد) (ب20 ح18)...................................................... 271

أبو محمّد الأنصاري (عبدالله بن إبراهيم) (ب20 ح17)........................................ 268

ص: 557

أبو محمّد الوابشي = عبدالله بن سعيد الوابشي (ب28 ح11).................................. 464

أبو معمّر (ب27 ح12)............................................................................ 437

أبو المقدام = ثابت بن هرمز (الفارسي) (ب20 ح17)......................................... 268

أبو هريرة (ب12 ح9)............................................................................. 100

الأحول = محمّد بن علي بن النعمان (مؤمن الطاق) (ب19 ح4).............................. 209

بعض العراقيين = بعض علماء الكوفة (ب22 ح4)............................................ 303

الحجّال = عبدالله بن محمّد الاسدي الحجّال (ب16 ح2)....................................... 136

الكلبي = عمر بن أبان ( ب29 ح10)............................................................ 488

ابن بقاح = الحسن بن علي بن بقاح (ب26 ح7)................................................ 407

ابن الزيّات = عمر بن محمّد (ب27 ح12)...................................................... 435

ابن سماعة = الحسن بن سماعة (ب29 ح7).................................................... 481

ابن طاووس = علي بن موسى بن جعفر بن محمّد (ب18 ح6)............................... 189

ابن القدّاح = عبدالله بن ميمون (ب11 ح6)...................................................... 54

ص: 558

3- فهرس الأسانيد

أسناد الشيخ الصدوق

سنده إلى أبي عمير (ب11 ح15)................................................................ 74

سنده إلى أبي حمزة الثمالي (ب29 ح12)........................................................ 491

سنده إلى الحسن بن محبوب (ب22 ح1)......................................................... 297

سنده إلى يونس بن ظبيان (ب17 ح9)........................................................... 167

أسناد الشيخ الطوسي

سنده إلى موسى بن القاسم (ب31 ح1)........................................................... 529

أسناد ابن ادريس

سنده إلى كتاب حريز بن عبدالله (ب21 ح5).................................................... 287

سنده إلى كتاب عبدالله بن بكير (ب16 ح3)...................................................... 137

أسناد الشهيد في كتاب الذكرى

سنده إلى كتاب الرحمة لسعد بن عبدالله (ب31 ح4)..................... 535

ص: 559

سنده إلى كتاب علي بن إسماعيل الميثمي (ب31 ح5).................. 538

* * *

سند ابن طاووس إلى كتاب هشام بن سالم (ب18 ح6).................. 188

سند أحمد بن فهد إلى الشيخ الصدوق (ب18 ح8)........................ 191

سند الشيخ الطبرسي في مجمع البيان إلى محمد بن قيس (ب20 ح12) 252

ص: 560

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.

2- اجود التقريرات، تقرير بحث الشيخ الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، بقلم السيد ابوالقاسم الخوئي ، الناشر: مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، الطبعة الاُولى 1420 ه-..

3- الاختصاص، الشيخ المفيد ابي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، تحقيق علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية.

4- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

5- الاربعون حديثا، الشيخ محمد بن الحسين العاملي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الناشر: مؤسسة عاشوراء، الطبعة الاُولى 1426 ه- .

6- إرشاد الأذهان، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ فارس حسون، الطبعة الاُولى، 1410، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

7- الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت،

لبنان.

ص: 561

8- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

9- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق،تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تقرير الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الرابعة، 1434 ه- ، تصحيح الشيخ حسن العبودي، مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي.

10- الأعلام، خير الدين الزركلي، الطبعة الخامسة، أيار، مايو 1980، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.

11- الأغاني، لأبي الفرج الأصبهاني علي بن الحسين، دار إحياء التراث العربي.

12- إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، تحقيق جواد القيومي الاصفهاني، الطبعة الاُولى، رجب 1414، مكتب الإعلام الإسلامي.

13- الأمالي، السيد المرتضى، تصحيح وتعليق: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، الطبعة الاُولى، 1325، 1907م، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

14- الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى 1417، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

15- الأمالي، الشيخ الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 ، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

16- الأمالي، الشيخ المفيد، تحقيق حسين الاُستاد ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1414، 1993 م، دار المفيد للطباعة والنشر

ص: 562

والتوزيع، بيروت، لبنان.

17- الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد المرتضى علم الهدى، موسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.

18- الأنساب، السمعاني، تقديم وتعليق:عبدالله عمر البارودي، الطبعة الاُولى، 1408، 1988م، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

19- بحار الانوار، العلامة المجلسي، الطبعة الثانية المصححة، 1403، 1983م، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

20- بذل المجهود في إثبات مُشابهة الرافضة لليهود، عبد الله الجميلي، مكتبة الغرباء الأثرية.

21- بشارة المصطفى، محمد بن علي الطبري، تحقيق جواد القيوم الإصفهاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

22- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، الشيخ محمد تقي التستري، اعداد وترتيب، الناشر: مؤسسة نهج البلاغة، الطبعة الاُولى، 1418 ه- ، 1997م.

23- تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الواسطي، تحقيق على شيري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

24- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الاُولى، 1417، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

25- تحرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري،

ص: 563

إشراف: جعفر

السبحاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

26- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1422 ه- قم المقدسة.

27- تحفة الأحوذي، المباركفوري، الاُولى، 1410، 1990م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

28- تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

29- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)

لإحياء التراث، قم.

30- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد، تحقيق حسين درگاهي، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

31- تفسير الآلوسي المسمى: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، محمود الآلوسي البغدادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

32- تفسير الرازي، محمد بن عمر الرازي، الطبعة الثالثة.

33- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تحقيق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

34- تفسير القرطبي، القرطبي، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

ص: 564

35- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، صفر 1404، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، إيران.

36- تفسير المراغي، أحمد مصطفى المراغي، الطبعة الاُولى 1365 ه- ، 1946 م، مطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر.

37- تفسير الواحدي، الواحدي، تحقيق صفوان عدنان داوودي، الطبعة الاُولى، 1415، دار القلم، الدار الشامية.

38- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة الاُولى، 1415ه- 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

39- تقريب التهذيب، ابن حجر، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الثانية، 1415، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

40- التقية، الشيخ الانصاري، تحقيق الشيخ فارس الحسون، الطبعة الاُولى 1412 ه- ، مؤسسة قائم آل محمد عجل الله تعالی فرجه الشریف - قم المقدسة.

41- التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- ، قم المقدسة.

42- التنقيح في شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي)، تقريرأبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة، 1428 ه- ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

ص: 565

43- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

44- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الطبعة الاُولى، 1404، 1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.1- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الطبعة الاُولى، 1404، 1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

45- تهذيب الكمال، المزي، تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة 1406، 1985م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

46- التوحيد، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

47- الثقات، ابن حبان، الطبعة الاُولى، 1393، مؤسسة الكتب الثقافية.

48- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة الثانية 1368 ش، منشورات الشريف الرضي، قم.

49- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، دار الأولياء ، بيروت - لبنان.

50- جامع السعادات، محمد مهدي النراقي، تحقيق وتعليق: السيد محمد كلانتر تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر، دار النعمان للطباعة والنشر.

51- الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، الطبعة الاُولى، 1401، 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

52- الجرح والتعديل، الرازي، الطبعة الاُولى، 1371، 1952م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

53- جمال الاُسبوع، السيد ابن طاووس، تحقيق جواد قيومي الإصفهاني،

ص: 566

الطبعة الاُولى، 1371 ش، مؤسسة الآفاق.

54- الجواهر السنية، الحر العاملي، 1384، 1964م، مطبعة النعمان، النجف الأشرف.

55- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

56- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

57- الخصال، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403، 1362 ش، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

58- خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، عبد الغدير 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

59- الدروس الشرعيّة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

60- ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري، طبعة حجرية مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

61- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1419، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

62- رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي داود الحلي، تحقيق السيد

ص: 567

صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، قم المقدسة.

63- رجال البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، مؤسسة النشر في جامعة طهران. 1383ه- .

64- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق جواد القيومي الإصفاني، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1415، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

65- رجال الكشِّي، محمّد بن عمر الكشِّي، مؤسسة النشر في جامعة مشهد، 1348 ش.

66- رجال النجاشي، النجاشي، الطبعة الثامنة، 1427، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

67- رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل عين، لأبي غالب الزراري، الطبعة الاُولى 1411 ه- ، مركز البحوث والتحقيقات الإسلامية.

68- رسائل فقهية، الشيخ الأنصاري، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، ربيع الأول 1414، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

69- الرعاية في علم الدراية، الشهيد الثاني، تحقيق عبد الحسين محمد علي بقال، الطبعة الثانية 1408، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة.

70- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، محمود الآلوسي

ص: 568

البغدادي، الطبعة الاُولى، 1420 ه- ، دار احياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

71- روض الجنان، طبعة حجرية، الشهيد الثاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

72- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، الطبعة الاُولى والثانية، 1386، 1398، منشورات جامعة النجف الدينية.

73- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (علیه السلام) ، السيد علي خان المدني، تحقيق السيد محسن الحسيني، الطبعة الرابعة 1415 ه- ،

موسسة النشر الإسلامي.

74- رياض العلماء، أفندي الأصبهاني، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، 1401، نشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم.

75- السرائر والمستطرفات، ابن إدريس الحلي، الطبعة الخامسة، 1428 ه-، موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

76- سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، الشيخ عباس القمي، الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر، قم، الطبعة الأولى، 1414 ه- .

77- سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الطبعة الاُولى، 1410، 1990م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

78- سنن الترمذي، الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبدالوهاب عبداللطيف، الطبعة الثانية، 1403، 1983م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 569

79- سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان، 1425 - 1426 ه- .

80- السنن الكبرى، البيهقي، دار الفكر.

81- سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق، حسين الأسد، الطبعة التاسعة، 1413، 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

82- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، مع تعليقات: السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية، 1409، انتشارات استقلال، طهران.

83- شرح اُصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، الاُولى، 1421، 2000م، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

84- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

85- شرح الأسماء الحسنى، الملا هادي السبزواري، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، إيران.

86- شرح مسلم، النووي، 1407، 1987م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

87- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل

ص: 570

إبراهيم، الطبعة الاُولى، 1378، 1959م، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.

88- الصحاح، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1407، 1987م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.

89- صحيح مسلم، الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: صدقي جميل العطار، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى ، 1421 ه- - 2000م.

90- الصحيفة السجادية، الإمام علي بن الحسين عليه السلام، الناشر: دار الهادي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى .

91- صفات الشيعة، الشيخ الصدوق، كانون انتشارات عابدي، طهران.

92- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

93- العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تأليف الشيخ محمّد علي المعلم، تحقيق الشيخ حسن العبودي، الطبعة الاُولى 1425 ه- .

94- عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الاُولى، ذي الحجة 1417، 1376 ش.

95- عدة الداعي، ابن فهد الحلي، تصحيح: احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني، قم.

96- العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم اليزدي ، تحقيق موسسة النشر الإسلامي، الناشر: موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقّدسة، الطبعة الاُولى 1420ه- ق.

ص: 571

97- العقد الحسيني، والد البهائي العاملي، تصحيح: السيد جواد المدرسي اليزدي.

98- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385، 1966م، منشورات المكتبة الحيدريةومطبعتها، النجف الأشرف.

99- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404، 1894م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

100- غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمي، تحقيق عباس تبريزيان، الطبعة الاُولى، 1417 ه- ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم.

101- الغيبة، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ عبادالله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الأولى، شعبان 1411 ه- ، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة.

102- فتح الباري، ابن حجر، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

103- فرائد الأصول ، للشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى 1419 ه- .

104- الفصول المهمة في اُصول الأئمة، الحر العاملي، تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1418، 1376 ش، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا (علیه السلام) .

ص: 572

105- فهرست منتجب الدين، المسمى ب- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم، منتجب الدين بن بابويه، تحقيق سيد جلال الدين محدث الأرموي، 1366 ش،

مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

106- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، شعبان المعظم 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

107- فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، تصحيح أحمد بن السلام، الطبعة الاُولى، 1415، 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت.

108- قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، الطبعة الاُولى، 1419 ه- د، قم. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

109- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، الطبعة الاُولى 1412 ه- ، دار إحياء التراث العربي.

110- قرب الاسناد، الحميري القمي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران.

111- قواعد الأحكام، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلّي، الطبعة الاُولى 1419 ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

112- القواعد والفوائد، الشهيد الأول، تحقيق السيد عبدالهادي الحكيم، منشورات مكتبة المفيد، قم، إيران.

113- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة

ص: 573

الخامسة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

114- كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة الاُولى 1417 ه- .

115- كتابالزهد، الحسين بن سعيد الكوفي، تحقيق ميرزا غلام رضا عرفانيان 1399.

116- كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، جمادي الأول 1415، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

117- كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

118- كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410 ، مؤسسة دار الهجرة.

119- كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، فارس حسون كريم، الطبعة الاُولى، 1422، أنوار الهدى.

120- كتاب الموطأ، الإمام مالك، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، 1406، 1985م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

121- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، جار الله محمود بن عمر الزمخشري، الطبعة الثالثة، 1430 ه- ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان.

ص: 574

122- الكشاف في حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لابي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، القاهرة.

123- الكشف الحثيث، سبط ابن العجمي، تحقيق وتعليق: صبحي السامرائي، الطبعة الاُولى، 1407، 1987م، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية.

124- كشف الغطاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، طبعة حجرية، انتشارات مهدوي، اصفهان.

125- كشف اللثام، الفاضل الهندي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

126- كفاية الأصول، الشيخ محمد كاظم بن حسين الخراساني المعروف بالآخوند الخراساني، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لأحياء التراث، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) قم المقدسة، الطبعة الاُولى 1409 ه- .

127- الكفاية في معرفة اصول الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق ابراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، الطبعة الاُولى، 1422ه-، 2003م، دار الهدى.

128- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، محرم الحرام 1405، 1363 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 575

129- كنز العمال، المتقي الهندي، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، 1409، 1989م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

130- مباني تكملة المنهاج، (موسوعة الإمام الخوئي) السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الطبعة الثالثة، 1428 ه- 2007م ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم.

131- المبسوط، السرخسي، 1406، 1986م، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

132- المبسوط، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: السيد محمد تقي الكشفي 1387، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

133- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، 1408، 1367 ش، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

134- مجمع الزوائد، الهيثمي 1408، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

135- مجمع الفائدة والبرهان، المحقق الأردبيلي، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

136- المجموع، محيي الدين النووي، دار الفكر.

137- محاسن التأويل ، محمد جمال الدين القاسمي، تحقيق محمد باسل

ص: 576

عيون السود، الطبعة الاُولى ، 1418 ه- ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

138- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370، 1330ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

139- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الاندلسي، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد، الطبعة الاُولى، 1413 ه- ، دار الكتب العلمية، لبنان.

140- مختلف الشيعة، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ذي القعدة 1413، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

141- مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة. الطبعة الاُولى، محرم 1410، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

142- مرآة العقول، العلامة المجلسي، الطبعة الثالثة، 1370 دار الكتب الإسلامية.

143- مستدرك وسائل الشيعة، الميرزا النوري، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى المحققة، 1408، 1987م، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، لبنان.

144- المستدرك، الحاكم النيسابوري، إشراف: يوسف عبدالرحمن المرعشلي.

145- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الطبعة الرابعة 1404،

ص: 577

منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران.

146- مستند الشيعة، احمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة، الطبعة الاُولى 1415 ه- ، نشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

147- مسند أبي يعلى، لأحمد بن علي بن المثنى التميمي، تحقيق سليم أحمد، الناشر: دار المأمون للتراث، الطبعة الثانية 1412 ه- .

148- مسند أحمد، الإمام احمد بن حنبل، دار صادر، بيروت، لبنان.

149- مشاهير علماء الأمصار، ابن حبان، تحقيق مرزوق علي إبراهيم، الطبعة الاُولى، 1411، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة.

150- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، الطبعة الاُولى، 1411، 1991م، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت لبنان.

151- مصباح الاُصول، (موسوعة الإمام الخوئي) تقرير بحث السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، بقلم السيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي، الطبعة الثالثة، 1428ه- 2007م ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم.

152- مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، طبعة حجرية، منشورات مكتبة الصدر، طهران.

153- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد الفيّومي الطبعة الثانية، 1414ه- ، مؤسسة دار الهجرة، قم.

154- المعارف، ابن قتيبة، تحقيق الدكتور ثروت عكاشة، دار المعارف.

ص: 578

155- معالم العلماء، لابن شهر آشوب ، الناشر: المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الطبعة الاُولى 1380 ه- ق.

156- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1379، 1338ش مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

157- المعجم الكبير، الطبراني، تحقيق وتخريجات حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، مزيدة ومنقحة، دار إحياء التراث العربي.

158- معجم المؤلفين، عمر كحالة، مكتبة المثنى، بيروت، لبنان ودار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

159- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.1- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.

160- معجم مقاييس اللغة، احمد بن فارس زكريا، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404.

161- معرفة الثقات، العجلي، الطبعة الاُولى، 1405، مكتبة الدار، المدينة المنورة.

162- مفاتيح الاُصول، السيد محمد الطباطبائي الكربلائي، طبعة حجرية .

163- مفاتيح الشرائع، المولى محسن الفيض الكاشاني، الطبعة الأولى، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم ايران.

164- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد العاملي، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 1419، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 579

165- مفردات غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، الناشر: مركز نشر كتاب، قم المقدسة، الطبعة الثانية 1404 ه-.

166- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، الطبعة السادسة، 1392، 1972م، منشورات الشريف الرضي.

167- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

168- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376، 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

169- مناهج الأحكام، الميرزا أبو القاسم القمي، الطبعة الاُولى 1420 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

170- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412، مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد.

171- منهاج الصالحين، السيد علي الحسيني السيستاني، الناشر: مكتب السيد السيستاني، قم المقدسة، الطبعة الخامسة 1417 ه- ق.

172- المهذب البارع، ابن فهد الحلي، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، غرة رجب المرجب 1407، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 580

173- المهذّب، القاضى عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسى، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1406 (ه. ق).

174- مواهب الجليل، الحطاب الرعيني، ضبطه وخرَّج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الاُولى 1416، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

175- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الاُولى، 1382، 1963م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

176- نقد الرجال، السيد مصطفى التفرشي، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لأحياء التراث، قم المقدسة، الطبعة الأولى 1418.

177- نهاية الأفكار ، تقرير بحث الشيخ ضياء الدين العراقي، بقلم محمد تقي البروجردي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، بقم المقدسة.

178- نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ الأصفهاني، تحقيق رمضان قلي زاده المازندراني ، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء قم - ايران، الطبعة الاولى 1374 ش.

179- نهاية الدراية، السيد حسن الصدر، ماجد الغرباوي، نشر المشعر.

180- النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين المبارك بن محمد ابن الأثير، تحقيق: د.عبدالحميد هنداوي، الناشر: المكتبة العصرية، بيروت ، 2008م - 1429ه- .

ص: 581

181- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (علیه السلام) ، شرح: الشيخ محمد عبده، الطبعة الاُولى، 1412، 1370 ش، دار الذخائر، قم، ايران.

182- الهداية في الاُصول، تقرير بحث آية الله السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي، بقلم الشيخ حسن الصافي الأصفهاني، مؤسسة صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه، الطبعة الأولى، 1417 ه- .

182- الهداية في الاُصول، تقرير بحث آية الله السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي، بقلم الشيخ حسن الصافي الأصفهاني، مؤسسة صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه، الطبعة الأولى، 1417 ه- .

183- الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، الطبعة الاُولى 1425ه- ، 2005م ، دار الفكر، بيروت - لبنان.

184- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

185- الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الاُولى 1408، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

ص: 582

5- فهرس مطالب الكتاب

9- باب ما يجوز قصده من غايات النيّة وما يستحب اختياره منها

(عدد الأحاديث 3) ص7

الكلام في الضمائم وأقسامها............................................................ 7

الأقوال............................................................................................ 8

صحة العبادة لله خوفاً أو طمعاً.......................................................... 12

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 18

10- باب عدم جواز الوسوسة في النيّة والعبادة

(عدد الأحاديث 1) ص19

سبب الوسوسة وآثارها.................................................................... 19

الأقوال............................................................................................ 21

وجوه استدلال المشهور على حرمة الوسوسة.................................... 24

مناقشة السيد الأستاذ (قدس سره) لتلك الوجوه.............................................. 26

علاج الوسواس............................................................................... 27

المستفاد من الباب............................................................................ 29

11- باب تحريم قصد الرياء والسمعة بالعبادة

(عدد الأحاديث 16) ص31

الفرق بين الرياء والسمعة.................................................................. 31

ص: 583

أقسام الرياء وأحكامها...................................................................... 32

الأقوال............................................................................................ 36

نكتة مهمة في محمّد بن جمهور...................................................... 41

بيان في توثيق داود بن كثير الرقي.................................................... 47

بحث رجالي في المفضّل بن صالح................................................... 64

بحث رجالي في الحسين بن علوان.................................................. 71

اسناد الصدوق (قدس سره) إلى ابن أبي عمير................................................ 74

بيان لتصحيح روايات أحمد بن محمد بن يحيى................................ 75

معنى كون المرائي يخادع الله تعالى.................................................. 77

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 80

12- باب بطلان العبادة المقصود بها الرِّياء

(عدد الأحاديث 11) ص81

الآثار الوضعية للرياء......................................................................... 81

الأقوال............................................................................................ 81

بيان الصحيح من قوله (علیه السلام) : «فهو لمن عمله غيري»............................ 95

الأنحاء العشرة لدخول الرياء في العمل العبادي والحكم الوضعي لكل منها. 103

علاج الرياء...................................................................................... 108

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 110

ص: 584

13- باب كراهية الكسل في الخلوة والنّشاط بين الناس

(عدد الأحاديث 1) ص111

أثر الرياء على العمل العبادي............................................................ 111

الكلام في علامات المرائي.............................................................. 113

تصحيح متن الحديث....................................................................... 114

14- باب كراهة ذكر الإنسان عبادته للناس

(عدد الأحاديث 2) ص117

بيان فضل إخفاء العبادة وكراهة الجهر بها......................................... 117

الأقوال............................................................................................ 118

المستفاد من الباب............................................................................ 124

15- باب عدم كراهية سرور الإنسان باطلاع غيره على عمله بغير قصده

(عدد الأحاديث 2) ص125

بيان عدم كراهة السرور باطلاع غيره على عبادته............................... 125

بحث رجالي في علي بن الجعد........................................................ 128

المستفاد من الباب............................................................................ 131

16- باب جواز تحسين العبادة ليقتدى بالفاعل وللترغيب في المذهب

(عدد الأحاديث 3) ص133جواز تحسين العبادة للاقتداء أو للترغيب اما استثناء أو أنّه مختص بالفرائض...... 133

اسناد ابن إدريس إلى كتاب عبدالله بن بكير..................................... 137

ص: 585

المستفاد من الباب............................................................................ 138

17- باب استحباب العبادة في السر واختيارها على العبادة في العلانية

إلّا في الواجبات

(عدد الأحاديث 9) ص141

الأقوال............................................................................................ 142

أغبط أولياء الله................................................................................. 143

تصحيح الحديث الثالث بوجه آخر.................................................. 146

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 170

18- باب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روى له ثواب عنهم:

(عدد الأحاديث 9) ص173

بيان قاعدة التسامح........................................................................... 173

الأقوال............................................................................................ 174

بيان أنّ الحديث أجنبي عن قول المشهور......................................... 181

إنّ الحديث مقيد لسائر الروايات....................................................... 182

الكلام في شمول الحديث لفتوى الفقيه............................................ 187

اسناد ابن طاووس إلى كتاب هشام بن سالم...................................... 189اسناد أحمد بن فهد إلى الشيخ الصدوق (قدس سره) ..................................... 191

المحتملات في مفاد الأحاديث........................................................ 192

التحقيق في المقام............................................................................ 195

ص: 586

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 198

19- باب تأكّد استحباب حبّ العبادة والتفرّغ لها

(عدد الأحاديث 7) ص199

الكلام في العشق.............................................................................. 203

بحث رجالي في عبدالله بن أحمد النهيكي........................................ 213

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 219

20- باب تأكد استحباب الجدّ والاجتهاد في العبادة

(عدد الأحاديث 22) ص221

الأقوال............................................................................................ 222

أقسام الورع..................................................................................... 223

بحث رجالي في محمد بن علي........................................................ 243

مناقشة السيد الأستاذ في محمد بن علي والجواب عنها...................... 244

اسناد الطبرسي في مجمع البيان إلى محمد بن قيس........................... 252

بحث رجالي في عباد بن يعقوب...................................................... 254

توثيق موسى بن إسماعيل بن جعفر.................................................. 259المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 278

21- باب إستحباب استواء العمل، والمداومة عليه، وأقله سنة

(عدد الأحاديث 7) ص279

الأقوال............................................................................................ 279

ص: 587

بحث رجالي في نجية....................................................................... 284

السرّ في المداومة على العمل إلى سنة............................................... 286

اسناد ابن إدريس إلى كتاب حريز.................................................... 287

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 291

22- باب إستحباب الإعتراف بالتقصير في العبادة

(عدد الأحاديث 7) ص293

أنّ العبد لا يمكن أن يعبد الله حق عبادته.......................................... 293

الأقوال............................................................................................ 294

بحث رجالي في عمر بن محمد........................................................ 308

بحث رجالي في محمد بن عبد الحميد............................................. 312

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 315

23- باب تحريم الإعجاب بالنفس وبالعمل والإدلال به

(عدد الأحاديث 25) ص317

حقيقة العجب.................................................................................. 317

الفرق بين العجب والإدلال............................................................... 318

حرمة العجب................................................................................... 319

عدم بطلان العبادة بالعجب المقارن أو المتأخر.................................. 321

بحث رجالي في سعد بن طريف....................................................... 348

طريق الفهرست المعتبر إلى ابن أبي عمير......................................... 353

ص: 588

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 363

24- باب جواز السرور بالعبادة من غير عجب،

وحكم تجدد العجب في اثناء الصلاة

(عدد الأحاديث 4) ص365

السرور بالعبادة راجح لأنّه يوجب مزيد الحبّ للعبادة........................ 365

الأقوال............................................................................................ 366

خيار العباد من اجتمعت فيه خمس خصال........................................ 368

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 376

25- باب جواز التقية في العبادات، ووجوبها عند خوف الضرر

(عدد الأحاديث 1) ص377

أنواع التقية: وهي ثلاثة..................................................................... 377

من فوائد التقية المداراتية حفظ الوحدة الإسلامية............................. 378

التقية في مقابل النفاق بل هي من أهم الأحكام................................. 381

انقسام التقية للأحكام التكليفية الخمسة............................................. 383

الموارد المستثناة من التقية................................................................ 384

الأقوال............................................................................................ 385

بحث رجالي في إسماعيل بن جابر................................................... 389

المستفاد من الحديث....................................................................... 391

ص: 589

26- باب استحباب الاقتصاد في العبادة عند خوف الملل

(عدد الأحاديث 9) ص393

الجمع بين ما دلّ على الاقتصاد في العبادة وبين ما دلّ على الإكثار منها 393

بحث رجالي في أبي عمر بن مهدي................................................. 411

بحث رجالي في شريك بن عبدالله.................................................... 413

بحث رجالي في عبدالله بن مسعود.................................................... 414

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 415

27- باب استحباب تعجيل فعل الخير وكراهة تأخيره

(عدد الأحاديث 13) ص417

الأقوال............................................................................................ 418

تصحيح الحديث الثامن.................................................................... 430

بحث رجالي في جعفر بن محمد بن مالك........................................ 436

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 439

28- باب عدم جواز استقلال شيء من العبادة والعمل استقلالاً

يؤدي إلى الترك

(عدد الأحاديث 11) ص441

النهي عن استقلال العبادة قبل العمل لا بعده...................................... 441

معني (إذا عرفت فاعمل ما شئت)..................................................... 443

أن الله أخفى أربعة في أربعة............................................................. 451

ص: 590

البحث في محمد بن سليمان............................................................ 456

تصحيح سندي الحديث السابع......................................................... 458

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 464

29- باب بطلان العبادة بدون ولاية الأئمة: واعتقاد إمامتهم

(عدد الأحاديث 19) ص467

أصل الدين هو ما اعتقدت به الإمامية............................................... 467

دلت الأحاديث على اشتراط قبول الأعمال بولاية النبي والأئمة (علیهم السلام) .. 468

الأقوال............................................................................................ 469

بحث في إمكان رواية يونس بن عبدالرحمن عن الإمام الصادق (علیه السلام) . 476

تصحيح اشتباه في سند الحديث الثاني عشر...................................... 493

تقريب دلالة الحديث الثامن عشر على نفي الصحة بوجوه ثلاثة........ 503

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 508

30- باب أن من كان مؤمنا ثم كفر ثم آمن لم يبطل عمله في إيمانه السابق

(عدد الأحاديث 1) ص509

موجبات الارتداد............................................................................. 510

تقسيم المرتد إلى فطري وملّي......................................................... 510

الأحكام المترتبة على الارتداد......................................................... 511

الأقوال في قبول توبة المرتد الفطري................................................ 512

تصحيف طريق الشيخ إلى الحسين بن علي وأنّ الصحيح هو علي بن الحسن.. 518

ص: 591

البحث في كتاب موسى بن بكر واحتمال أنّه كان كله معتبراً............. 520

المستفاد من الباب............................................................................ 521

31- باب عدم وجوب قضاء المخالف عبادته إذا استبصر سوى الزكاة

إذا دفعها إلى غير المستحق، والحج إذا ترك ركناً منه

(عدد الأحاديث 5) ص523

الأقوال............................................................................................ 524

إذا استبصر المخالف بعد خروج الوقت............................................ 525

إذا استبصر المخالف والوقت باقٍ..................................................... 527

حكمه بالنسبة إلى زكاته وحجّه....................................................... 528

تصحيح الحديث الثاني بعدة طرق.................................................... 532

اسناد الشهيد في الذكرى إلى كتاب سعد......................................... 535

بحث رجالي في علي بن إسماعيل الميثمي....................................... 538

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 539

فهارس الكتاب ص541

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.......................................... 543

2- فهرس الكنى والألقاب................................................................ 557

3- فهرس الأسانيد............................................................................ 559

4- فهرس المصادر........................................................................... 561

5- فهرس مطالب الكتاب.......................... 583

ص: 592

المجلد 3

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 496 صفحة

ص: 1

اشارة

ص: 2

الصورة

ص: 3

ایضاح الدلایل فی شرح الوسایل

ص: 4

الصورة

ص: 5

ص: 6

الصورة

ص: 7

ص: 8

مقدّمة

الهدف من تشريع الأحكام الإلهيّة

اشارة

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم؛ ليكون صالحاً بحسب خلقته لنيل رفيع الدرجات، وحيازة عالي المقامات وأتمّ الكمالات، والوصول إلى مرتبة من القرب والرضوان الإلهيين اللذين لا يصل إليهما حتى الملائكة المقرّبون، وهذا يتوقّف على أمور:

الوصول إلی القرب الإلهي متوقف علی ثلاثة أمور

الأوّل: أن يكون الإنسان مختاراً حتى يكون مترقّياً في الكمالات بإرادته وسعيه؛ فإنّه لو لم يكن مختاراً لما أمكن أن يتدرّج في مدارج الكمال، ولما تغيّرت درجته، كما هو الحال في الملائكة؛ فإنّهم على مراتب ثابتة، كما أنّ الحيوانات لما لم يكن عندها اختيار فهي باقية على مرتبتها لا تتغيّر.

الثاني: أن تكون فيه الغرائز المتضادة، كالشجاعة والجبن، والسخاء والبخل، والعفّة والشره، والجور والعدالة، وغيرها مما يتعلّق بالقوى الأربع المودعة في الإنسان، وهي: القوة العاقلة والقوة الغضبيّة والقوة الشهويّة والقوة الواهمة، فإذا أمكنه السيطرة على الصفات الرذيلة بواسطة غلبة القوة العاقلة على القوى الأخرى كان كاملاً وواصلاً إلى الخير والسعادة.

الثالث: أن يكون له هادٍ ومرشد يهديه ويرشده إلى ما يوجب الكمال وتعديل الغرائز وكيفيّة السيطرة عليها، وغير ذلك مما يوافق القوة العاقلة وما أودعه الله في فطرته.

ص: 9

تفصیل الأمور الثلاثة

وهذه الأمور الثلاثة قد منحها الله تبارك وتعالى للإنسان بمقتضى حكمته ولطفه ورأفته.

أمّا الأمران الأوّل والثاني فوجودهما ثابت بالوجدان، قال الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}((1)).

وأمّا الثالث فقد تكفّل سبحانه وتعالى بإرسال الرسل ونصب الأوصياء وإنزال الكتب من عنده، فيها الهدى والنور وجميع ما يحتاجه الإنسان من الأحكام الإلهيّة لبلوغ الغرض الأقصى من خلقته، فالهدف من تشريع الأحكام الإلهيّة المنظمة لأمور معاش الناس ومعادهم هو تحقيق الكمال والسعادة لهم، وحفظهم من الوقوع في الشقاء والضلال والضياع، وذلك كلّه بمقتضى رحمة الله سبحانه بعباده ورأفته تعالى بهم، فلم يُرد بهم سبحانه إلّا الخير والصلاح والسعادة في الدارين، كما قال جلّت عظمته: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}((2))، فجميع تلكم التشريعات ترجع إلى صلاح العباد فيما أحلَّ، وإلى فسادهم فيما حرّم، وقد بيّنت النصوص المعصوميّة هذا المعنى بنحو واضح وجلي، مثل ما روي عن الإمام الرضا (علیه السلام) من قوله :«إنّا وجدنا كلّما أحلّ الله تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم، ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها، ووجدنا المحرّم من الأشياء

ص: 10


1- - الأعلى، الآيات 1-3.
2- - الحديد، الآية 9.

لا حاجة بالعباد إليه، ووجدناه مفسداً داعياً الفناء والهلاك»((1)) .

وهذه التشريعات تمسّ جميع الجوانب المرتبطة بالبشر، فتشمل أمور المعاش وكلّ ما يرتبط بالفرد أو المجتمع ويحقّق الكمال والسلامة والسعادة لهم، كما تشمل سائر أمور المعاد وما يؤدّي إلى تكاملهم في إنسانيتهم وقربهم من الله سبحانه وتعالى، والفوز بالدرجات العالية عنده، ومن ثمّ الحصول على غاية الغايات وهي رضوان الله تعالى الذي هو أكبر نعمة يفيضها الباري على عباده.

والمطّلع على النصوص الشرعيّة يدرك جيداً أمرين واضحين:

تشریع الطهارة بمفهومها الواسع

الأوّل: أنّ المشرّع الأقدس لم يغفل شيئاً يصب في الغرض من خلقة الإنسان، فكلّ ما يؤدّي إلى تكامله إلّا وبينّه وأوضحه، فمن عباداته ومناجاته لخالقه ومعاملاته مع غيره بشتى أصنافها إلى أكله وشربه وقيامه وجلوسه ومشيه وكلامه وصولاً إلى اختيار مواصفات مسكنه وملبسه وكيفيّة تصرّفه فيهما، بل طالت يد التشريع خلجاته النفسيّة فحرّمت بعضها أو كرهته، وأحلّت بعضها الآخر أو ندبت إليه.

الثاني: أنّ المشرّع الأقدس لم يشرّع ما يضرّ بالإنسان في أيّ جانب من جوانب حياته، فلم يشرّع ما يضرّ بصحته البدنيّة ولا النفسيّة، ولا قنّن ما يهزّ مكانته الاجتماعيّة أو يوجب نقصه عند الناس.

ص: 11


1- - علل الشرائع 2 : 316، باب 385 نوادر العلل، ح43.

ومن جملة التشريعات التي تدخل تحت هذين الأمرين هي الطهارة بمفهومها الواسع؛ حيث ورد الاهتمام البليغ بها بعنوانها الواسع الذي يشمل النظافة من النجاسات والأقذار في البدن واللباس ومحيط الإنسان الذي يعيش فيه، كما يعمّ الطهارة الاصطلاحيّة، أي الطهارات الثلاث: الوضوء والغسل والتيمم، بل توسّع فيه ليشمل الطهارة عن رذائل الأخلاق، بل الأفكار والاعتقادات، ولم يكن في هذا التشريع ما يضرّ بالإنسان بدنيّاً أو نفسيّاً، وليس فيه ما ينافي مكانته الاجتماعيّة.

وهذه المصاديق لمفهوم الطهارة لها الأثر البالغ في تكامل العبد وبلوغه المراتب العالية من الكمالات التي لا يمكن له بلوغها إلّا بها.

وتشريع الطهارة بعنوانها الواسع وإن لم يكن على نحو الإلزام في بعض الموارد، كما في موارد التأكيد على النظافة في موارد خاصّة، أو التأكيد على النظافة بصورة عامّة، لكنّه جعلها - أحياناً - من العبادات المقرّبة له تعالى، ويستحقّ فاعلها الثواب، بالإضافة إلى الإلزام في موارد أخرى، حيث جعل الوضوء والغسل والتيمم في أحيان كثيرة من الواجبات التي لا تتمّ العبادة إلّا بها.

أصل الطهارة والنجاسة من الأمور المعهودة عند البشر

ليس من البعيد القول بأنّ النظافة سنّة الطبيعة ولا تختصّ بالإنسان وحده؛ إذ من الواضح جداً أنّ الحيوانات والطيور تلجأ إلى تنظيف أنفسها عمّا يعلق بها من تراب أو غبار أو حشرات أو غير ذلك، بل إنّ الحشرات

ص: 12

كذلك، ولا نجانب الصواب إن قلنا: إنّ الأرض والشمس والبحار والأنهار والأمطار والهواء تشترك في تنظيف الطبيعة وتحوّل الفضلات إلى مواد أخرى غير ضارة كالمعادن الأوليّة، ولولا ذلك لبقيت فضلات الإنسان والحيوان والطيور والحشرات والأشجار على وجه الأرض وتراكمت ولم يمكن العيش فيها، فلو فرضنا أنّ ميتة الحيوانات باقية لا تتحلّل لما أمكن العيش على الأرض؛ حيث إنّها تكون مصدراً للروائح الكريهة والميكروبات المسبِّبة للعديد من الأمراض، ولتشكّلت على الأرض قطعة من الفضلات، وتلوّث الهواء بالرائحة الكريهة المُسَبَّبةِ عن الميكروبات الضارة، إلّا أنّ الحاصل أنّ الأرض بتربتها والشمس بإشراقها والهواء بهبوبه يشتركون في تحليل الميتة إلى أجزاء صغيرة أوّلاً، ومن ثمّ إلى معادن تقبلها الأرض، ولا يكون لها أثر في تلويث الطبيعة، بل الأمر على العكس تماماً؛ إذ بعد تحوّل الميتة إلى معادن تصبح ذات فائدة كبيرة في تغذية النبات وقتل الميكروبات الضارة وغير ذلك من الفوائد، وكذا الكلام في غيرها من الفضلات.

والإنسان ليس بأقل من غيره من الموجودات، فهو يميل بطبيعته إلىتنظيف نفسه وإزالة ما يعلق به من غبار وأتربة وغيرها ممّا ترغب عنه النفس الإنسانيّة وتعافه.

وقد أدرك منذ القِدم - بمقتضى فطرته - النظافة والرغبة فيها، ولا يقتصر الأمر على النظافة، بل الطهارة والنزاهة عنده كذلك؛ لأنّ النظافة متّحدة المعنى مع الطهارة والنزاهة، وإن كانت من حيث المفهوم متعدّدة، ويقابلها

ص: 13

النجاسة والقذارة وشبههما، وهي كمقابلاتها متّحدة المعنى مع تعدّد المفهوم.

نظرة سريعة على تاريخ الحضارات

وإلقاء نظرة سريعة على تاريخ الحضارات قديماً وحديثاً يعطي: أنّ هذه المفاهيم من الأمور الشائعة المتعارفة المعهودة في جميع الأزمان، وقرّرتها كل الأديان؛ لأنّها ممّا تقتضيه الفطرة الصافية، حيث إنّها تقتضي الرغبة في الشيء الذي فيه صفة توجب مرغوبيّته عند الإنسان طلباً للفائدة المرجوّة منه، فكونه على حالته الأولى - لم يطرأ عليه ما يوجب كراهته واستقذاره من تغيّر في الصفات - هو الطهارة ، كما أنّها تقتضي كراهة الإنسان لذلك الشيء نفسه بالطبع إذا تغيّر عن طبعه الأوّلي بحيث ينفر الطبع منها وتشمئز النفس من تناولها أو التعامل معها في أغراضها، وأهم تلك التغيّرات التي تطرأ على الأشياء التي يستعملها الإنسان لأموره المعيشيّة وتخرجها عن طبعها الأوّلي هي: الطعم واللون والرائحة، وكون الشيء فيه صفة توجب كراهته واستقذاره هو النجاسة.

نعم، يوجد الاختلاف بين بني البشر في عدّ بعض المصاديق طاهرة أوقذرة، فقد يكون شيء طاهراً عند قوم، قذراً عند آخرين، لكن هذا لا يعني أنّ أصل الطهارة والقذارة غير معهود عند كل العقلاء.

نعم، من انحرفت فطرته حاد عن هذا الأمر الفطري، ولم يلتزم به، شأنه شأن جميع الانحرافات التي تطرأ على الفطرة، فينتج عنها ما يأباه الذوق، وتنفر عنه النفس السليمة، بل قد يتعدّى هذا الانحراف إلى جعله ديناً يتديّن به، كما عن بعض الرهبان في العصور الوسطى، فقد «كانوا يعدّون طهارة

ص: 14

الجسم منافية لنقاء الروح، ويتأثّمون عن غسل الأعضاء، وأزهد الناس عندهم وأتقاهم أبعدهم عن الطهارة، وأوغلهم في النجاسات والدنس. يقول الراهب اتهينس: إنّ الراهب أنتوني لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره، وكان الراهب أبراهام لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين سنة، وقد قال الراهب الإسكندري بعد زمن متلهّفاً: واأسفاه! لقد كنّا في زمن نعدّ غسل الوجه حراماً فإذا بنا الآن ندخل الحمّامات»((1)).

«وكان في أحد الأديرة النسائيّة 130 راهبة لم تستحم واحدة منهنّ قط أو تغسل قدميها»((2)).

وهذا في الزمن الذي كان المسلمون يرفلون في أثواب الطهارة التي نسجها الإسلام وخلعها عليهم، فكانوا سبّاقين إلى كلّ ما هو شريف جميلموافق للفطرة، فنجد مثلاً أنّه قد انتشرت الحمّامات العامّة في جميع الأقطار الإسلامية، في الوقت الذي كانت أوروبا بالحال الذي مرّ وصفه، بل إنّ معرفتهم بالحمّامات العامّة فيما بعد كان ببركة المسلمين؛ فإنّهم هم الذين عرّفوهم بها. قال ديورانت: «وكان من نتائج الحروب الصليبيّة إدخال حمّامات البخار العامّة من بلاد الإسلام إلى أوربا، وكانت الكنيسة تعارض وجود الحمّامات العامّة بحجّة أنّها تفسد الأخلاق»((3)).

ص: 15


1- - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: 151.
2- - قصة الحضارة 12 : 122.
3- - قصة الحضارة 16 : 208.

هذا كلّه في الطهارة والقذارة في الأمور الحسيّة. ثمّ إنّ الإنسان عمّم هذين المعنيين لغير المحسوسات بجامع وجود الرغبة أو النفرة في كلٍّ، فأجراها في الأقوال والأفعال الاختياريّة والأفكار والأخلاق والاعتقادات، وقسّمها إلى طاهرة وقذرة.

والشارع المقدّس لم يؤسّس أصل الطهارة والنجاسة في المحسوسات؛ لكونهما من الأمور الفطريّة، بل جاء عنه ما يصلح لتقرير هذا الأصل؛ من حثٍّ بليغ على رعاية الطهارة والنظافة ومطلوبيّتها عنده، ومن تنفير شديد عن مقابلها وهي النجاسة والقذارة، وهذا ما يعطيه تصفّح النصوص الشرعيّة، فقد ورد تكرار الطّهارة من الحكيم سبحانه وتعالى في مناسبات عدّة في القرآن الكريم والسنة المعصوميّة للتأكيد على قيمتها وأهميّتها، كما ورد التنفير فيهما من مقابلها.وهذه النصوص الكثيرة جداً تقرر الأصل المذكور. نعم، كشف الشارع - لعلمه بما ينفع العباد في الدارين - عن طهارة أشياء وعن نجاسة أخرى لم يتنبّه لها الناس وخفيت عنهم، بل لا يمكن أن يصلوا إلى العلم بها إلّا عن طريقه.

كما أنّه اهتمّ غاية الاهتمام بالطهارة في غير المحسوسات، واستعمل لفظ الطهارة في المعقول، كما استعمل ما يقرب منها معنى، فاستعمل لفظ النزاهة مريداً به الطهارة من باب الاستعارة في المعقولات كما استعملها في المحسوسات، وكذا الكلام في كلمة القذارة، فإنّ أصل معنى النزاهة

ص: 16

والقذارة هو البعد واستعيرتا للطهارة والنجاسة ((1)).

ومما تقدم يظهر: أنّ الطهارة لا تختص بالطهارة الحسّية، فتشمل المعنويّة أيضاً، وعلى هذا يراد بها الطهارة عن الحدث والخبث، ويراد بها الطهارة عن النيّات الفاسدة، والصفات الذميمة، والاعتقادات المنحرفة.

الطهارة ومراتبها أربعة

ذكر علماء الأخلاق أربع مراتب للطهارة، وهي:

المرتبة الأولى: تطهير الظاهر من الأحداث والأخباث والفضلات.المرتبة الثانية: تطهير الجوارح من الجرائم والآثام والتبعات.

المرتبة الثالثة: تطهير القلب من مساوئ الأخلاق ورذائلها.

المرتبة الرابعة: تطهير السرّ عمّا سوى الله تعالى، وهي تطهير الأنبياء والصدّيقين.

وهذه المراتب مترتب بعضها على بعض، ولا تحصل المرتبة إلّا بتحقّق سابقتها، «فلا يصل إلى طهارة السرّ ممّا سوى الله، وعمارته بمعرفة الله، وانكشاف جلاله وعظمته، ما لم يفرغ عن طهارة القلب عن الأخلاق المذمومة، وتحليته بالملكات المحمودة.

ولا يصل إلى ذلك ما لم يفرغ عن طهارة الجوارح من المعاصي

ص: 17


1- - انظر: الميزان في تفسير القرآن 2 : 209 -210، ومواهب الرحمن في تفسير القرآن 3 : 390.

وعمارتها بالطاعات.

ولا يصل إلى ذلك ما لم يفرغ عن إزالة الخبث والحدث عن الظاهر، وعمارته بالنظافة والنزاهة» ((1)).

فلسفة الطهارة

التكاليف الشرعيّة كلّها ناشئة عن دواعٍ - من مصالح ومفاسد - أدّت إلى تشريعها بعثاً أو زجراً - من قبل المشرّع الأقدس المنزّه عن العبث واللغو، وهذه المصالح والمفاسد تثبت للجعل والتكليف نفسه تارة، وللمكلّف بهأخرى، ويطلق على تلك الدواعي ثلاثة إطلاقات، وهي:

1- علل الأحكام: وهي ما يبعث الشارع على جعل الحكم.

2 - مناطات الأحكام: وهي ما تناط الأحكام الشرعيّة بها وترتبط بها وتعلّق عليها.

3 - ملاكات الأحكام: وهي الدواعي والعلل الثبوتيّة للأحكام.

وهذه الإطلاقات قريبة من بعضها، بل يظهر من بعضهم أنّها مترادفة ((2)).

وفي القبال يوجد مصطلح الحكمة، ويعنون به: «المصلحة المقصودة للشارع من تشريع الحكم»((3)).

ص: 18


1- - جامع السعادات 3 : 248، وانظر: المحجة البيضاء 1 : 225.
2- - قواعد الحديث: 233.
3- - الأصول العامّة للفقه المقارن: 296.

ولما كان تعريفها يقارب تعريف العلّة والمناط عمدوا على التفريق بينهما بأنّ علّة الحكم يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، شأنها شأن العلل التكوينيّة، بخلاف الحكمة فإنّ الحكم لا يدور مدارها وجوداً وعدماً، فهي دلالة وعلامة على الحكم وإرشاد إليه، فقد يوجد الحكم مع تخلّف الحكمة، كما في الحكم بلزوم العدّة للمطلّقة؛ فإنّ الحكمة منه استعلام براءة الرحم، لكن من طلّقها زوجها الغائب عنها سنة مثلاً، أو الحاضر ولم يكن قد جامعها مدّة بحيث لو كانت حاملاً لظهر حملها، فإنّه يجب عليها التربّص مدّة العدّة مع العلم بعدم حملها منه، وكذا لو علمت عدم الحملبالوسائل الحديثة في زماننا، وهذا يكشف عن أنّ استعلام حال المطلّقة من حيث الحمل حكمة لتشريع العدّة، لا أنّه علّة.

الفرق بین علة الحكم و حكمته

وقد وردت الكثير من التشريعات مقرونة بذكر العلل والحِكَم في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وخير مثال لهذه العلل هو ما جمعه شيخ المحدّثين الصدوق(قدس سره) في كتابه «علل الشرائع»، حيث أورد فيه علل وحِكم كثير من التشريعات، وغيرها من الأمور.

كما أورد بعضها الشيخ الحر العاملي في هذا الكتاب.

لكن الكلام فيما يمكن الاعتماد عليه من تلك العلل لتسرية الحكم لغير ما ذكر في الحكم المعلّل، بعد أن كان العقل البشري لوحده محدود الإدراك للمصالح والمفاسد، فإنّ إدراكه يقتصر على «الأحكام الكلّية الشرعيّة الفرعيّة بتوسط نظريّة التحسين والتقبيح العقليين، ولكن على سبيل

ص: 19

الموجبة الجزئيّة»((1))، وأمّا جزئيات تلك الأحكام وبعض مجالات تطبيقها فليست له قابليّة إدراكها؛ لعجزه عن إدراك الجزئيات، ولتحكّم بعض القوى الأخرى كالحواس والغرائز وغيرهما، ولتأثيرها في مجالات تطبيق بعض المدركات العقليّة، حيث إنّها عرضة لكثير من الأخطاء.

نعم، يدرك العقل من الأحكام الكلّية ما كان ملاكه مبتنياً على الذاتي من معاني الحسن والقبح ، كما في حسن العدل وقبح الظلم، ومن هذاالإدراك يدرك حكم الشرع فيه إذا كان إدراكه على سبيل القطع، دون غيرها ممّا كان مبتنياً على ما فيه اقتضاء التأثير كالصدق والكذب، أو ليس فيه حتى الاقتضاء كأكثر المباحات الشرعيّة؛ فإنّ طريق إحراز عدم المانع في الأوّل أو إحراز عروض بعض العناوين الملزمة على الثاني مسدود غالباً، ومع عدم الإحراز لا يحصل القطع، فلا يمكن له الاعتماد على ما أدركه؛ لعدم حجّيته((2)).

ولذا تصدى العلماء لبيان ما يصلح للاعتماد عليه من تلكم الإدراكات، والمهم عندنا الآن ما ذكروه بخصوص ما نحن فيه، ونلخصه في أمرين:

القیاس المقطوع العلة

الأمر الأوّل: القياس المقطوع العلّة، ويندرج فيه بعض القياسات الواضحة كقياس الأولويّة المسمى: مفهوم الموافقة، مثل قوله تعالى: {فَلَا

ص: 20


1- - الأصول العامّة للفقه المقارن: 286.
2- - انظر: الأصول العامّة للفقه المقارن: 278 - 286، وأصول الفقه 3 : 134 و 189، وقواعد الحديث: 238.

تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}((1))، فإنّه دالّ على حرمة الشتم والضرب بالأولويّة، وهو مخصوص بما إذا كان «للكلام ظهور بالفحوى في ثبوت الحكم فيما هو أولى في علّة الحكم، فيكون حجّة من باب الظواهر، ومن أجل هذا عدّوه من المفاهيم وسموه (مفهوم الموافقة)، أمّا إذا لم يكن ذلك مفهوماً من فحوى الخطاب، فلا يسمى ذلك مفهوماً بالاصطلاح، ولا تكفيمجرد الأولويّة وحدها في تعدية الحكم؛ إذ يكون من القياس الباطل»((2)).

وكذا ما يقطع به لمناسبة الحكم والموضوع، كما في العفو عن ثوب المربية ذات الثوب الواحد، حيث تمسكوا للعفو عن النجاسة برواية أبي حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) : سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص واحد، ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال (علیه السلام) : «تغسل القميص في اليوم مرة»، ولم يفرّقوا في المربية بين الأم وغيرها متبرعة أو مستأجرة؛ لعدم خصوصيّة للأمومة في حكم نجاسة بول المولود، بل تعدى بعضهم إلى المربي؛ لأنّ العلّة - وهي الحرج - متحقّقة أيضاً فيه، كما لم يفرّقوا بين الصبي والأنثى؛ لشمول المولود الوارد في الرواية لهما، ولا بين المولود الواحد والمتعدّد، ولم يفرّقوا أيضاً بين الثوب الواحد والأثواب المتعدّدة إذا احتاجت إلى لبسها جميعاً((3)).

ص: 21


1- - الإسراء، الآية 23.
2- - أصول الفقه 3 : 205.
3- - انظر: العروة الوثقى 1 : 221، والروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 525 - 526، ومسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام 1 : 127- 128، والتنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 3 : 449.

القياس المنصوص العلّة

الأمر الثاني: القياس المنصوص العلّة، وهو ما نص على العلّة من الشرع في المقيس عليه مع انحصارها ووجودها في المقيس، أي: الفرع، ومثلوا له بالقول: «الخمر حرام لأنّه مسكر»؛ فإنّ التعليل بالإسكار يقضي بالتعدّي عنمورد الحكم إلى كل مسكر كالنبيذ مثلاً، وهذا مرتبط بما إذا فُهم من العلّة أنّها عامّة غير مختصّة بالمعلّل؛ فإنّه بهذا يكون الحكم - كالحرمة في المثال - شاملاً للفرع، لوجود العلّة فيه، ويكون المعلّل كالمثال للقاعدة العامّة((1)).

وقد اشترط المحقّق الحلي(قدس سره) في سريان الحكم وجود شاهد حال يدلّ على سقوط اعتبار الشرع ما عدا تلك العلّة في ثبوت الحكم((2)).

حكمة تشریع الطهارة

هذا إذا لم يحتف الكلام بما يصلح لصرف التعليل عن الظهور في العلّية، وإلّا لم يصح التعدي عن مورد الحكم، وأطلق على العلّة لفظ الحكمة.

والطهارة الشرعيّة لظاهر الإنسان مما بيّن الشارع الحكمة فيها، بعد أن جعلها من الشروط الأساسيّة للصلاة والطواف والصوم، ومن جملة ما يحقّق التدبر الصحيح في القرآن الكريم، ويقتضي استجابة الدعاء، فقد ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام) : «إنّما أمر بالوضوء وبدئ به؛ لأن يكون العبد طاهراً

ص: 22


1- - انظر: أصول الفقه 3 : 202 - 203 ، وقواعد الحديث: 240.
2- - قواعد الحديث: 241.

إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار»((1))، فالصلاة مناجاة للرب، وقربمنه تعالى يستدعي الطهارة عن النجاسة والحدث والأدناس والرذائل والاعتقادات الفاسدة ليكون المناجي على حالٍ يمكن معه القرب من قدس الله سبحانه، والعبد الملوّث بدنه ولباسه بالنجاسات، والمدنّسة نفسه بالأحداث، والمبتلى بالرجس ورذائل الأخلاق وفاسد الاعتقادات لا لياقة لديه للقيام بين يدي الجبار سبحانه، فإنّ الحضور عند جناب الحق تعالى يتمّ بواسطة الصلاة وتلاوة القرآن، والحضور في تلك الحضرة الطاهرة المقدّسة والقيام اللائق بين يدي الرب الجليل لا يمكن إلّا مع الطهارة، تلك الطهارة التي ينبغي أن تملأ وجود العبد ظاهراً وباطناً.

وهذه الطهارة الظاهريّة هي منشأ الطهارة الروحيّة الباطنيّة والسبيل إليها، فبحدوثها وتكرارها يحسّ الإنسان بتأثيرها في تنوير الروح، وصفاء النفس، وبها تكتسب جميع آثار العبادات المشروطة بها وأهمّها الصلاة، وبواسطتها تتشبّه هذه النفس البشريّة بالملائكة الروحانيين، وتكون لائقة ومستحقة لأن تتطلّع وتطّلع على ملكوت السماوات والأرضين، وتلك هي الغاية العظمى وما أعظمها من غاية، والمنزلة الكريمة وما أكرمها من منزلة.

كما أنّ بهذه الطهارة الظاهرية تحصل الطهارة من الذنوب التي اكتسبتها

ص: 23


1- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 111، باب 34، وعلل الشرائع 1 : 257، باب 182، ح9.

الجوارح والتي كانت عقبة كبيرة تمنع عن القرب الإلهي، فينعكس ذلك على الروح فتصبح منيرة بنور الحقّ جلّ وعلا بعد أن كانت مظلمة بسبب تلبيسات الشيطان ومتابعته، وتصبح لائقة للتشرّف بالحضور إلى كمال القدس والطهارة والنزاهة بعد أن كانت غير لائقة بهذا الشرف، فقد وردعن الإمام أبي جعفر (علیه السلام) : «اعلم: أنّك إذا ضربت يدك في الماء وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم، تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك، فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما، وفوك بلفظه، فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك، فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك، فهذا لك في وضوئك»((1)).

ولو لم تكن للطهارة إلّا هذه الحِكم لكفى في لزومها وشدّة المحافظة عليها، ولذا ورد التأكيد والحث عليها في النصوص الشرعيّة، وجعلها في مرتبة عالية جداً، حتى ورد أنّ المؤمن معقّب ما دام على وضوء، ومن مات على طهارة مات شهيداً، ومن بات على طهور كان كأنّما أحيى الليل، ومن تطهّر وآوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده، وروي أنّ روح المؤمن في نومه تروح إلى الله تعالى فيلقاها ويبارك عليها((2))، بل ورد في إعلاء شأن

ص: 24


1- - من لا يحضره الفقيه 2 : 202، كتاب الحج، باب فضائل الحج، ح 2138.
2- - انظر: مرآة الرشاد: 124.

الطهارة أنّ «الطهور نصف الإيمان»((1))، ويكون النصف الآخر من الإيمان هو العمارة بالطاعة ظاهراً وباطناً ((2))، وأضاف العلامة المجلسي(قدس سره) معنىآخر على نحو الاحتمال فقال: «لعلّ المعنى أنّه نصف الصلاة؛ لشدّة مدخليته في صحتها، وقد سمى الله الصلاة إيماناً في قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}((3))»((4)).

ولأجل ما في الطهارة من الارتباط بالله جلّ وعلا نُدب إلى المداومة عليها حتى يكون العبد في حال حضور دائم وصلة مستمرة بسيّده، وذكر للمداومة عليها عدّة فوائد منها: أنّها سلاح المؤمن لدفع الشيطان، وأنّها تمنع عذاب القبر، وتوجب قضاء الحاجة، وتزيد في العمر والرزق، وتورث مزيد الجاه وعلو المكان والرفعة وصحة البدن والفرح والنشاط، وتزيد في الحفظ والذهن((5)).

الماء أهمّ المطهّرات

والطهارة الظاهريّة تتمّ بأسباب عيّنتها الشريعة المقدّسة، وفصّلت الكلام فيها وفي شروطها عبر نصوص كثيرة احتلت مساحة كبيرة من التراث الروائي.

ص: 25


1- - مستدرك وسائل الشيعة 1 : 357، ب47 من أبواب الوضوء، ح17.
2- - جامع السعادات 1 : 40، والمحجة البيضاء 1 : 226.
3- - البقرة، الآية 143.
4- - بحار الأنوار 77 : 238.
5- - مرآة الرشاد: 123.

ويعتبر الماء أهمّ المطهّرات عن الأخباث في الشريعة المقدسة؛ لأنّ غيره من المطهّرات التي شرّع الشارع المقدّس التطهير بها جعلها مخصوصة بأشياء خاصّة، بخلاف الماء حيث جعله يطهّر كل متنجس، فقد ورد:«الماء يُطَهِّر، ولا يُطَهَّر»((1))، فالماء بطبيعته يطهّر كل ما يقبل التطهير ممّا تنجّس بالأعيان النجسة؛ لأنّه طاهر بنفسه. نعم، ما لا يقبل التطهير لا يطهّره، كالأعيان النجسة مع بقائها على حقيقتها، ومع ذلك فقد يطهّر بعضها كما في ميتة الإنسان؛ فإنّها تطهر بعد تمام غسلها. وبسبب طهارته في نفسه لا يحتاج إلى أن يطهّره شيء، فلا ينافي حاجته إلى أن يُطهّر هو أيضاً فيما إذا تنجّس بنجاسة عرضيّة، بإحدى الطرق المذكورة في محلّها كتطهيره بالجاري والكر.

كما أنّه هو المطهّر الأساس من الأحداث صغيرها وكبيرها. نعم، يحل محلّه التراب إذا لم يتمكّن المكلَّف من استعمال الماء، لكنّ التيمم به لا يرفع الحدث رأساً، وإنّما يبيح الدخول فيما يشترط فيه الطهارة.

الماء نعمة إلهية عظيمة

تكرّر لفظ الماء ثلاثاً وستّين مرّة في القرآن الكريم((2))، ويدلّ ذلك على مزيد عناية واهتمام بشأنه في إراءة علائم القدرة الإلهيّة، والأفضال الربوبيّة، فممّا جاء في بيان إحدى الحقائق التكوينيّة لغرض هداية من أنكر البراهين

ص: 26


1- - من لا يحضره الفقيه 1 : 5، باب المياه وطهرها ونجاستها، ح2.
2- - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 797 - 798.

الدالّة على الخالق العليم للإيمان به قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّشَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}((1))، أي: خلقنا كلّ ذي حياة من الماء، فللماء مدخليّة تامّة في وجود ذوي الحياة، والمراد من ذوي الحياة - بقرينة وقوع هذه الجملة في سياق تعداد الآيات المحسوسة - غير الملائكة والجن ونحوهما، فلا يشكل بأنّ الملائكة والجن خلقوا من غير الماء((2)).

ومثلها في تبيان تلك الحقيقة قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}((3))، وقد أثبتها أكثر من فرع من فروع العلم كعلم الخليّة؛ حيث أثبت أنّ الكائنات الحية تتألّف غالباً من الماء، «فمثلاً: يشكّل الماء حوالي 65 بالمائة من جسم الإنسان، 70 بالمائة من جسم الفيل، 80 بالمائة من درنة البطاطس، 95 بالمائة من ثمرة الطماطم»((4)).

«ولم يكن تكوين الجسم واحتواؤه على هذه الكميّة الكبيرة من الماء معروفاً مطلقاً عند نزول القرآن.

والماء أكثر ضرورة للإنسان من الغذاء، فبينما يستطيع الإنسان أن يعيش 60 يوماً بدون غذاء لا يمكنه أن يعيش بدون ماء من 3 - 10 أيّام على أقصى تقدير.

ص: 27


1- - الأنبياء، الآية 30.
2- - انظر: الميزان في تفسير القرآن 14 : 279.
3- - النور، الآية 45.
4- - الموسوعة العربية العالمية 22 : 10.

والماء أساس تكوين الدم والسائل اللمفاوي والسائل النخاعي وإفرازات الجسم كالبول والعرق والدموع واللعاب والصفراء واللبن والسوائل الموجودة في المفاصل، وهو سبب رخاوة الجسم وليونته.

ولو فقد الجسم 20 بالمائة من مائه، فإنّ الإنسان يكون معرّضاً للموت.

حقيقة الماء من خلال علم الحدیث

والماء يذيب المواد الغذائية بعد هضمها فيمكن امتصاصها، وكذلك يذيب الفضلات العضويّة والمعدنيّة في البول والعرق.

وهكذا يكون الماء الجزء الأكبر والأهم في تكوين الجسم، ولذلك يمكن القول بأنّ كل كائن حي مخلوق من الماء»((1)).

وحقيقة الماء أنّه سائل رقيق عديم الطعم والرائحة واللون، وهو مركّب من: جزيئي هيدروجين، وجزيء أوكسجين. ومن خصائصه التي يتفرّد بها على بقيّة المواد: أنّه يمكنه أن يكون صلباً أو سائلاً أو غازاً، وأنّه يتجمّد في درجة الصفر، ويغلي في درجة مائة من الحرارة ليتحوّل عندها إلى بخار، والماء هو الجزء الأساس لحياة الكائنات الحيّة، فلا يمكنها البقاء حيّة بدونه مدّة طويلة؛ ولذا اقتضت حكمة الباري جلّ وعلا وفرته وتواجده في كلّ مكان، بحيث نجده احتلّ مساحة كبيرة من سطح الكرة الأرضيّة التي هي مسكن ما لا يحصى من الكائنات الحيّة، وتقدّر هذه المساحة بثلاثة أرباع سطح الأرض، يملأ فيها المحيطات والبحيرات والأنهار. هذا، بالإضافة إلى المقادير الضخمة الموجودة في جوف الأرض، ويقدّر علماء الجيولوجيا

ص: 28


1- - الإعجاز الطبي في القرآن الكريم:10.

كميّة الماء الموجود على الأرض ب- «ستة عشر بليون كيلومتر مكعب، أو ما يساوي ستة عشر بليون بليون طن ... ويوجد القسم الأكبر من هذه الكميّة - والتي تقدّر بثلاثة عشر بليون كيلو متر مكعب - في طبقات الأرض الواقعة تحت القشرة الأرضيّة، وهي موجودة على شكل بخار ماء مضغوط، وذلك بسبب الحرارة العالية لباطن الأرض.

أمّا الكمّية المتبقية - والتي تقدّر بثلاثة بلايين كيلو متر مكعب - فإنّ نصفها يدخل في تركيب الصخور والمعادن الموجودة في القشرة الأرضيّة، بينما يوجد النصف الآخر في المحيطات والبحار والأنهار»((1)) .

فوائد الماء في أقوال الأئمة الطاهرین علیهم السلام

كما اقتضت حكمته تعالى أن يكون الوصول إلى الماء سهلاً يسيراً لكي يلبي متطلبات الإنسان الحياتيّة، واحتياجات الحيوانات البرّية والبحريّة؛ فإنّ فوائده جمّة ومنافعه متعدّدة، وكثير منها مغفول عنه لوضوحه وللاعتياد عليه مع أهمّيته للكائنات الحيّة.

وقد ذكر بعض تلك الفوائد والمنافع مولانا الإمام الصادق (علیه السلام) فيما أملاه على المفضل، فقال (علیه السلام) : «ثمّ الماء لولا كثرته وتدفّقه في العيون والأودية والأنهار لضاق عمّا يحتاج الناس إليه، لشربهم وشربأنعامهم ومواشيهم، وسقي زروعهم وأشجارهم وأصناف غلّاتهم، وشرب ما يرده من الوحوش والطير والسباع وتتقلّب فيه الحيتان

ص: 29


1- - انظر: مجلة الحقيقة: العدد السابع، جمادى الأولى والثانية 1429ه- ، أهمّية الماء في حياة الكائنات: 2، بقلم د.إسماعيل القرشي الشريف.

ودواب الماء، وفيه منافع أخر أنت بها عارف وعن عظم موقعها غافل؛ فإنّه سوى الأمر الجليل المعروف من غنائه في إحياء جميع ما على الأرض من الحيوان والنبات: يمزج بالأشربة فتلين وتطيب لشاربها، وبه تنظف الأبدان والأمتعة من الدرن الذي يغشاها، وبه يبلّ التراب فيصلح للاعتمال [للأعمال]، وبه يكفّ عادية النار إذا اضطرمت وأشرف الناس على المكروه، وبه يسيغ الغصان ما غصّ به، وبه يستحمّ المتعب الكالّ فيجد الراحة من أوصابه، إلى أشباه هذا من المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها»((1)).

ولا تنحصر أهمّية الماء فيما ذكره (علیه السلام) - إذ ليس غرضه إلّا التنبيه على بعض الفوائد للاعتبار والتنبّه إلى عظيم نعم الله وعميم فضله على الناس - فإنّ له فوائد أخرى للجسم والنفس وردت في بعض الروايات، كما في رواية أبي طيفور المتطبّب، قال: دخلت على أبي الحسن الماضي (علیه السلام) فنهيته عن شرب الماء، فقال (علیه السلام) : «وما بأس بالماء؟ وهو يدير الطعام فيالمعدة، ويسكّن الغضب، ويزيد في اللب، ويطفي المرار»((2)).

ورواية عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) إذا أفطر بدء بحلواء يفطر عليها، فإن لم يجد فسكرة أو

ص: 30


1- - بحار الأنوار 3 : 122، باب4، توحيد المفضل.
2- - الكافي 6 : 381، كتاب الأشربة، باب آخر منه (أي من فضل الماء)، ح2.

تمرات، فإذا أعوز ذلك كلّه فماء فاتر، وكان يقول: ينقي المعدة والكبد، ويطيّب النكهة والفم، ويقوّي الأضراس، ويقوّي الحدق، ويجلو الناظر، ويغسل الذنوب غسلاً، ويسكّن العروق الهائجة والمرّة الغالبة، ويقطع البلغم، ويطفي الحرارة عن المعدة، ويذهب بالصداع»((1)).

وله فوائد أيضاً كشف عنها الطب الحديث، فقد ذكروا أنّه عنصر مهم في بعض العلاجات مثل الحكّة، والاكزيما، وحب الشباب، والروماتزم الحاد، والنقرس، والتهاب الأذن الوسطى، والتهاب اللوزتين، والصداع، وتصلّب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، والربو، والنزلة الشعبيّة (التهاب القصبة الهوائيّة)، والمغص المعوي، واليرقان، وتضخّم الكبد، والبواسير، وأوجاع القدم.

ولكل مرض من هذه الأمراض طريقة في علاجه بالماء، مذكورة فيكتب الطب المسمى اليوم بالطب البديل((2)).

أقسام الماء

قسّم الفقهاء الماء المطلق إلى: الجاري، والنابع غير الجاري، والبئر،

ص: 31


1- - الكافي 4 : 152، كتاب الصيام، باب ما يستحب أن يفطر عليه، ح4.
2- - انظر: موسوعة صحة الأسرة 7 : 59 - 61، إشراف البرفسور البير جميل، والغذاء والدواء عند أهل البيت (علیهم السلام) : 208 - 212.

والمطر، والكر، والقليل((1)).

أمّا الماء الجاري: فهو النابع السائل على وجه الأرض فوقها أو تحتها كالقنوات، لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغيّر، سواء كان كرّاً أو أقل، وسواء كان بالفوران أو بنحو الرشح.

ولم يشترط بعض الفقهاء النبع في صدق الجريان، واشترط الاتصال بمادّة توجب استمرار جريانه عرفاً وإن لم تنبع من الأرض((2)).

وأمّا الماء الراكد: بلا مادّة إن كان دون الكرّ ينجس بالملاقاة، من غير فرق بين النجاسات، وإن كان بقدر الكر لا ينجس((3)).

وأمّا ماء البئر النابع: فهو بمنزلة الجاري لا ينجس إلّا بالتغيّر، سواء كانبقدر الكرّ أو أقل((4)).

وكذا ماء الحمّام بشرط اتصاله بالخزانة((5)).

وأمّا ماء المطر حال تقاطره من السماء: فهو كالجاري، فلا ينجس ما لم يتغيّر وإن كان قليلاً((6)).

ص: 32


1- - العروة الوثقى 1 : 63، فصل في المياه.
2- - المصدر نفسه: 75.
3- - المصدر نفسه: 79.
4- - المصدر نفسه: 95.
5- - المصدر نفسه: 94.
6- - المصدر نفسه: 88.

وبهذا يظهر: أنّ الماء إمّا أنّه ينفعل بالنجاسة إذا لاقته وإن لم تتغيّر أوصافه، كالقليل وهو ما دون الكرّ، وإمّا أن لا ينفعل وهو المسمى بالمعتصم باصطلاح الفقهاء، وهو ما له مادّة أرضيّة كالجاري وماء البئر، أو سماويّة كما في ماء المطر، أو كان له كثرة حدّدها الشارع المقدّس بالبلوغ مقدار كرّ، ويدخل فيه ماء الحمّام؛ فإنّ العاصم هو الكريّة.

وإن كان المعتصم وغير المعتصم شريكان في الانفعال بالنجاسة إذا لاقتهما وحصل التغيّر للّون أو الطعم أو الرائحة، لكن يختصّ المعتصم بكون النجاسة في محل التغيّر لا كل الماء، بخلاف غير المعتصم فإنّه ينجس كلّه، لا محل التغيّر فقط.

وكل واحد من هذه الأقسام - مع عدم ملاقاة النجاسة - طاهر في نفسه، ومطهّر من الحدث والخبث.

فلسفة الطهارة بالماء

الماء هو المائع الوحيد المناسب للاستعمال في الطهارتين الحدثيّة والخبثيّة، ولعلّه لا تتجلّى لنا الحكمة الكاملة من لزوم استعماله دون سواه في الطهارتين وخصوصاً الحدثيّة، فنأخذ بالحكم تعبّداً، لكن يمكن بنحو من الاعتبار استكشاف بعض الحِكَم من لزوم استعماله.

أمّا مناسبته للطهارة الخبثيّة؛ فالماء هو السائل الوحيد القادر على إزالة الفضلات والقاذورات من النجاسات وغيرها بدون أن يبقي لها أثراً يذكر، وهو معقّم فاعل لكثير من البكتيريا والميكروبات الضارّة والمسبّبة للروائح

ص: 33

الكريهة، فالماء أنقى المطهّرات وأدفعها للقاذورات.

وأمّا مناسبته للطهارة الحدثيّة؛ فلأنّ حكمة الله تعالى اقتضت أن يكسى الإنسان بالجلد لغايات، منها: حفظ الأنسجة والأعضاء تحته، وتنظيم درجة حرارة الجسم بواسطة غدد العرق والشعيرات الدمويّة، وإفراز العرق وبعض الفضلات، كما أنّه يحوي الغدد الدهنيّة المسؤولة عن إنتاج المادة الدهنيّة المكوّنة للفيتامين (د)، ولما كان الجلد معرّضاً

للمؤثرات الخارجيّة من غبار ورواسب، قد تؤدّي إلى انسداد مسام الجلد، ممّا يسبب الأمراض الموضعيّة والعامّة التي تعرقل الوظائف الحيويّة للجلد كان غسله بالماء في الوضوء أو الغُسل خير معين على تفتيح مسام الجلد ممّا يسدّها من العرقوغيره((1)).

ومن نتائج الوضوء ذهاب الكسل عن المتوضي وحلول النشاط مكانه، وطرد النعاس عنه، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار، كما مرّ في حديث الإمام الرضا (علیه السلام) ((2)).

كما أنّ الغسل - بأيّ موجب من موجباته، بل حتى لو كان مندوباً - يؤثّر في الأعضاء الداخليّة لجسم الإنسان، فمن تلك التأثيرات أنّه «يهدّئ الأعصاب، وينشّط الدورة الدموية، وينعش القلب، ويزيد النشاط، وينقص توتّر العضلات، والعمر والصحة فيه سواء، فهو يوصف للشباب والكهول، للمرضى والأصحّاء على حدّ سواء، وهو مفيد لأهل أمراض القلب وارتفاع

ص: 34


1- - انظر: الطب في القرآن الكريم والسنة المطهرة 9 : 37.
2- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 111، باب 34، وعلل الشرائع 1 : 293، باب 182، ح9.

الضغط وأمراض الكلى.

أمّا الاغتسال بالماء البارد فهو منبّه عامّ، يخفض الحرارة، ويعدل النبض، وينشّط النفس، ويزيد سرعة دوران الدم الوريدي والمحيطي»((1)).

ولعدم كفاية الغسل مرّة واحدة في الأسبوع أو الشهر في إزالة الأوساخ والأقذار المحيطة بالبدن شرّع الحكيم تعالى الغُسل، أي: غسل تمام البدن، وجعل له أسباباً عديدة «قد تزيد على المائة، ربما تدعو الإنسان إلى تكرارالغسل في اليوم الواحد مرّتين أو أكثر، فأوجبه لأسباب كثيرة، وندب إليه واستحبه لأسباب أخرى أكثر، ولم يكتف للواجب لغسل الجنابة، بل أوجبه لأسباب أخرى متنوّعة، ولم يكتف في الاستحباب بغسل الجمعة الذي قيل بوجوبه حتى استحبه لأسباب متوفّرة في أوقات متكثّرة، ولاسيما الأيام البارزة من ذوات الشأن كأيام الأعياد ويوم عرفة وفي أكثر أيام شهري رجب وشعبان، ولما كان الصيام في شهر رمضان مستوجباً في الغالب لزيادة التبخّر والأفراز وتراكم الأوساخ جعله مستحبّاً في أكثر لياليه: في بعض ليالي القدر يستحب في أول الليل، ويستحب مرة أخرى في آخره، وفي أيام الزيارات في تلك الأشهر الشريفة وغيرها كشعبان وشهر رمضان وليلة الجمعة إلى كثير من هذه الموارد التي تكفلت كتب الفقه والمصابيح في الأدعية لبيانها، مع استحباب تنظيف الثياب والبزة واستعمال الطيب أيضاً، كل ذلك رعاية و عناية بصيانة هذا الغشاء المحيط بالبدن وهو الجلد الذي

ص: 35


1- - انظر: الطب في القرآن الكريم والسنة المطهرة 9 :40 - 41.

يصلح البدن بصلاحه ويفسد بفساده»((1)).

ولما كان بعض الأعضاء أكثر عرضة من غيره للغبار والأقذار - وهي الأعضاء المكشوفة كالوجه واليدين - لم يكتف الحكيم جلّ وعلا بما شرّعه من تلك الأغسال على كثرتها فحسب، بل أوجب غسل تلك الأعضاء أيضاً مقدمة في كل صلاة وعند كل حدث، بل جعل للوضوء أسباباً عديدةربما تزيد على أسباب الغسل، بعضها توجب الوضوء وبعضها تندب إليه، فاستحبه حتى للأكل والنوم والخروج من البيت، وطلب الحاجة، ولقراءة القرآن، وأوجبه لمس القرآن، ولكل صلاة بعد النوم، وبعد كل حدث، واستحب للإنسان أن يكون دائماً على طهارة، وإن كان في غير صلاة أو طواف أو نحوها((2)).

ص: 36


1- - سفينة النجاة 1 : 160.
2- - المصدر نفسه، بتصرّف.

أبواب الماء المطلق

ص: 37

ص: 38

أبواب الماء المطلق

-----------------------------------------------------------------------------

أبواب الماء المطلق

أصل الماء: ماه، وجمعه مياه، وهو من أوضح المفاهيم العرفيّة، إلّا أنّه قد يقع الشك من قِبل العرف في صدقه على بعض أفراده، فلو وقع فرد منه مورداً للشك في الصدق أو شك في كونه مصداقاً كان اللازم العمل بالأصول.

وقد قسّم في عرف الفقهاء إلى قسمين: ماء مطلق، وماء مضاف؛ لاختلاف الأحكام المترتّبة على كلّ منهما.

الماء المطلق: هو ما يصحّ استعمال لفظ الماء فيه بلا مضافٍ إليه، كالماء الذي يكون في البحر، أو النهر، أو البئر، أو غير ذلك؛ فإنّه يصحّ أن يقال له: ماء، وإضافته إلى البحر مثلاً للتعيين، لا لتصحيح الاستعمال.

والماء المضاف: هو ما لا يصحّ استعمال لفظ الماء فيه بلا مضافٍ إليه، كماء الرّمان وماء الورد؛ فإنّه لا يقال له ماء إلّا مجازاً، ولذا يصحّ سلب الماء عنه.

وأمّا عند العامّة: فالماء المطلق عند الحنفيّة: هو الماء الذي بقي على أصل خلقته، ولم تخالطه النجاسة، ولم يغلب عليه شيء طاهر.

ص: 39

وعند الشافعيّة: هو ما نزل من السماء، أو نبع من الأرض.

وعند الحنابلة: هو الماء الذي لا يضاف إلى اسم شيء غيره((1)).

ص: 40


1- - القاموس الفقهي: 232 ، مادة: «طلق».

1- باب أنه طاهر مطهر يرفع الحدث ويزيل الخبث

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

1- باب أنّه طاهر مطهّر يرفع الحدث ويزيل الخبث

شرح الباب:

إنّ الله جلَّ وعلا كما خلق الإنسان من الماء جعل حياته وبقاءها به أيضاً، وجعل بمقتضى رحمته وإفضاله الماء طهوراً، وخصّه من بين المايعات بالتطهير لما يقع فيه أو يرد عليه، بالشروط المذكورة في محلها؛ منّة منه سبحانه، وتخفيفاً على هذه الأمة، بعد أن كان عدم تطهيره بهذا النحو من جملة الآصار التي كانت على الأمم السابقة. فالماء مطهّر من الأرجاس والقذارات الظاهريّة والمعنويّة.

والمراد بمطهّريّته أنّه يرفع الحدث مطلقاً: وهو الأثر الحاصل للإنسان عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل المانع من الصلاة المتوقّف رفعه على النيّة. ويزيل الخبث مطلقاً: وهو النجَس - بفتح الجيم - مصدر قولك: نجس الشيء ينجس فهو نجس - بالكسر - بالنص والإجماع.

الأقوال:

أمّا الخاصّة: فقد «أجمع العلماء كافّة على أنّ الماء المطلق طاهر في نفسه ومطهّر لغيره، سواء نزل من السماء أو نبع من الأرض، أو أذيب من الثلج والبرد، أو كان ماء بحر، أو غيره، حكاه في المنتهى، كما عن مدارك

ص: 41

الأحكام»((1))، و «هو في الأصل طاهر مطهّر إجماعاً من الخبث والحدث» كما عن «التذكرة»((2))، وعن «الحدائق» أنّه «طاهر في نفسه مطهّر لغيره إجماعاً، فتوى ودليلاً، آية ورواية»((3))، و «إجماعاً مستفيضاً، بل هو مذهب أهل العلم» كما في «المعتبر»، وغيره و «بلا خلاف، كما في السرائر، وغيرها» عن «مفتاح الكرامة»((4))، بل قال في «الجواهر»: إنّه طاهر مزيل للحدث والخبث «كتاباً وسنّة كادت تكون متواترة، وإجماعاً محصّلاً ومنقولاً نقلاً مستفيضاً، بل متواتراً، فما عن سعيد بن المسيّب من عدم جواز الوضوء بماء البحر، وما عن عبد الله بن عمر من أنّ التيمّم أحب إليه، لا يلتفت إليه، على أنّ الثاني غير متحقّق الخلاف، بل لايبعد أن يكون الأول قد أنكر ضرورياً من ضروريات الدين»((5)).

وأمّا العامّة: فقالوا: إنّ الماء المطلق طهور، وهو الباقي على أصل خلقته «وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، إلّا أنّه روي عن ابن عمر أنّه قال في ماء البحر: لا يجزي من الوضوء ولا من الجنابة، والتيمم أحب إليّ منه»((6)).

ص: 42


1- - مدارك الأحكام 1 : 26.
2- - تذكرة الفقهاء 1 : 9.
3- - الحدائق الناضرة 1 : 172.
4- - مفتاح الكرامة 1 : 257.
5- - جواهر الكلام 1 : 62.
6- - الشرح الكبير 1 : 7.

[322] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَسَانِيدِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ وَجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ التُّرَابَ طَهُوراً كَمَا جَعَلَ الْمَاءَ طَهُوراً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وقال ابن رشد في «بداية المجتهد»: «أجمع العلماء على أنّ جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها مطهّرة لغيرها، إلّا ماء البحر؛ فإنّ فيه خلافاً في الصدر الأول شاذاً»((2)).

الماء و التراب طهوران

[1] - فقه الحديث:

قال ابن الأثير: الطُّهور - بالضم - : التطهّر، وبالفتح: الماء الذي يتطهّر به، كالوُضوء والوَضوء، و السُّحور و السَّحور((3)).

وهذا المقطع من الحديث مسوق لبيان طهوريّة التراب، وقد دلّ على أنّطهوريّة الماء مفروغ عنها في نفسها؛ فإنّها مرتكزة عند نوع المتشرعة، ولذا جعلت مشبّهاً به، وطهوريّة التراب مشبّهاً، وغاية ما يدلّ عليه هذا المقطع هو بيان طهوريّة الماء المفروغ عنها، كما أنّ صدر الحديث الذي لم يذكره

ص: 43


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 60 ح223، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 23 من أبواب التيمم، وأورده بتمامه في الحديث 2 من الباب 24 من أبواب التيمّم.
2- - بداية المجتهد 1 : 23.
3- - النهاية في غريب الحديث 3 : 147 ، مادة: «طهر».

الماتن(قدس سره) فيه السؤال عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ فقال الإمام (علیه السلام) : «لا، ولكن يتيمّم الجنب ويصلي بهم»، ثم علّل لزوم التيمّم بقوله: «فإنّ الله عز وجل قد جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» وهذا التعليل يفيد أنّ المراد من الطهور هو المطهّر، فكما أنّ الماء طهور أي: مطهّر من الحدث، كذلك التراب مطهّر منه كالماء، ولكن ليس فيه إطلاق لكونه مطهّراً لكل شيء؛ لأنّ الحديث ليس في مقام بيان ذلك، وإنما هو في مقام بيان أنّ طهوريّة التراب كطهوريّة الماء، بل قد يكون نفس التشبيه قرينة على ذلك؛ وذلك لأنّ شأن التراب هو المطهريّة من الحدث خاصّة، وهو الجنابة هنا لاستباحة الدخول في الصلاة، كما هو مقتضى الجواب عن السؤال، فيكون المراد من طهوريّة الماء هنا: المطهريّة من الحدث خاصةً أيضاً.

بحث رجالي حول محمد بن حمران و جمیل بن درّاج

سند الحديث:

محمد بن حمران وجميل بن درّاج: لهما كتاب مشترك، قال الصدوق في طريقه إليهما: «أبي، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابنأبي عمير، عن محمد بن حمران وجميل بن درّاج»((1))، والطريق صحيح، وقد مضى الكلام في رجاله.

ص: 44


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 430، المشيخة.

[323] 2- قَالَ: وَقَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : «كُلُّ مَاءٍ طَاهِرٌ إِلَّا مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَذِرٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا محمد بن حمران: فالظاهر أنّه النهدي، قال عنه النجاشي: «أبو جعفر، ثقة، كوفي الأصل... له كتاب ... ولهذا الكتاب رواة كثيرة»((2))، وهذا يعني أنّ الكتاب مشهور ومعروف.

وروى عنه المشايخ الثقات كما هنا.

وقوله: «بأسانيده»: المذكور في «المشيخة» طريق واحد، وهو الذي ذكرناه هنا، فيمكن أن يكون ذلك من خطأ النسّاخ.

والسند صحيح.

[2] - فقه الحديث:

القذر هو ما يستكرهه الطبع الإنساني، والمراد به هنا: النجس، ويظهر من هذا الحديث: أنّ الأصل في كل ماء الطهارة حتى تعلم - بالقطع والجزم لابالظن - النجاسة بالتغيّر في الكثير والجاري، وفي القليل إمّا بالتغيّر كما ذهب إليه ابن أبي عقيل، أو بالملاقاة كما هو المشهور، وفي البئر إمّا بالتغيّر أو بالملاقاة مطلقاً أو مع عدم الكرّية.

وقد اختلفوا في مفاد هذا الحديث - وتشترك معه النصوص الدالّة على

ص: 45


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 6، ح1.
2- - رجال النجاشي : 359 / 965.

الحلّية، فما يقال هنا يقال هناك؛ فإنّ البحث واحد - على أقوال كثيرة؛ فإنّ مفاده مردّد بين قاعدة الطهارة الواقعيّة للأشياء بعنوانها الأولي، وقاعدة الطهارة الظاهريّة للأشياء بعنوان كونها مشكوكة الحكم، واستصحابهما:

الأول: ما ذهب إليه المحقّق صاحب الكفاية(قدس سره) في «حاشيته على الرسائل» من الجمع بين القواعد الثلاث، بدعوى: أنّ الصدر تضمّن الحكم على الماء بالطهارة، وظاهر ذلك كون موضوع الحكم هو الماء بعنوانه الأولي، لا الماء بعنوان ثانوي آخر، كالمشكوك مثلاً؛ لأنّه خلاف ظاهر أخذ العنوان، وبعمومه الأفرادي يدلّ على قاعدة الطهارة الواقعيّة. كما أنّ مقتضى الإطلاق الأحوالي هو سراية الحكم بالطهارة في جميع الأحوال، ومنها حالة الشك فيهما، وهو مفاد قاعدة الطهارة الظاهرية. هذا كلّه في الصدر الذي تضمّن الحكم المغيى.

وأمّا الذيل - الذي تضمّن الغاية - فهو ظاهر في استمرار الطهارة إلى حين العلم بالنجاسة، وهذا هو مفاد استصحاب الطهارة((1)).

الثاني: ما ذكره أيضاً في «الكفاية» من أنّ صدر الحديث مختصّ بقاعدة الطهارة للأشياء بعناوينها الأوليّة، ولا يدلّ على قاعدة الطهارة الظاهريّة، وأمّا الغاية فهي مسوقة لبيان استمرار الحكم المذكور في صدر الحديث، وهو مفاد الاستصحاب، والغاية لا تكون قرينة على اختصاص موضوع الحكم

ص: 46


1- - انظر: درر الفوائد2: 529.

بما شك في طهارته، ليقال: إنّ الصدر مختصّ بقاعدة الطهارة الظاهريّة((1)).

الثالث: ما نسبه الشيخ الأعظم لصاحب «الفصول» من ظهور صدر الحديث في بيان الطهارة الظاهريّة، وظهور الذيل في بقاء تلك الطهارة الذي هو مفاد الاستصحاب((2)).

الرابع: أنّ صدر الحديث يدلّ على الطهارة الواقعيّة دون الظاهريّة، والذيل لا يدلّ على الاستصحاب((3)).

الخامس: ما عن بعض الأخباريين، كما يظهر من «الحدائق»، من ظهوره - وغيره - في إناطة النجاسة الواقعيّة بعلم المكلّف، فهو مسوق لبيان قاعدة الطهارة الواقعيّة مع الشك((4)).

وتفصيل الكلام موكول لمحل آخر.

مراسيل الشیخ الصدوق

سند الحديث:

الحديث من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم الكلام فيها مكرّراً. فالحديث معتبر؛ بناء على تماميّة شهادته بصحة ما في «الفقيه» .

ص: 47


1- - انظر: كفاية الأصول: 398 - 399.
2- - انظر: فرائد الأصول 3 : 74 - 75، والفصول الغرويّة: 373.
3- - المصدر نفسه 3 : 73 و76.
4- - الحدائق الناضرة 1 : 136، المقدّمة الحادية عشرة.

[324] 3- قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : «الْمَاءُ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ (1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الماء مطهّر لكلّ ما یقبل التطهیر

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الماء من شأنه أن يطهّر، ولم يتعرّض لكونه مطهراً لأيّ شيء أو بأيّة كيفيّة، ولكنّ الظاهر من حذف المتعلّق: العموم لكل ما يقبل التطهير، إلّا أن يوجد دليل على التخصيص، كما دلّ على أنّه لا يطهّره شيء إذا تنجّس، والمراد من الشيء إمّا غير الماء أو الأعم، وعلى كلّ يثبت أنّ الماء يطهّر الماء، أمّا على احتمال إرادة غير الماء من الشيء فالأمر واضح، وأمّا على احتمال إرادة الأعم فهو مخصّص بغير الماء لشمول «الماء يطهِّر» له، ولعلّه إلى هذا يشير ما ذكره جماعة من علمائنا - كما في الهامش - من أنّ المراد به أنّه يطهِّر غيره ولا يطهِّره غيره؛ لأنّ الماء النجس يطهَّر بإلقاء مقدار كرٍّ عليه، وباتصاله بالجاري ونحوه، وإن كان لا يطهر بتتميمه كرّاً.

فيظهر أنّ الماء مطهِّر لكل شيء حتى الماء، ولا يطهِّره شيء غير الماء. هذا إذا كان الشيء قابلاً للتطهير، وأمّا إذا لم يكن قابلاً له ذاتاً كالكلب أوالخمر، أو لعدم إمكان نفوذ الماء فيه كالدهن المتنجّس، فلا إشكال في

ص: 48


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: المراد بقوله: «الماء يطهِّر ولا يطهَّر» أنّه يطهِّر غيره ولا يطهِّره غيره، ذكره جماعة من علمائنا؛ لأنّ الماء النجس يطهر بإلقاء كرّ عليه وباتصاله بالجاري ونحوه؛ لما يأتي، ولا يطهر بإتمامه كرّاً؛ لما يأتي في الماء المضاف والمستعمل. (منه (قدس سره) ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 6، ح2.

[325] 4- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَهُمْ قَطْرَةُ بَوْلٍ قَرَضُوا لُحُومَهُمْ بِالْمَقَارِيضِ، وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِأَوْسَعِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَجَعَلَ لَكُمُ الْمَاءَ طَهُوراً، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُونَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عدم كونه مطهِّراً له، وأمّا إذا شُكّ في قابليّة شيء للتطهير فالأصل فيه عدم القابليّة، قال في الجواهر: «اللهم إلّا أن يستند في ذلك للحكمة سيّما في مثل قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}((2))

من حيث وروده في معرض الامتنان»((3))، فراجع وتأمّل.

سند الحديث:

الكلام فيه كسابقه.[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الله عز وجل جعل الماء طهوراً يطهّر من

ص: 49


1- تهذيب الأحكام 1 : 356، ح1064، وأورده في الحديث 3 من الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة.
2- - الفرقان، الآية 48.
3- - جواهر الكلام 1 : 134.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ما معنی «قرضوا لحومهم بالمقاریض»؟

النجاسات؛ منّة منه سبحانه على هذه الأمّة، خلافاً لبني اسرائيل؛ حيث كان قرض المحلّ المتنجّس بالبول منه أو من غيره؛ لعموم قوله «قطرة بول» - كما هو ظاهر هذا الحديث - من جملة الآصار التي كانت عليهم، ولكن هذا الظاهر مشكل؛ إذ يفيد أنّ استنجاءهم من البول كان بقرض لحومهم، أي: الموضع الذي أصابه البول، وهذا وإن لم يصدق على مخرج البول؛ لأنّه موضع يخرج منه البول لا موضع أصابه البول، إلّا أنّه يؤدّي إلى نقص البدن، ومن ثمّ الهلاك، حتى لو كان مخرج البول مستثنى، ولو كانوا مكلَّفين بذلك لنقل كما نقل غيره من التكاليف الشديدة التي كانت عليهم، كما أنّ قطع اللحم والجلد يوجب خروج الدم وهو نجاسة أخرى.

وقد أفاد بعضهم في التخلّص عن هذا الإشكال: أنّ قرض النجاسة في شرعهم «لا يستلزم ذلك لطهارة الدم في شرعهم، أو كونه معفوّاً عنه؛ فإنّ المراد بالقرض تمسح خزف، أو حجر أو تراب على الموضع النجس لتزول به النجاسة، ويزول وينقرض الجلد الذي نجس، وما كان يكفي لهم الغسل بالماء، وأمّا قرض الموضع النجس من اللباس وغير ذلك كما وقع في سائر الأخبار، فهو خالٍ عن الإشكال بالمرة»((2)).

ص: 50


1- 1*) من لا يحضره الفقيه 1 : 9، ح13.
2- - بحار الأنوار 77 : 10، ح9 ، انظر الهامش.

هذا، ولكنّ التعبير ب- «قرضوا لحومهم بالمقاريض» يأبى الحمل على مجرد التمسّح بأمثال ما ذكر؛ لأنّ ذكر قرض اللحوم دون الجلود فيه مبالغة في الأخذ والقطع، وذكر المقاريض - وهي جمع مقراض، وهو ما يقطع به كالمقصّ - يبعد القطع بغيرها.

وأحسن منه ما ذكره المعلّق على كتاب «الوافي» حيث قال: «اختلف أهل التحقيق ومنهم المصنّف - أي: المحدّث الكاشاني - رحمهم الله تعالى في توجيه هذا الخبر بتوجيهات لا ترفع الحيرة ولا تطمئن إليها النفس. ونحن نورد أولاً ما أورده الشعراني رحمه الله تعالى، ثم نأتي بما وصل إليه تحقيقنا .

أمّا الشعراني فقال: قرضوا لحومهم بالمقاريض: هذا صريح في قرض البدن، وروى ابن ماجة في حديث: أما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل؟ كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم عن ذلك فعذّب في قبره. ويمكن حمله على القرض من الثوب دون البدن .

وفي تفسير علي بن إبراهيم: إذا أصاب أحدهم البول قطعوه. ويمكن حمله على القطع المعروف في شريعة موسى (علیه السلام) ، أعني: قطع المعاشرةوالمؤاكلة والمصاحبة والإخراج من الجماعة، بإرجاع ضمير المفعول في كلمة (قطعوه) إلى أحدهم، لا إلى البول، أي: أخرج بنو إسرائيل هذا الرجل الذي أصابه البول من جماعتهم حتى يتطهّر، والله أعلم .

ولا بد أن يكون بعض الألفاظ نقلاً بالمعنى على حسب ما فهمه الراوي،

ص: 51

والأصل ما في تفسير علي بن إبراهيم. (وقرضوا لحومهم بالمقاريض) نقلاً له بعبارة أخرى لما فهمه الراوي إرجاع ضمير قطعوه إلى البول .

ولم أرَ إلى الآن وجهاً لتوجيه الرواية تطمئن إليه النفس إلّا من ردّها؛ لعدم اعتماده على خبر الواحد. انتهى ما قاله الشعراني، ثم نقول وبالله التوفيق:

الظاهر: أنّه وقع في هذه الجملة: (قرضوا لحومهم بالمقاريض) تصحيف، والجملة كانت (طهّروه بالمقارض)، والمقارض: الجرة الكبيرة كما يظهر من اللغة((1))، وحيث إن الرواية واردة في مقام الامتنان فمعناها: إن بني إسرائيل إذا أصابهم البول كانوا يطهّرونه بالجرة الكبيرة من الماء، وأنتم تطهّرونه بمقدار قليل من الماء، وبهذا يرتفع الإشكال، ولا نحتاج إلى شيء من هذه التكلّفات، والله أعلم»((2)).

ولكنّ وجاهة هذا الوجه مرهونة بثبوت أنّ المقارض لغة: الجرة، فإنثبت ذلك فبها، وإلّا فإنّ الأحسن المصير إلى توجيه الشعراني من النقل بالمعنى.

وقوله (علیه السلام) : «وجعل لكم الماء طهوراً» أي: مطهِّراً، كما هو الظاهر من المقام إشارة إلى قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً}((3)).

ص: 52


1- - لم أجد في كتب اللغة التي بين يدي ما يسند هذه الدعوى.
2- - الوافي 6 : 16، ح6 ، انظر الهامش.
3- - الفرقان، الآية 48.

ويفهم من التوسعة وجعل الماء طهوراً - كما عن المجلسي الأول - طهارة الماء القليل وماء البئر؛ فإنّه مع نجاستهما يلزم غاية التضييق على هذه الأمّة((1)).

وقوله (علیه السلام) : «فانظروا كيف تكونون» يحتمل أن يكون المراد: انظروا كيف تكونون في الطهارة والاجتناب من النجاسات؛ فإنّ بني إسرائيل مع ذلك التضييق المتقدّم وصفه كانوا يعملون به، فأنتم مع هذه التوسعة أولى بالاهتمام بالطهارة والعمل، ويحتمل الأعم منه ومن شكر نعمه تعالى التي من جملتها التخفيف والتوسعة على هذه الأمّة.

سند الشیخ قدس سره إلی محمد بن أحمد بن یحیی

سند الحديث:

للحديث سندان:

السند الأول: ما ذكره الشيخ الطوسي في «التهذيب»، ورجاله تقدّمالكلام حولهم.

وأمّا سنده إلى محمد بن أحمد بن يحيى فهو ثلاثة طرق:

أحدها: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضل، عن ابن بطة القمّي، عن محمد بن أحمد بن يحيى.

وثانيها: أخبرنا بها أيضاً الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيّد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن يحيى.

ص: 53


1- - روضة المتّقين 1 : 54.

[326] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُنْشِدِ، عنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عنْ يُونُسَ، عنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: «الْمَاءُ كُلُّهُ طَاهِرٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وثالثها: أخبرنا بها جماعة، عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه و محمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى، عنه((2)).

والطريقان الثاني والثالث معتبران، كما ذكر أربعة طرق في «المشيخة»((3)).

وكان الأولى التعبير ب- «أسانيده».فهذا السند معتبر.

السند الثاني: ما عن الصدوق مرسلاً، والكلام فيه مرّ مراراً.

[5] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الأصل في جميع المياه الطهارة حتى يعلم أنّه قذر .

والقذر: ضد النظافة، وشيء قذر: بيّن القذارة((4))، وما تستكرهه الطباع، والمراد ههنا النجس، قال في اللسان: «النَّجْسُ والنِّجْسُ والنَّجَسُ: القَذِرُ من

ص: 54


1- تهذيب الأحكام 1 : 216، ح621.
2- - فهرست الطوسي: 221 / 622.
3- - تهذيب الأحكام 10 : 71، المشيخة.
4- - لسان العرب 5 : 80 ، مادة: «قذر».

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، مِثْلَهُ(1)1*).

وَبِإِسْنَادِهِ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ اللُّؤْلُؤِيِّ، عنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُنْشِدِ، عنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عنْ يُونُسَ، عنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(2)2*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَغَيْرِهِ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ اللُّؤْلُؤِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) :... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

الناس ومن كل شي ء قَذِرْتَه. و نَجِسَ الشي ءُ - بالكسر - يَنْجَسُ نَجَساً، فهو نَجِسٌ ونَجَسٌ، ورجل نَجِسٌ ونَجَسٌ، والجمع أَنْجاسٌ»((4)).

والظاهر أنّ المراد بالعلم: الجازم القطعي، ويحتمل أن يكون المراد ما يشمل الظن؛ لأنّه قد يطلق عليه أيضاً.

سند الحديث:

لهذا الحديث خمسة أسانيد:

ص: 55


1- 1*) الكافي 3 : 1، ح3.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 215، ح619.
3- 3*) الكافي 3 : 1، ح2.
4- - لسان العرب 6 : 226، مادة: «نجس».

السند الأول: للشيخ الطوسي في «التهذيب»، وسنده إلى سعد بن عبد الله الأشعري القمّي في «المشيخة»:

اشتراك جعفر بن محمد بین جماعة

1- الشيخ أبو عبد الله، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله.

2- وأخبرني به أيضاً الشيخ رحمه الله، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله((1)).

وذكر له في «الفهرست» طريقين آخرين فقال: «أخبرنا بجميع كتبهورواياته عدّة من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن رجاله.

قال ابن بابويه: إلّا كتاب المنتخبات، فإنّي لم أروها عن محمد بن الحسن إلّا أجزاء قرأتها عليه، وأعلمت على الأحاديث التي رواها محمد بن موسى الهمداني، وقد رويت عنه كل ما في كتاب المنتخبات ممّا أعرف طريقه من الرجال الثقات .

وأخبرنا الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيّد، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله»((2)).

وفي هذا السند:

جعفر بن محمد، وهو مشترك بين جماعة، المعروف منهم:

ص: 56


1- - تهذيب الأحكام 10: 73، المشيخة.
2- - فهرست الطوسي: 135 / 316.

1- جعفر بن محمد بن قولويه.

2- جعفر بن محمد الأشعري.

3- جعفر بن محمد بن إبراهيم.

4- جعفر بن محمد بن إسحاق، شيخ ثقة كوفي.

5- جعفر بن محمد بن الحسن.

6- جعفر بن محمد بن حكيم.7- جعفر بن محمد بن عبد الله.

8- جعفر بن محمد بن شريح.

9- جعفر بن محمد بن مالك، ضعيف في حديثه.

10- جعفر بن محمد بن يونس الأحول، ثقة.

ويحتمل الانطباق على جعفر بن محمد بن حكيم بقرينة روايته عن يونس. فعليه يكون السند غير معتبر؛ لأنّ جعفر بن محمد بن حكيم لم يرد فيه توثيق.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ «عن يونس» مصحّف «بن يونس»، فيكون السند هكذا: «جعفر بن محمد بن يونس، عن حماد بن عثمان»، وجعفر بن محمد بن يونس يروي عن حماد بن عثمان، ويكون السند على هذا معتبراً؛ لأنّ جعفر بن محمد بن يونس ثقة كما تقدّم.

السند الثاني: ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين.

ص: 57

والكلام فيه هو الكلام في السند السابق.

السند الثالث: ما ذكره الشيخ في «التهذيب»، وهو: بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن أبي داود المنشد، عن جعفر بن محمد، عن يونس، عن حماد بن عيسى.

وفيه: الحسن بن الحسين اللؤلؤي: قال عنه الشيخ في «الرجال»:«روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، ضعّفه ابن بابويه»((1)).

ونقل تضعيف الصدوق له في «الفهرست» عند نقله لاستثناء بعض رجال «نوادر الحكمة»((2)

ولكن قال عنه النجاشي: «كوفي ثقة، كثير الرواية»((3)).

فإن لم تحمل شهادة الصدوق على الغلو، فهي معارضة لشهادة النجاشي.

وفيه أيضاً: أبو داود المنشد : وهو سليمان بن سفيان المتقدّم، الثقة.

السند الرابع: ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى وغيره، عن محمد بن أحمد، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي بإسناد له.

وفيه: اللؤلؤي المتقدّم، ولم يبيّن ما هو إسناده إلى المعصوم (علیه السلام) ، ومن المحتمل أن يكون إسناده ما وقع في طريق الشيخ قبله، فيكون حاله حال سابقه.

ص: 58


1- - رجال الطوسي: 424 / 6110.
2- - فهرست الطوسي: 222 / 622.
3- - رجال النجاشي: 40 / 83.

[327] 6- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عنْ أَبِيهِ، عنْ النَّوْفَلِيِّ، عنْ السَّكُونِيِّ، عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) : الْمَاءُ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

السند الخامس: ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمد بن يعقوب، كما سيصرّح به المصنّف في الحديث الآتي.

وحاله حال السند الرابع.

[6] - فقه الحديث:

مرّ الكلام فيه((3)).

سند الحديث:

للحديث سندان تقدّم الكلام في اعتبارهما مراراً.

ص: 59


1- الكافي 3 : 1، ح1.
2- تهذيب الأحكام 1 : 215، ح618.
3- - راجع الرقم العام في فقه الحديث 324.

[328] 7- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ، عنْ ابْنِ أُخْتِ الْأَوْزَاعِيِّ، عنْ مَسْعَدَةَ بْنِ الْيَسَعِ، عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : الْمَاءُ يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهَّرُ»(1).

وَعنْ النَّوْفَلِيِّ، عنْ السَّكُونِيِّ، عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، عنْ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) ، مِثْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

مرّ الكلام فيه((2)).

سند الحديث:

للحديث سندان:

أولهما: مرسل، وفيه: ابن أخت الأوزاعي: لم يذكر في كتب الرجال، والأوزاعي - وهو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمر - من مشاهير علماء وفقهاء ومحدّثي العامّة ببلاد الشام، وهو صاحب مذهب فيهم.

وفيه أيضاً: مسعدة بن اليسع: لم يرد فيه شيء.

نعم، يحتمل أن يكون متحداً مع مسعدة بن صدقة، وقد نسب إلى جدّهفي هذا الحديث، وكنيتهما واحدة وهي: أبو بشر، ويشهد لذلك إيراد

ص: 60


1- المحاسن 2 : 570، ح4.
2- - راجع الرقم العام في فقه الحديث 324.

[329] 8 - وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْوُضُوءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُوراً، وَلَمْ يَجْعَلْهُ نَجِساً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الكليني له بهذا العنوان فقد قال: «علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة بن اليسع، عن أبي عبد الله (علیه السلام) »((2))، فهذا الحديث ضعيف بالإرسال، لكن يمكن تصحيحه من جهة أنّه في كتاب «المحاسن»، وهو من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع، كما صرّح بذلك الصدوق(قدس سره) في أول «الفقيه»((3)

وعليه فهو في غنى عن الطريق.

وثانيهما: ما رواه البرقي في «المحاسن» أيضاً عن النوفلي، عن السكوني، والسند معتبر.

[8] - فقه الحديث:

هذا الدعاء من جملة الأدعية المأثورة في الوضوء، وقد جاء في صفة وضوء أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وهو نص في أنّ الماء - بحسب خلقته - طهور،قابل لأن يتطهّر به، ولم يجعله الله نجساً لا ينتفع به، وهذا من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده، وهي نعمة وإحسان منه تعالى تستحقّ المقابلة

ص: 61


1- يأتي في الباب 16 من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.
2- - الكافي 6 : 232، باب السمك، ح5.
3- - من لا يحضره الفقيه 1 : 4.

بالحمد عليها - كسائر نعمه تعالى - من قبل العبد.

سند الحديث:

سند الحديث - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الأول من الباب السادس عشر من أبواب الوضوء - هكذا:

«محمد بن الحسن، عن المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن علي بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي مولى محمد بن علي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ».

أما الحسن بن علي بن عبد الله: فهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة البجلي، المتقدّم بعنوان الحسن بن علي الكوفي في الحديث الأول من الباب الأول من أبواب مقدّمة العبادات، وقد وثّقه النجاشي.

وأمّا علي بن حسّان: فقد قال عنه النجاشي: «ضعيف جداً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد، له كتاب تفسير الباطن، تخليط كلّه»((1)).

وجاء في «رجال الكشي»: «قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسنبن علي بن فضّال: عن علي بن حسان؟ قال: عن أيّهما سألت؟ أمّا الواسطي: فهو ثقة، وأمّا الذي عندنا: يروي عن عمّه عبد الرحمن بن كثير فهو كذّاب، وهو واقفي أيضاً، لم يدرك أبا الحسن موسى (علیه السلام) »((2)).

ص: 62


1- - رجال النجاشي: 251 / 660.
2- - اختيار معرفة الرجال: 452/ 851

[330] 9- جَعْفَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» قَالَ: قَالَ (علیه السلام) : «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُوراً لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ ءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ»(1).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ مُرْسَلًا فِي أَوَّلِ «السَّرَائِرِ»، وَنَقَلَ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى رِوَايَتِهِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا عمّه: فقد تقدّم عن النجاشي: أنّه «كان ضعيفاً غمز أصحابنا عليه وقالوا: كان يضع الحديث»((3)).

وعلى هذا فالسند ضعيف.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الماء مخلوق مع صفة الطهوريّة، وأنّه لا ينفعلبشيء من النجاسة إلّا أن يحصل منها فيه تغيّر في اللون أو الطعم أو الريح، وقد استدلّ بإطلاق الماء في هذا الحديث وغيره لابن أبي عقيل على عدم انفعال الماء القليل بدون التغيّر بأحد الأوصاف المذكورة، وسيأتي في الباب الثالث إن شاء الله تعالى ما يردّه من استفادة التقييد من مفهوم بعض الأحاديث ومنطوقها.

ص: 63


1- المعتبر 1 : 40، وفيه: رواه الجمهور عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) .
2- السرائر 1 : 64.
3- - رجال النجاشي: 234 / 621.

[331] 10- مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيدُ فِي «الْمُقْنِعَةِ» عَنِ الْبَاقِرِ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَفْطِرْ عَلَى الْحُلْوِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَأَفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ»(1).

أَقُولُ وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ جِدّاً(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

هذا الحديث عامّي مرسل كما صرّح به الشيخ البهائي في «الحبل المتين»((3)

وقد ادعى ابن إدريس أنّه متفق على روايته، ولكنّه ليسموجوداً في كتب العامّة بهذا اللفظ، وهو أيضاً غير موجود في مجاميعنا الحديثيّة، قال صاحب «الحدائق»: «إنّا لم نقف عليه في شيء من كتب أخبارنا بعد الفحص التام، وبذلك صرّح أيضاً جماعة ممّن تقدمنا»((4)).

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على استحباب إفطار الصائم على شيء حلو كالتمر أو

ص: 64


1- المقنعة: 317، وأورده في الحديث 16 من الباب 10 من أبواب آداب الصائم.
2- يأتي في: أ - الباب 36 من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة. ب - الأحاديث 10 و11 و 14 من الباب 26 من أبواب الجنابة من كتاب الطهارة. ج - الحديث 3 من الباب 98 من أبواب جهاد النفس.
3- - الحبل المتين 1 : 464.
4- - الحدائق الناضرة 1 : 180.

العسل أو السكّر، إن وجد، وعلّل ذلك في الروايات بأنّ «الرجل إذا صام زالت عيناه من مكانهما، فإذا أفطر على الحلو عادتا إلى مكانهما»((1)).

فإن لم يجد الصائم شيئاً حلواً ليفطر به، استحب له الإفطار بالماء؛ فإنّ الماء طهور، يطهّر من الذنوب، أو أنّه طهور لرجز الشيطان من باطن الأمعاء، فيزيد في صحة البدن،كما أفاده بعضهم((2)).

وقد ورد عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: «إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) كان يفطر على الحلو، فإذا لم يجده أفطر على الماء الفاتر، وكان يقول: هو ينقي الكبد والمعدة، ويطيِّب النكهة والفم، ويقوّي الأضراس، ويقوّي الحدق، ويحدّ الناظر، ويغسل الذنوب غسلاً، ويسكّن العروق الهائجةوالمرة الغالبة، ويقطع البلغم، ويطفئ الحرارة عن المعدة، ويذهب بالصداع»((3)).

سند الحديث:

الحديث مرسل.

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، خمسة منها معتبرة، وثلاثة غير معتبرة، والحديثان الباقيان يمكن تصحيحهما بأحد المباني المتقدّمة.

ص: 65


1- - المقنعة: 318.
2- - انظر: بحار الأنوار 77 : 10 ، باب طهوريّة الماء، هامش الصفحة.
3- - المقنعة: 317.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- أنّ الله خلق الماء طهوراً، وخلق التراب كذلك.

2- كل ماء محكوم بالطهارة حتى يُعلَم أنّه قد نجس.

3- أنّ الماء يطهّر غيره، ولا يطهّره غيره.

4- أنّ الله مَنّ على هذه الأمة ووسّع عليهم بأن جعل لهم الماء مطهّراً من النجاسات، خلافاً لبني إسرائيل، حيث لم يجعل لهم ذلك.

5- أنّ بعض أقسام الماء لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر طعمه أو رائحته أو لونه.

6- استحباب الإفطار على الماء إذا لم يجد الحلو.

ص: 66

2- باب أن ماء البحر طاهر مطهر وكذا ماء البئر وماء الثلج

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2- باب أَنّ ماء البحر طاهر مطهّر وكذا ماء البئر وماء الثلج

شرح الباب:

قد ظهر ممّا سبق عدم الفرق بين أنواع المياه في الحكم المذكور، بلا خلاف إلّا ممّن تقدّمت الإشارة إليهم .

وكأنّ روايات الباب ناظرة للخلاف المشار إليه في ماء البحر،كما أنّها لم تتعرّض لغيره هنا، ولعلّ المصنّف أشرك غيره معه؛ لإجماع الأمة على عدم الفرق، وعدم الاعتداد بالخلاف المذكور؛ ولورود ماء البحر مقروناً بماء الثلج في جواب السؤال عن الثلج في غير روايات الباب، كرواية حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يجنب في السفر، لا يجد إلّا الثلج؟ قال: «يغتسل (يغسل) بالثلج أو ماء البحر»((1)).

وسيأتي في الأبواب التالية: أحكام ماء البئر في الأبواب الخاصّة به، وكذا حكم ماء الثلج في أبواب التيمم، إن شاء الله تعالى.

الأقوال:

أمّا الخاصّة: فإجماعهم على أنّ ماء البحر وبقية المياه المطلقة طاهرة في

ص: 67


1- - تهذيب الأحكام 1 : 191، ح 550.

[332] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَطَهُورٌ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الأصل، مطهرة من الحدث والخبث. وبه قال جميع الفقهاء((3)).

وأمّا العامّة: فقد قال ابن قدامة: «كل صفة خلق الله عليها الماء من حرارة أو برودة أو عذوبة أو ملوحة أو غيرها، سواء نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل خلقته، فهو طهور... وهذا قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، إلّا أنّه روي عن ابن عمرو أنّه قال في ماء البحر لا يجزي من الوضوء ولا من الجنابة، والتيمم أعجب إليّ منه، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر»((4)).

طهورية ماء البحر

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ ماء البحر طاهر في نفسه ومطهّر لغيره مطلقاً، وعلى هذا فيجوز رفع الحدث والخبث به، بلا فرق بين انحصار الماء به أو عدمه، وفي إطلاقه ردّ على ما نُسب إلى سعيد بن المسيّب من أنّه إذا كان المكلّف

ص: 68


1- في هامش الأصل المخطوط (منه (قدس سره) ) ما لفظه: «قد خالف في حكم ماء البحر بعض العامة، وهو غلط». (راجع: المعتبر: 8).
2- الكافي 3 : 1، ح4.
3- - الخلاف 1 : 50 ، ومنتهى المطلب 1 : 17.
4- - الشرح الكبير 1 : 7.

[333] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَطَهُورٌ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(1).

وَرَوَاهُمَا الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

واجداً لماء آخر غير ماء البحر لم يجز له الوضوء به((3)).

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: سند «الكافي»، وقد تقدّم أفراده سابقاً، والسند معتبر.

الثاني: سند «التهذيب»، الذي أشار إليه في الحديث الثاني من هذا الباب، وهو سند الشيخ إلى محمد بن يعقوب، فهو نفس السند السابق مضافاًإليه أسانيد الشيخ إلى الكليني، وقد تقدّم اعتبارها، فلا إشكال في اعتبار هذا السند أيضاً.

[2] - فقه الحديث:

هو نفس متن الحديث السابق.

ص: 69


1- الكافي 3 : 1، ح5.
2- تهذيب الأحكام 1 : 216، ح622 و 623.
3- - بحر المذهب 1 : 48.

بحث حول ابي بكر الحضرمي

سند الحديث:

ذكر له المصنف طريقين:

الأول: ما عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى .

وفيه: أبو بكر الحضرمي: وهو عبد الله بن محمد، عدّه ابن شهر آشوب من خواص الإمام الصادق (علیه السلام) ((1)

وروى الكشي عن عمرو بن إلياس قال: دخلت أنا وأبي إلياس بن عمرو على أبي بكر الحضرمي وهو يجود بنفسه، قال: يا عمرو، ليست هذه بساعة الكذب أشهد على جعفر بن محمد أنّي سمعته يقول بهذا الأمر.

وفي رواية أُخرى: قال: أشهد على جعفر بن محمد أنّه قال: «لا يدخل النار منكم أحد»((2)).

وروى عنه المشايخ الثقات، وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسيرالقمي»((3)).

والثاني: تقدّم الكلام عنه، وهو أيضاً معتبر.

ص: 70


1- - مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 716.
3- - أصول علم الرجال 2 : 219، و ج1 : 245، 289.

[334] 3- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز رفع الحدث بماء البحر، ولازمه أنّه طاهر ومطلق؛ إذ لا يصحّ رفع الحدث بغير الطاهر والمطلق، وعلى هذا فيجوز رفع الخبث به بالإجماع؛ فإنّ كلّ ماء يرفع الحدث فإنّه يرفع الخبث، فقد دلّ على جواز رفع الحدث والخبث به، بلا إشكال.

الوضوء بماء البحر

سند الحديث:

تقدّم الكلام فيه في الباب الرابع من أبواب مقدمة العبادات((2))، وقلنا: إنّ عبد الله بن الحسن العلوي وإن لم يرد فيه توثيق إلّا أنّا ذكرنا في كتابنا «التقيّة» وجوهاً ثلاثة بها يمكن تصحيح جميع روايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((3)).

ص: 71


1- قرب الإسناد: 180.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 391.
3- - التقيّة 1 : 452 - 454.

[335] 4- جَعْفَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» قَالَ: قَالَ (علیه السلام) وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ(1)»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4)، وَأَحَادِيثُ مَاءِ الثَّلْجِ تَأْتِي فِي بَحْثِ التَّيَمُّمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(5)، وَأَحَادِيثُ مَاءِ الْبِئْرِ تَأْتِي قَرِيباً(6).

-----------------------------------------------------------------------------

حلية ميتة ماء البحر

[4] - فقه الحديث:

اشتمل الحديث على بيان حكمين لماء البحر:

الأول: أنّ ماء البحر طهور يرفع الحدث ويزيل الخبث.

والثاني: أنّ ميتته حلال، أي: السمك المخرج منه حيّاً؛ فإنّه ميتة بحسب الظاهر، وهي طاهرة، ولا بد من المصير إلى الاختصاص بالسمك، وإلّا لزمتحليل جميع ما في البحر من الحيوان وليس كذلك إجماعاً.

ص: 72


1- في هامش المخطوط (منه (قدس سره) ) ما لفظه: «قوله: الحل ميتته: إشارة إلى إباحة السمك إذا أخرج من الماء حيّاً ثم مات، فإنّه بحسب الظاهر ميتة، وهو طاهر».
2- المعتبر 1 : 36.
3- تقدّم في الباب السابق.
4- يأتي في الباب 7 من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.
5- تأتي في الباب 10 من أبواب التيمم.
6- تأتي في هذه الأبواب من الباب 14 إلى الباب 24.

سند الحديث:

الحديث مرسل.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، ثلاثة منها معتبرة، وواحد مرسل.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من الباب أُمور، منها:

1- أنّ ماء البحر طاهر في نفسه، مطهّر لغيره.

2- أنّ ماء البحر كغيره من أنواع المياه المطلقة يرفع الحدث، ويزيل الخبث، سواء وجد معه ماء آخر أم لم يوجد.

3- أنّ ميتته - وهي كل ما كان له فلس وأُخرج حيّاً منه - حلال.

ص: 73

ص: 74

3- باب نجاسة الماء بتغيّر طعمه، أو لونه، أو ريحه، بالنجاسة لا بغيرها، من أيّ قسم كان الماء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3- باب نجاسة الماء بتغيّر طعمه، أو لونه، أو ريحه، بالنجاسة لا بغيرها، من أيّ قسم كان الماء

شرح الباب:

الماء المطلق إذا تغيّرت أوصافه - وهي الطعم أو اللون أو الرائحة - بسبب ممازجته لشيء، فإمّا أن تتغيّر بأوصاف الطاهر أو النجس، فإن تغيرت بأوصاف الطاهر لم يخرج الماء عن إفادة التطهير ما لم ينقلب إلى ماء مضاف، ولا فرق في التغيير بين ما إذا كان بما لا ينفك الماء عنه عادة كالتراب وورق الأشجار، أو كان بما ينفك عنه كالزعفران وماء الورد.

وإن تغيرت بأوصاف النجس الثلاثة - وهي الطعم أو اللون أو الرائحة - نجس، وأمّا إذا تغيرت بغير الأوصاف الثلاثة - كالحرارة والبرودة والخفّة والثقل - لم ينجس.

وهذا الحكم لا يختصّ بقسم من أقسام الماء دون آخر، بل كل الأقسام لها هذا الحكم إذا حصل فيها التغيّر المذكور.

والجدير بالذكر هنا: أنّ المحقق العاملي ادّعى في «المدارك» أنّ الأحاديث اقتصرت على التغيّر في الطعم والريح، ولم تتعرّض للتغيّر في

ص: 75

اللون، حيث قال: «أنّا لم نقف في روايات الأصحاب على ما يدل على نجاسة الماء بتغيّر لونه، وإنّما الموجود فيها نجاسته بتغيّر ريحه، كما ورد في صحيحتي أبي خالد القمّاط، وحريز بن عبد الله عن الصادق (علیه السلام) ، وما تضمّن ذلك عامي مرسل»((1)).

ووافقه صاحب «الحدائق» ضمناً، وقال في توجيه ذلك: «ولعلّ السرّ في اشتمال أكثر الأخبار على التغيّر الطعمي والريحي دون اللوني: أنّ تغيّر الطعم والريح أسرع من تغيّر اللون، أو لا ينفك تغيّر اللون من تغيرهما، فلا ثمرة في التعرّض له حينئذ»((2)).

والتحقيق: أنّ التغيّر باللون مذكور أيضاً في رواياتنا، كالحديث الثالث من هذا الباب؛ فإنّ فيه التغيّر بالدم، وهو التغيّر باللون عرفاً، وكذا الحديث السابع؛ فإنّ فيه التصريح بالتغيّر باللون، ومثله الحديث الحادي عشر من الباب التاسع؛ فقد جاء فيه: قلت: فما التغيّر؟ قال: «الصفرة، فتوضأ منه»، فإنّ ذكر خصوص الصفرة لبيان اللون الذي يحصل من ممازجة الجيفة.

وأيضاً توجد خمسة أحاديث في «مستدرك الوسائل» في الباب الثالث ذكر فيها التغيّر باللون صريحاً((3)).

هذا، مضافاً إلى التعليل المذكور عن صاحب «الحدائق»، لخلو أكثر

ص: 76


1- - مدارك الأحكام 1 : 57.
2- - الحدائق الناضرة 1 : 181.
3- - مستدرك وسائل الشيعة 1 : 188، باب3 من أبواب الماء المطلق.

الأحاديث عن ذكر اللون؛ فإنّ التغيّر باللون ملازم للتغيّر بالطعم أو الريح في النجاسات؛ فإنّ النجاسات إذا أثّرت في تغيّر الماء بلونها لم ينفك ذلك عن التغيّر بالريح والطعم، فلعلّه لم يذكر التغيّر باللون لوجود الملازمة المذكورة.

والحاصل: أنّ المستفاد من عنوان الباب أمور:

أحدها: أنّ نجاسة الماء وخروجه عن طبعه يكون بالتغيّر بأحد الأوصاف الثلاثة للنجاسة - وهي الطعم واللون والرائحة - دون غيرها من الحرارة والبرودة وغيرهما.

الثاني: أنّ التغيّر المذكور حسّي.

الثالث: أنّ التغيّر يكون بالنجاسة لا بالمتنجس ولا بغيره.

الرابع: أنّ ما ذُكر لا يختلف باختلاف المياه من حيث القلّة والكثرة، ولا من حيث اعتصامها بالمادّة وعدمه.

الأقوال:

أمّا الخاصّة: فلا خلاف ولا إشكال في أنّ الماء الجاري، بل كل ماء ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة، أعني: اللون أو الطعم أوالريح،كما عن «الحدائق»((1)).

وفي «الجواهر»: «أمّا نجاسة الجاري بذلك - بل جميع المياه - فلا أعلم

ص: 77


1- - الحدائق الناضرة 1 : 178.

فيه خلافاً، بل عليه الإجماع محصّلاً ومنقولاً، كاد يكون متواتراً، بل في المعتبر: أنّه مذهب أهل العلم كافة. وفي المنتهى: أنّه قول كل من يحفظ عنه العلم»((1)).

إلا أنّ العلامة في «المختلف» قال: «اتفق علماؤنا - إلّا ابن أبي عقيل - على أنّ الماء القليل ينجس بالملاقاة، سواء تغيّر بها أو لم يتغيّر. وقال ابن أبي عقيل: لا ينجس إلّا بتغيّره بالنجاسة، وساوى بينه وبين الكثير»((2))

فهو خالفهم من جهة الملاقاة لا من جهة التغيّر.

وأمّا العامّة: فقد نقل النووي عن ابن المنذر أنّه قال: «أجمعوا أنّ الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيّرت طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس، ونقل الإجماع كذلك جماعات من أصحابنا وغيرهم، وسواء كان الماء جارياً أو راكداً، قليلاً أو كثيراً، تغيّر تغيّراً فاحشاً أو يسيراً، طعمه أو لونه أو ريحه، فكلّه نجس بالإجماع.

وقد سبق في المتغيّر بطاهر: أنّه لا يعتبر التغيّر اليسير على الأصح، وأنّه يضرّ تغيّر الأوصاف الثلاثة على قول ضعيف، وتقدّم الفرق، ويستثنى ممّاذكرناه: ما إذا تغيّر الماء بميتة لا نفس لها سائلة كثرت فيه، فإنّه لا ينجس على وجه ضعيف، مع قولنا بنجاسة هذا الحيوان، لكن لما كان هذا الوجه ضعيفاً لم يلتفت الأصحاب إليه فلم يستثنوه»((3)).

ص: 78


1- - جواهر الكلام 1 : 75 .
2- - المختلف 1 : 176 .
3- - المجموع 1 : 110.

[336] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كُلَّمَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى رِيحِ الْجِيفَةِ فَتَوَضَّأْ مِنَ الْمَاءِ وَاشْرَبْ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ وَتَغَيَّرَ(1) الطَّعْمُ فَلَا تَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ»(2).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

جواز التوضؤ والشرب من الماء الذي لم يتغيّر بالجيفة

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز التوضؤ والشرب من الماء الذي لم يتغيّر بسبب وجود الجيفة لكثرته، والجيفة على ما في «القاموس»: جثّة الميّت وقدأراح، أي أنتن((4)).

ص: 79


1- في المصدر: أو تغيّر.
2- تهذيب الأحكام 1 : 216، ح625، ورواه أيضاً في الاستبصار 1 : 12، ح19.
3- الكافي 3 : 4، ح3.
4- - القاموس: 125 فصل الجيم، وتاج العروس 12 : 126.

وعلى عدم جوازهما إذا تغيّر؛ فإنّه حينئذ نجس، ولا يجوز الوضوء ولا الشرب من النجس إجماعاً. وذكر هذه النجاسة المخصوصة هو على وجه المثال، ولم يرد منه الحصر، فلا يقال: إنّ الحكم المستفاد من هذا الحديث وأمثاله أخصّ من المدّعى.

فالحديث يدلّ على اعتصام طبيعي الماء وعدم انفعاله بالنجاسة، إلّا إذا تغيّرت أوصافه المذكورة بالأوصاف المخصوصة للنجاسة.

كما يدلّ على مذهب ابن أبي عقيل، وهو القول بعدم نجاسة الماء إذا لاقته نجاسة ولم يتغيّر، على ما نقله عنه الأصحاب، وقد حمل على الكر؛ جمعاً بين الأدلة.

قال الفاضل التستري (رحمه الله) : «إذا كان الماء شاملاً للجاري وغيره - نظراً إلى كون اللام للجنس - لزم شموله للقليل والكثير أيضاً، فإمّا أن يلتزم ما نقل عن ابن أبي عقيل إن أبقي على حاله، أو عدم دلالته على المدعى بتمامه إن خصّص بالكثير»((1)).

وقد عرفت الوجه فيه.سند الحديث:

أورده المصنف بطريقين:

الأول: طريق الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد تقدّمت أفراد

ص: 80


1- - ملاذ الأخيار 2 : 218.

رجاله، والسند معتبر.

والثاني: طريق الكليني.

وفيه: محمد بن إسماعيل وهو مشترك بين أكثر من ثلاثة عشر شخصاً، لكن يدور الأمر بملاحظة الطبقة بين ثلاثة، وهم:

1- محمّد بن إسماعيل النيسابوري البندقي.

2- محمّد بن إسماعيل البرمكي المعروف بصاحب الصومعة.

3- محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

مَن هو محمد بن إسماعیل؟

وقد حققنا في كتاب «أُصول علم الرجال»: أنّ المراد من محمّد بن إسماعيل الذي يروي عن الفضل بن شاذان ويروي عنه الكليني هو الأول، وهو لم يوثّق، إلّا أنّ روايات الفضل بن شاذان التي يرويها الكليني والشيخ معتبرة؛ لوجود طريق آخر صحيح للكليني، كما أنّ للشيخ طرقاً متعدّدة في «الفهرست» و«المشيخة» تصل إلى ثمانية طرق، وبعضها صحيح((1)).

وقال في «منتقى الجمان»: «رواه في التهذيب والاستبصار بسند صحيحعن حريز، عن أبي عبد الله (علیه السلام) بلا توسط قوله عمّن أخبره، فلا تغفل، ولعلّ حريزاً رواه على الوجهين»((2)).

وقال المصنّف في شرحه على الكتاب: «ورواية حريز في سند الشيخ

ص: 81


1- - أُصول علم الرجال 2 : 448 - 458.
2- - منتقى الجمان 1 : 52.

بغير واسطة، وفي سند الكليني مرسلاً لا بعد فيه؛ لاحتمال روايته على الوجهين، ولأنّ طريق الأول أصح، كما أشار إليه في المنتقى»((1)).

أقول: يحمل السندان على تعدّد السماع، أحدهما بالواسطة والآخر بدونها، فهما روايتان بنفس المتن، وحريز سمع إحداهما من الإمام مباشرة، والأخرى بواسطة شخص عن الإمام (علیه السلام) ، وقد روى الشيخ الرواية الأولى، وروى الكليني الرواية الثانية، وعلى هذا فلا إشكال في اعتبار الرواية حينئذ.

ولكن يحتمل أنّ الرواية واحدة؛ لوحدة متنها ووحدة الراوي - وهو حريز - وكذا الراوي عنه، فالشيخ والكليني لم ينقلا إلّا رواية واحدة.

ولما كان الاحتمالان متساويين فلا يمكن إحراز نقل حريز مباشرة عن الإمام (علیه السلام) ؛ فإنّه يحتمل وجود واسطة مجهولة بينه وبين الإمام (علیه السلام) ، وعلى هذا فيتوقّف في الحكم على السند.

إلّا أن يقال باعتبار السند من جهتين:

إحداهما: أنّ حمّاد بن عيسى من أصحاب الإجماع، فيحكم بصحة ماصحّ عنه.

الثانية: أنّ كتاب حريز من جملة الكتب المشهورة المعوّل عليها - كما ذكر ذلك الصدوق(قدس سره) في أول «الفقيه» - وعليه فلا حاجة إلى ملاحظة السند.

ص: 82


1- - تحرير وسائل الشيعة: 379.

[337] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ - يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ - عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : فِي الْمَاءِ الْآجِنِ(1) : يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ تَجِدَ مَاءً غَيْرَهُ فَتَنَزَّهَ مِنْهُ(2)و(3).

-----------------------------------------------------------------------------

كراهة الطهارة بالماء الآجن

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على كراهة الطهارة بالماء الآجن؛ فإنّ الماء إذا تغيّر بطول بقائه، لم يخرج عن كونه مطهّراً إلّا إذا خرج بالتغيّر عن الإطلاق، إلّا أنّه ورد النهي عن الوضوء به، كما في هذا الحديث، المحمول على الكراهة،ولعلّ النهي لاستيجاب هذا التغيّر النفرة وكراهة الطبع.

قال في «القاموس» : «الماء الآجن: الماء المتغيّر الطعم واللون»((4)).

وهل هو الماء المتغيّر مطلقاً - سواء تغيّر من قبل نفسه أو بمخالطة جسم طاهر - أو أنّه المتغيّر من قبل نفسه فحسب؟

ص: 83


1- في هامش المخطوط (منه (قدس سره) ): «الآجن: الماء المتغير الطعم واللون». (القاموس المحيط 4 : 195).
2- علّق المصنّف على هامش الأصل هنا: قوله: «فتنزه منه» موجود في الكافي وفي تهذيب الأحكام والاستبصار حيث رواه بإسناده عن علي بن ابراهيم، وغير موجود في تهذيب الأحكام والاستبصار حيث رواه بإسناده عن محمد بن يعقوب، وهو سهو منه. (منه (قدس سره) ).
3- تهذيب الأحكام 1 : 217، ح626، ورواه في الاستبصار 1 : 12، ح20.
4- - القاموس 4 : 195، ولسان العرب 13 : 8 مادة «أجن» ، والنهاية في غريب الحديث: 1 : 30.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ(1)1*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى حُصُولِ التَّغَيُّرِ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ بِمُجَاوَرَةِ جِسْمٍ طَاهِرٍ، لِمَا مَضَى(3)3*)، وَيَأْتِي(4)4*)، وَهُوَ حَسَنٌ .

-----------------------------------------------------------------------------

فيه قولان: ذهب الشيخ إلى الأول، حيث قال: «والوجه في هذا الخبر إذا كان الماء قد تغيّر من قبل نفسه، أو بمجاورة جسم طاهر»((5))، ويؤيّده ما نقلناه عن أهل اللغة.

والظاهر من «المعتبر» و«المنتهى» و«الذكرى»((6))

- على ما في «مرآة العقول» - اختصاص الكراهة بما إذا كان تغيّره من قبل نفسه، ونقل هذا المعنى بعض مشايخ المجلسي عن بعض أهل اللغة((7))، وهو يقوي القول الثاني.

وظاهر هذا الحديث يوافق القول الأول.

ص: 84


1- 1*) الكافي 3 : 4، ح6.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 408 ، ح1286.
3- 3*) مضى في الحديث 1 من هذا الباب.
4- 4*) يأتي في الأحاديث 4 و5 و 6 و 7 و 8 و11 من هذا الباب.
5- - تهذيب الأحكام 1 : 13 .
6- - المعتبر 1 : 38، ومنتهى المطلب 1 : 23، وذكرى الشيعة 1 : 76.
7- - مرآة العقول 13 : 21.

سند الحديث:

أورده المصنف بثلاثة طرق:

الطريق الأول: بإسناده عن علي بن إبراهيم.

وللشيخ في «الفهرست» طريقان إلى علي بن إبراهيم:

أحدهما: عن جماعة، عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري، عن علي بن إبراهيم.

وثانيهما: عن المفيد رحمه الله، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، إلّا حديثاً واحداً استثناه من كتاب «الشرايع» في تحريم لحم البعير، وقال : لا أرويه؛ لأنّه محال((1)).

والسند معتبر.

الطريق الثاني: ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، وهو معتبر أيضاً.

الطريق الثالث: ما رواه الشيخ بإسناده ، عن محمد بن يعقوب، وهو معتبر أيضاً.

ص: 85


1- - فهرست الطوسي: 152 - 153.

[338] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَاسِينَ الضَّرِيرِ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ النَّقِيعِ تَبُولُ فِيهِ الدَّوَابُّ؟ فَقَالَ: «إِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ فَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ أَبْوَالُهَا فَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الدَّمُ إِذَا سَالَ فِي الْمَاءِ وَأَشْبَاهُهُ(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

انفعال ماء الكر بالتغیر

[3] - فقه الحديث:

النقيع: البئر الكثير الماء((3))، والظاهر إطلاقه على ما اجتمع فيه الماء الكثير، بئراً كان أم غيره، كما يأتي.

والمفهوم من هذا الحديث: انفعال الكر بالتغيّر، ومقتضى إطلاق التغيّر هنا: الشمول لتغيّر اللون، فيكون ردّاً على من زعم خلو أخبارنا عن التغيّر باللون. هذا إذا أريد بالدواب غير المأكولة اللحم، فيكون النهي بسببالنجاسة كالمعطوف، أعني: الدم وأشباهه. ويمكن أن يراد بالدواب

ص: 86


1- في هامش المخطوط، (منه (قدس سره) ): «يمكن إرادة بول الدواب المأكولة اللحم، ويكون اعتبار التغيّر إشارة الى سلب الإطلاق وصيرورة الماء مضافاً، وإن كان الحكم في الدم وأشباهه بسبب النجاسة، ويمكن إرادة بول الدواب الغير المأكولة اللحم فيكون الحكم بسبب النجاسة».
2- تهذيب الأحكام 1 : 40، ح111، ورواه في الاستبصار 1 : 9، ح9.
3- - لسان العرب 8 : 359.

المأكولة اللحم، ويراد بالتغيّر صيرورة الماء مضافاً.

وصدر الحديث دالّ على نجاسة أبوال الدواب، ولعلّه محمول على التقيّة؛ لأنّ العامّة ذهبوا إلى نجاسة أبوال البغال والحمير ونحوهما((1)).

وقوله: «وإن لم تغيّره أبوالها فتوضأ منه» ربما كان فيه إشارة إلى عدم جواز الشرب؛ لاشتمال الماء على فضلة لا يجوز شربها.

وأمّا قوله: «في الماء وأشباهه» فيحتمل عود الضمير في «أشباهه» إلى الدم، ويراد بأشباهه سائر النجاسات، ويحتمل أشباه الماء، ولا يخفى ما فيه. ويحتمل أشباه الدم من النجاسات ذوات الألوان.

سند الحديث:

فيه: ياسين الضرير: الذي لم يرد فيه شيء، نعم ورد في «نوادر الحكمة» بعنوان ياسين، وهو يروي عن حريز، فإن انطبق عليه فهو، وإلّا فلا دليل على وثاقته.

وعلى أي حال: فيمكن تصحيح الطريق باعتبار أنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلى جميع كتب حريز ورواياته.

قال الشيخ في «الفهرست»: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد اللهمحمد بن محمد بن النعمان المفيد رحمه الله تعالى، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن ابن نهيك، عن

ص: 87


1- - المحلى 1 : 168.

[339] 4- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عِيسَى، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْقَمَّاطِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ فِي الْمَاءِ يَمُرُّ بِهِ الرَّجُلُ وَهُوَ نَقِيعٌ فِيهِ الْمَيْتَةُ وَ(1) الْجِيفَةُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنْ كَانَ الْمَاءُ قَدْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ فَلَا تَشْرَبْ وَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ وَطَعْمُهُ فَاشْرَبْ وَتَوَضَّأْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز.

وأخبرنا عدّة من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى بن جعفر كلّهم، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى الجهني، عن حريز .

وأخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي،عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز»((3)).

هل ینفعل الماء لو تغيّر بأوصاف الميتة؟

[4] - فقه الحديث:

قد يقال بدلالته على انفعال طبيعي الماء بالتغيّر بأوصاف الميتة، ويترتّب

ص: 88


1- كتب المصنف على «الواو» علامة نسخة، ولم ترد الواو في تهذيب الأحكام.
2- تهذيب الأحكام 1 : 40، ح112، ورواه في الاستبصار 1 : 9، ح10.
3- - فهرست الطوسي: 118.

على ذلك عدم جواز الشرب منه، وكذا الوضوء. وذكر الميتة والجيفة يحتمل المرادفة، ويحتمل المغايرة معنىً؛ فإنّ الجيفة على ما قيل: هي جثّة الميتة إذا أنتنت، فيكون عطف الجيفة على الميتة من عطف الخاص على العام.

ولكن قيل: إنّ الماء النقيع هو الماء الراكد، الذي يبقى مدّة في الفلوات، والقليل لا بقاء له((1)

فعلى هذا يكون المراد من الماء هو الكثير كالغدير وأشباهه.

لا يقال: إنّ هذا الحديث وأشباهه - ممّا ادعي دلالته على عدم انفعال القليل إلّا بالتغيّر - مطلق شامل للقليل والكثير، ولم يفصّل فيها بينهما.

لأنه يقال: إنّ إطلاقها - على فرض التسليم - لا بد من رفع اليد عنه بما سيأتي من الأحاديث الدالة على انفعال القليل بمجرد الملاقاة للنجس.

سند الحديث:

جميع أفراد السند تقدمت ترجمتهم، والسند معتبر.

ص: 89


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 122.

[340] 5- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ كُرٍّ مِنْ مَاءٍ مَرَرْتُ بِهِ - وَأَنَا فِي سَفَرٍ - قَدْ بَالَ فِيهِ حِمَارٌ أَوْ بَغْلٌ أَوْ إِنْسَانٌ؟ قَالَ: «لَا تَوَضَّأْ(1) مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ مِنْهُ»(2).

قَالَ الشَّيْخُ: الْمُرَادُ بِهِ إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ تَأْتِي.

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ بِقَرِينَةِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا لَيْسَ بِنَجَاسَةٍ.

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

الكرّ في اللغة: من أسماء الآبار، وقيل : هو الموضع يجمع فيه الماء الآجِنُ ليَصْفُوَ، والجمع كِرارٌ، وأطلق على الستين قفيزاً من الطعام، أي: ما يبلغ اثنا عشر وَسْقاً، كل وَسْقٍ ستون صاعاً((3)).

كما أطلق في الشرع على ما يبلغ ألف ومائتي رطل عراقي، أو ما يبلغ حدّه بالمساحة ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار، أو ثلاثة ونصف في ثلاثةونصف من الأشبار.

ص: 90


1- في الاستبصار: لا تتوضأ.
2- تهذيب الأحكام 1 : 40، ح110، ورواه في الاستبصار 1 : 8، ح8.
3- - لسان العرب 5 : 137، مادة: «كرر».

والظاهر أنّ المراد به هنا هو المعنى الشرعي؛ لشيوع إطلاقه في زمان الإمام (علیه السلام) على المعنى الشرعي.

والظاهر من السؤال والجواب: أنّ الكر يمكن أن ينفعل بالنجاسة، ويحتمل أن يكون بعضه قد تغيّر. وظاهر الكر أنّه غير زائد عنه، فينجس حينئذٍ بورود النجاسة عليه، وإن لم يتغيّر جميعه. وحمله الشيخ على تغيّر لونه أو طعمه أو رائحته، وله وجه؛ إذ تدل على ذلك أحاديث كثيرة تأتي في تضاعيف أبواب الكتاب.

وحمله على الكراهة - كما عن المصنّف - قريب ؛ بقرينة اشتماله على ما ليس بنجاسة، كبول الحمار والبغل.

سند الحديث:

إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد عبارة عن طريقين، ذكرهما في «الفهرست»((1)

كما تقدّم((2)).

والسند معتبر، وإضمار مثل أبي بصير لا يضر.

ص: 91


1- - فهرست الطوسي: 113 / 230.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 471.

[341] 6- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْمَاءِ وَفِيهِ دَابَّةٌ مَيْتَةٌ قَدْ أَنْتَنَتْ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ النَّتْنُ الْغَالِبَ عَلَى الْمَاءِ فَلَا يَتَوَضَّأْ وَلَا يَشْرَبْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ على انفعال طبيعي الماء بالتغيّر بأوصاف الميتة؛ إذ يراد الجنس من لفظ الماء؛ فإنّ الحديث في مقام البيان لا الإجمال. وغلبة أحد أوصاف النجاسة على الماء يدلّ على قوّتها عليه، وقهرها لخاصيّته المطهِّرة. كما يدلّ بمفهومه على عدم تنجّس مطلق المياه قليلها وكثيرها إذا لم تكن ريح الميتة الواقعة فيها غالبة عليها. والماء في الحديث وإن كان غير مقيّد بالكثير - ليشكل بأنّ المفهوم منه أنّ النتن إذا لم يكن الغالب على الماء يتوضأ منه ويشرب - إلّا أنّ غيره من الأحاديث يقيّده.

سند الحديث:

سند الشيخ إلى سماعة كما في «التهذيب» و«الاستبصار» هكذا: «أخبرني الشيخ رحمه الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة»((2)).

وقد تقدّم الكلام في أحمد بن محمد، وفي وجه التصحيح لرواياته عن

ص: 92


1- تهذيب الأحكام 1 : 216، ح624، ورواه في الاستبصار 1 : 12، ح18.
2- - تهذيب الأحكام 1 : 216، ح624 ، والاستبصار 1 : 12، ح118.

[342] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْحِيَاضِ يُبَالُ فِيهَا؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ، إِذَا غَلَبَ لَوْنُ الْمَاءِ لَوْنَ الْبَوْلِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أبيه، وأنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات الحسين بن سعيد، فالسند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

الحياض: جمع حوض، وهو مجتمع الماء((2))، سواء كان في الصحاري أو غيرها، والظاهر أنّه لا يشترط في الإطلاق أن تكون محوّطة بما يمنع من سيلان الماء إلى جوانبه، كما في الأحواض المعدّة لحبس الماء.

وقول السائل: «يبال فيها»، يشمل ما كان بوله نجساً وما لم يكن كذلك، وقد يدّعى انصراف الحياض التي يبال فيها للكثير، كما هو الغالب في المياه الباقية في الصحاري والموجودة في الغدران والحياض المعدّة لها، وقد دلّ الحديث بالمنطوق على عدم انفعال الماء إذا كان لون البول مغلوباً بلونالماء، ومفهومه: أنّه إذا غلب لون البول على لون الماء ففيه بأس، أي: أنّه ينجّس الماء، وهذا الحديث من الأحاديث التي ورد فيها ذكر التغيّر باللون.

ص: 93


1- تهذيب الأحكام 1 : 415، ح1311، ورواه في الاستبصار 1 : 22، ح53.
2- - تاج العروس 10 : 43، مادة: «حوض».

[343] 8- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: رَاوِيَةٌ مِنْ مَاءٍ سَقَطَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ جُرَذٌ أَوْ صَعْوَةٌ(1) مَيْتَةٌ، قَالَ: «إِذَا تَفَسَّخَ فِيهَا فَلَا تَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا وَلَا تَتَوَضَّأْ، وَصُبَّهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَفَسِّخٍ فَاشْرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأْ، وَاطْرَحِ الْمَيْتَةَ إِذَا أَخْرَجْتَهَا طَرِيَّةً، وَكَذَلِكَ الْجَرَّةُ وَحُبُّ الْمَاءِ وَالْقِرْبَةُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْمَاءِ».

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

فيه: العلاء بن الفضيل: وهو العلاء بن الفضيل بن يسار، قال النجاشي: «أبو القاسم النهدي، مولى، بصري، ثقة، له كتاب يرويه جماعة»((2))، ومرّ الكلام في بقية أفراد السند، وهو معتبر.

[8] - فقه الحديث:

الراوية - على ما في «تاج العروس» - : «المزادة فيها الماء، ويسمى البعير والبغلوالحمار الذي يستقى عليه راوية على تسمية الشيء باسم غيره؛ لقربه منه»((3)).

وفي كتاب «العين» أنّها : «أعظم من المزادة ، ويجمع : الروايا»((4)).

ص: 94


1- الصعوة: طائر من صغار العصافير أحمر الرأس. (مجمع البحرين 2 : 611).
2- - رجال النجاشي: 298/ 810 .
3- - تاج العروس 19 : 480، مادة: «روى».
4- - العين 8 : 312، مادة: «روى».

قَالَ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ رَاوِيَةٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ، تَفَسَّخَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَفَسَّخْ، إِلَّا أَنْ يَجِي ءَ لَهُ رِيحٌ تَغْلِبُ عَلَى رِيحِ الْمَاءِ(1)1*)»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

والحب: الجرة الضخمة، ويجمع على: حببة وحباب((3)).

وقال ابن سيده: «الحب - الجرة الضخمة والجمع حباب وحببة سيبويه وأحباب... الحباب - أكبر من الدنان... والقلال - دون الحباب العظام، الواحدة: قلة. صاحب العين: هي الحب الكبير وفي الحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجساً) - يعني به هذه الحباب»((4)).

والصَّعْوَةُ: صِغارُ العصافير، وقيل: هو طائرٌ أَصغرُ من العصفور وهو أَحمر الرأْس، وجمعُه صِعاءٌ على لفظ سِقاءٍ، ويقال: صَعْوَةٌ واحدةٌ وصَعْوٌ كثيرٌ، والأُنثى صَعْوة، والجمع صَعَواتٌ((5)).

ص: 95


1- 1*) في هامش المخطوط: «يمكن حمل وجه الشبه بين الراوية والجرّة وما بعدها على الحكم الأول من حكمي الراوية دون الثاني. ويقرّبه أنّ لفظة ذلك إشارة إلى البعيد دون القريب». (منه (قدس سره) ).
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 412، ح1298، ورواه في الاستبصار 1 : 7، ح7.
3- - العين 3 : 31، مادة: «حب».
4- - المخصص 3 ق2 : 83 - 84.
5- - لسان العرب 14 : 461، مادة: «صعا».

والجرذ: ضرب من الفأر، والجمع الجُرذان((1)).

ظاهر الحديث الأول التفصيل بين تفسّخ الميتة - كالفأرة - وعدمه في الراوية من الماء والقربة وما بينهما من الأواني؛ فإن سقطت ميتةً وتفسّخت حرم الشرب منه، ولم يصح الوضوء به، ولزم صبّه، والأمر بصبّه لعدم الانتفاع به فيهما. وإن سقطت ميتةً ولم تتفسّخ لم يحرم الشرب منه، وصحّ الوضوء به.

حكم ماء الراوية لو سقطت فیها فأرة أو جرذ أو صعوة

ويفهم من قوله (علیه السلام) : «واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة» أنّ إخراجها طريّة هو في قبال تفسّخها، بمعنى: تفرّق أجزائها في الماء، الملازم غالباً لتغيّر الماء بأوصافها.

وكأنّ هذا التفصيل لا يجري فيما هو أقلّ من الجرّة كالكوز ونحوه، فالحديث مشعر بانفعال الماء مطلقاً، تفسّخت الميتة أم لم تتفسّخ.

هذا كلّه بناء على ما هو الظاهر من كون الراوية أقل من الكر، كما أنّ الحب والقربة كذلك، وهما شريكان في الحكم معها.ولكن هذان الحكمان ممّا لم يقل بهما أحد؛ إذ القائل بالتنجّس لا يفرق بين تفسّخ الميتة وعدمه، وكذا القائل بعدم التنجّس، وهو ابن أبي عقيل ومن وافقه، فإنّه لم يفصّل أيضاً. وكذا الكلام في أفراد الماء القليل.

وقد حاول الشيخ توجيه الحديث في «التهذيب»، كما سيأتي عن المصنّف في الحديث اللاحق.

ص: 96


1- - الصحاح 2 : 561، مادة: «جرذ».

[344] 9- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ رَاوِيَةٍ - وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ -(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وظاهر الحديث الثاني: أنّ الماء إذا كان أكثر من الراوية لم ينفعل بشيء من النجاسات، ولو كانت النجاسة ممّا يتفسّخ كالميتة صغيرها وكبيرها، إلّا إذا حصل في الماء ريح من النجاسة غالبة على ريح الماء، وهذا الكلام قابل للتقييد بالكر.

سند الحديث:

قد تقدّمت أفراده، وهو معتبر، وإن ضعّف الشيخُ عليَّ بن حديد في بعض الموارد، إلّا أنّ التحقيق وثاقته كما ذكرنا ذلك في «أصول علمالرجال»((2)

مضافاً إلى أنّ للشيخ نفسه طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات حريز.

[9] - فقه الحديث:

هو نفس الحديث الثاني السابق في ذيل الحديث الثامن.

ص: 97


1- الكافي 3 : 2، ح3.
2- - أصول علم الرجال 2 : 395 - 396.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(1)1*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِذَا بَلَغَ حَدَّ الْكُرِّ، وَكَذَلِكَ أَوْعِيَةُ الْمَاءِ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّهَا تَسَعُ الْكُرَّ؛ لِمَا يَأْتِي مِنَ الْمُعَارِضَاتِ الصَّرِيحَةِ(2)2*)، مَعَ احْتِمَالِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ لِلتَّقِيَّةِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهَا.

-----------------------------------------------------------------------------

وقد ذكر الشيخ محمد في «استقصاء الاعتبار»: أنّه «لا يخفى أنّ ظاهره كون الراوية أقل من كر؛ لأنّ قوله: وقال أبو جعفر: (إذا كان الماء أكثر من راوية) يدلّ على ذلك، ولو حملت الراوية على الكر - كما قال الشيخ (رحمه الله) - لم تظهر فائدة في قوله (علیه السلام) : (فإن كان الماء أكثر من راوية) ... وقد يمكن توجيه الزيادة على الراوية - أي: في هذا الحديث الثاني - بأنّ الراوية إذا كانت كُرّاً فقط فمن المستبعد مع التفسّخ أن لا يتغيّر شيء منالماء، ومع تغيّر شيء منه ينجس جميعه؛ لأنّ المفروض كونه بمقدار الكر. واحتمال حصول التغيّر مع عدم التفسخ وإن أمكن؛ إلّا أنّ بُعده اقتضى عدم ذكره. والتكلّف في هذا الوجه غير خفي»((3)).

ولا يبعد الحمل على التقيّة؛ لأنّ الكثير عند العامة هو ما بلغ قلتين، وهما بالوزن خمسمائة رطل بالعراقي، كما يأتي في الباب التاسع من هذه

ص: 98


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 42، ح117، والاستبصار 1 : 6، ح4.
2- 2*) يأتي في الباب 8 من أبواب الماء المطلق.
3- - استقصاء الاعتبار1 : 67 - 68.

[345] 10 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، قَالَ: «مَاءُ الْبِئْرِ وَاسِعٌ لَا يُفْسِدُهُ شَيْ ءٌ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأبواب، وسيأتي في الباب الحادي عشر منها أنّه عند الخاصة ألف ومائتا رطل.

عدم انفعال ماء البئر إلاّ مع التغّیر

سند الحديث:

قد أورده المصنف بطريقين:

أحدهما: طريق «الكافي»، وهو معتبر.

ثانيهما: طريق الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، عن الكليني، وهو كسابقه في الاعتبار، كما هو واضح.

[10] - فقه الحديث:

الواسع: ضد الضيّق، بمعنى: أنه واسع كمّاً أو حكماً، بمعنى: أنّه لا ينفعل ولا يتأثّر بمجرد ملاقاته للنجاسة، وهذا الحديث وإن كان مطلقاً يشمل ملاقاة النجاسة والمجاورة، إلّا أنّ المراد فيه التغيّر بالملاقاة خاصة؛ لوجود القرينة الخارجية المعيِّنة لذلك، وهي: أنّ المراد بالشيء هو الذي من شأنه أن ينجّس الماء، لا مطلق ما يصدق عليه مفهوم الشيء، ومجاورة النجاسة

ص: 99


1- الكافي 5 : 3، ح2.

[346] 11- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - وَأَنَا حَاضِرٌ - عَنْ غَدِيرٍ أَتَوْهُ وَفِيهِ جِيفَةٌ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ الْمَاءُ قَاهِراً وَلَا تُوجَدُ مِنْهُ الرِّيحُ فَتَوَضَّأْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

للماء ليس من شأنه أن ينجّس، فيكون معنى الحديث: أنّ ماء البئر واسع لا تفسده ملاقاة النجاسة، إلّا أن توجب تلك الملاقاة تغيّره.

وبهذا تتضح دلالة الحديث على عدم انفعال ما له مادة إلّا إذا تغيّر بأحد أوصاف النجاسة. ومقتضى إطلاق التغيّر هنا: الشمول لتغيّر اللون. هذا إذا كان هذا الحديث حديثاً مستقلّاً ولم يكن جزءاً من الحديث الثاني عشر الآتي الخالي عن ذكر التغيّر باللون.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند معتبر.

[11] - فقه الحديث:

دلّ بمفهومه على انفعال الكر بريح النجاسة إذا كانت غالبة، فلا يصح الوضوء منه، ودلّ بمنطوقه على عدم نجاسته إذا كان قاهراً لخاصّية الريحبكثرته، فيجوز الوضوء به حينئذٍ.

ص: 100


1- الكافي 3 : 4، ح4.

[347] 12- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، قَالَ: «مَاءُ الْبِئْرِ وَاسِعٌ لَا يُفْسِدُهُ(1) شَيْ ءٌ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ، فَيُنْزَحُ حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ وَيَطِيبَ طَعْمُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَادَّةً»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

السند معتبر، وإن اشتمل على رواية محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، الذي تقدّم عدم الإشكال من جهتها.

[12] - فقه الحديث:

هو نفس الحديث العاشر، إلّا أنّ فيه زيادة: «ريحه أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه؛ لأن له مادة».

وقد دلّ على عدم انفعال ما له مادة، إلّا إذا تغيّر بأحد أوصاف النجاسة. ودلّ أيضاً على حصول الطهارة بمجرّد زوال التغيّر.

وقوله (علیه السلام) : «لأنّ له مادة»، تعليل، إمّا راجع إلى الحكم الأول - وهو ما تضمّنه صدر الحديث - لأنّه هو الذي سيق له البيان، أو أنّه تعليل للحكمالثاني - وهو ما تضمّنه الذيل - باعتباره الأقرب، أو أنّه يرجع لكلا الحكمين؛

ص: 101


1- في المصدر: لا ينجسه.
2- الاستبصار 1 : 33، ح87، وأورده في الحديث 6 من الباب 14من أبواب الماء المطلق.

لاحتياجهما معاً للتعليل، ولكونهما معاً واقعين مورداً للبيان.

إسناد الشيخ قدس سره إلى أحمد بن محمد

سند الحديث:

إسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد: ذكر في «المشيخة» عدّة طرق:

الأول: أبو الحسين بن أبي جيّد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد .

الثاني: الشيخ رحمه الله - أي المفيد - عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد.

الثالث: وما ذكرته عن أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخذته من نوادره، فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم، عن الحسن بن حمزة العلوي ومحمد بن الحسين البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى.

الرابع: الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيّد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى.

الخامس: الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه محمد بن يحيى، عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد.

وإسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى في «الفهرست»: «أخبرنا

ص: 102

بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، منهم: الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيّد، عن العطار، عن أبيه وسعد بن عبد الله، عنه.

وأخبرنا عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار وسعد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن عيسى.

وروى ابن الوليد المبوّبة عن محمد بن يحيى والحسن بن محمد بن إسماعيل، عن أحمد بن محمد»((1)).

ويشير بالمبوّبة في السند الثالث إلى كتاب «النوادر» الذي كانت نسخته غير مبوّبة فبوّبها داود بن كورة.

قال السيّد الأُستاذ: «كلاهما - يعني السندين الأولين في الفهرست - ضعيف، أحدهما: بأحمد بن محمد بن يحيى، والآخر: بأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.

نعم، طريقه إلى كتاب المبوّبة صحيح؛ فإنّ المراد بابن الوليد الواقع في طريقه: هو محمد بن الحسن، لا ابنه؛ فإنّه المعهود والمتعارف في كلامه. على أنّ روايته عن محمد بن يحيى قرينة على ذلك»((2)).

بل لا يضرّ وجود أحمد بن محمد بن يحيى العطار في بعض هذه الطرق. ولا ينبغي التوقّف في ما يرويه الشيخ في «التهذيب» عن أحمد بن محمد

ص: 103


1- - فهرست الطوسي : 69 / 75.
2- - معجم رجال الحديث 3 : 88.

بن عيسى؛ لاحتمال أن يكون ما يرويه من جملة ما يرويه بواسطة أحمد بن محمد بن يحيى؛ وذلك لما قاله السيد الأستاذ(قدس سره) من أنّ «الجملة التي يرويها الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى بواسطة أحمد بن محمد بن يحيى، إنّما يرويه عنه، عن أبيه، عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

وقد ذكر في الفهرست، في ترجمة محمد بن علي بن محبوب: أنّ جميع ما رواه عن محمد بن علي بن محبوب بواسطة أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه عنه، فله إليها طريقان آخران:

أحدهما : ضعيف بأبي المفضّل، وبابن بطة.

وثانيهما: صحيح، وهو ما يرويه عن جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، ومحمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عنه. وعليه يكون طريق الشيخ إلى جميع رواياته، عن أحمد بن محمد بن عيسى صحيحاً في المشيخة .

ثم إنّ الذي يظهر من الشيخ في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى: أنّ كتابه في الفقه، كان منحصراً بالمتعة وبالنوادر، وكان غير مبوّب، فبوّبه داود بن كورة؛ إذ لو كان له كتاب آخر - وقد روى عنه الشيخ فيالتهذيبين - لذكره في الفهرست لا محالة، وذكر طريقه إليه. نعم، ذكر النجاشي له كتاب الحج أيضاً.

وغير بعيد أن يكون هذا - أيضاً - جزءاً من النوادر؛ فإنّ الشيخ لم يذكره،

ص: 104

ومع ذلك روى عن أحمد بن محمد بن عيسى روايات كثيرة في الحج، وقد التزم أن لا يروي إلّا عن كتاب من يبدأ باسمه. وعليه فلو أغمضنا عمّا ذكرناه، فإنّما يتوقّف فيما يرويه الشيخ عنه من أحكام المتعة. وأمّا في غير ذلك، فلا وجه للتوقّف فيه؛ فإنّ طريقه إلى كتاب النوادر صحيح في المشيخة والفهرست. وكيف كان فلا وجه للتوقّف في رواياته عن أحمد بن محمد بن عيسى»((1)).

كما لا يضرّ وجود ابن أبي جيّد؛ لأنّه من مشايخ النجاشي.

ولكنّا ذكرنا في «أُصول علم الرجال»: أنّ أحمد بن محمد - مضافاً لوثاقته؛ فإنّه قد ترضّى عليه الصدوق - يمكن تصحيح كل ما يرويه عن أبيه على فرض عدم قبول وثاقته؛ وذلك لأنّ للصدوق وللشيخ طرقاً متعدّدة إلى روايات أبيه، ولا تنحصر الروايات في أحمد بن محمد بن يحيى((2)).

كما أنّ عدم ثبوت وثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لا تضرّ بصحة الروايات. وكل ما يرويه عن أبيه معتبر؛ وذلك لأنّ جميع رواياته فيالكتب الأربعة رواها عن أبيه محمد بن الحسن، وللشيخ ثلاثة طرق إلى محمد بن الحسن، اثنان منها - وهما معتبران - لا يشتملان على أحمد.

كما أنّ الصدوق في طبقة واحدة مع محمد بن الحسن، ويروي عنه لا عن ابنه((3)).

ص: 105


1- - معجم رجال الحديث 3 : 89 - 90.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 341.
3- - المصدر نفسه 2 : 343.

[348] 13- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنْ غَدِيرٍ فِيهِ جِيفَةٌ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ الْمَاءُ قَاهِراً لَهَا لَا يُوجَدُ الرِّيحُ مِنْهُ فَتَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ»(1).

[349] 14- قَالَ: وَقَالَ الرِّضَا (علیه السلام) : «لَيْسَ يُكْرَهُ مِنْ قُرْبٍ وَلَا بُعْدٍ بِئْرٌ - يَعْنِي قَرِيبَةً مِنَ الْكَنِيفِ - يُغْتَسَلُ مِنْهَا وَيُتَوَضَّأُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وعلى هذا فالسند معتبر.

[13] - فقه الحديث:

مضى مضمونه في الحديث الحادي عشر، وقد دلّ على انفعال الكر.سند الحديث:

من مراسيل الصدوق في «الفقيه»، ومرّ مراراً أنّها معتبرة أم لا.

[14] - فقه الحديث:

دلّ على انفعال ما له مادة إذا تغيّر بأحد أوصاف النجاسة، ودلّ أيضاً على أنّ تقارب البالوعة من البئر بمجرّده لا يوجب كراهة الوضوء ولا الشرب من مائها.

ص: 106


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 12، ح22.
2- 2*) المصدر نفسه 1 : 13، ح23.

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(1)1*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(2)2*)، وَبَعْضُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ مُطْلَقٌ، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ فِي غَيْرِ الْجَارِي وَالْبِئْرِ بِبُلُوغِ الْكُرِّيَّةِ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

هو من مراسيل الصدوق في «الفقيه»، ولكن سوف يورده المصنّفمسنداً في الباب الرابع عشر من أبواب الماء المطلق، الحديث الرابع.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، المعتبر منها اثنا عشر، والحديثان الآخران غير معتبرين على قولٍ، وتقيّد كلّها بالماء الكر، والانفعال بتغيّر الماء.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- أنّ الماء ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه الثلاثة، أعني: اللون أو الطعم أو الريح .

ص: 107


1- 1*) تقدّم في الحديث 9 من الباب 1 من أبواب الماء المطلق.
2- 2*) يأتي في الحديث 4 من الباب 14 من أبواب الماء المطلق.
3- 3*) يأتي في: أ - الحديث 11 من الباب 9 من أبواب الماء المطلق. ب - الأحاديث 1، 4، 6، 7، 10 من الباب 14 من أبواب الماء المطلق. ج- - الحديث 4 من الباب 19 من أبواب الماء المطلق. د - الحديث 7 من الباب 22 من أبواب الماء المطلق.

2- أنّ الماء الذي لم تغيّره النجاسة الواقعة فيه بسبب كثرته طاهر يجوز الشرب منه، والطهارة به.

3- أنّ طبيعي الماء لا ينجس إلّا بتغيّر أوصافه الثلاثة بالأوصاف المخصوصة للنجاسة. وسيأتي أنّ ذلك مقيّد بغير القليل.

4- أنّ الطهارة بالماء الآجن مكروهة.

5- أنّ الكر ينفعل بالتغيّر بالأوصاف المخصوصة للنجاسة.

6- أنّ ما له مادة لاينفعل إلّا إذا تغيّر بأحد أوصاف النجاسة.

7- أنّ الطهارة تحصل بمجرّد زوال التغيّر في ما له مادة.

8- أنّ الماء النقيع إذا وقعت فيه ميتة، فإن تغيّر انفعل، وإلّا فلا، وكذا ماء الحياض، وماء الراوية، وماء الغدير، وماء البئر.

9- أنّ ماء البئر إذا كان قريباً من الكنيف لا ينفعل ما لم يتغيّر بالنجاسة،ولا يكره شربه، ولا الوضوء به.

ثلاثة شروط لانفعال الماء بالتغّیر

فروع:

الفرع الأول: يشترط أن يكون التغيّر مسبّباً عن ملاقاة الماء للنجاسة، وأمّا إذا كان مسبّباً بغير الملاقاة من أسباب التغيّر كالمجاورة للنجاسة - كما إذا كانت الميتة مجاورة للماء فأنتنت وسرى النتن إلى الماء - لم يتنجس الماء؛ فإنّ النصوص بين ما هو صريح في ملاقاة الماء للنجاسة كالميتة والبول بوقوعهما فيه أو تفسّخ الميتة فيه، وبين ما لم يرد في مورد الملاقاة،

ص: 108

إلّا أنّ القرينة الخارجية تدلّ على إرادتها، كصحيح ابن بزيع؛ فإنّ قول الإمام (علیه السلام) فيها «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر» مطلق يشمل التغيّر بالملاقاة والتغيّر بالمجاورة، إلّا أن القرينة قامت على إرادة التغيّر بالملاقاة خاصة، والقرينة هي: أنّ المراد بالشيء هو الذي من شأنه أن ينجّس الماء، لا مطلق ما يصدق عليه مفهوم الشيء ، ليدخل فيه كل ما هو أجنبي عن التنجيس،كما هو واضح، إلّا أنّ هذا الشيء لا ينجّس ماء البئر؛ لأنّه واسع. وقرب النجاسة من الماء ليس من شأنه أن ينجّس، فيكون معنى الحديث: أنّ ماء البئر واسع لا تفسده ملاقاة النجاسة، إلّا أن توجب تلك الملاقاة تغيّره.

الفرع الثاني: يشترط أن يكون التغيّر بأوصاف النجاسة دون المتنجس، فلو وقع في الماء دبس متنجس وغيّره إلى أوصافه من الطعم واللونوالرائحة لم ينجس الماء، ما لم يصيّره مضافاً؛ لأنّ الأحاديث واردة في التغيّر بأعيان النجاسات كالميتة والبول ونحوهما، لا بالمتنجسات.

لا يقال: إنّ قوله (علیه السلام) في صحيح ابن بزيع: «لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر» شامل لكل من النجس والمتنجس، وعليه لا يشترط أن يكون التغيّر ناتجاً عن خصوص النجس، بل يعمّ التغيّر الناتج عن المتنجس أيضاً.

لأنّا نقول: إنّ قوله (علیه السلام) بعد ذلك: «إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه»، إنما يصح إذا كان التغيّر الحاصل

ص: 109

بالطعم أو الريح تغيّراً بريح كريهة أو طعم خبيث، كما هو الحال في التغيّر الحاصل بالنجاسات؛ إذ مع فرض طيب الطعم أو الريح لا معنى لطيبه ثانياً.

وأمّا المتنجسات فربما يكون ريحها أو طعمها طيبين كما في العطر والدبس المتنجسين. ولا يصح في مثلهما أن يقال: ينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم، وعلى هذا يكون المقدار المتيقن منه هو التغيّر بالنجاسات، فلا بد من الاقتصار عليه.

الفرع الثالث: يشترط أن يكون التغيّر حسيّاً، فلا يضر التغيّر التقديري، فلو كان لون الماء أحمر، أو أصفر، فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيّره لو لم يكن كذلك، لم ينجس؛ لأنّ الأحاديث ظاهرة في أنّ التغيّر بنفسه موضوع، فيدور الحكم بالنجاسة مدار فعلية التغيّر، لا أنّه طريق إلى أمر آخر وهو الكم الخاص من النجس، وهذا الكم هو الموجب للانفعال، والتغيّر بأحدالأوصاف طريق إليه.

ص: 110

4 - باب الحكم بطهارة الماء إلى أن يعلم ورود النجاسة عليه، فإن وجدت النجاسة فيه بعد استعماله وﺷﻙ في تقدم وقوعها وتأخره حكم بالطهارة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب الحكم بطهارة الماء إلى أن يعلم ورود النجاسة عليه، فإن وجدت النجاسة فيه بعد استعماله وشك في تقدّم وقوعها وتأخّره حكم بالطهارة

شرح الباب:

تعرّض المصنّف في هذا الباب لبيان مسألتين:

الأُولى: أنّ الماء محكوم بالطهارة إلى أن يعلم ورود النجاسة عليه، إذا لم يعلم أنّ الحالة السابقة له هي النجاسة، وإلّا كان المتعيّن استصحابها.

الثانية: أنّه إذا وجدت النجاسة في الماء بعد استعماله، وشُك في تقدّم وقوعها على الاستعمال وتأخّره حُكم بالطهارة.

ص: 111

[350] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى السَّابَاطِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ يَجِدُ فِي إِنَائِهِ فَأْرَةً، وَقَدْ تَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ مِرَاراً أَوِ اغْتَسَلَ مِنْهُ أَوْ غَسَلَ ثِيَابَهُ، وَقَدْ كَانَتِ الْفَأْرَةُ مُتَسَلِّخَةً، فَقَالَ: «إِنْ كَانَ رَآهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَمَا رَآهَا فِي الْإِنَاءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ، وَيَغْسِلَ كُلَّ مَا أَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَاءُ، وَيُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا رَآهَا بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ فَلَا يَمَسَّ مِنْ ذَلِكَ(1) الْمَاءِ شَيْئاً، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَتَى سَقَطَتْ فِيهِ»، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا سَقَطَتْ فِيهِ تِلْكَ السَّاعَةَ الَّتِي رَآهَا»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، مِثْلَهُ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

طهارة الماء ما لم یعلم ورود النجاسة علیه

[1] - فقه الحديث:

ذكر هذا الحديث في مدارك قاعدة الطهارة، وهو خاص بمورد خاص،وهو الماء، فلا يمكن الاستدلال به على القاعدة الكلّية في جميع الأشياء.

ص: 112


1- كتب المصنف على «ذلك» علامة نسخة.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 14، ح26.
3- تهذيب الأحكام 1 : 418، ح1322.
4- المصدر نفسه 1 : 419، ح1323.

وأصالة الطهارة لا تختصّ بالشبهات، وإن كان هذا الحديث ظاهراً في الاختصاص بها، وقد ناقش بعض المحدِّثين كالاسترابادي ((1))- كما نسب إليه في «الحدائق» - في شمول أصالة الطهارة للشبهات الحكميّة، ومال إلى ذلك صاحب «الحدائق» أيضاً((2)).

وقد دلّ على الأمر بغسل كل ما لاقاه الماء المتنجس بميتة الفأرة، فالمتنجّس نجس ومنجّس من غير فرق في الملاقَى بين غير الماء كالثوب وبين الماء سواء كان مطلقاً او مضافاً، قليلاً او كثيراً، نعم ورد الدليل على خروج الماء المطلق اذا كان كراً وبقي تحته الباقي، كما دلّ على إعادة الوضوء والصلاة التي صلّاها بذلك الوضوء، فيفيد وجوب طهارة أعضاء الوضوء وطهارة مائه، ووجوب طهارة بدن المصلي وثيابه حال الصلاة. ولولا أنّ المتنجّس منجّس لم يكن وجه لأمره هذا بوجه.

وعدم التفصيل بين الوقت وخارجه يدلّ على شمول الحكم لهما، ويظهر ذلك من نفس سؤال الراوي؛ حيث قال: «قد توضأ من ذلك الإناء مراراً»، فإنّه يدلّ على خروج وقت بعض صلواته.

وهو دالّ بعمومه أيضاً على عدم الاكتفاء بزوال عين النجاسة عنالملاقي، بل لابد من الغسل؛ حيث قال (علیه السلام) : «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه، ثم فعل ذلك بعدما رآها في

ص: 113


1- - الفوائد المدنيّة: 296.
2- - الحدائق الناضرة 1 : 135.

الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة».

ودلّ أيضاً على أنّه إذا رأى النجاسة بعد الفراغ من استعمال الماء، فيجب عليه الاجتناب عنه فيما يأتي؛ لأنّه أصبح على يقين من نجاسته، وأمّا طهارته السابقة على العلم بالنجاسة فهي غير منتقضة، وكذا ثوبه الذي غسله بذلك الماء؛ لأنّه يجهل تأريخ سقوط النجاسة فيه. وهذا التعليل يفيد: أنّه لو كان قد علم بسقوطها فيه قبل الطهارة أو غسل الثوب، لوجب إعادة الطهارة وغسل كل ما أصابه ذلك الماء. وإنّما لم يجب عليه شيء من ذلك؛ لوجود احتمال وقوع النجاسة في الماء في الساعة التي رآها فيه.

فالحديث يدلّ على أنّ العلم بالنجاسة شرط في ترتيب أثر وجودها، وأنّ الطهارة بالماء النجس باطلة، وأنّ احتمال الطهارة كافٍ في الحكم بها، فلا يجوز الحكم بالنجاسة مع وجوده.

وفي هذا ردّ على أهل الوسواس؛ فإنّ احتمال الطهارة موجود عند أغلبهم، وقد جاء الحكم بعدم ترتيب آثار النجاسة مع وجود احتمال الطهارة.

سند الشیخ الصدوق إلی عمار الساباطي

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

السند الأول: ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار الساباطي.

وسنده إلى عمّار هكذا: «كل ما كان في هذا الكتاب - أي كتاب «من

ص: 114

لايحضره الفقيه» - عن عمّار بن موسى الساباطي، فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي»((1)

وهو موثّق.

مضافاً لتصريح الشيخ في «الفهرست» بأنّ: «له كتاب كبير، جيّد معتمد»((2)).

كما أنّ النجاشي ذكر أن كتابه يرويه جماعة((3))، فلا يحتاج إلى الطريق.

السند الثاني: ما رواه الشيخ عن عمار.

وسنده إلى عمار هكذا: «رويناه بالإسناد الأول عن سعد والحميري، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد المدائني، عنمصدق بن صدقة، عنه»((4)).

وأراد بالإسناد الأول: أبا عبد الله المفيد، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد. وهو موثّق كسابقه.

السند الثالث: ما رواه الشيخ أيضاً بإسناده عن إسحاق بن عمّار.

وإسناده إلى إسحاق بن عمّار هكذا: «أخبرنا به الشيخ أبو عبد الله المفيد

ص: 115


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 422.
2- - فهرست الطوسي: 189 / 526.
3- - رجال النجاشي: 290 / 779.
4- - فهرست الطوسي: 189 / 526.

[351] 2- وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْمَاءُ كُلُّهُ طَاهِرٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ»(1).

أَقُولُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضاً(2)2*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3)3*) إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

رضي الله عنه والحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن أبي عمير، عنإسحاق هذا»((4)).

وهذا الإسناد صحيح.

مضافاً إلى أنّ الشيخ قال في «الفهرست»: «له أصل، وكان فطحيّاً، إلّا أنّه ثقة، وأصله معتمد عليه»((5)

فالسند موثق.

[2] - فقه الحديث:

تقدّم بيان فقه الحديث في الباب الأول.

ص: 116


1- تقدم في الحديث 5 من الباب 1 من أبواب الماء المطلق.
2- 2*) تقدم في الحديث 2 من الباب 1 من أبواب الماء المطلق.
3- 3*) يأتي في: أ - الحديث 3 من الباب 13 من أبواب الماء المضاف. ب - الباب 37 من أبواب النجاسات.
4- - فهرست الطوسي: 54 / 52.
5- - المصدر نفسه.

سند الحديث:

أيضاً قد تقدّم الكلام فيه بأسانيده الأربعة.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أولهما معتبر دون الثاني.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد منهما أمور، منها:

1- وجوب غسل كل ما لاقاه الماء المتنجّس؛ لأنّ المتنجّس منجّس.

2- كل ماء محكوم بالطهارة حتى يُعلَم أنّه قد نجس.

3- أنّ العلم بالنجاسة شرط في ترتيب أثر وجودها.

4- أنّ الفأرة نجسة إذا ماتت.

5- أنّه لا يكتفى بزوال عين النجاسة عن الملاقي، بل لابدّ من الغسل.6- أنّ النجاسة إذا وجدت في الماء بعد استعماله، وحصل الشكّ في تقدّم وقوعها عليه وتأخره عنه فإنّه يُحكم بالطهارة.

7- أنّ الطهارة بالماء النجس باطلة.

8- أنّ احتمال الطهارة كافٍ في الحكم بها.

9- وجوب طهارة أعضاء الوضوء وطهارة مائه.

10- وجوب طهارة بدن المصلي وثيابه حال الصلاة.

ص: 117

ص: 118

5 - باب عدم نجاسة الماء الجاري بمجرد الملاقاة للنجاسة ما لم يتغير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب عدم نجاسة الماء الجاري بمجرّد الملاقاة للنجاسة ما لم يتغيّر

شرح الباب:

الماء الجاري: هو النابع السائل على وجه الأرض، فوقها، أو تحتها، كبعض القنوات.

فيشترط في الجاري النبع والسيلان، وأمّا ما كان نابعاً وله مادة، غير سائل كالعيون، أو كان له جريان وليست له مادة كالماء الذي يجري من سفوح الجبال، فلا يطلق عليه الجاري، ولا تعمّه أحكامه من هذه الجهة؛ فإنّ الجاري ظاهر في الفعليّة، وهذا التعريف هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع.

وذهب بعضهم إلى كفاية الجريان في صدق عنوان الجاري، كما عن ابن أبي عقيل((1)).

وذهب بعضهم إلى كفاية مجرّد النبع في صدق الماء الجاري بلا اعتبار السيلان، كما عن الشهيد الثاني في «المسالك»((2)).

ص: 119


1- - جامع المقاصد 1 : 110.
2- - مسالك الأفهام 1 : 12.

ولا يشترط فيه أن يكون خروجه بالدفع والفوران من الأرض، بل يكفي أن يخرج منها بالرشح، بل الغالب خروجه في أكثر البلدان على نحو الرشح.

وحكمه أنّه لا ينجس بملاقاة النجاسة إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة بها، بلا فرق بين أن يكون كرّاً أو غير كرٍّ، وهو ظاهر السيّد في «جمل العلم والعمل»((1))، وظاهر «الخلاف» و«الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» الإجماع على عدم اعتبار الكرّية((2)).

والباب مبني على قول المشهور.

الأقوال:

أمّا الخاصّة: فقال الشيخ في «الخلاف»: «الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة لا ينجس بذلك إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه، سواء كان الماء فوق النجاسة أو تحتها أو مجاوراً لها، وسواء كانت النجاسة مائعة أو جامدة»((3)).

وقال العلامة في «التذكرة»: «الجاري الكثير - كالأنهار الكبار والجداول الصغار - لا ينجس بملاقاة النجاسة إجماعاً منّا»((4)).

ص: 120


1- - جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة): 22.
2- - كشف اللثام 1 : 256.
3- - الخلاف 1 : 195.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 16.

[352] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي، وَكُرِهَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا العامّة: فقد قال الشافعي: الماء الذي قبل النجاسة طاهر، وما بعدها إن كانت النجاسة لم تصل إليه فهو طاهر، وأمّا ما يجاوره ويختلط به، فإن كان أكثر من قلّتين فهو أيضاً طاهر، وإن كان أقل منهما فإنّه ينجس((2)).

الاستدلال علی اعتصام الماء الجاري

[1] - فقه الحديث:

استدل بهذا الحديث ونحوه على اعتصام الماء الجاري عن النجاسة، بتقريب: أنّ نفي البأس عن البول فيه، وسكوت الإمام (علیه السلام) عن بيان تنجّسه - مع أنّه من وظائف الإمام (علیه السلام) - معناه: أنّه لا ينفعل بالنجاسة.

كما يدّعى ذلك في الأخبار الدالّة على كفاية الغسل في الجاري مرّة، ويقال: إنّ غسل النجس في الجاري لو كان سبباً لانفعاله لبيّنه (علیه السلام) ؛ لأنّه من وظائف الإمام، فمن عدم بيانه يظهر: أنّ الجاري لا ينفعل بملاقاة النجس. والمراد بالكراهة هنا هي الكراهة الوضعيّة لا التكليفيّة، والقرينة على ذلك:أنّ البول في الماء مكروه مطلقاً، فالبول في الماء - سواء أكان جارياً أم

ص: 121


1- تهذيب الأحكام 1 : 31، ح81، و43، ح121.
2- - الأم 1 : 4 ، ومغني المحتاج 1 : 24 .

راكداً - مكروه؛ لحديث الأربعمائة وغيره.

وقوله (علیه السلام) : «لا بأس» فيه إطلاق من جميع الجهات: تكليفيّة ووضعيّة، والقرينة على الوضعيّة ما تقدّم.

وفيه: أنّ الظاهر من الحديث وأمثاله أنّ الإمام ليس بصدد البيان من هذه الجهة، والحديث ناظر إلى بيان الحكم من حيث الحرمة أو الكراهة.

وبيان حكم الماء من حيث نجاسته وطهارته، وإن كان من وظائف الإمام (علیه السلام) ، إلّا أنّه ليس بصدد بيانهما في هذا الحديث ونحوه، ولا في روايات كفاية الغسل مرّة في الجاري، ومّما يدل على ذلك: أنّه (علیه السلام) في تلك الأخبار قد أمر بغسل الثياب في المركن مرّتين، ولم يبيّن نجاسة الماء الموجود في المركن، مع أنّه ماء قليل، ولا ريب في انفعال الماء القليل بملاقاته للنجاسة، فلا يصح الاستدلال على طهارة الماء الموجود في المركن بعدم بيانه (علیه السلام) لنجاسة الماء، كما هو أوضح من أن يخفى.

سند الحديث:

فيه: حمّاد، وهو حمّاد بن عيسى؛ لروايته لكتاب ربعي بن عبد الله، كما في نصّ النجاشي الآتي.

وربعي: وهو ربعي بن عبد الله، قال عنه النجاشي: «بصري، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وصحب الفضيل بن يسار، وأكثر الأخذعنه، وكان خصيصاً به... وله كتاب رواه عنه عدّة من أصحابنا رحمهم الله،

ص: 122

منهم حمّاد بن عيسى»((1)).

وبهذا النص يتضح أمران:

الأول: أنّه ليس المراد منه في هذا السند ربعي بن أحمر، المهمل((2))؛ لإكثار ربعي بن عبد الله من الأخذ عن الفضيل بن يسار، وكونه من خواصّه،كما يستفاد أنّ المراد من الفضيل في هذا السند هو الفضيل بن يسار كما لا يخفى.

الثاني: أنّ كتاب ربعي غير محتاج إلى الطريق؛ لشهرته.

وقال الكشّي: «قال محمد بن مسعود: سألت أبا محمد عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، عن ربعي بن عبد الله؟ فقال: هو بصري، هو ابن الجارود، ثقة»((3)).

وروى عنه المشايخ الثقات((4))، فالسند صحيح.

ص: 123


1- - رجال النجاشي: 167 / 441.
2- - رجال الطوسي: 205 / 2635.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 652.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 192.

[353] 2- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَبُولُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ الْمَاءُ جَارِياً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

احتمال أمرین في قوله علیه السلام: إذا كان الماء جاریا

[2] - فقه الحديث:

مضمون هذا الحديث كالأول، ويحتمل في الشرطيّة التي أفادها الإمام (علیه السلام) أمران:

أحدهما: ما يظهر منها بدواً، وهو أنّ البول في الماء لا بأس به إذا كان في حال الجريان. ومفهومها: أنّ فيه البأس إذا لم يتّصف بالجريان، كما في بعض المياه النابعة غير الجارية، وعليه: فلا يكون الحديث شاملاً لغير الجاري من المياه.

وثانيهما: أن يكون الإمام (علیه السلام) أتى على ذكر الجريان؛ لتضمّن السؤال لذكره، فليس له مدخليّة في الحكم، وعليه: فيكون الحديث شاملاً لجميع المياه؛ ويدلّ على ذلك التعليل الوارد فيما رواه مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال : «إنّ للماء أهلاً»((2))؛ إذ لا يراد التعليل لخصوص الجاري؛ لعدم إمكان إنكار الكراهة والبأس في غير الجاري فعدم الكراهة يختص بالوضعي.

ص: 124


1- تهذيب الأحكام 1 : 43، ح120، ورواه في الاستبصار 1 : 13، ح22.
2- - الاستبصار 1 : 13، ح5.

بحث رجالي حول عنبسة بن مصعب

سند الحديث:

فيه: ابن سنان: وهو وإن كان مشتركاً بين محمد وعبد الله، إلّا أنّ الظاهر كون المراد به محمد بن سنان؛ لأنّ الحسين بن سعيد يروي كثيراً عن محمد بن سنان، ولا يروي عن عبد الله إلّا في مورد واحد، وقد استظهرنا وثاقته في «أُصول علم الرجال»((1)).

وفيه: عنبسة بن مصعب: عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ((2))، وفي أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3))، وفي أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((4))، وعن الكشي عن حمدويه: عنبسة بن مصعب ناووسي، واقفي على أبي عبد الله (علیه السلام) ، وإنّما سمّيت الناووسية برئيس كان لهم يقال له: فلان بن فلان الناووس((5))،لم يرد فيه شيء، ولكن روى عنه المشايخ الثقات ((6))، فالسند معتبر.

ص: 125


1- - أُصول علم الرجال 2 : 402.
2- - رجال الطوسي: 141 / 1519.
3- - المصدر نفسه: 261 / 3722.
4- - المصدر نفسه: 340 / 5096.
5- - اختيار معرفة الرجال 2 : 659.
6- - أُصول علم الرجال 2 : 204.

[354] 3- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي»(1).

[355] 4- وَعَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَاءِ الْجَارِي يُبَالُ فِيهِ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

مضمون هذا الحديث كالأول أيضاً، ولكنّ الظاهر أنّ الاحتمال الأول الذي ذكرناه في الشرطيّة - في الحديث الثاني - أقوى.

سند الحديث:

رجاله تقدموا جميعاً، والسند موثّق بابن بكير.

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث يختلف عن الأحاديث السابقة؛ حيث كان السؤال في تلك الأحاديث عن البول في الماء الجاري، وهنا ورد السؤال عن الماء الجاري الذي يُبال فيه، فأجاب الإمام (علیه السلام) بقوله: «لا بأس به»، والضمير عائد على الماء، فنفي البأس عنه ظاهر في عدم نجاسته بالملاقاة، وإن كان قليلاً؛لإطلاق الحديث.

ص: 126


1- تهذيب الأحكام 1 : 43، ح122، ورواه في الاستبصار 1 : 13، ح24.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 34، ح89 ، ورواه في الاستبصار 1 : 13، ح21.

[356] 5- وَعَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْمَيْتَةِ فِي الْمَاءِ، قَالَ: «يَتَوَضَّأُ مِنَ النَّاحِيَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْمَيْتَةُ»(1).

أَقُولُ: حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا عَلَى الْجَارِي وَالْكُرِّ مِنَ الرَّاكِدِ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

ويحتمل أن يعود الضمير إلى المصدر المفهوم من الفعل المضارع يبال، وحينئذٍ يكون الحديث ظاهراً في جواز البول في الماء الجاري.

سند الحديث:

السند معتبر، إلّا أنّه مبتلى بالإضمار، وهو ليس بضارٍّ في المقام؛ لكون المضمِر سماعة.

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الرخصة في الوضوء من الماء الذي فيه الميتة، من الناحية التي ليس فيها الميتة، فيفهم منه: أنّ الماء لا يتنجس بملاقاة النجاسة،وإلّا لم يكن فرق بين نواحي الماء. والتقييد بالناحية المغايرة للناحية التي فيها الميتة يفهم منه: أنّ الماء قد تغيّر بأوصافها، وإلّا لو كانت الميتة ملاقية

ص: 127


1- تهذيب الأحكام 1 : 408، ح1285.
2- حمله الشيخ في الاستبصار على الكر. (الاستبصار 1 : 22).
3- يأتي ما يدل عليه في الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

[357] 6- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ مِيزَابَيْنِ سَالا: أَحَدُهُمَا مِيزَابُ بَوْلٍ، وَالْآخَرُ مِيزَابُ مَاءٍ فَاخْتَلَطَا ثُمَّ أَصَابَكَ، مَا كَانَ بِهِ بَأْسٌ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

للماء بلا تأثير فيه لم يكن فرق بين الناحيتين.

اللهم إلّا أن يقال: إنّه محمول على التنزّه؛ لأنّ النفس تعاف مماسّة الماء الذي تجاوره الجيفة وإن حُكم بطهارته، فيكون الأمر بالوضوء من الجانب الذي ليس فيه الجيفة محمولاً على الاستحباب.

سند الحديث:

رجاله تقدّم ذكرهم جميعاً، والسند موثّق .

[6] - فقه الحديث:

الظاهر أنّ المراد من الماء في قوله (علیه السلام) : «ميزاب ماء» هو ماء المطر؛ لأنّه من البعيد أن يكون الميزاب جارياً من كر أو جارٍ، وبقي على الإطلاق ولم

ص: 128


1- الكافي 3 : 12، ح2.
2- تهذيب الأحكام 1 : 411، ح1296.

أَقُولُ: الْمَاءُ هُنَا وَإِنْ كَانَ مُطْلَقاً إِلَّا أَنَّ أَقْوَى أَفْرَادِهِ وَأَوْلَاهَا بِهَذَا الْحُكْمِ الْمَاءُ الْجَارِي. وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ مَاءِ الْحَمَّامِ وَمَاءِ الْمَطَرِ وَمَاءِ الْبِئْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

يتغيّر بالنجاسة، فيظهر منه طهارة الماء القليل الملاقي للنجاسة. وإطلاق الحديث يشمل ما إذا كانت إصابته حال نزول المطر وعدمه.

ويحتمل في هذا الحديث أمران:

أحدهما: أنّ المراد من اختلاط الماءين: الاختلاط الحقيقي، بمعنى: أنّهما امتزجا، فيدلّ الحديث على عدم نجاسة الجاري بوضوح.

ثانيهما: أنّ المراد هو الاختلاط المجازي، فهو بمعنى الاشتباه، ويدلّ الحديث حينئذٍ على أصالة الطهارة.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأول: سند الشيخ الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وهو ابن عيسى الأشعري القمّي .

وأمّا الهيثم بن أبي مسروق: فهو النهدي، قال النجاشي: «هيثم بن أبي

ص: 129


1- 1*) يأتي ما يدل على ذلك في: أ - الحديث 2، 3، 9 من الباب6، والحديث 1، 7 من الباب 7 من أبواب الماء المطلق. ب - الحديث 8 من الباب 9 من أبواب الماء المضاف.

مسروق، أبو محمد - واسم أبي مسروق عبد الله النهدي - كوفي، قريب الأمر، له كتاب نوادر»((1)).

ونقل الكشي عن حمدويه، قال: «لأبي مسروق ابن يقال له الهيثم، سمعت أصحابي يذكرونهما بخير، كلاهما فاضلان»((2))، وهذا يدلّ على المدح المطلق، بل الحسن، إلّا أنّه ما دام معدوداً من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي صاحب «النوادر»((3))، يكون ثقة.

وأمّا الحكم بن مسكين: فقد ذكره النجاشي قائلاً: «أبو محمد، كوفي، مولى ثقيف، المكفوف، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، ذكره أبو العباس»((4))، أي: ابن عقدة في جملة الرواة الأربعة آلاف عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وهذاغير دالّ على التوثيق عندنا.

نعم، ورد في أسانيد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((5))، فيكون ثقة.

وأمّا محمد بن مروان: فقد تقدّم في الجزء الأول أنّه مشترك بين جماعة((6))، والظاهر أنّه الذهلي هنا أيضاً؛ فإنّه المعروف وصاحب كتاب.

ص: 130


1- - رجال النجاشي 437 / 1175.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 670.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 243.
4- - رجال النجاشي: 136 / 350.
5- - أُصول علم الرجال 1 : 220، وج2 : 189.
6- - إيضاح الدلائل 1 : 104.

وأمّا الحنّاط فهو قليل الحديث، فينصرف العنوان المطلق إلى أشهر الأفراد وهو الذهلي، وقد روى المشايخ الثقات عن محمد بن مروان بهذا العنوان((1))، فيكون هذا العنوان ثقة.

والحاصل: أنّ هذا السند معتبر.

الثاني: سند الشيخ عن أحمد بن محمد، وهو نفس سند الكليني المتقدّم، والكلام فيه هو الكلام؛ فإنّ الشيخ الطوسي نقل الحديث من كتاب أحمد بن محمد على ما التزم به في «التهذيب»، فهذا السند معتبر أيضاً.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، أولها صحيح، والثالث والخامس موثّقان، والثاني والرابع والسادس معتبرة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد منها أمور:

1- كراهة البول في الماء الراكد.

2- كراهة البول في الماء مطلقاً، وإن كان جارياً.

3- عدم انفعال الماء الجاري بملاقاة النجاسة، وإن كان قليلاً.

4- جواز الوضوء من الماء الذي فيه الميتة من الناحية التي لم يتغيّر فيها الماء بأوصاف الميتة.

ص: 131


1- - أُصول علم الرجال 2 : 211.

ص: 132

6 - باب عدم نجاسة ماء المطر حال نزوله بمجرد ملاقاة النجاسة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب عدم نجاسة ماء المطر حال نزوله بمجرد ملاقاة النجاسة

شرح الباب:

هذا الباب متكفّل لبيان عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجاسة مع عدم تغيّره، والمشهور عدم انفعاله حال نزوله إذا لاقى نجاسة مع صدق اسم المطر عليه عرفاً، سواء جرى من ميزاب أو غيره أولم يجر، فحكمه حكم الجاري، ف-«لا ينجس بغير التغيير في حال وقوعه وتقاطره على المشهور بين الأصحاب - نقلاً وتحصيلاً - شهرة عظيمة، كما في اللوامع((1))، بل عن الروض نسبته إلى عامّتهم عدا الشيخ((2))، بل في المصابيح بعد نسبته إلى فتوى الأصحاب أنّه لم يثبت مخالف ناصّ((3)) إلى آخره. لكن إذا كان تقاطراً عن قوّة بحيث يصدق عليه اسم المطر والغيث لا قطرات يسيرة حتى القطرة والقطرتين، كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض السادات المعاصرين له»((4)).

ص: 133


1- - لوامع الأحكام 1 : 14.
2- - روض الجنان 1 : 372.
3- - مصابيح الأحكام 1 : 293.
4- - جواهر الكلام 6 : 312.

فالمخالف هو الشيخ في «التهذيب» حيث ذكر: «أنّ ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الماء الجاري لا ينجّسه شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته»((1)).

أقوال العامّة:

جاء في «بدائع الصنائع» للكاشاني: «وعن محمد: في ماء المطر إذا مرّ بعذرات ثم استنقع في موضع، فخاض فيه إنسان ثم دخل المسجد فصلّى، لا بأس به، وهو محمول على ما إذا مرّ أكثره على الطاهر. واختلف المشايخ في حدّ الجريان، قال بعضهم: هو أن يجري بالتبن والورق، وقال بعضهم: إن كان بحيث لو وضع رجل يده في الماء عرضاً لم ينقطع جريانه فهو جار، وإلّا فلا. وروي عن أبي يوسف: إن كان بحال لو اغترف إنسان الماء بكفيه لم ينحسر وجه الأرض بالاغتراف فهو جار، وإلّا فلا. وقيل: ما يعدّه الناس جارياً فهو جار، وما لا فلا. وهو أصح الأقاويل.

وإن كان راكداً فقد اختلف فيه، قال أصحاب الظواهر: إنّ الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلاً، سواء كان جارياً أو راكداً، وسواء كان قليلاً أو كثيراً، تغيّر لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغيّر. وقال عامّة العلماء: إن كان الماء قليلاً ينجس، وإن كان كثيراً لا ينجس. لكنّهم اختلفوا في الحدالفاصل بين القليل والكثير»((2)).

ص: 134


1- - تهذيب الأحكام 1 : 411.
2- - بدائع الصنائع 1 : 71.

[358] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ السَّطْحِ يُبَالُ عَلَيْهِ فَتُصِيبُهُ السَّمَاءُ فَيَكِفُ(1) فَيُصِيبُ الثَّوْبَ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

فالحاصل: أنّه أمر اتفاقي بين المسلمين كافّة، ولم يقع في ذلك خلاف إلّا في بعض خصوصياته، من اعتبار الجريان التقديري أو الفعلي مطلقاً، أو من الميزاب، إلى غير ذلك من الخصوصيات.

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم نجاسة المطر المتقاطر على داخل البيت مع العلم بملاقاة البول في سطحه، وقد علّله (علیه السلام) بأنّ ما أصابه من الماء أكثر، بمعنى: أنّ الماء غالب على نجاسة السطح. ويحتمل في المراد بالسطح أمران:

الأول: أنّه السطح الذي يبول عليه شخص واحد بالفعل، ويبعّده أنّ الفعل المضارع يدلّ على الاستمراريّة والدوام، وهو يناسب المعنى الثاني الآتي.

الثاني: أنّه الكنيف، وهو الموضع المتّخذ للبول؛ فإنّ قوله: «يبال عليه» وصف للسطح، فيستفاد من هذا الحديث: أنّ ماء المطر إذا غلب على

ص: 135


1- في هامش المخطوط: وكف البيت: أي قطر. (منه (قدس سره) ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 7، ح4.

الكنيف، ولم يتغيّر بما فيه من البول وغيره - كما في صورة عدم غلبته - فهو محكوم بالطهارة والاعتصام. وهذا الاحتمال هو الظاهر.

ووجه الدلالة((1)): أنّ مرجع الضمير في جملة «لا بأس به» مردّد بدواً بين ماء المطر الذي ينزل على السطح، أو السطح، أو الماء الذي يكف منه على الثوب أو الثوب.

فعلى القول بأنّ الجواب مطابق للسؤال يكون مرجع الضمير هو الثوب، أو الماء الذي أصابه من السطح، لا أنّ المرجع هو السطح؛ لأنّ السائل لم يكتف بذكر السطح ونزول المطر عليه، بل أضاف تقاطر المطر من السطح ووقوعه على الثوب، ولا موجب لهذا الفرض لو أراد السؤال عن السطح فحسب، وعليه فيكون المنفي عنه البأس هو الثوب، أو الماء الذي أصابه من السطح.

مرجع الضمیر في «لا باس به»

وعليه فقوله (علیه السلام) : «لا بأس به» يكون دالّاً بالمطابقة على طهارة الماء النازل، أو الثوب.

وعلى القول بأنّ مرجع الضمير في «لا بأس به»، ومرجع الضمير في قوله:«ما أصابه من الماء أكثر منه» واحد، مع ملاحظة أنّ مرجع الضمير في قوله: «ما أصابه» هو السطح لا الثوب؛ إذ لم يفرض في الثوب أنّه أصابه بول، بل فرض السائل أنّ الماء المتقاطر هو الذي أصاب الثوب، والبول إنّما

ص: 136


1- - بحوث في شرح العروة 2 : 7 - 10، بتصرّف كثير.

أصاب السطح، فيكون الظاهر من الضمير المجرور المنفي عنه البأس هو السطح أيضاً.

وعليه فقوله (علیه السلام) : «لا بأس به» يكون دالّاً على الحكم بمطهّريّة ماء المطر للسطح.

فعلى كلا التقديرين: لا إشكال في دلالة نفي البأس على اعتصام ماء المطر؛ لأنّ المفروض ملاقاته للسطح الذي يبال عليه، وهو يقتضي أحياناً ملاقاة الماء لنفس البول.

فإذا كان المنفي عنه البأس هو الثوب أو الماء النازل، دلّ نفي البأس على طهارة هذا الماء، ولو كان ملاقياً للنجس، وهو معنى اعتصام الماء.

وإذا كان المنفي عنه البأس هو السطح، فلا إشكال أيضاً في دلالة نفي البأس عن السطح والماء النازل والثوب بالدلالة التضمّنيّة؛ لأنّه لو كان الماء النازل والثوب نجسين مع ارتفاع النجاسة عن السطح، لم يكن معنى لاقتصار الإمام (علیه السلام) في مقام الجواب على نفي البأس عن السطح، وعدم التعرّض لنجاسة الماء النازل والثوب، فنفي البأس عن السطح يتضمّن نفي البأس عن الماء النازل والثوب، وبهذا يثبت اعتصام ماء المطر.

لا يقال: إنّ مناط اعتصام ماء المطر أو مطهّريّته مجرد أكثريّته من البول ولو مع انحفاظ البول على السطح مثلاً، أو تغيّر الماء به؛ للتعليل بها في قوله (علیه السلام) : «ما أصابه من الماء أكثر منه»، وهو باطل لا يمكن الالتزام به، فيكون الكلام مجملاً، ويسري الإجمال إلى الجملة المعلّلة، ويتعذّر الاستدلال بها.

ص: 137

لأنّه يقال: إنّ السائل لم يفرض فعلية البول على السطح عند نزول المطر، وإنّما فرض سطحاً يبال عليه، وهذا الفرض أعم. فإن أريد بالأكثريّة: أكثريّة ماء المطر من البول الموجود فعلاً على السطح، فهذا خلاف الظاهر؛ إذ لم يُفرض وجود بول بالفعل عليه. وإن أريد بها: أكثريّة ماء المطر مما أصاب السطح من البول طيلة المدة التي استعمل فيها السطح كنيفاً، فهذا ممّا ليس إلى معرفته سبيل، فلا يسأل عنه السائل. نعم، يمكن معرفة الأكثريّة بلحاظ الأثر، لا بحسب الكمّية، والأكثريّة بلحاظ الأثر مساوقة للقاهريّة وعدم تغيّر الماء بأوصاف البول.

فإن كان المقصود من قوله (علیه السلام) : «لا بأس به» الحكم بمطهّريّة المطر للسطح، فيكون قوله: «ما أصابه من الماء أكثر منه» في مقام بيان ضابط هذه المطهّريّة، وهي الإصابة مع عدم تغيّر ماء المطر. وإن كان المقصود من قوله (علیه السلام) : «لا بأس به» الحكم بطهارة الماء النازل من السطح، فتكون الجملة الثانية في مقام بيان ضابط هذه الطهارة، وأنّ ماء المطر ما دام قاهراً على أوصاف النجس لا ينفعل، وهو معنى الاعتصام.

سند الحديث:

إسناد الصدوق إلى هشام بن سالم: له إليه طريقان، ويتشعب منهما طرق عديدة :

الأول: أبوه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن يعقوب بن يزيد

ص: 138

والحسن بن ظريف وأيوب بن نوح، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم.

إسناد الشیخ الصدوق إلی هشام بن سالم

الثاني: أبوه رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير وعلي بن الحكم جميعاً، عن هشام بن سالم الجواليقي((1)).

والطريق الأول صحيح، والثاني حسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم، الذي استظهرنا وثاقته، فيكون الطريق صحيحاً عندنا.

وهشام بن سالم من أجلّاء أصحابنا، تقدّم توثيقه في الجزء الأول((2)).

فسند هذا الحديث صحيح بلا ريب.

ص: 139


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 425.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 96.

[359] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبَيْتِ يُبَالُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيُغْتَسَلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يُصِيبُهُ الْمَطَرُ، أَيُؤْخَذُ مِنْ مَائِهِ فَيُتَوَضَّأُ بِهِ لِلصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «إِذَا جَرَى فَلَا بَأْسَ بِهِ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَمُرُّ فِي مَاءِ الْمَطَرِ وَقَدْ صُبَّ فِيهِ خَمْرٌ فَأَصَابَ ثَوْبَهُ، هَلْ يُصَلِّي فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهُ؟ فَقَالَ: «لَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَلَا رِجْلَهُ، وَيُصَلِّي فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الاحتمالات حول ذكر غسل الجنابة في ضمن السؤال

[2] - فقه الحديث:

الحديث فيه سؤالان:

السؤال الأول: أنّ سطح البيت متنجّس بالبول بنحو متكرّر، على ما يقتضيه الفعل المضارع «يبال»، ثمّ يصيبه المطر، فهل يؤخذ منه لوضوء الصلاة؟ وقد حكم الإمام (علیه السلام) بنفي البأس إذا جرى الماء، ويفهم منه طهارة الماء وجواز الوضوء منه. وإطلاق الجواب يشمل صورة وجود عين البول على السطح عند نزول المطر، وهذا معنى الاعتصام.

وأمّا ذكر غسل الجنابة في ضمن السؤال، فله احتمالات ذكرها الشيخ البهائي(قدس سره) :

ص: 140


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 7، ح6 و 7، ومسائل علي بن جعفر: 204، ح433.
2- تهذيب الأحكام 1 : 411 ، ح1297، و418، ح1321.

أحدها: أن يكون قد أراد به: ما إذا كان بدن المغتسل عن الجنابة نجساً بمنيٍّ ونحوه، فإذا خالطه ماء المطر فهل يكون طاهراً ويجوز الوضوء منه أو لا؟

الثاني: أن يجعل ذكره له لتحقيق أنّ الماء الذي يرفع به حدث الجنابة إذا خالطه ماء المطر هل يجوز الوضوء به؟ وذلك لاختلاف الرواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) في غسالة الغسل من الجنابة، فقد ورد نفي البأس عنه في صحيحة الفضيل بن يسار، قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) ، عن الجُنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء، فقال: «لا بأس، هذا ممّا قال الله تعالى {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}»((1)).

وورد عدم جواز الوضوء به فيما رواه عبد الله بن سنان عنه (علیه السلام) : «الماء الذي يُغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه»((2)).

فأراد أن يستعلم من أخيه (علیه السلام) ما هو الحقّ في ذلك .

الثالث: أنّه لعلّه إنّما سأله عن المخالط لماء المطر؛ لأنّه عالم بأنّ غيرالمخالط لا يجوز الوضوء به، فيتأكّد بهذا ما ذهب إليه المؤلّف والشيخان من عدم جواز رفع الحدث بماء الغسل الرافع للحدث((3)).

ص: 141


1- - وسائل الشيعة 1 : 211، ب9 من أبواب الماء المضاف والمستعمل، ح1.
2- - المصدر نفسه 1 : 215، ب9 من أبواب الماء المضاف والمستعمل، ح13.
3- - الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه: 78، بتصرّف.

وأمّا تعليق الإمام (علیه السلام) الاعتصام على الجريان بقوله: «إذا جرى فلا بأس به»، فلا مفهوم له؛ لاحتمال أنّ الوجه في ذلك هو العلم بغلبة ماء المطر على النجس في صورة الجريان، دون عدمه.

السؤال الثاني: إذا أصاب الثوب ماء مطر قد صُبّ فيه خمر فهل تجوز الصلاة فيه قبل أن يغسل؟ فأجاب الإمام (علیه السلام) بعدم لزوم غسل الثوب الذي أصابه ذلك الماء، ولا الرجل التي لاقت ذلك الماء، وهذا الجواب صريح في اعتصام ماء المطر المجتمع في الأرض، وعدم انفعاله بالخمر المنصب فيه.

إسناد الشیخ الصدوق إلی علي بن جعفر

سند الحديث:

ذكر المصنف سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ الصدوق إلى علي بن جعفر، وقد ذكر الشيخ الصدوق في «مشيخة الفقيه» طريقين لما رواه في «الفقيه» عن علي بن جعفر:

أولهما: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن العمركي بن علي البوفكي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (علیهما السلام) ، وهو معتبر .وثانيهما: عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، عن محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله جميعاً، عن أحمد بن محمد بن عيسى والفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (علیهما السلام) ، وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر (علیه السلام) فقد

ص: 142

رواه بهذا الإسناد نفسه((1)) ، وهو صحيح.

الثاني: سند الشيخ الطوسي إلى علي بن جعفر، وقد ذكر له في «مشيخة التهذيب» طريقاً، وهو: الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى، عن العمركي النيسابوري البوفكي، عن علي بن جعفر((2)).

كما ذكر في «الفهرست» طريقي الصدوق المتقدّمين آنفاً((3))، وهما طريقان له كما لا يخفى، وهذه الطرق كلّها معتبرة.

ص: 143


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 423.
2- - تهذيب الأحكام 10 : 86.
3- - فهرست الطوسي: 151 / 377.

[360] 3- وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، مِثْلَهُ(1).

وَزَادَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْكَنِيفِ يَكُونُ فَوْقَ الْبَيْتِ فَيُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَيَكِفُ فَيُصِيبُ الثِّيَابَ، أَيُصَلَّى فِيهَا قَبْلَ أَنْ تُغْسَلَ؟ قَالَ: «إِذَا جَرَى مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ فَلَا بَأْسَ»(2).

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، وَزَادَ: «وَيُصَلَّى فِيهَا»، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلالته واضحة ممّا سبق في الحديث الثاني.

سند الحديث:

ذكر المصنف طريقين لهذا الحديث:

أولهما: ما عن الحميري في كتابه «قرب الإسناد» وفيه: عبد الله بن الحسن الذي لم يوثّق، إلّا أنّا ذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب عدّة

ص: 144


1- قرب الإسناد: 177 و 192.
2- المصدر نفسه: 192.
3- مسائل علي بن جعفر: 192، ح398.

[361] 4- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي مِيزَابَيْنِ سَالا، أَحَدُهُمَا بَوْلٌ وَالْآخَرُ مَاءُ الْمَطَرِ، فَاخْتَلَطَا، فَأَصَابَ ثَوْبَ رَجُلٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ(2).

وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وجوه لتصحيح روايات الحميري عن عبد الله بن الحسن((4))، فهذا الطريق معتبر.

ثانيهما: ما رواه علي بن جعفر في «مسائله»، وقد ذكرنا أيضاً أنّ للشيخ طريقاً صحيحاً إلى مسائل علي بن جعفر((5)

وهو الطريق الذي ذكرناه آنفاً عن «مشيخة التهذيب».

[4] - فقه الحديث:

ظاهر هذا الحديث أنّ الاختلاط وقع بين البول وماء المطر، ثمّ أصاب

ص: 145


1- الكافي 3 : 12، ح1.
2- تهذيب الأحكام 1 : 411، ح1295.
3- تقدّم في الحديث 6 من الباب السابق.
4- - إيضاح الدلائل 1 : 390.
5- - المصدر نفسه 1 : 392.

المختلط المركب - من البول والماء - الثوبَ، وهذا الاختلاط مطلق يشمل ما إذا لم يُستهلك البول في الماء، فالاختلاط فعلي حين إصابة الماء المختلط للثوب، ولا إشكال في انفعال الماء. ويشمل ما إذا تغيّر بالبول ولو مع استهلاك البول فيه، ولا إشكال في انفعال الماء أيضاً.

كما يشمل ما إذا استهلك البول في الماء، وهذه الصورة هي المرادة في الحديث؛ لما سبق من أحاديث نجاسة الماء بتغيّر أحد أوصافه.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ الكليني في «الكافي»، وهو معتبر.

الثاني: سند الشيخ الطوسي المنتهي إلى علي بن إبراهيم، وقد تقدّم في سند الحديث الثاني من الباب الثالث من هذه الأبواب، والسند معتبر.

كما تقدّم حديث محمد بن مروان في الباب السابق، وهو معتبر أيضاً.

ص: 146

[362] 5- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: قُلْتُ: يَسِيلُ عَلَيَّ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، أَرَى فِيهِ التَّغَيُّرَ وَأَرَى فِيهِ آثَارَ الْقَذَرِ، فَتَقْطُرُ الْقَطَرَاتُ عَلَيَّ وَيَنْتَضِحُ(1) عَلَيَّ مِنْهُ، وَالْبَيْتُ يُتَوَضَّأُ عَلَى سَطْحِهِ، فَيَكِفُ عَلَى ثِيَابِنَا؟ قَالَ: «مَا بِذَا بَأْسٌ، لَا تَغْسِلْهُ،

-----------------------------------------------------------------------------

الإجابة علی سؤالین

[5] - فقه الحديث:

هذا الحديث يحوي ثلاثة أسئلة، اقتصر المصنّف هنا على إيراد اثنين منها، وأرجأ أولها إلى أبواب المضاف والمستعمل:

الأول: السؤال عن ماء المطر يسيل عليه يرى فيه التغيّر، وآثار القذر. والتعبير ب-«يسيل» لا يناسب التقطّر والنضح اللذان فرّع السائل عليهما السيلان، إلّا أن يريد: أنّه يسيل ماء المطر بجانبه ويرشح عليه بعد أن يصل إلى الأرض.

الثاني: السؤال عن الماء النازل عن سطح البيت الذي يُتوضأ عليه - وهو كناية عن موجب الوضوء كالبول مثلاً - إذا وكف، أي: قطر على ثياب المارّين.

وأجاب الإمام (علیه السلام) عن كلا السؤالين بجواب واحد، وهو نفي البأس عن

ص: 147


1- ينتضح: يرش. (لسان العرب 2 : 618).

كُلُّ شَيْ ءٍ يَرَاهُ مَاءُ الْمَطَرِ فَقَدْ طَهُرَ»(1)1*)و(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

مثل هذا الماء، ونهى عن غسل المواضع التي أصابها، ثمّ أتى (علیه السلام) بكبرى تعليليّة، وهي: كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر، والتطهير يستلزم طهارة المطهِّر.

وبما أنّ ظاهر السؤالين أنّ الماء مرّ على النجاسة، فنفي البأس الوارد في جواب الإمام (علیه السلام) يفيد: أنّ ماء المطر معتصم.

ولكن استشكل بعضهم - كالمصنّف - في هذا الحديث؛ لظهوره في تغيّر

ص: 148


1- 1*) وردت في كتاب مستدرك الوسائل تعليقة حول هذا الحديث في نفس الباب، إليك نصها: «واعلم أنّ ممّا يجب التنبيه عليه وإن كان خارجاً عن وضع الكتاب: أنّ مرسلة الكاهلي - وهي عمدة أدلّة عنوان الباب المروي عن الكافي - مشتملة على أسئلة ثلاثة، أسقط الشيخ في الأصل أولها، ونقل متن ثانيها هكذا: قال: قلت: يسيل عليّ من ماء المطر، أرى فيه التغيّر، وأرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليَّ، وينتضح عليَّ منه... الخ. وصدر هذا السؤال لا يلائم ذيله؛ فإنّ السيلان غير القطر والنضح، فلا يمكن جعله بياناً له، كقولهم: توضأ فغسل. ورؤية التغيّر وآثار القذارة في الماء المنزل بعيد، إلّا أن يكون المراد السائل من الميزاب وشبهه، وهو خلاف الظاهر، فلابدّ من ارتكاب بعض التكلّفات. ومتن الخبر في بعض نسخ الكافي ونسخة صاحب الوافي هكذا: قلت: ويسيل على الماء المطر. بحذف من وخفض الماء ورفع المطر.. الخ. وعليه فلا يحتاج توضيح السؤال على تكلّف، خصوصاً على ما رأيت بخط المجلسي (رحمه الله) أنّ في نسخة المزيدي: فيطفر القطرات... الخ، وما ذكره الشيخ في الأصل في توجيه الخبر يناسب النسخة المذكورة لا نسخته. والله وليّ التوفيق». (مستدرك الوسائل1 : 193)... فتأمل.
2- 2*) الكافي 3 : 13، ح3 وأورد صدره في الحديث 3 الباب 13 من أبواب الماء المضاف.

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَطَرَاتِ وَمَا وَصَلَ إِلَى الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّغَيُّرُ وَآثَارُ الْقَذَرِ؛ لِمَا مَرَّ(1)1*).

أَوْ أَنَّ التَّغَيُّرَ بِغَيْرِ النَّجَاسَةِ، وَالْقَذَرَ بِمَعْنَى الْوَسَخِ، وَيَخُصُّ بِغَيْرِ النَّجَاسَةِ.

-----------------------------------------------------------------------------

الماء النازل من السطح أو الميزاب، فحمله على أنّ القطرات وما وصل إلى الثياب من غير الناحية التي فيها التغيّر وآثار القذر، والمتغيّر بالنجاسة لا يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة، كما مرّ في الباب الثالث.

وعليه لا يمكن الاستدلال بهذا الحديث على اعتصام ماء المطر؛ إذ ما دام لا يمكن استعمال الماء المتغيّر بالنجاسة؛ لما مرّ، لا يمكن إثبات اعتصامه كما هو ظاهر.

وهذا حمل بعيد ليس في الحديث ما يساعد عليه.

وحمله أيضاً على أنّ التغير بغير النجاسة، وأنّ القذر هو الوسخ، ويخصّ بغير النجاسة.

وهذا الحمل قريب، لكنّه لا يساعد على تماميّة دلالة الحديث علىاعتصام ماء المطر، إلّا بأن يتمّم بالقول بأنّه من المستبعد أن يرى المارّ عين النجاسة في ماء المطر، بل ما يمكن له رؤيته هو الماء متغيّراً بأوساخ السطح،

ص: 149


1- 1*) مرّ في الحديث 5 من الباب 5، وفي الحدبث 1 و10 من الباب 3، والحديث 5 من الباب 1 من أبواب الماء المطلق.

ممّا يعني أنّه مرّ على النجاسة قبل نزوله. وحينئذٍ يكون هذا الماء معتصماً؛ لاستمرار تقاطر ماء المطر عليه.

بحث رجالي حول الكاهلي

سند الحديث:

تقدّمت رجاله ما عدا الكاهلي: قال عنه النجاشي: «عبد الله بن يحيى، أبو محمد الكاهلي، عربي، أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكان عبد الله وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام) ، ووصّى به علي بن يقطين فقال [له]: «اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنّة». وقال محمد بن عبدة الناسب: عبد الله بن يحيى الذي يقال له الكاهلي، هو تميمي النسب، وله كتاب يرويه جماعة»((1)).

ويظهر منه أنّ كتابه مشهور، وقد ورد في أسانيد كتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((2)).

وفي السند إرسال، فلا يكون معتبراً، إلّا أن يقال بكفاية وجود الحديث في كتاب «الكافي» في اعتباره.

ص: 150


1- - رجال النجاشي: 221 / 580.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 250، و ج2 : 200.

[363] 6- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي طِينِ الْمَطَرِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُصِيبَ الثَّوْبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ نَجَّسَهُ شَيْ ءٌ بَعْدَ الْمَطَرِ... الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن طين المطر؛ لأنّه يطهر بنزول المطر، وكلّما أصاب الثوب بعد نزول المطر إلى ثلاثة أيام يبنى على طهارته، إلّا أن يعلم بقذارته فعلاً، فلا بد من الاجتناب عنه. وأمّا بعد الثلاثة أيام فلمّا كان الطين معرّضاً للتنجّس بكثرة الاستطراق وعدم الخلو عن النجاسة غالباًفكأنّما يعتبر الأصل هو النجاسة، فيستحب إزالته بعد الثلاثة أيام. ولابد من

ص: 151


1- الكافي 3 : 13، ح4، أورد تمامه في الحديث 1 من الباب 75 من أبواب النجاسات.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 41 ، ح163.
3- تهذيب الأحكام 1 : 267، ح783.
4- السرائر 3 : 651.

فرض عدم عين النجاسة عليه، وإلّا لم يكن هناك فرق بين الأيام الثلاثة وما بعدها. اللهم إلّا أن يعلم نظافته فلا يجب الاجتناب عنه حينئذٍ.

سند الحديث:

ذكر المصنف أربعة طرق لهذا الحديث:

أولها: بسند الكليني في «الكافي»، ورجاله تقدّم الكلام عنهم، وهو غير معتبر؛ للإرسال، إلّا أن يصحّح لوجوده في «الكافي».

ثانيها: بإرسال الصدوق في «الفقيه»، وهو معتبر على شهادة الصدوق (رحمه الله) .

ثالثها: بسند الشيخ في «التهذيب» بإسناده، عن أحمد بن محمد، وقد مرّ في الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من هذه الأبواب أنّه معتبر، فالسند معتبر إلى أحمد بن محمد. والمشكلة هنا في الإرسال.

رابعها: بنقل ابن إدريس عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد. وابن إدريس (رحمه الله) يروي جميع كتب ومرويات الشيخ الطوسي، ومنها كتاب «الفهرست» - كما استفدناه من الإجازات - وعليه تكون طرق الشيخ في «الفهرست» طرقاً لابن إدريس، فلا إرسال في السندمن ابن إدريس إلى الشيخ((1)). هذا، مضافاً إلى وجود نسخة «النوادر» عنده بخط الشيخ الطوسي، قال في «المستطرفات»: «ومن ذلك ما استطرفناه من

ص: 152


1- - راجع: أُصول علم الرجال 1 : 191 - 197.

[364] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ - يَعْنِي: الصَّادِقَ (علیه السلام) - عَنْ طِينِ الْمَطَرِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ وَالدَّمُ، فَقَالَ: «طِينُ الْمَطَرِ لَا يُنَجِّسُ»(1).

أَقُولُ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِوَقْتِ نُزُولِ الْمَطَرِ، أَوْ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ وَقْتَ الْمَطَرِ.

-----------------------------------------------------------------------------

كتاب نوادر المصنف تصنيف محمد بن علي بن محبوب الأشعري الجوهري القمّي، وهذا الكتاب كان بخط شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله، مصنّف كتاب النهاية رحمه الله، فنقلت هذه الأحاديث من خطه من الكتاب المشار إليه»((2))، وقد تقدّم اعتبار سند الشيخ إلى جميع كتب وروايات محمد بن علي بن محبوب، لكن السند هنا في هذا الحديث غير معتبر بالارسال.

[7] - فقه الحديث:

إنّ الحكم بعدم نجاسة طين المطر إنّما هو باعتبار عدم تنجّس أجزائه كلّها بسبب تنجّس جزء منه، وحاله حال الدهن الجامد في أنّ كلّاً منهما لا تنجس أجزاؤه بتنجّس جزء منه.

وقول المصنّف في توجيه عدم تنجسه - بأنّه مخصوص بوقت نزول

ص: 153


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 7، ح5.
2- - السرائر، المستطرفات 3 : 601.

[365] 8- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْكَنِيفِ يَكُونُ خَارِجاً فَتَمْطُرُ السَّمَاءُ فَتَقْطُرُ عَلَيَّ الْقَطْرَةُ؟ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المطر - هو القدر المسلّم من تطهير هذا النوع من المياه. وأمّا قوله بأنّه «مخصوص بزوال النجاسة وقت نزول المطر» فينافيه ظهور الحديث في فعليّة وجود البول والعذرة والدم في الطين.

سند الحديث:

الحديث من جملة مراسيل الصدوق في «الفقيه»، وقد مرّ أنّها معتبرة بناءً على ما حقّقناه من شهادة الصدوق (رحمه الله) .

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على اعتصام ماء المطر باعتبار أنّ نفي البأس إنّما هو لأنّ ماء المطر مطهّر للموضع النجس، فإذا تقاطر المطر عليه طهّره، فما يرشح منه أو يتقاطر لا بأس به.

ويحتمل أن يكون نفي البأس لعدم العلم بأنّ ما أصابه من القطرات قد لاقت المواضع النجسة من السطح.

ص: 154


1- تهذيب الأحكام 1 : 424 ، ح1348.

[366] 9- عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَطَرِ يَجْرِي فِي الْمَكَانِ فِيهِ الْعَذِرَةُ فَيُصِيبُ الثَّوْبَ، أَيُصَلِّي فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُغْسَلَ؟ قَالَ: «إِذَا جَرَى بِهِ الْمَطَرُ فَلَا بَأْسَ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم الكلام عن رجاله، وهو غير معتبر.

[9] - فقه الحديث:

دلالته تقرب من دلالة سابقه. وقد قدّمنا الجواب عن دلالة مثله على اشتراط الجريان.

سند الحديث:

تقدّم الكلام فيه، والحديث صحيح.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة أحاديث، أولها وثالثها وتاسعها صحاح،

ص: 155


1- مسائل علي بن جعفر: 130، ح115.
2- تقدّم في الأبواب السابقة، ويدلّ عليه الحديث 6 من الباب 5 من أبواب الماء المطلق.
3- يأتي ما يدل عليه في الحديث 7 من الباب 16، والحديث 3 و 6 من الباب 27 من أبواب النجاسات.

وثانيها ورابعها وسابعها معتبرات، وخامسها وسادسها مرسلان، ولكن يمكن القول باعتبارهما، والخامس ضعيف.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- أنّ ماء المطر إذا غلب على النجاسة، ولم يتغيّر بأوصافها فهو محكوم بالطهارة والاعتصام، كما أنّه مطهّر للسطح الذي يجري عليه.

2- جواز الوضوء بماء المطر وإن لاقى سطحاً متنجّساً لاعتصامه، ما لم يتغيّر بأوصافها.

3- جواز الصلاة في ثوب أصابه ماء مطر لاقى كنيفاً أو صبّ فيه خمر.

4- كل شيء يراه ماء المطر فإنّه يطهر، وتطهير ماء المطر لغيره يستلزم طهارته في نفسه.

5- طين المطر يطهر بنزول المطر عليه.6- كلّما أصاب الثوب بعد نزول المطر إلى ثلاثة أيام يبنى على طهارته، إلّا أن يعلم بقذارته فعلاً، فلا بد من الاجتناب عنه. وأمّا بعد الثلاثة أيام فيستحب إزالته.

7- إذا تنجس بعض طين المطر لم تنجس بقيّة أجزائه؛ لأنّه كالدهن الجامد في أنّ كلّاً منهما لا تنجس أجزاؤه بتنجّس جزء منه.

فرعان:

الفرع الأول: إذا اجتمع ماء المطر في مكان وغسل فيه النجس طهر،

ص: 156

وإن كان الماء المجتمع قليلاً، فإنّه كالمطر في الاعتصام ما دام يتقاطر عليه المطر من السماء، ويدلّ عليه معتبرة هشام الواردة في عدم انفعال الماء السائل من الميزاب حال تقاطر المطر عليه؛ فإنّ ما يسيل من الميزاب هو المجتمع في السطح من المطر، وكذا صحيحة علي بن جعفر؛ لدلالتها على جواز الوضوء ممّا يجتمع من المطر في الكنيف.

الفرع الثاني: إذا انقطع المطر عن الماء المجتمع، ولم يتقاطر عليه فلا يحكم باعتصامه؛ لأنّه ليس بماء مطر فعلاً، وإنّما كان ماء مطر، ومجرّد كونه كذلك في زمان لايكفي في اعتصامه، وإلّا للزم الحكم باعتصام جميع المياه الموجودة في العالم؛ لأنّ أصلها المطر، كما دلّت عليه النصوص، ولا يقول بذلك فقيه.

ص: 157

ص: 158

7 - باب عدم نجاسة ماء الحمام إذا كان له مادة بمجرد ملاقاة النجاسة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب عدم نجاسة ماء الحمّام إذا كان له مادّة بمجرد ملاقاة النجاسة

شرح الباب:

لابدّ من معرفة هيئة الحمّامات في عصر الأئمة (علیهم السلام) حتى يتضح محل البحث من هذه الروايات، فنقول:

إنّ المستفاد من بعض الروايات - كما ورد في الرسالة الذهبيّة التي بعث بها مولانا الرضا (علیه السلام) إلى المأمون((1)) - أنّ الحمّامات كانت في عصرهم ذات بيوت أربعة:

الأول: بارد يابس، وفيه ينزع المستحم ملابسه.

الثاني: بارد رطب فيه مخزن الماء البارد.

الثالث: حار رطب فيه مخزن الماء الحار، وحول المخزن مواضع يقوم المغتسل عليها، فيأخذ الماء من المخزن بالمشربة، فيصب عليه بقدر حاجته، وتخرج الغسالة منه إلى بئر أو حوض معدّ لتجمّع الغسالة فيه، كما كانت توجد في بعض الحمّامات حياض صغار متوزعة حول مخزن الماء الحار،

ص: 159


1- - بحار الأنوار 59 : 322 .

ويخرج الماء من مخزن الماء الحار في أنابيب خاصّة إلى الحياض الصغار، فتكون الاستفادة من الأُنبوب.

الرابع: حار يابس فيه يحمى المستحم بدنه فيدلك((1)).

ومحط النظر في الأحاديث إلى الحياض الصغار مما لا يبلغ الكر في البيت الثالث؛ إذ حكم الكثير منه حكم الكثير من غيره .

الأقوال:

أمّا الخاصّة: فقد اختار المصنّف في هذا الباب أنّ ماء الحمّام معتصم بشرط أن تكون له مادّة، وهو أحد الأقوال في اعتصام ماء الحمام؛ فإنّه قد اختلف في ذلك على أربعة أقوال:

أحدها: ما ذهب إليه مشهور الفقهاء من اشتراط اعتصام ماء الحمّام ببلوغ مادّته كرّاً في نفسها((2)).

الثاني - وهو القول المقابل للقول الأول - : عدم اشتراطه بشيء أصلاً، وأنّه ماء معتصم، سواء بلغت مادّته كرّاً أم لم تبلغه، كما عن «المعتبر»((3)).

الثالث: التفصيل بين ما إذا بلغ مجموع مادّته وما في الحياض الصغار كرّاً،فيكون معتصماً، وما إذا لم يبلغه مجموعهما فيبقى على عدم الاعتصام.

ص: 160


1- - انظر: بيان العلامة المجلسي في بحار الأنوار 59 : 349.
2- - مسالك الأفهام 1 : 13، ومستند الشيعة 1 : 31.
3- - المعتبر 1 : 42 .

الرابع: التفصيل بين الدفع للنجاسة والاعتصام، وبين الرفع لها وإزالتها، فإذا كان ماء الحياض طاهراً في نفسه، وبلغ المجموع منه ومن مادّته كرّاً فيحكم عليه بالاعتصام، ولا ينفعل بما يرد عليه من النجاسات، فلا يعتبر بلوغ المادّة كرّاً في نفسها بالنسبة إلى الدفع((1)).

وأمّا إذا كان ماء الحياض نجساً فيشترط في ارتفاع نجاسته - بواسطة اتصال المادّة به - أن تكون المادّة بنفسها كرّاً، فلا ترتفع بها نجاسة ماء الحياض فيما إذا لم تبلغ الكر بنفسها، وإن بلغ مجموع المادّة وماء الحياض كرّاً((2)).

ومنشأ الاختلاف: هو اختلاف الأنظار فيما يستفاد من روايات الباب، وأنّها هل كانت في مقام بيان الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة، ويكون الحكم دائراً مدار الموضوع وجوداً وعدماً كما هو الحال في ماء المطر والجاري والبئر، وهذا هو مستند القول الثاني بعد تقييد المطلقات بالروايات المقيِّدة بكون الماء له مادّة.

أم أنّها كانت في مقام بيان الحكم على نحو القضيّة الخارجيّة، أي: أن الحكم مترتّب على الحمامات الموجودة في زمان الأئمة (علیهم السلام) ، وعليه فلابدمن ملاحظة خصوصيّات تلك الأفراد، فتأتي بقيّة الأقوال.

وأمّا العامّة: فإذا كان الماء من الكثرة بحيث يخلص بعضه إلى بعض

ص: 161


1- - جواهر الكلام 1 : 98.
2- - انظر: جواهر الكلام 1 : 98 - 99.

وله مادة فإنّه معتصم عن أبي حنيفة. وعن أحمد أنّه كالجاري في الاعتصام.

قال في بدائع الصنائع: «أمّا حوض الحمّام الذي يخلص بعضه إلى بعض إذا وقعت فيه النجاسة، أو توضّأ إنسان: روي عن أبي يوسف أنّه إن كان الماء يجرى من الميزاب والناس يغترفون منه لا يصير نجساً. وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة؛ لأنّه بمنزلة الماء الجاري»((1))، و«قال أحمد: لا بأس بالوضوء من ماء الحمّام؛ وذلك لأنّ الأصل الطهارة. وروي عن أحمد أنّه قال: لا بأس أن يأخذ من الأُنبوبة. وهذا على سبيل الاحتياط، ولو لم يفعله جاز؛ لأنّ الأصل الطهارة. وقد قال أحمد: ماء الحمّام عندي طاهر وهو بمنزلة الماء الجاري»((2)).

ص: 162


1- - بدائع الصنائع 1 : 72 .
2- - الشرح الكبير 1 : 232 .

[367] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : مَا تَقُولُ فِي مَاءِ الْحَمَّامِ؟ قَالَ: «هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

تنزیل ماء الحمام منزلة الماء الجاري

[1] - فقه الحديث:

هذا الحديث مطلق بالنسبة للزوم المادّة الجعليّة وعدمه في اعتصام ماء الحمّام، إلّا أنّ في تنزيل ماء الحمّام منزلة الجاري دون الكرّ إشارة إلى كونه مستمداً من مادّة، بل دلالة على احتياجه في الاعتصام إلى المادّة.

هذا، ويحتمل في هذا التنزيل معنيان:

أحدهما: تنزيل ماء الحمّام منزلة الجاري - بمقتضى التشبيه - من جميع الجهات والكيفيّات، حتى من جهة عدم الحاجة في اعتصامه إلى بلوغ مادته كرّاً. فما دامت الكثرة في المادّة لا تعتبر في اعتصام الجاري بوجه فكذا في المقام.

الثاني: تنزيله منزلة الجاري من بعض الجهات، ويكون حاصل التنزيل: أنّ الاتصال بالمادّة الجعليّة كمياه الحياض الصغار هو كالاتصال بالمادّة الأصليّة، فهو كافٍ في الاعتصام. ولا يقدح في ذلك علو سطح المادّة عن سطح الحياض.

ص: 163


1- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1170.

وهذا الاحتمال هو المتعيّن. والحديث ليس بصدد تنزيل ماء الحمّام منزلة الجاري من جميع الجهات، بل هو ناظر إلى دفع ما ربّما يقع في ذهن السائل من عدم اعتصام ماء الحياض باتصالها بمادّتها، لما ارتكز لدى العرف من عدم تقوّي السافل بالعالي؛ لتعدّدهما وتغايرهما عرفاً، فهما ماءان عرفاً، وإن اتحدا بالدقة العقليّة التي لم تنط بها الأحكام الشرعيّة، فكما لا تسري قذارة السافل إلى العالي منهما كذلك نظافة العالي لا تسري إلى السافل لتعدّدهما بالارتكاز العرفي الذي هو المناط في الأحكام الشرعية، ومعه لا يبقى وجه لاعتصام ماء الحياض.

وعلى هذا كان للسائل - لكونه أحد أفراد العرف - أن يتوهّم عدم طهارة المياه الموجودة في الحياض الصغار بمجرد اتصالها بموادها الجعليّة التي هي أعلى سطحاً من الحياض؛ فإنّهما ماءان عنده. والاتصال بالرابط الصغير بينها وبين المادّة لا يكفي في عدِّ الماءين ماءً واحداً عرفاً. ولعلّ هذا هو المنشأ للسؤال عن حكم ماء الحياض.

فدفع الإمام (علیه السلام) هذه الشبهة المرتكزة عند السائل بأنّ ماء الحياض متّصل بالمادة الجعليّة، كاتصال المياه بموادّها الأصليّة، فماء الحمام بمثابة الجاري من حيث اتصاله بالمادّة المعتصمة فيتقوّى ما في الحياض بالآخر بالتعبد.

ويؤكد هذا الاحتمال أنّ مياه الخزانات التي تتصل بها الحياض كانت كثيرة جداً في زمان السائل بحيث تحتوي على أضعاف الكر، لكي تكون وافية بحاجة أهل البلد، ولذلك يبعد أن يكون السؤال عن قلّة الماء في

ص: 164

مادّته أو كثرته.

ولولا هذا الحديث وأمثاله لكان الحكم بانفعال ماء الحياض الصغار هو المتعيّن؛ إذ لا يفترق الماء الموجود في الحياض عن سائر المياه، ولا خصوصيّة له عليها. وبلوغ مادّتها كرّاً لا يقتضي اعتصام ماء الحياض؛ لتعدّدهما عرفاً كما مرّ.

سند الحديث:

تقدّم ذكر سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى في الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من هذه الأبواب.

وأمّا داود بن سرحان: فقد قال عنه النجاشي: «داود بن سرحان العطار، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكره ابن نوح. روى عنه هذا الكتاب جماعات من أصحابنا رحمهم الله»((1))، ومنه يستفاد أنّ كتابه مشهور ومعروف.

وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال عنه: «داود بنسرحان العطار، مولى، كوفي»((2))، وعليه فالسند معتبر.

ص: 165


1- - رجال النجاشي: 159 / 420.
2- - رجال الطوسي: 202 / 2571.

[368] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْحَمَّامُ يَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ وَغَيْرُهُ، أَغْتَسِلُ مِنْ مَائِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْهُ الْجُنُبُ، وَلَقَدِ اغْتَسَلْتُ فِيهِ ثُمَّ جِئْتُ فَغَسَلْتُ رِجْلَيَّ، وَمَا غَسَلْتُهُمَا إِلَّا مِمَّا لَزِقَ بِهِمَا مِنَ التُّرَابِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

جواب الإمام (علیه السلام) فيه إشارة إلى أنّ ماء الحمّام لا ينجس بمجرد ملاقاة أنواع النجاسات، من الجنب وغيره، بعد إلغاء الخصوصيّة، أو إلى أصالة طهارة ماء الحمّام ما لم يتيقّن من طرو نجاسة عليه.

وقد صرّح (علیه السلام) بأنّ ما فعله من غسل رجليه بعد أدائه للغسل لم يكن لملاقاتهما لماء الحمّام، بل لما لزق بهما من التراب، لا للاجتناب عن ماء الحمّام. فعدم غسله لهما إلّا من التراب ظاهر في طهارتهما وطهارة الغسالة الملاقية لهما.

سند الحديث:

فيه أبو أيوب وهو مشترك بين جماعة، ويتعيّن - بعد ملاحظة الطبقة

ص: 166


1- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1172، وأورده في الحديث 3 من الباب 9 من أبواب الماء المضاف.

[369] 3- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) جَائِياً مِنَ الْحَمَّامِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ دَارِهِ قَذَرٌ، فَقَالَ: «لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَ دَارِي مَا غَسَلْتُ رِجْلِي، وَلَا نَحَيْتُ(1) مَاءَ الْحَمَّامِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وعدم معروفيّة أكثرهم - في الخزاز؛ لروايته عن محمد بن مسلم في أربعة وسبعين مورداً، وهو - كما تقدّم((3))

- الثقة ذو المنزلة الكبيرة، كما أنّه من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمِّ واحد منهم، كما أنّه صاحب الكتاب المشهور، ويروي عنه ابن أبي عمير كثيراً.

ماء الحمام طاهر في نفسه و مطهّر لغیره

فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

فيه دلالة على كون ماء الحمّام طاهراً في نفسه ومطهراً لغيره، وكذا أرض الحمّام، وغسالة ماء الحمّام، ولذا لم يتجنّب عنها الإمام (علیه السلام) . وقوله (علیه السلام) : «ولا تجنّبت» بالجيم والنون المشددة من التجنيب، جاء في«لسان العرب»: «وجَنَّبَ الشيءَ وتَجَنَّبه وجانبه وتجانبه واجتَنَبه: بعد عنه ...

ص: 167


1- في نسخة: تجنبت. (منه (قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1173.
3- - إيضاح الدلائل 1 : 265.

وأَجنَبَ الرجلُ: تباعد. والجنابة: المني. وفي التنزيل العزيز: {وَإِنْ كُنْتُم جُنُبَاً فَاطَّهَّرُوا}((1)).

وقد أجنب الرجل وجَنُبَ أيضاً، بالضم، وجنِب وتجنَّب . قال ابن بري في أماليه على قوله جنُب، بالضم، قال: المعروف عند أهل اللغة أجنَبَ وجنِبَ بكسر النون، وأجنَبَ أكثر من جنِبَ. ومنه قول ابن عباس رضي الله عنهما: الإنسان لا يجنِبُ، والثوب لا يجنِبُ، والماء لا يجنِبُ، والأرض لا تجنِبُ. وقد فسّر ذلك الفقهاء وقالوا: أي لا يُجنِبُ الإنسان بمماسة الجُنُب إيّاه، وكذلك الثوب إذا لبسه الجُنُب لم ينجس، وكذلك الأرض إذا أفضى إليها الجُنُب لم تنجس، وكذلك الماء إذا غمس الجُنُب فيه يده لم ينجس. يقول: إنّ هذه الأشياء لا يصير شيء منها جُنُباً يحتاج إلى الغسل لملامسة الجُنُب إيّاها»((2))، فيدلّ قوله (علیه السلام) : «ولا تجنّبت ماء الحمّام» على نفي استحباب الاجتناب عنه.

وفي «التهذيب»: «ولا نَحَيْتُ ماء الحمّام»((3))، قال في «القاموس»: نَحَى الشيءَ أزاله، كَنَحَّاه فتنحَّى((4)).

وهو يدلّ أيضاً على نفي استحباب الاجتناب عنه، كما لا يخفى.

وذكر الفيض الكاشاني في «الوافي» أنّه «نقل عن الشهيد الثاني (رحمه الله) أنّه

ص: 168


1- - المائدة، الآية 6.
2- - لسان العرب1 : 278 - 279، مادة: «جنب».
3- - تهذيب الأحكام 1 : 107 ، ح1173.
4- - القاموس المحيط 4 : 394، مادة: «نحو».

قرأ: ولا تَحيَّتُّ بالمثناة الفوقانية أولاً وآخراً، مشددة الآخر، والحاء المهملة والتحتانية المشدّدة بعدها. وقال: الظاهر أنّ أصله تَحيَّدْتُ فقلبت الدال تاء ثمّ أدغمت، من الحيود وهو الميل والعدول عن الشي ء»((1)).

سند الحديث:

إثبات كلمة «عن» بين ابن أبي عمير، وفضالة سهو، والصواب عطفه عليه بالواو؛ لأنّه المعهود، كما نبّه عليه في «المنتقى»، وكذا في «المعجم»((2)). والسند صحيح.

ص: 169


1- - الوافي 6 : 53، وانظر: روضة المتقين 1 : 323، وملاذ الأخيار 3 : 100.
2- - منتقى الجمان 1 : 54 ، ومعجم رجال الحديث 23 : 149.

[370] 4- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَاءُ الْحَمَّامِ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

فيه اشتراط المادّة لماء الحمّام، ويظهر من قوله (علیه السلام) : «لا بأس به إذا كانت له مادّة» نفي البأس من جهة الانفعال، فلا ينفعل بالنجاسة. اللهم إلّا أن يتغيّر بها، فإنّه ينفعل؛ للأدلة الدالّة على انفعال المتغيّر، وللمفهوم المستفاد من هذه الشرطيّة؛ فإنّ مفادها وجود البأس في حال عدمها.

بحث رجالي حول بكر بن جبیب

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: سند «التهذيب»، وفيه: بكر بن حبيب: وهو مجهول الحال، وإن استظهر الشيخ الأنصاري (رحمه الله) أنّه بكر بن محمد بن حبيب الذي ظاهر

ص: 170


1- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1168.
2- الكافي 3 : 14، ح2.

المحكي عن النجاشي((1))، وصريح «الخلاصة» أنّه من علماء الإمامية((2))، وحكى ابن داود عن الكشّي أنّه ثقة((3))، مع أنّ في الطريق صفوان بن يحيى، والمضمون مجبور بالعمل، وموافق للرضوي، فينهض لتقييد الصحيحة((4))؛ فإنّ بكر بن محمد بن حبيب هو ابن بقيّة أبو عثمان المازني - مازن بني شيبان - قال عنه النجاشي: «كان سيّد أهل العلم بالنحو والغريب واللغة بالبصرة ومقدّمه، مشهور بذلك - إلى أن قال: - قال أبو عبد الله بن عبدون رحمه الله: وجدت بخط أبي سعيد السكري: مات أبو عثمان بكر بن محمد رحمه الله سنة ثمان وأربعين ومائتين»((5)).

ولما كانت سنة وفاته ثمان وأربعين ومائتين، فإنّه من الممتنع روايته عن أبي جعفر (علیه السلام) الذي هو الإمام الباقر، بقرينة وقوع منصور بن حازم في السند.

وعلى هذه القرينة لا يبعد أن يكون المراد من بكر بن حبيب: بكر بن حبيب الأحمسي البجلي، أبو مريم، الذي عدّه الشيخ في رجاله من

ص: 171


1- - رجال النجاشي: 110 / 279.
2- - خلاصة الأقوال: 81 / 5.
3- - رجال ابن داود: 58 / 264.
4- - كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 1 : 100.
5- - رجال النجاشي: 110 / 279.

أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((1))، وهو لم يرد فيه توثيق ولا مدح.

فالسند ضعيف، إلّا أنّ الشيخ البهائي صرّح في «الحبل المتين» بأنّ: «ابن حبيب وإن كان مجهول الحال، إلّا أنّ جمهور الأصحاب تلقوا روايته هذه بالقبول، فلعلّ ضعفها ينجبر بذلك»((2)).

إلّا أنّا لا نقبل كون الشهرة جابرة لضعف السند.

نعم، مع ذلك يصحّح الحديث بطريق آخر، وهو أنّ في سنده صفوان، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، فلا ينظر إلى من وقع بعده في سلسلة السند؛ لقيام الإجماع على أنّه لا يروي إلّا عن ثقة.

الثاني: سند «الكافي»، وقد تقدّمت ترجمة رجاله، والحديث معتبر أيضاً بهذا السند.

كما أنّه واقع في كتاب الحسين بن سعيد فيمكن اعتباره من هذه الجهة أيضاً.

ص: 172


1- - رجال الطوسي: 127 / 1278، و170 / 1977.
2- - الحبل المتين 1 : 498.

[371] 5- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَاءِ الْحَمَّامِ، فَقَالَ: «ادْخُلْهُ بِإِزَارٍ، وَلَا تَغْتَسِلْ مِنْ مَاءٍ آخَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ(1) جُنُبٌ، أَوْ يَكْثُرَ أَهْلُهُ فَلَا يُدْرَى فِيهِمْ جُنُبٌ أَمْ لَا»(2).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى عَدَمِ الْمَادَّةِ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ حَمْلُهُ عَلَى جَوَازِ الِاغْتِسَالِ بِغَيْرِ مَائِهِ حِينَئِذٍ وَزَوَالِ مَرْجُوحِيَّةِ الِاغْتِسَالِ بِمَاءٍ آخَر،َ بَلْ هَذَا عَيْنُ مَدْلُولِهِ؛ إِذْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى التَّأْوِيلِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى» وَغَيْرُهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

كان السؤال عن ماء الحمّام، وأجاب الإمام أوّلاً بالأمر بالدخول إلى الحمّام بالإزار؛ وذلك لوجوب ستر العورة بسبب وجود الناظر المحترم، ثم ثنّى بالنهي عن الاغتسال بماء آخر غير ماء الحمّام، إلّا إذا علم بأنّ في المستعملين للحمّام جنب أو يكثر الموجودون في الحمّام بحيث يشك في وجود الجنب فيهم.

ولما كان الحديث غير واضح الدلالة على المراد حمله الشيخ الطوسي

ص: 173


1- في نسخة، «فيه». (منه (قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1175.

على عدم المادّة في ماء الحمّام، فيصحّ القول بالاجتناب عن ماء الحمّام حينئذٍ، لكنّه بعيد لأمرين:

الأول: أنّ الحديث تضمّن عدم استعمال ماء الحمّام إذا كثر الناس فيه، ولم يعلم هل فيهم جنب أو لا، ومن المتّفق عليه: أنّ الشكّ في حصول مقتضي النجاسة في الماء غير موجب للمنع عن استعماله، فلا بدّ من صرف الحديث عن ظاهره، ليراد به مرجوحيّة الاستعمال حينئذ، ولا ريب فيه؛ فإنّ استعمال غير المستعمل أولى وأرجح.

الثاني: أنّه وقع التعبير عن وجود الجنب المعلوم الجنابة، لا عن العلم باغتسال الجنب، فيفهم أنّ النهي هنا تنزيهي لا تحريمي، كما هو الشأن في النهي عن الاغتسال بغسالة الحمّام المعلّل بكونها مجمعاً لغسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب.

والمراد بماء الحمام إما ماء الخزانة التي يغتسل فيها بعد تنظيف البدن كما هو المتعارف في زماننا السابق، او ماء الغسالة المجتمع في البئر كما يظهر من بعض الروايات، او المراد هي المياه في الحياض الصغار التي توجد في اطراف الحمام المتصلة بالخزانة، وعلى كل تقدير فالنهي تنزيهي لما تقدم.

وسيأتي الحديث عن تعيين الماء الآخر عند الكلام عن الماء المستعمل في رفع الحدث.

هذا، وفي مرجع الضمير في قوله (علیه السلام) : «ادخله بإزار»، وقوله: «إلّا أن

ص: 174

يكون فيه» - على نسخة من «التهذيب» كما أشار إليها الماتن - احتمال آخر، وهو: أن يرجع إلى ماء الحمّام، فيصير المفاد هكذا: ادخل ماء الحمّام بإزار، ولا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون في الماء - أي ماء الحمّام - جنب.

ومنشأ هذا الاحتمال: أنّ المسؤول عنه هو ماء الحمّام.

وهو يدلّ بالمفهوم على أنّ الاغتسال من ماء آخر مرجوح إلّا أن يكون في ماء الحمّام جنب فاغتسل بماء آخر، وهذا ممّا يمكن الاستدلال به على ما اختاره الصدوق والشيخان من خروج الماء عن طهوريته بالنسبة لرفع الحدث.

وسيأتي أنّ ما ذهبوا إليه خلاف المشهور.

سند الحديث:

فيه صفوان: وهو صفوان بن يحيى، والعلاء: وهو العلاء بن رزين؛ لأنّه يروي عن محمد بن مسلم، وقد صحبه وتفقّه عليه كما قال النجاشي((1))، وقد تقدّمت ترجمتهم، والسند صحيح.

ص: 175


1- - رجال النجاشي: 298 / 811.

[372] 6- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرِّجَالِ يَقُومُونَ عَلَى الْحَوْضِ فِي الْحَمَّامِ لَا أَعْرِفُ الْيَهُودِيَّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَلَا الْجُنُبَ مِنْ غَيْرِ الْجُنُبِ؟ قَالَ: «تَغْتَسِلُ مِنْهُ، وَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ مَاءٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الغسل من ماء الحمّام الموجود في الحياض الصغار التي يقوم عليها من يحتمل أن لا تؤمن نجاسته كاليهودي والنصراني والجنب؛ لأنّه ماء طهور، أي: طاهر ومطهِّر. وفيه النهي عن الاغتسال من ماء آخر، ولو بسحب ماء جديد من الخزانة إلى الحوض الصغير، وهذا النهي ليس تحريميّاً، لعدم البأس في الاغتسال من ماء آخر غير ماء الحمّام بلا ريب، فيكون محصّل الكلام: أنّه لايجب عليك أن تغتسل من ماء آخر؛ لاعتقادك أنّ ماء الحمّام - مع ما وصفتَ - ليس بطهور؛ فإنّه طهور طاهر مطهِّر.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد: وهو مشترك بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد

ص: 176


1- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1171، وأورد قطعة منه في الحديث 5 من الباب 7 من أبواب الآسار.

بن محمد بن خالد. وقد استظهرنا في الجزء الأول((1)): أنّه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي، وقد روى بعنوان أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي في باب عدد النساء((2))، وكتاب الحدود من «التهذيب» كما في الحديث 88 من باب الحد في السرقة والخيانة((3)

وعدّة موارد أخرى فيه وفي بقيّة الكتب الأربعة.

كما تقدم الكلام في اعتبار أسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد.

وفيه: أبو يحيى الواسطي: واسمه سهيل بن زياد، قال عنه النجاشي: «سهيل بن زياد، أبو يحيى الواسطي، لقى أبا محمد العسكري (علیه السلام) . أُمه بنت محمد بن النعمان أبو جعفر الأحول مؤمن الطاق، شيخنا المتكلم رحمه الله. وقال بعض أصحابنا: لم يكن سهيل بكل الثبت في الحديث»((4))، واستثناه محمد بن الحسن بن الوليد والصدوق وابن نوح من «نوادر الحكمة»لمحمد بن أحمد بن يحيى ، فهو واقع في عقد المستثنى((5)).

والحاصل: أنّه لم تثبت وثاقته.

وأمّا أبو الحسن الهاشمي: فهو بهذا العنوان مجهول، ويحتمل أنّ

ص: 177


1- - إيضاح الدلائل 1 : 75 .
2- - تهذيب الأحكام 8 : 161.
3- - المصدر نفسه 10 : 118.
4- - رجال النجاشي: 192 / 513.
5- - رجال النجاشي: 348، وفهرست الطوسي: 222.

[373] 7- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ مَاءِ الْحَمَّامِ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْجُنُبُ وَالصَّبِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ؟ فَقَالَ: «إِنَّ مَاءَ الْحَمَّامِ كَمَاءِ النَّهَرِ يُطَهِّرُ بَعْضُهُ بَعْضاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الصحيح: عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) ((2)).

وكيف كان فالحديث مرسل.

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ ماء الحمّام بمنزلة الماء الجاري، فإذا تغيّر بالنجاسة كلّه أو بعضه ثم اتصل به من الخزانة ما يزيل التغيّر زال عنه حكم النجاسة

ص: 178


1- الكافي 3 : 14، ح1.
2- - كما في سند آخر في تهذيب الأحكام نفسه حيث جاء في الحديث التاسع من باب دخول الحمام وآدابه وسننه: أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) ، قال: «العورة عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور بالأليين. فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة». وعلى هذا: لا يكون الحديث مضمراً، وهذا يتمّ إذا كان مرجع الضمير في «قال» هو المرسِل. وهناك احتمال آخر وهو أن يكون التعبير بأبي الحسن الهاشمي للتقيّة، وهو يتمّ أيضاً إذا كان مرجع الضمير في «قال» هو المرسِل . المقرّر.

وصار طاهراً، تماماً كما هو الحال في الماء الجاري. وتشبيهه بماء النهر للجهة الجامعة بينهما، وهي المادة، فكما أنّ للنهر مادة تعصمه من النجاسة، وتزيل تغيره بها، فكذا ماء الحمّام، فإنّ له مادة جعليّة وهي الحياض الكبيرة، كما تقدّم.

سند الحديث:

فيه: ابن جمهور: وقد يراد به محمد بن جمهور العمي - كما هو الظاهر - وهو ثقة؛ لما ذكره النجاشي (رحمه الله) في ترجمته، حيث قال: «أبو محمد، بصري، ثقة في نفسه، ينسب إلى بني العم من تميم، يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل. ذكره أصحابنا بذلك، وقالوا: كان أوثق من أبيه وأصلح»((1))، ويحتمل أنّه محمد بن الحسن بن جمهور، أبوه، وهو وإن لم تثبت وثاقته، إلّا أنّ رواياته خالية من الغلو والتخليط، على ما صرّحبه الشيخ (رحمه الله) في «الفهرست»((2)). والشيخ لما كان راوياً «للكافي» فتدخل جميع روايات الكتاب في مروياته(قدس سره) ، ومنها هذا الحديث.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد به أحمد بن جمهور، كما ورد في موضع آخر من «الكافي» بهذا السند نفسه((3))، لكن أحمد هذا مجهول.

ص: 179


1- - رجال النجاشي: 62 / 144.
2- - فهرست الطوسي: 223 / 626.
3- - الكافي 6 : 249، كتاب الأطعمة، باب ما يعرف به البيض، ح5.

اشتراك محمد بن القاسم بين جماعة

وفيه: محمد بن القاسم: وهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم أصحاب الكتب، وهم خمسة أشخاص:

1- محمّد بن القاسم الاسترابادي، من مشايخ الصدوق، ثقة.

2- محمّد بن القاسم بن بشار، ذكر في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، له كتاب، روى عنه الحميري وسعد بن عبد الله.

3- محمّد بن القاسم السوداني، ذكر في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، روى عنه التلعكبري.

4- محمّد بن القاسم بن الفضيل، قال عنه النجاشي: «محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي، ثقة هو وأبوه وعمّه العلاء وجدّه الفضيل. روى عن الرضا (علیه السلام) . له كتاب»((1)).

5- محمّد بن القاسم بن المثنّى، روى عنه أحمد بن ميثم الذي يرويعنه حميد بن زياد.

ولعلّ المراد به هنا هو محمّد بن القاسم بن الفضيل؛ فإنّه من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) .

وكيف كان يمكن تصحيح الحديث؛ لشهرة كتاب عبد الله بن أبي يعفور غير المحتاج للطريق((2)).

ص: 180


1- - رجال النجاشي: 362 / 973.
2- - المصدر نفسه: 213 / 556.

[374] 8- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ، قَالَ: ابْتَدَأَنِي، فَقَالَ: «مَاءُ الْحَمَّامِ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ ءٌ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وأيضاً عن طريق وجوده في «الكافي».

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ ماء الحمّام شأنه شأن بقيّة المياه المعتصمة، فلا ينفعل بأيّ نجاسة كانت ما دام على حالة الاعتصام. ومن الواضح: أنّ ذلك مخصوص بما إذا لم يتغيّر بأوصافها.

سند الحديث:

فيه: أيوب بن نوح: وهو أيوب بن نوح بن درّاج النخعي. تقدّم القول في وثاقته وجلالته.

ص: 181


1- قرب الإسناد: 128.
2- تقدّم في الحديث 12 من الباب 3 من أبواب الماء المطلق.
3- يأتي ما يدلّ عليه في الحديثين 6 و7 من الباب 14 من أبواب الماء المطلق، والباب 9 من أبواب الماء المضاف، ويأتي ما ظاهره المنافاة في الباب 11 من أبواب الماء المضاف.

وفيه أيضاً: صالح بن عبد الله: والظاهر أنّه الخثعمي الكوفي، من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، ذكره الشيخ في رجاله فيهم، ولم يذكر له توثيقاً((1)).

إلّا أنّ المشايخ الثقات رووا عنه((2))، فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: إسماعيل بن جابر: وهو مشترك بين إسماعيل بن جابر الجعفي وإسماعيل بن عبد الرحمن، والمراد به هو الأول؛ لأنّه الأشهر والأعرف، فهو ذو الكتاب دون الثاني، وقد تقدّم((3)).والحاصل: أنّ في الباب ثمانية أحاديث، أولها وثالثها وخامسها صحاح، وثانيها ورابعها وثامنها معتبرات، وسادسها وسابعها يمكن تصحيحهما.

المستفاد من أحاديث الباب

ويستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- أنّ ماء الحمّام بمنزلة الماء الجاري في الاعتصام وعدم الانفعال بالنجاسة؛ حيث إنّ اتصاله بالمادّة الجعليّة كاتصال الجاري بالمادّة الأصليّة في إيجاب الاعتصام في كلّ منهما؛ ولهذا يتقوّى الماء الذي في الحياض الصغار باتصاله بالمادّة الجعليّة فلا ينفعل بالنجاسة.

2- أنّ ماء الحمّام طاهر في نفسه ومطهّر لغيره، وكذا أرض الحمّام وغسالته، فلا يجب الاجتناب، بل الاجتناب مرجوح.

ص: 182


1- - رجال الطوسي: 225 / 3027.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 199.
3- - إيضاح الدلائل 1 : 245.

3- أنّ ماء الحمّام ينجس مع التغيّر بصفات النجاسة، كما في سائر المياه.

4- أنّه يلزم الدخول إلى الحمّام بمئزر؛ لوجوب ستر العورة.

5- أنّه من غير الراجح عدم استعمال ماء الحمّام في رفع الحدث أو الخبث إذا كان غيره من الموجودين في الحمّام قد استعمله، ويستثنى من ذلك ما إذا علم أنّ في المستعملين جنباً، أو كثر الموجودون فيه بحيث يشك في وجود الجنب فيهم، فيكون استعمال الماء مرجوحاً حينئذٍ.

6- أنّه يجوز الغسل من ماء الحمّام الذي يباشره من لا تؤمن نجاسته كاليهودي والنصراني والجنب؛ لأنّه ماء طاهر مطهّر.

7- إذا تغيّر ماء الحمّام بالنجاسة كلّاً أو بعضاً فإنّه ينجس، ثمّ إذا اتصلبه من الخزانة ما يزيل هذا التغيّر صار طاهراً، فهو كالماء الجاري من هذه الناحية.

ص: 183

ص: 184

8 - باب نجاسة ما نقص عن الكر من الراكد بملاقاة النجاسة له، إذا وردت عليه وإن لم يتغير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب نجاسة ما نقص عن الكر من الراكد بملاقاة النجاسة له، إذا وردت عليه وإن لم يتغيّر

شرح الباب:

الحكم بنجاسة الماء القليل - وهو الراكد الأقل من الكر - بسبب ملاقاة النجاسة له هو المعروف والمشهور بين الأصحاب، سواء تغيّر الماء بأوصاف النجاسة أم لم يتغيّر.

وأما تخصيص ذلك بما إذا وردت عليه النجاسة دون ما إذا ورد هو عليها - كما يظهر من مفهوم كلام الماتن في عنوان الباب - فهذا الحكم لبعض الأصحاب، وتبعه عليه الماتن كما يأتي في بيان أقوال الخاصّة.

الأقوال الخاصة

1- أقوال الخاصة:

الماء القليل قابل للانفعال بكل نجاسة وإن كانت دماً يسيراً بحيث لا يدركه الطرف كرؤوس الإبر؛ «للإجماع محصّلاً ومنقولاً، نصّاً وظاهراً، مطلقاً في لسان بعض، ومستثنى منه ابن أبي عقيل فقط في لسان آخرين»

ص: 185

كما عن «الجواهر»((1)).

وفي «المدارك»: «أطبق علماؤنا - إلّا ابن أبي عقيل - على أنّ الماء القليل - وهو ما نقص عن الكر - ينجس بملاقاة النجاسة له، سواء تغيّر بها أم لم يتغيّر، إلّا ما استثني. وقال ابن أبي عقيل: لا ينجس إلّا بتغيّره بالنجاسة، وساوى بينه وبين الكثير»((2)).

وخروج ابن أبي عقيل لا يضر بالإجماع؛ لكونه معروف النسب.

ومن المتأخرين المحدِّث الكاشاني. واستدل على عدم الانفعال بدون تغيّر بوجوه ذكرها المحدِّث البحراني، وهي:

أحدها: قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) في حديث السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «الماء يطهِّر ولا يطهَّر»، حيث قال بعد نقله: «إنّما لا يطهَّر؛ لأنّه إن غلب على النجاسة حتى استهلكت فيه طهرها ولم ينجس حتى يحتاج إلى التطهير. وإن غلبت عليه النجاسة حتى استهلك فيها صار في حكم تلك النجاسة ولم يقبل التطهير إلّا بالاستهلاك في الماء الطاهر، وحينئذ لم يبق منه شيء».

وثانيها: الأخبار المتقدّمة، وعدّ منها حديث «خلق الله الماء طهوراً ...»، مدّعياً استفاضته عنه(صلی الله علیه و آله و سلم) .

وثالثها: أنّه لو كان معيار نجاسة الماء وطهارته نقصانه عن الكر وبلوغه

ص: 186


1- - جواهر الكلام 1 : 105.
2- - مدارك الأحكام 1 : 38.

إليه، لما جاز إزالة الخبث بالقليل منه بوجه من الوجوه، مع أنّه جائز بالاتفاق؛ وذلك لأنّ كل جزء من أجزاء الماء الوارد على المحل النجس، إذا لاقاه كان متنجّساً بالملاقاة، خارجاً عن الطهوريّة في أول آنات اللقاء، وما لم يلاقه لا يعقل أن يكون مطهّراً.

والفرق بين وروده على النجاسة وورودها عليه - مع أنّه مخالف للنصوص - لا يجدي؛ إذ الكلام في ذلك الجزء الملاقي ولزوم تنجّسه، والقدر المستعلي - لكونه دون مبلغ الكر - لا يقوى على أن يعصمه بالاتصال عن الانفعال، فلو كانت الملاقاة مناط التنجيس لزم تنجّس القدر الملاقي لا محالة، فلا يحصل التطهير أصلاً.

وأمّا ما تكلّفه بعضهم((1)) من ارتكاب القول بالانفعال هناك من بعد الانفصال عن محل النجاسة، فمن أبعد التكلّفات .

ومن ذا الذي يرتضي القول بنجاسة الملاقي للنجاسة بعد مفارقته عنها وطهارته حال ملاقاته لها بل طهوريته؟. نعم، يمكن لأحد أن يتكلّف هناك بالفرق بين ملاقاة الماء لعين النجاسة وبين ملاقاته للمتنجّس. وتخصيص الانفعال بالأول، والتزام وجوب تعدّد الغسل في جميع النجاسات كما ورد في بعضها. إلّا أنّ هذا محاكمة من غير تراضي الخصمين؛ فإنّ القائلين بانفعال القليل لا يقولون به، والقائلون بعدم الانفعال لا يحتاجون إليه، وإنأمكن الاستدلال عليه بما ورد في إزالة البول من الأمر بغسله مرتين إذا

ص: 187


1- - كالعلامة في المختلف 1 : 179.

غسل في إجانة كما يأتي.

ورابعها: أنّ اشتراط الكر مثار الوسواس، ولأجله شقّ الأمر على الناس، يعرفه من يجرّبه ويتأمّله. ومما لا شك فيه أنّ ذلك لو كان شرطاً لكان أولى المواضع بتعذّر الطهارة مكة والمدينة المشرفتين؛ إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة. ومن أول عصر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى آخر عصر الصحابة لم تنقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفيّة حفظ الماء من النجاسات، وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء والذين لا يتحرّزون عن النجاسات، بل الكفار، كما هو معلوم لمن تتبّع .

وخامسها: أنّ ما يدلّ على المشهور إنّما يدلّ بالمفهوم، والمفهوم لا يعارض المنطوق، ولا الظاهر النصّ.

مع أنّ أقصى ما يدلّ عليه هذا المفهوم تنجّس ما دون الكر بملاقاة شيء ما، لا كل نجاسة، فيحمل على المستولية جمعاً. فيكون المراد: لم يستول عليه شيء حتى ينجس، أي: لم تظهر فيه النجاسة، فيكون تحديداً للقدر الذي لا يتغيّر بها في الأغلب.

وسادسها: حمل تلك الأخبار - الدالّة على النهي عن الشرب والوضوء مما لاقته النجاسة - على التنزّه والاستحباب، حيث قال في كتاب «الوافي»: «باب ما يستحب التنزّه عنه في رفع الحدث والشرب، وما لا بأس به»، ثم أورد فيهالأخبار التي قدّمناها مما دلّ على النهي عن الوضوء من الأواني التي وقع فيها قطرة من بول أو دم والأواني المأمور بإهراقها؛ لوقوع نحو ذلك فيها.

ص: 188

وسابعها: الاختلاف في تقدير الكر، قال: «والاختلاف في تقدير الكر يؤيّد ما قلناه من أنّه تخمين ومقايسة بين قدري الماء والنجاسة؛ إذ لو كان أمراً مضبوطاً وحدّاً محدوداً لم يقع الاختلاف الشديد في تقديره، لا مساحة ولا وزناً، وقد وقع الاختلاف فيهما جميعاً» .

وثامنها: ما ذكره في تأويل الروايات الدالّة على اشتراط الكريّة، بحملها على أنّها مناط ومعيار للمقدار الذي لا يتغيّر من الماء بما يعتاد وروده من النجاسات، حيث قال في كتاب «الوافي»: «باب قدر الماء الذي لا يتغير بما يعتاد وروده من النجاسات»، ثم أورد أخبار الكر ((1)).

وأجاب عنه المصنّف بما يأتي في نهاية الباب، وهو:

أولاً: أنّه على فرض تماميّة دلالة الأخبار العامّة والمطلقة فهي قابلة للتقييد والتخصيص.

ثانياً: أنّه على فرض التعارض بينها وبين أخبار الانفعال: الترجيح لأخبار الانفعال؛ لأنّها مشهورة وموافقة لإجماع الشيعة، ومقابلها شاذ نادر؛ ولأنّها مخالفة للعامّة؛ فإنّه المنقول عن ابن عباس، وحذيفة، وأبي هريرة، والحسن،وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وابن أبي ليلى، وجابر بن زيد، وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، وداود، وابن المنذر((2)).

ولمناقشة المحدث الكاشاني محل آخر.

ص: 189


1- - الحدائق الناضرة 1 : 301 - 304.
2- - تذكرة الفقهاء 1 : 22.

وقال الشيخ في «المبسوط»: «وحدّ القليل ما نقص عن الكرّ الذي قدّمنا مقداره، وذلك ينجس بكل نجاسة تحصل فيه، قليلة كانت النجاسة أو كثيرة، تغيّرت أوصافها أو لم تتغير إلّا ما لا يمكن التحرّز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغيره، فإنّه معفو عنه؛ لأنّه لا يمكن التحرّز منه»((1)).

وفصّل المحقق صاحب «كفاية الأحكام» (قدس سره) ((2)) بين ملاقاة القليل للنجس فينجس، وبين ملاقاته للمتنجّس فلا ينجس. وتبعه على ذلك المحقّق الأصفهاني(قدس سره) في بحثه على ما نقله عنه السيد الأستاذ((3)).

وفيه: أنّه وإن لم ترد رواية في خصوص انفعال القليل بملاقاة المتنجّسات إلّا أنّ مقتضى إطلاق غير واحد من الأخبار أنّ القليل ينفعل بملاقاة المتنجّسات، كما ينفعل بملاقاة الأعيان النجسة.

وفصّل أيضاً السيد المرتضى(قدس سره) في انفعال القليل بملاقاة النجس بينورود الماء على النجس أو المتنجّس فلا ينفعل، وبين ورودهما عليه فينفعل((4)

وتبعه على ذلك الشيخ الحر العاملي، كما يستفاد من عنوان الباب.

وفيه: أنّ العرف يستفيد من أدلة انفعال القليل بملاقاة مثل الكلب

ص: 190


1- - المبسوط 1 : 7.
2- - كفاية الأحكام 1 : 55 - 56.
3- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 137.
4- - المسائل الناصريات: 72، المسألة الثالثة.

والعذرة وغيرهما من المنجّسات: أنّ الحكم بالنجاسة والانفعال مستند إلى ملاقاة النجس للماء، بلا خصوصيّة في ذلك لوروده على النجس، أو لورود النجس عليه. فلا خصوصيّة للورود بحسب المتفاهم العرفي في التنجيس؛ لأنّه يرى الانفعال معلولاً للملاقاة خاصّة.

أقوال العامّة:

وافق الشافعي قول المشهور: من انفعال الماء القليل بالنجاسة وإن لم تتغيّر أوصافه((1)).

إلّا أنّ بقيّة العامّة اختلفوا على أقوال، ففي «بداية المجتهد»: أنّهم «اختلفوا في الماء إذا خالطته نجاسة، ولم تغيّر أحد أوصافه. فقال قوم: هو طاهر سواء أكان كثيراً أو قليلاً. وهي إحدى الروايات عن مالك. وبه قال أهل الظاهر.

وقال قوم: بالفرق بين القليل والكثير، فقالوا: إن كان قليلاً كان نجساً، وإن كان كثيراً لم يكن نجساً، وهؤلاء اختلفوا في الحدّ بين القليل والكثير ، فذهب أبو حنيفة إلى أنّ الحدّ في هذا هو أن يكون الماء من الكثرة بحيث إذا حرّكه آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطرف الثاني منه.

وذهب الشافعي إلى أنّ الحدّ في ذلك هو قلّتان من قلال هجر، وذلك نحو من خمسمائة رطل.

ص: 191


1- - الأم 1 : 17، ومختصر المزني: 9.

ومنهم من لم يحد في ذلك حدّاً، ولكن قال: إنّ النجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغيّر أحد أوصافه.

وهذا أيضاً مروي عن مالك. وقد روي أيضاً: أنّ هذا الماء مكروه. فيتحصّل عن مالك في الماء اليسير تحلّه النجاسة اليسيرة ثلاثة أقوال: قول إنّ النجاسة تفسده، وقول إنّها لا تفسده إلّا أن يتغيّر أحد أوصافه، وقول إنّه مكروه:((1)).

ص: 192


1- - بداية المجتهد 1 : 23.

[375] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ رَعَفَ فَامْتَخَطَ فَصَارَ بَعْضُ ذَلِكَ الدَّمِ قَطْراً(1) صِغَاراً، فَأَصَابَ إِنَاءَهُ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «إِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً يَسْتَبِينُ فِي الْمَاءِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ شَيْئاً بَيِّناً فَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ رَعَفَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَتَقْطُرُ قَطْرَةٌ فِي إِنَائِهِ، هَلْ يَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْهُ؟ قَالَ: «لَا(2)» (3).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

قال في «القاموس»: «رعف - كنصر ومنع وكرم وعني وسمع - خرج من

ص: 193


1- كذا في المتن، وكتب المؤلّف فوقه «قطعاً» عن نسخة، وفي المصدر المطبوع في البحار: قطراً قطراً.
2- في هامش الأصل المخطوط (منه(قدس سره) ) ما لفظه: «قد ظنّ بعضهم دلالته على عدم نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم. والحق: أنّه لا دلالة فيه كما فهمه المتأخرون. وقد ذكرناه، وقد نازع بعضهم في دلالته على النجاسة ودلالة أمثاله لعدم لفظ النجاسة، وهو تعسّف؛ لأنّ أحاديث النجاسات أكثرها كذلك لا تزيد عن هذه العبارات، مع أنّ مضمون الباب مجمع عليه بين الأصحاب إلّا من ابن أبي عقيل. ويؤيّد هذه الأحاديث أيضاً ما يأتي - مع مخالفة التقيّة وموافقة الاحتياط والإجماع وغيرذلك - على أنّ أحاديث نجاسة الماء بالتغيّر ليس فيها لفظ النجاسة».
3- الكافي 3 : 74، ح16، و تهذيب الأحكام 1 : 412، ح1299، والاستبصار 1 : 23، ح57.

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ(1)1*).

أَقُولُ: الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ: إِصَابَةُ الدَّمِ الْإِنَاءَ وَالشَّكُّ فِي إِصَابَةِ الْمَاءِ كَمَا يَظْهَرُ مِنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ، فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ.

-----------------------------------------------------------------------------

أنفه الدم، رعفاً ورعافاً، كغراب»((2)).

و«مخط المخاط: رماه ، وهو السائل من الأنف»((3)).

استدلّ بهذا الحديث شيخ الطائفة على عدم نجاسة الماء بما لا يدركه البصر من الدم، كرؤوس الإبر، وإن كان ذلك القدر من الدم ينجّس غير الماء.

وقد احتمل في دلالته وجوه - على ما ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) - :

الوجوه المحتملة في ترجیحه الاحتمال الثالث

الأول: ما عن شيخنا الأنصاري(قدس سره) ((4)) من حمله الحديث على الشبهة المحصورة وموارد العلم الإجمالي بوقوع قطرة من الدم في شيء، ولايدري أنّه داخل الإناء - أعني الماء - أو أنّه خارجه. وبما أنّ أحد طرفي العلم - وهو خارج الإناء - خارج عن محل الابتلاء، فالعلم المذكور كلا علم. ومن هنا حكم (علیه السلام) بعدم نجاسة ماء الإناء.

ص: 194


1- 1*) مسائل علي بن جعفر: 119 ، ح64.
2- - القاموس المحيط 3 : 145، مادة: «رعف».
3- - المصدر نفسه 2 : 384، مادة: «مخط».
4- - كتاب الطهارة 1 : 280.

مناقشة السید الاستاذ في ترجیحه الاحتمال الثالث

الثاني : ما ذكره الشيخ الطوسي(قدس سره) ((1)) من حمله الحديث على الماء الموجود في الإناء، والتفصيل في نجاسته بين ما إذا كان ما وقع فيه من الدم بمقدار يستبين في الماء فينفعل، وما إذا لم يكن بمقدار يستبين كرأس الإبرة التي لا تُحسُّ ولا تُدرك فلا ينفعل.

الثالث: ما احتمله صاحب «الوسائل»(قدس سره) ، وقوّاه شيخ الشريعة الأصفهاني(قدس سره) - في بحثه الشريف - من حمل الحديث على الشبهات البدويّة، وأنّ المراد بالإناء هو نفسه دون مائه، لا الأعمّ من نفسه ومائه. وقد فرض الراوي العلم بإصابة قطرة من الدم الإناء نفسه، وتنجّسه بذلك قطعاً، إلّا أنّه شك في أنّها هل أصابت الماء - أيضاً - أو أصابت الإناء فحسب؟ ففصّل الإمام (علیه السلام) بين صورتي العلم بإصابة القطرة لماء الإناء، فحكم فيها بالانفعال، وجهله بإصابتها فحكم بطهارته. فالمراد بالاستبانة هو العلم بوقوع القطرة في الماء، فإذا لم يكن معلوماً فهو مشكوك فيه، فليحكم عليه بالطهارة((2)).

واستظهر(قدس سره) - بعد أن استبعد الاحتمال الأول جدّاً - الوجه الثالث، وحاصله: أنّ الحديث وارد في مورد العلم التفصيلي بإصابة الدم للإناء بما هو إناء، والشك في إصابته لما في الإناء من الماء، وحيث إنّه شك بدويّ فلا يعتنى به.

ص: 195


1- - الاستبصار 1 : 23، باب الماء القليل يحصل فيه شيء من النجاسة، ح12.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 145.

والذي جعله يستظهر هذا الوجه ويرجّحه على الاحتمال الثاني هو أنّه حمل كلمة الإناء على معناها الحقيقي المغاير للماء، وهو الإناء نفسه؛ لأنّ حمل الإناء على ماء الإناء وإن كان صحيحاً في نفسه - بإحدى العلاقات المسوِّغة للتجوّز كعلاقة الحالية والمحليّة - إلّا أنّه لا قرينة على هذه العناية بعد إمكان حمله على معناه الحقيقي وهو الظرف، فيكون معنى الحديث: التفصيل بين صورة العلم بالنجاسة كما في الإناء فيجب الاجتناب، وبين صورة الجهل بالنجاسة كما في الماء فلا يجب؛ لكونها شبهة بدويّة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجاله بطريقيه، وكلاهما صحيح.

وهناك طريق ثالث ذكره المصنّف في ذيل الحديث الثاني من الباب، وهو:

الشيخ بإسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن أحمدالعلوي، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى (علیه السلام) ((1)).

وقد تقدّمت أسانيد الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب((2))، وأنّ أحد الأسانيد الثلاثة صحيح.

ص: 196


1- - تهذيب الأحكام 1 : 412، باب المياه وأحكامها ، ح18، والاستبصار 1 : 23، باب10، باب الماء القليل يحصل فيه شيء من النجاسة، ح 10.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 405.

[376] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ ابْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ مَعَهُ إِنَاءَانِ فِيهِمَا مَاءٌ، وَقَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَذَرٌ، لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ، وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ غَيْرِهِ؟ قَالَ: «يُهَرِيقُهُمَا جَمِيعاً وَيَتَيَمَّمُ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(2)، وَبِإِسْنَادِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(3)، وَالَّذِي قَبْلَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَلَوِيِّ، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، مِثْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------وأمّا محمد بن أحمد العلوي: فهو محمد بن أحمد بن إسماعيل العلوي، من شيوخ أصحابنا،كما عن النجاشي في ضمن ترجمة العمركي البوفكي((4))، وهو دالّ على الحسن، كما أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((5)

فالظاهر وثاقته. وبهذا يتضح أنّ السند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

قال في «القاموس»: «هراق الماء يهريقه - بفتح الهاء - هِراقة، بالكسر،

ص: 197


1- الكافي 3 : 10، ح6، وأورده في الحديث 1 من الباب 4 من أبواب التيمم، ويأتي صدره في الحديث 6 من الباب 9 من أبواب الأسآر، والحديث 4 من الباب 35 من أبواب النجاسات.
2- تهذيب الأحكام 1 : 249، ح713، والاستبصار 1 : 21، ح48.
3- تهذيب الأحكام 1 : 229، ح662.
4- - رجال النجاشي: 303 / 828 .
5- - أُصول علم الرجال 1 : 235.

وأهرقه يهريقه إهراقاً، وأهراقه يهريقه إهرياقاً، فهو مهريق، وذاك مهراق ومهراق: صبه، وأصله: أراقه يريقه إراقة، وأصل أراق: أريق، وأصل يريق: يريق، وأصل يريق: يؤريق، وقالوا: أهريقه، ولم يقولوا: أأريقه ، لاستثقال الهمزتين»((1)).

دلّ الحديث على مشروعيّة التيمم وجوازه، وأنّه مما لا إشكال فيه، وإنّما وقع الأمر بالتيمم بعد الأمر بإهراق الإنائين؛ لإفادة أنّ الماء قد تنجّس، والمنساق منه عرفاً النجاسة. واحتمال أن يكون المراد مطلق الاستقذار العرفي، خلاف الظاهر؛ إذ لو لم يكن متنجّساً لما كان وجه للتيمّم؛ لكونه حينئذ من أفراد واجد الماء، والأمر بإهراق الإنائين أمر إرشادي لئلّايستعمل الماء الموجود في الإناء فيما يشترط فيه الطهارة، كالشرب والوضوء ونحوهما، لا أنّ الإهراق واجب تعبدي. بل لو أمكن الانتفاع المحلّل به في جهة أُخرى لكان الإهراق من الإسراف المحرّم.

سند الحديث:

ذكر المصنّف لهذا الحديث ثلاثة أسانيد:

الأول: فيه أحمد بن محمد، وهو ابن عيسى، وقد تقّدم مع بقيّة رجال السند، والسند معتبر.

الثاني: الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وقد تقدّم أيضاً،

ص: 198


1- - القاموس المحيط 3 : 290، مادة: «هرق».

[377] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَسْهُو فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا: أَنَّهُ لَا بَأْسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْ ءٌ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذا السند معتبر أيضاً.

الثالث: الشيخ أيضاً بإسناده، عن محمد بن يعقوب، وهذا السند أيضاً معتبر.

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بمنطوقه على نفي البأس عن الماء القليل الموجود في الإناء إذا لامسته يد الجنب غير المصابة بشيء. والمراد بالشيء: النجاسة؛ لوضوح أنّه لا بأس في ملامسة المصابة بالتراب أو الغبار أو غيرهما من غير المتنجّسات، والمراد من نفي البأس هو نفي النجاسة، وإن لم يكن البأس مساوقاً لها مفهوماً، ولكن الظاهر منه في مثل المقام إرادة النجاسة؛ لأنّ ارتكازيّة نجاسة المني وكذا سراية النجاسة بالملاقاة في الجملة توجب انصراف ذهن المتشرّع إلى فهم نجاسة الماء من البأس. والمستفاد من مفهوم الشرطيّة أنّه إذا كان قد أصاب يد الجنب شيء - أي: نجاسة - فهذا الماء فيه بأس. ولا معنى له إلّا أنّه ينفعل بالنجاسة لقلّته. ولعلّ قول السائل:

ص: 199


1- الكافي 3 : 11، ح3، وأورده في الحديث 3 من الباب 7 من أبواب الأسآر.

«يسهو فيغمس يده» يدلّ على الارتكاز المذكور.

سند الحديث:

فيه: محمد بن يحيى، وهو العطار.

وفيه أيضاً: محمد بن إسماعيل: وهو مشترك بين جماعة، ويتردّد - بحسب الطبقة - بين اثنين هما: الصيمري والبرمكي. والظاهر أنّه البرمكي، خلافاً للأردبيلي(قدس سره) في «جامع الرواة»، فإنّه(قدس سره) ذكر روايات عديدة تحت عنوان محمد بن إسماعيل الصيمري يروي فيها محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل، ولكن الظاهر أنّه لا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه هذاالمحقّق؛ وذلك لعدم معروفيّة الصيمري، وأنّ محمد بن إسماعيل لا بد أن يكون معروفاً حتى يروي عنه محمد بن يحيى هذه الموارد العديدة.

ومحمد بن إسماعيل البرمكي ثقة، كما عن النجاشي في «رجاله»، قال(قدس سره) : «محمد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة، أبو عبد الله، سكن قم، وليس أصله منها. ذكر ذلك أبو العباس بن نوح. وكان ثقة مستقيماً. له كتب، منها: كتاب التوحيد»((1))

((2)).

ص: 200


1- - رجال النجاشي: 341 / 915.
2- - أقول: الذي أحتمله أنّ محمد بن يحيى إنّما يروي في هذا السند عن محمد بن إسماعيل بواسطة أحمد بن محمد، أي: ابن عيسى، كما في موارد كثيرة، وأنّ محمد بن إسماعيل هنا هو ابن بزيع، كما يشهد له سند الحديث السادس من الباب التاسع من أبواب المضاف والمستعمل. المقرّر.

نعم، جاء في مورد واحد رواية محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل القمي، عن علي بن الحكم((1)

ولكن الظاهر أنّه البرمكي؛ لأنه كان ساكناً قم.

بحث رجالي حول شهاب بن عبد ربه

وفيه أيضاً: علي بن الحكم، وقد تقدّم أنّه ثقة، وليس بمشترك((2)).

وأمّا شهاب بن عبد ربّه: فقال عنه النجاشي: «شهاب بن عبد ربّه بن أبي ميمونة مولى بني نصر بن قعين من بني أسد. روى عن أبي عبد الله وأبيجعفر (علیهما السلام) . وكان موسراً ذا حال. ذكر ابن بطة أنّ له كتاباً حدّثه به الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عنه»((3)).

ووثّقه في ترجمة ابن أخيه إسماعيل، فقال: «إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه بن أبي ميمونة بن يسار، مولى بني أسد. وجه من وجوه أصحابنا، وفقيه من فقهائنا، وهو من بيت الشيعة. عمومته: شهاب، وعبد الرحيم، ووهب، وأبوه عبد الخالق، كلّهم ثقات»((4)).

وقد ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((5))، وروى عنه المشايخ الثقات((6))،فلا ريب في وثاقته.

ص: 201


1- - الكافي 3 : 452، باب تقديم النوافل وتأخيرها وقضائها وصلاة الضحى، ح8.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 128.
3- - رجال النجاشي: 197 / 523.
4- - المصدر نفسه: 27 / 50.
5- - أُصول علم الرجال 1 : 224.
6- - المصدر نفسه 2 : 196.

وقال الكشّي: «قال أبو عمرو: شهاب وعبد الرحيم وعبد الخالق ووهب ولد عبد ربّه من موالي بني أسد من صلحاء الموالي»، وقال: «حمدويه بن نصير، ذكر عن بعض مشايخه قال: شهاب بن عبد ربّه خيّر فاضل».

وقال: «حدّثني أبو الحسن حمدويه بن نصير، قال: سمعت بعض المشايخ يقول: وسألته عن وهب وشهاب وعبد الرحمن بني عبد ربه إسماعيل بنعبد الخالق ابن عبد ربه؟ قال: كلّهم خيار فاضلون كوفيون»((1)).

كما ذكر السيّد الأستاذ(قدس سره) روايات ذامّة له عن الكشي وناقشها، وهي:

الأولى: «حدّثني محمد بن مسعود، قال: حدّثني علي بن محمد، قال: حدّثني أحمد بن محمد، عن فضيل، عن شهاب، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟ فإنّي يوماً بالبصرة عند محمد بن سليمان، إذ ألقى إليّ كتاباً وقال: أعظم الله أجرك في جعفر بن محمد، فذكرت الكلام فخنقتني العبرة.

ثم ذكرها بسند آخر باختلاف في الألفاظ فقال:

حدّثني محمد بن مسعود، قال: حدّثني عبد الله بن محمد، قال: حدّثني الوشّاء، عن محمد بن الفضيل، عن شهاب، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : يا شهاب كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟ فمكثت ما شاء الله. ثمّ إنّ محمد بن سليمان لقيني، فقال: يا شهاب، عظم الله أجرك في أبي عبدالله (علیه السلام) ، فكان سبب إقامة الناووسية على أبي عبد الله (علیه السلام) بهذا

ص: 202


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 713.

الحديث»((1)).

هذه الرواية تدلّ على أنّ الإمام الصادق (علیه السلام) توفي وشهاب كان حيّاً، وقد أخبره الإمام (علیه السلام) بذلك قبل موته، فهي تدلّ على خلاف ما ذهب إليهالناووسية، من أنّ الصادق (علیه السلام) حي لم يمت، فكيف يمكن أن تكون هذه الرواية سبباً لإقامة الناووسية على أبي عبد الله (علیه السلام) ؟! هذا، ويمكن أن يكون في العبارة سقط أو تحريف.

الثانية: «محمد بن مسعود، قال: حدّثني جبريل بن أحمد، قال: حدّثني محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن مسمع كردين أبي سيّار، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: وأمّا شهاب، فإنّه شرّ من الميتة والدم ولحم الخنزير»((2)).

وهي ضعيفة بجبرئيل بن أحمد الذي لم يوثّق.

الثالثة: «محمد بن مسعود، قال: حدّثني علي بن محمد، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام، عن شهاب بن عبد ربه، قال: قال لي أبو عبد الله (علیه السلام) : يا شهاب، يكثر المقيل في أهل بيت من قريش، حتى يدعى الرجل منهم إلى الخلافة فيأباها، ثم قال: يا شهاب، ولا تقل إنّي عنيت بني عمي هؤلاء، فقال شهاب: أشهد أنّه عناهم».

وهذه الرواية أيضاً ضعيفة؛ فإنّ علي بن محمد (بن فيروزان) لم يوثّق.

ص: 203


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 712 - 713.
2- - المصدر نفسه 2 : 712.

وعلى فرض التسليم بصحّة سندها؛ فإنّ نهي الإمام (علیه السلام) له عن ذلك القول كان للتقيّة، ونقل شهاب لما جزم به من إرادة الإمام لبني الحسن كان بعدزوالها أو عند أمنه على نفسه. فالرواية غير قادحة.

الرابعة: «محمد بن مسعود، قال: حدّثني علي بن محمد، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن بشار الواسطي، عن داود الرقي، قال : كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) فذكر شهاب بن عبد ربّه، فقال: والله الذي لا إله إلّا هو لأصلنّه (لأضلنّه)، والله الذي لا إله إلّا هو لأخبرنّه (لأضربنّه)».

وهذه الرواية أيضاً ضعيفة بعلي بن محمد وبالحسن بن الحسين (اللؤلؤي)، مضافاً إلى أنّ الرواية مضطربة المتن، ففي بعض النسخ لأصلنّه بدل (لأضلنّه). كما أنّ في بعضها لأخبرنّه، أو لأجبرنّه بدل (لأضربنّه) .

الخامسة: «محمد بن مسعود، قال: حدّثني عبد الله بن محمد، قال: حدّثني العباس بن عامر، عن أبي جميلة، عن شهاب بن عبد ربّه، أنّه ضربه محمد بن عبد الله بن الحسن نحواً من سبعين سوطاً».

وهذه الرواية كذلك ضعيفة بأبي جميلة. وعلى تقدير صحتها فهي أولى بأن تكون قادحة في حقّ محمد بن عبد الله بن الحسن، الذي ادعى الخلافة، وقال عنه أبوه عبد الله: إنّه المهدي الموعود، ودعا الإمام جعفر بن محمد (علیه السلام) إلى البيعة له، فأبى، فسجنه لذلك، فلعلّه دعا شهاباً إلى البيعة

ص: 204

[378] 4- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِالْمُغِيرَةِ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْهُمْ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا أَدْخَلْتَ يَدَكَ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ تَغْسِلَهَا فَلَا بَأْسَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَصَابَهَا قَذَرٌ بَوْلٌ أَوْ جَنَابَةٌ، فَإِنْ أَدْخَلْتَ يَدَكَ فِي الْمَاءِ(1) وَفِيهَا شَيْ ءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَهْرِقْ ذَلِكَ الْمَاءَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

فأبى، فضربه محمد بن عبد الله. وحينئذ فتصبح الرواية مادحة لا قادحة((3)).

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «شهاب بن عبد ربه. له أصل، رويناه بالإسناد الأول عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عنه»((4)).

وأراد بالإسناد الأول: جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطة.

كما عدّه في «الرجال، من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) ((5)).

والحاصل: أنّ هذا السند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

دلالة الحديث كسابقه، إلّا أنّ فيه التصريح بأنّه إذا أصاب القذر الخاص

ص: 205


1- في المصدر: في الإناء.
2- الكافي 3 : 11، ح1.
3- - معجم رجال الحديث10 : 46 - 49.
4- - فهرست الطوسي: 145 / 355.
5- - رجال الطوسي: 224 / 3012، و240 / 3306.

- وهو البول أو المني - يد المجنب وقد أدخلها في الماء القليل وفيها مقدار من النجاسة فليهرق ذلك الماء. والأمر بإراقة الماء إرشاد إلى عدم صلاحيته للاستعمال في الوضوء والغسل والتطهير والشرب، فيكون كاشفاً عن سراية النجاسة إلى الماء؛ لما قدّمناه من وجود الارتكاز عند المتشرّعة بالنسبة لنجاسة البول والمني وسراية النجاسة بالملاقاة في الجملة. والمراد بالماء هو الماء القليل بقرينة ذكر الإناء والإهراق.

سند الحديث:

فيه: سماعة، وهو سماعة بن مهران، وقد تقدّم توثيقه، وأنّه ليس بواقفي، وكذا بقيّة رجال السند. والسند معتبر.

ص: 206

[379] 5- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسِّرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَنْتَهِي إِلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ فِي الطَّرِيقِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ يَغْرِفُ بِهِ، وَيَدَاهُ قَذِرَتَانِ؟ قَالَ: «يَضَعُ يَدَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ(1)، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(3).

أَقُولُ: هَذَا مُحْتَمِلٌ لِلتَّقِيَّةِ، فَلَا يُقَاوِمُ مَا سَبَقَ(4)، وَيَأْتِي(5). وَقَرِينَةُ التَّقِيَّةِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ مَعَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَذَرِ الْوَسَخُ لَا النَّجَاسَةُ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا بَلَغَ الْكُرَّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، فَإِنَّهُ قَلِيلٌ فِي الْعُرْفِ.

-----------------------------------------------------------------------------

عدم انفعال الماء القلیل بملاقاة المتنجّس

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجس، وهو هنا يدا

ص: 207


1- في نسخة: ويتوضأ. (هامش المخطوط).
2- الحج ، الآية 78.
3- تهذيب الأحكام 1 : 149، ح425، والاستبصار 1 : 128، ح438. ورواه ابن ادريس في السرائر 3 : 555.
4- سبق في الأحاديث 1، 4 من هذا الباب.
5- يأتي في الأحاديث 6، 11، 13، 14 من هذا الباب.

الرجل القذرتين، ولذا صحّ منه الوضوء والغسل، وهو من جملة ما استدلّ به على قول ابن أبي عقيل، بادّعاء ظهوره في إرادة الماء القليل وحكومته على أدلّة الانفعال بالنجاسات أو المتنجسات؛ فإنّه لو كان مورده الكر لم يكن من موارد نفي الحرج، فإنّ الكر لا ينجّسه شيء، فالحديث دالّ على أنّ هذا الماء من شأنه أن ينفعل ويجب التحرّز عنه، إلّا أنّ هذا الحكم قد رفع لوجود الضرورة والحرج، فيكون هذا الحديث حاكماً على الأدلّة المطلقة الدالّة على الانفعال، ودالّاً على التفصيل بين حالتي الاختيار فلا يجوز استعمال الماء فيما يشترط فيه الطهارة ، والضرورة فإنّه يرتفع هذا الحكم.

وقد نوقش فيه:

أولاً: بأنّه وارد تقيّة كما عن المحقّق الهمداني((1))؛ لموافقته لمذهب العامّة، حيث جمعت بين الوضوء وغسل الجنابة، وهما مما لا يجتمعان في مذهبنا.

ويرد عليه: أنّه لعلّ المراد بالوضوء - كما تنبّه له نفس المحقّق المذكور - معناه اللغوي، وهو التنظيف، وأمره (علیه السلام) به لكونه مقدّمة للغسل، فلم يجتمع الوضوء الاصطلاحي وغسل الجنابة.

وثانياً: أنّ التفصيل بين حالتي الاضطرار والاختيار لم يقل به أحد على

ص: 208


1- - مصباح الفقيه 1 : 74.

الظاهر. فهذا الحديث غير معمول بظاهره، مع أنّه يعارضه من هذه الجهة الحديث الثاني من هذا الباب: «عن رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، وليس يقدر على ماء غيره، قال: يهريقهما جميعاً ويتيمّم»، فإنّه صريح في عدم جواز الاستعمال حتى في حال الاضطرار، ولو كان ذلك في صورة الاشتباه.

وثالثاً: أنّ حمل القليل على ما يقابل الكر بلا موجب، فإنّه لم يثبت أن القليل كان بهذا المعنى في زمان الأئمة (علیهم السلام) ، بل هو اصطلاح من الفقهاء، فالقليل هنا هو بمعناه اللغوي الذي هو في مقابل الكثير؛ فإنّ أغلب المياه الموجودة في طرق المسافرين، إمّا ذوات مادّة، أو هي مياه الغدران التي قلّما تكون أقل من كر. فالتعبير عنه بالقليل هنا ربّما يكون بالإضافة إلى المياه التي يمكن الارتماس فيها.

نعم، لا ينكر أنّ فيه إطلاقاً يشمل الماء الأقل من الكر، وهو كافٍ في الحكم بعدم انفعاله، لكن لنا أن نقول: إنّ الأحاديث البالغة حدّ التواتر دلّت على انفعال القليل بالملاقاة، فتكون مقيدة لهذا الإطلاق بغير القليل.

واحتمل في «كشف اللثام» أن يكون قوله (علیه السلام) : «يضع يده ثم يتوضأ» الإنكار على «الاغتسال منه، أي: يضع يديه في الماء ويتوضّأ، أي: يغسلهما ثم يغتسل، هذا ممّا قال اللّه تعالى، أي: رخّص له في التيمّم وتأخير الغسل،وأن يراد بترك يده إلى أن يمكنه تطهيرها، ويطهّرها إذا أمكنه ثم يغتسل»، ثم أبرز احتمالاً ثانياً وهو: «أن لا يكون الكفّان بتمامهما نجستين، بل بحيث يمكن الاغتراف وغسل ما نجس منهما، فأمر (علیه السلام) بوضع الطاهر منهما في

ص: 209

الماء والاغتراف به منه للتوضّي، أي غسل النجس منهما»((1))، وهذان الاحتمالان جيّدان، فلا يعارض هذا الحديث بقيّة الأحاديث الدالّة على انفعال الماء القليل بمجرد مماسّة النجس أو المتنجّس.

وأمّا قول المصنّف: «أو على أنّ المراد بالقذر الوسخ لا النجاسة» ففيه: أنّه لا يناسبه الاستشهاد بآية الحرج.

سند الحديث:

له سندان، وفيهما ممّن لم يتقدّم ذكره، وهو: محمد بن ميسر: قال عنه النجاشي: «محمد بن ميسر بن عبد العزيز النخعي بيّاع الزطّي، كوفي ، ثقة ، روى أبوه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ، وروى هو عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب يرويه جماعة»((2)).

وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) ((3))، وورد في أسنادكتاب «نوادر الحكمة»((4))، فالرجل ثقة، وكتابه مشهور.

فالحديث صحيح بإسناديه.

ص: 210


1- - كشف اللثام 1 : 272.
2- - رجال النجاشي: 368 / 997.
3- - رجال الطوسي: 294 / 4299.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 239.

[380] 6- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنْ مَاءٍ شَرِبَتْ مِنْهُ دَجَاجَةٌ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ فِي مِنْقَارِهَا قَذَرٌ لَمْ تَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَمْ تَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِي مِنْقَارِهَا قَذَرٌ، تَوَضَّأْ مِنْهُ وَاشْرَبْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الماء المعلوم ملاقاته لما في منقار الدجاجة من القذر لا يجوز الانتفاع منه فيما يشترط فيه الطهارة. والشرب والتوضؤ مثالان لمطلق الانتفاعات المشروعة والمتعارفة، فتشمل مثل الغَسل والغُسل. والمراد من الماء هنا هو الماء القليل الذي لا يبلغ كرّاً، بقرينة شرب الدجاجة؛ فإنّها غالباً تشرب من المياه القليلة؛ ولأنّ أحاديث الكر الكثيرة تدلّ على اعتصامه، وعدم انفعاله، فيحمل الماء على القليل لذلك.

سند الحديث:

هو من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم القول باعتبارها وعدمه غير مرّة.

ص: 211


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح18، وأورده في الحديث 3 من الباب 4 من أبواب الأسآر عن الشيخ، وفي الحديث 4 من الباب 4 عن الشيخ والصدوق.

[381] 7- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَهِيَ قَذِرَةٌ، قَالَ: «يُكْفِئُ الْإِنَاءَ»(1).

قَالَ فِي «الْقَامُوسِ»: كَفَأَهُ كَمَنَعَهُ كَبَّهُ وَقَلَبَهُ كَأَكْفَأَهُ(2).

أَقُولُ: الْمُرَادُ إِرَاقَةُ مَائِهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّنْجِيسِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «يكفِئ الإناء» - أي: يريق ما فيه - إمّا بفتح حرف المضارعة من كفأ، أو بضمّه من أكفأ. وما ذكره المصنّف عن «القاموس» - من صحة اللغتين: كفأ وأكفأ - هو الصحيح، فكلتاهما من الفصيح. ولا عبرة بما يظهر من «الصحاح» للجوهري من عدم ثبوت «أكفأ» عن العرب؛ فإنّه قال: «كفأت الإناء قلّبته. وزعم ابن الأعرابيّ أنّ أكفأته لغة»((3))؛ لأنّها لغة فصيحة، لورودها في مقبولة عبد الرحمن بن كثير الهاشميّ عن الصادق (علیه السلام) ، قال: بينا أمير المؤمنين (علیه السلام) ذات يوم جالس مع ابن الحنفيّةL إذ قال له: يا محمّد، ايتني بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة، فأتاه محمّد بالماء فأكفأهبيده اليمنى على يده اليسرى، الحديث.كما عن الشيخ البهائي في

ص: 212


1- تهذيب الأحكام 1 : 39، ح105.
2- القاموس المحيط 1 : 27.
3- - الصحاح 1 : 68، مادة: «كفأ».

«الحبل المتين»((1)).

وأيّد ذلك العيني في «عمدة القاري» وغيره، ونقلوا عن الكسائي قوله: «أكفأت الإناء أملته»((2)).

وإراقة ماء الإناء كناية عن كونه قد تنجّس، كما ذكره المصنّف، فالحديث ظاهر في كون منشأ الأمر بالإراقة هو إدخال اليد القذرة في الإناء الموجب لتنجّسه. وإطلاق القذارة يشمل كل قذر، وقد تقدّم أنّ المراد منه النجاسة. وبهذا يدلّ الحديث على انفعال الماء القليل بملاقاة أي قذارة كانت، بلا فرق بين صورتي وجود عين النجاسة في اليد وزوالها عنها؛ لإطلاق الحديث.

سند الحديث:

تقدّم سند الشيخ إلى كتب وروايات الحسين بن سعيد في الجزء الأول((3))، وقد ذكرنا أنّه عبارة عن طريقين. والحسين بن سعيد وأحمد بن محمد بن أبي نصر مرّ ذكرهما مكرّراً، والسند صحيح.

ص: 213


1- - الحبل المتين في إحكام أحكام الدين 1 : 466.
2- - عمدة القاري 17 : 238 ، وسبل الهدى والرشاد 5 : 164.
3- - إيضاح الدلائل 1 : 471.

[382] 8 - وَعَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْجَرَّةِ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ مَاءٍ، يَقَعُ فِيهَا أُوقِيَّةٌ مِنْ دَمٍ، أَشْرَبُ مِنْهُ وَأَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: «لَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

تحدید وزن الرطل

[8] - فقه الحديث:

الأُوقية: أربعون درهماً، والرطل: اثنا عشر أوقية.

قال في «مجمع البحرين»: «الرطل - بالكسر والفتح - : نصف المن، عبارة عن اثني عشر أُوقية، وهي عبارة عن أربعين درهماً. والرطل العراقي عبارة عن مائة وثلاثين درهماً، هي إحدى وتسعون مثقالاً. وكل درهم ستة دوانيق. وكل دانق ثمان حَبّات من أوسط حَبّ الشعير. والرطل المدني عبارة عن رطل ونصف بالعراقي يكون مائة وخمسة وتسعين درهماً. والرطل المكي عبارة عن رطلين بالعراقي. ولا اعتبار بما يسمّى رطلاً الآن. ولكن يحال على التقدير الشرعي. وفي المصباح: الرطل معيار يوزن به، وكسره أكثر من فتحه، وهو بالبغدادي اثنتا عشرة أُوقية. والرطل تسعون مثقالاً، وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم. والجمع أرطال.

قال الفقهاء: وإذا أطلق الرطل في الفروع فالمراد رطل بغداد. ورطلت

ص: 214


1- تهذيب الأحكام 1 : 418، ح1320، والاستبصار 1 : 23، ح56، وأورده في الحديث 2 من الباب 13 من أبواب الماء المطلق.

الشيء من باب قتل: وزنته بيدك لتعرف وزنه تقريباً»((1)).

أقول: المشهور، بل كاد يكون إجماعاً كما عن «مفتاح الكرامة»((2)

بل في كتاب الزكاة من «الجواهر» - أنّ: «الرطل العراقي مائة وثلاثون درهماً، أحد وتسعون مثقالاً، بلا خلاف أجده إلّا من الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى؛ فجعله مائة وثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع الدرهم، أي: تسعون مثقالاً، ولم نعرف له مستنداً»((3)).

فالحديث يدلّ على أنّه إذا وقعت أُوقيّة من دم في جرّة سعتها مائة رطل من ماء فإنّه ينفعل بالنجاسة، فلا يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة.

هذا، لكنّ المحقّق الهمداني حمله على تغيّر الماء بمقدار الدم((4)).

إلّا أنّ حمله على التغيّر بعيد؛ لأنّ الأُوقية أربعون درهماً، والرطل مائة وثلاثون درهماً، كما مرّ، فنسبتها إليه نسبة الثلث تقريباً، وعليه تكون نسبته إلى مائة رطل يكون نسبة ثلث عشر العشر، كما عن «الجواهر»((5))، وهي نسبة قليلة جداً تكاد لا تؤثّر في التغيّر.

ص: 215


1- - مجمع البحرين 5 : 384.
2- - مفتاح الكرامة 1 : 315.
3- - جواهر الكلام 15 : 210.
4- - مصباح الفقيه 1 : 144.
5- - جواهر الكلام 1 : 112.

سند الحديث:

فيه: سعيد الأعرج: وهو سعيد بن عبد الرحمن الأعرج السمان، قال النجاشي: «سعيد بن عبد الرحمن، وقيل: بن عبد الله الأعرج السمان أبو عبد الله التيمي (التميمي)، مولاهم، كوفي، ثقة. روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، ذكره ابن عقدة وابن نوح. له كتاب يرويه عنه جماعة، أخبرناه عدّة من أصحابنا، عن أبي الحسن بن داود، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن سعيد به»((1)).

بحث رجالي حول سعید الأعرج

وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، قائلاً: «سعيد بن عبد الرحمن الأعرج السمان، ويقال له: ابن عبد الله، له كتاب»((2)).

لكنّه في «الفهرست» ذكره بعنوان سعيد الأعرج، فقال: «سعيد الأعرج ، له أصل. أخبرنا بهما جماعة، عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع وعبد الرحمن بن أبي نجران جميعاً، عن علي بن النعمان وصفوان بن يحيى جميعاً، عنهما»((3)).

إلّا أنّ هذا لا يوجب تعدّد العنوانين؛ إذ لو كانا متغايرين للزم على

ص: 216


1- - رجال النجاشي: 181 : 477.
2- - رجال الطوسي: 213 / 2784.
3- - فهرست الطوسي: 137 / 323. والضمير في قوله: «بهما» راجع إلى الأصلين، أي: أصل سعيد الأعرج وأصل سعيد بن يسار، كما أنّ الضمير في قوله: «عنهما» راجع إلى صاحبي الأصلين، أعني: سعيد الأعرج وسعيد بن يسار. المقرّر.

[383] 9- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنْ أَصَابَ الرَّجُلَ جَنَابَةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَلَا بَأْسَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الْمَنِيِّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

النجاشي والشيخ التعرّض لكليهما. وعدم تعرّض النجاشي لسعيد الأعرج، وعدم تعرّض الشيخ (رحمه الله) لسعيد بن عبد الرحمن في «الفهرست» دليل على الاتحاد، ولاسيّما مع اتحاد راوي كتاب الرجلين ، وهو صفوان على ما في النجاشي و«الفهرست»،كما ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) ((2)).

فالحاصل: أنّه ثقة، والسند معتبر.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بمفهومه على وجود البأس عند ملاقاة النجاسة للماء القليل؛ فإنّ مقتضى مفهوم هذا الحديث ثبوت البأس مع وقوع المني على اليد إذا أدخلها في الإناء. والبأس وإن لم يكن مساوقاً للنجاسة مفهوماً، ولكن الظاهر منه في المقام إرادة النجاسة، والتعبير عنها بالبأس لأنّ ارتكازيةنجاسة المني وارتكازية سراية النجاسة بالملاقاة في الجملة توجب انصراف ذهن الإنسان العرفي المتشرعي المحتوي على تلك الارتكازات إلى فهم

ص: 217


1- تهذيب الأحكام 1 : 37، ح99، والاستبصار 1 : 20، ح47. وأورده أيضا في الحديث 2 من الباب 28 من أبواب الوضوء.
2- - معجم رجال الحديث 9 : 127.

نجاسة الماء من البأس، كما مرّ في شرح الحديث الثالث من الباب.

بحث رجالي حول الحسن بن سعید

سند الحديث:

فيه: الحسن بن سعيد: قال عنه النجاشي: «الحسن بن سعيد بن حماد بن مهران مولى علي بن الحسين (علیه السلام) ، أبو محمد الأهوازي، شارك أخاه الحسين في الكتب الثلاثين المصنّفة، وإنَّما كثر اشتهار الحسين أخيه بها. وكان الحسين بن يزيد السورائي يقول: (الحسن شريك أخيه الحسين في جميع رجاله إلّا في زرعة بن محمد الحضرمي وفضالة بن أيوب، فإنّ الحسين كان يروي عن أخيه عنهما). خاله جعفر بن يحيى بن سعد الأحول من رجال أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، ذكره سعد بن عبد الله. وكتب ابني سعيد كتب حسنة معمول عليها، وهي ثلاثون كتاباً»((1)).

وذكره الكشي أيضاً مع أخيه الحسين، قال: «الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد بن سعيد موالي علي بن الحسين صلوات الله عليهما. وكان الحسن بن سعيد هو الذي أوصل إسحاق بن إبراهيم الحضيني وعلي ابن الريان بعد إسحاق إلى الرضا (علیه السلام) ، وكان سبب معرفتهم لهذا الأمر، ومنه سمعواالحديث وبه عرفوا، وكذلك فعل بعبد الله بن محمد الحضيني وغيرهم، حتى جرت الخدمة على أيديهم، وصنفا الكتب الكثيرة. ويقال: إنّ الحسن

ص: 218


1- - رجال النجاشي: 58 / 136.

صنّف خمسين تصنيفاً، وسعيد كان يعرف بدندان»((1)).

ونقل عن أبي عمرو قوله: «قد روى عنه - أي: عن محمد بن سنان - الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمد بن عيسى العبيدي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان، وابنا دندان، وأيوب بن نوح وغيرهم، من العدول والثقات من أهل العلم»((2)).

وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمامين الرضا والجواد (علیهما السلام) ((3))، وقال عنه في «الفهرست»: «ثقة. روى جميع ما صنفه أخوه عن جميع شيوخه، وزاد عليه بروايته عن زرعة، عن سماعة، فإنّه يختصّ به الحسن، والحسين إنَّما يرويه عن أخيه عن زرعة، والباقي هما متساويان فيه»((4)).

وأمّا بقية رجال السند فقد تقدّم ذكرهم، وهو موثّق.

ص: 219


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 827.
2- - المصدر نفسه: 796.
3- - رجال الطوسي: 354 / 5243، و 374 / 5538.
4- - فهرست الطوسي: 104 / 197.

[384] 10- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَمَسُّ الطَّسْتَ أَوِ الرَّكْوَةَ(1)، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى كَفَّيْهِ؟ قَالَ: «يُهَرِيقُ مِنَ الْمَاءِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ. وَإِنْ كَانَتْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْ ءٌ مِنَ الْمَنِيِّ. وَإِنْ كَانَ أَصَابَ يَدَهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى كَفَّيْهِ فَلْيُهَرِقِ الْمَاءَ كُلَّهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

الطست: «من آنية الصفر، أُنثى، وقد تذكّر. الجوهري: الطست الطس، بلغة طيء، أبدل من إحدى السينين تاء للاستثقال، فإذا جمعتَ أو صغّرتَ، رددتَ السين؛ لأنّك فصلت بينهما بألف أو ياء، فقلتَ: طساس، وطسيس»((3)).

وفي نسخة «جامع أحاديث الشيعة»: «الطشت»((4)).

قوله: «يمس الطست أو الركوة» لعلّ المراد تناولهما ليتوضأ منهما، ثم يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفيه من الماء لغرض غسلهما.

والأمر بإهراق ثلاث حفنات - والحفنة ملء الكفين((5)) - من الماء؛ لعلّه

ص: 220


1- الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء. (النهاية 2 : 261).
2- تهذيب الأحكام 1 : 38، ح102.
3- - لسان العرب 2 : 58، مادّة: «طست».
4- - جامع أحاديث الشيعة 2 : 31، باب8 من أبواب المياه، ح10.
5- - الصحاح 5 : 2102، مادة: «حفن».

لإزالة الاستقذار الحاصل في النفس بسبب إدخال اليد في الإناء قبل غسلهما. وليس ذلك بواجب؛ ولذا قال (علیه السلام) : «وإن لم يفعل فلا بأس».

وبقيّة الحديث تقدّم مضمونه في الحديث السابق وغيره.

سند الحديث:

هو سند الحديث السابق نفسه. وقد تقدّم طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد، مضافاً إلى أنّ كتب الحسين بن سعيد مشهورة معمول بها.

نعم، يوجد طريق صحيح - على ما حقّقناه - للصدوق إلى سماعة، وهو: أبوه رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى العامري، عنه. ويمكن تصحيح طريق الشيخ به كما مرّ مراراً؛ فإنّ طرق الشيخ الصدوق هي طرق للشيخ، لأنّ له طرقاً معتبرة إلى مرويات الشيخ الصدوق.

ص: 221

[385] 11- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْجُنُبِ يَحْمِلُ الرَّكْوَةَ أَوِ التَّوْرَ(1)، فَيُدْخِلُ إِصْبَعَهُ فِيهِ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَتْ يَدُهُ قَذِرَةً فَأَهْرَقَهُ(2)، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبْهَا قَذَرٌ فَلْيَغْتَسِلْ مِنْهُ. هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(3)»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

انفعال الماء القليل بالنجاسة

[11] - فقه الحديث:

دلالة الحديث واضحة - كسوابقه - على انفعال الماء القليل بالنجاسة المعبّر عنها هنا بالقذر الموجود في اليد، ولذا أمر (علیه السلام) بإراقة الماء، كما أمر بالغسل من الماء وإن كان جنباً وقد لامس الماء بيده؛ وذلك لأنّ الجنب ليس بنجس بسبب الجنابة، ولعلّ الاستشهاد بالآية الشريفة يرجع إلى رفع الحكم بلزوم الطهارة المائية إذا انفعل الماء بالنجاسة، فليس في الدين حرج. ومقتضاه: رفع لزوم الطهارة المائية والانتقال إلى الطهارة الترابية، وإن لم يصرّح به هنا، فإنّ الحرج إنّما يلزم من الحكم بنجاسة الماء الملاقي للنجاسة مع المنع من استعماله والحكم بلزوم الطهارة المائية، والإمام (علیه السلام) رخّص في إلغاء الماء الموجود المتنجّس.

ص: 222


1- التور: إناء من صفر أوحجارة كالإجانة، وقد يتوضأ منه. (لسان العرب 6 : 96).
2- في المصدر: فليهرقه.
3- الحج، الآية 78.
4- تهذيب الأحكام 1 : 37، ح100.

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ «النَّوَادِرِ» لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، يَعْنِي: ابْنَ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ويحتمل أن يرجع الاستشهاد بالآية الشريفة إلى بيان طهارة بدن الجنب، وأنّه لو مسّ الجنب الماء ولم تكن عليه نجاسة كالمني لم ينجس الماء، وأنّه لو حكم بنجاسة بدن الجنب او عدم جواز استعمال الماء لكان فيه الحرج، وهو منفي.

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: سند «التهذيب»، وقوله فيه: «عنه»، أي: عن الحسين بن سعيد.

وابن سنان: هو محمد بن سنان؛ لأنّ الحسين بن سعيد يروي كثيراً عن محمد بن سنان، ولا يروي عن عبد الله إلّا في مورد واحد، وقد تقدّم أنّه ثقة على الأقوى.

وابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان.وأبو بصير: هو ليث المرادي.

وقد تقدّمت ترجمتهم جميعاً، والسند معتبر.

ص: 223


1- 1*) كتاب السرائر3 : 596.

[386] 12- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ(1) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي حَائِطٍ لَهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَنَزَحَ دَلْواً لِلْوُضُوءِ مِنْ رَكِيٍّ لَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ قِطْعَةُ عَذِرَةٍ يَابِسَةٍ فَأَكْفَأَ(2) رَأْسَهُ وَتَوَضَّأَ بِالْبَاقِي(3).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى عَذِرَةِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ فَإِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ. وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ، وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاقِي مَا بَقِيَ فِي الْبِئْرِ لَا فِي الدَّلْوِ، وَعَلَى أَنَّ الدَّلْوَ كَانَ كُرّاً وَغَيْرِ ذَلِكَ.

-----------------------------------------------------------------------------

الثاني: سند كتاب «نوادر البزنطي»، وفيه: عبد الكريم بن عمرو الخثعمي: وقد تقدّمت وثاقته((4)

فالسند موثق.

[12] - فقه الحديث:

ظاهر الحديث: أنّ الإمام (علیه السلام) تعامل مع الماء الموجود في الدلو معاملة الماء غير المنفعل بالنجاسة، فتوضّأ منه بعد أن أراق ما في رأس الدلو، فيكون هذا الحديث منافياً للأحاديث السابقة الدالّة على انفعال الماء القليل

ص: 224


1- في الأصل: القاسم بن.
2- أكفأ الشيء: أماله. (لسان العرب 1 : 141).
3- تهذيب الأحكام 1 : 416، ح1313، ورواه في الاستبصار 1 : 42، ح119.
4- - إيضاح الدلائل 2 : 289.

ولو لم يتغيّر، فلذا وجّهه العلماء بعدّة توجيهات لرفع المنافاة بينه وبين ما تقدّم من الأحاديث.

وقد تعرّض المصنّف إلى وجوه من الحمل:

أمّا الحمل على عذرة ما يؤكل لحمه، وأنّ إراقة الإمام (علیه السلام) لما في رأس الدلو كان بسبب الاستقذار لا النجاسة، فهو قريب.

وأمّا الحمل على التقيّة، فمثل سابقه.

وأمّا الحمل على أنّ المراد أنّه (علیه السلام) توضّأ بالباقي - أي: ما بقي في البئر لا ما بقي في الدلو، والباقي في البئر معتصم فلا ينجس وإن كان المراد من العذرة هي عذرة ما لا يؤكل لحمه - فهو حمل بعيد جداً. والجملة ظاهرة في أنّه (علیه السلام) توضّأ بما بقي في الدلو، وإلّا كان المناسب التعبير ب-«فأكفأ الدلو وتوضّأ مما بقي»، أو نحو ذلك.

وأمّا الحمل على كون الدلو كرّاً فهو أيضاً بعيد.

وجوه الحمل في الحدیث الثاني عشر

سند الحديث:

سند الشيخ إلى سعد بن عبد الله القمّي في «المشيخة» عبارة عن طريقين:الأول: الشيخ أبو عبد الله، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله.

والثاني: الشيخ رحمه الله، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن

ص: 225

أبيه، عن سعد بن عبد الله((1)).

والطريقان صحيحان كما لا يخفى.

وأمّا موسى بن الحسن: فقال عنه النجاشي: «موسى بن الحسن بن عامر بن عمران بن عبد الله بن سعد الأشعري القمّي، أبو الحسن، ثقة، عين، جليل. صنّف ثلاثين كتاباً»((2)).

وأمّا عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي: فلم يرد فيه توثيق، قال عنه النجاشي: «عبد الرحمن بن أبي حمّاد، أبو القاسم، كوفي، صيرفي، انتقل إلى قم وسكنها، وهو صاحب دار أحمد بن أبي عبد الله البرقي، رمي بالضعف والغلو. له كتاب»((3)

ويفهم من قوله: «رمي بالضعف والغلو» أنّه لم يتحقّق النسبة، ولم تثبت عنده.

هذا، ولكنّه ثقة؛ لوقوعه في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((4)).

وأمّا بشير: فهو مهمل((5))، ولعله بشير بن سعيد، كما جاء في موضع آخر من «التهذيب»، وروى عنه عبد الرحمن بن حمّاد أيضاً، ولم يرد في حقه

ص: 226


1- - تهذيب الأحكام 10: 73 المشيخة.
2- - رجال النجاشي: 406 / 1078.
3- - المصدر نفسه: 239 / 633.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 226.
5- - لعلّه مصحّف عن ميسر، وهو ميسر بن سعيد القصير الجوهري، فقد روى عنه عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي، كما في المحاسن1 : 254، ح281، إلّا أنّ كتب الرجال لم تذكره. المقرّر.

شيء((1)).

وأمّا أبو مريم الأنصاري: فقال عنه النجاشي: «عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن قيس بن قَهْد، أبو مريم الأنصاري، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ، ثقة. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2))، ووثّقه مرة أخرى ضمن ترجمة أخيه عبد المؤمن بن القاسم((3))، وعدّه الشيخ من أصحاب أبي محمد علي بن الحسين، وأصحاب أبي جعفر، وأصحاب أبي عبد الله (علیهم السلام) ((4)).

والسند وإن كان غير معتبر، ولكن كتاب أبي مريم الأنصاري مشهور، فيمكن تصحيح الحديث بهذا الوجه.

ص: 227


1- - تهذيب الأحكام 3 : 286، باب صلاة العيدين، ح12.
2- - رجال النجاشي: 246 / 649.
3- - المصدر نفسه: 249 / 655.
4- - رجال الطوسي: 118 / 1205، و 140 / 1490، و241 / 3316 .

[387] 13- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَمَامَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا تَطَأُ الْعَذِرَةَ ثُمَّ تَدْخُلُ فِي الْمَاءِ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيراً قَدْرَ كُرٍّ مِنْ مَاءٍ»(1).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ «الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

المراد بالماء هنا هو الماء القليل، فإنّه هو الذي يتصوّر أن تطأ فيه الدجاجة والحمامة وأشباههما. فالنهي عن الوضوء منه بعد العلم بتنجّس أرجل المذكورين دالّ على تنجّسه، وإن كان الجمود على دلالة لفظ النهي هنا فقط لا يكفي لاستفادة النجاسة؛ إذ قد يكون النهي عن الوضوء به تنزيهيّاً وللاستقذار العرفي، أو لمجرد المنع تعبّداً بلا نظر إلى انفعال الماء بالنجاسة أو عدم انفعاله، إلّا أنّه بضم الارتكازات العرفيّة المتشرعيّة تتمدلالة النهي على النجاسة؛ فإنّه من المرتكز عندهم أنّ الوضوء مشترط

ص: 228


1- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1326، ورواه في الاستبصار 1 : 21، ح49، وأورده أيضاً في: الحديث 4 من الباب 9 من هذه الأبواب، ويأتي ذيله في الحديث 1 من الباب 9 من أبواب الأسار، والحديث 1 من الباب 33 من أبواب النجاسات.
2- قرب الإسناد: 178.

بطهارة الماء الذي يتوضأ منه، كما أنّه من المرتكز عندهم سراية القذارة بالملاقاة للقذر في الجملة.

وهذا كلّه يوجب أن يكون السؤال والجواب ناظرين لحيثيّة نجاسة الماء وانفعاله بالقذر. ويؤكّده استثناء الماء الكثير البالغ قدر كرّ من ذلك، فإنّه المناسب للاعتصام في أذهان المتشرعة، فيكون مقابله وهو القليل مناسباً للانفعال.

سند الحديث:

ذكر للحديث سندين:

أولهما: الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر.

أمّا إسناد الشيخ الطوسي إلى محمد بن أحمد بن يحيى فقد تقدّم في الباب الأول من هذه الأبواب في سند الحديث الرابع. وأمّا بقيّة رجال السند فقد تقدّم أنّهم من الثقات، والسند معتبر.

الثاني: سند عبد الله بن جعفر الحميري، عن عبد الله بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر، وقد تقدّم أنّ عبد الله بن الحسن لم يرد في حقّه توثيق في كتب الرجال، لكن يمكن تصحيح السند بوجوه ذكرناها في الجزءالأول من هذا الكتاب((1))، فالسند معتبر.

ص: 229


1- - إيضاح الدلائل 1 : 391.

[388] 14- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَعَهُ إِنَاءَانِ فِيهِمَا مَاءٌ، وَقَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَذَرٌ، لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ، (وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ)(1)، وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ غَيْرِهِمَا؟ قَالَ: «يُهَرِيقُهُمَا جَمِيعاً وَيَتَيَمَّمُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

تقدّم مثله في الحديث الثاني من هذا الباب.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن فضال. والظاهر أنّ ما هنا غلط، والصحيح أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، وذلك لقرائن:

أحدها: أنّه جاء في «التهذيب» هكذا: أحمد بن الحسن بن علي بنفضال((3)).

ص: 230


1- ما بين القوسين ليس في المصدر.
2- تهذيب الأحكام 1 : 248/712، وفي 1 : 407/1281 بسند آخر. وأورده في الحديث 1 من الباب 12 من أبواب الماء المطلق، والحديث 1 من الباب 4 من أبواب التيمّم. وتقدّم مثله عن الكافي في الحديث 2 من الباب 8 من هذه الأبواب.
3- - تهذيب الأحكام 1 : 407، باب التيمم وأحكامه، ح19.

الثانية: أنّ الراوي عن عمرو بن سعيد في طريق الصدوق إلى عمّار الساباطي هو أحمد بن الحسن بن علي بن فضال((1)).

الثالثة: تكرّر ذكره في أسانيد الكتب الأربعة، فجاء بعنوان أحمد بن الحسن بما يبلغ مائتين وسبعين مورداً، وبعنوان أحمد بن الحسن بن علي في ستة وسبعين مورداً، وبعنوان أحمد بن الحسن بن علي بن فضال في مائة وستة وثلاثين مورداً((2)).

الرابعة: أنّ أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن فضال لم يرد لا في كتب الرجال ولا في أسانيد الروايات.

وأمّا أحمد بن الحسن بن علي بن فضال فقد قال النجاشي فيه: «أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن فضال بن عمر بن أيمن، مولى عكرمة بن ربعي الفياض، أبو الحسين. وقيل: أبو عبد الله، يقال : إنه كان فطحياً ، وكان ثقة في الحديث، روى عنه أخوه علي بن الحسن وغيره من الكوفيين»((3)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن فضال بن عمر بن أيمن، مولى عكرمة بن ربعي الفياض، أبو عبد الله. وقيل: أبو الحسين، كان فطحيّاً، غير أنّه ثقة في الحديث. وروى عنه أخوه علي بن

ص: 231


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 422، المشيخة.
2- - معجم رجال الحديث 2 : 70 : 483، 83 : 494، 86 : 496.
3- - رجال النجاشي: 80 / 194.

[389] 15- عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْإِرْبِلِيُّ فِي كِتَابِ «كَشْفِ الْغُمَّةِ»، نَقْلًا مِنْ كِتَابِ «الدَّلَائِلِ» لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُعِدَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) قَالَ لِمُحَمَّدٍ: يَا بُنَيَّ، ابْغِنِي(1) وَضُوءاً، قَالَ: فَقُمْتُ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَالَ: لَا تَبْغِ هَذَا؛ فَإِنَّ فِيهِ شَيْئاً مَيْتاً، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ بِالْمِصْبَاحِ فَإِذَا فِيهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ، فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ غَيْرِهِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحسن وغيره من الكوفيين والقمّيين»((3)). وعدّه في «رجاله» من أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ، ومن أصحاب الإمام العسكري (علیه السلام) ((4)).

كما أنّه ورد في أسانيد كتاب «نوادر الحكمة»((5)).

وأمّا بقيّة رجال السند فقد تقدّم أنّهم من الثقات. والسند موثق.

[15] - فقه الحديث:

قال ابن الأثير: «يقال: ابغني كذا بهمزة الوصل، أي: اطلب لي، وأبغني بهمزة القطع، أي: أعني على الطلب»((6)).

ص: 232


1- ابغني: اطلب لي. (النهاية 1 : 143).
2- كشف الغمة 2 : 321.
3- - فهرست الطوسي: 67 / 72.
4- - رجال الطوسي: 383 / 5646، و 397 / 5825 .
5- - أُصول علم الرجال 1 : 212.
6- - النهاية في غريب الحديث والأثر 1 : 143، مادة: «بغي».

وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ [عَنْ رَجُلٍ](1)1*)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) (2)2*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) (3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

وقال ابن منظور في «لسان العرب»: «ويقال: ابغني كذا وكذا، أي: اطلبه لي، ومعنى ابغني وابغ لي سواء، وإذا قال: أبغني كذا وكذا فمعناه: أعنِّي على بغائه، واطلبه معي»((4)).

ويجوز في قوله (علیه السلام) : «ابغني وضوءاً» الوصل والقطع. والوَضوء - بالفتح -ما يتوضأ به. وإخباره (علیه السلام) بأنّ في الماء شيئاً ميتاً مع الظلمة المحتاجة للمصباح هو من جملة كراماته.

والحديث دالّ على انفعال الماء القليل؛ ولذا رفضه الإمام زين العابدين (علیه السلام) وجاء محمد بغيره((5)).

ص: 233


1- 1*) أثبتناه من بصائر الدرجات للصفار والكافي.
2- 2*) مختصر بصائر الدرجات: 7، ورواه الصفار في بصائر الدرجات: 503، ح11.
3- 3*) الكافي 1 : 389، ح4.
4- - لسان العرب14 : 77، مادة: «بغا».
5- - قد يكون محمد المذكور في هذا الحديث شخصاً آخر غير الإمام الباقر (علیه السلام) ، ويكون إطلاق الابن على غير الحقيقة، فلا يرد: أنّ العلم الذي دلّ الإمام زين العابدين (علیه السلام) يدلّ الإمام الباقر أيضاً. وقد جاء في دلائل الإمامة: 208: «قال: ودعا بوضوء، فقال: إنّ فيه فأرة، فقال بعض القوم: إنّه ليهجر، فقال: هاتوا المصباح، فنظروا فإذا فيه فأرة، فأمر بذلك الماء فأهريق الماء، فأتوه بماء آخر ثم توضأ وصلى، حتى إذا كان آخر الليل توفى صلوات الله عليه». وليس فيه أنّ ابنه الباقر (علیه السلام) هو الذي أتاه بالماء الأول.

شرح الأسانید الثلاثة للحدیث الخامس عشر

سند الحديث:

لهذا الحديث ثلاثة أسانيد:

أولها: سند الإربلي في كتاب «كشف الغمّة»، وفيه: علي بن عيسى الإربلي.

قال الشيخ الحر العاملي في «أمل الآمل»: «الشيخ بهاء الدين، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي. كان عالماً فاضلاً محدِّثاً ثقة شاعراً أديباً منشئاً جامعاً للفضائل والمحاسن، له كتب، منها: كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة، جامع حسن، فرغ من تأليفه سنة 687، وله رسالة الطيف،وديوان شعر، وعدّة رسائل. وله شعر كثير في مدائح الأئمة (علیهم السلام) ، ذكر جملة منها في كشف الغمة»((1))، وقال السيد إعجاز حسين في «كشف الحجب والأستار» في شأن الكتاب ومؤلفه: «كشف الغمة في معرفة الأئمة للعلامة بهاء الملّة والدين أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، المتوفى سنة اثنتين وتسعين وستمائة، جمع فيه أحوال النبي وفاطمة والأئمة (علیهم السلام) ، من مواليدهم ووفياتهم ومناقبهم وفضائلهم ومحاسنهم وكلامهم ومعجزاتهم

ص: 234


1- - أمل الآمل 2 : 195/ 588 .

وغير ذلك. واعتمد في الغالب على كتب الجمهور ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول عند أهل الشعور.

وقد أثنى عليه المخالفون - أيضاً - كصلاح الدين الصفدي في فوات الوفيات((1))، وغيره في غيره»((2))، فلا ريب في وثاقته وجلالته.

وقال المصنّف في خاتمة «الوسائل» عن المؤلف: «كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة تأليف الشيخ الصدوق الجليل علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي»((3))، وذكر طريقه إليه((4))، ولكنّه صرّح بأنّ كتاب الدلائل لعبد اللهبن جعفر الحميري من جملة الكتب المعتمدة التي لم تصل إليه((5))، ولذا فإنّه نقل منها بالواسطة، إلّا أنّ الشأن في هذا السند هو أنّ الحميري لا يمكنه الرواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) بلا واسطة، فالسند مرسل.

ثانيها: سند «بصائر الدرجات»، وقد سقط من أول السند الذي ذكره المصنّف: «محمد بن أحمد»، والسند في «بصائر الدرجات» هكذا: «حدّثنا محمد بن أحمد، عن محمد بن إسماعيل، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عمران، عن رجل، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ». وكيف كان: فالمراد بأحمد بن

ص: 235


1- - كذا في المصدر، والصحيح: الوافي بالوفيات، وقد ذكر الكتبي في مدح الشيخ الإربلي في فوات الوفيات نحواً مما ذكره الصفدي في الوافي. المقرّر.
2- - كشف الحجب والأستار: 467 / 2641 .
3- - وسائل الشيعة 30 : 157، الفائدة الرابعة.
4- - المصدر نفسه 30 : 184، الفائدة الخامسة.
5- - المصدر نفسه 30 : 162، الفائدة الرابعة.

محمد هو: أحمد بن محمد بن عيسى. ومحمد بن إسماعيل هو ابن بزيع كما هنا؛ لأنّ الراوي لكتبه في طريق النجاشي والشيخ والصدوق هو أحمد بن محمد بن عيسى. أضف إلى ذلك كثرة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع. أضف إلى ذلك - أيضاً - تكرّر مثل هذا السند مع التصريح بأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع.

وفيه: أبو عمران: وهو مشترك بين جماعة لم يرد في حقّهم شيء. والسند مرسل أيضاً.

ثالثها: سند الكليني، وفيه: الحسين بن محمد: وهو الحسين بن محمد بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري الثقة، على ما ذكره النجاشي فيترجمة عمّه عبد الله بن عامر، حيث قال: «عبد الله بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري، أبو محمد، شيخ من وجوه أصحابنا، ثقة، له كتاب»((1)

أو الحسين بن محمد بن عمران بن أبي بكر، وقد أسقط النجاشي لفظ «عامر» من نسبه في ترجمته؛ للاختصار((2)).

وفيه: أبو عمارة: ويحتمل أنّه أبو عمران المتقدّم في السند السابق. والسند مرسل أيضاً كسابقيه.

ص: 236


1- - رجال النجاشي: 218 / 750 .
2- - المصدر نفسه: 66 / 156.

[390] 16- عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَخِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ جَرَّةِ(1) مَاءٍ فِيهِ أَلْفُ رِطْلٍ وَقَعَ فِيهِ أُوقِيَّةُ بَوْلٍ، هَلْ يَصْلُحُ شُرْبُهُ أَوِ الْوُضُوءُ مِنْهُ؟ قَالَ: «لَا يَصْلُحُ»(2).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ الْكُرِّ(3) وَالنَّجَاسَاتِ(4) وَالْأَسْآرِ(5)، وَتَعْلِيلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ جِدّاً(6). وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ظَاهِرُهُ الْمُنَافَاةُ(7) ، وَيَأْتِي مَا ظَاهِرُهُ

-----------------------------------------------------------------------------

[16] - فقه الحديث:

لما كان ما في الجرّة من الماء ينقص عن الكر بمائتي رطل بالعراقي كان

ص: 237


1- في المصدر: حب.
2- مسائل علي بن جعفر: 197، ح420.
3- يأتي ما يدلّ عليه في عدّة من الأحاديث من الباب 9 من هذه الأبواب، والحديث 14 من الباب 14 من هذه الأبواب.
4- يأتي ما يدلّ عليه في الحديث 4 من الباب 35، والحديث 6 من الباب 38 من أبواب النجاسات.
5- يأتي ما يدلّ عليه في الباب1، والحديث 3 من الباب2 والأحاديث 2-4 من الباب 4 من أبواب الأسآر.
6- يأتي ما يدلّ عليه في البابين 27 و 28 من أبواب الوضوء، والباب 26، وفي الحديثين 2 و3 من الباب 45 من أبواب الجنابة.
7- تقدّم في الحديث 9 من الباب 1، والأحاديث 1، 3، 4، 6، 7 من الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

ذَلِكَ(1)1*)، وَهُوَ عَامٌّ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ، أَوْ مُطْلَقٌ قَابِلٌ لِلتَّقْيِيدِ، مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى التَّقِيَّةِ، لِمُوَافَقَتِهِ لِمَذَاهِبِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَامَّةِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِ الشِّيعَةِ أَوِ الْمَشْهُورِ بَيْنَهُمْ، وَلَا يُوَافِقُهُ إِلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ، مَعَ مُخَالَفَةِ الِاحْتِيَاطِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

قليلاً، فيأخذ حكمه في الانفعال، ولذا أجاب الإمام (علیه السلام) بأنّه لا يصلح، أي: شربه أو الوضوء منه. وهذا الحديث أوضح في الدلالة على أنّ المدار في التنجّس ليس على التغيّر كما سبق عن المحقّق الهمداني في الحديث الثامن

ص: 238


1- 1*) يأتي في الحديث 9، 10 من الباب 9 من أبواب الماء المطلق.
2- 2*) جاء في هامش المخطوط من الشيخ المصنّف(قدس سره) ما نصه: قال العلامة في التذكرة (1 : 3): الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة، ذهب إليه أكثر علمائنا، ثم نقله عن جماعة من العامة - إلى أن قال: - وقال ابن أبي عقيل منّا: لا فرق بين القليل والكثير في أنّهما لا ينجسان إلّا بالتغيّر، وهو مروي عن ابن عباس، وحذيفة، وأبي هريرة، والحسن، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وابن أبي ليلى، وجابر بن يزيد، وبه قال مالك، والأوزاعي، والثوري، وداود، وابن المنذر (انتهى). وفي آخر الكلام إشارة إلى الترجيح بما في حديث عمر بن حنظلة المشهور. وما توهّمه بعض المعاصرين - من عدم الفرق بين ورود النجاسة على الماء ووروده عليها - يردّه تواتر الأحاديث بالفرق، كما في أحاديث غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء. وقد عرفت التفصيل السابق في حديث سماعة، ويأتي مثله في أحاديث متعدّدة، وقد تضمّنت جميع أحاديث هذا الباب ورود النجاسة على الماء، وجميع أحاديث تطهير(ظ) النجاسات ورود الماء على النجاسة فكيف لا [يفرّق بينهما]. (منه(قدس سره) ).

من الباب؛ لأنّ التغيّر هنا بعيد غايته، فإنّ نسبة الأُوقية من البول لألف رطل من الماء نسبة ضئيلة جدّاً لا تؤثر في تغيّره. فثبت أنّ المدار: على ملاقاة ما دون الكر للنجس، وإن لم يستتبع ذلك التغيّر.

سند الحديث:

مرّ أنّ للشيخ الطوسي طريقاً معتبراً إلى «كتاب علي بن جعفر»((1)

والسند صحيح.

والحاصل: أنّ في الباب ستة عشر حديثاً: الأول والخامس والسابع والسادس عشر صحاح، والتاسع والعاشر والحادي عشر والرابع عشر موثقة، والخامس عشر ضعيف، والبقيّة معتبرة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من الباب أُمور، منها:

1- أنّ الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة كالدم والمني ونحوهما وإن لم يتغيّر بصفات النجاسة، فليس المدار فيه على التغيّر.

2- إذا عُلمت الملاقاة بين الماء القليل والنجاسة ترتّبت أحكام الماءالمتنجّس من عدم جواز شربه أو استعماله في الطهارة، ولا يختلف الحال في هذه الملاقاة بين أن يكون سببها الإنسان أو الحيوان أو غيرهما، وأمّا إذا شُك فيها لم تترتّب تلك الأحكام.

3- إذا علم بوقوع النجاسة في أحد الإناءين لزم الاجتناب عنهما، فإذا لم

ص: 239


1- - إيضاح الدلائل 1 : 395.

يكن له ماء آخر وجب عليه التيمّم، ولا يجب إهراقهما؛ تعبّداً، والأمر بالإهراق إرشاد إلى عدم صلاحيتهما للاستعمال فيما تشترط فيه الطهارة.

4- إذا كان بدن المجنب خالياً عن النجاسات فملاقاته للماء القليل لا يوجب انفعاله؛ لأنّ حدث الجنابة لا يوجب نجاسة المجنب.

5- من جملة الأحكام الامتنانيّة: رفع لزوم الطهارة المائيّة إذا انفعل الماء بالنجاسة، والانتقال إلى الطهارة الترابيّة، وكذا الحكم بطهارة بدن المجنب إذا لم تكن عليه نجاسة.

ص: 240

9- باب عدم نجاسة الكر من الماء الراكد بملاقاة النجاسة بدون التغيير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

9- باب عدم نجاسة الكر من الماء الراكد بملاقاة النجاسة بدون التغيير

شرح الباب:

بعد أن ظهر الحكم في الماء القليل، وأنّه ينفعل بملاقاة النجاسة والمتنجّس حتى لو لم يتغيّر بصفاتها، يأتي الكلام في الحدّ الذي يكون فيه الماء معصوماً عن الانفعال بالنجاسة والمتنجّس بلا تغيّر، فعقد المصنّف هذا الباب لبيان أنّ ما وصل لمقدار الكر من الماء لا ينفعل بمجرّد الملاقاة وعدم التغيّر، فالمعيار هو الوصول إلى هذا الحدّ.

أقوال الخاصّة:

لا خلاف بين فقهاء الإماميّة في أنّ الماء إذا بلغ قدر كرّ لا يتنجّس بملاقاة شيء من النجاسات والمتنجّسات ما لم يطرأ عليه التغيّر في أحد أوصافه الثلاثة، وادّعى في «الجواهر» الإجماع عليه محصّلاً ومنقولاً، بل السنة التي كادت تكون متواترة((1)). وقال الصدوق في «الأمالي» بأنّ ذلك من

ص: 241


1- - جواهر الكلام 1 : 154.

دين الإماميّة((1)).

وكرّية الماء هي المعيار في الكثرة الواردة في النصوص وكلمات الفقهاء التي هي موضوع بعض الأحكام، فالمراد من الكثير في كلماتهم وفي النصوص هو الكر؛ جمعاً بين الأدلّة كما سيتّضح.

ولكنّ المنسوب للشيخ المفيد وسلّار استثناء ما في الأحواض والأواني((2))، فحكما بنجاسة الماء حتى مع الكثرة.

ووجهه غير واضح بعد عموم كثير من النصوص الواردة في الكر، وظهورها في أنّ المدار في الانفعال بالنجاسة وعدمه على كمّية الماء من دون دخل لمحلّه في ذلك.

أقوال العامّة:

لاخلاف بينهم - أيضاً - في أنّ الماء المقابل للقليل لا ينجس بدون تغيّر بما يلاقيه من النجاسات، واختلفوا في مقدار الماء الذي يقابل القليل، قال في «المغني»: «وإذا كان الماء قُلّتين وهو خمس قرب، فوقعت فيه نجاسة، فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة، فهو طاهر. القُلّة هي الجرَّة ... والمراد بها هاهنا قُلَّتان من قلال هجر، وهما خمس قرب، كل قربة مائة رطلبالعراقي، فتكون القُلَّتان خمسمائة رطل بالعراقي. هذا ظاهر المذهب عند

ص: 242


1- - الأمالي: 744 المجلس الثالث والتسعون.
2- - المقنعة: 64، والمراسم العلوية: 36.

أصحابنا، وهو مذهب الشافعي؛ لأنّه روي عن ابن جريج أنّه قال: رأيت قلال هجر القُلَّة تسع قربتين أو قربتين وشيئاً والاحتياط أن يجعل قربتين ونصفاً .... قد دلّت هذه المسألة بصريحها على أنّ ما بلغ القُلَّتين فلم يتغيّر بما وقع فيه لا ينجس، وبمفهومها على أنّ ما تغيّر بالنجاسة نجس وإن كثر، وأنّ ما دون القُلَّتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغيّر. فأمّا نجاسة ما تغيّر بالنجاسة فلا خلاف فيه»((1)).

وفي «المجموع»: «إذا وقع في الماء الراكد نجاسة ولم تغيّره، فحكى ابن المنذر وغيره فيها سبعة مذاهب للعلماء:

الأول: إن كان قُلَّتين فأكثر لم ينجس، وإن كان دون قُلَّتين نجس. وهذا مذهبنا ومذهب ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد وأحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه.

الثاني: أنّه إن بلغ أربعين قُلَّة لم ينجّسه شيء. حكوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومحمد بن المنكدر.

الثالث: إن كان كرّاً لم ينجّسه شيء. روي عن مسروق وابن سيرين.

الرابع: إذا بلغ ذنوبين لم ينجس. روي عن ابن عباس في رواية. وقال عكرمة: ذنوباً أو ذنوبين.

الخامس: إن كان أربعين دلواً لم ينجس. روي عن أبي هريرة.

السادس: إذا كان بحيث لو حرّك جانبه تحرّك الجانب الآخر نجس،

ص: 243


1- - المغني 1 : 23 - 24.

وإلّا فلا، وهو مذهب أبي حنيفة.

السابع: لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلّا بالتغيّر. حكوه عن ابن عباس وابن المسيّب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، قال أصحابنا: وهو مذهب مالك والأوزاعي وسفيان الثوري وداود، ونقلوه عن أبي هريرة والنخعي، قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول. واختاره الغزالي في الإحياء، واختاره الروياني في كتابيه البحر والحلية. قال في البحر: هو اختياري واختيار جماعة رأيتهم بخراسان والعراق. وهذا المذهب أصحّها بعد مذهبنا»((1)).

ص: 244


1- - المجموع 1 : 112 - 113.

[391] 1 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : وَسُئِلَ عَنِ الْمَاءِ تَبُولُ فِيهِ الدَّوَابُّ وَتَلَغُ فِيهِ الْكِلَابُ وَيَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيَّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3)، وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

الدواب: جمع دابة، قال في «القاموس»: «دَبَّ يدِبُّ دَبَّاً ودَبِيباً: مشى على هِينَتِه ،... والدابَّ: ما دَبَّ من الحيوان، وغلب على ما يرُكب، ويقع على المذكّر»((5)).

والدواب في الحديث عام يشمل غير مأكول اللحم، وربَّما يستدل بهذا

ص: 245


1- تهذيب الأحكام 1 : 39، ح107، و 226، ح651.
2- الكافي 3 : 2، ح2.
3- الاستبصار 1 : 6، ح1، و 20، ح45.
4- من لا يحضره الفقيه 1 : 8، ح12.
5- - القاموس المحيط 1 : 64.

العموم وغيره على نجاسة بول الدواب. وسيأتي الكلام فيه في محلّه.

حكم الماء الذي تبول فیة الدواب و تلغ فیه الكلاب و یغتسل فیه الجنب

والولوغ يطلق على شرب السباع، قال في «القاموس»: «وَلَغ الكلب في الإناء، وفي الشراب ، ومنه، وبه، يَلَغ، كيهب ويالَغ، وولِغ، كورث ووجل ... : شرب ما فيه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحرَّكه، خاصّ بالسباع»((1)).

والكلاب: جمع الكلب، قال ابن منظور: «الكلب: كل سبع عقور. وفي الحديث: أما تخاف أن يأكلك كلب الله؟ فجاء الأسد ليلاً فاقتلع هامته من بين أصحابه. والكلب معروف، واحد الكلاب، قال ابن سيده: وقد غلب الكلب على هذا النوع النابح، وربَّما وصف به، يقال: امرأة كلبة، والجمع أكلب، وأكالب جمع الجمع، والكثير كلاب»((2)).

والسؤال: عن حال الماء الذي تبول فيه الدواب مأكولة اللحم وغيرها، وتشرب منه الكلاب والسباع، ويغتسل فيه الجنب الذي قد يكون على بدنه النجاسة، فأجاب (علیه السلام) : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء».

وقد دلّ بمنطوقه على أنّ الماء إذا بلغت كميته كرّاً صار معتصماً ولم ينجّسه شيء من النجاسات؛ لأنّه من الوضوح بمكان عدم إرادة الأشياء الأجنبية عن التنجيس من لفظة الشي ء.

كما دلّ بمفهومه على أنّه إذا لم يكن الماء كرّاً ينجّسه شي ء، ولا يمكن أن يحمل على التنجيس بالتغيّر؛ لأنّه لا يبقى فرق حينئذٍ بين الكر وغيره؛

ص: 246


1- - القاموس المحيط 3 : 115.
2- - لسان العرب 1 : 722، مادة: «كلب».

لأنّ الكر أيضاً إنَّما ينجس بالتغيّر، فلا بد من حمله على التنجيس بالملاقاة في الجملة، فيكون ردّاً على ابن أبي عقيل القائل بعدم نجاسة القليل إلّا بالتغيّر، ولمّا لم يفرّق أحد بين أفراد النجاسات إلّا في بعض الأفراد النادرة كما لا يدركه الطرف من الدم، أو الميتة غير المتفسّخة، فيجب الحكم بالتنجيس بمقتضى هذا الحديث فيما عدا المواضع المختلف فيها لئلّا يلزم خرق الإجماع المركّب.

فالحديث يدلّ على الفرق بين الكر وغيره بالانفعال وعدمه. وذِكرُ الإمام (علیه السلام) لعنوان الكر يدلّ على مدخليّته في الاعتصام، وأنّ الاعتصام ليس من لوازم ذات الماء، ولما كانت الكثرة مناسبة للاعتصام فالتعرّض لها ظاهر في دخلها فيه.

سند الحديث:

أورد المصنف للحديث أربعة طرق:

أولها: سند الشيخ الطوسي في «التهذيب»، وفيه: أبو أيوب: وهو إبراهيم بن عيسى الخزّاز، وقد تقدّم توثيقه، وكذا بقيّة رجاله، والسند صحيح.

ثانيها: سند الشيخ الكليني، وهو كسابقه في الصحّة.

ثالثها: سند الشيخ الطوسي أيضاً في «الاستبصار»، وقد تقدّم الكلام فيإسناده إلى أحمد بن محمد((1))، وذكرنا أنّه معتبر.

ص: 247


1- - تقدّم في سند الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من أبواب الماء المطلق.

[392] 2 - وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

رابعها: ما عن الصدوق في «الفقيه» مرسلاً، وهو معتبر بناء على قبول شهادة الشيخ الصدوق في أحاديث كتابه.

[2] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه. والفرق بينهما في أنّ الأول كان جواباً عن سؤال، وأمّا هذا فهو ابتداء من الإمام (علیه السلام) .

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند صحيح.

ورواه في «التهذيب» بسند آخر، وهو: أخبرني الشيخ أيده الله تعالى، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه،عن حماد بن عيسى جميعاً، عن معاوية بن عمار، وهو مكوّن من سندين، وكلاهما معتبر.

ص: 248


1- الاستبصار 1 : 6، ح2، ورواه في تهذيب الأحكام 1 : 40 ، ح109 بسند آخر.

[393] 3 - وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَلَا تَشْرَبْ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَوْضاً كَبِيراً يُسْتَقَى مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

السؤر: قال في «لسان العرب»: «السؤر بقيّة الشيء، وجمعه أسآر»((2)).

وفي «القاموس»: «السؤر بالضم: البقيّة والفضلة»((3)).

الحديث نصّ في النهي عن شرب سؤر الكلب، وما ذلك إلّا لنجاسة ما يلاقيه الكلب، فالملاقاة للنجاسة صارت سبباً للمنع عن استعمال الماء في الشرب، وتلحق به جميع موارد ما يشترط فيه الطهارة. واستثنى صورة كون السؤر في حوض كبير موصوف بأنّه يستقى منه للزرع والحيوانات وغير ذلك، فإنّه لا مانع حينئذٍ من استعماله. والاستقاء قرينة على أنّ المراد بالحوض الكبير هو الحوض المحتوي على الماء البالغ كرّاً، بل ما يزيد عليه، فلا ينجس بملاقاة النجس؛ لكون الكرّية عاصمة. وهذه الملاقاة غيرمغيّرة للماء؛ لأنّ شرب الكلب من حوض كبير لا يوجب تغيّره عادة، فهذا

ص: 249


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح650، ويأتي تمامه في الحديث 7 من الباب 1 من أبواب الأسآر.
2- - لسان العرب 4 : 339، مادة: «سأر».
3- - القاموس المحيط 2 : 43، فصل السين.

[394] 4 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَمَامَةِ وَأَشْبَاهِهِمَا تَطَأُ الْعَذِرَةَ ثُمَّ تَدْخُلُ فِي الْمَاءِ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيراً قَدْرَ كُرٍّ مِنْ مَاءٍ»(1).

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحديث مختصّ - مورداً - بالملاقاة غير المغيّرة للماء.

وقد دلّ الحديث بمفهومه على انحصار الماء المعتصم بالكر.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند موثّق. كما أنّ كتاب سماعة بن مهران مشهور فلا يحتاج إلى ملاحظة الطريق.

[4] - فقه الحديث:

قال في «لسان العرب»: «العذرة: الغائط الذي هو السلح. وفي حديث ابن

ص: 250


1- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1326، وتقدّم في الحديث 13 من الباب السابق، ويأتي ذيله في الحديث 1 من الباب 9 من أبواب الأسآر، وفي الحديث 1 من الباب 33 من أبواب النجاسات.
2- مسائل علي بن جعفر: 193، ح403.

عمر: أنّه كره السلت الذي يزرع بالعذرة، يريد الغائط الذي يلقيه الإنسان.

والعذرة: فناء الدار، وفي حديث عليٍّ: أنّه عاتب قوماً، فقال: ما لكم لا تنظفون عذراتكم؟ أي: أفنيتكم. وفي الحديث: إنّ الله نظيف يحب النظافة، فنظفوا عذراتكم ولا تشبّهوا باليهود ... وقيل: العذرة أصلها فناء الدار، وإيّاها أراد علي رضي الله عنه، بقوله.

قال أبو عبيد: وإنَّما سميت عذرات الناس بهذا؛ لأنَّها كانت تُلقى بالأفنية، فكني عنها باسم الفناء كما كني بالغائط - وهي الأرض المطمئنة - عنها»((1)).

والسؤال عن الوضوء بالماء الذي لاقى العذرة، وأجاب (علیه السلام) بعدم جواز الوضوء منه؛ والسبب في ذلك أنّه قد ينفعل بالنجاسة الواردة عليه، لكنّ هذا الماء إذا كان كثيراً ومقداره كرّ فإنّه يجوز الوضوء منه؛ لعدم انفعاله. فقد دلّ الحديث بمفهومه على انحصار الماء المعتصم بالكر.

سند الحديث:

ذكر المصنف سندين للحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد تقدّم الكلام في إسناد الشيخ إلىمحمد بن أحمد، وكذا في رجال السند، والسند صحيح.

الثاني: علي بن جعفر في كتابه، وهو أيضاً صحيح.

ص: 251


1- - لسان العرب 4 : 554 مادة «عذر».

[395] 5 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، يَعْنِي: ابْنَ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الْغَدِيرُ فِيهِ مَاءٌ مُجْتَمِعٌ، تَبُولُ فِيهِ الدَّوَابُّ، وَتَلَغُ فِيهِ الْكِلَابُ، وَيَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث الأول، والغدير - كما في «اللسان» - : «ليس بمحبس للماء، إنَّما هو القطعة من الماء يغادرها السيل، أي: يتركها»((2)

ولا يتوهّم أنّ الغدير هنا جارٍ؛ لأنّ السائل قال: فيه ماء مجتمع، وهذه قرينة على عدم جريانه.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند صحيح.

ص: 252


1- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1308، والاستبصار 1 : 11، ح17، وأورد ذيله في الحديث3 من الباب 11 من هذه الأبواب.
2- - لسان العرب 8 : 120 مادة: «رجع».

[396] 6 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى جَمِيعاً، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث الثاني، فهما يشتركان في المتن، ولا يبعد أن يكونا حديثاً واحداً له أكثر من سند.

سند الحديث:

ذكر المصنف ثلاثة أسانيد للحديث:

الأول: سند الكليني: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار. وفيه: محمد بن إسماعيل: وهو البندقي، وقد تقدّم أنّه لم يرد فيه توثيق، إلّا أنّ روايات الفضل بن شاذان التي يرويها الكليني والشيخ معتبرة؛ لوجود طريق آخر صحيح للكليني. كما أنّ للشيخ طرقاً متعدّدة في «الفهرست» و«المشيخة» تصل إلى ثمانية طرق،

ص: 253


1- الكافي 3 : 2، ح1.
2- تهذيب الأحكام 1 : 40، ح109.

وبعضها صحيح((1)).

وقد مرّ الكلام في بقيّة رجاله، فهذا السند معتبر.

الثاني: سند الكليني - أيضاً - : عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن معاوية بن عمار.

وقد مرّ الكلام في رجاله، فهذا السند أيضاً معتبر.

الثالث: سند الشيخ إلى محمّد بن يعقوب، وقد مضى((2))، وهو معتبر كسابقيه.

ص: 254


1- - أُصول علم الرجال 2 : 448 - 458.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 82.

[397] 7 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ ءٌ؟ فَقَالَ: «كُرٌّ»، قُلْتُ: وَمَا الْكُرُّ؟(1) قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على مفروغيّة الحكم باعتصام الماء الكثير في ذهن السائل، وكان السؤال عن المقدار الشرعي للماء الكثير المعتصم الذي لا ينجّسه شيء من النجاسات، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّه ما بلغ كرّاً، فسأل الراوي عن حدّ الكر وكمّيته، فأجابه (علیه السلام) بأنّه ما بلغ مقداره بالأشبار: ثلاثة أشبار في ثلاثة. وسيأتي الكلام فيه في الباب اللاحق، إن شاء الله تعالى.

ص: 255


1- في تهذيب الأحكام: وكم الكر. (منه(قدس سره) ).
2- الكافي 3 : 3، ح7.
3- تهذيب الأحكام 1 : 41، ح115.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد للحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه : ابن سنان: وهو مشترك بين عبد الله ومحمد. فإن كان هو الأول - كما يأتي في السند الثاني لهذا الحديث - فهو ثقة كما تقدّم، وإن كان الثاني فهو أيضاً ثقة كما حقّقناه في كتابنا أُصول علم الرجال((1))، إلّا أنّ صاحب «المنتقى» ذكر أنّه يتعيّن في محمّد بن سنان كما يقتضيه حكم الممارسة للأسانيد، وذكر أنّ: «الظاهر أنّ هذا - أي: سند الكليني - صورة ما وقع في رواية البرقي له. والتعيّن - أي: في عبد الله أو في محمّد - من تصرّف الراوين عنه، فأخطأ فيه المخطئ، وأصاب المصيب»((2))، وقد مرّ ذكر بقيّة رجال السند، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ، وفيه: أحمد بن محمّد بن الحسن: وهو وإن كان شيخاً للشيخ المفيد وكثير الرواية، إلّا أنّه لم يرد فيه توثيق، كما سبق((3))، إلّا أنّ للشيخ الطوسي طريقين معتبرين إلى جميع روايات أبيه، وكذا للشيخ الصدوق طريق صحيح إلى أبيه، وعلى هذا: فلا إشكال من هذه الجهة في اعتبار السند إلى الأب.

وأمّا محمّد بن يحيى: فهو العطار. ومحمّد بن أحمد بن يحيى: هو

ص: 256


1- - أُصول علم الرجال 2 : 402 - 420.
2- - منتقى الجمان 1 : 51.
3- - إيضاح الدلائل 1 : 218.

[398] 8 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الرَّكِيِّ كُرّاً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ»، قُلْتُ: وَكَمِ الْكُرُّ؟ قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ وَنِصْفٌ عُمْقُهَا، فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ وَنِصْفٍ عَرْضِهَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأشعري القمّي صاحب كتاب «نوادر الحكمة». وأحمد بن محمّد: هو ابن عيسى الأشعري، وكلّهم ثقات تقدّمت ترجمتهم، والسند معتبر.

الثالث: سند الشيخ أيضاً، وقد مرّ الكلام في رجاله، فهذا السند أيضاً معتبر.

[8] - فقه الحديث:

قال في «لسان العرب»: «الركي: جنس للركية، وهي البئر»((2)).

دلّ الحديث على عدم انفعال الماء في الركي - وهي الآبار - إذا بلغ كرّاً. وسيأتي: أنّ ماء البئر معتصم في حد نفسه وإن لم يكن كرّاً؛ ولذا قال شيخ الطائفة في «التهذيب» بعد نقله لهذا الحديث: «قد بيّنا: أنّ حكم الآبار مفارق لحكم الغدران، وأنّها تنجس بما يقع فيها، وتطهر بنزح شيء منها،سواء كان الماء فيها قليلاً أو كثيراً. والوجه في هذا الخبر أن نحمله على

ص: 257


1- الكافي 3 : 2، ح4.
2- - لسان العرب 14 : 333، مادة: «ركا».

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ(1)1*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمُخَالَفَةِ حُكْمِ الْبِئْرِ لِحُكْمِ الْغَدِيرِ. وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْبِئْرِ غَيْرَ نَابِعٍ؛ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبِئْرِ عُرْفاً وَإِنْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ شَرْعاً؛ لِمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ(2)2*)، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ أَيْضاً.

-----------------------------------------------------------------------------

ضرب من التقيّة؛ لأنّه موافق لمذهب بعض العامّة خاصة»((3)).

أقول: يظهر هذا المذهب للشافعي في كتابه «الأُم»((4)).

وأمّا الحمل على أنّ هذا البئر غير نابع، ومعناه: أنّه ليس له مادّة تمدّه، فالماء فيه ماء راكد، فهو بئر عند العرف لا عند الشرع. فإذا كان أقل من كرّفإنّه ينفعل بالنجاسة كغيره من المياه. فهذا حمل جيّد يلتئم به مدلول هذا الحديث مع بقيّة أحاديث الباب وغيره.

وأمّا بالنسبة لتحديد الكر في هذا الحديث فالذي يظهر من حال

ص: 258


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 408، ح1282، والاستبصار 1 : 33، ح88، إلّا أنّ فيه زيادة في بعض نسخه «ثلاثة أشبار ونصف طولها»، لكن لم ترد في النسخة المخطوطة بخط والد الشيخ محمد بن المشهدي صاحب المزار المصحّحة على نسخة المصنف الطوسي. (كذا في هامش الاستبصار).
2- 2*) يأتي في الباب 14 من هذه الأبواب.
3- - تهذيب الأحكام 1 : 408، باب المياه وأحكامها، ح1.
4- - الأُم 7 : 173.

الأصحاب الاعتماد عليه في تحديد الكر.

بحث رجالي حول الحسن بن صالح الثوري

سند الحديث:

ذكر المصنف طريقين:

الأول: سند الكليني، وفيه: الحسن بن صالح الثوري: قال النجاشي: «الحسن بن صالح الأحول، كوفي، له كتاب تختلف (يختلف) روايته»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «الحسن بن صالح بن حي، له أصل»((2)).

وقال في «رجاله» في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) : «الحسن بن صالح بن حي الهمداني، الثوري، الكوفي، صاحب المقالة، زيدي، إليه تنسب الصالحيّة منهم»((3)).

وقال في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) : «الحسن بن صالح بن حي، أبو عبد الله الثوري، الهمداني، أسند عنه»((4)).كما علّق على حديث في «التهذيب» بقوله: «والراوي له: الحسن بن صالح، وهو زيدي بتري، متروك العمل بما يختصّ بروايته»((5)).

وقد نصّ الكشي على كونه من رؤساء البتريّة عند بيان تلك الفرقة بعد

ص: 259


1- - رجال النجاشي: 50 / 107.
2- - فهرست الطوسي: 100 / 176.
3- - رجال الطوسي: 130 / 1327.
4- - المصدر نفسه: 180 / 2150.
5- - تهذيب الأحكام 1 : 408، باب المياه وأحكامها، ح1.

ترجمة أبي الضبار، فقال: «حدّثني سعد بن جناح (صباح) الكشّي، قال: حدّثنا علي بن محمد، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن فضيل، عن أبي عمرو سعد الجلاب، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال : لو أنّ البتريّة صف واحد ما بين المشرق إلى المغرب، ما أعزّ الله بهم دنيا. والبتريّة: هم أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحداد، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي (علیه السلام) ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهما إمامتهما، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب، يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي بن أبي طالب (علیه السلام) عند خروجه الإمامة»((1)).

والظاهر اتحاد ما ذكره النجاشي مع ما ذكره الشيخ، كما ذكره السيد الأُستاذ (رحمه الله) ؛ وذلك لأنّ من البعيد «أن لا يتعرّض النجاشي له، مع تعرّضالشيخ له، واهتمام النجاشي بذكر أرباب الكتب، على أنّ الأحول لو كان غير ابن حي، وله كتاب لذكرت - ولا أقل - رواية واحدة عنه، مع أنّها غير موجودة، فبذلك يثبت: أنّ الأحول هو ابن حي بعينه، ذكره الشيخ بنسبه، وذكره النجاشي بلقبه. وإن كان يبعده أنّ العباس بن معروف الذي هو راوٍ لكتاب الأحول - مع كثرة روايته - لم يرو عنه ولا رواية واحدة»((2)).

ص: 260


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 499.
2- - معجم رجال الحديث 5 : 353.

[399] 9 - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنِ الْمَاءِ السَّاكِنِ تَكُونُ فِيهِ الْجِيفَةُ؟ قَالَ: «يُتَوَضَّأُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْ جَانِبِ الْجِيفَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّه لم يوثّق، فلا يكون السند معتبراً، إلّا على القول باعتبار ما في «الكافي»، أو وجود الحسن بن محبوب الذي هو أحد أصحاب الإجماع في السند.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد حقّقنا اعتبار سنده إلى أحمد بن محمّد((2))، ومضى الكلام في بقيّة رجال السند، فالسند كسابقه.

[9] - فقه الحديث:

يحتمل أن يراد بالماء الساكن - المذكور في السؤال - الماء القليل، فيكون هذا الحديث دليلاً لمن ذهب إلى عدم تنجّس الماء القليل بدون تغيّر، ولمن لا يقول بنجاسة الماء إذا لم تتفسّخ الميتة فيه، هذا.

ولكن يمكن أن يحمل الماء الساكن على قدر الكر؛ جمعاً بين الأخبار، ويكون ما تضمّنه الحديث من الأمر بالوضوء من الجانب الذي ليس فيه الميتة محمولاً على الاستحباب؛ لأنّ ماء الوضوء ينبغي أن يكون نظيفاً خالصاً ممّا تنفر منه الطباع البشرية؛ لأنّ النفس تستقذر الماء الذي تجاوره

ص: 261


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 12، ح21 .
2- - في الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من أبواب الماء المطلق.

[400] 10 - قَالَ: وَأَتَى أَهْلُ الْبَادِيَةِ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ حِيَاضَنَا هَذِهِ تَرِدُهَا السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ وَالْبَهَائِمُ؟ فَقَالَ لَهُمْ(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لَهَا مَا أَخَذَتْ أَفْوَاهُهَا وَلَكُمْ سَائِرُ ذَلِكَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) : «أَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) أَتَى الْمَاءَ فَأَتَاهُ أَهْلُ الْمَاءِ فَقَالُوا...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الجيفة وتعافه، وإن كان محكوماً بالطهارة. وإمّا أن يكون محمولاً على الوجوب؛ لأنّ ما لاقى الجيفة من الماء الكثير قد تغيّر بها، فلا يجوز الوضوء منه، والجانب الآخر لم يتغيّر، فيلزم الوضوء منه.

سند الحديث:

هو من مراسيل الصدوق في «الفقيه»، فيكون الحديث معتبراً؛ بناء على اعتبار مراسيل الصدوق في «الفقيه».

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على اعتصام الحياض - بناء على كونها كرّاً فأكثر غالباً - فلا تنجس بملاقاة عين النجاسة كالكلاب، وعلى فرض إطلاق الحديث

ص: 262


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 8، ح10.
2- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1307.

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بُلُوغِ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحِيَاضَ لَا تَنْقُصُ عَنِ الْكُرِّ، بَلْ تَزِيدُ عَلَيْهِ غَالِباً، وَلِمَا مَضَى(1)1*)، وَيَأْتِي(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وشموله لما هو أقل من الكر لابد من حمله عليه؛ جمعاً بين الأحاديث.

سند الحديث:

نقل المصنّف هذا الحديث بنحوين:الأول: عن «الفقيه» مرسلاً، فيبنى اعتباره على اعتبار مراسيل «الفقيه».

الثاني: عن الشيخ في «التهذيب»، وقد مضى أنّ للشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب أربعة طرق، ثلاثة منها معتبرة((3)).

ومحمد بن الحسين: هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب.

وأمّا موسى بن عيسى: فلعلّه موسى بن عيسى اليعقوبي، وهو مجهول. نعم، ورد في كتاب ««نوادر الحكمة»((4)

فيكون ثقة.

وأمّا محمّد بن سعيد: فالظاهر أنّه محمّد بن سعيد بن غزوان الذي يروي عن السكوني، قال النجاشي: «له كتاب»((5))، وعدّه الشيخ في «رجاله»

ص: 263


1- 1*) تقدّم في الأحاديث 1 - 7 من هذا الباب.
2- 2*) يأتي في الحديثين 11، 12 من هذا الباب.
3- - إيضاح الدلائل 1 : 405.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 241.
5- - رجال النجاشي: 372 / 1017.

[401] 11 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ - يَعْنِي: الْبَرْمَكِيَّ - ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَسْأَلُهُ، فَابْتَدَأَنِي فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَسَلْ يَا شِهَابُ، وَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْنَاكَ بِمَا جِئْتَ لَهُ»، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي، قَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْغَدِيرِ يَكُونُ فِي جَانِبِهِ الْجِيفَةُ أَتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ لَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «تَوَضَّأْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، إِلَّا أَنْ

-----------------------------------------------------------------------------

من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ((1))، فلم يرد فيه شيء، إلّا أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((2))، و«تفسير القمّي»((3)).

وأمّا إسماعيل بن مسلم: فهو السكوني، وقد تقدّم. فهذا السند معتبر.

[11] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جملة دلائل الإمام الصادق (علیه السلام) وإخباره بما في النفس، ومضمونه مرّ قريباً، فإنّه (علیه السلام) بعدما أباح التوضي من الغدير الذي يكون في جانبه الجيفة قيّد ذلك بكونه من الجانب الذي ليس فيه الجيفة. هذا إذا لم يتغيّر الماء برائحتها.

ثم ذكر (علیه السلام) بعد ذلك إباحة الوضوء من الماء الراكد البالغ كرّاً، الذي

ص: 264


1- - رجال الطوسي: 145 / 1595.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 237.
3- - المصدر نفسه 1 : 286.

يَغْلِبَ (الْمَاءَ الرِّيحُ فَيُنْتِنَ)(1)، وَجِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ (مِنَ الْكُرِّ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَغَيُّرٌ أَوْ رِيحٌ غَالِبَةٌ، قُلْتُ: فَمَا التَّغَيُّرُ)(2)؟ قَالَ:الصُّفْرَةُ. فَتَوَضَّأْ مِنْهُ. وَكُلُّ مَا غَلَبَ [عَلَيْهِ](3) كَثْرَةُ الْمَاءِ فَهُوَ طَاهِرٌ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

لم يتغيّر بالنجاسة. وذكر خصوص الصفرة في بيان ماهيّة التغيّر الذي يمنع من الاستفادة من الماء؛ لبيان اللون الحاصل من الجيفة؛ فإنّ الصفرة ليست من ألوان الجيفة، وإنّما هي لون حاصل من طول مكثها في الماء بتأثيرها فيه. وكذا بمكثها أزيد من هذا المقدار يحصل فيه لون الشقرة، ولا يزال ينكدر لونه بطول المكث حتى يضرب شقرته إلى الكدرة أو السواد.

وقوله (علیه السلام) : «وكل ما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر» ظاهر في أنّ المناط في عدم الانفعال غلبة كثرة الماء.

سند الحديث:

مرّ الكلام في رجاله، فهذا السند صحيح.

ص: 265


1- وفيه: على الماء الريح.
2- في المصدر بدل ما بين القوسين هكذا: من البئر؟ قال: فما لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة، قلت: فما التغيير؟
3- أثبتناه من المصدر.
4- بصائر الدرجات: 258، ح13، وأورده في الحديث 6 من الباب 9 من أبواب الماء المضاف، وفي الحديث 2 من الباب 45 من أبواب الجنابة.

[402] 12 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَمَّالِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي مَا بَيْنَ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ(1) تَرِدُهَا السِّبَاعُ، وَتَلَغُ فِيهَا الْكِلَابُ، وَتَشْرَبُ مِنْهَا الْحَمِيرُ، وَيَغْتَسِلُ فِيهَا(2) الْجُنُبُ، وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: «وَكَمْ قَدْرُ الْمَاءِ؟» قَالَ: إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَإِلَى الرُّكْبَةِ، فَقَالَ: «تَوَضَّأْ مِنْهُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

الاستدلال بالحدیث الثاني عشر علی نجاسة بول الدواب و مناقشته

[12] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على اعتصام الماء الراكد الكثير الذي ترده النجاسات، فقد حدّد الراوي كمّية الماء وأنّها تصل إلى نصف الساق أو إلى الركبة مما يفيد أنّ الماء كثير، وإن لم يصرح في الحديث بالكثرة، إلّا أنّ هذا التحديد من الراوي يفيدها بلا ريب. ولما كانت الكثرة مناسبة للاعتصام أمر الإمام (علیه السلام) بالوضوء منه.

وربَّما يستدل به على نجاسة بول الدواب كما ذهب إليه بعضهم((4))؛لتقريره (علیه السلام) السائل عليه، إلّا أنّ التقرير إنَّما يتمّ لو ظهر أنّ السائل توهّم

ص: 266


1- في نسخة: والمدينة. (منه(قدس سره) ).
2- في المصدر: منها.
3- تهذيب الأحكام 1 : 417، ح1317، ورواه في الاستبصار 1 : 22، ح54، والكافي 3 : 4، ح7.
4- - المبسوط 1 : 36، ومختلف الشيعة 1 : 457.

النجاسة، ولعلّه يكون غرض السائل أنّه ماء في حياض في الطريق تردها الحيوانات الطاهرة والنجسة، فما هو حكم التوضؤ منها؟ وهذا شائع في الاستعمالات. وهذا السؤال من قبيله، فلا دليل على أنّ السائل كان يعتقد نجاسة بول الدواب حتى يكون تقرير الإمام (علیه السلام) له على اعتقاده حجّة على النجاسة.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث سندين:

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد مضى الكلام في رجاله. فهذا السند صحيح.

الثاني: سند «الكافي»، وقد ذكره في ذيل الحديث الثالث عشر من الباب، وهو: علي بن محمد، عن سهل، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان الجمال.

وعلي بن محمّد: تقدّم أنّه من مشايخ الكليني، وهومشترك بين شخصين:

أولهما: علي بن محمّد بن عبد الله بن عمران الجنابي، وهو ابن بنت البرقي، وقد وثّقه النجاشي.

الثاني: علي بن محمّد بن إبراهيم الرازي الكليني المعروف بعلّان. وقدوثّقه النجاشي أيضاً((1)).

ص: 267


1- - رجال النجاشي: 260/682.

[403] 13 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْمَاءِ السَّاكِنِ وَالِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ وَالْجِيفَةُ فِيهِ(1)، فَقَالَ: «تَوَضَّأْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْ جَانِبِ الْجِيفَةِ»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3)، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: تَكُونُ فِيهِ الْجِيفَةُ، وَتَرَكَ قَوْلَهُ: وَالِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ. وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّيْخُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا سهل: فهو سهل بن زياد، كما صرّح بذلك المصنّف نفسه عند ذكره للسند في ذيل الحديث اللاحق. وهذا السند ضعيف؛ لاشتماله على سهل. وقد يصحّح على بعض المباني المتقدّمة في أول الكتاب. هذا، مضافاً إلى أنّ للشيخ الكليني(قدس سره) طريقاً آخر صحيحاً إلى روايات أحمد بن محمّد بن أبي نصر، فالطريق غير منحصر بسهل.

[13] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث التاسع، فهو يدلّ على أنّ الجانب الآخر الذي أمر الإمام (علیه السلام) باستعماله يبلغ كرّاً، وإلّا لو كان أقل من الكرّ لتنجّس الماء؛

ص: 268


1- نقل المؤلف «والجيفة فيه» عن الكافي.
2- تهذيب الأحكام 1 : 408، ح1284، ورواه في الاستبصار 1 : 21، ح50 باختلاف.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 12، ح21.
4- راجع: الاستبصار 1 : 22، ذيل الحديث 55.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ(1)1*).

وَرَوَى الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِلَى الرُّكْبَةِ وَأَقَلَّ، قَالَ: «تَوَضَّأْ».

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بُلُوغِ الْكُرِّيَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

لاتصاله بالجانب الذي فيه الميتة. والفرق بين الحديثين هو في ذكر الاستنجاء منه هنا وعدم ذكره هناك، والتوضؤ في الجواب بمعنى التنظيف بالاستنجاء.

سند الحديث:

نقل المصنف الحديث عن ثلاثة كتب:

أولها: «التهذيب»، وفي سنده: القاسم بن محمّد: وقد مرّ أنّه مشترك بين الجوهري والأصفهاني، وأنّه الجوهري؛ لرواية الحسين بن سعيد عنه، وهو ثقة؛ لرواية المشايخ الثقات عنه، أضف إلى ذلك أنّه ورد بعنوان القاسم بن محمّد في «نوادر الحكمة» و«تفسير علي بن إبراهيم»((3)).

ص: 269


1- 1*) الكافي 3 : 4، ح5.
2- 2*) تقدّم في الأحاديث: 1 - 7 ، والحديث 11 من هذا الباب.
3- - إيضاح الدلائل 1 : 456.

وأمّا علي بن أبي حمزة: فهو البطائني رأس الوقف، والسند ضعيف لأجله، إلّا أن يُحرز أنّه رواه في حال استقامته، ويمكن استفادة ذلك من كلام النجاشي حيث قال: «روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، وروى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، ثم وقف»((1))، ويقرّبه تخريج الكليني لها في كتابه كما في السند الآتي.

ثانيها: «الفقيه»، مرسلاً. ويبتنى اعتباره على قبول شهادة الصدوق باعتبار كتابه كلّه.

ثالثها: «الكافي»، وهو كالسند الأول في الاشتمال على البطائني، إلّا أنّه يمكن تصحيحه بالقول بأنّ هذا الحديث صدر عنه حال استقامته؛ ويشهد لذلك تخريج الكليني له في كتابه.

ص: 270


1- - رجال النجاشي: 249 / 656.

[404] 14 - وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنَّا نُسَافِرُ فَرُبَّمَا بُلِينَا بِالْغَدِيرِ مِنَ الْمَطَرِ يَكُونُ إِلَى جَانِبِ الْقَرْيَةِ، فَتَكُونُ فِيهِ الْعَذِرَةُ وَيَبُولُ فِيهِ الصَّبِيُّ وَتَبُولُ فِيهِ الدَّابَّةُ وَتَرُوثُ؟ فَقَالَ: «إِنْ عَرَضَ فِي قَلْبِكَ مِنْهُ شَيْ ءٌ فَقُلْ هَكَذَا، يَعْنِي: افْرِجِ الْمَاءَ بِيَدِكَ ثُمَّ تَوَضَّأْ، فَإِنَّ الدِّينَ لَيْسَ بِمُضَيِّقٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(1)»(2).

أَقُولُ: مِثْلُ الْغَدِيرِ الْمَذْكُورِ يَزِيدُ عَنِ الْكُرِّ غَالِباً، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْكُرِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مِنَ السُّؤَالِ حَالَ نُزُولِ الْمَطَرِ؛ لِمَا مَرَّ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «فقل»، أي: فافعل؛ فإنّ القول قد يجي ء بمعنى الفعل، وفسّر هنا بإفراج الماء باليد ليظهر الماء الجديد.

واستحباب الإفراج إنّما هو لدفع ما تتنفّر عنه النفوس؛ فإنّ البول والروث غالباً ما يجتمع على وجه الماء، فيحصل للنفس منه استقذار وكراهية،وبالإفراج - لأجل ظهور الماء الجديد - تزول تلك الكراهية.

ص: 271


1- الحج ، الآية 78.
2- تهذيب الأحكام 1 : 417، ح1316، ورواه في الاستبصار 1 : 22، ح55.
3- مرّ في الباب 6 من هذه الأبواب.

وقد دلّ الحديث على طهارة الغدير وجواز الوضوء منه، وإن خالطه ما ذكر في السؤال من أبوال الدواب والصبيان والعذرة وغيرهما؛ وعلّل ذلك بقوله: «فإنّ الدين ليس بمضيّق»، فالشريعة سهلة لا ضيق فيها، فيدلّ على أنّ الماء البالغ كرّاً لا ينفعل بمجرّد ملاقاة النجاسة.

سند الحديث:

قوله: «عنه»، أي: عن الحسين بن سعيد.

وأمّا الحسين بن عثمان: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص:

أحدهم: الحسين بن عثمان بن شريك العامري: قال النجاشي : «الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) . ذكره أصحابنا في رجال أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب تختلف الرواية فيه»((1)).

وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «أسند عنه»((2))، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

الثاني: الحسين بن عثمان الأحمسي البجلي: قال النجاشي : «الحسين بن عثمان الأحمسي البجلي كوفي (الكوفي)، ثقة، ذكره أبو العباس في

ص: 272


1- - رجال النجاشي: 53 / 119.
2- - رجال الطوسي: 182 / 2206.
3- - المصدر نفسه.

رجال أبي عبد الله (علیه السلام) . كتابه رواية محمد بن أبي عمير»((1))، وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2))، وروى عنه المشايخ الثقات((3)).

بحث رجالي حول الحسين بن عثمان الرواسي

الثالث: الحسين بن عثمان الرواسي: ذكر الشيخ في «الفهرست» أنّ له كتاباً((4))، وقال الكشّي فيه وفي أخويه حماد وجعفر: «حمدويه، قال: سمعت أشياخي يذكرون: أنّ حمّاداً وجعفراً والحسين بني عثمان بن زياد الرواسي، وحمّاد يلقّب بالناب، وكلّهم فاضلون خيار ثقات»((5)).

ولا ريب في اتحاد الرواسي مع ابن شريك العامري؛ لأنّ الشيخ اقتصر في «الفهرست» على ترجمة الحسين بن عثمان الرواسي، كما أنّ النجاشي اقتصر على ترجمة الحسين بن عثمان بن شريك، فلو كانا متعددين لتعرّض الشيخ لمن ترجمه النجاشي، ولتعرّض النجاشي لمن ترجمه الشيخ، مع أنّ من ترجمه النجاشي كان مشهوراً بين الأصحاب، وذكر أنّ أصحابنا ذكروه في رجال أبي عبد الله (علیه السلام) ، ومع ذلك لم يذكره الشيخ .

أضف إلى ذلك: أنّ الشيخ تعرّض في رجاله لذكر الحسين بن عثمان بن شريك العامري ولم يتعرّض لذكر الحسين بن عثمان الرواسي مع أنّه ترجمه في «الفهرست»، فلو كان هو غير الحسين بن عثمان بن شريك لتعرّض له لا

ص: 273


1- - رجال النجاشي: 54 / 122.
2- - رجال الطوسي: 195 / 2446.
3- - المصدر نفسه.
4- - فهرست الطوسي: 111 / 225.
5- - اختيار معرفة الرجال 2 : 670 / 694.

[405] 15 - وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى مَنْ يَسْأَلُهُ عَنِ الْغَدِيرِ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ وَيُسْتَقَى فِيهِ مِنْ بِئْرٍ فَيَسْتَنْجِي فِيهِ الْإِنْسَانُ مِنْ بَوْلٍ أَوْ يَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ، مَا حَدُّهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ؟ فَكَتَبَ: «لَا تَوَضَّأْ(1) مِنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ»(2).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بُلُوغِ الْكُرِّيَّةِ وَاسْتِحْبَابِ الِاجْتِنَابِ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ لِحُصُولِ النِّفْرَةِ بِسَبَبِ الِاسْتِنْجَاءِ.

-----------------------------------------------------------------------------

محالة، وهذا كلّه يكشف عن اتحاد العنوانين كما هو واضح.

وعلى كلٍّ: فإنّه بهذا العنوان الوارد في السند ثقة، فالسند صحيح.

أضف إلى ذلك: أنّ كتاب سماعة مشهور، فلا يكون بحاجة إلى ملاحظة الطريق.

[15] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على مفروغيّة الحكم باعتصام الماء الكثير في ذهن السائل.

والوضوء يحتمل أن يراد منه الوضوء الاصطلاحي، فنهى الإمام (علیه السلام) عن الوضوء بمثل هذا الماء؛ لأنّ ماء الوضوء ينبغي أن يكون خالصاً ممّا تنفر

ص: 274


1- في تهذيب الأحكام والاستبصار: فلا تتوضأ.
2- تهذيب الأحكام 1 : 150، ح427 و 418، ح1319، ورواه في الاستبصار 1 : 9، ح11.

منه الطباع. وقد حمل بعضهم الوضوء هنا على الاستنجاء والتنظيف، وكأنّه جعل قول السائل: «فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب» سؤالاً عن جواز الاستنجاء والغسل بذلك الماء؛ إذ الوضوء قد يراد به التنظيف؛ ليطابق الجواب السؤال. وهذا الاحتمال لا بأس به.

والأوفق أن يقال: إنّ مراد السائل أنّ الماء الذي يستنجى فيه ويغتسل به ما حدّه في جانب القلة، بحيث لا يجوز استعماله في الطهارة بعد ذلك؟ فأجابه (علیه السلام) بالتنزّه عن الوضوء بمثل ذلك إلّا مع الضرورة، قلّ أم كثر. وفيه دلالة على أنّه لا ينجس بذلك وإن كره الوضوء به إلّا مع الضرورة.

وإنّما حملناه على الكراهة؛ لأنّ ماء الغدير لا يخلو إمّا أن يكون أقل من الكر، فهو ينجس ولا يجوز استعماله على أيّ حال، وينتقل الفرض إلى التيمّم. أو يكون أكثر من الكرّ فإنّه لا ينجس، ولا يختصّ ذلك بحال الاضطرار. فيكون الوجه في هذا الحديث: الكراهية؛ فإنّه مع وجود الماء المتيقّن طهارته لا ينبغي استعمال مثل هذا الماء الذي هذه صفته، وإنَّمايستعمل عند فقد الماء على كل حال.

سند الحديث:

قوله: «عنه»، أي: عن الحسين بن سعيد.

وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع: فقد تقدّمت ترجمته، إلّا أنّ الحديث مضمر، ومع ذلك: فإنّ إضمار الثقة الجليل لا يضر؛ لبعد أن يستفتي غير الإمام (علیه السلام) .

ص: 275

[406] 16 - وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ زَكَّارِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) (1): أَكُونُ فِي السَّفَرِ فَآتِي الْمَاءَ النَّقِيعَ وَيَدِي قَذِرَةٌ فَأَغْمِسُهَا فِي الْمَاءِ، قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

قَالَ الشَّيْخُ: الْمُرَادُ بِهِ إِذَا كَانَ الْمَاءُ كُرّاً.

-----------------------------------------------------------------------------

[16] - فقه الحديث:

هذا الحديث مجمل، يتمشّى على مذهب ابن أبي عقيل، وعلى مذهب المشهور أيضاً؛ لأنّ النقيع كما عن «القاموس»: «الماء الناقع المجتمع»، وهويحتمل أن يكون أقل من كر، مع ظهور القذر في النجاسة، فيدلّ على عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة المستفاد من قول الإمام (علیه السلام) : «لا بأس».

ويحتمل أن يكون أكثر من كر، مع احتمال أن يكون المراد من القذر مجرد الوساخة، لا النجاسة.

ومقتضى الجمع حمله على الكرّ؛ بناء على ظهور القذارة في النجاسة، كما ذكره الشيخ (رحمه الله) قريباً.

ص: 276


1- في نسخة: لأبي جعفر (علیه السلام) . (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 39، ح104، و 416، ح1314، ورواه في الاستبصار 1 : 21، ح52.

سند الحديث:

قوله: «عنه»، أي: عن الحسين بن سعيد.

وأمّا القاسم بن محمّد: فهو الجوهري؛ لرواية الحسين بن سعيد عنه كما سبق.

وأمّا أبان: فهو أبان بن عثمان، وقد مرّ ذكره.

وأمّا زكار بن فرقد: فهو مجهول، روى هذا الحديث فحسب، نقله عنه في «التهذيب» في موضعين، وفي «الاستبصار» في موضع.

وقد نقل الشيخ المجلسي عن الشيخ البهائي قوله : «الظاهر أنّ هنا سقطاً، وكان حقّه أن يقول: عن زكار عن داود بن فرقد»((1)).

كما نقل بعضهم: «أنّ الشهيد الثاني قال في حواشيه على الخلاصة: منأنّه زكار الدينوري الثقة، وما في بعض نسخ الكتاب الزكان بالنون لا الراء، فيكون هو داود بن أبي زيد الغير الموثّق. وأمّا الموجود في كتب الرجال: زنكان، فيحتمل سقوط النون الأوّل منه»((2)).

وهما أعرف بما قالاه، وليس هناك دليل يعضد ما ذهبا إليه.

وأمّا عثمان بن زياد: فهو مشترك بين أربعة أشخاص:

أحدهم: عثمان بن زياد الأحمسي الكوفي: ذكر الشيخ في «رجاله»

ص: 277


1- - ملاذ الأخيار 1 : 168.
2- - مناهج الأخيار في شرح الاستبصار 1 : 38.

أنّه روى عن الإمامين الصادقين (علیهما السلام) ((1)).

الثاني: عثمان بن زياد الرواسي الكوفي: يكنّى أبا الحسين. روى عنه إبراهيم بن عبد الحميد. ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)).

الثالث: عثمان بن زياد الضبي الكوفي: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3)).

الرابع: عثمان بن زياد الهمداني الكوفي: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4)).فلم يرد فيهم توثيق. والشيخ الصدوق ذكر طريقه إلى عثمان بن زياد في «المشيخة» بلا تعيين((5)).

ولكن الظاهر أنّه عثمان بن زياد الرواسي، والد حمّاد وجعفر وحسين.

وكيف كان: فالسند ضعيف. وقد يقال باعتبار الحديث؛ لوجوده في كتاب الحسين بن سعيد.

ص: 278


1- - رجال الطوسي: 259 / 3679.
2- - المصدر نفسه: 259 / 3690.
3- - المصدر نفسه: 259 / 3678.
4- - المصدر نفسه: 260 / 3699.
5- - من لا يحضره الفقيه 4 : 528، المشيخة.

[407] 17 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الرَّجُلُ يَضَعُ الْكُوزَ الَّذِي يَغْرِفُ بِهِ مِنَ الْحُبِّ فِي مَكَانٍ قَذِرٍ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْحُبَّ؟ قَالَ: «يَصُبُّ مِنَ الْمَاءِ ثَلَاثَةَ أَكُفٍّ ثُمَّ يَدْلُكُ الْكُوزَ»(1).

أَقُولُ: يَحْتَمِلُ كَوْنُ الْحُبِّ كُرّاً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: «ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْحُبَّ»: ثُمَّ يُرِيدُ إِدْخَالَهُ الْحُبَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(2)، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَعْنَاهُ: يَغْسِلُ الْكُوزَ أَوَّلًا قَبْلَ إِدْخَالِهِ الْحُبَّ بِقَرِينَةِ الدَّلْكِ، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَذَرِ الْوَسَخُ دُونَ النَّجَاسَةِ. وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَضْمُونِ الْبَابِ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْه (4).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

الحب: قال في تاج «العروس»: «الحب - بالضم - : الجرّة، صغيرة كانت أو كبيرة، أو هي الضخمة منها، أو الحب: الخابية، وقال ابن دريد: هو الذي

ص: 279


1- الكافي 3 : 12، ح6.
2- المائدة ، الآية 6.
3- تقدّم في الباب 3، والحديث 5 من الباب 5، والحديث 13 من الباب 8 من هذه الأبواب.
4- يأتي في الباب 10 و11 من هذه الأبواب.

يجعل فيه الماء»((1)

ولعلّ مراد السائل أنّه يضع الكوز في غير وقت الحاجة في موضع قذر، فإذا أراد الماء أخذه من ذلك الموضع، ويدخله كما هو في الحب، هل يصلح ذلك ولا ينجس به الماء؟ فأمره (علیه السلام) أن يصبّ أولاً على الكوز من الحب ثلاث أكف ويدلك به الكوز ويطهّره وينظّفه ثم يدخله في الحب. ومعناه: أنّه لو أدخله في الحب بدون أن يطهّره لنجس ماء الحب، بناء على أنّ الحب لا يسع مقدار الكر.

ويحتمل أن يكون الغرض من صب الأكف من الماء: تنظيفه وتطييبه ورفع الاستقذار الحاصل من القذر الواقع فيه، ويكون الغرض من الدلك: تطهير الكوز مما أصابه من القذر.

ويحتمل أن يكون الحب كرّاً، وعليه: لو لم يفعل ما أمر به الإمام (علیه السلام) من التنظيف والتطهير لما تنجس الماء الذي في الحب، بقرينة سائر الروايات الدالّة على عدم انفعال الكر بالنجاسة.

والمراد بقول السائل: «ثم يدخله الحبّ» إرادة الإدخال، لا تحقّقه. والقرينة عليه: أنّه لو كان السؤال عمّا بعد الإدخال في الحب لما كان للدلكالذي أمر به (علیه السلام) فائدة أصلاً، وشأن الحكيم أرفع من أن يأمر بما لا فائدة فيه أصلاً.

ص: 280


1- - تاج العروس 1 : 397.

سند الحديث:

أمّا يونس: فهو يونس بن عبد الرحمن، وقد مرّ ذكره.

وأمّا بكار بن أبي بكر: فقد قيّد بالحضرمي في بعض الروايات((1)

وهو الذي روى احتجاج أبيه مع زيد بن علي (علیه السلام) في أمر الإمامة. وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)

ولم يرد فيه شيء.

إلّا أنّه يمكن القول بوثاقته؛ لرواية يونس عنه؛ فإنّ كتب يونس بن عبد الرحمن - التي هي بالروايات - كلّها صحيحة يعتمد عليها إلّا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ولم يروه عنه غيره، فإنّه لا يعتمد عليه ولا يفتى به على ما نقله الصدوق عن شيخه ابن الوليد((3))، مضافاً إلى أنّ يونس من أصحاب الإجماع، فبناء على صحة روايات أصحاب الإجماع فالحديث معتبر.

والحاصل: أن في الباب سبعة عشر حديثاً، واحد منها موثّق وهو الثالث، وستة معتبرة، وهي السادس والسابع والتاسع والعاشر والثالث عشر والسادسعشر، واثنان ضعيفان يمكن تصحيحهما، وهما الثامن والسابع عشر، والبقيّة صحاح.

ص: 281


1- - المحاسن 2 : 320، ح55، وكذا في علل الشرائع 1 : 150، باب 122، ح9.
2- - رجال الطوسي: 171 / 1998.
3- - فهرست الطوسي: 266 / 813.

والمستفاد من الباب أُمور، منها:

1- أنّ الماء إذا كان كرّاً لا ينفعل بالنجاسة، ما لم تتغيّر صفاته.

2- أنّ الماء إذا لم يكن كرّاً ينفعل بملاقاة النجاسة وإن لم تتغيّر صفاته.

3- حرمة شرب سؤر الكلب؛ لنجاسة ما يلاقيه، إلّا أن يكون الماء كثيراً.

4- أنّ اعتصام الماء الكثير كان أمراً مفروغاً عنه عند المتشرعة.

5- أنّ البئر إذا كان فيه ماء قليل ولا مادّة تمدّه، فهو بئر عرفاً لا شرعاً، فله حكم الماء القليل، فهو ينفعل بملاقاة النجاسة وإن لم تغيّره.

6- استحباب التنزّه عن الجانب الملاقي للنجاسة في الماء الكثير.

7- استحباب الإفراج للماء ليظهر الماء الجديد بدلاً عن الموجود على السطح، إذا كان على السطح روث أو بول ما يؤكل لحمه.

8- يستحب الاجتناب عن الماء الكثير الذي يغتسل فيه الجنب أو يستنجى فيه من البول.

9- أنّ ماء الغدير والحياض والحب إذا كانت أكثر من كرّ لا ينجسها شيء، فالحكم فيها واحد، والاختلاف من جهة الموضوع.

ص: 282

10- باب مقدار الكر بالأشبار

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

10- باب مقدار الكر بالأشبار

شرح الباب:

الكر على ما في «كتاب العين»: «مكيال لأهل العراق»((1)).

وفي «لسان العرب»: «الكر: مكيال لأهل العراق، وفي حديث ابن سيرين: إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل نجساً، وفي رواية: إذا كان الماء قدر كرّ لم يحمل القذر، والكر: ستة أوقار حمار، وهو عند أهل العراق ستون قفيزاً»((2)).

وهو تارة يقدّر بالمساحة وأخرى بالوزن، وكلّ منهما دخيل في الحكم بعدم الانفعال بالنجاسة، أو أن أحدهما دخيل في ذلك، والمشهور أنّ الوزن هو الدخيل والمساحة علامة، وقد عقد المصنّف هذا الباب لبيان الأحاديث التي تقدّره بالمساحة، ولم يعيّنها في عنوان الباب؛ إشارة للخلاف الموجود في المقام.

أقوال الخاصّة:

الوجوه والأقوال المذكورة في المقام ثمانية:

ص: 283


1- - كتاب العين 5 : 277.
2- - لسان العرب 5 : 137.

أحدها: ما عن ابن الجنيد (رحمه الله) من أنّ مساحة الكر مائة شبر((1))، وهو خلاف الإجماع، ولا دليل عليه.

الثاني: ما عن المشهور من أنّها اثنان وأربعون شبراً وسبعة أثمان الشبر((2)

وادعى عليه الإجماع في «الغنية»((3)).

الثالث: ما عن المحقّق في «المعتبر» والعاملي في «المدارك» من أنَّها ستة وثلاثون شبراً((4)).

الرابع: ما عن الشيخ الصدوق والقمّيين من أنّها سبعة وعشرون شبراً((5))، واختاره العلامة في «المختلف» والشهيد الثاني في «الروضة» والمحقّق الأردبيلي في «مجمع الفائدة»((6)).

الخامس: ما عن الشيخ الراوندي من أنّ مجموع الأبعاد عشرة أشبار ونصف، ولم يعتبر بمكسر الأبعاد((7)).

السادس: ما عن المجلسي والوحيد البهبهاني من أنّ مساحته ثلاثة

ص: 284


1- - مختلف الشيعة 1 : 183 ، وذكرى الشيعة 1 : 81، والحدائق الناضرة 1 : 261.
2- - الروضة البهية 1 : 255، والحدائق الناضرة 1 : 261، وذكرى الشيعة 1 : 80.
3- - غنية النزوع: 46.
4- - المعتبر 1 : 46، ومدارك الأحكام 1 : 51، والحدائق الناضرة 1 : 261.
5- - ذكرى الشيعة 1 : 80 ، والحدائق الناضرة 1 : 261.
6- - مختلف الشيعة 1 : 183، والروضة البهية 1 : 257، ومجمع الفائدة والبرهان 1 : 261.
7- - ذكرى الشيعة 1 : 81 ، والحدائق الناضرة 1 : 261، ومدارك الأحكام 1 : 51.

وثلاثون شبراً وخمسة أثمان ونصف الثمن((1))، ولكن الظاهر أنّ هذا الوجه مجرد احتمال منهما لا أنّه قول ذهبا إليه، فلا ينبغي عدّه من جملة الأقوال.

السابع: ما عن الشلمغاني من أنّ الكر هو الماء الكثير الذي إذا طرح في وسطه حجر لم يتحرّك جانباه((2)).

الثامن: ما عن ابن طاووس من الأخذ بجميع المساحات المذكورة((3)).

والمهم من هذه الأقوال هو قول المشهور وقول القمّيين، وأمّا بقيّة الأقوال فهي إمّا نادرة، أو خلاف الإجماع.

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الكثير ينجس بالنجاسة إلّا أن يبلغ حدّاً يغلب على الظن أنّ النجاسة لا تصل إليه، واختلفوا في حدّه، فقال بعضهم: ما إذا حرّك أحد طرفيه لم يتحرّك الآخر، وقال بعضهم: ما بلغ عشرة أذرع في عشرة أذرع، وما دون ذلك ينجس وإن بلغ ألف قلّة... قال أبو داود: قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثمذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان: هل غيّر بناؤها عمّا كانت عليه؟ قال: لا، وسألت قيّمها عن عمقها، فقلت: أكثر ما

ص: 285


1- - مرآة العقول 13 : 12، وملاذ الأخيار 1 : 185، والحاشية على مدارك الأحكام 1 : 97، ولكن فيها - بعد قوله ثلاثة وثلاثون شبراً - : ونصفاً وثمناً ونصف الثمن.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 81.
3- - ذكرى الشيعة 1 : 81 ، ومدارك الأحكام 1 : 52.

[408] 1 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْمَاءُ الَّذِي لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ ءٌ؟ قَالَ: «ذِرَاعَانِ عُمْقُهُ فِي ذِرَاعٍ وَشِبْرٍ سَعَتُهُ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمُقْنِعِ» مُرْسَلًا(2).

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالسَّعَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، فَفِيهِ اعْتِبَارُ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فِي الْعُمْقِ، وَثَلَاثَةٍ فِي الطُّولِ، وَثَلَاثَةٍ فِي الْعَرْضِ؛ لِمَا يَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ الْقَدَمَانِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

يكون فيها الماء؟ قال: إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة. ولأنه ماء يبلغ قلتين فأشبه ما زاد على عشرة أذرع»((4)).

[1] - فقه الحديث:

هذا الحديث مما استدل به لقول القمّيين ولقول المحقّق وصاحب «المدارك».

أمّا قول القمّيين فتقريبه: أن الذراع عبارة عن شبرين لا أكثر بالوجدان.

ص: 286


1- تهذيب الأحكام 1 : 41، ح14.
2- المقنع: 32.
3- يأتي في الأحاديث 1 - 4 من الباب 8 من أبواب المواقيت.
4- - المغني 1 : 26.

ووجود ذراع أطول لا يضر بعدما كان المدار على الذراع المتعارف، وعليه: فتحديد السعة بذراع وشبر مرجعه إلى التحديد بثلاثة أشبار. وذكر هذين البعدين - أعني العمق والسعة - يجعل الحديث ظاهراً في الشكل المدوّر لا المربع؛ لأنّ قوله (علیه السلام) : «ذراع وشبر سعته» ظاهر في تحديد سعة السطح ببعد واحد بذراع وشبر، وهذا لا يتصوّر إلّا في الدائرة؛ لأنّ الخط الممتد من أي نقطة من محيط الدائرة إلى أي نقطة مقابلة لها على المحيط - إذا فرضنا أنه يمرّ بنقطة المركز - هو واحد، خلافاً للمربع وإن كان متساوي الأضلاع؛ فإنّ الخطوط الممتدة من إحدى زاويتيه إلى الأخرى أطول من بقيّة الأضلاع.

فالمدوّر الذي يبلغ عمقه أربعة أشبار وقطره ثلاثة أشبار يعتبر كرّاً. ومساحة هذا المدوّر هو سبعة وعشرون شبراً، باعتبار أنّ المدار في معرفة مساحة الدائرة على ضرب نصف القطر في نصف المحيط، والمحيط ثلاثة أمثال القطر مع زيادة طفيفة تعارف إسقاطها. فينتج من ضرب نصف القطر - وهو شبر ونصف - في نصف المحيط - وهو أربعة أشبار ونصف - في العمق الذي هو أربعة أشبار: سبعة وعشرون شبراً.

وأمّا قول المحقّق وصاحب «المدارك» فتقريبه: أنّ الذراع عبارة عن شبرين، ومورد الحديث هو الشكل المربع؛ لأنّ الخط الممتد بين أي نقطة واقعة في أحد أضلاعه وبين النقطة المقابلة لها هو ثلاثة أشبار، على ما هو الموجود في هذا الحديث، سواء كان هذا الخط مارّاً على نقطة المركز أم لا. بخلاف الشكل المدوّر؛ لأنّ الخطوط المارّة بالمركز فقط تكون ثلاثة أشبار، دون الخطوط التي لا تمرّ بالمركز، مع الأخذ بالاعتبار أنّ هذا

ص: 287

الحديث فيه بيان الأبعاد الثلاثة؛ لأنّ قوله (علیه السلام) : «ذراع وشبر سعته» فيه بيان الطول والعرض لا أحدهما، وعلى هذا: فالمساحة تكون ناتج ضرب الطول وهو ثلاثة أشبار في العرض وهو ثلاثة أشبار أيضاً في العمق وهو أربعة أشبار، والمتحصّل هو ستة وثلاثون شبراً.

والظاهر من الحديث هو ما يوافق قول القمّيين؛ لأنّ ما يمثّل سعة السطح هو الخط الأطول الذي حُدّد بثلاثة أشبار، لا أقصر خط يتحمّله ذلك السطح. والبعد الذي يقدر عند إرادة تحديد مساحة السطح هو أطول خط يتحمّله امتداد السطح وسعته، وهو واحد في الشكل الدائري، ولا بد أن يمر بمركزها، وإلّا لم يكن الأطول من الخطوط، وهو لا يختلف من جانب إلى آخر، فهو الأطول على الإطلاق، ولذا ذكر في الحديث أنّ ثلاثة أشبار سعته، بلا تقييد بكون هذا المقدار ممتدّاً من جهة معينة في الدائرة.

وهذا بخلاف المربع؛ فإنّ أطول خط يختلف باختلاف جوانب المربع، فأطول خط بين الزاويتين يختلف عن أطول خط بين الضلعين، فلا يكونالتقدير بالأطول على الإطلاق، بل لابد في الحديث من تعيين أنّه الأطول المقيّد بملاحظة امتداده بين الزاويتين((1)).

الظاهر من الحديث موافقته لقول القمّیین

سند الحديث:

نقل المصنف الحديث بنحوين:

ص: 288


1- - انظر: بحوث في شرح العروة الوثقى1 : 438.

[409] 2 - مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْمَجَالِسِ» قَالَ: رُوِيَ أَنَّ الْكُرَّ هُوَ مَا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَشْبَارٍ طُولًا فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ عَرْضاً فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ عُمْقاً(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: عن «التهذيب» مسنداً، وقد مرّ الكلام في سند الشيخ إلى محمّد بن أحمد بن يحيى، وكذا بقيّة رجال السند، والسند صحيح.

الثاني: عن «المقنع» مرسلاً، وقد حقّقنا اعتبار مراسيل الشيخ الصدوق في كتابه «المقنع»، واستثنينا الروايات الواردة في السنن؛ لاحتمال قوله بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، كما استثنينا الروايات الواردة في رسالة أبيه إليه؛ فإنّها غير مشمولة لشهادته، وإن كانت معتبرة من وجه آخر((2)).

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث هو الوحيد - ظاهراً - الذي ذكر البعد الثالث، وهو ظاهر في الشكل المربع، ويكون تكسيره - الحاصل من ضرب الثلاثة أشبار في ثلاثة ثم المجموع في ثلاثة - هو سبعة وعشرون شبراً، وهو قول القمّيين. وهذا الحديث موافق لحديث إسماعيل بن جابر.

سند الحديث:

ضعيف بالإرسال.

ص: 289


1- أمالي الصدوق: 744.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 329 - 332.

[410] 3 - وَفِي كِتَابِ «الْمُقْنِعِ» قَالَ: رُوِيَ: أَنَّ الْكُرَّ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ فِي ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرٍ(1)1*).

أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالذِّرَاعِ هُنَا عَظْمُ الذِّرَاعِ، وَهُوَ يَزِيدُ عَنِ الشِّبْرِ يَسِيراً، فَيَصِيرُ مُوَافِقاً لِرِوَايَةِ أَبِي بَصِيرٍ.

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الكرّ بحسب المساحة ذراعان وشبر في ذراعين وشبر، وبما أنّ الذراع هي عبارة عن شبرين - على ما تقدّم في الحديث الأول - فيكون البعد الواحد خمسة أشبار، وعلى اعتبار أنّه أُهمل ذكر البعد الثالث؛ لتعارف إهماله في المحاورات، فإنّهم يكتفون بذكر مقدار بعدين من أبعاد الجسم إذا كانت أبعاده الثلاثة متساوية، فيكون حاصل ضرب خمسة في نفسها: خمسة وعشرون، فإذا ضربناها في البعد الذي لم يذكر - وهو خمسة أيضاً - كان الناتج مائة وخمسة وعشرين، وهو لا ينطبق على أيٍّ من الأقوال الموجودة.

ولو قلنا: إنّه بذكر البعدين لم يُهمَل من الأبعاد شيء فيراد الشكل المدوّر في المقام، فأيضاً لا ينطبق على شيء من الأقوال؛ لأنّ حاصل ضرب نصف القطر - وهو شبران ونصف - في نصف المحيط - وهو سبعة أشبار ونصف -في العمق وهو خمسة أشبار، يكون ثلاثة وتسعون شبراً وثلاثة أرباع الشبر.

ص: 290


1- 1*) المقنع: 32.

نعم، أبدى الشيخ الحر العاملي(قدس سره) احتمالاً في هذا الحديث، وبه ينسجم مع قول المشهور، وتقريره: أنّه يحتمل من الذراع عظم الذراع، وهو عبارة عن شبر وزيادة، وهي ربع شبر تقريباً. وعليه: يكون مقدار الذراعين وشبر: ثلاثة أشبار ونصف. فإذا ضربناها في مثلها والمجموع في مثلها أيضاً صار الناتج اثنين وأربعين شبراً وثمن الشبر، وهو يوافق قول المشهور، ومؤيّد لحديث أبي بصير الآتي.

سند الحديث:

مرّ الكلام في سند الحديث الأول من الباب، والحديث معتبر.

ص: 291

[411] 4 - وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قُلْتُ: وَمَا الْكُرُّ؟ قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ»(1).

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِأَحَدِ الْبُعْدَيْنِ الْعُمْقُ، وَبِالْآخَرِ كُلٌّ مِنَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ «الْمَجَالِسِ».

-----------------------------------------------------------------------------

تحديد الكر بسبعة و عشرين شبرا

[4] - فقه الحديث:

الحديث صريح في كون الكر عبارة عن سبعة وعشرين شبراً، وإن لم يشتمل على ذكر الطول والعرض والعمق. وقد أشرنا في الحديث الثالث إلى تعارف إهمال ذكر البعد الثالث في المحاورات العرفيّة، فتراهم يقولون: خمسة في خمسة، أو أربعة في أربعة إذا كان ثالثها أيضاً بهذا المقدار. وعليه: إذا ضربنا الثلاثة في الثلاثة فتبلغ تسعة، فإذا ضربناها في ثلاثة فتبلغ سبعة وعشرين شبراً. فالحديث موافق لحديث «المجالس».

سند الحديث:

سبق أنّ هذا الحديث معتبر بأسانيده الثلاثة.

ص: 292


1- تقدّم في الحديث 7 من الباب 9 من هذه الأبواب.

[412] 5 - وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ: وَكَمِ الْكُرُّ؟ قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ وَنِصْفٌ عُمْقُهَا، فِي ثَلَاثَةِ أَشْبَارٍ وَنِصْفٍ عَرْضِهَا»(1).

أَقُولُ: ذِكْرُ الْعَرْضِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الطُّولِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُسَاوِيَهُ أَوْ يَزِيدَ عَلَيْهِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

مضى هذا الحديث عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: إذا كان الماء في الركي كرّاً لم ينجسه شيء، قلت: كم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها.

وقد مضى بعض الكلام فيه. وهذا الحديث منقول عن «الكافي» و«التهذيب» بلا زيادة البعد الثالث، وإن ورد في المطبوعة من «الاستبصار»((2))، بل عن ابن المشهدي - كما حكاه السيّد الأستاذ((3)) - في هامش «الاستبصار»: أنّ الحديث غير مشتمل على تلك الزيادة في النسخةالمخطوطة من الاستبصار بيد والد الشيخ محمد بن المشهدي صاحب

ص: 293


1- تقدّم في الحديث 8 من الباب 9 من هذه الأبواب.
2- - الاستبصار 1 : 33، باب البئر يقع فيها ما يغيّر أحد أوصاف الماء إما اللون أو الطعم أو الرائحة، ح9.
3- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 165.

«المزار» المصحّحة على نسخة المصنّف، فالزيادة ساقطة. فالحديث مشتمل على ذكر بعدين فقط، وعليه: لا بد من حمله على المدوّر، فإذا أسقطنا الزيادة عن الحديث فيكون التقريب هو عين ما قدّمناه في الحديث الأول، من كون السعة بمقدار معيّن من جميع الجوانب والأطراف لا يوجد في غير الدائرة، فإذا أخذنا مساحتها بضرب نصف قطرها في نصف محيطها يبلغ اثنين وثلاثين شبراً وعشر الشبر، وهو يزيد بما يقرب من ستة أشبار عن قول القمّيين، والكر بهذا المقدار مما لا قائل به.

فلذا قال السيّد الأستاذ (رحمه الله) : «هذه قرينة قطعيّة على عدم إرادة ظاهر الرواية، فلا محيص من رفع اليد عنها وحملها على أحد أمرين:

أحدهما: أن يحمل على أنّ الإمام (علیه السلام) أراد الاحتياط ببيان مقدار شامل على الكر قطعاً.

وثانيهما: أن يحمل على أمر آخر أدق من سابقه، وهو أنّ الركي - الذي هو بمعنى البئر - لايكون مسطح السطح غالباً، بل يحفر على شكل وسطه أعمق من جوانبه، ولاسيّما في الآبار التي ينزح منها الماء كثيراً، فإنّ إدخال الدلو وإخراجه يجعل وسط البئر أعمق، وهو يوجب إحالة ما فيه من التراب إلى الأطراف والجوانب. وعليه: فالماء الموجود في وسط الركي أكثر من الماء في أطرافه، إلّا أنّ الزائد بدل التراب، لا أنّه معتبر في الكريّةوالاعتصام؛ إذ المقدار المعتبر فيه سبعة وعشرون شبراً. فالزيادة مستندة إلى

ص: 294

ما ذكرناه»((1)).

وما أفاده(قدس سره) لا بأس به، وإن كان الأمر الثاني محتاجاً إلى إثبات أنّ الغالب في حفر البئر بنحو ما ذكر، بحيث ينصرف ظهور الكلام إلى أنّ ما أُنيط به تحديد الكر غير مراد، وأنّ المراد هو السبعة والعشرون شبراً، والزائد في التحديد الموجود في الحديث غير معتبر في الكرّية.

وأمّا بناء على وجود الزيادة - كما عن «الاستبصار» - فيدلّ على أنّ الكرّ ثلاثة وأربعون شبراً إلّا ثمن شبر، كما هو مذهب المشهور.

إلّا أنّ الظاهر أنّ هذه الإضافة زائدة في بعض نسخ «الاستبصار»، وعدمها حتى في «الاستبصار» هو المرجّح بعد عدم وجودها في «الكافي» - المعروف بالضبط - و«التهذيبين» ونسخة والد ابن المشهدي المصحّحة على نسخة الشيخ الطوسي.

سند الحديث:

تقدّم في الحديث الثامن من الباب السابق أنّ سند «الكافي» غير معتبر؛ لوجود الحسن بن صالح. ويمكن تصحيحه على القول باعتبار ما في «الكافي»، أو لوجود الحسن بن محبوب - الذي هو أحد أصحاب الإجماع -في السند. وكذا الكلام في سند «التهذيب».

ص: 295


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي): 2 : 165.

[413] 6 - مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْكُرِّ مِنَ الْمَاءِ كَمْ يَكُونُ قَدْرُهُ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْبَارٍ وَنِصْفٍ [نِصْفاً] فِي مِثْلِهِ ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ وَنِصْفٌ فِي عُمْقِهِ فِي الْأَرْضِ فَذَلِكَ الْكُرُّ مِنَ الْمَاءِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

الحديث يقتضي اعتبار بلوغ مكعّب الماء ثلاثة وأربعين شبراً إلّا ثمن شبر في الحكم عليه بكونه كرّاً، وهو الذي التزم به المشهور. هذا بناء على الالتزام بكون الأبعاد الثلاثة مذكورة في الحديث.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ الحديث غير مشتمل على ذكر الطول والعرض والعمق، والمذكور فيه أنّ الكر هو عبارة عن كون الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله، أي: مثل الماء ثلاثة أشبار ونصف في عمقه، وظاهره هو الشكل الدائري. وعليه: يكون الكرّ قريباً من اثنين وثلاثين شبراً وعشر الشبر، وهو نتيجة ضرب نصف قطر الدائرة في نصف محيطها.

ص: 296


1- الكافي 3 : 3، ح5، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 42، ح116، والاستبصار 1 : 10، ح14.

[414] 7 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْكُرُّ مِنَ الْمَاءِ نَحْوُ حُبِّي هَذَا» وَأَشَارَ إِلَى حُبٍّ مِنْ تِلْكَ الْحِبَابِ الَّتِي تَكُونُ بِالْمَدِينَةِ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2)، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ.

قَالَ الشَّيْخُ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحُبُّ يَسَعُ مِنَ الْمَاءِ مِقْدَارَ الْكُرِّ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني في «الكافي»، وقد مرّ الكلام في رجاله. والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» إلى الكليني، وسيشير إليه المصنّف بعد ذكر الحديث السابع. والسند صحيح كسابقه.

[7] - فقه الحديث:

الحديث فيه إجمال؛ إذ إنّ إحالة الإمام (علیه السلام) في تحديد مقدار الكر إلى

ص: 297


1- الكافي 3 : 3، ح8.
2- تهذيب الأحكام 1 : 42، ح118، والاستبصار 1 : 7، ح5.
3- الاستبصار 1 : 7.

حُبّه (علیه السلام) تفيد الراوي ومن قارب عصره ممّن اطلع على مقدار ما تحويه تلك الحباب. وأمّا في زماننا وما شابهه فلا تفيد. وقد استبعد بعضهم((1)) أن يكون الحبّ يتّسع لهذا المقدار. وهذا قريب لو أريد بالمقدار ما يسع اثنين وأربعين شبراً، إلّا أنّ اتساعه لمقدار سبعة وعشرين شبراً ممّا لا بعد فيه على الظاهر. فيمكن جعل هذا الحديث مؤيّداً لقول القميين.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني في «الكافي»، وقد مرّ الكلام في رجاله. والسند فيه إرسال، ولكن يمكن تصحيحه؛ لوجود عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع، أو لوجود الحديث في «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» إلى الكليني. والسند كسابقه؛ لكونه منقولاً من «الكافي».

ص: 298


1- - استقصاء الاعتبار 1 : 63.

[415] 8 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ ءٌ». وَالْقُلَّتَانِ جَرَّتَانِ (1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(2).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ مَوْرِدَ التَّقِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ الْقُلَّتَيْنِ هُوَ مِقْدَارَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ الْقُلَّةَ هِيَ الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ فِي اللُّغَةِ(3)، انْتَهَى.

وَنَقَلَ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» عَنِ ابْنِ الْجُنَيْدِ أَنَّهُ قَالَ: الْكُرُّ قُلَّتَانِ، وَمَبْلَغُ وَزْنِهِ أَلْفٌ وَمِائَتَا رِطْلٍ. وَعَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقُلَّةُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، وَهِيَ عَظِيمَةٌ، زَعَمُوا أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَسَعُ خَمْسَ قِرَبٍ(4)، انْتَهَى.

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلالة هذا الحديث كسابقه؛ إذ لا يعلم مقدار الجرّة حتى يعلم مقدار

ص: 299


1- تهذيب الأحكام 1 : 415، ح1309، والاستبصار 1 : 7، ح6.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 6، ح3.
3- الاستبصار 1 : 7.
4- المعتبر 1 : 45.

ثُمَّ إِنَّ اخْتِلَافَ أَحَادِيثِ الْأَشْبَارِ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى اخْتِلَافِ وَزْنِ الْمَاءِ خِفَّةً وَثِقْلًا، وَالْحَمْلَ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْبَارِ طُولًا وَقَصْراً، وَالْحَمْلَ عَلَى أَنَّ الْأَقَلَّ كَافٍ وَاعْتِبَارَ الْأَكْثَرِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا(1)1*)، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

-----------------------------------------------------------------------------

القلّة. والتعبير بالقلّة معروف عند الشافعي، وكون المقدار معروفاً في زمان النصّ - إذ الإمام (علیه السلام) لا يُحيل على غير معروف - لا يفيد في زماننا بعد جهلنا بالمقدار، ولكن يمكن أن يقال: إنّ هذا المقدار يسع ما في تحديد القمّيين؛ لكونه القدر المتيقّن من إرادة الكرّ، فيكون الحديث مؤيّداً لقولهم.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بنحوين:

الأول: عن «التهذيب» و«الاستبصار». والعباس: مشترك، والمراد به هنا هو العباس بن معروف؛ لرواية محمّد بن علي بن محبوب عنه، وروايته عن عبد الله بن المغيرة. والسند ضعيف. ولكن يمكن تصحيحه بوجود عبدالله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع.

الثاني: عن «من لا يحضره الفقيه» مرسلاً، وقد تقدّم غير مرّة اعتبار

ص: 300


1- 1*) روضة المتّقين 1 : 69، ومشارق الشموس 3 : 79 - 80، واحتمله الشهيد في ذكرى الشيعة 1 : 81، من كلام السيد ابن طاووس.

مراسيل الشيخ الصدوق في كتابه «من لا يحضره الفقيه»، على الأظهر.

فالحاصل: أنّ في الباب ثمانية أحاديث، اثنان منها صحاح وهما الأول والسادس، واثنان معتبران، وهما الثالث والرابع، وواحد ضعيف، وهوالثاني، وأمّا الخامس والسابع فهما ضعيفان قابلان للتصحيح، وأمّا الثامن فهو ضعيف بأحد سنديه ومعتبر بسنده الآخر.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أُمور، منها:

1- أنّ الكرّ ما يبلغ من حيث المساحة سبعة وعشرين شبراً، وهو قول القمّيين، وقد دلّ عليه حديثان، ويؤيّده جزماً موافقة مقدار الكر بالوزن لهذا المقدار من المساحة، وحديث «المجالس».

كما يؤيّده - على نحو الاحتمال - الحديثان السابع والثامن وصحيحة زُرارة عن أَبي جعفر (علیه السلام) ، قال: قلت له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة؟ قال: «إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها، ولا تتوضّأ وصبّها، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ، واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء. قال: وقال أبو جعفر (علیه السلام) : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شي ء تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ إلّا أن يجي ء لهريح تغلب على ريح الماء»((1)).

ص: 301


1- - وسائل الشيعة: 1 : 139، باب3 من أبواب الماء المطلق، ح8.

فإنّ من البعيد جداً أن تكون الراوية اثنين وأربعين شبراً فأكثر، بل يمكن أن تكون سبعة وعشرين شبراً.

2- أنّ الكرّ ما يبلغ من حيث المساحة اثنين وأربعين شبراً وثمن الشبر، وهو قول المشهور، وقد دلّ عليه صحيح أبي بصير، ويؤيّده الحديثان الثالث والخامس.

والظاهر أنّ قول القمّيين هو الصحيح؛ لما ذكرناه في ضمن بيان الأحاديث، ولما له من المؤيّدات والتي منها موافقته لوزن الكر وهو ألف وستمائة رطل كما جُرّب مراراً.

ص: 302

11 - باب مقدار الكر بالأرطال

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

11 - باب مقدار الكر بالأرطال

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان الطريق الثاني لمعرفة مقدار الكرّ، وهو التحديد بالوزن، وهي الأرطال، والرطل: «الذي يوزن به ويكال، رواه ابن السكيت بكسر الراء»((1))، وهو يطلق بالاشتراك على: المكي والمدني والعراقي.

وقد حدّد الشيخ البهائي (رحمه الله) الرطل العراقي بمائة وثلاثين درهماً، والمدني بمائة وخمسة وتسعين درهماً، فيكون الرطل المدني رطلاً ونصفاً بالعراقي، قال في «رسالة الكر»: «الدائر منها على ألسنتهم ثلاثة: العراقيّ والمدنيّ والمكيّ. فالرطل العراقي مائة وثلاثون درهماً، والدرهم ستّة دوانيق، والدانق ثمان شعيرات، فالدرهم ثمان وأربعون شعيرة.

وحيث إنّ المثقال الشرعيّ درهم وثلاثة أسباع درهم، فهو ثمان وستّون شعيرة وأربعة أسباع شعيرة. فالرطل العراقيّ أحد وتسعون مثقالاً، فهو ستّة آلاف ومائتان وأربعون شعيرة، والتسعة منه صاع، والاثنان وربع مدّ، فالصاع ألف ومائة وسبعون درهماً وثمانمائة وتسعة عشر مثقالاً، فهو ستّة وخمسون ألفاً ومائة وستّون شعيرة، وأمّا الرطل المدنيّ فمائة وخمسة وتسعون درهماً،

ص: 303


1- - لسان العرب 11 : 285، مادة «رطل».

فهو رطل ونصف بالعراقي. والرطل المكّيّ ضعف الرطل العراقيّ» ((1)).

أقوال الخاصّة:

الظاهر اتفاق فقهائنا - كما هو ظاهر «المعتبر» و«المنتهى»((2))، بل عن «مجمع الفائدة»: أنّه متّفق عليه((3))- على أنّه ألف ومائتا رطل، ولكنّهم اختلفوا في تعيين الرطل: هل هو عراقي أو مدني؟ فالشيخ في «النهاية» و«المبسوط» و«الاقتصاد»، والمفيد في «المقنعة»، وأكثر المتأخرين على أنّه عراقي((4))، وفسّره في «السرائر» بالبغدادي((5))، والمرتضى في «الانتصار» و«الناصريات»، والصدوق في «الفقيه» على أنّه مدني((6)).

ولم يذهب منهم أحد إلى أنّه المكي.

أقوال العامّة:

اختلف العامّة في تحديد وزن الكر اختلافاً بيّناً:

ص: 304


1- - رسالة الكر (تعيين مقدار الكر): 375.
2- - المعتبر 1 : 47، ومنتهى المطلب 1 : 37.
3- - مجمع الفائدة والبرهان 1 : 259.
4- - النهاية: 3، والمبسوط 1 : 6، والاقتصاد: 253، والمقنعة: 42، والرسائل التسع: 339، الرسالة التاسعة، الجامع للشرائع: 18، وإرشاد الأذهان 1 : 236، وذكرى الشيعة 1 : 81 ، والروضة البهيّة 1 : 255.
5- - السرائر 1 : 60.
6- - الانتصار: 85 ، والناصريات: 41، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 6.

قال في «المغني»: «إذا كان الماء قلّتين - وهو خمس قرب - فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر».

القلّة هي الجرّة؛ سمّيت قلّة لأنَّها تقلّ بالأيدي، أي: تحمل ... والمراد بها هاهنا قلّتان من قلال هجر، وهما خمس قرب،كل قربة مائة رطل بالعراقي، فتكون القلّتان خمسمائة رطل بالعراقي. هذا ظاهر المذهب عند أصحابنا، وهو مذهب الشافعي؛ لأنّه روي عن ابن جريج أنّه قال: رأيت قلال هجر، القلّة تسع قربتين أو قربتين وشيئاً. والاحتياط أن يجعل قربتين ونصفاً.

روى الأثرم وإسماعيل بن سعيد عن أحمد أنّ القلّتين أربع قرب. وحكاه ابن المنذر عن أحمد في كتابه؛ وذلك لما روى الجوزجاني بإسناده عن يحيى بن عقيل، قال: رأيت قلال هجر، وأظن كل قلّة تأخذ قربتين. وروي نحو هذا عن ابن جريج. واتفق القائلون بتحديد الماء بالقرب على تقدير كل قربة بمائة رطل بالعراقي، ولا أعلم بينهم في ذلك خلافاً، ولعلّهم أخذوا ذلك ممّن اختبر قرب الحجاز، وعرف أنّ ذلك مقدارها...»((1)).

وفي «بداية المجتهد»: «وهؤلاء اختلفوا في الحدّ بين القليل والكثير، فذهب أبو حنيفة إلى أنّ الحدّ في هذا هو أن يكون الماء من الكثرة بحيثإذا حرّكه آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطرف الثاني منه. وذهب الشافعي إلى أنّ الحدّ في ذلك هو قلّتان من قلال هجر، وذلك نحو من خمسمائة رطل. ومنهم من لم يحدّ في ذلك حدّاً، ولكن قال: إنّ

ص: 305


1- - المغني 1 : 23.

[416] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْكُرُّ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ ءٌ أَلْفٌ وَمِائَتَا رِطْلٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

النجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغيّر أحد أوصافه، وهذا أيضاً مروي عن مالك، وقد روي أيضاً: أنّ هذا الماء مكروه. فيتحصّل عن مالك - في الماء اليسير تحله النجاسة اليسيرة - ثلاثة أقوال: قول إنّ النجاسة تفسده، وقول إنَّها لا تفسده إلّا أن يتغيّر أحد أوصافه، وقول إنّه مكروه»((2)).

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ وزن الكر من الماء - والمحكوم بالاعتصام - هو ألف ومائتا رطل، وهذا لا خلاف فيه، إنَّما الخلاف في أنّه بالرطل المدني أو العراقي؟اختار الشيخ الصدوق أنّه المدني، بل يظهر منه أنّ المشهور في زمانه كان تحديد الكر بالمدني؛ حيث عدّ ذلك من دين الإماميّة((3))، ولعلّ بناءهم

ص: 306


1- تهذيب الأحكام 1 : 41، ح113، والاستبصار 1 : 10، ح15.
2- - بداية المجتهد 1 : 23.
3- - الأمالي: 744، وعنه في البحار10 : 398، وفيه: «والكر ألف رطل ومائتا رطل بالمدني»، وقد علّق عليه محقّق الكتاب بقوله: هكذا في المصدر، وفي نسخ من الكتاب، وفي هامش تلك النسخ بدله : «بالعراقي»، وهو يطابق ما عليه المشهور.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، مِثْلَهُ. إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: «الَّذِي لَا يُنَجِّسُهُ شَيْ ءٌ»(1)1*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمُقْنِعِ» مُرْسَلًا(2)2*).

قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ»: وَعَلَى هَذِهِ عَمَلُ الْأَصْحَابِ ... وَلَا أَعْرِفُ مِنْهُمْ رَادّاً لَهَا(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

كان على أنّ الإمام (علیه السلام) كان من أهل المدينة، فكان يتكلّم على وفق ما تعارف عند أهلها.

لكن الشيخ المفيد والطوسي ومن تبعهما - بل المشهور - اختاروا أنّه العراقي؛ لأنّ ابن أبي عمير عراقي، وليس إرساله إلّا عن مشايخه وهم عراقيّون، والإمام (علیه السلام) عارف باصطلاح البلدان، فكلامه على اصطلاحالراوي أنسب.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بثلاثة أنحاء:

الأول: مسنداً عن «التهذيب» و«الاستبصار»: أمّا سند الشيخ إلى محمّد

ص: 307


1- 1*) الكافي 3 : 3، ح6.
2- 2*) المقنع: 31.
3- 3*) المعتبر: 1 : 47.

بن أحمد بن يحيى فقد تقدّم في الباب الأول من هذه الأبواب في سند الحديث الرابع.

وأمّا يعقوب بن يزيد: فهو ثقة صدوق مرّ ذكره، وكذا ابن أبي عمير، والرواية من مراسيله.

لكن قلنا: إنّ ابن أبي عمير من المشايخ الثقات الذين لا يروون إلّا عن ثقة، وهذه الشهادة تشمل المراسيل أيضاً، وقد أجبنا في كتاب «أصول علم الرجال» عن جميع الإشكالات التي أوردت على الشهادة، ومنها إشكال الشبهة المصداقيّة((1)

فيكون السند معتبراً.

الثاني: مسنداً عن «الكافي»، وهو معتبر أيضاً.

الثالث: مرسلاً عن «المقنع»، وقد مرّ أنّه معتبر على الأظهر.

ص: 308


1- - أُصول علم الرجال 2 : 145 - 177.

[417] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: رُوِيَ لِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «أَنَّ الْكُرَّ سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ»(1)و(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الوجوه الأربعة لحمل الحدیث الأول علی الرطل العراقي و الثاني علی المكّي

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ وزن الكرّ من الماء ستمائة رطل، ولا يمكن أن يحمل على العراقي، ولا على المدني؛ لعدم عمل الأصحاب به رأساً، فالظاهر حمله على المكي. والرطل المكي يوازي رطلين بالعراقي، فيكون هذا الحديث موافقاً للحديث الأول إذا حملناه هناك على العراقي.

وقد جمع المشهور بين هذا الحديث - ومعه صحيح محمّد بن مسلم الآتي - والحديث الأول بما ذكرناه: من حمل الأول على الرطل العراقي، وحمل الرطل هنا على المكي الذي هو ضعف العراقي، فيتطابقان بلا ريب، ولا داعي لطرح أيّهما.

وقد ذكرت أربعة وجوه لحمل الحديث الأول على العراقي والثاني على المكي، وهي:

الأول: ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّ كل واحد من الحديثين معيّن لما أريد منه في الآخر؛ حيث إنّ لكل منهما دلالتين: إيجابيّة وسلبيّة، وهي

ص: 309


1- تهذيب الأحكام 1 : 43، ح119، والاستبصار 1 : 11، ح16.
2- ورد في هامش المخطوط ما نصه: الكر بالمن التبريزي مائة وستة وثلاثون منا ونصف. (منه(قدس سره) ).

مجملة بالإضافة إلى إحدى الدلالتين، وصريحة بالإضافة إلى الأخرى، وصراحة كل منهما ترفع الإجمال عن الأخرى وتكون مبيِّنة لها لا محالة، حيث قال(قدس سره) : «فصحيحة محمد بن مسلم لها دلالة على عقد إيجابي، وهو أنّ الكرّ ستمائة رطل، وعلى عقد سلبي، وهو عدم كون الكرّ زائداً على ذلك المقدار. وهي بالإضافة إلى عقدها السلبي ناصّة؛ لصراحتها في عدم زيادة الكرّ عن ستمائة رطل، ولو بأكثر محتملاته الذي هو الرطل المكي، فهو لا يزيد على ألف ومائتي رطل بالأرطال العراقيّة. إلّا أنَّها بالنسبة إلى عقدها الإيجابي مجملة؛ إذ لم يظهر المراد بالرطل بعد. هذا حال الصحيحة.

وأمّا المرسلة فلها أيضاً عقدان: إيجابي، وهو أنّ الكرّ ألف ومائتا رطل، وسلبي، وهو عدم كون الكر أقل من ذلك المقدار. وهي صريحة في عقدها السلبي؛ لدلالتها على أنّ الكرّ ليس بأقل من ألف ومائتي رطل قطعاً ولو بأقل محتملاته الذي هو الرطل العراقي، ومجملة بالإضافة إلى عقدها الايجابي؛ لإجمال المراد من الرطل، ولم يظهر أنّه بمعنى العراقي أو المدني أو المكي. وحيث إنَّ الصحيحة صريحة في عقدها السلبي؛ لدلالتها على عدم زيادة الكر على ألف ومائتي رطل بالعراقي، فتكون مبيِّنة لإجمال المرسلة في عقدها الإيجابي، وتدلّ على أنّ الرطل في المرسلة ليس بمعنى المدني أو المكي، وإلّا لزاد الكرّ عن ستمائة رطل حتى بناء على إرادةالمكي منه؛ لوضوح أنّ ألفاً ومائتي رطل - مدنيّاً كان أم مكّياً - يزيد عن ستمائة رطل ولو كان مكّياً، فهذا يدلنا على أنّ المراد من ألف ومائتي رطل

ص: 310

في المرسلة هو الأرطال العراقيّة؛ لئلّا يزيد الكرّ عن ستمائة رطل كما هو صريح الصحيحة.

كما أنّ المرسلة لما كانت صريحة في عدم كون الكرّ أقل من ألف ومائتي رطل على جميع محتملاته، كانت مبيِّنة لإجمال الصحيحة في عقدها الإيجابي، وبياناً على أنّ المراد بالرطل فيها خصوص الأرطال المكّية؛ إذ لو حملناه على المدني أو العراقي لنقص الكر عن ألف ومائتي رطل بالأرطال العراقيّة، وهذا من الوضوح بمكان.

وبالجملة: أنّ النصّ من كل منهما يفسر الإجمال من الأخرى، وهذا جمع عرفي مقدّم على الطرح بالضرورة»((1)).

الثاني: أنّه ورد استعمال الرطل مفسراً بالعراقي في بعض الأخبار، وهي رواية الكلبي النسابة: «.. فقلت: وكم كان يسع الشن ماء؟ فقال: ما بين الأربعين إلى الثمانين، إلى ما فوق ذلك، فقلت: بأيِّ الأرطال؟ فقال: أرطال مكيال العراق»((2)).

الثالث: أنّه إذا حملنا مرسلة ابن أبي عمير على الرطل العراقي لا يلزمالتصرّف في الحديثين، بخلاف ما إذا قلنا: إنّ الرطل هو المكي، فإنّه لا بد من التصرّف في صحيحة محمّد بن مسلم؛ لأنّ الستمائة رطل فيها لا توافق المدني، ولا العراقي، وتنقص عن الأرطال الألف ومائتين التي وقع الإجماع

ص: 311


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 153.
2- - وسائل الشيعة: 1 : 203، باب2 من أبواب الماء المضاف والمستعمل، ح2.

على اعتبارها.

الرابع: أنّ محمد بن مسلم - على ما ذكره بعضهم - طائفي، ولعلّه (علیه السلام) تكلّم بعرفه واصطلاحه وهو الرطل المكي، كما أنّ ابن أبي عمير ومن أرسل عنه كوفي، فلعلّ الإمام خاطبه بحسب عرفه، وهو الرطل العراقي.

هذا، ولكن نوقش في هذه القرينة: بأنّ محمّد بن مسلم وإن كان طائفيّ النسب، إلّا أنّه كان يعيش في الكوفة، كما أنّ كثيراً من مشايخ ابن عمير ليسوا عراقيين، وإن كان هو كوفيّاً، فلم يعلم أنّ الإمام (علیه السلام) تكلّم بالاصطلاح الخاص بكلّ منهما.

فبهذه القرائن يحمل الحديث الأول على الرطل العراقي، وهو الأقوى. وقول المشهور هذا ينطبق على ما اخترناه من قول القمّيين في المساحة، بخلاف غيره.

بقي شيء، وهو: هل المناط في معرفة الكر هو الوزن، والمساحة معرّفة له ودالّة عليه، أو أنّ كليهما معتبر؟

ذهب بعضهم إلى الثاني((1))، وقد يقال بالأول((2)).

لكن بما أنّ معرفة الوزنلا تتيسر لكل أحد، بخلاف المساحة فإنها أسهل بكثير، يكون المناط هو الوزن، وتعتبر المساحة لتسهيل الأمر، وهذا الرأي لا بُعد فيه.

ص: 312


1- - راجع: مستمسك العروة الوثقى 1 : 160، ومصباح الهدى 1 : 80، وفقه الشيعة 1 : 191.
2- - المصادر نفسها.

سند الشیخ الصدوق إلی محمّد بن أبي عمير

سند الحديث:

سند الشيخ إلى محمّد بن أبي عمير عبارة عن عدّة طرق:

أولها: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة، عن ابن بابويه، عن أبيه ومحمد ابن الحسن، عن سعد والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عنه.

وقوله: «جماعة» وهي ثلاثة على أقل تقدير، ومن بينهم الشيخ المفيد. والطريق معتبر.

ثانيها: وأخبرنا بها ابن أبي جيّد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عيسى بن عبيد، عنه.

وابن أبي جيّد ثقة؛ لأنّه من مشايخ النجاشي، فالطريق معتبر أيضاً.

ثالثها: ورواها ابن بابويه، عن أبيه وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عنه.

وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه من مشايخ الصدوقالذين ترضّى عنهم كثيراً((1))، فهو معتبر كسابقيه.

رابعها: وأخبرنا بها أيضاً جماعة، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد الموسوي، عن ابن نهيك، عنه .

ص: 313


1- - ثواب الأعمال: 27، 61، 82، وعلل الشرائع 1 : 44، 131، وثواب الأعمال: 29، 30، 33، وعلل الشرائع 1 : 9، 75، 126.

وجعفر بن محمد العلوي الموسوي وثّقه النجاشي((1))، وهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»، وقال عنه النجاشي في طريقه إليه: الشريف الصالح، وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((2))، وابن نهيك هو عبيد الله بن أحمد بن نهيك، وثّقه النجاشي أيضاً((3))،فالطريق معتبر.

خامسها: - وهو خاصّ بكتابه «النوادر» - أخبرنا بالنوادر خاصّة جماعة، عن أبي المفضل، عن حميد، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك، عنه.

وهذه الأسانيد كلّها في «الفهرست»((4)).

سادسها: سنده إليه في «مشيخة التهذيب» قال: «وما ذكرته عن ابن أبي عمير فقد رويته بهذا الإسناد - أي: الشيخ أبو عبد الله المفيد والحسين بن عبيد الله الغضائري جميعاً - عن أبي القاسم ابن قولويه، عن أبي القاسمجعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير»((5)).

وهذا الطريق معتبر أيضاً.

وهذا الحديث وإن كان مرفوعاً، إلّا أنّه يمكن القول باعتباره؛ لوجود عبد الله بن المغيرة، وهو من أصحاب الإجماع، أو لوجوده في «الكافي».

ص: 314


1- - رجال النجاشي: 232 / 615.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 215.
3- - رجال النجاشي: 122 / 314.
4- - فهرست الطوسي: 219 / 617.
5- - تهذيب الأحكام10 : 79، المشيخة.

[418] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، يَعْنِي: ابْنَ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَالْكُرُّ سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ»(1).

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: الرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُقَارِبُ اعْتِبَارَ الْأَشْبَارِ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَفْتَوُا السَّائِلَ عَلَى عَادَةِ بَلَدِهِ، وَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ فِي الصَّاعِ رِطْلُ الْعِرَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ يُوَافِقُ حَدِيثَ السِّتِّمِائَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرِّطْلُ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ رِطْلَانِ بِالْعِرَاقِيِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالسِّتِّمِائَةِ رِطْلُ الْعِرَاقِيِّ، وَلَا الْمَدَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ. ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّيْخُ، وَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْمَاءِ الْمُضَافِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِطْلَاقِهِمُ الرِّطْلَ عَلَى الْعِرَاقِيِّ(2). وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْدِيرَاتٌ مُجْمَلَةٌ لِلْكُرِّ كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِالْأَرْطَالِ أَوِ الْأَشْبَارِ؛ لِوُضُوحِ دَلَالَتِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه، ولعلّه واحد مع سابقه.

ص: 315


1- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1308، والاستبصار 1 : 11، ح17، وتقدّم صدره في الحديث5 من الباب 9 من هذه الأبواب.
2- يأتي في ذيل الحديث 2 من الباب 2 من أبواب الماء المضاف.
3- تقدّم في الحديث 8 و9 من الباب 3، والحديث 12 و 16 من الباب 9 والباب 10 من هذه الأبواب.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

سند الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب تقدّم((1)) أنّه ثلاثة طرق، اثنان منهما معتبران.

وأبو أيوب: هو الخزاز، وقد تقدّم مع بقيّة أفراد السند، وهذا السند صحيح.

فالحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، الأول والثاني معتبران، والثالث صحيح.

ص: 316


1- - إيضاح الدلائل 1 : 405.

12 - باب وجوب اجتناب الإناءين إذا كان أحدهما نجسا واشتبها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

12 - باب وجوب اجتناب الإناءين إذا كان أحدهما نجساً واشتبها

شرح الباب:

لو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الاجتناب عنهما، بلا خلاف بين أصحابنا((1)

ويظهر من الشيخ الأنصاري الإجماع عليه((2))؛ لاحتمال نجاسة كل واحد من المشتبهين، والوضوء بالنجس غير سائغ، وهذا بناء على منجزيّة العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة واقتضائه وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة كما هو المختار. وأمّا بناء على ما ذهب إليه بعضهم((3))

من عدم اقتضائه لذلك؛ إذ لا يعلم الحرام منه بعينه لاشتراط العلم فيه عنده، فلا يجب الاجتناب عنهما وإن كانا محصورين.

فعلى الأول يجب الاجتناب؛ لتنجّز العلم الإجمالي، دون الثاني، هذا.

وقد قيل: إنّه يمكن له إحراز الصلاة مع الطهارة، بأن يتوضأ بأحدهما ويصلي رجاء، ثم يغسل بالماء الثاني ما أصابه من الماء الأول في ثيابه وبدنه

ص: 317


1- - الخلاف1 : 196، مسألة 153.
2- - كتاب الطهارة 1 : 285 ، ويظهر من الخلاف 1 : 196، مسألة 153، والسرائر 1 : 85 ، والمعتبر 1 : 103، وجواهر الكلام 1 : 290.
3- - كالسيّد العاملي في مدارك الأحكام 1 : 107 - 108.

ويتوضأ بالآخر ثم يصلي مرة أخرى.

والأمر بالإهراق في الحديث لعلّه لجهة الإرشاد إلى عدم إمكان الانتفاع بالماء فيما يشترط فيه الطهارة، والأمر بالتيمّم هو لأجل عدم إيقاع المكلَّف في الحرج من جهة لزوم إيقاع الوضوء والتطهير والصلاة مرّتين.

أقوال العامّة:

الظاهر من أقوالهم وجود الخلاف في جواز استعمال المشتبه بالنجس فيما إذا كان عدد الآنية الطاهرة أكثر من النجسة، فاختلفوا في جواز التحرّي - بمعنى: طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن((1)) - وعدمه.

قال في «المغني»: «لا تخلو الآنية المشتبهة من حالين:

أحدهما: أن لا يزيد عدد الطاهر على النجس، فلا خلاف في المذهب أنّه لا يجوز التحرّي فيهما.

والثاني: أن يكثر عدد الطاهرات، فذهب أبو علي النجاد من أصحابنا إلى جواز التحرّي فيهما، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنّ الظاهر إصابة الطاهر،ولأنّ جهة الإباحة قد ترجّحت، فجاز التحرّي، كما لو اشتبهت عليه أُخته في نساء مصر.

ص: 318


1- - الصحاح 6 : 2311، مادة: «حرا». وقد عرّفه السرخسي في المبسوط بأنّه: «في الشريعة: عبارة عن طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذّر الوقوف على حقيقته». (المبسوط10 : 185).

[419] 1- قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي رَجُلٍ مَعَهُ إِنَاءَانِ وَقَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَذَرٌ وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ، وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ غَيْرِهِمَا؟ قَالَ: «يُهَرِيقُهُمَا وَيَتَيَمَّمُ»(1).

وَحَدِيثُ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وظاهر كلام أحمد أنّه لا يجوز التحرّي فيها بحال، وهو قول أكثر أصحابه، وهو قول المزني وأبي ثور.

وقال الشافعي: يتحرّى ويتوضأ بالأغلب عنده في الحالين؛ لأنّه شرط للصلاة فجاز التحرّي من أجله، كما لو اشتبهت القبلة، ولأنّ الطهارة تؤدّى باليقين تارة وبالظن أخرى، ولهذا جاز التوضؤ بالماء القليل المتغيّر الذي لا يعلم سبب تغيّره. وقال ابن الماجشون: يتوضأ من كل واحد منهما وضوء ويصلي به، وبه قال محمد بن مسلمة، إلّا أنّه قال: يغسل ما أصابه من الأول؛ لأنّه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه [كما لو اشتبه طاهر بطهور، وكما لو نسيصلاة من يوم لا يعلم عينها أو اشتبهت عليه الثياب]»((3)).

[1] - فقه الحديث:

تقدّم في شرح الحديث المشار إليه تفسير الإراقة بالصبّ عن

ص: 319


1- تقدّم في الحديث 2 من الباب 8 من هذه الأبواب.
2- تقدّم في الحديث 14 من الباب 8 من هذه الأبواب.
3- - المغني 1 : 50.

«القاموس»((1)).

وأنّ الحديث دالّ على مشروعيّة التيمم؛ إذ إنّ مقتضى العلم الإجمالي تنجّز التكليف بالاجتناب عن كلا الإناءين؛ لسقوط قاعدة الطهارة في أحدهما؛ لمعارضتها لقاعدة الطهارة في الثاني، ومع عدم جريانهما لا يكون مؤمّن في البين فيتنجّز العلم الإجمالي، فيجب الاجتناب عن كلا الإناءين، ويكون المكلَّف فاقداً للماء، وينتقل فرضه إلى التيمّم؛ لوجود شرطه، وهو فقد الماء.

وقد يقال باحتمال أن تكون الإراقة واجبة؛ مقدّمة لحصول شرط وجوب التيمّم، وهو كون المكلَّف فاقداً للماء، إلّا أنّ هذا مما لا يمكن المساعدة عليه؛ وذلك لأنّ مقتضى ذلك: أنّ موضوع وجوب التيمّم غير محقّق قبل الإراقة، ومعناه: أنّ الوضوء واجب، فإيجاب المقدّمة المعجّزة عن وجوب الوضوء غير عقلائي، فعليه لا يصح حمل الحديث على مثل هذا الاحتمال، فلا تكون الإراقة واجبة على نحو المقدميّة.

فالأمر بالإراقة لعلّه إرشاد إلى عدم ترتّب منفعة على الإناءين المشتبهين.

وقد يستدلّ بالأمر بالتيمّم على تعيّنه بنحو لا يجوز الوضوء حتى بأن يتوضأ بأحدهما ويصلي، ثم يغسل بالماء الثاني ما أصابه من الماء الأول في ثيابه وبدنه ويتوضأ بالآخر ثم يصلي مرة أخرى.

ولكنّ الظاهر عدم دلالته على ذلك؛ لأنّه أمر في مورد توهم الحظر،

ص: 320


1- - القاموس المحيط 3 : 290، مادة: «هرق».

ومثل هذا الأمر لايدلّ على أكثر من المشروعيّة كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}((1)

فإنّه لا يدلّ على أكثر من مشروعيّة الصيد بعد الإحلال. فالمكلَّف مخيّر في المقام بين التيمّم والوضوء بالنحو المتقدّم؛ وذلك لأنّ الأمر بالتيمّم وإن كان يقتضي التعيين في نفسه، إلّا أنّه في المقام - لما كان وارداً في مقام توهّم الحظر عن التيمم - أوجب ذلك صرف ظهوره من التعيين إلى التخيير؛ وذلك لأنّ المكلَّف حينئذٍ واجد للماء حقيقة إذا تصدّى للوضوء بالنحو المذكور. ومقتضى القاعدة تعيّن الوضوء، ولكنّ الشارع نظراً إلى أنّ في التوضؤ من المشتبهين على الكيفيّة السابقة حرجاً نوعيّاً على المكلَّفين قد رخّص في إتيان بدله وهو التيمّم، فالأمر به إنَّما ورد في مقام توهّم المنع عنه. ووروده كذلك قرينة صارفة لظهور الأمر في التعيين إلى التخيير.

سند الحديث:

ذكر المصنّف - في الموضع المُشار إليه - لهذا الحديث ثلاثة أسانيد:

الأول: فيه: أحمد بن محمد، وهو ابن عيسى، وقد تقدّم مع بقيّة رجال السند، والسند معتبر.

الثاني: الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وقد تقدّم أيضاً. وهذا السند معتبر أيضاً.

ص: 321


1- - المائدة، الآية 2.

المتحصل من الحدیث

الثالث: الشيخ أيضاً بإسناده، عن محمد بن يعقوب. وهذا السند أيضاً معتبر.

كما أشار (رحمه الله) إلى حديث عمّار الساباطي المتقدّم في الحديث الرابع عشر من الباب الثامن من أبواب الماء المطلق، وقد نبّهنا على وجود غلط في السند، وذكرنا ما هو الصحيح فيه، وقلنا: إنّ السند موثّق.

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً، وهو معتبر بأسانيده الثلاثة، وأشار المصنّف إلى حديث آخر موثّق.

والمستفاد من الباب أمور، منها:

1- أنّه يجب الاجتناب عن الإناءين أو الآنية التي اشتبه فيها الطاهر بالنجس إذا كانت محصورة، فلا يجوز استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة كالشرب والوضوء والغسل وتطهير المتنجسات مطلقاً عند الضرورةوعدمها، كما يأتي في الباب اللاحق.

2- أنّ الأمر بإهراق الإناءين لعلّه إرشاد إلى عدم إمكان استعمال الماء فيما يشترط فيه الطهارة، لا أنّه واجب تعبّدي.

3- أنّ التيمّم مشروع في حال اشتباه الآنية، إذا لم يكن هناك ماء غيرها، فلا يجب أن يكرّر المكلّف الوضوء أو الغُسل بعدد الآنية لتحصيل الطهارة، وإن كان ذلك جائزاً.

ص: 322

13 - باب عدم جواز استعمال الماء النجس في الطهارة ولا عند الضرورة وجواز استعماله حينئذ في الأكل والشرب خاصة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

13 - باب عدم جواز استعمال الماء النجس في الطهارة ولا عند الضرورة وجواز استعماله حينئذ في الأكل والشّرب خاصة

شرح الباب:

هذا الباب يشتمل على بيان حكمين:

الأول: عدم جواز استعمال الماء النجس في الطهارة حتى عند الضرورة. فإذا حكم بنجاسة الماء لم يجز استعماله في الطهارة مطلقاً حدثاً وخبثاً عند الضرورة وعدمها.

قال في «مشارق الشموس»: «إنّ الحكم في عدم إجزاء الطهارة - وضوء كان أو غسلاً - بالماء النجس كأنّه إجماعي»((1)).

الثاني: عدم جواز استعمال الماء النجس في الأكل والشرب إلّا عند الضرورة، فلا يجوز استعماله في الأكل بجعله جزء من المأكول، ولا

ص: 323


1- - مشارق الشموس 1 : 281.

استعماله في الشرب بشربه أو جعله جزء من المشروب إلّا عند الضرورة؛ فإنّه ما من حرام إلّا وقد أحلّه اللّه لمن اضطرّ إليه.

قال في «مستند الشيعة»: «الأصل في الأعيان النجسة والمتنجّسة - ما دامت نجسة - : الحرمة بلا خلاف، كما في المسالك وشرح الإرشاد والكفاية والمفاتيح، بل بالاتفاق كما في شرح المفاتيح، بل بالإجماع كما عن الغنية وغيرهما، بل يمكن عدّه من الضروريات كما قيل، بل بالإجماع المحقّق، وهو الحجّة فيه»((1)).

وحرمة استعمال الماء النجس في الشرب أو الأكل هي حرمة تكليفيّة، كما أنَّها في استعماله في الطهارة تحتمل الحرمة التكليفيّة؛ لأنّ استعمال المكلَّف للماء النجس فيما يعدّه المكلّف طهارة أو إزالة نجاسة في نظر الشارع يتضمّن إدخال ما ليس من الشرع فيه، فيكون بدعة، وهي حرام.

وتحتمل أن يراد بها هنا عدم الاعتداد بالطهارة في رفع الحدث أو الخبث.

أقوال العامّة:

العامّة كالخاصّة في الاتفاق على عدم جواز استعمال الماء النجس في الطهارة، قال ابن رشد في «بداية المجتهد»: «واتفقوا على أنّ الماء الذي

ص: 324


1- - مستند الشيعة 15 : 12. وانظر: مسالك الأفهام 12 : 64، ومجمع الفائدة والبرهان 11 : 216، وكفاية الأحكام 2 : 611، ومفاتيح الشرائع 2 : 217.

غيّرت النجاسة، إمّا طعمه، أو لونه، أو ريحه أو أكثر من واحدة من هذه الأوصاف أنّه لا يجوز به الوضوء ولا الطهور»((1)).

وأيضاً اتفقوا على عدم جواز التغذّي بالنجس إلّا في حال الاضطرار، قال ابن رشد في كتابه السابق: «الجملة الثانية: في استعمال المحرّمات في حال الاضطرار، والأصل في هذا الباب قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم إلَّا مَا اضطُرِرْتُم إِلَيهِ}((2)

والنظر في هذا الباب في السبب المحلّل وفي جنس الشيء المحلّل وفي مقداره. فأمّا السبب، فهو ضرورة التغذّي، أعني: إذا لم يجد شيئاً حلالاً يتغذّى به، وهو لا خلاف فيه.

وأمّا السبب الثاني: طلب البرء. وهذا المختلف فيه، فمن أجازه احتجّ بإباحة النبي عليه الصلاة والسلام الحرير لعبد الرحمن بن عوف؛ لمكان حكّة به، ومن منعه فلقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.

وأمّا جنس الشيء المستباح فهو كل شيء محرّم مثل الميتة وغيرها. والاختلاف في الخمر عندهم هو من قبل التداوي بها لا من قبل استعمالها في التغذي، ولذلك أجازوا للعطشان أن يشربها إن كان منها ري، وللشرقأن يزيل شرقه بها»((3)).

ص: 325


1- - بداية المجتهد 1 : 23.
2- - الأنعام ، الآية 19.
3- - بداية المجتهد 1 : 384.

[420] 1- قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ رَعَفَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَتَقْطُرُ قَطْرَةٌ فِي إِنَائِهِ، هَلْ يَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْهُ؟ قَالَ: «لَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

ظاهر هذا الحديث: العلم التفصيلي بوقوع الدم في الماء الذي يتوضأ منه، ولذا سأل عن جواز الوضوء منه، فأجاب الإمام (علیه السلام) بعدم جواز الوضوء منه، ولم يقيّده هنا لا بالضرورة ولا بغيرها، بل لم ترد مقيدات له في غير هذا الموضع أيضاً، وعليه فينتقل الفرض إلى التيمم إذا لم يوجد ماء آخر يتوضأ به. ويفهم منه: عدم جواز الشرب أيضاً؛ فإنّه أحد الانتفاعات التي تتوقّف على عدم النجاسة، والنجاسة كانت علّة المنع من الاستعمال في الوضوء، فهي العلّة في المنع من الاستعمال في الشرب أيضاً. وقد مرّ ذكر الاحتمالات في الحديث الذي ذكره المصنّف مع هذا الحديث في الباب الثامن من هذه الأبواب.

سند الحديث:

تقدّم في الحديث الأول من الباب الثامن من هذه الأبواب: أنّ للحديث سندين صحيحين، وثالثاً معتبراً.

ص: 326


1- تقدّم في الحديث 1 من الباب 8 من هذه الأبواب.

[421] 2- وَحَدِيثُ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْجَرَّةِ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ يَقَعُ فِيهَا أُوقِيَّةٌ مِنْ دَمٍ، أَشْرَبُ مِنْهُ وَأَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَا»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هُنَا وَعَلَى حُكْمِ الِاضْطِرَارِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

إذا وقعت أُوقيّة من دم في جرّة سعتها مائة رطل من ماء فإنّه ينفعل بالنجاسة، مع أنّ هذا المقدار من الدم لا يغيّر الماء بصفات الدم. ويترتّب على ثبوت الانفعال عدم جواز الشرب من الماء النجس، ويفهم جواز الاستعمال له في حال الضرورة؛ لأدلة رفع الحرج، وما يأتي في كتاب الأطعمة، وعدم جواز الوضوء منه حتى في حال الضرورة؛ لعدم التقييد بها في شيء من الأحاديث. فهذا الحديث دالّ على كلا الحكمين.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أولهما صحيح، والثاني معتبر.

ويستفاد منهما عدم جواز استعمال الماء النجس في الطهارة حتى عند

ص: 327


1- تقدّم في الحديث 8 من الباب 8 من هذه الأبواب.

الضرورة، وعدم جواز استعمال الماء النجس في الأكل والشرب إلّا عند الضرورة.

ص: 328

14 - باب عدم نجاسة ماء البئر بمجرد الملاقاة من غير تغير وحكم النزح

إشارة

-----------------------------------------------------------------------------

14 - باب عدم نجاسة ماء البئر بمجرد الملاقاة

من غير تغير وحكم النزح

شرح الباب:

أجمع علماء الإسلام كافة على نجاسة ماء البئر إذا تغيّر بصفات النجاسة من اللون والطعم والرائحة إذا كان قليلاً.

أقوال الخاصّة:

لا ريب عند الخاصّة في عدم تنجّس ما زاد على المتغيّر بالنجاسة إذا كان كثيراً، ولكنّ الكلام فيما إذا كان قليلاً ولاقى نجاسة ولم يتغيّر، ففيه أقوال:

«أحدها: وهو المشهور بين القدماء - على ما نقله جماعة((1))-

: النجاسة مطلقاً.

وثانيها: الطهارة واستحباب النزح، ذهب إليه من المتقدّمين الحسن بن

ص: 329


1- - منتهى المطلب 1 : 56، وذكرى الشيعة 1 : 87، وفي الدروس الشرعيّة 1 : 119 أنه الأشهر.

أبي عقيل((1)

والشيخ (رحمه الله) ((2))، وشيخه الحسين بن عبيد الله الغضائري((3))، والعلامة((4))، وشيخه مفيد الدين بن جهم((5))، وولده فخر المحقّقين((6))، وإليه ذهب عامّة المتأخرين((7)).

وثالثها: الطهارة ووجوب النزح تعبداً، ذهب إليه العلامة في المنتهى صريحاً((8))، والشيخ (رحمه الله) في التهذيب في ظاهر كلامه((9)).

ورابعها: التفصيل بين ما إذا كان ماء البئر بمقدار كرّ فهو طاهر، وما إذا كان أقل من كرّ فهو نجس، ذهب إليه الشيخ أبو الحسن محمد بن محمدبن أحمد البصروي من المتقدّمين، وهو لازم للعلامة (رحمه الله) ؛ لأنّه يعتبر الكرّية

ص: 330


1- - نسبه إليه في مدارك الأحكام 1 : 54، ونسب العلامة في مختلف الشيعة 1 : 187 إليه القول بعدم التنجيس فقط، من دون تعرّض لاستحباب النزح.
2- - المبسوط 1 : 171، والنهاية: 6.
3- - نسبه إليه غاية المراد 1 : 71، ومدارك الأحكام 1 : 54.
4- - إرشاد الأذهان 1 : 236 - 237، وتبصرة المتعلّمين: 24، وتذكرة الفقهاء 1 : 25 و 27.
5- - نسبه إليه روض الجنان 1 : 378، وغاية المراد 1 : 71.
6- - إيضاح الفوائد 1 : 17.
7- - معالم الدين 1 : 171. ولكنّ الأولى التعبير بأكثر المتأخرين، لوجود القائلين بالنجاسة كالشهيد في البيان: 99، وذكرى الشيعة 1 : 87، واللمعة: 23، والشهيد الثاني في حاشية الإرشاد 1 : 66، وإن اختار بعد ذلك القول بالطهارة في حاشية الشرائع: 24، وفي رسائله، كما أشار إلى ذلك ابنه في المعالم 1 : 171.
8- - منتهى المطلب 1 : 56 و68.
9- - تهذيب الأحكام 1 : 246، باب 11 تطهير المياه من النجاسات.

في مطلق الجاري، والبئر من أنواعه((1)).

وخامسها: التفصيل بين ما إذا كان ماء البئر بمقدار ذراعين في ذراعين فلا ينفعل، وما إذا كان أقل من ذلك فينفعل وهو غير معتصم. وهذا القول منقول عن الجعفي((2)) وهو أحد علماء الإمامية.

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «الظاهر - بل الواقع - أنّه عين التفصيل المنسوب إلى البصروي، وغاية الأمر أنّه يرى الكر أربعة أشبار في أربعة، وليس هذا تفصيلاً مغايراً للتفصيل المتقدّم بوجه»((3)).

أقوال العامّة:

الظاهر أنّ أكثر العامّة على نجاسة البئر بملاقاة النجاسة، قال بعض الحنابلة: «قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الماء الكثير - مثل الرِّجْل((4)) من البحر ونحوه - إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغيّر له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً أنّه بحاله يتطهّر منه. فأمّا ما يمكن نزحه إذا بلغ قلّتين فلا يتنجّس بشيء من النجاسات إلّا ببول الآدميين أو عذرتهم المائعة، فإنّ فيه روايتين عن أحمد، أشهرهما أنّه ينجس بذلك. روي نحو هذا عن علي والحسن البصري... والرواية الثانية: أنّه لا ينجس ما لم يتغيّر كسائر النجاسات،

ص: 331


1- - انظر: مدارك الأحكام 1 : 54.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 88، وذخيرة المعاد 1 : 127.
3- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 235.
4- - هو الخليج، وراؤه مكسورة.

اختارها أبو الخطاب وابن عقيل، وهذا مذهب الشافعي»((1)).

وقد فرّق فقهاء الحنفية في الحكم بالنجاسة بين كون الماء جارياً أو راكداً، قال الكاشاني: «وإن كان راكداً فقد اختلف فيه، قال أصحاب الظواهر: إنّ الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلاً، سواء كان جارياً أو راكداً، وسواء كان قليلاً أو كثيراً، تغيّر لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغيّر. وقال عامّة العلماء: إن كان الماء قليلاً ينجس، وإن كان كثيراً لا ينجس، لكنّهم اختلفوا في الحدّ الفاصل بين القليل والكثير...»((2))، ووافقتهم الشافعية في القول بالنجاسة في القليل، وعدمها في الكثير((3)).

وقالت المالكية بكراهة استعمال الماء القليل فيما يطلب فيه الطهارة إلّا أن يكون له مادّة كبئر((4)).

وسيأتي التصريح منهم بلزوم النزح في الأبواب الآتية إن شاء الله تعالى.

ص: 332


1- - المغني 1 : 37.
2- - بدائع الصنائع 1 : 71.
3- - المهذب 1 : 13.
4- - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 : 43.

[422] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، قَالَ: «مَاءُ الْبِئْرِ وَاسِعٌ لَا يُفْسِدُهُ شَيْ ءٌ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

احتمالان في كلمة «واسع»

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ ماء البئر واسع لا يفسده ما يرد عليه من النجاسات إلّا أن يتغيّر بأوصافها كبقيّة المياه المعتصمة. وقد وصف في الحديث بأنّه واسع، ويحتمل في السعة احتمالان:

الاحتمال الأول: أن يكون الواسع بمعنى الكثير في مقابل القليل.

وفيه:

أولاً: أنّه لا توجد مناسبة بين القلّة والسعة حتى يعبّر عن الكثير بالواسع.

ثمّ إنّ هذا على خلاف الفهم العرفي من مثل هذا التعبير؛ فإنّ العرف يفهم منه أنّ ماء البئر ليس كغيره من المياه في الحكم، ولا ينسبق إلى أذهانهم معنى الكثرة.

وثانياً: أنّ السعة في الماء أمر خارجي وليس من وظيفة الشارع بيانه؛ فإنّ وظيفة الشارع هي بيان الأحكام الشرعية.

وثالثاً: أنّ البئر لا تلزم فيه كثرة الماء حتى يكون معتصماً.

ص: 333


1- الكافي 3 : 5، ح2، وتهذيب الأحكام 1 : 409، ح1287، وتقدّم في الحديث 10 من الباب 3 من هذه الأبواب.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد بالواسع السعة في حكمه في مقابل المضيّق حكمه. وهذا الاحتمال هو المتعيّن إرادته.

بمعنى: أنّ ماء البئر واسع الحكم والاعتصام، وسعة حكمه هي اعتصامه وعدم انفعاله بشي ء مما يلاقيه من النجاسات، فهو غير مضيّق بما إذا بلغ كرّاً، كما في سائر المياه. ومقتضى الوصف بالسعة: كون المراد من قوله (علیه السلام) : «لا يفسده شيء» هو إرادة النجاسة من الشيء، وإن كان الإفساد قد أريد به العموم هنا؛ فإنّ النجاسة أقوى أنواع الإفساد.

وهذا الحكم لماء البئر الملاقي للنجس ثابت، إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه أو لونه، فإن تغيّر أحدها نجس.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني، والظاهر أنّ أحمد بن محمّد هو أحمد بن محمّد بن عيسى؛ لأنّه الذي يروي كتاب محمّد بن إسماعيل بن بزيع، وقد تقدّمت وثاقة رجال السند. وهو صحيح أعلائي.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد أشار له المصنّف في ذيل الحديث الآتي، فقد رواه الشيخ بإسناده إلى أحمد بن محمّد، وهو ابن عيسى المتقدّم في الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من هذه الأبواب،وقد تقدّم منّا بيان اعتباره.

ص: 334

[423] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْحَبْلِ يَكُونُ مِنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ يُسْتَقَى بِهِ الْمَاءُ مِنَ الْبِئْرِ، هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ(2).

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمَاءِ مَاءُ الْبِئْرِ لَا مَاءُ الدَّلْوِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَاءُ الدَّلْوِ فَإِنَّ الْحَبْلَ لَا يُلَاقِيهِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنِ الْبِئْرِ. وَيَحْتَمِلُ كَوْنُ الدَّلْوِ كُرّاً .

-----------------------------------------------------------------------------

أربعة احتمالات في الحدیث الثانی

[2] - فقه الحديث:

في هذا الحديث احتمالات، ذكر المصنّف منها ثلاثة:

الأول: أنّ شعر الخنزير نجس، والسؤال من جهة تقاطر الماء من الحبل في البئر. فالمراد بالإشارة في قوله: «من ذلك الماء» هو ماء البئر الباقي بعد مفارقة الدلو. والظاهر عدم انفكاك ماء البئر عن ملاقاة الحبل الذي يُستقى به منها، فيدل الحديث على عنوان الباب، وهو عدم نجاسة البئر بالملاقاة.

الثاني: أن يكون المراد بالإشارة في قوله: «من ذلك الماء» هو ماء الدلو،

ص: 335


1- الكافي 3 : 6، ح10.
2- تهذيب الأحكام 1 : 409، ح1289.

والحبل لا يلاقي الماء الموجود في الدلو بعد الانفصال عن البئر، فلذا كان السؤال من جهة احتمال تقاطر الماء من الحبل في الدلو. ولمّا كان احتمال وقوع القطرات من الحبل لا يوجب الحكم بالنجاسة أجاب الإمام (علیه السلام) بنفي البأس عن الوضوء بذلك الماء.

الثالث: أن يكون الدلو كرّاً، وهو بعيد؛ لندرة ذلك، والحديث لا يحمل على الفرد النادر.

وهنا احتمال آخر لم يذكره المصنّف، وهو: أنّ شعر الخنزير طاهر، كما عن السيد المرتضى، فإنّه اختار طهارة ما لا تحلّه الحياة حتى من نجس العين((1)).

هذا، ولكن الاحتمال الثاني بعيد؛ لأنّه فرض الشك في ملاقاة قطرات الماء التي تنزل غالباً من الحبل في الدلو، وهذا غير متعيّن في الحديث؛ إذ يحتمل أن يكون السؤال عن حالة العلم بإصابة تلك القطرات لماء الدلو، ولا معيّن للاحتمال الأول. فنفي البأس حينئذٍ يصيّر هذا الحديث من جملة الأدلّة على عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة، ولا داعي له بعد أن قامت الأدلّة الصريحة والإجماعات على انفعال القليل بالملاقاة.

والاحتمال الرابع أيضاً بعيد؛ بقرينة سؤال الراوي عن جواز الوضوء من الماء الذي لاقى الحبل المذكور، فيفهم منه المفروغيّة عن نجاسة شعرالخنزير. كما أنّ وجود الاحتمالات الأخرى وعدم تصريح الحديث

ص: 336


1- - الناصريات: 100.

بطهارته كافٍ في استبعاد هذا الاحتمال.

فالأظهر إرادة الاحتمال الأول.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني، وقد تقدّمت وثاقة رجاله؛ فإنّ ابن محبوب: هو الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع، وابن رئاب: هو علي بن رئاب صاحب الأصل الكبير، الثقة. والسند صحيح أعلائي.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو معتبر كما قدّمنا في الحديث الأول.

ص: 337

[424] 3- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: قُلْتُ لَهُ: شَعْرُ الْخِنْزِيرِ يُعْمَلُ حَبْلًا وَيُسْتَقَى بِهِ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي يُشْرَبُ مِنْهَا أَوْ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث أوضح دلالة من سابقه، حيث جاء السؤال عن ماء البئر التي يُشرب أو يُتوضأ منها، لا ماء الدلو، مع أنّه تأتي فيه الاحتمالات السابقة. فنفى الإمام (علیه السلام) البأس عن ماء البئر الملاقي للنجس مطلقاً، بلا استفصال منه (علیه السلام) عن كميّة الماء التي تحويها البئر، فيعمّ الحكم الماء القليل والكثير، فيدل على المطلوب، وهو عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة وإن كان قليلاً.

هذا، وإن كان الاحتمال الرابع قويّاً هنا؛ حيث إنّه بقرينة صدر الحديث كان السؤال عمّا لا تحلّه الحياة كالسن والبيضة.سند الحديث:

مرجع الضمير في «عنه» إلى محمّد بن يحيى، وأحمد بن محمّد: هو

ص: 338


1- الكافي 6 : 258، ح3، وتأتي قطعة منه في الحديث 2 و 3 من الباب 68 من النجاسات، وأورد القطعة في الحديث 4 من الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرّمة، ويأتي بتمامه في الحديث 4 من الباب 33 من الأطعمة المحرّمة.

أحمد بن محمّد بن عيسى، وابن فضّال: هو الحسن بن علي بن فضّال، وابن بكير: هو عبد الله بن بكير، وكلّهم ثقات.

وأمّا الحسين بن زرارة: فقد عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((1))، وروى عن مولانا الباقر صلوات الله عليه، كما في «التهذيب» و«الاستبصار»((2))، وروي بسند صحيح عن الإمام الصادق (علیه السلام) فيه وفي أخيه الحسن - والخطاب لأبيهما زرارة - : «ولقد أدّى إليَّ ابناك الحسن والحسين رسالتك، أحاطهما الله وكلاهما، وحفظهما بصلاح أبيهما، كما حفظ الغلامين»((3))، وهذا يدلّ على حسنهما.

وروى عنه المشايخ الثقات((4))، فيكون ثقة. والسند موثّق.

ص: 339


1- - رجال الطوسي: 195 / 2436.
2- - تهذيب الأحكام 10 : 64، باب الحد في نكاح البهائم ونكاح الأموات والاستمناء بالأيدي، ح17. الاستبصار: 4 : 226، باب حد من استمنى بيده، الحديث 3.
3- - تأريخ آل زرارة: 67، واختيار معرفة الرجال 1 : 350.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 187.

[425] 4- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَنِيفِ خَمْسُ أَذْرُعٍ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، يُتَوَضَّأُ مِنْهَا؟ قَالَ: «لَيْسَ يُكْرَهُ مِنْ قُرْبٍ وَلَا بُعْدٍ، يُتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيُغْتَسَلُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا نَحْوَهُ(2)2*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

الكنيف هو المرحاض، والخلاء، قال الفيروز آبادي في «القاموس»: «والكنف ... بالضم: ... جمع الكنيف، كأمير، وهو: السترة ...، والمرحاض»((4))، وقال ابن منظور في «لسان العرب»: «والكنيف: الخلاء»((5))،وفي «تاج العروس»: «الكنيف: الساتر ... ومنه سمّي المِرحاض كنيفاً، وهو

ص: 340


1- الكافي 3 : 8، ح4، وأورده في الحديث 7 من الباب 24 من هذه الأبواب، وتقدّم في الحديث 14 من الباب 3 من هذه الأبواب.
2- 2*) من لا يحضره الفقيه 1 : 13، ح23.
3- 3*) تهذيب الأحكام 1 : 411، ح1294، والاستبصار 1 : 46، ح129.
4- - القاموس المحيط 3 : 192، مادة: «كنف».
5- - لسان العرب 9 : 310، مادة: «كنف».

الذي تُقضى فيه حاجة الإنسان، كأنّه كُنِفَ في أستر النواحي»((1))، وفي «جمهرة اللغة»: «وكلّ شيء سترك فقد كنفك، ومنه اشتقاق الكنيف؛ لأنّه يكنُف من دخله، أي: يستره»((2)).

دلّ الحديث على أنّ المدار في تنجّس البئر بالكنيف وعدم جواز الوضوء والغسل من مائه على تغيّر صفات ماء البئر بسبب القرب، وليس المدار في ذلك على قربها منه، فحتى لو عُلمت ملاقاة النجاسة للبئر عن طريق باطن الأرض فإنَّها لا تنجس إلّا إذا عُلم بتغيّر الماء بها. نعم، يستحب تباعدهما بمقدار معيّن من الأذرع، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

سند الحديث:

ذكر المصنّف لهذا الحديث ثلاثة أنحاء:

أولها: مسنداً عن «الكافي»، وفيه: محمد بن أحمد، وهو محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري صاحب «نوادر الحكمة».

وأمّا عبّاد بن سليمان: فذكر النجاشي أنّ له كتاباً((3))، كما ذكر أنّهالراوي لكتاب سعد بن سعد الأشعري القمّي((4)). وفي ترجمة عبد الرحمن

ص: 341


1- - تاج العروس 12 : 467.
2- - جمهرة اللغة 3 : 249.
3- - رجال النجاشي: 293 / 792.
4- - المصدر نفسه: 179 / 470.

بن أحمد العسكري: أنّه من جملة المتكلمين((1)).

وذكره الشيخ في «رجاله» في باب من لم يرو عنهم ((2))، إلّا أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((3))، فيكون ثقة.

وأمّا سعد بن سعد: فهو - كما قال النجاشي - : «سعد بن سعد بن الأحوص بن سعد بن مالك الأشعري القمّي، ثقة ، روى عن الرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ،كتاب المبوب رواية عبّاد بن سليمان... غير المبوب رواية محمد بن خالد البرقي»((4))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، ووثقه((5)).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((6))، وفي القسم الثاني من «تفسير القمّي»((7)).

وأمّا محمّد بن القاسم: فقد تقدّم في الحديث السابع من الباب السابع منهذه الأبواب أنّه مشترك بين جماعة، ويمكن انطباقه هنا على محمّد بن القاسم بن الفضيل؛ لمناسبة الطبقة، فإنه من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، كما ذكر أنّه من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وروى عنه سعد بن سعد في عدّة

ص: 342


1- - رجال النجاشي: 236 / 625.
2- - رجال الطوسي: 433 / 43.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 225.
4- - رجال النجاشي: 179 / 470.
5- - رجال الطوسي: 358 / 5301.
6- - أُصول علم الرجال 1 : 223.
7- - المصدر نفسه 1 : 301.

موارد. وأمّا بقيّة المسمّين بهذا الاسم فطبقة المعروفين منهم متأخرة، فلا يمكن إرادتهم هنا. فهذا السند معتبر.

بحث رجالي حول الحسن بن حمزة العلوي

الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد مرّ مراراً أنَّها معتبرة.

الثالث: مسنداً عن «التهذيب»، وفيه: الحسن بن حمزة العلوي: قال عنه النجاشي: «الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أبو محمد، الطبري، يعرف بالمرعش. كان من أجلّاء هذه الطائفة وفقهائها، قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة ست وخمسين وثلاثمائة، ومات في سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة. له كتب»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «الحسن بن حمزة العلوي الطبري، يكنّى أبا محمد، كان فاضلاً أديباً، عارفاً فقيهاً، زاهداً ورعاً، كثير المحاسن. له كتب وتصانيف كثيرة»((2)).

وقال في «رجاله» في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) : «الحسن بن محمد بن حمزةبن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) ، المرعشي الطبري، يكنّى أبا محمد، زاهد عالم أديب فاضل، روى عنه التلعكبري، وكان سماعه منه أولاً سنة ثمان

ص: 343


1- - رجال النجاشي: 64 / 150.
2- - فهرست الطوسي: 104 / 195.

وعشرين وثلاثمائة، وله منه إجازة بجميع كتبه ورواياته»((1)).

ووصفه المفيد في «رسالة في المهر» وفي «الأمالي» بالشريف الزاهد((2))، كما وصفه بالشريف الصالح في الأمالي((3)).

وترضّى عنه الشيخان الصدوق والطوسي((4)). فهذا السند معتبر أيضاً.

ص: 344


1- - رجال الطوسي: 442 / 6087.
2- - رسالة في المهر - ضمن مصنّفات الشيخ المفيد - 18، والأمالي: 7، المجلس الأول، ح4.
3- - الأمالي: 253، المجلس الثلاثون، ح3.
4- - الخصال: 420، باب التسعة، ح14، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 50، باب النصوص على الرضا (علیه السلام) بالإمامة في جملة الأئمة الاثنا عشر (علیهم السلام) ، ح3، والأمالي للطوسي: 225، المجلس الثامن، ح41.

[426] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : بِئْرٌ يُسْتَقَى مِنْهَا وَيُتَوَضَّأُ بِهِ وَغُسِلَ مِنْهُ الثِّيَابُ وَعُجِنَ(1) بِهِ، ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا مَيِّتٌ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ، وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ، وَلَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم نجاسة ماء البئر بملاقاته للميّت، فلا يغسل الثوب الذي غسل منه، ولا تعاد الصلاة التي تُطهّر لها به، ولا يحرم أكل ما خالطه ذلك الماء،كما إذا عُجن به؛ وما ذلك إلّا لطهارته، فإنّ المرتكز في الأذهان وجوب غسل الثوب والبدن؛ لتطهيرهما من الماء الذي فيه نجاسة، وعدمجواز أكل أو شرب الماء النجس، أضف إلى ذلك وجوب إعادة الوضوء

ص: 345


1- كتب في الأصل فوقه «ويعجن» عن نسخة.
2- تهذيب الأحكام 1 : 234، ح677، والاستبصار 1 : 32، ح85.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 11، ح20.
4- الكافي 3 : 7، ح12.

لو كان الماء نجساً حتّى على الجاهل.

ولا يختلف الحكم فيما إذا كان المراد بالميّت في هذا الحديث ميّت الإنسان كما هو الظاهر منه في الإطلاقات، أو مطلق الميّت في مقابل الحي، فإنّهما مشتركان في كونهما نجسين، وبهذا يتعدّى لكل نجاسة، بلا خصوصيّة لنجاسة بعينها.

ولا إطلاق للحديث بالإضافة إلى صورة تغيّر ماء البئر بالنجس؛ لأنّ مفروض السؤال هو صورة عدم تغيّره بالنجاسة؛ حيث قال السائل: «ثم علم أنّه كان فيها ميّت»؛ إذ لو كان الماء متغيّراً بالميّت لالتفت المستقي عادة إلى وجوده فيه حال الاستقاء أو حال استعمال الماء.

إسناد الشیخ الصدوق إلی أحمد بن محمّد البزنطي

سند الحديث:

ذكر المصنّف لهذا الحديث ثلاثة طرق:

الأول: مسنداً عن «التهذيب» و«الاستبصار»، بإسناده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر.

وإسناد الشيخ إلى أحمد بن محمّد البزنطي مختلف باختلاف كتب البزنطي:

فإسناده إلى كتابه «الجامع»:

1- أخبرنا به عدّة من أصحابنا، منهم: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمدبن النعمان المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون وغيرهم، عن أحمد بن محمد بن سليمان الزراري، قال: حدّثنا به خال أبي: محمد بن

ص: 346

جعفر، وعمّ أبي: علي بن سليمان، قالا: حدّثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن محمد.

2- وأخبرنا به أبو الحسين بن أبي جيّد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد الحميد العطّار جميعاً، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر.

وإسناده إلى كتابه «النوادر»: أخبرنا به أحمد بن محمد بن موسى، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر((1)).

والطرق معتبرة.

لكن النجاشي ذكر أنّ له كتاباً آخر في النوادر، وطريقه إليه: «أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا جعفر بن محمد أبو القاسم، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن سهل، قال: حدّثنا أبي محمد بن الحسن، عن أبيه الحسن بن سهل، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن أحمد بن محمد به»((2)).

هذا، ولكنّ الظاهر أنّ بناء الشيخ على أنّه من ابتدأ باسمه فإنّه ينقل عنكتابه، وهذا يعني أنّه يروي عن كتابه المعروف عنده، فلا يشتمل على نوادره الآخر.

وأمّا عبد الكريم بن عمرو: فهو عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي

ص: 347


1- - فهرست الطوسي: 62 / 63.
2- - رجال النجاشي: 75 / 180.

[427] 6- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، قَالَ: «مَاءُ الْبِئْرِ وَاسِعٌ لَا يُفْسِدُهُ شَيْ ءٌ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ، فَيُنْزَحُ حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ وَيَطِيبَ طَعْمُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَادَّةً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الملقّب بكرّام. وقد تقدّم أنّه ثقة. والسند موثّق.

الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد مرّ أنَّها معتبرة.

الثالث: مسنداً عن «الكافي». وعلي بن محمّد: هو علي بن محمّد بن إبراهيم الكليني المعروف بعلّان، وهو خال الشيخ الكليني وشيخه، وهو من جملة العدّة التي تروي عن سهل بن زياد، وقد تقدّمت وثاقته.

وأمّا سهل بن زياد: فلم تثبت وثاقته؛ ولذا فإنّ السند ضعيف به، وقد يصحّح الحديث على بعض المباني المتقدّمة في أول الكتاب. هذا، مضافاً إلى أنّ للشيخ الكليني(قدس سره) طريقاً آخر صحيحاً إلى روايات أحمد بن محمّد بن أبي نصر، فالطريق غير منحصر بسهل.

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ ماء البئر واسع الحكم، وسعة حكمه هي اعتصامه وعدم انفعاله بشي ء مما يلاقيه من النجاسات. وهذا الحكم لماء البئر

ص: 348


1- الاستبصار 1 : 33/87، وتقدّم أيضاً في الحديث 12 من الباب 3 من هذه الأبواب.

الملاقي للنجس ثابت إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه أو لونه، فإن تغيّر أحدها نجس.

وقد فرّع الإمام (علیه السلام) على الاستثناء بفاء التفريع فقال: «فينزح»؛ لبيان علاج الفساد الحاصل في الماء بالتغيّر. وقوله: «حتى يذهب الريح ويطيب طعمه» غاية للنزح الرافع للفساد، ولبيان مقداره الذي يحصل به العلاج، وهو النزح بمقدار يذهب به التغيّر الحادث فيه من الملاقاة.

وقوله (علیه السلام) : «لأنّ له مادّة» فيه احتمالان:

أحدهما: أن يكون علّة لقوله (علیه السلام) : «واسع»، فيدلّ على أنّ اعتصام ماء البئر وعدم انفعاله بالنجاسة مستند إلى كونه مما له مادّة تمدّه، بل معناه عدم انفعال كلّ ذي مادّة بما عدا التغيّر.

الثاني: أن يكون علّة لترتّب الطهارة على الماء بسبب ذهاب تغيّره بالنزح وطيب طعمه، فيطهر؛ لأنّ له مادّة، فيدلّ الحديث - على هذا الاحتمال - على أنّ ماء البئر يرفع النجاسة الطارئة عليه بسبب اتصاله بالمادّة إذا زال تغيّره، وإذا رفع النجاسة الطارئة عليه فإنّه يدفعها بطريق أولى، باعتبار أنّ الدفع أهون من الرفع.

فالحاصل: أنّ هذا الحديث حصر موجب النجاسة في البئر بالتغيّر فقط، فملاقاة مائه للنجاسة لا توجب انفعاله بها، كما دلّ أيضاً على أنّ وجود المادّة في البئر ترفع نجاستها بعد زوال تغيّرها بما يتجدّد من المادة، كما أنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك كلّه بين كثرة الماء في البئر وقلته.

ص: 349

[428] 7- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى رَجُلٍ أَسْأَلُهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، فَقَالَ: «مَاءُ الْبِئْرِ وَاسِعٌ لَا يُفْسِدُهُ شَيْ ءٌ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ، فَيُنْزَحُ مِنْهُ حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ وَيَطِيبَ طَعْمُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَادَّةً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمّد: وهو ابن عيسى. ومحمد بن إسماعيل: وهو ابن بزيع، وقد تقدّم في الحديث الأول من هذا الباب، وفي الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من هذه الأبواب أنّ الحديث معتبر.

[7] - فقه الحديث:

تقدّم وجه الاستدلال بهذا الحديث على طهارة ماء البئر الذي خالطتهنجاسة ما لم يتغيّر، وأنّ ما تغيّر بها فإنّه ينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم. ولعلّه هو الحديث السابق، وإن كان الفرق بينهما في أنّ هذا مكاتبة دون السابق، وأنّ في السابق «فينزح حتى...»، وأمّا هنا فقال: «فينزح منه»، والمراد واحد. ولعلّ هذا الاختلاف جاء من النقل بالمعنى، وهو غير ضائر.

ص: 350


1- تهذيب الأحكام 1 : 234، ح676.

[429] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحُسَيْنِ - يَعْنِي: ابْنَ أَبِي الْخَطَّابِ - عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ بِئْرِ مَاءٍ وَقَعَ فِيهَا زَبِيلٌ(1) مِنْ عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ يَابِسَةٍ، أَوْ زَبِيلٌ مِنْ سِرْقِينٍ، أَيَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْهَا؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند ظاهره الإرسال، وَإن كان من المحتمل أنّ محمد بن إسماعيل رأى خط الإمام (علیه السلام) .

[8] - فقه الحديث:

قال في «لسان العرب»: «العَذِرة: الغائط الذي هو السَّلْح . وفي حديث ابنعمر: أنّه كره السُّلْت الذي يزرع بالعذرة، يريد الغائط الذي يلقيه

ص: 351


1- في نسخة: زنبيل. (منه(قدس سره) ) والزبيل والزنبيل: جراب، وقيل: وعاء يحمل فيه. (لسان العرب 11 : 300، مادة: «زبل»).
2- تهذيب الأحكام 1 : 246، قطعة من الحديث 709، والاستبصار 1 : 42 ، ح118.
3- قرب الإسناد: 180.

الإنسان»((1)).

والسَّلْح هو الخُرْء.

والعَذِرة لا تطلق على مدفوع ما يؤكل لحمه، وإنَّما يطلق عليه السرقين الذي هو معرب سرگين. فالعذرة تكاد تكون نصّاً في عذرة الإنسان، خصوصاً بعد عطف السرقين عليها، وظهور كون السؤال عن ملاقاة العذرة لماء البئر، فحمل العذرة على عذرة غير الإنسان بعيد جدّاً.

فالحديث ظاهر في السؤال عن وقوع عذرة في البئر بمقدار زنبيل، وأنّه يقتضي انفعال مائها أو لا يقتضيه؟ وأجابه (علیه السلام) بقوله: «لا بأس»، أي: لا بأس بالوضوء من الماء الذي لاقته عذرة بقدر الزنبيل. فدلالة الحديث على عدم انفعال البئر بملاقاة العذرة واضحة؛ لعدم جواز الوضوء من الماء المتنجّس بالضرورة.

وقد نوقش في دلالة الحديث على عدم الانفعال: بأنّ ما لاقى الماء قطعاً هو الزنبيل، ولم يعلم أنّ العذرة - أيضاً - لاقت الماء، فلا يدل الحديث على اعتصام ماء البئر.

إشكال في دلالة الحدیث الثامن علی عدم الانفعال

وفيه: أولاً: أنّ مفروض السؤال هو ملاقاة العذرة للماء، ولو كان السؤال عن أنّ الملاقي له هو الزنبيل الذي فيه عذرة، لكان الأنسب أن يكون السؤال عن زنبيل فيه عذرة، لا عن زنبيل من العذرة كما في هذا الحديث.

وثانياً: لو سلّمنا أنّ السؤال كان عن زنبيل فيه عذرة، إلّا أنّ عدم ملاقاة العذرة للماء بعد فرض ملاقاة الزنبيل له ملحق بالمستحيلات، فإنّ ما يصنع

ص: 352


1- - لسان العرب 4 : 554 ، مادة «عذر».

منه الزنبيل لا يمنع عن سراية الماء إلى داخله.

وثالثاً: بعد الإغماض عن كل ما تقدّم فإنّ شأن علي بن جعفر - الذي هو أحد الأركان في الدين، ولم يوجد مثله من الهاشميين - أجلّ من أن يسأل عن ملاقاة الزنبيل لماء البئر مع وضوح أنّ الزنبيل ليس من الأعيان النجسة.

ولا يتوهّم أنّ المراد بالعذرة عذرة ما يؤكل لحمه دون عذرة الإنسان أو غيره مما لا يؤكل لحمه؛ لأنّ العذرة مرادفة للخرء، ويختصّ استعمالها بمدفوع الإنسان أو ما يشابهه في النجاسة من مدفوع سائر الحيوانات، ولا يطلق على مدفوع ما يؤكل لحمه، بل يطلق عليه السرقين كما تقدّم.

أضف إلى ذلك: أنّ السؤال عن حكم زنبيل من سرقين بعد السؤال عن الزنبيل من العذرة ينافي أن يكون المراد من العذرة في الأول عذرة ما يؤكل لحمه، وإلّا لم يكن وجه لسؤاله عنه ثانياً؛ إذ الفرض أنّه سأل عنه أولاً.

ولا يتوهّم - أيضاً - أنّ المراد نفي البأس عن الوضوء بعد أن يتمّ النزح المقدّر؛ لأنّ هذا هو مقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيَّد؛ فإنّ هذا الحديث قد دلّ على نفي البأس عن التوضؤ بماء البئر بعد ملاقاة النجس مطلقاً، وقد دلّت أحاديث أُخرى على لزوم النزح بملاقاة النجس، فهذهالأحاديث تقيّد هذا الحديث المطلق، وتكون النتيجة: أنّه يجوز التوضؤ بماء البئر الذي لاقى النجاسة بعد أن ينزح منه المقدار المعيّن؛ لأنّ الأحاديث الآمرة بالنزح ليس فيها دلالة على النجاسة حتى يتأتّى هذا الاحتمال.

ص: 353

[430] 9- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَيَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْهَا وَيُصَلِّي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ؟ فَقَالَ: «لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَغْسِلُ ثَوْبَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

ذكر المصنف لهذا الحديث سندين:

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد تقدّمت رجاله، والسند صحيح.

الثاني: سند «قرب الإسناد»، وقد تقدّم في الحديث السادس من الباب الرابع من مقدّمات العبادات((2)

والسند معتبر.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم انفعال ماء البئر بوقوع الفأرة فيه. وفرض السؤال هو التوضؤ وغَسل الثوب بعد وقوع الفأرة فيه؛ بقرينة التفريع في قوله «فيتوضأ الرجل منها».

ص: 354


1- تهذيب الأحكام 1 : 233، ح671.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 391.

[431] 10- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ - يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِمَّا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، إِلَّا أَنْ يُنْتِنَ، فَإِنْ أَنْتَنَ غسلَ الثَّوْب، وَأَعَادَ الصَّلَاةَ(1)، وَنُزِحَتِ الْبِئْرُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد يقال: إنّ الحكم بعدم إعادة الصلاة وعدم لزوم غَسل الثوب إنَّما هو لعدم نجاسة عين الفأرة، فإنّه لم يصرّح في الحديث بموتها.

إلّا أنّ هذا الاحتمال مدفوع بأنّ عدم الاستفصال من الإمام (علیه السلام) يفيد الشمول لموت الفأرة، إن لم يكن الظاهر من وقوع الفأرة في البئر هو موتها فيها، كما يقال: وقع فلان في البئر، أي: مات فيها؛ حيث لا يتوهّم انفعال ماءالبئر بالفأرة التي لم تمت فيها.

سند الحديث:

تقدّم إسناد الشيخ إلى سعد بن عبد الله في الحديث الخامس من الباب الأول من هذه الأبواب.

ص: 355


1- كذا في الأصل، وفي الاستبصار: وأُعيدت.
2- تهذيب الأحكام 1 : 232، ح670، والاستبصار 1 : 30، ح80.

وأحمد بن محمّد: هو ابن عيسى على الظاهر. وأبو طالب عبد الله بن الصلت: تقدّمت ترجمته، وكذا عبد الله ومعاوية. والسند صحيح.

[10] - فقه الحديث:

الحديث دالّ - كسوابقه - على عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة؛ لتصريحه بعدم وجوب غسل الثوب الذي أصابه من مائها، وعدم إعادة الصلاة الواقعة في ذلك الثوب إلّا في صورة التغيّر بالنجاسة.

قال السيد الأُستاذ(قدس سره) : «ولا يبعد أن يكون استثناء التغيّر بالنتن دون سائر الأوصاف قرينة على أنّ المفروض وقوعه في البئر خصوص الميتة النجسة من إنسان أو شاة أو فأرة ونحو ذلك، مما يغلب وقوعها في البئر؛ لسرعة تغيّر الماء بريح النجس حينئذ دون وصفيه الآخرين. وأمّا احتمال شمول إطلاق ما وقع في البئر للشي ء الطاهر فهو ضعيف؛ وذلك بملاحظة استثناء صورة التغيّر، فإنّ التغير بالطاهر لا يوجب نجاسة الماء قطعاً»((1)).وعليه: فلا يلتفت إلى ما قيل من أنّ الماء قد ينتن بالطاهر كاللّحم المذكّى، كما ينتن بالنجس والمتنجس، فلا يكون السؤال عن خصوص الميتة النجسة.

سند الحديث:

أحمد بن محمّد: هو أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، من مشايخ

ص: 356


1- - فقه الشيعة 2 : 22.

المفيد، وقد تقدّم أنّه لم يوثّق، وذكرنا أنّ للشيخ الطوسي طريقين معتبرين إلى جميع روايات أبيه، كما للصدوق أيضاً طريق صحيح((1))، وأبوه: هو محمّد بن الحسن بن الوليد الثقة الجليل.

وأحمد بن محمّد - الذي يروي عنه الصفار هنا - : هو أحمد بن محمّد بن عيسى، كما يشهد به التتبع.

وبقيّة أفراد السند تقدّم أنَّهم ثقات، والسند صحيح.

ص: 357


1- - فهرست الطوسي: 237 / 709.

[432] 11- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ - يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى - عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ لَا يُعْلَمُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا، أَيُعَادُ الْوُضُوءُ؟(1) فَقَالَ: «لَا»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

الظاهر أنّ فرض سؤال الراوي هو موت الفأرة في البئر، لأنه من المستبعد أن يسأل عن حكم الفأرة التي تخرج من البئر حيّة؛ لعدم كونها من الأعيان النجسة. فالحكم بعدم إعادة الوضوء لا وجه له، إلّا إذا كان ماؤها طاهراً بحسب الواقع. وعلى تقدير عدم ظهور الحديث في كون المفروض موت الفأرة، فلا أقل من الإطلاق الكافي في المقام.

لا يقال: إنّ المرتكز في ذهن الراوي هو بطلان الوضوء في صورة العلم بوجود النجاسة وسؤاله عن صورة الجهل بها، فيكون حكم الإمام (علیه السلام) بعدم إعادة الوضوء حكماً ثانويّاً تعبديّاً، فلا يدلّ حكمه بعدم لزوم الإعادة على عدم تنجّس ماء البئر.

لأنّا نقول: إنّه على فرض كون طهارة الماء للوضوء من الشرائط الواقعيّةلا العلميّة، فحكمه (علیه السلام) بعدم لزوم الإعادة يكشف عن أنّ وضوءه كان

ص: 358


1- في الاستبصار: أتعاد الصلاة.
2- تهذيب الأحكام 1 : 233، ح672، والاستبصار 1 : 31، ح82.

[433] 12- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ الطَّيْرُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْفَأْرَةُ فَانْزَحْ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي صَلَاتِنَا وَوُضُوئِنَا وَمَا أَصَابَ ثِيَابَنَا؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

صحيحاً بحسب الواقع.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجاله، والسند صحيح.

[12] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ وقوع المذكورات في البئر لا يوجب انفعال مائها؛ لما تضمّنه من الحكم بنفي البأس عن الصلاة والوضوء وما أصاب الثياب، وهذا الحكم كالصريح في أنّ البئر لا تنجس بالملاقاة، كما أنّه ظاهر في نزح السبع دلاء للفأرة، سواء تفسّخت أم لا، وهذا مطلق قابل للتقييد.

سند الحديث:

مراده بالإسناد عن أبان بن عثمان، هو: الشيخ المفيد، عن أبي القاسمجعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان.

ص: 359


1- تهذيب الأحكام 1 : 233، ح674، والاستبصار 1 : 31، ح84.

[434] 13- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي عُيَيْنَةَ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِذَا خَرَجَتْ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ تَفَسَّخَتْ فَسَبْعَ دِلَاءٍ».

قَالَ: وَسُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَلَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا، أَيُعِيدُ وُضُوءَهُ وَصَلَاتَهُ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ؟ فَقَالَ: «لَا، قَدِ اسْتَعْمَلَ أَهْلُ الدَّارِ وَرَشُّوا».

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «قَدِ اسْتَقَى مِنْهَا أَهْلُ الدَّارِ وَرَشُّوا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأبو أُسامة: هو زيد الشحّام الثقة، وهو صاحب كتاب مشهور.

وأمّا أبو يوسف يعقوب بن عثيم: فلم يرد فيه شيء، لكن روى عنه المشايخ الثقات((2)

فيكون ثقة، ومع ذلك فوجوده في السند غير مضر بعد عطفه على أبي أسامة زيد الشحّام.

والسند صحيح كسابقه.

[13] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفأرة لا تؤثّر مع الحياة في البئر شيئاً، ومع الموت

ص: 360


1- تهذيب الأحكام 1 : 233، ح673، والاستبصار 1 : 31، ح83.
2- - روى عنه ابن أبي عمير في مشيخة الفقيه في طريقي الصدوق إليه. (من لا يحضره الفقيه 4 : 423، المشيخة).

إن تفسّخت لزم نزح سبع دلاء منها.

والحكم بنفي لزوم إعادة الصلاة والوضوء وما أصابه كالصريح في أنّ البئر لا تنجس بالملاقاة.

احتمالان في قوله علیه السلام «قد استعمل أهل الدار و رشّوا»

وأيضاً هذا الحديث أظهر في كون نظر السائل لصورة موت الفأرة؛ لأنّه (علیه السلام) قد بيّن أولاً: أنّه إذا خرجت حيّة فلا بأس. ففرض عدم العلم بالفأرة إلّا بعد الوضوء إنَّما يفيد إذا فرضها ميّتة، فإنّه من الواضح بمكان أنّه لا فرق بين العلم قبل الوضوء أو بعده في عدم البأس.

وفي المراد بقوله (علیه السلام) : «قد استعمل أهل الدار ورشّوا» احتمالان:

أحدهما: أنّه لو أعاد السائل الوضوء والصلاة لأجل أن يرفع ما في نفسه من الريبة من استعمال ذلك الماء لكبر فعله على أهل الدار؛ لأنَّهم أصابهم ما أصابه منه، وللزم الحرج والمشقة عليهم في رفع ما يريبهم.

الثاني: أنّ الغرض من النزح هو رفع استكراه الخبث، وهو قد حصل باستعمال أهل الدار للماء المذكور، فإنّهم استقوا من ماء البئر ورشوا قبل الوضوء المقدار اللازم في نزحها، فلا حاجة إلى نزح آخر، وما ورد في الرواية الأخرى من قوله (علیه السلام) : «قد استقى منها أهل الدار» يقوّي هذا الاحتمال؛ لأنّ في الاستقاء منها نقصان من الماء، وهو يرفع استكراه الخبث.

سند الحديث:

فيه: محمّد بن الحسين: وهو محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، وقد تقدّمت وثاقته.

ص: 361

[435] 14- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصِرْنَا إِلَى بِئْرٍ، فَاسْتَقَى غُلَامُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) دَلْواً فَخَرَجَ فِيهِ فَأْرَتَانِ(1)، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «أَرِقْهُ»، فَاسْتَقَى آخَرَ، فَخَرَجَ فِيهِ فَأْرَةٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «أَرِقْهُ»، قَالَ: فَاسْتَقَى الثَّالِثَ فَلَمْ يَخْرُجْ فِيهِ شَيْ ءٌ، فَقَالَ: «صُبَّهُ فِي الْإِنَاءِ»، فَصَبَّهُ فِي الْإِنَاءِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وفيه: أبو عيينة: ذكره النجاشي من دون ترجمة((3)

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4))، إلّا أنّه روى عنه المشايخ الثقات((5)

فيكون ثقة، والسند معتبر.

[14] - فقه الحديث:

الحديث دالّ على عدم انفعال ماء البئر بالنجاسة؛ فإنّ الوضوء منه والشرب يدلّ على جواز استعماله. ولو كان نجساً لم يجز ذلك. هذا بناء على ثبوت الزيادة التي ذكرها المحقّق في «المعتبر».

ص: 362


1- في نسخة: فأرة. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 239، ح693، والاستبصار 1 : 40، ح112.
3- - رجال النجاشي: 460 / 1259.
4- - رجال الطوسي: 150 / 1674.
5- - أُصول علم الرجال 2 : 222.

وَرَوَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» نَحْوَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ «فَصَبَّهُ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَشَرِبَ»(1)1*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ مَا نَقَصَ عَنِ الْكُرِّ حَدِيثٌ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وبهذا يتّضح عدم الحاجة للتأويلات التي ذكرها شيخ الطائفة في ذيل هذا الحديث؛ فإنّ أكثرها مبني على استفادة أنّ الماء نجس. والوجوه التي ذكرها هي: أنّه «يحتمل مع تسليمه أن يكون المراد بالبئر: المصنع الذي فيه من الماء ما يزيد مقداره على الكرّ، فلا يجب نزح شي ء منه، وذلك هو المعتاد في طريق مكة، مع أنّه ليس في الخبر أنّه توضّأ بذلك الماء، بل قال لغلامه: صبّه في الإناء، وليس في ذلك دليل على جواز استعمال ما هذا حكمه في الوضوء. ويجوز أن يكون إنَّما أمره بالصبّ في الإناء لاحتياجهمإليه لسقي الدواب والإبل، أو للشرب عند الضرورة الداعية إليه، وذلك سايغ. ويحتمل أيضاً أن تكون الفأرتان خرجتا حيّتين. وإذا كان كذلك جاز استعمال ما بقي من الماء؛ لأنّ ذلك لا ينجس الماء»((3)).

فعلى نقل الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» الخالي عن هذه الزيادة في دلالة الحديث تأمّل.

ص: 363


1- 1*) المعتبر 1 : 48.
2- 2*) تقدّم في الحديث 12 من الباب 8 من هذه الأبواب.
3- - الاستبصار 1 : 40.

[436] 15- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا زَبِيلُ عَذِرَةٍ يَابِسَةٍ أَوْ رَطْبَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

مناقشة في الحدیث الخامس عشر و الجواب عنها

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراد السند، والسند ضعيف بالإرسال.

[15] - فقه الحديث:

دلالة الحديث على عدم انفعال البئر بملاقاة العذرة واضحة، إلّا أنّ الكلام في القيد المذكور في جواب الإمام (علیه السلام) ، وهو قوله: «إذا كان فيها ماء كثير»، ومفهومه: أنّه إذا لم يكن فيها ماء كثير ففيه البأس. فإذا تمَّمدلوله كان مقيِّداً لإطلاقات الأحاديث المتقدّمة. وعليه: يفصّل بين ما إذا كان ماء البئر كثيراً فيعتصم، وما إذا كان قليلاً فيحكم بانفعاله. وهو ما اختاره الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد البصروي.

والجواب عنه: أنَّ لفظة الكثير باقية على معناها اللغوي، وهو المقابل للقليل؛ إذ لم تثبت لها حقيقة شرعيّة بمعنى الكرّ، ولا متشرعيّة. ولعلّ السر في تقييد الإمام (علیه السلام) الماء بالكثرة هو: أنّ النجاسة المفروضة في السؤال

ص: 364


1- تهذيب الأحكام 1 : 416، ح1312، والاستبصار 1 : 42، ح117.

كثيرة المقدار، فلو كان ماء البئر بقدر كرّ أو أقل منه لتغيّر بوقوع زبيل العذرة فيه، فيكون الحديث مفصّلاً بين صورة تغيّر ماء البئر بالنجاسة فينجس، وصورة عدم ذلك، فلا ينجس، لا أنّه يفصل بين الكرّ أو الأكثر والقليل .

ويمكن أن يستدل له أيضاً بحديث الثوري المتقدّم، وهو: عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إذا كان الماء في الرّكيّ كرّاً لم ينجّسه شي ء»، قلت: وكم الكرّ؟ قال: «ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها»((1)).

وقد سبق منّا نقل كلام الشيخ في ذيل هذا الحديث، حيث قال: «والوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من التقيّة؛ لأنّه موافق لمذهب بعضالعامّة خاصة»((2)) وقلنا: إنّ هذا مذهب الشافعي في كتابه الأم((3)).

ص: 365


1- - الكافي 3 : 2، ح4.
2- - تهذيب الأحكام 1 : 408، باب المياه وأحكامها، ح 1.
3- - الأم 7 : 173.

[437] 16- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ ابْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي زِيَادٍ النَّهْدِيِّ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ يُجْعَلُ دَلْواً يُسْتَقَى بِهِ الْمَاءُ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(2).

قَالَ الشَّيْخُ: الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَقَى بِهِ، لَكِنْ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي سَقْيِ الدَّوَابِّ وَالْأَشْجَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

أحمد بن الحسن: هو أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، الفطحي الثقة.

وعمرو بن سعيد: هو عمرو بن سعيد الساباطي المدائني.

وعمار: هو عمار بن موسى الساباطي، تقدّم توثيقه مع بقيّة أفراد السند، فهذا السند موثّق.

ثلاثة احتمالات في الحدیث السادس عشر

[16] - فقه الحديث:

في هذا الحديث - بعد أن كان الموضوع هو البئر لا مطلق الماء بقرينةجعل جلد الخنزير دلواً فإنّه يستعمل في الاستقاء منها - ثلاثة احتمالات:

ص: 366


1- تهذيب الأحكام 1 : 413، ح1301.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 9، ح14.

أحدها: أنّ السؤال ناظر إلى الاستقاء بالدلو المتخذ من جلد الخنزير، وجواب الإمام (علیه السلام) بنفي البأس في الاستقاء به، إلّا أنّه لا يجوز استعمال ذلك الماء في الوضوء ولا الشرب، بل يستعمل في غير ذلك من سقي الدواب والبهائم وما أشبه ذلك. ولو انفعل البئر لكان ينبغي التنبيه على ذلك لئلّا يستعمل بعد ذلك قبل النزح.

الثاني: أنّ نفي البأس إنما هو بالنسبة إلى البئر، وأنَّها لا تنجس بذلك.

الثالث: أنّ السؤال كان عن جعل جلد الخنزير دلواً يستقى به، أي: عن نفس استعماله، باعتباره أحد أفراد الميتة ونجس العين. واحتمال حرمة الاستعمال احتمال معقول في عرف المتشرعة، كما يكشف عنه ذهاب المشهور من العلماء إلى الحرمة. وعلى هذا: لا يكون الحديث ناظراً إلى حيثيّة طريقيّة الاستقاء للانفعال وعدمه، فيكون أجنبيّاً عن المقام.

سند الحديث:

رواه المصنّف بنحوين:

الأول: مسنداً عن «التهذيب»، وفيه: أبو زياد النهدي: وهو مجهول الحال والاسم، إلّا أنّه روى عنه المشايخ الثقات((1)

فيكون ثقة. والسندمعتبر.

واحتمال أن يراد به الهيثم بن أبي مسروق النهدي بعيد؛ لأنّ كنيته أبو

ص: 367


1- - أُصول علم الرجال 2 : 220.

[438] 17- وَعَنْهُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْفَأْرَةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الدَّوَابِّ فَتَمُوتُ فَيُعْجَنُ مِنْ مَائِهَا، أَيُؤْكَلُ ذَلِكَ الْخُبْزُ؟ قَالَ: «إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

محمد، لا أبو زياد.

وقال المجلسي الأول في «روضة المتقين»: «وروى ابن عمير عن أبي زياد النهدي، والظاهر زيادة (عن) و(أبي) من النساخ. وكان هكذا (محمد بن أبي عمير زياد النهدي)؛ فإنّ اسم أبيه زياد»((2))، فلو ثبت انتفى الإشكال.

الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد سبق الكلام في اعتبار مراسيله.

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على طهارة ماء البئر؛ لجواز أكل الخبز، ولو كان نجساً لما جاز أكله. وهذا الحديث مقيّد بإصابة النار للمتنجّس، وقد يتوهّم منه أنّالنار مطهرة للمتنجّس، ويحمل البأس على التنزّه لا على النجاسة، فلا يكون الحديث دالّاً على مطهريّة النار للمتنجسات، بل يدلّ على ارتفاع الحزازة التنزيهيّة بها.

ص: 368


1- تهذيب الأحكام 1 : 413، ح1303، والاستبصار 1 : 29، ح74.
2- - روضة المتقين 13 : 106.

اشتراك موسى بن عمر بين أشخاص

سند الحديث:

المراد بالضمير في «عنه» هو محمّد بن علي بن محبوب.

وفي السند: موسى بن عمر: وهو مشترك بين أشخاص:

أحدهم: موسى بن عمر البغدادي: وهو ليس بمعروف.

الثاني: موسى بن عمر بن بزيع: قال النجاشي: «موسى بن عمر بن بزيع مولى المنصور، ثقة، كوفي، له كتاب، أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا أبو غالب أحمد بن محمد الزراري، قال: حدّثنا محمد بن جعفر الرزاز، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا، قال: حدّثنا موسى بن عمر بن بزيع بكتابه»((1)).

وقال الشيخ في «رجاله»: «موسى بن عمر بن بزيع، ثقة»((2)).

وفي «الفهرست»: «موسى بن عمر، له كتاب النوادر، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد والحميري،عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد الرحمن بن حماد، عنه»((3)).

فالراوي لكتابه يحيى بن زكريا وعبد الرحمن بن حماد.

الثالث: موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل: قال النجاشي: «موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، مولى بني نهد، أبو علي، وله ابن اسمه علي، وبه كان يكتنى. له كتاب طرائف النوادر وكتاب النوادر، أخبرنا

ص: 369


1- - رجال النجاشي: 409 / 1089.
2- - رجال الطوسي: 378 / 5598.
3- - فهرست الطوسي: 244 / 727.

الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمد، عن سعد، عن موسى بكتبه»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «موسى بن عمر بن يزيد الصيقل، له كتاب، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن علي بن محبوب، عنه»((2)).

فالراوي عنه محمد بن علي بن محبوب. والظاهر أنّه المراد هنا.

ويحتمل اتحاده مع موسى بن عمر الحضيني الذي عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ((3))، ولم يرد في حقه توثيق، إلّا أنّهورد في أسناد «نوادر الحكمة»((4))، فيكون ثقة.

وفيه: أحمد بن الحسن الميثمي: قال النجاشي: «أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار، مولى بني أسد، قال أبو عمرو الكشّي: كان واقفاً، وذكر هذا عن حمدويه، عن الحسن بن موسى الخشاب، قال: أحمد بن الحسن واقف. وقد روى عن الرضا (علیه السلام) ، وهو على كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه، له كتاب نوادر»((5)).

ص: 370


1- - رجال النجاشي: 405 / 1075.
2- - فهرست الطوسي: 243 / 721.
3- - رجال الطوسي: 392 / 5775.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 241.
5- - رجال النجاشي: 74 / 179.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن عبد الله التمّار، أبو عبد الله، مولى بني أسد، كوفي صحيح الحديث سليم. روى عن الرضا (علیه السلام) ، وله كتاب النوادر»((1))، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، ونصّ على وقفه((2)).

وفيه: أحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير: وهو مجهول، ولم يرد له في الكتب الأربعة غير هذا الحديث.

وفيه: جدّ أحمد المذكور، وهو عبد الله بن الزبير الأسدي: قال النجاشي: «عبد الله بن الزبير الأسدي، روى نوادر كتاباً عن أبي عبدالله (علیه السلام) »((3)). قتل مع زيد بن علي بن الحسين (علیهما السلام) ((4)). لم يرد فيه شيء. فالسند ضعيف.

ص: 371


1- - فهرست الطوسي: 54 / 66.
2- - رجال الطوسي: 332 / 4950.
3- - رجال النجاشي: 220 / 576.
4- - الأمالي للشيخ الصدوق: 416، المجلس الرابع والخمسون، ح13. وفيه: أنّ عبد الله بن الزبير أخو فضيل الرسان.

[439] 18- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي عَجِينٍ عُجِنَ وَخُبِزَ ثُمَّ عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ كَانَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ، أَكَلَتِ النَّارُ مَا فِيهِ»(1).

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْمَاءِ هُنَا إِمَّا مَا بَلَغَ كُرّاً، أَوْ مَاءُ الْبِئْرِ بِقَرِينَةِ مَا سَبَقَ وَغَيْرِهِ. وَالتَّعْلِيلُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ إِصَابَةِ النَّارِ لِزَوَالِ كَرَاهِيَةِ سُؤْرِ الْفَأْرَةِ.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا. وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ فِي مَاءِ الْبِئْرِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[18] - فقه الحديث:

لم يصرّح في هذا الحديث بأنّ الماء هو ماء البئر، لكن يمكن القول بأنّه المراد بقرينة ما سبق من الأحاديث، والتصريح في «الفقيه» بأنّه في ماء البئر. كما يحتمل أن يراد به ما بلغ كرّاً، فإنّه لا ينجس كما مرّ. وهو معلّل بإصابة النار للمتنجّس، ولعلّه كناية عن زوال سؤر الميتة، فإصابة النار للمتنجّس تُذهب بالاستقذار لما ساورته الميتة.

سند الحديث:

ذكره المصنف بنحوين:

ص: 372


1- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1304، والاستبصار 1 : 29، ح75.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 11، ح19 قطعة منه.

[440] 19- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ سَام أَبْرَصَ وَجَدْنَاهُ فِي الْبِئْرِ قَدْ تَفَسَّخَ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَنْزَحَ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»، فَقَالَ لَهُ: فَثِيَابُنَا قَدْ صَلَّيْنَا فِيهَا، نَغْسِلُهَا وَنُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: مسنداً عن «التهذيب» و«الاستبصار». ومحمد بن الحسين فيه هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، الثقة، والحديث من مراسيل ابن أبي عمير، فالسند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن «من لا يحضره الفقيه»، وقد تقدّم الكلام في اعتبار مراسيله.

[19] - فقه الحديث:

قال في «لسان العرب»: «سام أبرص، مضاف غير مركب ولا مصروف: الوزغة. وقيل: هو من كبار الوزغ»((2)).

والظاهر أنّ هذا الحديث خارج عن المقام؛ لأنّ السام أبرص مما لا نفسله سائلة، وهو ليس بنجس العين، ولا ميتته نجسة، فموته في البئر لا ينجّسها، فيظهر منه أنّ الأمر بالنزح ليس لأجل نجاسة الماء، وإنَّما هو لإزالة الاستقذار الناشئ من تفسّخ الوزغة.

ص: 373


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح32.
2- - لسان العرب 7 : 5، مادة: «برص».

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(1)1*).

أَقُولُ: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا: أَنَّ النَّزْحَ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ. وَلَهُ نَظَائِرُ تَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

إسناد الشیخ الصدوق إلی يعقوب بن عثيم

سند الحديث:

ذكر المصنّف الحديث بسندين:

الأول: سند «الفقيه»، وإسناد الصدوق إلى يعقوب بن عثيم عبارة عن طريقين:

1- محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن يعقوب بن عثيم.2- أبوه رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن يعقوب بن عثيم((3)).

والطريق الأول منهما معتبر، والثاني صحيح. ويعقوب بن عثيم: تقدّمت

ص: 374


1- 1*) الاستبصار 1 : 41، ح114، وتهذيب الأحكام 1 : 245، ح707، ويأتي صدره في الحديث7 من الباب 19 من هذه الأبواب.
2- 2*) تأتي في أكثر أحاديث الأبواب الآتية من هذه الأبواب.
3- - من لا يحضره الفقيه 4 : 423، المشيخة.

[441] 20- قَالَ: وَقَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : «كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ بِئْرٌ وَسَطَ مَزْبَلَةٍ، فَكَانَتِ الرِّيحُ تَهُبُّ وَتُلْقِي فِيهَا الْقَذَرَ، وَكَانَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَتَوَضَّأُ مِنْهَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وثاقته في الحديث الثاني عشر من هذا الباب، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه: أحمد بن محمّد: وهو ابن عيسى. وأبان: هو أبان بن عثمان. والسند معتبر.

[20] - فقه الحديث:

دلالته على طهارة البئر الملاقية للنجاسات واضحة؛ لاستمراريّة توضي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) منها. والمزبلة لا تخلو من وجود النجاسات فيها.

سند الحديث:

هو من مراسيل الصدوق، ويبتني قبولها على قبول شهادة «الفقيه» كما مرّمراراً.

ص: 375


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح33.

[442] 21- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى رَجُلٍ أَسْأَلُهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ تَكُونُ فِي الْمَنْزِلِ لِلْوُضُوءِ، فَيَقْطُرُ فِيهَا قَطَرَاتٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ، أَوْ يَسْقُطُ فِيهَا شَيْ ءٌ مِنْ عَذِرَةٍ، كَالْبَعْرَةِ وَنَحْوِهَا: مَا الَّذِي يُطَهِّرُهَا حَتَّى يَحِلَّ الْوُضُوءُ مِنْهَا لِلصَّلَاةِ؟ فَوَقَّعَ (علیه السلام) بِخَطِّهِ فِي كِتَابِي: «يُنْزَحُ دِلَاءٌ مِنْهَا»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَوْ يَسْقُطُ فِيهَا شَيْ ءٌ مِنْ غَيْرِهِ كَالْبَعْرَةِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جملة ما استدل به الذاهبون إلى نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة، حيث إنّ السؤال كان عن كيفية التطهير بعد الفراغ عن النجاسة، وقوله (علیه السلام) : «ينزح دلاء منها» تقرير منه (علیه السلام) على نجاستها، وتعليم منه لكيفيّة التطهير، فهو في قوة قوله: طهرها بأن ينزح منها دلاء؛ ليتطابق السؤالوالجواب، وطهرها بالنزح يقتضي نجاستها قبله.

ص: 376


1- الكافي 3 : 5، ح1.
2- تهذيب الأحكام 1 : 245، ح705.
3- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح705، والاستبصار 1 : 44، ح124.

أَقُولُ: هَذَا الْخَبَرُ مِنْ شُبُهَاتِ الْقَائِلِينَ بِانْفِعَالِ الْبِئْرِ بِالْمُلاقَاةِ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ دَلَالَةَ التَّقْرِيرِ هُنَا ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى التَّقِيَّةِ وَعَلَى إِرَادَةِ الطَّهَارَةِ اللُّغَوِيَّةِ، أَعْنِي: النَّظَافَةَ؛ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الِاجْتِنَابِ قَبْلَ النَّزْحِ؛ وَعَلَى إِرَادَةِ دَفْعِ احْتِمَالِ التَّغَيُّرِ وَزَوَالِ النِّفْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْإِجْمَالُ فِي هَذَا وَفِي أَحَادِيثِ النَّزْحِ مِنْ أَمَارَاتِ الاسْتِحْبَابِ، مَعَ كَثْرَةِ الاخْتِلَافِ جِدّاً كَمَا تَرَى، وَثُبُوتِ النَّزْحِ مَعَ عَدَمِ النَّجَاسَةِ كَوُقُوعِ الْجُنُبِ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ، وَوُجُودِ التَّصْرِيحِ بِجَوَازِ الاسْتِعْمَالِ قَبْلَ النَّزْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى» وَغَيْرُهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأجاب عنه الماتن: بأنّ الحديث ليس فيه صراحة في الانفعال، باعتبار أنّ دلالة تقرير الإمام (علیه السلام) للسائل ضعيفة؛ لوجوه:

الأول: أنّه يحتمل الحمل على التقيّة؛ لموافقتها للعامة كما مرّ.

الثاني: أنّه يحتمل إرادة الطهارة اللغويّة بمعنى النظافة.

إلا أنّه لا يلتئم مع قول السائل بعد ذلك: «حتى يحلّ الوضوء منها للصلاة»؛ فإنّ الماء المستقذر يحلّ الوضوء به للصلاة بلا ريب. اللهم إلّا أن يراد بحليّة الوضوء ثبوت مرتبة عالية منه، فلا بأس بالتعبير بالحليّة حينئذٍ.

ص: 377


1- المنتقى 1 : 57، والحبل المتين1 : 506 - 508.

الثالث: أنّه يحتمل الحمل على استحباب الاجتناب قبل النزح.

الرابع: أنّه يحتمل الحمل على دفع احتمال التغيّر، وإن كان الشك في التغيّر لا يوجب لزوم الاجتناب. فالأمر بالنزح إنَّما هو لدفع هذا الاحتمال عن نفس المستعمل للماء.

ثمّ أضاف وجوهاً تشكّل قرائن على استحباب النزح لا وجوبه:

الوجه الأول: إجمال هذا الحديث وغيره، وعدم تعيين مقدار ما ينزح.

الوجه الثاني: كثرة الاختلاف في مقدار ما يُنزح.

الوجه الثالث: ثبوت النزح مع عدم النجاسة، كما في وقوع الجنب وما لا نفس له.

الوجه الرابع: التصريح بجواز الاستعمال قبل النزح.

وغير ذلك، كما يأتي في آخر الباب.

أربع قرائن تدلّ علی استحباب النزح

سند الحديث:

ذكر المصنّف هذا الحديث بثلاثة أسانيد:

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وقد مرّ قريب من هذا السند في الحديث السابع من هذا الباب، ولكنّه هنا غير مرسل؛ لأنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع يروي مباشرة عن الإمام؛ لقوله: «فوقّع (علیه السلام) بخطه في كتابي...»، فالسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» عن الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني،

ص: 378

[443] 22- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ وَعَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: إِذَا أَتَيْتَ الْبِئْرَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَلَمْ تَجِدْ دَلْواً وَلَا شَيْئاً تَغْرِفُ بِهِ، فَتَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَاءِ رَبُّ الصَّعِيدِ(1)، وَلَا تَقَعْ فِي الْبِئْرِ، وَلَا تُفْسِدْ عَلَى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وهو صحيح كسابقه.

الثالث: سند الشيخ في «الاستبصار» بإسناده، عن أحمد بن محمّد. وقد تقدّم كما أشرنا غير مرّة، وهو صحيح أيضاً.

[22] - فقه الحديث:

استدل بالأمر بالتيمم، والنهي عن إفساد الماء. وتنجيس الماء هو أعظم الإفساد إن لم يكن هو المراد بعينه.

ولكن دلالة هذا الحديث على النجاسة ضعيفة؛ فإنّه إنَّما يصلح دليلاًعليها لو كان المقتضي للفساد منحصراً في النجاسة، مع أنّه غير منحصر فيها. وقد ذكر الماتن عدّة احتمالات أخرى، يظهر فيها وجه كون الدخول في البئر إفساداً مع عدم التنجيس، كتكدير الماء الناتج عن الوقوع في البئر

ص: 379


1- في هامش المخطوط (منه(قدس سره) ) ما لفظه: «في التهذيب عن الكافي: فإن رب الماء ورب الصعيد واحد».
2- تهذيب الأحكام 1 : 185، ح535، وأورده في الحديث 2 من الباب 3 من أبواب التيمم.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى(1)1*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

أَقُولُ: وَهَذَا - أَيْضاً - مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلنَّجَاسَةِ. وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ؛ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ عَلَى أَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلتَّيَمُّمِ عَدَمُ الْوُصْلَةِ إِلَى الْمَاءِ، وَأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلنَّهْيِ عَنِ الْإِفْسَادِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُقُوعِ مِنْ إِثَارَةِ الْحَمْأَةِ(3)3*)، وَهِيَ بِالنَّظَرِ إِلَى الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ إِفْسَادٌ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْإِفْسَادِ فِي خَبَرِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّهُ شَامِلٌ بِعُمُومِهِ لِلنَّجَاسَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُرَادَةً بِخُصُوصِهَا. قَالَهُ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى»(4)(4*).

-----------------------------------------------------------------------------

فإنّ ذلك مانع من الاستفادة منه، أو حصول النفرة عند الناس من وقوعه فيها، أو إسراع التغيّر للماء.

وأمّا الأمر بالتيمم، فإنّ المسوِّغ له هو عدم الوجدان والذي يصدق معالمشقّة والحرج في الوصول إلى الماء.

ص: 380


1- 1*) الكافي 3 : 65، ح9.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 149، ح426، والاستبصار 1 : 127، ح435.
3- 3*) الحمأة: الطين الأسود المتغيّر. (مجمع البحرين 1 : 107).
4- (4*) منتقى الجمان 1 : 58.

وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِوُجُودِ نَجَاسَةٍ عَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِفْسَادِ مَا ذُكِرَ، أَوْ حُصُولُ النِّفْرَةِ، أَوْ إِسْرَاعُ التَّغَيُّرِ، أَوْ يَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الْوُقُوعِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْهَلَاكِ الْمُوجِبِ لِفَسَادِ الْمَاءِ سَرِيعاً لَوْ مَاتَ فِيهَا.

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكره المصنّف بثلاثة أسانيد:

أولها: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد تقدّمت أفراده، والسند معتبر.

الثاني: سند الكليني، والسند أيضاً معتبر.

الثالث: سند الشيخ إلى محمّد بن يعقوب الكليني، والسند معتبر كسابقيه.

والحاصل: أنّ في الباب اثنين وعشرين حديثاً، وأضفنا لها حديثاً واحداً وهو حديث الحسن الثوري، وهذه الأحاديث على خمس طوائف:

الطائفة الأولى: ما دلّ بالإطلاق على عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة، وهي أكثر أحاديث الباب. والمعتبر منها أحد عشر حديثاً، والضعيف حديث واحد، وهو الرابع عشر.

الطائفة الثانية: ما دلّ على عدم الانفعال بالملاقاة، إلّا أنّه لا بد من النزح،وهي عبارة عن أربعة أحاديث معتبرة، وهي السادس والثاني عشر والثالث عشر والتاسع عشر، وواحد ضعيف، وهو السابع.

ص: 381

وَمَعَ قِيَامِ هَذِهِ الِاحْتِمَالاتِ وَغَيْرِهَا لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ. وَمَا يَأْتِي مِنَ الْأَمْرِ بِالنَّزْحِ(1) لَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَحَادِيثُ الطَّهَارَةِ أَوْضَحُ دَلَالَةً وَأَبْعَدُ مِنَ التَّقِيَّةِ، بَلْ لَا مُعَارِضَ لَهَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ. وَيُؤَيِّدُهَا أَحَادِيثُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَأَحَادِيثُ التَّغَيُّرِ وَأَحَادِيثُ الْمَاءِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْهُ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَفَسَّرُوا الْجَارِيَ بِالنَّابِعِ جَرَى أَمْ لَا، وَأَحَادِيثُ الْكُرِّ؛ لِأَنَّهُ كُرٌّ غَالِباً، وَأَحَادِيثُ الْمَادَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكُرِّيَّةِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ(2)، وَأَنَّ الشَّيْخَ حَمَلَهُ عَلَى التَّقِيَّةِ.

-----------------------------------------------------------------------------

الطائفة الثالثة: التفصيل بين ما إذا كان كثيراً أو كرّاً فلا ينجس، وبين ما إذا كان أو قليلاً فينجس، وهي عبارة عن حديثين، أحدهما معتبر، وهو الحديث الخامس عشر. والثاني ضعيف، وهو حديث الثوري.

ص: 382


1- الأمر بالنزح - الذي يأتي في الحديث 2 من الباب 17 - لا يدلّ على النجاسة، بل فيه ما يدلّ على عدمها، ويدلّ على أنّ الأمر بالنزح في غيرها لنظافة الماء وطيبته مثل: أ - الحديث 3 من الباب 15 من هذه الأبواب. ب - والحديث 11 من الباب 17. ج - والحديث 5 و 8 من الباب 19، مضافاً إلى ما ورد من الأمر بالنزح فيما يقع في البئر ممّا لا نفس له.
2- تقدّم في الحديث 8 من الباب 9 من هذه الأبواب، ويأتي في الحديث 2 من الباب 17 من هذه الأبواب.

الطائفة الرابعة: ما دلّ على أنّه إذا أصابته النار أو أكلت النار ما فيه فلا بأس به، وهي عبارة عن حديثين، أحدهما معتبر، وهو الحديث الثامن عشر، والآخر ضعيف، وهو الحديث السابع عشر.

الطائفة الخامسة: ما يستظهر منها الانفعال، وهي عبارة عن حديثين معتبرين، وهما الحادي والعشرون والثاني والعشرون، ولكن قلنا: إنّ دلالتهما غير تامة.

تتميم:

ثمّ إنّ من قال بانفعال ماء البئر استدلّ بأنّ الأحاديث الدالّة على الطهارة لم يعمل بها مشهور القدماء، وإعراض مشهور القدماء كاسر لاعتبارها، بل كلّما كان السند أصحّ كان الوهن أزيد.

ولكنّ هذا الدليل مناقش صغرى وكبرى.

أمّا الصغرى؛ فلأنّه لم يحرز إعراض المشهور عن الأحاديث الدالة على الطهارة؛ بدليل أنّ بعضهم حاول تأويلها، وهذا دليل على عدم طرحها، فالشيخ مثلاً أوّل بالحمل على الكريّة أو وجوب النزح تعبداً. هذا، مضافاً إلى أنّ الإعراض - على القول بأنّه كاسر لاعتبار الرواية - إنَّما يتمّ إذا لميكن للرواية ما يعارضها، وإلّا كان تركهم للرواية من باب الترجيح للأخرى - والترجيح يكون لأسباب متعدّدة - لا إلغاءً لها كما هو الحال في الإعراض، وفي المقام لو لم تكن الروايات التي فهموا منها النجاسة لعملوا بالروايات الأخرى الدالّة على الطهارة.

ص: 383

وأمّا الكبرى؛ فلأنّه لا دليل على أنّ الإعراض موهن، والعمل منهم حجة إلّا أن يوجب الاطمئنان بصدور ما عملوا به دون ما تركوه.

وقد أشار المصنّف إلى وجه آخر في ختام هذا الباب قد يتمسك به القائلون بالانفعال، وهو وجود الروايات الدالّة على النزح أو وجوبه.

ولكن ناقشه:

أولاً: بأنّها لا تقوم بالمعارضة، وإن فهم منها المعارضة ابتداءً؛ وذلك لأنّ المعارضة إنَّما تتحقّق مع تساوي المتنافيين في الدلالة والاعتبار في السند، وأما لو كان أحدهما أقوى من الآخر في الدلالة لزم الأخذ به، والمقام من هذا القبيل؛ إذ أكثر روايات هذا الباب صريحة في الدلالة على عدم النجاسة، فهي أقوى من الروايات الدالة على النزح؛ لأنّ هذه الأخيرة قابلة للحمل والتوجيه.

وثانياً: لو تنزلنا وقلنا بتحقّق التعارض بين الطائفتين لكان مقتضى إعمال قواعد التعارض ترجيح الروايات الدالّة على الطهارة؛ لمخالفتها للعامّة وموافقة الروايات الدالة على النزح للتقيّة، فيؤخذ بما خالف العامّة، بلروايات عدم النجاسة موافقة للعمومات والإطلاقات، مثل: الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر، أو خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه، وعليه: لا بد من تقديم الروايات الدالّة على عدم النجاسة سواء قلنا بأنَّها معارضة أم ليست بمعارضة، كما هو الصحيح .

ثمّ إنّه مع التسليم بعدم نجاسة البئر، هل يستحب نزح المقدرات أم لا؟

ص: 384

تقدّم في القول الثاني من الأقوال: أنّ أكثر المتأخرين وجملة من المتقدّمين على استحباب النزح، وقد ذكر الماتن(قدس سره) أربعة وجوه لاستفادة الاستحباب، وقد أشرنا إليها عند بيان فقه الحديث الحادي والعشرين.

وأشكل بعض الأعلام على ثبوت الاستحباب بأنّه لا وجه له بعد حمل روايات النزح على التقيّة؛ لموافقتها للعامّة، حيث إنَّها ظاهرة في الإرشاد إلى الانفعال بالنجاسات، وقد رفعنا اليد عن هذا الظهور بما دلّ على عدم الانفعال، فلا يبقى وجه لحملها على الاستحباب((1)).

بينما احتاط بعضهم - كما عن السيد البروجردي(قدس سره) - وقال: إنّه لا ينبغي ترك النزح((2))؛ لذهاب المشهور إلى النجاسة.

ولا يبعد أن يكون ما ذهب إليه المشهور من القول باستحباب النزح هو الصحيح، وإن قلنا بأنّ الروايات الدالّة على النجاسة موافقة للعامّة؛ فإنّ فيبعضها ورد الأمر بالنزح ولم يكن ملاقي الماء نجاسة، فيكون الأمر بالنزح لأجل النظافة، والنظافة أمر مرغوب فيه ومستحب، وقد ندب إليها في الشرع، بل هي من موارد اهتمامه وعنايته الشديدة، فحمل جميع الروايات على الاستحباب غير بعيد.

ص: 385


1- - انظر: التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 246.
2- - انظر: حاشية على العروة الوثقى 1 : 94.

ص: 386

15 - باب ما ينزح من البئر لموت الثور والحمار والبعير والنبيذ والمسكر وانصباب الخمر

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

15 - باب ما ينزح من البئر لموت الثور والحمار والبعير والنبيذ والمسكر وانصباب الخمر

شرح الباب:

عقد المصنّف عنوان الباب والأبواب الآتية لبيان كميّة المنزوحات بحسب ما يلاقي ماء البئر من الحيوانات والطيور والحشرات من دون التعرّض لحكم النزح من الوجوب أو الاستحباب، وبالإجمال: يطهر البئر - على القول بنجاسة مائها بمجرد الملاقاة إذا وقعت فيها نجاسة ولم تتغيّر - بنزح المقدار المذكور في النصوص لتلك النجاسة. والمقدّر مختلف باختلاف النجاسات، وربَّما اختلفت النصوص في بيان المقدر لكل نجاسة،كما سيتّضح في هذا الباب والأبواب الآتية.

والأمر بالنزح في هذا الباب والأبواب الآتية لا يدلّ على النجاسة، وإن ذهب إلى ذلك بعضهم كما مرّ، مستندين إلى أنّ الأوامر الدالّة على النزح حقيقة في الوجوب. وقد تقدّمت الأحاديث الدالّة على طهارة ماء البئر الملاقي للنجاسة ما لم يتغيّر في الباب السابق، فالنزح مستحب.

ومما يدلّ على الاستحباب إجمال المقدار المنزوح في بعضها، وكثرة

ص: 387

اختلاف المقدار في بعضها الآخر، وثبوت النزح مع عدم النجاسة كما في وقوع ما لا نفس له سائلة، أو في وقوع الجنب في جملة ثالثة منها، وتصريح بعضها الآخر بجواز الاستعمال قبل نزح المقدر.

أقوال الخاصّة:

أمّا البعير والثور فأكثر الأصحاب على أنّه ينزح الماء كله لموتهما فيه. قال المحقّق الثاني: «هو - أي: البعير - للجنس، يتناول الذكر والأنثى. ومثله الثور عند الأكثر - وهو ذكر البقر - لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (علیه السلام) ، خلافاً لابن إدريس فإنّه اكتفى بالكرّ. والشيخان وأتباعهما لم يذكروا حكمه؛ لأنَّهم أوجبوا لنزح البقرة كرّاً، ولم يتعرّضوا للثور، ولفظ البقرة لا يدلّ عليه. ونقل صاحب الصحاح إطلاق لفظ البقرة على الذكر، فيجب الكرّ حينئذ، حكى ذلك المصنف في المختلف»((1)).

وأمّا الحمار فإنّه إذا مات في البئر ينزح منها كرّ من الماء. ذهب إليه أكثر أصحابنا، كما في «المنتهى»((2)).

وأمّا المسكر فلا يوجد في النصوص ما يتضمّن نزح الماء كلّه. نعم، ذلك ثابت في صب الخمر، كما في روايات الباب، وعليه الإجماع. ولعلّ الماتنعمّم الحكم لمطلق المسكر؛ للإجماع المنقول في «السرائر» و«الغنية»((3)

ص: 388


1- - جامع المقاصد 1 : 139.
2- - منتهى المطلب 1 : 74.
3- - السرائر 1 : 70، وغنية النزوع: 48 - 49.

وبه يتضح ويظهر الإجماع على نزح الماء كلّه فيما لو وقع في البئر نبيذ مسكر، مما ورد من الإجماع المتقدّم عن «السرائر» و«الغنية» في المسكر.

أقوال العامّة:

للعامّة تفاصيل وشروط في الذهاب إلى نجاسة ماء البئر ومقدار ما ينزح منها، وهي تختلف باختلاف تلك الشروط اعتباراً وعدماً. وأفضل من جمع تلك التفاصيل هو الشيخ الجزيري في «الفقه على المذاهب الأربعة»، قال: «الحنفية قالوا: إذا سقط في ماء البئر حيوان له دم سائل كالإنسان والمعز والأرنب، فإنّ لذلك ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن ينتفخ ذلك الحيوان أو يتفسّخ، بأن تفرّق أعضاؤه، أو يتمعّط بأن يسقط شعره. وحكم هذه الحالة نجاسة هذه البئر ودلوها الذي وضع فيها بعد سقوط ذلك الحيوان وحبل ذلك الدلو. ثم إذا أمكن نزح جميع الماء الذي فيها فإنَّها لا تطهر إلّا بنزحه جميعه، فإن لم يمكن فإنَّها تطهر بنزح مائتي دلو بالدلاء التي تستعمل فيها عادة. ولا ينفع النزح إلّا بعد إخراج الميت منها، وبذلك تطهر البئر وحيطانها ودلوها وحبلها ويد النازح الذي باشر إخراج الماء المتنجس منها.الحالة الثانية: أن يموت فيها الحيوان الذي له دم سائل، ولكنّه لم ينتفخ ولم يتفسّخ ولم يتمعّط. ولذلك ثلاث صور :

الأولى: أن يكون آدمياً أو شاة أو جدياً، صغيراً كان أو كبيراً. وحكم ذلك كحكم الحالة الأولى، وهو أنّ ماء البئر وما يتعلّق به من حيطان ودلو

ص: 389

وحبل صار نجساً ولا يطهر إلّا بنزح مائها جميعه إن أمكن، أو بنزح مائتي دلو إن لم يمكن.

الصورة الثانية: أن يكون ذلك الحيوان صغيراً، كالحمامة والدجاجة والهرّة. فإذا سقطت في ماء البئر هرّة وماتت ولم تنتفخ أو تتفسّخ أو يسقط شعرها، فإنّ ماء البئر يتنجّس، ولا يطهر إلّا بنزح أربعين دلواً منها.

الصورة الثالثة: أن يكون ذلك الحيوان أصغر من ذلك، كالعصفور والفأرة. فإنّ ماء البئر يتنجّس على الوجه المتقدّم، ولا يطهر إلّا بنزح عشرين دلواً منها. هذا، ولا فرق بين الصغير والكبير في جميع الأنواع. إلّا أنّ الآدمي والدجاجة والفأرة قد ورد فيها النص بخصوصها.

أمّا باقي الأنواع، فإنّ صغيره ملحق بكبيره في ذلك.

الحالة الثالثة : أن يقع في البئر حيوان ثم يخرج منها حياً. ولذلك صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون ذلك الحيوان نجس العين وهو الخنزير. وحكم هذه الصورة أن ينزح ماء البئر جميعه إن أمكن، ومائتا دلو إن لم يمكن،كحكم ما إذا سقط فيها حيوان وتفّسخ أو انتفخ أو سقط شعره.

الصورة الثانية: أن لا يكون ذلك الحيوان نجس العين كالمعز ونحوه. وحكم هذه الصورة أنّه إذا كان على بدن ذلك الحيوان نجاسة مغلّظة كالعذرة ونحوها، فإنّ البئر تنجس كما إذا سقط فيها حيوان نجس العين. أمّا إذا لم يكن على بدنه نجاسة، فإنّه لا ينزح منه شيء وجوباً، ولكن يندب

ص: 390

نزح عشرين دلواً منها؛ ليطمئن القلب. فإذا لم يكن على بدنه نجاسة، ولكن على فمه نجاسة، فإنّ حكمه قد تقدّم وهو حكم سؤر النجس، فارجع إليه.

هذا، ولا يضر موت ما لا دم له سائل في البئر، كالعقرب والضفدع والسمك ونحوها، كما لا يضر سقوط ما لا يمكن الاحتراز منه كسقوط روث، ما لم يكن كثيراً بحسب تقدير الناظر إليه.

المالكيّة قالوا: يتنجّس ماء البئر إذا مات فيه حيوان بشروط ثلاثة:

الشرط الأول: أن يكون الحيوان بريّاً، سواء كان إنساناً أو بهيمة. فإذا كان بحريّاً كالسمك وغيره ومات في البئر فإنّه لا ينجّس الماء.

الشرط الثاني: أن يكون الحيوان البرّي له دم سائل. فإذا مات فيها حيوان برّي ليس له دم سائل - كالصرصار والعقرب - فإنّه لا ينجّسها.

الشرط الثالث: أن لا يتغيّر ماء البئر . فإذا مات في البئر حيوان برّي ولم يتغيّر الماء بموته، فإنّه لا ينجس، سواء كان ذلك الحيوان كبيراً أو صغيراً، ولكن يندب في هذه الحالة أن ينزح من البئر مقدار من الماء تطيب بهالنفس، وليس له حدّ معيّن. ومثل ماء البئر في هذا الحكم كل ماء راكد ليس له مادّة تزيد فيه، كماء البرك الصغيرة التي ليست مستبحرة.

الشافعيّة قالوا: لا يخلو إمّا أن يكون ماء البئر قليلاً وهو ما كان أقل من القلّتين المتقدّم بيانهما، وإمّا أن يكون كثيراً، وهو ما كان قلّتين فأكثر، فإن كان قليلاً ومات فيه ما له دم سائل من حيوان أو إنسان، فإنّ الماء ينجس بشرطين:

ص: 391

الشرط الأول: أن لا تكون النجاسة معفواً عنها، وقد تقدّم بيان ما يعفى عنه ... .

الشرط الثاني: أن يطرحها في الماء أحد. فإذا سقطت النجاسة بنفسها أو ألقتها الرياح وكانت من المعفو عنه فإنَّها لا تضر، أمّا إذا طرحها في الماء أحد، فإنَّها تضر. وإن كان ماء البئر الذي مات فيه ما له دم سائل كثيراً - وهو ما زاد على قلّتين - فإنّه لا ينجس إلّا إذا تغيّرت أحد أوصافه الثلاثة. ومثل ذلك ما إذا سقطت في البئر نجاسة، فإنّه إن كان كثيراً لا ينجس إلّا إذا تغيّرت أحد أوصافه، وإن كان قليلاً فإنّه ينجس بملاقاة النجاسة ولو لم يتغيّر بالشرطين المذكورين.

الحنابلة قالوا كما قال الشافعيّة، إلّا أنّهم لم يشترطوا في نجاسة القليل بموت الحيوان فيه الشرطين المذكورين عند الشافعيّة، وهما: أن لا تكونالنجاسة معفوّاً عنها، وأن يطرحها في الماء أحد»((1)).

ص: 392


1- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 108.

[444] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ صَغِيرَةٌ، أَوْ نَزَلَ فِيهَا جُنُبٌ، نُزِحَ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا ثَوْرٌ، أَوْ صُبَّ فِيهَا خَمْرٌ، نُزِحَ الْمَاءُ كُلُّهُ»(1).

وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَالَ: «إِنْ مَاتَ فِيهَا ثَوْرٌ أَوْ نَحْوُهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «لسان العرب»: «الدَّابَّة: اسمٌ لما دَبَّ من الحَيَوان، مُمَيِّزةً وغير مُمَيِّزة ... والدابَّة: التي تُرْكَبُ, قال: وقَدْ غَلَب هذا الاسْم على ما يُرْكَبُ مِن الدَّوابِّ، وهو يَقَعُ عَلى المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، وحَقِيقَتُه الصفَةُ. وذكر عن رُؤْبة أَنَّه كان يَقُول: قَرِّبْ ذلك الدَّابَّةَ، لِبِرْذَوْنٍ لهُ»((3)).

وتقييد الإمام (علیه السلام) الدابّة بالصغيرة يخرج جميع ما غلب عليه هذا الاسم من الخيل والبعير والحمير والبغال.

كما أنّ نزول الجنب في البئر مطلق يشمل ما لو لم يغتسل، وإن ذكر الاغتسال في غير هذا الحديث، وقد عيّن الإمام (علیه السلام) مقدار ما ينزح فيهذين الموردين بسبع دلاء.

ص: 393


1- الاستبصار 1 : 34، ح93.
2- تهذيب الأحكام 1 : 241، ح695.
3- - لسان العرب 1 : 370 - 369.

[445] 2- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، يَعْنِي: ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ كُرْدَوَيْهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا إذا مات في البئر ثور أو نحو الثور - على نسخة ثانية في «التهذيب» - أي: نحوه في الحجم، أو صبَّ فيها خمر فالمتعيّن نزح الماء كلّه.

والظاهر من الصب الكثرة، فعليه لا يكون حكم القطرة من الخمر حكم الكثير.

سند الحديث:

تقدّمت ترجمة رجاله، والسند صحيح.

[2] - فقه الحديث:

النبيذ: وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطةوالشعير وغير ذلك((2)).

يقال نبذت التمر والعنب: إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً((3)).

ص: 394


1- تهذيب الأحكام 1 : 241، ح698، ورواه في الاستبصار 1 : 35، ح95، و ج1 : 45، ح125.
2- - لسان العرب 3 : 511، مادة: «نبذ».
3- - مجمع البحرين 4 : 262، مادة: «نبذ».

والمراد بالمسكر هو المائع من المسكر؛ بقرينة ذكر القطرة، فلا يشمل المسكر الجامد كالحشيشة.

وقد عيّن الإمام (علیه السلام) مقدار ما ينزح في القطرة من هذه الموارد الأربعة بثلاثين دلواً.

سند الحديث:

فيه: كردويه: وهو كردويه الهمداني، لم ينص على توثيقه، وقد نقل العلامة المجلسي(قدس سره) عن الفاضل التستري أنّه أحمد بن محمد العسكري الزعفراني((1)

ولكنّ هذا لو صحّ لا يخرجه عن الجهالة.كما أنّه ليس متّحداً مع كردين، وهو مسمع بن عبد الملك الثقة؛ لاختلاف الطبقة؛ فإنّ كردين من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ، ويروي عنه أبان، بينما يُعدّ كردويه من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، كما أنّ مسمع بن عبد الملك شيخ بكر بن وائل بالبصرة، وكردويه همداني.

ولكن روى عنه المشايخ الثقات((2))، فيكون ثقة، فالسند معتبر.

ص: 395


1- - ملاذ الأخيار 2 : 299 .
2- - أُصول علم الرجال 2 : 206.

[446] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ(1)، عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ بَشِيرٍ(2)، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : بِئْرٌ قَطَرَتْ فِيهَا قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ؟ قَالَ: «الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْمَيِّتُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ، يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ دَلْواً، فَإِنْ غَلَبَ الرِّيحُ نُزِحَتْ حَتَّى تَطِيبَ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

عيّن الإمام (علیه السلام) مقدار ما ينزح في الموردين اللذين سأل عنهما الراوي، وأضاف لهما موردين آخرين، هما الميّت ولحم الخنزير، وأنّ الحكم في الجميع واحد، وهو نزح عشرين دلواً.

وهذا التحديد يخالف التحديد بالثلاثين دلواً في الحديث السابق، وهذا دليل على أنّ النزح ليس بواجب، ويحمل الحد الأقل على الإجزاء، والأكثر على الأفضليّة، كما يدلّ عليه عدم التحديد في قوله (علیه السلام) : «فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب».

سند الحديث:

تقدّم سند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى في الباب الأول من هذه

ص: 396


1- في هامش المخطوط (منه(قدس سره) ): أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم.
2- في نسخة: ياسين. (منه(قدس سره) ).
3- تهذيب الأحكام 1 : 241، ح697، ورواه في الاستبصار 1 : 35، ح96.

الأبواب في سند الحديث الرابع.

وأبو إسحاق: هو إبراهيم بن هاشم، كما ذكره الماتن في الهامش.

بحث رجالي حول نوح بن شعيب

وأمّا نوح بن شعيب: فقد عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الإمام أبي جعفر الجواد (علیه السلام) ، وقال عنه: «البغدادي، ذكر الفضل بن شاذان: أنّه كان فقيهاً عالماً صالحاً مرضيّاً. وقيل: إنّه نوح بن صالح»((1))، وورد في «نوادر الحكمة»((2)).

وما ذكره الفضل بن شاذان من كونه فقيهاً هو إشارة إلى ما نقله الكشي من أنّه: «سأل أبو عبد الله الشاذاني أبا محمد الفضل بن شاذان، قال: إنَّا ربَّما صلّينا مع هؤلاء صلاة المغرب، فلا نحب أن ندخل البيت عند خروجنا من المسجد، فيتوهّموا علينا أنّ دخولنا المنزل ليس إلّا لإعادة الصلاة التي صلّينا معهم، فنتدافع بصلاة المغرب إلى صلاة العتمة؟

فقال: لا تفعلوا هذا من ضيق صدوركم، ما عليكم لو صلّيتم معهم فتكبروا في مرّة واحدة ثلاثاً أو خمس تكبيرات، وتقرأوا في كل ركعة الحمد وسورة، أية سورة شئتم بعد أن تتموها عندما يتم إمامهم، وتقولوا فيالركوع: سبحان ربي العظيم وبحمده، بقدر ما يتأتّى لكم معهم، وفي السجود كمثل ذلك وتسلِّموا معهم، وقد تمَّت صلاتكم لأنفسكم. وليكن الإمام عندكم والحائط بمنزلة واحدة، فإذا فرغ من الفريضة فقوموا معهم

ص: 397


1- - رجال الطوسي: 379 / 5619 .
2- - أُصول علم الرجال 1 : 242.

فصلوا السنة بعدها أربع ركعات.

فقال: يا أبا محمد، أفليس يجوز إذا فعلت ما ذكرت؟ قال: نعم، فهل سمعت أحداً من أصحابنا يفعل هذه الفعلة؟ قال: نعم ،كنت بالعراق وكان يضيق صدري عن الصلاة معهم كضيق صدوركم، فشكوت ذلك إلى فقيه هناك يقال له نوح بن شعيب، فأمرني بمثل الذي أمرتكم به، فقلت: هل يقول هذا غيرك؟ قال: نعم، فاجتمعت معه في مجلس فيه نحو من عشرين رجلاً من مشايخ أصحابنا فسألته - يعني نوح بن شعيب - أن يجري بحضرتهم ذكراً مما سألته من هذا، فقال نوح بن شعيب: يا معشر من حضر، ألا تعجبون من هذا الخراساني الغمر، يظن في نفسه أنّه أكبر من هشام بن الحكم، ويسألني هل يجوز الصلاة مع المرجئة في جماعتهم؟ فقال جميع من كان حاضراً من المشايخ كقول نوح بن شعيب، فعندها طابت نفسي؛ وفعلته»((1)).

وقد ذكر الكشّي هذه الرواية تحت عنوان نوح بن صالح، وذكر في روايته نوح بن شعيب. فالظاهر من ذلك أنَّهما عنوانان لرجل واحد، وقدأشار إلى ذلك الشيخ في نوح بن شعيب، وقد ذكرناه قريباً.

وبشير - كما هو في «الاستبصار» - غلط، والصحيح: ياسين، طبقاً لنسخة، وقد أشار إليها الماتن في الهامش، وهو المذكور في «التهذيب»، و«الوافي» كما في «التهذيب».

ص: 398


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 833.

وهو ياسين البصري، الذي يقال له ياسين الضرير، قال النجاشي: «ياسين الضرير الزيات البصري: لقي أبا الحسن موسى (علیه السلام) لما كان بالبصرة، وروى عنه، وصنّف هذا الكتاب المنسوب إليه. أخبرنا محمد بن علي، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدّثنا سعد، قال: حدّثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن ياسين، به»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «ياسين الضرير البصري، له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد والحميري، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عنه»((2)).

وهو غير ياسين الذي يروي عنه حريز، كما تخيّله الأردبيلي في «جامع الرواة» وقال بأنّ المقام من الروايات المتعاكسة؛ لأنّ ياسين الضرير قد روى كتابه محمد بن عيسى بن عبيد، «وهو لم يدرك الكاظم (علیه السلام) ، وقد بقي ياسين الضرير إلى زمان الرضا (علیه السلام) لا محالة. وقد ذكر النجاشي: أنّه لقي أبا الحسنموسى (علیه السلام) لما كان بالبصرة، وهو ظاهر في أنّ ياسين الضرير لم يدرك زمان الصادق (علیه السلام) ، فضلاً عن أن يروي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) ، فلا مناص من الالتزام بأن من يروي عن الباقر (علیه السلام) مغاير لمن يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد. والأول روى عنه حريز، والثاني روى عن حريز، فلا تعاكس»((3)).

ص: 399


1- - رجال النجاشي: 453 / 1227.
2- - فهرست الطوسي: 267 / 819.
3- - معجم رجال الحديث 21 : 14.

ويؤيّد ذلك: ما تقدّم في ترجمة محمد بن عيسى بن عبيد، من مناقشة نصر بن الصباح في روايات محمد بن عيسى بن عبيد، عن ابن محبوب - الذي ولد بعد وفاة الصادق (علیه السلام) - بدعوى أنّ محمد بن عيسى أقل سنّاً من أن يروي عن ابن محبوب. وعلى تقدير روايته عنه فهو من صغار رواته على ما مرّ، فكيف يمكن روايته عمّن أدرك الباقر سلام الله عليه؟!

فالسند غير معتبر، إلّا أنّه يمكن تصحيحه لكون ياسين من رجال كتاب «نوادر الحكمة»((1)).

ص: 400


1- - أُصول علم الرجال 1 : 243.

[447] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ ابْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَبُولُ فِيهَا الصَّبِيُّ أَوْ يُصَبُّ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ خَمْرٌ؟ فَقَالَ: «يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ»(1).

أَقُولُ: سَيَأْتِي حُكْمُ الْبَوْلِ(2)، وَأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّغَيُّرِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على مطلوبيّة نزح الماء كلّه لبول الصبي أو صبّ الخمر، ولكن هذا يخالف ما سيأتي في الباب اللاحق من تعيين سبع دلاء لبول الصبي.

ولذا حمل على وجهين:

أحدهما: حصول التغيّر في الماء.

الثاني: ما أشرنا إليه من إجزاء الأقل، وأفضلية الأكثر.

سند الحديث:

تقدّمت ترجمة رجاله، والسند صحيح.

ص: 401


1- تهذيب الأحكام 1 : 241، ح696، ورواه في الاستبصار 35 : 1، ح94.
2- يأتي في الحديث 7 من الباب الآتي.

[448] 5- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَمَّا يَقَعُ فِي الْبِئْرِ مَا بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَالسِّنَّوْرِ إِلَى الشَّاةِ؟ فَقَالَ: «كُلَّ ذَلِكَ نَقُولُ سَبْعُ دِلَاءٍ»، قَالَ: حَتَّى بَلَغْتُ الْحِمَارَ وَالْجَمَلَ؟ فَقَالَ: «كُرٌّ مِنْ مَاءٍ»(1).

قَالَ: «وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ فِي الْبِئْرِ عُصْفُورٌ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ وَاحِدٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

ظاهر السؤال عن حكم أصناف الحيوانات من حيث الحجم، فوقع الجواب ببيان حكم كلّ حيوان إلى أن وصل إلى شبه الحمار والبغل والجمل من حيث الجثّة، مثل الفرس والبقرة والثور ونحوها، فحكم الأول نزح سبع دلاء، وحكم الثاني نزح كرّ من الماء واقلّ من الاوّل: حكمه ولو واحد.

وهذا لا ينافي ما تقدّم من نزح الجميع للبعير والثور، على القول باستحباب النزح، وتنزيل الاختلافات الواقعة في الأحاديث على اختلاف مراتب الفضل.

ص: 402


1- تهذيب الأحكام 1 : 235، ح679، ورواه في الاستبصار 1 : 34، ح91.
2- تهذيب الأحكام 1 : 235، ذيل الحديث 678، وفي ص246، ذيل الحديث 708 عن عمار الساباطي عن أبي عبدالله (علیه السلام) .

نعم، يشكل ذلك على القول بوجوب النزح، فإنّ لهذا الحديث ما يعارضه مما هو أقوى منه دلالة في البعير والثور وبقيّة الموارد. هذا، مضافاً إلى ضعف سنده.

سند الحديث:

المراد من الضمير في قوله: «عنه» هو: محمد بن علي بن محبوب.

وعمرو بن سعيد بن هلال: لم يوصف بمدح ولا قدح، وقد ذكرنا في الجزء الأول أنّه «ليس هو عمرو بن سعيد بن هلال المدائني، الثقة، كما قال بذلك المحقّق والعلامة والشهيد، حيث بنوا على اتحادهما، فذكروا أنّ عمرو بن سعيد الثقفي، فطحي؛ وذلك لأنّ عمرو بن سعيد الثقفي - المذكور في هذا الحديث - من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وعمرو بن سعيد المدائني من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، بل عدّ من أصحاب العسكري (علیه السلام) ، فكيف يمكن اتحادهما؟!»((1)).

وعليه: فهذا السند ضعيف، إلّا أنّه يمكن تصحيحه من جهة وجود عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع.

ص: 403


1- - إيضاح الدلائل 2: 224.

[449] 6- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، يَعْنِي: ابْنَ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا سَقَطَ فِي الْبِئْرِ شَيْ ءٌ صَغِيرٌ فَمَاتَ فِيهَا، فَانْزَحْ مِنْهَا دِلَاءً، وَإِنْ وَقَعَ فِيهَا جُنُبٌ فَانْزَحْ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ، وَإِنْ مَاتَ فِيهَا بَعِيرٌ أَوْ صُبَّ فِيهَا خَمْرٌ فَلْتُنْزَحْ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَزَادَ فِيهِ «فَلْيُنْزَحِ الْمَاءُ كُلُّهُ»(2).

أَقُولُ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنَّ الْأَقَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَالْأَكْثَرَ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

المراد من الشيء الصغير هو ما تقدّم من الدابة الصغيرة؛ بقرينة الموت في الماء، ولم يعيّن الإمام (علیه السلام) مقدار الدلاء، وأقل الجمع ثلاثة. وأمّا وقوع الجنب في البئر أو موت البعير وكذا صب الخمر، فقد تقدّم أنّ المقدار - كما هنا - سبع دلاء للجنب، والماء كلّه لموت البعير وصب الخمر.

ص: 404


1- الكافي 3 : 6، ح7.
2- تهذيب الأحكام 1 : 240، ح694، والاستبصار 1 : 34، ح92.
3- 3*) انظر: كشف الالتباس 1 : 66.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر المصنف سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: ابن مسكان: وهو عبد الله بن مسكان الثقة العين، من أصحاب الإجماع.

وأمّا الحلبي: فالظاهر هو محمّد بن علي الحلبي، وجه أصحابنا وفقيههم، والثقة الذي لا يطعن عليه.

وقد تقدّما مع بقيّة أفراد السند، فهذا السند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» عن محمّد بن يعقوب الكليني، وهو نفس السند السابق، فهو صحيح كسابقه.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث معتبرة، إلّا واحداً منها وهو الخامس، وقدّمنا أنّه يمكن تصحيحه.

ودلالة الأحاديث على مقدار النزح مختلفة: ففي البعير ونحوه ينزح كرّ، أو البئر كلّها.

وينزح في النبيذ ثلاثون دلواً، وعشرون إن كان حكمه حكم الخمر بمناط الإسكار.

وفي القطرة من الخمر عشرون دلواً، وورد ثلاثون، كما ورد نزح الماء كلّه في صب الخمر.

واختلاف المقدّر في هذه الأحاديث يحمل الأقل فيه على الإجزاء،والأكثر على الأفضليّة.

ص: 405

ص: 406

16 - باب ما ينزح من البئر لبول الصبي والرجل وغيرهما

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

16 - باب ما ينزح من البئر لبول الصبي والرجل وغيرهما

شرح الباب:

أقوال الخاصّة:

الصبي تارة يكون رضيعاً لا يستغني عن اللبن والرضاع، وأخرى يكون مستغنياً لكن لم يصل لحدّ البلوغ، فالأول ينزح لبوله دلو واحد، وينزح للثاني سبع دلاء؛ إجماعاً كما في السرائر((1)).

ومقدار النزح لبول الرجل - وهو الذكر البالغ - أربعون دلواً. هذا هو المشهور، بل في «كشف اللثام»: «إنّه لا خلاف فيه. وفي الذكرى نسبته للشهرة. وفي المعتبر نسبته إلى الخمسة وأتباعهم، بل نسبه في أثناء كلامه إلى الأصحاب. وفي السرائر: أنّ الأخبار متواترة من الأئمة الطاهرين: بأنّه ينزح لبول الإنسان أربعون دلواً»((2)).

والظاهر أنّه لا فرق بين بول المسلم والكافر.

وأمّا المرأة فالمشهور أنّ حكم بولها حكم ما لا نصّ فيه((3)).

ص: 407


1- - السرائر 1 : 78.
2- - جواهر الكلام 1 : 237.
3- - مصابيح الظلام 5 : 358، والشرح الصغير 1 : 9، ورياض المسائل 1 : 159.

وعن بعضهم أنّه ينزح لبولها أربعون دلواً إلحاقاً لها بالرجل؛ لاشتراكها معه في كونها إنساناً، قال ابن إدريس في «السرائر»: «الأخبار المتواترة عن الأئمة الطاهرة: بأن ينزح لبول الإنسان أربعون دلواً، وهذا عموم في جنس الناس، إلّا ما أخرجه الدليل. وهنّ من جملة الناس، والإنسان اسم جنس يقع على الذكر والأنثى بغير خلاف»((1))، ولم يفرّق بين الصغيرة والكبيرة كما فُرّق في الصبي، «ووافقه على ذلك العلامة في التحرير. بل عن الغنية والمهذّب والإصباح والإشارة ذلك أيضاً، ولعلّه لا يخلو من قوة»((2)).

ولا يبعد ذلك؛ لعدم الخصوصيّة في الرجل.

ولا فرق بحسب الظاهر بين قليل البول وكثيره، وبين صبّه في البئر أو البول فيها.

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الماء الكثير مثل الرِّجْل((3)) من البحر ونحوه إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغيّر له لوناً ولا طعماً ولا ريحاً، أنّه بحاله يتطهّر منه.

فأمّا ما يمكن نزحه إذا بلغ قلّتين فلا يتنجّس بشيء من النجاسات إلّا

ص: 408


1- - السرائر 1 : 78.
2- - جواهر الكلام 1 : 238، وتحرير الأحكام 1 : 48، وغنية النزوع: 49، والمهذّب البارع 1 : 103، وإصباح الشيعة: 24، وإشارة السبق: 81.
3- - هو الخليج، وراؤه مكسورة.

ببول الآدميين أو عذرتهم المائعة، فإنّ فيه روايتين عن أحمد، أشهرهما أنّه ينجس بذلك. روي نحو هذا عن علي والحسن البصري .

وقال الخلال: وحدّثنا عن علي رضي الله عنه بإسناد صحيح، أنّه سئل عن صبي بال في بئر، فأمرهم أن ينزفوها. ومثل ذلك عن الحسن البصري، ووجه ذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه) متفق عليه. وفي لفظ (ثم يتوضأ منه) صحيح، وللبخاري (ثم يغتسل فيه). وهذا متناول للقليل والكثير، وهو خاص بالبول، وأصح من حديث القلّتين فيتعيّن تقديمه.

والرواية الثانية: أنّه لا ينجس ما لم يتغيّر كسائر النجاسات. اختارها أبو الخطاب وابن عقيل، وهذا مذهب الشافعي. وأكثر أهل العلم لا يفرّقون بين البول وغيره من النجاسات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلّتين لم ينجس)؛ ولأنّ بول الآدمي لا يزيد على نجاسة بول الكلب، وهو لا ينجّس القلّتين، فبول الآدمي أولى. وحديث أبي هريرة لابدّ من تخصيصه بدليل ما لا يمكن نزحه، فيقاس عليه ما بلغ القلّتين، أو يخص بخبر القلّتين؛ فإنّ تخصيصه بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تخصيصه بالرأي والتحكّم من غير دليل؛ لأنّه لو تساوى الحديثان لوجب العدول إلى القياسعلى سائر النجاسات»((1)).

ص: 409


1- - المغني 1 : 37.

[450] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ إِذَا بَالَ فِيهَا الصَّبِيُّ أَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ نَحْوُهَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ على نزح سبع في موردين:

أحدهما: بول الصبي. والصبي هنا وإن كان يشمل الرضيع والفطيم إلّا أنّه محمول على كونه المستغني عن الرضاع.

الثاني: وقوع الفأرة أو نحوها في الحجم .

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، كما تقدّم أن كتاب سيف بن عميرة مشهور، والعدّة التي حدّثت منصور بن حازم أقلّها ثلاثة. ويبعد جدّاً أن لا يوجد فيهم ثقة، فالسند معتبر.

ص: 410


1- تهذيب الأحكام 1 : 243، ح701، والاستبصار 1 : 33 ،ح89.

[451] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ الْفَطِيمِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ فَقَالَ: «دَلْوٌ وَاحِدٌ»، قُلْتُ: بَوْلُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

الصبي الفطيم، أي: المفطوم والمقطوع عن الرضاع، قال الخليل بن أحمد: «فطمت الصبيَّ أُمُّه تفطمه، أي: تقطعه عن الرضاع. والغلام فطيم مفطوم. والجارية: فطيمة مفطومة، وفطمت فلاناً عن عادته»((2)).

هذا الحديث مخالف - ظاهراً - للحديث السابق من حيث المقدّر لنزح بول الصبي، فقد عيّن هنا دلواً واحداً للصبي الفطيم الذي قطع عن الرضاع، وهو مشترك - على هذا - مع الصبي في الحديث السابق.

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو محمد بن أحمد بن يحيى. وأحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى. وعلي بن الحكم: مرّ أنّه ثقة وليس بمتعدّد. وعلي بن أبي حمزة: هو البطائني، وقبول روايته - كما مرّ غير مرّة -مبني على كونها قبل وقفه، والقرينة هنا هي رواية علي بن الحكم جليل

ص: 411


1- تهذيب الأحكام 1 : 243، ح700، والاستبصار 1 : 34، ح90.
2- - كتاب العين 7 : 442، مادة: «فطم».

[452] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ كُرْدَوَيْهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنْ بِئْرٍ يَدْخُلُهَا مَاءُ الْمَطَرِ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ وَأَبْوَالُ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثُهَا وَخُرْءُ الْكِلَابِ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً وَإِنْ كَانَتْ مُبْخِرَةً(1)»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ كُرْدَوَيْهِ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

القدر، الثقة عنه، أو لعدم الاستثناء من كتاب «نوادر الحكمة»، فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ البئر التي يجتمع فيها ماء المطر المختلط بالبول والعذرة وخرء الكلب يكفي في تطييبها نزح ثلاثين، وهذا المقدار هو المشهور وجوباً((4))، بل حتى لو أنتنت بسبب تلك النجاسات وغيرها مما خالط الماء.

وقد قال الشهيد في «غاية المراد»: «ووجد بخط الشيخ في نسخةالاستبصار: مُبْخِرة بضم الميم وسكون الباء وكسر الخاء، ومعناها: المنتنة.

ص: 412


1- البخر: النتن يكون في الفم وغيره. (لسان العرب 4 : 47، مادة: «بخر»).
2- تهذيب الأحكام 1 : 413، ح1300، والاستبصار 1 : 43، ح120.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 16، ح35، وفيه ماء الطريق.
4- - غنائم الأيام 1 : 563.

ويروى بفتح الميم والخاء، ومعناها: موضع النتن»((1)).

وأشكل على هذا الحديث بمنافاته للأحاديث المتقدّمة الواردة في آحاد هذه النجاسات من جهة ترك الاستفصال، فقد ورد وجوب الخمسين للعذرة الذائبة أو الرطبة، وكذلك أربعين لبول الرجل، كما في الحديث السابق، أضف إلى ذلك لحوق غيرهما بهما أيضاً في الاختلاط هنا.

وأجيب: بأنّ المخالطة مع ماء المطر مما يصلح أن يكون مغيّراً للحكم، فلا إشكال، وإن كانت المذكورات موجودةً فيه بعينها أيضاً((2)).

إشكال علی الحدیث الثالث و الجواب عنه

سند الحديث:

أورد الماتن(قدس سره) لهذا الحديث سندين:

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب»، إلى الحسين بن سعيد، وقد تقدّم أنّه صحيح.

وأمّا كردويه: فقد تقدّمت وثاقته؛ لرواية المشايخ الثقات عنه.

الثاني: سند الصدوق إلى كردويه، وهو على ما في «المشيخة»: «عن أبيرضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن كردويه الهمداني»((3)).

وهذا السند صحيح، ولا يبعد أنّ ابن أبي عمير ساقط من النسخ.

ص: 413


1- - غاية المراد 1 : 78.
2- - انظر: غنائم الأيام 1 : 563.
3- - من لا يحضره الفقيه 4 : 424، المشيخة.

[453] 4- مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي أَوَّلِ «السَّرَائِرِ» قَالَ: الْأَخْبَارُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرَةِ : بِأَنْ يُنْزَحَ لِبَوْلِ الْإِنْسَانِ أَرْبَعُونَ دَلْواً(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نزح أربعين دلواً لبول الإنسان، فيشمل بول المرأة أيضاً؛ لأنَّها تشترك مع الرجل في الإنسانيّة، بلا فرق بين الصغيرة والكبيرة في ذلك.

سند الحديث:

ذكر الماتن في خاتمة هذا الكتاب طريقه المعتبر إلى كتاب «السرائر» في الطريق الخامس والثلاثين((2)).

وإذا قبلنا دعوى الشيخ ابن إدريس بتواتر تلك الأخبار فلا مجال للبحث السندي حينئذٍ، وقد قال صاحب الجواهر: «وكفى بمثله ناقلاً لذلك، أي: للتواتر. وعدم الوجدان مع اتحاد الزمان واتحاد المرجع لا يدلّ على عدم الوجود، فكيف إذا لم يكن كذلك؟!»((3)).

وهذا تعريض بكلام العلامة(قدس سره) في «المختلف»؛ حيث قال: «وما أدريالأخبار المتواترة التي ادعاها في إيجاب الأربعين لبول الإنسان من أين

ص: 414


1- السرائر 1 : 78.
2- - وسائل الشيعة 30 : 184، الخاتمة، الفائدة الخامسة.
3- - جواهر الكلام 1 : 238.

[454] 5- وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ كُرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

نقلها؟ فإنّ كتب علمائنا خالية عمّا ادعى تواتره، ولم يبلغنا خبر في كتاب ولا مذاكرة تدلّ على دعواه، وهي إذن ساقطة بالكليّة»((2)).

[5] - فقه الحديث:

تقدّم بيان دلالته فيما سبق. وهذا المقدار للقطرة من المذكورات التي منها البول، فلعلّ المقدار السابق هو للأكثر من القطرة، والأمر سهل في أمثال المقام كما مرّ.

سند الحديث:

تقدّم في الباب السابق، وقلنا: إن السند معتبر.

ص: 415


1- تقدّم في الحديث 2 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- - مختلف الشيعة 1 : 208.

[455] 6- وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَقْطُرُ فِيهَا قَطَرَاتٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

تقدّم الكلام في دلالته، وقد بينّا: أنّه لا يكون دليلاً على انفعال ماء البئر بوقوع النجاسات فيه ما لم يتغيّر، وظاهره نزح دلاء لقطرات البول والدم. والسائل وإن لم يعيّن أنّ البول والدم ممّا له نفس سائلة أو من غيرها، إلّا أنّه بعدم الاستفصال يكون للجميع حكم واحد وهو نزح دلاء، وأقل الدلاء ثلاثة، وهذا يدلّ على أنّ النزح ليس للوجوب، وإلّا لما اختلف المقدّر هذا الاختلاف، وقد مرّ غير مرّة سبيل الجمع بين هذه الأحاديث.

سند الحديث:

تقدّمت أسانيده الثلاثة في الحديث الحادي والعشرين من الباب الرابع عشر من هذه الأبواب، وقد قلنا هناك: إنَّها صحيحة كلّها.

ص: 416


1- 1*) تقدّم في الحديث 21 من الباب 14 من هذه الأبواب.

[456] 7- وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَبُولُ فِيهَا الصَّبِيُّ أَوْ يُصَبُّ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ خَمْرٌ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ»(1).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى حُصُولِ التَّغَيُّرِ(2). وَحَمَلَ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَلَى الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ(3). وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ الْأَقَلَّ يُجْزِي، وَالْأَكْثَرَ أَفْضَلُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

[7] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الباب السابق.

سند الحديث:

تقدّم في الباب السابق، وقلنا: إن السند صحيح.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، وقد ظهر أنّ ثالثها وسادسهاوسابعها صحاح، والبقيّة معتبرة ماعدا الحديث الثاني؛ لوجود علي بن أبي

ص: 417


1- تقدّم في الحديث 4 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- تهذيب الأحكام 1 : 241.
3- الاستبصار 1 : 34.
4- في الجواهر: «لم نتحققه»، أي: القائل. جواهر الكلام 1 : 249. ولعلّ مراد المصنّف بمن قال بالاستحباب في الأكثر: المحقّق في المعتبر 1 : 68، والعلامة في منتهى المطلب 1 : 86.

حمزة البطائني، ومع ذلك قلنا بإمكان اعتباره.

وقد ورد الاختلاف في تعيين المقدار الذي ينزح لبول الصبي، فقد جاء التحديد بسبع دلاء كما في الحديث الأول، وبدلو واحد كما في الحديث الثاني، وبنزح الماء كلّه كما في الحديث السابع.

وطريق الجمع بينها واضح؛ فإنّ الدلو الواحد لبول الصبي الرضيع الذي لم يتغذّ، والسبع دلاء لمن تغذّى، ونزح الماء كلّه لما إذا تغيّر الماء.

ص: 418

17 - باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

17 - باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها

شرح الباب:

الأقوال الخاصّة

أما الخاصّة: فالمشهور أنّه ينزح لوقوع الكلب وخروجه حيّاً سبع دلاء. قال في «الجواهر»: «كما في المعتبر والمنتهى والتحرير والذكرى وظاهر المختلف وعن الشيخ في المبسوط والقاضي وابن حمزة، وعن النهاية والقاضي نسبته للرواية، وفي الذكرى نسبته للشهرة»((1)).

وأمّا إذا مات الكلب والسنور وشبههما فينزح لها أربعون دلواً، قال في «المدارك»: «هذا مذهب الثلاثة وأتباعهم»((2)).

وقال العلامة في «المختلف»: «قال الشيخان رحمهما الله: إذا مات في البئر كلب أو خنزير، ينزح منها أربعون دلواً. وبه قال سلّار وابن البراج وأبوالصلاح وابن إدريس. وقال ابنا بابويه رحمهما الله: ينزح من ثلاثين إلى

ص: 419


1- - جواهر الكلام 1 : 254. وانظر: المعتبر 1 : 71، ومنتهى المطلب 1 : 90، وتحرير الأحكام 1 : 5، وذكرى الشيعة 1 : 96، ومختلف الشيعة 1 : 217 - 219، والمبسوط 1 : 11، والمهذّب 1 : 22، والوسيلة: 75، والنهاية: 6 - 7.
2- - مدارك الأحكام 1 : 80.

أربعين»((1)).

وقال الشهيد الثاني في «المسالك»: «المراد بشبه الكلب الغزال وما في حجمه. ولا فرق في السنور بين أهليّه ووحشيّه، ولا في الكلب والخنزير بين البري والبحري»((2)).

أقوال العامّة

وأما العامّة: فقد سبق في الباب الخامس عشر: أنّ الحنفية يرون أنّ الحيوان إذا كان نجس العين إذا وقع في البئر ثم خرج حيّاً، فحكمه أن ينزح ماء البئر جميعه إن أمكن، ومائتا دلو إن لم يمكن.

وعن المالكيّة: أنّ ماء البئر ينجس بموت الكلب إذا تغيّر، فإذا مات في البئر ولم يتغيّر الماء بموته فإنّه لا ينجس، ولكن يندب في هذه الحالة أن ينزح من البئر مقدار من الماء تطيب به النفس، وليس له حدّ معيّن.

وعن الشافعيّة: أنّ ماء البئر إن كان قليلاً - وهو ما كان أقلّ من القلّتين - فمات فيه الكلب وشبهه فإنّه ينجس. واشترطوا شرطين وهما: أن لا تكون النجاسة معفواً عنها، وأن يطرحها في الماء أحد. وظاهر كلامهم أنّه يجب نزح الماء كلّه.

وإن كان كثيراً - وهو ما زاد على قلّتين - فإنّه لا ينجس إلّا إذا تغيّرتأحد أوصافه الثلاثة.

وأنّ الحنابلة قالوا كما قال الشافعيّة، إلّا أنَّهم لم يشترطوا في نجاسة

ص: 420


1- - مختلف الشيعة 1 : 200.
2- - مسالك الأفهام 1 : 17.

[457] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِذَا مَاتَ الْكَلْبُ فِي الْبِئْرِ نُزِحَتْ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) (1): إِذَا وَقَعَ فِيهَا ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا حَيّاً نُزِحَ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ»(2).

أَقُولُ: حَمَلَ الشَّيْخُ نَزْحَ الْجَمِيعِ عَلَى التَّغْيِيرِ .

-----------------------------------------------------------------------------

القليل بموت الحيوان فيه الشرطين المذكورين عند الشافعيّة، وهما: أن لا تكون النجاسة معفواً عنها، وأن يطرحها في الماء أحد((3)).

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على التفصيل بين موت الكلب في البئر فتنزح كلّها، وبين خروجه منها أو إخراجه بعد وقوعه فيها، فينزح له منها سبع دلاء. وقد حمل الشيخ نزح الجميع في الصورة الأولى على حصول تغيّر الماء، وهو غيربعيد؛ فإنّه إذا تغيّر الماء فإنّه يجب نزح البئر كلّها كما تقدّم.

وقد اختلفت الأحاديث في بيان المقدار اللازم نزحه إذا مات فيها الكلب، فقد ورد عشرون أو ثلاثون أو أربعون، أو دلاء كما سيأتي في هذا الباب.

ص: 421


1- «أبو»: لم ترد في المصدر، وكتب المصنّف عليها علامة «نسخة».
2- تهذيب الأحكام 1 : 237، ح687، وج1 : 415، ح1310، والاستبصار 1 : 38، ح103.
3- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 45 - 47.

[458] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ابْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الْحَمَامَةُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْفَأْرَةُ أَوِ الْكَلْبُ أَوِ الْهِرَّةُ؟ فَقَالَ: «يُجْزِيكَ أَنْ تَنْزَحَ مِنْهَا دِلَاءً، فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَهِّرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

فيه أبو مريم: وهو عبد الغفار بن القاسم، أبو مريم الأنصاري، وثقه النجاشي، وكتابه مشهور كما تقدّم في الحديث الثاني عشر من الباب الثامن، فالسند صحيح.

[2] - فقه الحديث:

دلّ على نزح دلاء لوقوع المذكورات، وقد مرّ نظير ذلك في موارد مشابهة، وقوله (علیه السلام) : «فإنّ ذلك يطهِّرها» قد يستدل به على نجاسة ماء البئربوقوع المذكورات فيه، فلو لم يكن نجساً لما قال يطهِّرها، إلّا أنّه يمكن حمل ذلك إمّا على التقيّة، أو إرادة النظافة من لفظ الطهارة، فلا يتم هذا الاستدلال.

ص: 422


1- تهذيب الأحكام 1 : 237، ح686، والاستبصار 1 : 37، ح101.

سند الحديث:

وفيه: محمد بن أبي حمزة: وهو محمد بن أبي حمزة الثمالي، قال الكشّي: «قال أبو عمرو: سألت أبا الحسن حمدويه بن نصير عن علي بن أبي حمزة الثمالي والحسين بن أبي حمزة ومحمد أخويه وابنه [وأبيه]؟ فقال: كلّهم ثقات فاضلون»((1))، وروى كتابه محمد بن أبي عمير وهو من المشايخ الثقات((2))، وقد ذكر ذلك النجاشي((3))، وكذلك الشيخ في ترجمته في «الفهرست»((4)).

وروى عنه علي بن الحسن الطاطري كما في ترجمة داود بن سرحان في كتاب «الرجال» للنجاشي((5))، وترجمة أبي ساسان((6))، وكذا عن الشيخ في«الفهرست»((7)).

وورد في كتاب «نوادر الحكمة»((8))، فيكون ثقة.

وأمّا علي بن يقطين: فقد قال عنه الشيخ في «الفهرست»: «علي بن

ص: 423


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 707.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 208.
3- - رجال النجاشي: 358 / 961.
4- - فهرست الطوسي: 227 / 641.
5- - رجال النجاشي: 159 / 420.
6- - المصدر نفسه: 459 / 1253.
7- - فهرست الطوسي: 89 / 133.
8- - أُصول علم الرجال 2 : 234.

يقطين رضي الله عنه، ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة عند أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، عظيم المكان في الطائفة»((1)).

وعدّه الشيخ المفيد ممّن روى النص على الرضا علي بن موسى (علیهما السلام) بالإمامة من أبيه، وهو من «خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته»((2)).

كما عدّه ابن شهر آشوب من خواصّ أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((3)).

وورد في روايات كثيرة وصحيحة: أنّ الإمام الكاظم (علیه السلام) ضمن له الجنة، وأن لا تمسّه النار أبداً، كما يظهر منها شدّة اهتمام الإمام (علیه السلام) به والدعاء له. وورد في حقّه أنّه أُحصي له في بعض السنين مائة وخمسون أو ثلاثمائة وخمسون ملبٍّ عنه في الحج.

وقد روى عنه المشايخ الثقات((4))، وورد في «نوادر الحكمة»((5))، فالسند صحيح.

ص: 424


1- - فهرست الطوسي: 154 / 388.
2- - الإرشاد 2 : 248.
3- - مناقب آل أبي طالب 3 : 439.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 203.
5- - المصدر نفسه 1 : 231.

[459] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ فَقَالَ: «سَبْعُ دِلَاءٍ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الطَّيْرِ وَالدَّجَاجَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «سَبْعُ دِلَاءٍ، وَالسِّنَّوْرِ عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ دَلْواً وَالْكَلْبُ وَشِبْهُهُ»(1).

وَرَوَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الاكتفاء بعشرين دلو عن السنور أو الكلب أو ما يشبههما في الحجم، والأفضل أن ينزح لها ثلاثون، وأفضل منه الأربعون. والمشهور عملوا على هذا الحديث، وإنَّما قلنا بالإجزاء والأفضليّة؛ لعدم إمكان الشك والترديد من الإمام (علیه السلام) .

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 425


1- تهذيب الأحكام 1 : 235، ح680 و ج1 : 238، ح690، والاستبصار 1 : 36، ح97 وتأتي قطعة منه في الحديث 2 من الباب الآتي، وفي الحديث 3 من الباب 19 من هذه الأبواب.
2- المعتبر 1 : 66.

اشتراك القاسم بن محمد بين أشخاص

السند الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه: القاسم بن محمد: وهو مشترك بين ستة عشر في هذا العنوان، والمعروفون من بينهم أربعة:

الأول: القاسم بن محمد الأصفهاني، المعروف بكاسولا، وذكره النجاشي بعنوان القمّي، قال: (يعرف بكاسولا، لم يكن بالمرضي، له كتاب نوادر، أخبرنا ابن نوح قال: حدّثنا الحسن بن حمزة، قال: حدّثنا ابن بطة، قال: حدّثنا البرقي عن القاسم»((1)).

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «القاسم بن محمد الأصفهاني، المعروف بكاسولا. له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضل، عن ابن بطة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عنه»((2)).

الثاني: القاسم بن محمد بن علي الهمداني: وكيل الناحية المقدّسة، روى عنه ابن قولويه في «كامل الزيارات»((3)).

الثالث: القاسم بن محمد الجوهري: قال عنه النجاشي: «كوفي، سكن بغداد، روى عن موسى بن جعفر (علیه السلام) . له كتاب، أخبرنا أبو عبد الله بنشاذان، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى، قال: حدّثنا سعد وعبد الله بن جعفر، قالا: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن

ص: 426


1- - رجال النجاشي: 315 / 863.
2- - فهرست الطوسي: 202 / 576.
3- - كامل الزيارات: 223، ح327، و 225، ح223، و 264، ح403.

القاسم بن محمد بكتابه»((1)).

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «القاسم بن محمد الجوهري الكوفي. له كتاب، أخبرنا به المفيد، عن ابن بابويه، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد وأحمد بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله البرقي والحسين بن سعيد، عنه»((2)).

الرابع: القاسم بن محمد الخلقاني: قال عنه النجاشي: «كوفي، قريب الأمر. له كتاب نوادر. أخبرنا الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا حميد، قال: حدّثنا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم، عن القاسم به»((3)).

وطبقة الثاني والرابع متأخرة؛ لأنّ الثاني وكيل الناحية ومن مشايخ ابن قولويه، والرابع يروي حميد بن زياد عنه بواسطة واحدة، وبهذا يخرجان عن دائرة الاشتراك هنا، ويكون المراد به هنا إمّا الجوهري، أو الأصفهاني.

فالأصفهاني يروي عنه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في طريقي النجاشي والشيخ، بينما يروي الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي - والد أحمدبن أبي عبد الله - عن الجوهري، فالجوهري متقدّم على الأصفهاني.

كما يتعيّن الجوهري إذا روى عن أمثال علي بن أبي حمزة البطائني، أو عبد الله بن سنان، أو أبان بن عثمان، أو سلمة بن حيّان، أو رفاعة بن موسى،

ص: 427


1- - رجال النجاشي: 315 / 862.
2- - فهرست الطوسي: 201 / 574.
3- - رجال النجاشي: 315 / 862.

أو الحسن بن عمر بن يزيد، أو إسحاق بن إبراهيم.

وعن الأردبيلي في «جامع الرواة»: اتحاد الأصفهاني والجوهري، قال: «الذي يظهر لنا أن يكون القاسم بن محمد الأصبهاني والقاسم بن محمد الجوهري والقاسم بن محمد القمّي متحداً؛ لاشتراكهم في الراوي والمروي عنه على ما يظهر بأدنى تأمل في ترجمتهم، والله أعلم»((1)).

وقد عرفت أنّه في غير محله.

نعم، إذا روى هذا العنوان عن سليمان بن داود المنقري، وروى عنه إبراهيم بن هاشم لم يمكن التمييز بالراوي والمروي عنه؛ فإنّ الأصفهاني والجوهري كلاهما يرويان عن سليمان بن داود المنقري، ويروي عنهما إبراهيم بن هاشم.

وقد ورد هذا العنوان - أي: القاسم بن محمد - في «نوادر الحكمة» وفي «تفسير علي بن إبراهيم»، وروى عنه المشايخ الثقات((2)

فيكون ثقة، والظاهر أنّه الجوهري.

وأمّا علي: فهو علي بن أبي حمزة البطائني؛ لرواية القاسم بن محمد عنه،فالسند معتبر على القول باعتبار روايات البطائني؛ لكونها قبل الوقف، ولوجود الحديث في كتاب الحسين بن سعيد.

السند الثاني: سند المحقق في «المعتبر»، واعتباره مبني على ما سبق في

ص: 428


1- - جامع الرواة 2 : 21.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 243، 286، و ج 2 : 206.

[460] 4- وَعَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ أَوِ الطَّيْرِ؟ قَالَ: «إِنْ أَدْرَكْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْتِنَ نَزَحْتَ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ سِنَّوْراً أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ نَزَحْتَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ دَلْواً أَوْ أَرْبَعِينَ دَلْواً، وَإِنْ أَنْتَنَ حَتَّى يُوجَدَ رِيحُ النَّتْنِ فِي الْمَاءِ نَزَحْتَ الْبِئْرَ حَتَّى يَذْهَبَ النَّتْنُ مِنَ الْمَاءِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

السند الأول.

[4] - فقه الحديث:

دلالته كالحديث السابق، إلّا أنّه لم يتعرّض لنزح العشرين للسنور، وهذا آية الاستحباب. وقد تقدّم الكلام في الترديد ب- «أو» في الحديث السابق.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند موثّق.

ص: 429


1- تهذيب الأحكام 1 : 236، ح681، والاستبصار 1 : 36، ح98، وأورد صدره في الحديث 1 من الباب الآتي.

[461] 5- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَبُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ(1) أَبِي جَعْفَرٍ (علیهما السلام) فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الدَّابَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ(2) وَالطَّيْرُ فَيَمُوتُ، قَالَ: «يُخْرَجُ ثُمَّ يُنْزَحُ مِنَ الْبِئْرِ دِلَاءٌ، ثُمَّ اشْرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأْ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

المراد من الدابّة هي الدابّة الصغيرة؛ بقرينة ما تقدّم من إرادة الدابّة الكبيرة في الباب الخامس عشر، وكون الحكم في بعض تلك الأحاديث هو نزح كر أو نزح الماء كلّه.

وقد دلّ هذا الحديث على عدم انفعال ماء البئر بوقوع المذكورات وهي الدابة الصغيرة والفأرة والكلب والخنزير - وهذا على نقل الماتن - والطير بأنواعه، وموتها فيها، وأنّه يكفي نزح دلاء.

وأمّا على نقل «التهذيب» و«الاستبصار» فليس فيهما ذكر للكلب والخنزير، ولكن هذا لا يضر بأصل الاستدلال؛ لفرض موت بقيّة المذكورات، فنجاستها مسلّمة، ومع ذلك اقتصر الحديث على نزح دلاء من البئر.

ص: 430


1- في تهذيب الأحكام: أو.
2- ليس في المصدرين.
3- تهذيب الأحكام 1 : 236/682، والاستبصار 1 : 36/99.

[462] 6- وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْفَضْلِ الْبَقْبَاقِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْفَأْرَةُ أَوِ الدَّابَّةُ أَوِ الْكَلْبُ أَوِ الطَّيْرُ فَيَمُوتُ، قَالَ: «يُخْرَجُ ثُمَّ يُنْزَحُ مِنَ الْبِئْرِ دِلَاءٌ، ثُمَّ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ»(1).

أَقُولُ: حَمَلَ الشَّيْخُ الْإِجْمَالَ هُنَا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ.

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراد السند، وهو صحيح أعلائي.

[6] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه.

قال شيخ الطائفة في «الاستبصار»: «فالوجه في هذه الأخبار أحد شيئين: إمّا أن يكون (علیه السلام) أجاب عن حكم بعض ما تضمّنه السؤال من الفأرة والطير، وعوّل في حكم الباقي على المعروف من مذهبه أو غيره من الأخبار التي شاعت عنهم (علیهم السلام) . والثاني أن لا يكون في ذلك تنافٍ؛ لأنّ قوله: تنزح منها دلاء، فإنّه جمع الكثرة، وهو ما زاد على العشرة، ولا يمتنع أن يكون المراد به أربعين دلواً حسب ما تضمنته الأخبار الأولة. ولو كانالمراد بها دون العشرة لكان جمعه يأتي على أفعله دون فعال»((2)).

ص: 431


1- تهذيب الأحكام 1 : 237، ح685، والاستبصار 1 : 37، ح100.
2- - الاستبصار 1 : 37.

[463] 7- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْفَأْرَةِ وَالسِّنَّوْرِ وَالدَّجَاجَةِ وَالْكَلْبِ وَالطَّيْرِ، قَالَ: «فَإِذَا(1) لَمْ يَتَفَسَّخْ أَوْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُ الْمَاءِ فَيَكْفِيكَ خَمْسُ دِلَاءٍ، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ فَخُذْ مِنْهُ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيحُ»(2).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

المراد من القاسم: هو القاسم بن محمد الجوهري؛ لروايته عن أبان بن عثمان، على ما عرفت في سند الحديث الثالث.

وأبان: هو أبان بن عثمان الأحمر، والسند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نزح خمس دلاء إذا وقعت المذكورات في البئر، وظاهرها الموت فيها؛ فإنّ استثناء التفسّخ أو تغيّر الطعم قرينة على إرادةذلك. كما دلّ على لزوم النزح حتى يذهب التغيّر إذا تغير ماء البئر بالتفسّخ أو بطول البقاء.

ص: 432


1- في نسخة: «ما». (منه(قدس سره) )، كما في المصدر.
2- تهذيب الأحكام 1 : 237، ح684.
3- الكافي 3 : 5، ح3.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(1)1*).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(2)2*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى خُرُوجِ الْكَلْبِ حَيّاً(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

أورده الماتن بأربعة أسانيد:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو صحيح أعلائي.

الثاني: سند الكليني، وهو معتبر.

الثالث: سند الشيخ عن الكليني، وقد تقدّم أنَّها عدّة طرق صحيحة، فالسند أيضاً صحيح.

سند الشیخ الصدوق إلی محمد بن أبي عمير

الرابع: سند الشيخ إلى محمد بن أبي عمير، وهو - على ما في «الاستبصار»- : الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، ثم يتّحد باقي رجال السند، فالسند صحيح أعلائي.

ولكن سند الشيخ إلى محمد بن أبي عمير عبارة عن عدّة طرق:

فالطريق الذي ذكره في مشيختي «الاستبصار» و«التهذيب» هو: «فقد رويته بهذا الإسناد عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي

ص: 433


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 233، ح675.
2- 2*) الاستبصار 1 : 37، ح102.
3- 3*) المصدر نفسه 1 : 38، ذيل الحديث 102.

القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك، عن ابن أبي عمير»((1)).

ومراده ب- «هذا الإسناد» هو: الشيخ المفيد أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله جميعاً.

وذكر في «الفهرست» طرقاً أخر إلى كتبه من ضمنها هذا الطريق المتقدّم عن «المشيخة»، وهي:

1- أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة، عن ابن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد والحميري، عن إبراهيم بن هاشم، عنه .

2- وأخبرنا بها ابن أبي جيّد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عيسى بن عبيد، عنه.

3- ورواها ابن بابويه، عن أبيه وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عنه .

4- وأخبرنا بالنوادر خاصة جماعة، عن أبي المفضل، عن حميد، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك، عنه .

5- وأخبرنا بها أيضاً جماعة، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد الموسوي، عن ابن نهيك، عنه((2)).

ص: 434


1- - الاستبصار 4 : 334، وتهذيب الأحكام 10 : 79.
2- - فهرست الطوسي: 219 / 617.

[464] 8 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ بِئْرٍ يَقَعُ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ فَأْرَةٌ أَوْ خِنْزِيرٌ؟ قَالَ: «تُنْزَحُ(1) كُلُّهَا»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذه الطرق معتبرة ما عدا الرابع.

[8] - فقه الحديث:

الحديث ظاهر في لزوم نزح الماء كلّه بوقوع الكلب أو الفأرة أو الخنزير، فيغاير ما سبق من الأحاديث، لكنّه محمول على تغيّر الماء بوقوعها فيه، فاللازم نزحها كلّها، فلا تنافي.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 435


1- في المصدر: ينزف، وكذلك في هامش الأصل عن نسخة.
2- تهذيب الأحكام 1 : 242، ح699، و 284، ح832، والاستبصار 1 : 38، ح104، ويأتي في الحديث 1 من الباب 23 من هذه الأبواب.

[465] 9- وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْمَيِّتُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ، يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً»(1).

[466] 10- وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، أَنَّهُ يُنْزَحُ لِلسِّنَّوْرِ سَبْعُ دِلَاءٍ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث مخالف لما مرّ، مما دلّ على نزح أربعين دلواً أو ثلاثين.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السند معتبر.

[10] - فقه الحديث:

تقدّم الكلام فيه في الحديث الخامس من الباب الخامس عشر من هذه الأبواب.

سند الحديث:

سبق الكلام في رجاله، وقلنا: إنّ السند ضعيف، ولكن يمكن تصحيحه من جهة وجود عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع.

ص: 436


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 5 من الباب 15 من هذه الأبواب.

[467] 11- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَمَّا يَقَعُ فِي الْآبَارِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا الْفَأْرَةُ وَأَشْبَاهُهَا فَيُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ، إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ فَيُنْزَحُ حَتَّى يَطِيبَ، فَإِنْ سَقَطَ فِيهَا كَلْبٌ فَقَدَرْتَ أَنْ تَنْزَحَ مَاءَهَا فَافْعَلْ. وَكُلُّ شَيْ ءٍ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ لَيْسَ لَهُ دَمٌ مِثْلُ الْعَقْرَبِ وَالْخَنَافِسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ(2).

أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ هُنَا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على نزح سبع دلاء للفأرة وأشباهها كما في الأحاديث السابقة، وعلى نزح الماء حتى يطيب إذا وقع فيه الكلب، وهو مخالف لما دلّ على نزح الأربعين. كما دلّ على أنّ ما لا نفس له سائلة - كالعقربوالخنفس - لا يوجب وقوعه نزح شيء من الماء، وسيأتي ما ينافي ذلك في

ص: 437


1- الكافي 3 : 6، ح6.
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 ، ح666.
3- تقدّم في ذيل الحديث 1 و 7 من هذا الباب، ويأتي وجه الجمع في الفأرة في الحديث 3 من الباب 19 من هذه الأبواب.

الباب التاسع عشر من هذه الأبواب.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر الماتن لهذا الحديث سندين:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: أحمد بن محمد: وهو ابن عيسى الأشعري القمّي، وابن سنان: هو محمد بن سنان، وقد سبق أنّ الأقوى وثاقته. وإنَّما قلنا: إنّه محمد؛ لأنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن عبد الله بن سنان. والمراد من ابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان كما هو واضح، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو معتبر كسابقه.

فالحاصل: أنّ في الباب أحد عشر حديثاً، اثنان منها ضعيفان، وهما الحديث الثالث والحديث العاشر، وواحد اعتباره محل خلاف، وإن كان الأقوى عندنا اعتباره، وهو الحادي عشر، والبقيّة معتبرة.

ص: 438

18 - باب ما ينزح للدجاجة والحمامة والطير والشاة ونحوها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

18 - باب ما ينزح للدجاجة والحمامة والطير والشاة ونحوها

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

الدجاجة والحمامة معروفان. وأمّا الطير فقال عنه صاحب «المدارك»: «فسّر بالحمامة والنعامة وما بينهما، والقول بوجوب السبع في موت الطير للثلاثة وأتباعهم»((1)

ونقل الشهرة الشهيد الأول في «الذكرى»((2)).

وعن بعضهم - كما اختاره المحقّق في «المعتبر»، والسيد العاملي في «المدارك» - أنّ فيه خمس دلاء((3)).

وقال العلامة في «المختلف»: «قال الشيخان وأبو الصلاح وسلّار وابن إدريس في الشاة: أربعون دلواً. وقال محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه: ينزح منها تسعة إلى عشرة»((4)).

ص: 439


1- - مدارك الأحكام 1 : 84.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 96.
3- - المعتبر1 : 70، ومدارك الأحكام 1 : 85.
4- - مختلف الشيعة 1 : 202.

أقوال العامّة:

تقدّم أنّ الحنفية قالوا: إذا سقط في ماء البئر حيوان له دم سائل كالإنسان والمعز والأرنب فإنّ لذلك ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن ينتفخ ذلك الحيوان أو يتفسّخ... وحكم هذه الحالة نجاسة هذه البئر ودلوها الذي وضع فيها بعد سقوط ذلك الحيوان وحبل ذلك الدلو، ثم إذا أمكن نزح جميع الماء الذي فيها فإنَّها لا تطهر إلّا بنزح جميعه.

الحالة الثانية: أن يموت فيها الحيوان الذي له دم سائل، ولكنّه لم ينتفخ ولم يتفسّخ ولم يتمعّط، ولذلك ثلاث صور:

الأولى: أن يكون آدميّاً أو شاة أو جدياً، صغيراً كان أو كبيراً. وحكم ذلك كحكم الحالة الأولى، وهو أنّ ماء البئر وما يتعلّق به من حيطان ودلو وحبل صار نجساً، ولا يطهر إلّا بنزح مائها جميعه إن أمكن، أو بنزح مائتي دلو إن لم يمكن.

الصورة الثانية: أن يكون ذلك الحيوان صغيراً كالحمامة والدجاجة والهرّة. فإذا سقطت في ماء البئر هرّة وماتت ولم تنتفخ أو تتفسّخ أو يسقطشعرها، فإنّ ماء البئر يتنجّس ولا يطهر إلّا بنزح أربعين دلواً منها.

الصورة الثالثة: أن يكون ذلك الحيوان أصغر من ذلك كالعصفور والفأرة، فإنّ ماء البئر يتنجّس على الوجه المتقدّم، ولا يطهر إلّا بنزح عشرين دلواً منها.

ص: 440

هذا، ولا فرق بين الصغير والكبير في جميع الأنواع، إلّا أنّ الآدمي والدجاجة والفأرة قد رود فيها النص بخصوصها.

أمّا باقي الأنواع، فإنّ صغيره ملحق بكبيره في ذلك.

الحالة الثالثة: أن يقع في البئر حيوان ثم يخرج منها حيّاً، ولذلك صورتان: ...الصورة الثانية: أن لا يكون ذلك الحيوان نجس العين، كالمعز ونحوه. وحكم هذه الصورة أنّه إذا كان على بدن ذلك الحيوان نجاسة مغلّظة كالعذرة ونحوها، فإنّ البئر تنجس، كما إذا سقط فيها حيوان نجس العين. أمّا إذا لم يكن على بدنه نجاسة فإنّه لا ينزح منه شيء وجوباً، ولكن يندب نزح عشرين دلواً منها ليطمئن القلب. فإذا لم يكن على بدنه نجاسة، ولكن على فمه نجاسة، فإنّ حكمه قد تقدّم وهو حكم سؤر النجس فراجع.

قالت المالكية: يتنجّس ماء البئر إذا مات فيه حيوان بشروط ثلاثة:

الشرط الأول: أن يكون الحيوان بريّاً، سواء كان إنساناً أو بهيمة.

الشرط الثاني: أن يكون الحيوان البري له دم سائل.

الشرط الثالث: أن لا يتغيّر ماء البئر، ولكن يندب في هذه الحالة أن ينزحمن البئر مقدار من الماء تطيب به النفس، وليس له حدّ معيّن.

وقالت الشافعية: إن كان ماء البئر قليلاً ومات فيه ما له دم سائل من حيوان أو إنسان، فإنّ الماء ينجس بشرط أن يطرحها في الماء أحد.

وإن كان كثيراً - وهو ما زاد على قلّتين - فإنّه لا ينجس إلّا إذا تغيّرت

ص: 441

[468] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ أَوِ الطَّيْرِ؟ قَالَ: «إِنْ أَدْرَكْتَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْتِنَ نَزَحْتَ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أحد أوصافه الثلاثة.

ووافقهم الحنابلة بدون اشتراط أن يطرح النجاسة أحد، أو تكون معفواً عنها ((2)).

[1] - فقه الحديث:

دلالته واضحة، وقد ساوى بين الفأرة والطير في نزح سبع دلاء، وهو موافق لقول المشهور.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجاله، وسماعة: هو سماعة بن مهران. ومع أنّ الحديث مضمر إلّا أنّه لا يضر باعتباره؛ فإنّ مضمرات سماعة معتبرة، فالسند معتبر.

ص: 442


1- تهذيب الأحكام 1 : 236، صدر الحديث 681، وتهذيب الأحكام 1 : 239، قطعة من الحديث 690 بسند آخر، والاستبصار 1 : 36، ح98 و 39 ،ح109، وتقدّم بتمامه في الحديث 4 من الباب السابق.
2- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 45 - 47، باختصار وتصرف.

[469] 2- وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «سَبْعُ دِلَاءٍ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ الطَّيْرِ وَالدَّجَاجَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «سَبْعُ دِلَاءٍ»، الْحَدِيثَ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه، وقد تقدّم بتمامه في الباب السابع عشر من هذه الأبواب الحديث الثالث.

سند الحديث:

المراد بالضمير في «عنه» هو الحسين بن سعيد. كما أنّ المراد بالقاسم هو القاسم بن محمد، وهو الجوهري؛ لروايته عن علي بن أبي حمزة البطائني هنا، وهو المراد بعلي هنا. والسند ضعيف به، لكن يمكن تصحيحه بما تقدّم مراراً من كون روايته قبل الوقف، أو لوجود الحديث في كتاب الحسين بن سعيد.

ص: 443


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 235، ح680، وروى صدره في الاستبصار 1 : 39، ح108، وتقدّم بتمامه في الحديث 3 من الباب 17 من هذه الأبواب، وتأتي قطعة منه في الحديث 2 من الباب 18، وفي الحديث 3 من الباب 19 من هذه الأبواب.

[470] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ كَلُّوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: «الدَّجَاجَةُ وَمِثْلُهَا تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ شَاةً وَمَا أَشْبَهَهَا فَتِسْعَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّه ينزح لموت الدجاجة وما ماثلها من الطيور دلوان أو ثلاثة، وهو مخالف لما في الحديثين المتقدّمين في الطير؛ فإنّه يستفاد منهما نزح سبعة دلاء للطير، ولعلّه مستند الشيخ ابن بابويه في مقدار النزح لموت الشاة، وهو مخالف للمشهور القائلين بوجوب الأربعين.

سند الحديث:

فيه: غياث بن كلوب: وهو غياث بن كلوب بن فيهس البجلي، عاميّ. قال الشيخ في «عدّة الأُصول»: «ولأجل ما قلناه - من كون الراوي ثقة وإن كان مخالفاً - عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن درّاج، والسكوني، وغيرهم من العامّة عن أئمتنا: فيما لم ينكروهولم يكن عندهم خلافه»((2)).

ص: 444


1- تهذيب الأحكام 1 : 237، ح683، والاستبصار 1 : 38، ح105، و43، ح122.
2- - عدة الأُصول 1 : 149.

[471] 4- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الدَّابَّةِ الصَّغِيرَةِ سَبْعُ دِلَاءٍ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «النوادر»((2)) أيضاً، فيكون ثقة، وبهذا يكون السند موثقاً.

هذا، مضافاً إلى أنّ كتاب إسحاق بن عمار مشهور ومعتمد عليه، كما تقدّم.

[4] - فقه الحديث:

تقدّم هذا الحديث في الباب الخامس عشر من هذه الأبواب، الحديث الأول. والدابّة الصغيرة تشمل الشاة وما شاكلها، فهي في قبال الدابّة الكبيرة التي تقدّم حكمها.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السند صحيح.

ص: 445


1- تقدّم في الحديث 1 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 233.

[472] 5- وَعَنْهُ (علیه السلام) : «إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ الطَّيْرُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْفَأْرَةُ فَانْزَحْ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»(1).

[473] 6- وَعَنْهُ (علیه السلام) : فِي الْعُصْفُورِ دَلْوٌ وَاحِدٌ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

تقدّم هذا الحديث في الباب الرابع عشر من هذه الأبواب، الحديث الثاني عشر، والحديث الثالث من الباب السابع عشر، والحديث الثاني من هذا الباب، ودلالته واضحة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السند ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني، ولكن يمكن تصحيحه بما تقدّم مراراً من كون روايته قبل الوقف.

[6] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث الخامس من الباب الخامس عشر.

سند الحديث:

تقدّم أنّه ضعيف بعمرو بن سعيد بن هلال، وأنّه يمكن تصحيحه بوجودعبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع.

ص: 446


1- تقدّم في الحديث 12 من الباب 14، والحديث 3 من الباب 17 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 5 من الباب 15 من هذه الأبواب.

[474] 7- وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : فِي الشَّاةِ سَبْعُ دِلَاءٍ(1).

[475] 8 - وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : فِي الطَّيْرِ خَمْسُ دِلَاءٍ(2)2*).

وَتَقَدَّمَ أَيْضاً تَقْدِيرَاتٌ مُجْمَلَةٌ. وَتَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

وجه الجمع بين الأحادیث المختلفة

[7] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث الخامس من الباب الخامس عشر أيضاً.

سند الحديث:

قلنا: إنّه ضعيف بعمرو بن سعيد بن هلال، ويمكن تصحيحه بما تقدّم.

[8] - فقه الحديث:

دلالة الحديث واضحة، وهي نزح خمس دلاء لوقوع الطير في البئر، كما اختاره المحقّق في المعتبر((4)).

قال الماتن في ذيل الحديث السادس من الباب الخامس عشر في وجه الجمع بين الأحاديث المختلفة والتقديرات المجملة: «ذكر جماعة من علمائنا:أنّ الأقل في هذا الباب وغيره محمول على الإجزاء، والأكثر على الأفضليّة».

ص: 447


1- تقدّم في الحديث 5 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 7 من الباب 17 من هذه الأبواب.
3- 3*) تقدم في الحديث 6 من الباب 15 من هذه الأبواب.
4- - المعتبر 1 : 70.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم في الحديث السابع من الباب السابع عشر، وقلنا: إنّ له أربعة أسانيد، اثنان منها صحيح أعلائي، وواحد صحيح، وواحد معتبر.

فالحاصل: أنّ في هذا الباب ثمانية أحاديث، اثنان منها صحاح، وهما الرابع والثامن، وواحد موثّق، وهو الثالث، وواحد معتبر، وهو الأول، والأربعة الباقية ضعاف يمكن تصحيحها.

وقد دلّ الأكثر على قول المشهور، وهو نزح سبع دلاء للطير، وفي بعضها خمس دلاء، وفي الشاة سبع، وروي تسع، أو عشر.

ص: 448

فهارس الكتاب

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.

2- فهرس الكنى والألقاب.

3- فهرس الأسانيد.

4- فهرس المصادر.

5- فهرس مطالب الكتاب.

ص: 449

ص: 450

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- أ -

أحمد بن الحسن الميثمي (ب14 ح17)........................................................... 370

أحمد بن الحسن بن علي بن فضال (ب8 ح14)................................................. 231

أحمد بن جمهور (ب7 ح7)........................................................................ 179

أحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير (ب14 ح17)............................................. 371

- ب -

بشير (ب8 ح12)................................................................................... 226

بكار بن أبي بكر (ب9 ح17)..................................................................... 281

بكر بن حبيب (ب7 ح4)........................................................................... 170

بكر بن حبيب الأحمسي البجلي (ب7 ح4)....................................................... 171

- ج -

جعفر بن محمد (ب1 ح5) مشترك................................................................ 56

جعفر بن محمد الأشعري (ب1 ح5).............................................................. 57

جعفر بن محمد بن إبراهيم (ب1 ح5)............................................................ 57

جعفر بن محمد بن إسحاق (ب1 ح5)............................................................ 57

جعفر بن محمد بن الحسن (ب1 ح5)............................................................. 57

ص: 451

جعفر بن محمد بن حكيم (ب1 ح5)............................................................... 57

جعفر بن محمد بن شريح (ب1 ح5).............................................................. 57

جعفر بن محمد بن عبد الله (ب1 ح5)............................................................ 57

جعفر بن محمد بن قولويه (ب1 ح5)............................................................. 57

جعفر بن محمد بن مالك (ب1 ح5)............................................................... 57

جعفر بن محمد بن يونس الأحول (ب1 ح5)..................................................... 57

جعفر بن محمد العلوي الموسوي (ب11 ح2)................................................... 314

جميل بن درّاج (ب1 ح1)......................................................................... 44

- ح -

الحسن بن الحسين اللؤلؤي (ب1 ح5)............................................................ 58

الحسن بن حمزة العلوي (ب14 ح4)............................................................. 343

الحسن بن سعيد (ب8 ح9)........................................................................ 218

الحسن بن صالح الثوري (ب9 ح8).............................................................. 259

الحسين بن زرارة (ب14 ح3).................................................................... 339

الحسين بن عثمان (مشترك) (ب9 ح14)........................................................ 272

الحسين بن عثمان الأحمسي البجلي (ب9 ح14)................................................ 272

الحسين بن عثمان الرواسي (ب9 ح14) ........................................................ 273

الحسين بن عثمان بن شريك العامري (ب9 ح14).............................................. 272

ص: 452

الحسين بن محمد (ب8 ح15)..................................................................... 236

الحكم بن مسكين (ب5 ح6)....................................................................... 130

- د -

داود بن سرحان (ب7 ح1)........................................................................ 165

- ر-

ربعي بن أحمر (ب5 ح1)......................................................................... 123

ربعي بن عبدالله (ب5 ح1)........................................................................ 122

- ز -

زكار بن فرقد (ب9 ح16)........................................................................ 277

- س -

سعد بن سعد (ب14 ح4).......................................................................... 342

سعيد الأعرج (ب8 ح8)........................................................................... 216

- ش -

شهاب بن عبد ربّه (ب8 ح3)..................................................................... 201

- ص -

صالح بن عبد الله (ب7 ح8)....................................................................... 182

ص: 453

- ع -

عبّاد بن سليمان (ب14 ح4)....................................................................... 341

العباس (مشترك) (ب10 ح8)..................................................................... 300

العباس بن معروف (ب10 ح8).................................................................. 300

عبد الرحمن بن حمّاد الكوفي (ب8 ح12)....................................................... 226

عبد الرحمن بن كثير (ب8 ح12)................................................................ 63

عبد الله بن الحسن العلوي (ب2 ح3)............................................................. 71

عبد الله بن الزبير الأسدي (ب14 ح17)......................................................... 371

عثمان بن زياد (مشترك) (ب9 ح16)............................................................ 277

عثمان بن زياد الأحمسي الكوفي (ب9 ح16)................................................... 277

عثمان بن زياد الرواسي الكوفي (ب9 ح16).................................................... 278

عثمان بن زياد الضبي الكوفي (ب9 ح16)...................................................... 278

عثمان بن زياد الهمداني الكوفي (ب9 ح16).................................................... 278

العلاء بن الفضيل (ب3 ح7)...................................................................... 94

علي بن حسّان (ب1 ح8).......................................................................... 62

علي بن عيسى الإربلي (ب8 ح15).............................................................. 234

علي بن يقطين (ب17 ح2)....................................................................... 423

عمرو بن سعيد بن هلال (ب15 ح5)............................................................ 403

ص: 454

عنبسة بن مصعب (ب5 ح2)..................................................................... 125

- غ -

غياث بن كلوب (ب18 ح3)....................................................................... 444

- ق -

القاسم بن محمد (ب17 ح3)....................................................................... 426

القاسم بن محمد الأصفهاني (ب17 ح3)......................................................... 426

القاسم بن محمد الجوهري (ب17 ح3)........................................................... 426

القاسم بن محمد الخلقاني (ب17 ح3)............................................................. 427

القاسم بن محمد بن علي الهمداني (ب17 ح3).................................................. 426

- ك -

كردويه (ب15 ح2)................................................................................ 395

- م -محمد بن أبي حمزة (ب17 ح2).................................................................. 423

محمد بن أحمد العلوي (ب8 ح1)................................................................. 197

محمد بن إسماعيل (ب3 ح1) مشترك............................................................ 81

محمد بن إسماعيل (ب8 ح3)..................................................................... 200

ص: 455

محمد بن إسماعيل البرمكي (ب8 ح3)........................................................... 200

محمّد بن إسماعيل البرمكي المعروف بصاحب الصومعة (ب3 ح1)......................... 81

محمّد بن إسماعيل النيسابوري البندقي (ب3 ح1)............................................... 81

محمّد بن إسماعيل بن بزيع (ب3 ح1)........................................................... 81

محمد بن الحسن بن جمهور (ب7 ح7)........................................................... 179

محمد بن القاسم (مشترك) (ب7 ح7)............................................................. 180

محمّد بن القاسم الاسترابادي (ب7 ح7).......................................................... 180

محمّد بن القاسم السوداني (ب7 ح7).............................................................. 180

محمّد بن القاسم بن الفضيل (ب7 ح7)........................................................... 180

محمّد بن القاسم بن المثنّى (ب7 ح7)............................................................. 180

محمّد بن القاسم بن بشار (ب7 ح7).............................................................. 180

محمد بن جمهور العمي (ب7 ح7)............................................................... 179

محمد بن حمران (ب1 ح1)....................................................................... 45

محمّد بن سعيد (ب9 ح10)........................................................................ 263

محمد بن ميسر (ب8 ح5) ........................................................................ 210

مسعدة بن اليسع (ب1 ح7)........................................................................ 60

موسى بن الحسن (ب8 ح12)..................................................................... 226

موسى بن عمر (مشترك) (ب14 ح17)......................................................... 369

ص: 456

موسى بن عمر البغدادي (ب14 ح17).......................................................... 369

موسى بن عمر الحضيني (ب14 ح17)......................................................... 370

موسى بن عمر بن بزيع (ب14 ح17)........................................................... 369

موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل (ب14 ح17) ...................................... 369

موسى بن عيسى (ب9 ح10)..................................................................... 263

- ن -

نوح بن شعيب (ب15 ح3)........................................................................ 397

- ه- -

الهيثم بن أبي مسروق (ب5 ح6)................................................................. 129

- ي -

ياسين البصري (ب15 ح3)....................................................................... 399

ياسين الضرير (ب3 ح3)......................................................................... 87

ص: 457

ص: 458

2- فهرس الكنى والألقاب

ابن أخت الأوزاعي (ب1 ح7).................................................................... 60

ابن جمهور (ب7 ح7)............................................................................. 179

ابن سنان (ب9 ح7)................................................................................ 256

أبو أُسامة (ب14 ح12)........................................................................... 360

أبو الحسن الهاشمي (ب7 ح6).................................................................... 177

أبو أيوب (مشترك) (ب7 ح2).................................................................... 166

أبو أيوب الخزاز (ب7 ح2)....................................................................... 167

أبو بكر الحضرمي (ب2 ح2)..................................................................... 70

أبو زياد النهدي (ب14 ح16)..................................................................... 367

أبو عمارة (ب8 ح15)............................................................................. 236

أبو عمران (ب8 ح15)............................................................................ 236

أبو عيينة (ب14 ح13)............................................................................ 362

أبو مريم الأنصاري (ب8 ح12).................................................................. 227

أبو يحيى الواسطي (ب7 ح6)..................................................................... 177

أبو يوسف يعقوب بن عثيم (ب14 ح12)........................................................ 360

الكاهلي عبد الله بن يحيى (ب6 ح5) ............................................................. 150

ص: 459

ص: 460

3- فهرس الأسانيد

اسناد الشيخ الصدوق

سنده الى محمد بن حمران وجميل بن دراج (ب1 ح1)......................................... 44

سنده إلى عمار الساباطي (ب4 ح1).............................................................. 114

سنده إلى هشام بن سالم (ب6 ح1) ............................................................... 139

سنده إلى علي بن جعفر (ب6 ح2)............................................................... 142

سنده إلى يعقوب بن عثيم (ب14 ح19) ......................................................... 374

سنده إلى كردويه (ب16 ح3)..................................................................... 413

اسناد الشيخ الطوسي

سنده إلى محمد بن احمد بن يحيى (ب1 ح4).................................................... 53

سنده إلى سعد بن عبد الله الاشعري (ب1 ح5).................................................. 56

سنده إلى المفيد (ب1 ح8)......................................................................... 62

سنده إلى علي بن إبراهيم (ب3 ح2).............................................................. 85

سنده إلى سماعة (ب3 ح6) ....................................................................... 92

سنده إلى احمد بن محمد (ب3 ح12)............................................................. 102

سنده إلى علي بن جعفر (ب6 ح2)............................................................... 143

ص: 461

سنده إلى محمد بن أبي عمير (ب11 ح2) ....................................................... 313

سنده إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر (ب14 ح5) ............................................. 346

اسناد ابن ادريس

سنده إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب (ب6 ح6)........................................... 152

ص: 462

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.

2- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

3- إرشاد الأذهان، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ فارس حسون، الطبعة الاُولى، 1410، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

4- الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

5- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

6- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419 ه- ق، قم.

ص: 463

7- إشارة السبق إلى معرفة الحق، علي بن الحسن الحلبي، تحقيق الشيخ ابراهيم بهادري، الطبعة الأولى 1414 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

8- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، قطب الدين البيهقي الكيدري، تحقيق الشيخ ابراهيم بهادري، الطبعة الأولى 1416 ه- ، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

9- الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم، الطبعة الثانية 1979، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

10- أصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

11- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تقرير الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الرابعة، 1434ه- ، تصحيح الشيخ حسن العبودي، مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي.

12- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، الشيخ الطوسي، منشورات مكتبة جامع چهل ستون طهران، 1400 ه- .

13- الإعجاز الطبّي في القرآن الكريم، سعيد صلاح الفيومي، الطبعة الأولى 1426 ه- ، مكتبة القدسي القاهرة.

ص: 464

14- الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى 1417، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

15- الأمالي، الشيخ الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 ، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

16- الأمالي، الشيخ المفيد، تحقيق حسين الاُستاد ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1414، 1993 م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

17- أمل الآمل، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، دار احياء التراث، الطبعة الاُولى 1431 ه- ، 2010 م .

18- الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد المرتضى علم الهدى، موسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.

19- إيضاح الدلائل، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم السيد عباس الحسيني والشيخ محمد عيسى البنّاي، الطبعة الثانية 1430ه- 2009م، منشورات دار الهدى قم.

20- إيضاح الفوائد، محمد بن حسن الحلّي فخر المحقّقين، تحقيق السيد حسين الموسوي الكرماني، الطبعة الأولى 1387 ه- ، نشر مؤسسة اسماعيليان قم.

ص: 465

21- بحار الانوار، العلامة المجلسي، الطبعة الثانية المصححة، 1403، 1983م، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

22- بحوث في شرح العروة الوثقى، الشهيد السيد محمد باقر الصدر، تحقيق السيد محمود الهاشمي، الطبعة الثانية 1408 ه- ، نشر مجمع الشهيد الصدر العلمي.

23- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد القرطبي الأندلسي الشهير بابن رشد الحفيد، تحقيق خالد العطار، دار الفكر بيروت، 1415ه- 1995م.

24- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر الكاشاني، الطبعة الأولى 1409 ه- 1989م، المكتبة الحبيبية، كويته باكستان.

25- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي 1404، 1362 ش، منشورات الأعلمي، طهران.

26- البيان، الشهيد الأول، تحقيق الشيخ محمد الحسّون، الطبعة الأولى 1412، قم.

27- تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الواسطي، تحقيق على شيري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

28- تاريخ آل زرارة، أبو غالب الزراري، 1399.

ص: 466

29- تبصرة المتعلّمين، العلاّمة الحلّي، الطبعة الأولى 1411ه- ، نشر مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد.

30- تحرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

31- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1422 ه- قم المقدسة.

32- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

33- التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- ، قم المقدسة.

34- التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقريرأبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة، 1428ه- ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

ص: 467

35- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

36- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة الثانية 1368 ش، منشورات الشريف الرضي، قم.

37- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، دار الأولياء ، بيروت - لبنان.

38- جامع الرواة، محمد بن علي الأردبيلي، نشر مكتبة المحمدي.

39- جامع السعادات، محمد مهدي النراقي، تحقيق وتعليق: السيد محمد كلانتر تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر، دار النعمان للطباعة والنشر.

40- جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية 149ه- 2008م، بيروت.

41- الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلّي، تحقيق جمع من الفضلاء، الناشر مؤسسة سيد الشهداء العلمية 1405، قم.

42- جمل العلم والعمل، السيد الشريف المرتضى، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر دار القرآن الكريم قم 1405 ه- .

ص: 468

43- جمهرة اللغة، محمد بن الحسن بن دُريد الأزدي، ترتيب وتصحيح عادل عبدالرحمن البدري، الطبعة الأولى 1428ه- ، نشر مجمع البحوث الإسلامية، مشهد.

44- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

45- حاشية الإرشاد، الشهيد الثاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي قم، 1414ه- .

46- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الشيخ محمد عرفة الدسوقي، نشر دار إحياء الكتب العربية.

47- الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه، محمد بن حسين بهاء الدين العاملي، تحقيق فارس حسّون كريم، الطبعة الأولى 1424ه- ، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي قم.

48- الحاشية على مدارك الأحكام، الوحيد البهبهاني، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، الطبعة الأولى 1419ه- .

49- الحبل المتين في إحكام أحكام الدين، الشيخ البهائي، تحقيق السيد بلاسم الموسوي الحسيني، الطبعة الثانية 1429 ه- ، نشر مجمع البحوث الإسلامية، مشهد.

ص: 469

50- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

51- الخصال، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403، 1362 ش، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

52- خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، عبد الغدير 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

53- الخلاف، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

54- درر الفوائد، الشيخ عبدالكريم الحائري، تحقيق الشيخ محمد مؤمن القمي، الطبعة الخامسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسي بقم المقدسة.

55- الدروس الشرعيّة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

56- دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة قم، الطبعة الأولى 1413ه- ، نشر مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

57- ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري، الطبعة حجرية مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

ص: 470

58- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1419، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

59- رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي داود الحلي، تحقيق السيد صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، قم المقدسة.

60- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق جواد القيومي الإصفاني، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1415، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

61- رجال النجاشي، النجاشي، الطبعة الثامنة، 1427، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

62- رسائل الشهيد الثاني، الشهيد الثاني زين الدين بن علي، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى 1421ه- ، نشر مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي قم.

63- رسالة الكر، الشيخ البهائي، تحقيق مرتضى أحمديان، الطبعة الأولى 1390 ه- ، نشر مكتبة بصيرتي، قم.

64- رسالة في المهر، الشيخ المفيد، تحقيق الشيخ مهدي نجف، الطبعة الثانية 1414ه- ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت.

65- الرسائل التسع، المحقق الحلّي ، تحقيق رضا الأستادي، الطبعة الأولى 1413ه- نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم.

ص: 471

66- روض الجنان، الطبعة حجرية، الشهيد الثاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

67- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، الطبعة الاُولى والثانية، 1386، 1398، منشورات جامعة النجف الدينية.

68- روضة المتقين، محمد تقي المجلسي، تحقيق حسين الموسوي الكرماني وعلي پناه اشتهاردي، الطبعة الثانية 1406ه- ، نشر مؤسسة كوشانپور للثقافة الإسلامية.

69- رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى 1412، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

70- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الطبعة الأولى 1414ه- ، نشر دار الكتب العلمية بيروت.

71- السرائر والمستطرفات، ابن إدريس الحلي، الطبعة الخامسة، 1428 ه- ، موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

72- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصابيح السعادات، الشيخ أحمد بن علي كاشف الغطاء، الطبعة الأولى 1423، نشر مؤسسة كاشف الغطاء، النجف الأشرف.

ص: 472

73- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، مع تعليقات: السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية، 1409، انتشارات استقلال، طهران.

74- الشرح الصغير في شرح المختصر النافع، مير سيد علي الطباطبائي الحائري، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الأولى 1409 ه- ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم.

75- الشرح الكبير، عبد الرحمن بن قدامة، طبعة جديدة بالاُوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

76- الصحاح، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1407، 1987م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.

77- عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الاُولى، ذي الحجة 1417، 1376 ش.

78- العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم اليزدي ، تحقيق موسسة النشر الإسلامي، الناشر: موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقّدسة، الطبعة الاُولى 1420ه- ق.

79- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385، 1966م، منشورات المكتبة الحيدريةومطبعتها، النجف الأشرف.

80- عمدة القاري، محمود بن أحمد العيني، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

ص: 473

81- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404، 1894م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

82- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، الشهيد الأول محمد بن مكّي، تحقيق رضا مختاري، الطبعة الأولى 1414ه- ، نشر مكتب الإعلام الإسلامي بقم المقدسة.

83- غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمي، تحقيق عباس تبريزيان، الطبعة الاُولى، 1417 ه- ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم.

84- غنية النزوع، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري، الطبعة الأولى 1417ه- ، نشر مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

85- فرائد الأصول ، للشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الاُولى 1419 ه- .

86- الفصول الغروية، الشيخ محمد حسين الطهراني الحائري، نشر دار العلوم الإسلامية 1404ه- .

87- فقه الشيعة، تقرير بحث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي، الطبعة الثالثة 1418ه- ، نشر مؤسسة الآفاق.

ص: 474

88- الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، الطبعة الأولى 1419ه- ، منشورات دار الثقلين، بيروت.

89- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، شعبان المعظم 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

90- الفوائد المدنية، محمد أمين الاسترآبادي، تحقيق الشيخ رحمة الله الرحمتي الأراكي، الطبعة الأولى 1424ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

91- القاموس الفقهي، سعدي أبو حبيب، الطبعة الثانية 1408ه- ، دار الفكر، دمشق.

92- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، نشر دار العلم للجميع بيروت.

93- قرب الاسناد، الحميري القمي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران.

94- قواعد الحديث، السيد محيي الدين الموسوي الغريفي، الطبعة الأولى، النجف الأشرف.

95- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ص: 475

96- كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة الاُولى 1417 ه- .

97- كتاب الأم، محمد بن إدريس الشافعي، الطبعة الثانية 1403ه- ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

98- كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

99- كشف الحجب والأستار، السيد إعجاز حسين، الطبعة الثانية 1409، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة.

100- كشف الالتباس عن موجز أبي العباس، الشيخ مفلح الصيمري، الطبعة الأولى 1417 ه- ، تحقيق ونشر مؤسسة صاحب الأمر (علیه السلام) .

101- كشف الغمّة، علي بن عيسى الأربلي، الطبعة الثانية 1405ه- ، دار الأضواء، بيروت.

102- كشف اللثام، الفاضل الهندي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

103- كفاية الأحكام، محمد باقر السبزواري، تحقيق مرتضى الواعظي الأراكي، الطبعة الأولى 1423ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

ص: 476

104- كفاية الأصول، الشيخ محمد كاظم بن حسين الخراساني المعروف بالآخوند الخراساني، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لأحياء التراث، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) قم المقدسة، الطبعة الاُولى 1409 ه- .

105- لسان العرب، محمد بن مكرم ابن منظور، نشر أدب الحوزة قم، 1405ه- .

106- اللمعة الدمشقيّة، محمد بن مكّي الشهيد الأول، تحقيق محمد تقي مرواريد، علي أصغر مرواريد، الطبعة الأولى 1410ه- ، دار التراث - الدار الإسلامية، بيروت.

107- لوامع الأحكام في فقه شريعة الإسلام، محمد مهدي النراقي، الطبعة الأولى، قم.

108- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، 1408، 1367 ش، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

109- مجمع الفائدة والبرهان، المحقق الأردبيلي، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

110- المجموع، محيي الدين النووي، دار الفكر.

ص: 477

111- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370، 1330ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

112- المحجّة البيضاء ، الفيض الكاشاني، تصحيح علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

113- المحلّى بالآثار، ابن حزم الأندلسي، نشر دار الفكر.

114- مختصر المزني، اسماعيل المزني، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

115- مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلّي، الطبعة الأولى 1370ه- ، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف.

116- مختلف الشيعة، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ذي القعدة 1413، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

117- مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة. الطبعة الاُولى، محرم 1410، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

118- مرآة الرشاد، الشيخ عبدالله المامقاني، تحقيق الشيخ محيي الدين المامقاني، الطبعة الخامسة 1403ه- ، قم.

ص: 478

119- مرآة العقول، العلامة المجلسي، الطبعة الثالثة، 1370 دار الكتب الإسلامية.

120- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران.

121- مسائل الناصريات، السيد الشريف المرتضى، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية، نشر رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية 1417، طهران.

122- مسائل علي بن جعفر، الطبعة الاُولى 1409 ه- ، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

123- مستدرك وسائل الشيعة، الميرزا النوري، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى المحققة، 1408، 1987م، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، لبنان.

124- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الطبعة الرابعة 1404، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران.

125- مستند الشيعة، احمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة، الطبعة الاُولى 1415 ه- ، نشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

126- مشارق الشموس، المحقق الخوانساري، طبعة حجرية، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

ص: 479

127- مصابيح الأحكام، السيد مهدي بحر العلوم، تحقيق السيد مهدي الطباطبائي وفخر الدين الصانعي، الطبعة الأولى 1427، منشورات ميثم التمار، قم.

128- مصابيح الظلام، الوحيد البهبهاني، الطبعة الأولى 1424ه- ، مؤسسة الوحيد البهبهاني، قم.

129- مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، تحقيق محمد باقري وجماعة، الطبعة الأولى 1416ه- ، مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث الإسلامي ومؤسسة النشر الإسلامي بقم.

130- معالم الدين وملاذ المجتهدين (قسم الفقه)، الشيخ حسن بن الشهيد الثاني العاملي، تحقيق السيد منذر الحكيم، الطبعة الأولى 1418ه- ، مؤسسة الفقه للطباعة والنشر، قم.

131- المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلّي جعفر بن الحسن، تحقيق عدّة من الأفاضل، مؤسسة سيدالشهداء (علیه السلام) قم، 1364 ه- . ش.

132- المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبدالباقي، الطبعة التاسعة 1425ه- ، منشورات مكتبة نويد إسلام، قم.

133- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.

134- مغني المحتاج، محمد بن أحمد الشربيني، 1377، 1958م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

ص: 480

135- مفاتيح الشرائع، المولى محسن الفيض الكاشاني، الطبعة الأولى، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم ايران.

136- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد العاملي، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 1419، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

137- المقنع، الشيخ الصدوق، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام) ، نشر مؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام) 1415ه- .

138- المقنعة، الشيخ المفيد، الطبعة الأولى 1413ه- ، نشر المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم.

139- ملاذ الأخيار، العلاّمة المجلسي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي قم 1406ه- .

140- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

141- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376، 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

142- مناهج الأخيار في شرح الاستبصار، السيد أحمد بن زين العابدين العلوي العاملي .

ص: 481

143- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري، الطبعة الأولى 1362ه- ش، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة.

144- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412، مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد.

145- المهذب البارع، ابن فهد الحلي، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، غرة رجب المرجب 1407، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

146- مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري، الطبعة الثانية 1428ه- ، انتشارات دار التفسير، قم.

147- الموسوعة العربية العالميّة، عدّة من الباحثين، الطبعة الثانية 1419ه- ، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض.

148- الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة.

149- النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، الشيخ الطوسي، منشورات قدس محمدي، قم.

ص: 482

150- النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمد محمد الطناحي، الطبعة الرابعة 1364ه- . ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم.

151- الوافي، الفيض الكاشاني، تحقيق ضياء الدين الحسيني العلاّمة الاصفهاني، الطبعة الأولى 1406ه- ، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامّة، اصفهان.

152- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

153- الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الاُولى 1408، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

154- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلّكان، تحقيق إحسان عباس، نشر دار الثقافة، لبنان.

155- ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية، خالد فائق العبيدي، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الاُولى 1426 ه- .

ص: 483

ص: 484

5- فهرس مطالب الكتاب

مقدمة ................................................................................................ 9

الهدف من تشريع الأحكام الإلهيّة ................................................................. 9

الوصول إلى القرب الإلهي متوقف على ثلاثة أمور............................................. 9

تفصيل الأمور الثلاثة .............................................................................. 10

تشريع الطهارة بمفهومها الواسع .................................................................. 11

أصل الطهارة والنجاسة من الأمور المعهودة عند البشر........................................ 12

نظرة سريعة على تاريخ الحضارات.............................................................. 14

الطهارة ومراتبها الأربعة.......................................................................... 17

فلسفة الطهارة....................................................................................... 18

الفرق بين علّة الحكم وحكمته...................................................................... 19

القياس المقطوع العلّة............................................................................... 20

القياس المنصوص العلّة............................................................................ 22

حكمة تشريع الطهارة............................................................................... 22

الماء أهمّ المطهرات................................................................................ 25

الماء نعمة إلهيّة عظيمة............................................................................ 26

حقيقة الماء من خلال العلم الحديث................................................................ 28

فوائد الماء في أقوال الائمة الطاهرين (علیهم السلام) .......................................................... 29

ص: 485

أقسام الماء........................................................................................... 31

فلسفة الطهارة بالماء................................................................................ 33

أبواب الماء المطلق................................................................................. 39

1- باب أنه طاهر مطهّر يرفع الحدث ويزيل الخبث

(عدد الأحاديث 10) ص41

شرح الباب.......................................................................................... 41

الأقوال............................................................................................... 41

الماء والتراب طهوران............................................................................. 43

بحث رجالي حول محمد بن حمران وجميل بن درّاج .......................................... 44

هل المراد طهارة الماء الظاهرية أو الواقعيّة؟.................................................... 46

الأقوال الخمسة في مفاد الحديث الثاني........................................................... 46

مراسيل الشيخ الصدوق............................................................................ 47

الماء مطهّر لكلّ ما يقبل التطهير.................................................................. 48

ما معنى «قرضوا لحومهم بالمقاريض»؟........................................................ 50

سند الشيخ (قدس سره) إلى محمد بن أحمد بن يحيى....................................................... 53

اشتراك جعفر بن محمد بين جماعة............................................................... 56

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 66

ص: 486

2- باب أنّ ماء البحر طاهر مطهّر وكذا ماء البئر وماء الثلج

(عدد الأحاديث 4) ص67

شرح الباب ......................................................................................... 67

الأقوال............................................................................................... 67

طهورية ماء البحر.................................................................................. 68

بحث حول ابي بكر الحضرمي.................................................................... 70

الوضوء بماء البحر................................................................................. 71

حلّية ميتة ماء البحر................................................................................ 72

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 73

3- باب نجاسة الماء بتغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة

لا بغيرها، من أيّ قسم كان الماء

(عدد الأحاديث 14) ص75

شرح الباب.......................................................................................... 75

الأقوال............................................................................................... 77

جواز التوضؤ والشرب من الماء الذي لم يتغير بالجيفة......................................... 79

مَن هو محمد بن إسماعيل؟........................................................................ 81

كراهة الطهارة بالماء الآجن....................................................................... 83

انفعال ماء الكر بالتغير............................................................................. 86

هل ينفعل الماء لو تغير بأوصاف الميتة؟......................................................... 88

ص: 487

حكم ماء الراوية لو سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة......................................... 96

عدم انفعال ماء البئر إلاّ مع التغيّر................................................................ 99

إسناد الشيخ (قدس سره) إلى أحمد بن محمد................................................................. 102

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 107

ثلاثة شروط لانفعال الماء بالتغيّر................................................................. 108

4- باب الحكم بطهارة الماء إلى أن يعلم ورود النجاسة عليه

فإن وجدت النجاسة فيه بعد استعماله وشكّ في تقدم وقوعها وتأخره

حكم بالطهارة

(عدد الأحاديث 2) ص111

شرح الباب.......................................................................................... 111

طهارة الماء ما لم يعلم ورود النجاسة عليه....................................................... 112

سند الشيخ الصدوق إلى عمار الساباطي.......................................................... 114

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 117

5- باب عدم نجاسة الماء الجاري بمجرد الملاقاة للنجاسة مالم يتغير

(عدد الأحاديث 6) ص119

شرح الباب.......................................................................................... 119

الأقوال............................................................................................... 120

الاستدلال على اعتصام الماء الجاري............................................................. 121

ص: 488

احتمال أمرين في قوله (علیه السلام) : إذا كان الماء جاريا................................................... 124

بحث رجالي حول عنبسة بن مصعب............................................................. 125

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 131

6- باب عدم نجاسة ماء المطر حال نزوله بمجرد ملاقاة النجاسة

(عدد الأحاديث 9) ص133

شرح الباب.......................................................................................... 133

أقوال العامّة......................................................................................... 134

مرجع الضمير في «لا باس به».................................................................. 136

إسناد الشيخ الصدوق إلى هشام بن سالم........................................................... 139

الاحتمالات حول ذكر غسل الجنابة في ضمن السؤال........................................... 140

إسناد الشيخ الصدوق إلى علي بن جعفر.......................................................... 142

الإجابة على سؤالين................................................................................ 147

بحث رجالي حول الكاهلي......................................................................... 150

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 156

7- باب عدم نجاسة ماء الحمام إذا كان له مادة بمجرد ملاقاة النجاسة

(عدد الأحاديث 8) ص159

شرح الباب.......................................................................................... 159

الأقوال............................................................................................... 160

ص: 489

تنزيل ماء الحمام منزلة الماء الجاري............................................................. 163

ماء الحمام طاهر في نفسه ومطهّر لغيره......................................................... 167

بحث رجالي حول بكر بن حبيب.................................................................. 170

اشتراك محمد بن القاسم بين جماعة............................................................... 180

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 182

8- باب نجاسة ما نقص عن الكر من الراكد بملاقاة النجاسة له

إذا وردت عليه وان لم يتغير

(عدد الأحاديث 16) ص185

شرح الباب.......................................................................................... 185

أقوال الخاصّة....................................................................................... 185

أقوال العامّة......................................................................................... 191

الوجوه المحتملة في الحديث الأول................................................................ 194

مناقشة السيد الاستاذ في ترجيحه الاحتمال الثالث................................................ 195

بحث رجالي حول شهاب بن عبد ربه............................................................. 201

عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس.......................................................... 207

تحديد وزن الرطل.................................................................................. 214

بحث رجالي حول سعيد الأعرج................................................................... 216

بحث رجالي حول الحسن بن سعيد................................................................ 218

انفعال الماء القليل بالنجاسة........................................................................ 222

ص: 490

وجوه الحمل في الحديث الثاني عشر.............................................................. 225

شرح الأسانيد الثلاثة للحديث الخامس عشر...................................................... 234

المستفاد من أحاديث الباب ......................................................................... 239

9- باب عدم نجاسة الكر من الماء الراكد بملاقاة النجاسة بدون التغيير

(عدد الأحاديث 17) ص241

شرح الباب.......................................................................................... 241

أقوال الخاصّة....................................................................................... 241

أقوال العامّة......................................................................................... 242

حكم الماء الذي تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب......................... 246

بحث رجالي حول الحسن بن صالح الثوري...................................................... 259

الاستدلال بالحديث الثاني عشر على نجاسة بول الدواب ومناقشته............................. 266

بحث رجالي حول الحسين بن عثمان الرواسي................................................... 273

المستفاد من أحاديث الباب.......................................................................... 282

10- مقدار الكر بالاشبار

(عدد الأحاديث 8) ص283

شرح الباب.......................................................................................... 283

أقوال الخاصة....................................................................................... 283

ص: 491

أقوال العامّة......................................................................................... 285

الاستدلال بالحديث الأول لقول القمييّن ولقول صاحب المدارك................................. 286

الظاهر من الحديث موافقته لقول القمّيين......................................................... 288

تحديد الكر بسبعة وعشرين شبرا.................................................................. 292

المستفاد من أحاديث الباب ......................................................................... 301

11- باب مقدار الكر بالأرطال

(عدد الأحاديث 3) ص303

شرح الباب.......................................................................................... 303

أقوال الخاصّة....................................................................................... 304

أقوال العامّة......................................................................................... 304

الوجوه الأربعة لحمل الحديث الأول على الرطل العراقي والثاني على المكّي................ 309

سند الشيخ الطوسي إلى محمد بن أبي عمير...................................................... 313

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 316

12- باب وجوب اجتناب الإناءين إذا كان أحدهما نجساً واشتبها

(عدد الأحاديث 1) ص317

شرح الباب.......................................................................................... 317

أقوال العامة......................................................................................... 318

ص: 492

المتحصل من الحديث.............................................................................. 322

13- باب عدم جواز استعمال الماء النجس في الطهارة ولا عند الضرورة،

وجواز استعماله حينئذ في الأكل والشرب خاصة

(عدد الأحاديث 2) ص323

شرح الباب.......................................................................................... 323

أقوال العامة......................................................................................... 324

المتحصل من الحديثين............................................................................. 327

14- باب عدم نجاسة ماء البئر بمجرد الملاقاة من غير تغير وحكم النزح

(عدد الأحاديث 22) ص329

شرح الباب.......................................................................................... 329

أقوال الخاصّة....................................................................................... 329

أقوال العامّة......................................................................................... 331

احتمالان في كلمة «واسع»........................................................................ 333

أربعة احتمالات في الحديث الثاني................................................................ 335

بحث رجالي حول الحسن بن حمزة العلوي...................................................... 343

إسناد الشيخ الطوسي إلى أحمد بن محمد البزنطي............................................... 346

إشكال في دلالة الحديث الثامن على عدم الانفعال................................................ 352

احتمالان في قوله (علیه السلام) «قد استعمل أهل الدار ورشّوا» .......................................... 361

ص: 493

مناقشة في الحديث الخامس عشر والجواب عنها................................................ 364

ثلاثة احتمالات في الحديث السادس عشر........................................................ 366

اشتراك موسى بن عمر بين أشخاص............................................................. 369

إسناد الشيخ الصدوق إلى يعقوب بن عثيم........................................................ 374

أربع قرائن تدلّ على استحباب النزح............................................................. 378

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 381

تتميم................................................................................................. 383

15- باب ما ينزح من البئر لموت الثور والحمار والبعير والنبيذ

والمسكر وانصباب الخمر

(عدد الأحاديث 6) ص387

شرح الباب.......................................................................................... 387

أقوال الخاصّة....................................................................................... 388

أقوال العامّة......................................................................................... 389

بحث رجالي حول نوح بن شعيب................................................................. 397

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 405

16- باب ما ينزح من البئر لبول الصبي والرجل وغيرهما

(عدد الأحاديث 7) ص407

أقوال الخاصّة....................................................................................... 407

ص: 494

أقوال العامّة......................................................................................... 408

إشكال على الحديث الثالث والجواب عنه......................................................... 413

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 417

17- باب ما ينزح من البئر للسنور والكلب والخنزير وما أشبهها

(عدد الأحاديث 11) ص419

أقوال الخاصّة....................................................................................... 419

أقوال العامّة......................................................................................... 420

اشتراك القاسم بن محمد بين أشخاص............................................................. 426

سند الشيخ الطوسي إلى محمد بن أبي عمير...................................................... 433

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 438

18- باب ما ينزح للدجاجة والحمامة والطير والشاة ونحوها

(عدد الأحاديث 8) ص439

أقوال الخاصّة....................................................................................... 439

أقوال العامّة......................................................................................... 440

وجه الجمع بين الأحاديث المختلفة................................................................ 447

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 448

ص: 495

فهارس الكتاب ص449

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب......................................................... 451

2- فهرس الكنى والألقاب........................................................................... 459

3- فهرس الأسانيد.................................................................................. 461

4- فهرس المصادر................................................................................. 463

5- فهرس مطالب الكتاب........................................................................... 485

ص: 496

المجلد 4

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 480 صفحة

ص: 1

اشارة

ص: 2

عکس

ص: 3

ص: 4

الصورة

ص: 5

ص: 6

19 - باب ما ينزح للفأرة والوزغة والسام أبرص والعقرب ونحوها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

19 - باب ما ينزح للفأرة والوزغة والسام أبرص والعقرب ونحوها

شرح الباب:

الوزغة: الذي يظهر من ابن منظور في «اللسان»: أنّ الوزغ هو سام أبرص، قال: «الوزغ: دويبة. التهذيب: الوزغ سوام أبرص. ابن سيده : الوزغة سام أبرص» وأنّ (أبو بريص - كنية الوزغة - نقله عن ابن سيده)((1)).

ولكن بعض أهل اللغة نصوا على أنّ السام أبرص هو كبار الوزغ، كما نقله ابن منظور نفسه، حيث قال في «اللسان» أيضاً: «سام أبرص، مضاف غير مركب ولا مصروف: الوزغة، وقيل: هو من كبار الوزغ»((2)).

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

الظاهر أنّ المشهور على أنّ الفأرة إذا تفسّخت نزح لها سبع دلاء، وعن صاحب «الجواهر»: أنّ على ذلك «الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة، بل

ص: 7


1- - لسان العرب 8 : 459، مادة: «وزغ».
2- - لسان العرب 7 : 5، مادة: «برص».

يمكن تحصيله في حال التفسّخ»((1)).

وكذا إذا انتفخت، فقد حكى في «الجواهر» الإجماع عن «الغنية» عليه.

ولكن إذا وقعت الفأرة في البئر ولم تتفسّخ أو تنتفخ فينزح لها ثلاث دلاء، نقل ذلك في «الجواهر» عن «المقنعة» و«السرائر» و«التحرير» و«المعتبر» و«الذكرى» وظاهر «المختلف»((2)).

وفي «المختلف»: «قال الشيخ رحمه الله في النهاية والمبسوط: ينزح للعقرب ثلاث دلاء. وتبعه ابن البرّاج، وأبو الصلاح. ولم يتعرّض لها ابن حمزة وسلّار والشيخ المفيد رحمه الله.

وقال علي بن بابويه في رسالته: إذا وقعت فيها حيّة أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان، فاستق منها للحيّة: سبع دلاء، وليس عليك فيما سواها شيء، وهو يدلّ على نفي وجوب النزح عن العقرب، وهو اختيار ابن إدريس»((3)).

أقوال العامّة:

قالت الحنفية: ولا يضرّ موت ما لا دم له سائل في البئر، كالعقرب والضفدع والسمك ونحوها.

وقالت المالكية: إذا كان الحيوان بحريّاً - كالسمك وغيره - ومات في

ص: 8


1- - جواهر الكلام 1 : 246.
2- - جواهر الكلام 1 : 248، وانظر: المقنعة: 66، والسرائر 1 : 77، وتحرير الأحكام 1 : 5، والمعتبر 1 : 72، وذكرى الشيعة 1 : 98، ومختلف الشيعة 1 : 203 - 205.
3- - مختلف الشيعة 1 : 212.

[476] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي الْبِئْرِ فَتَسَلَّخَتْ فَانْزَحْ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»(1).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَتَفَسَّخَتْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

البئر فإنّه لا ينجّس الماء، وإذا مات فيها حيوان برّي ليس له دم سائل - كالصرصار والعقرب - فإنّه لا ينجّسها((3)).

[1] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «فتسلّخت»، أي: انكشط جلدها، قال ابن منظور: «سلخ: كشط الإهاب عن ذيه. سلخ الإهاب يسلخه ويسلخه سلخاً: كشطه»((4)).

وفي رواية أخرى «فتفسّخت»، أي: تقطّعت، قال ابن منظور: «يقال: وقع فلان فانفسخت قدمه، وفسخته أنا وتفسّخ عن العظم، وتفسّخ الجلد عن

ص: 9


1- تهذيب الأحكام 1 : 239، ح691، والاستبصار 1 : 39، ح110.
2- انظر: تهذيب الأحكام 1 : 238، ح687 و690. أقول: في هامش الاستبصار أنّ في نسخة: «فتفسّخت».
3- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 45 - 47.
4- - لسان العرب 3 : 24، مادة: «سلخ».

العظم، ولا يقال إلّا لشعر الميتة وجلدها. وتفسّخت الفأرة في الماء: تقطّعت»((1)).

وعليه فالتفسّخ أشدّ من التسلّخ.

والحديث موافق لأحاديث سابقة في كون النزح سبع دلاء للفأرة، وفي هذا الحديث صرّح بالتفسّخ أو التسلّخ، وظاهره أنّه لم يحصل بذلك التغيّر أو النتن، وإلّا للزم النزح حتى يطيب الماء.

سند الحديث:

سبق أنّ أحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وأبوه هو محمد بن الحسن بن الوليد. وأمّا أحمد بن محمد الذي يروي عنه سعد بن عبد الله: فهو مشترك بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، فإنَّهما يرويان عن علي بن الحكم، ولكن الظاهر أنّه أحمد بن محمد بن عيسى؛ لأنّ رواياته عن علي بن الحكم أكثر، كما أسلفنا.

وأمّا عثمان بن عبد الملك: فهو الحضرمي، وهو مجهول.

وأمّا أبو سعيد المكاري: فهو هاشم بن حيّان، قال عنه النجاشي: «روىعن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((2)).

ص: 10


1- - لسان العرب 3 : 45، مادة: «فسخ».
2- - رجال النجاشي: 436 / 1169.

وذكر في باب من اشتهر بكنيته: أنّ له كتاباً((1)).

وقال أيضاً في ترجمة ابنه الحسين: «كان هو وأبوه وجهين في الواقفة، وكان الحسين ثقة في حديثه»((2)). وقوله بوثاقة الابن يشعر بعدم وثاقة الأب، وكونه وجهاً عند الواقفة لا يعتبر به في التوثيق؛ لأنّه ليس بوجه عند الإماميّة.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «أبو سعيد المكاري، له كتاب ، أخبرنا به جماعة»((3))، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) ((4)).

ولكنّه ورد في كتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((5)) ، فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بالقول بضعفه في المذهب، ووثاقته في الحديث.

فهذا السند ضعيف بعثمان بن عبد الملك، إلّا أنّه يمكن تصحيحه بكون كتاب أبي سعيد المكاري مشهوراً.

ص: 11


1- - رجال النجاشي: 460 / 1260.
2- - رجال النجاشي: 38 / 78.
3- - فهرست الطوسي: 278 / 879.
4- - رجال الطوسي: 319 / 4753.
5- - أُصول علم الرجال1 : 246، و ج2 : 221.

[477] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ وَفَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ وَالْوَزَغَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُ دِلَاءٍ»(1).

وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، يَعْنِي: عَبْدَ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفأرة كالوزغة ينزح لها ثلاث دلاء، وهذا الحكم مخالف لما تقدّم، فتحمل على أنّه أقل ما يجزي في الفأرة التي ماتت في البئر ولم تتفسّخ.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار». والمراد بحمّاد: هو حمّاد بن عيسى؛ لأنّ الحسين بن سعيد إنَّما يروي عنه، ولا يروي عن حمّاد بن عثمان إلّا قليلاً على فرض الثبوت، كما أسلفنا، والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ أيضاً في «التهذيب»، وهو صحيح.

ص: 12


1- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح688، و245، ح706، والاستبصار 1 : 39، ح106.
2- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح689.

[478] 3- وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «سَبْعُ دِلَاءٍ»(1).

وَتَقَدَّمَ حَدِيثٌ آخَرُ مِثْلُهُ(2).

قَالَ الشَّيْخُ: مَا تَضَمَّنَ السَّبْعَ دِلَاءٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَفَسَّخَتْ، وَالثَّلَاثَةَ إِذَا لَمْ تَتَفَسَّخْ؛ لِمَا سَبَقَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الحديث الثالث من الباب السابع عشر من هذه الأبواب، ومثله الحديث الخامس من الباب الثامن عشر.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في هذا السند، وأنّ القاسم: هو القاسم بن محمد الجوهري؛ لروايته عن علي بن أبي حمزة.

وعلي: هو علي بن أبي حمزة البطائني، فالسند معتبر على القول باعتبار روايات البطائني؛ لكونها قبل الوقف.

وللحديث طريق آخر، وهو طريق المحقّق في «المعتبر»، واعتباره مبنيّ على ما سبق في السند الأول.

ص: 13


1- تهذيب الأحكام 1 : 235، ح680، و238 ، ح690.
2- تقدّم في الحديث 3 من الباب 17، وفي الحديث 5 من الباب 18 من هذه الأبواب.
3- لما سبق في الحديث 1، 2 من هذا الباب.

[479] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِذَا مَاتَتْ وَلَم تُنْتِنْ فَأَرْبَعِينَ دَلْواً، وَإِذَا انْتَفَخَتْ فِيهِ وَنَتَنَتْ نُزِحَ الْمَاءُ كُلُّهُ»(1).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا.

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث مخالف لما سبقه؛ فإنّه دالّ على نزح أربعين دلواً، وإذا أوجب موت الفأرة تغيّر الماء بسبب طول بقائها في الماء حتى انتفخت، فإنّه ينزح الماء كلّه، وهذا على القاعدة.

وحمل الشيخ - وهو ممن يرى وجوب النزح - نزح الأربعين على الاستحباب، ولم يذهب أحد من الأصحاب إلى وجوب هذا المقدار، وقد سبق في الحديث السابق تفصيله(قدس سره) بين ما إذا تفسّخت الفأرة في البئر فينزح سبع دلاء، وبين ما إذا لم تتفسّخ فيجب نزح ثلاثة فقط.

وأمّا من يرى استحباب النزح، فنزح هذا المقدار محمول عنده على الأفضليّة.

ص: 14


1- تهذيب الأحكام 1 : 239، ح692، والاستبصار 1 : 40، ح111.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسين: وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، الثقة.

وفيه: عبد الرحمن بن أبي هاشم: والظاهر أنّه عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم البجلي، وهو منسوب إلى جدّه في هذا السند، قال عنه النجاشي: «أبو محمد جليل من أصحابنا ثقة ثقة، له كتاب نوادر»((1)).

وورد في كتاب «نوادر الحكمة»((2)).

وأمّا أبو خديجة: فهو سالم بن مكرم، وقد يكنّى بأبي سلمة، قال عنه النجاشي: «يقال: أبو سلمة الكناسي ... ثقة ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»((3)).

وقد ذكر الكشي عن علي بن الحسن بن فضّال: أنّه صالح((4)).

وضعّفه الشيخ في «الفهرست» فقال: «ضعيف، له كتاب»((5))، وفي «الاستبصار» حيث قال: «وهو ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا احتياجإلى ذكره»((6)).

ص: 15


1- - رجال النجاشي: 236 / 623.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 226.
3- - رجال النجاشي: 188 / 501.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 641.
5- - فهرست الطوسي: 141 / 337.
6- - الاستبصار 2 : 36، ح110.

[480] 5- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَسَنِ ابْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ جَمِيعاً، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الْمَاءِ(1) فَيَخْرُجُ حَيّاً، هَلْ يُشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: «يُسْكَبُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ، غَيْرَ الْوَزَغِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ»(2).

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِهَذَا اسْتِحْبَابُ الِاجْتِنَابِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، بَلْ لِخَوْفِ السَّمِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الصَّدُوقِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد أشبعنا البحث في شأنه في كتابنا «أُصول علم الرجال»، وبيّنّا إمكان الاعتماد على توثيق النجاشي له((4)).

وعلى هذا فالسند معتبر.

[5] - فقه الحديث:

ظاهره خلاف ما تقدّم من الأحاديث، لكن فيه وقوع المذكورات في

ص: 16


1- في نسخة: البئر. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح690، والاستبصار 1 : 41، ح113.
3- راجع: من لا يحضره الفقيه 1 : 21، ح32.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 361 - 368.

الماء، وكلامنا في وقوعها في البئر. هذا على هذه النسخة. إلّا أن يقال بشمول الماء للبئر أيضاً؛ بقرينة: «يقع في الماء فيخرج حيّاً».

نعم، في نسخة أُخرى ذكرها الماتن(قدس سره) يكون الحديث داخلاً فيما نحن فيه.

لكن بقرينة قوله (علیه السلام) : «يسكب منه» يراد غير البئر. ولو أراد البئر لقال: ينزح منه.

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو محمد بن أحمد بن يحيى.

وأمّا يزيد بن إسحاق: فهو يزيد بن إسحاق شعر، قال الكشّي: «إنّه كان من أرفع الناس لهذا الأمر»((1))، أي: الولاية، وهذا مدح عظيم. وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)) ، وقال عنه النجاشي: «يزيد بن إسحاق بن أبي السخف (السحف) الغنوي، أبو إسحاق، يلقب شعر (شغر)، له كتابيرويه جماعة»((3)).

وقد ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((4)).

وأمّا هارون بن حمزة الغنوي: فقال عنه النجاشي: «هارون بن حمزة

ص: 17


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 864.
2- - رجال الطوسي: 324 / 4847.
3- - رجال النجاشي: 453 / 1225.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 243.

[481] 6- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِنَزْحِ ثَلَاثَةِ دِلَاءٍ لِلْفَأْرَةِ، بَلْ دَلْوَيْنِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الغنوي الصيرفي، كوفي، ثقة عين، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((2)).

وقال الشيخ في الفهرست: (له كتاب رواه يزيد بن إسحاق شعر عنه)((3)).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام((4)).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((5))، فالسند معتبر.

[6] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الحديث الثالث من الباب الثامن عشر.

سند الحديث:

تقدّم أنّه موثّق.

ص: 18


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 18 من هذه الأبواب.
2- - رجال النجاشي: 437 / 1177.
3- - فهرست الطوسي: 260 : 786.
4- - جوابات أهل الموصل: 40.
5- - أُصول علم الرجال 1 : 342.

[482] 7- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : سَامُّ أَبْرَصَ وَجَدْنَاهُ قَدْ تَفَسَّخَ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَنْزَحَ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»(1)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر.

سند الحديث:

ذكر الماتن لهذا الحديث سندين:الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وتقدّم أن السند معتبر.

وأحمد بن محمد - في أول السند - : هو أحمد بن محمد بن يحيى، وأبوه: هو محمد بن يحيى العطّار.

فائدة رجالّية

إذا روى الشيخ الطوسي عن المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، فالظاهر أنّه أحمد بن محمد بن الوليد؛ لأن الغالب في رواية المفيد كونها

ص: 19


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 245، ح707، والاستبصار 1 : 41، ح114، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح32، وتقدّم بتمامه في الحديث 19 من الباب 14 من هذه الأبواب.

عن أحمد بن محمد بن الوليد.

وإذا روى الشيخ الطوسي عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، فهو أحمد بن محمد بن يحيى العطّار.

وقد قلنا بوثاقة أحمد هذا في كتابنا «أُصول علم الرجال»؛ لترضّي الشيخ الصدوق عنه.

وعلى فرض التنزّل عن ذلك فإنّ رواياته عن أبيه معتبرة((1)).

الثاني: سند الصدوق في «الفقيه» إلى يعقوب بن عثيم، ويأتي في ذيل الحديث الثامن، وقد سبق في سند الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر أنّه عبارة عن طريقين معتبرين، فالسند معتبر.

ص: 20


1- - أُصول علم الرجال 2 : 338 - 341.

[483] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ السَّامِّ أَبْرَصَ (يَقَعُ فِي الْبِئْرِ)(1)؟ فَقَالَ: «لَيْسَ بِشَيْ ءٍ، حَرِّكِ الْمَاءَ بِالدَّلْوِ (فِي الْبِئْرِ)(2)»(3).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ(4). وَالَّذِي قَبْلَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، مِثْلَهُ(5).

قَالَ الشَّيْخُ: الْخَبَرُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يَفْسُدُ بِمَوْتِهِ الْمَاءُ، وَالسَّامُّ أَبْرَصَ مِنْ ذَلِكَ(6).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن ماء البئر الذي وقع فيه السام أبرص، فالماء لا يفسد بوقوعه فيه، ولا يلزم نزح شيء من الماء، ولعلّ الأمر

ص: 21


1- في نسخة: في البئر ليس قربه (هامش المخطوط). وفي المصدر: في الماء.
2- ليس في المصدر.
3- تهذيب الأحكام 1 : 245، ح708، والاستبصار 1 : 41، ح115.
4- من لا يحضره الفقيه 15 : 1، ح31.
5- الكافي 5 : 3، ح5.
6- الاستبصار 1 : 41.

بتحريك الماء بالدلو لإزالة ما يحصل في النفس من النفرة بسبب وقوع السام أبرص في الماء، أو لأجل أن يستهلك سمّه في الماء.

وقد أضاف الشيخ في «التهذيب»: أنّ الاكتفاء بتحريك الماء إذا لم يكن تفسّخ؛ لأنّه إذا تفسّخ نزح منها سبع دلاء كما مرّ((1)).

إسناد الشیخ الصدوق إلی جابر بن يزيد الجعفي

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ إلى جابر بن يزيد الجعفي، وهو عبارة عن طرق لكتابيه:

أحدها: طريقه لأصله: أخبرنا به ابن أبي جيّد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن صالح، عنه.

ورواه حميد بن زياد، عن إبراهيم بن سليمان، عن جابر.

ثانيها: طريقه لكتابه التفسير: أخبرنا به جماعة من أصحابنا، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك ومحمد بن جعفر الرزّاز، عن القاسم بن الربيع، عن محمدبن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخل بن جميل، عن جابر بن يزيد((2)).

ص: 22


1- - تهذيب الأحكام 1 : 245.
2- - فهرست الطوسي: 95 / 185.

وهو ضعيف بالقاسم بن الربيع ومنخل بن جميل، قال النجاشي: «منخل بن جميل الأسدي بيّاع الجواري، ضعيف فاسد الرواية»((1)). وقال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: «روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل»((2)). وعن الكشّي: «قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن عن المنخل بن جميل؟ فقال: هو لا شيء، متّهم بالغلو»((3)).

الثاني: سند الصدوق إلى جابر بن يزيد الجعفي، وهو: محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي((4)).

وفيه: عمرو بن شمر، وهو أحد الراوين المضعّفين عن جابر، فالطريق ضعيف به، إلّا أنّه يمكن تصحيح رواياته كما تقدّم((5)

لوروده في أسنادكتاب «نوادر الحكمة» وفي «التفسير»، فيمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق بالقول: إنّ الضعف في مذهبه لا في روايته، فيكون السند معتبراً.

ص: 23


1- - رجال النجاشي: 421 / 1127.
2- - رجال النجاشي: 128 / 332.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 664.
4- - من لا يحضره الفقيه 4 : 424 ، المشيخة.
5- - إيضاح الدلائل 1 : 524.

[484] 9- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ: بِئْرٌ يَخْرُجُ فِي مَائِهَا قِطَعُ جُلُودٍ؟ قَالَ: «لَيْسَ بِشَيْ ءٍ، إِنَّ الْوَزَغَ رُبَّمَا طُرِحَ جِلْدُهُ»، وَقَالَ: «يَكْفِيكَ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «دَلْوٌ وَاحِدٌ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، نَحْوَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

الثالث: سند الكليني، وقد تقدّمت رجاله، وفيه: محمد بن سالم، وقد سبق أنّه مشترك، والظاهر انطباقه على محمد بن سالم السجستاني الذي لم يرد فيه شيء، فهذا السند غير معتبر، إلّا أن يقال باعتبار الحديث؛ لوجوده في «الكافي».

[9] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «ليس بشيء» يدلّ على نفي البأس عن وجود أجزاء الوزغ في ماء البئر، بعد إلغاء خصوصيّة جلده، بل عن وجود أجزاء كل ما لا نفس له سائلة، بعد إلغاء الخصوصيّة عن الوزغ أيضاً.

ص: 24


1- الكافي 3 : 6، ح9.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح30.
3- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1325.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وهو مرسل.

لكن عبد الله بن المغيرة من أصحاب الإجماع، فعلى القول بأنّ معنى تصحيح ما يصحّ عنهم هو صحة الأحاديث التي تنتهي إليهم بطريق صحيح، فإنّ الحديث معتبر ولو لم نعلم الواسطة بينه وبين الإمام (علیه السلام) ، وكذا على القول بصحة أحاديث «الكافي».

الثاني: سند الصدوق في «الفقيه»، المتقدّم في الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر من هذه الأبواب، وقد سبق أنّه معتبر.

الثالث: سند الشيخ في «التهذيب». وسنده إلى يعقوب بن عثيم غير موجود لا في «الفهرست»، ولا في مشيختي «التهذيب» و«الاستبصار»، وإن كانت طرق الصدوق طرقاً للشيخ وهو كافٍ في الاعتبار، لكن الشيخ ذكر طريقاً لنفس هذا الحديث مرّ ذكره في الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر من هذه الأبواب، وهو: بإسناده - أي: الشيخ - عن محمد بن عليبن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن يعقوب بن عثيم، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وقد تقدّم أنّه معتبر.

ص: 25

[485] 10- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ الْأَمْرُ بِنَزْحِ سَبْعِ دِلَاءٍ لِلْفَأْرَةِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

تقدّم الأمر بنزح سبع دلاء لوقوع الفأرة في الأحاديث: الثاني عشر والثالث عشر من الباب الرابع عشر، والأول والثالث من هذا الباب، وغيرها كما مرّ في الأبواب الخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر.

سند الحديث:

تقدّمت أسانيد الجميع.

ص: 26


1- تقدّم في الحديثين 12، 13 من الباب 14 من هذه الأبواب. وفي الحديث 5 من الباب 15 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 3، 4، 11 من الباب 17 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 1، 2، 5 من الباب 18 من هذه الأبواب. وفي الحديثين 1، 3 من هذا الباب.

[486] 11- وَفِي بَعْضِهَا خَمْسُ دِلَاءٍ(1).

[487] 12- وَفِي حَدِيثٍ: يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ(2)2*).

وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى التَّغَيُّرِ .

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث السابع من الباب السابع عشر.

سند الحديث:

تقدّم السند، وقلنا: إنّه عبارة عن أربعة طرق، اثنان منها من الصحيح الأعلائي، وواحد صحيح، وواحد معتبر.

[12] - فقه الحديث:

سبق أنّه محمول على تغيّر الماء بوقوعها فيه، فاللازم نزحها كلّها على القاعدة، فلا ينافي ما سبق من الأحاديث.

سند الحديث:

تقدّم أنّه موثق.

ص: 27


1- تقدّم في الحديث 7 من الباب 17 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 8 من الباب 17 من هذه الأبواب.

[488] 13- وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نَزْحِ شَيْ ءٍ لِلْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِهِ(1)و(2).

[489] 14- عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَخِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ، هَلْ يَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْ مَائِهَا؟ قَالَ: «انْزَحْ مِنْ مَائِهَا سَبْعَ دِلَاءٍ ثُمَّ تَوَضَّأْ وَلَا بَأْسَ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَأُخْرِجَتْ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ، هَلْ يَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْ مَائِهَا؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً إِذَا تَقَطَّعَتْ ثُمَّ يُتَوَضَّأُ وَلَا بَأْسَ»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

مرّ هذا الحكم في الحديث الخامس من هذا الباب. كما مرّ أنّ الحديث الحادي عشر من الباب السابع عشر يدلّ على أنّ ما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفس لا يوجب وقوعه نزح شيء من الماء.

سند الحديث:

سبق أنّ الحديث الخامس من هذا الباب معتبر، وقد مرّ أن الحديث الحاديعشر من الباب السابع عشر له سندان معتبران.

ص: 28


1- تقدّم في الحديث 5 من هذا الباب، وفي آخر الحديث 11 من الباب 17 من هذه الأبواب.
2- في هامش المخطوط: «قد تقدّم ما يدلّ على عدم وجوب نزح شيء للفأرة وغيرها». (منه(قدس سره) ). وتقدّم في الأحاديث 9، 13، 14 من الباب 14 من هذه الأبواب.
3- 3*) مسائل علي بن جعفر: 198، ح422.

[490] 15- وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ مِنْهَالٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) الْأَمْرُ بِنَزْحِ عَشْرِ دِلَاءٍ لِلْعَقْرَبِ(1).

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ وَجْهَ الِاخْتِلَافِ، وَوَجْهَ الْجَمْعِ سَابِقاً.

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

دلّ جواب السؤال الأول - وهو عن وقوع فأرةٍ - على لزوم نزح سبع دلاء، وهو موافق لما مرّ من الأحاديث.

وأمّا جواب السؤال الثاني - وهو عن تقطّع الفأرة الملازم لتغيّر بعض الماء - فقد دلّ على لزوم نزح عشرين دلواً، وهو خلاف ما تقدّم من تقدير النزح في الفأرة المتفسّخة، وهذا يدل على أنّ هذه التقديرات ليست للدلالة على انفعال الماء بالنجاسة كما تقدّم.

سند الحديث:

السند معتبر كما مرّ مراراً.

[15] - فقه الحديث:

هذا التقدير لم يسبق في أحاديث الباب، فإنّ الوارد السكب من الماءثلاث مرات، أو أنّه ليس فيه شيء، ولعلّ الأمر بالعشر دلاء هنا لأنّه يظهر من بقيّة الحديث أنّه حصل منها بعض التغيّر؛ فقد قال الراوي بعد ذلك: «قلت:

ص: 29


1- يأتي في الحديث 7 من الباب 22 من هذه الأبواب.

فغيرها من الجيف؟» مما يعني أنها صارت جيفة وغيّرت بعض الماء.

سند الحديث:

فيه: منهال: وهو لم يرد فيه توثيق، وهو منهال بن عمرو الأسدي. عدّه الشيخ في «الرجال» من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، وقال: «منهال بن عمرو الأسدي، مولاهم»((1))

، وقال في أصحاب الصادق (علیه السلام) : «مولاهم كوفي، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (علیهم السلام) »((2)).

وفي «مستدركات علم الرجال»: أنّه من أصحاب الحسين والسجاد والباقر والصادق صلوات الله عليهم((3)).

وحيث إنّه وقع في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» ولم يستثنه ابن الوليد((4)

فهو ثقة.

المتحصل من الأحادیث

فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة عشر حديثاً، اثنان منها صحاح وهما الثاني والحادي عشر، واثنان موثقان وهما السادس والثاني عشر، والبقيّةمعتبرة.

ص: 30


1- - رجال الطوسي: 147 / 1630.
2- - رجال الطوسي: 306 / 4513.
3- - مستدركات علم رجال الحديث 7 : 515 / 15263.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 241.

20 - باب ما ينزح للعذرة اليابسة والرطبة وخرء الكلاب وما لا نص فيه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

20 - باب ما ينزح للعذرة اليابسة والرطبة وخرء الكلاب وما لا نص فيه

شرح الباب:

المراد بالعذرة: فضلة الإنسان. والمراد بذوبانها في الماء هو تفرّق أجزائها في الماء وشيوعها فيه، ويكفي فيه ذوبان بعضها؛ لعدم الفرق بين القليل والكثير.

وهذا الباب يتضمّن حكم عذرة الإنسان بنوعيها اليابسة والرطبة، وخرء الكلاب، وكل ما لم يرد فيه تحديد في النصوص. والمراد بغير المنصوص: ما لم يثبت حكمه بدليل نقلي. قال صاحب «المدارك»: «اعلم: أنّ المراد بالنص هنا مطلق الدليل النقلي، سواء كان قولاً أو فعلاً، نصّاً بالمعنى المصطلح عليه أو ظاهراً، فيكون المراد بغير المنصوص ما لم يثبت حكمه بدليل نقلي»((1)).

ص: 31


1- - مدارك الأحكام 1 : 101.

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

قال صاحب «السرائر»: «وينزح لعذرة ابن آدم الرطبة أو اليابسة المذابة المقطّعة خمسون دلواً، فإن كانت يابسة غير مذابة ولا مقطّعة فعشر دلاء بغير خلاف»((1)).

ونقل الشهرة في «الجواهر» عن «الذكرى» و«كشف اللثام»، ووافقهم فقال: «فالحكم بتحتّم الخمسين هو المشهور كما في الذكرى وكشف اللثام، وهو كذلك، ولعلّه يشمله نفي الخلاف المتقدّم في عبارة السرائر»((2)).وأمّا ما لا نص فيه: فهذه المسألة لا تجري عند القائلين بالطهارة؛ لأنّ استحباب النزح أو وجوبه تعبّداً موقوف على ورود الأمر به، والمفروض عدمه.

وأمّا القائلون بالنجاسة فقد اختلفوا فيها على أقوال، كما في «المدارك»((3)).

أشهرها: ما اختاره المحقّق (رحمه الله) من وجوب نزح الجميع إن أمكن، وإلّافالتراوح((4)).

ص: 32


1- - السرائر 1 : 79.
2- - جواهر الكلام 1 : 230.
3- - مدارك الأحكام 1 : 99.
4- - شرائع الإسلام 1 : 11.

وثانيها: وجوب نزح أربعين، اختاره العلامة في جملة من كتبه((1))، وحكاه في «المختلف» عن ابن حمزة((2))، والشيخ في «المبسوط»، قال فيه: «كل نجاسة تقع في البئر وليس فيها مقدّر منصوص فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء. وإن قلنا بجواز أربعين دلواً منها - لقولهم (علیهم السلام) : ينزح منها أربعون دلواً وإن صارت مبخرة - كان سائغاً. غير أنّ الأول أحوط»((3)).

وظاهره الاعتماد في ذلك على حديث كردويه الآتي، ولكن قال صاحب «المدارك»: «وهذه الرواية لم نقف عليها في شيء من الأُصول»، كما أنّ الشهيد الأول قال في «شرح الإرشاد»: «والحجّة منظور فيها؛ فإنّ هذا الحديث المرسل غير معروف في نقل، ولا موجود في أصل. وإنَّما الرواية المتضمّنة لفظ (مبخرة) نقلها الشيخ وغيره عن ابن أبي عمير ومحمّد بن زكريّا، عن كردويه أنّه سأل أبا الحسن (علیه السلام) عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وخرء الكلاب، قال: ينزح منها ثلاثون دلواً وإن كانت مبخرة» ((4)).

وثالثها: الاكتفاء فيه بنزح ثلاثين. حكاه الشهيد الأول في «شرح الإرشاد» عن السيد جمال الدين بن طاووس في «البشرى»، ونفى عنه البأس((5)).

ص: 33


1- - إرشاد الأذهان 1 : 237، ولم نعثر على هذا القول في بقيّة كتبه، وفي المعالم 1 : 270: وهو اختيار العلامة في بعض كتبه.
2- - مختلف الشيعة 1 : 216، وانظر: الوسيلة: 74 - 75.
3- - المبسوط 1 : 12.
4- - غاية المراد في شرح الإرشاد 1 : 78.
5- - انظر: مدارك الأحكام 1 : 99 - 100.

فالحاصل: أنّ في ما لا نصّ فيه أربعة أقوال:

1- نزح ثلاثين. 2- نزح أربعين. 3- نزح جميع الماء. 4- عدم نزح شيء.

أقوال العامة:

أما الحنابلة؛ فقد قال في «المغني»: «ما يمكن نزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات إلّا ببول الآدميين أو عذرتهم المائعة فإنّ فيه روايتين عن أحمد أشهرهما أنّه ينجس بذلك، روي نحو هذا عن علي والحسن البصري»، وكذلك إذا ما سقط فيه شيء نجس((1)).

وأما الشافعية فعندهم أنّ ماء البئر كغيره ينجس إن كان دون القلتين، وإن كان أزيد فلا، ثم إن تنجس وهو قليل لم يطهر بالنزح؛ قال في «المجموع»: «لأنّه إذا نزح بقي قعر البئر نجساً، وقد يتنجس جدران البئر بالنزح أيضاً، بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حدّ الكثرة، فإن كان نبعها قليلاً لا يتوقع كثرته صب فيها ماء ليبلغ الكثرة ويزول التغير إن كان تغير، وإن كان الماء كثيراً طاهراً وتفتّت فيه نجاسة كفأرة تمعّط شعرها بحيث يغلب على الظن أنّه لا يخلو دلو عن شعرة، فإن لم يتغيّر فهو طهور كما كان لكنيتعذّر استعماله، فالطريق إلى ذلك أن يستقى الماء كلّه ليذهب الشعر معه، فإن كانت العين فوارة وتعذّر نزح الجميع فلينزح ما يغلب على الظن أنّ الشعر خرج كلّه»((2)).

ص: 34


1- - المغني 1 : 37.
2- - المجموع 1 : 148.

وأما الحنفية فقالوا: «إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها بإجماع السلف، ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس، فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم تفسد الماء؛ استحساناً للضرورة، ولا ضرورة في الكثير، وهو ما يستكثره الناظر إليه في المروي عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه الاعتماد، ولا فرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، والروث والخِثي والبعر؛ لأنّ الضرورة تشمل الكل»((1)).

وأما المالكيّة فقد اشتركوا مع الحنابلة والشافعية في أنّه «إذا تنجّس ماء البئر فإنّ التكثير طريق تطهيره عند تنجّسها إذا زال التغيّر. ويكون التكثير بالترك حتّى يزيد الماء ويصل حدّ الكثرة، أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ. وأضاف المالكيّة طرقاً أخرى؛ إذ يقولون: إذا تغيّر ماء البئر بتفسّخ الحيوان - طعماً أو لوناً أو ريحاً - يطهر بالنزح، أو بزوال أثر النجاسة بأيّ شيء، بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من نفسها طهر. وقالوا في بئرالدار المنتنة: طهور مائها بنزح ما يذهب نتنه»((2)).

ص: 35


1- - الهداية شرح بداية المبتدي 1 : 152.
2- - الموسوعة الفقهية 1 : 85.

[491] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالصَّفَّارِ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ بَحْرٍ(1) ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْعَذِرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ، فَقَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ، فَإِنْ ذَابَتْ فَأَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ دَلْواً»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نزح عشر دلاء للعذرة. ويفهم بقرينة المقابلة من قوله: «فإن ذابت» أنَّها العذرة التي لم تذب ولم تتفتّت. وأمّا العذرة التي ذابت فجاء التقدير فيها بأربعين أو خمسين دلواً.

وقد قيل: إنّ الترديد ب- «أو» من الراوي، كما قيل بعدم معقوليّة التخيير بين الأقل وهو الأربعون، والأكثر وهو الخمسون، ولاسيّما في مقام التطهير، فيتعيّن إرادة الخمسين؛ لاستصحاب النجاسة، وعدم حصول اليقين بالطهارة لو نزح الأقل، وليس المقام من التخيير، بل قد تكون هذه العبارة - لو لمتكن من الراوي - من المجمل، ألقاها الإمام (علیه السلام) لمصلحة اقتضاها المقام،

ص: 36


1- في نسخة: يحيى، (هامش المخطوط).
2- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح702، والاستبصار 1 : 41، ح116، ويأتي صدره في الحديث 4 من الباب 22 من هذه الأبواب.

فيكون التكليف الظاهري حينئذٍ لزوم الخمسين.

هذا، ولكنّك عرفت: أنّ هذا كلّه مبني على القول بالنجاسة، وعرفت: أنّ البئر لا تنفعل بالنجاسة، فلا لزوم لهذه الاحتمالات. ويكون الترديد بين الأقل والأكثر - على فرض كونه صادراً من الإمام (علیه السلام) - لغرض بيان ما تزول به الكراهة والاستقذار؛ فإنّ الآبار مختلفة فيما تندفع به النفرة باعتبار قلّة الماء وكثرته، أو يكون لبيان درجات الأفضليّة .

سند الحديث:

أحمد بن محمد الذي يروي عنه سعد بن عبد الله ومحمد بن الحسن الصفار هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

وفي السند: عبد الله بن بحر: وهو ممّن لم يرد في حقّه توثيق خاص، لكنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و «تفسير القمّي»((1)). وورد في نسخة بعنوان «عبد الله بن يحيى»، وهو أيضاً لا توثيق خاص له، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمّي»((2))، فعلى هذا يكون السند معتبراً.

ص: 37


1- - أُصول علم الرجال 1 : 227، 283.
2- - المصدر نفسه 1 : 283.

[492] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْعَذِرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ، فَإِنْ ذَابَتْ فَأَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلالته كالسابق.

سند الحديث:

محمد بن يحيى: هو محمد بن يحيى العطّار، وأحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى، والقاسم بن محمد: هو القاسم بن محمد الجوهري، وعلي بن أبي حمزة: هو علي بن أبي حمزة البطائني، والسند ضعيف به. لكنّا قدّمنا غير مرّة إمكان اعتبار رواياته.

ص: 38


1- الكافي 3 : 7، ح11.

[493] 3- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ كُرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي بِئْرٍ يَدْخُلُهَا مَاءُ الْمَطَرِ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ وَأَبْوَالُ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثُهَا وَخُرْءُ الْكِلَابِ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً وَإِنْ كَانَتْ مُبْخِرَةً»(1)و(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

قال في «القاموس»: «البخر: فعل البخار. بخرت القدر، كمنع، وبالتحريك: النتن في الفم وغيره، بخر، كفرح ، فهو أبخر، وأبخره الشيء، وكل رائحة ساطعة: بخر»((3)).

فدلّ الحديث على نزح الثلاثين، وإن كانت البئر مبخرة، أي: منتنة.

الفرق بين هذا الحديث والحديثين السابقين

والفرق بين هذا الحديث والأحاديث السابقة في أنّ الأحاديث السابقة كان موردها ورود نجاسة واحدة، أو ما يتوهّم نجاسته، أو يكون قذراً، وأمّا هذا الحديث فمورده عدّة أنواع من النجاسة مجتمعة.

وقد استدل بهذا الحديث - ظاهراً - الشيخ في «المبسوط» على مقدار ما ينزح لما لا نصّ فيه، وقد عرفت أنّ الظاهر وقوع الاشتباه من قلمه(قدس سره) .

ص: 39


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 16 من هذه الأبواب.
2- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: «وجد بخط الشيخ في الاستبصار (مُبخِرَة) بضم الميم وسكون الباء وكسر الخاء، ومعناه: المنتنة، ويروى بفتح الميم والخاء، ومعناه: موضع النتن، قاله الشهيد في الشرح».
3- - القاموس المحيط 1 : 369: مادة «بخر».

[494] 4- وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ فِي «الْمَبْسُوطِ» أَنَّهُ رَوَى عَنْهُمْ (علیه السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْواً وَإِنْ كَانَتْ مُبْخِرَةً»(1).

أَقُولُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا عَلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ(2)، وَبَعْضُهُمْ بِمَا قَبْلَهُ(3)، وَبَعْضُهُمْ بِأَحَادِيثِ الطَّهَارَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نَزْحِ شَيْ ءٍ بِغَيْرِ نَصٍّ(4)، وَبَعْضُهُمْ بِشُبُهَاتِ النَّجَاسَةِ عَلَى نَزْحِ الْجَمِيعِ(5).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم الكلام حوله في سند الحديث الثاني من الباب الخامس عشر، وقلنا: إنّه غير معتبر؛لعدم اتحاد كردويه ومسمع، إلّا أنّ كردويه ممّن روى عنه المشايخ الثقات((6))، فيكون ثقة، فالسند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

تقدّم منّا نقل كلام الشهيد الأول وصاحب «المدارك» في شرح الباب،

ص: 40


1- المبسوط 1 : 12.
2- منهم الشيخ في المبسوط 1 : 12.
3- وهو العلامة في المختلف 1 : 217، وحكاه الشهيد في غاية المراد 1 : 78، عن السيد جمال الدين بن طاووس (رحمه الله) في البشرى، ونفى عنه البأس.
4- المعتبر 1 : 78، ومدارك الأحكام 1 : 99، وجواهر الكلام 1 : 264.
5- السرائر 1 : 72، والمعتبر 1 : 78، والجامع للشرائع: 19، والبيان: 99.
6- - أُصول علم الرجال 2 : 206.

وقد نصّ كل منهما على عدم وجود هذا الحديث في الأُصول المعروفة، فالشيخ أعلم بما قال. ومجرد ذكر الشيخ لها غير كافٍ في اعتبارها؛ إذ لعلّه وهم فيها، قال في «الجواهر»: «بل الظاهر أنّه كذلك - أي: أنّه وهم فيها - لموافقتها لرواية كردويه»((1)).

وقد استدل به الشيخ في «المبسوط» على مقدار ما ينزح فيما لا نصّ فيه.

واستدل بعضهم بالحديث السابق على ما لا نصّ فيه، كالعلامة في «المختلف»، كما أنّ آخرين أوجبوا نزح جميع الماء إذا لم يرد نص في النجاسة، كما عن صاحب «الجواهر»((2)).

سند الحديث:

ظهر حاله مما تقدّم في فقه الحديث، فهذا الحديث مرسل.

ص: 41


1- - جواهر الكلام 1 : 266.
2- - جواهر الكلام 1 : 264.

[495] 5- وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَمَّارٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا زِنْبِيلُ عَذِرَةٍ يَابِسَةٍ أَوْ رَطْبَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في دلالته، ولم يوجب الإمام (علیه السلام) فيه شيئاً إذا كان في البئر ماء كثير، فيصلح أن يكون الحديث دليلاً على طهارة ماء البئر. والتقييد بما إذا كان فيها ماء كثير - والمراد به الكثرة العرفيّة اللغويّة كما مرّ - ليفيد أنّ نفي البأس عنها لأجل عدم تغيّرها؛ إذ لو كان ماؤها قليلاً لتغيّر غالباً، فتنجس لا محالة.

سند الحديث:

تقدّم أنّه موثّق.

ص: 42


1- تقدّم في الحديث 15 من الباب 14 من هذه الأبواب.

[496] 6- وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ بِئْرِ مَاءٍ وَقَعَ فِيهَا زِنْبِيلٌ مِنْ عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ يَابِسَةٍ، أَوْ زِنْبِيلٌ مِنْ سِرْقِينٍ، أَيَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

أَقُولُ: حَمَلَهُمَا الشَّيْخُ عَلَى الْمَصْنَعِ(2) الزَّائِدِ عَنِ الْكُرِّ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بَعْدَ النَّزْحِ(3)، وَهُمَا بَعِيدَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَأَمْثَالِهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

تقدّم أنّ ظاهر الحديث: السؤال عن وقوع عذرة في البئر بمقدار زنبيل، وأنّه يقتضي انفعال مائها أو لا يقتضيه، وأجابه (علیه السلام) بقوله: «لا بأس»، أي: لا بأس بالوضوء من الماء الذي لاقته عذرة بقدر الزنبيل. فدلالة الحديث على عدم انفعال البئر بملاقاة العذرة واضحة؛ لعدم جواز الوضوء من الماء المتنجّس بالضرورة.

قال المصنّف: إنّ الشيخ حمل الحديثين الأخيرين على أحد احتمالين:

ص: 43


1- تقدّم في الحديث 8 من الباب 14 من هذه الأبواب.
2- قال الأصمعي: المصانع: مساكات لماء السماء يحتفرها الناس، فيملؤها ماء السماء، يشربونها. (تاج العروس) 11 : 288 مادة: «صنع».
3- راجع: الاستبصار 1 : 42، ذيل الحديث 118.
4- تقدّم في ذيل الحديث 21 من الباب 14 من هذه الأبواب.

الأول: أن يكون الماء في مصنع، وهو الحوض الكبير الذي يكون على الطرقات ليستقي منه المارّة، ويكون فيه أكثر من كر، وهو لا ينفعل بالنجاسة حينئذٍ.

الثاني: أن يكون نفي البأس بعد النزح.

ثم استبعدهما؛ ولعلّ الوجه في الاستبعاد:

أمّا الأول؛ فلأنّ المراد من الكثير في الأول هو الكثير العرفي، كما مرّ، لا الكر.

وأمّا الثاني؛ فلأنّه خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر أنّ نفي البأس قبل النزح، فحمله على ما بعد النزح خلاف الظاهر.

لا يقال: إنّ هذا الاحتمال هو مقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيّد؛ فإنّ هذين الحديثين دلّا على نفي البأس عن استعمال ماء البئر بعد ملاقاة النجس مطلقاً، وقد دلّت أحاديث أخرى على لزوم النزح بملاقاة النجس، فهذه الأحاديث تقيّد هذين الحديثين المطلقين، وتكون النتيجة: أنّه يجوز التوضؤ بماء البئر الذي لاقى النجاسة بعد أن ينزح منه المقدار المعيّن.

لأنّا نقول: إنّ الأحاديث الآمرة بالنزح ليس فيها دلالة على النجاسة حتى يتأتّى هذا الاحتمال.

سند الحديث:

تقدّم أنّ المصنف ذكر لهذا الحديث سندين:

ص: 44

المتحصل من الأحادیث

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو صحيح.

الثاني: سند «قرب الإسناد»، وهو معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، أولها معتبر، وثانيها وثالثها مورد للخلاف، وقلنا بإمكان تصحيحهما، ورابعها مرسل، وخامسها موثّق، وسادسها صحيح.

ص: 45

ص: 46

21- باب ما ينزح من البئر لموت الإنسان وللدم القليل والكثير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

21- باب ما ينزح من البئر لموت الإنسان وللدم القليل والكثير

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

ينزح لموت الإنسان في البئر سبعين دلواً. قال صاحب «المدارك»: «هذا مذهب الأصحاب، ومستنده رواية عمار الساباطي... ثمّ قال: وفي طريقها جماعة من الفطحيّة، لكن ظاهر المعتبر اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها، ثمّ قال: والمشهور بين الأصحاب أنّه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر؛ لأنّ الإنسان جنس معرّف باللام، وليس هناك معهود، وتعريف الحقيقة ليس بمراد، فتكون للاستغراق، وهو مفيد للعموم»((1)).

وأمّا الدم فقال العلامة المجلسي في «البحار»: «اختلفوا في حكم الدم: فالمفيد في المقنعة حكم بوجوب خمسة دلاء للقليل، وعشرة للكثير، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط: للقليل عشرة وللكثير خمسون، والصدوق قال بوجوب ثلاثين إلى أربعين في الكثير، ودلاء يسيرة في القليل، وإليه ميلالمعتبر والذكرى، وهو أقوى، وقال المرتضى في المصباح: في الدم ما بين

ص: 47


1- - مدارك الأحكام 1 : 75.

الدلو الواحد إلى عشرين، وفي ساير كتب الحديث في جواب السؤال عن الدجاجة والحمامة ينزح منها دلاء يسيرة، وهو أظهر»((1)).

ولم يتعرّض لاستثناء وقوع الدماء الثلاثة، كما نقله في «المعالم» عن الشيخ وجماعة((2)

واحتمل دخوله في غير المنصوص((3)).

أقوال العامّة:

ظهرت مما سبق مفصّلاً في الباب الخامس عشر من هذه الأبواب.

ص: 48


1- - بحار الأنوار 77 : 24.
2- - معالم الدين 1 : 186، والمبسوط1 : 29، والاقتصاد: 253، والمهذّب 1 : 21، والوسيلة: 74، والغنية: 48.
3- - معالم الدين 1 : 204، المسألة 14.

[497] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ فَوَقَعَتْ فِي بِئْرِ مَاءٍ وَأَوْدَاجُهَا تَشْخُبُ دَماً، هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ(1) الْبِئْرِ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ دَلْواً، ثُمَّ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا، وَلَا بَأْسَ بِهِ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً أَوْ حَمَامَةً، فَوَقَعَتْ فِي بِئْرٍ، هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهَا؟ قَالَ: «يُنْزَحُ(2) مِنْهَا دِلَاءٌ يَسِيرَةٌ، ثُمَّ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا»، وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَسْتَقِي مِنْ بِئْرٍ، فَيَرْعُفُ فِيهَا، هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ يَسِيرَةٌ(3)»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

الأوداج: قال في «الصحاح»: «الوَدَج والوِدَاج: عرق في العنق، وهما وَدَجَان. يقال: دِجْ دابَّتك، أي: اقطع وَدَجَها. وهو لها كالفَصْد للإنسان»((5)).

وقال في «لسان العرب»: «شَخَبَ أوداجه دماً فانشخبت: قطعها فسالت،ووَدَجٌ شَخِيب: قُطِع، فانشخَبَ دمُه»((6)).

ص: 49


1- في نسخة الفقيه: تلك. (منه(قدس سره) ).
2- في المصدر: ينزف.
3- في المصدر زيادة: ثم يتوضأ منها.
4- تهذيب الأحكام 1 : 246، قطعة من الحديث 709، و 409، ح1288.
5- - الصحاح: 1 : 347، مادة: «ودج».
6- - لسان العرب: 1 : 485، مادة: «شخب».

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) (1)1*).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) (2)2*).

وَرَوَى الصَّدُوقُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ(3)3*).

وَرَوَى الشَّيْخُ الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ مِثْلَهُ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

عيّن هذا الحديث مقدار النزح لدم الشاة المذبوحة بما بين الثلاثين دلواً إلى أربعين. وظاهره أنّ الحدّين - وهما الثلاثين والأربعين - داخلان في التحديد، لا كما ذهب إليه المحقّق صاحب «الجواهر» من خروجهما، فقد قال:«والمروي في صحيح علي بن جعفر ما بين ثلاثين إلى أربعين لا (من ثلاثين إلى أربعين)، فكان الأنسب أن يذكر نفس المتن، واحتمال ترادف

ص: 50


1- 1*) الكافي 3 : 6، ح8.
2- 2*) قرب الإسناد: 179.
3- 3*) من لا يحضره الفقيه 1 : 15 ، ح29.
4- 4*) الاستبصار 1 : 44 ،ح123.

العبارتين فيه كلام»((1)).

وظاهره خروج الطرفين عن أن يكونا مرادين في التحديد، ولذا ردّه الشيخ الأعظم بأنّ: «المراد من الصحيحة (من ثلاثين إلى أربعين)، لا ما بينهما، ليخرج الطرفان؛ لأنّ الظاهر دخول الغاية، نظير ما عن المصباح: من أنّ للدم ما بين الواحد إلى العشرين.

وسيأتي قوله : (سألته عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة)، حيث إنّ المراد من الفأرة إلى الشاة، فما ذكره بعضهم من الخدشة في نقل المصنف(قدس سره) لمعنى الرواية في غير محلّه»((2)).

كما عيّن الحديث الدلاء اليسيرة لما ظاهره القلّة من الدم كدم الدجاجة أو الحمامة أو دم الرعاف.

وقد فهم الفقهاء من هذا الحديث حدّ القليل والكثير، قال العلامة في «المختلف»: «وحديث علي بن جعفر حسن، وهو يدلّ على حكم القليل والكثير وهما - أي حديث علي بن جعفر، وحديث محمد بن إسماعيل -أجود ما وصل إلينا في هذا الباب»((3)).

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بخمسة أسانيد:

ص: 51


1- - جواهر الكلام 1 : 233.
2- - كتاب الطهارة 1 : 228.
3- - مختلف الشيعة 1 : 200.

سند الشیخ في التهذيب إلی محمد بن يحيی

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» إلى محمد بن يحيى، وهو - على ما في مشيختي «التهذيب» و«الاستبصار» - طريقان:

الطريق الأول: الحسين بن عبيد الله وأبو الحسن بن أبي جيد القمّي جميعاً، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى العطار. وهو معتبر؛ لترضّي الصدوق عن أحمد بن محمد بن يحيى.

الطريق الثاني: أسانيد الشيخ إلى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، وقد تقدّم أنَّها كلّها معتبرة((1)).

وأمّا العمركي بن علي: فهو العمركي الخراساني، أبو محمد البوفكي، وهو ثقة كما تقدّم، فالسند صحيح.

الثاني: سند الكليني، وقد تقدّم الكلام في رجاله، وهو أيضاً صحيح.

الثالث: سند الحميري في «قرب الإسناد»، وقد تقدّم الكلام في رجاله، وسبق أنّه يمكن تصحيح روايات عبد الله بن الحسن العلوي عن جدّه بعدّةطرق، فالسند معتبر.

الرابع: سند الصدوق في «الفقيه» إلى علي بن جعفر لخصوص المسألة الأولى، وقد سبق أنّه طريقان، أحدهما معتبر، والثاني صحيح.

الخامس: سند الشيخ في «الاستبصار» إلى محمد بن علي بن محبوب لخصوص المسألة الثانية، وقد سبق أنّه ثلاثة طرق، أحدها معتبر، والثاني

ص: 52


1- - تهذيب الأحكام10 : 33، والاستبصار 4 : 311.

[498] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ طَيْراً فَوَقَعَ بِدَمِهِ فِي الْبِئْرِ، فَقَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ. هَذَا إِذَا كَانَ ذَكِيّاً فَهُوَ هَكَذَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ فِي بِئْرِ الْمَاءِ فَيَمُوتُ فِيهِ فَأَكْثَرُهُ الْإِنْسَانُ يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُونَ دَلْواً، وَأَقَلُّهُ الْعُصْفُورُ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ وَاحِدٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فِي مَا بَيْنَ هَذَيْنِ»(1).

قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ»: إِنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ، وَهِيَ مَعْمُولٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

صحيح، والثالث ضعيف.

ومحمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب، فالسند صحيح.

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على ما دلّ عليه الحديث السابق من نزح الدلاء للدم القليل، ودلّ قوله (علیه السلام) : «هذا إذا كان ذكياً فهو هكذا» بالمفهوم على أنّ

ص: 53


1- تهذيب الأحكام 1 : 234، ح678.
2- المعتبر 1 : 62، وفيه: «من يده» بدل «بدمه»، و «فأكبره» بدل «فأكثره».

غير الذكي ليس حكمه هذا التحديد، فإذا لم يرد نص عليه بخصوصه دخل في حكم غير المنصوص.

كما دلّ على أنّ موت الإنسان في البئر بعد وقوعه فيها ينزح له سبعون دلواً، لا ما إذا وقع ميّتاً، وكذا بقيّة ما له روح، فإنّه ينزح له الأقل من السبعين إلى أن يصل الحدّ إلى العصفور فينزح له دلو واحد، وهذا كلّه يدلّ على أنّ النزح هو لإزالة الاستقذار لا لحصول الطهارة؛ فإنّه قد مرّ في بعض الأحاديث المتقدّمة ما يخالف هذا التقدير، وما ذلك إلّا لأجل بيان أنّ الحدّ الأكثر هو الأفضل وإن كان يجزي الأقل.

اشتراك عمرو بن عثمان بين جماعة

سند الحديث:

فيه ممن لم يتقدّم ذكره: عمرو بن عثمان: وهو مشترك بين جماعة:

الأول - وهو أشهرهم - : عمرو بن عثمان الثقفي الخزّاز، قال عنه النجاشي: «عمرو بن عثمان الثقفي الخزّاز، وقيل: الأزدي، أبو علي، كوفي،ثقة، روى عن أبيه عن سعيد بن يسار. وله ابن اسمه محمد، روى عنه ابن عقدة .كان عمرو بن عثمان نقي الحديث، صحيح الحكايات، له كتب»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «عمرو بن عثمان الخزّاز. له كتاب»((2)).

الثاني: عمرو بن عثمان الجابري الهمداني: ذكره الشيخ في أصحاب

ص: 54


1- - رجال النجاشي: 287 / 766.
2- - فهرست الطوسي: 180 / 489.

[499] 3- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ تَقْطُرُ فِيهَا قَطَرَاتٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ - إِلَى أَنْ قَالَ - : «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)).

الثالث: عمرو بن عثمان الجهني: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) أيضاً((3)).

الرابع: عمرو بن عثمان الرازي: «روى عن أبي الحسن الأول، وروى عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب. كامل الزيارات: الباب 105، فيفضل زيارة المؤمنين، الحديث1»((4)).

وهو هنا ينطبق على الأول؛ وذلك مقتضى ملاحظة الطبقة، ولكونه الأشهر وصاحب كتب، فينصرف إليه عند الإطلاق، فالسند موثّق.

ثمّ إن كتاب عمار الساباطي مشهور، فلا يحتاج إلى طريق.

[3] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في دلالته، وهو موافق للحديثين السابقين الدالّين على نزح

ص: 55


1- تقدّم في الحديث 21 من الباب 14 من هذه الأبواب.
2- - رجال الطوسي: 251 / 3519.
3- - رجال الطوسي: 249 / 3476.
4- - معجم رجال الحديث 14 : 130.

[500] 4- وَحَدِيثُ زُرَارَةَ، قَالَ: «الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْمَيِّتُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الدلاء للدم القليل، ولم يقيّد بكون الدم من طاهر العين.

سند الحديث:

سبق أنّ المصنّف ذكره بثلاثة طرق:

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وقلنا: إنّه صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» عن الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، وهو صحيح كسابقه.الثالث: سند الشيخ في «الاستبصار» بإسناده، عن أحمد بن محمّد، وهو صحيح أيضاً.

[4] - فقه الحديث:

عيّن الإمام (علیه السلام) مقدار ما ينزح في الموارد الأربعة، وهي قطرة الدم وقطرة الخمر والميّت ولحم الخنزير، وهو نزح عشرين دلواً، وهو مخالف للأحاديث المتقدّمة التي عيّنت دلاء يسيرة.

كما أنّ ظاهر قوله: «الميّت» هو ميّت الإنسان، وقد تقدّم في الحديث الثاني من هذا الباب أن المقدّر لموت الإنسان سبعون دلواً.

ص: 56


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 15 من هذه الأبواب.

[501] 5- وَحَدِيثُ كُرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً»(1).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدم أنّ السند معتبر.

[5] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته وقلنا: إنّ الإمام (علیه السلام) عيّن مقدار ما ينزح في القطرة من هذه الموارد الأربعة بثلاثين دلواً، وهذا التحديد يخالف التحديد بالعشرين دلواً في الحديث السابق، وهذا دليل على أنّ النزح ليس بواجب، ويحمل الحدّ الأقل على الإجزاء، والأكثر على الأفضليّة، كما مرّ غير مرّة.

سند الحديث:

تقدم أنّ السند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث اثنان صحيحان، وهما الأول والثالث، وواحد موثق، وهو الثاني، وأمّا الرابع والخامس فهما معتبران.

ص: 57


1- تقدّم في الحديث 2 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- لم نعثر على قول الشيخ هذا في كتبه.

ص: 58

22 - باب ما ينزح لوقوع الميتة واغتسال الجنب

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

22 - باب ما ينزح لوقوع الميتة واغتسال الجنب

شرح الباب:

الأقوال الخاصّة

أقوال الخاصّة: الحكم بنزح سبع دلاء لاغتسال الجنب مشهور بين الأصحاب كما في «المدارك»

أقوال الخاصّة: الحكم بنزح سبع دلاء لاغتسال الجنب مشهور بين الأصحاب كما في «المدارك»((1)).

والخلاف في هذه المسألة من جهات:

الجهة الأولى: أنّه يحتمل في مقتضى النزح ثلاثة احتمالات:

الأول: وقوع الجنب في البئر.

الثاني: اغتساله فيها.

الثالث: ارتماسه فيها.

الجهة الثانية: هل النزح لسلب الطهوريّة، أم لنجاسة البئر، أم هو تعبّد شرعي؟

الجهة الثالثة: إذا اغتسل الجنب في البئر فهل يرتفع حدث الجنابة عنه، أم لا؟

ص: 59


1- - مدارك الأحكام 1 : 87.

الجهة الرابعة: هل يشترط لنزح السبعة دلاء أن يكون بدن المجنب خالياً عن النجاسة، أم لا؟

وأمّا الميتة فقد مرّ الكلام فيها في تضاعيف الأبواب السابقة.

أقوال العامّة

أقوال العامّة: تقدم الكلام في حكم وقوع الميتة في البئر.

وأمّا اغتسال الجنب فيها «فإن كان البئر معيناً، أي: ماءه جارٍ، فإنّ انغماس الجنب ومن في حكمه لا ينجّسه عند ابن القاسم من المالكيّة، وهو رواية يحيى بن سعيد عن مالك. وهو مذهب الحنابلة إن لم ينو رفع الحدث. وهو اتّجاه من قال من الحنفيّة: إنّ الماء المستعمل طاهر؛ لغلبة غير المستعمل؛ أو لأنّ الانغماس لا يصيّره مستعملاً، وعلى هذا فلا ينزح منه شيء ... .

ويرى الشافعيّة كراهة انغماس الجنب ومن في حكمه في البئر، وإن كان معيناً... .

ومذهب الحنابلة إن نوى رفع الحدث. وإلى هذا يتّجه من يرى من الحنفيّة أنّ الماء بالانغماس يصير مستعملاً، ويرى أنّ الماء المستعمل نجس ينزح كلّه، وعن أبي حنيفة ينزح أربعون دلواً، لو كان محدثاً، وينزح جميعه لو كان جنباً أو كافراً... .

وإذا كان ماء البئر قليلاً وانغمس فيه بغير نيّة رفع الحدث، فالمالكيّة على أنّ الماء المجاور فقط يصير مستعملاً. وعند الشافعيّة والحنابلة الماء على طهوريّته. واختلف الحنفيّة على ثلاثة أقوال ترمز لها كتبهم: (مسألة البئرجحط)، ويرمزون بالجيم إلى ما قاله الإمام من أنّ الماء نجس بإسقاط

ص: 60

الفرض عن البعض بأوّل الملاقاة، والرجل نجس؛ لبقاء الحدث في بقيّة الأعضاء، أو لنجاسة الماء المستعمل. ويرمزون بالحاء لرأي أبي يوسف من أنّ الرجل على حاله من الحدث؛ لعدم الصبّ، وهو شرط عنده، والماء على حاله؛ لعدم نيّة القربة، وعدم إزالة الحدث. ويرمزون بالطاء لرأي محمّد بن الحسن من أنّ الرجل طاهر؛ لعدم اشتراط الصبّ، وكذا الماء؛ لعدم نيّة القربة.

أمّا إذا انغمس في الماء القليل بنيّة رفع الحدث كان الماء كلّه مستعملاً عند الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة، لكن عند الحنابلة يبقى الماء على طهوريّته ولا يرفع الحدث.

وكذلك يكون الماء مستعملاً عند الحنفيّة لو تدلّك ولو لم ينو رفع الحدث؛ لأنّ التدلّك فعل منه يقوم مقام نيّة رفع الحدث»((1)).

ص: 61


1- - الموسوعة الفقهيّة (الكويتيّة) 1 : 82 - 83.

[502] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ لَهَا رِيحٌ نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

تقدم في الأبواب السابقة حكم الميتة من الثور والحمار والبعير وما شاكل ذلك إلى العصفور وما أشبهه، وهذا الحديث يخالف تلك الأحاديث في المقدّر لأنواع الميتة، ولكنّه يتفق في الحكم مع الحديث الرابع من الباب السابق حيث قدّر النزح بعشرين دلواً في قطرة الدم وقطرة الخمر والميّت ولحم الخنزير، المخالف لبقيّة الأحاديث الدالّة على نزح دلاء يسيرة فيها.

وقوله (علیه السلام) : «إن كان لها ريح»، يحتمل عود الضمير فيه إلى الميتة، كما يحتمل رجوعه إلى البئر نفسها، مع أنّ الميتة إذا غيّرت الماء فإنّه إمّا أن ينزح منها حتى يزول التغيّر إذا كان المتغيّر بعض الماء، أو ينزح الماء كلّه إذا تغيّر الماء كلّه.

لكن قد يقال: إنّ نزح العشرين للاستحباب إذا رجع الضمير إلى الميتة،وأمّا إذا رجع إلى البئر فقد يكون هذا التقدير لأجل زوال الريح غالباً بنزح

ص: 62


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: هذا في الجملة يصلح شاهداً لكون وجوب النزح مقيّداً بالتغيّر فتدبّر. (منه(قدس سره) ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح34.

هذا المقدار.

سند الحديث:

سند الشيخ الصدوق إلى محمد بن مسلم في من «لا يحضره الفقيه» هو: «علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم»((1)).

وعلي بن أحمد بن عبد الله البرقي: لم يرد فيه شيء، لكن تقدم أنّه من مشايخ الصدوق الذين ترضّى عنهم .

وأمّا أبوه أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي: فقد تقدّم أنّه لم يرد فيه شيء.

وأمّا أحمد بن أبي عبد الله البرقي: فقد تقدّم أنّه ثقة في نفسه.

ويمكن تصحيح الطريق بأنّ للشيخ الصدوق طريقاً صحيحاً بواسطة شيخه محمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله إلى جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد الله البرقي((2)).كما أنّ كتب العلاء بن رزين مشهورة، فلا تحتاج إلى طريق.

فالحاصل أنّ السند معتبر.

ص: 63


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 424 ، المشيخة.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 182.

[503] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ الْجُنُبُ الْبِئْرَ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ»(1).

[504] 3- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ الْجُنُبُ الْبِئْرَ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعَةُ(2)2*) دِلَاءٍ»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

نزخ سبع دلاء لدوخل الجنب البئر

[2] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه. وأمّا الزيادة فقد دلّت على أنّ دخول الجنب في ماء البئر موجب لنزح سبع دلاء مطلقاً، سواء تحقّق منه الغسل أو لم يتحقّق منه، وسواء كانت على بدنه نجاسة أو لم تكن.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند صحيح أعلائي.

[3] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه، وهو مطلق لم يتعرّض لما إذا كان على بدنه نجاسة أو لا.

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح703.
2- 2*) كذا في الأصل، وفي المصدر: سبع.
3- 3*) تهذيب الأحكام 1 : 244، ح704.

[505] 4- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْجُنُبِ يَدْخُلُ الْبِئْرَ فَيَغْتَسِلُ مِنْهَا(1)؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو الحسين بن سعيد. وفضالة: هو فضالة بن أيوب، والعلاء: هو العلاء بن رزين، ومحمد: هو محمد بن مسلم، وقد تقدّم الكلام عنهم، والسند صحيح أعلائي.

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نزح السبع دلاء لدخول الجنب في البئر واغتساله، لا مجرّد دخوله فيها. ولم يتعرّض لما إذا كانت على بدنه نجاسة أم لا، فهو مطلق من هذه الناحية.سند الحديث:

تقدّم هذا السند في الحديث الأول من الباب العشرين، وقد سبق أنّه معتبر.

ص: 65


1- في المصدر: فيها.
2- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح702.

[506] 5- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زُرَارَةَ أَنَّهُ يُنْزَحُ لِلْمَيْتَةِ عِشْرُونَ دَلْواً(1)1*).

[507] 6- وَفِي حَدِيثِ الْحَلَبِيِّ: «لِوُقُوعِ الْجُنُبِ سَبْعُ دِلَاءٍ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في دلالته.

سند الحديث:

تقدّم أنّه معتبر.

[6] - فقه الحديث:

لم يتعرّض هذا الحديث لاغتسال الجنب بعد وقوعه في الماء، كما لم يتعرّض لما إذا كانت على بدنه نجاسة أم لا. وعيّن سبع دلاء لوقوعه في البئر، كسوابقه.

سند الحديث:

تقدّم أنّ المصنّف ذكر سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وهو صحيح.

ص: 66


1- 1*) تقدّم في الحديث 3 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 6 من الباب 15 من هذه الأبواب.

[508] 7- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مِنْهَالٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْعَقْرَبُ تُخْرَجُ مِنَ الْبِئْرِ مَيْتَةً؟ قَالَ: «اسْتَقِ مِنْهُ عَشَرَةَ دِلَاءٍ»، قَالَ: قُلْتُ: فَغَيْرُهَا مِنَ الْجِيَفِ؟ قَالَ: «الْجِيَفُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، إِلَّا جِيفَةً قَدْ أُجِيفَتْ، فَإِنْ كَانَتْ جِيفَةً قَدْ أُجِيفَتْ فَاسْتَقِ مِنْهَا مِائَةَ دَلْوٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الرِّيحُ بَعْدَ مِائَةِ دَلْوٍ فَانْزَحْهَا كُلَّهَا»(1).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

والثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» عن محمّد بن يعقوب الكليني، وهو نفس السند السابق، فهو صحيح كسابقه.

[7] - فقه الحديث:

قال الجوهري في «الصحاح»: «الجيفة: جثة الميت وقد أراح»((3))، وقالالفراهيدي في «كتاب العين»: «جافت الجيفة، واجتافت، أي: أنتنت وأروحت»((4)).

ص: 67


1- تهذيب الأحكام 1 : 231، ح667، والاستبصار 1 : 27 ، ح70. وتقدّم ما يدل على ذلك في الحديث 1 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- الاستبصار 1 : 27.
3- - الصحاح 4 : 1340، مادة: «جيف».
4- - كتاب العين 6 : 189، مادة: «جيف».

دلّ الحديث على نزح عشرة دلاء للعقرب الميتة في البئر، وهو خلاف ما تقدّم من الروايات؛ فإنّه لم يرد فيها هذا التحديد، ويظهر منه أنّ بقيّة الجيف لها نفس الحكم، وهو خلاف ما تقدّم أيضاً.

كما دلّ على أنّ الماء إذا تغيّر بالجيف التي أنتنت وغيّرت بعض الماء فإنّه ينزح لها مائة دلو، وهذا التحديد خلاف ما مرّ من النزح حتى يزول التغيّر.

نعم، إذا غلبت الريح الماء وقد تغيّر الماء فاللازم نزح البئر كلّها.

ولذا قال الماتن: حمله الشيخ على الاستحباب؛ لأنّ التقدير في الأحاديث السابقة كان أقل، فيصحّ حمل الزائد على الاستحباب.

المتحصل من الحدیث

سند الحديث:

فيه: منهال: وهو منهال بن عمرو، كما مرّ، والسند غير معتبر به؛ لجهالته، وقد سبق منّا القول، حيث إنّه وقع في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، ولم يستثنه ابن الوليد((1)

فهو ثقة. فالسند معتبر.والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، أربعة منها معتبرة، وهي الأول والرابع والخامس والسابع، واثنان من الصحيح الأعلائي، وهما الثاني والثالث، وواحد صحيح، وهو السادس.

ص: 68


1- - أُصول علم الرجال 1 : 241.

23 - باب حكم التراوح وما ينزح من البئر مع التغير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

23 - باب حكم التراوح وما ينزح من البئر مع التغير

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المختلف»: «إذا نجست البئر بالتغيّر بالنجاسة ففي المقتضي لتطهيرها خلاف بين علمائنا، قال الشيخ (رحمه الله) : ينزح ماؤها أجمع، فإن تعذّر ينزح ماؤها إلى أن يزول التغيّر، وأطلق القول بذلك في النهاية والمبسوط .

وقال علي بن بابويه: ينزح أجمع، فإن تعذّر تراوح عليها أربعة رجال يوماً إلى الليل، وهو اختيار ابنه محمد وسلّار.

وقال المفيد (رحمه الله) : ينزح حتى يزول التغيّر، ولم يجعل تعذّر نزح الجميع شرطاً. وهو قول ابن أبي عقيل، وأبي الصلاح، وابن البرّاج.

وفصّل ابن إدريس، فقال: إن كانت النجاسة منصوصة المقدّر نزح، فإن زال التغيّر، وإلّا نزح حتى يزول التغيّر. وإن لم تكن منصوصة المقدّر نزحت أجمع، فإن تعذّر تراوح عليها أربعة يوماً، ولو زال التغيّر في أثناء

ص: 69

اليومأكمل النزح تمام اليوم واجباً.

والوجه عندنا: قول المفيد رحمه الله»((1)).

وقال صاحب «المعالم»: «إذا تغيّر ماء البئر بالنجاسة نجس إجماعاً. وفي القدر الذي يطهر به من النزح خلاف:

فالقائلون بعدم انفعاله بالملاقاة اكتفوا فيه بما يزول معه التغيّر.

وأمّا الذاهبون إلى الانفعال فلهم في المسألة أقوال:

الأوّل: نزح الجميع، فإن تعذّر فالتراوح. ذهب إليه الصدوقان، ويحكى عن المرتضى(قدس سره) ، ووافقهم سلّار.

الثاني: النزح حتّى يزول التغيّر، وهو قول المفيد وجماعة منهم الشهيد في البيان.

الثالث: نزح الجميع، فإن تعذّر فإلى أن يزول التغيّر. ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) .

الرابع: نزح الأكثر ممّا يحصل به زوال التغيّر واستيفاء المقدّر، وهو قول ابن زهرة، واختاره الشهيد في الذكرى.

الخامس: نزح أكثر الأمرين من المقدّر ومزيل التغيّر إن كان للنجاسة المغيّرة مقدّر، وإلّا فالجميع، فإن تعذّر فالتراوح. ذهب إليه ابن إدريسووافقه من المتأخّرين الشيخ علي تفريعاً على القول بالانفعال؛ فإنّه لا يقول به.

ص: 70


1- - مختلف الشيعة 1 : 189 - 190.

وهو اختيار والدي في شرح الإرشاد حيث قال فيه بالانفعال.

السادس: نزح الجميع، فإن غلب الماء اعتبر أكثر الأمرين من زوال التغيّر والمقدّر. ذهب إليه الشهيد في الدروس.

وكلام المحقّق في المعتبر محتمل لهذا القول ولإيجاب نزح الجميع، فإن تعذّر نزح حتّى يزول التغيّر ثمّ يستوفى المقدّر، وأرى الاحتمال الأوّل إلى عبارته أقرب.

وربما نسب إليه القول بنزح ما يزيل التغيّر أوّلاً ثمّ المقدّر بعده إن كان لتلك النجاسة مقدّر، وإلّا فالجميع، وإن تعذّر فالتراوح، ولا نعرف لهذه النسبة وجهاً. وقد اختار مضمونها بعض مشايخنا الذين عاصرناهم فيصير قولاً سابعاً.

والثامن: نزح أكثر الأمرين ممّا يزول معه التغيّر، ويستوفى به المقدّر إن كان هناك تقدير، وإلّا اكتفي بزوال التغيّر. ذهب إليه بعض فضلاء المتأخّرين.

وهذا القول هو الأقوى عندي؛ بناء على القول بالانفعال»((1)).

ثمّ ذكر حجة كل قول، ثمّ قال: «إذا وقع في البئر ما يوجب نزح الجميع وتعذّر نزحه لكثرة الماء فالمشهور بين الأصحاب: أنّه يتراوح عليه أربعةرجال يوماً، كلّ اثنين دفعة، وذكر العلّامة في المنتهى أنّه لا يعرف فيه

ص: 71


1- - معالم الدين 1 : 262 - 263.

مخالفاً من القائلين بالتنجيس((1))»((2)).

أقوال العامّة:

مرّ الخلاف بين العامّة في تفاصيل كثيرة في البئر وانفعاله بالنجاسات وغيرها وعدم انفعاله.

وأمّا في كيفيّة تطهير البئر فقد ذهب المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ التكثير طريق تطهيره عند تنجّسها إذا زال التغيّر. ويكون التكثير بالترك حتّى يزيد الماء ويصل حدّ الكثرة، أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ.

وأضاف المالكيّة طرقاً أخرى، إذ يقولون: إذا تغيّر ماء البئر بتفسّخ الحيوان طعماً أو لوناً أو ريحاً يطهر بالنزح، أو بزوال أثر النجاسة بأيّ شيء، بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من نفسها طهر. وقالوا في بئر الدار المنتنة: طهور مائها بنزح ما يذهب نتنه.

ويقصر الشافعيّة التطهير على التكثير فقط إذا كان الماء قليلاً (دون القلّتين)، إمّا بالترك حتّى يزيد الماء، أو بصبّ ماء عليه ليكثر، ولا يعتبرونالنزح لينبع الماء الطهور بعده؛ لأنّه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجساً كما تتنجّس جدران البئر بالنزح ... .

ص: 72


1- - منتهى المطلب1 : 73.
2- - معالم الدين 1 : 256.

ويفصّل الحنابلة في التطهير بالتكثير، إذا كان الماء المتنجّس قليلاً، أو كثيراً لا يشقّ نزحه، ويخصّون ذلك بما إذا كان تنجّس الماء بغير بول الآدميّ أو عذرته، ويكون التكثير بإضافة ماء طهور كثير، حتّى يعود الكلّ طهوراً بزوال التغيّر ... .

على أنّ النزح إذا زال به التغيّر وكان الباقي من الماء كثيراً (قلّتين فأكثر) يعتبر مطهّراً عند الشافعيّة.

أمّا الحنفيّة فيقصرون التطهير على النزح فقط... وإذا كان المالكيّة والحنابلة اعتبروا النزح طريقاً للتطهير فإنّه غير متعيّن عندهم، كما أنّهم لم يحدّدوا مقداراً من الدلاء، وإنّما يتركون ذلك لتقدير النازح. ومن أجل هذا نجد الحنفيّة هم الّذين فصّلوا الكلام في النزح... .

فإذا وقعت في البئر نجاسة نزحت، وكان نزح ما فيها من الماء طهارةً لها... .

وقالوا: لو نزح ماء البئر وبقي الدلو الأخير فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة البئر، وإن انفصل عن وجه الماء ونحّي عن رأس البئر طهر. وأمّا إذا انفصل عن وجه الماء ولم ينحّ عن رأس البئر والماء يتقاطر فيه لا يطهر عند أبي يوسف. وذكر الحاكم أنّه قول أبي حنيفة أيضاً. وعندمحمّد يطهر.

وإذا وجب نزح جميع الماء من البئر ينبغي أن تسدّ جميع منابع الماء إن أمكن، ثمّ ينزح ما فيها من الماء النجس. وإن لم يمكن سدّ منابعه لغلبة

ص: 73

الماء روي عن أبي حنيفة أنّه ينزح مائة دلو، وعن محمّد أنّه ينزح مائتا دلو، أو ثلاثمائة دلو. وعن أبي يوسف روايتان: في رواية يحفر بجانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثمّ ينزح ماؤها، ويصبّ في الحفرة حتّى تمتلئ، فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر، وفي رواية: يرسل فيها قصبة، ويجعل لمبلغ الماء علامة، ثمّ ينزح منها عشر دلاء مثلاً، ثمّ ينظر كم انتقص، فينزح بقدر ذلك... .

والمالكيّة كما بيّنّا يرون أنّ النزح طريق من طرق التطهير، ولم يحدّدوا قدراً للنزح ، وقالوا: إنّه يترك مقدار النزح لظنّ النازح ... .

قالوا: وينبغي للتطهير أن ترفع الدلاء ناقصةً؛ لأنّ الخارج من الحيوان عند الموت موادّ دهنيّة، وشأن الدهن أن يطفو على وجه الماء، فإذا امتلأ الدلو خشي أن يرجع إلى البئر.

والحنابلة قالوا: لا يجب غسل جوانب بئر نزحت، ضيّقةً كانت أو واسعةً، ولا غسل أرضها، بخلاف رأسها. وقيل: يجب غسل ذلك. وقيل: إنّ الروايتين في البئر الواسعة. أمّا الضيّقة فيجب غسلها روايةً واحدةً.

وقد بيّنّا أنّ الشافعيّة لا يرون التطهير بمجرّد النزح ((1)).

ص: 74


1- - الموسوعة الفقهيّة (الكويتية) 1 : 85 - 88، بتصرّف.

[509] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ ابْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ بِئْرٍ يَقَعُ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ فَأْرَةٌ أَوْ خِنْزِيرٌ، قَالَ: «تُنْزَفُ(1) كُلُّهَا».

قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي إِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ .

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَلْيُنْزَفْ يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ يُقَامُ(2) عَلَيْهَا قَوْمٌ يَتَرَاوَحُونَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَيَنْزِفُونَ يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ وَقَدْ طَهُرَتْ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

نزخ البئر كلّها لو وقع فیها كلب أو فأرة أو خنزير

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ البئر إذا وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير فإنَّها تنزح بكاملها.

ولكن يشكل على هذا الحديث بأنّ أحداً من أصحابنا لم يوجب نزح

ص: 75


1- نزفت ماء البئر نزفاً، إذا نزحته كلّه، وأنزف القوم: إذا ذهب ماء بئرهم وانقطع. (لسان العرب 9 : 326).
2- في نسخة: «ثم يقام». (منه(قدس سره) )، وكذلك في المصدر.
3- تهذيب الأحكام 1 : 242، ح699، و284، ح832 في ضمن حديث طويل.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فِي حُكْمِ تَغَيُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ بِالنَّجَاسَةِ، وَقَعَ الْأَمْرُ فِي أَكْثَرِهَا بِنَزْحِ مَا يَذْهَبُ مَعَهُ التَّغَيُّرُ وَفِي بَعْضِهَا بِنَزْحِ الْجَمِيعِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ زَوَالِ التَّغَيُّرِ بِنَزْحِ الْبَعْضِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ إِنْ لَمْ يُحْمَلْ أَصْلُ النَّزْحِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ لِمَا عَرَفْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

الجميع بموت الكلب والفأرة والخنزير؛ ولعلّه لذلك قال الشيخ بأنّ نزح الماء كلّه إذا تغيّر.

ثمّ إنّه قد دلّ على أنّه إن تعذّر نزح الماء كلّه لغزارته نزحت يوماً كاملاً بأن يتراوح عليها قوم اثنين اثنين، فكل اثنين منهم يريحان الآخرَين ينزحونها يوماً كاملاً.

قال ابن إدريس - في بيان كيفيّة التراوح - : «أن يستقي اثنان بدلو واحديتجاذبانه، إلى أن يتعبا، فإذا تعبا قام الاثنان إلى الاستقاء وقعدا هذان يستريحان، إلى أن يتعب القائمان، فإذا تعبا قعدا، وقاما هذان واستراح

ص: 76


1- 1*) تقدّم في: أ - الحديثين 3 و 4 من الباب 15 من هذه الأبواب. ب - الأحاديث 1 و 4 و 6 و 7 و10 من الباب 14 من هذه الأبواب. ج - الأحاديث 4 و 7 و11 من الباب 17 من هذه الأبواب. د - الحديث 4 من الباب 19 من هذه الأبواب. ه- - الحديث 7 من الباب 22 من هذه الأبواب.

الآخران، وهكذا»((1)).

وفي نسخة - كما هو في المصدر - بعد قوله (علیه السلام) : «فلينزف يوماً إلى الليل»: «ثم يقام عليها قوم» بإضافة كلمة «ثمّ»، فيكون ظاهره لزوم النزح يومين، وهو ممّا لم يذهب إليه أحد.

وكلمة «ثمّ» موجودة في الأُصول المصحّحة على ما نقله الشيخ كاشف الغطاء في «شرح طهارة قواعد الأحكام» حيث قال: «قال في الدلائل: هي موجودة في نسخ التهذيب المصحّحة وفي الذخيرة في الأُصول المصحّحة، وقال البهائي: إنَّها موجودة فيما اطّلعنا عليه من أُصول أصحابنا، وقد نقلها في المعتبر بدونها، والظاهر أنّه لم يقل به أحد».

ثم إنّه(قدس سره) ذكر محاولة لجعل الحديث مع هذه الزيادة موافقاً لما عليه المشهور، فقال: «ولعلّ لفظ ثمّ من كلام الشيخ بسقوط لفظ قال بعدها من القلم، ويؤيده: أنّه قال الشيخ بعد ذلك: ثمّ قال - أعني أبا عبد اللّه - : فإن غلب عليه الماء»((2)).

وهناك محاولات أخرى لجعل الحديث موافقاً لما فهمه المشهور،جمعها كاشف اللثام بقوله: «أي (ثم قال (علیه السلام) ) لتفسير النزف إلى الليل وتفصيله، أو (ثم) للتفصيل، أو المعنى (ثم أقول)، أو (ثم أسمع)، أو المعنى: فإن غلب الماء حتى يعسر نزف الكل، فلينزف إلى الليل حتى ينزف، ثم إن

ص: 77


1- - السرائر 1 : 70.
2- - شرح طهارة قواعد الأحكام: 189 - 190.

غلب حتى لا ينزف، وإن نزف إلى الليل أُقيم عليها قوم يتراوحون»((1)).

كما أنّ هذا الفهم منهم مؤيّد باستدلالهم بهذا الحديث على النزح ليوم واحد، «ويؤيّده أنّ التعطيل غير جائز بالإجماع، كما ادعاه بعض الأصحاب، والاقتصار على نزح البعض تحكّم، ولا قائل بوجوب أزيد من ذلك»((2)).

هذا كلّه إذا كانت كلمة «ثمّ» بالضم، وأمّا إذا كانت بالفتح فلا إشكال في الحديث.

ثمّ إنّ المراد من اليوم في الحديث هو المدّة الزمنيّة الممتدة من الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وهو المراد من قول الصدوق: من الغدوة إلى الليل((3))،ونقله في «المعتبر» عن السيد المرتضى((4))، وهو أيضاً المراد من قول الشيخ وابن حمزة: من الغدوة إلى العشيّة أو العشاء((5)).قال في «كشف اللثام»: «وربَّما قيل: من طلوع الشمس»((6)).

ويؤيّد هذا الحديث في الدلالة ما نسب إلى الإمام الرضا (علیه السلام) في «الفقه الرضوي»: «فإن تغيّر الماء وجب أن ينزح الماء كلّه، فإن كان كثيراً وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري عليه أربعة رجال يستقون

ص: 78


1- - كشف اللثام 1 : 323.
2- - غنائم الأيام 1 : 551.
3- - من لا يحضره الفقيه 1 : 19.
4- - المعتبر 1 : 60.
5- - النهاية ونكتها 1 : 207، والوسيلة: 74.
6- - كشف اللثام 1 : 323.

المتحصل من الحدیث

منها على التراوح من الغدوة إلى الليل»((1)).

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند موثّق.

والحاصل: أن في الباب حديثاً واحداً موثقاً.

ص: 79


1- - فقه الرضا (علیه السلام) 94.

ص: 80

24 - باب أحكام تقاربِ البئر والبالوعة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

24 - باب أحكام تقارب البئر والبالوعة

شرح الباب:

هذا الباب معقود لذكر أمرين:

أحدهما: حكم تقارب البالوعة والبئر. فهل يكون الماء المعطن - بسبب التقارب بينهما - نجساً أو لا؟

صرّح الكثير من الفقهاء((1))

بأنّ مجرّد قرب البالوعة من البئر لا يوجب انفعال ماء البئر ما لم يُعلم بتغيّر مائها بسبب النجاسة السارية إليها من البالوعة على ما هو التحقيق، أو ما لم يعلم بوصول النجاسة إليه وإن لم يتغيّر، كما اختاره كثير من القدماء((2)).

والثاني: تعيين مقدار الفصل المستحب بينهما، سواء في الأرض السهلة أو الأرض الصلبة.

قال في «اللسان»: «البالوعة والبلوعة، لغتان: بئر تحفر في وسط الدار ويضيّق رأسها يجري فيها المطر، وفي الصحاح: ثقب في وسط الدار،

ص: 81


1- - كما في السرائر 1 : 95، ومجمع الفائدة والبرهان 1 : 283، وذخيرة المعاد 1 : 141، ومشارق الشموس 3 : 336، وغيرها.
2- - كما هو الظاهر من المبسوط 1 : 27، والوسيلة: 74، والمهذّب 1 : 21.

والجمع البلاليع، وبالوعة لغة أهل البصرة»((1)).

والمراد بها هنا - على ما في «المدارك» - ما يرمى فيها ماء النزح أو غيره من النجاسات((2)).

ومعنى فوقيّة البئر: أن يكون قرارها أعلى من قرار البالوعة بأن تكون البالوعة أعمق منها، ومنه يعلم معنى تحتيّتها.

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المختلف»: «المشهور أنّه يستحب أن يكون بين البئر والبالوعة سبعة أذرع إذا كانت الأرض سهلة وكانت البئر تحت البالوعة، وإن كانت صلبة أو كانت فوق البالوعة فليكن بينها وبينه خمسة أذرع. ذكره الشيخ (رحمه الله) ، وأبو جعفر بن بابويه، وابن البراج، وابن إدريس.

وقال ابن الجنيد: إن كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعاً، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع، وهذا الخلاف في الاستحباب يختلف باختلاف صلابةالأرض ورخاوتها واتساع المجاري وضيقها»((3)).

ص: 82


1- - لسان العرب 8 : 20، مادة: «بلع».
2- - مدارك الأحكام 1 : 102.
3- - مختلف الشيعة 1 : 247.

أقوال العامّة:

قال السرخسي في المبسوط: «وأدنى ما ينبغي أن يكون بين البئر والبالوعة خمسة أذرع في رواية أبي سليمان والنوادر والأمالي، وفي رواية أبي حفص سبعة أذرع.

والحاصل أنّه ليس فيه تقدير لازم بشيء، إنَّما الشرط أن لا يخلص من البالوعة والبئر شيء، وذلك يختلف باختلاف الأراضي في الصلابة والرخاوة. ألا ترى أنّه قال: فإن كان بينهما خمسة أذرع فوجد في الماء ريح البول أو طعمه فلا خير فيه، وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا بأس به وإن كان بينهما أقل من خمسة أذرع، فعرفنا أنّ المعتبر هو الخلوص»((1)).

وقال الكاشاني في «بدائع الصنائع»: «وبئر الماء إذا كانت بقرب من البالوعة لا يفسد الماء ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه. وقدّر أبو حفص المسافة بينهما بسبعة أذرع، وأبو سليمان بخمسة، وذا ليس بتقدير لازم؛ لتفاوت الأراضي في الصلابة والرخاوة، ولكنّه خرج على الأغلب. ولهذا قال محمد بعد هذا التقدير: لو كان بينهما سبعة أذرع ولكن يوجد طعمه أو ريحه لا يجوز التوضؤ به، فدلّ على أنّ العبرة بالخلوص وعدم الخلوص،وذلك يعرف بظهور ما ذكر من الآثار وعدمه»((2)).

وقال ابن نجيم - وهو من الحنفيّة - في «البحر الرائق»: «أنّ المختار

ص: 83


1- - المبسوط1 : 61.
2- - بدائع الصنائع 1 : 78.

[510] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبِي بَصِيرٍ كُلُّهُمْ قَالُوا: قُلْنَا لَهُ: بِئْرٌ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا يَجْرِي الْبَوْلُ قَرِيباً مِنْهَا أَيُنَجِّسُهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنْ كَانَتِ الْبِئْرُ فِي أَعْلَى(1) الْوَادِي وَالْوَادِي يَجْرِي فِيهِ الْبَوْلُ مِنْ تَحْتِهَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ لَمْ يُنَجِّسْ ذَلِكَ شَيْ ءٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ نَجَّسَهَا(2)»، قَالَ: «وَإِنْ كَانَتِ الْبِئْرُ فِي أَسْفَلِ الْوَادِي وَيَمُرُّ الْمَاءُ عَلَيْهَا وَكَانَ بَيْنَ الْبِئْرِ وَبَيْنَهُ تِسْعَةُ(3) أَذْرُعٍ

-----------------------------------------------------------------------------

المعتمد في البعد بين البالوعة والبئر نفوذ الرائحة، إن تغيّر لونه أو ريحه أو طعمه تنجّس، وإلّا فلا. وهكذا في الخلاصة وفتاوى قاضيخان وغيرهما. وصرح في التتارخانيّة: أنّ اعتبار العشر في العشر على اعتبار حال أراضيهم، والجواب يختلف باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها»((4)).

[1] - فقه الحديث:

الوادي - كما في «لسان العرب» - : «كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام؛ سمي بذلك لسيلانه، يكون مسلكاً للسيل ومنفذاً»((5)).

ص: 84


1- في تهذيب الأحكام «فوق الوادي». (منه(قدس سره) ).
2- في الكافي: ينجسها.
3- في نسخة «سبعة». (منه(قدس سره) ).
4- - البحر الرائق 1 : 140.
5- - لسان العرب 15 : 384، مادة: «ودي».

لَمْ يُنَجِّسْهَا، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ»، قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَجْرَى الْبَوْلِ بِلَصْقِهَا(1)1*) وَكَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: «مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَارٌ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِنِ اسْتَقَرَّ مِنْهُ قَلِيلٌ فَإِنَّهُ لَا يَثْقُبُ الْأَرْضَ وَلَا قَعْرَ لَهُ(2)2*) حَتَّى يَبْلُغَ الْبِئْرَ، وَلَيْسَ عَلَى الْبِئْرِ مِنْهُ بَأْسٌ، فَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ. إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا اسْتَنْقَعَ كُلُّهُ»(3)3*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ(4)4*).

وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

يتضمّن هذا الحديث الجواب عن سؤالين:

الحديث الأول و الإجابة عن سؤالين

أولهما: عن البئر التي يستفاد منها يجري البول قريباً منها، فهل ينجسها ذلك، أو لا؟

وأجاب الإمام (علیه السلام) بالتفصيل بين ما إذا كانت البئر في أعلى الوادي،

ص: 85


1- 1*) في نسخة «بلزقها»، هو لزقي وبلزقي ولزيقي، وبالسين والصاد في اللغات الثلاث: بجنبي. (هامش المخطوط - عن الصحاح 4 : 1549).
2- 2*) في تهذيب الأحكام «ولا يغوله». (منه(قدس سره) ).
3- 3*) الكافي 3 : 7، ح2، وتهذيب الأحكام 1 : 410، ح1293.
4- 4*) تهذيب الأحكام 1 : 410 ، ح1293.
5- 5*) الاستبصار 1 : 46، ح128.

إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ فِي الْكِتَابَيْنِ قَوْلَهُ: «وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ نَجَّسَهَا»، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْعَلَّامَةَ قَالَ فِي «الْمُنْتَهَى»: إِنَّ الْقَائِلِينَ بِانْفِعَالِ الْبِئْرِ بِالْمُلاقَاةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ حُصُولِ التَّنَجُّسِ بِمُجَرَّدِ التَّقَارُبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ عِنْدَهُمْ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِهِمْ(1)1*).

وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى» أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغَيُّرِ أَوْ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ، وَأَنَّ التَّنْجِيسَ وَالنَّهْيَ مَحْمُولَانِ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ؛ لِضَرُورَةِ الْجَمْعِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وفي «التهذيب»: «فوق الوادي»، وذلك بأن تكون البئر أعلى من الوادي الذي يجري فيه البول، وكانت المسافة بينهما ثلاثة أذرع أو أربعة لم تنفعل البئر، وإن كانت المسافة بينهما أقل من ذلك أوجب ذلك الانفعال.

وظاهر قوله (علیه السلام) : «في أعلى الوادي» هي الفوقيّة بحسب القرار، ويحتمل إرادة الفوقية بحسب الجهة أيضاً .وأيضاً إن كانت البئر في أسفل الوادي - أي: أسفل من الوادي - ويمرّ الماء عليها، أي: البول، وكانت المسافة بينهما تسعة أذرع أو سبعة - كما في نسخة - لم تنفعل البئر، والتعبير عن وادي البول بالماء؛ للإشعار بأنّ الوادي قد وصل إلى الماء. وأمّا إذا كانت المسافة بينهما أقل من ذلك أوجب ذلك الانفعال.

ص: 86


1- 1*) المنتهى1 : 113، والنقل بالمعنى.
2- 2*) منتقى الجمان 1 : 66.

ثانيهما: عن البئر يكون مجرى البول بجانبها وملاصقاً لها مع أنّ البول الذي يجري لا يثبت - وفي «التهذيبين»: لا يلبث مكان لا يثبت - على الأرض، فهل هذا ينجسها أو لا؟

وأجاب الإمام (علیه السلام) بالتفصيل بين ما إذا لم يكن لمجرى البول قرار بأن كان البول ينفذ إلى الأرض ولا يجتمع تحتها في قرارٍ؛ لكون الأرض سهلة، فهنا لا ينفعل ماء البئر بالنجاسة، وكذلك ما إذا استقر من البول مقدار في الأرض؛ لكونها صلبة؛ لأنّ البول حينئذٍ لا يثقب الأرض، كما أنّه لا قعر له، أي: لم يصل إلى الماء حتى يتّصل إلى الماء بمجاريه، فلا يضر قربهما من بعضهما. وفي التهذيبين: «لا يغوله» موضع «لا قعر له»، أي: لا يبادره ولا يسبقه.

قال في «منتقى الجمان»: «مؤدى قوله (علیه السلام) : (لا قعر له) كما في الكافي، و (لا يغوله) كما في الاستبصار، واحد؛ لأنّ وجود القعر - وهو العمق - مظنّة النفوذ إلى البئر، وهو المراد بقوله: (يغوله). قال الجوهري: غاله الشي ءإذا أخذه من حيث لم يدر. وينبغي أن يعلم أنّ مرجع الضمير على التقديرين مختلف، فعلى رواية (لا يغوله) هو موضع البول، وعلى رواية (لا قعر له) البئر. ويقرب كون أحدهما تصحيفاً للآخر؛ لما بينهما في الخط من التناسب»((1)).

وبين ما إذا بقي البول بجانب البئر مدّة طويلة فإنّه يستنقع، بمعنى: أنّ أثره

ص: 87


1- - منتقى الجمان 1 : 64 - 65.

يصل إلى البئر وإن لم يصل إلى الماء.

فهذا الحديث دالّ على حصول التنجيس بالتقارب في بعض الصور المفروضة فيه، ولاسيّما مع إثبات قوله (علیه السلام) : «وإن كان أقل من ذلك ينجّسها» كما هو الموجود في «الكافي».

لكنّ المعارض له كثير كما تقدّم في الأبواب السابقة، وأشرنا إلى الوجه في حمل ما دلّ على الانفعال بالملاقاة فيما سبق، كما أنّ العلامة حكى في «المنتهى»: أنّ القائلين بانفعال ماء البئر «قد اتفقوا على عدم التنجيس بالتقارب جداً»((1)

وهذا يوجب صرف الحديث عن ظاهره وتأويله بوجه تنتفي معه المعارضة والمخالفة.

وقد ذكر صاحب «منتقى الجمان»: أنّ الأقرب في تصوير ذلك الوجه: «أن يقال: إنّ سوق الحديث يؤذن بقصر الحكم في محل يتكثّر ورودالنجاسة عليه ويظن فيه النفوذ. وما هذا شأنه لا يبعد إفضاؤه مع القرب إلى تغيّر الماء خصوصاً مع طول الزمان؛ فلعلّ الحكم بالتنجيس حينئذ ناظر إلى شهادة القرائن بأن تكرر جريان البول في مثله يفضي إلى حصول التغيّر. أو يقال: إنّ كثرة ورود النجاسة على المحل مع القرب يثمر ظن الوصول إلى الماء، بل قد يحصل معه العلم بقرينة الحال وهو موجب للاستقذار، ولا ريب في مرجوحيّة الاستعمال معه، فيكون الحكم بالتنجيس والنهي عن

ص: 88


1- - منتهى المطلب 1 : 113.

الاستعمال محمولين على غير الحقيقة؛ لضرورة الجمع»((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، ومرّ الكلام في أفراده، والسند صحيح رغم الإضمار؛ لأنّ الظاهر أنّ هؤلاء الأجلاء لا يروون إلّا عن إمام.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، ورجاله تقدّم بيان حالهم، والسند صحيح أيضاً.

الثالث: سند الشيخ أيضاً في «الاستبصار»، وقد سبق الكلام في أفراده، والسند صحيح كسابقيه.

ص: 89


1- - منتقى الجمان 1 : 66.

[511] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْجَمَّازِ(1)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ كَمْ أَدْنَى مَا يَكُونُ بَيْنَ الْبِئْرِ بِئْرِ الْمَاءِ وَالْبَالُوعَةِ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ سَهْلًا فَسَبْعُ أَذْرُعٍ، وَإِنْ كَانَ جَبَلًا فَخَمْسُ أَذْرُعٍ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ يَجْرِي إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَى يَمِينٍ، وَيَجْرِي عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ إِلَى يَسَارِ الْقِبْلَةِ؛ وَيَجْرِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ إِلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ، وَلَا يَجْرِي مِنَ الْقِبْلَةِ إِلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحدّ الفاصل بين البئر و البالوعة

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أقل مقدار لابد أن يفصل بين البئر والبالوعة هو سبعة أذرع في الأرض السهلة، وخمسة في الأرض الجبليّة. ويفهم من الإطلاق في كلّ من الفقرتين: أنّ السبعة أذرع مطلقاً في الأرض السهلة كافية في صيانة الماء عن الاختلاط بالنجس، وكذا الخمسة أذرع في الأرض الصلبة مطلقاً كافية في ذلك؛ ولعلّ مناسبة الحكم والموضوع فيالفقرة الثانية بمنزلة التعليل لكفاية الخمسة أذرع؛ إذ الحكم بكفاية الأقل

ص: 90


1- في المصدر: «الحمّار».
2- الكافي 3 : 8، ح3، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 410، ح1291، والاستبصار 1 : 45، ح127.

من السبعة في حفظ الماء عن الاختلاط بالنجس يراه العرف مناسباً للموضوع، وهو جبليّة الأرض.

كما يفهم من الإطلاق فيهما أيضاً: اعتبار السبعة أذرع في الأرض السهلة مطلقاً، والخمسة في الأرض الجبليّة مطلقاً، فلا يكفي الأقل فيهما.

لا يقال: بأنّ هذا التحديد غير لازم بعد معرفة الحكمة في التباعد، وهي التحفّظ على الماء من النجاسة؛ إذ المصاديق ليست على حدّ سواء في قبول سريان النجاسة؛ لاختلاف الأراضي سهولة ووعورة وغير ذلك، ككون البئر أعلى قراراً من البالوعة، أو كونها واقعة في جهة الشمال التي يجري منها الماء فلا تحتاج صيانة مائها إلى البعد الذي تحتاجه في فرض أسفليّة البئر أو مساواتها مع البالوعة، أو وقوع البئر في غير جهة الشمال.

لأنّه يقال: إنّه لا يجب في الحكمة أن تكون مطّردة، ولذا يجوز أن يعيّن الشارع مقداراً خاصّاً ويعتبره كافياً على الإطلاق، وإن كان فوق الكفاية في بعض الموارد، خصوصاً مع تعذّر تعيين أقلّ ما يجزئ في كلّ واحد واحد من المصاديق بعد اختلافها في الرخاوة والصلابة والفوقيّة والتحتيّة، فيجب التعبّد بمضمون الإطلاق في الفقرتين، والالتزام باستحباب هذا المقدار الخاصّ من البعد من باب التعبّد، والتسليم لأمر الشارع المقدس.

وقد دلّت القطعة الأخيرة من الحديث على أنّ الماء يجري من الشمال،وفائدة معرفة ذلك: أنّ البئر إذا كانت فوق البالوعة - من جهة الشمال - فإنّها أبعد ما تكون عن الانفعال بها؛ لأنّ طبع الماء أن يجري من جهة الشمال

ص: 91

متجهاً لجهة الجنوب لا العكس.

وقد قال المصنّف في الشرح: «ذكر بعض العلماء: أنّ ذلك طبيعة الماء، وأنّه يجري من المشرق إلى المغرب وبالعكس، ومن الشمال إلى الجنوب من غير عكس، إلّا مع قاهر وقاسر ومانع، وذكروا أنّ العيون والأنهار كلّها كذلك إلّا العاصي فإنّه يجري من الجنوب إلى الشمال، ولذلك سمّي العاصي، ولعلّه لمانع أو لحكمة أخرى، ويوجد في العيون والأنهار الصغيرة مثل العاصي، وذلك إمّا لمانع أو لكون الحديثين - أي: هذا الحديث والحديث السادس الآتي - على الأغلبيّة، وإن لم يكن ذلك كليّاً»((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند «الكافي»، والمراد من أحمد بن محمد: هو ابن عيسى؛ وذلك لأنّه هو الراوي لكتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع.

وأمّا أبو إسماعيل السراج عبد الله بن عثمان: فلا يبعد أن يكون أخاحمّاد بن عثمان، كما استظهره السيد الأستاذ(قدس سره) ((2)). وثّقه النجاشي صريحاً مع أخيه حمّاد، فقال: «حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم، كوفي، كان يسكن عرزم فنسب إليها، وأخوه عبد الله ثقتان، رويا عن أبي

ص: 92


1- - تحرير وسائل الشيعة: 512.
2- - معجم رجال الحديث 11 : 276 / 6991.

عبد الله (علیه السلام) »((1)).

وأمّا قدامة بن أبي زيد الجمّار أو الحمّار كما في «الكافي»: فلا يبعد أنّ الصحيح: ابن أبي يزيد الحمّار، وهو أخو داود بن فرقد أبو يزيد الحمّار((2)

وهو مهمل، فالسند غير معتبر به مع الإرسال، ولكن يمكن تصحيحه على القول بتماميّة شهادة الكليني بصحّة أحاديث «الكافي».

ثانيهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، ذكره في ذيل الحديث الثالث الآتي، وقد تقدّم، وهو كسابقه غير معتبر.

ص: 93


1- - رجال النجاشي: 143 / 371.
2- - أقول: ذُكر لداود أربعة إخوة وهم: يزيد وعبد الرحمن وعبد الحميد وعبد الملك، ولم أجد من ذكر قدامة من ضمنهم في كتب الرجال والتراجم، فلاحظ. المقرّر.

[512] 3- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبَالُوعَةِ تَكُونُ فَوْقَ الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ فَوْقَ الْبِئْرِ فَسَبْعَةُ أَذْرُعٍ، وَإِذَا كَانَتْ أَسْفَلَ مِنَ الْبِئْرِ فَخَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(2).

وَالَّذِي قَبْلَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أقل مقدار لابد أن يفصل بين البئر والبالوعة هو سبعة أذرع إذا كانت البالوعة فوق البئر، وخمسة إذا كانت أسفل منها، ويفهم من الإطلاق في كلّ من الفقرتين: أنّ السبعة أذرع مطلقاً كافية في صيانة الماء عن الاختلاط بالنجس إذا كانت البالوعة فوق البئر، وكذا الخمسة أذرع مطلقاً كافية في ذلك إذا كانت أسفل منها، فيقع التعارض بين هذا الحديث وبين حديث قدامة؛ إذ إنّ حديث قدامة عيّن السبعة أذرع فيالأرض السهلة، سواء كانت البالوعة فوق البئر أو لم تكن، وعيّنت الخمسة أذرع في الجبليّة من كل جهة سواء، سواء كانت البالوعة فوق البئر أو لم

ص: 94


1- الكافي 3 : 7، ح1.
2- تهذيب الأحكام 1 : 410، ح1290، والاستبصار1 : 45، ح126.

تكن. وهذا الحديث - وهو حديث الحسن بن رباط - عيّن السبعة أذرع إذا كانت البالوعة فوق البئر، سواء كانت الأرض سهلة أو جبليّة، وعيّن الخمسة أذرع إذا كانت البالوعة أسفل البئر، سواء كانت الأرض سهلة أو جبليّة.

وجه الجمع بين الحديث الثاني و الثالث

ثمّ إنّ قوله (علیه السلام) في آخر الحديث: «وذلك كثير» ظاهر في استحباب هذا التباعد.

وقد نقل الشيخ البحراني (رحمه الله) رأي المشهور في وجه الجمع بين هذا الحديث والحديث السابق وهو حديث قدامة بن أبي زيد الجماز، وبيانه: أن يحمل المطلق من كل منهما على المقيّد من الأخرى، وذلك بالنسبة إلى التقدير بالسبعة؛ فإنّه في حديث الحسن بن رباط مطلق بالنسبة إلى صلابة الأرض ورخاوتها، والحديث الثاني قد اشتمل مع الصلابة على ذكر الخمسة أذرع، فتحمل السبعة في الأول على الرخاوة خاصة؛ جمعاً بين الحديثين، فيكون معنى الحديث الأول: أنّه إذا كانت البالوعة فوق البئر فاللازم البعد بسبعة أذرع ما لم تكن الأرض صلبة فإنّه تكفي الخمسة أذرع حينئذٍ.

والسبعة في الحديث الثاني أيضاً مطلق بالنسبة إلى فوقيّة البالوعة على البئر وعكسه، وقد خصّ السبعة في الحديث الأول بفوقيّة البالوعة والخمسة بعكسه، وحينئذ فتحمل السبعة المطلقة - في الحديث الثاني - على فوقيّةالبالوعة، فيكون معنى الحديث الثاني: إن كان سهلاً فاللازم البعد بسبعة أذرع ما لم يكن قرار البئر أعلى فإنّه تكفي الخمسة.

ص: 95

ويتخلص من ذلك أنّ السبعة حينئذ مقيّدة برخاوة الأرض مع عدم كون قرار البئر أعلى، وهو أعم من أن يكون مساوياً أو يكون قرار البالوعة أعلى((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنف لهذا الحديث سندين:

أولهما: سند «الكافي»، وفيه ممّن لم يتقدّم ذكره: الحسن بن رباط: قال عنه النجاشي: «الحسن بن رباط البجلي، كوفي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) - وإخوته إسحاق ويونس وعبد الله - له كتاب رواية الحسن بن محبوب)((2)

وعدّه الشيخ في «الرجال» من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((3)).

ورواية الحسن بن محبوب عنه لا تثبت وثاقته.

وثانيهما: سند «التهذيب» و«الاستبصار». وأحمد بن محمد الذي يروي عنه الشيخ المفيد هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد؛ لأنّ الغالب فيرواية الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد هي ما كان عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، كما تقدّمت الإشارة إليه في الباب التاسع عشر من هذه الأبواب.

ص: 96


1- - الحدائق الناضرة 1 : 386 - 387، بتصرف.
2- - رجال النجاشي: 46 / 94.
3- - رجال الطوسي: 131 / 1343، و181 / 2171.

وقد سبق أنّه لم يوثّق، مع أنّه كثير الرواية، ومع ذلك يمكن تصحيح رواياته عن أبيه باعتبار أنّ للشيخ الطوسي طريقين معتبرين إلى جميع روايات أبيه، إلّا أنّ السند - كسابقه - غير معتبر لا لوجود محمد بن سنان فيه - كما يراه المشهور - فإنّا قد أثبتنا وثاقته كما مرّ، وإنَّما لوجود الحسن بن رباط الذي لم يوثّق.

ومع ذلك يمكن التصحيح بناء على تماميّة شهادة الكليني بشأن كتابه «الكافي».

ص: 97

[513] 4- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلْنَا فِي دَارٍ فِيهَا بِئْرٌ إِلَى جَنْبِهَا بَالُوعَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا نَحْوٌ مِنْ ذِرَاعَيْنِ، فَامْتَنَعُوا مِنَ الْوُضُوءِ مِنْهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: «تَوَضَّؤُوا مِنْهَا، فَإِنَّ لِتِلْكَ الْبَالُوعَةِ مَجَارِيَ تَصُبُّ فِي وَادٍ يَنْصَبُّ فِي الْبَحْرِ(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّه يجوز استعمال البئر التي يفصلها عن البالوعة ذراعان، وذلك ما لم يعلم بتغيّر مائها. ولعلّ في التعليل إشارة إلى ذلك. فسواء حملنا التعليل على ما ذكره المصنّف(قدس سره) في الشرح من: علمه (علیه السلام) الخاص بأنّ تلك البالوعة بعينها لها مجاري تصب في وادٍ ينصب في البحر، وقال: إنّه بعيد. أو على أنّ فرض ذلك - مع كونه بعيداً لبعد البحر، بل ربَّما كان محالاً عادة، إلّا أنّه ممكن عقلاً على بعده - يقتضي عدم النفرة منذلك الماء، وعدم الجزم بالملاقاة، مع عدم حصول العلم واليقين بالتغيّر((3)).

ص: 98


1- ورد في هامش النسخة الثانية من المخطوط ما نصه: يحتمل علمه (علیه السلام) بذلك، وأنّ الإخبار به حقيقة، لكنه بعيد. ويحتمل أن يكون قضية ممكنة إشارة إلى أنّ فرض ذلك مع احتماله - ولو على بعد - يقتضي عدم النفرة من ذلك الماء، وعدم الجزم بالملاقاة؛ لما مرّ من أنّ كل ماء طاهر حتى يعلم أنّه قذر. (منه(قدس سره) ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 13، ح24.
3- - تحرير وسائل الشيعة: 511.

أو لم نحمله ورددنا علمه إلى أهله، فإنّ النتيجة هي: أنّه لا يكره استعمال هذا الماء بسبب قربه من البالوعة إلّا أن يعلم بتغيّره منها.

سند الحديث:

سند الشيخ الصّدوق إلى أبي بصير: عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير((1)).

والمراد من أبي بصير هنا هو يحيى بن القاسم، بقرينة رواية قائده علي بن أبي حمزة البطائني عنه.

والطريق ضعيف بعلي بن أبي حمزة مؤسس الوقف، إلّا أن توجد قرينة على أنّ روايته كانت قبل وقفه، كما لعلّها موجودة في المقام، وهي رواية محمد بن أبي عمير عنه.

كما أنّه يكفي شهادة الصدوق بصحّة ما في كتابه «من لا يحضره الفقيه».

ص: 99


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 431 ، المشيخة.

[514] 5- وَفِي كِتَابِ «الْمُقْنِعِ» قَالَ: رُوِيَ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ذِرَاعٌ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ مُبْخِراً إِذَا كَانَ الْبِئْرُ عَلَى أَعْلَى الْوَادِي(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

في بعض النسخ: إذا كان بينهما أذرع، وقد دلّ الحديث على عدم البأس في قرب البئر من البالوعة وإن كان الفاصل بينهما ذراعاً واحداً أو أذرع وإن كانت البئر مبخرة، والبئر المبخرة: التي يشم منها الرائحة الكريهة، كالجيفة ونحوها((2)).

هذا إذا كان البئر على أعلى الوادي، فإنّه يكشف عن أنّ التغيّر في الماء لم يكن بسبب سراية ما في البالوعة إليه، بل كان بسبب آخر غير النجاسة، وإلّا لو علم بكون التغيّر بالنجاسة تعيّن الحكم بها، ووجب الاجتناب عنها، وحصل فيها أقوى أنواع البأس.

سند الحديث:

سبق أن قلنا: إنّا حقّقنا اعتبار مراسيل الشيخ الصدوق في كتابه «المقنع» عن طريق شهادته فيه، واستثنينا الروايات الواردة في السنن؛ لاحتمال قوله بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، كما استثنينا الروايات الواردة في رسالة أبيهإليه؛ فإنَّها غير مشمولة لشهادته، وإن كانت معتبرة من وجه آخر((3)).

ص: 100


1- المقنع: 36.
2- - مجمع البحرين 1 : 159، مادة: «بخر».
3- - أُصول علم الرجال 1 : 329 - 332.

[515] 6- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَكُونُ إِلَى جَنْبِهَا الْكَنِيفُ؟ فَقَالَ لِي: «إِنَّ مَجْرَى الْعُيُونِ كُلِّهَا مِنْ(1) مَهَبِّ الشَّمَالِ، فَإِذَا كَانَتِ الْبِئْرُ النَّظِيفَةُ فَوْقَ الشَّمَالِ وَالْكَنِيفُ أَسْفَلَ مِنْهَا لَمْ يَضُرَّهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، وَإِنْ كَانَ الْكَنِيفُ فَوْقَ النَّظِيفَةِ فَلَا أَقَلَّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعاً، وَإِنْ كَانَتْ تُجَاهاً بِحِذَاءِ الْقِبْلَةِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي مَهَبِّ الشَّمَالِ فَسَبْعَةُ أَذْرُعٍ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على البئر إذا كانت في جهة الشمال والكنيف واقع أسفل منها مع الفصل بينهما بأذرع لم يضرها هذا القرب، وأمّا إذا كان الكنيف واقعاً فوق البئر فلا بد من أن يكون الفاصل بينهما اثني عشر ذراعاً، وأمّا إذا كانا متساويين - بأن لم يكن أحدهما فوق والآخر تحت - فلا بد من أنيكون الفاصل سبعة أذرع، وكل ذلك معلّل بكون مجرى العيون من الشمال.

وهذا الحديث احتجّ به العلامة في «المختلف» لابن الجنيد الذي قال: إن

ص: 101


1- في نسخة «مع». (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 410، ح1292.

كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعاً، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع، ولكنّه لا يدلّ على تفصيله؛ فإنّه ليس فيه أنّ الأرض رخوة، فلا بد من الاثني عشر حينئذٍ، وليس فيه ذكر للصلبة، ولا أنّه إذا كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع.

سند الحديث:

تقدّم إسناد الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى، وقلنا: إنّه معتبر.

وأمّا إبراهيم بن إسحاق: فهو النهاوندي، وقد تقدّم أنّه ضعيف.

وأمّا محمد بن سليمان الديلمي: فقد جمعنا بين تضعيف النجاشي والشيخ له وبين كونه من رجال أسناد «نوادر الحكمة»((1)) بحمل التضعيف على مذهبه. ورميه بالغلو مشكل، وكذا أبوه: فإنّه قد سبق أنّه غمز عليه. وقيل:كان غالياً كذّاباً، ومن الغلاة الكبار، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمّي»وأسناد «نوادر الحكمة»((2)).

فهذا السند غير معتبر.

ص: 102


1- - أُصول علم الرجال 1 : 237.
2- - المصدر نفسه 1 : 281، 224.

[516] 7- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، فِي الْبِئْرِ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَنِيفِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَأَقَلُّ وَأَكْثَرُ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا؟ قَالَ: «لَيْسَ يُكْرَهُ مِنْ قُرْبٍ وَلَا بُعْدٍ، يُتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيُغْتَسَلُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ»(1).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته. وهذا الحديث يعتبر موضّحاً للأحاديث السابقة، وأنّ تعيين المقادير السابقة إنّما هو تعبدي استحبابي.

سند الحديث:

مرّ أنّ المصنّف ذكر لهذا الحديث ثلاثة طرق:

أولها: مسنداً عن «الكافي»، وقلنا: إنّ السند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد مرّ مراراً أنَّها معتبرة.

الثالث: مسنداً عن «التهذيب»، وهذا السند معتبر أيضاً.

ص: 103


1- تقدّم في الحديث 4 من الباب 14، وفي الحديث 14 من الباب 3 من هذه الأبواب.
2- تهذيب الأحكام 1 : 411، ح1294، والاستبصار 1 : 46، ح129.

[517] 8- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبِئْرِ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا الْقَوْمُ وَإِلَى جَانِبِهَا بَالُوعَةٌ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتِ الْبِئْرُ الَّتِي يَسْتَقُونَ مِنْهَا مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَلَا بَأْسَ»(1).

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المقدار الفاصل بين البئر والبالوعة إذا كان عشرة أذرع، وكانت البئر في جهة الشمال، فإنّه الظاهر من كونها تلي الوادي؛ بناء على أنّ مجرى العيون من تلك الجهة. ولم يقل أحد - ظاهراً - بمضمون هذا الحديث، بل هو غير منقول في كتب الاستدلال. ثمّ إنّ اختلاف التقدير بالأذرع دليل على عدم الوجوب، كما هو واضح.

سند الحديث:

فيه: محمد بن خالد الطيالسي: وقد مرّ أنّه وإن لم يرد فيه توثيق صريح إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة» بعنوان محمد بن خالد، وهو

ص: 104


1- قرب الإسناد: 32.

الطيالسي، فيعُدّ ذلك توثيقاً له((1))، وأمّا رواية الأجلاء عن شخص فلا تدلّ على الوثاقة عندنا.

والمراد بالعلاء: هو العلاء بن رزين القلاء، الثقة، فالسند معتبر، لكن يمكن تصحيحه أيضاً من جهة أنّ كتب العلاء مشهورة فلا تحتاج إلى الطريق((2)).

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ثمانية أحاديث، أولها صحيح، وسادسها ضعيف، والستة الباقية معتبرة.

ص: 105


1- - إيضاح الدلائل 1 : 236.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 146.

ص: 106

أبواب الماء المضاف والمستعمل

ص: 107

ص: 108

أبواب الماء المضاف والمستعمل

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

أبواب الماء المضاف والمستعمل

تقسيم الماء إلی مطلق و مضاف

تنقسم المائعات إلى قسمين:

قسم يصحّ سلب عنوان الماء عنه بما له من المعنى، ولا يطلق عليه الماء لا حقيقة ولا مجازاً،كما هو الحال في اللبن والدهن والدبس وغيرها.

والقسم الآخر ما يصحّ إطلاق الماء عليه، وهو أيضاً قسمان:

أحدهما: ما لا يصحّ إطلاق لفظ الماء عليه بما له من المعنى على نحو الحقيقة من غير إضافته إلى شيء .

نعم، يصحّ أن يطلق عليه بإضافته إلى شيء ما، كماء الرمّان؛ فإنّ الماء من غير إضافته إلى الرمّان لا يطلق عليه حقيقة، فلا يقال: إنّه ماء إلّا على سبيل العناية والمجاز. وهذا القسم يسمى بالماء المضاف.

ثانيهما: ما يصحّ إطلاق لفظ الماء عليه على وجه الحقيقة، ولو من غير إضافته إلى شيء، وإن كان ربما يستعمل مضافاً إلى شيء أيضاً، إلّا أنّ استعماله من غير إضافة أيضاً صحيح وعلى وجه الحقيقة، وهذا كماء البحر والبئر ونحوهما، فإنّ إطلاق الماء عليه من غير إضافته إلى البحر أو البئر

ص: 109

إطلاق حقيقي، فإنّه ماء، ويصحّ أيضاً أن يستعمل مضافاً إلى البحر، فيقال:إطلاق حقيقي، فإنّه ماء، ويصحّ أيضاً أن يستعمل مضافاً إلى البحر، فيقال:هذا ماء بحر أو ماء بئر، ويسمى هذا القسم بالماء المطلق((1)).

وممّا ذكرنا يظهر ما في تعريف المحقّق للماء المضاف من أنّه : «كل ما اعتصر من جسم، أو مزج به مزجاّ يسلبه إطلاق الاسم»((2))، حيث أشكل عليه بعدم الاطراد، وبعدم الانعكاس((3)). وكذا تعريف صاحب «المعالم» من أنّه: «ما لا ينصرف إليه لفظ الماء عند الإطلاق في العرف، ويصدق عليه مع القيد»((4)).

وأما الماء المستعمل فالمراد به: الماء القليل الذي استعمل في رفع الحدث أو الخبث.

ص: 110


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 1 - 2، بتصرّف.
2- - شرائع الإسلام 1 : 12.
3- - انظر: مدارك الأحكام 1 : 110، وجواهر الكلام 1 : 308.
4- - معالم الدين (قسم الفقه) 1 : 413.

1 - باب أن المضاف لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

1 - باب أن المضاف لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً

شرح الباب:

أضاف المصنّف في الشرح قوله: «وكذا المائعات» بعد قوله في عنوان الباب: ولا يزيل خبثاً((1)

وقد تضمّن هذا الباب حكمين من أحكام المضاف:

الأول: أنّه لا يرفع حدثاً، فالوضوء أو الغسل به غير مؤثر في رفع الحدث عن المحدث مطلقاً، بلا فرق بين أن يكون الحدث من الحدث الأصغر أو الأكبر، كما لا فرق في ذلك بين حالة الاختيار والاضطرار.

الثاني: أنّه لا يزيل خبثاً مطلقاً حتى في حال الضرورة.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

لا إشكال في كون المضاف طاهراً، ولا خلاف في ذلك عند المسلمين.

وأمّا بالنسبة للحكم الأول: فالظاهر الإجماع على عدم رفع الحدث مطلقاًبالمضاف.

ص: 111


1- - تحرير وسائل الشيعة: 538.

قال العلامة في «المنتهى» - وهو بصدد الكلام عن المضاف - : «ولا يرفع حدثاً إجماعاً منّا»((1)).

وفي «كشف الالتباس»: «وجميع الأصحاب على المنع من استعماله في رفع الحدث وإزالة الخبث، إلّا ابن بابويه؛ فإنّه جوّز الوضوء والغسل بماء الورد، والسيّد المرتضى جوّز إزالة النجاسة بكلّ مائع، وهما متروكان»((2)).

وفي «ينابيع الأحكام»: «المشهور القريب من الإجماع: أنّ المضاف مطلقاً لا يرفع حدثاً مطلقاً، اختياراً ولا اضطرارا ً، بل هو إجماع من أصحابنا حقيقة كما يفصح عنه نقل الإجماعات في كلام غير واحد، بناء على أنّ مخالفة معلوم النسب لا تقدح في انعقاد الإجماع، أو أنّها منقرضة بتأخّر الإجماع. والمخالف من أصحابنا الصدوق على ما حكي عنه في الفقيه قائلاً: (ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد)((3))، وعن الشيخ في الخلاف أنّه حكى عن قوم من أصحاب الحديث منّا أنّهم أجازوا الوضوء بماء الورد((4))، وعن ظاهر ابن أبي عقيل العماني((5)) أنّه جوّز الوضوءحال الضرورة فيقدّم على التيمّم»((6)).

ص: 112


1- - منتهى المطلب 1 : 114.
2- - كشف الالتباس عن موجز أبي العباس 1 : 97.
3- - من لا يحضره الفقيه 1 : 6.
4- - الخلاف 1 : 55.
5- - حكاه عنه في المختلف 1 : 222.
6- - ينابيع الأحكام 1 : 772.

وأمّا الحكم الثاني: فالظاهر الإجماع على عدم إزالته للخبث مطلقاً حتى في حال الاضطرار.

قال في «ينابيع الأحكام»: «المشهور أنّ المضاف كما لا يرفع الحدث لا يرفع الخبث أيضاً، وعن الروض((1)) الإجماع عليه، خلافاً للمفيد في المسائل الخلافيّة((2)

والمرتضى في شرح الرسالة قائلاً فيه : (يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمايع الطاهر غير الماء)((3)

ونقل عنه أيضاً في المسائل الناصريّة((4)) جواز ذلك بكل مايع ، وعن المعتبر((5)) أنّه أضاف ذلك إلى مذهبنا، وعن ابن أبي عقيل((6)) أيضاً القول بجواز ذلك حال الضرورة خاصة»((7)).

أقوال العامة:

قال النووي - وهو شافعي - في كتابه «المجموع»: «أمّا حكم المسألة وهو أنّ رفع الحدث وإزالة النجس لا يصحّ إلّا بالماء المطلق، فهو مذهبنا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال جماهير السلف والخلف من الصحابة فمن

ص: 113


1- - روض الجنان 1 : 358.
2- - حكاه عنه في المعتبر 1 : 81 .
3- - حكاه عنه في المعتبر 1 : 82.
4- - الناصريات: 105.
5- - لم نجده في المعتبر، ولكنّه موجود في المسائل المصريّة. (الرسائل التسع - للمحقّق الحلي - : 215 - 216).
6- - حكاه عنه في المختلف 1 : 222.
7- - ينابيع الأحكام 1 : 775.

بعدهم. وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الأصمّ أنّه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بكل مائع طاهر. قال القاضي أبو الطيب: إلّا الدمع فإنّ الأصمّ يوافق على منع الوضوء به، وقال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بالنبيذ على شرط سأذكره في فرع مستقل وأذكر إزالة النجاسة في فرع آخر إن شاء الله تعالى - إلى أن قال - : (فرع) أمّا النبيذ فلا يجوز الطهارة به عندنا على أي صفة كان من عسل أو تمر أو زبيب أو غيرها، مطبوخاً كان أو غيره. فإن نشَّ وأسكر فهو نجس يحرم شربه، وعلى شاربه الحدّ، وإن لم ينشّ فطاهر لا يحرم شربه، ولكن لا تجوز الطهارة به. هذا تفصيل مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور.

وعن أبي حنيفة أربع روايات:

إحداهن: يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ إذا كان في سفر وعدم الماء.

والثانية: يجوز الجمع بينه وبين التيمم، وبه قال صاحبه محمد بن الحسن.

والثالثة: يستحب الجمع بينهما.

والرابعة: أنّه رجع عن جواز الوضوء به، وقال: يتيمم، وهو الذي استقرّ عليه مذهبه، كذا قاله العبدري. قال: وروي أنّه قال: الوضوء بنبيذ التمر منسوخ، وحكى عن الأوزاعي الوضوء بكل نبيذ، وحكى الترمذي عن سفيان الوضوء بالنبيذ»((1)).

ص: 114


1- - المجموع 1 : 92 - 93.

[518] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَاسِينَ الضَّرِيرِ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ اللَّبَنُ أَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الحكم الأول مطلقاً، وهو عدم جواز الوضوء باللبن للصلاة، ولا خصوصيّة للوضوء؛ إذ لا قائل به ولا دليل عليه، ولا للبن؛ فإنّ مقتضى الحصر نفي أن يكون غير الماء المطلق - فإنّه هو الذي يطلق عليه الماء بلا عناية - والتراب مطهّراً.

سند الحديث:

محمد بن الحسن الذي يروي عنه الصدوق: هو محمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن يحيى: هو العطار، ومحمد بن أحمد بن يحيى: هو الأشعري القمي صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، وحريز: هو حريز بن عبد الله، وقد تقدّمت أفراد السند، والسند معتبر.

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 1 : 188، ح540، ورواه في الاستبصار 1 : 14، ح26.

[519] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، يَعْنِي: ابْنَ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ بَعْضِ الصَّادِقِينَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَلَا يَتَوَضَّأْ بِاللَّبَنِ، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه، وهو قطعة من حديث تأتي تتمّته في الباب اللاحق.

سند الحديث:

فيه: «بعض الصادقين»، وهو ليس نصّاً في المعصومين (علیهم السلام) ، ولكن يحتمل ذلك؛ حيث إنّ ابن المغيرة لا يروي عن غير المعصوم((2))، والظاهر أنّ ما في ذيل الحديث من قوله: «فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذاً فإنّي سمعتحريزاً يذكر في حديث ...» هو كلام عبد الله بن المغيرة لا أنّه كلام بعض

ص: 116


1- تهذيب الأحكام 1 : 219، ح628، والاستبصار 1 : 15، ح28، ويأتي بتمامه في الحديث1 من الباب2 من أبواب الماء المضاف.
2- - أقول: هذه القرينة وإن كانت قويّة، وإطلاق الصادقين على الأئمة (علیهم السلام) صحيح فقد أمر الله تعالى بالكون معهم في قوله تعالى: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، (سورة التوبة: 119) فالآية مفسّرة بهم، وقد وقع هذا الإطلاق عليهم في أكثر من مورد، لكن هذا المورد ليس منه على الظاهر؛ لأنّه سيأتي في الباب اللاحق في ذيل الحديث الأول - وهو نفس هذا الحديث - : «فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ...»، وهو ظاهر في أنّ الناقل غير المعصوم. المقرّر.

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَحَادِيثِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي أَبْوَابِ الْمَاءِ(1)1*)، وَالنَّجَاسَاتِ(2)2*)، وَالتَّيَمُّمِ(3)3*)، وَالْوُضُوءِ(4)4*)، وَالْغُسْلِ(5)5*)، وَغَيْرِ ذَلِكَ(6)6*). وَمَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ سَيَأْتِي وَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ، وَكُلُّهُ مُوَافِقٌ لِلْعَامَّةِ(7)7*).

-----------------------------------------------------------------------------

الصادقين.

المتحصل من الحدیثين

ثمّ إنّ عبد الله من أصحاب الإجماع، فالسند معتبر على أيّ حال.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين معتبرين، وقد دلّا على أنّ المضاف - كاللبن وغيره - لا يرفع الحدث مطلقاً، بل تنحصر الطهارة من الحدث بالماءوالصعيد فحسب.

ص: 117


1- 1*) تقدّم في الأحاديث 1، 3، 5، 10، 12 من الباب 3 من أبواب الماء المطلق، وكذلك في الحديث 2 من الباب 2 من هذه الأبواب.
2- 2*) يأتي في الحديث 5 من الباب 9 من أبواب النجاسات.
3- 3*) يأتي في الباب 1 - 3 من أبواب التيمم.
4- 4*) يأتي في الباب 15، والحديثين 8 ، 11 من الباب 26، والحديثين 1، 2 من الباب 30، والحديث 1 من الباب 37 ، والحديث 2 من الباب 50 ، والحديث 1 من الباب 51 من أبواب الوضوء.
5- 5*) يأتي في الحديثين 1، 2 من الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة.
6- 6*) يأتي في الأحاديث 10 - 15 من الباب 26 من أبواب الجنابة.
7- 7*) وما يوهم خلاف ذلك يأتي في الباب القادم.

ص: 118

2- باب حكم النبيذ واللبن

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2- باب حكم النبيذ واللبن

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان حكم استعمال اللبن والنبيذ في الطهارة، وأنّ النبيذ يطلق على أمرين، أحدهما: المسكر، والثاني: الماء الكثير الذي نبذ فيه تمرات قليلة.

الأقوال:

تقدّمت أقوال الخاصة والعامة في حكم رفع الحدث بالمضاف، وكذا رفع الخبث به.

ونضيف هنا: أنّ ابن قدامة نصّ على أنّ من جملة أحكام الماء: «اختصاص حصول الطهارة بالماء؛ لتخصيصه إيّاه بالذكر، فلا يحصل بمائع سواه، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو يوسف، وروي عن علي رضي الله عنه - وليس بثابت عنه - أنّه كان لا يرى بأساً بالوضوء بالنبيذ، وبه قال الحسن والأوزاعي، وقال عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وقال إسحاق: النبيذ حلواً أحبّ إليَّ من التيمم، وجمعهما أحبّ إليَّ، وعن أبي حنيفة كقول عكرمة، وقيل عنه: يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد

ص: 119

[520] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ بَعْضِ الصَّادِقِينَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَلَا يَتَوَضَّأْ بِاللَّبَنِ، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ»، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ وَكَانَ نَبِيذاً فَإِنِّي سَمِعْتُ حَرِيزاً يَذْكُرُ فِي حَدِيثٍ: أَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَدْ تَوَضَّأَ بِنَبِيذٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عند عدم الماء في السفر ...»((2)).

[1] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «لسان العرب»: «النَّبْذ: طرحك الشيء من يدك أمامك أو وراءك. نبذْت الشيء أنبِذه نبْذاً: إذا ألقيته من يدك، ونَبَّذْته، شُدِّد للكثرة. ونبذت الشيء أيضاً إذا رميته وأبعدته،... وكل طرح: نَبْذٌ، نَبَذَه يَنْبِذه نَبْذاً. والنبيذ: معروف، واحد الأنبذة. ... والنبيذ: ما نُبِذ من عصير ونحوه. وقد نَبَذَ النبيذ وأنبَذه وانتبَذه ونبَّذَه ونبذْتُ نبيذاً إذا اتخذته... وإنَّما سمي نبيذاً؛ لأنّ الذي يتخذه يأخذ تمراً أو زبيباً فينبذه في وعاء أو سقاء عليه الماء ويتركه حتى يفور فيصير مسكراً. والنبذ: الطرح ... وقد تكرّر في الحديث ذكرالنبيذ، وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير

ص: 120


1- تهذيب الأحكام 1 : 219، قطعة من حديث 628.
2- - المغني 1 : 9.

قَالَ الشَّيْخُ: أَجْمَعَتِ الْعِصَابَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ(1)1*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ وَالْأَطْعِمَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ النَّبِيذِ(2)2*)، وَتَحْرِيمِهِ(3)3*)، وَوُجُوبِ اجْتِنَابِهِ(4)4*)، فَيَجِبُ حَمْلُ هَذَا عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَلِلْإِجْمَاعِ، وَلِمُوَافَقَتِهِ لِأَشْهَرِ مَذَاهِبِ الْعَامَّةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ النَّبِيذِ الْمَذْكُورِ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

وغير ذلك. يقال: نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصرف من مفعول إلى فعيل»((6)).

وقال ابن الأثير في «النهاية»: «يقال: نبذت التمر والعنب، إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصرف من مفعول إلى فعيل. وانتبذته: اتخذته نبيذاً. وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنّه يقال له نبيذ. ويقال للخمر المعتصرمن العنب نبيذ. كما يقال للنبيذ خمر»((7)).

ص: 121


1- 1*) الاستبصار 1 : 15، ح28.
2- 2*) يأتي في الباب 38 من أبواب النجاسات.
3- 3*) يأتي في الأبواب 1، 17، 18، 24 من أبواب الأشربة المحرمة.
4- 4*) يأتي في الباب 13 من أبواب الأشربة المحرمة.
5- 5*) يأتي في الحديث الآتي، والأحاديث 9، 11 من الباب 38 من أبواب النجاسات، وكذلك الأحاديث 1، 3، 5 من الباب 24 من أبواب الأشربة المحرمة.
6- - لسان العرب 3 : 511، مادة: «نبذ».
7- - النهاية في غريب الحديث 5 : 7، مادة: «نبذ».

وقد مرّ الكلام في دلالة صدر الحديث على حصر الطهارة في استعمال الماء المطلق أو التراب. وأمّا ذيله وهو قوله: «فإن لم يقدر» الخ، فهو مقول قول عبد الله بن المغيرة. وقد سبق أنّ الظاهر من قوله: «بعض الصادقين» أنّه أحد المعصومين (علیهم السلام) ، وظاهره جواز الوضوء بالنبيذ حال الاضطرار، فيصلح أن يكون دليلاً لابن أبي عقيل الذي جوّز الوضوء بما تغيّر بالطاهر في حال الضرورة.

لكن يبقى الإشكال في هذا المضمون؛ فإنّ النبيذ نجس ومحرّم يجب اجتنابه، فيكون بيان جواز الوضوء به وارداً مورد التقيّة؛ لموافقته لمذهب أبي حنيفة الذي هو أشهر مذاهب العامّة.

نعم، من لا يرى نجاسة كل مسكر يكون هذا الحديث عنده معارضاً لما دل ّ على عدم رفع المضاف للحدث.

ولكن حمله الشيخ الطوسي على ما سيأتي تفسيره من أنّه الماء الكثير الذي ينبذ ويبقى فيه تمرة أو تمرتين فهو ماء مطلق لم يخرج بمخالطة التمر عن الإطلاق، فلا يكون هذا الحديث مخالفاً لما دلّ على المنع.

قال شيخ الطائفة في «التهذيب»: «فأول ما في هذا الخبر: أنّ عبد الله بن المغيرة قال: عن بعض الصادقين، ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام،وإن كان اعتقد فيه أنّه صادق على الظاهر، فلا يجب العمل به. والثاني: أنّه أجمعت العصابة على أنّه لا يجوز الوضوء بالنبيذ، فسقط أيضاً الاحتجاج به من هذا الوجه، ولو سلم من هذا كلّه كان محمولاً على الماء الذي طُيِّبَ

ص: 122

بتُمَيْراتٍ طرحن فيه إذا كان الماء مرّاً، وإن لم يبلغ حدّاً يسلبه إطلاق اسم الماء؛ لأنّ النبيذ في اللغة هو ما ينبذ فيه الشيء، والماء المرُّ إذا طرح فيه تُمَيْرَات جاز أن يسمّى نبيذاً، ويدلّ على هذا التأويل»،((1)) ثمّ ذكر حديث الكلبي النسّابة.

سند الحديث:

تقدّم في الباب السابق، وقلنا باعتباره على احتمال إرادة أحد المعصومين (علیهم السلام) من قوله: «عن بعض الصادقين».

ص: 123


1- - تهذيب الأحكام: 1 : 219 - 220. أقول: الظاهر أنّه لا يمكن المساعدة على هذا الحمل؛ إذ المفروض في الحديث عدم القدرة على الماء المطلق، والماء الكثير الملقى فيه تمرتان أو تمرات غير خارج عن الإطلاق، فلا معنى للقول بأنّه غير قادر على الماء المطلق، إلّا إذا لم يُرد من النبيذ ما ذُكر، بل أُريد النبيذ المحرّم المعروف. نعم، الحمل على التقيّة لا غبار عليه. المقرّر.

[521] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَمَاعَةُ بْنُ مِهْرَانَ، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطِ(1)، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ النَّسَّابَةِ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ النَّبِيذِ؟ فَقَالَ: «حَلَالٌ»، فَقَالَ إِنَّا نَنْبِذُهُ فَنَطْرَحُ فِيهِ الْعَكَرَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «شَهْ شَهْ(2)، تِلْكَ الْخَمْرَةُ الْمُنْتِنَةُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيَّ نَبِيذٍ تَعْنِي؟ فَقَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) تَغَيُّرَ الْمَاءِ وَفَسَادَ طَبَائِعِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْبِذُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْمُرُ خَادِمَهُ أَنْ يَنْبِذَ لَهُ، فَيَعْمِدُ إِلَى كَفٍّ مِنْ تَمْرٍ فَيَقْذِفُ بِهِ فِي الشَّنِّ(3) فَمِنْهُ شُرْبُهُ وَمِنْهُ طَهُورُهُ»، فَقُلْتُ: وَكَمْ كَانَ

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «لسان العرب»: «والعَكَر: دُرْدِيُّ كل شيء. وعَكَرُ الشراب والماء والدهن: آخره وخاثره، وقد عَكِر، وشراب عَكِر. وعَكِر الماء والنبيذ عَكَراً إذا كَدِر. وعَكَّرَه وأَعْكَره: جعله عَكِراً. وعَكَّره وأَعْكَره:جعل فيه العَكَر»((4)).

ص: 124


1- في المصدر: الحنّاط. (راجع: معجم رجال الحديث 12: 84 ، وج17 : 58).
2- شه: كلمة استقذار واستقباح. (مجمع البحرين 6 : 351).
3- في هامش الأصل (منه(قدس سره) ) ما لفظه: «الشن: القربة الخلق». (الصحاح 5 : 2146).
4- - لسان العرب 4 : 600، مادة: «عكر».

عَدَدُ التَّمْرِ الَّذِي فِي الْكَفِّ؟ فَقَالَ: «مَا حَمَلَ الْكَفُّ»، فَقُلْتُ: وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «رُبَّمَا كَانَتْ وَاحِدَةً وَرُبَّمَا كَانَتِ اثْنَتَيْنِ»، فَقُلْتُ: وَكَمْ كَانَ يَسَعُ الشَّنُّ مَاءً؟ فَقَالَ: «مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ إِلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ»، فَقُلْتُ: بِأَيِّ الْأَرْطَالِ؟ فَقَالَ: «أَرْطَالِ مِكْيَالِ الْعِرَاقِ»(1)1*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وقال أيضاً: «شه: حكاية كلام شبه الانتهار»((3))، وكذا في «تاج العروس»((4)).

وقال أيضاً: «الشَّنُّ والشَّنَّة: الخَلَقُ من كل آنية صنعت من جلد، وجمعها شِنَان»((5)).

أقول: هذا المقدار قطعة من حديث طويل، وفيه دلائل على إمامة الإمام الصادق (علیه السلام) . ولم يورد المصنّف صدره ولا ذيله؛ لعدم إفادتهما الحكم الفقهي الذي يدخل تحت عنوان الباب، واقتصر على سؤاله الأخير، وهو

ص: 125


1- 1*) الكافي 1 : 283، ح6، وج 6 : 416، ح3، وأورد قطعاً منه في الحديث 4 من الباب 38 من أبواب الوضوء، وفي الحديث 5 من الباب 29 من أبواب مقدمة الطلاق وشرائطه، وفي الحديث 8 من الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرّمة.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 220، ح629، والاستبصار 1 : 16، ح 29.
3- - لسان العرب 13 : 508، مادة: «شهه».
4- - تاج العروس 19 : 58، مادة: «شهه».
5- - لسان العرب 13 : 241، مادة: «شنن».

السؤال عن النبيذ، فأجابه الإمام (علیه السلام) بالحليّة، فقال الكلبي: إنّهم بعد أن يضيفوا التمر وغيره للماء فإنّهم يضيفون العَكَر، أي: عَكَر الشراب، وهو دُرْدِي الشراب، أي: آخره، أو يضيفوا ما سوى ذلك فيتغيّر به ويصير النبيذ المعروف، فاستقبح الإمام ذلك واستقذره وقال: «شه شه، تلك الخمرة المنتنة»، فاستفسر الكلبي عن النبيذ الذي حكم بحليّته أولاً، فبيّن له الإمام (علیه السلام) أنّ المراد بالنبيذ ها هنا ما ترك فيه قليل تمر أزال ملوحة الماء، فلم يبلغ الشدّة، وكان هذا بأمر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لما شكا إليه أهل المدينة ما يلاقونه من تغيّر الماء وفساد طبائعهم بسببه، فهذا الماء يصبح مورداً للشرب وللطهارة.

وأمّا مقدار ما يلقى في الماء من التمر فعيّن الإمام (علیه السلام) أنّ ذلك ما حوته الكف، فقد تكون تمرتين، وقد تكون أكثر.

وقول الراوي بعد ذلك: «فقلت: واحدة أو اثنتين؟» هو وصف للكف لا لعدد التمر؛ لأنّه قد سبق من الإمام الجواب عن عدد التمر، وهو ما حوته الكف، فيكون مراد الراوي السؤال عن عدد الكف، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّه ربما كانت واحدة، وربما كانت اثنتين. فسأل عن مقدار ما تسعه القربة من الماء، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّه يسع ما بين الأربعين إلى الثمانين رطلاً أو أكثرمن ذلك. فسأل الراوي عن نوعيّة تلك الأرطال؛ - فإنّ الواقعة كانت في زمن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وللمدينة أرطال خاصّة بها، وأيضاً للعراق أرطال خاصّة أشهر في الاستعمال من غيرها حتى في خارج العراق، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّها أرطال العراق، ومقتضى اكتفاء الإمام (علیه السلام) بإطلاق الرطل في إرادة العراقي

ص: 126

منه كونه هو المنصرف منه بلا قرينة، فلو لم يسأل الراوي لاكتفى الإمام (علیه السلام) بالإطلاق، فتكون هي المرادة عند الإطلاق.

وهذا المقدار من الماء لا يتغيّر بذاك المقدار من التمر، خصوصاً وأنّهم كانوا ينبذونه من الغداة لاستعماله في العشي، أو العكس كما في بعض الأحاديث.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: الحسين بن محمد: وهو الأشعري، شيخ الكليني، ومعلّى بن محمد: هو الزيادي، ومحمد بن علي: هو الهمداني المشهور بأبي سمينة، وكلّهم تقدّمت ترجمتهم، وكتاب سماعة مشهور، فالسند معتبر إلى سماعة.

وأمّا الكلبي النسابة: فلعلّه محمد بن السائب المعروف عند الخاصّة والعامّة بالعلم والفضل. عُدّ من أصحاب الإمامين أبي جعفر الباقروالصادق (علیهما السلام) ((1))، ولم يرد في حقّه توثيق.

نعم، غاية ما ورد هو ما جاء في هذا الحديث من أنّه «فلم يزل الكلبي يدين الله بحب آل هذا البيت حتى مات».

وإطلاق الكلبي النسابة لا ينصرف إلى الحسن بن علوان العامّي - على ما

ص: 127


1- - رجال الطوسي: 145 / 1594 و284 / 4120.

[522] 3- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَاءً قَدْ نُبِذَتْ فِيهِ تُمَيْرَاتٌ، وَكَانَ صَافِياً فَوْقَهَا فَتَوَضَّأَ بِه(1).

-----------------------------------------------------------------------------

صرّح به النجاشي((2))-

لأنّه لم يكن في الشهرة بحيث ينصرف إليه إطلاق الكلبي النسابة، فالسند ممدوح غير معتبر.

الثاني: سند آخر للكليني، وفيه: علي بن عبد الله الخياط أو الحنّاط: وهو مجهول. لكن قلنا: إنّ كتاب سماعة مشهور، فالسند معتبر إلى سماعة.

الثالث: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو نفس السندين السابقين، فحاله حالهما في عدم الاعتبار من جهة وجود الكلبي.

لكن يمكن تصحيح هذه الأسانيد لكون الأولين في «الكافي»، والثالثمنقولاً عنه، هذا بناء على تماميّة شهادة الكليني في كتابه.

[3] - فقه الحديث:

دلّ على جواز الوضوء بالنبيذ، وهو الماء الكثير الذي وضع فيه تميرات لم تغيّره، ولذا قال وكان - أي: الماء - صافياً فوقها، وعلّل نفي البأس والجواز بفعل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: «لأنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد توضأ به». والدليل على أنّ المراد بالنبيذ ما ذُكر - لا ما تعارف شربه عند أهل الفسوق - قوله بعد

ص: 128


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 11، قطعة من الحديث 20.
2- - رجال النجاشي: 52 / 116.

أَقُولُ: فَالنَّبِيذُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَاءً مُطْلَقاً، فَلَا إِشْكَالَ فِي شُرْبِهِ وَالطَّهَارَةِ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ذلك: «فإذا غيّر التمر لون الماء لم يجز الوضوء به. والنبيذ الذي يتوضأ وأحل شربه هو الذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي، أو ينبذ بالعشي ويشرب بالغداة»((2)).

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، واعتبارها مبني على قبول شهادته في أول «الفقيه».

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة، دلّت على أمور، منها:1- حصر الطهارة بالماء والتراب.

2- عدم جواز الطهارة باللبن أو النبيذ وغيرهما من المائعات.

3- أن النبيذ يطلق على أمرين، أحدهما: المسكر، وهذا لا يجوز شربه ولا الوضوء به. والثاني: الماء الكثير الذي نبذ فيه تمرات قليلة لم تغيّره ولا يبقى مدّة ليتغيّر، وقد ورد جواز الشرب منه والوضوء به.

ص: 129


1- 1*) تقدّم في الأحاديث السابقة من هذا الباب.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 15.

ص: 130

3 - باب حكم ماء الورد

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب حكم ماء الورد

شرح الباب:

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «إنّ ماء الورد على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما اعتصر من الورد كما يعتصر من الرمان وغيره، ولم يشاهد هذا في الأعصار المتأخرة، ولعلّه كان موجوداً في الأزمنة السالفة.

وثانيها: الماء المقارن للورد، كالماء الذي أُلقي عليه شيء من الورد. وأدنى المجاورة يكفي في صحّة الإضافة والإسناد، فيصحّ أن يطلق عليه ماء الورد، فإنّه لأجل المجاورة يكتسب رائحة الورد ويتعطّر بذلك لا محالة، ولكن هذا لا يخرج الماء المقترن بالورد عن الإطلاق، كما كان يخرجه في القسم السابق؛ وهذا لوضوح أنّ مجرّد التعطّر بالورد باكتساب رائحته لا يكون مانعاً عن إطلاق الماء عليه حقيقة، وهو نظير ما إذا أُلقيت عليه ميتة طاهرة كميتة السمك، واكتسب منها رائحة نتنة، فإنّ ذلك لا يخرجه عن الإطلاق، ويصح استعماله في الوضوء والغسل قطعاً.

نعم، يدخل الماء بذلك تحت عنوان المتغيّر، وهو موضوع آخر له أحكام خاصّة، والمتغيّر غير المضاف؛ إذ المضاف - على ما أسمعناك سابقاً - هو الذي خلطه أمر آخر على نحو لا يصحّ أن يطلق عليه الماء حقيقة بلا

ص: 131

إضافته إلى شيء - كما في ماء الرمّان، وفي القسم المتقدّم من ماء الورد - إلّا على سبيل العناية والمجاز.

وأمّا إذا كان الماء أكثر ممّا أُضيف إليه، بحيث صحّ أن يطلق عليه الماء بلا إضافته، كما صحّت إضافته إلى الورد أيضاً، فهو مطلق، كما عرفت في نظائره من ماء البحر أو البئر ونحوهما.

وثالثها: ماء الورد المتعارف في زماننا هذا، وهو الماء الذي يُلقى عليه مقدار من الورد ثم يغلى فيتقطّر بسبب البخار، وما يؤخذ من التقطير يسمى بماء الورد.

وهذا القسم أيضاً خارج عن المضاف؛ لما قدّمناه من أنّ مجرد الاكتساب وصيرورة الماء متعطّراً بالورد لا يخرجه عن الإطلاق؛ فإنّه إنَّما يصير مضافاً فيما إذا خلطه الورد بمقدار أكثر من الماء، حتى يسلب عنه الإطلاق، كما في ماء الرمّان. وليس الأمر كذلك في ماء الورد، فإنّ أكثره ماء، والورد المخلوط به أقل منه بمراتب، وهو نظير ما إذا صببنا قطرة من عطور كاشان على قارورة مملوءة من الماء، فإنَّها توجب تعطّر الماء بأجمعه، مع أنّ القطرة المصبوبة بالإضافة إلى ماء القارورة في غاية القلّة. فأمثال ذلك لا يخرج الماء عن الإطلاق، وإنَّما يتوهم إضافته من يتوهمها من أجل قلّته، فلو كان المضاف كثير الدوران والوجود خارجاً لما حسبناه إلّا ماء متغيّراً بريح طيّب. ومن هنا لو فرضنا بحراً خلقه الله تعالى بتلك

ص: 132

الرائحة لما أمكننا الحكم بإضافته بوجه»((1)).

الأقوال:

أقوال الخاصة:

تقدّم أنّ المشهور القريب من الإجماع((2))، أو الإجماع عن «المنتهى» وغيره على عدم رفع المضاف للحدث((3))، وسبق أنّ المخالف في ذلك هو الشيخ الصدوق؛ حيث جوّز الوضوء بماء الورد، حيث قال في «الهداية»: «ولا بأس أن يتوضّأ بماء الورد للصلاة، ويغتسل به من الجنابة»((4))، وقال في «الفقيه»: «ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد»((5)).

واستشكل بعض المتأخرين في جميع الأقسام المتقدّمة، ولكن السيد الأستاذ لا يستشكل في الطهارة بماء الورد المتعارف في زماننا، ولا في القسم الثاني إذا كان الماء كثيراً بحيث لم يُعد متغيّراً.

أقوال العامّة:

ذكر ابن قدامة في «المغني»: «أنّ المضاف لا تحصل به الطهارة، وهو

ص: 133


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 19 - 20.
2- - ينابيع الأحكام 1 : 772.
3- - منتهى المطلب 1 : 114، وكشف الالتباس عن موجز أبي العباس: 98.
4- - الهداية: 65.
5- - من لا يحضره الفقيه 1 : 6.

على ثلاثة أضرب:

أحدها: ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاث أنواع:

(أحدها) ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة.

(الثاني) ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغاً أو حبراً أو خلّاً أو مرقاً ونحو ذلك.

(الثالث) ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي.

فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل. لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما حكي عن ابن أبي ليلى، والأصم في المياه المعتصرة أنَّها طهور يرتفع بها الحدث ويزال بها النجس، ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي. وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم ... .

الضرب الثاني: ما خالطه طاهر يمكن التحرّز منه فغيّر إحدى صفاته - طعمه أو لونه أو ريحه - كماء الباقلا وماء الحمّص وماء الزعفران، واختلف أهل العلم في الوضوء به، واختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في ذلك، فروي عنه لا تحصل الطهارة به، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق. قال القاضي أبو يعلى: وهي أصحّ، وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف، ونقل عنأحمد جماعة من أصحابه منهم أبو الحارث والميموني وإسحاق بن منصور جواز الوضوء به، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه... .

الضرب الثالث: من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهو

ص: 134

أربعة أنواع:

(أحدها) ما أضيف إلى محلّه ومقره كماء النهر والبئر وأشباههما لهذا لا ينفك منه ماء، وهي إضافة إلى غير مخالط، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.

(الثاني) ما لا يمكن التحرّز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن نحوه فتلقيه في الماء... .

(الثالث) ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة والطهوريّة، كالتراب إذا غيّر الماء لا يمنع الطهوريّة؛ لأنّه طاهر مطهر كالماء... .

(الرابع) ما يتغيّر به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف أنواعه والطاهرات الصلبة كالعود والكافور والعنبر إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه لا يخرج به عن إطلاقه؛ لأنّه تغيير مجاورة أشبه ما لو تروّح الماء بريح شيء على جانبه. ولا نعلم في هذه الأنواع خلافاً»((1)).

ص: 135


1- - المغني 1 : 10 - 13.

[523] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَغْتَسِلُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ لِلصَّلَاةِ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَبَرٌ شَاذٌّ أَجْمَعَتِ الْعِصَابَةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَاءِ الْوَرْدِ: الْمَاءَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْوَرْدُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى مَاءَ وَرْدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَصَراً مِنْهُ(2).

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمَا مَرَّ(3)، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ، فَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ؛ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّصِّ.

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بظاهره على نفي البأس عن الغسل والوضوء بماء الورد للصلاة.

ولكن الأصحاب أجمعوا على ترك العمل بظاهره، كما نقله الشيخ((4)).

ص: 136


1- الكافي 3 : 73، ح12.
2- تهذيب الأحكام 1 : 218، ح627، والاستبصار 1 : 14، ح27.
3- تقدّم في ذيل الحديث 1 من الباب 2 من هذه الأبواب.
4- - تهذيب الأحكام 1 : 219.

ولذا تصدّى الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» لتوجيهه: باحتمال أن يكون المراد بماء الورد هو الماء الذي وقع فيه الورد واكتسب رائحته؛ فإنّه يسمى ماء ورد وإن لم يكن معتصراً منه، وهو القسم الثاني الذي مرّ ذكره في شرح الباب، وقد سبق أنّ ذلك لا يخرجه عن إطلاق اسم الماء المطلق، فيكون داخلاً تحت النص، وتجوز الطهارة به.

وربَّما يحتمل أنّ لفظ الورد في الحديث هو بكسر الواو، بمعنى الماء المجتمع في الصحراء الذي ترد عليه الدواب وغيرها للشرب، فيكون منشأ السؤال عن جواز الوضوء والغسل به هو ما يُرى من بول الدواب فيه، وما دام اللفظ يحتمل هذين المعنيين ولا معيّن لأحدهما يكون الحديث مجملاً لا يمكن الاستدلال به على شيء.

إلّا أنّ هذا الاحتمال ليس ممّا ينبغي الاعتناء به، ولا الإصغاء إليه؛ لأنّ أرباب الحديث أخذوا الأخبار عن رواتها الموثوق بهم بالقراءة، ووصلت إليهم سماعاً عن سماع وقراءةً بعد قراءة على الكيفيّة التي وصلت إليهم، بلا تصرّف ولا زيادة ولا نقصان. وحيث إنّ راوي الحديث وهو(قدس سره) نقله بفتح الواو حيث استدل به على جواز الوضوء والغسل بالجلاّب، فيجب اتباعه في نقله.

نعم، لو كانت الأخبار في كتاب وواصلة إليهم بالكتابة، وما دامت غير معربة ولا مشكّلة يمكن حينئذٍ أن يتطرّق إليها احتمال الكسر والفتح وغيرهما من الاحتمالات، لكنّك عرفت أنّ الحال ليس كذلك.

ص: 137

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني، وفيه: سهل بن زياد: ولم تثبت وثاقته، ومحمد بن عيسى، عن يونس، وكلاهما وإن كان ثقة في نفسه ومن الأجلاء العظام، إلّا أنّ الصدوق (رحمه الله) نقل عن شيخه ابن الوليد (رحمه الله) أنّه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى، عن يونس، كما في «رجال النجاشي» في ترجمة محمد بن عيسى((1)).

وقد قدّمنا القول فيه في الجزء الأول، وبينّا عدم مقاومة رأي ابن الوليد ولا الصدوق للشهادات والتسالم بين الأصحاب على توثيقه وعدالته، وذكرنا أنّ ابن الوليد والصدوق اعتمداه إذا لم يرو عن يونس بإسناد منقطع((2)).

المتحصل من الحدیث

فالحديث ضعيف بسهل، لكن يمكن تصحيحه على بعض المباني المتقدّمة في أول الكتاب.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهذا السند كسابقه.

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً يمكن اعتباره.

وقد دلّ على عدم البأس بالوضوء والغسل بماء الورد للصلاة، وهذا الحكم واضح بناء على تفسير ماء الورد بما هو المتعارف في زماننا؛ لأنّه ماء مطلق، أو على الماء الذي وقع فيه الورد،؛ فإنّ ذلك لا يخرجه عن الإطلاق.

ص: 138


1- - رجال النجاشي: 333 / 896.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 110.

4 - باب حكم الريق

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب حكم الريق

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

الريق - وهو ماء الفم ما دام فيه - وإن عُدّ من المضاف، فلا يطهّر الخبث، قال الشيخ في «الخلاف»: «لا يجوز إزالة النجاسات عند أكثر أصحابنا بالمايعات. وهو مذهب الشافعي»((1))، إلّا أنّه جاء الخلاف من ابن الجنيد في جواز إزالة خصوص الدم به من بين سائر النجاسات، قال العلامة في «المختلف»: «قال ابن الجنيد: لا بأس أن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب»((2)).

أقوال العامة:

قال النووي الشافعي في «المجموع»: «أمّا حكم المسألة - وهو أنّ رفع الحدث وإزالة النجس لا يصحّ إلّا بالماء المطلق - فهو مذهبنا لا خلاف فيه

ص: 139


1- - الخلاف 1 : 59، مسألة 8 .
2- - مختلف الشيعة 1 : 493.

عندنا، وبه قال جماهير السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم، وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الأصم: أنّه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بكل مائع طاهر. قال القاضي أبو الطيب: إلّا الدمع؛ فإنّ الأصم يوافق على منع الوضوء به، وقال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بالنبيذ على شرط»((1)).

وقال في موضع آخر: «إزالة النجاسة لا تجوز عندنا وعند الجمهور إلّا بالماء، فلا تجوز بخلٍّ ولا بمائع آخر. وممّن نقل هذا عنه مالك ومحمد بن الحسن وزفر وإسحاق بن راهويه، وهو أصحّ الروايتين عن أحمد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وداود: يجوز إزالة النجاسة من الثوب والبدن بكل مائع يسيل إذا غسل به ثم عصر كالخل وماء الورد، ولا يجوز بدهن ومرق. وعن أبي يوسف رواية: أنّه لا يجوز في البدن بغير الماء»((2)).

وقال الحصكفي - وهو حنفي المذهب - : «(يجوز رفع نجاسة حقيقية عن محلها) ولو إناء أو مأكولاً علم محلها أو لا (بماء ولو مستعملاً) به يفتى (وبكل مائع طاهر قالع) للنجاسة ينعصر بالعصر (كخل وماء ورد) حتى الريق، فتطهر أصبع وثدي تنجس بلحس ثلاثاً (بخلاف نحو لبن) كزيت؛ لأنه غير قالع. وما قيل: إن اللبن وبول ما يؤكل مزيل، فخلاف المختار»((3)).

ص: 140


1- - المجموع 1 : 92.
2- - المصدر نفسه:95. وانظر: بدائع الصنائع 1 : 83 ، والمغني 1 : 9 .
3- - الدر المختار: 46.

[524] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا يُغْسَلُ بِالْبُزَاقِ شَيْ ءٌ غَيْرُ الدَّمِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

قال أبو هلال العسكري - في الفرق بين البزاق والريق - : «قيل: البزاق: ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه ريق»((2)).

دلّ الحديث على أمرين:

الأول: عدم طهارة شيء من المتنجسات بالنجاسات بالبزاق.

الثاني: وهو استثناء المتنجس بالدم، فإنّه يطهر بالبزاق.

ولهذا الحكم توضيح يأتي في ذيل الحديث الثالث.

سند الحديث:

العباس: هو العباس بن معروف الراوي عن عبد الله بن المغيرة.

وغياث: هو غياث بن إبراهيم كما يستفاد من الحديث اللاحق، قال النجاشي: «غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي، بصري، سكن الكوفة، ثقة،روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) . له كتاب مبوّب في الحلال

ص: 141


1- تهذيب الأحكام 1 : 423، ح1339.
2- - الفروق اللغوية: 98.

والحرام، يرويه جماعة»((1))، ويظهر منه أنّ كتابه معروف، فلا حاجة للطريق.

وقد ذكره الشيخ في «الرجال» في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، حيث قال: «غياث بن إبراهيم، أبو محمد التميمي الأسدي، أسند عنه، وروى عن أبي الحسن (علیه السلام) »((2))، كما ذكره في باب من لم يرو عن أحد الأئمة (علیهم السلام) ((3)).

وليس في الروايات التي بأيدينا روايته عن أبي الحسن (علیه السلام) .

كما أنّه غير متحد مع غياث بن إبراهيم الذي ذكره الشيخ في «رجاله» في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، وقال عنه: إنّه بتري((4))؛ لعدم إمكان رواية أحمد بن أبي عبد الله البرقي - المتوفى سنة 280 تقريباً - عن أصحاب الباقر (علیه السلام) بواسطة واحدة وهي إسماعيل بن أبان الراوي لكتاب غياث كما ذكره في طريقه إليه. ونفس الكلام في رواية أحمد عن غياث بواسطة محمد بن يحيى الخزّاز الراوي لكتابه كما عن الشيخ، إلى غير ذلك من الموانع التي تعرّض لها السيد الأستاذ(قدس سره) في «المعجم»((5)).

فالسند صحيح.

ص: 142


1- - رجال النجاشي: 305 / 833.
2- - رجال الطوسي: 268 : 3853.
3- - رجال الطوسي: 435 / 6230.
4- - رجال الطوسي: 142 / 1542.
5- - معجم رجال الحديث 14 : 251.

[525] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُغْسَلَ الدَّمُ بِالْبُصَاقِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

بحث رجالي حول معاوية بن حكيم

[2] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «اللسان»: «البصاق: لغة في البزاق، بصق يبصق بصقاً. الليث: بصق لغة في بزق وبسق»((2)).

ودلالته كدلالة السابق، إذا كان معنى يغسل هو التطهير.

سند الحديث:

موسى بن الحسن: تقدّم أنّه موسى بن الحسن بن عامر بن عمران بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي الثقة الجليل.

وأمّا معاوية بن حكيم: فقال عنه النجاشي: «معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني ثقة، جليل في أصحاب الرضا (علیه السلام) . قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت شيوخنا يقولون: روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرينأصلاً لم يرو غيرها. وله كتب»((3)).

ص: 143


1- تهذيب الأحكام 1 : 425، ح1350.
2- - لسان العرب 10 : 21، مادة: «بصق».
3- - رجال النجاشي: 412 / 1098.

وقال الكشّي: «محمد بن الوليد الخزّاز ومعاوية بن حكيم ومصدّق بن صدقة ومحمد بن سالم بن عبد الحميد، قال أبو عمرو: هؤلاء كلّهم فطحيّة، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) ، وكلّهم كوفيون»((1))، فصريح الكشّي أنّ معاوية بن حكيم كان فطحيّاً. وقد يتوهم منافاته لعدّه من العدول، بل ينافيه قول الشيخ: «والذي ذكرناه مذهب معاوية بن حكيم من متقدّمي فقهاء أصحابنا»((2))، وقد اعتنى به الكليني وقال: «وكان معاوية بن حكيم يقول: ليس عليهن عدّة»((3)).

وأجاب السيد الأستاذ في «المعجم» عن توهم منافاة الفطحيّة للعدالة، ولكونه من فقهاء الأصحاب والاعتناء بشأنه بقوله: «أمّا توصيفه بالعدالة فقد ذكرنا في ترجمة محمد بن سالم بن عبد الحميد: أنّ المراد بالعدالة في كلام الكشّي هو الاستقامة في مقام العمل بالمواظبة على الواجبات، والاجتناب عن المحرّمات، وهذا لا ينافي فساد العقيدة من جهة كونه فطحيّاً، وأمّا عدّه من فقهاء أصحابنا والاعتناء بشأنه، فهو من جهة التزامهبالأئمة الاثني عشر وإن زاد عليها واحداً، وهو عبد الله الأفطح، فالمراد من أصحابنا: من يلتزم بإمامتهم، ومعاوية بن حكيم منهم، وممّا يكشف عن ذلك قول النجاشي في ترجمة علي بن الحسن بن علي بن فضال: كان فقيه

ص: 144


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 835.
2- - تهذيب الأحكام 8 : 138، والاستبصار 3 : 338.
3- - الكافي 6 : 86 ، ذيل الحديث 5.

[526] 3- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: رُوِيَ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ بِالرِّيقِ شَيْ ءٌ إِلَّا الدَّمُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وكان فطحيّاً»((2)).

فالسند معتبر، مضافاً إلى أنّ كتاب غياث معروف فلا حاجة إلى الطريق.

[3] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث الأول تماماً، بل لعلّ الكليني ناظر إليه.

سند الحديث:

هو من مراسيل الكليني، واعتبارها مبني على قبول شهادة الكليني في أول «الكافي» بصحّة ما في كتابه.

أقول: أمّا الحمل على التقيّة فله مجال في الحديث الثاني لا الأول والثالث؛ للحصر فيهما في الدم والريق، وهم لا يحصرون التطهير لا بالريق،ولا يحصرون النجاسات بالدم، كما تقدّم في شرح الباب الأول من هذه الأبواب.

وأمّا جواز إزالة عين النجاسة بالريق، لورود التعبير ب- «يغسل»، وهو بعيد؛ لأنّه لا خصوصيّة للدم في جواز الإزالة بالريق.

ص: 145


1- الكافي 3 : 59، ح8.
2- - معجم رجال الحديث 19 : 223.

أَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى التَّقِيَّةِ، أَوْ عَلَى جَوَازِ إِزَالَةِ الدَّمِ بِالرِّيقِ وَإِنِ احْتَاجَ بَعْدَهُ إِلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ؛ لِمَا سَبَقَ وَغَيْرِهِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، وأمّا قول المصنّف(قدس سره) : «لما سبق وغيره»: فيريد من قوله: «ما سبق»، أي: ما تقدّم في الباب الأول من هذه الأبواب، ولعلّه يريد بقوله: «غيره»، أي: لغير ما سبق، كحمل الدم على الدم الطاهر، فإنّه لا ضير في إزالته بالريق، أو الحمل على أخذ الماء في الفم ليزيل به الدم، أو الحمل على إزالة الدم الموجود في الفم بالريق.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أولها صحيح، والآخران معتبران.

وقد دلّت بظاهرها على جواز تطهير الدم خاصة بالبزاق، كما ذهب إليه ابن الجنيد، وقد عرفت آنفاً وجوه الحمل فيها.

ص: 146


1- لما سبق في الباب 1 من هذه الأبواب.

5 - باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيراً وكذا المائعات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيراً وكذا المائعات

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصة:

إذا لاقت المضاف نجاسة نجس بلا فرق بين قليله وكثيره. قال المحقّق في «المعتبر»: «هذا مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه خلافاً، قال الشيخ (رحمه الله) في النهاية: فإن وقع فيها - أي: المياه المضافة - شيء من النجاسة لم يجز استعمالها على حال إلّا عند الضرورة((1))، وقال في المبسوط: إذا وقع فيه شيء من النجاسة لم يجز استعماله، قليلاً كان أو كثيراً، قلّت النجاسة أو كثرت، تغيّر أحد أوصافه أو لم يتغيّر((2))»((3)).

ص: 147


1- - النهاية: 3.
2- - المبسوط 1 : 5.
3- - المعتبر 1 : 84.

وقول الشيخ: «لم يجز استعمالها على حال إلّا عند الضرورة» إشارة إلى ما مرّ في أحاديث الباب الثالث عشر من أبواب الماء المطلق من عدم جواز استعمال النجس في الطهارة حتى عند الضرورة، وجواز استعماله في الأكل والشرب خاصّة عندها.

وكذا الكلام في المائعات، وأمّا «لو كانت جامدة ولو في بعض الأحوال - كالدبس والسمن والعسل - لم ينجس بوقوع النجاسة فيها سوى ما اتصل بها، فيكشط ما يكتنفها ويحلّ الباقي»((1)).

واستشكل بعض المتأخرين - كالسيد الحكيم في «المستمسك» - في تنجّس المقدار الكثير كعيون النفط بالنجاسة القليلة، كمباشرة الكافر بالرطوبة المسرية؛ لعدم السراية عرفاً في مثله، فهو نظير عدم السراية إلى العالي الجاري إلى السافل((2)).

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «أمّا غير الماء من المائعات ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: أنّه ينجس بالنجاسة وإن كثر... .

والثانية: أنّها كالماء لا ينجس منها ما بلغ القلّتين إلّا بالتغيّر. قال حرب:سألت أحمد قلت: كلب ولغ في سمن أو زيت؟ قال: إذا كان في آنية

ص: 148


1- - مسالك الأفهام 12 : 81.
2- - مستمسك العروة الوثقى 1 : 114.

[527] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَمَاتَتْ، فَإِنْ كَانَ جَامِداً فَأَلْقِهَا وَمَا يَلِيهَا وَكُلْ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ ذَائِباً فَلَا تَأْكُلْهُ، وَاسْتَصْبِحْ بِهِ، وَالزَّيْتُ مِثْلُ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كبيرة مثل حب أو نحوه رجوت أن لا يكون به بأس ويؤكل، وإن كان في آنية صغيرة فلا يعجبني؛ وذلك لأنّه كثير فلم ينجس بالنجاسة من غير تغيير كالماء.

والثالثة: ما أصله الماء كالخل التمري يدفع النجاسة؛ لأنّ الغالب فيه الماء، وما لا فلا، والأُولى أَولى»((2)).

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفأرة إذا وقعت في السمن فماتت فإنَّها تنجس ماتلاقيه. وفيه إشارة إلى عدم نجاسة الفأرة في حدّ نفسها؛ حيث قيّدت فيه بالموت، لكن إذا كان السمن جامداً فإنّه يجب إلقاؤها وما لامسته ممّا هو

ص: 149


1- تهذيب الأحكام 9 : 85 ، ح360، وأورده عن الكافي في الحديث 2 من الباب 6 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة، وأورده كذلك عنه وعن الكافي في الحديث 2 من الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرّمة.
2- - المغني 1 : 29.

حولها، ويجوز بعد ذلك أكل ما بقي من السمن. وتخصيص الأكل بالذكر دون غيره من الانتفاعات؛ لأنّه الغرض الأساس من الزيت.

وأمّا إذا كان ذائباً فهو ينفعل بالنجاسة ولا يجوز أكله، وأمّا سائر الانتفاعات فجائزة، وقد صرّح بواحدة منها وهي الاستصباح، وفيه دلالة على عدم طهارته بالماء وغيره بعد أن تنجّس، وإلّا لما أطلق (علیه السلام) النهي عن أكله. وظاهره - على ما يساعد عليه الارتكاز العرفي - كون الذوبان والميعان

علّة لتنجّس الكل. وهذا بمعونة عدم التنجّس إلّا في ملاقي الجامد. وهذا أمر مشترك في كلّ مضاف ومائع، فيستفاد منه عموم الحكم للمضاف وكل مائع بلا فرق بين القليل والكثير فيهما ولا في النجاسة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراد السند، وهو صحيح أعلائي.

ص: 150

[528] 2- وَبِإِسْنَادهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْيَقْطِينِيِّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ، فَمَا تَرَى فِي أَكْلِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «لَا تَأْكُلْهُ»، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الْفَأْرَةُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَتْرُكَ طَعَامِي مِنْ أَجْلِهَا، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «إِنَّكَ لَمْ تَسْتَخِفَّ بِالْفَأْرَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَخْفَفْتَ بِدِينِكَ؛ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «اللسان»: «الخابية: الحب، وأصله الهمز؛ لأنّه من خبّأت، إلّا أنّ العرب تركت همزها»((2)).

دلّ الحديث على حرمة أكل ما في الخابية من السمن أو الزيت؛ لملاقاته للفأرة الميتة، ولا بد من القول بأنّ سبب التحريم هو النجاسة؛ وذلك لأنّ مجرد الحرمة بمعناها المتبادر لا توجب عدم أكل السمن أو الزيت الذي ماتت فيه الفأرة؛ فلا منشأ لتحريم أكل ذلك إلّا نجاسته بها؛ فلولا أنّه قد انفعل بها لما كان لتحريم أكله وجه.

بل يمكن أن يقال: إنّ المرتكز في ذهن السائل - على ما يظهر من سؤاله -

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 : 420، ح1327، والاستبصار 1 : 24، ح60.
2- - لسان العرب 14 : 223، مادة: «خبا».

هو نجاسة الميتة ومنجسيّتها، وإنّما الشبهة الموجودة في ذهنه هي عدم منجسيّة الفأرة؛ لصغرها، فالنجاسة القليلة لا توجب تنجّس الطعام الكثير بملاقاتها له، بل لابد فيه من التأثّر والتغيّر. فردعه الإمام (علیه السلام) بقوله: إنّك لم تستخف بالفأرة ، وإنَّما استخففت بدينك؛ إنّ الله حرّم الميتة من كل شيء من دون فرق بين صغيره وكبيره، فما يترتّب على الميتة الكبيرة من تنجّس الملاقي يترتّب على ميتة الفأرة أيضاً بلا فرق.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراد السند، وهو معتبر.

ص: 152

[529] 3- وَعَنْهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) : «أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) سُئِلَ عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ وَإِذَا فِي الْقِدْرِ فَأْرَةٌ؟ قَالَ: يُهَرَاقُ مَرَقُهَا، وَيُغْسَلُ اللَّحْمُ، وَيُؤْكَلُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الأمر بإراقة المرق إذا وجد فيه فأرة، وما ذلك إلّا لنجاستة؛ لأنّه ماء قليل أو مضاف لاقى نجاسة فينجس. ومن الواضح: أنّ النجاسة لا تختصّ بالفأرة الميتة، فتعمّ جميع النجاسات، كما لا يختصّ المورد بالمرق، وإنَّما يشمل كل مضاف وكل مائع؛ إذ لا قائل بالفصل، وإنَّما يتعيّن إراقته على تقدير صيرورته مضافاً؛ لأنّه لا يقبل التطهير.

وأمّا إذا كان باقياً على إطلاقه تخيّر بين إراقته وتطهيره بالماء الكثير. وأمّا غسلالجامد، كاللّحم؛ فلقبوله التطهير.

ص: 153


1- الاستبصار 25 : 1، ح62، وأورده في الحديث 1 من الباب 44 من كتاب الأطعمة المحرّمة.
2- الكافي 6 : 261، ح3.
3- تهذيب الأحكام 9 : 86 ، ح365.

أَقُولُ: وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ تَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ(1)1*)، وَكِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «الاستبصار»، وقد تقدّمت أفراده، والسند موثّق.

الثاني: سند الكليني، وهو موثّق كسابقه.

الثالث: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو بإسناده عن محمد بن يعقوب، والباقي هو سند الكليني، فهو موثّق كسابقيه.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أولها صحيح، والثاني معتبر، والثالث موثّق بأسانيده الثلاثة.

وقد دلّت على أنّ المضاف وكذا المائعات الذائبة تنفعل بالنجاسة وإن كانت النجاسة قليلة لا تغيّر الأوصاف، وعليه لا يجوز استعمالها فيما يشترطفيه الطهارة.

ص: 154


1- 1*) يأتي في الحديث 8 من الباب 38، والحديث 1 من الباب 51، والحديث 2 من الباب 64، والحديث 1 من الباب 14 من النجاسات.
2- 2*) يأتي في الأحاديث 1 و 2 و 3 و5 و 7 من الباب 43، والحديث 1 من الباب 44، والحديث 3 من الباب 45 من أبواب الأطعمة المحرّمة، وكذلك الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.

وأمّا المائعات الجامدة فيختصّ انفعالها بمحلّ الملاقاة، وأمّا بقيّة المائع الذي لم تلاقه النجاسة فلا ينفعل ويجوز استعماله.

ثلاثة فروع

فروع:

الفرع الأول: المصعّد من المضاف هل هو مطلق أو مضاف؟ فيه كلام.

والظاهر أنّه تابع للاسم عرفاً.

الفرع الثاني: المصعّد من المضاف المتنجّس هل هو محكوم بالنجاسة أو الطهارة؟ قولان، والسيد الأستاذ(قدس سره) قال بالثاني؛ للاستحالة، وهو الأقوى.

الفرع الثالث: المضاف النجس إذا استهلك في الكرّ فصار الكرّ مضافاً، هل يحكم بنجاسته أم لا؟ فيه تفصيل: فإنّه تارة يصير مضافاً قبل الاستهلاك فيحكم بالنجاسة؛ لأنّه خرج عن الإطلاق إلى الإضافة حين ملاقاته للمضاف النجس، وأخرى يصير مضافاً بعد الاستهلاك فيحكم بالطهارة؛ لأنّ المضاف النجس حكم عليه بالطهارة بعد أن لاقى الكرّ وقبل انقلاب الكرّ إلى مضاف؛ فالكرّ بعد أن انقلب إلى مضافٍ لم يلاق شيئاً نجساً، بل لاقى طاهراً فلا وجه للحكم بنجاسته، وثالثة يصير مضافاً مقارناً مع الاستهلاك، ففيه إشكال.

ص: 155

ص: 156

6 - باب كراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية وأن يعجن به

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب كراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية وأن يعجن به

شرح الباب:

ذكر أكثر الفقهاء هذه المسألة والمسألة اللاحقة في بحث المضاف والمستعمل مع أنّ موضوعها خارج عن هذا البحث، فالأحسن ذكرها في بحث الماء المطلق.

وهذا الباب معقود لبيان حكم استعمال الماء المسخّن بالشمس في الطهارة وغيرها من الاستعمالات.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال صاحب «المعالم»(قدس سره) : «المشهور بين الأصحاب» أنّ الماء إذا أسخنته الشمس في الآنية كره استعماله في الطهارة.

وقد ادّعى فيه الشيخ الإجماع في الخلاف إلّا أنّه اشترط في الحكم القصد إلى ذلك؛ حيث قال: المسخّن بالشمس إذا قصد به ذلك مكروه

ص: 157

إجماعاً((1))، وأطلق في النهاية،((2)) وكذا أكثر الأصحاب، بل صرّح جمع منهم بعدم الفرق»((3)).

وقال في «الجواهر»: «وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في آنية» كما في المعتبر والنافع والقواعد والتحرير والإرشاد وغيرها، بل في الذخيرة أنّه مشهور بين الأصحاب، بل في الخلاف نقل الإجماع على كراهة الوضوء بالمسخّن بالشمس إن قصد به ذلك. وفي السرائر: إنّ ما أسخنته الشمس بجعل جاعل له في إناء وتعمّده لذلك فإنّه مكروه في الطهارتين معاً فحسب»((4)).

أقوال العامة:

قال ابن قدامة في «المغني»: «ولا تكره الطهارة بالماء المشمّس، وقال الشافعي: تكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه في الأواني، ولا أكرهه إلّا من جهة الطب»((5))، فلم يخالف في ذلك إلّا الشافعي((6)).

ص: 158


1- - الخلاف 1 : 55.
2- - النهاية: 10.
3- - معالم الدين 1 : 395.
4- - جواهر الكلام 1 : 330.
5- - المغني 1 : 17.
6- - انظر: الشرح الكبير 1 : 9.

[530] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْعُبَيْدِيِّ، عَنْ دُرُسْتَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) عَلَى عَائِشَةَ وَقَدْ وَضَعَتْ قُمْقُمَتَهَا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا حُمَيْرَاءُ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: أَغْسِلُ رَأْسِي وَجَسَدِي، قَالَ: لَا تَعُودِي؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ(1)»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمُقْنِعِ» مُرْسَلًا(3).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ» وَفِي «عُيُونِ الْأَخْبَارِ» عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

القمقم - على ما في «لسان العرب» وغيره - : «ما يسخن فيه الماء من

ص: 159


1- ورد في هامش المخطوط ما نصه: حكم المحقّق في المعتبر بصحة هذه الرواية، واعترض عليه صاحب المدارك بما لا وجه له يعتمد على اصطلاحهم. (منه(قدس سره) ). (المعتبر 1 : 39 - 40، ومدارك الأحكام 1 : 116). أقول: لأنّ الصحيح باصطلاح المتأخرين حادث بعد المحقّق 1 على ما قيل، فلا يريده المحقّق، بل يريد بالصحيح: الثابت عن المعصوم بالتواتر أو القرينة. المقرّر
2- تهذيب الأحكام 1 : 366، ح1113، والاستبصار 1 : 30، ح79.
3- المقنع: 22 .
4- علل الشرائع1 : 281، ح1، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 82 ، ح18.

نحاس وغيره، ويكون ضيّق الرأس»((1)).

دلّ الحديث على كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس في إناء - وغسل الرأس والجسد إمّا أن يراد منه معناه الظاهر أو الغُسل الشرعي - لا على حرمة استعماله - وإن كان ظاهر النهي الحرمة - لقرينتين:

الأُولى: قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لا تعودي»، وهو منع عن العود في المستقبل، أو نهي عن التعوّد بمعنى العادة، ولو أراد الحرمة الفعليّة لنهى عنه فعلاً((2)).

ص: 160


1- - لسان العرب 12 : 495، مادة: «قمم»، والنهاية في غريب الحديث 4 : 110.
2- - أقول: ذكر المصنّف في الشرح وجوهاً محتملة في النهي الوارد في الحديث تناسب حمله على الحرمة، فلا موجب لصرفه إلى الكراهة: أحدها: أنّه لا معنى للنهي عن الماضي، بل يتعيّن عوده إلى المستقبل، أعني: العود؛ لعدم إمكان ردّ الماضي. الثاني: أنَّها كانت جاهلة وقت إرادة التسخين، ولم يكن بلغها النهي. ولعلّه إشارة إلى أنّ الجاهل الغافل معذور، بخلاف من أراد العود بعد ورود النهي وتوجّهه إليه. الثالث: أنّه يمكن أن يكون التسخين لم يحصل، وإنَّما حصل الوضع، فلا وجه للنهي عن الاستعمال قبل حصول السخونة. الرابع: أنّه يحتمل عدم وجود ماء آخر عندها، فيكون إشارة إلى اختصاص النهي بما إذا وجد ماء آخر. الخامس: أنّه لا إشعار فيه بالرخصة في استعمال ذلك الماء المسخّن قبل العود، بل التعليل شامل له. (تحرير وسائل الشيعة:553). أقول: تكفي الرخصة في استعماله في صَرف النهي عن الحرمة. وهذه الاحتمالات لا تقاوم هذه القرينة. المقرّر.

الثانية: اشتمال الحديث على الحكمة وهي أن استعماله يورث البرص، بمعنى: أن يكون ذلك بحدّ المقتضي لهذا المرض، فهذا يناسب الكراهة لا الحرمة.

وظاهره النهي عن استعمال المسخّن فيما له مساس بالبدن، ولا يختصّ بالطهارة به.

كما أنّ مورد الكراهة إنَّما تكون إذا قصد تسخينه بالشمس لا مطلقاً، ولكنّ الظاهر أنّ قصد التسخين لا دخل له في الحكمة.

بحث رجالي حول إبراهيم بن عبد الحميد

سند الحديث:

ذكر المصنّف هذا الحديث بثلاثة طرق:

الأول: مسنداً عن «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه ممّن لم يتقدّم:

إبراهيم بن عبد الحميد: قال عنه الشيخ في «الفهرست»: «إبراهيم بن عبد الحميد، ثقة. له أصل»((1)

وعدّه في كتاب «الرجال» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي، مولاهم البزّازالكوفي»((2)

كما عدّه في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) مرّتين، ونصّ على وقفه في الثانية((3)

وثالثة في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «إبراهيم بن

ص: 161


1- - فهرست الطوسي: 40 / 12.
2- - رجال الطوسي: 159 / 1774.
3- - رجال الطوسي: 331 / 4925، و332 / 4947.

عبد الحميد، من أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) ، أدرك الرضا (علیه السلام) ، ولم يسمع منه على قول سعد بن عبد الله، واقفي، له كتاب»((1)).

وقال النجاشي: «إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي، مولاهم كوفي أنماطي، وهو أخو محمد بن عبد الله بن زرارة لأُمه، روى عن أبي عبد الله [ (علیه السلام) ]، وأخواه الصباح وإسماعيل ابنا عبد الحميد. له كتاب نوادر يرويه عنه جماعة»((2)).

وورد في كتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)

فالسند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن «المقنع»، ومراسيله معتبرة على وجهٍ، كما مرّ.

الثالث: مسنداً عن «علل الشرائع» و«عيون أخبار الرضا (علیه السلام) »، وهو معتبر كالأول.

هذا، وقد قال الصدوق في «عيون الأخبار»: «أبو الحسن صاحب هذا الحديث يجوز أن يكون الرضا، ويجوز أن يكون موسى بن جعفر (علیهما السلام) ؛ لأنّ إبراهيم بن عبد الحميد قد لقيهما جميعاً. وهذا الحديث من المراسيل»((4)).

وعلّق عليه العلامة المجلسي (رحمه الله) بقوله: «وأمّا قول الصدوق - رحمه الله - :

ص: 162


1- - رجال الطوسي: 351 / 5195.
2- - رجال النجاشي: 20 / 27.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 211 ، وج2 : 179.
4- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 88.

[531] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) : الْمَاءُ الَّذِي تُسَخِّنُهُ الشَّمْسُ لَا تَتَوَضَّئُوا بِهِ، وَلَا تَغْتَسِلُوا بِهِ، وَلَا تَعْجِنُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

إنّ الخبر من المراسيل، فلا أعرف له معنى إلّا أن يريد أنّ الإمام (علیه السلام) أرسله، وهو من مثله بعيد»((2)).

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس، وظاهره النهي عن استعمال المسخّن في الأعم مما له مساس بالبدن أو لا؛ فالكراهة فيغير الطهارة لذلك، ولعدم القول بالفصل، ولورود ما فيه الرخصة وهو الحديث الثالث من الباب.

وظاهره الإطلاق أيضاً، وعدم التقييد بكونه في إناء، وعدم اختصاص الكراهة بالقصد إلى تسخينه بالشمس.

والفقهاء قيّدوا الكراهة بكون الماء المسخّن بالشمس في إناء، وهذا الحديث مطلق، وقاعدة التقييد لا تجري في المستحبات.

ص: 163


1- الكافي 3 : 15، ح5.
2- - بحار الأنوار 78 : 31.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ(1)1*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه ممن لم يتقدّم ذكره:

الحسن بن أبي الحسين الفارسي: وهو مهمل، لكنّه ورد في أسناد «نوادرالحكمة»((3)).

وفيه أيضاً: سليمان بن جعفر: وهو مشترك بين شخصين:

أحدهما: سليمان بن جعفر: الذي يروي مباشرة عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، وهو مجهول.

ثانيهما: سليمان بن جعفر الجعفري: قال النجاشي عنه وعن أبيه: «سليمان

ص: 164


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1177.
2- 2*) علل الشرائع 1 : 281، ح2.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 281. أقول: وفيه نقلاً عن تهذيب الأحكام: الحسن بن أبي الحسن الفارسي، والصحيح: الحسن بن أبي الحسين الفارسي، بقرينة سائر الروايات. المقرّر.

بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو محمد الطالبي الجعفري، روى عن الرضا (علیه السلام) . وروى أبوه عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكانا ثقتين. له كتاب»((1)).

ووثّقه الشيخ في «الفهرست»((2)) و«الرجال» عادّاً له في أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (علیهما السلام) ((3)

وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»((4)).

والظاهر أنّه الثاني؛ لشهرته وكونه صاحب كتاب.

والمراد من إسماعيل بن أبي زياد: هو السكوني.فالسند معتبر؛ لورود الحسن بن أبي الحسين الفارسي في أسناد «نوادر الحكمة»، أو لكون الحديث من جملة أحاديث كتاب «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو نفس سند الكليني، فيكون معتبراً.

الثالث: سند الصدوق في «العلل»، وقد تقدّمت أفراده فيما سبق، والسند موثق.

ص: 165


1- - رجال النجاشي: 183 / 483.
2- - فهرست الطوسي: 138 / 328.
3- - رجال الطوسي: 338 / 5027، و358 / 5298.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 217 و 223.

[532] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ الْإِنْسَانُ بِالْمَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الشَّمْسِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن الوضوء بالماء الذي يوضع في الشمس، وهذا الحديث يصلح لصرف ما ظاهره حرمة الوضوء بالمسخّن إلى الكراهة.

سند الحديث:

فيه ممّن لم يتقدّم ذكره:

حمزة بن يعلى: قال عنه النجاشي: «حمزة بن يعلى الأشعري، أبو يعلى القمي. روى عن الرضا وأبي جعفر الثاني (علیهما السلام) ، ثقة وجه. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2)).

والسند ضعيف بالإرسال، إلّا أنّ هذا الحديث كان في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وهو بشهادة الصدوق في «الفقيه» من الكتب المشهورةالتي عليها المعوّل وإليها المرجع، فيمكن القول باعتباره.

ص: 166


1- تهذيب الأحكام 1 : 366، ح1114.
2- - رجال النجاشي: 141 / 366.

أَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ(1)1*)، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي آدَابِ الْحَمَّامِ فِي أَحَادِيثِ النُّورَةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة دلّت على كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس - وإن لم يُقصد تسخينه - في الطهارة وغيرها.

ص: 167


1- 1*) تقدّم في الحديث 2 من هذا الباب.
2- 2*) يأتي في الحديث 4 من الباب 40 من أبواب آداب الحمام.

ص: 168

7 - باب كراهة الطهارة بالماء الذي يسخن بالنار في غسل الأموات وجوازه في غسل الأحياء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب كراهة الطهارة بالماء الذي يسخن بالنار في غسل الأموات وجوازه في غسل الأحياء

شرح الباب:

هذه المسألة كسابقتها محلّها أبواب الماء المطلق، كما سبق التنبيه عليه.

وهذا الباب يحوي حكمين:

الأول: كراهة الطهارة بالماء المسخّن بالنار في غُسل الأموات.

الثاني: عدم كراهة الطهارة بالماء المسخّن بالنار للأحياء.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال في «المدارك»: «هذا الحكم - أي: كراهة غسل الأموات بالماء المسخن بالنار - مجمع عليه بين الأصحاب، حكاه في المنتهى ... والنهي وإن كان حقيقة في التحريم، لكنّه محمول على الكراهة؛ لاتفاق الأصحاب على أنّ ذلك غير محرّم، قال الشيخ: ولو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة، وهو حسن»((1)).

ص: 169


1- - مدارك الأحكام 1 : 118.

[533] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ(1)، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «لَا يُسَخَّنُ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أقوال العامّة:

قال النووي في «المجموع»: «وأمّا المسخّن فالجمهور أنّه لا كراهة فيه، وحكى أصحابنا عن مجاهد كراهته، وعن أحمد كراهة المسخّن بنجاسة، وليس لهم دليل فيه»((3)).

وقال عبد الرحمن بن قدامة في «الشرح الكبير»: «لا تكره الطهارة به، أي: المسخّن بالنار، لا نعلم فيه خلافاً، إلّا ما روي عن مجاهد أنّه كره الوضوء بالماء المسخن، وقول الجمهور أولى»((4)).

[1] - فقه الحديث:

ظاهر النهي هنا حرمة تسخين الماء لغسل الميت، ولكن لابد من حمله

ص: 170


1- ليس في المصدر. وما في المتن ورد في الوافي 4 : 150 ، المجلد 3 ، وترتيب تهذيب الأحكام 1 : 80.
2- تهذيب الأحكام 1 : 322، ح938، وأورده في الحديث 1 من الباب 10 من أبواب غسل الميت.
3- - المجموع 1 : 91.
4- - الشرح الكبير 1 : 9.

أَقُولُ: وَيَأْتِي أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

على الكراهة؛ لورود ما يدلّ على جواز ذلك، وهو ما رواه في «الفقيه»: «إلّا أن يكون شتاءاً بارداً، فتوقي الميّت مما توقي منه نفسك»((2)).

سند الحديث:

إسناد الشيخ الطوسي إلى علي بن مهزيار:

ذكر الشيخ في «الفهرست» طريقين لكتب علي بن مهزيار:

أولها: أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عنه، إلّا كتاب المثالب، فإنّ العباس روى نصفه عنه.

ثانيها: رواها أبو جعفر ابن بابويه، عن أبيه وموسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه.

وله وفاة أبي ذرL، وحديث بدر، وإسلام سلمان الفارسيL، ورويناه بهذا الإسناد عنه((3)).

ص: 171


1- 1*) يأتي في الباب 10 من أبواب غسل الميت.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 142، ح395.
3- - فهرست الطوسي: 152 / 379.

وأمّا إبراهيم بن مهزيار: فلم يرد فيه توثيق خاص، لكن سبق((1)) أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، فيكون ثقة عندنا. كما أنّه ورد في القسم الثاني من «تفسير القمي»، فيكون ثقة عند من يعتبر وثاقة من وقع في القسمين كالسيد الأستاذ(قدس سره) .

ولو غضضنا الطرف عن هذا، فإنّ في الطريق الأول كفاية؛ لخلوِّه عن إبراهيم، ووثاقة بقيّة سلسلة الطريق. فكل ما يرويه الشيخ أو الصدوق عن علي بن مهزيار معتبر بهذا الطريق؛ لأنّه عام لجميع كتبه ورواياته.

هذا، مضافاً إلى عدّ الصدوق كتاب علي بن مهزيار من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع.

ص: 172


1- - إيضاح الدلائل 1 : 210.

[534] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَال:َ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فِي أَرْضٍ بَارِدَةٍ، وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَنَّهُ اضْطُرَّ إِلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَأَتَوْهُ بِهِ مُسَخَّناً، فَاغْتَسَلَ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْغُسْلِ(1)»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الاغتسال بالماء المسخّن عند الاضطرار له، ويفهم منه وجود الحزازة والمرجوحيّة بدون ذلك، ولكن هذه الحزازة والمرجوحية لا تصل إلى حدّ الحرمة؛ لما مرّ في الباب السابع من أبوابالماء المطلق من الترخيص بالاغتسال في الحمّام، ومن المعلوم أنّ ماء

ص: 173


1- ورد في هامش المخطوط ما نصه: حديث محمد بن مسلم مخصوص بالاضطرار؛ لأنّا نقول: لا نصّ في الكراهة حال الاختيار، والنصّ العام شامل للبارد والحار. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 198، ح576، والاستبصار 1 : 163، ح564.
3- تقدّم ما يدل على الحكم الثاني في الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
4- يأتي في الباب 10 من أبواب غسل الميت، والأحاديث 1و4 و6 و7 من الباب 1، والحديث 1 من الباب 13، والحديث 1 و 2 من الباب 27 من أبواب آداب الحمام.

الحمام مسخّن بالنار عادة.

المتحصل من الحدیث

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو صحيح أعلائي.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أولهما معتبر، والثاني صحيح. وقد دلّا على:

1- كراهة الطهارة بالماء الذي يسخّن بالنار في غسل الأموات، ولا يحرم ذلك، بل تنتفي الكراهة إذا خشي الغاسل البرد، وإنّ الميّت يُوقّى ممّا يتوقّى منه الحي.

2- جواز اغتسال الأحياء بالماء المسخّن عند الاضطرار إليه، وأما بدون الاضطرار فمكروه.

ص: 174

8 - باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر وكذا بقية مائه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر وكذا بقية مائه

شرح الباب:

الماء المستعمل هو الماء القليل الذي ينفصل عن أعضاء الطهارة((1)

وهو إمّا أن يكون في غُسل أو في وضوء، وكلاهما إمّا أن يكونا لرفع حدث أو لغاية أخرى، فهنا أربعة فروض، والظاهر أنّه لا فرق بين هذه الفروض، والحكم فيها واحد، ولا بين ما يستعمل منه في الغسل والمضمضة والاستنشاق وغيرها ما دام باقياً على كونه ماء.

وهذا الباب معقود لبيان أنّه طاهر في نفسه ومطهر عن الحدث إذا استعمل في وضوء سابق.

وسيأتي في الباب اللاحق أنّ الحكم نفسه - من حيث الطهارة - فيما إذا استعمل في غُسل سابق. وأمّا في كلام الفقهاء فهناك خلاف في رفعه للحدث الأكبر.

ويطلق الماء المستعمل أيضاً على الماء القليل الذي غسلت به الأخباث،

ص: 175


1- - مدارك الأحكام 1 : 127.

ولم يتعرّض له الماتن في هذه الأبواب، واقتصر على ذكر ماء الاستنجاء خاصّة كما يأتي.

وهو إمّا أن يكون مستعملاً في رفع الخبث في الاستنجاء، فهذا طاهر بشروط، ويرفع الخبث أيضاً، وفي رفعه للحدث خلاف.

وإمّا أن يكون مستعملاً في رفع الخبث في غير الاستنجاء، فحكمه مختلف فيه من حيث جواز استعماله في الوضوء أو الغسل، ومن حيث طهارته في نفسه.

ثم إنّ الماتن نصّ على أنّ حكم الماء الباقي الذي لم يتوضأ به هو حكم ماء الوضوء في كونه طاهراً مطهراً.

والمستعمل في التنظيف وإزالة الأوساخ طاهر ومطهّر ما دام مطلقاً.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال صاحب «المدارك» - عند قول المحقّق: والمستعمل في الوضوء طاهر مطهر - : «هذا الحكم إجماعي عندنا، وخالف فيه أبو حنيفة ... فحكم بأنّه نجس نجاسة مغلّظة...»((1)).

وقال في «الجواهر»: «والماء المستعمل في الوضوء طاهر ومطهّر إجماعاًمحصّلاً ومنقولاً، نصّاً وظاهراً وسنّة عموماً وخصوصاً، من غير فرق بين

ص: 176


1- - مدارك الأحكام 1 : 126.

المبيح والرافع، ولا بين ما يستعمل منه في الغسل والمضمضة والاستنشاق وغيرها بشرط بقاء المائيّة»((1)).

بل عن السيد الأُستاذ: أنّ طهارة المستعمل في الوضوء من ضروريات الفقه، بل قيل: إنّها من ضروريات المذهب((2)).

أقوال العامة:

قال في «المغني»: «(ولا يتوضأ بماء قد وضئ به) يعني: الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ. والمغتسل في معناه. وظاهر المذهب: أنّ المستعمل في رفع الحدث طاهر غير مطهّر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً، وبه قال الليث والأوزاعي، وهو المشهور عن أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك، وظاهر مذهب الشافعي. وعن أحمد رواية أخرى أنّه طاهر مطهّر، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي والزهري ومكحول وأهل الظاهر، والرواية الثانية لمالك، والقول الثاني للشافعي»((3)).

وقال ابن حزم في «المحلّى»: «والوضوء بالماء المستعمل جائز، وكذلك الغسل به للجنابة، وسواء وجد ماء آخر غيره أو لم يوجد، وهو الماء الذيتوضأ به بعينه لفريضة أو نافلة، أو اغتسل به بعينه لجنابة أو غيرها، وسواء كان المتوضئ به رجلاً أو امرأة - ثم استدل على ذلك، ثم قال: - وهو قول

ص: 177


1- - جواهر الكلام 1 : 358.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 279.
3- - المغني 1 : 18.

الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح، وهو أيضاً قول سفيان الثوري وأبي ثور وداود وجميع أصحابنا.

وقال مالك: يتوضأ به إن لم يجد غيره ولا يتيمّم .

وقال أبو حنيفة: لا يجوز الغسل ولا الوضوء بماء قد توضأ به أو اغتسل به، ويكره شربه، وروي عنه أنّه طاهر، والأظهر عنه أنّه نجس، وهو الذي روي عنه نصّاً، وأنّه لا ينجس الثوب إذا أصابه الماء المستعمل إلّا أن يكون كثيراً فاحشاً.

وقال أبو يوسف: إن كان الذي أصاب الثوب منه شبر في شبر فقد نجّسه، وإن كان أقل لم ينجّسه.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان رجل طاهر قد توضأ للصلاة أو لم يتوضأ لها فتوضأ في بئر فقد تنجّس ماؤها كلّه، وتنزح كلّها، ولا يجزيه ذلك الوضوء إن كان غير متوضئ، فإن اغتسل فيها أيضاً أنجسها كلّها، وكذلك لو اغتسل وهو طاهر غير جنب في سبعة آبار نجّسها كلّها.

وقال أبو يوسف: ينجّسها كلّها ولو أنَّها عشرون بئراً. وقالا جميعاً: لا يجزيه ذلك الغسل. فإن طهّر فيها يده أو رجله فقد تنجّست كلّها»((1)).

فظهر من هذا كلّه: أنّ لهم ثلاثة أقوال: قولاً بكونه طاهراً مطهّراً، وقولاً بكونه طاهراً غير مطهّر إلّا إذا لم يجد غيره، وقولاً بكونه نجساً.

ص: 178


1- - المحلى 1 : 183 - 185.

[535] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله و سلم) إِذَا تَوَضَّأَ أُخِذَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وُضُوئِهِ فَيَتَوَضَّئُونَ بِهِ(1)»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الماء الذي استعمله النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) طاهر في نفسه ومطهّر؛ فإنّ أخذ الصحابة لما يسقط من وضوئه وتوضئهم به كان بمرأى من النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ولم ينكر عليهم ولم ينههم عنه، فيدلّ ذلك على أنّ الماء طاهر، وإلّا لما جاز استعماله، وعلى أنّه يجوز استعماله في الوضوء، وإنَّما كانوا يأخذون ما يتساقط منه من ماء الوضوء تبرّكاً به(صلی الله علیه و آله و سلم) ؛ لأنّ هذا الماءلامس جسده الشريف، فهذا ثابت بتقرير النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لفعلهم، وبتقرير أحد

ص: 179


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: ذكر الشهيد في ذكرى الشيعة: أنّ الماء المستعمل في نفل الغسل أولى بجواز الاستعمال من ماء الوضوء، وأنّ الخلاف مخصوص بالمستعمل في غسل الجنابة. ورجّح جواز استعماله كذلك جمع من المحقّقين. (منه(قدس سره) ). (راجع: ذكرى الشيعة 1 : 103، بتصرّف).
2- تهذيب الأحكام 1 : 221، ح631.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 10، ح17.

الصادِقَين (علیهما السلام) ؛ لحكايته ذلك وعدم إنكاره.

كما دلّ أيضاً على جواز التبرّك، خلافاً لبعض أهل الخلاف. وكلمة «كان» في الحديث تدلّ على استمرار هذه السيرة منهم على ذلك.

اشتراك الحسن بن علي بين جماعة

سند الحديث:

ذكره الماتن بنحوين:

النحو الأول: مسنداً عن «التهذيب»، وفيه: الحسن بن علي: وهو مشترك - بهذا العنوان - بين جماعة:

منهم: الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمداني؛ لرواية سعد بن عبد الله عنه صريحاً، وهو مجهول. وإرادته هنا بعيدة جداً؛ لإهماله في كتب الرجال أولاً، وقلّة رواية سعد بن عبد الله عنه بنحو لا يناسب إرادته له عند الإطلاق، ولا سيّما مع عدم ثبوت روايته عن أحمد بن هلال، فبملاحظة الراوي والمروي عنه يبعد أن يكون هو المراد هنا.

ومنهم: الحسن بن علي بن فضّال كما عيّنه المحقّق في «المعتبر»((1))، والشيخ الأعظم في كتابه «الطهارة»((2)) في سند مشابه يأتي في الحديثالثاني من هذا الباب والباب التاسع من هذه الأبواب، وهو سند الحديث الثالث عشر، وهو بعيد جداً أيضاً؛ لأنّ سعد بن عبد الله يروي عن الحسن بن

ص: 180


1- - المعتبر1 : 87.
2- - كتاب الطهارة 1 : 355.

علي بن فضال بواسطتين؛ كما أنّه لم تعهد رواية الحسن بن علي بن فضال عن أحمد بن هلال، فإرادته هنا لا تناسب طبقات الرواة. وعدم معهوديّة رواية ابن فضال عن ابن هلال لا تناسب الانصراف إليه عند الإطلاق.

ومنهم: الحسن بن علي بن المغيرة: وثّقه النجاشي((1))، وهو يروي عن ابن هلال، ويروي عنه سعد.

ومنهم: الحسن بن علي الزيتوني: ولم يرد فيه شيء إلّا كونه من رجال «كامل الزيارات»، وليس من مشايخه((2)).

وفيه: أحمد بن هلال: وهو العبرتائي، وقد فصّلنا الكلام فيه في كتابنا «أُصول علم الرجال»، وقلنا: إنّه مختلف فيه، فقد وثّقه جماعة، وضعّفه آخرون، وقد ذهب السيد الأُستاذ إلى القول بوثاقته وإن كان منحرفاً في عقيدته((3))، لكنّا استشكلنا في القول بوثاقته، وناقشنا الوجوه التي استدلّ بهاعلى الوثاقة، وخلصنا إلى القول بأنّه ضعيف، لا يعتمد على ما يرويه في الكتب الأربعة إلّا إذا أُحرز أنّ روايته كانت قبل انحرافه، أو كانت عن

ص: 181


1- - رجال النجاشي: 49 / 106.
2- - ولعلّ الأخير أقرب؛ لقرينتين: الأولى: تكرّر رواية سعد بن عبد الله عن أحمد بن هلال بواسطته. الثانية: أنّ الزيتوني أشعري كالراوي عنه، أعني: سعد بن عبد الله، وهذا يناسب إرادته عند إطلاقه. المقرّر.
3- - معجم رجال الحديث 3 : 152.

[536] 2- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ بِهِ، فَيَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَهُ فِي شَيْ ءٍ نَظِيفٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرُهُ وَيَتَوَضَّأَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

«المشيخة» لابن محبوب، أو عن «نوادر ابن أبي عمير»؛ لشهرة الكتابين((2)).

فهذا السند ضعيف.

النحو الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد مرّ القول بأنّ مراسيل الصدوق فيه معتبرة.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الوضوء من الماء المستعمل في وضوء الغير، ومعنى هذا: أنّ الماء المستعمل في الوضوء طاهر في نفسه، وإلّا لكان في استعماله ثانية بأس، بل هو موجب للتطهّر من الحدث الأصغر.

سند الحديث:

مقصوده من الإسناد إلى أحمد بن هلال هو السند السابق عن «التهذيب»في الحديث الأول، وقد مرّ الكلام فيه. لكن أحمد بن هلال هنا روى عن

ص: 182


1- تهذيب الأحكام 1 : 221، ح630، ورواه في الاستبصار 1 : 27، ح71.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 344 - 347.

[537] 3- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : أَيُتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِ وُضُوءِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ يُتَوَضَّأُ مِنْ رَكْوٍ أَبْيَضَ مُخَمَّرٍ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ مِنْ فَضْلِ وُضُوءِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ أَحَبَّ دِينِكُمْ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الحسن بن محبوب، وقد سبق أنّه إذا كانت الرواية من كتاب «المشيخة» فهي معتبرة؛ لشهرة الكتاب، لكن الشأن في إثبات أنّ الرواية هي من كتاب «المشيخة».

لكن ما يسهل الخطب أنّ للشيخ في «الفهرست» طريقين صحيحين إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب،كما أنّ كتب عبد الله بن سنان رواها عنه جماعات من أصحابنا((2))، فهي مشهورة لا تحتاج إلى ملاحظة الطريق إليها، وعلى هذا يكون السند معتبراً.

[3] - فقه الحديث:

الركو والركوة: «إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء»((3)).

والمراد من كونه أبيضَ: هو أنّه نظيف غير متّسخ. ومخمّر، أي: مغطى؛ لئلّايدخل فيه شيء. والحنيفيّة: المستقيمة المائلة عن الباطل إلى الحقّ، وهي

ص: 183


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 9، ح16.
2- - أًصول علم الرجال 1 : 137.
3- - النهاية في غريب الحديث 2 : 261.

هنا صفة محذوف، والتقدير: الطريقة الحنيفيّة، والسمحة: التي لا تضييق فيها، والسهلة: ما ليس فيها مشقّة وشدّة.

والكلام هنا في بقيّة الماء الذي يتوضأ منه لا في نفس الماء الذي يستعمل في الوضوء كالحديثين السابقين. والمراد بفضل وضوء المسلمين ما يبقى في الإناء ونحوه بعد وضوئهم منه، فالسؤال عن الماء النظيف غاية النظافة أحب إليك يتوضأ منه أم الماء الذي بقي من وضوء المسلمين الذين لا يعلم مدى توقّيهم عن النجاسة؟ فأجاب (علیه السلام) بأنّ الثاني أحبّ إليه؛ فإنّ ظاهرهم الطهارة.

وفيه تصريح بنفي كراهة الوضوء من بقيّة وضوء جماعة المسلمين، وهذا يدلّ على طهارة سؤرهم، بل ضم طرفي التخيير واختيار الإمام للطرف الثاني وهو الوضوء من فضل جماعة المسلمين يشعر بمرجوحيّة اجتناب سؤر المسلمين. وقوله (علیه السلام) : «فإنّ أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة السمحة السهلة» يشعر أيضاً بذم الوسواس الذي ينشأ منه تجنب سؤرهم؛ فإنّ تجنبه موجب للوقوع في المشقة، ومن المعلوم: أنّ الإسلام هو دين اليسر والسهولة.

سند الحديث:

مرّ أن مراسيل الصدوق في «الفقيه» يمكن القول باعتبارها.

ص: 184

[538] 4- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) كَانَ يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ قَائِماً، فَالْتَفَتَ إِلَى الْحَسَنِ (علیه السلام) فَقَالَ: يَا بُنَيَّ(1)، إِنِّي رَأَيْتُ جَدَّكَ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) صَنَعَ هَكَذَا(2)»(3).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ على استحباب الشرب من بقيّة ماء الوضوء؛ لاستمرار أمير المؤمنين (علیه السلام) على ذلك، المعتضّد بفعل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ذلك، وهذا يدلّ على طهارة الباقي من الماء المستعمل في الوضوء، وإلّا لما جاز شربه. وأمّا كون الشرب قائماً، فلعلّه في خصوص شرب بقيّة الوضوء، وأمّا غيره فتوجد أحاديث مفصّلة بين الليل والنهار، ففي الليل يكون الشرب جالساً دون النهار.

ص: 185


1- في المصدر زيادة: بأبي أنت وأُمّي.
2- ورد في هامش النسخة الثانية من المخطوط ما نصّه: الشرب من قيام، ويأتي تخصيصه بالنهار في الأشربة. (منه(قدس سره) ).
3- المحاسن: 580، ح50.
4- يأتي في الحديث 13 من الباب 9 من هذه الأبواب.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

فيه: ابن العرزمي: وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، وقد تقدّم توثيقه عن النجاشي. ولا يتوهم الإرسال؛ لوجود الحسين بن سعيد في بعض الأسانيد؛ فإنّ الشيخ في «الفهرست» ذكر طريقه إليه، وفيه: أحمد بن أبي عبد الله - أي: البرقي - عنه((1)

أي: إنّه يروي عنه بلا واسطة، فلا إرسال.

وفيه أيضاً: حاتم بن إسماعيل: وهو المدني، قال النجاشي: «حاتم بن إسماعيل المدني، مولى بني عبد الدار بن قصي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، عامّي، قال الواحدي: مات سنة ست وثمانين ومائة»((2))، فلم يرد فيه شيء، فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، رابعها ضعيف، والثلاثة الباقية معتبرة.

وقد دلّت على أنّ الماء المستعمل في الوضوء طاهر في نفسه ومطهّر للحدث الأصغر إذا توضئ به، كما أنّ بقيّة الماء الذي توضّأ منه المسلم كذلك طاهر ومطهّر عن الحدث الأصغر؛ لطهارة سؤر المسلم، ولا يكره استعماله في الوضوء، بل الاجتناب عنه وسواس مذموم، والشريعة سمحة لا تضييق فيها، وسهلة لا مشقة فيها.

ص: 186


1- - فهرست الطوسي: 272 / 846.
2- - رجال النجاشي: 147 / 382.

9 - باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

9 - باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة((1))

شرح الباب:

لم يبيّن الماتن(قدس سره) حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما يتبعه من القطرات التي تنتضح منه والغسالة أيضاً في عنوان الباب من حيث رافعيته للحدث؛ وذلك لاختلاف ما يستفاد من أحاديث الباب، واختلاف أقوال العلماء بتبع ذلك.

ولا إشكال في صحّة الغسل والوضوء في المياه المعتصمة وإن اغتسل

ص: 187


1- - جاء في هامش المخطوط الأول ما نصّه: «قال ابن ادريس: الظاهر من الآيات والأخبار طهارة الماء المستعمل في الوضوء والغسل ورفع الحدث به، وحكم بأنّه طاهر ومطهّر، وكذا جماعة من علمائنا». وورد في هامش المخطوط الثاني تتمّة له وهي: «ذكر الشهيد في ذكرى الشيعة: أنّ الماء في نفل الغسل أولى بجواز الاستعمال من ماء الوضوء، وأنّ الخلاف مخصوص بالمستعمل في غسل الجنابة، ورجّح جواز استعماله كذلك جمع من المحقّقين». (منه(قدس سره) ) (راجع: ذكرى الشيعة 1 : 103، بتصرّف، والسرائر 1 : 56).

فيها من الجنابة؛ للإجماع المنعقد على ذلك، وللسيرة المستمرة عند المتشرّعة المعلوم تحققها من صدر الشريعة،كما يظهر ذلك من أسئلة الرواة عن حكم المياه المجتمعة التي يغتسل فيها الجنب وغيره الظاهرة في كون اغتسال المذكورين أمراً متعارفاً. وإنَّما الكلام في صحّة الغسل ثانياً من الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر، وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف.

أقوال الخاصة:

قال صاحب «المدارك»: «اختلف الأصحاب في الماء القليل المستعمل في الطهارة الكبرى بعد اتفاقهم على طهارته، فقال الشيخان وابنا بابويه(قدس سره) : إنّه غير رافع للحدث، واحتاط به المصنّف. وذهب المرتضى وابن إدريس* وأكثر المتأخرين إلى بقائه على الطهوريّة، وهو الأظهر... والمراد بالمستعمل: الماء القليل المنفصل عن أعضاء الطهارة. فعلى هذا لو نوى المرتمس في القليل بعد تمام ارتماسه ارتفع حدثه، وصار الماء مستعملاً بالنسبة إلى غيره لا بالنسبة إليه.

وظاهر العبارة: أنّ الخلاف إنَّما وقع في رفع الحدث به ثانياً لا في إزالة الخبث. وبه صرّح العلامة في المنتهى، وولده في الشرح؛ فإنَّهما نقلا إجماع علمائنا على جواز رفع الخبث به.

وربَّما يظهر من عبارة الذكرى تحقّق الخلاف في ذلك أيضاً؛ فإنّه قال - بعد أن نقل عن الشيخ والمصنّف الجواز - : وقيل: لا؛ لأنّ قوته استوفيت فأُلحق

ص: 188

بالمضاف. وهو ضعيف جدّاً. وربَّما كان القول للعامّة كما يشعر به التعليل»((1)).

وهناك قول بالتفصيل بين ما إذا كان الماء المستعمل كرّاً فيرفع الحدث، وبين ما إذا كان أقلّ منه فلا يرفعه، ذكره الشيخ في «المبسوط»، قال(قدس سره) : «ما استعمل في غسل الجنابة والحيض فلا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإن كان طاهراً . فإن بلغ ذلك كرّاً أزال حكم المنع من رفع الحدث به؛ لأنّه قد بلغ حدّاً لا يحتمل النجاسة، وإن كان أقلّ من كرّ كان طاهراً غير مطهّر يجوز شربه وإزالة النجاسة به؛ لأنّه ماء مطلق، وإنَّما منع من رفع الحدث به دليل، وباقي الأحكام على ما كانت»((2)).

ويظهر هذا القول من ابن حمزة في «الوسيلة» حيث منع من استعماله ثانياً في رفع الحدث إلّا بعد أن يبلغ كرّاً فصاعداً((3)).

أقوال العامة:

قال في «المغني» - بعد أن ذكر الخلاف بينهم في رافعيّة المستعمل في الوضوء أو الغسل للحدث، والخلاف في طهارته وقد نقلناه في الباب السابق - : «(فصل) وجميع الأحداث سواء فيما ذكرنا - الحدث الأصغر والجنابة والحيضوالنفاس وكذلك المنفصل من غسل الميّت إذا قلنا بطهارته»((4)).

ص: 189


1- - مدارك الأحكام 1 : 126 - 128.
2- - المبسوط 1 : 11.
3- - الوسيلة: 74.
4- - المغني 1 : 20.

[539] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْجُنُبِ يَغْتَسِلُ فَيَنْتَضِحُ مِنَ الْأَرْضِ فِي الْإِنَاءِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ، هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عمّا يستهلك من الماء الذي يصيب المغتسِل بسبب رجوعه من الأرض إلى الإناء؛ وذلك لأنّ السائل احتمل أن يؤثر اختلاط الماء بما استعمل في رفع الحدث الأكبر في صحّة الغسل منه، فنفاه الإمام (علیه السلام) ، ونصّ على أنّه لا بأس بالغسل منه؛ لعدم مانعيّة اختلاط هذا المقدار القليل منه، ثم استشهد بالآية الشريفة الدالّة على رفع الحرج في الشريعة.

لا يقال: إنّ المستفاد من الاستشهاد بالآية الشريفة: أنّ هذا المقدار من الماء نجس؛ إمّا لنجاسة الأرض الملاقي لها أو لنجاسة بدن الجنب، وقداستثني من النجاسة بالآية تخفيفاً؛ فإنّه لو منع من استعمال ذلك الماء الذي انتضح فيه من غسل الجنب لحصل الحرج. ومن المعلوم: أنّه لو كان طاهراً فلا منع ولا حرج في ذلك؛ فإنّه متى كان بدن الجنب طاهراً والأرض التي

ص: 190


1- الحج، الآية 78.
2- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح225.

يغتسل عليها طاهرة فالمنتضح منها باقٍ على أصله من الطهارة كسائر المواضع الملاقية للماء الطاهر.

فإنّه يقال: يكفي في النكتة التي تترتّب على إيراد الآية هنا بيان عدم المانعيّة من رأس، خلافاً لبعض العامّة، وأنّ ما ذكر هو من الأحكام السهلة التي بنيت الشريعة عليها، فلا يلزم المصير إلى ما ذكر؛ فإنّه لا دليل عليه.

سند الحديث:

تقدم سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد، وكذا بقيّة أفراد السند، والمراد من ابن أذينة: هو عمر بن أذينة، والمراد بالفضيل: هو الفضيل بن يسار؛ لرواية عمر بن أذينة عنه، ولروايته عن الإمام الصادق (علیه السلام) من جهة، ولأنّ الإطلاق ينصرف إلى المشهور المعروف. وفي هذا المورد ينصرف إلى ابن يسار الثقة العالم المعدود من جملة أصحاب الإجماع.

فالسند معتبر.

ص: 191

[540] 2- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَخْرُجُ مِنَ الْحَمَّامِ فَيَمْضِي كَمَا هُوَ لَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أن بقيّة ماء الغسل طاهر، وأنّه يجوز دخول الصلاة به بلا لزوم لإزالته بماء آخر. ويدلّ أيضاً على طهارة غسالة ماء الحمام؛ فإنّ رجلي الإمام (علیه السلام) قد لاقتا غسالة الحمام عند الخروج منه لا محالة، فلو كانت متنجّسة لما ساغ الدخول في الصلاة بدون تطهير محلّها.

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو الحسين بن سعيد، وصفوان: هو صفوان بن يحيى، وابن بكير: هو عبد الله بن بكير، والسند موثّق.

ص: 192


1- تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1174.

[541] 3- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْحَمَّامُ يَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ وَغَيْرُهُ، أَغْتَسِلُ مِنْ مَائِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْهُ الْجُنُبُ، وَلَقَدِ اغْتَسَلْتُ فِيهِ ثُمَّ جِئْتُ فَغَسَلْتُ رِجْلَيَّ، وَمَا غَسَلْتُهُمَا إِلَّا بِمَا لَزِقَ بِهِمَا مِنَ التُّرَابِ»(1).

أَقُولُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَغَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ مَاءِ الْحَمَّامِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

مضى الكلام في دلالته على طهارة غسالة الحمام، وهو يدلّ على نفي البأس عن الاغتسال بماء قد اغتسل فيه الجنب وغيره، وهذا معناه: أنّ الماء المستعمل في رفع حدث الجنابة وغيره يرفع الجنابة، ومنه يُفهم جواز رفع الحدث الأكبر؛ إذ لا خصوصيّة لاغتسال الجنب بقوله (علیه السلام) : «نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب».

سند الحديث:

تقدّم هذا السند في الحديث الثاني من الباب السابع من أبواب الماء المطلق،وقد سبق أنّ المراد من أبي أيوب: هو أبو أيوب الخزاز، وأنّ السند صحيح.

ص: 193


1- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1172.
2- تقدّم في الحديث 1،3،6،7،8 من الباب 7 من أبواب الماء المطلق.

[542] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا أَصَابَ الرَّجُلَ جَنَابَةٌ فَأَرَادَ الْغُسْلَ فَلْيُفْرِغْ عَلَى كَفَّيْهِ فَلْيَغْسِلْهُمَا دُونَ الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي إِنَائِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ لْيَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِلْ ءَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ يَضْرِبُ بِكَفٍّ مِنْ مَاءٍ عَلَى صَدْرِهِ وَكَفٍّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ، فَمَا انْتَضَحَ مِنْ مَائِهِ فِي إِنَائِهِ بَعْدَ مَا صَنَعَ مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كيفّية التخلّص من حزازة الماء المنتضح علی الإناء الذي يغتسل منه

[4] - فقه الحديث:

ذكر الإمام (علیه السلام) كيفيّة، بها يتخلّص المغتسِل من حزازة الماء المنتضح على الإناء الذي يغسل منه، وذلك بأن يفيض الماء على كفيه فيغسلهما دون المرفق، أي: أسفل منه أو عنده، وهو من المستحبات قبل الاغتسال، وفيه مبالغة في التنظيف والأخذ بالاحتياط. واقتصرت بعض الأحاديث على الكف، وبعضها أدخل المرافق، ثم يدخل يده وهي نظيفة في إنائه، ثم يغسل فرجه؛ ليكون بدنه طاهراً قبل الابتداء بالغُسل، ثم يصب على رأسه ملء كفيه ثلاث مرات، ثم يضرب بكف من ماء على صدره، وكف بينكتفيه، ثم يفيض الماء على جسده كلّه وهو الاغتسال عن الجنابة. وقد دلّ الحديث بظاهره على أنّ للكيفيّة المذكورة دخلاً في عدم البأس بالانتضاح

ص: 194


1- تهذيب الأحكام 1 : 132 ، ح364، ويأتي في الحديث 8 من الباب 26 من أبواب الجنابة.

من ماء الغسل في الإناء؛ فإنّه بعد تسليم أنّه لا بأس بانتضاح ماء الغسل في نفسه لا بد أن يكون ثبوت البأس بمخالفة الكيفيّة المذكورة من جهة إخلال المجنب بتطهير فرجه، فإنّه إذا خالف الكيفيّة وغسله في أثناء الغسل كان ذلك موجباً لاختلاط غسالة المني بالغسالة المنفصلة عن ماء الغسل وانفعاله بها، الموجب لانفعال الماء بانتضاحه في الإناء.

ولكن قد يقال: إنّ الفرج إذا لم تكن عليه نجاسة، وخالف المغتسِل الكيفيّة، فأيضاً فيه البأس.

ولكنّ الظاهر أنّ كلمة «بعد» في قوله (علیه السلام) : «فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع ما وصفت لك» هي بمعنى: سوى، فيكون المعنى: أنّ ما انتضح من مائه في إنائه سوى ما صنع فلا بأس به، ولا يكون نجساً، ولا مؤثراً في عدم رفع حدث الجنابة باختلاطه بماء الغُسل.

فهي ليست ظرفاً زمانياً هنا، بل هي نظير ما قيل في «الخمس بعد المؤونة» من أنّ الخمس فيما هو سوى المؤونة؛ فإنّ ما وصفه الإمام (علیه السلام) للسائل لم يقتصر على غسل الفرج ليأتي ما ذُكر، بل تعدّاه لغسل الكفين مطلقاً، سواء كانتا قذرتين أم لا، وصبّ الماء على الصدر وبين الكتفين، فتأمّل.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 195

[543] 5- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ شَاذَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْفُضَيْلِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَغْتَسِلُ فَيَنْتَضِحُ مِنَ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ، {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(1)»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ كَمَا مَرَّ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

متن الحديث قريب من متن الحديث الأول من هذا الباب، وقد دلّ على نفي البأس عمّا يستهلك من القطرات المنتضحة من اغتسال الجنب، إلّا أنّه يختلف عن الأول في قوله: «فينتضح من الماء في الإناء» بينما في الأول: «فينتضح من الأرض في الإناء».

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة أسانيد:

ص: 196


1- الحج، الآية 78.
2- الكافي 3 : 13، ح7.
3- مرّ في الحديث 1 من هذا الباب.
4- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح224.

[544] 6- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْجُنُبِ يَغْتَسِلُ فَيَقْطُرُ الْمَاءُ عَنْ جَسَدِهِ فِي الْإِنَاءِ وَيَنْتَضِحُ الْمَاءُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَصِيرُ فِي الْإِنَاءِ؟: «إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَذَا كُلِّهِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّفَّارُ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وقد تقدّم الكلام حول رجاله، والسند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد سبق أنّه معتبر.

ثالثها: سند الشيخ أيضاً في «التهذيب» عن الكليني، وهو معتبر كالسند الأول.

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عمّا ينتضح من الماء الذي يصيب داخل الإناء الذي يغتسل منه، وكذا ما ينتضح بسبب رجوعه من الأرض إلى

ص: 197


1- الكافي 3 : 13، ح6.
2- بصائر الدرجات: 258، ح13، ويأتي صدره في الحديث 2 من الباب 45 من أبواب الجنابة، وتقدّم ذيله في الحديث 11 من الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

الإناء؛ وذلك لما سبق من الارتكاز الموجود في ذهن السائل القاضي بأن يؤثّر اختلاط الماء بما استعمل في رفع الحدث الأكبر في صحّة الغسل منه، فنفاه الإمام (علیه السلام) ، ونصّ على أنّه لا بأس بالغسل منه؛ لعدم مانعيّة اختلاط هذا المقدار القليل منه.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني في «الكافي»، والمراد من محمد بن يحيى: هو العطار، وأحمد بن محمد: هو ابن عيسى؛ إذ هو الراوي لكتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع، فالسند معتبر.

ثانيهما: سند الصفار في «بصائر الدرجات»، وهو عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن شهاب بن عبد ربه، وقد تقدّمت ترجمتهم، والسند معتبر كسابقه.

ص: 198

[545] 7- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَغْتَسِلُ فِي مُغْتَسَلٍ يُبَالُ فِيهِ وَيُغْتَسَلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَيَقَعُ فِي الْإِنَاءِ مَا(1) يَنْزُو مِنَ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على حكمين:

أولهما: جواز الاغتسال في مغتسَل يبال فيه.

ثانيهما: نفي البأس عمّا ينتضح من الأرض من ماء الغسل فيصيب داخل الإناء الذي يغتسل منه.

وهذا محمول على أنّ الماء لم يُعلم بإصابته الأرض المتنجّسة بالبول أو بغيره، بأن وقع على محلّ طاهر من الأرض، وإلّا لكان فيه البأس.

أو يحمل على أنّ المغتسَل الذي يبال فيه هو مغتسل الحمّام؛ فإنّه يرد عليه ما ذكر من النجاسات والماء الذي يطهّر ما وردت عليه من المواضع، فلذا قال (علیه السلام) : «لا بأس»؛ إذ الماء الوارد عليها يطهّرها.

أو يحمل على أنّ هذا المحلّ مورد لمظنّة النجاسة؛ ونفي البأس منه (علیه السلام) لإفادة أنّ هذا الظن غير معتبر، بل لا بد من اليقين بإصابة النجاسة في الحكم بها.

ص: 199


1- في المصدر: ماء بدل ما، والملاحظ أنّ المصنّف لا يكتب الهمزة المتطرّفة.
2- الكافي 3 : 14، ح8 .

سند الحديث:

الحسين بن محمد: هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري القمي، تقدّم أنّه من مشايخ الكليني، وهو ثقة. وأمّا معلى بن محمد: فقد تقدّم أنّه الزيادي، وهو ثقة؛ لوروده في «تفسير القمي». وأمّا الوشاء: فقد مرّ أنّه الحسن بن علي الوشاء، من وجوه الطائفة. وأمّا حماد بن عثمان: فهو الناب من أصحاب الإجماع. وأمّا عمر بن يزيد: فقد سبق أنّه مشترك، وينصرف إلى بيّاع السابري الثقة، فالسند موثّق.

ص: 200

[546] 8- وَعَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي أَدْخُلُ الْحَمَّامَ فِي السَّحَرِ وَفِيهِ الْجُنُبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَأَقُومُ فَأَغْتَسِلُ، فَيَنْتَضِحُ عَلَيَّ بَعْدَ مَا أَفْرُغُ مِنْ مَائِهِمْ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ هُوَ جَارٍ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: عَنْ حَنَانٍ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفارغ من الغسل إذا انتضح عليه من ماء أهل الحمّام - ومن جملتهم الجنب - فإنّه لا بأس بذلك الماء، ولا يكون نجساً؛ وذلك لكون الماء جارياً، فجريانه هو العلّة في عدم الحكم بحزازة الماء المنفصل. فالإمام (علیه السلام) عيّن ما يكون به عدم البأس وهو كون الماء جارياً، وهذا تقرير منه (علیه السلام) لما في ذهن السائل من عدم جواز استعمال الماء المستعمل، ولذا علّمه طريق عدم البأس في كونه جارياً.

ويفهم منه - على هذا - أنّه إذا لم يكن جارياً ففيه البأس، ويكونالحديث دالّاً على عدم جواز استعمال المستعمل.

ص: 201


1- الكافي 3 : 14، ح3.
2- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1169.

وقد قيل: إنّ المراد بالجريان هو جريان ما في المادّة على الحياض الصغار((1)).

ولكن الظاهر أنّ هذا بعيد؛ لأنّ هذا لا يرتبط بمورد السؤال، فإنّ السؤال كان عن انتضاح ماء أهل الحمّام على من انتهى من اغتساله، وهذا يناسب الانتضاح من غسالتهم، بأن ينتضح منها على المغتسِل بعد وقوعها على أرض الحمّام، أو قبل وقوعها عليها.

ويكون مفاد جوابه (علیه السلام) : أنّه لا بأس بما ينتضح في أرض الحمّام مع جريان الغسالة على الأرض، فإنّ أرض الحمّام تطهر أيضاً - على تقدير تنجّسها - بما يرد عليها من الماء.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، ومرجع الضمير في «عنه» إلى الحسين بن محمد.

وأمّا عبد الله بن عامر: فقال عنه النجاشي: «عبد الله بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري، أبو محمد، شيخ من وجوه أصحابنا، ثقة، له كتاب»((2)).

ص: 202


1- - بحار الأنوار 77 : 34، ومرآة العقول 13 : 49، وملاذ الأخيار 3 : 98.
2- - رجال النجاشي: 218 / 570.

[547] 9- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ مُجْتَمَعِ الْمَاءِ فِي الْحَمَّامِ مِنْ غُسَالَةِ النَّاسِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

والمراد بمحمد بن إسماعيل: هو محمد بن إسماعيل بن بزيع ،كما تشهد به الطبقة، وقد صرّح به في بعض الأسانيد التي روى فيها علي بن مهزيار عنه، والتي روى هو فيها عن حنان.

وحنان: هو حنان بن سدير، وقد تقدّم أنّه ثقة واقفي، فالسند موثّق.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» إلى علي بن مهزيار، وقد سبق أنّ له إليه طريقين: أحدهما صحيح، والآخر معتبر، فالسند صحيح.

[9] - فقه الحديث:

قول السائل: «مجتمع الماء» إذا كان «مجتمع» اسم مكان، فهو بمعنى المكان الذي يجتمع فيه الماء، وإذا كان اسم فاعل، فإضافته إلى «الماء»

ص: 203


1- الكافي 15 : 3، ح4.
2- تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1176.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 10، ح17.

تكون من إضافة الصفة إلى موصوفها ومن قبيل جرد قطيفة، أي: الماء المجتمع.

وقد دلّ الحديث على نفي البأس عمّا ينتضح من ماء غسالة الناس، وهو بإطلاقه يشمل غسالة الجنب، وهو يفيد طهارتها؛ فإنّ كون الماء يجتمع في مكان واحد مع صدوره عن أنواع المغتسلين موجب للتنفّر ومظنّة النجاسة، فإذا أصاب شيئاً كالثوب فإنّه من الممكن توهم البأس فيه؛ لتوهم النجاسة، فحكم الإمام بعدم البأس الذي يظهر منه - ولو ارتكازاً على ما بينّا سابقاً - عدم النجاسة. هذا إذا لم يحصل العلم بنجاسته، وأمّا إذا علم بالنجاسة فإنّه يشمله ما ورد من لزوم الاجتناب عن النجس. وسيأتي في الباب الحادي عشر من هذه الأبواب كراهة الاغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها.

لا بأس عمّا ينتضح من ماء غسالة الناس

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة طرق:

الأول: مرسلاً عن «الكافي»، وقد مرّ الكلام في رجاله، والسند ضعيف، إلّا أن يُصار إلى اعتبار جميع ما في «الكافي».

الثاني: مرسلاً عن «التهذيب»، والسند إلى أحمد بن محمد بن عيسىمعتبر كما مرّ، ولكن باعتبار اشتراك السند بعده مع سابقه يكون السند ضعيفاً.

الثالث: مرسلاً عن «من لا يحضره الفقيه»، وقد تقدّم أن مراسيله بأنحائها يمكن القول باعتبارها.

ص: 204

[548] 10- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ لَهُ: أَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الْكَنِيفِ الَّذِي يُبَالُ فِيهِ وَعَلَيَّ نَعْلٌ سِنْدِيَّةٌ، فَأَغْتَسِلُ وَعَلَيَّ النَّعْلُ كَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ جَسَدِكَ يُصِيبُ أَسْفَلَ قَدَمَيْكَ فَلَا تَغْسِلْ [أَسْفَلَ](1) قَدَمَيْكَ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، نَحْوَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

النعل السنديّة: منسوبة إلى السند، وهي إمّا بلاد أو نهر في الهند، أو إلى السنديّة قرية ببغداد، قال الطريحي: «في الحديث: دجاج سندي ونعل سنديّة، كأنهما نسبة إلى السند بلاد، أو السند نهر بالهند غير بلاد السند، أو إلى السندية قرية معروفة من قرى بغداد، تقول سندي للواحد وسِنْد للجماعة، مثل زنجي و زِنْج»((4)).

ص: 205


1- أثبتناه من المصدر.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 19، ح18، وأورده في الحديث 2 من الباب 27 من أبواب الجنابة.
3- تهذيب الأحكام 1 : 133، ح367.
4- - مجمع البحرين 3 : 71.

والذي يظهر من العلامة المجلسي الأول: أنّ النعل السنديّة لها أطراف ولا يدخل الماء فيها، كما هو الحال في النعل العربي((1)).

وعلى كل: يحتمل أنّ غرض السائل السؤال عن جواز الاغتسال من الجنابة وغيرها في الكنيف الذي يبال فيه وهو لابس للنعل السندية. ولعلّ لبسه لها حال الغسل لئلّا تتعدّى النجاسة إلى رجله، فأجاب (علیه السلام) : بأنّه إن علم وصول الماء لأسفل قدميه فلا بأس. ولازم صحّة غسل القدمين بالماء الذي يسيل من جسده جواز الاغتسال بما رفع به الحدث الأكبر، فإنّه لو لم يجز لما نفى الإمام (علیه السلام) البأس عنه، ولما تمّ غسل السائل؛ لأنّ الفرض أنّه لم يخلع تلك النعل، وقد بيّن الإمام (علیه السلام) كفاية وصول الماء الذي يسيل من جسد المغتسل في تماميّة الغسل.

ويحتمل أن يكون سؤال السائل عن النجاسة؛ لأنّه باغتساله في الكنيف يكون في معرض التنجّس بسطحه، فأجاب (علیه السلام) بما يظهر منه عدم التنجّس، مع إفادة لزوم العلم بوصول الماء لتحقّق الغسل. وهنا أيضاً يأتي التقريب المتقدّم، فإنّ تحقّق الغسل بذلك معناه جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 206


1- - روضة المتقين 1 : 110.

[549] 11- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى السَّابَاطِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَثَوْبُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، فَيُصِيبُ الثَّوْبَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: سند الشيخ الصدوق إلى هشام بن سالم، وقد تقدّم، وهو عبارة عن طريقين، أحدهما صحيح، والآخر حسن على المشهور، وصحيح عندنا.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، والسند معتبر.

[11] - فقه الحديث:

دلّ على نفي البأس عمّا يصيب الثوب ونحوه من قطرات الماء الذي اغتسل به، فإنّه الذي تتوهم نجاسته في أذهان بعض الناس، ولو كان ذلك من جهة فتوى بعض العامّة بذلك.

سند الحديث:

أحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن الوليد، وقد سبق أنّه لم يوثّق، لكن للشيخ الطوسي طريقان معتبران لروايات أبيه، كما أنّ للصدوق طريقاً

ص: 207


1- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح226.

[550] 12- وَعَنْهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَيَقَعُ الْمَاءُ عَلَى الصَّفَا فَيَنْزُو فَيَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْكُرِّ مَا يَتَضَمَّنُ جَوَازَ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءٍ قَدِ اغْتَسَلَ فِيهِ الْجُنُبُ إِذَا كَانَ كُرّاً(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

صحيحاً، مع أن كتاب عمّار الساباطي مشهور فلا يحتاج إلى الطريق.

وأمّا بقية رجال السند فقد تقدّم الكلام حولهم، والسند موثّق.

[12] - فقه الحديث:

قال ابن الأثير في «النهاية»: «الصفا في الأصل جمع صفاة، وهي الصخرة والحجر الأملس»((4)).

ص: 208


1- تهذيب الأحكام 1 : 87، ح229.
2- تقدّم في الحديث 2، 6 من الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
3- ويأتي في الحديث 1، 2 من الباب 10 من أبواب الماء المضاف، والحديث 8 من الباب 26 من أبواب الجنابة.
4- - النهاية في غريب الحديث 3 : 41.

وقال ابن فارس في «معجم المقاييس»: «نزا ينزو: وثب»((1)).

دلّ الحديث على نفي البأس عن الماء الذي يثب حال الاغتسال فيقع على الثوب ونحوه، وهذا معناه طهارة تلك القطرات.

ولعلّ إيراد الماتن لمثل هذا الحديث هو أنّه يمكن أن يقال: إنّه إذا كان ما تقاطر طاهراً، فإنّه لا يؤثّر في الماء الذي يختلط به، فيصحّ به الغسل.

بحث رجالي حول الحسين بن المختار

سند الحديث:

المراد من مرجع الضمير في «عنه» هو الشيخ المفيد(قدس سره) ، وجعفر بن محمد: هو ابن قولويه، وأبوه: محمد بن قولويه، وسعد: هو سعد بن عبد الله الأشعري، وأحمد بن محمد: هو ابن عيسى.

وأمّا الحسين بن المختار: فهو أبو عبد الله القلانسي، عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) مع توصيفه بالكوفي((2))، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) قائلاً : واقفي، له كتاب((3)).

وعدّه الشيخ المفيد في «الإرشاد» - في «فصل من روى النصّ على الرضا علي بن موسى (علیه السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك» - من خاصّة الكاظم (علیه السلام) وثقاته، وأهل الورع والعلم، والفقه من شيعته((4)).

ص: 209


1- - معجم مقاييس اللغة 5 : 418، مادة: «نزو».
2- - رجال الطوسي: 183 / 2211.
3- - المصدر نفسه: 334 / 4972.
4- - الإرشاد 2 : 242.

وحكى العلامة في «الخلاصة» عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن: أنّه كوفي، ثقة((1)).

فالحاصل: أنّه ثقة، ووقفه - لو سلّم - لما كان مانعاً من الاعتماد عليه؛ لثبوت وثاقته. كيف، ولم يتعرّض لوقفه الشيخ نفسه في «الفهرست» ولا النجاشي في «رجاله»؟! بل كيف يجتمع مع روايته النصّ على الرضا (علیه السلام) ، ونقله لوصيّة الإمام الكاظم (علیه السلام) لولده الرضا (علیه السلام) على ما نقله الكليني في «الكافي»، والصدوق في «العيون»؟!((2)).

فالسند معتبر.

ص: 210


1- - خلاصة الأقوال: 338 / 1.
2- - الكافي 1 : 312 - 313، ح8 و 9، وعيون أخبار الرضا 2 : 7 ، ح39.

[551] 13- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ»، فَقَالَ(1): «الْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الثَّوْبُ أَوْ يَغْتَسِلُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْجَنَابَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَمَّا [الْمَاءُ](2) الَّذِي يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ بِهِ فَيَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَهُ فِي شَيْ ءٍ نَظِيفٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرُهُ وَيَتَوَضَّأَ بِهِ»(3).

أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْعَامَّةِ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى وُجُودِ نَجَاسَةٍ تُغَيِّرُ الْمَاءَ بِقَرِينَةِ آخِرِهِ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ جَمْعاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَضَى(4)، وَ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ(5).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بصدره على نفي البأس عن الوضوء بالماء المستعمل على

ص: 211


1- في الاستبصار 1 : 27، باب الماء المستعمل، ح1: وقال، بدل: فقال.
2- أثبتناه من المصدر.
3- تهذيب الأحكام 1 : 221، ح630، والاستبصار 1 : 27، ح71، وأورد ذيله في الحديث 2 من الباب 8 من هذه الأبواب.
4- تقدم في الأحاديث 1، 3 - 9 من هذا الباب.
5- يأتي في الحديث 1، 2 من الباب 10 من هذه الأبواب.

نحو القضيّة المهملة، وتفصيلها جاء في ذيل الحديث؛ حيث نفى الجواز عن الوضوء بالماء المستعمل في الغسل من الجنابة، والمستعمل في غسل الثوب؛ بناء على إرادة غسله من النجاسة، وأجاز الوضوء للغير من الماء المستعمل في الوضوء بناءً على نظافة الماء.

وهذا هو الاحتمال الثاني الذي ذكره الماتن في معنى الرواية، واما الاحتمال الاول والثالث فهما بعيدان.

الاحتمالات في قوله علیه السلام «و أشباهه»

وقوله (علیه السلام) : «وأشباهه» فيه احتمالات:

أحدها: أن يكون مجروراً عطفاً على الضمير المجرور في «منه». فيكون المعنى: أشباه ما يغسل به الثوب، وأشباه ما يغتسل به من الجنابة، أي: الماء الذي يغسل به الثوب وأشباهه، فيكون ناظراً إلى المستعمل في رفع الخبث، والماء الذي يغتسل به من الجنابة وأشباهها، فيكون ناظراً إلى المستعمل في رفع الحدث الأكبر من الجنابة وغيرها.

ولا ينافي هذا الاحتمال أنّه على خلاف القاعدة المشهورة عند النحاة من عدم جواز العطف على الضمير المجرور إلّا بعد إعادة الجار، وهو مفقود هنا؛ فإنّ الحقيق بالقبول هو جواز ذلك وإن كان خلاف المشهور عندهم، فيجوز أن يقال مثلاً: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، بلا إعادة للجار. وقد وردت بهذه الصيغة في كثير من النصوص الشرعيّة، فلا إشكال من هذه الجهة.

الثاني: أن يكون منصوباً عطفاً على قوله: «يتوضّأ»، أي: لا يجوز أن

ص: 212

يستعمل في الوضوء ولا في أشباه الوضوء، كالغسل، فيفيد عدم جواز استعماله في رفع الحدث الأكبر.

ولكن قوله بعد ذلك: «وأمّا الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به» يفيد: أنّ المسوّغ لجواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل هو نظافته، والمانع هو نجاسته، فيكون المناط ذلك فيهما، فإنّه لما حكم بعدم الجواز فيما غسل به الثوب أو اغتسل به من الجنابة كان باعتبار نجاسة الثوب وجسد الجنب الموجبة لانفعال الماء الملاقي لهما، ويفهم منه: أنّ الماء إذا كان طاهراً لنظافة الثوب وجسد الجنب فلا مانع من استعمال ذلك الماء في الوضوء أو الغسل ومن ذلك يظهر أن ما ذكره المصنّف - من احتمال كون الثوب طاهراً وكذلك جسد الجنب وحمل الحكم بعدم الجواز على التقية أو الكراهة - بعيدٌ.

الثالث: أن يكون مرفوعاً عطفاً على الماء، أي: وأشباه الماء الذي يغتسل به الجنب ممّا يستعمل في الأغسال الواجبة، كغسل الحيض والنفاس. فالمعنى: أنّه أيضاً لا يجوز الوضوء به.

الرابع: أن يكون مرفوعاً عطفاً على المصدر المنسبك من «أن يتوضّأ»، أي: لا يجوز الوضوء وأشباه الوضوء من الغسل للجنابة أو للحيض أو للنفاس.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وقلنا: إنّه ضعيف؛ لمجهوليّة الحسن بن علي

ص: 213

[552] 14- وَرَوَى الشَّهِيدُ فِي «الذِّكْرَى» وَغَيْرِهِ، عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَهُ قَطْرَةٌ مِنْ طَشْتٍ فِيهِ وَضُوءٌ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ مِنْ بَوْلٍ أَوْ قَذَرٍ فَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الذي استظهرنا أنّه الزيتوني، وضعف أحمد بن هلال العبرتائي، إلّا أنّه يمكن القول باعتبار السند؛ لأنّ للشيخ في «الفهرست» طرقاً معتبرة إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب((2)).

أضف إلى ذلك: أنّ كتب عبد الله بن سنان مشهورة، فلا تحتاج إلى الطريق((3)).

[14] - فقه الحديث:

الوَضوء - بالفتح - : ماء الوضوء((4)).

دلّ الحديث على أنّ القطرة إذا كانت من ماء قد استعمل في وضوء من البول، أو ماء لامس القذر، أي: النجس، فإنّه يجب غسل ما لاقته. فالحكمبوجوب الغسل يُفْهِم نجاسة القطرة، وهذا مطلق، بلا فرق بين أن تكون عين البول والقذر موجودة أو ليست بموجودة؛ لصدق الوضوء من البول أو القذر على غسالة المتنجّس بهما بعد زوال عين النجاسة.

ص: 214


1- ذكرى الشيعة 1 : 84.
2- - فهرست الطوسي: 97 / 162.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 137.
4- - القاموس المحيط 1 : 32، مادة: «وضأ».

لكن الظاهر من قوله (علیه السلام) : «إن كان من بول أو قذر» هو بقاء عين البول والقذر في المغسول. والظاهر أنّ القذر بالفتح، فيراد منه سائر الأعيان النجسة غير البول؛ لذكره صريحاً هنا مقابلاً للقذر. فيحتمل أن يكون الأمر بغسل ما أصابته القطرة؛ لوجود ماء يستعان به لتطهير الطشت عن نجاسة البول وغيره قبل البدء بتطهيره بمعونة الدلك ونحوه، وهذا الفعل متعارف وغالب. ولو صبّ عليه ماء آخر منفصلاً أو مستمراً فإنّه يبقى على نجاسته، فإذا كانت القطرة منه فهي محكومة بالنجاسة، بلا خلاف حتى عند القائلين بطهارة الغسالة. فهذا الحديث لا يمكن التمسك به لإثبات أنّ الغسالة نجسة دائماً.

سند الحديث:

ذكر المصنّف هذا الحديث بطريقين:

الأول: طريق الشهيد في «الذكرى». وللشهيد طرق معتبرة إلى شيخ الطائفة، ذكرها الشيخ الحر العاملي في الفائدة الخامسة من «خاتمةالوسائل»، منها الطريقان الحادي عشر والثاني عشر((1)).

وأمّا سند الشيخ إلى العيص بن القاسم، فهو - على ما ذكره في «الفهرست» - : «أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار والحسن

ص: 215


1- - وسائل الشيعة 30 : 174 - 175، الخاتمة.

بن متيل، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير وصفوان، عنه»((1)).

وأمّا العيص بن القاسم: فقد أورد الكشّي فيه مدحاً من الإمام الصادق (علیه السلام) ، قال: «حدّثني صدقة بن حمّاد، عن أبي سعيد الآدمي، عن موسى بن سلام، عن الحكم بن مسكين، عن عيص بن القاسم، قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) مع خالي سليمان بن خالد، فقال لخالي: من هذا الفتى؟ قال: هذا ابن أختي، قال فيعرف أمركم؟ فقال له: نعم، فقال: الحمد لله الذي لم يجعله شيطاناً. ثم قال: يا ليتني وإيّاكم بالطائف أحدّثكم وتونسوني، وتضمن لهم ألّا يخرج [يُحرّجَ] عليهم أبداً»((2)).

لكن الراوي للمدح هو العيص نفسه، فتوثيقه به يستلزم الدور.

بحث رجالي حول العيص بن القاسم

وذكره الشيخ في «الفهرست» قائلاً: «العيص بن القاسم، له كتاب»((3))، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، قائلاً: «عيص بن القاسمالبجلي، كوفي، عربي، وأخوه الربيع، وهما ابنا أخت سليمان بن خالد»((4)).

وقال عنه النجاشي: «عيص بن القاسم بن ثابت بن عبيد بن مهران البجلي، كوفي، عربي، يكنى أبا القاسم، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (علیهما السلام) ، هو وأخوه الربيع ابنا أخت سليمان بن خالد الأقطع. له كتاب»((5)).

ص: 216


1- - فهرست الطوسي: 193 / 547.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 653.
3- - فهرست الطوسي: 193 / 547.
4- - رجال الطوسي: 263 / 3763.
5- - رجال النجاشي: 302 / 824.

وممّا تجدر الإشارة إليه: أنّ النسخة المطبوعة من «رجال النجاشي» خالية من كلمة «عين» بعد كلمة «ثقة»، لكنّها مذكورة في «الخلاصة» للعلامة، و«رجال ابن داود»، وهما يلتزمان بعبارات النجاشي، كما أنّ التفرشي نقلها في «نقد الرجال» عن النجاشي صراحة، وكذا المازندراني في «منتهى المقال»((1)

فالطريق معتبر.

الثاني: طريق المحقّق إلى العيص بن القاسم، وهو المذكور في الطريق التاسع عشر في الفائدة الخامسة من «خاتمة الوسائل»((2)).هذا، ولا يضر الإضمار في هذا الحديث؛ لأنّ جلالة شأن العيص تمنع من احتمال رجوعه في الأحكام الشرعيّة إلى غير المعصوم.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، ثالثها وثامنها - بسنده الثاني -

ص: 217


1- - خلاصة الأقوال: 227 / 18، ورجال ابن داود:150 / 1181، ونقد الرجال3 : 398 / 4068، ومنتهى المقال 5 : 172 / 2259.
2- - وسائل الشيعة 30 : 176 - 177، الخاتمة. أقول: يُفهم وجود الطريق من قول الشيخ الحر العاملي في ذيل الطريق المتمّم للعشرين: (وقد عرف من ذلك الطريق إلى: الكليني ، والصدوق ، والحسن بن محمد الطوسي ..... والمحقّق جعفر بن الحسن بن سعيد، وغيرهم، مّمن تقدّم على الشيخ، أو تأخّر عنه، وقد ذكر في هذا السند. فإنّا نروي كتبهم ورواياتهم بالسند المذكور إليهم، أو إلى الشيخ بأسانيده السابقة - في طرق (تهذيب الأحكام) و (الاستبصار)، وفي (فهرست الطوسي) وفي طرق الصدوق السابقة، وغير ذلك - إلى المشايخ المذكورين - كلّهم - بطرقهم إلى الأئمة (علیهم السلام) ). فيكون الطريق معتبراً كسابقه. المقرّر.

صحيحان، وأمّا الثاني والرابع والسابع والثامن - بسنده الأول - والحادي عشر فهي موثّقة، والبقيّة معتبرة.

المتحصل من الأحادیث

وقد دلّت على أمور، منها:

1- أنّ اختلاط ماء الغُسل بما استعمل في رفع الحدث الأكبر إذا كان مستهلكاً لا يضرّ بصحّة الغُسل منه.

2- أنّ ما يتبقّى على البدن من ماء الغُسل طاهر، ويجوز دخول الصلاة وهو على البدن.

3- أنّ غسالة ماء الحمام طاهرة، وإن كانت غُسالة جُنب إذا لم تكن فيها عين النجاسة.

4- أنّه يجوز رفع الحدث الأكبر بماء اغتسل فيه الجنب وغيره.

5- أنّه يجوز الاغتسال في مغتَسَل يُبال فيه.6- أنّه يجوز الاغتسال بما ينتضح من الأرض فيصيب الإناء حين الاغتسال منه إذا لم يعلم بتنجّس الأرض بنجاسة، ولا يكفي الظن بالنجاسة في لزوم الاجتناب عنه.

7- أنّه لا بأس بما ينتضح في أرض الحمّام مع جريان الغسالة على الأرض، فإنّ أرض الحمّام تطهر أيضاً - على تقدير تنجّسها - بما يرد عليها من الماء.

ص: 218

10 - باب استحباب نضح أربع أكف من الماء لمن خشي عود ماء الغسل أو الوضوء إليه: كف أمامه وكف خلفه وكف عن يمينه وكف عن يساره ثم يغتسل أو يتوضأ

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

10 - باب استحباب نضح أربع أكف من الماء لمن خشي عود ماء الغسل أو الوضوء إليه: كف أمامه وكف خلفه وكف عن يمينه وكف عن يساره ثم يغتسل أو يتوضأ

شرح الباب:

هذا الباب فيه بيان كيفيّة دفع رجوع ماء الغسل أو الوضوء فيه أثناء الاغتسال أو الوضوء. وقد فهم منه بعض الأعلام أنّ الماء المنفصل عن غسل الجنابة إذا رجع في الماء الذي يغتسل به صار جميعه مستعملاً، فلا يُرفع الحدث به((1))، فيكون الإمام (علیه السلام) قد قرّر السائل على ذلك؛ ولذا بيّن (علیه السلام) علاجاً لدفع رجوع ماء الغسل في الماء، وفي هذا تقرير منه (علیه السلام) للسائل بمحذوريته، و بيان لكيفيّة الفرار عنه.

ثم إنّ هذه الأحاديث من الأحاديث المشكلة المعنى، من حيث متعلّق النضح، ومن حيث الحكمة فيه، وللعلماء فيه اختلاف.

والماتن لم يبيّن في العنوان مختاره، لا في متعلّق النضح، ولا الحكمة

ص: 219


1- - انظر: الدرر النجفية 2 : 361، وجواهر الكلام 1 : 362.

منه، واقتصر على ألفاظ الأحاديث التي فهم منها الاستحباب، وقد نقل عن المحقّق في «المعتبر» قولين، في متعلّق النضح والحكمة فيه، كما يأتي في ذيل الحديث الأول.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال في «المعالم»: «قال الصدوق عليه الرحمة في من لا يحضره الفقيه: فإن اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصبّ عنه إلى الماء الذي يغتسل منه، أخذ كفّاً وصبّه أمامه، وكفّاً عن يمينه، وكفّاً عن يساره، وكفّاً من خلفه، واغتسل منه((1)).

وذكر نحو ذلك في المقنع((2)).

وقال أبوه في رسالته: وإن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ما ينصبّ عنك إلى المكان الذي يغتسل فيه أخذت له كفّاً وصببته عن يمينك، وكفّاً عن يسارك، وكفّاً خلفك، وكفّاً أمامك، واغتسلت منه((3)).

وقال الشيخ في النهاية: متى حصل الإنسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يغترف به الماء لوضوئه، فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج إليه،وليس عليه شي ء. وإن أراد الغسل للجنابة وخاف إن نزل إليها فساد الماء،

ص: 220


1- - من لا يحضره الفقيه 1 : 11.
2- - المقنع: 46.
3- - منتهى المطلب 1 : 138.

[553] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي قَتَادَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ الْمَاءَ فِي سَاقِيَةٍ أَوْ مُسْتَنْقِعٍ، أَيَغْتَسِلُ مِنْهُ لِلْجَنَابَةِ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ إِذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَالْمَاءُ لَا يَبْلُغُ صَاعاً لِلْجَنَابَةِ، وَلَا مُدّاً لِلْوُضُوءِ، وَهُوَ مُتَفَرِّقٌ، فَكَيْفَ يَصْنَعُ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ السِّبَاعُ قَدْ شَرِبَتْ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَتْ يَدُهُ نَظِيفَةً فَلْيَأْخُذْ كَفّاً مِنَ الْمَاءِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، فَلْيَنْضِحْهُ خَلْفَهُ، وَكَفّاً أَمَامَهُ، وَكَفّاً عَنْ يَمِينِهِ، وَكَفّاً عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَسَحَ جِلْدَهُ بِيَدِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ. وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ. وَإِنْ

-----------------------------------------------------------------------------

فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه، ثمّ ليأخذ كفّاً كفّاً من الماء فليغتسل به((1)

والأصل في ما ذكروه روايات وردت بذلك»((2)).

[1] - فقه الحديث:

الساقية: «النهر الصغير»((3)). والمستنقع - بكسر القاف - : المجتمع والثابت،

ص: 221


1- - النهاية ونكتها 1 : 211.
2- - معالم الدين وملاذ المجتهدين 1 : 345.
3- - القاموس المحيط 4 : 343، مادة: «سقي».

كَانَ الْمَاءُ مُتَفَرِّقاً فَقَدَرَ أَنْ يَجْمَعَهُ، وَإِلَّا اغْتَسَلَ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا. وَإِنْ كَانَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَرْجِعَ الْمَاءَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ»(1).

وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، نَحْوَهُ(2)2*).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ(3)3*).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، نَحْوَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: «ثُمَّ مَسَحَ جِلْدَهُ بِيَدِهِ»، قَالَ: «ذَلِكَ يُجْزِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

قال ابن منظور: «استنقع: اجتمع. واستنقع الماء في الغدير، أي: اجتمع وثبت ... واستنقع في الماء: ثبت فيه يبترد، والموضع مستنقع»((5)).

ص: 222


1- تهذيب الأحكام 1 : 416، ح1315.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 367، ح1115.
3- 3*) قرب الإسناد: 180.
4- 4*) السرائر 3 : 609 ، المستطرفات.
5- - لسان العرب 8 : 359 -360، مادة: «نقع».

والظاهر من سؤال السائل الاستفسار عن ثلاثة أمور:

الأول: عن جواز الوضوء بالماء الذي لا يبلغ مدّاً، والغسل بما لا يبلغ صاعاً، فهل يجوز الوضوء أو الغسل بما نقص عن هذين الحدين؟ ولعل منشأ السؤال عن ذلك هو توهم: أنّ الواجد للماء الناقص عن هذين الحدين لا يسوغ له الوضوء؛ باعتباره فاقداً للماء. وظاهر جواب الإمام (علیه السلام) جواز الوضوء أو الغسل بما نقص عن ذلك.

الثاني: أنّ الماء متفرّق غير مجتمع في مكان واحد، وتفرّقه مع قلته يوجب عسر استعماله في الوضوء أو الغسل، وسرعة قبوله للفساد بأدنى نجاسة. وظاهر جواب الإمام (علیه السلام) - بعد أن تكون يد المغتسل نظيفة من النجاسة؛ لأنّه ماء قليل، وهو قابل للفساد - أنّه إن كان الماء يكفيه لغسله، وإلّا اكتفى بغسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده. ولعلّ المراد بقوله (علیه السلام) : «غسل رأسه ثلاث مرّات» هو غسله بثلاث أكف، وقد عبّر عن الأكف بالمرّات. ولعلّ الوجه في كون الأكف ثلاثة هو الاستعانة بما ينصب من الرأس على أطراف البدن في غسل سائر البدن. ولعلّ المراد ب- «مسح جلده بيده» في الغُسل هو المسح بما يتحقّق به أقل مسمى الغسل لاالمسح المقابل للغسل، وكذلك الحال في «ومسح يده على ذراعيه» في الوضوء.

الثالث: أنّه يحتمل ورود وارد من كلب ونحوه من السباع على الماء ممّا يمكن أن يفسده وينجّسه، فأجابه (علیه السلام) بجواز استعماله. وحكمه (علیه السلام) بذلك

ص: 223

أَقُولُ: حَكَى الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» فِي تَفْسِيرِ نَضْحِ الْأَكُفِّ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَشُّ الْأَرْضِ لِتَجْتَمِعَ أَجْزَاؤُهَا فَيَمْتَنِعَ سُرْعَةُ انْحِدَارِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ بَدَنِهِ إِلَى الْمَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَلُّ جَسَدِهِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِيَتَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَدِرَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ وَيَعُودَ إِلَى الْمَاءِ(1).

قَالَ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى»: وَعَجُزُ الْخَبَرِ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْبَأْسِ، فَحُكْمُ النَّضْحِ لِلِاسْتِحْبَابِ. وَأَمْرُهُ سَهْلٌ. وَكَوْنُ مُتَعَلَّقِهِ الْأَرْضَ هُوَ الْأَرْضَى(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يلازم عدم نجاسته ممّا يتوهم من ورود السباع عليه. وبيّن (علیه السلام) كيفيّة استعماله بأخذ قليل من الماء، ويفهم ذلك من قوله (علیه السلام) : «فليأخذ كفّاً من الماء بيد واحدة» وينضحه خلفه، ويأخذ كفّاً آخر وينضحه أمامه، ويأخذ كفّاً ثالثاً وينضحه عن يمينه، ورابعاً وينضحه عن يساره.

وهذا الحديث من الأحاديث التي استدل بها على أنّ الماء المستعمل في غسل الجنابة فيه بأس، فلا يُرفع الحدث بالماء المنفصل عن غسل الجنابة؛

ص: 224


1- المعتبر1 : 88 ، باختلاف يسير في اللفظ.
2- المنتقى 1 : 68، ومراده: أنّه سواء قلنا: إنّ متعلّق النضح هو الأرض أو البدن، فليست الحكمة فيه ما قيل من لزوم عدم انحدار ما ينفصل من البدن إلى الماء. وهذا القول منه(قدس سره) مبني على دلالة الحديث على عدم المنع عن استعمال الماء المستعمل. كما أن القولين المنقولين في المعتبر وغيره مبنيّان على القول بالمنع من استعماله كما هو واضح . المقرّر.

فإنّ الظاهر أنّ المركوز في ذهن السائل: أنّ الماء المستعمل في رفع الحدث لا يجوز رفع الحدث به ثانياً، وأنّه برجوع الماء في الساقية أو المستنقع يصير مستعملاً، وقد قرّر الإمام (علیه السلام) السائل على ذلك، وبيّن (علیه السلام) علاجاً لدفع رجوع الغسالة في الماء.

المراد من النضح و الحكمة فیه

هذا، ولكن آخر الحديث صريح في جواز استعمال الماء وإن رجعت الغسالة فيه. ويقال: إنّ هذا الجواز مختصّ بحال الضرورة؛ لأنّه لا قائل بالاختصاص في المقام، وعليه فيكون الأمر بالنضح للاستحباب.

إشكال إبن إدريس علی جعل الأرض متعلّق النضح

وهذا الحديث من الأحاديث المشكلة المعنى، من حيث متعلّق النضح، ومن حيث الحكمة فيه، وللعلماء فيه اختلاف، وقد نقل الماتن عن المحقّق في «المعتبر» قولين:

أحدهما: أنّ متعلّق النضح الأرض؛ والحكمة فيه اجتماع أجزائها، فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل عن بدن المغتسل إلى الماء.

والثاني: أنّ متعلّقه بدن المغتسل قبل الاغتسال؛ والحكمة فيه بلّ البدن ليعجّل الاغتسال قبل انحدار ما ينفصل منه وعوده إلى الماء((1)).

وأورد ابن إدريس الحلي في «السرائر» على القول الأول: بأنّه ليس بشي ء يلتفت إليه؛ لأنّه إذا ندّت الأرض من هذه الجهات الأربع كان أسرع إلى نزول ما يغتسل به بعد ذلك إلى الماء الباقي قبل فراغ المغتسل من اغتساله

ص: 225


1- - المعتبر 1 : 88.

فيصير الباقي ماء مستعملاً((1)).

وأُجيب - كما نقله العلامة المجلسي في «البحار» - بأنّ التجربة شاهدة بأنّك إذا رششت أرضاً منحدرة شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء، فإنّك تجد كل قطرة تلبس غلافاً ترابيّاً وتتحرك على سطح تلك الأرض على جهة انحدارها حركة ممتدّة امتداداً يسيراً قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوص فيها، بخلاف ما إذا كان في الأرض نداوة قليلة، فانّ تلك القطرات تغوص في أعماقها ولا تتحرّك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة. فظهر أنّ الرش محصّل للمطلوب، لا مناقض له((2)).

وأُورد على القول الثاني: بأنّ خشية العود إلى الماء مع تعجّل الاغتسال، ربما كانت أكثر؛ لأنّ الإعجال موجب لتلاحق الأجزاء المنفصلة عن البدنمن الماء، وذلك أقرب إلى الجريان والعود، ومع الإبطاء يكون تساقطها على سبيل التدريج، فربّما بعدت بذلك من الجريان كما لا يخفى((3)).

ونقول: إنّ هذا لو كان مراداً لكان الأولى أن يعبّر بكلمة «على» ويقول: بكفّ على قدامه، وكفّ على خلفه، وعليه يكون القول الأول هو الأظهر ولكن لا يدل على اقرار الامام (علیه السلام) ما ارتكز في ذهن السائل، بل لعل امر الامام (علیه السلام) بالنضح بالأكف من جهة رفع الكراهة او رفع تقذر الماء عرفاً؛

ص: 226


1- - نقله عنه في المنتقى 1 : 67.
2- - بحار الأنوار 77 : 138. وهذا الجواب للشيخ البهائي في مشرق الشمسين: 355.
3- - بحار الأنوار 77 : 143، عن معالم الدين.

لكونه قليلاً ويحتمل القذارة كما ياتي التصريح بذلك في صحيحة الكاهلي.

وقوله (علیه السلام) : «فإن خشي أن لا يكفيه، غسل رأسه ثلاث مرّات، ثم مسح جلده بيده» يدلّ على إجزاء مسح البدن عن غسله عند قلّة الماء، وهو غير مشهور بين الفقهاء. نعم، هو موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد من وجوب غسل الرأس ثلاثاً، والاجتزاء بالدهن في بقيّة البدن((1)).

وكذا قوله (علیه السلام) : «وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه»، فإنّه صريح في كفاية مسح الذراعين عن غسلهما في الوضوء عند قلّة الماء وعدم كفايته.

ويفهم منه: أنّه إذا لم يخش كفايته فإنّه يأتي بالغسل تامّاً، ولا يقتصر على هذه الكيفيّة الاضطراريّة.وقوله (علیه السلام) : «فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه»: كلمة الماء فيه إمّا فاعل ليرجع، أو مفعول لضمير يعود على المغتسِل. وعلى كلٍّ: يدلّ على أنّ الماء إذا لم يكف لغسل تمام أعضاء البدن جاز غسل الأعضاء التي يفي بغسلها به والبقيّة بالغسالة. ومفهوم الشرط يدل على حصول المرجوحية في الغسل بالغسالة في غير هذه الحال، وهي حال وجود الماء الكافي للغسل.

سند الحديث:

ذكر المصنّف أربعة أسانيد لهذا الحديث:

ص: 227


1- - الحدائق الناضرة 1 : 464.

السند الأول: سند الشيخ في «التهذيب»، والمراد بأحمد بن محمد: هو ابن عيسى؛ لكونه يروي عن موسى بن القاسم، وللانصراف، وطريق الشيخ إليه سبق أنّه معتبر.

وموسى بن القاسم: هو ابن معاوية بن وهب البجلي، وقد تقدّم أنّه ثقة.

وأمّا أبو قتادة: فهو علي بن محمد بن حفص، وقد وقع التصريح باسمه مع كنيته مقروناً بموسى بن القاسم. قال عنه النجاشي: «علي بن محمد بن حفص بن عبيد بن حميد، مولى السائب بن مالك الأشعري، أبو قتادة القمي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) وعمَّر. وكان ثقة - وابنه الحسن بن أبي قتادة الشاعر وأحمد بن أبي قتادة، أعقب - له كتاب»((1)).والسند صحيح أعلائي.

السند الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» أيضاً، وقد مضى أنّ سند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح.

وأمّا محمد بن أحمد بن إسماعيل الهاشمي: فقد تقدّم في الحديث الثاني من الباب الثامن من أبواب الماء المطلق بعنوان محمد بن أحمد العلوي، من شيوخ أصحابنا، كما عن النجاشي في ضمن ترجمة العمركي البوفكي((2))، وهو دالّ على الحسن، كما أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر

ص: 228


1- - رجال النجاشي: 272 / 713.
2- - المصدر نفسه: 303 / 828 .

الحكمة»((1)

فهو ثقة.

وأمّا عبد الله بن الحسن: فقد سبق أنّه لم يوثّق، ولكن يمكن تصحيح السند؛ لأنّ الشيخ نفسه له عدّة طرق لكتاب «المسائل» لعلي بن جعفر:

الأول: عن جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن العمركي الخراساني البوفكي، عن علي بن جعفر.

الثاني: عن الصدوق، عن أبيه ، عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى كلّهم، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم البجلي، عنه.

وهذان الطريقان صحيحان.

فهذا السند معتبر.

السند الثالث: سند الحميري في قرب «الإسناد»، وفيه: عبد الله بن الحسن: وهو لم يوثّق كما سبق، لكن يمكن تصحيح السند بما ذكرناه في كتابنا «التقيّة» من الوجوه الثلاثة التي يمكن بها تصحيح جميع روايات «قرب الإسناد» بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((2)).

السند الرابع: سند ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب، وقد تقدّم اعتباره، ولكن في السند بعد ابن محبوب: محمد بن أحمد بن

ص: 229


1- - أُصول علم الرجال 1 : 235.
2- - التقيّة 1 : 452 - 454.

[554] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي ثِقَةٌ(1)، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَنْتَهِي إِلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ فِي الطَّرِيقِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ، وَالْمَاءُ فِي وَهْدَةٍ، فَإِنْ هُوَ اغْتَسَلَ رَجَعَ غُسْلُهُ فِي الْمَاءِ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «يَنْضِحُ بِكَفٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَفّاً مِنْ خَلْفِهِ، وَكَفّاً عَنْ يَمِينِهِ، وَكَفّاً عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

إسماعيل الهاشمي: وهو ثقة عندنا كما تقدّم آنفاً، وفيه أيضاً: عبد الله بن الحسن: الذي مرّ أنّه لم يوثق، فهذا السند ضعيف، ولكن يمكن تصحيحه بما مرّ في السند الثاني للشيخ(قدس سره) .

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث أصرح من سابقه في أنّ المركوز في ذهن السائل وجود المحذور في استعمال الماء القليل - المستعمل في رفع الجنابة - ثانياً في رفع الحدث.

ولا بد من فرض خلو يد المغتسل من النجاسة، وإلّا لفسد الماء بها؛ لقلّته.

ص: 230


1- في هامش المخطوط: «الظاهر أنّ الذي وثّقه ابن مسكان هو محمد بن ميسر، والله أعلم». (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 417، ح1318، والاستبصار 1 : 28، ح72.

وَرَوَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ «الْجَامِعِ» لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُيَسِّرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) (1)1*).

وَنَقَلَهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» مِنْ كِتَابِ «نَوَادِرِ الْبَزَنْطِيِّ»، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُيَسِّرٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا تفسير المراد من النضح والحكمة فيه فقد مضى بيانه في الحديثالأول.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

السند الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد تقدّم سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد، وقلنا: إنّ له سندين، أحدهما معتبر.

والمراد من ابن سنان هنا: هو محمد بن سنان الذي ضعّفه المشهور، لكن قلنا بوثاقته كما مرّ غير مرّة، وإنَّما عيّنّاه في محمد؛ لأنّ الحسين بن سعيد يروي كثيراً عن محمد بن سنان، ولم ترد روايته عن عبد الله إلّا في مورد واحد.

ص: 231


1- 1*) المعتبر1 : 88.
2- 2*) السرائر3 : 555، المستطرفات.

كما أنّ المراد من ابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان كما مرّ.

وأمّا صاحبه الثقة: فلا يبعد أن يراد به محمد بن ميسر؛ وذلك للتصريح به في عدّة أسانيد((1)).

أضف إلى ذلك أنّ كتاب محمد بن ميسر مشهور((2))، فلا يحتاج للطريق،فهذا السند معتبر.

اشتراك عبدالكريم بين جماعة

السند الثاني: سند المحقّق في «المعتبر»، وفيه: عبد الكريم: وهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ثلاثة:

الأول: عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الملقّب بكرّام، وقد تقدّم أنّه ثقة.

الثاني: عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) قائلاً: «عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) »((3)).

الثالث: عبد الكريم بن هلال: قال عنه النجاشي: «عبد الكريم بن هلال

ص: 232


1- - أقول: حتى لو لم يُشخّص الثقة فإنّ ذلك لا يضرّ بعد أن كان الموثّق ثقة، ولا يقل توثيقه عن توثيق مشايخ الرجال، والموثِّق له هنا هو عبد الله بن مسكان من العلماء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام بشهادة الشيخ المفيد، ومن أصحاب الإجماع الذين يصحّ ما صحّ إليهم، وكفى به معدِّلاً. المقرّر.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 149.
3- - رجال الطوسي: 339 / 5052

الجعفي الخزاز مولى، كوفي، ثقة، عين، يقال له الخلقاني، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب»((1)).

والمراد به هنا هو الأول، وذلك:

أولاً: لأنّ أحمد بن محمد بن أبي نصر يروي عنه كثيراً.

وثانياً: لأنّ أحمد بن محمد بن أبي نصر يروي عنه كتابه ،كما صرّحبذلك الشيخ في «الفهرست»((2)).

وثالثاً: لأنّ أحمد بن محمد بن أبي نصر لم يرو عن الآخرين.

نعم، روى عن الهاشمي بواسطتين، فلا يمكن إرادته هنا، بل حتى لو لم يمكن تحديده هنا لم يضر ذلك باعتبار السند؛ لأنَّهم ثقات كما ذكرنا.

والحاصل: أنّ هذا السند معتبر أيضاً.

السند الثالث: سند ابن إدريس في «السرائر»، وحاله حال السند الثاني، فهو أيضاً معتبر.

ص: 233


1- - رجال النجاشي: 246 / 646.
2- - فهرست الطوسي: 178 / 480.

[555] 3- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ(1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِذَا أَتَيْتَ مَاءً وَفِيهِ قِلَّةٌ فَانْضِحْ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ يَسَارِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَتَوَضَّأْ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلالته على استحباب النضح عند قلة الماء واضحة، ولكنّه اقتصر هنا على ثلاث جهات في النضح.

ولعلّ استحباب النضح من أحكام قلّة الماء ولو لم يفرض رجوع الماء؛ فإنّه لا عين ولا أثر لرجوع الماء هنا، لا في كلام السائل، ولا في كلام الإمام (علیه السلام) .

ويحتمل أن يراد بالوضوء هنا الاستنجاء، فلا يدلّ على استحباب النضح للوضوء الاصطلاحي، قال الشيخ حسن في «المنتقى»: «قلت: النضح هنا للأرض قطعاً، وهو قرينة على إرادته أيضاً من الخبر السابق. والظاهر: أنّالمراد من التوضأ الاستنجاء، فإنّه يستعمل فيه كثيراً كما سبق التنبيه عليه.

ص: 234


1- في نسخة تهذيب الأحكام: عبد الله بن يحيى. (منه(قدس سره) )، وهو الكاهلي.
2- الكافي 3 : 3، ح1.
3- تهذيب الأحكام 1 : 408، ح1283.

والتحرّز بالنضح من عود الماء المستعمل إلى الماء الذي يتطهّر منه إنَّما يتوجّه في الاستنجاء لا في الوضوء بمعناه المتعارف كما لا يخفى»((1)).

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: أحمد بن محمد: وهو ابن عيسى، وعلي بن الحكم: هو الكوفي، وقد تقدّم أنّه ليس بمشترك، وفيه الكاهلي: وهو عبد الله بن يحيى - كما في نسخة «التهذيب»على ما ذكره الماتن في الهامش، وهو الموجود في «التهذيب» المطبوع - الذي تقدّم أنّه كان وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام) ووصّى به علي بن يقطين، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو نفس السند المتقدّم عن الكليني، فالسند معتبر أيضاً.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة الأسناد.

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- استحباب النضح في الجهات الأربع أو الثلاث لمن أراد الوضوء أو الغسل من الماء القليل في الوهدة أو الساقية؛ إمّا للتعبّد كما لعلّه الظاهر منعنوان الباب، أو لأحد الاحتمالين: إمّا لأجل اجتماع أجزاء الأرض فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل عن بدن المغتسل إلى الماء.أو لأجل بلّ بدن

ص: 235


1- - منتقى الجمان 1 : 69.

المغتسل ليعجل الاغتسال قبل انحدار ما ينفصل منه وعوده إلى الماء.

2- إجزاء مسح البدن عن غسله عند قلّة الماء، وهو غير مشهور بين الفقهاء، وهو موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد من وجوب غسل الرأس ثلاثاً والاجتزاء بالدهن في بقيّة البدن.

3- كفاية مسح الذراعين عن غسلهما في الوضوء عند قلّة الماء وعدم كفايته.

4- عند عدم خشية كفاية الماء فإنّه يأتي بالغسل تامّاً، ولا يقتصر على هذه الكيفيّة الاضطراريّة.

ص: 236

11 - باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام مع عدم العلم بنجاستها وأن الماء النجس لا يطهر ببلوغه كراً

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

11 - باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام مع عدم العلم بنجاستها وأن الماء النجس لا يطهر ببلوغه كراً

شرح الباب:

تضمّن هذا الباب حكمين:

أولهما: كراهة الاغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها.

وغسالة الحمّام هي: «الماء المنفصل عن المغتسلين فيه، الذي لا يبلغ الكثرة حال الملاقاة»((1)).

ثانيهما: أنّ الماء النجس لا يطهر ببلوغه كراً.

والماتن أورد في هذا الباب خصوص ما يستدلّ به على الحكم الأول، ولم يورد ما يكون دليلاً على الحكم الثاني.

ولكن يمكن استفادة الحكم الثاني من إطلاق الروايات الناهية عن استعمال ماء الغسالة، باعتبار شمول النهي لما بلغ كراً وغيره، وهذا مبني على القول بنجاسة غسالة الحمّام((2)).

ص: 237


1- - تمهيد القواعد الأُصولية والعربية: 309.
2- - أقول: بما أن الماتن(قدس سره) لا يرى نجاسة غسالة الحمّام، فهذا الكلام لا يفيد في توجيه عدم ذكر الأحاديث الدالة على الحكم، فيكون الماتن قد أغفل مستند الحكم الثاني في عنوان الباب. المقرّر.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

اختلفت أقوالهم في غسالة ماء الحمّام على ثلاثة أقوال:

القول الأول: النجاسة مطلقاً، وقد اختاره الشيخ في «النهاية»((1)

والصدوق في «الفقيه»، ووالده في «رسالته». وعلّله الصدوق بأنّه يجتمع فيه غسالة اليهودي والمجوسي والنصراني والمبغض لآل محمد (علیهم السلام) ، وهو أشرّهم((2)).

القول الثاني: النجاسة إلّا مع العلم بخلوه عن النجاسة، اختاره المحقّق في «المعتبر»((3))، والعلامة في «التذكرة» و«القواعد»((4)).

القول الثالث: الطهارة، واختاره العلامة في «المنتهى»، والشهيد الثانيفي «روض الجنان»، ونسب المجلسي الأول القول بالكراهة في شرحه

ص: 238


1- - النهاية: 5.
2- - أقول: الظاهر من التعليل الذي ذكره الصدوقان أنَّهما يريان أنّ الماء إذا خلا من اجتماع غسالة المذكورين فهو طاهر، ولا مانع من استعماله، ويكون قولهما موافقاً لقول المحقّق الآتي، فالقول بكونهما يريان النجاسة مطلقاً في محل المنع. المقرّر.
3- - المعتبر 1 : 92.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 38، وقواعد الأحكام 1 : 186.

[556] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ حَمْزَةَ ابْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ أَوْ سَأَلَهُ غَيْرِي عَنِ الْحَمَّامِ؟ قَالَ: «ادْخُلْهُ بِمِئْزَرٍ وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَلَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا مَاءُ الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّهُ يَسِيلُ فِيهَا مَا يَغْتَسِلُ بِهِ الْجُنُبُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالنَّاصِبُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الفارسي على «الفقيه» إلى أكثر المتأخرين((2)).

أقوال العامة:

تقدّم في الباب السابع من أبواب الماء المطلق: أنّ ماء الحمّام إذا كان جارياً من الميزاب ويخلص بعضه إلى بعض فهو معتصم، فلا ينجس وإن وقعت فيه نجاسة أو توضأ منه إنسان عن أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأنّه بمنزلة الماء الجاري((3))، وكذا عن أحمد((4)).

[1] - فقه الحديث:

تعرّض هذا الحديث إلى ثلاثة أمور في جواب السؤال عن الحمّام:

ص: 239


1- تهذيب الأحكام 1 : 373، ح1143، وأورد صدره في الحديث 2 من الباب 3 من أبواب آداب الحمّام.
2- - منتهى المطلب 1 : 147، وروض الجنان 1 : 429، وغنائم الأيام 1 : 524.
3- - بدائع الصنائع 1 : 72 .
4- - الشرح الكبير 1 : 232 .

النهي عن الاغتسال من البئر تحريمي أو تنزيهي

الأول: الأمر بدخول الحمّام بمئزر؛ لاحتمال وجود الناظر المحترم، وستر العورة عنه واجب مع وجوده، فالأمر ظاهر في الاستحباب.

الثاني: الأمر بغضّ البصر؛ لأنّ الحمّام مظنّة كشف العورات، فيكون الأمر مستحبّاً إلّا أن يرى عورة فعلاً فيجب غضّ البصر حينئذٍ.

الثالث: النهي عن الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام بعد أن ينفصل من المغتسلين.

ويحتمل أن يراد من هذا النهي التحريم، وحينئذٍ فإمّا أن يراد أنّ العلّة في المنع هي اجتماع غسالة الجنب وولد الزنا والناصب، فيجب الاجتناب عنها؛ لوجود غسالة الناصب يقيناً حينئذٍ، فيجب الاجتناب عنها لنجاسته.

وإمّا أن يراد أنّ سيلان كل واحدة من الغسالات المذكورة علّة مستقلة للمنع عن الاغتسال من البئر المجتمعة فيها غسالات المذكورين، فيدلّ على عدم جواز الاغتسال بما استعمل في رفع الجنابة.

ويحتمل أن يراد من هذا النهي الكراهة، كما اختاره الماتن بقرينة كون الأمرين السابقين للاستحباب، وقرينة التعليل في النهي؛ فإنّ احتمال النجاسة من غير يقين لا يستلزم وجوب الاجتناب، وإن كان وجودها أغلبيّاً، إلّا أنّ هذا غير مجدٍ بعد أن كان اليقين والعلم شرطاً في الحكم بالنجاسة ليترتّبعليه وجوب الاجتناب((1)).

ص: 240


1- - تحرير وسائل الشيعة: 582، بتصرّف.

ومن القرائن أيضاً - غير ما ذكره(قدس سره) - : أنّه (علیه السلام) علّل النهي عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام في هذا الحديث أيضاً بأنّه ممّا اغتسل به ولد الزنا، مع أنّه لا منع عن الاغتسال بغسالته إلّا على القول بنجاسته، كما عن السيد المرتضى، ويعزى إلى ابن إدريس والصدوق، وهو ضعيف جداً، وعليه فلا بد من حمل المنع عن الاغتسال بغسالته على الكراهة، فيحمل ما ورد من المنع عن الغسل بغسالة الجنب على الكراهة أيضاً؛ لوحدة السياق.

ثم إن الغسالة لما كانت مستقذرة في نفسها عند العرف، وغير معدّة لأن يغتسل بها في الحمّام، فالاغتسال فيها - على ما في بعض النصوص - لا بد أن يكون لبعض الدواعي الخاصّة، كالشفاء من العين، فيقرب جداً أن يكون هذا النهي للردع عن هذا الاعتقاد، وبيان مرجوحيّة الاغتسال في هذه الغسالة، لا أنّه وارد لبيان المانعيّة عن الاغتسال به بحيث لا يصح الغسل.

سند الحديث:

تقدّم الكلام عن صحة طريق الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب.

وأمّا العدة في هذا السند وإن لم تعلم، إلّا أنّ أقلّها ثلاثة، ويبعد جدّاً أن لا يكون فيهم ثقة، وقد عبّر بعضهم عن هذا الحديث بالمرسل.

وأمّا محمد بن عبد الحميد: فهو محمد بن عبد الحميد بن سالم العطّار، وقد تقدّم أنّه ثقة؛ لوروده في كتاب «نوادر الحكمة»؛ ورواية المشايخ الثقات عنه.

ص: 241

وأمّا حمزة بن أحمد: فقد ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((1))، ولم يرد فيه توثيق.

فهذا السند ضعيف به.

وقول الراوي: «سألته أو سأله غيري» يدل على احتياطه في الرواية، مع أنّه غير مؤثر في الرواية، لا في السؤال، ولا في الجواب.

ص: 242


1- - رجال الطوسي: 335 / 4982.

[557] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي قَدِ اغْتُسِلَ فِيهِ فَأَصَابَهُ الْجُذَامُ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»، فَقُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) : إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنَ الْعَيْنِ؟ فَقَالَ: «كَذَبُوا، يَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ مِنَ الْحَرَامِ وَالزَّانِي وَالنَّاصِبُ الَّذِي هُوَ شَرُّهُمَا، وَكُلٍّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ(1)، ثُمَّ يَكُونُ فِيهِ شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ؟»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

التحذير عن الاغتسال بالغسالة

[2] - فقه الحديث:

دلّ التحذير عن الاغتسال من الماء الذي قد اغتُسل فيه، وهو عبارة أخرى عن الغسالة، وأنّ المغتسل فيه في معرض الإصابة بالجذام على كراهته لا على المانعيّة، فإنّ هذا التعبير في قوة التعليل، ولا يدلّ على وجوب الاجتناب كما في نظائره. كما أنّه لا يدلّ إلّا على أنّ الاغتسال فيه مقتضٍ للإصابة بالجذام، فلا يدلّ على أنّ حصول الجذام له أغلبي، فضلاً عن أنّه كلّي.

وهذه الغسالة لما كانت مستقذرة وغير معدة للاغتسال بها في الحمّام،

ص: 243


1- في المصدر: وكلّ خلق من خلق الله.
2- 2*) الكافي 6 : 503، ح38.

فالاغتسال فيها يكون لبعض الدواعي الخاصة، كالشفاء من العين كما صرّح به السائل، فيقرب جدّاً أن يكون نهي الإمام (علیه السلام) عن الاغتسال فيها للردع عن هذا الاعتقاد الخاطئ، وبيان مرجوحيّة الاغتسال في هذه الغسالة التي هي بقايا ما يغتسل به المبغوضون من الله تعالى، وهم: الجنب من الحرام والزاني والناصب، لا أنّه وارد لبيان المانعيّة عن الاغتسال به بحيث لا يصح الغسل.

وقد دلّ على رجحان اجتناب عرق الجنب من الحرام بالزنا وغيره، إلّا أنّه ليس بصريح في نجاسته.

كما دلّ على أنّ الناصب شرّ من الزاني والمجنب من الحرام، ومن كل من خلقه الله، فكيف يكون في ما اغتسل منه الشفاء من العين؟!

والمراد من أنّه شفاء من العين هنا: إصابة العين، أي: الحسد، أولاً: بقرينة استعمال «من»، وثانياً: من التعبير بالعين الذي ورد في أحاديث الاستشفاء من إصابة العين، مثل تتمّة هذا الحديث التي لم ينقلها الماتن، وهي: «إنَّما شفاء العين قراءة الحمد والمعوذتين وآية الكرسي والبخور بالقسط والمر واللبان»((1)).

وعليه: لا يصح ما ذكره الماتن في شرحه على الوسائل من أنّه شفاءللعين((2))، أي: إنّه شفاء لأمراض العين.

ص: 244


1- - الكافي 6 : 503 ، ح38.
2- - تحرير وسائل الشيعة: 583.

سند الحديث:

الحسين بن محمد: هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري الثقة، ومحمد بن يحيى: هو العطار.

وأمّا علي بن محمد بن سعد: فهو الأشعري القمي، روى عنه الكليني كثيراً بواسطة الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى، ولكن لم يرد فيه توثيق.

وأمّا محمد بن سالم: فقد تقدّم أنّه مشترك بين ثلاثة: ابن أبي سلمة السجستاني الذي لم يرد فيه توثيق، وابن شريح المختلف في وثاقته، وابن عبد الحميد الثقة.

والظاهر أنّ المراد به هنا الأول؛ لرواية علي بن محمد بن سعد لكتاب ابن أبي سلمة.

وأمّا موسى بن عبد الله بن موسى: فلم يرد فيه شيء، وليس له في الكتب الأربعة إلّا هذا الحديث.

وأمّا محمد بن علي بن جعفر: فهو وإن عُدّ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) إلّا أنّه لم يرد فيه شيء، فالسند ضعيف، إلّا على القول بتماميّة شهادة الكليني في «الكافي»، فيكون معتبراً.

ص: 245

[558] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، - فِي حَدِيثٍ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَغْتَسِلْ مِنْ غُسَالَةِ مَاءِ الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّهُ يُغْتَسَلُ فِيهِ مِنَ الزِّنَا، وَيَغْتَسِلُ فِيهِ وَلَدُ الزِّنَا وَالنَّاصِبُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلالته قريبة من دلالة الحديث الأول، حيث إنّه لا يمكن الاغتسال إلّا من موضع يجتمع فيه الماء، بقرينة قوله (علیه السلام) هنا: «فإنّه يغتسل فيه»، فيكون المعنى: لا تغتسل من الموضع الذي يجتمع فيه ماء الحمام، وعلّة النهي هو اغتسال المذكورين.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد: والظاهر أنه أحمد بن محمد بن عيسى؛ لروايته عن علي بن الحكم، كما أنّه المنصرف إليه عند الإطلاق، كما مرّ غير مرة، وهذا الحديث مرسل، إلّا أن يقال بتماميّة شهادة الكليني، فيعتبر بذلك.

ص: 246


1- الكافي 6 : 498، ح10.

[559] 4- وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا غُسَالَةُ الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّ فِيهَا غُسَالَةَ وَلَدِ الزِّنَا، وَهُوَ لَا يَطْهُرُ إِلَى سَبْعَةِ آبَاءٍ، وَفِيهَا غُسَالَةُ النَّاصِبِ، وَهُوَ شَرُّهُمَا. إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً شَرّاً مِنَ الْكَلْبِ، وَإِنَّ النَّاصِبَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْكَلْبِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلالته على النهي عن الاغتسال من مجمع الغسالات واضحة، وقد سبق الكلام فيها. وفيه: التعليل بأنّ في البئر غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، أي: من الأسفل، فيكون هذا دليلاً على نجاسته كما ذهب إليه السيد المرتضى(قدس سره) ، ونسب إلى ابن إدريس وإلى الصدوق، وينبغي على هذا أن يحمل عدم الطهارة في أولاده على الطهارة المعنويّة؛ لعدم القول بنجاستهم ظاهراً.

ويدفعه - كما عن السيد الأستاذ(قدس سره) - : أنّ هذا الحديث ناظر إلى بيان الخباثة المعنويّة المتكوّنة في ولد الزنا، وأن آثارها لا تزول إلى سبعة آباء، ولا نظر له إلى الطهارة المبحوثة هنا.

ويدلّ على ذلك: أنّ المتولد من ولد الزنا ممّن لا كلام عندهم - أي:

ص: 247


1- الكافي 3 : 14، ح1.

السيد وقرينيه - في طهارته، فضلاً عن طهارته إلى سبعة آباء.

وما ورد من روايات الباب التي يظهر منها نجاسته محمولة على الخباثة المعنويّة المتكوّنة فيه، خصوصاً وقد قرن ولد الزنا في بعضها بالجنب والزاني، مع أنَّهما ممّا لا إشكال في طهارتهما((1)).

ثم إنّ هذه الخباثة المعنويّة هي بنحو المقتضي للفساد وبغض أهل البيت لا أنَّها على نحو العلّة التامّة حتى يقال: إنّه يدلّ على إثبات الجبر، وقد ورد في بعض الروايات: «إنّ ولد الزنا يستعمل، إن عمل خيراً جزئ به، وإن عمل شراً جزئ به»((2)).

وفي الحديث أيضاً بيان محل الناصب عند الله وهوانه، وأنّه أهون عنده تعالى من الكلب الذي لم يخلق خلقاً شرّاً منه. والوجه في كون الناصب شرّاً من غيره من المخلوقات هو أنّه عدو - في الحقيقة - لله وللرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وللأئمة (علیهم السلام) .

سند الحديث:

سبق الكلام في هذا السند، وقلنا: إنه ضعيف، لكن قد يصحّح الحديثعن طريق القول بأنّ كتاب ابن أبي يعفور مشهور، فلا حاجة للطريق، أو لوجوده في «الكافي».

ص: 248


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 3 : 66.
2- - الكافي 8 : 238، ح322.

[560] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ غُسَالَةِ الْحَمَّامِ؛ فَفِيهَا تَجْتَمِعُ غُسَالَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالنَّاصِبِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ، وَإِنَّ النَّاصِبَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَنْجَسُ مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلالته على النهي عن الاغتسال من غسالة الحمّام كسوابقه، إلّا أنّ التعليل هنا باجتماع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي بالإضافة للناصب الذي هو شرهم وأنجس من الكلب.

فإذا قيل: إنّ العلّة في المنع هي اجتماع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب فيجب الاجتناب عنها؛ لوجود غسالة الناصب يقيناً حينئذٍ، فيجب الاجتناب عنها لنجاسته القطعيّة، وإن كان في نجاسة غيره من المذكورين خلاف.

وأمّا إذا قيل: إن كلّ واحدة من الغسالات المذكورة علّة مستقلّة للمنع

ص: 249


1- علل الشرائع 1 : 292.

أَقُولُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَهَا مُعَارِضَاتٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ(1)1*)، وَبَعْضُهَا فِي أَحَادِيثِ مَاءِ الْحَمَّامِ(2)2*)، وَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي بَحْثِ النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(3)3*). وَلَهَا مُعَارِضَاتٌ عَامَّةٌ تُؤَيِّدُ جَانِبَ الطَّهَارَةِ، وَلِذَلِكَ حَمَلْنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ فُرِضَ فِيهَا الْعِلْمُ بِحُصُولِ النَّجَاسَةِ فَلَا إِشْكَالَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

-----------------------------------------------------------------------------

عن الاغتسال من البئر المجتمعة فيها غسالات المذكورين، فيدلّ على عدم جواز الاغتسال بغسالة الحمّام.

وقد سبق أنّ النهي هنا محمول على الكراهة؛ بقرينة التعليل في بعضها، ولورود الأحاديث الدالّة على طهارة الغسالة إلّا أن يعلم بنجاستها، فإنّه توجد أحاديث تقدّم بعضها تدلّ على جواز الاغتسال من غسالة الحمّام مثل معتبر محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره، أغتسل من مائه؟ قال: «نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه، ثم جئت فغسلت رجلي، وما غسلتهما إلّاممّا لزق بهما من التراب»((4)).

ص: 250


1- 1*) تقدّم في الباب 9 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
3- 3*) يأتي في الحديث 9 من الباب 14 ، والحديثين 13، 14 من الباب 27 من أبواب النجاسات.
4- - وسائل الشيعة 1 : 148، ب7 من أبواب الماء المطلق، ح2.

فإنّ فيه تصريحاً من الإمام (علیه السلام) بأنّ ما فعله من غسل رجليه بعد اغتساله لم يكن لملاقاتهما لماء الحمّام، بل لما لزق بهما من التراب، لا للاجتناب عن ماء الحمّام، فعدم غسله لهما إلّا من التراب ظاهر في طهارتهما وطهارة الغسالة الملاقية لهما.

وكذا غيره من الأحاديث.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسن: وهو ابن الوليد، والسند موثق.

الجمع بين الأحاديث:

لا بد من حمل أحاديث الباب على استحباب التنزّه عن الغسالة لتقذّرها بالقذارة المعنويّة؛ لأنَّها مسّت اليهودي والنصراني والجنب وولد الزنا وغيرهم ممّن لا يخلون من القذارة معنى، بل ورد النهي عن الاغتسال بما قد اغتُسِل فيه، وإن كان المغتسِل في غاية النظافة والورع كما في الحديث الثاني من الباب: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسِل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه»؛ فإنّه شامل حتى لمن لم يكن من هذه العدّة المبغوضة.

ويدلّ أيضاً على أنّ النهي عن الاغتسال في غسالة الحمّام تنزيهي:الأحاديث المتقدّمة في الباب السابع من أبواب الماء المطلق الدالّة على طهارة غسالة الحمّام.

ويمكن الجمع بينها أيضاً بحمل ما دلّ على النهي عن الاغتسال بغسالة

ص: 251

الحمّام على النهي عن الاغتسال في المكان الذي يجتمع فيه ماء الغسالة، وحمل ما دلّ على جواز الاغتسال بماء الحمّام على ماء الحمّام الذي اغتسل فيه غيره، فلاحظ.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أولها ضعيف، وثانيها وثالثها ورابعها معتبر، وخامسها موثّق.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- كراهة الاغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها.

2- استحباب دخول الحمّام بمئزر عند احتمال وجود الناظر المحترم، فلو علم بوجوده وجب ستر العورة عنه.

3- استحباب غض البصر عند احتمال رؤية عورات الآخرين، فلو رأى عورة وجب الغض حينئذٍ.

4- كراهة الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام بعد أن ينفصل من المغتسلين.

5- لزوم الاجتناب عن غسالة الناصب، منفردة أم مجتمعة مع غيرها ولو كانت غسالات طاهرة؛ لليقين بنجاستة ونجاسة غسالته.6- النهي عن الاغتسال بغسالة الحمّام لغرض الاستشفاء من العين، بل الاغتسال فيها قد يورث الجذام.

7- رجحان الاجتناب عن عرق الجنب من الحرام.

8 - أنّ الناصب شرّ من الزاني والمجنب من الحرام، ومن كل من خلقة

ص: 252

الله تعالى، وأهون على الله من الكلب الذي لم يخلق خلقاً شراً منه، وكل ذلك لعداوته في الحقيقة لله سبحانه وللرسول ولأهل البيت (علیهم السلام) .

9- أنّ المتولد من الزنا طاهر، وما ورد من عدم طهارته محمول على الخباثة المعنويّة المتكوّنة فيه بسبب الزنا بنحو المقتضي للفساد وبغض أهل البيت (علیهم السلام) ، فلا جبر.

ص: 253

ص: 254

12 - باب جواز الطهارة بالمياه الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت وكراهة الاستشفاء بها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

12 - باب جواز الطهارة بالمياه الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت وكراهة الاستشفاء بها

شرح الباب:

تعرّض الماتن في هذا العنوان لحكمين:

الأول: جواز الطهارة بالمياه الحارّة التي تقارنها رائحة الكبريت، ويدلّ عليه الحديث الأول صراحة.

الثاني: كراهة الاستشفاء بها، وتدلّ عليها الأحاديث الثلاثة، ومقتضاها الاقتصار في الكراهة على الاستشفاء، ولا يبعد أن تعمّ بقيّة الاستعمالات؛ للتعليل الوارد فيها، فيكون الوضوء بها جائزاً مع كراهة.

وقد ورد في بعض الأحاديث تعليل لكراهة هذه المياه، فمنها ما في «الكافي» عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إنّ نوحاً (علیه السلام) لما كان في أيام الطوفان دعا المياه كلّها فأجابته إلّا ماء الكبريت والماء المرّ، فلعنهما»((1)).

ص: 255


1- - الكافي 6 : 389 ، ح2.

وفي «الكافي» أيضاً: عن أبي سعيد عقيصا التيمي، قال: مررت بالحسن والحسين صلوات الله عليهما وهما في الفرات مستنقعان في إزارين - إلى أن قال: - ثم قالا: «إلى أين تريد؟» فقلت: إلى هذا الماء، فقالا: «وما هذا الماء؟» فقلت: أريد دواءه أشرب من هذا المرّ لعلّة بي، أرجو أن يخفّ له الجسد، ويسهل البطن، فقالا: «ما نحسب أنّ الله جل وعز جعل في شيء قد لعنه شفاء»، قلت: ولم ذاك؟ فقالا: «لأنّ الله تبارك وتعالى لما آسفه((1)) قوم نوح (علیه السلام) فتح السماء بماء منهمر، وأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها وجعلها ملحاً أجاجاً».

وفي رواية حمدان بن سليمان: أنَّهما (علیهما السلام) قالا: «يا أبا سعيد، تأتي ماء ينكر ولايتنا في كل يوم ثلاث مرات؟! إن الله عز وجل عرض ولايتنا على المياه، فما قبل ولايتنا عذب وطاب، وما جحد ولايتنا جعله الله عز وجل مرّاً أو ملحاً أجاجاً»((2)).

أقوال الخاصّة:

الظاهر أنّه لا خلاف في جواز الطهارة بماء الحمّات، والحكم بكراهة التداوي به هو رأي الكثير من الفقهاء، قال الشيخ حسن في «معالم الدين»: «ولا بأس بالطهارة بماء الحمّات، وهي العيون الحارّة التي يشمّ منها رائحةالكبريت. ولا نعرف في ذلك من الأصحاب مخالفاً إلّا ابن الجنيد فإنّه قال

ص: 256


1- - آسفه: أي أغضبه. وماء منهمر أي منسكب منصب .
2- - الكافي 6 : 389 ، ح3.

في المختصر: ماء الحمّات التي لا يوجد إلّا والرائحة المكروهة مقارنة لها كالكبريت وغيره ممّا أكره الطهارة به، وابن البراج حيث قال بكراهة استعمالها، فيما يحكى عنه((1)

ولم نقف لما قالاه على حجّة.

نعم ذكر الصدوق (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نهى أن يستشفى بها، وقال: إنّها من فوح جهنم((2)

وروى في الكافي عدّة أخبار تدلّ على ذلك، ومن ثَم حكم كثير من الأصحاب بكراهة التداوي بها»((3)).

أقول: قوله: «ولم نقف لما قالاه على حجّة»، يجاب عنه بأنّ التعليل الوارد في الأحاديث يفيد التعميم لجميع الاستعمالات، كما هو غير بعيد((4)).

أقوال العامّة:

تقدم نقل كلام ابن قدامة في المضاف، وأنّ من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهذا يعني اتفاق جميع المذاهب على ذلك، وهوأربعة أنواع، وذكر أنّ ثاني تلك الأنواع: «ما لا يمكن التحرّز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء

ص: 257


1- - المهذب 1 : 27.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 14 ، ح25.
3- - معالم الدين1 : 402 - 403.
4- - أقول: صريح الحديث الأول - بناء على أنّه من كلام الإمام (علیه السلام) - أنّه لم ينه عن التوضي بها، فكيف يُصار إلى الجواز مع الكراهة؟ اللهم إلّا أن يقال: إنّ المعنى: لم ينه عن التوضي بها نهي تحريم، وهو بعيد. المقرّر.

[561] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَمَّا مَاءُ الْحَمَّاتِ(1) فَإِنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) إِنَّمَا نَهَى أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنِ التَّوَضِّي بِهَا، قَالَ: وَهِيَ الْمِيَاهُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ يُشَمُّ مِنْهَا رَائِحَةُ الْكِبْرِيتِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أو تحمله الريح فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن نحوه فتلقيه في الماء، وما هو قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما إذا جرى عليه الماء فتغيّر به، أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها، وهذا كلّه يعفى عنه؛ لأنّه يشق التحرّز منه. فإن أخذ شيء من ذلك فألقي في الماء وغيّره كان حكمه حكم ما يمكن التحرّز منه من الزعفران ونحوه؛ لأنّ الاحتراز منه ممكن».

[1] - فقه الحديث:

الاستشفاء بالمياه المذكورة يعمّ الشرب منها والجلوس فيها وبقيّة الاستعمالات الأخر المرتبطة بذلك، فما يعدّ استشفاء بها فهو مكروه، وقوله: «ولم ينه عن التوضي بها» يحتمل أنّه من قول الإمام (علیه السلام) فيكون استدلالاًمنه (علیه السلام) بأنّه ماء، ولم يرد من النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نهي عن التطهر به، فهو باقٍ على أصل الجواز. ويحتمل أنّه من الصدوق(قدس سره) ، ولا ملازمة بين النهي عن الاستشفاء به - لخروجه من فيح جهنم، والذي قد يمنع عن حصول الشفاء به - وعدم جواز التطهّر به.

ص: 258


1- الحمة: العين الحارة يستشفى بها المرضى، (منه(قدس سره) ). (الصحاح 5 : 1904).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 13، ح24.

[562] 2- قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : «إِنَّهَا مِنْ فَوْحِ(1)1*) جَهَنَّمَ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مضى أنّ التحقيق اعتبارها.

[2] - فقه الحديث:

الفوح: انتشار الرائحة وسطوع الحرّ وفورانه.

وفي نسخة: فيح، أي: الغليان.

وهذا كالتعليل لكراهة الاستشفاء بها، ولا تعرّض له لحكم التوضي أو غيره منها.

نعم، يمكن أن يقال: إن التعليل يفيد كراهة مطلق الاستعمالات حتى التطهّر منها، لكنه مبني على كبرى غير متيقنة، وهي: أنّ ما فيه حرّ جهنميكره استعماله، وإن كانت غير بعيدة.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق أيضاً، فهو كسابقه.

ص: 259


1- 1*) في نسخة «فيح»، فاحت القدر تفوح: غلت، (منه(قدس سره) ). (الصحاح 1 : 393).
2- 2*) من لا يحضره الفقيه 1 : 14، ح25.

[563] 3- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) عَنِ الِاسْتِشْفَاءِ بِالْحَمَّاتِ(1)، وَهِيَ الْعُيُونُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ الَّتِي تُوجَدُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْكِبْرِيتِ، فَإِنَّهَا مِنْ فَوْحِ(2) جَهَنَّمَ»(3).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(4)5*).

أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، مِثْلَهُ(5)6*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

صرّح المقدس الأردبيلي وصاحب «كفاية الأحكام» بأنّ هذا التعليل يفيد كراهة مطلق الجلوس فيها، وعن بعضهم - كصاحب «الرياض» - التعميم لمطلق الاستعمالات((6)).

ولكن هذا متوقّف على تماميّة كبرى: أنّ كل ما فيه حرّ جهنم يكره

ص: 260


1- في المصدر: بالحميّات.
2- وفيه: فيح.
3- الكافي 6 : 389، ح1.
4- 4*) تهذيب الأحكام 9 : 101، ح441.
5- 5*) المحاسن: 579، ح47.
6- - مجمع الفائدة والبرهان 11 : 279، وكفاية الأحكام 2 : 253.

استعماله؛ إذ خروج هذه المياه من فيح جهنم قد ينتج عنه عدم حصول الشفاء بواسطتها، وهذا لا يمنع أن يستفاد منها في أمور أخرى غير التداوي، فتأمل.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أولها: سند الكليني، وفيه: مسعدة بن صدقة: وقد تقدّم أنّه مشترك بين شخصين، أحدهما عامي بتري من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق، والآخر من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) ، ويروي عنه هارون بن مسلم، فيكون هو المراد هنا؛ لروايته عن الإمام الصادق، ورواية هارون بن مسلم عنه.

أضف إلى ذلك: أنّه لم ترد رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (علیه السلام) في شيء من الكتب الأربعة.

ومسعدة الثاني ثقة؛ لوقوعه في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»((1)

فهذا السند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في «التهذيب» عن الكليني، وقد مرّ أنّ للشيخ عدّةطرق معتبرة إلى الشيخ الكليني، فهذا السند معتبر.

ثالثها: سند البرقي في «المحاسن»، وهو ضعيف بالإرسال.

ص: 261


1- - أُصول علم الرجال 1 : 240، 287.

[564] 4- وَعَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) نَهَى أَنْ يُسْتَشْفَى بِالْحَمَّاتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْجِبَالِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث مطلق يعمّ جميع المياه الحارّة التي توجد في الجبال، فيشمل المياه التي يشم منها رائحة الكبريت والمياه التي ليست لها تلك الرائحة، وقد ثبت في محلّه: أنّه لا يحمل المطلق على المقيّد في المكروهات والمستحبات، وقد يقال بحمل هذا المطلق على ما تقدّم من الأحاديث التي فيها كراهة المياه الحارّة التي يشم منها رائحة الكبريت، كما صنعه الماتن في عنوان الباب، وقد عرفت ما فيه.

سند الحديث:

السند ضعيف بالإرسال.

فالحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، الأول والثاني من مراسيل الصدوق التي يمكن القول باعتبارها، والثالث معتبر، والرابع ضعيف.

ويستفاد منها جواز الطهارة بالمياه الحارّة والتي تكون في الجبال، بلافرق بين التي يشم منها رائحة الكبريت والتي لا يشمّ منها ذلك؛ لبقائها على

ص: 262


1- المحاسن: 579، ح48، ويأتي ما يدلّ على ذلك في الباب 24 من أبواب الأشربة المباحة من كتاب الأطعمة والأشربة.

الطهارة. ومجرّد اشتمالها على رائحة الكبريت لا يخرجها عن الطهارة؛ لعدم كون الكبريت من النجاسات؛ لأنَّها محصورة معلومة، ولا يخرجها أيضاً عن الإطلاق، وإن كره الاستشفاء بها بالشرب أو الجلوس أو غير ذلك.

ص: 263

ص: 264

13 - باب طهارة ماء الاستنجاء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

13 - باب طهارة ماء الاستنجاء

شرح الباب:

من جملة المستثنيات من نجاسة الماء القليل: ماء الاستنجاء، وهو الماء المستعمل في إزالة النجو، أي: الغائط على ما فسّره به الزبيدي في «تاج العروس»، حيث قال: «من الكناية: نجا فلان ينجو نجواً: إذا أحدث من ريح أو غائط. يقال: ما نجا فلان منذ أيام، أي: ما أتى الغائط»((1))، فالنجو: هو ما يخرج من الموضع المعتاد من غائط أو ريح، وهو لا يشمل البول، فغسله ليس استنجاء، وإنما ألحق به للملازمة العرفيّة؛ فإنّ العادة جارية على الاستنجاء من الغائط والبول في مكان واحد، وقد حكم على ماء الاستنجاء بالطهارة، فيستفاد منه طهارة الماء الذي أزيل به البول أيضاً.

أقوال الخاصة:

لا إشكال عند الفقهاء في عدم البأس بماء الاستنجاء إذا لم يكن متغيّراً بالنجاسة، ولم يقع على نجاسة خارجة عن محلّه؛ لأنّه حينئذٍ يكون خارجاً عن صدق الاستنجاء، لكن هل ذلك لجهة العفو عنه؟ كما ذهب إليه

ص: 265


1- - تاج العروس20 : 219، مادة: «نجو».

المرتضى في «المصباح»، وهو ظاهر «المعتبر»((1))، والشهيد في «الذكرى»((2))، فتكون طهارة ملاقيه مستثناة عن قاعدة انفعال القليل بالنجاسة وخارجة تخصيصاً، فماء الاستنجاء وإن كان محكوماً بالنجاسة إلّا أنّه لا ينجس ما يلاقيه، أو لأنّه طاهر كما ذهب إليه الشيخان - كما في «المعتبر» - واختاره في «الشرائع»، واختاره صاحب «الحدائق»، وقوّاه ونسبه إلى المحقّق الأردبيلي في «شرح الإرشاد»((3)) ، بل نُقل عليه الإجماع كما في «المدارك»((4))، فتكون طهارة ملاقيه على طبق القاعدة.

وتظهر الثمرة بين القولين في جواز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة ثانياً، أو إزالة النجاسة، فلا يجوز ذلك على القول الأول دون الثاني.

وهناك قول ثالث لبعضهم كصاحب «العروة»، والسيد الحكيم في «المستمسك»، وهو التفصيل بين الخبث فيرفعه واستعماله في رفع الحدث وما يشترط فيه الطهارة((5)).

وقد ذكروا لطهارة ماء الاستنجاء شروطاً:

الأول: عدم تغيّره في أحد الأوصاف الثلاثة.

ص: 266


1- - المعتبر 1 : 91.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 83.
3- - الحدائق الناضرة: 1 : 469، 477.
4- - مدارك الأحكام 1 : 125.
5- - العروة الوثقى 1 : 102، ومستمسك العروة الوثقى 1 : 228.

الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من الخارج.

الثالث: عدم التعدّي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.

الرابع: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم.

الخامس: أن لا تكون فيه الأجزاء من الغائط بحيث يتميّز.

السادس: سبق الماء على اليد، وهذا الشرط غير مرضي عند بعض المحقّقين قدس الله أسرارهم.

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «ما أزيلت به النجاسة إن انفصل متغيّراً بالنجاسة أو قبل طهارة المحل فهو نجس؛ لأنّه تغيّر بالنجاسة، أو ماء قليل لاقى محلاً نجساً لم يطهره فكان نجساً كما لو وردت عليه... وإن انفصل غير متغيّر من الغسلة التي طهر بها المحل، فإن كان المحلّ أرضاً فهو طاهر رواية واحدة... وإن كان غير الأرض ففيه وجهان: قال أبو الخطاب: أصحّهما: أنّه طاهر، وهو مذهب الشافعي ... والثاني: أنه نجس، وهو قول أبي حنيفة، واختاره أبو عبد الله بن حامد؛ لأنّه ماء قليل لاقى محلاً نجساً»((1)).

ص: 267


1- - المغني 1 : 48.

[565] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْأَحْوَلِ، يَعْنِي: مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَخْرُجُ مِنَ الْخَلاءِ فَأَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، فَيَقَعُ ثَوْبِي فِي ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْجَيْتُ بِهِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّه لا بأس بالثوب الملاقي لماء الاستنجاء بلا ريب، لكن هل تستند طهارته إلى طهارة ماء الاستنجاء الذي لاقاه، ويكون عدم تنجّسه بسبب عدم المقتضي لنجاسته؛ باعتبار الماء طاهراً، أو أنّ طهارته مستندة لهذا الحديث وأمثاله ممّا دلّ على أنّ ماء الاستنجاء لا ينجس ملاقيه، فيكون ماء الاستنجاء مستثنى من منجسيّة النجاسات والمتنجسات، فهو لا ينجس ملاقيه وإن كان هو في نفسه محكوماً بالنجاسة؟ احتمالان.

فقوله (علیه السلام) : «لا بأس به» يحتمل أن يكون راجعاً إلى وقوع ثوبه في الماء، وعندها يكون الحديث دالّاً على طهارة ماء الاستنجاء؛ إذ نفي البأس كان عن نفس الماء. ويحتمل أن يرجع إلى نفس الثوب، فلا يكون هذا الحديث دالّاً على طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء؛ إذ لعلّ طهارة الثوب مستندة إلى تخصيص ما دلّ على منجسيّة المتنجّسات، فلا تعرّضللحديث لكون الماء طاهراً أم لا.

ص: 268


1- الكافي 3 : 13، ح5.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، مِثْلَهُ، وَزَادَ: «لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْ ءٌ»(1)1*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذان الاحتمالان متكافئان، فالحديث مجمل من ناحية الدلالة على طهارة ماء الاستنجاء، وإن كان مبيّناً لطهارة ملاقيه.

لكن مع ذلك يقال: إنّ لازم طهارة الملاقِي طهارة نفس الماء عرفاً، بعد عدم معهوديّة وجود نجس غير منجّس، فطهارة الملاقِي الثابتة بهذا الحديث تدلّ بالملازمة العرفيّة على طهارة الماء الذي لاقاه.

وعليه يجوز شربه واستعماله فيما يشترط فيه الطهارة ما لم يقم دليل آخر على عدم كفايته في رفع الحدث أو الخبث.

وإطلاق الحديث يقتضي عدم الفرق بين الاستنجاء من البول أو الغائط، ولا بين المخرج المعتاد وغيره، ولا بين الخارج المتعدّي وغيره إلّا أن يتفاحش على وجه لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء.

والظاهر اختصاص الحكم بغسل محلّ الغائط أو البول، فلا يشمل غسلالمحل من المني أو الدم؛ لندرتهما، فلا مشقّة في الحكم بنجاسة الملاقي للماء الذي غسل به موضعهما، كما أنّ المتبادر من نفي البأس هو نفي

ص: 269


1- 1*) من لا يحضره الفقيه 1 : 41، ح162.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 85، ح223.

البأس باعتبار النجاسة المخصوصة وهي الغائط أو البول، لا باعتبار غيرها.

وهذا الحديث وإن كان مختصّاً بنفي البأس عن وقوع الثوب في ماء الاستنجاء إلّا أنّه من الواضح عدم خصوصيّة له، فيشمل غير الثوب أيضاً، خصوصاً بعد ما ورد الجواب عن السؤال على وجه عام، فيكون الحكم وارداً فيه بعنوان كلّي، وإن كان الباعث على السؤال مورداً خاصّاً.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وهو حسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم، وقد قلنا بوثاقته، فيكون السند صحيحاً.

الثاني: سند الصدوق إلى محمد بن النعمان، وهو: عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب جميعاً، عن محمد بن النعمان((1)

والطريق حسن لولا وجود محمد بن علي ماجيلويه الذي لم يوثّق، إلّا أنّه قد ترضّى عنه الشيخ الصدوق كثيراً منفرداً كما في هذا الطريق، ومنضماًإلى غيره، والترضي آية الوثاقة، فالسند معتبر.

الثالث: سند الشيخ إلى محمد بن يعقوب الكليني، وقد مضى مراراً أن للشيخ عدّة طرق معتبرة، فهذا السند صحيح.

ص: 270


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 428 ، المشيخة.

[566] 2- وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْعِيزَارِ(1)، عَنِ الْأَحْوَلِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : الرَّجُلُ يَسْتَنْجِي فَيَقَعُ ثَوْبُهُ فِي الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْجَى(2) بِهِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ»، فَسَكَتَ فَقَالَ: «أَوَتَدْرِي لِمَ صَارَ لَا بَأْسَ بِهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ: «إِنَّ(3) الْمَاءَ أَكْثَرُ مِنَ الْقَذَرِ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

يحتمل في قوله (علیه السلام) : «لا بأس» أن يراد نفي البأس عن الثوب، ويكون نفي البأس الذي معناه الطهارة راجعاً إلى الثوب، لكن دلّ التعليل بأنّ الماءأكثر من القذر على أنّ نفي البأس هو عن الماء، فهو لا يتغيّر بملاقاته للنجاسة، وهو طاهر، ولأجل طهارته لا ينجس الثوب الذي لاقاه.

لكن هذه الدلالة مخدوشة؛ لأنّ التعليل لا يمكن المصير إليه، فإنّ معنى التعليل: أنّ الماء القليل لا ينفعل بملاقاة النجس إلّا إذا تغيّر به، وقد مرّ أنّ

ص: 271


1- في المصدر: العنزا.
2- في المصدر: يستنجي.
3- في المصدر: لأنّ.
4- علل الشرايع 1 : 287، ح1.

هذا غير صحيح؛ لما دلّ من الأحاديث المتقدّمة على انفعال الماء القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر به؛ وأنّ التغيّر إنَّما يعتبر في الكر.

بحث رجالي حول العيزار

سند الحديث:

محمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب، وقوله هنا: «عن رجل» في المصدر زيادة: من أهل المشرق، وهو مجهول.

وأمّا العيزار كما هنا، ولعلّه الصحيح، أو العنزا كما في المصدر: فهو مهمل في كتبنا، وهو مذكور في كتب العامّة، ففي «التاريخ الكبير» للبخاري قال عنه: «عيزار بن حريث العبدي الكوفي، رأى عمرو بن حريث»((1)

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب»: «العيزار - بفتح أوله، وسكون التحتانيّة بعدها زاي، وآخره راء - ابن حريث العبدي الكوفي، ثقة من الثالثة، مات بعد سنة عشر ومائة»((2)).وأضاف في «تهذيب التهذيب»: «قال ابن معين والنسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات في ولاية خالد على العراق. قلت: ووثّقه العجلي»((3)).

وأمّا الأحول: فهو محمد بن النعمان، المعروف بمؤمن الطاق.

ص: 272


1- - التاريخ الكبير 7 : 79.
2- - تقريب التهذيب 1 : 768 / 5299.
3- - تهذيب التهذيب 8 : 182 / 379.

وفي طبعة «الوسائل» التي علّق عليها المحقّق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي: «عن رجل، عن العيزار، أو عن الأحول أنّه قال ...»، فيكون العيزار راوياً عن الإمام الصادق (علیه السلام) مباشرة؛ لأنّه (علیه السلام) ولد سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، والعيزار مات بعد سنة عشر ومائة، فإذا فرضنا أنّه مات في السنة التي بعدها فإنّ عمر الإمام (علیه السلام) حينها ثمان وعشرين سنة، فلقاؤه بالإمام (علیه السلام) ممكن.

والسند ضعيف، إلّا أن يقال: إنّ في السند يونس بن عبد الرحمن، وهو من أصحاب الإجماع، فيصحّ ما صحّ عنه.

وقد يقال: إنّ كتب يونس التي كتبها في الفقه معتمد عليها بنقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد إلّا ما رواه عن محمد بن عيسى. فإذا كان الاعتماد بمعنى تصحيح السند صحّ أيضاً، لكن هذا الطريق متوقّف على وجود الحديث في كتبه.

فهذا السند معتبر بهذين الوجهين.

ص: 273

[567] 3- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ: أَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ فَيَسِيلُ عَلَيَّ الْمِيزَابُ فِي أَوْقَاتٍ أَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ يَتَوَضَّئُونَ؟ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، لَا تَسْأَلْ عَنْهُ»(1).

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ الِاسْتِنْجَاءُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ بنفي البأس على طهارة ماء الاستنجاء، الذي هو المراد من الوضوء هنا، وإن كان المتبادر هو وضوء الصلاة، فإنّه غير المحتاج إلى قرينة، والقرينة على إرادة الاستنجاء هي سؤال الراوي، مع ما كان معهوداً في تلك الأزمنة من جعلهم الكنيف في سطوح المساكن.

كما دلّ على نفي استحباب الاجتناب؛ للنهي عن السؤال عن طهارته ونجاسته.

سند الحديث:

أحمد بن محمد: وإن كان مشتركاً بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد، إلّا أنّا استظهرنا كونه الأول كما تقدّم. وأمّا عليبن الحكم: فقد مضى الكلام في اشتراكه بين الثقة وغيره، وقد حقّقنا

ص: 274


1- الكافي 3 : 13، ح3، وتقدّم ذيله في الحديث 5 من الباب 6 من أبواب الماء المطلق.

[568] 4- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَسْتَنْجِي ثُمَّ يَقَعُ ثَوْبِي فِيهِ وَأَنَا جُنُبٌ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أنّه ليس بمشترك، وأمّا الكاهلي: فهو عبد الله بن يحيى الكاهلي، والسند ضعيف بالإرسال، إلّا على القول بتماميّة شهادة الكليني في «الكافي»، فيكون معتبراً.

[4] - فقه الحديث:

في هذا الحديث احتمالان:

الأول: أنّ نفي البأس عن الثوب الملاقي لغسالة المني بقرينة قوله: «وأنا جنب»، فيخرج الحديث عن باب طهارة ماء الاستنجاء، ويدخل في باب عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة حينئذ، ويكون من أحد الأدلّة عليه، وقد مضى الكلام في هذا الحكم.

الثاني: أنّ نفي البأس عن الثوب الملاقي لماء الاستنجاء، ولا مدخليّةلكونه جنباً في الماء، فليس نظر السائل إلى وجود غسالة للمني أصلاً، بل الماء الذي لاقاه الثوب هو ماء الاستنجاء،كما هو الأظهر؛ لأنّ إضافة قوله:

ص: 275


1- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح227.

احتمالان في قوله علیه السلام «لا بأس به»

«وأنا جنب» مستندة إلى ما كان يتوهّم في تلك الأزمنة من نجاسة الماء الملاقي لبدن الجنب، وهذا غير عزيز في الأحاديث كما هو واضح.

والحاصل: أنّه على كلا الاحتمالين لا تعرّض لطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ونجاسته في هذا الحديث. ونفي البأس إنَّما هو عن الثوب ونحوه الملاقي لماء الاستنجاء.

نعم، على القول بالملازمة العرفيّة بين طهارة الملاقِي وطهارة الماء الملاقَى تثبت طهارته، وعليه يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة ما لم يقم دليل آخر على الخلاف.

سند الحديث:

فيه: سعد: وهو سعد بن عبد الله الأشعري القمي، وأحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى، والسند معتبر.

ص: 276

[569] 5- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ لَيْثٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عُتْبَةَ الْهَاشِمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَقَعُ ثَوْبُهُ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْجَى بِهِ، أَيُنَجِّسُ ذَلِكَ ثَوْبَهُ؟ قَالَ: «لَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث أيضاً على عدم نجاسة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء، وليس فيه تعرّض لطهارة ماء الاستنجاء نفسه، وليس فيه دلالة على أنّ عدم نجاسة الثوب مستند إلى طهارة الماء، أو أنّه مستند إلى تخصيص ما دلّ على منجسيّة المتنجّسات.

ولكن يأتي فيه ما تقدم في سوابقه من دلالة الملازمة العرفيّة بين طهارة الملاقِي وطهارة الماء الملاقَى على طهارته.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد: وهو أحمد بن محمد بن عيسى كما في سند الحديث السابق، والسند صحيح.

ص: 277


1- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح228، ويأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 1 من الباب 60 من أبواب النجاسات.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، خامسها صحيح، وأولها حسن، ورابعها معتبر، وثانيها وثالثها ضعيفان يمكن تصحيحهما.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- طهارة ما يلاقي ماء الاستنجاء.

2- طهارة ماء الاستنجاء بالملازمة العرفيّة بين طهارة الملاقِي والملاقَى.

3- نفي استحباب الاجتناب عن الماء المشكوك نجاسته.

ص: 278

14 - باب جواز الوضوء ببقية ماء الاستنجاء وكراهة اعتياده إلاّ مع غسل اليد قبل دخول الإناء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

14 - باب جواز الوضوء ببقية ماء الاستنجاء وكراهة اعتياده إلّا مع غسل اليد قبل دخول الإناء

شرح الباب:

تضمّن عنوان الباب ثلاثة أحكام:

الأول: جواز الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء. وقد تقدّم في الباب السابق الكلام في طهارة ماء الاستنجاء، وأنّه إذا حكم بطهارته فإنّه يجوز استعماله في كل ما تشترط الطهارة فيه.

الثاني: كراهة اعتياد الوضوء من فضل ماء الاستنجاء.

الثالث: أنّ كراهة الوضوء من بقيّة ماء الاستنجاء فيما إذا لم يغسل يده قبل إدخالها الإناء، وأمّا إذا غسلها قبله فلا كراهة.

ص: 279

[570] 1- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ فِي الْكَنِيفِ بِالْمَاءِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ، أَيَتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِهِ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَهِيَ نَظِيفَةٌ فَلَا بَأْسَ، وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ يَتَعَوَّدَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

المراد من الوضوء في الكنيف هو الاستنجاء. وتقييد اليد التي يريد إدخالها في الماء القليل بالنظافة عن النجاسة يدلّ على انفعال الماء القليل بملاقاته لليد القذرة. وقد دلّ الحديث على جواز الطهارة من بقيّة ماء الاستنجاء بشرط أن يبقى الماء على طهارته، ولذا قيّدت اليد بكونها نظيفة عن القذر. كما دلّ قوله (علیه السلام) : «ولست أحب أن يتعوّد ذلك» على كراهة ومرجوحيّة تعوّد الوضوء للصلاة من بقيّة ماء الاستنجاء؛ فإنّ ماء الوضوء - كما يستفاد من عدّة أحاديث - ينبغي أن يكون أنظف ما يمكن للمكلّف أن يحصل عليه من المياه، وأبعدها عن الأقذار والشبهات، واعتياد الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء ينافي ذلك.

نعم، مع غسل اليد قبل إدخالها الإناء الذي فيه بقيّة ماء الاستنجاء ترتفع هذه الكراهة؛ لأنّ الماء سيصير حينئذ نظيفاً بعيداً عن القذارة والشبهة.

ص: 280


1- قرب الإسناد: 179.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

سبق هذا السند بعينه، وعبد الله بن الحسن العلوي: لم يوثّق، وقلنا بإمكان تصحيح السند بعدّة وجوه، فالسند معتبر.

فالحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً ضعيفاً، إلّا أنّه يمكن تصحيحه.

وقد دلّ على أمور، منها:

1- طهارة ماء الاستنجاء.

2- جواز الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء.

3- كراهة اعتياد الوضوء من فضل ماء الاستنجاء.

4- ارتفاع الكراهة بغسل اليد قبل إدخالها الإناء الذي فيه بقيّة ماء الاستنجاء.

5- انفعال ماء الاستنجاء لكونه قليلاً بملاقاة النجاسة.

ص: 281

ص: 282

أبواب الأسآر

ص: 283

ص: 284

أبواب الأسآر

-----------------------------------------------------------------------------

أبواب الأسآر

الأسآر: جمع سؤر، وقد اختلفت كلمات اللغويين في تحديد معناه من حيث السعة والضيق، فعن «القاموس»: «السؤر - بالضم - : البقيّة، والفضلة»((1))، فلم يشترط المباشرة بالفم، ولم يخصّه بالشراب دون غيره، وعن «الصحاح»: «يقال: إذا شربت فأسئر، أي: أبق شيئاً من الشراب في قعر الإناء»((2)

ففسّر السؤر بما يبقى بعد الشرب، وهو مخصوص بمباشرة الشراب لا غيره، والمباشرة بالفم لا بغيره من أعضاء الجسد.

وعن «مجمع البحرين» : «الأسآر: جمع سؤر بالضم فالسكون، وهو بقيّة الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض، ثم استعير لبقيّة الطعام، قاله في المغرب وغيره. وعن الأزهري: اتفق أهل اللغة أنّ ساير الشيء باقيه، قليلاً كان أو كثيراً»((3)).

كما اختلفت كلمات الفقهاء أيضاً، فعن ابن إدريس: السؤر: عبارة عمّا

ص: 285


1- - القاموس المحيط 2 : 43 ، مادّة: «سأر».
2- - الصحاح 2 : 675، مادّة: «سأر».
3- - مجمع البحرين 3 : 322، مادّة: «سأر».

شرب منه الحيوان، أو باشره بجسمه، من المياه وسائر المائعات((1))، وعن المحقّق في «المعتبر»: أنّه بقيّة المشروب((2)

وعن المحقّق الخراساني: أنّه خصوص الماء الملاقي لجسم حيوان((3)).

قال في «المدارك»: «والأظهر في تعريفه في هذا الباب: أنّه ماء قليل لاقاه فم حيوان. وعرّفه الشهيد((4)) (رحمه الله) ومن تأخر عنه((5)) بأنّه ماء قليل باشره جسم حيوان، وهو غير جيّد. أمّا أولاً: فلأنّه مخالف لما نصّ عليه أهل اللغة، ودلّ عليه العرف العام، بل والخاص أيضاً، كما يظهر لمن تتبّع الأخبار وكلام الأصحاب ...»((6)).

والمتيقّن من السؤر ما باشره الحيوان بفمه من الشراب.

وإنّما عقد للأسآر أبواباً على حدة ولم يجعلها مندرجة في ما مضى من الأبواب المعقودة لبيان حكم الملاقاة للنجاسة والمتنجّس وغيرهما؛ لأجل اختصاصها ببعض الأحكام، كالمنع عن سؤر ما لا يوكل لحمه؛ تنزيهاً على المشهور، أو تحريماً على قول.

ولما كان لسؤر بعض الحيوانات بعض الخصوصيّات جعل المصنّف لها

ص: 286


1- - السرائر 1 : 85.
2- - المعتبر 1 : 93.
3- - اللمعات النيرة 34.
4- - البيان: 46.
5- - منهم الشهيد الثاني في الروضة البهيّة 1 : 46.
6- - مدارك الأحكام 1 : 128.

أبواباً تخصّها.

ولذا جعل لسؤر الكلب والخنزير مثلاً باباً على حدة، فإنّ لولوغهما حكماً خاصّاً من تعفير الإناء بالتراب في ولوغ الكلب، ثم غسله إذا كان التطهير بالماء القليل، والغسل سبع مرات في ولوغ الخنزير.

ثم إن سؤر الحيوان تابع للحيوان في الحكم، فإن كان الحيوان نجساً - كالكافر والكلب والخنزير - كان سؤره كذلك، وإن كان محرّم الأكل فمختلف فيه ما عدا ما لا يمكن الاحتراز منه، وإن كان طاهراً مكروه الأكل كان سؤره مكروهاً، وإن كان طاهراً محلّل الأكل فلا بأس بسؤره.

ص: 287

ص: 288

1 - باب نجاسة سؤر الكلب والخنزير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

1 - باب نجاسة سؤر الكلب والخنزير

شرح الباب:

الكلب: كل سبع عقور، وغلب على هذا النابح((1))، وقال الزبيدي في «تاج العروس» بعد نقله لما تقدّم: «قال شيخنا: بل صار حقيقة لغوية فيه، لا تحتمل غيره، ولذلك قال الجوهري وغيره: هو معروف، ولم يحتاجوا لتعريفه؛ لشهرته»((2)).

ولا يدخل كلب الماء في الحكم بنجاسة الكلب؛ حملاً للفظ على الفرد المتعارف الشائع.

والخنزير معروف، والمراد من الولوغ شربه الماء، أو مائعاً آخر، بطرف لسانه. قال الجوهري: «ولغ الكلب في الإناء يلغ ولوغاً، أي: شرب ما فيه بأطراف لسانه»((3)).

وقوّى جماعة إلحاق لطعه الإناء بشربه((4))، وأما وقوع لعاب فمه فالأقوى

ص: 289


1- - القاموس المحيط 1 : 125. مادّة: «كلب».
2- - تاج العروس 2 : 380، مادّة: «كلب».
3- - الصحاح 4 : 1329، مادّة: «ولغ».
4- - انظر: جامع المقاصد 1 : 191، ومجمع الفائدة والبرهان 1 : 367، والحدائق الناضرة 5 : 475.

فيه عدم اللحوق، وإن كان أحوط، بل قال بعضهم: إنّه الأقوى((1)).

والمتفق عليه بينهم هو وجوب غسل الإناء وتعفيره بالتراب، وأمّا عدد الغسلات فقد اختلفوا فيه على أربعة أقوال:

الأوّل: اشتراط غسل الإناء من الولوغ سبعاً إحداهنّ بالتراب، واختاره الإسكافي على ما حكاه عنه المحقّق في «المعتبر»((2)

وقوّاه المحدّث الكاشاني في «مفاتيح الشرائع»((3)).

ويمكن أن يستدلّ له بموثقة عمّار بن موسى أنه سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ؟ فقال: «تغسله سبع مرات، وكذلك الكلب»((4)).

إلّا أنّ الاستدلال بها مخدوش: بأنّ الإناء الذي يشرب فيه النبيذ يغسل ثلاث مرات كسائر الآنية المتنجّسة، ولا يجب غسله سبعاً. نعم، يستحب غسله سبعاً، فيكون في سؤر الكلب كذلك.

الثاني: اشتراط غسل الإناء ثلاثاً إحداهنّ بالتراب، وهو المشهور((5))، بلادّعي عليه الإجماع((6))، ولا خلاف فيه بين القدماء إلّا من الإسكافي.

ص: 290


1- - نهاية الأحكام 1 : 294.
2- - المعتبر 1 : 458.
3- - مفاتيح الشرائع 1 : 75.
4- - وسائل الشيعة 25 : 368، ب30 من أبواب الأشربة المحرمة، ح2.
5- - كفاية الأحكام 1 : 71.
6- - جواهر الكلام 6 : 355.

الثالث: الاكتفاء بالمرّة بعد التعفير، بلا فرق بين الماء القليل والمعتصم، ومال إليه في «المدارك»((1)).

الرابع: التخيير، وقد مال إليه في «جامع المدارك»؛ للجمع بين الروايات، حيث قال: «فالأولى أن يجمع بين الطرفين بالتخيير، فإن اختار التعفير يكتفي بالغسل مرّة أو مرّتين، وإلّا فلا بدّ من الغسل سبع مرّات»((2)).

أقوال الخاصّة:

وقع الاتفاق بين علماء الإماميّة على أنّ الكلب والخنزير نجسان عيناً، وكذا سؤرهما، قال الشيخ في «الخلاف»: «الكلب نجس العين، نجس اللعاب، نجس السؤر ... دليلنا إجماع الفرقة ...»((3))، وقال العلامة في «التذكرة»: «الكلب والخنزير نجسان عيناً ولعاباً، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((4))، وقال في المنتهى: «الكلب والخنزير نجسان عيناً، قاله علماؤناأجمع»((5)).

نعم، استثنى السيد المرتضى شعر الكلب والخنزير، بل كل ما لا تحلّه

ص: 291


1- - مدارك الأحكام 2 : 390 - 391.
2- - جامع المدارك 1 : 233.
3- - الخلاف1 : 176 - 177.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 66.
5- - منتهى المطلب 3 : 210.

الحياة((1))، وأحاديث الباب وغيرها تدفعه.

أقوال العامّة:

وقع الخلاف بينهم في نجاسة سؤر الكلب والخنزير، قال في «المغني»: «الحيوان قسمان: نجس وطاهر، فالنجس نوعان:

أحدهما: ما هو نجس رواية واحدة، وهو الكلب والخنزير وما تولّد منهما أو من أحدهما، فهذا نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه، وروي ذلك عن عروة، وهو مذهب الشافعي وأبي عبيد، وهو قول أبي حنيفة في السؤر خاصة. وقال مالك والأوزاعي وداود: سؤرهما طاهر يتوضأ به ويشرب، وإن ولغا في طعام لم يحرم أكله، وقال الزهري: يتوضّأ به إذا لم يجد غيره، وقال عبدة بن أبي لبابة والثوري وابن الماجشون وابن مسلمة: يتوضّأ ويتيمّم. قال مالك: ويغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب تعبّداً...»((2)).

ص: 292


1- - الناصريات: 100 - 101.
2- - المغني 1 : 41.

[571] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِذَا أَصَابَ ثَوْبَكَ مِنَ الْكَلْبِ رُطُوبَةٌ فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ مَسَّهُ جَافّاً فَاصْبُبْ عَلَيْهِ الْمَاءَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نجاسة الكلب، وسريان نجاسته إلى الثوب مع الرطوبة، وذلك للأمر بغسل الثوب، ولا يؤمر بغسل الثوب إلّا إذا كان متنجّساً، وأمّا إذا مسّ الكلب الثوب ولم تكن رطوبة منه أو من الثوب فلا يجب الغسل، بل ورد الأمر بصبّ الماء على الثوب، والمراد بالصبّ غير الغسل، قال الشيخ البهائي في «الحبل المتين»: «والفرق بين غسل الثوب وصبّ الماء عليه: أنّ الغسل ما كان معه عصر، وبدونه يكون صبّاً، قاله المحقّق في المعتبر((2)

وبه قطع العلامة في المنتهى في بحث الولوغ، فإنّه قال: لو كان المغسول ممّا يفتقر إلى العصر لم يحتسب له غسلة إلّا بعد عصره،((3)) انتهى»((4)).

وقد فهم منه بعض العلماء الرش، استحباباً، كما عن العلامة في

ص: 293


1- تهذيب الأحكام 1 : 261، ح759، وأورده في الحديث 2 من الباب 26، وأورده بتمامه في الحديث 1 من الباب12 من أبواب النجاسات.
2- - المعتبر 1 : 435.
3- - منتهى المطلب 3 : 342.
4- - الحبل المتين 1 : 425 - 426.

«المختلف»((1))

، وإنَّما صِير إلى الاستحباب؛ لأنّه ليس في الأمر بالصبّ دلالة على النجاسة، بل ولا إشعار؛ لأنّ النجاسة لا تزول بالنضح والرش ونحوهما، ممّا لا يصدق عليه مسمى الغسل بضرورة الفقه.

ولم يذكر في الحديث الولوغ، ولا اللطع. وإذا كان السؤر بمعنى بقيّة المشروب فلا تعرّض في الحديث له، فلا يكون مرتبطاً بهذا الباب، ولذا لم يذكر في «جامع أحاديث الشيعة». نعم، إذا كان السؤر بالمعنى الواسع الذي ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) ، أمكن القول بدلالة الحديث عليه.

سند الحديث:

حمّاد: هو حمّاد بن عيسى؛ لما تقدّم، وحريز: هو حريز بن عبد الله السجستاني، والفضل أبو العباس: هو الفضل بن عبد الملك البقباق، والسند صحيح أعلائي.

ص: 294


1- - مختلف الشيعة 1 : 493.

[572] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ خِنْزِيرٍ شَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ»(1)و(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نجاسة الخنزير، وسريان نجاسته إلى الإناء والماء؛ لكونه ماء قليلاً بسبب شربه من الإناء، وشربه إنَّما يكون بولوغه فيه. وتستفاد هذه الدلالة من الأمر بغسل الإناء، ولا يؤمر بغسله إلّا إذا كان متنجّساً. كما دلّ على لزوم الغسل سبعاً من شربه من الإناء، فلا يكفي غسله دون ذلك.

سند الحديث:

العمركي: هو العمركي بن علي، أبو محمد البوفكي، وتقدّم أنّه ثقة، فالسند صحيح أعلائي.

ص: 295


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: لم أجده في الكافي، وكذا لم يجده الشيخ بهاء الدين في مشرق الشمسين، وقال: كأنه أخذه من غير الكافي من مؤلفات الكليني. (منه(قدس سره) (.
2- تهذيب الأحكام 1 : 261، ح760، وأورده بتمامه في الحديث 1 من الباب 13 من أبواب النجاسات.

[573] 3- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلْبِ يَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ؟ قَالَ: «اغْسِلِ الْإِنَاءَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على لزوم غسل الإناء لتنجّسه بولوغ الكلب؛ لما مرّ في الحديث الأول، مضافاً إلى نجاسة الكلب وتنجّس الإناء. وليس في الجواب بيان تعدّد الغسل، ولا لزوم التعفير بالتراب. لكن يقيّد بما في صحيح البقباق الآتي؛ حيث ورد فيه الأمر بالغسل بالتراب.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال السند، وهو صحيح أعلائي.

ص: 296


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح644، والاستبصار 1 : 18، ح39، وأورده بتمامه في الحديث3 من الباب الآتي.

[574] 4- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ فَضْلِ الْهِرَّةِ وَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْإِبِلِ وَالْحِمَارِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْوَحْشِ وَالسِّبَاعِ، فَلَمْ أَتْرُكْ شَيْئاً إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: «رِجْسٌ نِجْسٌ لَا تَتَوَضَّأْ بِفَضْلِهِ، وَاصْبُبْ ذَلِكَ الْمَاءَ، وَاغْسِلْهُ بِالتُّرَابِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ بِالْمَاءِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

المراد بفضل هذه الدواب المذكورة هو السؤر بمعنى بقيّة الماء، بقرينة الجواب عن فضل الكلب وذكر عدم جواز الوضوء بفضله، والأمر بصبّ ذلك الماء. والحديث صريح في طهارة سؤر السباع وبقيّة الأسآر ما عدا سؤر الكلب، وإن كان هذا العموم مخصّصاً بسؤر الخنزير، وكذا الكافر أيضاً. نعم، تنفع دلالته فيما لا نصّ فيه، فيحكم بطهارته؛ لاندراجه تحت هذا العموم. والظاهر من قول السائل: فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه، أنّ المراد: لم أترك شيئاً ممّا خطر في بالي إلّا سألته عن سؤره.

وفيه عدم جواز الوضوء بذلك الماء، والأمر بصبّه، ولعلّه للاحتراز من

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح646، والاستبصار 1 : 19، ح40، ويأتي صدره في الحديث1 من الباب 11 من أبواب النجاسات، وذيله في الحديث 1 من الباب 70 من أبواب النجاسات.

استعمال الغير له.

كلمات الفقهاء حول التعفير

ثم إنّه لم يذكر فيه الولوغ في الإناء صريحاً، إلّا أنّه يمكن استفادته من الأمر بالغسل بالتراب، ومن قوله: «لا تتوضّأ بفضله»، ومن الأحاديث المشابهة.

والحديث صريح في تقدّم التعفير بالتراب على الغسل بالماء. وظاهر إطلاق الأمر بالتعفير عدم سقوطه حتى لو غُسل الإناء في الماء الكثير أو الجاري.

وأمّا تعدّد الغسل فلا يستفاد من هذا الحديث، فتكمل دلالته من الأحاديث الأخرى الدالّة على لزوم تعدّد الغسل.

نعم، نقل المحقّق في «المعتبر» والعلامة في «التذكرة» زيادة كلمة «مرّتين» بعد قوله: «ثم بالماء»((1))، فعلى هذا لا إشكال في التعدّد.

ولم يرد التعفير إلّا في كلمات الفقهاء أعلى الله مقامهم، وقد خلت منه النصوص. نعم، الوارد في هذا الحديث الأمر بالغسل بالتراب، وقد اختلف الفقهاء في المراد منه، فقال بعضهم - كابن إدريس وكاشف اللثام والسيد الأستاذ((2))-

: إنّه لابد أن يمتزج التراب بالماء، ويدلك به الإناء بعد ذلك،حتى يتحقّق الغسل؛ لأنّ حقيقة الغسل جريان المائع على الجسم المغسول، والتراب لا يجري وحده، فيكون الغسل بالماء مع التراب، كما هو المتعارف

ص: 298


1- - المعتبر 1 : 458، وتذكرة الفقهاء 1 : 83.
2- - السرائر 1 : 91، وكشف اللثام 1 : 495، والتنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 4 : 45.

في غسل الآنية عند إرادة إزالة الأقذار العرفيّة.

واشترط بعضهم أن لا يكون في الغسل بالتراب ماء، فيكون المراد من الغسل المسح، وإطلاق الغسل عليه مجاز بجامع إزالة القذر في كليهما، وذهب إلى هذا الاشتراط العلامة في «التذكرة» و«القواعد»((1)).

وخيّر بعضهم بين مزج الماء بالتراب وعدمه، اختاره الشهيد الأول في «الذكرى» و«الدروس»((2)).

سند الحديث:

تقدّم هذا السند في الحديث الأول من هذا الباب، وهو صحيح أعلائي.

ص: 299


1- - تذكرة الفقهاء 1 : 85 ، وقواعد الأحكام 1 : 198.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 125، والدروس الشرعية 1 : 125.

[575] 5- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَصُبَّهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ على نجاسة الكلب بجميع أجزائه، وأنّه إذا ولغ في الإناء فيلزم إهراقه، والأمر بإهراقه وصبّه لعلّه للاحتراز من استعمال الغير له.

سند الحديث:

السند ضعيف بالإرسال، لكن يمكن تصحيحه بكون الحديث من كتب الحسين بن سعيد، وكتبه مشهورة معوّل عليها، والشيخ يرويه من كتابه.

هذا، مضافاً إلى أنّ حمّاداً من أصحاب الإجماع، فيكون ما صحّ إليه صحيحاً على الأقوى.

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح645.

[576] 6- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: سَأَلَ عُذَافِرٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - وَأَنَا عِنْدَهُ - عَنْ سُؤْرِ السِّنَّوْرِ وَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالسِّبَاعِ يُشْرَبُ مِنْهُ أَوْ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمِ، اشْرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأْ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الْكَلْبُ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: أَلَيْسَ هُوَ سَبُعٌ؟ قَالَ: «لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ نَجَسٌ، لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ نَجَسٌ»(1).

وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بالصراحة على طهارة أنواع الدواب المذكورة فيه، ويستفاد هذا من حكم الإمام (علیه السلام) بجواز الشرب والتوضّي من سؤرها، فسؤرها طاهر وهي كذلك طاهرة.

وأمّا الكلب فحكم الإمام (علیه السلام) بأنّه نجس، وأكّد (علیه السلام) ذلك بالقسم مرّتين؛ وذلك لقلع الشبهة الموجودة في ذهن السائل من أنّ الكلب من السباع، فيكون داخلاً في جملة ذوي الأسآر الطاهرة، ويمكن أن يكون مصدر هذهالشبهة هم العامّة؛ فإنّ جملة من فقهاء المدينة كان رأيهم طهارة سؤر

ص: 301


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح647، والاستبصار 1 : 19، ح41.
2- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح648.

الكلب، فيكون قوله (علیه السلام) : «لا والله إنه نجس»، رادعاً عمّا في ذهن السائل من الشبهة، لا أنّه وارد لنفي كونه من السباع؛ فإنّه منها بلا ريب عند أهل اللغة والعرف، بل هو لإثبات أنّه نجس من بين السباع التي تقدّم أنَّها طاهرة السؤر، ومعنى ذلك: أنّه لا يجوز شرب سؤره، ولا التوضّي منه.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه ممّن لم يتقدّم ذكره: معاوية بن شريح: ولم يرد فيه توثيق خاص، وإنَّما ذكره الشيخ في «الفهرست» قائلاً: «معاوية بن شريح، له كتاب»((1)

لكن روى عنه المشايخ الثقات((2))، فيكون ثقة، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ أيضاً في «التهذيب»، وأحمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى.

وفيه ممّن لم يتقدّم: معاوية بن ميسرة: وقد ذكره النجاشي بهذا العنوان،وقال: «معاوية بن ميسرة بن شريح بن الحارث الكندي، القاضي»((3))، وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «معاوية بن

ص: 302


1- - فهرست الطوسي: 248 / 739.
2- - أصول علم الرجال 2 : 213.
3- - رجال النجاشي: 410 / 1093.

ميسرة بن شريح القاضي الكندي الكوفي»((1))، واقتصر في «الفهرست» على قوله: «معاوية بن ميسرة. له كتاب»((2)).

فلم يرد فيه توثيق خاص، لكن روى عنه المشايخ الثقات ((3))، فيكون ثقة.

هذا، وقد يقال: إنّه متّحد مع معاوية بن شريح، وتكون نسبته إلى جده، وهو كثير في أسماء الرواة.

لكن يبعده أنّ الشيخ ذكر العنوانين في «الفهرست»، كما أنّ للصدوق طريقاً لكل واحد منهما ((4)

فلا يكونان متّحدين.

وعلى كلٍّ فالسند معتبر.

ص: 303


1- - رجال الطوسي: 303 / 4460.
2- - فهرست الطوسي: 248 / 743.
3- - أصول علم الرجال 2 : 213.
4- - من لا يحضره الفقيه 4 : 430، 467، المشيخة.

[577] 7- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَيْسَ بِفَضْلِ السِّنَّوْرِ بَأْسٌ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيُشْرَبَ، وَلَا يُشْرَبُ سُؤْرُ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَوْضاً كَبِيراً يُسْتَقَى مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

فيه نفي البأس عن استعمال سؤر السنور في الشرب والوضوء؛ وما ذلك إلّا لطهارته وطهارة سؤره. وفيه أيضاً: النهي عن شرب سؤر الكلب؛ لنجاسته ونجاسة سؤره فيما إذا كان ما شرب منه ماء قليلاً، وهو دليل على انفعال الماء القليل بورود النجاسة عليه كالكلب هنا، وأمّا إذا كان الماء كثيراً - كما في الأحواض الكبيرة التي تكون على الطرقات في ذاك الزمان، وغيرها ممّا هو ماء كثير - فإنّه لا بأس بالشرب منه؛ لأنّه يزيد على الكر بكثير كما تقدّم، وهو دليل على أنّ الماء الكثير لا ينفعل بورود النجاسة عليه.

سند الحديث:

فيه: أبو جعفر أحمد بن محمد: وهو أحمد بن محمد بن عيسىالأشعري، والسند معتبر.

ص: 304


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح650، وتقدّم ذيله في الحديث 3 من الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

[578] 8 - وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا ظَاهِرُهُ الْمُنَافَاةُ، وَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

فيه دلالة على أنّ الكلب نجس بلا استثناء شيء منه، والنجس إذا لاقى ماء قليلاً نجّسه، فيكون سؤره أيضاً نجساً. والحديث في مقام بيان النجاسة المغلّظة للكلب، ومع ذلك فالناصب أنجس منه كما تقدّم، ولا تعرّض في هذا الحديث لكيفيّة تطهير هذه النجاسة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السند موثق.

والحاصل: أنّ في الباب ثمانية أحاديث، سبعة منها معتبرة، وواحد ضعيف السند وهو الحديث الخامس، لكن قلنا بإمكان اعتباره.

وهذه الأحاديث مختصّة بالولوغ، وفيها تعفير الإناء بالتراب أوّلاً ويُعدّغسلةً؛ لكونه بالماء، ثم يغسل الإناء مرتين، لكن لفظ الولوغ لم يرد إلّا في

ص: 305


1- تقدّم في الحديث 5 من الباب 11 من أبواب الماء المضاف.
2- يأتي في الباب 12 والباب 13 من أبواب النجاسات.
3- يأتي ما ظاهره المنافاة في الحديث 6 من الباب القادم.

الحديث الخامس، وليس فيه ذكر لا لغسل الإناء، ولا التعفير بالتراب. وأمّا الحديث الرابع فورد فيه الغسل بالتراب لكن لم يرد فيه الولوغ، إلّا أنّ المراد بالشرب هو الولوغ؛ فإنّ شرب الكلب يكون بالولوغ، فيختصّ الحكم المذكور بالولوغ. وأمّا إذا لم تكن نجاسة الماء من جهة الولوغ بأن صار في الإناء لعاب الكلب، فلا دليل على وجوب التعفير.

كما أنّ هذا الحكم مختصّ بالسؤر الذي هو المائع، لا غيره، كما هو مورد هذه الأحاديث، ولكن لا خصوصيّة للماء؛ فإنّ بعضها مطلق كالرابع فقد ورد فيه: «فضل الهرّة ...» .

كما أنّ الحكم مختصّ بالإناء، ويشمل مثل الدلو والقربة، فلا يعم غيره ممّا يُعدّ ظرفاً للمائعات - كالثوب والبدن ونحوهما - إذا وصل إليه شربه أو ولوغه.

ثم إنّ حديث علي بن جعفر دلّ على لزوم غسل الإناء سبع مرات من شرب الخنزير، وظاهر إطلاقه: أنّه يلزم التعدّد حتى لو كان غسله في الكثير.

ص: 306

2 - باب طهارة سؤر السنور وعدم كراهته

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2 - باب طهارة سؤر السنور وعدم كراهته

شرح الباب:

السنور حيوان أليف معروف، ومفسّر عند أهل اللغة بالهرّ، ولفظه مؤنث، وإن أريد به الذكر، قال في «اللسان»: «السُّنَّارُ والسِّنَّوْرُ: الهِرُّ، مشتق منه، وجمعه السَّنَانِيرُ»((1)

وقال في «الصحاح»: «الهرّ: السنور، والجمع هررة مثال قرد وقردة. والأنثى هرّة، وجمعها هرر، مثل قربة وقرب»((2))، وله أسماء متعدّدة، فيقال له - غير ما ذكرناه - : القط، والضيّون، والخيدع، والخيطل، والدم((3)).

وإفراد الماتن للبحث عن طهارة سؤره باباً خاصّاً لعلّه لبيان عدم كراهته، باعتبار أنّه من جملة السباع فله حكمها من طهارة السؤر مع الكراهة، فيكون السبب في إفراده عنها هو بيان عدم الكراهة.

أقوال الخاصّة:

لا إشكال في طهارة سؤر السنور، أمّا على مذهب من قال بطهارة سؤر ما

ص: 307


1- - لسان العرب 4 : 381، مادة: «سنر».
2- - الصحاح 2 : 853.
3- - حياة الحيوان الكبرى 2 : 48، وعنه في بحار الأنوار 62 : 67.

لا يؤكل لحمه - وهم المشهور، كما تأتي الإشارة إليه في البابين الرابع والخامس من هذه الأبواب - فواضح، وأمّا على قول من ذهب إلى نجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه - كشيخ الطائفة وابن إدريس - فلاستثنائهم إيّاها عن الحكم بنجاسة السؤر مع ما لا يمكن التحرّز منه.

ولكن الكلام في استثنائه عن الحكم بكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، فعن جماعة ومنهم الماتن - كما في عنوان الباب - التصريح بعدم كراهته، وعن آخرين - على ما هو ظاهر إطلاق فتاواهم في كراهة سؤر ما يؤكل لحمه - كراهته أيضاً.

وأمّا الكلام في المطهّر لفمه، وأنّه هل هو زوال عين النجاسة فقط وإن عُلم بعدم ملاقاته لمطهّرٍ، كالماء الكثير أو الجاري أو القليل إذا كان بحيث يُطهّر، أو أنّه يعتبر احتمال الملاقاة للمطهّر بالإضافة إلى زوال عين النجاسة، فلا يطهر مع العلم بعدم الملاقاة، فقد اختلف فيه الفقهاء، قال صاحب «المدارك»: «إنّ مقتضى الأخبار - المتضمّنة لنفي البأس عن سؤر الهرّة وغيرها من السباع - طهارتها بمجرد زوال العين؛ لأنَّها لا تكاد تنفك عن النجاسات، خصوصاً الهرة، فإنّ العلم بمباشرتها للنجاسة متحقّق في أكثر الأوقات، ولولا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإنّه ممتنع عقلاً. وبذلك صرّح المصنّف فيالمعتبر((1))، والعلامة في التذكرة والمنتهى((2))، فإنّهما قالا: إنّ الهرّة لو أكلت

ص: 308


1- - المعتبر 1 : 99.
2- - تذكرة الفقهاء 1 : 42، ومنتهى المطلب 1 : 161.

ميتة ثم شربت من الماء القليل لم ينجس بذلك، سواء غابت أو لم تغب. وقوّى العلامة في النهاية نجاسة الماء حينئذ، ثم جزم بأنَّها لو غابت عن العين واحتمل ولوغها في ماء كثير أو جارٍ لم ينجس؛ لأنّ الإناء معلوم الطهارة، ولا يحكم بنجاسته بالشك. وهو مشكل»((1)).

أقوال العامّة:

قال في «المجموع» - وهو شافعي المذهب - : «ومذهبنا أنّ سؤر الهرّة طاهر غير مكروه... وحكى صاحب الحاوي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي هريرة والحسن البصري وعطاء والقاسم بن محمد، وكره أبو حنيفة وابن أبي ليلى سؤر الهرّ، وكذا كرهه ابن عمر. وقال ابن المسيب وابن سيرين: يغسل الإناء من ولوغه مرة، وعن طاووس قال: يغسل سبعاً، وقال جمهور العلماء: لا يكره كقولنا، وقال أبو حنيفة: الحيوان أربعة أقسام: أحدها: مأكول كالبقر والغنم فسؤره طاهر، والثاني: سباع الدواب كالأسد والذئب فهي نجسة، والثالث: سباع الطير كالبازي والصقر فهيطاهرة السؤر إلّا أنّه يكره استعماله، وكذا الهرّ...» ((2)).

ص: 309


1- - مدارك الأحكام 1 : 133.
2- - المجموع 1 : 172 - 173.

[579] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْهِرَّةِ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَيُتَوَضَّأُ مِنْ سُؤْرِهَا(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

فيه احتمالان:

الأول: أنّ الهرّة من أهل بيت صاحبها، أي: أنّها من أهل الدار، فلا يمكن التحرّز عنها مع كثرة الابتلاء بها، ولكونها من أهل بيت صاحبها تترتّب عليه أحكام، منها: أنّه لا ينبغي له منعها من الأكل والشرب، وينبغي له إكرامها وإطعامها، وترك أذاها وضربها وظلمها.

الثاني: أنَّها في حكم أهل الدار.

ويترتّب على الاحتمالين - وإن كان الأول أظهر - أنّها طاهرة، ويتوضّأ من سؤرها، ولا يكره، ولو كان سؤرها مكروهاً لما كان وجه لعدّها من أهل بيت الرجل.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رجاله، وهو صحيح أعلائي.

ص: 310


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح652.

[580] 2- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (علیه السلام) : إِنَّ الْهِرَّ سَبُعٌ، وَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ، وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَدَعَ طَعَاماً لِأَنَّ الْهِرَّ أَكَلَ مِنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

يستفاد منه: أنّ الهرّ من جملة السباع، وكأنّ هذا الكلام تمهيد للحكم بعدم البأس بسؤره، وفيه احتمالان:

الأول: أنّ هذا استثناء من كراهة سؤر السباع، ويكون محصّل المعنى: أنّ سؤر السباع مكروه إلّا سؤر الهرّ فإنّه لا يكره.

والثاني: أنّ الهرّ لما كان سبعاً فسؤره كسؤر جميع السباع يجوز استعماله، إلّا ما استثني في الباب السابق من الكلب والخنزير.

بل قد يستفاد من قوله (علیه السلام) : «وإنّي لأستحيي من الله أن أدع طعاماً لأنّ الهرّ أكل منه» نفي الكراهة أيضاً، فإنّ فيه دلالة على الاستمرار،

ص: 311


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح655 .
2- الكافي 3 : 9، ح4.

بمعنى: أن الإمام (علیه السلام) لا يدع الطعام الذي أكل منه الهرّ، وهذا لا يختص بمرة أو اثنتين، فلو كان سؤر الهرّ مكروهاً - لكونه من السباع - لما استمر الإمام عليه، أو لما التزم بأنّه يستمر عليه فيما يُستقبل، بل إنّه لا معنى للاستحياء من الله تعالى في ترك المكروه، والذي ينبغي الاستحياء منه تعالى هو في فعله.

والحديث دالّ أيضاً على أنّ السؤر لا يختصّ بالمائع؛ للتعبير بالطعام فيه، والغالب على الطعام أن يكون جامداً، ولقرينة قوله: «لأنّ الهرّ أكل منه»، بل حتى لو قلنا: إن مفهوم الطعام عام يصدق على كل ما يسمى طعاماً، فإنّه يكفي في إثبات المراد كون الجامد من أفراده.

عدم اختصاص السئور بالمائع

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو صحيح أعلائي.

الثاني: سند الكليني، وهو معتبر.

ص: 312

[581] 3- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلْبِ يَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ؟ قَالَ: «اغْسِلِ الْإِنَاءَ»، وَعَنِ السِّنَّوْرِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِنْ فَضْلِهَا؛ إِنَّمَا هِيَ مِنَ السِّبَاعِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

تضمّن الحديث حكمين:

الأول: وجوب غسل الإناء من شرب الكلب منه، وهذا دالّ على نجاسة الكلب ونجاسة لعابه، لكن لم يُحدد فيه كميّة الغسل، ولم يُشترط التعفير، فالحديث مطلق من هذه الجهة، ويقيّد بالأحاديث المتقدّمة في الباب السابق الدالّة على التعفير بالتراب ثم الغسل مرتين بالماء.

الثاني: نفي البأس عن الوضوء من فضل السنور؛ وما ذلك إلّا لطهارة سؤرها. وقوله (علیه السلام) : «إنّما هي من السباع» يفيد أنّ السنور داخلة في جملة السباع، وكأنّ حكم السباع كان معلوماً وواضحاً.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رجاله، وهو صحيح أعلائي.

ص: 313


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح644، والاستبصار 1 : 18، ح39.

[582] 4- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ (علیه السلام) يَقُولُ: لَا تَدَعْ فَضْلَ السِّنَّوْرِ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِنْهُ؛ إِنَّمَا هِيَ سَبُعٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

اشتراك محمد بن الفضیل بين شخصين

[4] - فقه الحديث:

دلّ على كراهة التوقي من سؤر السنور، والتوضي منه، وهذا دليل على طهارتها وطهارة سؤرها. وقوله (علیه السلام) : «إنّما هي سبع» كالتعليل لعدم كراهة سؤرها، وأنّها داخلة في جملة السباع المعلوم عدم كراهة سؤرها.

سند الحديث:

تقدّم أنّ محمد بن الفضيل مشترك بين محمد بن الفضيل الضبي الثقة، وبين محمد بن الفضيل الأزدي، المتّحد مع الكوفي الصيرفي الأزرق، والذي وثّقه المفيد في «الرسالة العدديّة»، وورد في «تفسير القمي» وكتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات، لكن ضعّفه الشيخ، وقال عنه النجاشي: إنّه يرمى بالغلو. وقد جمعنا بين التضعيف والتوثيق بحمل الضعف على العقيدة لا الحديث.

والذي ينصرف إليه العنوان هو الثاني الأزدي؛ فإنّه المعروف صاحب الكتاب، فالسند معتبر.

ص: 314


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح653.

[583] 5- وَعَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) قَالَ: إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

لم يصرّح في الحديث بمرجع الضمير «هي»، ولكنّ المراد به الهرّة بقرينة فهم شيخ الطائفة وقبله الحسين بن سعيد حيث أوردا هذا الحديث في هذا المقام، وللتصريح بمرجع الضمير في الحديث الأول والذي رواه الشيخ أيضاً عن الحسين بن سعيد، ولأنّ وصفها بهذا الوصف لا يناسب غيرها من الدواب.

والحديث كالحديث الأول يدلّ على أنَّها طاهرة ويتوضّأ من سؤرها ولا يكره، ولو كان سؤرها مكروهاً لما كان وجه لعدّها من أهل بيت صاحبها.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 315


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح654.

[584] 6- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَالسِّنَّوْرُ، أَوْ شَرِبَ مِنْهُ جَمَلٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ يُغْتَسَلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِلَّا أَنْ تَجِدَ غَيْرَهُ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ»(1).

أَقُولُ: حُكْمُ الْكَلْبِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّقِيَّةِ، أَوْ عَلَى بُلُوغِ الْمَاءِ كُرّاً؛ لِمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ(2) وَغَيْرِهِ(3).

وَقَالَ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ»: الْكَلْبُ كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ، وَغَلَبَ عَلَى هَذَا النَّابِحِ، انْتَهَى(4).

أَقُولُ: فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى السِّبَاعِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ على جواز الوضوء والغسل من سؤر الكلب والسنور أو الجمل أو الدابّة وغيرها، كما دلّ على أنّ هذا الجواز بلا حزازة مخصوص بما إذا لم يجد ماء غيره يتوضّأ أو يغتسل به.

وهذا الحديث مخالف لأحاديث الباب والباب السابق من جهتين:

ص: 316


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح649.
2- تقدّم في الحديث 7 من الباب السابق.
3- تقدّم في الحديث 1، 3 - 5، 8 من الباب السابق.
4- القاموس 1 : 125.

الأولى: أنّه جوّز الوضوء والغسل ممّا ولغ فيه الكلب، وقد سبق: أنّ الكلب نجس عندنا بجميع أجزائه، فيكون سؤره نجساً لا يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة.

الثانية: أنّه أثبت رجحان التنزّه عن الماء الذي ولغ فيه السنور إذا وجد غيره، وقد مرّ ما يدلّ على عدم كراهة فضل السنور.

وقد أجاب الماتن عن الجهة الأولى بثلاثة أمور:

الأول: حمل الحكم في الكلب على التقيّة؛ فإنّ جماعة من العامّة صرّحوا بطهارة سؤره.

الثاني: أنّ الماء هنا من الكثير، وما دام كذلك فشرب الكلب منه لا يصيّره منفعلاً بالنجاسة، كما مرّ في الباب السابق.

الثالث: أنّ الكلب يطلق على كل سبع عقور. نعم، غلب على النابح المعروف، فيمكن حمل الكلب هنا على سبع ليس بكلب ولا خنزير، وقد عرفت أنّ أسآرها طاهرة.

ولكن يُبعد هذا الحمل التصريح بأنّه غلب على النابح، فيحمل عليه إلا إلّا لقرينة.

وأمّا الجهة الثانية: فلم يتعرّض لها الماتن، والظاهر أنّ هذه الفقرة تنافي بقيّة الأحاديث أيضاً، فلابد من توجيهها.

ويمكن أن يقال: إنّ المصنّف اعتمد على وجه التقيّة، فلم يحتج للتنبيه على أنّ هذا الحديث ينافي الحكم الذي اختاره من عدم كراهة سؤر السنور.

ص: 317

ثمّ إنّ هذا الأمر بالتنزّه - مع وجود ماء غيره - مخصوص بالوضوء والغسل، فلا يعمّ الشرب، ولعلّ ذلك بسبب أنّ المطلوب في ماء الوضوء أن يكون أنظف المياه، فلذا اختصّ بمزيد اهتمام، فالتنزّه لهذه الجهة، وإلّا لو كان المراد أنّه مكروه كبقيّة الأسآر لما كان هناك فرق بين استعماله في الوضوء واستعماله في الشرب. ولعلّ هذا هو الوجه في عدم اعتبار هذا الحديث منافياً لما استفاده الماتن من بقيّة الأحاديث من الحكم بعدم الكراهة.

سند الحديث:

المراد بابن سنان: هو محمد بن سنان؛ لأنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن عبد الله بن سنان، والمراد من ابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان، فالسند معتبر.

ص: 318

[585] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : «إِنِّي لَا أَمْتَنِعُ مِنْ طَعَامٍ طَعِمَ مِنْهُ السِّنَّوْرُ، وَلَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبَ مِنْهُ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي الكراهة عن سؤر السنور من الطعام والشراب؛ لأنّ الفعل المضارع المنفي يفيد الاستمرار، والمعصوم لا يداوم على المكروه.

وهو يدلّ كذلك على أنّ المراد من السؤر الأعم من المائعات.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، والأظهر اعتبارها.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، الثلاثة الأول صحاح أعلائيّة، والرابع والسادس والسابع معتبرات، والخامس موثّق.

وكلّها دلّت على طهارة السنور، وأنّه من السباع، لكن سؤره غير مكروه، فيجوز الشرب والأكل والوضوء منه بلا حزازة أصلاً.

نعم، دلالة الحديث السادس غير واضحة، وفيه احتمالات بها ينسجم معبقيّة الأحاديث.

ص: 319


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 8 ، ح11.
2- تقدّم ما يدل على ذلك في الحديث 4، 6، 7 من الباب 1 من أبواب الأسآر.
3- يأتي في الحديث 1، 5 من الباب 11 من أبواب النجاسات.

ص: 320

3 - باب نجاسة أسآر أصناف الكفار

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب نجاسة أسآر أصناف الكفار

شرح الباب:

ينقسم الكفار إلى أقسام:

الأول: المنكرون للمبدأ والمعاد، والمشركون، والمرتدّون.

الثاني: أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس.

الثالث: من كان بحكم الكافر، وهم الغلاة والنصّاب.

الرابع: المنكرون لضروري من ضروريّات الإسلام.

والظاهر عدم الخلاف عند الإماميّة في الحكم على القسم الأول بالنجاسة، والمشهور على نجاسة الأقسام الثلاثة الباقية، والسؤر تابع في الحكم لحكمهم.

أقوال الخاصّة:

قال السيد المرتضى في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإماميّة: القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكل كافر، وخالف جميع الفقهاء في ذلك»((1)).

ص: 321


1- - الانتصار: 88 .

وقال العلامة في «التذكرة»: «الأسئار كلّها طاهرة إلّا سؤر نجس العين، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ... ثم قال: - الكافر عندنا نجس ... ثم قال: - فروع:

الأول: لا فرق بين أن يكون الكافر أصليّاً أو مرتدّاً، ولا بين أن يتديّن بملّة أو لا، ولا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وبيّنة، وكذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة .

الثاني: حكم الشيخ بنجاسة المجبّرة والمجسّمة((1))، وقال ابن إدريس بنجاسة كل من لم يعتقد الحق إلّا المستضعف((2)

... والأقرب طهارة غير الناصب؛ لأنّ عليّاً (علیه السلام) لم يجتنب سؤر من باينه من الصحابة .

الثالث: الناصب - وهو من يتظاهر ببغضة أحد من الأئمة (علیهم السلام) - نجس، وقد جعله الصادق (علیه السلام) شرّاً من اليهود والنصارى((3)

والسر فيه: أنَّهما منعا لطف النبوة وهو خاص، ومنع هو لطف الإمامة وهو عام.

وكذا الخوارج؛ لإنكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة، والغلاة أيضاًأنجاس؛ لخروجهم عن الإسلام وإن انتحلوه»((4)).

وقال الشيخ حسن ابن الشهيد في «المعالم»: «وجملة ما حكوا هنا

ص: 322


1- - المبسوط 1 : 14.
2- - السرائر 1 : 84.
3- - الكافي 3 : 11، ح6، وتهذيب الأحكام 1 : 223 ، ح639، والاستبصار 1 : 18 ، ح37.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 39، المسألة: 11، و ص67 - 68، المسألة: 22.

الخلاف في نجاسته باعتبار الاختلاف فيما هو سؤره، خمسة أسئار:

الأوّل: سؤر اليهود والنصارى، فحكى المحقّق في المعتبر عن المفيد أنّ له فيه قولين: أحدهما النجاسة، ذكره في أكثر كتبه((1))، والآخر الكراهيّة، ذكره في الرسالة العزيّة.

وظاهر ابن الجنيد القول بالكراهية أيضاً؛ فإنّه قال في المختصر: والتنزّه عن سؤر جميع من يستحلّ المحرّمات من ملَّي وذمّي وما ماسّوه بأبدانهم أحبّ إليّ إذا كان الماء قليلاً. وأكثر الأصحاب على الأوّل؛ إذ لا نعرف بينهم الخلاف من غير ما ذكرناه .

الثاني: سؤر المجسّمة والمجبّرة، فذهب الشيخ في بعض كتبه إلى نجاسته((2)

ووافقه في المجسّمة بعض الأصحاب، وخالفه بعض. والأكثرون على خلافه في المجبّرة .

الثالث: سؤر كلّ من لم يعتقد الحقّ غير المستضعف، فقال ابن إدريسبنجاسته((3)

وسيأتي الكلام في باب النجاسات نقل بعض الأصحاب عن المرتضى القول بنجاسة غير المؤمن، وهو يقتضي نجاسة سؤره، ونفى ذلك الباقون ممّن وصل إلينا كلامه.

الرابع: سؤر ولد الزنا، فيحكى عن المرتضى القول بنجاسته؛ لأنّه كافر .

ص: 323


1- - المعتبر 1 : 96.
2- - المبسوط 1 : 14.
3- - السرائر 1 : 84.

ويعزى القول بكفره إلى ابن إدريس أيضاً. وربّما نسب إلى الصدوق القول بنجاسة سؤره، وكلامه ليس بصريح فيه؛ فإنّه قال في من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك وكلّ من خالف الإسلام ((1)).

وعدم جواز الوضوء به أعمّ من الحكم بنجاسته، إلَّا أنّ ذكره مع المشرك ونحوه قرينة على إرادة النجاسة، ولا نعرف بذلك [قائلاً] سواهم .

الخامس: سؤر ما عدا الخنزير من أنواع المسوخ، فذهب الشيخ إلى نجاستها، فينجس سؤرها((2))، واستثناها ابن الجنيد ممّا حكم بطهارة سؤره مع حكمه بطهارة سؤر السباع، وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير. وظاهر ذلك القول بنجاستها أو نجاسة لعابها كما حكاه الفاضلان عن بعضالأصحاب((3))، وبه صرّح سلَّار في رسالته((4))، وربّما ظهر من سوق كلامه كونها في معنى الكلب، فيوافق قول الشيخ أيضاً. وجزم في المختلف بنسبة القول بنجاستها إليه((5))، وحكي ذلك عن ابن حمزة أيضاً. والباقون على طهارتها بحيث لا نعرف في ذلك [خلافاً] من سوى من ذكر»((6)).

ص: 324


1- - من لا يحضره الفقيه 1 : 8.
2- - الخلاف 1 : 587.
3- - المعتبر 1 : 99، ومنتهى المطلب 1 : 162.
4- - المراسم: 37.
5- - مختلف الشيعة 1 : 229.
6- - معالم الدين وملاذ المجتهدين: 355 - 357.

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «الآدمي فهو طاهر، وسؤره طاهر، سواء كان مسلماً أو كافراً عند عامّة أهل العلم ... ويكره استعمال أواني المشركين وثيابهم ... والمشركون على ضربين: أهل كتاب وغيرهم، فأهل الكتاب يباح أكل طعامهم وشرابهم والأكل في آنيتهم ما لم يتحقّق نجاستها.

قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية في أنّه لا يحرم استعمال أوانيهم؛ وذلك لقول الله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}((1)).

وقال النووي: «فرع: قول المصنّف يكره استعمال أواني المشركين، يعنيبالمشركين الكفار، سواء أهل الكتاب وغيرهم، واسم المشركين يطلق على الجميع»((2)).

وقال أيضاً: «هذا الذي ذكرناه من الحكم بطهارة أواني الكفار وثيابهم هو مذهبنا ومذهب الجمهور من السلف، وحكى أصحابنا عن أحمد وإسحاق نجاسة ذلك؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}»((3)).

وفي البدائع: «أمّا السؤر الطاهر المتّفق على طهارته فسؤر الآدمي بكل حال، مسلماً كان أو مشركاً، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، طاهراً أو نجساً،

ص: 325


1- - المغني 1 : 43 و 68.
2- - المجموع 1 : 256.
3- - المصدر نفسه 1 : 264.

[586] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ سُؤْرِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؟ فَقَالَ: «لَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

حائضاً أو جنباً، إلّا في حال شرب الخمر»((2)).[1] - فقه الحديث:

في الحديث احتمالان:

الأول: أن يكون المراد من كلمة «لا» النفي، والمنفي محذوف، أي: لا يجوز شرب سؤر اليهودي والنصراني مثلاً.

الثاني: أن يكون المراد من كلمة «لا» النهي، والمنهي عنه محذوف، أي: لا تشرب من سؤر اليهودي والنصراني مثلاً.

ولعلّ الوجه في الحذف - على الاحتمالين - هو التقيّة بحيث لا يمكن للإمام (علیه السلام) أن يصرّح بأكثر من هذا؛ لأنّ مشهور العامّة على الخلاف.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 326


1- الكافي 3 : 11، ح5، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 223، ح638، والاستبصار 1 : 18، ح36، وأورده في الحديث 8 من الباب 14 من أبواب النجاسات.
2- - بدائع الصنائع 1 : 63.

[587] 2- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ كَرِهَ سُؤْرَ وَلَدِ الزِّنَا، وَسُؤْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمُشْرِكِ، وَكُلِّ مَا(1) خَالَفَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ أَشَدُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سُؤْرَ النَّاصِبِ(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(3)، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

ثلاثة احتمالات في مراد من الكراهة

الأول: سند الكليني، وقد تقدّمت رجاله، والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو نفس سند الكليني، فالسند أيضاً صحيح.

[2] - فقه الحديث:

دلّ على مرجوحيّة سؤر المذكورين، وأشديّة مرجوحيّة سؤر ناصب العداوة لأهل البيت (علیهم السلام) ، ويحتمل في الكراهة هنا ثلاثة احتمالات:

الأول: التحريم، كما في قوله تعالى - بعد ذكر المحرمات من قتل النفس وأكل مال اليتيم وغيرهما - : {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَمَكْرُوهاً}((4))، فاستعمل لفظ الكراهة في المحرّم، وهذا واضح في سؤر

ص: 327


1- كتب المصنّف فوقها «من» عن نسخة.
2- الكافي 3 : 11، ح6.
3- تهذيب الأحكام 1 : 223، ح639، والاستبصار 1 : 18، ح37.
4- - الإسراء، الآية 38.

اليهودي والنصراني والمشرك، لكن الإشكال في ولد الزنا؛ فإنّه طاهر، وهذا لا يجتمع مع تحريم سؤره هنا، إلّا على ما يحكى عن السيد المرتضى وابن إدريس والصدوق على الظاهر من القول بنجاسته كما مرّ.

نعم، القول بكراهة سؤره متجه على القول بطهارته.

الثاني: الكراهة بمعنى المرجوحيّة، وهي الكراهة بالمعنى الأعم من الحرمة والكراهة الاصطلاحيّة، فيراد من بعض الموارد الحرمة ومن بعضها الكراهة الاصطلاحيّة.

الثالث: الكراهة الاصطلاحيّة، أي: المرجوحيّة الخاصّة، ولها قرينتان:

القرينة الأولى: قوله (علیه السلام) : «وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب»، فإنّ الكراهة الاصطلاحيّة هي التي تكون أشدّ، لا الحرمة.

القرينة الثانية: ما جاء في الحديث الثاني من الباب الخامس الآتي وبنفس السند - ولعلّه كان حديثاً واحداً - من أنّه (علیه السلام) كان يكره سؤر كل شيء لا يؤكل لحمه، والمراد هنا الكراهة الاصطلاحيّة، وهي الدائرة على ألسن الرواة، وهو المستفاد من أحاديث ذلك الباب، وقد وافق الماتن المشهور على ذلك كما في عنوان الباب.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند «الكافي»، وهو مرسل، ولكن يمكن القول باعتباره على القول باعتبار أحاديث «الكافي».

ص: 328

[588] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ هَلْ يَتَوَضَّأُ مِنْ كُوزِ أَوْ إِنَاءِ غَيْرِهِ إِذَا شَرِبَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يَهُودِيٌّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، عن الكليني، فهو كسابقه.

[3] - فقه الحديث:

ظاهره مخالف لما تقدّمه؛ فإنّه يجوّز الوضوء من سؤر اليهودي، وهذا دالّ على طهارة سؤره.

ولذا حمله الشيخ على من ظنّه يهودياً ولم يتحقّق أنّه يهودي، بقرينة قوله: «على أنّه يهودي»، ولا يحكم على السؤر بالنجاسة إلّا إذا كان متيقناً من كونه من يهودي.

واحتمل الماتن أنّ هذا الحديث خرج مخرج التقيّة، وقد مرّ أنّ أكثر العامّة على طهارة أصناف الكفار.

ص: 329


1- تهذيب الأحكام 1 : 223، ح641، والاستبصار 1 : 18، ح38.

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ يَهُودِيّاً وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ، فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ إِلَّا مَعَ الْيَقِينِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ.

وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، ولكن توجد أحاديث متعدّدة تدلّ على طهارة خصوص أهل الكتاب تأتي في أبواب النجاسات وفي أبواب الأطعمة والأشربة.

والحاصل: أنّ هناك طوائف من الروايات تدلّ على نجاستهم، وفي مقابلها روايات تدلّ على طهارتهم، فإمّا أن يقال بالتعارض بينهما، أو يُصار إلى الجمع بينهما، ويأتي الكلام في ذلك، ولذا نقول بأن نجاستهم موضع تأمّل، والاحتياط لا يترك.

سند الحديث:

تقدمت رجاله، والسند موثّق.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أولها صحيح، والثاني مرسل يمكن القول باعتباره، والثالث موثّق.

وهي دالّة على نجاسة الكفار بجميع أصنافهم، ونجاسة أسآرهم، ولزوم الاجتناب عنها، وإن كان في القول بنجاسة أهل الكتاب تأمّل، خلافاً لما هو المشهور عند العامّة من طهارتهم وطهارة أسآرهم.

ص: 330


1- 1*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الباب 14 من أبواب النجاسات.

4 - باب طهارة أسآر أصناف الأطيار وإن أكلت الجيف مع خلو موضع الملاقاة من عين النجاسة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب طهارة أسآر أصناف الأطيار وإن أكلت الجيف مع خلو موضع الملاقاة من عين النجاسة

شرح الباب:

الأطيار: جمع الطير، كما في «المصباح»((1)). وفي «العين»: «ويجمع الطير على أطيار جمع الجمع»((2)).

والجيف: جمع جيفة، قال في «لسان العرب»: «الجِيفةُ: معروفة جُثَّةُ الميت، وقيل: جثّة الميت إذا أَنْتَنَتْ ... وجمع الجيفة - وهي الجُثَّة الميتة المنتنة - : جِيَفٌ، ثم أَجْيافٌ»((3)).

أقوال الخاصّة:

قال الشيخ في «الخلاف»: «يجوز الوضوء بفضل السباع، وسائر البهائم، والوحش، والحشرات، وما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه، إلّا الكلب

ص: 331


1- - المصباح المنير: 382.
2- - كتاب العين 7 : 447 ، مادة «طير».
3- - لسان العرب 9 : 37 - 38، مادّة: «جيف».

والخنزير ... دليلنا إجماع الفرقة»((1)).

وقال العلامة في «التذكرة»: «الأسئار كلّها طاهرة إلّا سؤر نجس العين، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ... وحكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسيّة عدا ما لا يمكن التحرّز عنه، كالفأرة والحية والهرة»((2)) .

وهذا يفيد أنّ كلّ ما حكم عليه بالطهارة شرعاً من الحيوانات فسؤره طاهر، وقد قام الإجماع عليه كما عن «الغنية»((3)) و«الخلاف»((4)

وهو صريح «السرائر» حيث قال: «فأمّا ما حرم شرعاً فجملته أنّ الحيوان ضربان: طاهر ونجس، فالنجس: الكلب والخنزير، وما عداهما كلّه طاهر في حال حياته، بدلالة إجماع أصحابنا، المنعقد على أنّهم أجازوا شرب سؤرها والوضوء منه، ولم يجيزوا ذلك في الكلب والخنزير بحال»((5)).

أقوال العامّة:

اختلف العامّة - بعد اتفاقهم على طهارة أسآر المسلمين وبهيمة الأنعام -في أسآر الحيوانات والطيور، فمنهم من زعم أنّ كل حيوان طاهر السؤر،

ص: 332


1- - الخلاف 1 : 187 - 188، المسألة 144.
2- - تذكرة الفقهاء 1 : 39 -40.
3- - غنية النزوع: 45.
4- - الخلاف 1 : 187 - 188، المسألة 144.
5- - السرائر 3 : 118.

ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير فقط، وهذان القولان مرويان عن مالك. ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير والكلب، وهو مذهب الشافعي، ومنهم من استثنى من ذلك السباع عامة وهو مذهب ابن القاسم، ومنهم من ذهب إلى أن الأسئار تابعة للّحوم، فإن كانت اللّحوم محرمة فالأسئار نجسة، وإن كانت مكروهة فالأسئار مكروهة، وإن كانت مباحة فالأسئار طاهرة((1)).

قال في «المغني»: «(النوع الثاني) ما اختلف فيه وهو سائر سباع البهائم إلّا السنور وما دونها في الخلقة، وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل، فعن أحمد أنّ سؤرها نجس، إذا لم يجد غيره تيمم وتركه، روي عن ابن عمر أنّه كره سؤر الحمار، وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والأوزاعي وحماد وإسحاق. وعن أحمد أنّه قال في البغل والحمار إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه، وهو قول أبي حنيفة والثوري. وهذه الرواية تدلّ على طهارة سؤرهما؛ لأنّه لو كان نجساً لم تجز الطهارة به. وروي عن إسماعيل بن سعيد: لا بأس بسؤر السباع؛ لأنّ عمر قال في السباع: ترد علينا ونرد عليها، ورخّص في سؤر جميع ذلك الحسن وعطاء والزهري ويحيى الأنصاري وبكير بن الأشج وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي وابنالمنذر...»((2)).

ص: 333


1- - انظر: بداية المجتهد 1 : 26 - 27.
2- - المغني 1 : 42 - 43.

[589] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «فَضْلُ الْحَمَامَةِ وَالدَّجَاجِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالطَّيْرِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن سؤر الحمامة والدجاج، بل كل طير، والسؤر مطلق يشمل الماء وغيره، كما أنّ الطير هنا مطلق يشمل الطيور الأهليّة وغيرها، فيكون عطف الطير على الحمامة والدجاج من عطف العام على الخاص.

وهذا الحديث ساكت عن حال تلوّث منقار الطير بالقذر وعدمه، إلّا أنّه لابدّ من تقييده بما يأتي في أحاديث الباب، من لزوم خلو المنقار من النجاسة حتى يحكم بعدم انفعال الماء القليل بالشرب به منه.سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، والمراد من القاسم بن محمد: هو الجوهري؛ لرواية الحسين بن سعيد عنه، وهو ثقة؛ لرواية المشايخ الثقات

ص: 334


1- الكافي 3 : 9، ح2، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 228، ح659.

عنه،كما أوضحناه سابقاً.

وفي السند علي بن أبي حمزة فيكون ضعيفاً به، إلّا أنّه تقدّم منّا مراراً: أنّه إذا كانت هناك قرينة على أنّ ما رواه كان صادراً منه قبل وقفه كان معتبراً، ويمكن أن تكون القرينة وجود هذا الحديث في كتاب الحسين بن سعيد، وكذا وجوده في «الكافي»، فيمكن القول باعتباره.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو عن الكليني، فالسند كسابقه.

ص: 335

[590] 2- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَمَّا تَشْرَبُ مِنْهُ الْحَمَامَةُ؟ فَقَالَ: «كُلُّ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَتَوَضَّأْ مِنْ سُؤْرِهِ وَاشْرَبْ»، وَعَنْ مَاءٍ شَرِبَ مِنْهُ بَازٌ أَوْ صَقْرٌ أَوْ عُقَابٌ؟ فَقَالَ: «كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الطَّيْرِ يُتَوَضَّأُ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَرَى فِي مِنْقَارِهِ دَماً، فَإِنْ رَأَيْتَ فِي مِنْقَارِهِ دَماً فَلَا تَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ»(1).

وَرَوَاهُمَا الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الجواب عن سؤالين

[2] - فقه الحديث:

تضمّن هذا الحديث الجواب عن سؤالين:

أمّا السؤال الأول: فقد كان عن سؤر الحمامة، وجاء الجواب عامّاً، فقد دلّ الحديث

بالعموم من ناحية المنطوق على جواز التوضي والشرب من سؤر كل ما يؤكل لحمه، وما يؤكل لحمه يشمل الطيور التي يؤكل لحمها، والحيوانات التي يؤكل لحمها.

كما دلّ من ناحية المفهوم على أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يتوضّأ من سؤره ولايشرب، ولا بدّ من استثناء الطيور؛ لأنَّها ذكرت في العام الموجود في المنطوق.

ص: 336


1- الكافي 3 : 9، ح5.
2- تهذيب الأحكام 1 : 228، ح660، والاستبصار 1 : 25، ح64.

وأمّا السؤال الثاني: فقد كان عن سؤر الباز والصقر والعقاب، وجاء الجواب أيضاً عامّاً لكل الطيور، فكل طير يجوز استعمال سؤره في الشرب، وما ذلك إلّا لطهارته، ولا يوجد طائر نجس العين حتى يتبع السؤر الطائر فيها، واستثني من ذلك ما إذا شوهد في منقاره دماً؛ لأنّ السباع من الطيور لا تنفك مناقيرها عن التنجّس بالدم، فإذا شوهد الدم في المنقار وشربت من الماء القليل كان ذلك موجباً لانفعاله لا محالة، وعليه لا يجوز الوضوء منه ولا الشرب. ومفهوم هذا الجواب يعطي: أنّه إذا لم يشاهد الدم على المنقار فلا يحكم بنجاسة الماء القليل الذي لاقاه، وهذا شامل لما إذا غاب الطير واحتمل أنّه لاقى الماء القليل فطهر منقاره، ولما إذا لم يغب أصلاً لكن لم يشاهد على منقاره دم عند شربه من الماء القليل، فزوال عين النجاسة كافٍ في الحكم بالطهارة، ولا يحتاج إلى الغيبة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه محمد بن أحمد: وهو محمد بن أحمد بن يحيى صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، والسند موثّق.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو عن الكليني، فالسند موثّق أيضاً.

ص: 337

[591] 3- وَزَادَ فِي الْأَخِيرِ: وَسُئِلَ عَنْ مَاءٍ شَرِبَتْ مِنْهُ الدَّجَاجَةُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِي مِنْقَارِهَا قَذَرٌ لَمْ تَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَمْ تَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ فِي مِنْقَارِهَا قَذَراً تَوَضَّأْ مِنْهُ وَاشْرَبْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّت هذه الزيادة على أنّ رؤية القذر - والظاهر منه النجاسة - في منقار الدجاجة يمنع من الحكم بطهارة الماء القليل الذي شربت منه، وأمّا إذا لم يحصل العلم بوجود القذر في منقارها، فلا مانع من الحكم ببقاء الماء على الطهارة بعد شربها منه، فيجوز الشرب والوضوء منه، ولا حاجة إلى أن تغيب ويحصل الاحتمال بكون منقارها قد لاقى الماء الكثير وطهر بذلك. ولا خصوصيّة للدجاجة، فيعم - على الأقل - كل طائر مأكول اللحم.

سند الحديث:

هو سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، عن الكليني، فهو موثّق أيضاً.

ص: 338


1- الاستبصار 1 : 25، ح64، وتهذيب الأحكام 1 : 284، قطعة من الحديث 832 .

[592] 4- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِالْإِسْنَادِ. وَذَكَرَ الزِّيَادَةَ، وَزَادَ: «وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلْيَشْرَبْهُ».

وَسُئِلَ عَمَّا(1) يَشْرَبُ مِنْهُ بَازٌ أَوْ صَقْرٌ أَوْ عُقَابٌ؟ قَالَ: «كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الطَّيْرِ يُتَوَضَّأُ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَرَى فِي مِنْقَارِهِ دَماً(2) فَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ»(3).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا، نَحْوَهُ(4).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(5)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(6).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّت هذه الزيادة على جواز التوضّي والشرب من سؤر كلّ ما يؤكل

ص: 339


1- في المصدر: عن ماء.
2- في المصدر زيادة: فإن رأيت في منقاره دماً.
3- تهذيب الأحكام 1 : 284، قطعة من الحديث 832، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 53 من أبواب النجاسات.
4- من لا يحضره الفقيه 1 : 10، ح18، وأورده في الحديث 6 من الباب 8 من أبواب الماء المطلق.
5- تقدّم ما يدل عليه في الحديث 6 من الباب 2 من هذه الأبواب.
6- يأتي ما يدل على ذلك في الباب الآتي، والحديث 1 - 3 من الباب 11 من أبواب النجاسات.

لحمه، وما يؤكل لحمه يشمل الطيور التي يؤكل لحمها، والحيوانات التي يؤكل لحمها.

ويدلّ مفهومها على أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يتوضّأ من سؤره ولا يشرب، فالطيور الوحشيّة التي لا يؤكل لحمها لا يتوضّأ ولا يشرب من سؤرها، إلّا أنّ الجواب عن السؤال عن سؤر الباز والصقر والعقاب بعموم جواز الشرب والوضوء من سؤرها - بل كل طير، الشامل للأهلي والوحشي - يقيّد هذا المفهوم.

ومع هذا، فإنّ منطوق ما دلّ على جواز الشرب والوضوء من سؤر غير مأكول اللحم - ومنه الطير غير مأكول اللحم - لا يعارَض بهذا المفهوم، فإنّ المفهوم لا يعارِض المنطوق.

نعم، يمكن القول بأنّ عدم البأس والأمر بشرب سؤرها والوضوء منه معناه عدم المنع من ناحية النجاسة، فغاية ما يفيده طهارة الماء، وأما ما يستفاد من المفهوم من المنع عن استعماله فمعناه الكراهة، فيلتئم المنطوق والمفهوم، فيحكم بطهارة سؤر ما لا يؤكل لحمه مع ثبوت الكراهة في استعماله في الشرب والوضوء، كما لعلّه لا يأباه التعبير بالكراهة في مرسل الوشاء الآتي في الباب اللاحق.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بطريقين:

الأول: مسنداً عن شيخ الطائفة في «التهذيب»، وهو سند «التهذيب»

ص: 340

السابق، فهو موثّق.

الثاني: مرسلاً، وهو من مراسيل الصدوق، وقد ذكرنا أنّه يمكن القول باعتبارها.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، أولها معتبر، والثلاثة الباقية موثقات، وقد دلّت على طهارة أسآر الطيور بأنواعها الأهليّة والوحشيّة حتى لو عُلم بتلوّث مناقيرها سابقاً بالنجاسة، سواء غابت أم لم تغب، ما دام لم يعلم بوجود النجاسة فعلاً قبل أن تشرب من الماء القليل، بل دلّت الأحاديث على طهارة سؤر كل ما يؤكل لحمه وإن لم يكن طيراً.

ص: 341

ص: 342

5 - باب طهارة سؤر بقية الدواب حتى المسوخ وكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب طهارة سؤر بقية الدواب حتى المسوخ وكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه

شرح الباب:

احتوى عنوان الباب على ثلاث مسائل:

الأولى: طهارة سؤر بقيّة الدواب غير ما تقدّم.

الثانية: طهارة سؤر المسوخ، وهي على ما ذكره الصدوق في «الفقيه»: «القردة والخنزير والكلب والفيل والذئب والفأرة والأرنب والضب والطاووس والنعامة والدعموص والجري والسرطان والسلحفاة والوطواط والبقعاء والثعلب والدب واليربوع والقنفذ»((1)

وقال العلامة المجلسي: «اعلم أنّ أنواع المسوخ غير مضبوطة في كلام أكثر الأصحاب، بل أحالوها على هذه الروايات وإن كان في أكثرها ضعف على مصطلحهم، فالذي يحصل من جميعها ثلاثون صنفاً: الفيل والدب والأرنب والعقرب والضب والوزغ والعظاية والعنكبوت والدعموص والجري والوطواط والقرد والخنزير والكلب والزهرة وسهيل وطاووس والزنبور والبعوض والخفاش والفأر

ص: 343


1- - من لا يحضره الفقيه 3 : 336.

والقملة والعنقاء والقنفذ والحيّة والخنفساء والزمير والمارماهي والوبر والورل، لكن يرجع بعضها إلى بعض»((1)).

الثالثة: كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، وهي ما حرم أكله من الحيوانات والطيور.

أقوال الخاصّة:

تقدّم: أنّ الإجماع قائم على أنّ كلّ ما حكم عليه بالطهارة شرعاً من الحيوانات فسؤره طاهر، كما عن «الغنية»((2))، و«الخلاف»((3))، وصريح عبارة «السرائر»((4))، وقد عزاه في «الحدائق» إلى جمهور المتأخّرين((5))، ولم يرد الاستثناء من هذه الكليّة إلّا عن الشيخ في التهذيبين، من المنع من الوضوء والشرب من سؤر غير مأكول اللحم عدا السنّور والطير كما في «التهذيب»((6))، أو غير الفأرة والطيور من البازي والصقر والعقاب وغيرهاكما في «الاستبصار»((7))، معلّلا له فيه بمشقّة الاحتراز عنها.

ص: 344


1- - بحار الأنوار 62 : 230.
2- - غنية النزوع: 45.
3- - الخلاف 1 : 187 - 188، المسألة 144.
4- - السرائر 3 : 118.
5- - الحدائق الناضرة 1 : 429.
6- - تهذيب الأحكام 1 : 224.
7- - الاستبصار 1 : 25.

وعنه أيضاً في «المبسوط»((1)): المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الغير الآدميّ والطيور إلاّ ما لا يمكن التحرّز عنه، كالهرّة والفأرة، وربّما نقل ذلك عن «المهذّب»((2)) أيضاً .

وعن ابن إدريس أنّه حكم بنجاسة سؤر ما أمكن التحرّز عنه ممّا لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الطيور، قائلاً بأنّه: «لا بأس بأسآر الفأر والحيّات وجميع حشرات الأرض»((3)).

والمشهور في المسوخ هو الطهارة أيضاً.

وأمّا ما لا يؤكل لحمه فقد حكم بكراهة سؤره.

قال الشيخ حسن في «المعالم»: «الخامس: سؤر ما عدا الخنزير من أنواع المسوخ، فذهب الشيخ إلى نجاستها، فينجس سؤرها((4))، واستثناها ابن الجنيد ممّا حكم بطهارة سؤره مع حكمه بطهارة سؤر السباع، وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير، وظاهر ذلك القول بنجاستها أو نجاسة لعابها كماحكاه الفاضلان عن بعض الأصحاب((5))، وبه صرّح سلَّار في رسالته((6)

وربّما ظهر من سوق كلامه كونها في معنى الكلب، فيوافق قول الشيخ

ص: 345


1- - المبسوط 1 : 10.
2- - المهذب 1 : 25.
3- - السرائر 1 : 85 ، وانظر: ينابيع الأحكام 1 : 851 .
4- - الخلاف 1 : 587، المسألة 306.
5- - المعتبر 1 : 99، ومنتهى المطلب 1 : 162.
6- - المراسم : 37.

[593] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أيضاً. وجزم في المختلف بنسبة القول بنجاستها إليه((2))، وحكي ذلك عن ابن حمزة أيضاً. والباقون على طهارتها بحيث لا نعرف في ذلك [خلافاً] من سوى من ذكر»((3)).

أقوال العامّة:

قد ظهرت أقوالهم مما نقلناه سابقاً في الباب السابق.

[1] - فقه الحديث:

دلّ منطوق الحديث على جواز الوضوء ممّا شرب منه ما يؤكل لحمه،وهذا لازم لملزوم هو طهارة الحيوان نفسه وطهارة سؤره، وقد يقال: بأنّ المفهوم يدلّ على أنّ الوضوء ممّا شرب منه غير مأكول اللحم فيه بأس، وقد مرّ أن المرتكز في أذهان العرف أن البأس في أمثال المقام معناه النجاسة، وهذا ليس من جهة أنّ للوصف مفهوماً فيقال بأنّه حجّة، بل من جهة أنّه إذا لم نقل بأنّ لهذا الوصف فائدة كان الإتيان به لغواً ما دام

ص: 346


1- الكافي 3 : 9، ح1، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 224، ح642.
2- - مختلف الشيعة 1 : 229.
3- - معالم الدين 1 : 357.

ما يؤكل لحمه يشارك غير المأكول في الحكم.

سند الحديث:

فيه: محمد بن عيسى: وهو العبيدي، عن يونس: يعني يونس بن عبد الرحمن، وهما ثقتان جليلان إلّا أنّ ابن الوليد استثنى من روايات «نوادر الحكمة» ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس، وهذا اجتهاد منه. ثم إنّه حتى لو تم ما ذكره إلّا أنّ روايته هنا مقبولة؛ لأنّه لم يتفرّد بروايته، فالسند صحيح.

ص: 347

[594] 2- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَيُّوبَ ابْنِ نُوحٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ سُؤْرَ كُلِّ شَيْ ءٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ ظاهر الحديث على ثبوت الكراهة في سؤر كل ما لا يؤكل لحمه، وحملها الشيخ وغيره على الحرمة، لكن الكراهة في اللّغة أعمّ من الحرمة، فالحديث مجمل لم يعلم أن الكراهة فيه على أي نحو، فلا يكون هذا الحديث دالّاً على حرمة سؤر ما لا يؤكل.

سند الحديث:

ذكر الماتن أنّ له سندين:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وقد تقدّم بعينه في الحديث الثاني من الباب الثالث من هذه الأبواب، وقلنا: إنّه مرسل، فهو ضعيف، ولكن يمكن القول باعتباره على القول باعتبار أحاديث «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، لكنّه غير موجود فيه، فالظاهر أنّ قول الماتن في الحديث الآتي: «وكذا ما قبله» من سهو القلم.

ص: 348


1- الكافي 3 : 10، ح7.

[595] 3- وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ يُشْرَبُ سُؤْرُ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: «أَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ(1) فَلَا بَأْسَ»(2).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(3)، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بالمنطوق على نفي البأس عن الشرب والوضوء من سؤر الإبل والبقر والغنم، ويجمعها: سؤر الحيوان المحلّل الأكل بلا كراهة. ودلّ بالمفهوم على ثبوت البأس في سؤر الحيوان غير ما مرّ، وهو يشمل ما كان محرم الأكل كالسباع، ومكروه الأكل كالبغال والخيل والحمير.

لكن سيأتي نفي البأس عن سؤر الدواب الشامل لهذين النوعين، فلا يعارض المفهومُ المنطوقَ الدالّ بالصراحة على طهارة السؤر، فيحمل على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه.

ص: 349


1- لفظ «والغنم» ليس في تهذيب الأحكام. (منه(قدس سره) ).
2- الكافي 3 : 9، ح3.
3- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح656.
4- كذا في الأصل، ولم يرد الحديث السابق في تهذيب الأحكام.

بحث رجالي حول أبي داود

سند الحديث:

ذكر له الماتن سندين:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: أبو داود: والشيخ الكليني يروي عن أبي داود هذا بواسطة العدّة تارة، وبدونها أخرى، فإذا روى عنه بواسطة العدّة فالظاهر أنّه سليمان بن سفيان المسترق، المنشد راوية شعر السيد الحميري؛ لأنّه المشهور المعروف فينصرف إليه الاطلاق.

وأمّا إذا روى عنه بلا واسطة، كما في هذا السند، فإن كان المراد به أبا داود المسترق فلا ريب في أنّ السند مرسل؛ لأنّ الكليني توفي سنة تسعة وعشرين وثلاثمائة، بينما توفي أبو داود سنة ثلاثين ومائتين، وإن كان المراد منه شخصاً آخر فهو مجهول.

وقد استظهر المجلسي الأول (رحمه الله) : أنّ أبا داود هذا هو سليمان المسترق، قال: «وكان له كتاب يروي الكليني عن كتابه، ويروي عنه بواسطة الصفّار وغيره، ويروي بواسطتين أيضاً عنه، ولما كان الكتاب معلوماً عنه بقول أبو داود، أي: روى، فالخبر ليس بمرسل»((1)).

وأيّده المحدّث الكاشاني في هامش «الوافي» والوحيد البهبهاني في تعليقته على «منهج المقال»((2)).

وعلّق ولده العلامة المجلسي الثاني عليه بقوله: «وكونه المسترق عندي

ص: 350


1- - مرآة العقول 13 : 36.
2- - الوافي 6 : 72، وتعليقة على منهج المقال: 375.

غير معلوم، ولم يظهر لي من هو إلى الآن، ففيه جهالة»((1)).

وأمّا السيد الأستاذ(قدس سره) فإنّه قال: «ما ذكره المجلسي الأول مع أنّه بعيد في نفسه، لو تمّ، فإنَّما يتمّ فيما بدأ السند بأبي داود. وأمّا فيما بدأ السند بعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وعطف على العدّة أبو داود، فلا يتم فيه ما ذكره جزماً، فإنّ العدّة تروي عن أبي داود كما مرّ، فلولا أنّ محمد بن يعقوب يروي عن أبي داود بلا واسطة لم يكن وجه لعطف أبي داود على العدّة أصلاً، فما ذكره المجلسي الثاني من أن أبا داود مجهول هو الصحيح»((2)).

ولا يخفى أنّه قد ورد في أربعة موارد بجرّ أبي داود عطفاً على أحمد بن محمد، كما جاء في أربعة عشر مورداً بالرفع، في ستة منها ورد مقروناً بالعدّة، والثمانية الباقية منفرداً، أي: إنّ الكليني روى عنه بلا واسطة فيها، فمقتضى الجمود على الألفاظ هو ما ذكره المجلسي الأول (رحمه الله) .

والسند مضمر، لكنّ مضمرات مثل سماعة حجّة، ويمكن أن يصحّح بأنّه من كتب الحسين بن سعيد المعتمدة، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو نفس السند المتقدّم، فهو معتبرأيضاً.

ص: 351


1- - مرآة العقول 13 : 36.
2- - معجم رجال الحديث 22 : 160 - 161.

[596] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ سُؤْرِ الدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُشْرَبُ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ على طهارة الدواب جميعها، وذلك بنفي البأس صراحة عن سؤرها بلا استثناء، ونفي البأس هو نفي للنجاسة كما مرّ من ارتكاز ذلك عند المتشرّعة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام عن رجاله، وهو صحيح أعلائي.

ص: 352


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح657.

[597] 5- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) : كُلُّ شَيْ ءٍ يَجْتَرُّ(1) فَسُؤْرُهُ حَلَالٌ، وَلُعَابُهُ حَلَالٌ»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ كل حيوان يجتر فسؤره ولعابه حلال، بمعنى: أنّه لا يحرم استعمال فضله في الشرب والطهارة، والحيوان الذي يجتر هو البعير والشاة، فيكون هذا المنطوق ناظراً لما يؤكل لحمه، وهو مؤيّد للكبرى التي قدّمناها من أن ما كان حلالاً فسؤره تابع له في الحليّة، ومفهومه: أن ما لايؤكل لحمه فسؤره ليس كذلك.

إلّا أنّه ينافيه منطوق مثل الحديث السابق، والمفهوم لا يعارض المنطوق، فيحمل على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه.

ص: 353


1- يجتر: هو من الاجترار، وهو أن يجر البعير من الكرش ما أكل إلى الفم فيمضغه مرة ثانية. (مجمع البحرين 3 : 244). الجرة: ما يخرجه البعير للاجترار. «منه(قدس سره) ». (الصحاح 2 : 611).
2- تهذيب الأحكام 1 : 228، ح658.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 8، ح9.

بحث رجالي حول عبداللّه بن الحسن

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بطريقين:

الأول: مسنداً عن الشيخ في «التهذيب»، وفيه: محمد بن أحمد: وهو محمد بن أحمد بن يحيى، وأمّا الحسين بن علوان: فهو مختلف في توثيقه، وقد سبق أنّ الأقوى وثاقته.

وفي السند أيضاً: عبد الله بن الحسن: الملقب بالمحض، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قائلاً: «عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد، شيخ الطالبيين رضي الله عنه»((1))، وذكره أيضاً في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)).

قال السيد الأستاذ - بعد أن نقل عن ابن المهنا قوله فيه: «عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) ، وإنَّما سمّي المحض؛ لأنّ أباه الحسن بن الحسن، وأمّه فاطمة بنت الحسين، وكان يشبّه برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وكان شيخ بني هاشم في زمانه، وقيل له: بم صرتم أفضل الناس؟ قال: لأنّ الناس كلهم يتمنّون أن يكونوا منّا، ولا نتمنّى أن نكون من أحد. وكان قويّ النفس شجاعاً»((3))- : ثمّ إنّ الروايات قد كثرت في ذمعبدالله هذا، فروى الصفار، عن العباس بن معروف، عن حمّاد بن سليمان،

ص: 354


1- - رجال الطوسي: 139 / 1468.
2- - رجال الطوسي: 228 / 3092.
3- - عمدة الطالب لابن عنبة: 101.

عن ابن مسكان، عن سليمان بن هارون، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إن العجليّة يزعمون أنّ عبد الله بن الحسن يدّعي أنّ سيف رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عنده، قال (علیه السلام) : والله لقد كذب، فوالله ما هو عنده، وما رآه بواحدة من عينيه قطّ، ولا رآه أبوه، إلّا أن يكون رآه عند علي بن الحسين (علیه السلام) ، وإن صاحبه لمحفوظ، ومحفوظ له، ولا يذهبن يميناً ولا شمالاً؛ فإنّ الأمر واضح. والله لو أنّ أهل الأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله ما استطاعوا، ولو أن خلق الله كلّهم جميعاً كفروا حتى لا يبقى أحد جاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله.

وذكر(قدس سره) أيضاً: أنّ الصحيح كما في «البحار»: حمّاد بن عيسى، كما أنّ سليمان بن هارون هو العجلي الثقة، فيكون الحديث صحيحاً، ثم ذكر عدّة روايات ذامة له، ثم قال بعد ذكر رواية عن السيد ابن طاووس وبعض أسانيدها صحيحة: «هذه الرواية لو سلمت أنَّها منقولة عن الشيخ الطوسي بجميع طرق السيد ابن طاووس إليه التي بعضها صحيح، فلا إشكال في أنَّها من شواذ الروايات، ولا يمكن أن تقع معارضة للروايات المشهورة في ذم عبد الله بن الحسن، على أنّه كيف يمكن رواية المفيد لهذه الرواية مع روايته عن عبد الله بن الحسن مكالمته لأبي عبد الله (علیه السلام) بما تقشعرّ منهالجلود، وقوله: هذا حديث مشهور لا تختلف العلماء بالآثار في صحّته.

والمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ عبد الله بن الحسن مجروح، مذموم، ولا أقل

ص: 355

من أنّه لم يثبت وثاقته أو حسنه»((1)).

هذا، ولكن يمكن أن يكون الذمّ الوارد في حقّه من جهة حبّه للرئاسة، وإلّا فقد سبق منّا هنا نقل ترضّي الشيخ الطوسي عنه، مضافاً إلى رواية ابن أبي عمير عنه((2)).

الثاني: مرسلاً، وهو من مراسيل الصدوق، وقد ذكرنا أنّه يمكن القول باعتبارها.

ص: 356


1- - معجم رجال الحديث 11 :170 - 175.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 199.

[598] 6- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ فَضْلِ(1) الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

في المصدر: «سألته عن فضل ماء البقرة»، وكيف كان: فالسؤال وقع عن سؤر البقرة والشاة والبعير، فأجاب (علیه السلام) بنفي البأس، ومقتضى إطلاق نفي البأس هو طهارتها وطهارة سؤرها بلا كراهة، فيجوز الشرب من فضلها والوضوء والصلاة فيه.

سند الحديث:

فيه: عبد الله بن الحسن: وهو لم يوثق كما سبق، وذكرنا في كتابنا «التقيّة» إمكان تصحيح السند بوجوه ثلاثة بها يمكن تصحيح جميعروايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان

ص: 357


1- في المصدر: ماء.
2- قرب الإسناد: 179.
3- تقدّم ما يدلّ على ذلك في الحديث 4 ، 6 من الباب 1 من هذه الأبواب.
4- يأتي في الباب 6، 9 من هذه الأبواب.

يروي عن علي بن جعفر((1)).

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، أولها ورابعها صحيحان، والبقيّة معتبرة.

وقد دلّت على طهارة سؤر الدواب التي يؤكل لحمها والتي لا يؤكل إلّا ما استثني من الكلب والخنزير، كما دلّت بالمنطوق أو بالمفهوم على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه.

هذا، ولكن الحديثان الرابع والسادس من الباب الأول قد ورد فيهما نفي البأس مطلقاً، وجواز الشرب والوضوء بلا حزازة حتى في سؤر غير مأكول اللحم، وكذا الحديث الرابع من هذا الباب، فتعارض أحاديث الباب الدالّة على المنع عن سؤر غير مأكول اللحم، وأنّ الحلال والذي لا بأس فيه هو سؤر ما يؤكل لحمه.

ويكون الجمع بين الطائفتين بحمل البأس في سؤر ما لا يؤكل على الكراهة، ويؤيّده الحديث الثاني من الباب، وهو مرسل الوشاء.

ص: 358


1- - التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 1 : 452 - 454.

6 - باب كراهة سؤر الجلال

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب كراهة سؤر الجلال((1))

شرح الباب:

عرّف الجلال في اللغة بما أكل وبما تتبع النجاسة، لكنه لم يقيّد بما نص عليه الفقهاء من أنه ما نبت عليه لحمه واشتد عليه عظمه، قال ابن منظور في «اللسان»: «إِبِل جلَّالة: تأْكل العَذِرة،... وال-جَلَّالة : البقرة التي تتبع النجاسات ... والجِلَّة: البعر، فاستعير ووضع موضع العَذِرة، يقال: إِن بني فلان وَقودهم الجِلَّة ووقودهم الوَألة، وهم يَجْتَلُّون الجِلَّة، أَي: يلقطون البعر. ويقال: جَلَّت الدابة الجِلَّة واجْتَلَّتها فهي جالَّة وجَلَّالة، إِذا التقطتها»((2)).

قال السيد العاملي في «المدارك» في بيان معنى الجلال: «المراد بالجلال: المتغذي بعذرة الإنسان محضاً إلى أن ينبت عليه لحمه واشتد عظمه بحيث

ص: 359


1- - جاء في هامش المخطوط ما لفظه: «استدل علماؤنا على كراهة سؤر الجلال بحديث هشام، وأحاديث ما لا يؤكل لحمه، ودلالة الثاني ظاهرة واضحة، ودلالة الأول مبنيّة على أنّهم أجمعوا على تساوي حكم العرق والسؤر هنا، بل في جميع الأفراد، والفرق إحداث قول ثالث. وأيضاً فإنّ بدن الحيوان لا يخلو أبداً من العرق إمّا رطباً وإمّا جافاً، فيتصل السؤر به، فحكمه حكمه، وعلى كل حال فضعف الدلالة منجبر بأحاديث ما لا يؤكل لحمه». (منه(قدس سره) ).
2- - لسان العرب 11 : 119، مادة: «جلل».

يسمى في العرف جلالاً قبل أن يستبرأ بما يزيل الجلل»((1)).

ثم إنّ وصف الجلل يرتفع باستبراء الحيوان أو الطير مدة، والاستبراء: «هو ربط الجلال وحبسه عن أكل النجاسات مدة مقدرة من الشرع، وفي كمية القدر خلاف، ومحصله - على ما ذكره بعض المحققين - : استبراء الناقة بأربعين يوماً، والبقرة بعشرين، وقيل بثلاثين، والشاة بعشرة، والبطة وشبهها بخمسة، وفي الفقيه بثلاثة أيام، وروي ستة أيام، والدجاجة وشبهها بثلاثة أيام، والسمك بيوم وليلة، وما عدا هذه المذكورات بما يزيل حكم الجلل، ومرجعه إلى العرف»((2)).

أقوال الخاصّة:

صرّح جماعة بكراهة سؤر الجلال كما عن السيد في «الجمل»، وكذا في «المراسم» و«الشرائع» و«المعتبر» و«التذكرة» و«التحرير» و«الدروس» و«اللمعة» وغيرها، وعن جماعة القول بالمنع. ونسب إلى الشيخ في «المبسوط» المنع عن سؤر آكل الجيف، وفي «النهاية» المنع عن سؤر الجلال، ولكن حملوه على الكراهية؛ حيث إنّه حيوان طاهر، ولا يؤكل لحمه، فيحكم بكراهة سؤره. نعم، نسب في «المختلف» إلى ابن الجنيدالحكم بنجاسة ال-جلّال((3)).

ص: 360


1- - مدارك الأحكام 1 : 130.
2- - مجمع البحرين1 : 51، مادة: «برأ».
3- - انظر: مفتاح الكرامة 1 : 339 -340، ومختلف الشيعة 1 : 229 و 231.

أقوال العامّة:

الظاهر أنّهم متفقون على كراهة سؤر الحيوان ال-جلّال، قال السمرقندي: «الأسآر على أربعة أوجه: سؤر متفق على طهارته من غير كراهة، وسؤر مختلف في طهارته ونجاسته، وسؤر مكروه، وسؤر مشكوك فيه.

أمّا السؤر الطاهر المتفق على طهارته: فهو سؤر الآدمي بكل حال، إلّا في حال شرب الخمر فإنّه نجس؛ لنجاسة فمه. وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطيور، إلّا الإبل الجلالة والبقر الجلالة، والدجاجة المخلاة، فإنّ سؤرها مكروه؛ لاحتمال نجاسة فمها، حتى إذا كانت محبوسة لا يكره»((1)).

ص: 361


1- - تحفة الفقهاء 1 : 53.

[599] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا لُحُومَ ال-ْجَلَّالَةِ(2)، فَإِنْ أَصَابَكَ مِنْ عَرَقِهَا فَاغْسِلْهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

حرمة أكل لحوم الجلالة

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بظاهره على حرمة أكل لحوم الجلالة، وهذا شامل للحيوان الجلال وللطير الجلال، فيلحق الجلال بغير مأكول اللحم، فعليه لا يجوز الصلاة في أجزائه التي منها العرق، وهذا يشكّل قرينة على أنّ الأمر بغسل عرقها هو من جهة عدم جواز الصلاة في عرقها، فلا يدلّ الأمر بالغسل على النجاسة، بل لا تصريح فيه بثبوت البأس في السؤر فلا تثبت الكراهة بهذا المقدار من البيان.

ولكن لما كان سؤر ما لا يؤكل لحمه محكوماً بالكراهة مطلقاً، فهوالدليل على ذلك.

ص: 362


1- في المصدر زيادة: عن أبي حمزة ، وهداية المحدثين: 27، والوافي 3 : 16، كتاب الأطعمة والأشربة.
2- في المصدر: الجلاّلات، والجلالة من الحيوان: التي تأكل الجلة والعذرة. (لسان العرب 11 : 119 مادة: «جلل»(.
3- الكافي 6 : 250، ح1، وأورده في الحديث 1 من الباب 15 من أبواب النجاسات، وفي الحديث 1 من الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة.

أَقُولُ: وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(1)1*).

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ(2)2*)، وَهَذَا مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ هُنَا كَحَدِيثِ الْفَضْلِ(3)3*) وَغَيْرِهِ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد يقال: إنّ السؤر لا يختلف عن العرق، فله حكمه، ولم يذهب أحد من العلماء إلى التفريق بين حكم العرق وبين السؤر، فما دامت الحزازة من عرق الجلال موجودة - ولا أقلّ من ثبوت الكراهة من الأمر بالغسل - فكذا السؤر، فالجلال لما كان أحد أفراد غير مأكول اللحم فما دام متلبّساً بهذا الوصف ولم يُستبرأ فإنّ السؤر يكون مكروهاً بهذا الاعتبار.

لكن لا بد من تقييد هذا الحكم بخلو موضع الملاقاة من النجاسة، فالسؤر طاهر إذا خلا فم الحيوان أو منقار الطير من النجاسة حين الملاقاة.

سند الحديث:

أحمد بن محمد: هو ابن عيسى كما تقدّم مراراً، وفي المصدر زيادة: «عن أبي حمزة» بعد هشام بن سالم، فيكون المراد به أبو حمزة الثمالي،

ص: 363


1- 1*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 2 من الباب 15 من أبواب النجاسات.
2- 2*) تقدّم على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه في الحديث 2 من الباب 5 من هذه الأبواب.
3- 3*) تقدّم في الحديث 4 من الباب 1 من هذه الأبواب.
4- 4*) تقدّم في الحديث 6، 7 من الباب 1، والأحاديث 1، 4، 6 من الباب 2 من هذه الأبواب.

المتحصل من الحدیث

والسند صحيح.

والحاصل: أن الباب يحوي حديثاً واحداً، وهو صحيح السند، ويدلّ على حرمة أكل لحوم الحيوانات والطيور الجلالة، وعلى لزوم غسل عرقها، ولم يفرّق أحد بينه وبين السؤر، فلذا كان له حكمه، لكنّ الأمر بغسل عرقها لا يدلّ على النجاسة؛ لوجود الأحاديث الكثيرة الدالّة على الطهارة، وبهذا أفتى المشهور، فكذا السؤر بلا فرق.

ص: 364

7 - باب طهارة سؤر الجنب

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب طهارة سؤر الجنب

شرح الباب:

سبق الكلام في أنّ الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، وإنَّما الخلاف عند الخاصّة والعامّة في رفعه للحدث ثانياً.

وهذا الباب معقود لبيان طهارة سؤر الجنب، أي: الفاضل من ماء غسله، بناء على تفسير السؤر بما باشره جسم الحيوان لا خصوص فمه.

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المنتهى»: «يجوز للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وغسلها، وبالعكس ما لم يكن هناك نجاسة عينيّة، وهو قول أكثر أهل العلم»((1)).

وقال الشيخ حسن في «المعالم»: «قال المحقّق في المعتبر: لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم يلاق نجاسة عينيّة، وكذا الرجل؛ لما ثبت من بقائه على التطهير ((2))، وهو حسن، وليس يعرف فيه بين

ص: 365


1- - منتهى المطلب 1 : 164.
2- - المعتبر 1 : 100.

الأصحاب خلاف، بل ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة ((1))»((2)).

أقوال العامّة:

قال النووي في «المجموع»: «اتفق العلماء على جواز وضوء الرجل والمرأة واغتسالهما جميعاً من إناء واحد؛ لهذه الأحاديث السابقة، واتفقوا على جواز وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل. وأمّا فضل المرأة فيجوز عندنا الوضوء به أيضاً للرجل، سواء خلت به أم لا، قال البغوي وغيره: ولا كراهة فيه؛ للأحاديث الصحيحة فيه، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء، وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، وروي هذا عن عبد الله ابن سرجس والحسن البصري وروي عن أحمد كمذهبنا، وعن ابن المسيّب والحسن كراهة فضلها مطلقاً»((3)).

ص: 366


1- - الخلاف 1 : 128، المسألة 72.
2- - معالم الدين 1 : 373.
3- - المجموع 2 : 190.

[600] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ سُؤْرِ الْحَائِضِ؟ فَقَالَ: «لَا تَوَضَّأْ مِنْهُ، وَتَوَضَّأْ مِنْ سُؤْرِ الْجُنُبِ إِذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً ثُمَّ تَغْسِلُ يَدَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَغْتَسِلُ هُوَ وَعَائِشَةُ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَيَغْتَسِلَانِ جَمِيعاً»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ التوضؤ من سؤر الحائض مكروه مطلقاً، ولو كانت مأمونة في التحفّظ عن النجاسة، كما دلّ على جواز التوضؤ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة في التحفّظ عن النجاسة. ولفظ الجنب يطلق على المذكر والمؤنث، والمراد هنا: المرأة الجنب، وإنَّما قلنا بأنّ الحديث يدلّ على كراهة سؤر الحائض مطلقاً؛ لأنّ الإمام (علیه السلام) فصّل بين الحائض والجنب، وقيّد جواز التوضؤ من سؤر الجنب بما إذا كانت مأمونة، ولم يقيّد الحائضبهذا القيد، والتفصيل قاطع للشركة، فلا تشترك الحائض مع الجنب في هذا

ص: 367


1- الكافي 3 : 10، ح2.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 222، ح633، والاستبصار 1 : 17، ح31.

القيد، ويكون محصّل الحديث حينئذٍ: أنّ سؤر الحائض مكروه مطلقاً حتى لو كانت الحائض مأمونة، لكن سؤر الجنب لا يكره إلّا إذا كانت غير مأمونة. وتكون دلالة هذا الحديث على الكراهة مطلقاً أقوى من دلالة سائر الأحاديث المطلقة التي ستأتي في الباب الآتي وغيره.

والتقييد بالمأمونة لإخراج مقابلها، وهي غير المأمونة، لا المتهمة؛ لأنَّها أخصّ من غير المأمونة، فمجهولة الحال داخلة في من كره سؤرها بمقتضى هذا الحديث وغيره، وقد عبّر بعضهم - كالشيخ في «النهاية» والسيد علم الهدى في «المصباح» على ما نقله عنه المحقّق، والعلامة في «النهاية»((1)) - بالمتّهمة، مع أنّ المأمون لا يقابل المتّهم، فتكون مجهولة الحال خارجة عنه على ظاهر عباراتهم، فالصحيح أنّ الكراهة مخصوصة بالتوضؤ بسؤر الحائض إذا لم تكن بمأمونة، وهي تشمل المتّهمة ومجهولة الحال. فهذا الحديث وأمثاله - ممّا سيمر في الباب الآتي وغيره - يقيّد المطلقات التي ستأتي في الباب الآتي وغيره والتي دلّت على كراهة سؤر الحائض مطلقاً.

ويفهم منه أيضاً أنّ السؤر مطلق المباشرة بالجسم، لا ما كان بخصوص الفم.

هذا كلّه بناء على نقل الكليني للحديث، لكن الموجود في «التهذيب»و«الاستبصار»: «بعد السؤال عن سؤر الحائض، فقال: توضأ منه [به]»((2)

ص: 368


1- - النهاية: 4، والمعتبر 1 : 99، ونهاية الأحكام 1 : 239.
2- - تهذيب الأحكام 1 : 222، ح16، والاستبصار 1 : 17، ح2.

ففيهما الأمر بالوضوء من سؤر الحائض، لا النهي عنه، وعليه يكون التقييد بالمأمونة للحائض وللجنب أيضاً.

الاحتمالات في قوله علیه السلام «تغسل یدیها...»

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «إن قلنا بسقوط الرواية عن الاعتبار وعدم إمكان الاعتماد عليها من أجل اضطراب متنها حسب نقلي الشيخ والكليني" فهو. وأمّا إذا احتفظنا باعتبارها وقدّمنا رواية الكافي المشتملة على كلمة (لا) على رواية التهذيب والاستبصار؛ لأنّه أضبط من كليهما، فلا مناص من الالتزام بتعدّد مرتبتي الكراهة؛ وذلك لأنّ دلالة الرواية على الكراهة مطلقاً أقوى من غيرها كما مرّ؛ لاشتمالها على التفصيل القاطع للشركة، فنلتزم بمرتبة من الكراهة في سؤر مطلق الحائض كما نلتزم بمرتبة أشدّ منها في سؤر الحائض غير المأمونة؛ جمعاً بين الطائفتين»((1)).

وقوله (علیه السلام) : «تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء»، فيه ثلاثة احتمالات - كما عن العلامة المجلسي - :

الأول: ما عن الشيخ البهائي في «مشرق الشمسين» من كونه جملة برأسها تتضمّن أمر الحائض بغسل يديها قبل إدخالهما الإناء.

الثاني: أن يكون قيداً آخر لاستعمال سؤر الجنب، فيكون المعنى: توضّأمن سؤر الجنب إذا توفر قيدان: إذا كانت مأمونة، وإذا كانت تغسل يديها قبل إدخالهما الإناء.

ص: 369


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 372.

الثالث: أن يكون بياناً لكون الجنب مأمونة((1)).

ثم إنّ ذيل الحديث فيه استشهاد من الإمام (علیه السلام) بفعل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وأنّه كان يغتسل مع عائشة من إناء واحد، ويغتسلان جميعاً - وفي بعض الأحاديث: مع بعض أزواجه، ممّا يدلّ على تكرار الفعل منه(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وفيها أنّه كان يبتدئ هو بالغسل ثم تغتسل زوجته بما فضل - ممّا يدلّ على أنّه لا كراهة في سؤر المرأة الجنب مع القيد المذكور.

هذا، وأضاف الصدوق في «المقنع» و«من لا يحضره الفقيه» قوله: «ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد، ولكن تغتسل بفضله، ولا يغتسل بفضلها»((2)).

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

السند الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: محمد بن إسماعيل: وقدمرّ أنّه مشترك بين جماعة، والمراد به هنا هو النيسابوري البندقي؛ لروايته عن الفضل بن شاذان، وعدم رواية ابن بزيع ولا البرمكي عنه، ولأنّ الشيخ الكليني يبعد أن يروي عن البرمكي وابن بزيع بلا واسطة، وهو لم يوثّق كما

ص: 370


1- - انظر: مرآة العقول 13 : 39. أقول: سيأتي في أبواب الجنابة الأمر بغسل الكفّين قبل الغسل، أو غسل الكفّين دون المرفق، أو من المرفق على اختلاف النصوص، ولعلّه من جملة آداب الغسل. المقرّر.
2- - المقنع: 40 ، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 17.

أوضحنا ذلك كلّه في كتابنا أُصول علم الرجال((1)).

وقلنا هناك: إنّه يمكن تصحيح ما يرويه الكليني عن محمد بن إسماعيل النسيابوري بطريقين:

الأول: أنّ للكليني طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات الفضل بن شاذان التي رواها في «الكافي».

الثاني:أنّ للشيخ طريقاً صحيحاً إلى الفضل بن شاذان في «المشيخة»، وظاهره: أنّه إلى روايات الفضل بلا اختصاص لها بما في التهذيبين؛ لقوله: «ما ذكرته»، ولم يقل: «ما ذكرته في هذا الكتاب» كما قال في بعض طرقه الأخرى((2)).

وأمّا العيص بن القاسم: فقد تقدّم الكلام في وثاقته، فالسند معتبر.

السند الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وسنده إلى علي بن الحسن بن فضال هو: أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاًوإجازة، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضال((3))، وهو ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير الذي لم يوثّق، ويمكن تصحيحه بالقول: إنّ أحمد بن عبدون كما أنّه شيخ للشيخ الطوسي كذلك هو شيخ للنجاشي الذي روى جميع كتب علي بن الحسن بن فضال بطريق آخر صحيح((4)

ص: 371


1- - أُصول علم الرجال 2 : 449 - 452.
2- - أصول علم الرجال 2 : 454 - 457.
3- - تهذيب الأحكام 10 : 56، المشيخة.
4- - رجال النجاشي: 258 / 676.

[601] 2- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنِ الْعِيصِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) هَلْ يَغْتَسِلُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يُفْرِغَانِ عَلَى أَيْدِيهِمَا قَبْلَ أَنْ يَضَعَا أَيْدِيَهُمَا فِي الْإِنَاءِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ولم يتعرّض للاختلاف بين ما رواه أحمد بن عبدون بطريقه وبين ما رواه بطريقه الآخر الصحيح، ومن هذا يظهر اعتبار طريق الشيخ أيضاً؛ حيث إنّ صحة الطريق عند النجاشي توجب الصحة عند الشيخ، فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، ممّا يعطي أنّ سؤر المجنب طاهر ويجوز الغسل به، وهذا الحديث دالّ على أنّ السؤرلا يختصّ بما لاقاه الفم.

ولكن يفرغان على أيديهما الماء قبل أن يضعاها في الإناء، هذا إذا كانت على أيديهما نجاسة، بل ولو لم تكن؛ لأنّ الأمر بالإفراغ مطلق، فيكون أمراً تعبديّاً. ولم يرد تحديد اليد في هذا الحديث، وسيأتي اختلاف النصوص في تحديد المقدار الذي يُغسل منهما في أبواب الجنابة.

سند الحديث:

السند كالسابق، فيكون معتبراً.

ص: 372


1- الكافي 3 : 10، ح2، وأورده في الحديث 2 من الباب 32 من أبواب الجنابة.

[602] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْجُنُبِ يَسْهُو فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا: أَنَّهُ لَا بَأْسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْ ءٌ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عدم البأس في غمس الجنب یدة في الإناء

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس أي النجاسة إذا غمس المجنب يده في الإناء، فإنّه وإن كان ما يحويه الإناء قليلاً لا يبلغ الكر مهما بلغ الإناء في الحجم إلّا أنّ ملاقاة بدن الجنب لهذا الماء القليل لا توجب نجاسته، فسؤر الجنب طاهر في نفسه، كما دلّ بالمفهوم على انفعال الماء القليل إذا غمسها وفي يده شيء، أي: قذارة؛ وذلك لثبوت البأس من ناحية المفهوم، وقد كرّرنا أنّ المتفاهم من البأس هو النجاسة في أمثال المقام.

سند الحديث:

محمد بن يحيى: هو العطار، ومحمد بن إسماعيل: وإن كان مشتركاً إلّا أنّ المراد منه هنا: محمد بن إسماعيل بن بزيع؛ لروايته عن علي بن الحكم دون المسمين بهذا الاسم؛ فإنَّهم لا رواية لهم عنه، كما مرّ - في سند الحديث السادس من الباب التاسع من أبواب الماء المضاف والمستعمل -

ص: 373


1- الكافي 3 : 11، ح3، وتقدّم في الحديث 3 من الباب 8 من أبواب الماء المطلق.

[603] 4- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَبُولُ وَلَمْ يَمَسَّ يَدَهُ شَيْ ءٌ، أَيَغْمِسُهَا فِي الْمَاءِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ جُنُباً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

التصريح بأنّه ابن بزيع، وقد ذكر الماتن في شرحه: أن في هذا السند واسطة ساقطة بين محمد بن يحيى ومحمد بن إسماعيل، وقال : «فإنّه بناء السند على سند سابق كما مرّ في المقدمات، والظاهر أنّ الواسطة أحمد بن محمد كما مرّ في أحاديث البئر وغيرها، أشار إليه صاحب المنتقى»((2))، وما أفاده تامّ، أجزل الله ثوابه، وكيف كان فالسند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم تأثير غمس المحدث يده الخالية عن النجاسة في الماء، وكذا الجنب، وهو يعطي أنّ سؤر الجنب طاهر، ولا تؤثّر ملاقاة يده للماء القليل. نعم، لا بدّ أن يستثنى من هذا الشمول ماء الوضوء، فإنّ عدم غسل اليد قبل إدخالها الإناء وإن خلت عن القذارة يؤثّر في إناء الوضوءفعل خلاف الأولى، كما أفاده حفيد الشهيد الثاني((3)).

ص: 374


1- الكافي 3 : 12، ح4، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 28 من أبواب الوضوء.
2- - تحرير وسائل الشيعة: 603.
3- - استقصاء الاعتبار 1 : 357.

[604] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ وَهُوَ جُنُبٌ فَتَمَسُّ يَدُهُ الْمَاءَ قَبْلَ(1) أَنْ يَغْسِلَهَا؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»، وَقَالَ: أَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَأَغْتَسِلُ فَيُصِيبُ جَسَدِي بَعْدَ الْغُسْلِ جُنُباً أَوْ غَيْرَ جُنُبٍ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

مرجع الضمير في «عنه» هو محمد بن يحيى، ومحمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب، والسند صحيح أعلائي.

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن الماء الذي تلاقيه يد الجنب قبل أن يغسلها، ولا بدّ من تقييد هذا الإطلاق بما إذا كانت يده نظيفة لا نجاسة عليها.

كما دلّ على عدم البأس بإصابة الجنب الجسد.

وكلتا الفقرتين تدلّان على أنّ جسد الجنب طاهر إذا لم تكن عليه نجاسةعرضيّة، فما يلاقيه لا يتأثّر بشيء، فسؤره طاهر لا بأس به.

ص: 375


1- كتب المصنّف فوق «يده» علامة نسخة، وكتب «من غير» بدل كلمة «قبل» عن نسخة.
2- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1171.

[605] 6- الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي «أَمَالِيهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَخْلَدٍ، عَنِ الرَّزَّازِ، عَنْ حَامِدِ بْنِ سَهْلٍ، (عَنْ أَبِي غَسَّانَ)(1)، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: أَجْنَبْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ وَفَضَلَتْ(2) فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَغْتَسِلُ(3) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) ، إِنَّهَا فَضْلَةٌ مِنِّي، أَوْ قَالَتْ: اغْتَسَلْتُ، فَقَالَ: «لَيْسَ الْمَاءُ جَنَابَةً»(4).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(5)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(6).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم الكلام فيه، وهو مبتلى بالإرسال.

[6] - فقه الحديث:

الجفنة هي القصعة، أي: الصحفة، قال ابن منظور في «اللسان»: «الجَفْنة:معروفة، أَعظمُ ما يكونُ من القِصاع، والجمع جِفانٌ وجِفَنٌ؛ عن سيبويه،

ص: 376


1- ليس في المصدر. راجع تهذيب التهذيب 4 : 334.
2- في نسخة «ففضلت». (منه(قدس سره) ).
3- في المصدر: اغتسل منه.
4- أمالي الطوسي 2 : 6، وأورده أيضاً في الحديث 6 من الباب 32 من أبواب الجنابة.
5- تقدّم في الباب 8 من أبواب الماء المطلق، وكذلك الباب 9 من أبواب الماء المضاف.
6- يأتي في الحديث 6 من الباب 32 من أبواب الجنابة، والباب 28 من أبواب الوضوء.

كهَضْبةٍ وهِضَب، والعدد جفَنات، بالتحريك؛ لأَنّ ثانيَ فَعْلةٍ يُحَرَّك في الجمع إذا كان اسماً، إلّا أَن يكون ياءً أَو واواً فيُسَكَّنُ حينئذ. وفي الصحاح: الجَفْنة كالقَصْعة»((1)).

وقد دلًّ الحديث على عدم وجود الحزازة في بقيّة سؤر المغتسل من الجنابة، فللآخرين أن يغتسلوا منه، فيجوز للرجل والمرأة أن يشتركا في الغسل من ماء واحد في إناء واحد، لكن هذا الحديث يدلّ على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة، وهذا مخالف لما مرّ من أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كان هو الذي يبتدئ بالغسل ثم تغتسل زوجته، وقد استفاد منها الصدوق (رحمه الله) أنّه لا يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولا بأس بأن تغتسل هي بفضل غسله، قال(قدس سره) : «ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد، ولكن تغتسل بفضله ولا يغتسل بفضلها»((2)).

لكن ممّا يهوّن الخطب أنّ هذا الحديث عامّي.

سند الحديث:

فيه: ابن مخلد: وهو أبو الحسن، محمد بن محمد بن محمد بن مخلد، المتوفى بعد سنة 417 من الهجرة، من مشايخ الشيخ الطوسي، ولم يرد فيحقّه شيء. نعم، قال عنه الخطيب البغدادي: «كتبنا عنه، وكان صدوقاً»((3)

ص: 377


1- - لسان العرب 13 : 89 ، مادة «جفن».
2- - المقنع:40 ، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 17.
3- - تاريخ بغداد 3 : 450 / 1618، وسير أعلام النبلاء 17 : 370 / 233.

وثّقه ابن سعد في طبقاته. وقال التستري في «قاموس الرجال»: «روى ابن الشيخ - في أوّل الجزء الرابع عشر من «أماليه» - عن الشيخ، عنه في ذي الحجّة سنة 417 ه- في داره درب السلولي في القطيعة، روى عنه عشرين خبراً، وأخباره دالّة على أنّه عامّي; بل خبره الثاني: أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) فدّى سعداً بأبويه، من موضوعات العامّة»((1)).

وفيه: الرزاز: وهو لقب لجماعة، لكن الظاهر أنّ المراد به هنا محمد بن عمرو الرزاز؛ لما يأتي من التصريح باسمه في نفس سند هذا الحديث، والذي سيمر في الباب الثاني والثلاثين من أبواب الجنابة الحديث السادس، ولم يرد فيه شيء.

نعم، وثّقه في «سير أعلام النبلاء»((2)).

وفيه أيضاً: حامد بن سهل: قال عنه البغدادي: «أبو جعفر، يعرف بالثغري... وقال الدارقطني: كان ثقة... أخبرنا محمد بن عبد الواحد، حدّثنا محمد بن العباس، قال: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع، قال: حامد بن سهل الثغري مات في جمادى الآخرة سنة ثمانين ومائتين.

قال غيره: توفي يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة»((3)).

ص: 378


1- - قاموس الرجال 9 : 551.
2- - سير أعلام النبلاء 15 : 385 / 208.
3- - تاريخ بغداد 8 : 163 - 164.

وفيه أيضاً: أبو غسان: هذا على نسخة «الوسائل»، وهو غير موجود في «التهذيب»، وهو مشترك بين شخصين:

الأول: حميد بن راشد: قال عنه النجاشي: «أبو غسان الذهلي، له كتاب»((1))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2))، وذكر في «الفهرست» أنّ له كتاباً((3)).

الثاني: عبد الله بن خالد بن نجيح: قال النمازي في «المستدركات»: «روى ابنا بسطام في كتاب الطب ص50 عنه، عن حماد بن عيسى، وكمباج 14 / 510، وجد ج 62 / 95. وكذا في الطب ص 53 عنه، عن ابن مسعود»((4)).

ولم يرد فيهما توثيق.

ص: 379


1- - رجال النجاشي: 133 / 342.
2- - رجال الطوسي: 192 / 2393. أقول: وبقي حميد بن سعدة، الذي عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وهو مكنى بأبي غسان أيضاً، قال الشيخ في الرجال: «حميد بن سعدة، يكنى أبا غسان، روى عنه جعفر بن بشير». (رجال الطوسي: 195 / 2435). وأيضاً: محمد بن مطرف، وقد عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «محمد بن مطرف، أبو غسان المدني». (رجال الطوسي: 296 / 4322). ثم إنّ الظاهر كون المكنى بهذه الكنية من العامّة، فلا يراد به الأول الذي ذكره النجاشي؛ لالتزامه بذكر مصنفي الإماميّة، وإن ذكر غيرهم بيّن مذهبه. المقرّر.
3- - فهرست الطوسي: 278 / 885.
4- - مستدركات علم رجال الحديث 5 : 7 / 8258.

ولكن في «المعجم الكبير» للطبراني ورد سند هذا الحديث هكذا: «أبو غسان، مالك بن إسماعيل ومحمد بن سعيد الأصبهاني وعاصم بن علي، قالوا: ثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة»((1))، فهذه الكنية لمالك بن إسماعيل، وقد قال في حقّه عمر بن شاهين: «أبو غسان، مالك بن إسماعيل، صدوق، ثبت، متقن، إمام من الأئمة، ولولا كلمته لما كان يفوقه بالكوفة أحد، قاله عثمان بن أبي شيبة»((2))، وقال ابن سعد في «طبقاته»: «كان أبو غسان ثقة صدوقاً متشيّعاً شديد التشيّع»((3)).

بحث رجالي حول شريك بن عبدالله النخعي

وفيه أيضاً: شريك: وهو مشترك بين ثلاثة:

الأول: شريك العامري: روى عن أمير المؤمنين (علیه السلام) .الثاني: شريك بن الأعور النخعي: من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

الثالث: شريك بن عبد الله النخعي: كان قاضياً بالكوفة، ومات سنة 177ه- ، وله قصة معروفة بشأن شهادة محمد بن مسلم وأبي كريبة الأزدي عنده، وهي: «عن زرارة، قال: شهد أبو كريبة الأزدي ومحمد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة وهو قاض، فنظر في وجوههما مليّاً، ثم قال:

ص: 380


1- - المعجم الكبير 23 : 425.
2- - تاريخ أسماء الثقات: 219 / 1328.
3- - الطبقات الكبرى 6 : 405.
4- - رجال الطوسي: 68 / 621 ، معجم رجال الحديث 1 : 26 / 5723.

جعفريان فاطميان! فبكيا، فقال لهما: ما يبكيكما؟ قالا له: نسبتنا إلى أقوام لا يرضون بأمثالنا أن يكونوا من إخوانهم؛ لما يرون من سخف ورعنا، ونسبتنا إلى رجل لا يرضى بأمثالنا أن يكونوا من شيعته، فإن تفضّل وقبلنا فله المن علينا والفضل، فتبسّم شريك، ثم قال: إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكم، يا وليد، أجزهما هذه المرة، قال: فحججنا فخبرنا أبا عبد الله (علیه السلام) بالقصة، فقال: ما لشريك شركه الله يوم القيامة بشراكين من نار»((1)).

وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال»: «قال ابن معين: شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي، جده قاتل الحسين [عليه السلام] ... وقال إبراهيم بن أعين، قلت لشريك: أرأيت من قال: لا أفضل أحداً؟ قال: هذا أحمق قد فضل أبو بكر وعمر!!

وعن شريك قال: لا يفضل عليّاً على أبي بكر إلّا من كان مفتضحاً.

وروى أبو داود الرهاوي أنّه سمع شريكاً يقول: علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر ثم ذكر عدّة أقوال عنه تفيد أنّه كان يوالي أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وينقم على معاوية، ثم قال: - معاوية بن صالح، سألت أحمد عن شريك، فقال: كان عاقلاً، صدوقاً محدّثاً، وكان شديداً على أهل الريب والبدع»((2)).

وبسبب التهافت فيما روي عنه في مسألة تفضيله لأمير المؤمنين (علیه السلام) على من تقدّمه لم يُعلم مذهبه فيها.

ص: 381


1- - اختيار معرفة الرجال 1 : 384.
2- - ميزان الاعتدال 2 : 271 ، ومعجم رجال الحديث 10 : 28.

قال السيد الأستاذ: «ثم الظاهر من قول أحمد: كان شديداً على أهل الريب والبدع، هو ما صرح به في الروايات المتقدّمة من أنه كان يرد شهادة من ينتمي إلى جعفر بن محمد (علیهما السلام) ، فكان له معهم عداء، وإن كان هو يعتقد بجلالة جعفر بن محمد (علیهما السلام) ، لو صحّ ما ذكره الكشّي، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني»((1)).

وكيف كان: فالمراد به هنا هو هذا الثالث، ولم يوثّق.

وفيه أيضاً: سماك: وهو مشترك بين جماعة، وهم:

الأول: سماك بن عبد عوف: من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ((2)).

الثاني: سماك بن حرب الذهلي: أبو المغيرة، من أصحاب الإمامالسجاد (علیه السلام) ((3)).

الثالث: سماك بن خرشة: أبو دجانة الأنصاري الخزرجي، ورد فيه من المدح ما عن أبان بن عثمان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «لما كان يوم أحد انهزم أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، حتى لم يبق معه إلّا علي (علیه السلام) وأبو دجانة، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : أما ترى قومك؟ فقال: بلى، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم) : الحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت الله ورسوله، قال: أنت في حلّ، قال: والله لا تتحدّث قريش أنّي خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق، فجزاه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) خيراً»،

ص: 382


1- - معجم رجال الحديث10 : 28.
2- - رجال الطوسي: 67 / 611.
3- - المصدر نفسه: 115 / 1143.

الحديث((1)).

وما عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: «يخرج مع القائم (علیه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى (علیه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، ويكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً»((2)).

الرابع: سماك بن مخرمة الأسدي: من أتباع معاوية، وهو صاحب مسجد سماك الملعون، وكان عثمانيّاً.

ولعلّ العنوان ينطبق على الثاني بحسب الطبقة، لكنّه لم يوثّق.

وفيه أيضاً: عكرمة: وهو مشترك، لكنّه هنا مولى ابن عباس، نقل الكشّي عن زرارة، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته»، قيل لأبي عبد الله (علیه السلام) : بم ذا ينفعه؟ قال: «كان يلقنه ما أنتم عليه، فلم يدركه أبو جعفر (علیه السلام) ، ولم ينفعه».

قال الكشّي: وهذا نحو ما يروى لو اتخذت خليلاً لاتخذت فلاناً خليلاً، لم يوجب لعكرمة مدحاً، بل أوجب ضده((3)).

وقد روى روايات كثيرة في مدح أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقيل: إنه مات

ص: 383


1- - علل الشرائع 1 : 7.
2- - الإرشاد 2 : 376.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 477 - 478.

في زمان أبي جعفر (علیه السلام) ، وكان منقطعاً إليه، ونسب إليه أنّه كان من الخوارج، وضعفه العامّة كصاحب «ميزان الاعتدال» و«تذكرة الحفّاظ» و«وفيات الأعيان»، وقالوا: إنه كذّاب وضّاع زنديق((1)).

بحث رجالي حول ابن عباس

وفيه أيضاً: ابن عباس: وهو عبد الله بن العباس، الملقب بحبر الأمة، استفاضت الروايات على جلالته وانقطاعه لأمير المؤمنين والحسنين (علیهم السلام) ، فمنها: ما رواه الشيخ المفيد في «الإرشاد» عن أبي مخنف لوط بن يحيى، قال: حدّثني أشعث بن سوار، عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، قالوا: خطبالحسن بن علي (علیهما السلام) في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم قال: «لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فيقيه بنفسه . . . (إلى أن قال) وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله - إلى أن قال - : فالحسنة مودتنا أهل البيت»، ثم جلس، فقام عبد الله بن العباس رحمه الله بين يديه، فقال: معاشر الناس هذا ابن نبيّكم ووصي إمامكم، فبايعوه، فاستجاب له الناس، فقالوا: ما أحبّه إلينا وأوجب حقّه علينا، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة وذلك في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتّب العمال

ص: 384


1- - ميزان الاعتدال 3 : 93 - 97 / 5716، وتذكرة الحفاظ1 : 95 - 96 / 87، ووفيات الأعيان 3: 265 - 266 / 421.

وأّمر الأمراء، وأنفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة، ونظر في الأمور((1)).

قال السيد الأستاذ: «والأخبار المرويّة في كتب السير والروايات الدالّة على مدح ابن عباس وملازمته لعلي ومن بعده الحسن والحسين (علیهم السلام) كثيرة، وقد ذكر المحدّث المجلسي(قدس سره) مقداراً كثيراً منها في أبواب مختلفة من كتابه البحار، من أراد الاطلاع عليها فليراجع سفينة البحار في مادة عبس. ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف، إلّا أنّ استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها، فمنالمطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالاً»((2)).

إلّا أنّه توجد روايات ذامّة له، لكنّها بين موضوع وضعيف، فلا يثبت بها الذم، منها ما رواه الكشّي عن طاووس، قال: كنّا على مائدة ابن عباس ومحمد بن الحنفيّة حاضر فوقعت جرادة، فأخذها محمد، ثم قال: هل تعرفون ما هذه النقط السود في جناحها؟ قالوا: الله أعلم، فقال: أخبرني أبي علي بن أبي طالب (علیه السلام) أنّه كان مع النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم قال: «هل تعرف يا علي هذه النقط السود في جناح هذه الجرادة؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم) : مكتوب في جناحها أنا الله رب العالمين خلقت الجراد جنداً من جنودي أصيب به من أشاء من عبادي».

فقال ابن عباس: فما بال هؤلاء القوم يفتخرون علينا يقولون: إنَّهم أعلم

ص: 385


1- - الإرشاد 2 : 7.
2- - معجم رجال الحديث 11 : 250.

منا؟ فقال محمد: ما ولدهم إلّا من ولدني، قال: فسمع ذلك الحسن بن علي (صلوات الله عليهما) فبعث إليهما وهما بالمسجد الحرام، فقال لهما: «أمّا إنّه قد بلغني ما قلتما إذ وجدتما جرادة، فأمّا أنت يا ابن عباس ففي من نزلت هذه الآية {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}، في أبي أو في أبيك؟» وتلا عليه آيات من كتاب الله كثيراً، ثم قال: «أما والله لولا ما تعلم (نعلم) لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو، وستعلمه، ثم إنّك بقولك هذا مستنقص في بدنك، ويكون الجرموز من ولدك، ولو أذن لي فيالقول لقلت ما لو سمع عامّة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه»((1)).

بحث رجالي حول ميمونة زوجة النبي صلی الله علیه و آله و سلم

وهي ضعيفة بعدّةٍ من رواتها.

ولنعم ما قاله السيد الأستاذ في حقه - بعد أن ناقش الروايات الذامّة من ناحية السند ومن ناحية الدلالة - : «المتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ عبد الله بن عباس كان جليل القدر، مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين (علیهم السلام) ، كما ذكره العلامة وابن داود»((2)).

وفيه أيضاً: ميمونة: وهي ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، زوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، أخت أم الفضل زوجة العباس، فهي خالة ابن عباس، ذكرها الشيخ فيمن روى عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ((3))، ونقل العلامة المجلسي: أنّه «خطبها

ص: 386


1- - اختيار معرفة الرجال 1 : 275.
2- - معجم رجال الحديث 11 : 256.
3- - رجال الطوسي: 52 / 436.

للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) جعفر بن أبي طالب، وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف، وهو على عشرة أميال من مكة في سنة سبع، وماتت في سنة ست وثلاثين»((1))، وهي آخر امرأة تزوج بها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وهي أفضل نسائه بعد أم سلمة التي تتلو خديجة في الفضل رضي الله عنهن((2)).

وممّا ورد في معرفتها وحبّها لأمير المؤمنين (علیه السلام) ما رواه يزيد بن الأصم،قال: قدم شقير بن شجرة العامري المدينة، فاستأذن على خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وكنت عندها، فقالت: ائذن للرجل، فدخل، فقالت: من أين أقبل الرجل؟ قال: من الكوفة، قالت: فمن أي القبائل أنت؟ قال: من بني عامر، قالت: حييت ازدد قرباً، فما أقدمك؟ قال: يا أم المؤمنين، رهبت أن تكبسني الفتنة لما رأيت من اختلاف الناس فخرجت، قالت: فهل كنت بايعت عليّاً (علیه السلام) ؟ قال: نعم، قالت: فارجع فلا تزولن عن صفّه، فوالله ما ضَلّ، ولا ضُلّ به .

قال: يا أمّاه فهل أنت محدثتي في علي بحديث سمعته من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ؟ قالت: اللهم نعم، سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: «علي آية الحق، وراية الهدى. علي سيف الله يسلّه على الكفّار والمنافقين، فمن أحبّه فبحبي أحبّه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه، ومن أبغضني أو أبغض عليّاً لقي الله عز وجل ولا حجّة له»((3)).

ص: 387


1- - بحار الأنوار 22 : 192.
2- - المصدر نفسه: 193.
3- - الأمالي للشيخ الطوسي: 505.

وقد نقل العلامة المامقاني وتبعه الشيخ التستري رواية تدلّ على أنَّها مؤمنة امتحن الله قلبها للإيمان، وهي: عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «قال النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : لا ينجو من النار وشدّة نفيضها وزفيرها وحميمها من عادى عليّاً وترك ولايته، وأحبّ من عاداه، فقالت ميمونة: ما أعرف في أصحابك من يحبّ عليّاً (علیه السلام) إلاّ قليلاً، فقال النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : القليل منالمؤمنين كثير، ومن تعرفين منهم؟ قالت: أبا ذر والمقداد وسلمان، وقد تعلم أنّي أُحبّ عليّاً (علیه السلام) بحبّك إيّاه، فقال: صدقت إنّك امتحن الله قلبك للإيمان»((1)

فالمرأة في غاية الجلالة والرفعة.

وهذا السند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، الثلاثة الأول معتبرة، والرابع صحيح أعلائي، وأمّا الاثنان الباقيان فهما غير معتبرين.

وقد دلّت الأحاديث على طهارة سؤر الجنب، وجواز التوضي والغسل منه إذا كان مأموناً أو غير متّهم. فالجنابة بنفسها لا توجب نجاسة بدن الجنب بحيث إنّه إذا لامس ماء أو شيئاً برطوبة سرت النجاسة إليه، بل ذلك مخصوص بما إذا كان على يده أو بدنه نجاسة عينيّة.

ص: 388


1- - تنقيح المقال 3 : 83 ، وقاموس الرجال 12 : 346.

8 - باب طهارة سؤر الحائض وكراهة الوضوء من سؤرها إذا لم تكن مأمونة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب طهارة سؤر الحائض وكراهة الوضوء من سؤرها إذا لم تكن مأمونة

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان حكمين:

الأول: طهارة سؤر الحائض، ويتفرّع عليه جواز الشرب منه.

والثاني: كراهة الوضوء من سؤرها إذا لم تكن مأمونة، وغير المأمونة هي التي لا تؤمن من التحفّظ من النجاسة.

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المختلف»: «أطلق الشيخ في المبسوط((1)) والمرتضى في المصباح كراهة سؤر الحائض. وقيّد في النهاية الكراهة بالحائض المتهمة»((2))، أي: قيد كراهة السؤر بالمتهمة. وجاء التقييد بالمتهمة أيضاً في: «الوسيلة والسرائر والمعتبر والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والإرشاد

ص: 389


1- - المبسوط 1 : 10.
2- - مختلف الشيعة 1 : 232.

واللمعة وغيرها، وفي المقنعة والمراسم والجامع والمهذب والشرائع والذكرى عبّر بغير المأمونة ... وكل من عبّر بالمتهمة استند إلى ما دلّ على كراهة سؤر غير المأمونة. وعدّى الحكم في البيان إلى كل ما لا يؤمن، واستحسنه في الروضة، واستظهره الفاضل في شرحه، وهو الظاهر من الشيخين والعجلي والمحقّق في الأطعمة. والأستاذ أنّه في غاية القوة، ونفى عنه الجودة في

المدارك»((1)).

أقوال العامّة:

تقدم عن «المغني» أنّ الآدمي وسؤره طاهر مطلقاً عند عامّة أهل العلم، وحكى عن النخعي: «أنّه كره سؤر الحائض، وعن جابر بن زيد لا يتوضأ منه»((2)).

وقال ابن رشد في «البداية»: «اختلف العلماء في أسئار الطهر على خمسة أقوال: فذهب قوم إلى أنّ أسئار الطهر طاهرة بإطلاق، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وذهب آخرون إلى أنّه يجوز للرجل أن يتطهّر بسؤر المرأة، ويجوز للمرأة أن تتطهّر بسؤر الرجل، وذهب آخرون إلى أنّه يجوز للرجل أن يتطهّر بسؤر المرأة ما لم تكن المرأة جنباً، أو حائضاً، وذهب آخرون إلى أنّه لا يجوز لواحد منهما أن يتطهّر بفضل صاحبه إلّا أن يشرعا معاً، وقال قوم: لا يجوز وإن شرعا معاً، وهو مذهبأحمد بن حنبل»((3)).

ص: 390


1- - مفتاح الكرامة 1 : 343 - 345.
2- - المغني 1 : 43.
3- - بداية المجتهد 1 : 29.

[606] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «اشْرَبْ مِنْ سُؤْرِ الْحَائِضِ، وَلَا تَتَوَضَّ مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الشرب من سؤر الحائض، وهذا الجواز مستفاد من وقوع الأمر بعد توهّم الحظر، كما دلّ على النهي عن الوضوء من سؤرها، وهو يفيد الكراهة؛ لأنّه إن كان سؤرها طاهراً جاز الوضوء منه، وإن لم يكن طاهراً لم يجز شربه، وما دام الشرب جائزاً فمعناه: أنّه لا يجب اجتنابه في الوضوء، فلم يبق إلّا الكراهة. ولعلّ كراهة استعماله في الوضوء لما سبق منّا غير مرّة من مطلوبيّة أن يكون ماء الوضوء أنظف ماء يُقدر عليه. وإطلاق الفقهاء القول بالكراهة في الشرب والوضوء ينافيه هذا الحديث صراحة، لكنّه أفاد الكراهة مطلقاً، ولم يقيّد الحائض بما إذا لم تكن مأمونة.

سند الحديث:

محمد بن يحيى: هو العطار، ومحمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب كما مرّمراراً، ومحمد بن إسماعيل: سبق أنّه مشترك، وقد عينّاه في البندقي النيسابوري.

ص: 391


1- الكافي 3 : 10، ح1.

وأمّا عنبسة: فهو مشترك بين شخصين:

الأول: عنبسة بن مصعب: وقد سبق أنّه من أصحاب الإمام الباقر((1))، والصادق((2)

والكاظم (علیهم السلام) ((3))، وعن الكشي عن حمدويه: عنبسة بن مصعب ناووسي، واقفي على أبي عبد الله (علیه السلام) ، وإنما سميت الناووسية برئيس كان لهم يقال له: فلان بن فلان الناووس((4))، لم يرد فيه شيء، ولكن روى عنه المشايخ الثقات((5)).

والثاني: عنبسة بن بجاد العابد: عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ((6))، ومن أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((7))، قال عنه النجاشي: «مولى بني أسد، كان قاضياً، ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب»((8))،كما ذكر الشيخ في «الفهرست» أنّ له كتاباً ((9))، ونقل الكشي عن حمدويه، قال:

ص: 392


1- - رجال الطوسي: 141 / 1519.
2- - رجال الطوسي: 261 / 3722.
3- - رجال الطوسي: 340 / 5096.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 659.
5- - أُصول علم الرجال 2 : 204.
6- - رجال الطوسي: 141 / 1518.
7- - رجال الطوسي: 261 / 3725.
8- - رجال النجاشي: 302 / 822.
9- - فهرست الطوسي: 192 / 544.

[607] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْحَائِضِ يُشْرَبُ مِنْ سُؤْرِهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَا تَتَوَضَّ مِنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سمعت أشياخي يقولون: عنبسة بن بجاد كان خيّراً فاضلاً((3)).

والمراد به هنا هو الأول؛ بقرينة التصريح باسم أبيه في سند الحديث السادس من الباب، فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث السابق، لكن الفرق هو وقوع الجواب بجواز الشرب بعد السؤال عنه، بينما في الحديث السابق وقع الكلام ابتداء من الإمام (علیه السلام) . وهو مطلق كسابقه فلم يقيّد الكراهة.سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 393


1- الكافي 3 : 10، ح3.
2- تهذيب الأحكام 1 : 222، ح635، والاستبصار 1 : 17، ح33.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 670.

بحث رجالي حول الحسين بن أبي العلاء

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: الحسين بن أبي العلاء: قال عنه النجاشي: «الحسين بن أبي العلاء الخفاف، أبو علي الأعور، مولى بني أسد، ذكر ذلك ابن عقدة، وعثمان بن حاتم بن منتاب، وقال أحمد بن الحسين رحمه الله: هو مولى بني عامر، وأخواه علي وعبد الحميد، روى الجميع عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وكان الحسين أوجههم. له كتب»((1))، وهذا مدح يفيد الحُسن، ويمكن أن يقال: إنّه لما ذُكر في «كتاب الرجال» لابن عقدة الذي جمع فيه الثقات من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) فيكون ثقة. وعدّه الشيخ من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((2))، وقال في «الفهرست»: «الحسين بن أبي العلا. له كتاب يعدّ في الأصول»((3))، وهذا مدح أيضاً، لكن المهم أنّ المشايخ الثقات رووا عنه((4))، وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((5))، كما ورد في «تفسير القمي» لكن في القسمالثاني منه((6))، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وسنده إلى علي بن الحسن بن فضال مرّ ذكره، وقلنا: إنّه ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير؛

ص: 394


1- - رجال النجاشي: 53 ، ح117.
2- - رجال الطوسي: 131 / 1339، وص182 / 2202.
3- - فهرست الطوسي: 107 / 204.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 186.
5- - المصدر نفسه 1 : 218.
6- - المصدر نفسه 1 : 298.

[608] 3- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَيَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ فَضْلِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ تَعْرِفُ الْوُضُوءَ، وَلَا تَتَوَضَّ(1) مِنْ سُؤْرِ الْحَائِضِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

حيث إنّه لا توثيق له، وذكرنا إمكان تصحيحه.

وأمّا الحسين: فهو الحسين بن أبي العلاء، فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

دلّ على عدم الكراهة في التوضي من سؤر المرأة العارفة بكيفيّة الوضوء، فإنها حينئذٍ تكون مظنة عدم الابتلاء بالنجاسة؛ لمعرفتها بالأحكام الخاصة بالوضوء، وأمّا الحائض فسؤرها منهي عنه، وهذا النهي نهي كراهة كما مرّ في نظيره، وهو مطلق لا يختصّ بغير المأمونة.

سند الحديث:

الحسين بن محمد: هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري القمي، شيخ الكليني، وقد مرّ أنّه ثقة، ومعلى بن محمد: هو الزيادي، والوشاء: هو الحسن بن علي، فالسند معتبر.

ص: 395


1- في المصدر: يتوضأ.
2- الكافي 3 : 11، ح4.

[609] 4- عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْحَائِضِ؟ قَالَ: «تَشْرَبُ(1) مِنْ سُؤْرِهَا، وَلَا تَتَوَضَّأُ(2) مِنْهُ»(3).

[610] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِ الْحَائِضِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً فَلَا بَأْسَ»(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ أيضاً على جواز الشرب من سؤر الحائض، وكراهة الوضوء منه، وقد سبق ما يصلح أن يكون تعليلاً لذلك.

سند الحديث:

السند معتبر، كما مرّ.

[5] - فقه الحديث:

دلّ على نفي البأس عن الوضوء بسؤر الحائض إذا كانت مأمونة، فإنّ

ص: 396


1- في المصدر: يشرب.
2- في المصدر: يتوضأ.
3- مسائل علي بن جعفر: 142، ح166.
4- 4*) تهذيب الأحكام 1 : 221، ح632، والاستبصار 1 : 16، ح30.

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ أَيْضاً(1)1*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

ظاهر حال المسلمة أنَّها لا تباشر الماء المعدّ للطهارة والشرب إلّا وهي طاهرة اليدين، ومفهومه: أنّها إذا لم تكن مأمونة ففي سؤرها البأس، وقال الماتن(قدس سره) : «وتقدّم ما يدلّ على هذا القيد، ويأتي ما يدلّ عليه، وما تقدّم إنَّما هو على رواية الشيخ، لا على رواية الكليني، وهو الحديث الأول من الباب السابق.

وأمّا ما يأتي فهو إشارة إلى الحديث التاسع من هذا الباب، والحديث الأول من الباب الثامن عشر، وهو صحيح ميسر، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه، فإذا هو يابس؟ قال: «أعد صلاتك، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء»، والحديث الثاني من الباب الثامن والعشرين من أبوابالنجاسات، وهو معتبر العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتمّ بخمارها؟ قال: «نعم، إذا كانت مأمونة».

ص: 397


1- 1*) تقدّم ما يدلّ على القيد في الحديث 1 من الباب 7 من هذه الأبواب.
2- 2*) يأتي ما يدلّ على القيد في الحديث 9 من هذا الباب، والحديث 1 من الباب 18، والحديث2 من الباب 28 من أبواب النجاسات.

[611] 6- وَعَنْهُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «سُؤْرُ الْحَائِضِ تَشْرَبُ مِنْهُ وَلَا تَوَضَّأُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ كَمَا مَرَّ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

لكن الأخيرين لا يدلّان على القيد؛ فإنّه لا ربط لهما بالتوضي بسؤر الحائض، فأولهما يدلّ على إعادة الصلاة إذا كان الغاسل للثوب الجارية غير المأمونة، وثانيهما يدلّ على كراهة الصلاة في خمار الحائض إذا لم تكن مأمونة، وليس فيهما تعرّض للوضوء.

سند الحديث:

فيه: محمد بن أبي حمزة: وهو محمد بن أبي حمزة الثمالي، والسند معتبر.

[6] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث: الأول والثاني والرابع.سند الحديث:

ذكر الماتن له سندين:

ص: 398


1- تهذيب الأحكام 1 : 222، ح634، والاستبصار 1 : 17، ح32.
2- مرّ في الحديث 1 من هذا الباب.

[612] 7- وَعَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ الْأَحْمَرِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِ وُضُوءِ(1)3*) الْحَائِضِ؟ قَالَ: «لَا»(2)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو معتبر.

الثاني: سند الكليني، وتقدّم في الحديث الأول من الباب أنّه معتبر.

[7] - فقه الحديث:

دلّ على كراهة التوضّؤ من سؤر الحائض مطلقاً، سواء كانت مأمونة، بمعنى: أنّها تتحفّظ عن النجاسة، أو غير مأمونة، وقلنا: إنّ غير المأمونة يشمل مجهولة الحال والمتهمة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال السند، وهو معتبر.

ص: 399


1- 1*) وضوء: ليس في المصدر.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 222، ح636، والاستبصار 1 : 17، ح34.

[613] 8- وَعَنْهُ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الْخَشَّابِ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «الْمَرْأَةُ الطَّامِثُ أَشْرَبُ مِنْ فَضْلِ شَرَابِهَا، وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَوَضَّأَ(1) مِنْهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

الطامث: هي الحائض، ودلالته كدلالة الحديث: الأول والثاني والرابع والسادس، مع خصوصية: أنّ الذي يشرب من السؤر هو الإمام (علیه السلام) ، وهو الذي كرّه التوضي منه أيضاً.

سند الحديث:

فيه: حجاج الخشاب: قال عنه النجاشي: «حجاج بن رفاعة، أبو رفاعة - وقيل: أبو علي - الخشاب كوفي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، ثقة، ذكره أبو العباس. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((3))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4))، ونصّ في «الفهرست» على أنّ له كتاباً ((5))، وورد

ص: 400


1- في تهذيب الأحكام: تتوضأ.
2- تهذيب الأحكام 1 : 222، ح637، والاستبصار 1 : 17، ح35.
3- - رجال النجاشي: 144 / 373.
4- - رجال الطوسي: 192 / 2382.
5- - فهرست الطوسي: 121 / 260.

[614] 9- مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ سُؤْرَ الْحَائِضِ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِنْهُ إِذَا كَانَتْ تَغْسِلُ يَدَيْهَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((2)).

وفيه: أبو هلال: وهو أبو هلال الرازي، عّده البرقي في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3)

وروى عنه المشايخ الثقات((4))، فالسند معتبر.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن سؤر الحائض، فيجوز التوضي منه إذا كانت تغسل يديها، وهو عبارة أخرى عن كونها مأمونة وتراعي الطهارة في أمورها، وقد قلنا سابقاً: إنّ ظاهر حال المسلمة أنَّها لا تباشر الماء المعدّللطهارة والشرب إلّا وهي طاهرة اليدين، هذا بعد إحراز كونها مأمونة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في اعتبار سند ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن

ص: 401


1- السرائر 3 : 609.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 216.
3- - كتاب الرجال: 44.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 223.

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ مِنَ الْعُنْوَانِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

محبوب، كما ذكرنا أنّ نسخته بخط شيخ الطائفة كانت عنده. وأمّا العباس: فهو العباس بن معروف.

وأمّا رفاعة: فهو رفاعة بن موسى الأسدي، قال عنه النجاشي: «رفاعة بن موسى الأسدي النخّاس، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، كان ثقة في حديثه، مسكوناً إلى روايته، لا يعترض عليه بشيء من الغمز، حسن الطريقة. له كتاب مبوّب في الفرائض»((2)).

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، قائلاً: «رفاعة بن موسىالأسدي النخّاس، كوفي»((3))، وقال في «الفهرست»: «رفاعة بن موسى النخاس، ثقة. له كتاب»((4)). وروى عنه المشايخ الثقات، وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»((5))، فالسند صحيح.

ص: 402


1- 1*) تقدّم ما يدل على ذلك في الحديث 1 من الباب 7 من هذه الأبواب، ويأتي ما يدلّ عليه في الحديث 2 من الباب 28 من أبواب النجاسات، والحديث 1 من الباب 46 من أبواب الجنابة.
2- - رجال النجاشي: 166 / 438.
3- - رجال الطوسي: 205 / 2632.
4- - فهرست الطوسي: 129 / 296.
5- - أُصول علم الرجال 2 : 192، و ج 1 : 221، 280.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ هذا الباب احتوى على تسعة أحاديث معتبرة، سبعة منها مطلقة، تدلّ على طهارة سؤر الحائض وجواز الشرب منه، والنهي عن الوضوء منه مطلقاً، واثنان مقيّدان بما إذا كانت مأمونة أو كانت تغسل يديها.

ص: 403

ص: 404

9 - باب طهارة سؤر الفأرة والحية والعظاية والوزغ والعقرب وأشباهه، واستحباب اجتنابه، وطهارة سؤر الخنفساء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

9 - باب طهارة سؤر الفأرة والحية والعظاية والوزغ والعقرب وأشباهه، واستحباب اجتنابه، وطهارة سؤر الخنفساء

شرح الباب:

أقوال الخاصّة:

قال في «الجواهر»: «يكره سؤر (الفأرة) كما في التحرير والقواعد والذكرى، وعن الوسيلة والمهذب والجامع، وهو الأقوى، خلافاً لما يظهر من المقنعة والتهذيب في باب تطهير الثياب، كما عن النهاية والمبسوط فيه أيضاً من وجوب غسل ما تلاقيه برطوبة، ومثله المنقول عن الفقيه... (و) لا خلاف فيما أجد في عدم المنع من سؤر (الحيّة) بالخصوص مع عدم الموت، لكن قد تدخل في كلام من منع من سؤر ما لا يؤكل لحمه،... نعم، يكره سؤر الحيّة كما في التحرير والقواعد والإرشاد وظاهر الذكرى، وعن الدروس والبيان والروض، وهو المنقول عن الشيخ وأتباعه، لكن عبارته المحكيّة عنه تدلّ على أفضليّة الاجتناب، ويظهر من المعتبر والمنتهى كصريح المدارك عدم الكراهة وعدم أفضليّة الاجتناب ... (و) كذا يكره سؤر (ما مات فيه الوزغ والعقرب)، ولا يمنع على المشهور بين الأصحاب

ص: 405

نقلاً وتحصيلاً، خلافاً لما يظهر من المقنعة في باب تطهير الثياب؛ حيث أوجب غسل ما يلاقيه الوزغ برطوبة، كما عن النهاية أيضاً فيه وفي المقام ...»((1)).

وعن «السرائر»: «لا بأس بأسآر الفأر والحيّات وجميع حشرات الأرض»((2)).

أقوال العامّة:

قال ابن قدامة في «المغني»: «السنّور وما دونها في الخلقة كالفأرة وابن عرس فهذا ونحوه من حشرات الأرض، سؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به، ولا يكره، وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي إلّا أبا حنيفة فإنّه كره الوضوء بسؤر الهرّ، فإن فعل أجزأه، وقد روي عن ابن عمر أنّه كرهه، وكذلك يحيى الأنصاري وابن أبي ليلى، وقال أبو هريرة: يغسل مرّة أو مرّتين، وبه قال ابن المنذر، وقال الحسن وابن سيرين: يغسل مرّة، وقال طاوس: يغسل سبعاً كالكلب»((3)).

ص: 406


1- - جواهر الكلام 1 : 383.
2- - السرائر 1 : 85.
3- - المغني 1 : 44.

[615] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَظَايَةِ(1) وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ فَلَا يَمُوتُ، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»، وَسَأَلْتُهُ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي حُبِّ دُهْنٍ وَأُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، أَيَبِيعُهُ مِنْ مُسْلِمٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَيَدَّهِنُ مِنْهُ»(2).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

تضمّن الحديث بيان حكمين:

الأول: في أنّ وقوع العظاية والحية والوزغ في الماء بدون موت لا يوجب انفعال الماء؛ وذلك لطهارتها جميعاً، فيجوز أن يستعمل ذلك الماء في الوضوء للصلاة.

الثاني: في أنّ وقوع الفأرة في حب الدهن ونحوه ثم إخراجها منه حيّة

ص: 407


1- العظاية: وهي دويبة معروفة، وقيل: هو السام الأبرص. (النهاية 3 : 260) .
2- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1326، والاستبصار 1 : 23، ح58، وج1 : 24، ح61، وأورده في الحديث 1 من الباب 33 من أبواب النجاسات.
3- قرب الإسناد: 261.

لا ينجّسه، ويكون سؤرها طاهراً، فيجوز الادّهان به وبيعه من مسلم، فهو حلال وطاهر، ولا يجوز بيع المتنجّس للمسلم، مع أنّ الفأرة لا تنفك عن النجاسة في موضع بولها وبعرها((1)).

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» إلى العمركي، ولم يتعرّض الشيخ في «المشيخة» لسنده إلى العمركي، ولكنّه ذكر إسناده إلى علي بن جعفر، وقد وقع فيه العمركي، قال(قدس سره) : «وما ذكرته عن علي بن جعفر فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى، عن العمركي النيسابوري البوفكي، عن علي بنجعفر»((2)). وهذا الحديث من جملة ما أخرجه الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، فالسند صحيح.

ص: 408


1- - أقول: لكن يمكن أن يقال: إنّه لا يدلّ على طهارة الدهن بعد إخراجها حيّة؛ لأنّ الاستفادة منه لا تنحصر في الأكل وما يشترط فيه الحليّة حتى يكون ذلك دليلاً على الحليّة والطهارة، بل الاستفادة منه قد تكون للادّهان به وللاستصباح به، وبيعه للمسلم لأجل هذا الغرض، ولذلك لم يذكر في الحديث غيره من الانتفاعات، ولا ريب أنّه لا يشترط الطهارة ولا الحليّة فيما يدهن به؛ إذ يستطيع تطهير بدنه بعد ذلك، ولا ريب أيضاً في عدم اشتراط طهارة ما يستصبح به. هذا إذا قصرنا النظر على هذا الحديث. فتأمل. المقرّر.
2- - تهذيب الأحكام 10 : 86 ، المشيخة.

[616] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: «لَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْفَأْرَةِ إِذَا شَرِبَتْ مِنَ الْإِنَاءِ أَنْ يُشْرَبَ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأَ مِنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، مضافاً إلى أنّ النجاشي ذكر في «رجاله»: أنّ للعمركي كتابين، وهما الملاحم والنوادر، وذكر طريقه إلى نوادره، وهو: أخبرنا محمد بن علي بن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عنه به((3))، والظاهر أنّ أحاديث الأحكام من نوادره.

الثاني: سند الحميري في «قرب الإسناد»، وفيه: عبد الله بن الحسن: الذي لم يوثّق، لكنّا قلنا بإمكان تصحيحه بطرق متعدّدة، فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الشرب والوضوء من سؤر الفأرة إذا شربت من الماء القليل بقرينة قوله (علیه السلام) : «من الإناء»؛ وذلك لأنّ الفأرة حيوان طاهر، فيكون سؤرها تابعاً لها، ما لم يوجد عليها نجاسة، وإلّا انفعل الماء بملاقاتها. وهذا لا يعني عدم استحباب اجتناب سؤرها.

ص: 409


1- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1323، والاستبصار 1 : 26، ح65.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 14، ح28.
3- - رجال النجاشي: 304 / 828.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو موثّق.

الثاني: سند الصدوق إلى إسحاق بن عمار، قال في «مشيخة الفقيه»: «وما كان فيه عن إسحاق بن عمار فقد رويته عن أبي رضي الله عنه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار»((1)).

كما يمكن عدّ طريق الصدوق طريقاً للشيخ أيضاً؛ فإنه يروي جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق، وهذا الحديث بهذا الطريق من جملتها، فالسند موثّق.

ص: 410


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 423 ، المشيخة.

[617] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ حَفْصٍ(1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ حَيَّةٍ دَخَلَتْ حُبّاً(2) فِيهِ مَاءٌ وَخَرَجَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: «إِذَا وَجَدَ مَاءً غَيْرَهُ فَلْيُهَرِقْهُ»(3).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

الحبّ: من الظروف التي يحتفظ فيها بالماء، وله أحجام مختلفة، والغالب أنَّها لا تبلغ الكر، فيكون الماء فيها قليلاً، وقوله (علیه السلام) : «إذا وجد ماء غيره فليهرقه» ظاهر في التنزّه عن الماء الذي لامسته الحيّة واستحباب الإراقة، لا في النجاسة، وإلّا لما كان للقيد معنى، ولكان اللازم إراقته؛ لعدم جواز الانتفاع به في الشرب ولا في الوضوء، فإنّ معناه - وهو مفهوم الشرطيّة - : أنّه إذا لم يجد ماء غيره فلا يهرقه، ولازمه جواز استعماله، وجواز الاستعمال مساوق للطهارة، وخصوصاً أنّ الحيّة من الحيوانات الطاهرة.

نعم، يمكن أن يكون التنزّه والأمر بالإهراق لاحتمال وجود السم في

ص: 411


1- كذا في المخطوط، وفي الاستبصار والكافي: وهيب بن حفص.
2- في تهذيب الأحكام: جباً.
3- تهذيب الأحكام 1 : 413، ح1302، والاستبصار 1 : 25، ح63.
4- الكافي 3 : 73، ح15.

الماء، فلا يستعمل في الشرب ولا في الوضوء؛ لاحتمال دخول السم في منافذ البدن عند التوضّي.

بحث رجالي حول حفص بن غياث

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه: محمد بن الحسين: وهو ابن أبي الخطّاب، ووهيب عن حفص كما في مخطوط «الوسائل»، والصحيح هو: وهيب بن حفص؛ بقرينة التصريح بذلك في كثير من الروايات التي روى فيها عن أبي بصير، كما في الحديث الخامس من الباب الخامس من أبواب الدفن وما يناسبه، فقد ذكره الماتن بسندين، وفيهما: محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، وكذا الحديث الثاني من الباب الثامن عشر من أبواب التيمم، والحديث الخامس من الباب الرابع عشر من أبواب النجاسات والأواني والجلود، بينما لم يرد وهيب عن حفص إلّا في هذا المورد، ووهيب هذا ثقة؛ لأنّ النجاشي قال عنه: «وهيب بن حفص أبو علي الجريري، مولى بني أسد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ووقف، وكان ثقة، وصنّف كتباً: كتاب تفسير القران وكتاب فيالشرائع مبوّب»((1))، وورد في «تفسير القمي»((2))، فالسند موثّق.

ص: 412


1- - رجال النجاشي: 431 / 1159.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 313 . أقول: لكنّه وارد في القسم الثاني من التفسير. والذي يعتمده الشيخ الأستاذ - حفظه الله - هو ورود الراوي في القسم الأول منه. المقرّر.

[618] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ جَمِيعاً، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الْمَاءِ فَيَخْرُجُ حَيّاً هَلْ يُشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ(1)؟ قَالَ: «يُسْكَبُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ غَيْرَ الْوَزَغِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الثاني: سند الكليني، وهو موثّق كسابقه.

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على طهارة الفأرة والعقرب وما أشبهها كالحيّة، وهو لازمالحكم بطهارة سؤرها إذا خرجت حيّة، بعد أن يسكب من الماء ثلاث مرات، ولو بأن تكون ثلاثة أكف؛ طلباً للنزاهة والنظافة وزوال نفرة النفس من الماء الذي وقعت فيه. ولا فرق في ذلك بين قليل الماء وكثيره. ولو كان الماء قد تنجّس بذلك لم يكفِ الصب من الماء ثلاثاً إذا كان قليلاً، فتكون علّة السكب في وقوع مثل العقرب وأمثاله - ممّا فيه سم - وجود ضرر

ص: 413


1- في نسخة: به. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح690، والاستبصار 1 : 24، ح59، وأورده في الحديث5 من الباب19 من أبواب الماء المطلق.

حاصل في الماء، وهذا الضرر غير نافذ إلى الماء كلّه، بل هو مخصوص بأعاليه، فلذا يتخلّص منه بالسكب ولو مثل ثلاثة أكف منه، والعلّة في مثل الفأرة إزالة النفرة والاستقذار من النفس. وممّا يؤيّد هذا الحمل - وهو الاستقذار لا النجاسة - جواب الإمام (علیه السلام) بعموم الجواز للقليل والكثير، مع أن الكثير لا يتنجّس بوقوع المذكورات فيه، بينما الاستقذار العرفي موجود، وهو كافٍ في الحكم بما ذكر من السكب.

واستثنى منه الوزغ؛ وعلّله بأنّه لا ينتفع بما يقع فيه، وقد يحمل التعليل على أنّه لا ينتفع بما يقع فيه لأجل تنجّسه بالوزغ، ولذا قال المحقّق الهمداني: «وهذه الرواية ممّا يستظهر منها نجاسة الوزغة»((1))، لكنّه في محل المنع؛ إذ الثابت طهارة ما لا نفس له سائلة، ودلّ عليه في هذا الباب الحديث صراحة، ويأتي ما يدلّ عليه في الباب اللاحق، فيكون المراد بعدم الانتفاع بما وقع فيه شدّة الكراهة؛ لما فيه من السميّة، لا من جهة النجاسة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال هذا السند، وقلنا: إنّه معتبر.

ص: 414


1- - مصباح الفقيه 7 : 168.

[619] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْخُنْفَسَاءِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ، أَيُتَوَضَّأُ بِهِ(1)؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِهِ»، قُلْتُ: فَالْعَقْرَبُ؟ قَالَ: «أَرِقْهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

قال الخليل في «كتاب العين»: «الخنفساء: دويبة سوداء تكون في أصول الحيطان»((3))، وهي ممّا لا دم له ويكون لها بعر.

وقد جاء السؤال عن حكم الوضوء من الماء الذي تقع فيه الخنفساء والعقرب، وقد تبيّن الحكم من الحديث السابق، فالخنفساء من العموم، والعقرب من التصريح به، ولكن بين الحديثين فرق، حيث ورد الأمر بالسكب من الماء ثلاثاً في الحديث السابق، وإراقة الماء لوقوع العقرب في هذا الحديث، والظاهر منه إراقة الماء كلّه. والاختلاف بين الحديثين في السكب في الأول وعدمه في الثاني دليل على أنّ السكب هناك كان للتنزّه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال هذا السند، وقلنا: إنّه موثق.

ص: 415


1- كتب المصنّف على «به» علامة نسخة، وفي الاستبصار «منه».
2- تهذيب الأحكام 1 : 230، ح664، والاستبصار 1 : 27، ح69.
3- - كتاب العين 4 : 331، مادة: «خنف».

[620] 6- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ جَرَّةٍ وُجِدَ فِيهَا خُنْفَسَاءُ قَدْ مَاتَتْ؟ قَالَ: «أَلْقِهَا وَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَقْرَباً فَأَرِقِ الْمَاءَ وَتَوَضَّأْ مِنْ مَاءٍ غَيْرِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمرين:

الأول: الجواب عن سؤال الراوي حول الجرّة التي وجد فيها خنفساء قد ماتت، بعدم البأس في الوضوء بالماء القليل الذي ماتت فيه، وما ذلك إلّا لطهارتها وطهارة سؤرها، وإنَّما أمر الإمام (علیه السلام) بإلقائها للاستقذار العرفي، وجوّز الوضوء منه بعد ذلك.

الثاني: البيان الابتدائي من الإمام (علیه السلام) وبلا أن يسبقه سؤال، وهو ما إذاكان الموجود في الماء القليل عقرباً، فالوظيفة هي إراقة الماء، ومعناها عدم إمكان الاستفادة منه.

وقد يقال: إنّ الأمر بإراقة ذلك الماء لا وجه له إلّا النجاسة. إلّا أنّه لا يمكن

ص: 416


1- الكافي 3 : 10، قطعة من الحديث 6، وأورده في الحديث 4 من الباب 35 من أبواب النجاسات.
2- تهذيب الأحكام 1 : 229 ، ح662.

القبول به؛ وذلك لأنّ الأمر بالإراقة يمكن أن يكون لوجود السم في العقرب كما هو مرتكز في الأذهان، ولم يوجب (علیه السلام) غسل الجرّة بعد الإراقة حتى يدلّ على النجاسة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: أحمد بن محمد: وهو ابن عيسى؛ لرواية محمد بن يحيى عنه، ولانصراف هذا العنوان إليه عند الإطلاق، كما أنّ الظاهر أنّه هو الذي يروي عن عثمان بن عيسى في غير هذا المورد، والسند موثّق.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد تقدّم الكلام فيه مراراً، والسند موثّق كسابقه.

ص: 417

[621] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) - فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي - : أَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) نَهَى عَنْ أَكْلِ سُؤْرِ الْفَأْرِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الشیخ الصدوق إلی شعيب بن واقد

[7] - فقه الحديث:

النهي ظاهر في الحرمة، فما أكلت منه الفأرة نجس لا يجوز أكله بمقتضى هذا النهي، ويكون هذا الحديث دالّاً على نجاسة الفأرة، لكن لابد من حمل هذا النهي على التنزيه؛ إذ لا ينحصر النهي فيما ذكر من إفادة النجاسة، أضف إلى ذلك ما ورد من عدم البأس في سؤرها، وهذا الحديث لا يدلّ على حكم الماء من حيث الشرب والتوضّي.

سند الحديث:

سند الصدوق إلى شعيب بن واقد قال(قدس سره) في «المشيخة»: «وما كان فيه عن شعيب بن واقد في المناهي فقد رويته، عن حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدّثني أبو عبد الله عبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدّثنا شعيب بن واقد، قال: حدثنا الحسين بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه،

ص: 418


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 2، ح1.

عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهم السلام) قال: نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عن الأكل على الجنابة وقال: إنّه يورث الفقر، وذكر الحديث بطوله كما في هذا الكتاب»((1)).

وهذا السند ضعيف؛ فإنّ عبد العزيز الأبهري مجهول، وقال السيد الأستاذ: إنّه ضعيف أيضاً بحمزة بن محمد - وهو حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) - «فإنّ حمزة بن محمد لم يوثّق»((2))، لكنّا قد أسلفنا أنّه من جملة مشايخ الصدوق الذين ترضّى عنهم، فيكون ثقة.

وأمّا شعيب بن واقد: فهو مجهول أيضاً.

وأمّا الحسين بن زيد: فهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیهما السلام) ، الملقّب بذي الدمعة، ولم يرد فيه غير أنّ أبا عبد الله (علیه السلام) ربّاه وزوّجه، وهو دالّ على عناية الإمام (علیه السلام) به، وهو مدح قويّ، لكنّه لا يرقى إلى التوثيق، ومع ذلك قلنا فيما سبق: إنّه روى عنه المشايخ الثقات، فهو ثقة.

والحاصل أن هذا السند غير معتبر إلّا على القول بتماميّة شهادة الصدوق على صحّة روايات كتاب «من لا يحضره الفقيه».

ص: 419


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 532، المشيخة.
2- - معجم رجال الحديث 10 : 37.

[622] 8 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) قَالَ: «لَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْفَأْرِ أَنْ يُشْرَبَ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأَ»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمَقْصُودِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحة على نفي البأس عن الشرب والتوضّي مطلقاً من سؤر الفأر، ولكن لابد أن يقيّد بما دلّ على كراهته.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في توثيق الحميري واعتبار كتابه.

وأمّا السندي بن محمد: فهو أبان بن محمد، وهو ابن أخت صفوان بن يحيى، وتقدّم أنّه ثقة ووجه في الأصحاب الكوفيين، بالإضافة إلى أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة».

وأمّا أبو البختري: فقد مضى أنّه وهب بن وهب، فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ الباب يحتوي على ثمانية أحاديث، أولها صحيح، والثاني والثالث والخامس والسادس من الموثقات، والرابع والثامن من المعتبرات،وأما السابع فهو معتبر على قول.

ص: 420


1- قرب الإسناد: 150.
2- يأتي في الباب الآتي، وفي الحديث 14 من الباب 49 من أبواب جهاد النفس.

10 - باب طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وإن مات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

10 - باب طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وإن مات

شرح الباب:

حشرات الأرض على ثلاثة أنواع: الأول: ما له نفس سائلة، والمراد من النفس هنا الدم، وقد مضى حكمه وحكم سؤره. الثاني: ما لا نفس له سائلة، وقد مضى بعض الكلام فيه وأنّه طاهر، وسؤره تابع له وإن مات في الماء ونحوه. الثالث: ما لا دم له أصلاً، وهذا ملحق بما ليس له نفس سائلة، كالذباب والنمل والجراد والعلق والديدان والسرطان وغيرها.

أقوال الخاصّة:

قال في «الجواهر»: «في المنتهى: اتفق علماؤنا على أنّ ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت، ولا يؤثّر في النجاسة ما يلاقيه من الماء وغيره، وفي المعتبر أنّه مذهب علمائنا أجمع»((1)).

أقوال العامّة:

قال ابن قدامة في «المغني»: «لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه - أي: ما لا نفس له سائلة - في قول عامّة الفقهاء، قال ابن المنذر: لا

ص: 421


1- - جواهر الكلام 1 : 389.

[623] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْخُنْفَسَاءِ وَالذُّبَابِ وَالْجَرَادِ وَالنَّمْلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَمُوتُ فِي الْبِئْرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَشِبْهِهِ؟ قَالَ: «كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أعلم في ذلك خلافاً إلّا ما كان من أحد قولي الشافعي، قال: فيها قولان (أحدهما): ينجس قليل الماء، قال بعض أصحابه: وهو القياس، (والثاني): لا ينجس وهو الأصلح للنّاس. فأمّا الحيوان في نفسه فهو عنده نجس قولاً واحداً؛ لأنّه حيوان لا يؤكل، لا لحرمته فينجس بالموت كالبغل والحمار»((2)).

[1] - فقه الحديث:

ظاهر الحديث أنّ كلّ ما ليس له دم فهو طاهر ولا بأس بسؤره، وهذا بقرينة السؤال عن المصاديق التي لا دم لها كالجراد ونحوه، فإنّه يفيد بيان الحكم لما لا دم له، لا لما لا يسيل دمه مع وجود الدم له.

ص: 422


1- تهذيب الأحكام 1 : 230، ح665، وفي ص284، ذيل الحديث832 ، وفي الاستبصار 1 : 26، ح66، وأورده في الحديث 1 من الباب 35 من أبواب النجاسات.
2- - المغني 1 : 39.

[624] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، يَعْنِي: أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، قَالَ: «لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري معتبر، وتقدّم أنّ أحمد بن الحسن: هو أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، وأنّ عمرو بن سعيد: هو عمرو بن سعيد الساباطي المدائني، وتقدّم أنّ بقيّة أفراد السند ثقات، والسند موثّق.

[2] - فقه الحديث:

دلّ بمنطوقه على أنّ ما كانت له نفس سائلة فإنّه يفسد الماء، والظاهر من إفساد الماء معناه المفهوم عرفاً وهو النجاسة، ولا تكون إلّا بموته أو بوجود مدفوعه في الماء، ويستثنى ما كان مدفوعه طاهراً، فإنّه لا يؤثّر في انفعال الماء، ودلّ بمفهومه على طهارة ميتة ما لا نفس له سائلة وما ليس له دم أصلاً، وأنّ موتها لا يوجب فساد الماء.

ص: 423


1- تهذيب الأحكام 1 : 231، ح669، والاستبصار 1 : 26، ح67، وأورده في الحديث 2 من الباب 35 من أبواب النجاسات.

بحث رجالي حول حفص بن غياث

سند الحديث:

فيه: حفص بن غياث: وهو عامّي المذهب، قال عنه النجاشي: «حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن ربيعة بن عامر بن جشم بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، أبو عمر القاضي، كوفي، روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (علیه السلام) ، وولي القضاء ببغداد الشرقيّة لهارون، ثم ولّاه قضاء الكوفة، ومات بها سنة أربع وتسعين ومائة. له كتاب - وذكر طريقه إليه ثم قال: - وهو سبعون ومائة حديث أو نحوها، وروى حفص عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) »((1)).

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، ونصّ على أنّه عامّي((2)

وذكره في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3))، وفي أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((4))، وفي من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) ((5)).

وقال في «الفهرست»: «حفص بن غياث القاضي، عامّي المذهب . له كتاب

ص: 424


1- - رجال النجاشي: 134 / 346.
2- - رجال الطوسي: 133 / 1371.
3- - المصدر نفسه: 188 / 2318.
4- - المصدر نفسه: 335 / 4985.
5- - المصدر نفسه: 425 / 6122.

معتمد»((1))، فذكر أنّ كتابه معتمد، مع أنّ في طريقه إليه ولده محمد بن حفص.

قال الشيخ في «عدّة الأصول»: «ولأجل ما قلناه - من كون الراوي ثقة وإن كان مخالفاً - عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامّة عن أئمتنا (علیهم السلام) فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه»((2)).

وهذا توثيق عام من الشيخ لهؤلاء العامّة. كما أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((3))، وقد ورد في أسناد «تفسير القمي» إلّا أنّ شهادة علي بن إبراهيم لا تشمله؛ لأنَّها لا تشمل غير الإمامي، فالسند موثّق.

ص: 425


1- - فهرست الطوسي: 116 / 242.
2- - عدّة الأصول 1 : 149.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 220.

[625] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «كُلُّ شَيْ ءٍ يَسْقُطُ فِي الْبِئْرِ لَيْسَ لَهُ دَمٌ مِثْلُ الْعَقَارِبِ وَالْخَنَافِسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على طهارة كل ما ليس له دم، ولذا فإنّه إذا وقع في البئر لم يوجب نجاسته وإن مات، وليس في الحديث تعرّض لما له دم ولكنّه ليس بسائل. ونفي البأس هنا مطلق، فيشمل ما إذا وقعت وخرجت حيّة، وما إذا ماتت في الماء.

سند الحديث:

تقدّم أنّ ابن سنان: هو محمد بن سنان؛ لأنّ الحسين بن سعيد يروي كثيراً عن محمد بن سنان، ولا يروي عن عبد الله إلّا في مورد واحد، وقد تقدّم أنّه ثقة على الأقوى. هذا، مضافاً إلى أنّ الحديث مذكور في كتاب الحسين بن سعيد، فيعتبر لذلك.

وابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان، فالسند معتبر.

ص: 426


1- تهذيب الأحكام 1 : 230، قطعة من الحديث 666، والاستبصار 1 : 26، 68، وأورده في الحديث 3 من الباب 35 من أبواب النجاسات.

[626] 4- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث الثاني.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وهو ضعيف؛ لأنّه مرفوع، إلّا أن يصحّح بكفاية وجوده في «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو مرفوع كسابقه.

ص: 427


1- الكافي 3 : 5، ح4، وأورده في الحديث 5 من الباب 36 من أبواب النجاسات.
2- تهذيب الأحكام 1 : 231 ، ح668.

[627] 5- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیهما السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَقْرَبِ وَالْخُنْفَسَاءِ وَأَشْبَاهِهِنَّ تَمُوتُ فِي الْجَرَّةِ أَوِ الدَّنِّ(1) يُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن الماء القليل الذي يكون في الجرة أو الدن ويموت فيه ما لا دم له كالعقرب والخنفساء والذباب والجراد وغيرها، وهو دالّ على طهارتها حيّة وميّتة، فيجوز الوضوء بالماء الذي ماتت فيه، وهذا التصريح بنفي البأس هنا يوجب حمل الأمر بإراقة ما مات فيه العقرب على الاستحباب، لأجل التحرّز عن السمّ المتوهّم فيه كما مرّ.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في هذا السند مراراً، وقلنا: إنّ فيه عبد الله بن الحسن، وهو

ص: 428


1- الدن: أصغر من الحبّ، ولا يثبت في الأرض إلّا أن يحفر له. (راجع: لسان العرب 13 : 159).
2- قرب الإسناد: 178.
3- تقدّم في الباب السابق.
4- يأتي في الأبواب 33، 35 من أبواب النجاسات.

لم يوثّق، لكن يمكن تصحيحه بثلاثة طرق((1))، فالسند معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث؛ الأولان موثّقان، والثالث والخامس معتبران، والرابع ضعيف يمكن القول باعتباره.

وقد دلّت على أنّ ما ليس له نفس سائلة طاهر، وسؤره كذلك حتى لو مات في الماء وأشباهه، وأنّه يجوز الوضوء به.

ص: 429


1- - التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 454.

ص: 430

11 - باب حكم العجين بالماء النجس

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

11 - باب حكم العجين بالماء النجس

شرح الباب:

أقوال الخاصّة:

قال السيد العاملي في «المدارك»: «إذا عجن العجين بالماء النجس لم يطهر إذا خبز، قاله الشيخ في التهذيب وموضع من النهاية((1)

وأكثر الأصحاب؛ لأنّ العجين ينجس بالماء النجس، والنار لم تحلّه، بل جفّفته وأزالت بعض رطوبته، وذلك لا يكفي في التطهير... وقال الشيخ في موضع من النهاية: إنّه يطهر بالخبز((2))»((3)).

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «وإن تنجس العجين ونحوه فلا سبيل إلى تطهيره؛ لأنّه لا يمكن غسله»((4)).

ص: 431


1- - النهاية: 590.
2- - النهاية: 8 .
3- - مدارك الأحكام 2 : 369.
4- - المغني 1 : 36.

[628] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَمَا أَحْسَبُهُ إِلَّا (عَنْ)(1) حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْعَجِينِ يُعْجَنُ مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «يُبَاعُ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم إمكانيّة الاستفادة من العجين المتنجّس بالماء النجس، إلّا ببيعه ممّن يستحلّ أكل الميتة. وقد يقال: هذا معناه أنّه لا طريق إلى تطهيره ولو بخبزه.

لكنّا نقول: لم يثبت أنّ الإمام (علیه السلام) في مقام بيان جميع الخصوصيّات، فالظاهر أنّه كان بصدد إبراز طريق واحد على نحو الجواز في التخلّص من المتنجّس، ونظيره ما ورد في إهراق الخمر، مع أنّه يمكن تخليله.

سند الحديث:

محمد بن الحسين: هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الثقة الجليل.والسند صحيح على المشهور إذا كان المراد ببعض أصحابنا هو حفص

ص: 432


1- ليس في المصدر.
2- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1305، والاستبصار 1 : 29، ح76، وأورده في الحديث 3 من الباب 7 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

[629] 2- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «يُدْفَنُ وَلَا يُبَاعُ»(1).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْجَوَازِ .

-----------------------------------------------------------------------------

بن البختري، كما هو الظاهر، وإلّا كان مرسلاً فلا يكون معتبراً.

ولكن نقول: إنّ السند معتبر عندنا حتى على فرض عدم معلوميّة هذا البعض؛ لأنّ السند من مراسيل ابن أبي عمير الذي عرف عنه أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة.

رفع التنافي بين الحدیث الأول و الثاني

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب الدفن وحرمة البيع؛ لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب، والنهي ظاهر في الحرمة، لكنّه ينافي ما مرّ في الحديث الأول من جواز بيعه على مستحلّه.

وفي المقام حملان لرفع هذا التنافي:

الأول: ما ذكره الماتن من حمل الدفن وعدم البيع على الاستحباب، والبيع ممّن يستحلّ الميتة غايته الجواز، فلا تنافي بينهما.

الثاني: حمل البيع المنهي عنه على كونه من غير المستحلّ، والبيع في

ص: 433


1- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1306، والاستبصار 1 : 29، ح77، وأورده في الحديث 4 من الباب 7 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

[630] 3- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْبِئْرِ: أَنَّ الْعَجِينَ الْمَذْكُورَ إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إِلَّا أَنَّ الْمَاءَ هُنَاكَ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ، وَقَدْ عَرَفْتَ عَدَمَ نَجَاسَتِهِ بِالْمُلاقَاةِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الحديث الأول للمستحلّ كما هو مصرّح به.

سند الحديث:

المراد بالإسناد: هو الإسناد السابق في الحديث الأول، وقد قلنا باعتباره، وقد تقدّم أنّ للشيخ ثلاثة طرق معتبرة إلى ابن أبي عمير، ولا يضر الإرسال؛ لأنّ ابن أبي عمير لا يرسل إلّا عن ثقة.

[3] - فقه الحديث:

تقدّم الحديثان: معتبر ابن الزبير، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت، فيعجن من مائها، أيؤكل ذلك الخبز؟ قال: «إذا أصابته النار فلا بأس بأكله».

ومرسل ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في عجين عجن وخبز، ثم عُلم أنّ الماء كانت فيه ميتة؟ قال: «لا بأس، أكلت النار ما فيه».وأنّه قد يتوهّم منهما أنّ النار مطهّرة للمتنجّس.

وقلنا: إنّ النار ليست من المطهّرات، وإنّ غاية ما يدلّ عليه ارتفاع

ص: 434


1- تقدّم في الحديثين 17 و 18 من الباب 14 من أبواب الماء المطلق.

الحزازة التنزيهيّة بها.

كما أنّ المسؤول عنه في الحديث الأول هو العجين الذي عجن بماء البئر الذي ماتت فيه الفأرة، وهو غير معلوم النجاسة؛ لاحتمال أنّ الماء لم يتغيّر بها، فيكون باقياً على طهارته؛ لما تقدّم من أنّ ماء البئر معتصم، ولا ينفعل قليله بالنجاسة؛ لوجود المادة، إلّا أن يتغيّر بها، وحينئذٍ تختصّ النجاسة بالمقدار المتغيّر.

وأمّا الثاني فقد استظهرنا أنّ العجين عجن من ماء البئر، وإن لم يصرّح به فيه، وإن صرّح في مرسل الصدوق بأنّه ماء البئر، وقلنا: إنّ إصابة النار للعجين لعلّها كناية عن زوال سؤر الميتة، فإصابة النار للمتنجّس تُذهب بالاستقذار لما لامسته الميتة.

ثم إنّ الميتة لم يعلم أنَّها ميتة ما له نفس سائلة؛ إذ قد تكون ميتة ما ليس له نفس سائلة كالعقرب والخنفساء وغيرهما، فلا يكون العجين متنجّساً أصلاً، وإصابة النار له مذهبة للاشمئزاز منه.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

المشار إليه في قول الماتن «وقد تقدم» هما الحديث السابع عشر من الباب الرابع عشر من أبواب الماء المطلق، وقد قلنا: إنّه ضعيف، والحديثالثامن عشر وذكرنا أنّه معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين ذكرهما الماتن صراحة، وحديثين أشار إليهما.

ص: 435

أمّا الحديثان اللذان صرّح بهما: فأولهما صحيح عند المشهور على تقدير إرادة حفص بن البختري من البعض، ومعتبر على تقدير الإرسال وعدم معرفة الواسطة؛ لأنّه من مراسيل ابن أبي عمير.

وأمّا الحديثان اللذان أشار إليهما: فهما حديث ابن الزبير، وهو ضعيف، ومرسل محمد بن أبي عمير، وهو معتبر.

وقد دلّت هذه الأحاديث على جواز بيع العجين المتنجّس على من يستحلّ أكل الميتة، كما دلّت على جواز دفنه وعدم بيعه، ودلت أيضاً على أنّ النار ليست من جملة المطهّرات، وتجفيفها للعجين لا يوجب الاستحالة، فلا يحكم بطهارته إذا تعرّض للنار. فلا بد من التصرّف في جهة أخرى من المسألة كالقول بأنّ العجين لم يتنجّس؛ إمّا لكون الماء كراً، أو ماء بئر غير منفعل بالنجاسة، وعليه فيجوز أكله؛ لعدم المانع منه حينئذٍ. أو أنّ المراد من إصابة النار للعجين هو إذهابها لسؤر الميتة وإيجابها عدم الاستقذار منه بعد أن تكون الميتة ممّا لا نفس له سائلة.

ثمّ إنّه يمكن تطهير العجين المتنجّس بأن يخبز ثمّ يوضع في الكر حتى ينفذ الماء إلى جميع أجزائه، كما في الحليب المتنجّس حيث يُعمل جبناًثمّ يوضع في الكر. والله العالم بالصواب.

ص: 436

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.

2- فهرس الكنى والألقاب.

3- فهرس الأسانيد.

4- فهرس المصادر.

5- فهرس مطالب الكتاب.

ص: 437

ص: 438

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- أ -

إبراهيم بن عبد الحميِد (ب6 ح1)................................................................. 161

أحمد بن هلال (ب8 ح1).......................................................................... 181

- ح -

حاتم بن إسماعيل (ب8 ح4)....................................................................... 186

حامد بن سهل (ب7 ح6)........................................................................... 378

حجاج الخشاب (ب8 ح8)......................................................................... 400

الحسن بن أبي الحسين الفارسي (ب6 ح2)....................................................... 164

الحسن بن رباط (ب24 ح3)...................................................................... 96

الحسن بن علي (ب8 ح1)......................................................................... 180

الحسن بن علي الزيتوني (ب8 ح1).............................................................. 181

الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمداني (ب8 ح1)....................................... 180

الحسن بن علي بن فضال (ب8 ح1)............................................................. 180

الحسن بن علي بن المغيرة (ب8 ح1) ........................................................... 181

الحسين بن أبي العلاء (ب8 ح2)................................................................. 394

ص: 439

الحسين بن المختار (ب9 ح12)................................................................... 209

حفص بن غياث (ب10 ح2)...................................................................... 424

حمزة بن أحمد (ب11 ح1)........................................................................ 242

حمزة بن يعلى (ب6 ح3).......................................................................... 166

حميد بن راشد (ب7 ح6).......................................................................... 379

- ر-

رفاعة (ب8 ح9)................................................................................... 402

- س -

سليمان الديلمي (ب24 ح6)....................................................................... 102

سليمان بن جعفر (ب6 ح2)....................................................................... 164

سليمان بن جعفر الجعفري (ب6 ح2)............................................................ 164

سليمان بن سفيان المسترق (ب5 ح3)............................................................ 350

سماك (مشترك) (ب7 ح6)........................................................................ 382

سماك بن حرب الذهلي (ب7 ح6)................................................................ 382

سماك بن خرشة (ب7 ح6)........................................................................ 382

سماك بن عبد عوف (ب7 ح6)................................................................... 382

سماك بن مخرمة الأسدي (ب7 ح6)............................................................. 383

ص: 440

- ش -

شريك (مشترك) (ب7 ح6)...................................................................... 380

شريك العامري (ب7 ح6)......................................................................... 380

شريك بن الأعور النخعي (ب7 ح6)............................................................. 380

شريك بن عبد الله النخعي (ب7 ح6)............................................................. 380

شعيب بن واقد (ب9 ح7).......................................................................... 419

- ع -

عبد الرحمن بن أبي هاشم (ب19 ح4)........................................................... 15

عبد العزيز الأبهري (ب9 ح7)................................................................... 419

عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (ب10 ح2)........................................................ 232

عبد الكريم بن هلال (ب10 ح2).................................................................. 232

عبد الله بن الحسن (ب5 ح5)...................................................................... 354

عبد الله بن بحر (ب20 ح1)....................................................................... 37

عبد الله بن خالد بن نجيح (ب7 ح6).............................................................. 379

عبد الله بن عامر (ب9 ح8)....................................................................... 202

عثمان بن عبد الملك (ب19 ح1)................................................................. 10

عكرمة (ب7 ح6).................................................................................. 383

علي بن عبد الله الخياط أو الحنّاط (ب2 ح2).................................................... 128

ص: 441

علي بن محمد بن سعد (ب11 ح2)............................................................... 245

عمرو بن عثمان (مشترك) (ب21 ح2).......................................................... 54

عمرو بن عثمان الثقفي الخزّاز (ب21 ح2)..................................................... 54

عمرو بن عثمان الجابري الهمداني (ب21 ح2)................................................. 54

عمرو بن عثمان الجهني (ب21 ح2)............................................................ 55

عمرو بن عثمان الرازي (ب21 ح2)............................................................ 55

عنبسة (ب8 ح1)................................................................................... 392

عنبسة بن بجاد العابد (ب8 ح1).................................................................. 392

العيزار (ب13 ح2)................................................................................ 272

العيص بن القاسم (ب9 ح14)..................................................................... 216

- غ -

غياث (ب4 ح1).................................................................................... 141

- ق -

قدامة بن أبي زيد الجمّار أو الحمّار (ب24 ح2)................................................ 93- م -

محمد بن أحمد بن إسماعيل الهاشمي (ب10 ح1)............................................... 228

ص: 442

محمد بن الحسين (ب13 ح2)..................................................................... 272

محمد بن سليمان الديلمي (ب24 ح6)............................................................ 102

محمد بن علي بن جعفر (ب11 ح2)............................................................. 245

محمد بن علي ماجيلويه (ب13 ح1).............................................................. 270

معاوية بن حكيم (ب4 ح2)........................................................................ 143

معاوية بن شريح (ب1 ح6)....................................................................... 302

معاوية بن ميسرة (ب1 ح6)....................................................................... 302

منخل بن جميل (ب19 ح8)....................................................................... 23

منهال (ب19 ح15)................................................................................ 30

موسى بن عبد الله بن موسى (ب11 ح2)........................................................ 245

ميمونة (ب7 ح6).................................................................................. 386

- و -

وهيب بن حفص (ب9 ح3)........................................................................ 412

- ه- -هارون بن حمزة الغنوي (ب19 ح5)............................................................ 17

- ي -

يزيد بن إسحاق (ب19 ح5)....................................................................... 17

ص: 443

ص: 444

2- فهرس الكنى والألقاب

ابن عباس (ب7 ح6)............................................................................... 384

ابن العرزمي (ب8 ح4)........................................................................... 186

ابن مخلد (ب7 ح6)................................................................................ 377

أبو إسماعيل السراج عبد الله بن عثمان (ب24 ح2)............................................ 92

أبو خديجة (ب19 ح4)............................................................................ 15

أبو داود (ب5 ح3)................................................................................. 350

أبو سعيد المكاري (ب19 ح1).................................................................... 10

أبو غسان (ب7 ح6)............................................................................... 379

أبو قتادة (ب10 ح1)............................................................................... 228

أبو هلال (ب8 ح8)................................................................................ 401

الأحول (ب13 ح2)................................................................................ 272

الرزاز (ب7 ح6).................................................................................. 378

الكلبي النسابة (ب2 ح2)........................................................................... 127

ص: 445

ص: 446

3- فهرس الأسانيد

اسناد الشيخ الصدوق

سنده إلى جابر بن يزيد الجعفي (ب19 ح8)..................................................... 23

سنده إلى محمد بن مسلم (ب22 ح1)............................................................. 63

سنده إلى أبي بصير (ب24 ح4).................................................................. 99

سنده إلى محمد بن النعمان (ب13 ح1).......................................................... 270

سنده إلى إسحاق بن عمار (ب9 ح2)............................................................. 410

سنده إلى شعيب بن واقد (ب9 ح7)............................................................... 418

اسناد الشيخ الطوسي

سنده إلى جابر بن يزيد الجعفي (ب19 ح8) .................................................... 22

سنده إلى يعقوب بن عثيم (ب19 ح9) ........................................................... 25

سنده إلى محمد بن يحيى (ب21 ح1) ............................................................ 52

سنده إلى علي بن مهزيار (ب7 ح1) ............................................................ 171

سنده إلى أحمد بن هلال (ب8 ح2)............................................................... 182

سنده إلى علي بن الحسن بن فضال (ب7 ح1)................................................... 371

ص: 447

سنده إلى العمركي (ب9 ح1)..................................................................... 408

اسناد ابن ادريس

سند الشهيد في الذكرى إلى العيص بن القاسم (ب9 ح14)..................................... 215

ص: 448

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.

2- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

3- إرشاد الأذهان، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ فارس حسون، الطبعة الاُولى، 1410، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

4- الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

5- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

6- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419 ه- ق، قم.

ص: 449

7- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تقرير الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الرابعة، 1434 ه- ، تصحيح الشيخ حسن العبودي، مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي.

8- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، الشيخ الطوسي، منشورات مكتبة جامع چهل ستون طهران، 1400 ه- .

9- الأمالي، الشيخ الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 ، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

10- الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد المرتضى علم الهدى، موسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.

11- إيضاح الدلائل، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم السيد عباس الحسيني والشيخ محمد عيسى البنّاي، الطبعة الثانية 1430ه- 2009م، منشورات دار الهدى قم.

12- بحار الانوار، العلامة المجلسي، الطبعة الثانية المصححة، 1403، 1983م، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

13- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، الشيخ زين الدين ابن نجيم المصري، تحقيق الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الأولى 1418 ه- 1997م ، منشورات دار الكتب العلمية بيروت.

ص: 450

14- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد القرطبي الأندلسي الشهير بابن رشد الحفيد، تحقيق خالد العطار، دار الفكر بيروت، 1415ه- 1995م.

15- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر الكاشاني، الطبعة الأولى 1409 ه- 1989م، المكتبة الحبيبية، كويته باكستان.

16- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي 1404، 1362 ش، منشورات الأعلمي، طهران.

17- البيان، الشهيد الأول، تحقيق الشيخ محمد الحسّون، الطبعة الأولى 1412، قم.

18- تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الواسطي، تحقيق على شيري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

19- تاريخ أسماء الثقات، الحافظ عمر بن شاهين، تحقيق صبحي السامرائي، الطبعة الأولى 1404 ه- ، نشر الدار السلفية الكويت.

20- التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، نشر المكتبة الإسلامية، ديار بكر تركيا.

21- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الاُولى، 1417، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ص: 451

22- تحرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

23- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1422 ه- قم المقدسة.

24- تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي، الطبعة الثانية 1414ه- 1994م، دار الكتب العلمية بيروت.

25- تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

26- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

27- تعليقة على منهج المقال، الوحيد البهبهاني.

28- تقريب التهذيب، ابن حجر، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الثانية، 1415، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

29- التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- ، قم المقدسة.

30- تمهيد القواعد الأصولية والعربية، الشهيد الثاني.

ص: 452

31- التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقريرأبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة، 1428 ه- ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

32- تنقيح المقال، للعلامة الشيخ عبد الله المامقاني، الطبعة الحجرية، نشر جهان - ايران.

33- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

34- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الطبعة الاُولى، 1404، 1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

35- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، دار الأولياء ، بيروت - لبنان.

36- جامع المدارك، السيد أحمد الخوانساري، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية 1405ه- 1364ش، نشر مكتبة الصدوق طهران.

37- جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية 149ه- 2008م، بيروت.

38- الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلّي، تحقيق جمع من الفضلاء، الناشر مؤسسة سيد الشهداء العلمية 1405، قم.

ص: 453

39- جوابات أهل الموصل، الشيخ المفيد، تحقيق الشيخ مهدي نجف، الطبعة الثانية 1414ه- ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت.

40- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

41- الحبل المتين في إحكام أحكام الدين، الشيخ البهائي، تحقيق السيد بلاسم الموسوي الحسيني، الطبعة الثانية 1429 ه- ، نشر مجمع البحوث الإسلامية، مشهد.

42- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

43- خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، عبد الغدير 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

44- الخلاف، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

45- الدرّ المختار، محمد بن علي الحنفي الحصكفي، تحقيق عبدالمنعم خليل ابراهيم، الطبعة الأولى 1423ه- ، نشر دار الكتب العلمية بيروت.

46- الدرر النجفيّة من الملتقطات اليوسفيّة، الشيخ يوسف البحراني، نشر دار المصطفى لإحياء التراث.

47- الدروس الشرعيّة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 454

48- ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري، طبعة حجرية مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

49- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1419، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

50- رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي داود الحلي، تحقيق السيد صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، قم المقدسة.

51- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق جواد القيومي الإصفاني، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1415، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

52- رجال النجاشي، النجاشي، الطبعة الثامنة، 1427، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

53- الرسائل التسع، المحقق الحلّي ، تحقيق رضا الأستادي، الطبعة الأولى 1413ه- نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم.

54- روض الجنان، طبعة حجرية، الشهيد الثاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

55- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، الطبعة الاُولى والثانية، 1386، 1398، منشورات جامعة النجف الدينية.

ص: 455

56- روضة المتقين، محمد تقي المجلسي، تحقيق حسين الموسوي الكرماني وعلي پناه اشتهاردي، الطبعة الثانية 1406ه- ، نشر مؤسسة كوشانپور للثقافة الإسلامية.

57- السرائر والمستطرفات، ابن إدريس الحلي، الطبعة الخامسة، 1428 ه-، موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

58- سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق، حسين الأسد، الطبعة التاسعة، 1413، 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

59- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، مع تعليقات: السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية، 1409، انتشارات استقلال، طهران.

60- الشرح الكبير، عبد الرحمن بن قدامة، طبعة جديدة بالاُوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

61- شرح طهارة قواعد الأحكام، الشيخ جعفر بن خضر كاشف الغطاء، نشر مؤسسة كاشف الغطاء .

62- الصحاح، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1407، 1987م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.

63- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

64- عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الاُولى، ذي الحجة 1417، 1376 ش.

ص: 456

65- العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم اليزدي ، تحقيق موسسة النشر الإسلامي، الناشر: موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقّدسة، الطبعة الاُولى 1420ه- ق.

66- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385، 1966م، منشورات المكتبة الحيدريةومطبعتها، النجف الأشرف.

67- عمدة الطالب، ابن عنبة، تصحيح محمد حسن آل الطالقاني، الطبعة الثانية 1380 ه- 1961م ، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

68- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404، 1894م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

69- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، الشهيد الأول محمد بن مكّي، تحقيق رضا مختاري، الطبعة الأولى 1414ه- ، نشر مكتب الإعلام الإسلامي بقم المقدسة.

70- غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمي، تحقيق عباس تبريزيان، الطبعة الاُولى، 1417 ه- ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم.

ص: 457

71- غنية النزوع، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري، الطبعة الأولى 1417ه- ، نشر مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

72- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

73- فقه الرضا (علیه السلام) ، علي بن بابويه، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1406ه- ، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا (علیه السلام) .

74- الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، الطبعة الأولى 1419ه- ، منشورات دار الثقلين، بيروت.

75- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، شعبان المعظم 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

76- قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، الطبعة الاُولى، 1419 ه- د، قم. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

77- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، نشر دار العلم للجميع بيروت.

ص: 458

78- قرب الاسناد، الحميري القمي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران.

79- قواعد الأحكام، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلّي، الطبعة الاُولى 1419 ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

80- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

81- كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة الاُولى 1417 ه- .

82- كتاب الأم، محمد بن إدريس الشافعي، الطبعة الثانية 1403ه- ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

83- كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

84- كشف الالتباس عن موجز أبي العباس، الشيخ مفلح الصيمري، الطبعة الأولى 1417 ه- ، تحقيق ونشر مؤسسة صاحب الأمر (علیه السلام) .

ص: 459

85- كشف اللثام، الفاضل الهندي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

86- كفاية الأحكام، محمد باقر السبزواري، تحقيق مرتضى الواعظي الأراكي، الطبعة الأولى 1423ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

87- لسان العرب، محمد بن مكرم ابن منظور، نشر أدب الحوزة قم، 1405ه- .

88- اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة، الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني، تحقيق السيد صالح المدرسي، الطبعة الأولى 1422ه- ، الناشر مرصاد، قم.

89- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، 1408، 1367 ش، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

90- مجمع الفائدة والبرهان، المحقق الأردبيلي، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

91- المجموع، محيي الدين النووي، دار الفكر.

ص: 460

92- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370، 1330ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

93- المحلّى بالآثار، ابن حزم الأندلسي، نشر دار الفكر.

94- مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلّي، الطبعة الأولى 1370ه- ، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف.

95- مختلف الشيعة، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ذي القعدة 1413، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

96- مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة. الطبعة الاُولى، محرم 1410، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

97- مرآة العقول، العلامة المجلسي، الطبعة الثالثة، 1370 دار الكتب الإسلامية.

98- المراسم العلويّة، حمزة بن عبدالعزيز الديلمي، تحقيق السيد محسن الحسيني الأميني، نشر المعاونيّة الثقافيّة للجمع العالمي لأهل البيت (علیهم السلام) 1414 ه- .

99- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران.

ص: 461

100- مسائل الناصريات، السيد الشريف المرتضى، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية، نشر رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية 1417، طهران.

101- مسائل علي بن جعفر، الطبعة الاُولى 1409 ه- ، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

102- مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، الطبعة الاُولى، ربيع الآخر 1412 ه- .

103- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الطبعة الرابعة 1404، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران.

104- مشارق الشموس، المحقق الخوانساري، طبعة حجرية، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

105- مشرق الشمسين، الشيخ البهائي، منشورات مكتبة بصيرتي قم، طبعة حجرية.

106- مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، تحقيق محمد باقري وجماعة، الطبعة الأولى 1416ه- ، مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث الإسلامي ومؤسسة النشر الإسلامي بقم.

107- المصباح المنير، أبو العباس أحمد الفيومي، الطبعة الأولى في ايران 1405ه- ، نشر مؤسسة دار الهجرة.

ص: 462

108- معالم الدين وملاذ المجتهدين (قسم الفقه)، الشيخ حسن بن الشهيد الثاني العاملي، تحقيق السيد منذر الحكيم، الطبعة الأولى 1418ه- ، مؤسسة الفقه للطباعة والنشر، قم.

109- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.

110- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، نشر مكتب الإعلام الإسلامي 1404ه- ، قم.

111- مفاتيح الشرائع، المولى محسن الفيض الكاشاني، الطبعة الأولى، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم ايران.

112- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد العاملي، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 1419، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

113- المقنع، الشيخ الصدوق، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام) ، نشر مؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام) 1415ه- .

114- المقنعة، الشيخ المفيد، الطبعة الأولى 1413ه- ، نشر المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم.

115- ملاذ الأخيار، العلاّمة المجلسي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي قم 1406ه- .

ص: 463

116- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

117- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري، الطبعة الأولى 1362ه- ش، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة.

118- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412، مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد.

119- منتهى المقال في أحوال الرجال، الشيخ محمد بن اسماعيل المازندراني، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، 1419ه- .

120- المهذب البارع، ابن فهد الحلي، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، غرة رجب المرجب 1407، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

121- الموسوعة الفقهيّة (الكويتيّة)، هيئة كبار علماء الإسلام، نشر مكتبة العلوم الإسلامية، بلوجستان باكستان، 2011م - 1432ه- .

122- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الاُولى، 1382، 1963م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

ص: 464

123- نقد الرجال، السيد مصطفى الحسيني التفرشي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1418ه- .

124- نهاية الأحكام، العلاّمة الحلّي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الثانية 1410ه- ، مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

125- النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمد محمد الطناحي، الطبعة الرابعة 1364ه- . ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم.

126- نكت النهاية - (النهاية ونكتها) ، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسن بقم المقدسة، الطبعة الأولى 1412ه-.

127- هداية المحدّثين، محمد أمين بن محمد علي الكاظمي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1405ه-.

128- الهداية شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر المرغيناني، الطبعة الأولى 1417ه- ، منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي باكستان.

129- الوافي، الفيض الكاشاني، تحقيق ضياء الدين الحسيني العلاّمة الاصفهاني، الطبعة الأولى 1406ه- ، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامّة، اصفهان.

ص: 465

130- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

131- الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الاُولى 1408، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

132- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلّكان، تحقيق إحسان عباس، نشر دار الثقافة، لبنان.

133- ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام، السيد علي الموسوي القزويني، تحقيق السيد علي العلوي القزويني، الطبعة الأولى 1424ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

ص: 466

5- فهرس مطالب الكتاب

19- باب ما ينزح للفأرة والوزغة والسام أبرص والعقرب ونحوها

(عدد الأحاديث 15) ص7

شرح الباب.......................................................................................... 7

أقوال الخاصّة....................................................................................... 7

أقوال العامّة......................................................................................... 8

فائدة رجاليّة......................................................................................... 19

سند الشيخ الطوسي إلى جابر بن يزيد الجعفي................................................... 22

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 30

20- باب ما ينزح للعذرة اليابسة والرطبة وخرء الكلاب وما لا نصّ فيه

(عدد الأحاديث 6) ص31

شرح الباب.......................................................................................... 31

أقوال الخاصّة....................................................................................... 32

أقوال العامّة......................................................................................... 34

الفرق بين الحديث الثالث والحديثين السابقين..................................................... 39

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 45

ص: 467

21- باب ما ينزح من البئر لموت الإنسان وللدم القليل والكثير

(عدد الأحاديث 5) ص47

أقوال الخاصّة....................................................................................... 47

اقوال العامّة......................................................................................... 48

سند الشيخ في التهذيب إلى محمد بن يحيى....................................................... 52

اشتراك عمرو بن عثمان بين جماعة.............................................................. 54

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 57

22- باب ما ينزح لوقوع الميتة واغتسال الجنب

(عدد الأحاديث 7) ص59

أقوال الخاصّة....................................................................................... 59

أقوال العامّة......................................................................................... 60

نزح سبع دلاء لدخول الجنب البئر................................................................ 64

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 68

23- باب حكم التراوح وما ينزح من البئر مع التغير

(عدد الأحاديث 1) ص69

أقوال الخاصّة....................................................................................... 69

أقوال العامّة......................................................................................... 72

نزح البئر كلّها لو وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير.............................................. 75

المتحصل من الحديث.............................................................................. 79

ص: 468

24- باب أحكام تقارب البئر والبالوعة

(عدد الأحاديث 8) ص81

شرح الباب.......................................................................................... 81

أقوال الخاصّة....................................................................................... 82

أقوال العامّة......................................................................................... 83

الحديث الأول والإجابة عن سؤالين............................................................... 85

الحدّ الفاصل بين البئر والبالوعة................................................................... 90

وجه الجمع بين الحديث الثاني والثالث............................................................ 95

المتحصل من الأحاديث ............................................................................ 105

أبواب الماء المضاف والمستعمل ص107

تقسيم الماء إلى مطلق ومضاف.................................................................... 109

1- باب أن المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا

(عدد الأحاديث 2) ص111

شرح الباب.......................................................................................... 111

أقوال الخاصّة....................................................................................... 111

أقوال العامّة......................................................................................... 113

المتحصل من الحديثين............................................................................. 117

ص: 469

2- باب حكم النبيذ واللبن

(عدد الأحاديث 3) ص119

شرح الباب.......................................................................................... 119

الأقوال............................................................................................... 119

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 129

3- باب حكم ماء الورد

(عدد الأحاديث 1) ص131

شرح الباب.......................................................................................... 131

أقوال الخاصّة....................................................................................... 133

أقوال العامّة......................................................................................... 133

المتحصل من الحديث.............................................................................. 138

4- باب حكم الريق

(عدد الأحاديث 3) ص139

أقوال الخاصّة....................................................................................... 139

أقوال العامّة......................................................................................... 139

بحث رجالي حول معاوية بن حكيم................................................................ 143

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 146

ص: 470

5- باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيراً وكذا المائعات

(عدد الأحاديث 3) ص147

أقوال الخاصّة....................................................................................... 147

أقوال العامّة......................................................................................... 148

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 154

ثلاثة فروع.......................................................................................... 155

6- باب كراهة الطهارة بماء اُسخن بالشمس في الآنية وأن يعجن به

(عدد الأحاديث 3) ص157

شرح الباب.......................................................................................... 157

أقوال الخاصّة....................................................................................... 157

أقوال العامّة......................................................................................... 158

بحث رجالي حول ابراهيم بن عبدالحميد......................................................... 161

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 167

7- باب كراهة الطهارة بالماء الذي يسخّن بالنار في غسل الأموات

وجوازه في غسل الأحياء(عدد الأحاديث 2) ص169

شرح الباب.......................................................................................... 169

أقوال الخاصّة....................................................................................... 169

أقوال العامّة......................................................................................... 170

ص: 471

إسناد الشيخ الطوسي إلى علي بن مهزيار........................................................ 171

المتحصل من الحديثين............................................................................. 174

8- باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهّر وكذا بقيّة مائه

(عدد الأحاديث 4) ص175

شرح الباب.......................................................................................... 175

أقوال الخاصّة....................................................................................... 176

أقوال العامّة......................................................................................... 177

اشتراك الحسن بن علي بين جماعة............................................................... 180

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 186

9- باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات

ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة

(عدد الأحاديث 14) ص187

شرح الباب.......................................................................................... 187

أقوال الخاصّة....................................................................................... 188

أقوال العامّة......................................................................................... 189

كيفيّة التخلّص من حزازة الماء المنتضح على الإناء الذي يغتسل منه......................... 194

لا بأس عمّا ينتضح من ماء غسالة الناس......................................................... 204

بحث رجالي حول الحسين بن المختار............................................................ 209

الاحتمالات في قوله (علیه السلام) «وأشباهه»............................................................... 212

ص: 472

بحث رجالي حول العيص بن القاسم.............................................................. 216

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 218

10- باب استحباب نضح أربع أكف من الماء لمن خشي عود ماء الغسل

أو الوضوء إليه: كفّ أمامه وكفّ خلفه وكفّ عن يمينه وكفّ عن

يساره ثم يغتسل أو يتوضأ

(عدد الأحاديث 3) ص219

شرح الباب.......................................................................................... 219

أقوال الخاصّة....................................................................................... 220

المراد من النضح والحكمة فيه..................................................................... 225

إشكال إبن إدريس على جعل الأرض متعلّق النضح ............................................ 225

اشتراك عبدالكريم بين جماعة..................................................................... 232

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 235

11- باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام مع عدم العلم بنجاستهاوأن الماء النجس لا يطهر ببلوغه كرّاً

(عدد الأحاديث 5) ص237

شرح الباب.......................................................................................... 237

أقوال الخاصّة....................................................................................... 238

أقوال العامّة......................................................................................... 239

النهي عن الاغتسال من البئر تحريمي أو تنزيهي............................................... 240

ص: 473

التحذير عن الاغتسال بالغُسالة .................................................................... 243

الجمع بين الأحاديث................................................................................ 251

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 252

12- باب جواز الطهارة بالمياه الحارّة التي يشمّ منها رائحة الكبريت

وكراهة الاستشفاء بها

(عدد الأحاديث 4) ص255

شرح الباب.......................................................................................... 255

أقوال الخاصّة....................................................................................... 256

أقوال العامّة......................................................................................... 257

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 262

13- باب طهارة ماء الاستنجاء

(عدد الأحاديث 5) ص265شرح الباب.......................................................................................... 265

أقوال الخاصّة....................................................................................... 265

أقوال العامّة......................................................................................... 267

بحث رجالي حول العيزار......................................................................... 272

احتمالان في قوله (علیه السلام) «لا بأس به»................................................................ 275

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 278

ص: 474

14- باب جواز الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء وكراهة اعتياده

إلا مع غسل اليد قبل دخول الإناء

(عدد الأحاديث 1) ص279

شرح الباب.......................................................................................... 279

المتحصل من الحديث.............................................................................. 281

أبواب الأسآر ص283

معنى الأسآر......................................................................................... 285

1- باب نجاسة سؤر الكلب والخنزير

(عدد الأحاديث 8) ص289

شرح الباب.......................................................................................... 289

أقوال الخاصّة....................................................................................... 291

أقوال العامة......................................................................................... 292

كلمات الفقهاء حول التعفير......................................................................... 298

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 305

2- باب طهارة سؤر السنور وعدم كراهته

(عدد الأحاديث 7) ص307

شرح الباب.......................................................................................... 307

أقوال الخاصّة....................................................................................... 307

ص: 475

أقوال العامّة......................................................................................... 309

عدم اختصاص السؤر بالمائع...................................................................... 312

اشتراك محمد بن الفضيل بين شخصين.......................................................... 314

الجواب عن مخالفة الحديث السادس لأحاديث الباب............................................. 317

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 319

3- باب نجاسة أسآر أصناف الكفار

(عدد الأحاديث 3) ص321

شرح الباب.......................................................................................... 321

أقوال الخاصّة....................................................................................... 321

أقوال العامّة......................................................................................... 325

ثلاثة احتمالات في المراد من الكراهة............................................................ 327

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 330

4- باب طهارة أسآر أصناف الأطيار وإن أكلت الجيف مع خلوّ

موضع الملاقاة من عين النجاسة

(عدد الأحاديث 4) ص331

شرح الباب.......................................................................................... 331

أقوال الخاصّة....................................................................................... 331

أقوال العامّة......................................................................................... 332

الجواب عن سؤالين................................................................................. 336

ص: 476

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 341

5- باب طهارة سؤر بقيّة الدواب حتى المسوخ

وكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه

(عدد الأحاديث 6) ص343

شرح الباب.......................................................................................... 343

أقوال الخاصّة....................................................................................... 344

أقوال العامّة......................................................................................... 346

بحث رجالي حول أبي داود........................................................................ 350

بحث رجالي حول عبدالله بن الحسن.............................................................. 354

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 358

6- باب كراهة سؤر الجلاّل

(عدد الأحاديث 1) ص359

شرح الباب ......................................................................................... 359

أقوال الخاصّة....................................................................................... 360

أقوال العامّة......................................................................................... 361

حرمة أكل لحوم الجلاّلة............................................................................ 362

المتحصل من الحديث.............................................................................. 364

ص: 477

7- باب طهارة سؤر الجنب

(عدد الأحاديث 6) ص365

شرح الباب ......................................................................................... 365

أقوال الخاصّة....................................................................................... 365

أقوال العامّة......................................................................................... 366

الاحتمالات في قوله (علیه السلام) «تغسل يديها ...» ....................................................... 369

عدم البأس في غمس الجنب يده في الإناء........................................................ 373

بحث رجالي حول شريك بن عبدالله النخعي...................................................... 380

بحث رجالي حول ابن عباس...................................................................... 384

بحث رجالي حول ميمونة زوجة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) .......................................................... 386

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 388

8- باب طهارة سؤر الحائض وكراهة الوضوء من سؤرها

إذا لم تكن مأمونة

(عدد الأحاديث 9) ص389

شرح الباب.......................................................................................... 389

أقوال الخاصّة....................................................................................... 389

أقوال العامّة......................................................................................... 390

بحث رجالي حول الحسين بن أبي العلاء......................................................... 394

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 403

ص: 478

9- باب طهارة سؤر الفأرة والحيّة والعظاية والوزغ والعقرب

وأشباهه واستحباب اجتنابه وطهارة سؤر الخنفساء

(عدد الأحاديث 8) ص405

أقوال الخاصّة....................................................................................... 405

اقوال العامّة......................................................................................... 406

بحث رجالي حول وهيب بن حفص............................................................... 412

سند الشيخ الصدوق إلى شعيب بن واقد........................................................... 418

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 420

10- باب طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وإن مات(عدد الأحاديث 5) ص421

شرح الباب.......................................................................................... 421

أقوال الخاصّة والعامّة.............................................................................. 421

بحث رجالي حول حفص بن غياث............................................................... 424

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 429

11- باب حكم العجين بالماء النجس

(عدد الأحاديث 4) ص431

أقوال الخاصّة والعامّة.............................................................................. 431

رفع التنافي بين الحديث الأول والثاني............................................................ 433

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 435

ص: 479

فهارس الكتاب ص437

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب......................................................... 439

2- فهرس الكنى والألقاب........................................................................... 445

3- فهرس الأسانيد.................................................................................. 447

4- فهرس المصادر................................................................................. 449

5- فهرس مطالب الكتاب............................................................................ 467

ص: 480

المجلد 5

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 603 صفحة

ص: 1

اشارة

ايضاح الدلائل

في شرح الوسائل

تقرير البحث سماحة آية الله الفقيه المحقق

الحاج الشيخ مسلم الداوري

بقلم

الشيخ محمد عيسی البنَّاي

تحقيق

مؤسسة الامام الرضا للبحث والتحقيق العلمي

«الجزء الخامس»

ص: 2

ايضاح الدلائل

في شرح الوسائل

ص: 3

ص: 4

ايضاح الدلائل

في شرح الوسائل

تقرير البحث سماحة آية الله الفقيه المحقق

الحاج الشيخ مسلم الداوري

بقلم

الشيخ محمد عيسی البنَّاي

تحقيق

مؤسسة الامام الرضا للبحث والتحقيق العلمي

«5»

ص: 5

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

نحمد الله تعالی علی ما وفقنا به من اتمام تحقيق وطبع الجزء الخامس من ايضاح الدلائل في شرح وسائل الشيعة للحر العاملي (رحمه الله تعالی) ونسأل الله العلي القدير ان يوفقنا لاتمام تحقيق وطبع المجلدات الاخری في القريب العاجل انه سميع مجيب.

ولا يفوتنا هنا ان نتقدم بالشكر والامتنان الی اخينا العلامة الفاضل حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمدعيسی البناي علی جهده في تقرير لابحاث الاستاذ الفقيه الاصولي والمفسر الرجالي آية الله الشيخ مسلم الداوري (دام ظله) في شرحه لوسائل الشيعة والذي لفت انظار اساتذة الحوزات العلمية وفضلائها حيث كثر الاتصال بنا من قبلهم مستعلمين ومترقبين صدور المجلدات التي لم تطبع بعد. وهذا مما يدل علی اهمية هذا الكتاب والصدی الذي أخذه في الاوساط العلمية.

ونتقدم بالشكر ايضاً إلی كل الاخوة المحققين الذين شاركوا في تحقيق واخراج هذا الكتاب واخص منهم بالذكر: حجة الاسلام الشيخ مرتضی الصالحي النجفي والشيخ عليرضا الداوري والسيد عباس الحسيني والسيد محمدجواد الرجائي.

وفي الختام: نسأل الله تعالی ان يتقبل منا ذلك اليسير ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 9

ص: 10

أبواب نواقض الوضو ء

ص: 11

ص: 12

أبواب نواقض الوضو ء

أبواب نواقض الوضوء

الفرق بين الناقض والموجب والسبب

النواقض جمع ناقض وهو عنوان يطلق على الحدث في جملة ما يطلق عليه؛ إذ يطلق عليه أيضاً عنوان الموجب، وعنوان السبب. وقد ذكر بعض العلماء كصاحب المدارك أنّ العناوين الثلاثة، مترادفة((1))، وهو الظاهر من الفاضل الهندي في كشف اللثام((2)).

وقال آخرون: إن السبب أعم مطلقاً من الناقض والموجب، وبين الناقض والموجب عموم من وجه، وتوضيح ذلك: أنّه إنّما أطلق الناقض على الحدث الذي يبطل الوضوء باعتبار عروضه للمتوضّي، فلا يسمى الحدث ناقضاً إلا إذا طرأ على المتطهّر.

ويقال له: موجب الوضوء؛ لإيجابه الوضوء عند التكليف بما يشترط بالوضوء.

ويجتمع الناقص والموجب في المحدث بعد أن كان متطهّراً بعد دخول وقت الصلاة وقبل أن يؤديها مثلاً؛ فإنّ هذا الحدث الصادر منه ناقض للطهارة

ص: 13


1- - مدارك الاحكام 1: 141.
2- - كشف اللثام 1: 185.

السابقة، كما أنّه موجب للوضوء الذي هو مقدمة للصلاة.

ويصدق الموجب دون الناقض فيما إذا دخل الوقت وكان محدثاً فأحدث ثانياً مثلاً، فإنّه يصدق على الحدث الثاني أنّه موجب، لأنّ كل حدث سبب للطهارة التي هي مقدمة للعمل المشروط بها، ولا يصدق عليه أنّه ناقض، لأنّه كان محدثاً فلم يطرأ الحدث الثاني على متطهّر حتى ينقض الطهارة.

واما السبب فهو أعم من الناقض والموجب، فيجتمع معهما إذا كان متطهّراً ودخل وقت فريضة وأحدث قبلها، فحدثه سبب، لأنّ الشارع اعتبره سبباً، وهو ناقض، لأنّه نقض الطهارة السابقة، وهو موجب، لأنّه أوجب عليه التطهير مقدمةً للفريضة.

ويصدق السبب وحده في ما إذا كان قد أحدث خارج الوقت ولم تجب عليه أيّة فريضة مشروطة بالوضوء، فإذا أحدث ثانياً، كان هذا الحدث سبباً، لأنّ الحدث سبب شرعي، ولم يكن موجباً، لأنّه لا يجب عليه أي عمل مشروط بالطهارة، وليس بناقض، لأنّه كان محدثاً قبله((1)).

وبهذا يعرف الوجه في تقديم هذه الأبواب علی أبواب أفعال الوضوء وأحكامه؛ فإنّ السبب مقدم علی المسبّب.

ص: 14


1- - ينظر: مفتاح الكرامة 1: 151.

1- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ إِلَّا الْيَقِينُ بِحُصُولِ الْحَدَثِ دُونَ الظَّنِّ وَالشَّك

اشارة

1- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا الْيَقِينُ بِحُصُولِ الْحَدَثِ دُونَ الظَّنِّ وَالشَّك

شرح الباب:

اليقين: هو إزاحة الشك، وتحقيق الأمر((1)).

والظنُّ: التَّرَدُّدُ الرَّاجِحُ بين طَرَفَي الاعتِقادِ الغيرِ الجازِمِ((2)).

والشك: نقيض اليقين((3)).

والنَّقض: إِفسادُ ما أبرَمْتَ من عقدٍ أَو بناء((4)). وفي تاج العروس: النَّقضُ في البناء، والحبل، والعهد، وغيره: ضدُّ الإِبرامِ، كالانتِقاضِ والتَّناقُضِ، وفي المُحكم: النَّقضُ: إفساد ما أبرَمتَ من عقدٍ أو بناءٍ، وذَكَرَ الجَوهَرِيّ الحَبلَ والعَهدَ. ونَقضُ البِناءِ هدمُه. وجَعَلَ الزَّمخشَرِيُّ نَقضَ العهدِ من المَجازِ، وهو ظاهرٌ. والمُرادُ من قولِه: وغيرِه، كالنَّقضِ في الأَمرِ، وفي الثُّغورِ، وما أشبَههما((5)).

ص: 15


1- - العين 5: 220، مادة: يقن.
2- - تاج العروس 18: 363، مادة: ظنن.
3- - العين5: 270، مادة: شكّ.
4- - لسان العرب7: 242، مادة: نقض.
5- - تاج العروس10: 168 - 169، مادة: نقض.

والحَدَثُ: الإبداءُ؛ وقد أحدَث: من الحَدَثِ((1)).

وفي المجمع: الحدث اسم للحادثة الناقضة للطهارة شرعاً، والجمع أحداث مثل سبب وأسباب... وهو يعمّ ما خرج من السبيلين وغيره((2)).

وفي اصطلاح الفقهاء - كما عن المدارك - : «الحدث مقول بالاشتراك اللفظي علی الأمور التي يترتّب عليها فعل الطهارة، وعلی الأثر الحاصل من ذلك، والمعنی الأوّل هو المراد هنا»((3)).

وعن غيره أنّ «المراد بالحدث الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه، عند حصول أحد الأسباب المخصوصة المتوقف رفعه علی النيّة»((4)).

ولا ريب في حجّيّة اليقين لكاشفيّته التامّة دون الشك؛ إذ لا كاشفيّة له أصلاً، ودون الظن؛ فإنّه وإن أمكن أن تكون له كاشفيّة إلا أنّه لا يتّصف بالحجيّة ما لم يمضه الشارع، ولذا لا ينقض الوضوء بعد تحقّقه إلّا اليقين بحصول الحدث بأحد قسميه الأصغر والأكبر، وأمّا الظن بحصول الحدث أو الشك في حصوله فلا ينقض الوضوء كما هو مقتضی أحاديث الباب.

أقوال الخاصّة:

عدم الاعتناء بالشك بعد اليقين إجماعي عند الخاصّة، قال شيخ الطائفة: «من

ص: 16


1- - لسان العرب2: 134، مادة: حدث.
2- - مجمع البحرين2: 246، مادة: حدث.
3- - مدارك الأحكام1: 141.
4- - مسالك الأفهام1: 12، وقريب منه في حاشية المختصر النافع: 14، ومصباح الفقيه1: 28.

تيقّن الطهارة وشك في الحدث لم يجب عليه الطهارة، وطرح الشك... دليلنا: ما قدّمناه من أنّ الطهارة معلومة، فلا يجب العدول عنها إلا بأمر معلوم والشك لا يقابل العلم، ولا يساويه، فوجب طرحه، وعليه إجماع الفرقة»((1)).

وعن المعتبر أنّ البناء علی الطهارة إجماع((2)).

أقوال العامّة:

ظاهر الأكثر علی عدم الاعتناء بالشك، وفيهم المخالف، قال في المغني: «من تيقّن الطهارة وشك في الحدث أو تيقّن الحدث وشك في الطهارة فهو علی ما تيقّن منهما، يعني إذا علم أنّه توضّأ وشك هل أحدث أو لا بنی علی أنّه متطهّر، وإن كان محدثاً فشك هل توضّأ أو لا فهو محدث يبني في الحالتين علی ما علمه قبل الشك ويلغي الشك، وبهذا قال الثوري وأهل العراق والأوزاعي والشافعي وسائر أهل العلم في ما علمنا إلا الحسن ومالكاً؛ فإنّ الحسن قال: إن شك في الحدث في الصلاة مضی فيها، وإن كان قبل الدخول فيها توضّأ، وقال مالك: إن شك في الحدث إن كان يلحقه كثيراً فهو علی وضوئه، وإن كان لا يلحقه كثيراً توضأ؛ لأنّه لا يدخل في الصلاة مع الشك»((3)).

ص: 17


1- - الخلاف1: 123، مسألة65.
2- - المعتبر1: 171.
3- - المغني1: 193.

[631] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَنَامُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ أَتُوجِبُ الْخَفْقَةُ((1)*) وَالْخَفْقَتَانِ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ قَدْ تَنَامُ الْعَيْنُ وَلَا يَنَامُ الْقَلْبُ وَالْأُذُنُ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَالْقَلْبُ وَجَبَ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: فَإِنْ حُرِّكَ إِلَى جَنْبِهِ شَيْ ءٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَسْتَيْقِنَ((2)*) أَنَّهُ قَدْ نَامَ حَتَّى يَجِي ءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ وَإِلَّا فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ وَلَا تَنْقُضِ((3)*) الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا تَنْقُضُهُ بِيَقِينٍ آخَرَ((4)*).

[1] - فقه الحديث:

الخفقة: تحريك الرأس بسبب النّعاس((5))، والسؤال عن محقّق الناقض بعد ارتكاز أنّ النوم ناقض للوضوء في ذهن زرارة، فهل يتحقّق بالخفقة التي تذهب أثناءها الرؤية ويتحرّك الرأس عادة مع قصر زمانها؟ ولعلّ منشأ السؤال هو تعطّل حاسّة الرؤية في هذا الزمان القصير، فهل تعطّلها هذا خلال هذا

ص: 18


1- ([1]*) في هامش المخطوط(منه قده) ما لفظه: «خفق: حرّك رأسه وهو ناعس». الصحاح 4- 1469.
2- ([2]*) في هامش الأصل المخطوط(منه قده) ما نصّه: «العجب من الشيخ علي في شرح القواعد حيث أفتى بأنّ ظنّ غلبة النوم كافٍ في نقض الوضوء». راجع جامع المقاصد 3.
3- ([3]*) في المصدر «ينقض» والحرف الأول من هذه الكلمة منقوط في الأصل بنقطتين من فوق ومن تحت.
4- ([4]*) التهذيب1: 8/ 11.
5- - النّعاس: الوسن، الصّحاح3: 983، مادة: نعس، والسِّنة مثله، الصحاح6: 2214، مادة: وسن، وعن فقه اللغة أنه: (أوّل النوم، وهو أن يحتاج الإنسان إلی النوم)، فقه اللغة: 161.

المقدار القصير جدّاً من الزمان موجب لتحقّق النوم؟.

ويحتمل أنّ سؤاله عن الخفقة والخفقتين من جهة الشك في كونهما ناقضين مستقلّين عن النوم؛ إذ هما ليستا من النوم، بل هما من الحالات الحاصلة قبله.

وأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ المدار في الناقضيّة علی تحقّق النوم، ويستكشف تحقّقه بحصول المرتبة الأعلی من مرتبة ذهاب الرؤية، وهي مرتبة ذهاب السمع والعقل، فتحقّق المرتبة الأولی وهي نوم العين لا يحقّق الناقض، بل لا بد من المرتبة الثانية وهي المعبّر عنها في كلام الإمام بنوم القلب والأذن فهي التي يستكشف بها حصول النوم الناقض.

وإطلاق النوم في قوله (علیه السلام) : «قد تنام العين» مع أنّه غير داخل في حقيقة النوم شرعاً، لكون نوم العين صادقاً عرفاً علی إغماضها بالإغماض الخاص الذي يبطل معه إحساسها أو لأجل ذهاب الحاسّة عند بعض الأفراد وإن لم يغمض عينيه، بخلاف نوم نوع الإنسان فإنّه لا يصدق إلّا علی ما يغلب علی السمع والقلب.

وقول زرارة: «فإن حرّك إلی جنبه شيء ولم يعلم به» أي هل يتحقّق النوم بتحريك شيء إلی جنب المشكوك نومه ولم يعلم بتحرّكه؟، والظاهر أنّ المراد تحريك الشيء بغير إصدار صوت، لأنّ عدم سماعه مع التحريك بصوت قد يكون علامة علی ذهاب حاسّة السمع، وقد أجاب (علیه السلام) سابقاً بأن النوم يتحقّق بذهاب حاسّة السمع.

ولذا أجاب (علیه السلام) بأنّ النوم لا يتحقّق بمجرّد ذلك ولا بدّ من اليقين بذهاب حاسّة السمع والعقل، وما لم يحصل اليقين بذلك فإنّه علی وضوئه، ومجرّد الشك في حصول النوم لا ينقض الوضوء.

ص: 19

وقد دلّ آخر هذا الحديث علی أنّ من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث فهو علی طهارته، وبحمل اللام في اليقين علی الجنس - كما هو مقتضی الظاهر، إذ لا قرينة علی كونها للعهد الذكري أو الذهني - يدلّ علی أنّ من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث فهو علی طهارته، فيكون الحديث دالّاً علی الاستصحاب، وتفصيل الكلام له موضع آخر.

ومورد الحديث وإن كان هو الشك في النوم إلّا أنّ تعليله يفيد عدم اختصاص الحكم به، فيشمل الشك في طروّ غيره من النواقض.

ثم إنّ المراد بالشك هنا خلاف اليقين، وهو الموافق لمعناه اللغوي، لا تساوي الطرفين المقابل للظن والوهم واليقين كما هو اصطلاح الفلاسفة، وذلك لقرينتين:

الأولی: الحكم ببقاء الوضوء حتی يتيقّن بالنوم، فما لم يتيقّن به فهو محكوم بالطهارة، سواء ظنّ بالنوم أم شكّ فيه.

والثانية: إنّ الظن بحصول النوم ملازم كثيراً - لو لم يكن دائماً - لعدم علم الشخص بما يحرّك في جنبه، ومع كونه كذلك يكون ترك تفصيل الإمام (علیه السلام) في الجواب دليلاً علی جريان استصحاب الطهارة مطلقاً، سواءً ظنّ بالنوم أم شك فيه((1)).

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال هذا السند، والمراد بهذا الإسناد - كما في المصدر - : الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن الحسن

ص: 20


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 68، بتصرّف كثير.

الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسی، وعن الحسين بن الحسن بن أبان جميعاً، عن الحسين بن سعيد.

وقد مرّ أنّ أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لم يرد فيه توثيق، فيكون السند ضعيفاً، لكن ما دامت روايات أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواردة في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه محمد بن الحسن، وللشيخ في الفهرست ثلاثة طرق إلی محمد بن الحسن: اثنان منها ليس فيهما أحمد، وهما معتبران((1))، وهذا الحديث من جملة تلك الروايات فيكون صحيحاً.

وأيضاً قد تقدّم الكلام في أنّ إسناد الشيخ إلی الحسين بن سعيد لجميع كتبه ورواياته عبارة عن سندين، وأحدهما صحيح((2))، مضافاً إلی شهادة الصدوق بأنّ كتب الحسين بن سعيد من الكتب المشهورة المعوّل عليها، فلا تحتاج إلی سند.

وأمّا الإضمار من زرارة فلا يضر، لأنّه من البعيد جدّاً - لعظم فقاهته وجلالة قدره - أن يسأل غير الإمام المعصوم (علیه السلام) وعلی هذا يكون السند صحيحاً.

ص: 21


1- - أصول علم الرجال2: 343.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[632] 2- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا يُوجَبُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ ضَرْطَةٍ تَسْمَعُ صَوْتَهَا أَوْ فَسْوَةٍ تَجِدُ رِيحَهَا((1)*).

[2] - فقه الحديث:

البول والغائط معروفان، وأمّا الضرطة فهي واحدة الضُّراط، وهو صوت الفَيخِ، معروف((2))، والفسوة هي واحدة الفسو وهو: إخراج الريح من الدبر بلا صوت((3)).

فهما يشتركان في كونهما ريحاً يخرج من الدبر، والفرق بينهما أنّ الأولی بصوت والثانية بلا صوت.

وقد دلّ الحديث علی أنّ الوضوء إنّما يجب إذا حصل العلم بأحد هذه الأربعة، ومعنی ذلك انتفاؤه عند الشك، ولعلّ الإتيان بالتقييد بسماع الثالثة ووجدان ريح الرابعة لإيضاح أنّهما لا تنقضان الوضوء إلّا مع العلم بخروجهما، والسماع ووجدان الريح دليل علی تحقّقهما، أو أنّ التقييد المذكور هو في صورة الشك في صدور أحدهما.

وهذا الحديث ليس بصدد حصر نواقض الوضوء، بل هو بصدد بيان ما يوجب الوضوء ممّا يخرج من الإنسان، فهو حصر إضافي، فلا يضرّ عدم ذكر مثل النوم؛ لأنّه ليس ممّا يخرج من الإنسان، ولا مثل المني لأنّه يوجب الغسل.

ص: 22


1- ([1]*) التهذيب1: 346/ 1016.
2- - لسان العرب7: 341، تاج العروس10: 323، مادة: ضرط.
3- - انظر تاج العروس20: 48، مادة: فسو.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی الحسين بن سعيد لجميع كتبه ورواياته صحيح((1))، وبقيّة رجال السند إماميون ثقات تقدّم ذكرهم، فالسند صحيح.

ص: 23


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[633] 3- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُخُ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا رِيحٌ تَسْمَعُهَا أَوْ تَجِدُ رِيحَهَا((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ مِثْلَهُ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان ليشكّكه في طهارته حتّی يخيّل إليه أنّه قد خرج منه ريح، ولكن لا ينبغي الاعتناء بهذا الشك الحاصل، إلّا أن يحصل له يقين بانتقاض وضوئه عن طريق سماع الريح، أو وجدانها أي شمّها.

وهذا هو مفاد الاستصحاب حيث إنّه كان علی يقين من وضوئه، وبعد تخييل الشيطان له يحصل عنده الشك في بقاء وضوئه، فعليه أن لا يعتني بهذا الشك ويبني علی بقاء وضوئه إلی أن يتبدّل يقينه السابق بالوضوء إلی يقين آخر بارتفاعه بطروّ خروج الريح بأحد قسميها.

سند الحديث:

للحديث سندان:

ص: 24


1- ([1]*) التهذيب1: 347/ 1017، والاستبصار1: 90/ 289.
2- ([2]*) الكافي3: 36/ 3.

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، ورجاله تقدّم الكلام حولهم. وهو صحيح.

والثاني: سند الكليني في الكافي، ومضی الكلام في رجاله، وهو معتبر.

ص: 25

[634] 4- وَ عَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ أَخِيهِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: الْحَدَثُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ الْحَدِيثَ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی أنّ الوضوء إنّما يجب إذا حصل اليقين بالحدث، وجعل الطريق إلی حصوله سماع الصوت أو وجدان الريح في خروج الريح، ومعنی ذلك انتقاء وجوب الوضوء عند الشك أو الظنّ، فالظانّ أو الشاك في حصول الحدث باقٍ علی وضوئه، وقد مضی الكلام في التقييد بالسماع أو وجدان الريح في الحديث الثاني.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 26


1- ([1]*) التهذيب1: 12/ 23، والاستبصار 1: 83/ 262 و86/ 273 و90/ 290 وأورده بتمامه في الحديث 11 من الباب 6 من هذه الأبواب.

[635] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لِلصَّادِقِ (علیه السلام) : أَجِدُ الرِّيحَ فِي بَطْنِي حَتَّى أَظُنَّ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ حَتَّى تَسْمَعَ الصَّوْتَ أَوْ تَجِدَ الرِّيحَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ يَجْلِسُ بَيْنَ أَلْيَتَيِ الرَّجُلِ فَيُحْدِثُ لِيُشَكِّكَهُ((1)*).

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ((2)*)

أَقُولُ: وَ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْوَسْوَسَةِ فِي النِّيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى((3)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحة علی عدم اعتبار الظنّ بالحدث، ولم يستفصل في الحكم بعدم الوضوء بين الظنّ بالحدث وبين الشك فيه فالحكم فيهما واحد، فإذا تيقّن الحدث بسماع صوت الريح أو وجد رائحتها فعليه الوضوء؛ لأنّ وضوءه انتقض يقيناً. وأمّا إذا ظن أو شك في حدوث الناقض جری استصحاب عدم الحدث. وقد مضی وجه التقييد بوجدان الرائحة وسماع الصوت.

والمورد وإن كان خاصّاً بالشك في الطهارة من جهة الريح، لكن يمكن التعدّي عنه إلی غيره للقطع بعدم الفرق.

ص: 27


1- ([1]*) الفقيه 1: 62/ 139.
2- ([2]*) التهذيب 1: 347/ 1018، والاستبصار 1: 90/ 288.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 1 من الباب 10 من أبواب مقدّمة العبادات.

ثمّ أوضح (علیه السلام) أنّ التشكيك ليعيد المكلّف الوضوء هو من فعل إبليس، وقد مضی في الباب العاشر من مقدمات العبادات أنّ الانسياق وراء إيحاءات الشيطان سبب للوسوسة، وهي داء عظيم ولها آثار سوء كالهمّ والغم والاضطراب والخوف ورفع النشاط، وغير ذلك، وأنّ من ضمن علاجها عن أهل بيت العصمة والطهارة هو قول الإمام الباقر أو الصادق (علیهما السلام) : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث يعتاد لما عوِّد، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك، قال زرارة: ثمّ قال: إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلی أحدكم»((1)).

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأوّل: سند الصدوق في الفقيه، وسنده إلی عبدالرحمن بن أبي عبد الله: أبوه2 عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير وغيره، عن عبدالرحمن بن أبي عبد الله((2)).

وعبدالرحمن بن أبي عبد الله وثّقه النجاشي في ضمن ترجمة حفيده إسماعيل بن همام بن عبدالرحمن بن أبي عبد الله ميمون البصري. قال: «ثقة هو

ص: 28


1- - الكافي3: 358، باب من شك في صلاته كلّها، ح 2، تهذيب الأحكام2: 188، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 48، الاستبصار1: 375، باب من شك فلا يدري صلی ركعة أو اثنتين أو ثلاثاً، ح5.
2- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة4: 426.

وأبوه وجدّه»((1))، وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة، وفي تفسير القمي، ولكن في القسم الثاني، وروی عنه المشايخ الثقات((2)). والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو: الشيخ (رحمه الله) ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي عن أحمد بن هلال عن محمد بن الوليد عن أبان بن عثمان عن عبدالرحمن بن أبي عبد الله((3)).

والمراد بالشيخ هو الشيخ المفيد (رحمه الله) ، وجعفر بن محمد هو ابن قولويه، وأبوه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، وسعد بن عبد الله هو الأشعري القمي، وكلهّم ثقات أجلّاء تقدم ذكرهم.

وأمّا الحسن بن علي فقد تقدّم في الحديث الأوّل من الباب الثامن من أبواب الماء المضاف والمستعمل أنّه مشترك بين جماعة((4))

واستقربنا أنّه الزيتوني الأشعري، وقلنا إنّه لم يرد فيه شيء إلّا كونه من رجال كامل الزيارات.

وأمّا أحمد بن هلال فهو العبرتائي، وقد فصّلنا الكلام فيه في كتابنا أصول علم الرجال وخلصنا إلى القول بأنّه ضعيف، لا يعتمد على ما يرويه في الكتب الأربعة إلّا إذا أحرز أنّ روايته كانت قبل انحرافه، أو كانت عن المشيخة لابن

ص: 29


1- - رجال النجاشي: 30/ 62.
2- - أصول علم الرجال1: 226، 303، وج2: 198.
3- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 388، الاستبصار، المشيخة4: 325.
4- - ايضاح الدلائل1: 181.

محبوب أو عن نوادر ابن أبي عمير لشهرة الكتابين((1)).

وأمّا محمد بن الوليد فهو البجلي الخزاز، قال عنه النجاشي: «محمد بن الوليد البجلي الخزاز أبو جعفر الكوفي، ثقة، عين، نقي الحديث، ذكره الجماعة بهذا، روى عن يونس بن يعقوب وحمّاد بن عثمان ومن كان في طبقتهما، وعمّر حتى لقيه محمد بن الحسن الصفار وسعد. له كتاب نوادر»((2)

قال الكشي: «محمد بن الوليد الخزاز ومعاوية بن حكيم ومصدّق بن صدقة ومحمد بن سالم بن عبد الحميد قال أبو عمرو: هؤلاء كلّهم فطحيّة، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) وكلّهم كوفيّون»((3)).

وقد مضى جواب السيد الأستاذ في المعجم((4))

عن توهّم منافاة الفطحيّة للعدالة عند الكلام في سند الحديث الثاني من الباب الرابع من أبواب الماء المضاف والمستعمل((5)).

وأمّا أبان بن عثمان فهو الأحمر أحد أصحاب الإجماع كما تقدّم((6)).

فهذا السند بوحده ضعيف.

ص: 30


1- - أصول علم الرجال2: 344 - 347.
2- - رجال النجاشي: 345/ 931.
3- - اختيار معرفة الرجال2: 835.
4- - معجم رجال الحديث19: 223.
5- - إيضاح الدلائل4: 144.
6- - ايضاح الدلائل1: 58.

[636] 6- وَفِي الْخِصَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) - فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ - قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ فَشَكَّ فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِهِ؛ فَإِنَّ الشَّكَّ لَا يَنْقُضُ الْيَقِينَ. الْوُضُوءُ((1)*) بَعْدَ الطَّهُورِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ فَتَطَهَّرُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَسَلَ فَإِنَّ مَنْ كَسِلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَنَظَّفُوا بِالْمَاءِ مِنْ نَتْنِ الرِّيحِ الَّذِي يُتَأَذَّى بِهِ، تَعَهَّدُوا أَنْفُسَكُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ مِنْ عِبَادِهِ الْقَاذُورَةَ الَّذِي يَتَأَنَّفُ بِهِ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. إِذَا خَالَطَ النَّوْمُ الْقَلْبَ وَجَبَ الْوُضُوءُ، إِذَا غَلَبَتْكَ عَيْنُكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَاقْطَعِ الصَّلَاةَ وَنَمْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي((2)*) لَعَلَّكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى نَفْسِكَ((3)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ أوّل الحديث علی أنّ من كان علی يقين فحصل له الشك بعد ذلك - لمكان الفاء الدالّة علی الترتيب - فليمض علی يقينه، وعلّل ذلك بأنّ الشك لا ينقض اليقين، ولكن هل المراد أنّ اليقين زال بحدوث الشك فيكون زمان متعلّق اليقين والشك واحداً المعبّر عنه بقاعدة اليقين أو المراد أنّ اليقين قد بقي إلى زمان الشك فيكون زمان متعلّق اليقين والشك مختلفاً المعبّر عنه بالاستصحاب؟ كلاهما محتمل، وتفصيل الكلام في محلّه.

وقد حوى هذا الحديث آداباً وأحكاماً عديدة، اقتصر الماتن على إيراد

ص: 31


1- ([1]*) وفيه: للوضوء.
2- ([2]*) في المصدر زيادة: تدعو لك أو على نفسك.
3- ([3]*) الخصال: 619 - 629.

بعضها لوقوعها بين كلامين يدلّان على عنوان الباب:

الأوّل: أنّ الوضوء للمتطهّر فيه ثواب مقداره عشر حسنات، ولذا أمر بالطهور ولو كان المكلف متطهّراً لتحصيل هذا الثواب .

الثاني: التحذير من الكسل، فإن التكاسل يؤدّي إلى ترك حقّ الله تعالى أو إلى التهاون في أدائه بحيث لا ينجزه على الوجه المطلوب منه.

الثالث: الأمر بالتنظّف بالماء لإزالة الرائحة الكريهة التي يُتأذّى منها سواء في الجسد أو الثياب، فالماء هو السائل الوحيد المتوفّر والمتاح للجميع القادر على إزالة الفضلات والقاذورات عن الجسد أو الثياب أو غيرهما بدون أن يبقي لها أثر يذكر، وهو معقّم قاتل لكثير من البكتيريا والميكروبات الضارّة والمسبّبة للروائح الكريهة.

الرابع: الأمر بتعاهد النّفس، أي التحفّظ وتجديد العهد في أمر نظافة البدن والثياب وإزالة ما يُستكره من القاذورات عنهما لئلّا يتأذّى بريحها وبمنظرها من يجالسه ويتأنّف أي: يترفع ويتنزّه عنه. وفي تحف العقول: «يتأفّف به»((1))

أي: يقول: أفٍ، تضجّراً من مجالسته، كما أنّه يكون مبغوضاً عند الله.

وقد دلّ آخر الحديث على أنّ النوم إذا خالط ومازج القلب انتقضت الطهارة السابقة، لحصول اليقين بتحقّق الناقض وهو النوم؛ فإنّه يتحقّق بنوم القلب.

وأمّا إذا حصلت المرحلة السابقة على نوم القلب وهي مغالبة نوم العين أثناء في الصلاة، وإن لم يتحقّق نوم العين فعلاً ولم تنتقض طهارته إلّا أنّ الأفضل له

ص: 32


1- - تحف العقول: 110.

أن يقطع الصلاة وينام؛ لأنّه سيكون مسلوب التوجّه، بل لا يدري ما يقول فلعلّه يدعو على نفسه.

ويحتمل أن يكون المراد من الصلاة مطلق الصلاة ويحتمل أن يراد بها صلاة الليل أو غيرها من الصلوات المستحبة؛ فإنّها التي يناسب عروض النوم فيها لتعب وغيره، وإن كان الاحتمال الأوّل لا دافع له.

سند الحديث:

قال الشيخ الصدوق في الخصال: حدّثنا أبي2 قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيی، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه (علیهم السلام) أنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه.

وقد تقدّم منّا توثيق رجال السند في مواضع متعدّدة، وتوثيق القاسم بن يحيی؛ لوروده في كتاب نوادر الحكمة((1))، وورده في سند زيارة لسيّد الشهداء (علیه السلام) ذكر الصدوق أنّها أصحّ الزيارات عنده من طريق الرواية((2))، وورد جدّه الحسن بن راشد في السند نفسه((3))، ومقتضی ذلك وثاقتهما، فالسند معتبر.

ص: 33


1- - أصول علم الرجال1: 234.
2- - من لا يحضره الفقيه2: 598، ذيل الحديث 3200.
3- - ايضاح الدلائل2: 453.

[637] 7- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِذَا اسْتَيْقَنْتَ أَنَّكَ قَدْ أَحْدَثْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحْدِثَ وُضُوءاً أَبَداً حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَنَّكَ قَدْ أَحْدَثْتَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ((2)*).

أَقُولُ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِالْوُضُوءِ مَعَ قَصْدِ الْوُجُوبِ لِمَا مَضَى((3)*) وَيَأْتِي((4)*) مِنِ اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ.

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی تعليق وجوب الوضوء علی حصول اليقين بالحدث، ثم نهی (علیه السلام) عن إحداث الوضوء، بل حذّر من تجديده ما لم يتيقّن بالحدث، ولم يرد التفصيل بين الظن بالحدث وبين الشك فيه في الحكم بعدم جواز الوضوء، وظاهر الحديث النهي عن تجديد الوضوء إذا لم يحصل اليقين بالحدث، لكن هذا محمول علی تجديد الوضوء بنيّة الوجوب فتكون هي المنهي عنها، ولعلّ علّة هذا النهي هي إيجاب التجديد للوسوسة كلّما عرض للإنسان شك أو ظن بالحدث، وهي مبغوضة للشارع؛ لما لها من

ص: 34


1- ([1]*) الكافي 3: 33/ 1، وأورده في الحديث 1 من الباب 44 من أبواب الوضوء.
2- ([2]*) التهذيب 1: 102/ 268.
3- ([3]*) مضى في الحديث 6 من هذا الباب.
4- ([4]*) يأتي في الباب 8 من أبواب الوضوء.

آثار سيّئة علی الإنسان مرّت الإشارة إلی بعضها في شرح الحديث الخامس من هذا الباب((1)) والباب العاشر من أبواب مقدّمة العبادات((2))، وأمّا تجديد الوضوء بنيّة الاستحباب، فإنّه مندوب إليه ولا إشكال فيه كما يأتي.

سند الحديث:

ذكر له المصنّف سندين:

الأوّل: ما عن الكافي، وفيه: عبد الله بن بكير عن أبيه، وأبوه هو بكير بن أعين الشيباني، وهو أخو زرارة وحمران وعبد الملك وعبدالرحمن، وقد تقدّم توثيقه((3))، وكذا بقيّة أفراد السند، والسند صحيح.

والثاني: طريق الشيخ إلی محمد بن يعقوب، وقد تقدّم الكلام عنه، وهو أيضاً صحيح.

ص: 35


1- - مضی في الصفحة: 18.
2- - ايضاح الدلائل2: 19.
3- - المصدر السابق1: 468.

[638] 8- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: أُذُنَانِ وَعَيْنَانِ تَنَامُ الْعَيْنَانِ وَلَا تَنَامُ الْأُذُنَانِ، وَذَلِكَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ وَالْأُذُنَانِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ((1)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی وجود مرتبتين لحصول النوم، إحداهما مرتبة نوم العينين، بمعنی ذهاب قوّة الإبصار وتعطّلها، وهذه لا اعتبار بها في تحقّق النوم فلا ينتقض الوضوء بحصولها، والأخری نوم الأذنين بمعنی ذهاب حاسّة السمع وتعطّلها، وظاهر الحديث ترتّب نوم الأذنين علی نوم العينين، فإذا طرأ نومهما معاً تحقّق النوم الناقض للوضوء، والظاهر أنّ نومهما معاً يدلّ علی نوم القلب، وإن لم يذكر في هذا الحديث.

سند الحديث:

في السند علي بن محمد: وهو علي بن محمد بن بندار، شيخ الكليني، تقدّم توثيقه في تمهيد الكتاب((2)).

وفي نسخة: أحمد بن محمد((3))، ويحتمل أنّ المراد به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، الثقة، أو أحمد بن محمد العاصمي ثقة من أجلاء مشايخ الكليني.

ص: 36


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 16.
2- - ايضاح الدلائل1: 26.
3- - جامع أحاديث الشيعة: 2: 423.

وفيه: أحمد بن محمد، وهو هنا مشترك بين أحمد بن محمد بن أبي نصر، وأحمد بن محمد بن عيسى، كما سيتّضح.

وفيه: ابن جمهور، وهو محمد بن جمهور العمي، وقد تقدم أنّ وثاقته وإن لم تثبت عندنا إلّا أنّه يمكن الأخذ بما رواه الشيخ الطوسي عنه وهي الروايات الخالية عن الغلو والتخليط، وهذا الحديث في الكافي لا في كتابي الشيخ.

وفيه: سعد، وهو مشترك بين جماعة تبلغ تسعة عشر في هذه الطبقة، والمعروفون منهم عدّة أشخاص:

بحث رجالي حول سعد

أحدها: سعد الإسكاف، وهو سعد بن طريف، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) وهو صحيح الحديث((1))

كما تقدّم.

الثاني: سعد بن أبي خلف الراجز، من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) وقد تقدّم أنّه ثقة وله كتاب مشهور((2)

ويروي أحمد بن محمد بن عيسی عنه بواسطة الحسن بن محبوب أو ابن أبي عميره.

الثالث: سعد بن أبي عمرو (عمر)، وهو سعد بن عمر الجلّاب، وسعد الجلّاب أيضاً، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) وله روايات، ذكر السيد الأستاذ(قدس سره) عن الوحيد في التعليقة رواية ابن أبي عمير عنه((3))، ولكن لم يثبت ذلك.

ص: 37


1- - رجال الطوسي: 115/ 1147.
2- - رجال النجاشي: 178/ 469.
3- - معجم رجال الحديث: 9: 54.

ويدور الأمر بين هؤلاء الثلاثة، وفيهم غير المعروف بالوثاقة.

كما أنّه يمكن أن يكون المراد بأحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن أبي نصرالبزنطي، إذا دار الأمر بين الأوّلَين، وأمّا أحمد بن محمد بن عيسی فيبعد إرادته؛ لأنّه يروي عن سعد بن أبي خلف بواسطة الحسن بن محبوب. وعلی فرض إرادة سعد بن أبي عمرو لم يتضح المراد من أحمد بن محمد؛ لأنّه لم ترد روايته عنه في أيّ مورد في الكتب الاربعة غير هذا المورد.

وعليه فهذا السند غير معتبر، لاشتراك سعد بين من ثبتت وثاقته ومن لم تثبت، وللإرسال، نعم يمكن تصحيح الحديث علی مبنی قبول شهادة الكليني في الكافي.

ص: 38

[639] 9- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَتَّكِئُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَدْرِي نَامَ أَمْ لَا هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ قَالَ: إِذَا شَكَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيَعْلَمُ أَنَّ رِيحاً قَدْ خَرَجَتْ فَلَا

يَجِدُ رِيحَهَا وَلَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا؟ قَالَ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَا يَعْتَدُّ بِشَيْ ءٍ مِمَّا صَلَّى إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ يَقِيناً((1)*).

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ((2)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی عدم انتقاض الطهارة بالشك في النوم، ومفهوم «إذا شك فليس عليه وضوء» أنّه إذا لم يشك فعليه الوضوء.

ودلّ أيضاً علی انتقاض الطهارة بتيقّن خروج الريح في الصلاة، وإن لم يجد الرائحة أو يسمع صوتها، والظاهر أنّ اشتراط وجدان أحد الوصفين مخصوص بحال الشك في خروج الريح كما تقدّم في الأحاديث السابقة. وعليه أن يعيد الوضوء والصلاة، ولا يجوز له البناء علی ما مضی منهما إذا حصل له اليقين بتحقّق خروج الريح.

ثم إنّه لا خصوصيّة لانتقاض الطهارة بتيقّن خروج الريح في الصلاة، فيعمّ

ص: 39


1- ([1]*) قرب الإسناد: 83 الفقرة الأولى، والفقرة الثانية في: 92.
2- ([2]*) مسائل علي بن جعفر 205/ 437 و184/ 358.

الحكم انتقاض الطهارة ولو في غير الصلاة ولو كان الناقض غير الريح.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأوّل: سند الحميري في قرب الإسناد وفيه: عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثّق كما مرّ، وقد سبق أنّه يمكن تصحيح السند بوجوه ثلاثة وبها يمكن تصحيح جميع روايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((1)).

الثاني: علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) في كتاب مسائل علي بن جعفر، وقد ذكرنا سابقاً أنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلی هذا الكتاب، وللصدوق طريق آخر معتبر إلی خصوص ما رواه الحميري من مسائل علي بن جعفر، كما في هذا الحديث.

ص: 40


1- - التقيّة1: 452 - 454.

[640] 10- وَرَوَى الْمُحَقِّقُ فِي الْمُعْتَبَرِ عَنْهُ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْ ءٌ أَمْ لَا؟ لَمْ يَخْرُجْ((1)*) مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً((2)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((3)*).

المتحصل من الأحادیث

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من وجد في بطنه شيئاً من حركة الأمعاء وشكّ في خروج الريح منه، لم يكن له أن يرتّب الأثر على ذلك بأن يخرج من المسجد لاعتقاده انتقاض وضوئه، ويكون خروجه لأجل تجديد الوضوء مثلاً، بل لابدّ من العلم بخروج الريح، ويعرف ذلك في حال الشك إمّا بسماع صوتها أو وجدان ريحها.

سند الحديث:

الحديث مرسل.

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، الأوّلان صحيحان، والثالث صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، والرابع موثّق، والخامس صحيح بسنده الأوّل وضعيف بسنده الثاني، والسادس معتبر، والسابع صحيح بسنديه، والثامن غير

ص: 41


1- ([1]*) في المصدر: فلا يخرج.
2- ([2]*) المعتبر: 31.
3- ([3]*) يأتي ما يدلّ على ذلك: في الحديث 6 - 8، 11، 12 من الباب 3 من هذه الأبواب وفي الحديث 1 من الباب 9 من هذه الأبواب.

معتبر إلا أنه يمكن تصحيحه، والتاسع معتبر بسنديه، والعاشر ضعيف بالإرسال.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أنّ النوم ناقض للطهارة، ويتحقّق بحصول مرتبة ذهاب السمع والعقل، لا بالمرتبة الأولى وهي نوم العين.

2- لزوم حصول اليقين بتحقّق الناقض فلا يكفي حصول الشك أو الظن به.

3- أنّ استصحاب الطهارة جارٍ عند الشك أو الظن بطروّ التناقض لها.

4- أنّ من جملة نواقض الطهارة: النوم وخروج البول والغائط والريح.

5- مرجوحيّة الانسياق وراء تشكيكات إبليس في الطهارة.

6- أنّ الوضوء للمتطهّر مشروع وفيه ثواب.

7- أنّ التكاسل يؤدّي إلی ترك حقّ الله تعالی أو إلی التهاون في أدائه.

8- مطلوبيّة النظافة بالماء لإزالة الرائحة الكريهة.

9- مطلوبيّة تعاهد النفس بالنظافة في البدن واللباس، لئلّا يتأذی من يجالسه.

10- عدم جواز إحداث وضوء بنيّة الوجوب للمتوضّي، واستحباب ذلك له بنيّة الاستحباب.

11- مرجوحيّة إعادة الوضوء كلّما عرض شك في الحدث؛ لإيجاب ذلك الوسوسة.

12- انتقاض الطهارة بتيقّن خروج الريح في الصلاة، وإن لم يجد الرائحة أو يسمع صوتها، فعليه أن يعيد الوضوء والصلاة، ولا يجوز له البناء علی ما مضی منهما إذا حصل له اليقين بتحقّق خروج الريح.

ص: 42

2- بَابُ أَنَّ البَولَ وَالغَائِطَ وَالرِّيحَ وَالمَنِيَّ وَالجَنَابَة تَنقُضُ الوُضُو ءَ

اشارة

2- بَابُ أَنَّ البَولَ وَالغَائِطَ وَالرِّيحَ وَالمَنِيَّ وَالجَنَابَةَ تَنقُضُ الوُضُوءَ

شرح الباب:

ذكر الماتن في هذا الباب خمسة أمور توجب نقض الوضوء، ويجمعها أنّها تتعلّق بالقبل والدبر، فالبول والمني من القبل، والغائط والريح من الدبر، وإنّما ذكر الجنابة بعد ذكره للمني الذي هو موجب لها؛ لأنّ الجنابة حدث قد يحصل بدون إنزال للفاعل والمفعول به بالإيلاج في أحد الفرجين، فهي تنقض الوضوء أيضاً.

وأمّا مثل الرّعاف والحجامة وغيرهما ممّا يخرج من غير السبيلين فلا ينقض الوضوء.

أقوال الخاصّة:

أجمعت الخاصّة على ناقضيّة هذه الأمور الخمسة، وأمّا النوم فسيأتي الكلام عنه في الباب الآتي، قال شيخ الطائفة في المبسوط: «ما ينقض الوضوء على ثلاثة أضرب: أحدها: ينقضه ولا يوجب الغسل، وثانيها: ينقضه ويوجب الغسل، وثالثها: إذا حصل على وجه نقض الوضوء لا غير، وإذا حصل على وجه آخر أوجب الغسل.

ص: 43

فما أوجب الوضوء لا غير: البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع والبصر، وكل ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر أو غير ذلك، وما يوجب الغسل فخروج المني على كل حال، والتقاء الختانين والحيض والنفاس ومسّ الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل على خلاف بين الطائفة، والقسم الثالث دم الاستحاضة فإنّه إذا خرج قليلاً لا يثقب الكرسف نقض الوضوء لا غير، وإن ثقب أوجب الغسل، ولا ينقض الوضوء شيء سوى ما ذكرناه، وإنّما نذكر ممّا لا ينقض الوضوء ما فيه خلاف بين العلماء أو فيه اختلاف الأخبار عن الأئمة (علیهم السلام) فمن ذاك الوذي والمذي والقيح...»((1)).

ويفهم منه أنّ نقض البول والغائط والريح إجماعي، ولا يوجب الغسل، وكذا خروج المني والجنابة مع ايجابهما الغسل.

أقوال العامّة:

الظاهر أن العامّة أيضاً مجمعون على ناقضيّة ما يخرج من السبيلين، فهم يشتركون مع الخاصّة في ناقضيّة البول والغائط والريح والمني، ودم الاستحاضة، وإن فارقوهم في مثل المذي والوذي.

قال في المغني: إن «الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعاً، قال

ص: 44


1- - المبسوط1: 26.

ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كلّ واحد منها الطهارة. ويوجب الوضوء ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامّة أهل العلم إلّا في قول ربيعة»((1)).

ص: 45


1- - المغني1: 160.

[641] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ وَحَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ أَوِ النَّوْمُ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّه لا ينقض الوضوء شيء ممّا يخرج من الإنسان إلا ما خرج من الطرفين، فلا ينتقض بخروج القيء والرّعاف ونحوهما، فالحديث دالّ على أنّ نواقض الوضوء - بمقتضى القصر - هي النوم وما يخرج من طرفي الإنسان، المعبّر عنهما في غير هذا الحديث بالطرفين الأسفلين؛ لوقوعهما في أسفل الإنسان، والمراد منهما القبل والدبر، وعلى هذا فالإطلاق يشمل كلّ ما يخرج من الإنسان من البول والمني والحيض والاستحاضة والنفاس، والغائط والريح، بلا فرق بين القليل والكثير، بل مقتضى العموم - المستفاد من كلمة (ما) الموصولة - الشمول لكلّ ما يخرج ممّا عدا المذكورات كالمذي والوذي والقيح وغير ذلك، إلا أنّه يقال: إنّ الموصول كما يأتي للعموم يأتي للعهد، والمعهود هو المتعارف هنا، ويضاف إلى ذلك أحاديث حصر النواقض؛ فإنّها تخرج هذه الأمور وأمثالها عن دائرة ما ينقض الوضوء.

والقصر فيه إضافي فلا يقال: إن النواقض لا تنحصر في ما ذكر؛ فإنّ من النواقض السكر والإغماء والجنون، ومسّ الميّت، وغيرها.

ص: 46


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 2، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 3 من هذه الأبواب.

ويحتمل خروج الدماء الثلاثة عن المراد إذا اقتصرنا علی الخطاب - حيث إنّه متوجّه إلی زرارة فيكون المراد صنفه، وهو الرجل، لا نوعه وهو الإنسان - فيخرج الحيض والاستحاضة والنفاس، ويكون الكلام فيما يخرج من طرفي الرجل لا المرأة.

وكأنّ هذا الحديث ردّ علی المخالفين القائلين بناقضيّة الرعاف والقيء ونحوهما للوضوء.

سند الحديث:

تقدّم منّا الكلام في إسناد الشيخ إلی الحسين بن سعيد((1))، وفي هذا السند: حمّاد، وهو حمّاد بن عيسی، وحريز هو حريز بن عبد الله السجستاني، والسند صحيح، مضافاً إلی أنّ كتاب الحسين بن سعيد مشهور غير محتاج إلی الطريق.

ص: 47


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[642] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیهما السلام) : مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالا: مَا يَخْرُجُ مِنْ طَرَفَيْكَ الْأَسْفَلَيْنِ مِنَ الذَّكَرِ وَالدُّبُرِ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ أَوْ مَنِيٍّ أَوْ رِيحٍ وَالنَّوْمُ حَتَّى يُذْهِبَ الْعَقْلَ، وَكُلُّ النَّوْمِ يُكْرَهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَسْمَعُ الصَّوْتَ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ زُرَارَةَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُذْهِبَ الْعَقْلَ((3)*).

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث بإطلاقه على ناقضيّة كلّ ما يخرج من الطرفين الأسفلين، بلا فرق بين القليل منه والكثير، وقوله (علیه السلام) «من الذكر والدبر» بيان للطرفين الأسفلين، و(مِنْ) في قوله (علیه السلام) : «من الغائط» بيانيّة، لبيان ما ينقض الوضوء ممّا يخرج من الذكر والدبر، حتّى لا يتوهّم العموم لكلّ ما يخرج، فتخصيصه (علیه السلام) ما يخرج من السبيلين بهذه الأربعة يدلّ على عدم النقض بخروج المذي والوذي والدود والدم والحقنة وأمثالها، وأمّا الدماء الثلاثة فلعلّه (علیه السلام) إنّما لم يذكرها لأنّ الكلام في ما يخرج من طرفي الرجل، كما هو مقتضى الخطاب لزرارة.

ص: 48


1- ([1]*) التهذيب 1: 9/ 15.
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 6.
3- ([3]*) الفقيه 1: 37/ 137.

ويدلّ أيضاً على ناقضية النوم المذهب للعقل، قال الشيخ البهائي(قدس سره) في معنى قوله (علیه السلام) : «وكلّ النوم يكره إلّا أن تكون تسمع الصوت»: «معناه أنّ كل نوم يفسد الوضوء إلّا نوماً يسمع معه الصوت، فعبّر (علیه السلام) عن الإفساد بالكراهة، وهذه الجملة بمنزلة المبيّنة لما قبلها، فكأنّه (علیه السلام) بَيّن أنّ النوم الذي يذهب به العقل علامته عدم سماع الصوت».((1))

سند الحديث:

لهذا الحديث ثلاثة اسانيد:

أوّلها: سند الشيخ في التهذيب، وفيه: أحمد بن الحسن، وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد سبق أنّه من مشايخ المفيد، ولم يرد فيه توثيق، ولكن لشيخ طريقين معتبرين وللصدوق أيضاً طريق صحيح لجميع روايات أبيه((2)).

وأمّا أبوه فهو محمد بن الحسن بن الوليد، والمراد بالصفّار هو محمد بن الحسن، وأمّا أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسی، وقد مرّ بيان وثاقتهم وجلالتهم مع بقيّة أفراد السند.

هذا، مضافاً إلى أنّ كتاب الحسين بن سعيد مشهور غير محتاج إلى الطريق، والسند معتبر.

ص: 49


1- - الحبل المتين: 1: 129. أقول: وقال المحدّث الكاشاني في الوافي: «إنّما عبر عن نقض الوضوء بالكراهية لأنّ النواقض مما يستكره» الوافي: 6: 201. ولعلّ ما أفاده الشيخ البهائي أوجه، لأنّ الحديث خصّ النوم بالكراهة، لا مطلق النواقض كما ذهب إليه المحدّث الكاشاني. [المقرّر].
2- - ايضاح الدلائل1: 218.

الثاني: سند الكليني في الكافي، ويشترك مع سند الشيخ في حمّاد ومن بعده، والسند معتبر.

الثالث: سند الصدوق في الفقيه إلى زرارة، وهو: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى بن عبيد، والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل بن عيسی كلّهم عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة بن أعين((1)).

والسند صحيح أعلائي.

ص: 50


1- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة4: 425.

[643] 3- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابْنَ عِيسَى، عَنْ أُدَيْمِ بْنِ الْحُرِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: لَيْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ الْأَسْفَلَيْنِ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على حصر النواقض في ما يخرج من السبيلين، المعبّر عنهما هنا بالطرفين الأسفلين، ولا ريب في أنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى ما يخرج من غيرهما كالرّعاف والقيء وغيرهما ممّا عدّه العامّة من النواقض، وكأنّ هذا الحديث ردّ عليهم، وإنّما كان الحصر إضافيّاً لدلالة الأحاديث على وجود نواقض أخرى غير ما ذكر كالنوم وذهاب العقل وغير ذلك، كما أنّ تلك الأحاديث تدلّ أيضاً على أنّه ليس كلّ ما يخرج من السبيلين ناقض.

سند الحديث:

في السند: فضالة، وهو فضالة بن أيّوب.

وفيه: عثمان، وفسّره الماتن بأنّه ابن عيسی، والظاهر أنّ في السند سقطاً، والصحيح: حمّاد بن عثمان بقرينة سائر الروايات، حيث ورد فيها: الحسين بن سعيد عن فضالة عن حمّاد بن عثمان.

وفيه: أديم بن الحرّ، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ،

ص: 51


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 36.

ووصفه بالكوفي الخثعمي((1))، وقال عنه النجاشي: «أديم بن الحرّ الجعفي مولاهم، كوفي، ثقة، له أصل»((2)).

ونقل الكشي عن نصر بن الصباح أنّه قال عنه: «أبو الحرّ اسمه أديم بن الحرّ، وهو حذّاء، صاحب أبي عبد الله (علیه السلام) روی نيفاً وأربعين حديثاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) ((3))، وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 52


1- - رجال الطوسي: 156/ 1716.
2- - رجال النجاشي: 106/ 267.
3- - اختيار معرفة الرجال2: 636/ 645.

[644] 4- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ الْأَسْفَلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِهِمَا((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على حصر ما ينقض الوضوء في ما يخرج من الطرفين الأسفلين اللذين أنعم الله بهما على الإنسان لحِكَم متعدّدة، من أبرزها كونهما طريقين معدّين لتسهيل خروج فضلات الطعام والشراب من جسمه؛ فإنّ بقاء تلك الفضلات في جسم الإنسان مدّة يوجب تعفّنها وصيرورتهما مواد فاسدة قد تمتزج مع الدم ومنه تنتشر في أجزاء الجسم، ممّا يسبب أمراضاً خبيثة، والحصر هنا إضافي كما تقدّم.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

السند الأوّل: سند الكليني، وهو ينحلّ إلى طريقين:

الأوّل: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن صفوان، وقد قلنا إنّ

ص: 53


1- ([1]*) الكافي 3: 35/ 1.
2- ([2]*) التهذيب 1: 10/ 17، والاستبصار 1: 85- 271.

محمد بن إسماعيل مشترك، وإنّ المراد من محمّد بن إسماعيل الذي يروي عن الفضل بن شاذان ويروي عنه الكليني هو محمّد بن إسماعيل النيسابوري البندقي، وهو لم يوثّق، إلّا أنّ روايات الفضل بن شاذان التي يرويها الكليني والشيخ معتبرة، لوجود طريق آخر صحيح للكليني، كما أنّ للشيخ طرقاً تبلغ ثمانية، وبعضها صحيح في الفهرست والمشيخة((1)).

والثاني: أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيی.

وفيهما: سالم أبوالفضل، وهو سالم الحنّاط، قال عنه النجاشي: «سالم الحنّاط أبوالفضل، كوفي، مولی، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) . ذكره أبوالعباس، روی عنه عاصم بن حميد وإسحاق بن عمار. له كتاب يرويه صفوان»((2)). والسند معتبر.

والسند الثاني: سند الشيخ إلی الكليني، وهو الإسناد السابق نفسه، وهو معتبر أيضاً.

ص: 54


1- - أصول علم الرجال2: 448- 458.
2- - رجال النجاشي: 190/ 508.

[645] 5- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَكُلِّ دَمٍ سَائِلٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا وُضُوءٌ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِنْ طَرَفَيْكَ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِمَا عَلَيْكَ((1)*).

رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْخِصَالِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ الْمُرَادِيِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ بَدَلَ الرُّعَافِ الْقَيْ ءَ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

الرّعاف: الدم يخرج من الأنف((3))، والحجامة: حرفة الحجّام وفعله، والحجّام: المصّاص. قال الأزهري: يقال للحاجم: الحجّام؛ لامتصاصه فم المحجمة((4)).

ويدلّ الحديث علی أنّ الرعاف والحجامة وكلّ دم يسيل ولا يقف علی الجرح - ما عدا الدماء الثلاثة -؛ لما يجيء في الأبواب الآتية لا ينقض الوضوء، بل الوضوء يُنقض بسبب الطرفين، أي: ما يخرج منهما، وهذا ردّ علی مثل أبي

ص: 55


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 13، وأورده أيضاً في الحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
2- ([2]*) الخصال: 34/ 3.
3- - الصحاح4: 1365، مادة: رعف.
4- - تاج العروس16: 129، مادة: حجم.

حنيفة الذي ذهب إلی أنّ الدم إن كان واقفاً علی الجرح فلا ينقض الوضوء، وأمّا إذا كان سائلاً فهو ينقضه، ويدلّ أيضاً علی حصر ما ينقض الوضوء في ما يخرج من الطرفين الأسفلين اللذين أنعم الله بهما علی الإنسان، والحصر إضافي كما سبق.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أوّلهما: سند الكليني، وفيه محمد بن الحسن، وقد قلنا إنّه إمّا الصفار أو الطائي((1))، وكلاهما ثقتان.

وفيه ابن مسكان وهو عبد الله بن مسكان. والسند ضعيف بسهل، ويمكن أن يصحّح الحديث؛ لوجوده في الكافي.

وثانيهما: سند الصدوق في الخصال، وفيه: محمد بن سماعة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) وقال: «محمد بن سماعة العنزي البكري، كوفي»((2))،وقال عنه النجاشي: «محمد بن سماعة بن موسی بن رويد بن نشيط الحضرمي مولی عبدالجبار بن وائل بن حجر أبوعبد الله والد الحسن وإبراهيم وجعفر وجد معلّی بن الحسن، وكان ثقة في أصحابنا وجهاً. له كتاب الوضوء، وكتاب الحيض، وكتاب الصلاة، وكتاب الحج»((3)).والسند صحيح أعلائي.

ص: 56


1- - ايضاح الدلائل1: 30- 32.
2- - رجال الطوسي: 285/ 4140.
3- - رجال النجاشي: 329/ 890.

[646] 6- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ النَّاسُورِ((1)*) أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: إِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثَلَاثٌ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ((3)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ((4)*).

أَقُولُ: الْحَصْرُ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسُورِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا بَعْضُ أَحَادِيثِ الْحَصْرِ، أَعْنِي مَا لَهُ مُخَصِّصٌ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ التَّقِيَّةِ.

[6] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ الناسور غير ناقض للوضوء، مع أنّه يخرج منه الدم، وقد يسيل، ويستفاد من عدم التفصيل أنّه غير ناقض وإن سال، ويدلّ أيضاً على أنّ الناقض محصور في ثلاثة أشياء: البول والغائط والريح، ومن البيّن أنّ هذا الحصر إضافي بالنسبة لما يخرج من الطرفين غير هذه الثلاثة كالدم ونحوه.

ص: 57


1- ([1]*) الناسور: بالسين والصاد: عرق غبر في باطنه فساد فكلّما بدا أعلاه، رجع غبرا فاسداً (لسان العرب 5: 205).
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 2، ويأتي في الحديث 2 من الباب 16 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) التهذيب 1: 10/ 18، والاستبصار 1: 86/ 2.
4- ([4]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 22/ 47.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وفيه محمد بن يحيى، وهو محمد بن يحيى العطّار الثقة العين، وأحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري.

وفيه أيضاً: محمد بن سهل، قال عنه النجاشي: «محمد بن سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمي، روی عن الرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) . له كتاب يرويه جماعة»((1)) فله كتاب مشهور، وهو وإن لم يوثّق صريحاً، إلا أنّه ورد في الفقيه وفي مشيخة الفقيه فيمكن اعتبار حديثه؛ لشهادة الصدوق بأنّه لا يروي إلّا عن الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع((2))، كما أنّه ورد في كتاب الخرائج ما يفيد مدحه بما هو تالي تلو التوثيق، وإن كان هو الراوي للرواية، وهو ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع قال: «كنت مجاوراً بمكة، فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني (علیه السلام) وأردت أن أسأله كسوة يكسونيها، فلم يقض لي أن أسأله حتي ودّعته وأردت الخروج فقلت: أكتب إليه وأسأله. قال: فكتبت إليه الكتاب، فصرت إلى مسجد الرسول| على أن أصلّي ركعتين وأستخير الله مائة مرة، فإن وقع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب بعثت به وإلّا خرقته، ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أفعل، فخرقت الكتاب، وخرجت من

ص: 58


1- - رجال النجاشي: 367/ 996.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 3.

المدينة، فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار، ويسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إليَّ، فقال: مولاك بعث إليك بهذا. وإذا مُلاءتان، قال أحمد بن محمد: فقضى [الله] أنّي غسّلته حين مات، وكفّنته فيهم»((1)) والراوندي وإن لم يكن في طبقة أحمد بن محمد إلّا أنّ له طريقاً صحيحاً إلى شيخ الطائفة، والشيخ له طريق صحيح إلى أحمد بن محمد، والرواية دالّة على ما أشرنا إليه؛ فإنّ عناية الإمام (علیه السلام) به وبعث الثوبين إليه، وتكفين أحمد بن محمد له بهما يدلّان على جلالته وحسنه بما هو تالي تلو التوثيق، كما أنّ تصديق أحمد بن محمد للرواية شاهد صدق على صحّتها، أضف إلى ذلك كلّه أنّه يمكن تصحيح الحديث بناء على قبول شهادة الكليني بصحّة أحاديث كتابه.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو كسابقه.

والثالث: سند الصدوق في عيون الأخبار، وهو كسابقيه.

ص: 59


1- - الخرائج والجرائح2: 668.

[647] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ وَعُيُونِ الْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) قَالَ: إِنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ خَاصَّةً وَمِنَ النَّوْمِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ((1)*) لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ هُمَا طَرِيقُ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ طَرِيقٌ تُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا مِنْهُمَا فَأُمِرُوا بِالطَّهَارَةِ عِنْدَمَا تُصِيبُهُمْ تِلْكَ النَّجَاسَةُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، الْحَدِيثَ((2)*).

[7] - فقه الحديث:

يفيد الحديث أنّ ما يخرج من الطرفين بالإضافة إلی النوم ينقض الوضوء ويوجبه، وهذا المقطع من الحديث تعليل لإيجاب هذه الأمور للوضوء، دون غيرها من النواقض، والعلّة المذكورة هي أنّ السبيلين هما طريق منحصر للنجاسة التي تكون من نفس الإنسان، ولمّا كان هو الذي يتسبّب بحدوثها عن طريق الأكل والشرب كانت هذه النجاسة من نفسه، وتجيء هذه النواقض من الإنسان لا لإرادته لها أو استلذاذه بها، بل هو مكره عليها، فلذا رضي الله سبحانه منه بالوضوء، بخلاف الجنابة؛ فإنّه هو الساعي إلی حصولها والطالب لها، ولذا أوجب عليه الغُسل، كما يأتي في الحديث العاشر.

ولمّا كان حصول هذه الأحداث موجباً لنقض الطهارة السابقة صار العبد غير طاهر، فلا يليق بالقرب من الساحة الربوبيّة فهو بعيد عنها، ولا لياقة لديه

ص: 60


1- ([1]*) في العلل زيادة: قيل.
2- ([2]*) علل الشرائع 257، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 104.

للقيام بين يدي الجبّار سبحانه؛ فإنّ الحضور عند جناب الحقّ تعالى يتمّ بواسطة الصلاة وتلاوة القرآن، والحضور في تلك الحضرة الطاهرة المقدسة، والقيام اللائق بين يدي الرب الجليل لا يمكن إلا مع الطّهارة.

والوضوء منشأ للطّهارة الروحيّة الباطنيّة وهو السبيل إليها، فبحدوثها تتنوّر الروح وتصفو النفس، وبواسطتها تتشبّه النفس البشريّة بالملائكة الروحانيّين، وتكون لائقة ومستحقّة لأن تتطلّع وتطّلع على ملكوت السماوات والأرضين، وتلك هي الغاية العظمى والمنزلة الكريمة.

وقد ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام) في علّة تشريع الوضوء قوله: «يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النّعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار»((1)).

سند الحديث:

السند في العلل: حدثني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطّار قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري. وذكره أيضاً في عيون أخبار الرضا (علیه السلام) .

وفيه: عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، وقد تقدّم أنّ الصدوق ترضّى عنه((2)) فيكون ثقة. وعلي بن محمد بن قتيبة تقدّم أنّه ثقة؛ لاعتماد الكشي

ص: 61


1- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) : 2: 111، علل الشرائع: 1: 257، ب 182، ح9.
2- - ايضاح الدلائل2: 181.

عليه((1)). فهذا السند معتبر.

وزاد في العيون سنداً آخر وهو: حدّثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان.

وفيه: جعفر بن نعيم بن شاذان، تقدّم أنّ الصدوق ترضّى عنه((2)) فيكون ثقة، وأمّا محمد بن شاذان فتستفاد وثاقته ممّا ورد في التوقيع الشريف المروي عن الحجّة - أرواحنا فداه - حيث جاء فيه: «وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا»((3))، فقد ذكرنا في كتابنا التقيّة: أن «فيه إشعاراً بمكانته الاجتماعيّة، الأمر الذي دفع إسحاق بن يعقوب للسؤال عنه، كما أنّ في جواب الإمام (علیه السلام) تصريحاً بأنّ محمد بن شاذان ذو شأن عند الأئمة (علیهم السلام) ولذا أضافه (علیه السلام) إليهم وعدّه من شيعتهم، فقد يقال: إنّ ذلك وإن لم يدل صراحة على الوثاقة إلّا أنّه لا يقصر عنها، وبناء على اعتبار سند التوقيع الشريف كما حقّقناه في محلّه من هذا الكتاب((4))... ويترتّب علی ذلك اعتبار جميع روايات الصدوق عن الفضل الواردة عن طريق محمد بن شاذان بن نعيم»((5)) فالسند معتبر أيضاً.

ص: 62


1- - ايضاح الدلائل1: 334.
2- - ايضاح الدلائل2: 265.
3- - الخرائج والجرائح3: 1114.
4- - التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2: 403- 404.
5- - التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 3: 152.

[648] 8- وَفِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِالْإِسْنَادِ الْآتِي، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ مَحْضِ((1)*) الْإِسْلَامِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي كِتَابٍ طَوِيلٍ: وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَوْمٌ أَوْ جَنَابَةٌ((2)*).

[8] - فقه الحديث:

هذه قطعة من حديث طويل كتبه الإمام الرضا (علیه السلام) إجابة لسؤال المأمون إيّاه عن محض الإسلام، والمحض هو الخالص الذي لم يخالطه شيء، والمراد الإسلام الخالص الصريح الذي لم يخلط بشيء خارج عنه، فكتب (علیه السلام) أنّ من جملة ذلك هذه النواقض، والحصر هنا في المذكورات إضافي بالنسبة إلی غير المذكورات كالرّعاف والقيء وغيرهما، وكالمذي والودي والوذي.

سند الحديث:

أشار الماتن إلی السندين السابقين في الحديث السابع من هذا الباب، وهما معتبران.

ص: 63


1- ([1]*) في نسخة: «محنة» منه قده.
2- ([2]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 123.

[649] 9- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ اللَّذَيْنِ جَعَلَ((1)*) اللَّهُ لَكَ، أَوْ قَالَ: اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِمَا((2)*) عَلَيْكَ((3)*).

[9] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث علی أنّه لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من الطرفين، فلا ينتقض الوضوء بخروج القيء والرّعاف ونحوهما، وعلی هذا فالإطلاق يشمل كلّ ما يخرج من الإنسان من البول والمني والحيض والاستحاضة والنفاس، والغائط والريح، بلا فرق بين القليل والكثير، وأمّا ما عدا المذكورات - كالمذي والوذي والقيح وغير ذلك - وإن كان مقتضی العموم دخولها في النواقض إلّا أنّ أحاديث حصر النواقض تخرجها عن دائرة ما ينقض الوضوء.

والحصر إضافي كما تقدّم في الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

السند في العيون: حدّثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان، قال:

ص: 64


1- ([1]*) في المصدر: جعلهما.
2- ([2]*) بهما: ليس في المصدر.
3- ([3]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 18/ 44.

حدّثني عمّي أبو عبد الله محمد بن شاذان، قال: حدّثنا الفضل بن شاذان، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا (علیه السلام) وهو السند الثاني الذي مضی في الحديث السابع من هذا الباب، وهو معتبر.

ص: 65

[650] 10- وَبِأَسَانِيدِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فِي جَوَابِ الْعِلَلِ عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) قَالَ: وَعِلَّةُ التَّخْفِيفِ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَدْوَمُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَرَضِيَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِكَثْرَتِهِ وَمَشَقَّتِهِ وَمَجِيئِهِ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ مِنْهُمْ((1)*) وَلَا شَهْوَةٍ، وَالْجَنَابَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالاسْتِلْذَاذِ مِنْهُمْ وَالْإِكْرَاهِ((2)*) لِأَنْفُسِهِمْ((3)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((4)*) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُنَا وَفِي كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ((5)*).

[10] - فقه الحديث:

علّل الحكم في تشريع الوضوء دون الغسل - عند حدوث البول أو الغائط - لكونه أخفّ مؤونة علی المكلّفين من الغسل، فلو كلّف الله سبحانه بالغُسل عند

ص: 66


1- ([1]*) في نسخة: «منه»،(منه قده).
2- ([2]*) أضاف في هامش الأصل (منه) عن نسخة.
3- ([3]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 88/ 1.
4- ([4]*) تقدم ما يدلّ عليه في الأحاديث 2 - 5، 9 من الباب 1 من هذه الأبواب.
5- ([5]*) يأتي ما يدلّ عليه: أ - في الحديث 1 و4 من الباب 3 من هذه الأبواب. ب - وفي الحديث 2، 5 من الباب 5 من هذه الأبواب. ج - وفي الحديث 11 من الباب 6 من هذه الأبواب. د - وفي الحديث 1، 10 من الباب 7 من هذه الأبواب. ه- - وفي الحديث 3، 5 من الباب 15 من هذه الأبواب. و - وفي الحديث 18 من الباب 15 من أبواب الوضوء. ز - وفي الباب 2 من أبواب الجنابة.

حدوثهما لأوجب ذلك نوع مشقّة عليهم، لكثرة ما يبتلون بهما ودوامه، ومجيء هذه النواقض من الإنسان لا لإرادته لها أو استلذاذه بها، بل هو مكره عليها، فلذا رضي الله سبحانه بالوضوء، بخلاف الجنابة فإنّ المكلّف هو الطالب لها والساعي إلی حصولها، وحدوثها إنّما يكون بإرادته واشتهائه، كما أنّها ليست بكثرة الناقضين السابقين ولا في دوامهما، ولذا أوجب عليه الغُسل.

سند الحديث:

الأسانيد في عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ثلاثة، وهي:

السند الأوّل: حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله) ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان.

وفيه: محمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن أبي القاسم، وقد مضى أنّهما ثقتان((1))، وأمّا محمد بن علي الكوفي فهو ضعيف، ولكن ما رواه الصدوق في الفقيه عنه خالٍ عن التخليط والغلو والتدليس ولم ينفرد به، وكذا الشيخ في الفهرست((2)) على ما تقدّم((3))، ولكن هذا الحديث ليس في الفقيه ولم يعلم أنّه من كتابه، فيكون هذا السند ضعيفاً به.

وأمّا محمد بن سنان فقد سبق أنّا رجّحنا وثاقته((4))، وللشيخ طريق صحيح في الفهرست إلى كل ما رواه، قال: «وجميع ما رواه إلّا ما كان فيها من تخليط أو

ص: 67


1- - ايضاح الدلائل4: 270 و2: 65.
2- - فهرست الطوسي: 223/ 624.
3- - ايضاح الدلائل2: 243- 245.
4- - أصول علم الرجال2: 402 - 420.

غلو، أخبرنا به جماعة، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن جميعاً، عن سعد والحميري ومحمد بن يحيی، عن محمد بن الحسين وأحمد ابن محمد، عنه»((1))، وبهذا الطريق يصحّ الحديث.

السند الثاني: وحدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ومحمد بن أحمد السناني وعلي بن عبد الله الوراق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد ابن إسماعيل، عن علي بن العباس، قال: حدّثنا القاسم بن الربيع الصحاف، عن محمد بن سنان.

وفيه: الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وهو المؤدب، وقد ترضّى عنه الصدوق كثيراً فيكون ثقة. وأمّا محمد بن أبي عبد الله الكوفي فهو محمد بن جعفر بن محمد الأسدي، من مشايخ الكليني، وقد سبق أنّه ثقة صحيح الحديث، وكان أحد الأبواب، ومن السفراء الممدوحين((2)).

وأمّا محمد بن إسماعيل فقد سبق أنّه مشترك((3)) والمراد منه هنا البرمكي؛ لروايته عن علي بن العباس، ورواية محمد بن أبي عبد الله الكوفي أو الأسدي عنه. قال عنه النجاشي: «محمد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة أبو عبد الله، سكن قم، وليس أصله منها. ذكر ذلك

ص: 68


1- - فهرست الطوسي: 219 - 220/ 619.
2- - ايضاح الدلائل1: 313- 314.
3- - المصدر السابق: 299.

أبو العباس بن نوح. وكان ثقة مستقيماً. له كتب»((1)).

وأمّا علي بن العباس فهو الجراذيني، وقد تقدّم أنّه ضعيف((2)).

وأمّا القاسم بن الربيع الصحّاف فلم يرد له توثيق، نعم وقع في تفسير علي بن إبراهيم، لكنّه في القسم الثاني منه((3)) فلا يشمله التوثيق. لكن يمكن تصحيح هذا السند كما سبق.

السند الثالث: وحدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي وعلي بن عيسی المجاور في مسجد الكوفة وأبو جعفر محمد بن موسى البرقي بالري4 قالوا: حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان أنّ عليّ بن موسى الرضا (علیه السلام) كتب إليه في جواب مسائله.

وفيه: علي بن أحمد بن عبد الله البرقي تقدّم أن الصدوق ترضّى عنه((4)).

وأمّا علي بن عيسى ومحمد بن موسی البرقي فقد ترضّى عنهما أيضاً.

وقد تقدّم الكلام في بقيّة السند. فهذا السند معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، أوّلها صحيح، والثاني معتبر بسنديه الأوّلين، وسنده الثالث صحيح، والثالث والسابع معتبر بسنديه والتاسع معتبر، والرابع والثامن لكلّ منهما سندان والكلّ معتبر، والخامس سنده الأوّل ضعيف وسنده الثاني صحيح أعلائي، والسادس حسن والعاشر لكلّ منهما ثلاثة أسانيد

ص: 69


1- - رجال النجاشي: 341/ 915.
2- - ايضاح الدلائل2: 483- 484.
3- - أصول علم الرجال1: 308.
4- - ايضاح الدلائل2: 428.

ضعاف، ولكن يمكن تصحيحها.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أنّ كلّ ما يخرج من الإنسان من البول والمني والحيض والاستحاضة والنفاس، والغائط والريح، ناقض للوضوء.

2- أنّه لا فرق بين القليل والكثير من النواقض المذكورة.

3- أنّ المذي والوذي والقيح والقيء، والدم الخارج من الفم أو غيره حتّى الخارج من السبيلين، والرّعاف والحجامة وغير ذلك لا ينقض الوضوء.

4- أنّ النوم المذهب للعقل ناقض للوضوء، وعلامته عدم سماع الصوت، وأمّا ما يسمع معه الصوت فليس بناقض.

5- أنّ الناسور غير ناقض للوضوء، مع أنّه يخرج منه الدم، وقد يسيل، فهو وإن سال غير ناقض.

6- أنّ العلة أي الحكمة في تشريع الوضوء - عند حدوث البول أو الغائط - دون الغسل، هي أنّ الوضوء أخفّ مؤونة على المكلّفين من الغسل؛ فإنّ في إيجابه مع كثرة الابتلاء بموجبه نوع مشقّة عليهم.

7- أنّ العلة أي الحكمة في تشريع الغسل هي أنّ المكلّف هو الطالب للجنابة، فهي تحدث بإرادته واشتهائه، وحدوثها ليس من الكثرة بحدّ يكون إيجاب الغسل عند حصولها حرجيّاً على المكلّف.

8- أنّ الطهارة الظاهريّة المأمور بها هي منشأ للطّهارة الروحيّة الباطنيّة، وبحصولها تتحصّل اللياقة اللازمة للحضور بين يدي الله سبحانه وتعالى.

ص: 70

3- بَابُ أَنَّ النَّومَ الغَالِبَ عَلَی السَّمعِ يَنقُضُ الوُضُو ءَ عَلَی أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَنقُضُ الوُضُو ءَ شَي ءٌ مِنَ الأَشيَا ءِ غَيرُ الأَحدَاثِ المَنصُوصَةِ

اشارة

3- بَابُ أَنَّ النَّومَ الغَالِبَ عَلَی السَّمعِ يَنقُضُ الوُضُوءَ عَلَی أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَنقُضُ الوُضُوءَ شَيءٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيرُ الأَحدَاثِ المَنصُوصَةِ

شرح الباب:

يتعرّض هذا الباب لبيان حكمين:

أوّلهما: أنّ النوم حدث شرعاً فينقض الوضوء، والمراد به الغالب علی السمع، فإذا تحقّق نقض الوضوء علی أيّ حال كان عليها المتوضّي.

والثاني: أنّ الوضوء لا ينتقض إلّا بطروّ الأحداث المنصوصة لا بغيرها من الأمور.

أقوال الخاصّة:

قال في الحدائق: «المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء بالنوم الغالب علی حاسّتي السمع والبصر علی أيّ حال كان: مضطجعاً أو قاعداً، منفرجاً أو متلاصقاً، وربّما ظهر من كلام علي بابويه في الرسالة وابنه في المقنع عدم النقض به مطلقاً؛ لحصرهما ما يجب إعادة الوضوء به وما ينقضه في البول والمني والغائط والريح»((1)). فيستفاد من كلام الصدوقين - طاب ثراهما - أنّ النوم بنفسه غير ناقض.

ص: 71


1- - الحدائق الناضرة2: 94.

أقوال العامّة:

للعامّة تفصيلات في ناقضيّة النوم بحسب حالات المكلّف وأوضاعه وبحسب النوم نفسه اختلفوا فيها بعد أن قالوا بناقضيّة النوم في الجملة، قال في المغني: «النوم وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامّة أهل العلم إلّا ما حكي عن أبي موسى الأشعري وأبي مجلز وحميد الأعرج أنّه لا ينقض. وعن سعيد بن المسيب أنّه كان ينام مراراً مضطجعاً ينتظر الصلاة ثم يصلّي ولا يعيد الوضوء... والنوم ينقسم ثلاثة أقسام نوم المضطجع فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كلّ من يقول بنقضه بالنوم (الثاني) نوم القاعد إن كان كثيراً نقض رواية واحدة وإن كان يسيراً لم ينقض، وهذا قول حمّاد والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي، وقال الشافعي لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متمكّناً مفضياً بمحلّ الحدث إلى الأرض... (الثالث) ما عدا هاتين الحالتين وهو نوم القائم والراكع والساجد فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان (إحداهما) ينقض وهو قول الشافعي؛ لأنّه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نصّ ولا هو في معنى المنصوص؛ لكون القاعد متحفّظاً لاعتماده بمحلّ الحدث إلى الأرض والراكع والساجد ينفرج محلّ الحدث منهما (والثانية) لا ينقض إلّا إذا كثر، وذهب أبو حنيفة إلى أنّ النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر... والظاهر عن أحمد التسوية بين القيام والجلوس؛ لأنّهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج، وربما كان القائم أبعد من الحدث؛ لعدم التمكّن من الاستثقال في النوم؛ فإنّه لو استثقل لسقط،

ص: 72

والظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع؛ لأنّه ينفرج محلّ الحدث، ويعتمد بأعضائه على الأرض ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع...

واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي فعنه لا ينقض يسيره، قال أبو داود: سمعت أحمد قيل: له الوضوء من النوم؟ قال: إذا طال، قيل: فالمحتبي قال: يتوضأ، قيل: فالمتكئ؟ قال: الاتكاء شديد والمتساند كأنّه أشد - يعني من الاحتباء - ورأی منها كلّها الوضوء إلّا أن يغفو - يعني قليلاً - وعنه: ينقض يعني بكلّ حال؛ لأنّه معتمد علی شيء فهو كالمضطجع ... واختلف أصحابنا في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء فقال القاضي: ليس للقليل حدّ يرجع إليه وهو على ما جرت به العادة، وقيل: حدّ الكثير ما يتغيّر به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض. ومنها أن يرى حلماً... ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه؛ لأنّ النوم الغلبة على العقل...»((1)).

ص: 73


1- - المغني1: 164- 167.

[651] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ وَحَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ أَوِ النَّوْمُ((1)*).

[1] فقه الحديث:

دلّ الحديث على ناقضيّة ما يخرج من الطرفين وناقضيّة النوم، وحصر النواقض فيهما، وقد سبق أنّ هذا الحصر إضافي لا حقيقي؛ لوجود نواقض أخرى ذكرتها الأحاديث السابقة، والأحاديث التي تأتي في الأبواب اللاحقة. وما خرج من الطرفين يشمل بإطلاقه البول والمني والغائط والريح والدماء الثلاثة في النساء. وأمّا الدم والدود وغيرها كالمذي والوذي والودي والقيح ممّا يخرج من الطرفين فهو خارج بمقتضى ما يأتي من إخراجها صراحة أو لحصر النواقض.

وأطلق النوم هنا ولم يقيّده بذهاب البصر أو السمع أو العقل، مع أنّ بعض الأحاديث الآتية مقيّدة بذلك، وسيأتي في آخر الباب وجه الجمع بينها، كما لم يفرّق في النوم بين قليله وكثيره، ولا بين كون النائم قائماً أو قاعداً، راكعاً أو ساجداً أو مضطجعاً، ماشياً أو واقفاً، ولا بين كون النوم أثناء الصلاة أو غيرها، فهو ناقض في أيِّ حال وقع بمقتضی الإطلاق.

ص: 74


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 2، والاستبصارِ 1: 79/ 244، وتقدّم في الحديث 1 من الباب 2 من هذه الأبواب.

سند الحديث:

تقدّم منّا الكلام فيه في سند الحديث الأوّل من الباب الثاني((1))، وقلنا إنّه صحيح. بالإضافة إلی أنّ كتاب الحسين بن سعيد مشهور غير محتاج إلی الطريق.

ص: 75


1- - في الصفحة: 37.

[652] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ((1)*)، قَالا: سَأَلْنَا الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَنَامُ عَلَى دَابَّتِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا ذَهَبَ النَّوْمُ بِالْعَقْلِ فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ((2)*).

[2] فقه الحديث:

لعلّ السبب في توجيه السؤال للإمام (علیه السلام) عن النوم علی الدابّة هو ما يراه السائلان من اختلاف العامّة في نقض النوم بحسب أحوال الشخص، وقد دلّ الجواب علی أنّ النوم ناقض للوضوء ولو حصل في حال الركوب علی الدابّة، بل يُتعدّی من هذا الحال إلی غيره من الأحوال؛ إذ لا خصوصيّة لهذا الحال علی غيره. وقد جعل الإمام (علیه السلام) الميزان في تحقّق النوم ذهاب العقل، فذهاب العقل محقّق للنوم في هذا الحال وغيره.

فهذا الحديث فيه تقييد النوم بإذهاب العقل، فليس النوم المطلق هو الناقض، ولكن ذهاب العقل يلازمه عادة عدم السماع، ولذا لم يذكر هنا.

ويمكن أن يستفاد من تعليق نقض النوم علی ذهاب العقل أنّ كلّ ما يذهب العقل من سكر أو جنون أو إغماء فهو ناقض؛ إذ أنّ قوله (علیه السلام) : «إذا ذهب النوم بالعقل» بمنزلة النصّ علی علّة النقض وهو ذهاب العقل، فلا يختصّ سبب ذهاب العقل بالنوم، بل يشمل كل ما يسبّب ذلك.

ص: 76


1- ([1]*) في المصدر: عبيد اللّه.
2- ([2]*) التهذيب 1: 6/ 4 والاستبصار 1: 79/ 245.

سند الحديث:

فيه: محمد بن عبد الله أو عبيد الله، عدّه الشيخ في رجاله بالعنوان الأوّل من أصحاب الامام الرضا (علیه السلام) ((1)) وهو وإن لم يرد فيه شيء، لكن ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة وروی عنه المشايخ الثقات بكلا العنوانين((2)

مع أنّ معه عبد الله بن المغيرة وهو من أصحاب الإجماع فيصحّ ما صحّ سنده إليه، فالسند صحيح بهذين الوجهين.

ص: 77


1- - رجال الطوسي: 365/ 5419 و367/ 5468.
2- - أصول علم الرجال1: 237، و2: 210.

[653] 3- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَوَّاضٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ نَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ أَوْ مَاشٍ عَلَى أَيِّ الْحَالاتِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ((1)*).

[3] فقه الحديث:

صرّح (علیه السلام) بناقضيّة النوم للوضوء على أيّ حال من حالات المكلّف، راكعاً أو ساجداً أو ماشياً منفرجاً أو منضمّاً أو غير ذلك، فلا فرق بين انفراج محلّ الحدث وعدمه، ولا فرق بين قليل النوم وكثيره، وفيه ردّ على بعض أقوال العامّة المفصّلة بين الحالات، كما مرّ في بيان أقوالهم.

وليس فيه تقييد النوم بإذهاب السمع أو العقل، فهو مطلق.

سند الحديث:

هذا السند ينحلّ إلی سندين:

الأوّل: الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن عمران بن موسی الزيتوني، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن عبد الحميد بن عوّاض.

ص: 78


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 3، والاستبصار 1: 79/ 247.

والثاني: الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن عمران بن موسی الزيتوني، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن عبد الحميد بن عوّاض.

وفيهما: عبد الحميد بن عوّاض وهو الطائي، ذكر النجاشي في ضمن ترجمة مرازم بن حكيم: أنّ الرشيد قتله((1)).

وعدّه الشيخ في الرجال من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) وقال في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) : «عبد الحميد بن عوّاض الطائي، ثقة، من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ((2)). وعليه فالسندان معتبران.

ص: 79


1- - رجال النجاشي: 424/ 1138.
2- - رجال الطوسي: 139/ 1483، و240/ 3291، و339/ 5045.

[654] 4- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ وَالنَّوْمُ حَدَثٌ((1)*).

[4] فقه الحديث:

دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا حدث، والحدث شرعاً هو أحد الأمور المنصوص عليها كخروج البول أو الغائط أو الريح بقسميه أو المني أو أحد الدماء الثلاثة في المرأة، وأمّا مثل خروج الدم من الفم أو الرّعاف أو الحجامة فليست أحداثاً شرعاً حتى تنقض الوضوء، وفي الحديث تصريح بأنّ النوم حدث، فهو ناقض مستقل، لا أنّ الناقض هو الحدث الذي يحتمل وقوعه في النوم كالريح مثلاً، ولم يقيّد النوم بكونه موجباً لذهاب السمع أو العقل.

سند الحديث:

المراد بابن قولويه هو جعفر بن محمد، وأبوه هو محمد بن قولويه، وسعد هو سعد بن عبد الله الأشعري، وأحمد بن محمد هو ابن عيسی الأشعري كلّهم ثقات وقد تقدّموا.

وأمّا إسحاق بن عبد الله فهو الأشعري القمي، قال عنه النجاشي: «إسحاق ابن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري قمي ثقة، روى عن أبي عبد الله

ص: 80


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 5، والاستبصار 1: 79/ 246.

و أبي الحسن (علیهما السلام) ، وابنه أحمد بن إسحاق مشهور»((1)).

وذكره الشيخ في جملة أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)). وروى عنه المشايخ الثقات كما في هذا السند. فالسند صحيح.

ص: 81


1- - رجال النجاشي: 73/ 174.
2- - رجال الطوسي: 162/ 1837.

[655] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَنَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ؟ قَالَ: يَنْصَرِفُ وَيَتَوَضَّأُ((1)*).

[5] فقه الحديث:

دلّ على أنّ الوضوء ينقضه حدث النوم، ولم يقيّد بكونه مُذهباً للسمع أو العقل، وإنّما حكم الإمام (علیه السلام) بقطع الصلاة ولزوم الإتيان بالوضوء لأجل تحقّق ما نقض الوضوء وهو النوم، وإن كان قد تحقّق حال السجود، فهو ناقض على أيِّ حال، لا لأنّ المصلّي حال السجود ينفرج محلّ الحدث كما مرّ عن بعض علماء العامّة، بل النوم حدث مستقل موجب لنقض الطهارة.

سند الحديث:

السند في التهذيب فيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وهولم يوثّق، إلا أنّ الأمر فيه سهل، حيث تقدّم منّا أنّ جميع رواياته في الكتب الأربعة عن أبيه محمد بن الحسن، وأنّ للشيخ طريقين معتبرين إلى أبيه، وليس فيهما أحمد((2))، وبهذا يكون السند خالياً عن الإشكال من جهته، وهذا كلام بعينه يأتي في سند الأحاديث السادس والسابع والثامن من هذا الباب، ومع ذلك مرّ

ص: 82


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 1، والاستبصار 1: 79/ 243.
2- - ايضاح الدلائل1: 218.

أنّ إسناد الشيخ إلى جميع كتب الحسين بن سعيد في الفهرست سندان أحدهما صحيح((1))، مضافاً الی أن كتابه مشهور.

وأمّا عثمان بن عيسی، فهو جليل من أصحاب الإجماع، وأمّا سماعة فهو سماعة بن مهران، وكتابه مشهور، فالسند صحيح.

ص: 83


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[656] 6- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْفِقُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ حَدَثاً مِنْهُ إِنْ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلَا إِعَادَةٌ((1)*).

[6] فقه الحديث:

دلّ بظاهره على أنّ من كان يخفق وهو الصلاة له صورتان:

الأولى: أن لا يحفظ حدثاً على فرض صدوره، بمعنى أن يكون حاله بحيث لو صدر منه حدث في تلك الحال لما علم به، وهذا يعني أنّ عقله قد ذهب وتحقّق منه النوم، وحكمه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة؛ لبطلان كلٍّ منهما.

الثانية: أن يستيقن أنّه لم يحدث في الحالة المذكورة. فليس عليه وضوء ولا إعادة للصلاة.

ويفهم منه أنّ النوم ليس بناقض مستقل، خلافاً للأحاديث السابقة. ولعلّه صدر تقيّة.

لكنّ الظاهر أنّ المراد أن عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل، فليس للحدث مدخليّة، بل عدم حفظه له كاشف عن تحقّق النوم. كما أنّ استيقان عدم الحدث لا يكون إلّا مع بقاء العقل؛ فإنّه مع عدم بقاء العقل لا

ص: 84


1- ([1]*) التهذيب 1: 7/ 8، والاستبصار 1: 80/ 250.

يحصل اليقين بعدم الحدث، وإذا كان العقل باقياً فالنوم لم يتحقّق. وبهذا يتّحد المراد مع بقية الأحاديث ولا يكون مخالفاً لها.

سند الحديث:

مضی الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 85

[657] 7- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : قَوْلُهُ تَعَالَى {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}((1)*) مَا يَعْنِي بِذَلِكَ {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}؟((2)*) قَالَ: إِذَا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ، قُلْتُ: يَنْقُضُ النَّوْمُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى السَّمْعِ وَلَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ((3)*).

[7] فقه الحديث:

فيه تفسير قوله تعالی: {إذا قُمتُم إِلَی الصَّلاةِ}((4)) بالقيام من النوم، خلافاً لمن فسّره تبعاً للظاهر بإرادة القيام، كما في قوله تعالی: {فَإِذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجيمِ}((5))، قيّد النوم الناقض للوضوء بما إذا كان يغلب علی السمع فتتعطّل حاسّة السمع فلا يسمع ما حوله من الأصوات، فليس النوم المطلق هو الناقض، فحتّی لو أُطلِق النوم علی بعض مقدماته فهو إطلاق مجازي بعلاقة المشارفة، فليس هو الناقض للوضوء.

ص: 86


1- ([1]*) المائدة 5: 6.
2- ([2]*) المائدة 5: 6.
3- ([3]*) التهذيب 1: 7/ 9، والاستبصار 1: 80/ 251.
4- - سورة المائدة: الآية 6.
5- - سورة النحل: الآية 98.

سند الحديث:

فيه: ابن أذينة، وهو عمر بن أذينة الثقة، وابن بكير وهو عبد الله بن بكير، وقد مرّ توثيقه((1))، وهو من أصحاب الإجماع، لكن يحتمل أنّ الذي روی عنه عمر بن أذينة هو بكير، أي بكير بن أعين لا ابن بكير، وهو ثقة أيضاً كما تقدّم، ولعلّ هذا الاحتمال هو الأقوی، حيث إنّه لم تثبت رواية ابن اذينة عن عبدالله بن بكير، بينما روی ابن اذينة عن بكير في خمسة عشر مورداً، وروی بعنوان عمر بن اذينة عن بكير في تسعة موارد. فالسند معتبر.

ص: 87


1- - ايضاح الدلائل1: 218- 219.

[658] 8- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْخَفْقَةِ وَالْخَفْقَتَيْنِ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا الْخَفْقَةِ وَالْخَفْقَتَيْنِ((1)*) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}((2)*) إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: مَنْ وَجَدَ طَعْمَ النَّوْمِ فَإِنَّمَا أُوجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ((3)*).

[8] فقه الحديث:

في الكافي والاستبصار: «ما أدري ما الخفقة والخفقتان»((4))، وفي التهذيب: «ما أدري ما الخفقة والخفقتين» كما نقله الماتن عنه، قال العلّامة المجلسي: قوله (علیه السلام) : «والخفقتين على تقدير اشتمال الكلام على لفظة «ما» فالخفقتين: إمّا على سبيل الحكاية، أو بالعطف على«ما» فتأمّل»((5)).

ويُفهم من قوله(قدس سره) : «على تقدير اشتمال الكلام على لفظة «ما»» أنّ بعض نسخ التهذيب خالية عن لفظة «ما».

ولا يُتوهّم أنّ قوله (علیه السلام) : «ما أدري ما الخفقة والخفقتين؟» على ظاهره من

ص: 88


1- ([1]*) في الاستبصار الخفقتان.
2- ([2]*) القيامة 75: 14.
3- ([3]*) التهذيب 1: 8/ 10، والاستبصار 1: 80/ 252.
4- - الكافي3: 37، باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، الحديث15، والاستبصار1: 80، باب النوم، الحديث 252.
5- - ملاذ الأخيار1: 58.

الجهل بحقيقتهما، لأنّ هذا التعبير معناه الرّد على توهّم أنّ الخفقة والخفقتين من جملة موضوع الحكم وهو النوم، أو ممّا يترتّب عليهما الحكم المترتّب على الموضوع وهو نقض الوضوء، وهذا هو المتفاهم عرفاً من أمثال هذا التعبير، فهو مثل قول أمير المؤمنين (علیه السلام) حين افتخر طلحة بن أبي شيبة بالمفاتيح، والعباس بالسقاية، فقال علي: ما أدري ما تقولان؟ لقد صلّيت ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فنزلت الآية أي قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}((1))((2))، ومعناه نفي أن يكون ما ذكراه من موجبات الفخر الحقيقي.

وقال العلّامة المجلسي حول معنى هذه الجملة: «و كلامه (علیه السلام) يحتمل وجهين:

الأوّل: أنّ المعنى ما أعلم الخفقة والخفقتين اللّتين ذكرهما ابن عباس وغيره، فأشار بذلك إلى بطلانه، لأنّه لو كان حقّاً لكان (علیه السلام) يعلمه.

الثاني: أن يكون المعنى لا يمكننا العلم بكون الخفقة والخفقتين مزيلتان للعقل وناقضتان أم لا؛ لأنّ أفراد النعاس مختلفة، فبعضها يزيل العقل وبعضها لا يزيل، فعلينا بيان القاعدة الكليّة، والجزئيات منوطة بعلم المكلف»((3)).

ص: 89


1- - سورة التوبة: الآية 19.
2- - ينظر: بحار الأنوار36: 38.
3- - ملاذ الأخيار1: 58- 59.

وأمّا ذِكرُه (علیه السلام) للآية الشريفة فلأجل بيان أنّ أمر تحقّق النوم وعدمه موكول إلى المكلّف نفسه، فلكونه ذا بصيرة - أي إدراك باطني ورؤية قلبيّة - على نفسه فإنّه أعلم بنفسه من غيره؛ فإنّ النوم كغيره من الصفات الباطنيّة الوجدانيّة التي تعرض على النفس، ومعه لا يحتاج المكلّف إلى غير وجدانه، فهو المطّلع على أنّه دخل في مرحلة النوم أو أنّه لم يدخل.

وقوله (علیه السلام) : «من وجد طعم النوم» استعارة بالكناية؛ حيث شبّه النوم بالمطعوم اللذيذ، بجامع اللّذة، ولم يذكر المشبّه به، وأثبت للمشبّه الطعم تخييلاً.

ووجدان طعم النوم (ولعلّه الراحة ورفع الكسل) هو بإدراكه الباطني لأوّل مراتبه، فمتی ما وجد من نفسه أنّه نام فقد تحقّق النوم، ولو حصل له التنبّه بعد ذلك بزمان يسير جدّاً.

وقوله (علیه السلام) : «أوجب عليه الوضوء»، يحتمل أن يكون الفعل مبنياً للمعلوم، وللمجهول.

سند الحديث:

فيه الحسين بن عثمان، وقد تقدّم أنّه مشترك بين ثلاثة عناوين، وأنّ كلّهم ثقات، وقد رجّحنا اتّحاد الرواسي مع ابن شريك العامري((1)).فالسند معتبر.

ص: 90


1- - ايضاح الدلائل3: 272- 274.

[659] 9- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَجَدَ طَعْمَ النَّوْمِ قَائِماً أَوْ قَاعِداً فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ((1)*).

[9] فقه الحديث:

هو الحديث السابق نفسه متناً بزيادة «قائمة أو قاعدة فقد وجب عليه الوضوء» فأضاف حالتين من حالات النائم من باب التمثيل لا الحصر((2)).

سند الحديث:

هذا السند ينحلّ إلی سندين:

الأوّل: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيی، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

وفيه محمد بن يحيى وهو العطّار الثقة، ومحمد بن الحسين هو ابن

ص: 91


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 15.
2- - أقول: ذكر بعض الأعلام دعوى ودفعها، أمّا الدعوى فحاصلها: أنّ الاختلاف بالزيادة يوجب التعارض وخصوصاً في مثل هذا المورد الذي يكون فيه اتحاد الحديثين قريباً، حيث إنّ الراوي عن زيد الشحام في الحديث السابق هو عبد الرحمن بن الحجاج فالموجود هو حديث واحد مضطرب. وحاصل الدفع أن يقال: ليس كل اختلاف بالزيادة موجب للتعارض، والزيادة إنّما توجب التعارض إذا كانت مبدلة للمعنى، وأمّا إذا كانت موجبة لزيادته أو توضيحه - كما في المقام - فلا، ويحتمل أنّ عدم وجودها في الحديث السابق لأجل عدم تعلّق غرض بنقلها. [المقرّر].

أبي الخطّاب الثقة الجليل. فالسند صحيح.

والثاني: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

وقد سبق أنّ المراد من محمد بن إسماعيل هو محمد بن إسماعيل البندقي، وهو وإن لم يوثّق، إلّا أنّ روايات الفضل بن شاذان التي يرويها الكليني والشيخ معتبرة؛ لوجود طريق آخر صحيح للكليني، كما أنّ للشيخ طرقاً متعدّدة في الفهرست والمشيخة تبلغ ثمانية طرق وبعضها صحيح((1)).

أضف إلی ذلك أنّ كتب عبد الرحمن بن الحجّاج مشهورة، فلا حاجة للطريق إليها، فالسند قابل للتصحيح بما ذكرناه.

ص: 92


1- - أصول علم الرجال:2: 448 - 458.

[660] 10- وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ يُرَخَّصُ فِي النَّوْمِ فِي شَيْ ءٍ مِنَ الصَّلَاةِ((1)*).

[10] فقه الحديث:

قال في لسان العرب: ورَخَّصَ له في الأَمر: أَذِنَ له فيه بعد النهي عنه، والاسم الرُّخصةُ. والرُّخُصةُ والرُّخْصةُ: تَرْخِيصُ الله للعبد في أَشياءَ خَفَّفَها عنه.

والرُّخْصةُ في الأمر: وهو خلاف التشديد، وقد رُخِّصَ له في كذا ترْخيصاً فترَخَّصَ هو فيه أي: لم يَسْتَقْصِ، وتقول: رَخَّصْ فلاناً في كذا وكذا أي: أذِنْت له بعد نهيي إيّاه عنه((2)).

ويكون المعنى: ليس يتسامح ويتساهل في النوم في أيّ جزء من أجزاء الصلاة، وعدم ترخيص النوم في الصلاة دالٌّ على قاطعيّته لها، وهو مطلق يشمل النوم العمدي بمعنى أن يتعمّده، وغيره أي: من سبقه النوم وغلبه، كما يشمل قليل النوم وكثيره.

سند الحديث:

قوله: عن جماعة من أصحابنا، في نسخة من الكافي: عن عدّة من

ص: 93


1- ([1]*) الكافي 3: 371/ 16، وأورده في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة.
2- - لسان العرب7: 40، مادة: رخص.

أصحابنا((1))، وقوله: يعني عبد الله، من إضافات الماتن(قدس سره) ، ولم ترد هذه الإضافة في الكافي ولا الوافي ولا المرآة، وتعيين ابن سنان هنا في عبد الله هو الصحيح؛ لتكرّر رواية الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن سنان في موارد كثيرة، وعدم ورودها عن محمد بن سنان. فالسند صحيح.

ص: 94


1- - الكافي6: 316. طبعة دار الحديث.

[661] 11- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سُئِلَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَرْقُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مَا دَامَ قَاعِداً إِنْ لَمْ يَنْفَرِجْ((1)*).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمَا مَرَّ((2)*) أَوْ عَلَى عَدَمِ غَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَى السَّمْعِ لِمَا مَضَى((3)*) وَيَأْتِي((4)*).

[11] فقه الحديث:

قول السائل: «يرقد» من الرُّقَاد وهو النوم((5))، وقوله (علیه السلام) :«إن لم ينفرج» الانفراج: الانفتاح((6))، وهو مقابل للتلاصق والاجتماع، ويحصل بعدم التماسك، لذهاب قوّة الإدراك التي تتمّ بها السيطرة على الأعضاء، ولذا قد يصدر منه حدث أثناء طروّ هذه الحالة عليه؛ كخروج الريح علی الأقل.

وظاهر الحديث أنّه ليس على من نام وهو على هيئة القعود وضوء، إلّا إذاانفرجت وتراخت أعضاؤه ولم تبق على حالها، فإنّه يجب عليه الوضوء.

ص: 95


1- ([1]*) الفقيه 1: 63/ 144.
2- ([2]*) مرّ في الأحاديث 1، 6، 8 من الباب 1، والأحاديث 1، 2، 7، 8 من الباب 2، وكذلك أحاديث هذا الباب من هذه الأبواب.
3- ([3]*) مضى في الحديث 1، 6، 8 من الباب 1، والأحاديث 2، 6، 7. من الباب 3 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي في الحديث 13 من هذا الباب، والحديث 1 من الباب 4 من هذه الأبواب.
5- - الصحاح2: 476، مادة: رقد، لسان العرب3: 183، مادة: رقد.
6- - مجمع البحرين2: 323، مادة: فرج.

والظاهر أنّ الصدوق - خلافاً للمشهور - عمل بهذا الحديث والحديث الآتي فلم يقل باستقلاليّة النوم في الناقضيّة، بل الناقض منحصر في البول والمني والغائط والريح، كما مرّ في شرح الباب.

هذا، ويمكن حمل عدم ناقضيّة الرّقاد حال الجلوس - كما ذكر الماتن(قدس سره) - إمّا على التقيّة؛ حيث إنّ كثيراً من العامّة يرون عدم الناقضيّة إلّا أن يكثر، والشافعي لم يفرّق بين النوم الكثير والقليل في عدم الناقضيّة، كما سبق. وإمّا علی عدم غلبة النوم علی السمع؛ لما اتضح من عدم نقض النوم إلّا إذا غلب علی حاسّة السمع ولو لم يحصل الانفراج.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مرّ مراراً القول بأنّها معتبرة((1)).

ص: 96


1- - يُنظر: ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[662] 12- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْفِقُ رَأْسُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَائِماً أَوْ رَاكِعاً فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

أَقُولُ: تَقَدَّمَ وَجْهُهُ((2)*) وَيَحْتَمِلُ الْإِنْكَارُ أَيْضاً.

[12] فقه الحديث:

دلّ علی نفي الوضوء مطلقاً عمّن يخفق رأسه حال الصلاة قائماً أو راكعاً، أي سواء لم يحفظ حدثاً منه أو استيقن عدم الحدث، والظاهر أنّ الصدوق عمل به كما ذكرنا، وهو ينافي الأحاديث السابقة الدالّة علی أنّ النوم ناقض.

والماتن ذكر في توجيهه احتمالين:

الأوّل: ما تقدّم في الحديث السادس من هذا الباب من أنّ من خفق في الصلاة ولكنّه استيقن عدم الحدث فلا وضوء عليه؛ لعدم تحقّق النوم المزيل للعقل منه؛ لأنّ الظاهر هنا أنّ المصلّي عنده شعور بأنّه واقف يصلّي أو هو راكع، ولو لم يكن عنده هذا الشعور لسقط علی الأغلب ولم يستمسك في حال القيام أو الركوع.

الثاني: أن يكون قوله (علیه السلام) : «ليس عليه وضوء» إنكاراً، ويكون المعنی أنّ من هذه حاله عليه الوضوء؟!

ص: 97


1- ([1]*) الفقيه 1: 38/ 7.
2- ([2]*) تقدّم وجهه في الحديث 6 من هذا الباب.

سند الحديث:

سند الصدوق إلی سماعة بن مهران: عن أبيه (رحمه الله) عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسی العامري، عن سماعة بن مهران((1)

وهو معتبر.

أضف إلی ذلك أنّ كتاب سماعة مشهور فلا يحتاج إلی طريق. والإضمار فيه لا يضرّ؛ لكونه من سماعة.

ص: 98


1- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة: 4: 427.

[663] 13- وَفِي الْعِلَلِ وَعُيُونِ الْأَخْبَارِ بِالسَّنَدِ الْآتِي، عَنِ الْفَضْلِ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) قَالَ: (إِنَّمَا)((1)*) وَجَبَ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ خَاصَّةً وَمِنَ النَّوْمِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ((2)*)؛ لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ هُمَا طَرِيقُ النَّجَاسَةِ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَأَمَّا النَّوْمُ فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ يُفْتَحُ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنْهُ، وَاسْتَرْخَى فَكَانَ أَغْلَبُ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ((3)*) فِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ((4)*).

أَقُولُ: وَأَحَادِيثُ الْحَصْرِ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا((5)*) وَيَأْتِي الْبَاقِي((6)*).

[13] - فقه الحديث:

نصّ الحديث - طبقاً لما جاء في المصدر - ليس فيه كلمة «إنّما»، والموجود هو قوله: «فإن قال قائل فلم وجب الوضوء»، فلا يوجد حصر مستفاد من أداة الحصر، نعم يظهر الحصر من قوله: «ممّا خرج من الطرفين خاصّة ومن النوم دون سائر الأشياء».

ص: 99


1- ([1]*) في المصدر: فإن قال قائل فلم.
2- ([2]*) وفيه زيادة: قيل.
3- ([3]*) في المصدر: كله.
4- ([4]*) علل الشرائع 257، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 104.
5- ([5]*) تقدّم في الأحاديث 2، 3، 6، 9 من الباب 1، والأحاديث 1، 6، 8، 10 من الباب 2 من هذه الأبواب.
6- ([6]*) يأتي في الحديث 5 من الباب 5، والحديث 11 من الباب 6 من هذه الأبواب.

وفيه تعليل لإيجاب الوضوء ممّا يخرج من السبيلين؛ لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة وليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلّا منهما، وقد ورد في الحديث العاشر من الباب السابق التعليل بأنّه إنّما لم يجب عليه الغسل منها لكثرة الوضوء وتكرّره في اليوم والليلة عدّة مرّات لطروّ أسبابه المذكورة، ولكون ما يخرج من الطرفين ممّا يوجبانه أكثر وأدوم، وإنّما يخرج بلا طلب من المكلّف ولا استلذاذ ولا إكراه لنفسه عليه بخلاف ما يوجب الغسل أعني؛ الجنابة.

كما علّل إيجاب النوم للوضوء بأنّ النائم يفتح كلّ شيء منه ويسترخي، وأغلب ما يخرج منه في ذلك الحال الريح، وهذا يدلّ علی أنّ الناقض هو خروج الريح لا النوم مستقلاً، فهذا الحديث يصلح مدركاً للصدوقين.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السندين معتبران((1)).

ص: 100


1- - في الصفحة 51 و52.

[664] 14- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُمْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْداً صَالِحاً (علیه السلام) يَقُولُ: مَنْ نَامَ وَهُوَ جَالِسٌ لَا يَتَعَمَّدُ النَّوْمَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ((1)*).

أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِي مِثْلِهِ((2)*).

[14] فقه الحديث:

ظاهره أنّ من نام وهو علی هيئة الجالس بلا أن يتعمّد النوم بأن سبقه وكان أمراً قهريّاً عليه، فلا وضوء عليه، وهذا يعني أنّ النوم غير المتمكّن من الإنسان كنوم الجالس لا ينقض الوضوء، كما هو رأي بعض العامّة.

وقد أشار الماتن إلى الوجه فيه، و هو ما تقدم في ذيل الحديث الحادي عشر من حمل عدم ناقضيّة الرّقاد حال الجلوس - كما تقدّم - إمّا علی التقيّة، وإمّا على عدم غلبة النوم على السمع فلا ينقض إلّا إذا غلب على حاسّة السمع.

سند الحديث:

تقدّم إسناد الشيخ الطوسي إلى محمد بن أحمد بن يحيی، وأنّه معتبر((3))، وأمّا العباس فهو مشترك بين جماعة، ولكن الظاهر أنّه العباس بن معروف الثقة،بقرينة أمثال السند من التهذيب، حيث روى عنه فيها محمد بن أحمد بن يحيى

ص: 101


1- ([1]*) التهذيب 1: 7/ 6.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 11 من هذا الباب.
3- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.

الأشعري، وروی هو عن أبي شعيب المحاملي.

وأمّا أبو شعيب فهو صالح بن خالد المحاملي، قال عنه النجاشي: «صالح بن خالد المحاملي أبو شعيب الكناسي، مولى علي بن الحكم بن الزبير مولى بني أسد، روی عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) . له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم عباس بن معروف»((1)).

وقال في باب من اشتهر بكنيته: «أبو شعيب المحاملي كوفي، ثقة، من رجال أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، مولى علي بن الحكم بن الزبير الأنباري»((2)).

وقال الشيخ في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) من رجاله: «أبو شعيب المحاملي، ثقة»((3)).

وفي باب من عرف بكنيته من الفهرست: «أبو شعيب المحاملي. له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن أبي شعيب»((4)).

وصالح بن خالد المحاملي، أبو شعيب الكناسي متّحد مع أبي شعيب المحاملي. ويؤكّده أن الراوي لكتابه هو العباس بن معروف كما ذكره السيدالأستاذ(قدس سره) ((5)).

ص: 102


1- - رجال النجاشي: 201/ 535.
2- - رجال النجاشي: 456/ 1240
3- - رجال الطوسي: 347/ 5180.
4- - فهرست الطوسي: 268/ 822.
5- - معجم رجال الحديث10: 67/ 5813.

وأمّا عمران بن حمران فقال عنه النجاشي: «الأذرعي من أهل أذرعات، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ((1)). وذكره الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وقال: «روى عن أبي الحسن أيضاً»((2)).

نعم لمّا كان عمران هذا واقعاً في أسناد كتاب نوادر الحكمة فهو ثقة فالسند معتبر.

ص: 103


1- - رجال النجاشي: 292/ 786.
2- - رجال الطوسي: 257/ 3631. أقول: قال العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار: «والعبد الصالح الصادق (علیه السلام) بقرينة الراوي»، وهذا وإن كان محتملاً لما عرفت من أنّ النجاشي والشيخ ذكرا أنّه روی عن الصادق (علیه السلام) ، ولكنّ الغالب في التعبير عن الإمام بالعبد الصالح هو في الإمام الكاظم (علیه السلام) للتقيّة، وقد صرّح الشيخ بأنّه روى عنه أيضاً، اللهم إلا أن يقال: إنّ اقتصار النجاشي على ذكر أنّه روی عن الصادق (علیه السلام) ، وقول الشيخ: روی عن أبي الحسن أيضاً، فيه إشعار بقلّة رواياته عن الكاظم (علیه السلام) بحيث لم يذكره النجاشي في مَن روی عنه، ولعلّها كانت رواية واحدة أو اثنتين مثلاً ولم يطّلع عليهما، واكتفی الشيخ بما مرّ فهذا يقوّي ما عن العلامة المجلسي(قدس سره) . [المقرّر].

[665] 15- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) هَلْ يَنَامُ الرَّجُلُ وَهُوَ جَالِسٌ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا نَامَ الرَّجُلُ وَهُوَ جَالِسٌ مُجْتَمِعٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَإِذَا نَامَ مُضْطَجِعاً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ((1)*).

[15] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ناقضيّة النوم للوضوء من الواضحات عند السائل، ولذا سأل عن أنّ هيئة الجلوس تجامع النوم أم لا، أي هل يتحقّق منه نوم وهو جالس؟.

وظاهر الجواب الذي نسبه إلی أبيه (علیه السلام) أنّ من نام وهو جالس مجتمع أي: أنّ أطرافه غير منفرجة، فليس عليه وضوء، وإذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء، ولم يفرّق في الحالتين بين قليل النوم وكثيره.

وهذا الجواب موافق للعامّة، ولعلّ نسبة الجواب إلی الإمام الباقر ترشد إلی التقيّة؛ فإنّ الإمام الباقر كان أوجه عند العامّة، والتقيّة في زمانه أشد فلذا اتقی، واتقی الصادق (علیه السلام) بعدم تصريح الحكم والاكتفاء بنقل جواب أبيه الصادر تقيّة.

سند الحديث:

تقدّم في الباب الأوّل من أبواب الماء المطلق في سند الحديث الخامس

ص: 104


1- ([1]*) التهذيب 1: 7/ 7، والاستبصار 1: 80/ 249.

سند الشيخ إلی سعد بن عبد الله، وقلنا إنّه معتبر((1)).

وأمّا أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري.

وفي السند: بكر بن أبي بكر الحضرمي الكوفي، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2))، ورد في تفسير القمي لكنه في القسم الثاني((3)).فالسند ضعيف.

ص: 105


1- - ايضاح الدلائل3: 56.
2- - رجال الطوسي: 173/ 2040.
3- - أصول علم الرجال1: 295.

[666] 16- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ هَلْ يُنْقَضُ وُضُوؤُهُ إِذَا نَامَ وَهُوَ جَالِسٌ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ((1)*).

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ وَجْهَهُ، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ؛ لِتَعَذُّرِ الْوُضُوءِ لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ وَلِمَا يَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ((2)*) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((3)*) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ((4)*).

[16] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ الرجل إذا تحقّق منه النوم وهو جالس في المسجد يوم الجمعة فلا وضوء عليه، وعلّل عدم وجوب الوضوء عليه بأنّه في حال ضرورة.

وهذا خلاف ما تقدّم في الأحاديث السابقة حيث دلّت علی نقض الوضوء بالنوم، ثمّ إن عدم النقض فيه مخصوص بكون النائم جالساً في المسجد يوم

ص: 106


1- ([1]*) التهذيب 1: 8/ 13، والاستبصار 1: 81/ 253.
2- ([2]*) يأتي في الحديث 3 من الباب 3 من أبواب التيمم.
3- ([3]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الحديث 1، 6، 8 من الباب 1 من هذه الأبواب، وفي الحديث 1، 2، 7، 8 من الباب 2 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي ما يدل عليه في الحديث 1 من الباب 27 من أبواب أحكام الخلوة من كتاب الطهارة، وفي الحديث 18 من الباب 15 من أبواب الوضوء.

الجمعة، مع أنّ عدم النقض لا يختص بيوم دون آخر.

وقد حمله الماتن علی وجهين:

الأوّل: ما مضی من الحمل علی التقيّة، حيث ذهب جمع من العامّة إلی أنّ الجالس إذا نام لم ينتقض وضوؤه، ولذا علّل بأنّه في حال ضرورة، أي: للتقيّة.

الثاني: الحمل على أنّه لا وضوء عليه، ولكن عليه أن يتيمّم؛ لتعذّر الوضوء لعدم إمكانه الخروج لأجله، وهي الضرورة المرادة هنا، فإنّ طهارته انتقضت جزماً بالنوم، وما ينقض الوضوء لا اختصاص له ببعض الأيّام دون بعض، وبعد أن يصلي بالتيمّم يتوضأ ويعيد الصلاة، كما أفاده شيخ الطائفة في الاستبصار، واستدلّ على هذا الحمل بما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (علیهما السلام) ، أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس يحدث؟ قال: «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف»((1)).

وأضاف المحدّث الكاشاني في الوافي وجهاً آخر، وهو أنّ «الأظهر أنّه شاكٌّ ومع الشك لا يجب الوضوء ولكن يستحب إلّا في حال الضرورة فيسقط الاستحباب»((2)).

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب - في الحديث الثاني

ص: 107


1- - الاستبصار1: 81/ 254.
2- - الوافي6: 258.

عشر من الباب الرابع من مقدمة العبادات - صحيح((1)

والعباس هو العباس بن معروف، ومحمد بن إسماعيل هو ابن بزيع، ومحمد بن عذافر هو الصيرفي، قال عنه النجاشي: «محمد بن عذافر بن عيسى الصيرفي المدائني، ثقة. روی عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وعمّر إلى أيام الرضا (علیه السلام) ومات وله ثلاث وتسعون سنة»((2)).

وذكره الشيخ في أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) ((3)) ووثّقه في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ((4)) وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((5)).

فالسند صحيح.

الجمع بين أحاديث الباب

أحاديث الباب فيها تعارض من ثلاث جهات:

إحداها: من جهة أنّ بعضها جعلت الناقض هو النوم مطلقاً فيشمل النوم الغالب على السمع والقلب وغير الغالب عليهما، وبعضها جعلته الغالب عليهما.

وطريق الجمع بينها - كما مرّ - أن يقال: إنّ النوم الحقيقي هو ما غلب على السمع والقلب، وأمّا الغالب على العين فقط وبعض مقدّمات النوم كما في الخفقة والخفقتين إذا لم يذق معهما طعم النوم فليس بنوم حقيقة، لصحّة سلب النوم عنه، وإنّما أطلق النوم عليه أحياناً مجازاً بعلاقة المشارفة لكون مَن نامت

ص: 108


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - رجال النجاشي: 359/ 966.
3- - رجال الطوسي: 291/ 4247.
4- - رجال الطوسي: 343/ 5113.
5- - أصول علم الرجال1: 238.

عينه مشرفاً على النوم الحقيقي، وعلى هذا فالتقييد في الأحاديث المقيّدة إنّما هو لبيان حقيقة النوم، وليس الغرض أنّ بعض أفراد النوم حقيقة لا تنقض الوضوء، وبهذا يرتفع التنافي بين الأحاديث المطلقة والأحاديث المقيّدة.

ثانيتها: من جهة أنّ بعضها يدلّ على نقض النوم مطلقاً وعلى أيّ حال وهيئة، فلا فرق بين كونه على دابّته أو راكعاً أو ساجداً أو ماشياً أو قائماً أو قاعداً، وبعضها فيه دلالة عدم النقض في بعض الحالات كحال الجلوس أو القيام أو الركوع.

وطريق الجمع بينها أن يقال إمّا بحملها على التقيّة أو لكون المكلّف لم يتحقّق منه النوم، وإنّما دخل في بعض مقدماته، وهي ليست نوماً حقيقة، فلا تكون ناقضة.

ثالثتها: من جهة دلالة بعضها على أنّ النوم ليس ناقضاً مستقلاً، وإنّما احتمال الحدث حينه هو الناقض، وبعضها يدلّ على كونه بنفسه حدثاً.

وطريق الجمع أنّ يقال: أمّا معتبر الكناني - وهو الحديث السادس - فالظاهر أنّ عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل، بل عدم حفظه له كاشف عن تحقّق النوم فليس للحدث مدخليّة.

وأمّا معتبر العلل - وهو الحديث الثالث عشر - فهو وإن كان صريح الدلالة على أنّ العلّة في ناقضيّة النوم غلبة خروج الريح من النائم لاسترخاء مفاصله إلّا أنّه لا يدلّ - كما قال السيد الأستاذ(قدس سره) - على بقاء الطهارة عند العلم بعدم خروج الريح منه. وذلك لأنّ غلبة خروج الريح حالة النوم حكمة لا يدور الانتقاض مدارها، وليست بعلّة حقيقيّة للحكم يدور الحكم مدارها وجوداً

ص: 109

وعدماً، وهذه الحكمة نظير حكمة العدّة الواجبة للطلاق فقد عُلِّل تشريعها لصيانة الأنساب وتحصينها عن الاختلاط، مع أنّ العدّة واجبة على المرأة العقيم وغيرها ممّن لا اختلاط في حقها((1)).

والحاصل:

أنّ في الباب ستّة عشر حديثاً، الأوّل والثاني والخامس والعاشر والسادس عشر صحاح، والثالث معتبر بسنديه، والرابع صحيح والسادس والسابع والثامن والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بسنديه والرابع عشر كلّها معتبرة، وأمّا التاسع فهو صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وأمّا الخامس عشر فضعيف.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أن الأحداث المنصوص عليها تنقض الوضوء.

2- أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا ما يسمّى حدثاً شرعاً، فما ليس بحدث شرعاً لا يكون ناقضاً، كالرّعاف والمذي، ومقدّمات النوم وغيرها.

3- النواقض التي نُصّ عليها هي ما تخرج من الطرفين من البول والغائط والريح والمني والدماء الثلاثة في النساء وكذا النوم.

4- النوم حدث مستقل ينقض الوضوء.

5- النوم الناقض للوضوء هو ما ذهب بالعقل والسمع أو أحدهما.

6- لا فرق في ناقضيّة النوم للوضوء بين حالات النائم والهيئات التي يكون عليها، فهو ناقض مطلقاً سواء كان النائم قائماً أو قاعداً، راكعاً أو ساجداً أو مضطجعاً، ماشياً أو واقفاً، ولا بين كون النوم حال الصلاة أو غيرها.

ص: 110


1- - يُنظر: التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 443- 444.

4- بَابُ حُكْمِ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ مِنْ إِغْمَا ءٍ وَجُنُونٍ وَسُكْرٍ وَغَيْرِهَا

اشارة

4- بَابُ حُكْمِ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ مِنْ إِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ وَسُكْرٍ وَغَيْرِهَا

شرح الباب:

لا ريب في أنّ وجود العقل في الإنسان وصحّة التمييز منه شرط في وجوب النظر والاستدلال في الاعتقاديّات، وشرط أيضاً في صحّة تعلّق العبادات به وفي نفوذ معاملاته، وفي بقيّة الأحكام والتشريعات، ولكن قد تطرأ على الإنسان حالات تؤدّي إلى زوال العقل إمّا كليّاً أو بمرتبة تسقط فيها المسؤوليّة عن المكلّف، فيفقد الوعي والقدرة على تمييز ما يحصل من حوله، ولا يكون بإمكانه تمييز ما هو ضارّ عمّا هو نافع، وما هو صالح عمّا هو فاسد، ويكون التكليف عندئذٍ ساقطاً عنه، ومثال هذه الحالات: الإغماء والجنون والصرع والسكر وشدّة الهمّ أو الغمّ أو الدهشة أو نحو ذلك ممّا يغلب على العقل.

وهناك ما يطرأ على الإنسان ولا يصل به إلى مستوى زوال العقل بالمرة، كالعَتَه.

وفي هذا الباب يتعرّض الماتن(قدس سره) إلى حكم ما أزال العقل، وأنّه هل ينقض الوضوء بزوال العقل بمثل طروّ الإغماء أو الجنون أو السكر، ويظهر من العنوان التوقّف في الناقضيّة؛ إذ لم يبيّن حكم المزيل للعقل، ويستفاد ذلك أيضاً من تعليقه على الحديث الوحيد في هذا الباب.

وأمّا المفردات الواردة هنا فبيانها في اللغة كما يلي:

ص: 111

الإغماء: مصدر أغمي، وفي مجمع البحرين: «يقال: أغمي فهو مُغْمًی مَغْمِيٌّ: إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة، وأصل التغمية الستر والتغطية، ومنه أغمي على المريض فهو مُغمًى عليه وغُمِيَ عليه فهو مَغمِيٌّ عليه: إذا ستر عقله وغطي»((1)).

وفي لسان العرب: «غُمِيَ على المريض وأُغْمِيَ عليه: غُشِيَ عليه ثم أفاقَ. وفي التهذيب: أُغمِيَ على فلان إذا ظُنَّ أَنه ماتَ ثم يَرجِع حَيًّا»((2)).

والجنون مرض يوجب سلب العقل وعطبه، فلا يعي ولا يدرك إدراك البشر، بخلاف البَلَه - وهو ضعف العقل - فإنّ صاحبه يدرك ويعي غير أنّه لا يشك في ما يفعل ويسترسل مع الظواهر، وقد يختلط عند العرف البَلَه مع المرتبة الضعيفة من الجنون، والجنون قد يكون مطبقاً، أي دائماً، وهذا خارج عن دائرة التكليف، وقد يكون أدواريّاً فلا يكون غالباً عليه في جميع الأوقات، بل يفيق المريض منه، وهذا هو محل الكلام في هذا الباب.

والصَّرع: «بالفتح: علّة معروفة تشبه الجنون لأنّها تصرع صاحبها»((3)).

والسكر: غيبوبة العقل واختلاطه بسبب تناول الشراب المسكر كالخمر.

والعته: النقصان في العقل من غير جنون أو دَهَش، والمعتوه: «المَدهُوشُ من غير مَسِّ جُنُونٍ. والمَعتُوه والمَخفُوقُ: المجنون، وقيل: المَعتُوه الناقصُ العقل»((4)) ومن البيّن أنّ المعتوه قد يرادف المجنون، وقد يطلق على

ص: 112


1- - مجمع البحرين1: 319، مادة: غما.
2- - لسان العرب15: 137، مادة: غما.
3- - مجمع البحرين4: 359، مادة: صرع.
4- - لسان العرب13: 512، مادة: عته.

المجنون الذاهب العقل في بعض النصوص.

أقوال الخاصّة:

الظاهر أنّ ناقضيّة ما يزيل العقل اتفاقيّة بين علمائنا، ولا يضرّها مخالفة الماتن - كما يظهر من عنوان الباب - والمحدّث البحراني0، ولعلّ ذلك لعدم تماميّة الإجماع عندهما بعد عدم وضوح دلالة النصوص التي استدل بها من يقول بناقضيّة زوال العقل، قال في الجواهر: «كلّ ما أزال العقل أو غطّاه من جنون أو إغماء أو سكر أو غير ذلك، ولو لشدّة المرض أو الخوف أو نحوهما، بلا خلاف أجده، بل في المدارك الإجماع عليه، بل عن التهذيب إجماع المسلمين، كما في المنتهى: لا نعرف خلافاً فيه بين أهل العلم»((1)).

بل عن المحقّق الهمداني: «الإنصاف أنّه قلَّما يوجد في الأحكام الشرعيّة مورد يمكن استكشاف قول الإمام (علیه السلام) ، أو وجود دليل معتبر من اتّفاق الأصحاب مثل المقام، كما أنّه قلَّما يمكن الاطَّلاع على الإجماع لكثرة ناقليه واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه»((2)).

أقوال العامّة:

لم ينقل أحد الخلاف عنهم، بل ذكر الإجماع عندهم أيضاً، فالحكم إجماعي عند المسلمين، كما ذكره شيخ الطائفة في التهذيب، قال في المغني: «وزوال العقل على ضربين نوم وغيره فأمّا غير النوم وهو الجنون

ص: 113


1- - جواهر الكلام1: 733- 734.
2- - مصباح الفقيه2: 28.

والاغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه»((1)).

ص: 114


1- - المغني1: 164.

[667] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاضْطِجَاعِ وَالْوُضُوءُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ مُسْتَنِدٌ بِالْوَسَائِدِ فَرُبَّمَا أَغْفَى وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، قَالَ: يَتَوَضَّأُ. قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْوُضُوءَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ لِحَالِ عِلَّتِهِ، فَقَالَ: إِذَا خَفِيَ عَلَيْهِ الصَّوْتُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَقَالَ: يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُصَلِّيهَا مَعَ الْعَصْرِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ((1)*).

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ((2)*).

أَقُولُ: اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ، لَكِنَّ الشَّيْخَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ مُطْلَقاً يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَأَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[1] فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من أغفى وهو قاعد مستند بالوسائد لمرض فعليه الوضوء وإن شقّ وثقل عليه الوضوء بلزوم تكرّره منه عدّة مرات، ويفهم من إيجاب الوضوء عليه مع مشقّته عليه أنّ المشقّة يسيرة يتحمّل مثلها في العادة وإلّا أوجب الإمام (علیه السلام) عليه التيمّم كما أفاده المحدّث الكاشاني في الوافي((3)

ص: 115


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 14.
2- ([2]*) التهذيب 1: 9/ 14.
3- - الوافي6: 253.

ثم إنّ الإمام (علیه السلام) دلّ السائل على ما يرفع هذه المشقّة الناتجة عن لزوم تكرار الوضوء، وذلك بأن يؤخّر صلاة الظهر ويصلّيها مع العصر يجمع بينهما، وقد يكون ذلك بوضوء واحد لهما، ويؤخّر أيضاً المغرب ويصلّيها مع العشاء يجمع بينهما كذلك.

والاغفاء معناه النوم((1)) فيكون الحديث دالّاً على نقض النوم للوضوء وإن كان حال الجلوس وحال المرض.

هذا، وقد قُرِّب الاستدلال بهذا الحديث على ناقضيّة الإغماء بتقريبين:

التقريب الأوّل: أن الإغفاء إمّا بمعنی الإغماء أو أنّه المراد به في هذا الحديث.

أمّا إذا أريد به الإغماء فالاستدلال واضح حيث إنّ الإغماء حينئذٍ موجب للوضوء، فيكون من جملة النواقض.

وأمّا إذا أريد به الاغماء في خصوص المقام - وإن كان قد يطلق ويراد به النوم - فأيضاً يكون من النواقض؛ لأنّ كلمة «ربَّما» تدلّ علی التكثير، بل هو الغالب فيها على ما صرح به في مغني اللبيب((2))

ويكون قوله: ربَّما أغفى، أي أنّه كثيراً ما يصدر منه الإغفاء، ومن الظاهر أنّ ما يكثر وما يقتضيه المرض والعلّة الشديدة هو الإغماء لا النوم فيكون دليلاً على نقض الوضوء بالإغماء.

وأجيب عنه: بأنّ الإغفاء هنا بمعنى النوم، وإرادة معنی آخر يحتاج إلى

ص: 116


1- - لسان العرب15: 131، مادة: غفا، العين4: 452، مادة: غفو.
2- - مغني اللبيب1: 154.

قرينة و لم تقم قرينة على إرادة الإغماء منه.

وأمّا القرينة المذكورة وهي دلالة كلمة «ربّما» على التكثير وأنّه الغالب فيها، فيكون ما يكثر وتقتضيه العلّة الشديدة هو الإغماء لا النوم، ففيه: أنّ كلمة «ربّما» إنّما تستعمل بمعنی «قد» كما هو الظاهر منها عند الإطلاق فمعنی الجملة حينئذٍ: أنّه قد يطرأ عليه الإغفاء أي: النوم، فيصير صدر الحديث دليلاً على نقض النوم للوضوء وإن كان حال الجلوس.

التقريب الثاني: أنّ الموضوع وإن كان هو الّذي ينام قاعداً لكن قوله (علیه السلام) في ذيل الحديث: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء». يدلّ على أنّ خفاء الصوت على المكلّف هو العلّة في انتقاض الوضوء، ومقتضى إطلاقه الشمول لكلّ ما يوجب خفاء الصوت، فلا فرق في ذلك بين أن يستند إلى النوم وبين استناده إلى السكر ونحوه من الأسباب المزيلة للعقل.

وفيه: أنّ الخفاء على نحو الإطلاق لم يجعل مناطاً للانتقاض، بل جُعِل خفاء الصوت في خصوص النائم هو المناط للانتقاض، وهذا لأنّ الضمير في «عليه» راجع إلى الرجل النائم فيكون المقصود أنّه إذا خفي الصوت على هذا الشخص الّذي ربما أغفى فقد وجب عليه الوضوء، فلا دلالة في الحديث على أنّ مجرّد خفاء الصوت - ولو في غير حالة النوم - ينقض الوضوء.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

أوّلهما: سند الكليني، وفيه: محمد بن يحيی وهو محمد بن يحيى العطّار،

ص: 117

وأحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

ومعمّر بن خلّاد، قال عنه النجاشي: «معمّر بن خلّاد بن أبي خلّاد أبو خلّاد بغدادي، ثقة، روى عن الرضا (علیه السلام) . له كتاب الزهد»((1)).

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ((2)). وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((3)). والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ إلى الكليني، وهو صحيح كسابقه.

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً، وهو صحيح بسنديه.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منه:

1- أنّ الإغفاء حال القعود موجب لنقض الوضوء، وإن كان الإغفاء لعلّة ومرض.

2- أنّ المشقة اليسيرة التي تُتحمّل عادة لا ترفع وجوب الوضوء عن المكلّف.

3- أنّ خفاء الصوت على المكلّف هو المناط في تحقّق النوم الناقض للوضوء.

4- جواز تأخير صلاة الظهر وجمعها مع العصر وكذا المغرب مع العشاء تخفيفاً لمن يشقّ عليه الوضوء.

ص: 118


1- - رجال النجاشي: 421/ 1128.
2- - رجال الطوسي: 366/ 5433.
3- - أصول علم الرجال1: 241.

5- بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ

اشارة

بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ((1))

5- بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ.

شرح الباب

ما يخرج من الدبر - غير ما تقدّم في الباب الثاني من هذه الأبواب - لا ينقض الوضوء، إلّا إذا استصحب العذرة، وهو علی قسمين:

أحدهما: طاهر في نفسه، مثل الدود وغيره من الهوام، ومثل الحصی والشعر، وغير ذلك.

والثاني: نجس، كالدم.

ويدلّ علی ذلك ما تقدّم من حصر النواقض في ما مرّ، وما هو صريح أحاديث الباب.

ص: 119


1- - ورد في هامش المخطوط ما نصّه: لو خرج من أحد السبيلين دود أو غيره من الهوام أو حصى أو دم غير الثلاثة أو شعر أو أشياف أو دهن قطره في احليله لم ينقض، إلّا أن تستصحب شيئا من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع؛ للأصل ولما تقدّم من الأحاديث، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وأبوإسحاق وأبو ثور: إنّه ناقض؛ لعدم انفكاكه من البلّة، وهو ممنوع. ذكره في التذكرة (منه قده). راجع التذكرة 1: 101. وفيها: إسحاق بدل أبي إسحاق والثلاثة بدل البلّة.

والقرع بالفتح فالسكون وبالتحريك في لغة: حمل اليقطين، الواحدة قرعة بالفتح أيضاً، وتسمى الدّباء((1)).

وحبّ القرع قيل: إنّه دود عريض يتولّد في الأمعاء، سمّي به لشبهه به، ولكن قال في مجمع البحرين: والأشبه أنّه ليس بدود، بل هو الحبة السوداء الشونيز في المشهور وهو حبّ معروف((2)).

والظاهر أنّ حبّ القرع يطلق ويراد منه المعنيان، وإن كان ظاهر العنوان إرادة الدود منه، وكيف كان كلّ ما يخرج من الدبر ممّا هو طاهر في نفسه أو كان نجساً لا ينقض الوضوء، إلّا أن تصحبه العذرة.

والعنوان وإن اقتصر على ما يخرج من الدبر - لاقتصار روايات الباب عليه - إلّا أنّ الظاهر عدم الاختصاص فيشمل ما يخرج من القبل غير النواقض المنصوصة إجماعاً.

أقوال الخاصّة:

عدم النقض بخروج المذكورات من دون استصحاب العذرة إجماعي عند الخاصّة، كما عن الخلاف والغنية((3)

وقال العلّامة في التذكرة: «لو خرج من أحد السبيلين دود، أو غيره من الهوام، أو حصى أو دم غير الثلاثة، أو شعر، أو حقنة، أو أشياف، أو دهن قطّره في إحليله، لم ينقض، إلّا أن يستصحب شيئاً من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((4)) وهو ظاهر المنتهی((5)).

ص: 120


1- - مجمع البحرين4: 378، مادة: قرع.
2- - مجمع البحرين2: 33، مادة: حبب.
3- - الخلاف1: 115. الغنية: 35.
4- - تذكرة الفقهاء1: 101.
5- - منتهی المطلب1: 188.

أقوال العامّة:

المشهور عندهم النقض بخروج الدم و الدود والحصا والشعر مطلقاً وإن لم يستصحب شيئاً من العذرة، والمخالف هو مالك، قال في المغني: «وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحمّاد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر، ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب»((1)) وأضاف ابن رشد إلى مالك ممّن وافقنا: جلّ أصحاب مالك((2)).

ص: 121


1- - المغني1: 160.
2- - بداية المجتهد1: 31.

[668] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ أَخِي فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : فِي الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْهُ مِثْلُ حَبِّ الْقَرْعِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

[1] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ما يخرج من الرجل من الديدان الصغار التي تشبه حبَّ القرع لا ينقض الوضوء، ولا خصوصيّة للديدان، بل إنّ خروج ما هو طاهر في نفسه وإن قلَّ له الحكم نفسه، نعم، لو خرج ملوّثاً بالعذرة - وإن كان بمقدار قليل جدّاً - نقض الوضوء كما يأتي التصريح به في الحديث الآتي، فلا يتوهّم ظهور الحديث في خروج العذرة بمقدار حبّ القرع، ولا تنافي بين عدم ناقضيّة ما ذكر لخلوّه عن العذرة وإثبات ناقضيّة خروج بعض العذرة معه في بعض الأحيان.

سند الحديث:

فيه: الحسن ابن أخي فضيل، أي فضيل بن يسار، وهو وإن لم يذكر في كتب الرجال إلا أنّه ممّن روی المشايخ الثقات عنه، كما في هذا السند، فيكون ثقة. فالسند معتبر.

ص: 122


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ صدر الحديث 5.

[669] 2- قَالَ الْكُلَيْنِيُّ: وَرُوِيَ: إِذَا كَانَتْ مُتَلَطِّخَةً((1)*) بِالْعَذِرَةِ أَعَادَ الْوُضُوءَ((2)*).

[2] فقه الحديث:

دلّ الحديث علی أنّ خروج الديدان الصغار التي تشبه حبَّ القرع وهي ملطّخة بالعذرة موجب لإعادة الوضوء؛ فيستفاد منه أنّ خروج العذرة - لو كان بمقدار قليل جدّاً كالذي يكون علی الديدان - حدث ناقض للوضوء، كما يستفاد أيضاً أنّ الحدث ناقض وإن حصل بغير اختيار من المكلّف؛ إذ خروج الديدان ملطّخة بالعذرة خارج عن اختيار الإنسان.

سند الحديث:

من مراسيل الكليني، ويبتني اعتباره علی قبول شهادة الكليني بصحّة ما في كتابه الكافي، وقد حقّقناه في كتابنا أصول علم الرجال((3)).

ص: 123


1- ([1]*) في المصدر: ملطّخة.
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ ذيل الحديث 5.
3- - أصول علم الرجال1: 69 - 103.

[670] 3- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ ظَرِيفٍ - يَعْنِي ابْنَ نَاصِحٍ((1)*)- عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ الصِّغَارِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْلِ((2)*).

وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((3)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((4)*).

[3] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ خروج حبّ القرع والديدان الصغار ليس موجباً لنقض الوضوء، ويقيّد بما إذا خرج ذلك ملوّثاً بالعذرة؛ فإنّه ناقض حينئذٍ.

ثمّ إنّ تقييد الديدان بالصغار لا يعني أنّ الكبار لها حكم مغاير - كما هو مقتضی مفهوم الوصف - بل الديدان صغيرها وكبيرها مشتركة في الحكم؛ فإن خرجت ملوّثة بها لم يكن خروجها ناقضاً للوضوء.

وقد احتمل المحقّق في المعتبر أن يكون الوجه في التقييد بالصغار أنّ الكبار

ص: 124


1- ([1]*) يعني ابن ناصح، موجود في التهذيب والاستبصار (منه قده).
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 4.
3- ([3]*) الفقيه 1: 63/ 138.
4- ([4]*) التهذيب 1: 12/ 22، والاستبصار 1: 82/ 256.

بقوّة حركتها وعظمها تستصحب مدّة في الأغلب((1))، ولذا كان خروجها ناقضاً غالباً، وأمّا الصغار فليس الغالب فيها التلوّث بالعذرة، ومثلها مثل القمل الخارج من الجسد والحاصل منه فكما لا يجب في خروجه الوضوء بالاتفاق كذا لا يجب فيها.

ولعلّ هذا التنزيل للردّ علی مشهور العامّة القائلين بالنقض بخروج الدود مطلقاً، وإن لم يكن معه شيء من العذرة.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بثلاثة أنحاء:

الأوّل: مسنداً عن الكافي، وفيه: أحمد بن محمد، وقد استظهرنا أنّه ابن عيسی الأشعري القميّ، ومحمد بن إسماعيل هو ابن بزيع.

وفيه: ظريف بن ناصح: قال عنه النجاشي: «ظريف بن ناصح أصله كوفي، نشأ ببغداد، وكان ثقة في حديثه، صدوقاً له كتب»((2))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قائلاً: «بيّاع الأكفان»((3)

وقد ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة وتفسير القمي((4)).

وأمّا ثعلبة بن ميمون فقد مرّ أنّه ثقة((5)).

ص: 125


1- - انظر: المعتبر1: 107- 108.
2- - رجال النجاشي: 209/ 553.
3- - رجال الطوسي: 138/ 1465.
4- - أصول علم الرجال1: 225 و282.
5- - ايضاح الدلائل1: 81.

وأمّا عبد الله بن يزيد فقد سبق أنّه لم يرد في حقّه شيء، فهذا السند ضعيف.

الثاني: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وقد تقدّم الكلام في اعتبار مراسيله((1)).

الثالث: مسنداً عن التهذيب والاستبصار، وقد مرّ أنّ طرق الشيخ إلی محمد بن يعقوب في المشيخة متعدّدة، وهذا السند كالسند الأوّل.

ص: 126


1- - المصدر السابق: 91- 94.

[671] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَسْقُطُ مِنْهُ الدَّوَابُ((1)*) وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَمْضِي فِي((2)*) صَلَاتِهِ وَلَا يَنْقُضُ ذَلِكَ((3)*).

[4] فقه الحديث:

دلّ علی عدم ناقضيّة ما يسقط من الإنسان من الدود أو الدوابّ للصلاة أو الوضوء، والمراد بالدابة: كل ما يدبّ ويتحرّك علی الأرض، لكنّها مخصوصة هنا بما يتكوّن في الباطن ويخرج من الدبر، وقد ذكر الماتن(قدس سره) أنّه جاء في نسخة: الدود بدل الدواب. والحكم فيهما واحد، بل في كلّ ما يخرج كما مرّ.

والحديث وإن كان مطلقاً؛ إذ ليس فيه تفصيل بين خروج الدواب ملطّخة بالعذرة أو غير ملطّخة إلّا أنّه يقيّد بما إذا لم يكن مع ما يخرج شيء من العذرة.

سند الحديث:

ضعيف بالإرسال، لكن يمكن تصحيحه؛ لوجوده في كتب الحسين بن سعيد المعروفة المشهورة والمعمول عليها.

ص: 127


1- ([1]*) في نسخة الدود، «منه قده».
2- ([2]*) في نسخة: «على»، منه قده.
3- ([3]*) التهذيب 1: 11/ 21، والاستبصار 1: 81/ 255.

[672] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ

فَيَخْرُجُ مِنْهُ حَبُّ الْقَرْعِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ خَرَجَ نَظِيفاً مِنَ الْعَذِرَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ((1)*) وَلَمْ يُنْقَضْ وُضُوؤُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَأَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ((2)*).

[5] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ خروج الدود الشبيه بحبّ القرع غير مضرّ بالصلاة ولا الوضوء إذا خرج أثناءها نظيفاً من العذرة، وأمّا إذا خرج متلطّخا بالعذرة فقد انتقض وضوؤه فعليه إعادته، وإن كان الخروج كذلك في أثناء الصلاة فقد انتقضت صلاته أيضاً فعليه قطعها وإعادتها مع الوضوء، كما دلّ أيضاً علی أنّ خروج الناقض مبطل للوضوء،

ص: 128


1- ([1]*) ورد في هامش المخطوط ما نصّه «هذا الحديث مرويّ في الوضوء من التهذيب والاستبصار وكما ذكرنا، ورواه في التيمم، وأسقط قوله: كيف يصنع، وقوله: إن كان نظيفاً من العذرة، وهاهنا هو الصحيح، وإن كان المعنى واحداً على التقديرين» (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 11/ 20، و206/ 597، والاستبصار 1: 82/ 258.

وللصلاة وموجب لإعادتهما وإن كان يسيراً لكون ما يستصحبه الدود من العذرة قليلاً عادة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی محمد بن أحمد بن يحيی معتبر، وبقيّة السند تقدّم الكلام في أفراده، والسند موثّق.

ص: 129

[673] 6- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ: فِي الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْهُ مِثْلُ حَبِّ الْقَرْعِ قَالَ: عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى كَوْنِهِ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ لِلتَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَهُوَ قَرِيبٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لَهَا، وَوَجْهُ إِطْلَاقِهِ مُلَاحَظَتُهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، وَيَحْتَمِلُ حُصُولُ الْغَلَطِ مِنَ النَّاسِخِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْكُلَيْنِيِ((2)*) فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ، وَفِيهِ: لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، فَكَأَنَّ لَفْظَ لَيْسَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّيْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَصْرُ النَّوَاقِضِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ((3)*) وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَقْصُودِ هُنَا.

[6] فقه الحديث:

يحتمل في السؤال احتمالان:

أحدهما: أن يكون عن خروج العذرة بمقدار حبّ القرع، فيكون جواب الإمام (علیه السلام) موافقاً لما سبق في الحديث الثاني من الباب من ناقضيّة ما يخرج من العذرة وإن كان يسيراً.

والثاني: أن يكون عن خروج شيء منه من مثل حبّ القرع، كالنواة أو

ص: 130


1- ([1]*) التهذيب 1: 11/ 19، والاستبصار 1: 82/ 257.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 1 من هذا الباب.
3- ([3]*) تقدّم في أحاديث الباب 2 من هذه الأبواب.

الحصی أو غير ذلك، ويكون جواب الإمام (علیه السلام) هنا مخالفاً لما مرّ في أحاديث الباب، وقد ذكر الماتن في توجيهه وجوهاً:

المتحصل من الأحادیث

أوّلها: ما عن شيخ الطائفة من الحمل عن كون الخارج متلطّخاً بالعذرة، فيكون جواب الإمام موافقاً للتفصيل المتقدّم عن الكافي، وقد استقرب الماتن هذا الوجه.

ثانيها: الحمل علی التقيّة لكون مشهور العامّة علی نقض ما يخرج من الدبر مطلقاً، ويكون الإطلاق في جواب الإمام (علیه السلام) بلزوم إعادة الوضوء لأجل ملاحظة التقيّة.

ثالثها: الحمل علی الاستفهام الإنكاري، فيكون موافقاً لبقيّة أحاديث الباب.

رابعها: احتمال الغلط من الناسخ، وأنّ الصحيح ما عن الكافي من وجودكلمة «ليس» فيوافق بقيّة أحاديث الباب.

سند الحديث:

فيه: ابن أخي فضيل، وقد مضی في سند الحديث الأول أنّ اسمه الحسن، وأنّه موثّق، ويحتمل سقوط الواسطة بعده وهو (فضيل). وأمّا بقيّة السند فقد تقدّم الكلام عن أفراده، فهذا السند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث: أوّلها وثانيها ورابعها وسادسها معتبرات، وخامسها موثّق، وثالثها ضعيف بسنديه الأوّل والثالث، ومعتبر بالثاني.

ص: 131

والمستفاد منه:

1- أنّ كلّ ما يخرج من الدبر ممّا هو طاهر في نفسه - مأكول أو غير مأكول - أو كان نجساً لا ينقض الوضوء، إلّا أن تصحبه العذرة.

2- أنّ خروج العذرة - ولو كان بمقدار قليل جدّاً - حدث ناقض للوضوء ومبطل للصلاة.

3- أنّ الحدث ناقض للوضوء ومبطل للصلاة وإن حصل بغير اختيار من المكلّف.

ص: 132

6- بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَ

اشارة

بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَ((1)) وَالْقَيْحَ وَالْجُشَا ءَ((2)) وَالضَّحِكَ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْقَرْقَرَةَ فِي الْبَطْنِ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُو ءَ

6- بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَ وَالْقَيْحَ وَالْجُشَاءَ وَالضَّحِكَ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْقَرْقَرَةَ فِي الْبَطْنِ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ

شرح الباب:

ما يخرج من بدن الإنسان من غير السبيلين إمّا طاهر وإمّا نجس فالطاهر كالطعام الخارج من الحلق بالتقيّؤ أو التجشّؤ ما لم تصاحبه نجاسة، والنجس كالدم الخارج من الفم أو الجروح.

أمّا القيء فهو الخارج من الجوف من طعام وغيره، والاسْتِقاءُ وهو التكَلُّفُ لذلك، والتَّقَيُّؤُ أبلغ وأكثر.((3))

والمِدَّة: ما يجتمع في الجُرْح من القيح((4)).

وأمّا القيح فهو المِدَّةُ الخالصة لا يخالطها دم، وقيل: هو الصديد الذي كأنّه

ص: 133


1- - المدّة: ما يجتمع في الجرح من القيح (لسان العرب 3: 399).
2- - الجشاء: تنفّس المعدة عند الإمتلاء، وكأنّ صاحبه يريد أن يتقيّأ (لسان العرب 1: 48).
3- - لسان العرب1: 135، مادة: قيأ.
4- - لسان العرب 3: 399، مادة: مدد.

الماء وفيه شُكْلَةُ دَمٍ((1)).

والجشاء: تنفّس المعدة عند الامتلاء((2)).

وأمّا القهقهة فهي الترجيع في الضحك، وقيل: إنّها اشتداده((3)).

والقرقرة: صوت في البطن، يقال: قرقر بطنه أي صوّت، والجمع قراقر((4)).

ولم يذكر الرُّعاف والحجامة في عنوان الباب مع أنّهما وردا في الحديث السادس والسابع من الباب.

أقوال الخاصّة:

الإجماع قائم عند الخاصّة علی أنّ ما ذُكر في عنوان الباب لا يوجب شيء منه نقض الوضوء، وأنّ ما عدا ما يأتي من النواقض، لا ينقض الوضوء((5)). قال العلامة في التذكرة: «القيء لا ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثر، وكذا ما يخرج من غير السبيلين، كالدم والبصاق والرّعاف وغير ذلك، ذهب إليه علماؤنا»((6)).نعم، نسب في المعتبر إلى أبي علي بن الجنيد أنّ من قهقه في صلاته متعمّداً لنظر أو سماع ما أضحكه، قطع صلاته وأعاد وضوءه((7))، والبواقي لا خلاف في عدم ناقضيّتها.

ص: 134


1- - لسان العرب2: 568، مادة: قيح.
2- - العين6: 159، مادة: جشأ، لسان العرب1: 48، مادة: جشأ.
3- - لسان العرب13: 531، مادة: قهقه.
4- - مجمع البحرين3: 457.
5- - منتهی المطلب1: 208.
6- - تذكرة الفقهاء1: 106.
7- - المعتبر1: 116.

أقوال العامّة:

الخلاف متحقّق بين العامّة في ناقضيّة المذكورات، فقد ذكر ابن قدامة في المغني أنّه: «ليس في القهقهة وضوء، روي ذلك عن عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال أصحاب الرأي: يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها.

...والقيء الفاحش والدم الفاحش والدود الفاحش يخرج من الجروح، وجملته أنّ الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين طاهراً ونجساً، فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما، والنجس ينقض الوضوء في الجملة رواية واحدة، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان مالك وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا يوجبون منه وضوءاً، وقال مكحول: لا وضوء إلّا فيما خرج من قبل أو دبر ... وإنّما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير، وقال بعض أصحابنا: فيه رواية أخرى أنّ اليسير ينقض، ولا نعرف هذه الرواية، ولم يذكرها الحلال في جامعه إلا في القلس، واطّرحها.

وقال القاضي: لا ينقض رواية واحدة وهو المشهور عن الصحابة رضي الله عنهم...

وقال أبو حنيفة: إذا سال الدم ففيه الوضوء، وإن وقف على رأس الجرح لم يجب ... والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا وأسهل وأخف منه حكماً عند أبي عبد الله، لوقوع الاختلاف فيه، فإنّه روي عن ابن عمر والحسن أنّهم لم يروا القيح والصديد كالدم، وقال أبو مجلز في الصديد لا شيء إنّما ذكر الله الدم

ص: 135

المسفوح، وقال الأوزاعي في قرحة سال منها كغسالة اللحم: لا وضوء فيه.

وقال إسحاق: كل ما سوى الدم لا يوجب وضوءاً. وقال مجاهد وعطاء وعروة والشعبي والزهري وقتادة والحكم والليث: القيح بمنزلة الدم فلذلك خفّ حكمه عنده واختياره مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل حكمه فيه، لكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم ... والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش ... وقيل عنه - أي عن أبي عبد الله -: إذا كان أقلّ من نصف الفم لا يتوضّأ والأوّل المذهب ... فأمّا الجشاء فلا وضوء فيه لا نعلم فيه خلافاً»((1)).

وأمّا القهقهة فقد وقع فيها الخلاف أيضاً، قال النووي في المجموع: «اختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان بقهقهة فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنّه لا ينقض، وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسی الأشعري، وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم، وروى البيهقي عن أبي الزناد قال: أدركت من فقهائنا الذين يُنتَهی إلى قولهم سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار ومشيخة جلّة سواهم يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء، قال البيهقي: وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري، و حكاه أصحابنا عن مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.

وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة: ينقض الوضوء، وعن الأوزاعي روايتان، وأجمعوا أنّ الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة لا

ص: 136


1- - المغني1: 169 - 178.

يبطل الوضوء، وعلى أنّ القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء»((1)).

وأمّا القرقرة فقد «انفرد المالكية بالقول أنّ القرقرة - حبس الرّيح - إن كانت تمنع من الإتيان بشيء من الصلاة حقيقة أو حكماً - كما لو كان يقدر على الإتيان به بعسر - فإنّها تبطل الوضوء.

فمن حصره ريح وكان يعلم أنّه لا يقدر على الإتيان بشيء من أركان الصلاة أصلاً، أو يأتي به مع عسر كان وضوؤه باطلاً، فليس له أن يفعل به ما يتوقّف على الطهارة كمسّ المصحف، أمّا إذا كانت القرقرة لا تمنع من الإتيان بشيء من أركان الصلاة فإنّها لا تبطل الوضوء.

وذهب بعض المالكية إلی أنّ القرقرة الشديدة تنقض الوضوء ولو لم تمنع من الإتيان بشيء من أركان الصلاة، والراجح الأوّل.

وذهب جمهور الفقهاء إلی عدم نقض الوضوء بحبس الرّيح، وصرّحوا بكراهة الصلاة معها»((2)).

ونقل ابن حزم عن إبراهيم النخعي إيجابه الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة((3)).

ص: 137


1- - المجموع2: 60 - 61.
2- - الموسوعة الفقهيّة33: 151.
3- - المحلّی1: 264.

[674] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَتَجَشَّأُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ شَيْ ءٌ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی عدم ناقضيّة الجشاء للوضوء، وقوله: يخرج منه شيء، أي يخرج من فمه شيء من الطعام ونحوه إلی خارج الفم. وهو شامل للفاحش واليسير من الجشاء، فالجشاء غير ناقض للوضوء ولو كان الخارج من الفم يسيراً.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، والظاهر أنّه ابن عيسی، وإن كان أحمد بن محمد بن خالد البرقي يروي أيضاً عن علي بن الحكم، والسند معتبر.

ص: 138


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ 8.

[675] 2- وَعَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ جَمِيعاً، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا قَاءَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى طُهْرٍ فَلْيَتَمَضْمَضْ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء ليس بناقض للطهارة ومنها الوضوء بلا فرق بين أن يكون القيء يسيراً أو فاحشاً، ولو كان ناقضاً لما اكتفی (علیه السلام) ببيان أنّ عليه المضمضة فقط، والمضمضة: تحريك الماء في الفم((2))، وفي المجمع: هي إدارة الماء في الفم وتحريكه بالأصابع أو بقوّة الفم ثم يمجّه، وتمضمضت بالماء: فعلت مثل ذلك((3)).

وقد حُمل الأمر بالمضمضة هنا علی الاستحباب((4)).

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، والظاهر أنّه ابن عيسى؛ لروايته عن الحسين بن سعيد، وفيه أيضاً: أبو داود، وقد سبق في الحديث الثالث من الباب الخامس من أبواب الأسآر((5)) أنّ الشيخ الكليني إن كان يروي عن أبي داود هذا بواسطة

ص: 139


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 10.
2- - العين7: 17، مادة: مض.
3- - مجمع البحرين4: 230، مادة: مضض.
4- - مرآة العقول 13: 118.
5- - ايضاح الدلائل4: 350- 351.

العدّة كما هو أحد الاحتمالين هنا، وهو عطفه على أحمد بن محمد، فالظاهر أنّه سليمان بن سفيان المسترق، المنشد، راوية شعر السيّد الحميري؛ لأنّه المشهور المعروف فينصرف إليه عند الإطلاق.

وأمّا إذا روى عنه بلا واسطة كما هو مقتضى الاحتمال الثاني وهو عطفه على العدّة، فإن كان المراد به أبو داود المسترق فلا ريب في أنّ السند مرسل، لأنّ الكليني توفي سنة تسعة وعشرين وثلاث مائة، بينما توفي أبو داود سنة ثلاثين ومائتين، وإن كان المراد منه شخصاً آخر فهو مجهول.

والظاهر هو الاحتمال الأوّل فلا إرسال.

وأبو داود هذا هو سليمان بن سفيان المسترق، قال عنه النجاشي: «سليمان بن سفيان أبو داود المسترق المنشد مولى كندة ثم بني عدي منهم، روی عن سفيان بن مصعب، عن جعفر بن محمد[ (علیه السلام) ] وعن الربال (الرجال ظ)، وعمّر إلى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، قال أبو الفرج، محمد بن موسی بن علي القزويني (رحمه الله) : حدّثنا إسماعيل بن علي الدعبلي قال: حدّثنا أبي، قال: رأيت أبا داود المسترق - وإنّما سمّي المسترق، لأنّه كان يسترقّ الناس بشعر السيّد - في سنة خمس وعشرين ومائتين يحدّث عن سفيان بن مصعب، عن جعفر بن محمد (علیه السلام) ، ومات سليمان سنة إحدى وثلاثين ومائتين»((1)).

وقال الكشي: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال، عن أبي داود المسترقّ؟ قال: اسمه سليمان بن سفيان المسترقّ، وهو المنشد وكان ثقة.

ص: 140


1- - رجال النجاشي: 183/ 485.

قال حمدويه: وهو سليمان بن سفيان بن السمط المسترقّ، كوفي يروي عنه الفضل بن شاذان، أبو داود المسترقّ - مشدّدة - مولى بني أعين من كندة، وإنّما سمّي المسترقّ لأنّه كان راوية لشعر السيّد، وكان يستخفّه الناس لإنشاده يسترقّ أي يرقّ على أفئدتهم، وكان يسمّى المنشد، وعاش تسعين سنة، ومات سنة ثلاثين ومائة((1)).

والصحيح في سنة وفاته هو ما ذكره النجاشي؛ لرواية جماعة من الأجلّاء عنه، بعضهم لم يدرك الإمام الصادق جزماً كالفضل بن شاذان الذي أدرك أبا محمد العسكري (علیه السلام) ، والحسن بن محبوب المولود سنة (150)، وعبد الرحمن ابن أبي نجران الذي هو من أصحاب الرضا والجواد (علیهما السلام) ، فلا يمكن أن يروي هؤلاء ومن في طبقتهم عمّن مات قبل وفاة الصادق (علیه السلام) بثمان وعشرين سنة.

وورد في أسناد تفسير القمي((2)) فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: فضالة، وهو فضالة بن أيوب، وفيه: أبان، وهو أبان بن عثمان الأحمر؛ لرواية فضالة بن أيوب عنه، وعلی هذا فالسند معتبر.

ص: 141


1- - اختيار معرفة الرجال2: 606/ 577.
2- - أصول علم الرجال1: 290.

[676] 3- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْقَيْ ءِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا((1)*)((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان كثيراً قد ملأ الفم أم لا، وسواء كان ما قاءه طعاماً أم غيره كالدم والبلغم وغيرهما، وسواء كان ذلك منه باختياره أم كان بلا اختيار منه.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 142


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ 9.
2- ([2]*) ورد في هامش المخطوط ما نصه: قال العلامة في التذكرة القي ء لا ينقض الوضوء سواء قلّ أو كثر وكذا ما يخرج من غير السبيلين كالدم والبصاق والرعاف وغير ذلك ذهب إليه علماؤنا - ونقله عن جماعة من الصحابة وغيرهم - للأصل ولقولهم (علیهم السلام) لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم، وقال أبو حنيفة: القي ء إذا كان مل ء الفم أوجب الوضوء وإلّا فلا، وغيره إن كان نجساً وسال أوجب الوضوء. وفيه رواية أخرى: أنّه إن خرج قدر ما يعفى عن غسله وهو قدر الشبر لم يوجب الوضوء. (منه قده) «راجع التذكرة 1: 10».
3- ([3]*) التهذيب 1: 13/ 25، والإستبصار 1: 83/ 259.

الأوّل: سند الكليني، وفيه: ابن أذينة، وهو عمر بن محمد بن عبدالرحمن بن أذينة، شيخ أصحابنا البصريين ووجههم، الثقة.

وفيه أيضاً: أبو أسامة، وهو زيد الشّحام، الثقة، له كتاب مشهور. والسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو سند الكليني نفسه، فالسند أيضاً معتبر.

ص: 143

[677] 4- وَعَنْهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الْقَهْقَهَةُ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتَنْقُضُ الصَّلَاةَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القهقهة لا تنقض الوضوء مطلقاً، سواء وقعت عمداً أم سهواً، وسواء حدثت علی وجه لا يمكن دفعها أم لا، كما دلّ علی أنّ القهقهة تنقض الصلاة مطلقاً ولو كانت سهواً أو من دون اختيار.

وفي هذا الحكم الثاني كلام يأتي في كتاب الصلاة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وقد تقدّم الكلام فيه، وهو معتبر.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب، وهو أيضاً معتبر.

ص: 144


1- ([1]*) الكافي 3: 364/ 6.
2- ([2]*) التهذيب 2: 324/ 1324، وأورده أيضاً في الحديث من الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.

[678] 5- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَلْسِ وَهِيَ الْجُشْأَةُ يَرْتَفِعُ الطَّعَامُ مِنْ جَوْفِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَقَيَّأَ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ.. الْحَدِيثَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ بِخَطِّ الشَّيْخِ الطُّوسِيِّ، وَأَنَّ اسْمَهُ كِتَابُ نَوَادِرِ الْمُصَنِّفِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ مِثْلَهُ((3)*).

[5] - فقه الحديث:

قال في النهاية: القلس بالتحريك، وقيل بالسكون: ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقيء، فإن عاد فهو القيء((4)).

وقد دلّ الحديث علی أنّ التجشّؤ وهو ارتفاع الطعام من الجوف من دون الخروج من الحلق - وإلّا كان قيئاً - لا يبطل الوضوء ولو حصل ذلك أثناء

ص: 145


1- ([1]*) الكافي 4: 108/ 6، ويأتي بتمامه في الحديث 7 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة، وفي الحديث 3 من الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- ([2]*) التهذيب 4: 264/ 894.
3- ([3]*) كتاب السرائر: 485.
4- - النهاية في غريب الحديث4: 100، مادة: قلس، وانظر لسان العرب6: 179، مادة: قلس.

الصلاة، ومن الواضح أنّ بعض ما لا ينقض الوضوء قد ينقض الصلاة كما في القهقهة فإنّها تنقض الصلاة دون الوضوء، فلعلّ السائل كان يتوهّم أنّ التجشّؤ من جملة ذلك فلذا ذكر في سؤاله أنّ التجشّؤ كان في حال الصلاة.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أوّلها: سند الكليني، وفيه محمد بن يحيی، وهو العطّار، وأحمد بن محمد، وهو ابن عيسی الأشعري القمي، وعثمان بن عيسی، وهو أحد أصحاب الإجماع، وسماعة، وهو ابن مهران، والإضمار لا يضرّ؛ لكون المضمِر من الأجلّاء على ما فصّلناه. فالسند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في التهذيب، وهو سند الكليني نفسه، فالسند أيضاً معتبر.

ثالثها: ما ذكره ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، ولمّا لم يذكر ابن إدريس طرقه إلى الكتب والأصول التي استطرف منها الروايات التي سجّلها في آخر السرائر عدّها كثير من العلماء من المراسيل، وقد مَنَّ الله علينا بمعرفة الطريق، فصارت روايات مستطرفات السرائر خارجة عن حدِّ الإرسال وداخلة في حيّز المسانيد كما حقّقناه((1))، وذلك عن طريق الإجازات التي تضمّنت طريق ابن إدريس إلى جميع مصنفات الشيخ ومرويّاته ومنها كتاب الفهرست، وهي ثمان إجازات، وبضمّ طرق الشيخ إلى الكتب والأصول في الفهرست إلى طريق ابن إدريس إليه

ص: 146


1- - انظر: أصول علم الرجال1: 191- 197.

تكون طرق الشيخ إلى الكتب والأصول في الفهرست طرقاً لابن إدريس أيضاً، وبهذا تكون روايات مستطرفات السرائر مسندة، لا خصوص ما كان يذهب إليه السيد الأستاذ(قدس سره) من استثناء نوادر البزنطي لتواتره، وروايات محمد بن علي بن محبوب، وقد عرضنا هذا التحقيق عليه فاستحسنه واستجوده.

ومن هذا يتضح أنّ سند ابن إدريس إلى كتاب نوادر المصنّف صحيح.

وأمّا الحسن الذي يروي عنه الحسين بن سعيد فهو أخوه: الحسن بن سعيد، وهذا السند قد تقدّم مراراً، وهو موثّق.

ص: 147

[679] 6- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الْقَيْ ءِ وَالرُّعَافِ وَالْمِدَّةِ أَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا تَنْقُضُ شَيْئاً((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ مِثْلَهُ((2)*) إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْمِدَّةِ((3)*) وَالدَّمِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِدَّةُ مَا يَجْتَمِعُ فِي الْجُرْحِ مِنَ الْقَيْحِ((4)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ خروج القيء، وما يجتمع في الجُرْح من القيح وهو المِدَّة، والرّعاف، والدم - كما في الزيادة المرويّة في العيون - لا تنقض الوضوء، وقوله (علیه السلام) : «شيئاً» وإن كان مطلقاً، فيعمّ الطهارة بأقسامها من الوضوء والغُسل والتيمم، وغيرها كالصلاة، إلّا أنّه سيأتي الكلام في نقض بعض هذه الأشياء لها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو في التهذيب هكذا: الشيخ

ص: 148


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 34، والاستبصار 1: 84/ 266.
2- ([2]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 22/ 46.
3- ([3]*) في نسخة: «المرة»، منه قده.
4- ([4]*) الصحاح 2: 537.

أيّده الله تعالى، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، وفي الاستبصار هكذا: الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيی عن أبيه، ثم يتّحد الطريقان في محمد بن يحيی.

ومحمد بن يحيی عادةً ما يروي عن أحمد بن محمد بن عيسی بلا واسطة، وقد روی عنه هنا بواسطة محمد بن علي بن محبوب، وقول الماتن: «عن أحمد يعني ابن محمد بن عيسى» هذا من إيضاحاته، ولم يوجد في المصدر، وهو صحيح؛ لأنّ أحمد بن محمد بن عيسى هو الراوي عن إبراهيم بن أبي محمود.

هذا، وقد ذكرنا في الباب الثالث من أبواب الماء المطلق عند بيان سند الحديث الثاني عشر أنّ إسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسی صحيح((1)).

وأمّا إبراهيم بن أبي محمود فقد قال عنه النجاشي: «إبراهيم بن أبي محمود الخراساني ثقة، روى عن الرضا (علیه السلام) . له كتاب يرويه أحمد بن محمد بن عيسی»((2))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) وذكره في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «إبراهيم بن أبي محمود، خراساني، ثقة، مولى»((3)).

وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((4)). وعلى هذا فالسند معتبر.

الثاني: سند الصدوق في عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، وهو صحيح.

ص: 149


1- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.
2- - رجال النجاشي: 25/ 43.
3- - رجال الطوسي: 332/ 4941 و351/ 5204.
4- - أصول علم الرجال1: 211.

[680] 7- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْ ءِ؟ قَالَ: لَا يَنْقُضُ هَذَا شَيْئاً مِنَ الْوُضُوءِ، وَلَكِنْ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ((1)*).

[7] - فقه الحديث:

الرُّعاف هو الدَّمُ الخارِج من الأَنْفِ بِعَيْنهِ((2)). والحِجَامَةُ هي فعل الحجّام، وهو من يمتصّ فم المحجمة، وهي الأداة التي تستعمل في الحجامة قديماً، ومن يقع عليه الحجم هو المحجوم((3))، ولم يورد الماتن الحجامة في عنوان الباب، والمراد هنا أنّ من يحتجم أو يقيء أو يرعَف فإنّه باقٍ على وضوئه، فهذه الأمور لا يوجب شيء منها نقض أيّ صنف من أصناف الوضوء، لكن لو حدث له شيء منها وهو في الصلاة انتقضت، وتمام الكلام في كتاب الصلاة.

سند الحديث:

قوله: «وعن أحمد بن محمد» أي وبإسناد الشيخ عن أحمد بن محمد، وهو ابن عيسی. وقد مضى أنّ طريقه صحيح إلى جميع كتبه ورواياته، وذكر في المشيخة طريقين إليه، ذكرهما بقوله: من جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد ما رويته عن الشيخ (رحمه الله) ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه،

ص: 150


1- ([1]*) التهذيب 2: 328/ 1346.
2- - تاج العروس12: 233، مادة: رعف، ومجمع البحرين5: 64، مادة: رعف.
3- - انظر: تاج العروس16: 129- 130، مادة: حجم.

عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد.

ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد ما رويته عن أبي الحسين بن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد.

والطريق الأوّل صحيح والثاني معتبر.

وأمّا الحسن بن علي بن يقطين فقد تقدّمت وثاقته((1)).

وأمّا الحسين فهو أخو الحسن، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا (علیه السلام) ووثّقه((2)). وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((3)).

وأمّا أبوهما وهو علي بن يقطين فقد تقدّم الكلام في وثاقته وجلالته((4))، وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 151


1- - ايضاح الدلائل1: 351.
2- - رجال الطوسي: 355/ 5259.
3- - أصول علم الرجال1: 219.
4- - ايضاح الدلائل3: 423.

[681] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ غَالِبِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْقَيْ ءِ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ وَإِنْ تَقَيَّأْتَ مُتَعَمِّداً((1)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ القيء لا ينقض الوضوء، سواء كان قليلاً أم كثيراً، وسواء كان ما قاءه طعاماً أم غيره، بل الحديث صريح في عدم نقضه حتى لو تقيّاً المكلّف متعمّداً مطلقاً، ولو كان ذلك في حال الصلاة، نعم في بطلان الصلاة به - كما هو ظاهر بعض الأحاديث في هذا الباب - كلام يأتي في محلّه من كتاب الصلاة.

سند الحديث:

فيه: الحسن بن علي الكوفي، وهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة البجلي، وقد مضى أنّه ثقة((2)).

وأمّا غالب بن عثمان فعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قائلاً: «غالب بن عثمان المنقري، مولاهم السماك الكوفي»، وقال عنه عند ذكره في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) : واقفي((3))، وقال عنه النجاشي: «غالب بن عثمان

ص: 152


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 28، والاستبصار 1: 83/ 261.
2- - ايضاح الدلائل1: 58.
3- - رجال الطوسي: 267/ 3841، و341/ 5091.

المنقري، مولى، كوفي، سمّال - بمعنی كحّال - وقيل: إنّه مولی آل أعين، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) ثقة. له كتاب يرويه عنه جماعة»((1)).

وأمّا روح بن عبدالرحيم فقال عنه النجاشي: «روح بن عبدالرحيم شريك المعلّی بن خنيس كوفي، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب رواه عنه غالب بن عثمان»((2))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3)). وعليه فالسند موثّق.

ص: 153


1- - رجال النجاشي: 305/ 835.
2- - رجال النجاشي: 168/ 444.
3- - رجال الطوسي: 204/ 2617.

[682] 9- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي الْقَيْ ءِ وُضُوءٌ((1)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء غير ناقض للوضوء مطلقاً، سواء كان قليلاً أم كثيراً، وسواء كان ما قاءه طعاماً أم غيره، وبإطلاقه يشمل ما لو كان إخراجه عن عمد.

سند الحديث:

فيه أحمد بن محمد، وهو ابن عيسی، وقد تقدّم بيان إسناد الشيخ إليه، وفيه: الحسن بن علي، وهو ابن فضّال، وفيه أيضاً: ابن سنان، والظاهر أنّه محمد، وقد رجّحنا وثاقته((2)). وأمّا ابن مسكان فهو عبد الله، وأبو بصير هو ليث بن البختري؛ لرواية عبد الله بن مسكان عنه. وعلی هذا فالسند معتبر.

ص: 154


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 28، والاستبصار 1: 83/ 261.
2- - اصول علم الرجال2: 402- 420.

[683] 10- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ رَهْطٍ سَمِعُوهُ يَقُولُ: إِنَّ التَّبَسُّمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، إِنَّمَا يَقْطَعُ الضَّحِكُ الَّذِي فِيهِ الْقَهْقَهَةُ((1)*)((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الْقَطْعَ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَا فِي الْوُضُوءِ.

[10] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ مجرّد التبسّم في حال الصلاة لا ينقضها، كما لا ينقض الوضوء حتّی لو صدر حال الصلاة، بخلاف الضحك المشتمل على القهقهة، فإنّه يقطع الصلاة، ولا يوجب نقض الوضوء، وإنّما قلنا إنّه يقطع الصلاة فقط؛ لأنّ القطع لا يقال إلّا في الصلاة - كما أفاده شيخ الطائفة الطوسي - فيقال: قطع صلاته، وانقطعت صلاته، ولم تجر العادة بأن يقال: انقطع وضوئي.

ص: 155


1- ([1]*) جاء في هامش المخطوط ما نصّه: قال العلّامة في التذكرة: القهقهة لا تنقض الوضوء وإن وقعت في الصلاة لكن تبطلها، ذهب إليه أكثر علمائنا، ثمّ نقله عن بعض العامّة واستدلّ عليه بالأصل وأحاديث الحصر إلى أن قال: وقال ابن الجنيد منّا: من قهقه في صلاته قطع صلاته وأعاد وضوءه؛ لرواية سماعة، وقال أبو حنيفة: «يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة وهو مرويّ عن الحسن والنخعيّ، وبه قال الثوري، وعن الأوزاعي روايتان ...(منه قده)، راجع التذكرة 1: 12.
2- ([2]*) التهذيب 1: 12/ 24، والاستبصار 1: 86/ 274، وأورده أيضاً في الحديث 3 من الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.

سند الحديث:

فيه: رهط، وهم ما دون العشرة، ومن المستبعد جدّاً أن لا يكون فيهم ثقة، مضافاً إلى أنّ المرسِل ابن أبي عمير، فيكون السند معتبراً.

ص: 156

[684] 11- وَعَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ أَخِيهِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: الْحَدَثُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَالْقَرْقَرَةُ فِي الْبَطْنِ إِلَّا شَيْئاً تَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَالضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَيْ ءُ((1)*).

أَقُولُ: قَوْلُهُ إِلَّا شَيْئاً تَصْبِرُ عَلَيْهِ، أَيْ تَحْبِسُهُ وَلَا تُخْرِجُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الرِّيحِ فَإِخْرَاجُهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ دُونَ مُجَرَّدِ الْقَرْقَرَةِ.

[11] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ ما ينقض الوضوء أمور:

أوّلها: الحدث، وفُسّر هنا بالريح التي يُسمع صوتها، أو التي لا يكون لها صوت ولكن يوجَد ريحُها، وقد سبق في الباب الأوّل من هذه الأبواب أنّها بنوعيها ناقضة للوضوء.

ثانيها: القرقرة في البطن، وهي الصوت الصادر من البطن، ولابد من حمله على صدور الحدث معه، والقرينة هي قوله (علیه السلام) بعد ذلك: «إلّا شيئاً تصبر عليه»، أي فلا يخرج منك، فإنّه حينئذٍ غير ناقض.

ثالثها ورابعها: الضحك في الصلاة، والقيء، وهو مخالف لما مرّ في هذا الباب، ولعلّه مستند ابن الجنيد القائل بناقضيّة الضحك حال الصلاة للوضوء،وقد حمله الشيخ في التهذيب على صدور ضحك مُضْعِفٍ وقيء كذلك، لا

ص: 157


1- ([1]*) التهذيب 1: 12/ 23، والاستبصار 1: 83/ 262 و86/ 273 و90/ 290.

يملك معهما نفسه، ولا يأمن أن يكون قد أحدث، والأظهر حمله على التقيّة لمعروفيّتهما بين العامّة.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 158

[685] 12 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الرُّعَافُ وَالْقَيْ ءُ وَالتَّخْلِيلُ يُسِيلُ الدَّمَ إِذَا اسْتَكْرَهْتَ شَيْئاً يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَكْرِهْهُ لَمْ يَنْقُضِ الْوُضُوءَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُمَا الشَّيْخُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُوَافَقَتِهِمَا لِلْعَامَّةِ، وَجَوَّزَ حَمْلَهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

[12] - فقه الحديث:

التخليل هو تخليل ما بين الأسنان، ويحتمل في الاستكراه أن يكون بمعنی النّفرة والاشمئزاز، ولعله بسبب الكثرة فيكون موافقاً لما عن بعض العامّة من أنّ الدم والقيء والقلس إذا كان فاحشاً نقض الوضوء وإلّا لم ينقضه. واحتمل المجلسي الثاني أن يكون الاستكراه كناية عن التقيّة، أي إن خفت ضرراً((2)).

واحتمل الشيخ أن يكون هذا الحديث والحديث الذي قبله محمولين علی الاستحباب.

لكن الصحيح هو الحمل علی التقيّة لا الاستحباب؛ والوجه في ذلك: أنّه توجد كبری مفادها أنّه إذا تعارضت أصالة الظهور وأصالة الجهة سقطت

ص: 159


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 26، والاستبصار 1: 83/ 263.
2- - ملاذ الأخيار1: 84.

أصالة الظهور دون أصالة الجهة، ففي المقام إذا وردت عدّة أحاديث تدلّ علی عدم نقض الوضوء بأمور معيّنة، وورد حديث أو حديثان يدلّان علی نقضه بها، دار الأمر بين التصرّف في الجهة فنحملهما علی التقيّة ونتركهما، أو التصرّف في الدلالة، أي أصالة الظهور بالقول: إنّ ظهور الطائفة الأولی في الوجوب ملغي، وهو محمول علی الاستحباب.

لكن السيد الأستاذ(قدس سره) ذهب إلی عدم انطباق الكبری علی المقام - وهو الصحيح - لأنّ النقض وعدم النقض في الطائفتين إرشاد إلی الفساد وعدمه، فلا حكم مولوي فيهما، «وظاهر أنّ الانتقاض وعدم الانتقاض أمران متناقضان، ولا معنی للفساد أو الانتقاض استحباباً، إذن لا بدّ من حمل الطائفة الأولی علی التقيّة فلا يبقی بذلك معنی ومقتض للحكم بالاستحباب. نعم لا بأس بالتوضّؤ برجاء المطلوبيّة»((1)).

سند الحديث:

فيه صفوان وهو ابن يحيی، ومنصور وهو ابن حازم، والسند صحيح.

ص: 160


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 462.

[686] 13- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : لَا يَقْطَعُ التَّبَسُّمُ الصَّلَاةَ وَتَقْطَعُهَا الْقَهْقَهَةُ وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ((1)).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ((3)).

[13] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ التبسم في حال الصلاة لا يقطعها، وأمّا القهقهة فتقطع الصلاة مطلقاً، سواء وقعت عمداً أم سهواً، وهي لا تنقض الوضوء مطلقاً وإن وقعت حال الصلاة، عمداً أو سهواً.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد سبق مراراً الكلام في اعتبارها((4)).

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة عشر حديثاً، فالأحاديث المعتبرة هي: الأوّل، والثاني، والثالث والرابع بطريقيهما، والخامس بطريقيه الأوّلَين والسادس بسنده الأوّل، والتاسع، والعاشر، والثالث عشر. والصحيحة هي: السادس بطريقه الثاني، والسابع، والثاني عشر. والموثقة هي: الخامس بطريقه الثالث، والثامن، والحادي عشر.

ص: 161


1- ([1]*) الفقيه 1: 240/ 1062، وأورده في الحديث 4 من الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) تقدّم في الباب 2 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) يأتي في الحديث 1، 5، 8، 10 من الباب الآتي والباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
4- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ الجشاء والقيء، وما يجتمع في الجُرْح من القيح - وهو المِدِّة - والرّعاف، والدم - ولو كان خروجه بمثل التخليل، أو الحجامة - كلّها غير ناقضة للوضوء.

2- أنّه لا فرق في عدم ناقضيّة هذه الأمور بين القليل منها والكثير، ولا بين حدوثها عن عمد وغيره.

3- أنّ التبسّم في حال الصلاة لا ينقضها، كما أنّه لا ينقض الوضوء حتّی لو صدر حال الصلاة، بخلاف الضحك المشتمل علی القهقهة، فإنّه يقطع الصلاة، ولا يوجب نقض الوضوء وإن صدرت القهقهة حال الصلاة.

4- القرقرة في البطن لا تنقض الوضوء ولا تقطع الصلاة.

ص: 162

7- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ رُعَافٌ وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا خُرُوجُ دَمٍ غَيْرُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

اشارة

7- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ رُعَافٌ وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا خُرُوجُ دَمٍ غَيْرُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان أنّ الدم الذي يخرج من الإنسان كالرّعاف، ودم الجروح وما يخرج من أحد السبيلين أو يُخرجه كالحجامة والفصد، وما يُخرجه للتبرّع به أو للتحليل أو لغير ذلك لا ينقض الوضوء قلّ أو كثر. واستثناء دم الحيض والاستحاضة والنفاس مستفاد من غير هذا الباب.

أقوال الخاصّة:

قال صاحب الجواهر: «ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين عدا الدماء الثلاثة» للأصل، بل الأصول، والاجماع المنقول، بل المحصّل»((1)

وقد مضی في الباب السابق قول العلامة في التذكرة: «القيء لا ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثر، وكذا ما يخرج من غير السبيلين، كالدم والبصاق والرّعاف وغير ذلك، ذهب إليه علماؤنا»((2)).

ص: 163


1- - جواهر الكلام1: 416.
2- - تذكرة الفقهاء1: 106.

أقوال العامّة:

تقدّم في الباب السابق أنّهم مختلفون في نقض الدم للوضوء، فما يخرج من البدن من غير السبيل - ومنه الدم - ينقض الوضوء عندهم في الجملة رواية واحدة، روي ذلك عن ابن عبّاس وابن عمر وسعيد بن المسيّب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان مالك وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا يوجبون منه وضوءاً، وقال مكحول: لا وضوء إلّا في ما خرج من قبل أو دبر... وإنّما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير، وقال بعض أصحابنا: فيه رواية أخری أنّ اليسير ينقض... وقال أبو حنيفة: إذا سال الدم ففيه الوضوء وإن وقف علی رأس الجرح لم يجب... وقال إسحاق: كلّ ما سوی الدم لا يوجب وضوءاً((1)).

ص: 164


1- - المغني1: 175- 178.

[687] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُهُ الرُّعَافُ وَالْقَيْ ءُ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: يَنْفَتِلُ فَيَغْسِلُ أَنْفَهُ وَيَعُودُ فِي صَلَاتِهِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ((2)*).

بحث رجالي حول عبدالأعلي مولی آل سام

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ المصلّي إذا طرأ عليه الرّعاف والقيء، فإن أمكنه غسل الرّعاف والعود إلی الصلاة انفتل عن الصلاة، أي انصرف عنها وغسل أنفه ثمّ عاد إلی صلاته وبنی عليها من حيث توقّف، وصحّت صلاته، ما لم يكن قد تكلّم، لكون الكلام من قواطع الصلاة، فإذا تكلّم عمداً كان عليه إعادة صلاته، وظاهره الإطلاق في الغَسل والبناء وإن استلزم مبطلاً غير الكلام من الاستدبار ونحوه، لكن يجب تقييده بما إذا لم يستلزم مبطلاً آخر، أو حمله علی ذلك، إذ لم يقل أحد من علمائنا بعدم بطلان الصلاة بغير الكلام.

وأمّا الوضوء فلم ينتقض فلا موجب لإعادته. ولم يتعرّض (علیه السلام) لغسل الفم

ص: 165


1- ([1]*) الكافي 3: 365/ 9، ويأتي في الحديث 4 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) التهذيب 2: 323/ 1323، ورواه بسند آخر في التهذيب 2: 318/ 1302، والاستبصار 1: 403/ 1536 إلى قوله: وإن تكلم فليعد صلاته.

من القيء، ويمكن أن يكون ذلك لوضوحه، أو لعدم مانعيّته للصلاة؛ إذ القيء ليس بنجس.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وقد مضی الكلام في أفراده، وهو صحيح.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار إلی الحسين بن محمد شيخ الكليني، فالشيخ يروي عن الكليني بأسانيده في المشيخة، ويروي بتلك الأسانيد عن الحسين بن محمد، فالسند صحيح أيضاً.

ورواه الشيخ بسند آخر في التهذيب، وهو: «سعد بن عبد الله، عن موسی بن الحسن، عن السندي بن محمد، عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) »((1)).

وفيه موسی بن الحسن، وهو موسی بن الحسن بن عامر الأشعري، قال عنه النجاشي: «موسی بن الحسن بن عامر بن عمران بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي أبو الحسن ثقة عين جليل. صنّف ثلاثين كتاباً»((2)). وذكره الشيخ في رجاله في من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) ، وقال: روی عنه الحميري((3))، وقال عنه في الفهرست: «موسی بن عامر، له كتاب الحج، أخبرنا به جماعة،

ص: 166


1- - تهذيب الأحكام2: 318، الحديث 1302.
2- - رجال النجاشي: 406/ 1078.
3- - رجال الطوسي: 449/ 6381.

عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه، عن الحميري، عنه»((1)).

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «ظاهر كلام الشيخ أنّ راوي كتاب موسی بن الحسن بن عامر هو الحميري نفسه، وصريح كلام النجاشي أنّ الحميري رواه بواسطة أبيه، ولعلّ الواسطة قد سقط عن كلام الشيخ في الفهرست والرجال»((2)).

وكيف كان فهذا السند صحيح أيضاً.

ص: 167


1- - فهرست الطوسي: 245/ 728.
2- - معجم رجال الحديث20: 44/ 12785.

[688] 2- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ رَعَفَ فَلَمْ يَرْقَ رُعَافُهُ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَحْشُو أَنْفَهُ بِشَيْ ءٍ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يُطِيلُ إِنْ خَشِيَ أَنْ يَسْبِقَهُ الدَّمُ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ((2)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((3)*).

[2] - فقه الحديث:

رقأ الدمع رقوءاً، ورقأ الدم يرقأ رقأ ورقوءاً (إذا انقطع)((4)). ويحشو أنفه بشيء، أي يملؤه بالقطن ونحوه، جاء في لسان العرب: «احْتَشتْ أَي استَدْخلَتْ شيئاً يمنع الدم من القطن؛ قال الأزهري: وبه سمّي القُطْنُ الحَشْوَ؛ لأَنّه تُحْشَی به الفُرُش وغيرها.

ابن سيده: وحَشا الوِسادة والفراشَ وغيرهما يَحْشُوها حَشْواً ملأَها، واسم ذلك الشيء الحَشْوُ، علی لفظ المصدر»((5)).

ص: 168


1- ([1]*) الكافي 3: 365/ 10، ويأتي في الحديث 10 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) التهذيب 2: 323/ 1322.
3- ([3]*) التهذيب 2: 333/ 1371 نحوه.
4- - العين5: 202، مادة: رقأ.
5- - لسان العرب14: 180، مادة: حشا.

وقد دلّ علی أنّ الرّعاف لا ينقض الوضوء، وإن استمر إلی وقت الصلاة فبإمكان المكلّف أن يصلّي به لكن يُدخل في أنفه شيئاً كالقطن ونحوه حتی لا يخرج الدم منه ويتنجّس، وهذا ظاهر في أنّ الرّعاف لا يقطع الصلاة أيضاً، وأمّا النهي عن إطالته الصلاة عند خشية أن يفاجأه الدم فهو إرشاد إلی التحرّز عن إيقاع الصلاة مع الدم مهما أمكن.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أولّها: سند الكافي، وقد تقدّم أنّ أفراده ثقات، وعليه فالسند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في التهذيب، وهو سند الكافي نفسه، فالسند معتبر أيضاً.

ثالثها: سند الشيخ في التهذيب أيضاً، وهو معتبر. كما أنّ كتاب سماعة مشهور، فلا حاجة إلی السند.

ص: 169

[689] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ تَخْرُجُ بِهِ الْقُرُوحُ لَا تَزَالُ تَدْمَى كَيْفَ يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي وَإِنْ كَانَتِ الدِّمَاءُ تَسِيلُ((1)*).

أَقُولُ: وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ أُخَرُ تَأْتِي فِي مَحَلِّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ استمرار خروج الدم من القروح حتّی حال الصلاة لا يضرّ بها، وظاهره أنّ القليل والكثير من الدم سواء، كما أنّه لا ينقض الوضوء وإلّا لما صحّت الصلاة.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسين، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، وصفوان وهو ابن يحيی، والعلاء وهو ابن رزين، ومحمد وهو ابن مسلم الثقفي، وكلّهم من أجلّاء الطائفة كما تقدّم، فهذا السند صحيح.

ص: 170


1- ([1]*) التهذيب 1: 348/ 1025، و256/ 744 بسند آخر، والإستبصار 1: 177/ 615 ويأتي في الحديث 4 من الباب 22 من أبواب النجاسات والحديث 4 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) يأتي في الباب 22 من أبواب النجاسات.

[690] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ رَعَفْتُ دَوْرَقاً((1)*) مَا زِدْتُ عَلَى أَنْ أَمْسَحَ مِنِّي الدَّمَ وَأُصَلِّيَ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

الدَّوْرَق: بالفتح فالسكون الجرّة ذات العروة، وهو مكيال للشراب معروف، يسع علی ما قيل أربعة أمنان، وهو معرّب، وفي بعض النسخ الذَّوْرَف وهو أيضاً مكيال للشراب((3))، والغرض من ذكره هنا بيان كثرة الدم، أي لو رعفت هذا المقدار الكثير الذي يملأ دورقاً لما أعدت وضوئي واكتفيت بمسح الدم فقط وأصلّي، والظاهر أنّ مراده مسح الدم بالماء لأجل التطهير، كما تدلّ عليه الأحاديث الآتية، وقد جاء فيها التعبير بالغسل والتنقية، وهذا يعني أنّ الرّعاف وإن كان كثيراً لا ينقض الوضوء، وفيه ردّ علی العامّة القائلين بأنّ الوضوء ينتقض بالدم الكثير دون اليسير.

ص: 171


1- ([1]*) في هامش المخطوط، منه قده «الدورق: إناء للشراب».
2- ([2]*) التهذيب 1: 15/ 32، والاستبصار 1: 84/ 265.
3- - أقول: جاء في الطبعة التي حقّقها الشيخ عبدالرحيم الرباني من الوسائل: (زورقاً)، وعن بعضٍ تفسير الركوة بالزورق الصغير، ثم بيانه بأنّه إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، وهو المناسب هنا ويكون قريباً من الدورق، انظر بحار الأنوار2: 273 في الهامش، وإحياء علوم الدين3: 67، في الهامش أيضاً. [المقرّر].

سند الحديث:

تقدّم أنّ أسناد الشيخ إلی محمد بن أحمد بن يحيی متعدّدة وفيها الصحيح والمعتبر((1))، كما تقدّم أنّ أحمد بن أبي عبد الله هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ثقة في نفسه((2))، وأبوه محمد بن خالد تعارض فيه تضعيف النجاشي وتوثيق الشيخ في رجاله، وجمعنا بينهما بأنّه ثقة في نفسه إلا أنّه ضعيف في الحديث، بمعنی أنّه يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل((3)).

وأمّا أحمد بن النضر فهو الخزّاز، وقد مضی أنّه ثقة((4)).

وأمّا عمرو بن شمر فهو الجعفي، وقد تقدّم أنّ النجاشي ضعّفه بقوله عنه: «ضعيف جداً»، ولم يتعرّض الشيخ لضعفه، وقد ورد في أسناد تفسير القمي، وجمعنا بين التضعيف والتوثيق بحمل الضعف علی مذهبه لا روايته((5)).

وأمّا جابر فهو جابر بن يزيد الجعفي، وقد حقّقنا وثاقته من سبعة وجوه في كتابنا أصول علم الرجال((6))، وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 172


1- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.
2- - ايضاح الدلائل1: 70.
3- - ايضاح الدلائل1: 77.
4- - ايضاح الدلائل2: 183.
5- - ايضاح الدلائل1: 524.
6- - أصول علم الرجال2: 348- 354.

[691] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِذَا قَاءَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى طُهْرٍ فَلْيَتَمَضْمَضْ، وَإِذَا رَعَفَ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ فَلْيَغْسِلْ أَنْفَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ وَلَا يُعِيدُ وُضُوءَهُ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء لا يوجب نقض الطهارة، فمن قاء وهو علی طهارة فعليه أن يتمضمض، للتنظيف استحباباً؛ لكون القيء طاهراً، وإن نقل الشيخ في المبسوط القول بنجاسته عن بعض الأصحاب((2))، فإنّ الأمر بالمضمضة لا يدلّ علی نجاسته؛ إذ البواطن كالفم والأنف والأذن إذا تنجّست تطهر بزوال عين النجاسة عنها إجماعاً كما ذكر المجلسي (رحمه الله) ((3))، فيكون الأمر بالمضمضة محمولاً علی الاستحباب.

كما دلّ الحديث بالصراحة علی أنّه إذا رعف وهو علی وضوء لم ينتقض وضوؤه، وأجزأه أن يغسل أنفه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وهو معتبر، ولا يضر إضماره؛ لأنّه من مضمرات أبي بصير.

ص: 173


1- ([1]*) التهذيب1: 15/ 31 والاستبصار 1: 85/ 270.
2- - المبسوط1: 38.
3- - ملاذ الأخيار1: 90- 91.

[692] 6- وَبِإِسْنَادِهِ (عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ)((1)*) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْحِجَامَةِ أَفِيهَا وُضُوءٌ؟ قَالَ لَا... الْحَدِيثَ((2)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی عدم نقض الحجامة للوضوء، بلا فرق بين أن يكون الخارج بها قليلاً أو كثيراً، خلافاً للعامّة القائلين بانتقاض الوضوء بخروج الكثير من الدم دون اليسير، وعن بعضهم أنّ اليسير ينقض أيضاً.

سند الحديث:

الصحيح هو: وبإسناد عن محمد بن علي بن محبوب، لأنّه روی عنه في حديثٍ وبعده بخمسة أحاديث قال في أوائلها كلّها: وعنه، وهذا الحديث مثلها فالضمير يرجع إليه.

وفي السند: علي بن يعقوب الهاشمي، وقد سبق أنّه لم يرد فيه شيء((3)).

وأمّا عبد الأعلی فهو عبد الأعلی مولی آل سام، عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4)) أورد الكشي رواية مادحة له، وهي: عن عبد الأعلی،قال:

ص: 174


1- ([1]*) في المصدر: محمّد بن عليّ بن محبوب.
2- ([2]*) التهذيب 1: 349/ 1031، ويأتي بتمامه في الحديث 1 من الباب 56 من أبواب النجاسات.
3- - ايضاح الدلائل2: 458.
4- - رجال الطوسي: 242/ 3326.

قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إنّ الناس يعتبون عليّ بالكلام وأنا أكلّم الناس، فقال: أمّا مثلك من يقع ثمّ يطير فنعم، وأمّا من يقع ثمّ لا يطير فلا((1)).

كما ذُكرت للقول بوثاقته وجوه ناقشها سيدنا الأستاذ في المعجم، وهي:

الأوّل: أنّ رواية الكشي تدلّ علی رضا الإمام (علیه السلام) بمناظرته، وأنّه كان يستحسنه، وهو دليل الحسن.

والجواب عنه:

أوّلاً: بأنّ الرواية لم تثبت إلّا من طريق عبد الأعلی نفسه، فإن كان ممّن يوثق بقوله مع قطع النظر عن هذه الرواية فلا حاجة إلی الاستدلال بها، وإلّا فلا يصدّق في روايته هذه أيضاً.

وثانياً: أنّه لا ملازمة بين أن يكون الرجل قويّاً في الجدل والمناظرة، وأن يكون ثقة في أقواله، والمطلوب في الراوي هو الثاني دون الأوّل.

الثاني: أنّه متّحد مع عبد الأعلی بن أعين العجلي المتقدّم، وهو ثقة بشهادة الشيخ المفيد وعلي بن إبراهيم كما تقدّم، ويدل علی الاتحاد: ما في رواية محمد بن يعقوب والشيخ من التصريح بأنّ عبد الأعلی بن أعين هو عبد الأعلی مولی آل سام، كما تقدّم في عبد الأعلی بن أعين.

والجواب عنه أنّ غاية ما يثبت بذلك: أنّ عبد الأعلی مولی آل سام هو ابن أعين، ولا يثبت بذلك الاتحاد، إذ من الممكن أن يكون عبد الأعلی العجلي غير عبد الأعلی مولی آل سام، ويكون والد كلّ منهما مسمّی بأعين.

ص: 175


1- - اختيار معرفة الرجال2: 610/ 578.

ويكشف عن ذلك عدّ الشيخ كلّاً منهما مستقلّاً في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وهو أمارة التعدّد.

ثمّ إنّ الوحيد(قدس سره) ذكر في التعليقة أنّه يظهر من الأخبار فضله وتديّنه.

منها: ما في الكافي: الجزء 1، باب ما يجب علی الناس عند مضيّ الإمام (علیه السلام) 89، الحديث2، ويروي عنه جعفر بن بشير بواسطة، وفيه إشعار بوثاقته، وكذا كونه كثير الرواية ورواياته مفتي بها، ويروي عنه غير جعفر من الأجلّة (إنتهی).

أقول: أمّا رواية الكافي فلا دلالة فيها إلّا علی كون عبد الأعلی شيعيّاً، وقد سأل الإمام (علیه السلام) عن أمر الإمامة وعمّا يجب علی الناس بعد مضيّ الإمام (علیه السلام) .

وأمّا رواية جعفر بن بشير فلا دلالة فيها علی الوثاقة في ما إذا كانت بلا واسطة، فضلاً عمّا إذا كانت مع الواسطة، وكذلك الكلام في رواية الأجلّاء عنه.

وأمّا كون رواياته مفتي بها، فهو علی تقدير تسليمه لا يدلّ علی وثاقة الراوي كما هو ظاهر.

والمتحصّل أنّ الرجل لم تثبت وثاقته ولا حسنه((1)).

والأمر كما أفاد(قدس سره) ، فهذا السند ضعيف.

ص: 176


1- - معجم رجال الحديث10: 279- 280/ 6240.

[693] 7- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ((1)*)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ((2)*) مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أبي الْخَطَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي حَبِيبٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَرْعُفُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ قَالَ: يَغْسِلُ آثَارَ الدَّمِ وَيُصَلِّي((3)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ وظيفة من جاءه الرّعاف وكان علی وضوء أن يغسل آثار الدم التي أصابت بدنه أو لباسه فقط، ثمّ يصلّي، ومعنی هذا أنّه ليس عليه إعادة وضوئه، فالرعاف ليس بناقض للوضوء.

سند الحديث:

هكذا ورد السند في التهذيب، لكن في الاستبصار روی عن الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن قولويه الثقة بدل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، مع أنّا ذكرنا فيما سبق أنّ روايات أحمد الواردة في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه محمد بن الحسن، وأنّ للشيخ طريقين معتبرين إلی محمد بن الحسن ليس فيهما أحمد((4)).

وورد فيه أيضاً: سعد بن عبد الله ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وهو

ص: 177


1- ([1]*) في الاستبصار: أبي القاسم جعفر بن محمّد.
2- ([2]*) في الاستبصار: عن.
3- ([3]*) التهذيب 1: 14/ 30، والاستبصار 1: 85/ 269.
4- - أصول علم الرجال2: 343.

غريب؛ إذ أنّ سعد بن عبد الله تلميذٌ لمحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومن غير المعهود تقارنهما، ثمّ إنّ مقتضاه أن يروي سعد عن جعفر بن بشير بلا واسطة، وهو غير ممكن((1))، وعلی هذا فالصحيح - كما في الاستبصار - أن يكون ما في السند هكذا: سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير.

وأمّا أبو حبيب الأسدي فلم يستبعد السيّد الأستاذ اتحاده مع أبي حبيب، الراوي عن محمد بن مسلم((2))، ومع أبي حبيب ناجية((3))، وناجية بن أبي عمارة الذي عدّه الشيخ من أصحاب الباقر (علیه السلام) ((4)).

وعدّه البرقي من أصحاب الباقر (علیه السلام) أيضاً، كما عدّ ناجية الصيداوي من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((5)).

وقال الكشي: «حدّثني محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسن بن فضّال عن نجيّة، قال: هو نجيّة، واسم آخر أيضاً ناجية بن أبي عمارة الصيداوي، قال:وأخبرني بعض ولده أنّ أبا عبد الله (علیه السلام) كان يقول: انج نجيّة، فسمّي بهذا الاسم.

ص: 178


1- - والوجه في ذلك - كما أفاده بعض المتتبّعين - أنّ وفاة سعد كانت سنة إحدی وثلاثمائة، وقيل سنة تسع وتسعين ومائتين، ومات جعفر بن بشير (رحمه الله) بالأبواء سنة ثمان ومائتين، (انظر رجال النجاشي: 178/ 467، و119/ 304)، فلم يدركه سعد هذا ليروي عنه. [المقرّر].
2- - معجم رجال الحديث22: 112/ 14095.
3- - المصدر نفسه: 20: 128/ 12980.
4- - رجال الطوسي: 147/ 1632.
5- - رجال البرقي: 116/ 194، و255/ 678.

حمدويه بن نصير قال: الصيدا بطن من بني أسد، قال: وكان رجل من أصحابنا يقال له نجيّة القواس، وليس هو بمعروف»((1)).

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «أقول: يريد حمدويه بقوله هذا أنّ نجيّة القوّاس مغاير لناجية بن أبي عمارة المعروف، وهو غير معروف... ثمّ إنّ الرواية المتقدّمة وإن دلّت علی حسن الرجل في الجملة إلا أنّها ضعيفة فلا اعتماد عليها، فالرجل مجهول الحال»((2)).

أقول: لكنّه ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة بعنوان ناجية((3)). وروی عنه المشايخ الثقات بعنوان أبي حبيب((4))، فيكون ثقة، وعلی هذا فالسند معتبر.

ص: 179


1- - اختيار معرفة الرجال2: 478/ 480.
2- - معجم رجال الحديث20: 129/ 12981.
3- - أصول علم الرجال1: 242.
4- - أصول علم الرجال2: 220.

[694] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي هِلَالٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَيَنْقُضُ الرُّعَافُ وَالْقَيْ ءُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ هَذَا قَوْلُ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ، يُجْزِيكَ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْ ءِ أَنْ تَغْسِلَهُ وَلَا تُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

[8] - فقه الحديث:

المغيرة بن سعيد مولی بجيلة كان يدعو أوّلاً إلی محمّد بن عبد الله بن الحسن، ثمّ غلا في حقّهم (علیهم السلام) وكان يكذب علی الإمام الباقر (علیه السلام) ، بل كان يدسّ في أحاديث أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) أحاديث لم يحدّث بها، وقد جاءت أحاديث في ذمّه ولعنه والبراءة منه. والقول بأنّ الرّعاف والقيء ونتف الإبط ينقض الوضوء من جملة أقواله التي كذب فيها علی الإمام (علیه السلام) ولذا بيّن (علیه السلام) للسائل أنّ عليه أن يجتنب هذا القول، ثمّ لعن المغيرة بن سعيد.

وبعد ذلك بيّن له الوظيفة في الرّعاف والقيء بقوله (علیه السلام) : «يجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» وهو ظاهر في كفاية الغسل فيهما بلا حاجة إلی إعادة الوضوء، لكونهما غير ناقضين له.

هذا، ويمكن أن يجعل هذا الحديث دليلاً للقول بنجاسة القيء؛ لكون الأمر فيه بالغَسل ظاهراً في الوجوب، لكن يمكن أن يجاب بأنّ الأمر بالغسل لا

ص: 180


1- ([1]*) التهذيب 1: 349/ 1026.

ينحصر بما هو متنجّس، بل قد يكون لأجل إزالة الاستقذار الحاصل منه لا النجاسة، أضف إلی ذلك ما ورد ممّا يدلّ علی عدم نجاسة القيء كما مرّ.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسين، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب الثقة الجليل.

وفيه أيضاً: أبو هلال، وهو أبو هلال الرازي، عدّه البرقي من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((1))، وقد روی عنه المشايخ الثقات((2))، فيكون ثقة. كما أنّ في السند عثمان بن عيسی وهو من أصحاب الإجماع، فيصحّ ما صحّ عنه، فهذا السند معتبر.

ص: 181


1- - رجال البرقي:268/ 739.
2- - أصول علم الرجال2: 223.

[695] 9- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَهُ تَقْطِيرٌ مِنْ قُرْحِهِ((1)*) إِمَّا دَمٌ وَإِمَّا غَيْرُهُ؟ قَالَ: فَلْيَضَعْ((2)*) خَرِيطَةً وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بَلَاءٌ ابْتُلِيَ بِهِ، فَلَا يُعِيدَنَّ إِلَّا مِنَ الْحَدَثِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ((3)*).

[9] - فقه الحديث:

التقطير هو السيلان قطرة قطرة، قال في الصحاح: «تقطير الشيء: إسالته قطرة قطرة»((4))، والخريطة: وعاء من أدم وغيره يشدّ علی ما فيه، والجمع خرائط ككريمة وكرائم((5)).

وهذا السؤال عن رجل عنده تقطير من قرحة، وفي نسخة من فرجه إمّا دم وإمّا غيره، وأحاديث الباب التاسع عشر تؤيّد النسخة الثانية، وعلی كلتا النسختين تكون وظيفته جعل خريطة لمنع النجاسة من الانتشار وإصابة البدن ثمّ الوضوء والصلاة، فلا أثر للقطرات في إيجاب الوضوء عليه؛ لعجزه عن حبسها أو منعها. وإنّما يعيد الوضوء إذا كان الخارج منه الحدث الذي يُتوضّأ منه مثل البول والمني فهو الذي يوجب نقض الوضوء، والغرض أنّ ما ليس

ص: 182


1- ([1]*) في نسخة «فرجه»، (منه قده).
2- ([2]*) في نسخة «فليصنع» ، (منه قده).
3- ([3]*) التهذيب 1: 349/ 1027.
4- - الصحاح2: 796، مادة: قطر.
5- - مجمع البحرين4: 245، مادة: خرط.

بحدث وإن خرج من الفرج فهو لا ينقض الوضوء، كما تقدّم في نظائر هذا الحديث في ما سبق.

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو معتبر، ولا يضرّه الإضمار؛ لكونه من سماعة بن مهران.

ص: 183

[696] 10- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَكُلِّ دَمٍ سَائِلٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا وُضُوءٌ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِنْ طَرَفَيْكَ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِمَا عَلَيْكَ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((3)*).

[10] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث علی أنّ الرّعاف والحجامة وكل دم يسيل ولا يقف علی الجرح لا ينقض الوضوء، بل الوضوء يلزم بسبب الطرفين، أي مايخرج منهما.

ويدلّ علی حصر النواقض في ما يخرج من السبيلين، المعبّر عنهما هنا بالطرفين، والحصر إضافي بالنسبة إلی ما يخرج من غيرهما كالرّعاف والحجامة وكلّ دم سائل وغيرهما مما عدّه العامّة من النواقض، وكأنّ هذا الحديث ردّ عليهم، وإنّما كان الحصر إضافيّاً لدلالة الأحاديث علی وجود نواقض أخری غير ما ذكر كالنوم وذهاب العقل وغير ذلك، كما أنّ تلك الأحاديث تدلّ أيضاً علی أنّه ليس كلّ ما يخرج من السبيلين ناقض. ويختصّ النقض بخروج البول والغائط منهما والريح، وأمّا مثل الدم الذي يخرج من

ص: 184


1- ([1]*) التهذيب 1: 15/ 33.
2- ([2]*) الكافي 3: 37/ 13.
3- ([3]*) الاستبصار 1: 84/ 1.

أحدهما فلا ينقض الوضوء ما لم تصاحبه النجاسة كما مرّ، ويستثنی منه الدماء الثلاثة الطارئة علی النساء، فإنّ حكمها نقض الوضوء كما سيجيء.

سند الحديث:

ذكر المصنف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أوّلها: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو بإسناده عن محمد بن الحسن، وإسناده إليه فيهما هكذا: أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی (وفي الاستبصار: رحمه الله) قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسن... إلی آخره.

وقد مرّ الكلام في بقية هذا السند عند بيان سند الحديث الخامس من الباب الثاني من هذه الأبواب، وهو ضعيف بسهل بن زياد.

وثانيها: سند الكليني، وقد سبق أنّه ضعيف بسهل، ويمكن أن يصحّح الحديث لوجوده في الكافي.

وثالثها: سند الشيخ إلی الكليني، وهو كسابقه.

وقد ذكر الماتن سنداً آخر له في الحديث الخامس من الباب الثاني وهو سند الصدوق في الخصال، وقلنا إنّه صحيح أعلائي.

ص: 185

[697] 11- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي أَنْفِهِ فَيُصِيبُ خَمْسَ أَصَابِعِهِ الدَّمُ قَالَ: يُنَقِّيهِ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

[11] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ الدم وإن كثر لا ينقض الوضوء، سواء خرج في أثناء الصلاة أم لا، وقوله: «فيصيب خمس أصابعه الدم» يعني أنّ الدم كثير حتّی أنّه كلّما أدخل إصبعاً من أصابع يده أصاب الدم، فعليه أن ينقّيه أي يغسله فقط ولا يعيد الوضوء، لأنّ خروج الدم وإن كان بمقدار كثير ليس من جملة النواقض.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري، والسند صحيح.

ص: 186


1- ([1]*) التهذيب 1: 348/ 1024.

[698] 12- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَصَابَهُ دَمٌ سَائِلٌ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِلًا تَوَضَّأَ وَبَنَى. قَالَ: وَيَصْنَعُ ذَلِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ((1)*).

أَقُولُ: يَأْتِي تَأْوِيلُهُ((2)*).

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث فيه إجمال، فإن كان السؤال عن إصابة الدم السائل في الصلاة، فالحكم بإعادة الصلاة له مجال، ويوجّه بكون إزالته تحتاج إلی الفعل الكثير غالباً، بخلاف غير السائل؛ فإنّه قد لا يستلزم الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة فله أن يبني علی صلاته بعد أن يتوضّأ، لكنّه - مع هذا - مخالف للأحاديث السابقة حيث أوجب عليه الوضوء في هذا الحال.

ومع ذلك أيضاً لا يمكن الالتزام بالإعادة في السعي بين الصّفا والمروة؛ لأنّ غَسل وتطهير الأعضاء غير مفسد للسعي.

وإن كان السؤال عن إصابة الدم السائل في الطواف، فهذا التفصيل بين الدم السائل وغيره لو سُلّم أنّ له وجهاً، إلا أنّه لا يمكن الالتزام بالإعادة في السعي بين الصفا والمروة؛ لعدم فساد السعي بتطهير العضو.

والظاهر أنّه صدر تقيّة.

ص: 187


1- ([1]*) الإستبصار 1: 84/ 267، والتهذيب 1: 350/ 1032.
2- ([2]*) يأتي تاويله في ذيل الحديث 13 من هذا الباب.

سند الحديث:

قال في التهذيب: وبهذا الإسناد، وكان الإسناد السابق هو: عنه، أي محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم وهذاالسند متكرّر في التهذيب.

وقد تقدّم أنّ علي بن يعقوب الهاشمي لم يذكر بشيء، ولكن مروان ابن مسلم له كتاب يرويه جماعة، فكتابه مشهور((1))، وعليه فلا يضرّ وجود علي بن يعقوب الهاشمي قبله. هذا كلّه بالنسبة إلی السند المذكور في التهذيب والذي أشار إليه الماتن هنا بقوله (و بإسناده عن أيوب بن الحر)((2)).

وأمّا أيّوب بن الحر فقد عدّه البرقي في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «جعفي، كوفي»((3)) وعدّه الشيخ أيضاً في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مع توصيفه بالكوفي، قائلاً: أسند عنه. وفي أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، مع توصيفه بمولی طريف((4)). وقال عنه في الفهرست: «أيّوب

ص: 188


1- - ايضاح الدلائل2: 536.
2- . رجال النجاشي: 103/ 256.
3- - رجال البرقي: 190/ 355.
4- - رجال الطوسي: 166/ 1926، و331/ 4935.

بن الحر، ثقة، له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا»((1)).

وقال عنه النجاشي: «أيّوب بن الحر الجعفي، مولی، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) ذكره أصحابنا في الرجال، يعرف بأخي أديم، له أصل»((2)). وعليه فالسند معتبر((3)).

ص: 189


1- - فهرست الطوسي: 56/ 60.
2- - رجال النجاشي: 103/ 256.
3- - ولكن في الاستبصار: «وما رواه أيّوب بن الحر...» وظاهره أنّ الشيخ روی بسنده عن أيوب بن الحر وارتضاه صاحب الوسائل، وإسناد الشيخ إلی أيوب بن الحر لم يذكره في مشيخة التهذيبين، نعم ذكره في الفهرست بقوله: «له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطّة عن اَحمد بن أبي عبد الله [عن أبيه] عن أيوب بن الحر» وهذا الطريق ضعيف بأبي المفضّل وابن بطّة، إلّا أنّه مع ذلك يمكن تصحيح الطريق إليه من جهة أخری وهي: بما أنّ للصدوق طريقا صحيحاً إلی روايات أيوب بن الحر، وحيث إنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلی جميع روايات الصدوق وكتبه فيكون طريق الصدوق إلی أيوب بن الحر طريقاً للشيخ وبهذا يصير طريق الشيخ إليه معتبراً.

[699] 13- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ بِنْتِ إِلْيَاسَ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ رَعَفَ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ دَماً سَائِلًا فَتَوَضَّأَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُمَا الشَّيْخُ عَلَى التَّقِيَّةِ وَجَوَّزَ حَمْلَهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَلَى غَسْلِ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى وُضُوءاً بِقَرِينَةِ مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ((2)*) وَأَبِي حَبِيبٍ((3)*) وَغَيْرِ ذَلِكَ((4)*). قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِتَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا إِشْعَارَ فِيهِ بِالْوُجُوبِ. انْتَهَى((5)*).

وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى حُصُولِ حَدَثٍ آخَرَ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهَا، وَعَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ.

[13] - فقه الحديث:

دل علی أنّ الإمام (علیه السلام) رعف بعدما توضّأ دماً سائلاً فتوضأ بعد ذلك، وفعل الإمام وإن كان لا يخلو من رجحان، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون الوضوء

ص: 190


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 29، والإستبصار 1: 85/ 268.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 5 من هذا الباب.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 7 من هذا الباب.
4- ([4]*) تقدّم في الحديث 8 من هذا الباب.
5- ([5]*) منتقى الجمان 1: 134.

منه علی نحو الوجوب فيستفاد منه أنّ الرعاف ناقض، ولا الاستحباب؛ لاحتمال كون الفعل صدر منه تقيّة، نعم، لو كان في الحديث أمر بالوضوء وقام الإجماع علی عدم الوجوب في هذا المورد لكان الحمل علی الاستحباب متعيّناً، لكن الموجود هو فعلٌ، والفعل مجمل.

وأمّا حمل الوضوء فيه علی غسل الموضع فلا يناسب هنا، لأنّه قال رعف بعدما توضّأ فتوضّأ، والوضوء الأول هو الوضوء الاصطلاحي لا اللغوي، فالظاهر أنّ الوضوء الثاني كذلك، وصرفه عن هذا الظاهر يحتاج إلی قرينة مفقودة في المقام.

وأمّا الحمل علی حصول حدث آخر، وعلی تجديد الوضوء أيضاً فبعيد، ولا قرينة عليه أصلاً.

سند الحديث:

فيه: الحسن بن علي ابن بنت إلياس، وهو الحسن بن علي بن زياد الوشّاء المتقدّم في الحديث العاشر من الباب الأول من أبواب مقدّمة العبادات((1))، «يكنّی بأبي محمد الوشّاء، وهو ابن بنت الياس الصيرفي، خزّاز، من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وكان من وجوه هذه الطائفة، روی عن جدّه إلياس»((2)).

وذكره البرقي في أصحاب الكاظم (علیه السلام) أيضاً، وعدّه من أصحاب

ص: 191


1- - ايضاح الدلائل1: 115.
2- - رجال النجاشي: 39/ 80.

الرضا (علیه السلام) بعنوان (الحسن بن علي الخزّاز) وفي أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) بعنوان «الحسن بن علي الوشاء، يلقّب بربيع»((1)).

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «الحسن بن علي الخزّاز، ويعرف بالوشّاء، وهو ابن بنت إلياس، يكنّی أبا محمد، وكان يدّعی أنّه عربي كوفي، له كتاب) وأيضاً في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ((2)).

وقد مرّ في الموضع المشار إليه أنّه ورد أيضاً في أسناد كتاب نوادر الحكمة وتفسير القمي((3)). وعلی هذا فالسند صحيح.

ص: 192


1- - رجال البرقي: 311/ 136، و339/ 52، و355/ 9.
2- - رجال الطوسي: 354/ 5244، و385/ 5665.
3- - أصول علم الرجال1: 218، 279.

[700] 14- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَاكَ أَوْ تَخَلَّلَ فَخَرَجَ مِنْ فَمِهِ دَمٌ أَيَنْقُضُ ذَلِكَ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَتَمَضْمَضُ((1)*).

قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ فِي صَلَاتِهِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَشَجَّهُ فَسَالَ الدَّمُ؟ فَقَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ((2)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ وَغَيْرِهَا((3)*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ((4)*).

[14] - فقه الحديث:

اشتمل الحديث علی بيان حكم مسألتين:

الأولی: أنّ من خرج الدم بفعلٍ منه كمن استاك أو تخلّل فخرج بسبب ذلك

ص: 193


1- ([1]*) قرب الإسناد: 83.
2- ([2]*) نفس المصدر: 88.
3- ([3]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الأحاديث 2- 5 من الباب 1 من هذه الأبواب. وفي أحاديث الباب 2 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 1، 4، 13 من الباب 3 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 6، 7، 12 من الباب السابق.
4- ([4]*) يأتي ما يدلّ عليه في الحديثين 16، 17 من الباب 30 من أبواب الحيض.

من فمه دم بأيّ مقدارٍ فهو باقٍ علی وضوئه، فإنّ مجرّد خروج الدم من الفم ليس من جملة النواقض، فلا يوجب نقض الوضوء، ولكن عليه أن يتمضمض، والتمضمض إمّا لأجل إزلة المنفّر، وإمّا لأنّه مستحب، كما مرّ في نظائره.

الثانية: أنّ من خرج الدم بفعلٍ من غيره كمن رُمي فشُجَّ فسال الدم منه بأيّ مقدارٍ أيضاً، فهو باقٍ علی وضوئه، فإنّ مجرد خروج الدم منه وإن كان بسبب غيره ليس من جملة النواقض، فلا يوجب نقض الوضوء، ولكن لو حدث له ذلك في أثناء الصلاة أوجب قطع الصلاة، وسيأتي ما هو المقدار المعفو عنه من الدم في الصلاة في محلّه.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم الكلام فيه، وهو معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، الأوّل صحيح بسنديه، وكذا الثالث والعاشر بسنده الثالث والحادي عشر والثالث عشر، والبقيّة معتبرات، ما عدا السادس والعاشر بسنده الأوّل فهما ضعيفان.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أنّ الرّعاف والقيء لا ينقضان الوضوء، وإذا حدثا أثناء الصلاة وأمكن غسل الموضع أمكنه أن يبني علی الصلاة، ولا يحتاج إلی الإعادة إلّا أن يكون قد أتی بما يبطلها أثناء ذلك كالتكلّم مثلاً.

2- أنّ الرّعاف إن استمر إلی وقت الصلاة فبإمكان المكلّف أن يصلّي به، لكن يحشو أنفه بالقطن ونحوه حتّی لا يخرج الدم منه ويتنجّس.

ص: 194

3- أنّ استمرار خروج الدم من القروح حتّی حال الصلاة لا يضرّ بها ولا بالوضوء، بلا فرق بين القليل والكثير من الدم.

4- أنّ الرّعاف لا ينقض الوضوء وإن كان كثيراً، وكذا كلّ دمٍ سائل.

5- أنّ القيء لا يوجب نقض الطهارة، فمن قاء وهو علی طهارة فعليه أن يتمضمض، للتنظيف استحباباً.

6- أنّ الحجامة لا تنقض الوضوء، وكذا نتف الإبط.

7- من كان عنده تقطير فعليه أن يتوضّأ ويصلّي فإنّ التقطير غير مانع منهما، نعم لابدّ له من التحفّظ عن سريان النجاسة أثناءالصلاة ولو بجعل خريطة ونحوها.

8- أنّ ما ليس بحدث وإن خرج من الفرج كالدم ونحوه لا ينقض الوضوء، ما لم يستصحب حدثاً.

9- أنّ من خرج منه الدم بفعلٍ منه كمن استاك أو تخلّل فهو باقٍ علی وضوئه.

10- أنّ من خرج الدم منه بفعلٍ من غيره كمن رُمي فشُجَّ فسال الدم منه فهو باقٍ علی وضوئه، ولكن لو حدث له ذلك في أثناء الصلاة أوجب قطع الصلاة.

ص: 195

ص: 196

8- بَابُ أَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

8- بَابُ أَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

الشعر صناعة لفظيّة تستعملها جميع الأمم، والغرض منه التأثير علی النفوس لتحريك عواطفها، من سرور أو حزن، ومن شجاعة أو جُبن، وغير ذلك، والركن المقوّم له - بعد الوزن والألفاظ - هو التخييل والتصوير، وكلّما كان التخييل دقيقاً ومعبّراً كان له الأثر الأبلغ في نفس السامع، وقد اشتهر أنّ الشعر أكذبه أعذبه، والمراد أنّ التعبير في الشعر كلّما كان مستغرباً وفيه صور خياليّة غريبة فإنّه يكون أكثر جلباً لانتباه النفس وإثارة لانفعالها بسبب غرابته.

والكلام الشعري من شأنه أن يحبّب المبغوض للنّفس ويبغّض المحبوب لها.

ولمّا كانت له أهميّة كبيرة جدّاً في نشر المعرفة والفضائل والمناقب، وكان طريقاً سهلاً للدعاية إلی ولاء أهل البيت (علیهم السلام) ومسلكاً واسعاً لإفشاء المظلوميّة النازلة بفنائهم انبری المعصومون (علیهم السلام) لحثّ من يحسن الشعر إلی قوله فيهم مدحاً ورثاء، وأعطوا علی قوله الجوائز الخطيرة من الأموال، وبشّروهم وكلَّ من يأتي بعدهم بأنّ لهم من الله الثواب والكرامة والتأييد منه سبحانه وتعالی.

قال في مجمع البحرين: «الشعر العربي بالكسر فالسكون: هو النظم الموزون، وحدّه أن يركّب تركيباً متعاضداً وكان مقفّی موزوناً مقصداً به ذلك، قال في

ص: 197

المصباح: فما خلا من هذه القيود أو بعضها لا يسمّی شعراً ولا صاحبه شاعراً، ولهذا ما ورد في الكتاب موزوناً فليس بشعر لعدم القصد والتقفية، ولا كذلك ما يجري علی بعض ألسنة الناس من غير قصد، لأنّه مأخوذ من شعرت إذا فطنت وعلمت، فإذا لم يقصده فكأنّه لم يشعر به، وهو مصدر في الأصل، يقال شعرت أشعر من باب قتل إذا قتلته. وجمع الشاعر شعراء كصالح وصلحاء»((1)).

وقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يدلّ علی الحزازة في إنشاد الشعر في المساجد وفي شهر رمضان، وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالی.

وهذا الباب معقود لبيان عدم كون إنشاد الشعر من النواقض للوضوء، وقد تقدّم ما يدلّ على حصر النواقض في أشياء معيّنة، فيكون غيرها غير ناقض له.

أقوال الخاصّة:

سبق أنّ إجماع الطائفة قائم على أنّ خروج البول والغائط والرّيح والنّوم ناقض للوضوء، وأنّ الأحاديث في الأبواب السابقة حصرت ما ينقض الوضوء في هذه الأمور بالإضافة إلى الاستحاضة وما يوجب الغسل كما يأتي، وعلى هذا لا يكون الشعر من جملة ما ينقض، قال العلامة في المنتهى: «إنشاد الشّعر وكلام الفحش والكذب والغيبة والقذف غير ناقض، وهو إجماع علماء الأمصار سواء كان في الصّلاة أو خارجاً عنها»((2)).

ص: 198


1- - مجمع البحرين3: 350- 351، مادة: شعر.
2- - منتهی المطلب1: 230.

أقوال العامّة:

لم نجد في ما اطلعنا عليه من كتبهم التعرّض للخلاف أو الوفاق في ناقضيّة إنشاد الشعر للوضوء وعدم ناقضيّته له، نعم ما نقلناه عن العلّامة في المنتهی قد يستفاد منه أنّ هذا الحكم مجمع عليه عند الكلّ، وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي في غنية المتملّي عند تعداده لأنواع الوضوء الثلاثة، وهي الفرض والواجب والمندوب: «وهو الوضوء للنّوم إذا أراده، والوضوء على الوضوء، بأن يتوضّأ كلّما أحدث، والوضوء بعد الغيبة والكذب وبعد إنشاد الشعر...»((1))

ولكنّه لم ينقل خلافاً أو وفاقاً.

نعم، «حكي عن أحمد رواية أنّ الوضوء ينتقض بالغيبة، وذهب الحنفيّة والشافعيّة إلى استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها»((2))، والشعر قد يكون فيه هذه الأمور، ولكن من الواضح أنّه قد يخلو عنها ولا يكون فيه إلّا الحق والصدق والدعوة إلى الدين والعقيدة وجميع الفضائل، فلا يكون إيجاب الوضوء أو استحبابه شاملاً له.

ص: 199


1- - غنية المتملي شرح منية المصلي: 7- 8.
2- - الموسوعة الفقهية43: 399.

[701] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ إِنْشَادِ الشِّعْرِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((2)*).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَصْرِ النَّوَاقِضِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ((3)*).

[1] - فقه الحديث:

أنْشَدَ الشِّعْرَ: قَرَأَه ورفَعَه وأَشَادَ بذِكْرِه((4))، وأنشد الشعر إنشاداً، وهو النشيد فعيل بمعنى مفعول. ونشيد الشعر: قراءته((5)).

وهذا الحديث دالّ على أنّ إنشاد الشعر مطلقاً غير ناقض للوضوء، سواء كان الشعر قليلاً كالبيت والبيتين أم كثيراً كالقصيدة الطويلة أو القصيرة. وسواء حوى الشعر حقّاً أم باطلاً، وسواء كان الشعر في مدح المعصومين (علیهم السلام) أو رثائهم أم لا.

ص: 200


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 37، والاستبصار 1: 86/ 275.
2- ([2]*) الفقيه 1: 38/ 142.
3- ([3]*) تقدّم في عدة أحاديث في الأبواب 1، 2، 3، وفي الحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
4- - تاج العروس5: 279، مادة: نشد.
5- - مجمع البحرين3: 151، مادة: نشد.

والمنشد للشعر إمّا أن يقرأ شعر نفسه وإمّا شعر غيره، وعلى كلّ تقديرٍ لا ينقض إنشاده له الوضوء.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأوّل: مسنداً بسند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو معتبر.

الثاني: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وهو أيضاً معتبر علی بعض المباني((1)).

ص: 201


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[702] 2- وَمَا رُوِيَ مِنْ إِنْشَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) الشِّعْرَ فِي بَعْضِ الْخُطَبِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ خَرَجَ لِلْوُضُوءِ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على فعل أمير المؤمنين (علیه السلام) من إنشاد الشعر في بعض خطبه على المنبر البيت والبيتين والشطر من الشعر، وتلك الخطب كانت في المسجد، وقبل الصلاة كما في صلاة الجمعة أو بعدها كما في صلاة العيد، ولم يكن يخرج منه للوضوء بعد الإنشاد، ولو كان لنقل ولو مرّة واحدة.

سند الحديث:

الخطب التي أنشد فيها أمير المؤمنين (علیه السلام) الشعر متعدّدة، إحداها الخطبة الشقشقيّة المشهورة، حيث تمثل فيها (علیه السلام) ببيتٍ للأعشی، والتي ذكرت في غير نهج البلاغة بأسانيد متعدّدة، واستشهد بها اللغويّون.

وكيف كان فالخطب المذكورة في كتاب نهج البلاغة محذوفة الأسانيد فهي بحكم المرسلة، وإن كانت مسندة في غيره.

ص: 202


1- ([1]*) نهج البلاغة 1: 59/ 24.

[703] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ نَشِيدِ الشِّعْرِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ ظُلْمِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوِ الْكَذِبِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شِعْراً يَصْدُقُ فِيهِ أَوْ يَكُونَ يَسِيراً مِنَ الشِّعْرِ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ فَأَمَّا أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الشِّعْرِ الْبَاطِلِ فَهُوَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَحَكَى بَعْضُ عُلَمَائِنَا انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ.

[3] - فقه الحديث:

مرّ عن المجمع أنّ النشيد فعيل بمعنى مفعول، ونشيد الشعر: قراءته، فنشيد الشعر هو إنشاده نفسه، وقد دلّ الحديث على أنّ إنشاد الشعر ناقض للوضوء، وكذا ظلم الآخرين، والكذب، لكن يستثنی من الشعر الناقض ما يكون صدقاً أو يكون قليلاً كالثلاثة والأربعة أبيات، وأمّا الإكثار من الشعر المحتوي على الباطل من القول فهو ينقض الوضوء. وهذا مخالف للحديث الأوّل.

وحملُ الشيخ له على استحباب الوضوء عند صدور أحد هذه الأمور للإجماع على عدم وجوبه، فيه: أنّ التعبير بالنقض يأباه، فلا يقال إنّ الأمر الفلاني ينقض الوضوء استحباباً.

نعم لو ورد الأمر بالوضوء عقيب شيء وقام الإجماع على عدم الوجوب

ص: 203


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 35، والاستبصار 1: 87/ 276.

أمكن حينئذٍ حمل الأمر على استحباب الوضوء عقيب ذلك الشيء.

ويبعد الحمل على التقيّة أيضاً لعدم معروفيّة القائل بالنقض من العامّة في عصر النص، نعم التوجيه الأوّل الذي ذكره الشيخ في الاستبصار وجيه، وهو أن يكون تصحَّف على الراوي فيكون قد روى بالصاد غير المعجمة دون الضاد المنقّطة؛ لأنّ ذلك مما ينقص ثواب الوضوء((1)).

وقد دلّت الأحاديث على أنّ فعل الذنوب والمعاصي والمكروهات تنقص العبادات.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم الكلام في السند مراراً، وهو موثّق.

فالحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أوّلها معتبر بسنديه، والثاني ضعيف، والثالث موثّق.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ إنشاد الشعر مطلقاً غير ناقض للوضوء، سواء كان الشعر قليلاً أم كثيراً، وسواء كان حقّاً أم باطلاً.

2- أنّ إنشاد الشعر وظلم الآخرين والكذب ينقص كمال الوضوء.

3- الشعر الصادق أو القليل كالثلاثة والأربعة أبيات، لا يوجب نقص كمال الوضوء.

4- أنّ الإكثار من الشعر المحتوي على الباطل ينقص الوضوء.

ص: 204


1- - الاستبصار1: 87، باب 52 من أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ذيل الحديث2.

9- بَابُ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُضَاجَعَةَ وَمَسَّ الْفَرْجِ مُطْلَقاً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

9- بَابُ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُضَاجَعَةَ وَمَسَّ الْفَرْجِ مُطْلَقاً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

القُبْلة: اللَّثمة معروفة، والجمع القُبَل وفعله التَّقْبِيل، وقد قَبَّل المرأَةَ والصبيَّ((1)).

والمباشرة هي الجماع، وبقيد دون الجماع يكون معناها الملامسة بالبشرة، أو بخصوص الذكر ومنه التفخيذ، وغيره، قال الزبيدي في تاج العروس: «أصلُه من لَمْسِ بَشَرةِ الرجلِ بَشَرَةَ المرأةِ، وقد يَرِدُ بمعنَی الوَطْءِ في الفِرْجِ، وخارجاً منه»((2)).

وفُسّرت المضاجعة بالاضطجاع والنوم مع شخصٍ، قال في لسان العرب: أَضْجَعَه وضاجَعَه مُضاجَعَة: اضْطَجَعَ معه((3))، وخصّص الأزهري هنا فقال: ضاجَعَ.

ص: 205


1- - لسان العرب11: 544، مادة: قبل.
2- - تاج العروس6: 88، مادة: بشر.
3- - أي نام.

.الرجلُ جاريته إِذا نام معها في شِعار واحد((1))، وهو ضَجِيعُها وهي ضَجِيعَتُه((2)).

والمراد بمسّ الفرج مطلقاً، أي القبل والدبر من الرجل والمرأة، وسواء كان الممسوس فرج نفسه أو فرج غيره، يحلّ له لمسه أو يحرم عليه، وسواء كان المسّ لظاهر الفرج أو باطنه، وبظاهر الكف أو بباطنه، عمداً أو نسياناً.

أقوال الخاصّة:

الأمور المذكورة في عنوان الباب لا تنقض الوضوء، وعليه أكثر علماء الإماميّة، وخالف بعضهم فذهب إلى النقض في بعضها:

أمّا القُبلة فقال العلّامة: «القبلة لا تنقض الوضوء، ذهب إليه أكثر علمائنا، وقال ابن الجنيد: من قبّل بشهوة للجماع، ولذّة في المحرّم نقض الطهارة، والاحتياط إذا كانت في محلّل إعادة الوضوء»((3)).

وأمّا لمس المرأة فعدم النقض به «لم ينقل عن أحد فيه خلاف حتّى ابن الجنيد، والأصول والأخبار والإجماعات دالّة عليه((4)).

وأمّا مسّ الفرج مطلقاً باطناً وظاهراً من المحرّم والمحلَّل فأكثر علمائنا على عدم نقضه للوضوء، قال العلّامة: «مسّ القبل والدبر باطناً أو ظاهراً من المحرّم أو المحلّل لا ينقض الوضوء ولا يوجبه، ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخين (رحمهما الله) ،

ص: 206


1- - الشِعار هو ما ولي شَعْرَ جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب، والجمع أَشْعِرَةٌ وشُعُرٌ.
2- - لسان العرب8: 219، مادة: ضجع.
3- - مختلف الشيعة1: 259.
4- - جواهر الكلام1: 419.

وابن أبي عقيل، وأتباعهم»((1))، ولكن خالف في ذلك الصدوق وابن الجنيد فقالا: إنّ مس باطن الدبر أو الإحليل يوجب إعادة الوضوء، وكذا فتح الإحليل، قال في الفقيه: «وإذا مسّ الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ وأعاد الصلاة، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة»((2)) وقال ابن الجنيد في المختصر - على ما نقله عنه المحقّق في المعتبر - : «إنّ من مسّ ما انضم عليه الثقبان نقض وضوءه، وقال أيضاً: مَنْ مسّ ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إذا كان محرّماً، ومَنْ مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرّم والمحلّل»((3)).

أقوال العامّة:

وقع الاختلاف بين علماء العامّة في إيجاب الأمور المذكورة للوضوء:

أمّا لمس المرأة أو تقبيلها فقال ابن رشد في بداية المجتهد: «اختلف العلماء في إيجاب الوضوء من لمس النساء باليد، أو بغير ذلك من الأعضاء الحسّاسة، فذهب قوم إلى أنّ من لمس امرأة بيده مفضياً إليها ليس بينها وبينه حجاب ولا ستر فعليه الوضوء، وكذلك من قبّلها، لأنّ القُبلة عندهم لمسٌ ما، سواء التذّ أو لم يلتذ، وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه إلّا أنّه مرّة فرّق بين اللامس والملموس، فأوجب الوضوء على اللامس دون الملموس، ومرّة سوّى بينهما،

ص: 207


1- - مختلف الشيعة1: 257.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 65.
3- - المعتبر1: 114.

ومرّة فرّق أيضاً بين ذوات المحارم والزوجة فأوجب الوضوء علی من لمس الزوحة دون ذوات المحارم ومرّة سوّى بينهما.

وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء من اللمس إذا فارقته اللذة، أو قصد اللذة في تفصيل لهم في ذلك، وقع بحائل أو بغير حائل بأيّ عضو اتفق ما عدا القُبلة؛ فإنّهم لم يشترطوا لذّة في ذلك، وهو مذهب مالك وجمهور أصحابه، ونفی قوم إيجاب الوضوء لمن لمس النساء، وهو مذهب أبي حنيفة، ولكلٍّ سلف من الصحابة إلّا اشتراط اللذة؛ فإنّي لا أذكر أحداً من الصحابة اشترطها»((1)).

وقد ذكر بعض مفسّري العامّة الرأي الموافق للخاصّة في معنی الملامسة وأنّها الجماع، ونسبوه إلى بعض الصحابة، بل قالوا بأنّه الصحيح، مستدلّين بروايات صحيحة عندهم((2)).

وأمّا مسّ الذكر فقال ابن رشد فيه: «اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب: فمنهم من رأى الوضوء فيه كيفما مسّه، وهو مذهب الشافعي وأصحابه وأحمد وداود، ومنهم من لم ير فيه وضوءاً أصلاً، وهو أبو حنيفة وأصحابه، ولكلا الفريقين سلفٌ من الصحابة والتابعين.

وقوم فرّقوا بين أن يمسّه بحال، أو لا يمسه بتلك الحال، وهؤلاء افترقوا فيه فرقاً: فمنهم من فرّق فيه بين أن يلتذَّ أو لا يلتذّ، ومنهم من فرّق بين أن يمسّه

ص: 208


1- - بداية المجتهد1: 34.
2- - الدرّ المنثور في تفسير المأثور2: 166- 167، روح المعاني5: 56.

بباطن الكف، أو لا يمسّه، فأوجبوا الوضوء مع اللذّة، ولم يوجبوه مع عدمها، وكذلك أوجبه قوم مع المسّ بباطن الكف، ولم يوجبوه مع المسّ بظاهرها، وهذان الاعتباران مرويّان عن أصحاب مالك، وكأنّ اعتبار باطن الكف راجع إلى اعتبار سبب اللذّة.

وفرّق قوم في ذلك بين العمد والنسيان، فأوجبوا الوضوء منه مع العمد، ولم يوجبوه مع النسيان، وهو مروي عن مالك، وهو قول داود وأصحابه. ورأى قوم أنّ الوضوء من مسّه سنّة لا واجب. قال أبو عمر: وهذا الذي استقرّ من مذهب مالك عند أهل المغرب من أصحابه، والرواية عنه فيه مضطربة»((1)).

ص: 209


1- - بداية المجتهد1: 35.

[704] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَتَظُنُّ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ؟ قَالَ: تُدْخِلُ يَدَهَا فَتَمَسُّ الْمَوْضِعَ فَإِنْ رَأَتْ شَيْئاً انْصَرَفَتْ وَإِنْ لَمْ تَرَ شَيْئاً أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

قوله: فتظنّ أنّها قد حاضت أي تظنّ أنّ الدم سال منها، والظنّ هنا يشمل الشك، وقد دلّ جوابه (علیه السلام) علی عدم الاعتناء بالظنّ بالحدث، وأنّه لابدّ من حصول العلم به فلو علمت به قطعت الصلاة، وإلّا أتمّت صلاتها، ودلّ أيضاً علی عدم بطلان الوضوء بمسّ الفرج لغرض، والغرض هنا هو استعلام حالها من حيث بقاء طهارتها أو انتقاضها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وفي هذا السند: محمد بن يحيى وهو القمّي، ومحمد بن أحمد هو ابن يحيى القمّي، وأحمد بن الحسن بن علي هو ابن

ص: 210


1- ([1]*) الكافي 3: 104/ 1.
2- ([2]*) التهذيب 1: 394/ 1222 وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 44 من أبواب الحيض.

فضّال، وعمرو بن سعيد هو المدائني، ومصدّق بن صدقة هو المدائني، وعمّار بن موسى هو الساباطي وقد مضى الكلام في أفراده، وهو موثّق.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب إلى محمد بن أحمد بن يحيی القمّي، وقد تقدّم أنّه معتبر، وبقيّة أفراد هذا السند كما في سابقه، فيكون موثّقاً أيضاً.

ص: 211

[705] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَذْيِ مِنَ الشَّهْوَةِ وَلَا مِنَ الْإِنْعَاظِ((1)*) وَلَا مِنَ الْقُبْلَةِ وَلَا مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ وَلَا مِنَ الْمُضَاجَعَةِ وُضُوءٌ وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا الْجَسَدُ((2)*).

[2] - فقه الحديث:

المَذْيُ: «بالتسكين: ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل، وفيه الوضوء، مَذَى الرجلُ والفَحْلُ - بالفتح - مَذْياً وأَمْذَى - بالألف - مثله، وهو أَرَقُّ ما يكون من النطفة، والاسم المَذْيُ والمَذِيُّ، والتخفيف أَعلى»((3)).

والإنعاظ: مصدر، «أَنْعَظَ الرَّجُلُ والمَرأَةُ: عَلَاهُمَا الشَّبَقُ واشْتَهَيَا الجِمَاعَ، وهَاجَا»((4)).

والمضاجعة مرّ معناها في شرح الباب، والظاهر حملها هنا علی المضاجعة دون الفرج كما لا يخفی.

وقد ذُكر لهذا الحديث احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أن يكون قوله (علیه السلام) : (ولا من الإنعاظ) معطوفاً على قوله: (من الشهوة) فيصير الحديث متعرّضاً لعدم النقض بخروج المذي

ص: 212


1- ([1]*) أنعظ الرجل: إذا اشتهى الجماع(مجمع البحرين 4: 292).
2- ([2]*) التهذيب 1: 19/ 47 و1: 253/ 734. والاستبصار 1: 93/ 10 و1: 174/ 1.
3- - لسان العرب 15: 274، مادة: مذي.
4- - تاج العروس10: 496، مادة: نعظ.

فقط، حيث إنّ المعطوفات تكون أسباباً لخروجه، ويكون المعنى: ليس في المذي الذي يخرج بسبب الشهوة، أو الانعاظ، أو القبلة، أو مسّ الفرج، أو المضاجعة وضوء.

ويؤيّد هذا الاحتمال أمران:

أحدهما: العدول عن كلمة (في) إلى كلمة (من) في المعطوفات كلّها، ولو لم تكن معطوفة على قوله: (من الشهوة) لناسب أن تذكر كلمة (في) بدل كلمة (من)، فيقال: ليس في المذي من الشهوة ولا في الإنعاظ ولا في القبلة ولا في مس الفرج ولا في المضاجعة وضوء.

ثانيهما: ذكر حكم غسل الثوب والجسد من إصابة المذي لهما، وهو مناسب للمذي.

الاحتمال الثاني: أن يكون قوله (علیه السلام) (ولا من الإنعاظ) معطوفاً على قوله: (في المذي) فيصير الحديث متعرّضاً لخمسة أمور لا يوجب حصولها نقض الوضوء، ويكون المعنى: ليس في المذي الذي يخرج بسبب الشهوة وضوء، ولا في الانعاظ وضوء إلی آخره.

ويؤيّد هذا الاحتمال: أنّ المذي من الشهوة يجتمع مع الإنعاظ و القبلة ومسّ الفرج والمضاجعة، وحينئذٍ لا وجه للمقابلة، فيكون الإنعاظ - مثلاً - ولو مع خروج المذي غير ناقض للوضوء، وكذا البواقي((1)).

ص: 213


1- - انظر: ملاذ الأخيار1: 105- 106، وكشف الأسرار3: 97- 98.

وسيأتي في الباب الثاني عشر من هذه الأبواب - بعد علاج المتعارضات - أنّ المذي لا ينقض الوضوء.

سند الحديث:

قد سبق أنّ أحد طريقي الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح((1))، و«غير واحد من أصحابنا» ليس إرسالاً، فالسند صحيح.

ص: 214


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[706] 3- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ وَابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وَلَا الْمُبَاشَرَةِ وَلَا مَسِّ الْفَرْجِ وُضُوءٌ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلٍ، عَنْ زُرَارَةَ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((3)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِالإِسْنَادِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَا الْمُلَامَسَةِ((4)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی عدم نقض الوضوء بالقبلة أو المباشرة أو مسّ الفرج أو الملامسة - وهي المسّ والإمساك والمصافحة ونحو ذلك باليد أو بغيرها من أعضاء البدن - وهذه الأمور مطلقة فسواء كان الزوج هو الذي قبّل زوجته أم الزوجة قبّلت الزوج فإنّه لا يوجب الوضوء، وكذا البواقي بلا فرق. وسيأتي بيان المراد من الملامسة للنساء المرادة في الآية الشريفة في الحديث الآتي.

ص: 215


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 54، والاستبصار 1: 87/ 277.
2- ([2]*) الكافي 3: 37/ 12.
3- ([3]*) الفقيه 1: 38/ 9.
4- ([4]*) التهذيب 1: 23/ 59.

سند الحديث:

أورد الماتن هذا الحديث بأربعة أنحاء:

الأوّل: بإسناد الشيخ عنه أي الحسين بن سعيد، وكذا ما يأتي من أحاديث هذا الباب إلی الحديث التاسع. والسند صحيح.

الثاني: بسند الكليني، وهو معتبر.

الثالث: بنقل الفقيه مرسلاً، وهو أيضاً معتبر، بناءً علی ما مرّ مراراً((1)).

الرابع: بسند الشيخ أيضاً في التهذيب - بنحو الإشارة لا التصريح -، وهو: الشيخ - أي المفيد (رحمه الله) - عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عيسی، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن جميل، عن زرارة. وقد مرّ أنّ أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لم يوثق، إلا أنّ للشيخ طريقين معتبرين لجميع روايات أبيه((2))، فالسند معتبر.

ص: 216


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.
2- - المصدر السابق: 218.

[707] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْعُو جَارِيَتَهُ فَتَأْخُذُ بِيَدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمُلَامَسَةُ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَرُبَّمَا فَعَلْتُهُ، وَمَا يُعْنَى بِهَذَا {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}((1)*) إِلَّا الْمُوَاقَعَةُ فِي الْفَرْجِ((2)*)((3)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الملامسة الناقضة للوضوء هي المواقعة في الفرج، وأنّ المسّ والإمساك باليد - ولو لم تحصل به شهوة غالباً كما في الاستعانة بإمساك يد الجارية لغرض الوصول إلى المسجد - ونحوهما ليس هو الملامسة الموجبة للطهارة المائيّة أو الترابيّة، فلا بأس به، إذ لا يوجب إعادة الوضوء، ولاحزازة فيه ولا إثم.

وقوله (علیه السلام) : «وربما فعلته» أي ولم أتوضّأ، وهو تأكيد على عدم نقض المسّ بفعل الإمام (علیه السلام) نفسه.

والألف واللام في كلمة الملامسة في قول السائل: «يزعمون أنّها الملامسة» عهديّة، أي الملامسة الواردة في الآية.

ص: 217


1- ([1]*) النساء 4: 43، والمائدة 5: 6.
2- ([2]*) في التهذيب «دون الفرج»، (منه قده).
3- ([3]*) التهذيب 1: 22/ 55، والاستبصار 1: 87/ 278.

وقد وافقنا بعض مفسّري العامّة في معنى الملامسة في الآية وأنّها كاللمس كناية عن الجماع، ونسبوه إلى بعض الصحابة، بل قالوا بأنّه الصحيح، كما مرّ في شرح الباب. وإنّما كنّى بالملامسة عن الجماع لأنّ بما يتوصّل إليه كما أفاده بعض علمائنا((1)).

وأمّا على النسخة التي نقلها الماتن في الهامش وهي: «إلا المواقعة دون الفرج» فأيضاً تدلّ على عدم النقض باللمس والإمساك والمصافحة ونحو ذلك، وإن دلّت على النقض بمثل التفخيذ، لكنّه مخالف لما يأتي من أحاديث الباب المفسّرة للملامسة بخصوص الجماع، فالظاهر أنّ هذه النسخة غير صحيحة.

سند الحديث:

الضمير في قوله: «عنه» يرجع إلى الحسين بن سعيد كما قدّمنا، وأحمد بن محمد هو ابن أبي نصر البزنطي، وأمّا أبو مريم فهو أبو مريم الأنصاري وقد مرّ أنّه عبد الغفّار بن القاسم((2))، وكتابه مشهور، فالسند صحيح.

ص: 218


1- - انظر كنز العرفان1: 25.
2- - ايضاح الدلائل3: 227.

[708] 5- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْقُبْلَةِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض الوضوء بالقبلة، وذلك لأنّ الظاهر أنّ تقدير خبر لا النافية المحذوف في جواب الإمام (علیه السلام) هو: «بها» أي لا بأس بالقبلة، ونفي البأس المطلق يشمل الحكمين الوضعي وهو عدم نقض الوضوء بها، والتكليفي وهو جواز القبلة وعدم حرمتها للمتوضّي، وان كان السؤال عن الحكم الوضعي.

سند الحديث:

صفوان هو صفوان بن يحيی، وابن مسكان هو عبد الله بن مسكان، وقد تقدّم القول في وثاقتهم وجلالتهم((2)).

وأمّا الحلبي فهو مشترك بين أربعة:

أحدهم: يحيى بن عمران بن علي الحلبي، تقدّم توثيقه بأكثر من وجه((3)).

الثاني: عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي، عدّه البرقي والشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4)) وقد تقدّم توثيقه ضمن ترجمة أخيه محمد بن علي((5)).وعدّه

ص: 219


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 58، والاستبصار 1: 88/ 279.
2- - ايضاح الدلائل1: 75 و 88.
3- - المصدر السابق: 149.
4- - رجال البرقي: 224/ 523، ورجال الطوسي: 256/ 3622.
5- - ايضاح الدلائل2: 65.

الشيخ المفيد في رسالته العدديّة من الفقهاء والأعلام، المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق لذمّ واحد منهم((1)).

الثالث: عبيد الله بن علي الحلبي، عدّه البرقي في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قائلاً: «كوفي وكان متجره إلى حلب فغلب عليه هذا اللّقب، مولى ثقة صحيح، له كتاب، وهو أول كتاب صنّفه الشيعة»((2))، وعدّه الشيخ أيضاً من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قائلاً: «عبيد الله بن علي بن أبي شعبه الحلبي الكوفي، مولى بني عجل»((3)) وقال عنه في الفهرست: «عبيد الله بن علي الحلبي، له كتاب مصنّف معوّل عليه، وقيل: إنّه عرض على الصادق (علیه السلام) ، فلمّا رآه استحسنه وقال: ليس لهؤلاء - يعني المخالفين - مثله»((4)).

وقال النجاشي: «عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي مولى بني تيم اللات بن ثعلبة أبو علي، كوفي، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب فغلب عليهم النسبة إلى حلب، وآل أبي شعبة في الكوفة بيت مذكور من أصحابنا، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (علیهما السلام) ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون، وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم، وصنّف الكتاب المنسوب إليه وعرضه على أبي عبد الله (علیه السلام) وصحّحه، قال عند قراءته: أترى لهؤلاء مثل

ص: 220


1- - جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 45.
2- - رجال البرقي: 154/ 178.
3- - رجال الطوسي: 234/ 3193.
4- - فهرست الطوسي: 174/ 466.

هذا؟. والنسخ مختلفة الأوائل، والتفاوت فيها قريب، وقد روی هذا الكتاب خلق من أصحابنا، عن عبيد الله، والطرق إليه كثيرة، ونحن جارون على عادتنا في هذا الكتاب، وذاكرون إليه طريقاً واحداً، أخبرنا غير واحد عن علي بن حبشي بن قوني الكاتب الكوفي، عن حُميد بن زياد، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي»((1)).

الرابع: محمد بن علي الحلبي، وقد تقدّم توثيقه((2)).

أمّا الأوّل فهو يروي عن عبد الله بن مسكان، فلا يراد هنا.

وأمّا الثاني فالراوي عنه في عدّة طرق: حمّاد بن عيسی وحمّاد بن عثمان، مضافاً إلى أنّ المشهور لا ينصرف إليه.

وأمّا الثالث - وهو عبيد الله - فإنّ طرق الشيخ في الفهرست كلّها تنتهي إلى حمّاد بن عثمان أيضاً، فهو راوي كتابه، قال: «أخبرنا به الشيخ المفيد (رحمه الله) ، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن جميعاً، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى الأشعري، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي.

وأخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي.

وأخبرنا به جماعة، عن التلعكبري، عن أبي عيسى عبيد الله بن محمد بن

ص: 221


1- - رجال النجاشي: 230- 231/ 612.
2- - ايضاح الدلائل2: 64- 65.

الفضل بن هلال الطائي، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن النعمان، قال: حدّثنا السندي بن محمد البزّاز، قال: حدّثنا حمّاد بن عثمان ذو الناب، عنه»((1)).

وكذا طريق النجاشي إليه فإنّه ينتهي إلى حمّاد كما عرفت.

وبهذا يظهر أنّ المراد بالحلبي هنا هو محمد بن علي الحلبي، والقرينة على ذلك - بضمّ ما تقدم هنا - أن الراوي عنه في هذا السند هو عبد الله بن مسكان، وقد ورد عبد الله بن مسكان في طريق النجاشي والصدوق إلى محمد بن علي بن أبي شعبة، قال النجاشي: «له كتب، منها: كتاب في الإمامة، وكتاب في الحلال والحرام، وأكثره عن محمد بن علي الحلبي»((2)).

وقال الصدوق: «وما كان فيه عن محمد بن علي الحلبي فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسی بن المتوكل2، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن علي الحلبي»((3)).

وقال النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن أبي شعبة: «وله كتاب مبوّب في الحلال والحرام، أخبرنا ابن نوح عن البزوفري عن حُميد قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدّثنا الحسين بن ...((4)) عن ابن مسكان عنه به»((5)).

ص: 222


1- - فهرست الطوسي: 174/ 466.
2- - رجال النجاشي: 214/ 559.
3- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة4: 427.
4- - بياض في أصل النسخة.
5- - رجال النجاشي: 325/ 885.

فيظهر من هذا أنّ راوي كتاب محمد بن علي الحلبي في الحلال والحرام هو عبد الله بن مسكان، كما هو الحال في هذا السند((1)).

نعم، ذكر الشيخ أنّ طريقه في الفهرست إلى محمد بن علي الحلبي هو: «ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عنه»((2)) فلم يكن الراوي عنه عبد الله بن مسكان.

وقد أورد في التهذيب حديثين وكرّرهما في الاستبصار وفي سندهما عبد الله بن مسكان عن عبيدالله الحلبي((3)) لكنهما مورد تأمّل، لما عرفت من كون الراوي عن محمد بن علي هو عبد الله بن مسكان.

وعلی هذا فالسند صحيح.

ص: 223


1- - أقول: ومن القرائن أيضاً أنّ الشيخ في التهذيب أورد في بعض الموارد السند مصرّحاً بأنّ من يروي عنه صفوان هو عبد الله، ومن يروي عنه عبد الله هو محمد بن علي الحلبي، هكذا: صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن علي الحلبي، كما في الجزء 4: 32،كتاب الزكاة، باب زكاة مال الغائب والدين والقرض، الحديث 80، والجزء 6: 380، باب المكاسب، الحديث 1117 [المقرّر].
2- - فهرست الطوسي: 205/ 586.
3- - تهذيب الأحكام3: 157، ح 238، وج5: 32، ح 96، والاستبصار1: 453، ح 1757، وج2: 157، ح 514.

[709] 6- وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ، وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ يَدَهُ، وَالْقُبْلَةُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا((1)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی أمرين:

الأوّل: أنّ مسّ فرج الزوجة لا ينقض الوضوء؛ لأنّ قوله (علیه السلام) : ليس عليه شيء، أي ليس عليه شيء لا تكليفاً ولا وضعاً، فليس عليه إثم، وليس عليه الوضوء.

نعم، له أن يغسل يده بعد المس، ولعلّه لإزالة نفور النفس من استعمال اليد في ملامسة المأكولات وغيرها بعد ذلك بلا غَسلٍ لليد، ولكنّه لا يجب.

الثاني: أنّ تقبيل الزوجة لايوجب الوضوء، ولو كان ذلك بشهوة، بمقتضى الإطلاق.

سند الحديث:

القاسم بن محمد تقدّم أنّه مشترك بين ستة عشر في هذا العنوان((2))، والمعروفون من بينهم أربعة، وعيّنّا هناك سبيل التمييز بينهم، والمراد به هنا الجوهري بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه، وروايته عن أبان بن عثمان الذي هومن أصحاب

ص: 224


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 57، والاستبصار 1: 88/ 281.
2- - ايضاح الدلائل3: 426- 427.

الإجماع. وأمّا عبد الرحمن فقد تقدّم في الباب الأوّل من هذه الأبواب أنّه ثقة((1)).

وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 225


1- - في الصفحة: 18.

[710] 7- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَعْبَثُ بِذَكَرِهِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ((1)*).

[7] - فقه الحديث:

العبث: «بالتحريك: اللّعب، يقال: عبث يعبث - من باب علم عبثاً بالتحريك -: لعب وعمل ما لا فائدة فيه، كمن ينزف الماء من البحر إلی البحر عابثاً»((2)) فقوله: يعبث بذكره، أي بلا غرض. والعبث بالذكر مطلق فيشمل مسّ ظاهره وباطنه، أي إذا فتحه، وقوله: لا بأس به، أي تكليفاً ووضعاً، فليس ذلك محرّماً ولا ناقضاً للوضوء، وإن كان منافياً للخشوع والاقبال علی الله تعالی المطلوبين للمصلّي.

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو صحيح.

ص: 226


1- ([1]*) التهذيب 1: 346/ 1014، والإستبصار 1: 88/ 282 من غير أن يذكر محمّد بن أبي عمير، وأورده في الحديث 2 من الباب 26 من أبواب القواطع.
2- - مجمع البحرين2: 259، مادة: عبث.

[711] 8- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ أَوْ فَرْجَهُ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يُعِيدُ وُضُوءَهُ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ جَسَدِهِ((1)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوَاطِعِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا((2)*)، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ((3)*).

[8]- فقه الحديث:

دلّ على أن مسّ هذه الأعضاء حال الصلاة لا يوجب الوضوء ولو كان عبثاً، وإذا لم ينقض المسّ المذكور الوضوء في الصلاة، فكذا في غير حال الصلاة

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 227


1- ([1]*) التهذيب 1: 346/ 1015، والإستبصار 1: 88/ 283.
2- ([2]*) يأتي في الباب 26 من أبواب قواطع الصلاة.
3- ([3]*) تقدّم في الأبواب 1- 3، والحديث 10 من الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء.

[712] 9- وَعَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

قَالَ: إِذَا قَبَّلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّ فَرْجَهَا أَعَادَ الْوُضُوءَ((1)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ على نقض الوضوء بتقبيل الرجل المرأة بشهوة أو بمسّ فرجها ولو من دون شهوة، كما هو مقتضى الإطلاق، وهذا الحديث ممّا احتج به الصدوق وابن الجنيد على نقض الوضوء بتقبيل المرأة بشهوة أو بمسّ فرجها، وهو خلاف ما عليه أكثر علمائنا، وما يظهر من الأحاديث المتقدّمة، وموافق للعامّة فيحمل على التقيّة.

سند الحديث:

فيه: عثمان، وهو ابن عيسی، وابن مسكان وهو عبد الله. فهو صحيح.

ص: 228


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 56، والإستبصار 1: 88/ 280.

[713] 10- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَمَسُّ بَاطِنَ دُبُرِهِ؟ قَالَ نَقَضَ وُضُوءَهُ، وَإِنْ مَسَّ بَاطِنَ إِحْلِيلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَيَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ فَتَحَ إِحْلِيلَهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ((1)*).

أَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمُوَافَقَتِهِمَا لَهَا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ((2)*).

[10]- فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من كان علی وضوء ثم مسّ باطن دبره انتقض وضوؤه، وكذا إذا مسّ باطن إحليله، هذا إذا كان في غير حال الصلاة، وأمّا إذا كان ذلك منه وهو يصلّي فإنّ ذلك يبطل الصلاة فعليه أن يعيدها بعد إعادة الوضوء، وقوله (علیه السلام) : «وإن فتح إحليله» يحتمل أنّ المراد فتح مجری الإحليل، ويحتمل أنّه كشفُ الإحليل، وهذا الحديث ممّا احتجّ به الصدوق وابن الجنيد علىنقض الوضوء بمسّ باطن الفرج، أو فتح الإحليل، وإذا حدث شيء من ذلك

ص: 229


1- ([1]*) التهذيب 1: 45/ 127، والاستبصار 1: 88/ 284. ورواه أيضاً في التهذيب 1: 348/ 1023.
2- ([2]*) جاء في هامش المخطوط ما نصّه: «قد نقل العلامة في التذكرة [1- 10] وغيرها [المنتهى 1: 35] مضمون الحديثين عن جماعة كثيرين من العامّة، بل عن أكثرهم» (منه قده).

أثناء الصلاة فهو قاطع لها أيضاً. فيقطع الصلاة ويتوضّأ ثم يعيد الصلاة.

وقال الشيخ في توجيهه: الوجه في هذا الخبر أن نحمله على أنّه إذا صادف هناك شيئاً من النجاسة فإنّه يجب عليه حينئذ إعادة الوضوء والصلاة((1)). وهو جمع تبرّعي.

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو موثّق.

الجمع بين الأحاديث:

جمع أكثر الأصحاب بين هذين الحديثين وأحاديث الباب بحملهما على التقيّة؛ لأنّ أحاديث الباب دالّة على عدم الناقضيّة، وقد سبق في شرح الباب أنّ المشهور بين العامّة - ما عدا الحنفيّة - هو الناقضيّة فيكون الحديثان موافقَين لهم، ويكونان - من جهة أخرى - مخالفين للأحاديث الحاصرة للنواقض في ما مرّ.

أضف إلى ذلك شذوذهما وعدم عمل الأصحاب بهما، مضافاً إلی أنّهما مخالفان للكتاب، بخلاف بقيّة الأحاديث فإنّها موافقة لإطلاق الكتاب.

نعم، ورد في الكتاب: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}((2))، فلو كان المراد مطلق المسّ كان موافقاً لهما إلّا أنّ الوارد في أحاديثنا أنّ المراد بالملامسة:الجماع، فيكون ظاهر الكتاب مرجّحاً لبقية أحاديث الباب.

ص: 230


1- - الاستبصار1: 89، ذيل الحديث: 284.
2- - سورة النساء: الآية 43، وسورة المائدة: الآية 6.

وهنا جمع آخر وهو حمل الحديثين على الاستحباب، فمن مسّ الأشياء المذكورة أعاد الوضوء استحباباً، وهذا الوجه ذكره الشيخ وجماعة((1)).

ويوجد حمل ثالث وهو أنّ المراد من الوضوء في الحديث التاسع هو غَسل اليد، كما عن الشيخ في التهذيب((2))، ويحمل الحديث العاشر على أنّه إذا صادف هناك شيئاً من النجاسة فإنّه يجب عليه حينئذٍ إعادة الوضوء والصلاة، ومن لم يصادف شيئاً من ذلك لم يكن عليه شيء((3)).

ولا يُصار إلى الحمل على التقيّة إذا صحّ أحد الحملين الأخيرين؛ لتقدّم التصرّف الدلالي على التصرّف الجهتي.

ولكن قد يقال بِبُعد هذين الحملين، وهو الصحيح، فقد ذكر في العروة أنّ جماعة من العلماء ذكروا استحباب الوضوء في موارد، ومنها ما في هذين الحديثين - وتبعهم السيد الحكيم في المستمسك ((4))- ثم قال صاحب العروة: «لكن الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم»، واستصوبه السيد الأستاذ(قدس سره) ((5))، والدليل على ذلك: أنّ ظاهر الروايات المعارضة عدم كونها في مقام بيانالحكم المولوي حتى يقال إنّ المستفاد منها الوجوب أو الاستحباب، بل

ص: 231


1- - تهذيب الأحكام1: 22، ذيل الحديث56، مختلف الشيعة1: 259، كشف اللثام1: 193، جواهر الكلام1: 419.
2- - تهذيب الأحكام1: 22، ذيل الحديث 56.
3- - الاستبصار1: 89، باب 53، ذيل الحديث 8.
4- - مستمسك العروة الوثقی1: 264.
5- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 457- 461.

ظاهرها بيان الحكم بناقضيّة تلك الأمور للوضوء، فالحمل على استحباب الوضوء في هذه الموارد غير صحيح، نعم، التوضّؤ بعد هذه الأمور برجاء المطلوبيّة لا بأس به.

وأمّا الحمل الآخر - وهو أنّ المراد من الوضوء في الحديث التاسع هو غَسل اليد، والحمل في الحديث العاشر على أنّه إذا صادف في الموضع شيئاً من النجاسة - فهو حمل تبرّعي وغير صحيح؛ إذ جاء في التاسع: «أعاد الوضوء» أي الوضوء الاصطلاحي ولا معنى لإعادة الوضوء اللغوي، الذي هو بمعنى الغَسل، ولو سلّمنا إرادة الغَسل فهو وإن تمّ في مسّ الفرج لكن لا يتمّ في القبلة، وقد ورد الجواب عنهما معاً.

وأمّا العاشر فإنّه قد لا يتّفق خروج شيء مع الملامسة.

والحاصل: أنّ الوجه هو الحمل على التقيّة.

ص: 232

[714] 11- الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا}((1)*) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ (خَاصَّةً)((2)*)((3)*).

[11] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المراد من ملامسة النساء في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} خصوص الجماع، فهو الناقض للوضوء دون ما زعمه أكثر العامّة من أنّه في الآية: اللمس والمماسّة بالبشرة، فإذا مسّ الرجل المرأة فقد انتقض وضوؤه.

سند الحديث:

طريق الماتن(قدس سره) إلى كتاب مجمع البيان معتبر - كما سبق((4)) - مضافاً إلى شهرة الكتاب بلا ريب، وقد مرّ - في ذيل الحديث الثاني عشر من الباب العشرين من أبواب مقدّمات العبادات - بيان جلالة مصنِّفه الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، وأنّ له طريقاً إلى جميع كتب وروايات الشيخ والصدوق أيضاً، إلا أنّا نقول هنا: ليس للشيخ الطوسي أو الصدوق طريق إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فهذا الحديث مرسل.

ص: 233


1- ([1]*) النساء 4: 43.
2- ([2]*) ليس في المصدر.
3- ([3]*) مجمع البيان 2: 52.
4- - ايضاح الدلائل2: 252.

[715] 12- مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: (اللَّمْسُ)((1)*) هُوَ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَتِيرٌ((2)*) يُحِبُّ السَّتْرَ فَلَمْ يُسَمِّ كَمَا تُسَمُّونَ((3)*).

[12] - فقه الحديث:

الألف واللام في كلمة اللمس عهديّة، أي الملامسة الواردة في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} وفسّرها (علیه السلام) بالجماع، فيكون هو ما ينقض الوضوء، وإنّما لم يصرّح به تعالى لأنّه ستّار يحب الستر، فلم يسمّه كما يسمّونه الناس ويتلفّظون به باللفظ الصريح، وهذا من جملة أدب القرآن، فهو يكنّي عمّا تأبى الطباع عن التصريح به، ويصون اللسان عن التصريح به، كما فعل في لفظ الغائط والفرج وغيرهما.

سند الحديث:

محمد بن مسعود العيّاشي، صاحب التفسير المعروف باسمه، قال عنه النجاشي: «محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السلمي السمرقندي أبو النضر المعروف بالعيّاشي، ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً. وكان في أوّل أمره عامّي المذهب، وسمع حديث العامّة، فأكثر

ص: 234


1- ([1]*) ليس في المصدر.
2- ([2]*) في المصدر: ستار.
3- ([3]*) تفسير العيّاشي 1: 243/ 141.

منه ثم تبصّر وعاد إلينا، وكان حديث السِّن، سمع أصحاب علي بن الحسن بن فضّال وعبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي وجماعة من شيوخ الكوفيّين والبغداديّين والقميّين. قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت القاضي أبا الحسن علي بن محمد قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلِّق، مملوءة من الناس، وصنّف أبو النضر كتباً، منها: كتاب التفسير...»((1)).

وقال عنه الشيخ: «محمد بن مسعود العياشي، من أهل سمرقند، وقيل: إنّه من بني تميم، يكنى أبا النضر، جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطّلع عليها. له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنَّف، ذكر فهرست كتبه ابن إسحاق النديم»((2)).

وقال أيضاً: «محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السمرقندي، يكنّی أبا النضر، أكثر أهل المشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ونبلاً في زمانه، صنَّف أكثر من مائتي مصنَّف ذكرناها في الفهرست، وكان له مجلس للخاص ومجلس للعام (رحمه الله) »((3)).

وطريق النجاشي إلى كتب العياشي ومن جملتها التفسير هو: «أخبرني أبو

ص: 235


1- - رجال النجاشي: 350/ 944.
2- - فهرست الطوسي: 212/ 604.
3- - رجال الطوسي: 440/ 6282.

عبد الله بن شاذان القزويني قال: أخبرنا حيدر بن محمد السمرقندي قال: حدّثنا محمد بن مسعود»((1)).

وهذا الطريق صحيح.

وأمّا طريق الشيخ في الفهرست إلى كتب العياشي فهو: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن جعفر بن محمد بن مسعود العيّاشي، عن أبيه»((2)).

وهذا الطريق ضعيف بأبي المفضّل وبجعفر بن محمد بن مسعود العيّاشی، لكن يُصحّح بأنّ للشيخ طريقاً إلى مصنّفات ومرويّات الكشّي، والكشّي روى جميع مصنّفات العيّاشي، فيكون للشيخ طريق صحيح إلى التفسير، ففي الفهرست: أخبرنا به جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي((3)).

وقد صرّح النجاشي بأنّه صحب العياشي وأخذ عنه وتخرّج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم((4))، وعن الشيخ في الرجال أنّ الكشي من غلمان العيّاشي((5))، ويظهر من إجازة الآقا حسين الخونساري: أن الشيخ يروي مصنَّفات ومرويّات أبي عمرو الكشّي بواسطة الشيخ الجليل هارون بن موسى التلعكبري((6)).

ص: 236


1- - رجال النجاشي: 353/ 944.
2- - فهرست الطوسي: 215/ 604.
3- - فهرست الطوسي: 217/ 614.
4- - رجال النجاشي: 372/ 1018.
5- - رجال الطوسي: 440/ 6288.
6- - بحار الأنوار107: 90.

والكشّي روی جميع مصنفات العيّاشي وبهذا يكون للشيخ طريق صحيح إلى التفسير.

والظاهر أنّ المراد بالحلبي هنا: محمد بن علي بن أبي شعبة، لأنّ له كتاباً في التفسير دون عبيد الله أو غيره من الحلبيين.

فالحاصل: أنّ السند معتبر.

ص: 237

[716] 13- وَعَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: اللَّمْسُ الْجِمَاعُ((1)*).

[13] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المراد من الملامسة في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} هو الجماع، فيكون هو الناقض للوضوء، لا الملامسة بين الرجل والمرأة التي هي بمثل المصافحة أو الإمساك باليد وأمثالهما.

سند الحديث:

لم يُعلم طريق العيّاشي إلى منصور بن حازم، فالسند ضعيف ولكن يمكن تصحيحه من جهة طريق الشيخ (رحمه الله) إلی كتابه وهو صحيح.

ص: 238


1- ([1]*) تفسير العيّاشي 1: 243/ 140.

[717] 14- وَعَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ سَأَلَهُ قَيْسُ بْنُ رُمَّانَةَ فَقَالَ لَهُ: أَتَوَضَّأُ ثُمَّ أَدْعُو الْجَارِيَةَ فَتُمْسِكُ بِيَدِي فَأَقُومُ فَأُصَلِّي أَعَلَيَّ وُضُوءٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اللَّمْسُ، قَالَ لَا، وَاللَّهِ مَا اللَّمْسُ إِلَّا الْوِقَاعَ، يَعْنِي الْجِمَاعَ ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) بَعْدَ مَا كَبِرَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْعُو الْجَارِيَةَ فَتَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَقُومُ فَيُصَلِّي((1)*).

[14] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وفيه ردّ على من زعم من العامّة أنّه اللمس الوارد في الآية، فقد زعموا أنّ المراد من {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} هو اللمس والمباشرة باليد ونحوها، وهو الذي نفاه الإمام (علیه السلام) ، بل وأكّد النفي بالقسم بالله على أنّ المراد من اللمس فيها هو الجماع، ولكنّه لم يصرّح بالجماع في الآية.

وفيه الاستشهاد بفعل الإمام الباقر (علیه السلام) وهو أنّه (علیه السلام) كان يستعين بالجارية لكبره فتأخذ بيده بعد أن يتوضّأ فيقوم ويصلّي ولا يعيد الوضوء، ممّا يعني أنّ لمس المرأة لا يوجب نقض الوضوء، وهذا الاستشهاد تأكيد منه (علیه السلام) للحكم بعدم النقض.

سند الحديث:

لم يُعلم طريق العياشي إلى الحلبي، ويمكن الحكم بصحة السند ممّا تقدّم

ص: 239


1- ([1]*) تفسير العيّاشي 1: 243/ 142.

في الحديثين المتقدّمين.

فالحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، الأوّل موثّق بسنديه، وكذا الثامن والعاشر، والثالث صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بأسانيده الثاني والثالث والرابع، وأمّا الثاني والرابع والخامس والسابع والتاسع فصحاح، وأمّا السادس والثاني عشر فمعتبران، وأمّا الحادي عشر والثالث عشر والرابع عشر فيمكن القول بصحّتها.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- عدم نقض الوضوء بمسّ الفرج لغرض، كاستعلام المرأة لحالها من الحيض ونحوه.

2- عدم نقض الوضوء بالقُبلة أو المباشرة دون الفرج أو الملامسة، سواء كان ذلك من الرجل أو المرأة.

3- مسّ الفرج أو الدبر ظاهراً وباطناً حال الصلاة لا يوجب الوضوء ولو كان عبثاً، بل وفي غير حال الصلاة أيضاً.

4- المذي والإنعاظ والمضاجعة لا تنقض الوضوء.

5- أنّ المراد من ملامسة النساء في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} خصوص الجماع، فهو الناقض للوضوء دون ما زعمه أكثر العامّة من أنّه فيها: اللمس والمماسّة بالبشرة.

ص: 240

10- بَابُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِلْبَدَنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

10- بَابُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِلْبَدَنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

الحديثان الواردان في هذا الباب في وطء العذرة أو البول، أي: النجسين، لكن عنوان الباب أشمل من الوطء بالرِّجل؛ وذلك لعدم خصوصيّة الوطء بالرِّجل في الحكم بعدم الانتقاض، ولذا عبّر الماتن بالملاقاة للبدن، والحكم هو عدم نقض الوضوء بذلك، ويدلّ عليه أيضاً الأحاديث التي حصرت النواقض في أمور معيّنة، فيكون سواها غير ناقض. هذا، ولم نجد من تعرّض لهذا الفرع بخصوصه من الخاصّة والعامّة.

ص: 241

[718] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) رَجُلٌ وَطِئَ عَلَى عَذِرَةٍ فَسَاخَتْ((1)*) رِجْلُهُ فِيهَا أَيَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا؟ فَقَالَ: لَا يَغْسِلُهَا إِلَّا أَنْ يَقْذَرَهَا، وَلَكِنَّهُ يَمْسَحُهَا حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهَا وَيُصَلِّي((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ملاقاة الرّجل للعذرة لا تنقض الوضوء، ولا خصوصيّة للرِّجل بل يعمّ ذلك جميع البدن، ولا يختصّ بملاقاة العذرة فقط، بل يشمل الحكم غيرها. ثمّ إنّ هذا الحديث ممّا استدل به علی تطهير الأرض لباطن القدم عن طريق مسحه بالأرض حتی يذهب أثر النجاسة ولا يبقی من أجزائها شيء وإلّا لم تطهر الرِّجل، وهذا ما يدلّ عليه جعلُ غاية المسح ذهاب الأثر حيث قال (علیه السلام) : «يمسحها حتى يذهب أثرها»، وقد دلّ على أنّ المسح يكفي في الطهارة بلا حاجة إلى الغسل، إلّا إذا استقذر رجله، كما لو كانت أجزاء النجاسة متفشّية بين الأصابع وأعلى من باطن الرِّجل، وفي الحديث جهات من البحث يأتي ذكرها في الباب الثاني والثلاثين من أبواب النجاسات عند تكرار

ص: 242


1- ([1]*) ساخت قوائمه في الأرض: غابت (منه قده). الصحاح 1: 424.
2- ([2]*) التهذيب 1: 275/ 809.

الماتن له هناك، إن شاء الله.

سند الحديث:

ينحلّ هذا السند المقرون إلى ثلاثة أسانيد:

الأوّل: محمد بن الحسن، أي: شيخ الطائفة الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن حمّاد بن عيسی الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين الشيباني. وهو صحيح.

الثاني: محمد بن الحسن، أي شيخ الطائفة الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن علي بن حديد بن حكيم، عن حمّاد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين الشيباني وعلي بن حديد وإن كان في وثاقته خلاف إلا أنّا رجحنا وثاقته((1)). وهو معتبر.

الثالث: محمد بن الحسن، أي شيخ الطائفة الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسی الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين الشيباني. وهو صحيح.

ص: 243


1- - ايضاح الدلائل1: 463- 464.

[719] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَطَأُ فِي الْعَذِرَةِ أَوِ الْبَوْلِ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ((1)*).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ الْحَصْرِ لِلنَّوَاقِضِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ((2)*) وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ أَوْ تَخْصِيصِ الْغَسْلِ بِمَا إِذَا أَصَابَتِ النَّجَاسَةُ غَيْرَ أَسْفَلِ الْقَدَمِ لِمَا يَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((3)*).

[2]- فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ملاقاة الرِّجل للعذرة أو البول لا توجب إعادة الوضوء، وهذا يعني أنّ الوضوء لا ينتقض بملاقاة العذرة أو البول، كما دلّ علی لزوم غَسل ما أصابه منهما.

سند الحديث:

فيه: علي بن محمد شيخ الكليني، وهو مشترك بين ثقتين كما تقدّم: أحدهما: علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلّان، وهو خال

ص: 244


1- ([1]*) الكافي 3: 39/ 4، وللحديث ذيل.
2- ([2]*) تقدم في الأبواب 1- 3 والحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) يأتي في الباب 32 من أبواب النجاسات.

الكليني. والثاني: علي بن محمد بن عبد الله بن عمران (ابن بندار)((1)).

وفيه أيضاً ابن مسكان وهو عبد الله، والحلبي هو محمد بن علي بن أبي شعبة، لرواية عبد الله بن مسكان عنه كما تقدّم((2)).

والحديث ضعيف بسهل بن زياد، ولكن يمكن تصحيحه بأنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الكليني، فهذا الحديث من جملة مرويّات الشيخ، وهو يروي أيضاً كتب وروايات محمد بن سنان - إلّا ما كان فيها من تخليط أو غلوّ - بطريق صحيح، فيكون هذا الطريق الصحيح طريقاً إلى هذا الحديث.

الجمع بين الحديثين:

قال الماتن: ينبغي أن يجمع بينهما بأحد نحوين:

الأوّل: أنّ من أصابته النجاسة من الأرض في رجله مخيّر بين أن يمسحها بالأرض حتى يذهب أثرها، كما هو مقتضى الحديث الأوّل، وأن يغسلها حتّى يذهب أثر النجاسة. والحديثان مثبتان ولا ينفي أحدهما الآخر.

الثاني: أنّ من أصابته النجاسة من الأرض فله أن يمسحها بالأرض، كما هو مقتضى الحديث الأوّل، لكن إذا كانت النجاسة قد تعدّت أسفل القدم فهنا لابدّ من الغَسل، ولا يكفي المسح.

ص: 245


1- - ايضاح الدلائل1: 132- 133
2- - في الصفحة: 212.

فالحاصل: أنّ في الباب حديثين، الأوّل ينحل إلى ثلاثة أسانيد أوّلها وثالثها من الصحيح، وثانيها معتبر، والثاني ضعيف، ويمكن تصحيحه.

والمستفاد منهما أمور، منها:

1- أنّ ملاقاة البدن للعذرة أو البول لا توجب نقض الوضوء.

2- أنّ مسح النجاسة عن الرِّجل بالأرض يكفي في طهارتها، وتكون الأرض من جملة المطهّرات، ولا حاجة إلى الغسل.

3- إذا تعدّت النجاسة باطن الرِّجل لم يكفِ في طهارتها مسحها بالأرض، بل لابدّ من غَسلها بالماء.

ص: 246

11- بَابُ أَنَّ لَمْسَ الْكَلْبِ وَالْكَافِرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

11- بَابُ أَنَّ لَمْسَ الْكَلْبِ وَالْكَافِرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

من جملة الأمور التي قد يتوهّم أنّها ناقضة للوضوء: لمس الكلب والكافر، لمبغوضيّتهما ولما في الحثّ الأكيد علی الاجتناب عنهما، وقد جاء الحكم بعدم نقض الوضوء بمسّهما دفعاً لذاك التوهّم، ويدلّ عليه أيضاً الأحاديث التي حصرت النواقض في أمور معيّنة، فيكون سواها غير ناقض، وأحاديث الباب وإن كان موردها المجوسي، وفي أحدها الكلب السلوقي، لكن ما في عنوان الباب من ذكر الكلب مطلقاً ومن ذكر الكافر بدل المجوسي هو الصحيح؛ إذ لا فرق بين أفراد الكلاب من حيث النوع ولا بلد المنشأ، كما لا فرق بين أقسام الكفّار.

ص: 247

[720] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْكَلْبِ السَّلُوقِيِ((1)*)؟ فَقَالَ: إِذَا مَسِسْتَهُ فَاغْسِلْ يَدَكَ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الكلب السلوقي - وهو كلب الصيد - نجس؛ للأمر بغَسل اليد، وكذا غيره من الكلاب لما مرّ في الباب الأوّل من أبواب الأسآر وما يأتي في الباب الثاني عشر من أبواب النجاسات وغيرهما، ودلّ أيضاً على أنّ وظيفة من مسّ الكلب هي غَسل اليد فقط، وهو بإطلاقه يشمل الماسّ المتوضّئ وغيره، فلمّا لم يفصّل الإمام (علیه السلام) بين المتوضّي وغيره عُلم أنّه لا توجد وظيفة على الماسّ مطلقاً سوى غَسل اليد، فهذا الحديث بإطلاقه يدلّ على ما في عنوان الباب.

سند الحديث:

فيه: ابن محبوب وهو الحسن بن محبوب، والعلاء، وهو العلاء بن رزين، والسند معتبر.

ص: 248


1- ([1]*) السلوق: قرية باليمن ينسب إليها الدروع والكلاب، (منه قده). الصحاح 4: 1498.
2- ([2]*) الكافي 6: 553/ 12 وأورده في الحديث 9 من الباب 12 من أبواب النجاسات.

[721] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَافَحَ مَجُوسِيّاً؟ قَالَ: يَغْسِلُ يَدَهُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ كَمَا يَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على نجاسة المجوسي، وعلى وجوب غسل ما يلاقيه، وعلى أنّ مسّ المجوسي ومصافحته لا توجب الحدث كي يحتاج في رفعه إلى الوضوء، والوضوء المنفي هنا هو الوضوء الاصطلاحي لا اللغوي بقرينة ذكر غسل اليد.

سند الحديث:

ذكر الماتن سند الشيخ في التهذيب، وفيه: صفوان، وهو ابن يحيی، والعلاء وهو ابن رزين، والسند صحيح.

وأشار إلى سند الكليني، وهو ما يأتي في الحديث الثالث من الباب الرابع عشر من أبواب النجاسات، والسند هكذا: أبو علي الأشعري، وهو أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان، وهو ابن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، وهو صحيح.

ص: 249


1- ([1]*) التهذيب 1: 263/ 765.
2- ([2]*) يأتي في الحديث 3 من الباب 14 من أبواب النجاسات.

[722] 3- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْكَلْبِ يُصِيبُ شَيْئاً مِنْ جَسَدِ الرَّجُلِ((1)*)؟ قَالَ: يَغْسِلُ الْمَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ((2)*).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضاً أَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ((3)*).

[3]

- فقه الحديث:

دلّ علی نجاسة الكلب مطلقاً سواء كان سلوقياً أم غيره، وعلی وجوب غسل ما يلاقيه فقط، وهو بإطلاقه يشمل المتوضي وغيره، فلمّا لم يفصّل الإمام (علیه السلام) بين المتوضّي وغيره عُلم أنّه لا توجد وظيفة علی من أصابه الكلب مطلقاً سوی غَسل المكان الذي أصابه، وظاهره لزوم الغَسل مطلقاً وإن لم يكن قد لاقاه برطوبة، وقد ذهب إليه بعضهم، وأنّ النجاسة في الملاقاة برطوبة نجاسة عينيّة، وفي الملاقاة بيبوسة نجاسة حكميّة، لكنّ المشهور أوجبوا الغَسل من الملاقاة برطوبة فقط((4)).

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن الحسين بن سعيد، وحمّاد هو حمّاد بن عيسی الجهني، وحريز هو حريز بن عبد الله السجستاني، والسند صحيح.

ص: 250


1- ([1]*) في الموضع الثاني من التهذيب: الإنسان.
2- ([2]*) التهذيب 1: 23/ 61 و262/ 762 بسند آخر، والاستبصار 1: 90/ 287 وأورده في الحديث 4 من الباب 12 من أبواب النجاسات.
3- ([3]*) تقدّمت في الأبواب 1- 3، وفي الحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
4- - انظر: ملاذ الأخيار 1: 114، كشف الأسرار3: 85.

[723] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: مَنْ مَسَّ كَلْباً فَلْيَتَوَضَّأْ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

ظاهره أنّ من مسّ كلباً مطلقاً ولو بدون رطوبة يلزمه الوضوء، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدّمة، ولذا حمله الشيخ في التهذيب والاستبصار علی غَسل اليد؛ لأنّه يسمّی وضوءاً في اللغة، وحينئذٍ لا ينافي ما تقدّم من الأحاديث.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري، والسند صحيح.

ص: 251


1- ([1]*) التهذيب 1: 23/ 60، والاستبصار 1: 89/ 286.

[724] 5- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

عَنِ الرَّجُلِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَافِحَ الْمَجُوسِيَّ؟ فَقَالَ: لَا، فَسَأَلَهُ أَيَتَوَضَّأُ إِذَا صَافَحَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ مُصَافَحَتَهُمْ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَ الشَّيْخُ الْوُضُوءَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى وُضُوءاً، قَالَ: لِإِجْمَاعِ الطَّائِفَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الْوُضُوءِ.

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على حكمين:

الأوّل: مبغوضيّة مصافحة المجوسي الذي هو أحد أقسام الكفّار، ولعلّ الحكمة من ذلك تنفير المؤمنين من المخالطة لهم إمعاناً في التبعيد عن طريقتهم، فلو أحرز عدم التأثّر بهم ارتفعت المبغوضيّة.

الثاني: أنّ مصافحة المجوسي تنقض الوضوء، وظاهره إرادة الوضوء الاصطلاحي، لا غَسل اليد؛ لأنّ قوله (علیه السلام) : «إنّ مصافحتهم تنقض الوضوء» لا يتناسب مع الحمل على غَسل اليد، فلا يقال إنّ ملامستهم تنقض التنظيف، فلابدّ من إرادة الوضوء الاصطلاحي، ويبقى أنّ هذا الحديث لا يعارض الأحاديث الصحاح المتقدّمة لضعفه سنداً.

ص: 252


1- ([1]*) التهذيب 1: 347/ 1020، والاستبصار 1: 89/ 285.

سند الحديث:

فيه: أبو عبد الله الرازي، وهو: محمد بن أحمد الرازي الجاموراني، قال النجاشي: «أبو عبد الله الجاموراني ابن بطّة، عن البرقي، عن أبي عبد الله الجاموراني بكتابه»((1))، وعدّه الشيخ في الرجال في من لم يرو عن واحد من الأئمّة (علیهم السلام) مرتين فقال: «أبو عبد الله الجاموراني الرازي... روى عنهم محمد بن أحمد بن يحيی»، ثم قال: «أبو عبد الله الجاموراني... روى عنهم أحمد بن أبي عبد الله»((2)). وقال في الفهرست: «أبو عبد الله الجاموراني، له كتاب، رويناه بهذا الإسناد - أي: عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة - عن أحمد بن أبي عبد الله، عنه»((3))،فالرجل لم يوثّق، بل قد ضُعّف فقد كان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، وصدّقه أبو العباس بن نوح ثم قال: وتبعه أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله) على ذلك إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»((4))، وذكر الشيخ في الفهرست الاستثناء عن الشيخ الصدوق((5)).

ص: 253


1- - رجال النجاشي: 456/ 1238.
2- - رجال الطوسي: 451/ 6412، و452/ 6426.
3- - الفهرست: 273/ 850.
4- - رجال النجاشي: 348/ 939.
5- - الفهرست: 222/ 622.

وفيه: الحسن بن علي بن أبي حمزة، أي البطائني، وقد مرّ أنّ له توثيقاً معارضاً بالتضعيف بالكذب فيعامل معاملة المجهول((1)).

وفيه: سيف بن عميرة، وقد تقدّم انّه ثقة كتابه مشهور((2)).

وفيه: عيسی بن عمر مولى الأنصار، لم يرد فيه شيء، واحتمل السيد الأستاذ(قدس سره) أنّه متّحد مع عيسی بن عمر الأسدي الكوفي من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((3))، ولم يرد فيه غير قول الشيخ أسند عنه، وعلى هذا فالسند ضعيف.

فالحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها معتبر، والثاني صحيح بسنديه، والثالث والرابع صحيحان، والخامس ضعيف.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- نجاسة الكلب السلوقي، بل جميع الكلاب، وكذا المجوسي، بل جميع الكفّار.

2- لزوم غسل ما يلاقيه الكلب والكافر.

3- عدم نقض الوضوء بلمس الكلب أو الكافر.

4- مبغوضيّة مصافحة المجوسی.

ص: 254


1- - ايضاح الدلائل1: 244- 245.
2- - ايضاح الدلائل2: 169.
3- - معجم رجال الحديث14: 221/ 9227.

12-بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُو ءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُو ءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ

اشارة

بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُو ءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُو ءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ((1))

12- بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ

شرح الباب:

المَذْيُ: «بالتسكين: ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل، وفيه الوضوء، مَذَى الرجلُ والفَحْلُ - بالفتح - مَذْياً وأَمْذَی - بالألف - مثله، وهو أَرَقُّ ما يكون من النطفة، والاسم المَذْيُ والمَذِيُّ، والتخفيف أَعلى»((2)).

وَالْوَذْي: «بالذال المعجمة الساكنة والياء المخفّفة، وعن الأموي بتشديد الياء: ماء يخرج عقيب إنزال المني. وفي الحديث: «هو ما يخرج من الأدواء» بالدال المهملة جمع داء وهو المرض وذِكر الوذي مفقود في كثير من كتب اللغة»((3)).

وَالْوَدْي: «بسكون الدال وكسرها وتشديد الياء، وهو على ما قيل أصحّ

ص: 255


1- - جاء في هامش المخطوط، منه قده: «المدي: بالدال المهملة الساكنة، ماء ثخين يخرج عقيب البول، وهو غير ناقض إجماعاً، قاله في التذكرة، المدارك» راجع التذكرة: 11 والمدارك: 33.
2- - لسان العرب15: 274، مادة: مذي.
3- - مجمع البحرين1: 433، مادة: وذا.

وأفصح من السكون: البلل اللّزج الذي يخرج من الذكر بعد البول»((1)).

وَالْإِنْعَاظ: مصدر «أَنْعَظَ الرَّجُلُ والمَرأَةُ: عَلَاهُمَا الشَّبَقُ واشْتَهَيَا الجِمَاعَ، وهَاجَا»((2)).

وَالنُّخَامَة: «بالضم: النُّخاعةُ. نَخِمَ الرجلُ نَخَماً ونَخْماً وتَنَخَّمَ: دفع بشيء من صَدْرِه أَو أَنفِه، واسم ذلك الشيء النُّخامةُ، وهي النُّخاعةُ وتَنَخَّمَ أَي نَخَع»((3)).

وَالْبُصَاق: «البصاق، كغراب، والبساق والبزاق: ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه: فريق»((4)

و«البَزْقُ والبَصْق: لغتان في البُزاق والبُصاق، بَزَق يَبْزُق بَزْقاً»((5)).

وَالْمُخَاط: بضم الميم: «ما يسيل من أنف الحيوان من الماء»((6)).

وأحاديث الباب متعرّضة لحكم خروج المني مطلقاً أو بشهوة، ولحكم خروج الودي والوذي، والماتن أضاف في عنوان الباب: الإنعاظ؛ لكونه مفهوماً من بعض الأحاديث الدالّة على وجود الشهوة، كما أضاف: النّخامة والمخاط والبصاق أو البزاق، لا لأجل القول بناقضيّتها عند العامّة، بل لورودها مشبّهاً بها في بعض أحاديث الباب فيُفهَم حكمها - وهو عدم الناقضيّة - بالأولويّة، حيث ورد تشبيه المذي والودي بها من حيث كونها فضلات طاهرة

ص: 256


1- - المصدر نفسه، مادة: ودا.
2- - تاج العروس 10: 496، مادة: نعظ.
3- - لسان العرب12: 572، مادة: نخم.
4- - القاموس المحيط3: 213، مادة: بصق.
5- - لسان العرب10: 19 مادة: بزق.
6- - مجمع البحرين4: 273، مادة: مخط.

بالاتفاق وكونها غير ناقضة، وعدم الناقضيّة في المشبّه به واضح لا ريب فيه فلذا جُعل في تلك الأحاديث مشبّهاً به.

أقوال الخاصّة:

قام إجماع الإماميّة على عدم نقض هذه الأمور المذكورة في عنوان الباب للوضوء، قال العلّامة(قدس سره) في التذكرة: «المذي والودي - وهو ما يخرج بعد البول ثخين كدر - لا ينقضان الوضوء، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((1)).

وقال في المختلف: «اتفق أكثر علمائنا على أنّ المذي لا ينقض الوضوء ولا أعلم فيه مخالفاً منّا إلّا ابن الجنيد فإنّه قال: إن خرج عقيب شهوة ففيه الوضوء»((2)).

أقوال العامّة:

تقدّم في الباب الثاني من هذه الأبواب نقل كلام ابن قدامة في إجماعهم على نقض ما يخرج من السبيلين ومنه المذي والودي((3))، قال في المغني: إنّ «الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعاً، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ خروج الغائط من الدبر... وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء»((4)).

ص: 257


1- - تذكرة الفقهاء1: 105.
2- - مختلف الشيعة1: 261.
3- - في الصفحة: 34.
4- - المغني1: 160.

وعن ابن رشد: أنّ خروج المذي والودي على وجه الصحّة ناقض بالاتفاق، قال في بداية المجتهد: «اتفقوا في هذا الباب على انتقاض الوضوء من البول والغائط، والريح، والمذي، والودي؛ لصحّة الآثار في ذلك، إذا كان خروجها على وجه الصحة»((1)).

ص: 258


1- - بداية المجتهد1: 31.

[725] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَحَدَهُمَا (علیهما السلام) عَنِ الْمَذْيِ((1)*)؟ فَقَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ ثَوْبٌ، وَلَا جَسَدٌ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ((2)*)((3)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ صراحة على عدم ناقضيّة المذي للوضوء مطلقاً، قلّ أو كثر، سواء أكان بشهوة أم من دونها، وعلى عدم نجاسته؛ إذ لا يُغسل منه ثوب ولا جسد إذا أصابهما، وتنزيله منزلة المخاط والبصاق (البزاق) يبيّن أنّ المذي مثلهما في كلا الحكمين؛ إذ هما من الفضلات الطاهرة بلا خلاف، كما أنّه لا ينتقض الوضوء بخروجهما، وغَسلهما يكون لأجل استقذارهما فقط.

سند الحديث:

ذكره الماتن بسندين:

الأوّل: سند الكليني، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

الثاني: سند الصدوق في كتابه علل الشرائع، وسيذكره في ذيل الحديث الثاني من الباب، وهو معتبر.

ص: 259


1- ([1]*) المذي: ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل عن الصحاح للجوهري - هامش المخطوط -، الصحاح 6: 2490.
2- ([2]*) في المصدر: البزاق.
3- ([3]*) الكافي 3: 39/ 3 وعلل الشرائع: 296/ 3.

[726] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ((1)*) قَالَ: إِنْ سَالَ مِنْ ذَكَرِكَ شَيْ ءٌ مِنْ مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَغْسِلْهُ، وَلَا تَقْطَعْ لَهُ الصَّلَاةَ، وَلَا تَنْقُضْ لَهُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ بَلَغَ عَقِبَيْكَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامَةِ، وَكُلُّ شَيْ ءٍ خَرَجَ مِنْكَ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مِنَ الْحَبَائِلِ((2)*) أَوْ مِنَ الْبَوَاسِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْ ءٍ، فَلَا تَغْسِلْهُ مِنْ ثَوْبِكَ إِلَّا أَنْ تَقْذَرَهُ((3)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ وَزُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) نَحْوَهُ((4)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ((5)*).

وَالَّذِي قَبْلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ((6)*).

[2] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «عقبيك»: العقبان مثنی عقب، جاء في لسان العرب: «عَقِبُ القَدَم

ص: 260


1- ([1]*) في نسخة العلل: «عن أبي جعفر (علیه السلام) » (منه قده).
2- ([2]*) حبائل الذكر: عروقه (لسان العرب 11: 136).
3- ([3]*) الكافي 3: 39/ 1.
4- ([4]*) التهذيب 1: 21/ 52 والاستبصار 1: 94/ 305. وفيهما إلى قوله: من الحبائل.
5- ([5]*) علل الشرائع 295/ 1.
6- ([6]*) علل الشرائع 296/ 3.

وعَقْبُها: مؤَخَّرُها... وتجمع على أَعْقاب»((1)).

وحَبائِل الذكر: عروقه((2)).

والبواسير جمع باسور: «الباسور كالنَّاسُور، أَعجمي: داء معروف ويُجمَعُ البَوَاسِيرَ، قال الجوهري: هي علّة تحدث في المقعدة وفي داخل الأَنف أيضاً»((3)).

دلّ على عدم ناقضيّة المذي للوضوء مطلقاً، قلّ أو كثر، يُفهم ذلك من قوله (علیه السلام) : «ولا تقطع له الصلاة، ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك»، أي وإن كثر وسال حتى بلغ مؤخّر قدمك، سواء أكان خروجه بشهوة أم من دونها، ودلّ أيضاً على أنّه لا يوجب قطع الصلاة، كما دلّ على طهارته وعدم لزوم غَسله، إلّا أن يحصل الاستقذار منه عند العرف فيغسله حينئذٍ كما يغسل سائر الأوساخ، ويشاركه في كلّ ذلك الودي، بل كل شيء يخرج بعد الوضوء - غير البول والمني وما يصاحباه - لا ينقض الوضوء ولا يقطع الصلاة، وهو طاهر لا يلزم غَسله.

سند الحديث:

أورد الماتن له ثلاثة أسانيد:

أوّلها: سند الكليني، وفيه قوله: «وعنه، عن أبيه» أي عن علي بن إبراهيم، عن

ص: 261


1- - لسان العرب1: 611، مادة: عقب.
2- - لسان العرب11: 136، مادة: حبل.
3- - لسان العرب4: 59، مادة: بسر.

أبيه إبراهيم بن هاشم، وفيه: حمّاد، أي ابن عيسی، وحريز، أي ابن عبد الله، والسند معتبر.

وثانيها: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو صحيح.

وثالثها: سند الصدوق في كتابه علل الشرائع، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 262

[727] 3- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ يَسِيلُ حَتَّى يُصِيبَ الْفَخِذَ؟ قَالَ: لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَلَا يَغْسِلُهُ مِنْ فَخِذِهِ، إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَخْرَجِ الْمَنِيِّ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامَةِ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَهُ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی طهارة المذي، وعدم نقضه للوضوء ولا قطعه للصلاة، وإن كان كثيراً بحيث يصيب الفخذ، سواء أكان خروجه عن شهوة أم عن غيرها، والعلّة في ذلك أنّه لم يخرج من مخرج المني الذي هو نجس وناقض للطهارة وقاطع للصلاة ويلزم غَسله من الثوب أو الجسد، بل هو كالنخامة التي لا يضرّ وجودها فلا يجب غَسلها عن الجسد للصلاة؛ إذ هي ليست نجسة، نعم، تغسل للاستقذار، كما أنّها غير ناقضة للطهارة بلا خلاف.

سند الحديث:

ذكر الماتن له سندين:

الأول: سند الكليني، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

والثاني: سند الصدوق في كتابه علل الشرائع، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 263


1- ([1]*) الكافي 3: 40/ 4.
2- ([2]*) علل الشرائع: 296/ 2.

[728] 4- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: لَا نَرَى فِي الْمَذْيِ وُضُوءاً وَلَا غَسْلًا مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ إِلَّا فِي الْمَاءِ الْأَكْبَرِ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «لا نرى» إمّا أن يكون من تفخيم المتكلّم نفسه، أو هو على الحقيقة فيراد به: أهل البيت (علیهم السلام) ، وعلى كلٍّ يكون نفي الوضوء والغَسل لما يصيب الثياب منه إمّا هو بيان الإمام (علیه السلام) نفسه وإمّا أنّه بيان أهل البيت (علیهم السلام) للحكم الواقعي، وسواء أكان خروجه عن شهوة أم غيرها، وأنّ الطهارة والغَسل من الماء الأكبر أي المني، في قِبال رأي أهل الخلاف، حيث إنّهم يرون الوضوء منه، كما يرونه نجساً((3)).

سند الحديث:

ذكر الماتن له سندين:

الأول: سند الكليني، وفيه: الحسين بن محمد وهو الأشعري، وقد تقدّم أنّه

ص: 264


1- ([1]*) الكافي 3: 54/ 6، ويأتي في الحديث 1 من الباب 4 والحديث 6 من الباب 7 من أبواب الجنابة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 17/ 41 والاستبصار 1: 91/ 294.
3- - سنن ابن ماجة1: 168/ 504، نيل الأوطار1: 64.

من مشايخ الكليني، روى عنه كثيراً، ووثّقه النجاشي، وورد في القسم الثاني من التفسير((1))، لكن وروده في القسم الثاني من التفسير ليس دليلاً علی وثاقته.

ومعلّی بن محمد، هو الزيادي، وقد مضى أنّه ثقة وإن قال عنه النجاشي: «مضطرب الحديث والمذهب»((2)).

والوشّاء، هو الحسن بن علي، وقد مضى توثيقه((3)).

وأبان: هو أبان بن عثمان، لرواية الوشّاء عنه، وفي بعض الموارد التصريح باسم أبيه مع اسمه.

وعنبسة بن مصعب سبق أنّه وَقَف على أبي عبد الله (علیه السلام) ((4))، روى عنه المشايخ الثقات((5)). وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند الشيخ، عن الكليني، والسند كسابقه معتبر.

ص: 265


1- - ايضاح الدلائل1: 114.
2- - المصدر نفسه.
3- - المصدر السابق: 115.
4- - المصدر السابق3: 125.
5- - أصول علم الرجال2: 204.

[729] 5- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) الْمَذْيُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا، وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ، وَلَا الْجَسَدُ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض المذي مطلقاً للوضوء، سواء أكان خروجه قليلاً أم كثيراً وعن شهوة أم غير شهوة، كما هو مقتضى الإطلاق، كما دلّ على أنّه طاهر فلا يغسل منه الثوب ولا الجسد لكونه من الفضلات الطاهرة مثل البزاق والمخاط.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، بقرينة رواية الشيخ المفيد عنه، والأسانيد التي مضت والتي تأتي، وهو وإن لم يرد فيه توثيق لكنّ رواية المفيد عن أبيه - محمد بن الحسن بن الوليد لجميع كتبه ورواياته - معتبرة.

وفيه: الصفّار، وهو محمد بن الحسن، وأحمد بن محمد بن عيسى، وهو الأشعري القمي، وأبوه: محمد بن عيسى الأشعري، قال عنه النجاشي: «محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري أبو علي، شيخ القميّين، ووجه

ص: 266


1- ([1]*) التهذيب 1: 17/ 40، والاستبصار 1: 91/ 293.

الأشاعرة، متقدّم عند السلطان، ودخل على الرضا (علیه السلام) وسمع منه، وروی عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) . له كتاب الخطب»((1)

والظاهر وثاقته؛ فإنّ مدحه بكونه شيخ القميين ووجه الأشاعرة حسنٌ لا يقلّ عن التوثيق.

وفيه أيضاً: ابن أذينة، وهو عمر بن أذينة. فالسند معتبر.

ص: 267


1- - رجال النجاشي: 338/ 905.

[730] 6- وَبِالْإِسْنَادِ عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ، عَنِ ابْنِ رِبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

قَالَ: يَخْرُجُ مِنَ الْإِحْلِيلِ الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَذْيُ وَالْوَدْيُ، فَأَمَّا الْمَنِيُّ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَرْخِي لَهُ الْعِظَامُ، وَيَفْتُرُ مِنْهُ الْجَسَدُ، وَفِيهِ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْمَذْيُ يَخْرُجُ مِنْ شَهْوَةٍ وَلَا

شَيْ ءَ فِيهِ، وَأَمَّا الْوَدْيُ فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْوَذْيُ فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَدْوَاءِ، وَلَا شَيْ ءَ فِيهِ((1)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المني يوجب الغسل، وأنّ علامته استرخاء العظام وفتور الجسد - أي ضعفه وانكساره - بعد خروجه، وأنّ المذي لا يوجب نقض الطهارة وعلامته أنّه يخرج غالباً بسبب الشهوة، كما دلّ على أنّ علامة الودي أن يخرج بعد البول، وأنّ الوذي لا ينقض الطهارة أيضاً، وعلامته أنّه يخرج من الأدواء، والظاهر أنّ المراد بها العِلَل، أي أنّه يخرج بسببها، وسيأتي في الحديث الرابع عشر من هذا الباب وهو صحيح عبد الله بن سنان: أنّ المياه التي تخرج من الإحليل ثلاثة، ولم يذكر الوذي.

سند الحديث:

قوله: وبالإسناد عن الصفّار، - وهو ما ذكره في التهذيب والاستبصار قبل هذا الحديث - : الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الصفّار.

ص: 268


1- ([1]*) التهذيب 1: 20/ 48، والاستبصار 1: 93/ 301.

وأمّا طرقه إلى محمد بن الحسن الصفّار في الفهرست((1)) فهي:

1- أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عنه.

وابن أبي جيّد من مشايخ النجاشي فهو ثقة، فهذا الطريق معتبر.

2- وأخبرنا بذلك أيضاً جماعة، عن ابن بابويه، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن رجاله، إلّا كتاب بصائر الدرجات، فإنّه لم يروه عنه ابن الوليد.

وهذا الطريق صحيح؛ لأنّ الشيخ المفيد من ضمن الجماعة التي تروي عن الشيخ الصدوق.

3- وأخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن الصفار. وهو ضعيف بأحمد بن محمد بن يحيى علی ما هو معروف، لكنّا رجّحنا وثاقته لترضّي الصدوق عنه، والظاهر أنّ هذا الطريق لكتاب بصائر الدرجات.

وزاد طريقين في مشيخة التهذيب والاستبصار((2))، أحدهما الطريق الأوّل المذكور في الفهرست، وثانيهما:

4- الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه. وهو ضعيف بأحمد بن محمد بن الحسن، لكن سبق أنّ للشيخ طريقين معتبرين

ص: 269


1- - فهرست الطوسي: 221/ 621.
2- - تهذيب الأحكام10، المشيخة: 73، الاستبصار4، المشيخة: 325.

إلى جميع روايات أبيه.

وأمّا الهيثم فهو شيخ محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي صاحب النوادر قد مرّ أنّه ممدوح، بل ثقة؛ لوجوده في كتاب النوادر.

وأمّا ابن رباط فهو علي بن الحسن بن رباط، وقد تقدّمت وثاقته((1))، فالسند إليه معتبر، ولكنّه مبتلی بالإرسال بعده.

ص: 270


1- - ايضاح الدلائل1: 79.

[731] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) كَانَ رَجُلًا مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ|، لِمَكَانِ فَاطِمَةَ÷ فَأَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ| لَيْسَ بِشَيْ ءٍ((1)*).

[7] - فقه الحديث:

قوله: «كان رجلاً مذّاء»: مذّاء صيغة مبالغة على وزن فعّال من المذي، أي يخرج منه المذي كثيراً وفي أوقات كثيرة، وقد دلّ الحديث على عدم نقض الوضوء بخروج المذي وإن كان كثيراً، كما أنّ المذي ليس بنجس، فمَن كان يخرج منه المذي كثيراً لم يجب عليه شيء، كما هو ظاهر قوله: «ليس بشيء»، أي ليس عليه غُسل ولا وضوء، ولا تطهير.

ويُفهم من الاستحياء من السؤال أنّ المذي كان عن شهوة.

والظاهر أنّ ذكر حادثة أمير المؤمنين (علیه السلام) مع المقداد2 إنّما هو لأجل التقيّة؛ فإنّ القوم رووها بأنحاء مختلفة، وإن نقلوا جواباً آخر للنبي|، كما ستأتي الإشارة إليه في الحديث التاسع.

سند الحديث:

إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد سبق بيان صحّته مراراً((2))، وفي السند:

ص: 271


1- ([1]*) التهذيب 1: 17/ 39، والاستبصار 1: 91/ 292.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

صفوان وهو ابن يحيى الثقة الجليل، وفيه: إسحاق بن عمّار، وقد مرّ بيان وثاقته وشهرة كتابه((1))، وعليه فالسند صحيح.

ص: 272


1- - المصدر السابق: 475.

[732] 8- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ عِنْدِي إِلَّا كَالنُّخَامَةِ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، نَحْوَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، مِثْلَهُ((3)*).

[8] - فقه الحديث:

يظهر من تشبيه المذي بالنخامة أنّه مثلها في كونه من الفضلات الطاهرة التي تخرج من جسم الإنسان، فلا يلزم غَسله عن الجسم والثوب، اللّهم إلّا أن يستقذره فله أن يغسله، وهو مثل النخامة أيضاً في أنّه لا يوجب نقض الطهارة.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وفيه: أحمد بن محمد، وقد سبق أنّه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.

وفيه عمر بن حنظلة، وقد مرّ أنّا قبلنا وثاقته بوجهين: أحدهما رواية المشايخ

ص: 273


1- ([1]*) التهذيب 1: 17/ 38، والاستبصار 1: 91/ 291.
2- ([2]*) الكافي 3: 39/ 2.
3- ([3]*) علل الشرائع: 296/ 4.

الثقات عنه، والآخر معتبرة يزيد بن خليفة الدالّة على أنّه صدوق لا يكذب((1)).

وعليه فالسند معتبر.

والثاني: سند الكليني، وفيه: محمد بن يحيى، أي العطار، وأحمد بن محمد، أي ابن عيسى الأشعري، وهو يروي هنا عن الحسن بن علي بن فضّال، وهذا السند أيضاً معتبر.

والثالث: سند الصدوق في كتاب علل الشرائع عن أبيه، وهو سند الكليني نفسه، فهو أيضاً معتبر.

ص: 274


1- - ايضاح الدلائل1: 296- 297.

[733] 9- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ، ثُمَّ أَعَدْتُ عَلَيْهِ سَنَةً أُخْرَى، فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ وَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) أَمَرَ الْمِقْدَادَ- أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ| وَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: وَإِنْ لَمْ أَتَوَضَّأْ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ((1)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ على وجوب الوضوء في المذي مطلقاً، سواء أكان عن شهوة أم لم يكن؛ لعدم الاستفصال في الجواب، وهذا محمول إمّا على التقيّة، والشاهد عليه الاستشهاد بقضيّة أمير المؤمنين (علیه السلام) المعروفة عند القوم، وقد جاء جواب النبي| فيها موافقاً لهم، وإمّا على الاستحباب؛ لأنّ السائل بعد سماعه جواب الإمام (علیه السلام) واستشهاده بقضيّة أمير المؤمنين (علیه السلام) كأنّه لم يفهم وجوب الوضوء فقال مستفهماً: وإن لم أتوضّأ؟، وجواب الإمام (علیه السلام) بعدم البأس يعطي أنّ الوضوء غير واجب وإنّما هو مستحب، ولو كان المراد من قضيّة الأمير الوجوب لما حَسُن من السائل السؤال عن عدم الوضوء.

هذا وسيتكرّر هذا المتن في الحديث السابع عشر من دون هذا الذيل.

سند الحديث:

فيه: محمد بن إسماعيل، وهو محمد بن إسماعيل بن بزيع، تقدّم أنّه ثقة ثقة عين، صحيح، ومن صالحي هذه الطائفة، كثير العمل((2))، فهذا السند صحيح.

ص: 275


1- ([1]*) التهذيب 1: 18/ 43 ولاحظ الاستبصار 1: 92/ 295.
2- - ايضاح الدلائل1: 299- 300.

[734] 10- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْمَذْيُ يَخْرُجُ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: أَحُدُّ لَكَ فِيهِ حَدّاً؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَقَالَ: إِنْ خَرَجَ مِنْكَ عَلَى شَهْوَةٍ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْكَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ وُضُوءٌ((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْقُبْلَةِ أَنَّ الْمَذْيَ عَنْ شَهْوَةٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَيُحْمَلُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ أَوِ الِاسْتِحْبَابِ((2)*).

[10] - فقه الحديث:

دلّ على التفصيل بين المذي الخارج عن شهوة ففيه الوضوء، وبين المذي الخارج لا عن شهوة فليس فيه الوضوء. ويأتي فيه الحملان المتقدّمان في الحديث السابق.

سند الحديث:

قوله: وبإسناده عن الصفّار، أي الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن الصفّار. وقد تقدّمت أسانيد الشيخ في الفهرست ومشيختي التهذيب والاستبصار في الحديث السادس من هذا الباب((3)).

ص: 276


1- ([1]*) التهذيب 1: 19/ 44، والاستبصار 1: 93/ 297.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 2 من الباب 9 من هذه الأبواب.
3- - في الصفحة: 258- 259.

وفي السند: موسی بن عمر، وقد سبق أنّه مشترك((1))، والظاهر أنّ المراد به هنا هو موسی بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، وقلنا هناك إنّه متّحد مع موسی بن عمر الحضيني الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ((2)). ولم يرد في حقّه توثيق، إلّا أنّه ورد في أسناد نوادر الحكمة، فيكون ثقة.

وفيه: أبو سعيد المكاري، وهو هاشم بن حيّان، وقد مضى عن النجاشي أنّه وجه في الواقفة((3))، ووثّق ابنه الحسين ولم يتعرّض له مع أنّه ذكره معه حيث قال: «كان هو وأبوه وجهين في الواقفة، وكان الحسين ثقة في حديثه»((4)). وقوله بوثاقة الابن يشعر بعدم وثاقة الأب، ولكنّه ورد في كتاب نوادر الحكمة وروى عنه المشايخ الثقات((5)

فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بالقول بضعفه في المذهب ووثاقته في الحديث. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 277


1- - ايضاح الدلائل3: 369.
2- - رجال الطوسي: 392/ 5775.
3- - ايضاح الدلائل4: 10- 11.
4- - رجال النجاشي: 38/ 78.
5- - أصول علم الرجال1: 246، وج2: 221.

[735] 11- وَعَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ شَهْوَةٍ نَقَضَ((1)*).

[11] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «إن كان من شهوة نقض» بيان بالمنطوق لحكم خروج المذي في حال الشهوة، ويدلّ بالمفهوم على حكم خروجه لا عن شهوة، فهذا الحديث يدلّ على التفصيل بين المذي الخارج عن شهوة فهو ينقض الوضوء، وبين الخارج لا عن شهوة فلا ينقض الوضوء.

سند الحديث:

تقدّم سند الشيخ إلى الصفّار في الحديث السابق وغيره، وفي السند: أحمد بن محمد، وهو إمّا أحمد بن محمد بن عيسى أو أحمد بن محمد بن خالد البرقي؛ لروايتهما عن الحسن بن علي بن يقطين، ولكن رواية أحمد بن محمد بن عيسی عنه أكثر، وعند الإطلاق ينصرف إليه، فهاتان قرينتان على إرادة أحمد بن محمد بن عيسی.

وأمّا الحسن وأخوه الحسين وأبوهما فقد تقدّم بيان وثاقتهم، فالسند صحيح.

ص: 278


1- ([1]*) التهذيب 1: 19/ 45، والإستبصار 1: 93/ 298.

[736] 12- وَعَنْهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُ لِشَهْوَةٍ((1)*) فَتَوَضَّأْ مِنْهُ((2)*).

[12] - فقه الحديث:

دلّ علی التفصيل بين المذي الخارج عن شهوة ففيه الوضوء، وبين المذي الخارج لا عن شهوة فليس فيه الوضوء. ويأتي فيه الحملان المتقدّمان.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن محمد بن الحسن الصفّار، وفيه: الكاهلي، وقد سبق أنّه عبد الله بن يحيی، وأنّه كان وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام) ((3)). والسند معتبر.

ص: 279


1- ([1]*) في نسخة «بشهوة» (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 19/ 46، والإستبصار 1: 93/ 299.
3- - ايضاح الدلائل2: 492.

[737] 13- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ فِي كِتَابِ الْمَشِيخَةِ((1)*)، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: اغْتَسَلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَلَبِسْتُ أَثْوَابِي، وَتَطَيَّبْتُ فَمَرَّتْ بِي وَصِيفَةٌ فَفَخَّذْتُ لَهَا فَأَمْذَيْتُ أَنَا وَأَمْنَتْ هِيَ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ضِيقٌ، فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ، وَلَا عَلَيْهَا غُسْلٌ((2)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي وَجْهُ نَفْيِ الْغُسْلِ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ((3)*).

[13] - فقه الحديث:

دلّ على عدم ناقضيّة المذي الخارج بشهوة؛ فإنّ مورده من أظهر موارد خروج المني بشهوة لحصول التفخيذ، وهو يلازم خروج المذي عن شهوة عادة.

ولعلّ الوجه في نفي الغسل عنها - مع قوله: وأمنت هي - أنّها اشتبهت أو لم يتحقّق أنّ الخارج منها مني، أو أنّها أحسّت بانتقال المني عن محلّه إلى موضع آخر ولم يخرج منه شيء، وغير ذلك من الوجوه التي سيذكرها الماتن في أبواب الجنابة.

سند الحديث:

إسناد الشيخ إلى كتاب المشيخة للحسن بن محبوب في الفهرست((4)) أربعة طرق:

ص: 280


1- ([1]*) في المصدر زيادة: بلفظ آخر.
2- ([2]*) التهذيب 1: 121/ 322.
3- ([3]*) يأتي في الحديث 22 من الباب 7 من أبواب الجنابة.
4- - فهرست الطوسي: 96/ 162.

1- أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق ومعاوية بن حكيم وأحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب. وهذا الطريق صحيح.

2- وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد ومعاوية بن حكيم والهيثم بن أبي مسروق، كلّهم عن الحسن بن محبوب. وهذا الطريق صحيح أيضاً.

3- وأخبرنا أحمد بن محمد بن موسی بن الصلت، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن جعفر بن عبيد الله، عن الحسن بن محبوب. فيه: أحمد بن محمد بن موسی بن الصلت الأهوازي، من مشايخ النجاشي، فهو ثقة، وفيه أيضاً: جعفر بن عبيد الله، والظاهر أنّ الصحيح: ابن عبد الله، وهو المعروف برأس المذرى، قال عنه النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا، وفقيهاً، وأوثق الناس في حديثه»((1))، فهذا الطريق معتبر.

4- وأخبرنا بكتاب المشيخة قراءة عليه أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي (وفي نسخة: الأزدي)، عن الحسن بن محبوب. وهو ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير؛ حيث لم تثبت وثاقته.

ص: 281


1- - رجال النجاشي: 120/ 306.

وفي مشيخة التهذيب والاستبصار ذكر الطريقين الثاني والرابع، وأضاف((1)):

5- وأخبرني به - أي ما أخذه من كتبه ومصنّفاته - أيضاً الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله) والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون، عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسن بن محبوب. وفيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد مرّ تصحيحه في هذا الباب.

وزاد في مشيخة التهذيب((2)):

6- بهذا الإسناد - أي: الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن يحيی، عن أبيه محمد بن يحيى العطّار - عن أحمد بن محمد - أي: ابن عيسی - عن الحسن بن محبوب. وهو معتبر.

7- بهذه الأسانيد - إشارة إلى أسانيد الشيخ في أوائل المشيخة إلى محمد بن يعقوب الكليني، وقد مضت في بيان طرق الشيخ الكليني - عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب((3)). وهو معتبر.

وأمّا عمر بن يزيد فقد مرّ أنّه مشترك بين الصيقل وبيّاع السابري((4))، والمعروف هو الثاني، وإليه ينصرف عند الإطلاق، وأنّه ثقة جليل. وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 282


1- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 75، والاستبصار، المشيخة4: 318- 319.
2- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 75.
3- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 52.
4- - ايضاح الدلائل1: 325.

[738] 14- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ - عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: ثَلَاثٌ يَخْرُجْنَ مِنَ الْإِحْلِيلِ وَهُنَّ: الْمَنِيُّ، وَفِيهِ((1)*) الْغُسْلُ، وَالْوَدْيُ فَمِنْهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ دَرِيرَةِ((2)*) الْبَوْلِ قَالَ: وَالْمَذْيُ لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفِ((3)*).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِبْرَاءَ بَعْدَ الْبَوْلِ وَخَرَجَ مِنْهُ شَيْ ءٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ، وَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

[14] - فقه الحديث:

الدريرة - بوزن شعيرة - هي السيلان، فتكون دريرة البول سيلانه.

دلّ الحديث على أنّ المياه التي تخرج من الإحليل ثلاثة:

أوّلها: المني، وفيه الغُسل.

وثانيها: الودي وفيه الوضوء، وعُلّل بأنّه يخرج من دريرة البول، ولا معنى لخروجه من سيلان البول، ولا معنى أيضاً لخروجه من محلّ سيلانه لاشتراك المياه الثلاثة في الخروج منه، فيبقى أن يراد: أنّه يخرج مع سيلان البول كأنّه منه.

وحمله الشيخ(قدس سره) على من ترك الاستبراء بعد البول وخرج منه بلل، فإنّه

ص: 283


1- ([1]*) في المصدر: فمنه.
2- ([2]*) دريرة البول: سيلانه (مجمع البحرين 3/ 301).
3- ([3]*) التهذيب 1: 20/ 49، والاستبصار 1: 94/ 302.

يكون من بقيّة البول، لا أنّه رطوبة أخرى، وسيأتي ما فيه عند بيان الجمع بين الأحاديث.

وثالثها: المذي وليس فيه وضوء، فهو من الفضلات الطاهرة.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن الحسن بن محبوب، وما ورد في التهذيب من أنّه: الحسن بن علي بن محبوب الظاهر أنّه غير صحيح، إذ ليس في كتب الرجال: الحسن بن علي بن محبوب.

وقول الماتن: «يعني عبد الله» توضيحاً للمراد من ابن سنان، هو من إضافات الماتن ولا توجد في المصدر، ولكنّه صحيح؛ لرواية الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان، ورواية عبد الله عن الإمام مباشرة. والسند صحيح.

ص: 284

[739] 15- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الْوَدْيُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُزَاقِ((1)*).

[15] - فقه الحديث:

دلّ بالصراحة على أنّ الودي لا ينقض الوضوء، وأنّه مثل المخاط والبزاق في الطهارة وعدم نقض الطهارة.

سند الحديث:

فيه: حمّاد وهو ابن عيسی، وحريز وهو ابن عبد الله كما مرّ. والسند ضعيف بالإرسال، لكن يصحّح الحديث بكونه من كتاب الحسين بن سعيد، وهو من جملة الكتب المشهورة والمعوّل عليها، فيكون الحديث معتبراً.

ص: 285


1- ([1]*) التهذيب 1: 21/ 51، والاستبصار 1: 94/ 304.

[740] 16- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُمْذِي - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ - مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ؟ قَالَ: الْمَذْيُ مِنْهُ الْوُضُوءُ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى التَّعَجُّبِ لَا الْإِخْبَارِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الْعَامَّةِ. انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِ((2)*).

[16] - فقه الحديث:

دلّ على ناقضيّة المذي مطلقاً، سواء أكان عن شهوة أم لم يكن، بل هنا صرّح في السؤال بالإطلاق فقال: من شهوة أو من غير شهوة.

وحمل الشيخ جوابَ الإمام (علیه السلام) على التعجّب، وحمل الماتن له على الإستفهام الانكاري بعيد؛ لأنّه ليس في السؤال: أنّ المذي هل فيه وضوء، ليصحّ التعجّب منه أو يُستَفهَم إنكاراً بسببه، وإنّما الموجود: أنّ المذي مطلقاً في الصلاة ما هو حكمه؟، فجاء الجواب بأنّ فيه الوضوء، فيبقى الحمل على التقيّة أو الحمل على الاستحباب.

ص: 286


1- ([1]*) التهذيب 1: 21/ 53، والاستبصار 1: 95/ 306.
2- ([2]*) نقل العلامة في التذكرة: أنّ الجمهور إلّا مالكاً قائلون: بأنّ المذي ينقض الوضوء، وكذا الودي(منه قدّه) راجع التذكرة 1: 10.

سند الحديث:

قوله: «عنه» أي الحسين بن سعيد، وفي السند: يعقوب بن يقطين، عدّه البرقي من أصحاب الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) ((1))، وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «يعقوب بن يقطين، ثقة»((2)).وعلی

هذا فالسند صحيح.

ص: 287


1- - رجال البرقي: 320/ 176.
2- - رجال الطوسي: 369/ 5489.

[741] 17- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ؟ فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ ثُمَّ أَعَدْتُ عَلَيْهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) أَمَرَ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ| وَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَرَكَ بَعْضَ الْخَبَرِ؛ لِمَا مَرَّ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ الْوُضُوءِ((2)*)، وَالْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ مُمْكِنٌ، وَيَكُونُ أَمْرُ الْمِقْدَادِ مَنْسُوخاً.

[17] - فقه الحديث:

متن هذا الحديث هو متن الحديث التاسع، إلّا أنّه خالٍ عن قوله في الذيل: «قلت: وإن لم أتوضّأ؟ قال: لا بأس»، ولا يضرّ وروده من دون هذه الزيادة؛ فإنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فإنّ الأصل هو عدم الزيادة، فيؤخذ بما في الحديث التاسع، على ما هو المعروف.

ص: 288


1- ([1]*) التهذيب 1: 18/ 42، والاستبصار 1: 92/ 295.
2- ([2]*) مرّ في الحديث 7 من هذا الباب.

سند الحديث:

سبق الكلام في إسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى، في الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من أبواب الماء المطلق، وقلنا إنّ له عدّة طرق معتبرة((1)).

ومحمد بن إسماعيل بن بزيع سبقت الإشارة في الحديث التاسع إلى جلالته((2)).والسند معتبر.

ص: 289


1- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.
2- - في الصفحة: 264.

[742] 18- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) لَا يَرَى فِي الْمَذْيِ وُضُوءاً، وَلَا غَسْلَ((1)*) مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ((2)*).

[18] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض المذي مطلقاً للوضوء، سواء أكان خروجه قليلاً أم كثيراً وعن شهوة أم عن غير شهوة، كما دل على أنّه طاهر فلا يغسل منه الثوب.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق في الفقيه، ومرّ مراراً البحث في أنّها معتبرة((3)).

ص: 290


1- ([1]*) في نسخة: «غسلاً» (منه قده).
2- ([2]*) الفقيه 1: 39/ 149.
3- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[743] 19- قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَدْيَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ فَلَا يُغْسَلُ مِنْهُمَا الثَّوْبُ، وَلَا الْإِحْلِيلُ((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هُنَا((3)*)، وَفِي النَّجَاسَاتِ((4)*).

[19] - فقه الحديث:

دلّ علی طهارة المذي والودي، وأنّهما كالبصاق والمخاط الطاهرين بالاتفاق فلا يغسل منهما الثوب ولا الإحليل.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق في الفقيه، والكلام فيه كما سبق.

الجمع بين الأحاديث:

الأحاديث الموجودة في هذا الباب بالنسبة للمذي على أربع طوائف:

الطائفة الأولى: دلّت على عدم كون المذي ناقضاً للوضوء، وهي تسعة أحاديث.

ص: 291


1- ([1]*) الفقيه 1: 39/ 150.
2- ([2]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الباب 1، 2، والحديث 10 من الباب 7 والحديث 5 من الباب 9 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) يأتي في الباب 13 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي في الحديث 1 من الباب 16، والباب 17 من النجاسات.

والطائفة الثانية: دلّت على كونه ناقضاً، وهي حديثان وردا بنحو الإطلاق.

والطائفة الثالثة: دلّت على أنّه إذا كان عن شهوة فهو ناقض، وهي أربعة أحاديث.

والطائفة الرابعة: دلّت على عدم ناقضيّته إذا كان عن شهوة، وهي ثلاثة أحاديث.

والنسبة بين الطائفتين الأولى والثانية هي التباين، فهما متعارضتان، والترجيح مع الطائفة الأولى من جهاتٍ:

الجهة الأولى: أنّها مشهورة فترجّح على الطائفة الثانية.

الجهة الثانية: أنّها موافقة لإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى: {يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيكُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَی الْكَعْبَينِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}((1))، أي إذا قمتم من النوم أو غيره من الأحداث الصغيرة إلى الصلاة فتوضّؤوا، وإن كنتم جنباً فاغتسلوا، فمن فعل ذلك كان له الدخول في الصلاة مطلقاً، أي سواء خرج منه المذي بعد الوضوء أو الغسل أم لم يخرج، فالآية تدلّ بإطلاقها على عدم انتقاض الوضوء بالمذي، وأمّا الطائفة الثانية فهي مخالفة لإطلاق الكتاب فتسقط عن الحجيّة.

الجهة الثالثة: أنّها مخالفة للعامّة، بينما الطائفة الثانية موافقة لهم.

ص: 292


1- - سورة المائدة: الآية6.

وعلى فرض تماميّة التعارض تتساقط الطائفتان والمرجع حينئذٍ العمومات، وهي الأحاديث الحاصرة لنواقض الوضوء في ثلاثة نواقض أو أربعة أو خمسة، وخروج المذي ليس منها.

وأمّا الطائفتان الثالثة والرابعة فهما متعارضتان أيضاً والنسبة بينهما هو التباين، والترجيح للطائفة الرابعة بالمرجّحات المتقدّمة في الطائفة الأولى، وهنا مع قطع النظر عن المرجّحات في الطائفة الأولى نقول: إنّ الطائفة الثالثة لا تصلح - في نفسها - لتقييد الطائفة الأولى؛ وذلك: لأنّ المذي إذا كان هو السائل الرقيق الخارج عن شهوة كانت الطائفة الثالثة تعارض الطائفة الأولى بالتباين؛ لدلالة الثالثة على أنّ المذي - وهو السائل الخارج عند الشهوة - ناقض للوضوء، ودلالة الأولى على أنّ المذي - بهذا المعنی - غير ناقض له، والترجيح مع الطائفة الأولى كما مرّ آنفاً.

وأمّا إذا كان المذي هو الأعم من السائل الذي يخرج عند الشهوة أو لا معها فكذلك لا تصلح للتقييد؛ لأنّ الغالب والمنصَرَف إليه من المذي هو ما يخرج عن شهوة، وندرة خروجه لا عن شهوة، وتخصيص موردها - مع كثرتها وتواترها الإجمالي، ومع التأكيد بأنّ المذي كالنخامة وغيرها من الفضلات - بالفرد النادر غير صحيح، فلابدّ من إلغائها أو حملها على الاستحباب.

وقد ظهر من هذا أنّ مقتضى الجمع بين هذه الطوائف: أنّ ما دلّ على نقض المذي للوضوء مطلقاً أو إذا كان خروجه عن شهوة إمّا ملغی أو يلزم حمله

ص: 293

على التقيّة، كما هو اختيار السيد الأستاذ(قدس سره) ((1))، ولعلّه المشهور.

ولكنّ السيد الحكيم(قدس سره) جمع بينها بالحمل على الاستحباب((2))، إذ القاعدة عند الدوران بين التصرّف في الجهة والتصرّف في الظهور هي تقديم التصرّف في الظهور، والأحاديث الدالّة على النقض ولو من دون شهوة ظاهرة في وجوب الوضوء، فيُتَصَرَّف فيها بحملها على استحباب الوضوء عقيب خروج المذي.

والشاهد على ذلك ما ورد في الحديث التاسع من قوله: «فَقَال: فِيهِ الوُضُوءُ. قُلتُ: وَإِنْ لَم أَتَوَضَّأْ؟ قال: لَا بَأْسَ» فهو مطلق شامل لما كان خروجه عن شهوة ولما كان خروجه لا عنها، ولا يضرّ ورود هذا الحديث نفسه من دون هذه الزيادة، وهو الحديث السابع عشر؛ فإنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فإنّ الأصل هو عدم الزيادة، فيؤخذ بما في الحديث التاسع، هذا هو المعروف، وفيه كلام.

وما ذكره السيد الحكيم(قدس سره) واضح إذا أمكن، والسيد الأستاذ(قدس سره) ينكر إمكان حملها على الاستحباب، لورود الأخبار بالنقض وعدم النقض، وهذا ممّا لا يقبل التصرّف في ظهوره؛ لأنّهما عبارة عن الإخبار عن الفساد وعدمه، والفساد والنقض ليس لهما مراتب، فلا يمكن الجمع بينهما عرفاً؛ لما عرفت من عدم قبول الفساد والنقض للشدّة والضعف، وعليه لابد من الجمع الجهتي،

ص: 294


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 453- 455.
2- - مستمسك العروة الوثقی2: 262.

وترجّح الطائفة الأولى بما ذكرناه.

لكن يلحظ عليه: أنّه ذُكر الوضوء مع النقض ومع عدمه فيظهر من هذا أنّ للنقض مراتب، فيكون المنتَقض بخروج المذي هو الطهارة الكاملة لا أصل الطهارة، وعلى هذا يصحّ كلام السيّد الحكيم، فتدبّر.

وأمّا بالنسبة للودي فقد ورد ذكره في أربعة أحاديث، وهي: الثاني وهو معتبر أو صحيح زرارة، والسادس وهو مرسل علي بن الحسن بن رباط، والرابع عشر وهو صحيح عبد الله بن سنان، والخامس عشر وهو معتبر حماد.

أمّا مرسل ابن رباط فلم يرد فيه حكم الودي، واقتصر على تفسيره فقط، كما مرّ، اللّهم إلّا أن يستفاد حكمه من المذكور في المذي بقرينة السياق. فهذا المرسل خارج عن دائرة التعارض على كلّ حال، فيبقی صحيح زرارة ومعتبر حمّاد الدالّان على عدم انتقاض الوضوء بخروج الودي، وصحيح عبد الله بن سنان الدالّ على الانتقاض بخروجه، وقد سبق أنّ الشيخ حمل صحيح زرارة على من ترك الاستبراء بعد البول؛ لكون الخارج حينئذٍ من بقيّة البول فينتقض الوضوء، فلا يتنافى مع صحيح عبد الله بن سنان.

هذا، لكنّه حمل لا يمكن قبوله؛ لأنّ هذا الحكم مختصّ بما إذا لم يستبرئ من البول واشتبه في البلل الخارج بعده بأن دار أمره بين البول والمذي مثلاً لما يأتي في الباب اللاحق، وأمّا إذا علم بأنّ الخارج ليس ببول وأنّه إمّا ودي أو مذي أو غيرهما فلا موجب للقول بانتقاض الوضوء؛ إذ لم يتحقّق سببه، وحينئذٍ نقول: إنّ الحديثين متعارضان ولا بدّ من الترجيح بينهما، وهو يتمّ بما تقدّم من الوجوه في

ص: 295

المذي، ويجري فيه الحمل على استحباب الوضوء بعد خروجه كما مرّ آنفاً.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب تسعة عشر حديثاً، الأوّل معتبر بسنديه الاوّل والثاني، والثاني معتبر بسنديه الأوّل والثالث وصحيح بسنده الثاني، والثالث معتبر بسنديه وكذا الرابع، والخامس والثامن بأسانيده الثلاثة والعاشر والثاني عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر كلّها معتبرة، والسابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والرابع عشر والسادس عشر كلّها صحاح، وأمّا السادس فضعيف بالإرسال، ومثله الخامس عشر إلّا أنّه يمكن تصحيحه.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- عدم ناقضيّة المذي للوضوء مطلقاً، قل أو كثر، سواء أكان بشهوة أم بدونها، وعدم نجاسته، وهو لا يوجب قطع الصلاة.

2- عدم ناقضيّة الودي والوذي للوضوء مطلقاً، قلّ أو كثر، وعدم نجاسته، وهو لا يوجب قطع الصلاة.

3- أنّ كلّ شيء يخرج بعد الوضوء - غير البول والمني وما يصاحباه - لا ينقض الوضوء، ولا يقطع الصلاة.

4- أنّ المني نجس يجب تطهير الثوب والجسد منه لما يشترط فيه الطهارة كالصلاة، وخروجه موجب للغُسل.

5- أنّ النخامة والبصاق والمخاط لا يجب غَسلها عن الجسد لما يشترط فيه الطهارة؛ لعدم كونها نجسة، وتغسل للاستقذار، كما أنّها غير ناقضة للطهارة.

ص: 296

13- بَابُ حُكْمِ الْبَلَلِ الْمُشْتَبِهِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِ

اشارة

13- بَابُ حُكْمِ الْبَلَلِ الْمُشْتَبِهِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِ

شرح الباب:

ما يخرج من الإنسان بعد البول أو المني علی قسمين:

أحدهما: ما يُعلم أنّه بول أو مني، فيحكم عليه بحكمهما سواء حصل الاستبراء قبل خروجه أم لم يحصل.

وثانيهما: ما لا يُعلم أنّه بول أو مني، ويُصطلح عليه: البلل المشتبه.

وهذا الباب معقود لبيان حكم البلل المشتبه، وهو علی قسمين؛ فإنّه تارة يخرج بعد البول وأخری بعد المني، وحكمه يختلف تبعاً لحصول الاستبراء قبله وعدمه، والاستبراء لغة: طلب البراءة((1)

والمراد من الاستبراء هنا في هذا الباب: طلب براءة الذكر من البول أو المني، وفي أحاديث الباب بيانٌ لكيفية الاستبراء من البول، وإن كان فيها اختلاف، وأمّا الاستبراء من المني فيتحقّق بخروج البول بعده، لأنّه ينظّف مجرى المني منه.

أقوال الخاصّة:

لا خلاف بين الخاصّة في عدم الاعتناء بالبلل المشتبه بعد الاستبراء، ونقل

ص: 297


1- - لسان العرب1: 33، مادة: برأ.

الاتفاق بينهم على ذلك((1))، والمشهور هو استحباب الاستبراء عن البول قال العلّامة في المختلف: «ذهب الشيخ في الاستبصار إلى وجوب الاستبراء من البول، والمشهور الاستحباب»((2)).

وسيأتي منّا في آخر الباب الكلام حول الأقوال في كيفيّة الاستبراء.

أقوال العامّة:

تقدّم في الباب الثاني من هذه الأبواب نقل إجماعهم على نقض ما يخرج من السبيلين ومنه المذي والودي، فإذا اشتبه البلل الخارج بين المني والمذي أو اشتبه بين البول والودي لم يكن له أثر؛ لقولهم بالناقضيّة في الجميع، وكذا لو خرجت رطوبة أخرى من السبيلين غير ما ذُكر فإنّها ناقضة أيضاً عند أكثرهم وإن كان خروجها نادراً، «وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحمّاد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر، ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب... فأمّا الودي فهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول كدراً فليس فيه وفي بقيّة الخوارج إلّا الوضوء»((3))، وهو صريح في ناقضيّة كلّ ما يخرج من السبيلين.

نعم، لهم في الاستبراء من الخارج من السبيلين قولان: قول بالوجوب، و هو

ص: 298


1- - انظر: مفتاح الكرامة1: 231.
2- - مختلف الشيعة: 271.
3- - المغني1: 160 و163.

قول الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشافعيّة، وقول بالاستحباب، وهو قول جمهور الشافعيّة والحنابلة((1)).

وذكر بعضهم في كيفيته أنّه «يستحب أن يمكث بعد البول قليلاً ويضع يده علی أصل الذكر من تحت الأنثيين ثمّ يسلته إلی رأسه فينتر ذكره ثلاثاً برفق، قال أحمد: إذا توضّأت فضع يدك في سفلتك ثمّ اسلت ما ثَمّ حتّی ينزل ولا تجعل ذلك من همّك، ولا تلتفت إلی ظنّك»((2)).

ص: 299


1- - الموسوعة الفقهية3: 168.
2- - المغني1: 146.

[744] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ جَمِيعاً، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا؟ قَالَ: لَا يَتَوَضَّأُ، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْحَبَائِلِ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قال: لَا شَيْ ءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض البلل الخارج بعد البول للوضوء، ودلّ أيضاً علی أنّه لا يقطع الصلاة، وإلّا لنصّ على ذلك، وظاهره الإطلاق فيشمل ما إذا بال ثمّ استبرأ وما إذا لم يستبرئ ويأتي في الأحاديث ما يقيّد هذا الإطلاق.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وهو سند مقرون ينحلّ إلى سندين:

أوّلهما: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد.

وثانيهما: عدّة من أصحابنا، عن أبي داود، عن الحسين بن سعيد.

ص: 300


1- ([1]*) الكافي 3: 19/ 2.
2- ([2]*) الفقيه 1: 38/ 147.

وأحمد بن محمد فيهما هو أحمد بن محمد بن عيسی؛ لروايته عن الحسين بن سعيد.

وأبو داود سبق أنّ المراد به سليمان بن سفيان المسترق المنشد((1)). وأنّ الكشّي وثّقه، وورد في أسانيد تفسير القمي.

والعلاء في كلا السندين هو العلاء بن رزين، والسند صحيح.

والثاني: سند الصدوق إلی عبد الله بن أبي يعفور، وسنده إليه هكذا: أحمد بن محمد بن يحيی العطّار2، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور((2)).

ولا يضرّ وجود أحمد بن محمد بن يحيی العطّار الذي لم يرد فيه توثيق خاص في السند؛ لترضّي الشيخ الصدوق عنه، فهو ثقة، فهذا السند معتبر.

ص: 301


1- - ايضاح الدلائل4: 350- 351.
2- - من لا يحضره الفقيه 4: 427، المشيخة.

[745] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ ثُمَّ يَسْتَنْجِي ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلَلًا؟ قَالَ: إِذَا بَالَ فَخَرَطَ مَا بَيْنَ الْمَقْعَدَةِ وَالْأُنْثَيَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَغَمَزَ مَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ اسْتَنْجَى فَإِنْ سَالَ حَتَّى يَبْلُغَ السُّوقَ فَلَا يُبَالِي((1)*).

وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((2)*).

[2] - فقه الحديث:

الخرط: هو القبض باليد على طرف الشيء ثم إمرارها إلى طرفه الآخر، قال ابن منظور: «خَرَطْتُ الورقَ: حَتَتُّه، وهو أنْ تَقْبِضَ على أَعلاه ثم تُمِرَّ يدك عليه إلى أَسفله، وفي المثل: دُونه خَرْطُ القَتادِ. قال أَبو الهيثم: خَرَطْتُ العُنْقُودَ خَرْطاً إِذا اجتذبت حبّه بجميع أَصابعك، وما سقط منه فهو الخُراطةُ»((3)).

دلّ الحديث بمنطوقه على أنّ مَن جاء بالخرطات لا يعتدّ بما يخرج منه بعدها من البلل المشتبه، وإن كان كثيراً بحيث بلغ السوق، جمع الساق وهو ما بين الكعب والركبة، وبلوغ البلل إلى الساق شيء نادر، فقيّد عدم الاعتداد

ص: 302


1- ([1]*) التهذيب 1: 20/ 50، والاستبصار 1: 94/ 303.
2- ([2]*) الفقيه 1: 39/ 148.
3- - لسان العرب 1: 284، مادة: خرط.

بالبلل المشتبه بحصول الخرطات ثلاث مرّات، ويفهم من عدم الاعتداد عدم النقض للطهارة وعدم نجاسة البلل أيضاً، وأمّا قوله: «وغمز ما بينهما» فهو عبارة أخرى عن الخرط ما بين المقعدة والأنثيين، فيكون العطف تفسيريّاً.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بنحوين:

الأوّل: مسنداً عن التهذيب والاستبصار، وسند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيی معتبر كما تقدّم، وعبد الملك بن عمرو لم يرد فيه توثيق، لكنّه ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((1))، وعلى هذا فالسند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وقد تقدّم الكلام في اعتبار مراسيله((2)).

ص: 303


1- - أصول علم الرجال1: 228.
2- - ايضاح الدلائل1: 91-94.

[746] 3- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ؟ قَالَ: يَنْتُرُهُ ثَلَاثاً ثُمَّ إِنْ سَالَ حَتَّى يَبْلُغَ السُّوقَ((1)*) فَلَا يُبَالِي((2)*).

[3] - فقه الحديث:

النَّتْرُ: الجَذْبُ بِجَفاءٍ، نَتَرَه يَنْتُرُه نَتْراً فانْتترَ. واستَنْترَ الرجلُ من بَوْلِه: اجْتَذَبَه واستخرج بقيّته من الذَّكَرِ عند الاستنجاء. وفي الحديث: إِذا بال أَحدكم فلْيَنْتُرْ ذكَرَه ثلاث نَتَراتٍ، يعني بعد البول، هو الجَذْب بقوّة((3)).

دلّ على أنّ الاستبراء بعد البول هو بنتر الذكر وجذبه بقوّة ثلاث مرّات، وأحاديث الباب مختلفة في بيان كيفيّة حصول الاستبراء كما يأتي، ودلّ أيضاً على أنّ الفائدة المترتّبة على الاستبراء هي عدم الاعتناء بالبلل المشتبه، فهو طاهر وليس بناقض للوضوء وإن كان كثيراً، وهذا الحديث يقيّد إطلاق الحديث الأوّل، ومثله معتبر محمد بن مسلم الآتي في أبواب أحكام الخلوة، حيث جاء فيه: «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) : رجل بال ولم يكن معه ماء؟، قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شيء

ص: 304


1- ([1]*) في المصدر: الساق.
2- ([2]*) التهذيب 1: 27/ 70، والاستبصار 1: 48/ 136.
3- - لسان العرب 5: 190، مادة: نتر.

فليس من البول، ولكنّه من الحبائل»((1))، وكان من حقّه أن يذكر في هذا الباب.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد عن أبيه، أي أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لم يرد فيه توثيق، فيكون السند ضعيفاً، لكن ما دامت روايات أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواردة في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه محمد بن الحسن، وللشيخ في الفهرست ثلاثة طرق إلى محمد بن الحسن: اثنان منها ليس فيهما أحمد، وهما معتبران((2)) فيمكن القول بأنّ الطريق إليه معتبر.

وأمّا أحمد بن محمد الذي يروي عنه سعد بن عبد الله فهو أحمد بن محمد بن عيسی.

وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 305


1- - وسائل الشيعة 1: 320، ب 11 من أبواب أحكام الخلوة، ح2.
2- - أصول علم الرجال 2: 343.

[747] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) إِنِّي أَبُولُ ثُمَّ أَتَمَسَّحُ بِالْأَحْجَارِ فَيَجِي ءُ مِنِّي الْبَلَلُ((1)*) مَا يُفْسِدُ سَرَاوِيلِي؟ قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

فيه نفي البأس عن البلل بعد البول والتمسّح بالأحجار، وبعد الاستبراء كما في المصدر، ويحتمل إرادة عدم البأس في البلل المذكور - بغضّ النظر عن الملاقاة - فلا يحكم بكونه بولاً، وإلّا فإنّ ملاقي النجس يتنجّس، ويحتمل حمله علی التقيّة.

سند الحديث:

سند الشيخ إلی محمد بن علي بن محبوب صحيح كما مرّ((3))، وأمّا الهيثم بن أبي مسروق فقد تقدّم أنّه ممدوح، وهو من مشايخ صاحب النوادر((4)) فهو ثقة.

وأمّا الحكم بن مسكين فقد سبق أيضاً أنّه ورد في أسانيد نوادر الحكمة، وروی عنه المشايخ الثقات((5)

فهو ثقة.

وأمّا سماعة فهو سماعة بن مهران، فهذا السند معتبر.

ص: 306


1- ([1]*) في المصدر: بعد استبرائي.
2- ([2]*) التهذيب 1: 51/ 150، والاستبصار 1: 56/ 165.
3- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
4- - المصدر السابق3: 129- 130.
5- - المصدر السابق: 130.

[748] 5- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : مَنِ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ ثُمَّ يَجِدُ بَلَلًا فَقَدِ انْتَقَضَ غُسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بَالَ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا فَلَيْسَ يَنْقُضُ غُسْلَهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ لَمْ يَدَعْ شَيْئاً((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ من اغتسل من الجنابة قبل أن يستبرئ من المني بالبول وخرج منه بلل مشتبه فقد انتقض غُسله، وعليه إعادته، وأمّا إن كان خروج البلل المشتبه بعد الاستبراء بالبول والغُسل لم ينتقض غُسله، فليس عليه إعادة غُسله، وعلّل ذلك بأنّ البول لم يدع شيئاً، أي لم يُبقِ شيئاً من المني في المجرى فما خرج من البلل - بعد البول - ليس منيّاً فليس بناقض للغسل، فهذا تعليل لقوله: فليس ينقض غُسله، لا لقوله: ولكن عليه الوضوء.

وأمّا أنّ عليه الوضوء فهو محمول على عدم وقوع الاستبراء من البول.

سند الحديث:

سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد طريقان أحدهما صحيح كما مرّ((2))، وحمّاد هو حمّاد بن عيسی؛ لتوسّطه بين الحسين بن سعيد وحريز بن عبد الله مضافاً إلی أنّ كتابه مشهور ومعوّل عليه، فهذا السند صحيح.

ص: 307


1- ([1]*) التهذيب 1: 144/ ذيل الحديث 407، والاستبصار 1: 119/ ذيل الحديث 402، ويأتي في الحديث 7 من الباب 36 من أبواب الجنابة.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[749] 6- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ((1)*) الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: فَإِنْ كَانَ بَالَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ، وَلَكِنْ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَنْجِي((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى خُرُوجِ شَيْ ءٍ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِنْجَاءِ.

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من اغتسل من الجنابة بعد أن استبرأ من المني بالبول وخرج منه بلل مشتبه بعد الغُسل فغُسله باقٍ لم ينتقض، وليس عليه إعادته، ولكن يتوضّأ ويستنجي، وهذا محمول علی عدم وقوع الاستبراء من البول، فالوضوء والاستنجاء؛ لأنّ البلل الخارج محكوم بكونه بولاً.

سند الحديث:

تقدّمت ترجمة رجاله، وهو موثّق.

ص: 308


1- ([1]*) أثبتناه من المصدر.
2- ([2]*) التهذيب 1: 144/ 406، والاستبصار 1: 119/ 401. وأورده بتمامه في الحديث 8 من الباب 36 من أبواب الجنابة.

[750] 7- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ: إِنِّي رُبَّمَا بُلْتُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: إِذَا بُلْتَ وَتَمَسَّحْتَ فَامْسَحْ ذَكَرَكَ بِرِيقِكَ فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئاً فَقُلْ: هَذَا مِنْ ذَاكَ((1)*)((2)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ((3)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادٍ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَذَكَرَ مِثْلَهُ((4)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ((5)*).

أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ بِالرِّيقِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لِئَلَّا تَتَعَدَّى.

[7] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث علی أمور:

منها: جواز مسح مخرج البول بالحجر ونحوه عند فقد الماء، وهذا لا يعني

ص: 309


1- ([1]*) الوجه في حديث سماعة وحنان، أنّ البواطن لا تنجس لما يأتي، وأنّ ملاقاة البلل الطاهر من المخرج غير متيقنة غالباً، وهو طاهر غير ناقض للطهارة فلا بأس به، مع احتماله التقيّة (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 353/ 1050.
3- ([3]*) الكافي 3: 20/ 4.
4- ([4]*) الفقيه 1: 41/ 160.
5- ([5]*) التهذيب 1: 348/ 1022.

أنّ المسح المذكور مطهّر لمخرج البول، بل فائدته عدم انتشار النجاسة وتعدّيها عن المخرَج.

ومنها: أنّ العرق الملاقي لمخرج البول قبل الاستنجاء بالماء نجس، وإن تمسّحَ المحدِثُ بحجر أو نحوه، وكذا البلل الذي قد يخرج بعد الاستبراء.

ومنها: أنّ طريق التخلّص من البناء على نجاسة الثوب أو الجسد الملاقيين للعرق الموجود على مخرج البول، أو للبلل الذي يخرج أحياناً بعد الاستبراء هو أن يمسح ذكره بريقه - في غير محلّ النجاسة لئلّا تتعدّی - فلو وجد بللاً في جسده أو في ثوبه بنی على أنّه من الريق الذي هو طاهر، لا من العرق أو البلل المتنجّسين بالمخرَج، ولا يجب التطهير إلّا إذا كان التنجّس أمراً يقينيّاً.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بأربعة أسانيد:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب، وهو موثّق.

الثاني: سند الكليني في الكافي، وهو معتبر.

الثالث: سند الصدوق في الفقيه، وإسناده إلى حنان بن سدير في المشيخة ثلاثة أسانيد((1)):

أوّلها: أبوه ومحمد بن الحسنG، عن سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حنان.

ص: 310


1- - من لا يحضره الفقيه 4: 428، المشيخة.

وثانيها: محمد بن الحسن (رحمه الله) ، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن عبد الصمد بن محمد، عن حنان. وعبد الصمد بن محمد من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيی صاحب كتاب نوادر الحكمة((1))، فيكون ثقة.

وثالثها: محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله) ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حنان بن سدير. وهذه الأسانيد الثلاثة معتبرة.

الرابع: سند الشيخ في التهذيب أيضاً، وإسناده إلى محمد بن أحمد بن يحيى عدّة طرق في الفهرست والمشيخة، وأكثرها معتبر كما سبق(2).

والمراد بأحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، والسند صحيح.

ص: 311


1- - أصول علم الرجال1: 226.
2- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.

[751] 8- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الْخَصِيِّ يَبُولُ فَيَلْقَى مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً وَيَرَى الْبَلَلَ بَعْدَ الْبَلَلِ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيَنْتَضِحُ فِي النَّهَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً((1)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ سَعْدَانَ مِثْلَهُ((2)*).

[8] - فقه الحديث:

الخصي هو مَن سُلّت منه الخصيتان، قال ابن منظور: (خَصی الفحلَ خِصاءً، ممدود: سَلَّ خُصْيَيْه، يكون في الناس والدواب والغنم)((3)).

الانتضاح هو الترشّش، قال الفيومي: (نضحتُ الثوبَ (نَضْحاً) من باب ضَرَبَ ونَفَعَ وهو البَلُّ بالماء والرَّش و(يُنضَحُ) من بول الغلام أي يُرَشُّ ... و(انتضَحَ) البولُ على الثوب تَرَشَّشَ((4)).

لمّا كان الخصي يرى البلل بعد البول، وتتكرّر رؤيته له وجب عليه الوضوء عن البول، وبلّ ثوبه أو محلّ فرجه مرّة في النهار عن البول الخارج بعد ذلك

ص: 312


1- ([1]*) التهذيب 1: 353/ 1051.
2- ([2]*) التهذيب 1: 424/ 1349.
3- - لسان العرب 14: 229، مادة: خصا.
4- - المصباح المنير: 609، مادة: نضح.

تخفيفاً

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدَانَ(بْنِ)((1)*) عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیهما السلام) مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ يَنْضِحُ ثَوْبَهُ((3)*).

أَقُولُ: يَحْتَمِلُ كَوْنُ الْبَلَلِ مُشْتَبِهاً وَالنَّضْحِ مُسْتَحَبّاً وَالْوُضُوءِ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ إِلَّا مَرَّةً بِسَبَبِ الْبَوْلِ فَلَا يَكُونُ وَاجِباً لِأَجْلِ الْبَلَلِ وَيَحْتَمِلُ كَوْنُ الْبَلَلِ مَعْلُوماً أَنَّهُ مِنَ الْبَوْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْوُضُوءُ وَاجِبٌ وَكَذَا النَّضْحُ.

عليه، كما هو الحال في المربيّة ذات الثوب الواحد. ويحتمل أن يراد بالوضوء تطهير وغَسل محلّ البلل المشكوك مرّة واحدة في النهار استحباباً بعد الوضوء عن البول، ويكون الحديث موافقاً لعنوان الباب على هذا الاحتمال.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بأربعة أنحاء:

الأوّل: مسنداً عن التهذيب، وسند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب

ص: 313


1- ([1]*) ليس في المصدر.
2- ([2]*) الكافي 3: 20/ 6.
3- ([3]*) الفقيه 1: 43/ 168.

صحيح كما مرّ((1)). وفي هذا السند سعدان بن مسلم، واسمه عبد الرحمن بن مسلم، وسعدان لقبه، وقد سبق أنّه ممّن روى عنه المشايخ الثقات، وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة وتفسير القمّي((2)

وأمّا عبد الرحيم فالظاهر أنّه عبد الرحيم القصير، وقد مضى أنّه ورد في أسناد تفسير القمّي، وروی عنه المشايخ الثقات((3)). وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: مسنداً عن التهذيب أيضاً، وسند الشيخ إلى سعد - أي سعد بن عبد الله الأشعري - تقدّم أنّ له أربعة طرق اثنان في المشيخة صحيحان واثنان في الفهرست أحدهما صحيح والآخر معتبر((4)).

والمراد من أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وهذا السند معتبر أيضاً.

والثالث: مسنداً عن الكافي، فيه أحمد بن محمد والظاهر أنّه ابن عيسی((5)).

وفيه: أحمد بن إسحاق، وهو أحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري، أبو علي القمّي، تقدّم توثيقه عن الشيخ، وبيان النجاشي والشيخ لجلالته وعظم

ص: 314


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - ايضاح الدلائل1: 256.
3- - المصدر السابق: 319.
4- - المصدر السابق3: 56.
5- - أقول: توجد موارد كثيرة روى فيها الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم في الكافي، ولم يتوسّط أحمد بن محمد بين الحسين وأحمد، فلعلّ وجود أحمد بن محمد في هذا السند زيادة من النّساخ، كما أفاده السيد البروجردي(قدس سره) (راجع: ترتيب أسانيد الكافي1: 376- 377). [المقرّر].

منزلته عند الأئمة (علیهم السلام) ((1)).

وفيه أيضاً: سعدان بن عبد الرحمن، والموجود في المصدر: سعدان عبد الرحمن، وقد سبق أنّ سعدان اسمه عبد الرحمن، فلعلّ الموجود هنا تصحيف: سعدان عبد الرحمن، فالسند معتبر.

والرابع: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وقد سبق الكلام في اعتبارها((2)).

ص: 315


1- - ايضاح الدلائل2: 144- 145.
2- - المصدر السابق1: 91- 94.

[752] 9- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ هَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الذَّكَرِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ؟ فَكَتَبَ: نَعَمْ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَارَةً وَعَلَى التَّقِيَّةِ أُخْرَى لِمُوَافَقَتِهِ لِلْعَامَّةِ، وَحَمَلَهُ الْعَلَّامَةُ عَلَى كَوْنِ الْخَارِجِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ، وَالْجَمِيعُ مُتَّجِهٌ((2)*).

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ اشْتِرَاطِ الْيَقِينِ بِحُصُولِ الْحَدَثِ((3)*) وَأَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ هُنَا((4)*).

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث مخالف لبقيّة أحاديث الباب، فقد دلّ بظاهره علی أنّ البلل الخارج من الذكر بعد الاستبراء ناقض للوضوء، وقد حمله الشيخ تارة علی الاستحباب وأخری علی التقيّة، كما حمله العلّامة في المنتهی علی كون الخارج من بقيّة البول فيجب منه الوضوء.

وقال الماتن بأنّ الجميع متّجه.

ولكن الحمل على الاستحباب بعيد؛ فإنّ التعبير ب-«يجب» في كلام السائل يبعّده.

وأمّا حمل العلّامة فكذلك؛ لأنّ الاستبراء هو الاستخلاص من البول، فلا بول في المجرى حتى يُحكم بأنّ البلل بول، وعليه فقول الماتن: والجميع متّجه،

ص: 316


1- ([1]*) التهذيب 1: 28/ 72، والاستبصار 1: 49/ 138.
2- ([2]*) المنتهى 1: 42.
3- ([3]*) تقدمت في الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء.
4- ([4]*) تقدّمت في البابين 2، 3 من أبواب نواقض الوضوء.

خلاف الظاهر.

وأمّا الحمل على التقيّة فلا بأس به، لكون العامّة ترى ناقضيّة ما يخرج بعد الاستبراء وهو الودي، ويؤيّده أنّ هذا الحديث مكاتبة فيقوی فيها احتمال الصدور عن تقيّة موافقةً لما هم عليه. وهو الأظهر عند السيد الأستاذ(قدس سره) .

وأمّا السيد الحكيم(قدس سره) فلم يذكر الحمل على التقيّة؛ لذهابه إلى أنّ التصرّف في الظهور والدلالة ما دام ممكناً لا تصل النوبة إلى التصرّف في الجهة.

سند الحديث:

تقدّم في الباب السابق((1))

أنّ للشيخ ثلاث طرق إلى الصفّار في الفهرست: اثنان معتبران والثالث صحيح، وفي المشيخة طريق معتبر.

وأمّا محمد بن عيسى فهو مشترك بين محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ومحمد بن عيسى الأشعري، والد أحمد، لكنّ رواية الصفار عن الأوّل منهما كثيرة جداً، وأمّا روايته عن الثاني فهي قليلة، ولعلّها لا تتجاوز مورداً واحداً في الكتب الأربعة، فالظاهر أنّه محمد بن عيسى العبيدي، وكيف كان فالأمر سهل بعد أن كان كلاهما من الثقات، وعليه فالسند صحيح.

ص: 317


1- - في الصفحة: 258- 259.

[753] 10- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قُلْتُ: الرَّجُلُ يَبُولُ وَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَجِدُ الْبَلَلَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ شَيْئاً((1)*)، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْحَبَائِلِ((2)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((3)*) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ وَالْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ((4)*).

[10] - فقه الحديث:

قوله: ينتفض، أي يزيل ويدفع ويتمسّح، فيكون عبارة أخری عن الاستبراء، قال ابن الأثير: ««ابغني أحجاراً أستنفض بها» أي أستنجي بها، وهو من نفض الثوب؛ لأنّ المستنجي ينفض عن نفسه الأذى بالحجر: أي يزيله ويدفعه. ومنه حديث ابن عمر «أنّه كان يمرّ بالشعب من مزدلفة فينتفض ويتوضّأ». ومنه

ص: 318


1- ([1]*) في المصدر: بشي ء.
2- ([2]*) قرب الإسناد 60.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 2، 14 من الباب السابق.
4- ([4]*) يأتي في: أ - الحديث 2 من الباب 11 من أبواب أحكام الخلوة. ب - الحديث 1 من الباب 13 من أبواب الجنابة. ج - يأتي في الباب 36 من الجنابة. د - الحديث 5 من الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة.

الحديث «أتی بمنديل فلم ينتفض به» أي لم يتمسّح»((1)).

دلّ على أنّ من استبرأ بعد البول ثمّ وجد بللاً فهذا البلل ليس شيئاً أو ليس بشيء، أي أنّه طاهر فلا يجب غَسل الموضع الذي أصابه من ثوب أو جسد، كما أنّه ليس من النواقض، وهو من الحبائل أي عروق الذكر أو عروق الظهر، فليس وزانه وزان البول.

سند الحديث:

فيه محمد بن خالد الطيالسي، وقد سبق أنّه لم يرد فيه شيء((2))، وتوثيقه لورود عنوان محمد بن خالد في أسناد كتاب النوادر متوقّف علی كونه الطيالسي لا شخص آخر، والظاهر أنّه الطيالسي((3)).

وفيه أيضاً: إسماعيل بن عبد الخالق، قال عنه النجاشي: «إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه بن أبي ميمونة بن يسار، مولى بني أسد، وجه من وجوه أصحابنا وفقيه من فقهائنا، وهو من بيت الشيعة، عمومته شهاب وعبد الرحيم ووهب وأبوه عبد الخالق كلّهم ثقات، رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) . وإسماعيل نفسه

ص: 319


1- - النهاية في غريب الحديث والأثر5: 97.
2- - ايضاح الدلائل1: 236.
3- - أقول: الظاهر أنّه الطيالسي، فيكون ثقة لوروده في أسناد كتاب نوادر الحكمة؛ وذلك لوجود نظائر هذا السند في نوادر الحكمة نقلها الشيخ في التهذيب والاستبصار، روی فيها محمد بن يحيی المعاذي عنه بعنوان محمد بن خالد الطيالسي أو بعنوان الطيالسي، وروی هو عن سيف بن عميرة، وفي بعضها روی عن سيف بن عميرة، والراوي عنه فيها شخص آخر غير محمد بن يحيى المعاذي، وعليه يكون السند معتبراً [المقرّر].

روی عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) . له كتاب رواه عنه جماعة»((1)).

وقال الكشي: «حدّثني أبو الحسن حمدويه بن نصير قال: سمعت بعض المشايخ يقول: - وسألته عن وهب وشهاب وعبد الرحمن بني عبد ربّه وإسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه؟ - قال: كلّهم خيار فاضلون كوفيّون»((2)).

وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام السجّاد (علیه السلام) قائلاً: «إسماعيل بن عبد الخالق لحقه، وعاش إلى أيّام أبي عبد الله (علیه السلام) »، وذكره أيضاً في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) مع توصيفه بالجعفي، وفي أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مع توصيفه بالأسدي((3))

فهذا السند معتبر.

الأقوال في الاستبراء بالخرطات، وكيفيّة الجمع بين الأحاديث:

المشهور أنّ المطلقات تقيّد بالمقيّدات ثمّ يجمع بين المقيّدات، فيقال في المقام: إنّ الاستبراء يكون بتسع خرطات، قال السيّد اليزدي(قدس سره) في العروة: «الاستبراء، والأولى في كيفيّاته أن يصبر حتى تنقطع دريرة البول، ثمّ يبدأ بمخرج الغائط فيطهّره، ثمّ يضع إصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط، ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثمّ يضع سبّابته فوق الذكر وإبهامه تحته ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاث مرّات، ثمّ يعصر رأسه ثلاث مرّات، ويكفي سائر الكيفيّات مع مراعاة ثلاث مرّات»((4)).

ص: 320


1- - رجال النجاشي: 27/ 50.
2- - اختيار معرفة الرجال2: 713/ 783.
3- - رجال الطوسي: 110/ 1075، 125/ 1250، 159/ 1785.
4- - العروة الوثقی1: 322.

وقوله: «والأولى في كيفيّاته» حيث لم يوجد هذا الترتيب في أحاديث الباب، فلا تكون هذه الكيفيّة لازمة.

وأمّا وضع الإصبع الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط فلم يرد إلّا في المستدرك عن علي (علیه السلام) قال: «قال لنا رسول الله| من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمّ يسلتها ثلاثاً»((1)).

وأمّا وضع السبّابة فوق الذكر والإبهام تحته فلم ترد به النصوص، وقد قال الفقهاء: إنّ العكس - وهو وضع السبّابة تحت الذكر والإبهام فوقه - أولى وأسهل وأنسب.

وقد اختلفت كلمات الفقهاء في عدد المسحات المعتبرة في الاستبراء على أقوال أربعة - على ما ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) ((2)) - :

القول الأوّل: اعتبار أن تكون المسحات تسعاً بأن يمسح من مخرج الغائط إلى أصل القضيب ثلاث مرّات بقوّة ويمسح القضيب ثلاثاً ويعصر الحشفة وينترها ثلاثاً كما ذكره صاحب العروة وهو ما ذهب إليه المشهور.

والقول الثاني: ما عن جملة من العلماء من كفاية الست بالمسح من مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثاً وينتره ثلاثاً.

والقول الثالث: ما عن علم الهدى وابن الجنيد من أنّ المسحات المعتبرة في الاستبراء ثلاث، وهو بأن ينتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً.

ص: 321


1- - مستدرك الوسائل1: 260، ب 10 من أبواب أحكام الخلوة، ح2.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 4: 391.

والقول الرابع: ما عن المفيد(قدس سره) في المقنعة من أنّ المعتبر أن يمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ثمّ يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرّهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ليخرج ما فيه من بقيّة البول. وظاهر هذا الكلام عدم اعتبار العدد في الاستبراء والمدار فيه على الوثوق بالنقاء.

هذه هي أقوال المسألة ومنشأ اختلافها هو اختلاف الأحاديث الواردة في المقام.

كيفيّة استفادة قول المشهور من الأحاديث:

جاء في معتبر عبد الملك بن عمرو: «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات، وغمز ما بينهما ثمّ استنجی» وهو دالّ على كفاية خرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاثاً وغمز ما بينهما، وفي معتبر حفص بن البختري: «ينتره ثلاثاً»، وهو دالّ على مسح الذكر ثلاثاً، وفي معتبر محمد بن مسلم: «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، وينتر طرفه»، وهو دالّ على مسح الحشفة، بالإضافة إلى عصر أصل الذكر إلى طرفه، وما دام لا يوجد مانع من تقييد المطلق منها بالمقيّد، يقيّد معتبر عبد الملك بن عمرو بمعتبر حفص، ويقيّد معتبر حفص بمعتبر محمد بن مسلم، والنتيجة هي أنّ المعتبر في الاستبراء تسع مسحات، كما هو قول المشهور.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، أوّلها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وخامسها صحيح، وسادسها موثّق، وسابعها موثّق بسنده الأوّل، ومعتبر بالثاني والثالث وصحيح بالرابع والتاسع صحيح، والبقيّة معتبرة

ص: 322

بأسانيدها.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ البلل المشتبه طاهر ولا ينقض الطهارة.

2- أنّ الاستبراء من البول يتحقّق بفعل الخرطات التسع على ما هو المشهور.

3- أنّ الاستبراء من المني يتحقّق بخروج البول بعده.

4- أنّ للاستبراء كيفيات متعدّدة، لكن المشهور أن يمسح من مخرج الغائط إلى أصل القضيب ثلاث مرّات بقوّة ويمسح القضيب ثلاثاً ويعصر الحشفة وينترها ثلاثاً.

5- أنّ فائدة الاستبراء عدم الاعتداد بما يخرج منه بعده من البلل المشتبه، وإن كان كثيراً، فلا يجب عليه إعادة الوضوء، ولا الغسل.

6- أنّه إذا اغتسل من الجنابة قبل أن يستبرئ من المني بالبول وخرج منه بلل مشتبه فقد انتقض غُسله، وعليه إعادته.

7- أنّه يجوز مسح مخرج البول بالحجر ونحوه عند فقد الماء، ويبقى مخرج البول على نجاسته، وما يلاقيه من البلل ينجس.

8- أنّ طريق التخلّص من البناء على نجاسة الثوب أو الجسد الملاقيين للعرق الموجود على مخرج البول، أو للبلل الخارج بعد الاستبراء هو: أن يمسح ذكره بريقه - في غير محلّ النجاسة لئلّا تتعدّی - فيبني على أنّ البلل من الريق، لا من غيره.

9- أنّ الخصي الذي يجد البلل بعد البول يغسل محلّ البلل المشكوك مرّة واحدة في النهار استحباباً بعد الوضوء عن البول، ولو خرج بعد ذلك مراراً لم يعتن به.

ص: 323

ص: 324

14- بَابُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْحَلْقَ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَأَخْذَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْمَوْضِعِ بِالْمَا ءِ إِذَا كَانَ بِالْحَدِيدِ

اشارة

14- بَابُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْحَلْقَ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَأَخْذَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْمَوْضِعِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَ بِالْحَدِيدِ

شرح الباب:

تقليم الأظفار هو أخذ ما طال منها، قال في مجمع البحرين: «قَلَمْتُ الظفر: أخذت ما طال منه. وقَلَّمْتُ بالتشديد: مبالغة وتكثير»((1)).

وحلق الشعر هو إزالته، ونتف الإبط: نزع الشعر النابت فيه، قال ابن منظور: «النَّتْفُ: نزع الشعر وما أَشبهه»((2)).

وهذه الأمور من جملة المسنونات المتعلّقة بالنظافة، وقد ورد الحثّ عليها والترغيب فيها، بل وذمّ تركها كما يأتي في أبواب آداب الحمّام والتنظيف والزينة إن شاء الله، لكنّ المقصود من إيرادها هنا هو بيان أنّها غير ناقضة للوضوء.

ص: 325


1- - مجمع البحرين6: 140، مادة: قلم.
2- - لسان العرب9: 323، مادة: نتف.

أقوال الخاصّة:

لم ينقل عن الخاصّة قاطبة القول بالنقض بالأمور المذكورة في عنوان الباب، ولذا قال في الجواهر: «من غير خلاف أجده، بل الإجماع منقول عليه»((1)).

نعم، الخلاف في أخذ الشعر بالحديد من حيث استحباب المسح بالماء على محلّ الأخذ ووجوبه، ويظهر من الماتن وبعض المحدّثين الاستحباب.

أقوال العامّة:

أكثر العامّة على عدم النقض بتلك الأمور الواردة في عنوان الباب، ولكن يظهر من الحديث الأوّل الآتي أنّهم يرون النقض، قال في بدائع الصنائع: «من توضّأ ثم جزّ شعره أو قلم ظفره أو قصّ شاربه أو نتف إبطيه لم يجب عليه ايصال الماء إلى ذلك الموضع عند عامّة العلماء، وعند إبراهيم النخعي يجب عليه في قلم الظفر وجزّ الشعر وقصّ الشارب»((2)).

وقال ابن قدامة في المغني: «ومتى غسل هذه الشعور ثمّ زالت عنه أو انقلعت جلدة من يديه أو قصّ ظفره أو انقلع لم يؤثّر في طهارته، قال يونس بن عبيد: ما زاده إلّا طهارة، وهذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن جرير أنّ ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعره يوجب غسلها»((3)).

ص: 326


1- - جواهر الكلام1: 417.
2- - بدائع الصنائع1: 33.
3- - المغني1: 100.

وقال في موضع آخر: «حكي عن مجاهد والحكم وحمّاد في قصّ الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط الوضوء، وقول جمهور العلماء بخلافهم، ولا نعلم لهم في ما يقولون حجّة»((1)).

وقال في قصّ الأظفار: «يستحب غسل رؤس الأصابع بعد قصّ الأظفار»((2)).

ص: 327


1- - المصدر السابق: 196.
2- - المصدر السابق: 72.

[754] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَى طُهْرٍ فَيَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأَظْفَارَهُ بِالْمَاءِ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ فِيهِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ: إِنْ خَاصَمُوكُمْ فَلَا تُخَاصِمُوهُمْ وَقُولُوا: هَكَذَا السُّنَّةُ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ من كان على طهارة وقصّ أظفاره أو حلق شعره فإنّه باقٍ على طهارته ولا يعيد وضوءه، والأخذ في السؤال هنا مطلق فيشمل الأخذ بالحديد والأخذ بغيره، فيكون مسح موضع القص أو الحلق راجحاً سواء كان الأخذ بالحديد أم بغيره، لكنّ الماتن قيّد استحباب المسح بالماء بما إذا كان الأخذ بالحديد كما سيأتي أيضاً عن الشيخ، فهذا الحديث وإن كان مطلقاً إلا أنّه يقيّد بما دلّ على الاستحباب إذا كان الأخذ بالحديد، وقد يقال بأنّ كلا الدليلين لا منافاة بينهما حتى يقيّد المطلق بالمقيّد، فيكون المسح راجحاً على التقديرين، إلّا أن يقال إنّ في المقام قرينتين تعيّنان الأخذ بالاستحباب إذا كان بالحديد،

ص: 328


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 11.
2- ([2]*) التهذيب 1: 345/ 1010، والاستبصار 1: 95/ 307.

إحداهما تبادر الأخذ بالحديد، وثانيهما عدم القائل بالاستحباب إذا لم يكن الأخذ بالحديد، ويظهر منه أنّ العامّة في ذلك الزمان كانوا يرون أنّ حلق الشعر وقصّ الأظفار من جملة نواقض الوضوء، ولذا أمر (علیه السلام) بعدم مخاصمتهم إذا أظهروا الخصومة بشأن ذلك، وقوله (علیه السلام) : «قولوا: هكذا السنّة»، أي قولوا لهم في مقام الجواب: هكذا السنّة، ويحتمل أن يراد من السنّة: السنّة عندهم كما يحتمل أن يراد بها: السنة عندنا، ففيه إيهام.

ويكون المراد أنّ السنّة هي عدم الوضوء بسبب قصّ الأظفار أو حلق الشعر، أو هي استحباب المسح بالماء بعد ذلك، أو هي كلا الأمرين.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأوّل: سند الكليني، وفيه: محمد بن إسماعيل، وهو البندقي النيسابوري، وقد مرّ أنّه لم يوثّق((1))، فيكون السند ضعيفاً به، لكن يمكن تصحيح أحاديث الكليني عن الفضل بن شاذان؛ لأنّ للكليني طريقاً آخر صحيح كما أنّ للشيخ طرقاً في الفهرست والمشيخة، وبعضها صحيح كما تقدّم((2))، ولا يقال: إنّ طرق الشيخ هي لجملة ممّا رواه الشيخ عنه لا لجميع كتب وروايات الفضل، فهذا التصحيح لا يتمّ، لأنّا نقول: إنّ المهم في المقام أنّ من جملة ما رواه الشيخ عن الفضل هو ما كان عن الكليني إلى الفضل كما في هذا السند، ولا يضرّ في

ص: 329


1- - ايضاح الدلائل3: 81.
2- - انظر: أصول علم الرجال2: 448- 458.

المقام أن لا يكون له طريق إلى جميع ما رواه الفضل، وفيه: ابن مسكان وهو عبد الله بن مسكان، وفيه أيضاً: محمد الحلبي وهو محمد بن علي الحلبي. وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند الشيخ في التهذيبين، وقد مضى الكلام في إسناد الشيخ إلى الكليني((1))، فالسند كسابقه معتبر.

ص: 330


1- - ايضاح الدلائل1: 82- 83.

[755] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : الرَّجُلُ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَجُزُّ شَارِبَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ هَلْ يَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ؟ فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ، كُلُّ هَذَا سُنَّةٌ، وَالْوُضُوءُ فَرِيضَةٌ، وَلَيْسَ شَيْ ءٌ مِنَ السُّنَّةِ يَنْقُضُ الْفَرِيضَةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَيَزِيدُهُ تَطْهِيراً((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ، مِثْلَهُ((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ تقليم الأظفار وجزّ الشارب والأخذ من شعر اللّحية والرأس لا ينقض الوضوء؛ لأنّ هذه الأمور سنّة والوضوء فريضة، وما هو من السنّة لا ينقض الفريضة، وهذه كبرى لها تطبيقاتها ومنها محلّ الكلام، ولعلّ المراد من زيادة التطهير زيادة الثواب، وقد نُقل عن ابن الأثير معنيان آخران:

أحدهما: تحسين الهيئة وإزالة القباحة في طول الأظفار.

والثاني: أنّه أقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعيّة على أكمل الوجوه، لما عساه يحصل تحتها من الوسخ المانع من وصول الماء إلى البشرة((3)).

ص: 331


1- ([1]*) التهذيب 1: 346/ 1013، والاستبصار 1: 95/ 308، وأورده في الحديث 1 من الباب 83 من أبواب النجاسات.
2- ([2]*) الفقيه 1: 38/ 140.
3- - استقصاء الاعتبار2: 88.

سند الحديث:

نقله الماتن بسندين:

أوّلهما: سند الشيخ في التهذيبين، وقد تقدّم الكلام في إسناده إلى الحسين بن سعيد، وفي شهرة كتبه((1))، وكذا بقيّة أفراد السند، والسند صحيح.

وثانيهما: سند الصدوق، وإسناده إلى زرارة، وقد تقدّم في الحديث الثاني من الباب الثاني من هذه الأبواب((2)) أنّه صحيح أعلائي.

ص: 332


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.
2- - في الصفحة: 40.

[756] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) آخُذُ مِنْ أَظْفَارِي وَمِنْ شَارِبِي وَأَحْلِقُ رَأْسِي أَفَأَغْتَسِلُ؟ قَالَ: لَا، لَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ، قُلْتُ: فَأَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَا، لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ قُلْتُ: فَأَمْسَحُ عَلَى أَظْفَارِي الْمَاءَ، فَقَالَ((1)*): هُوَ طَهُورٌ لَيْسَ عَلَيْكَ مَسْحٌ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض الأخذ من الأظفار والشارب والرأس للغسل أو الوضوء، وعلى أنّ ذلك طهور فلا يجب المسح على الأظفار ولا على محلّ شعر الشارب والرأس بالماء بعد الأخذ منها ولا يستحبّ ذلك، وهذا بظاهره مخالف لما دلّ على الاستحباب كالحديث الأوّل، هذا ويمكن الجمع بحمل نفي المسح هنا على سبيل الوجوب، فيكون معنی «ليس عليك مسح»: لا يجب عليك مسح، فلا ينافي استحبابه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في إسناد الشيخ إلى سعد بن عبد الله((3))، وبقيّة أفراد السند، وهو صحيح.

ص: 333


1- ([1]*) في المصدر زيادة: لا.
2- ([2]*) التهذيب 1: 346/ 1012، والاستبصار 1: 95/ 309، وأورده في الحديث 1 من الباب 60 من أبواب آداب الحمام، والحديث 1 من الباب 3 من أبواب الجنابة، والحديث 2 من الباب 83 من أبواب النجاسات.
3- - ايضاح الدلائل3: 56.

[757] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الرَّجُلُ يَقْرِضُ مِنْ شَعْرِهِ بِأَسْنَانِهِ أَيَمْسَحُهُ بِالْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَدِيدِ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيدِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ حَسَنٌ.

[4] - فقه الحديث:

فيه دفع توهّم أنّ مجرّد الأخذ من الشعر ولو بمثل القرض بالأسنان موجب للزوم المسح بالماء أو لاستحبابه قبل الصلاة، وقد دلّ الحديث علی أنّ رجحان المسح بالماء مخصوص بما إذا كان أخذ الشعر بالحديد، وأمّا إذا أُخذ بمثل القرض بالأسنان فالمسح بالماء ليس فيه رجحان ولا بأس بعدمه.

والرجحان في المسح بالماء إذا كان الأخذ بالحديد قد يراد به الوجوب، لكنّه مندفع بملاحظة بقيّة الأحاديث المرخّصة في ترك المسح، فالحمل علی الاستحباب كما نقله الماتن عن الشيخ واستحسنه حسنٌ.

ص: 334


1- ([1]*) التهذيب 1: 345/ 1011، والاستبصار 1: 96/ 310.
2- ([2]*) الكافي 3: 38/ 17.

سند الحديث:

ذكر له الماتن سندين:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيبين، وقد سبق الكلام في إسناد الشيخ إلی محمد بن أحمد بن يحيی، وأنّه معتبر((1))، وفي السند: أحمد بن الحسن وهو أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، وعمرو بن سعيد وهو الساباطي المدائني، وهما مع مصدّق بن صدقة وعمّار بن موسی الساباطي من الثقات. والسند معتبر.

والثاني: سند الكليني في الكافي، وفيه محمد بن يحيی وهو محمد بن يحيی العطّار، وأحمد بن محمد وهو أحمد بن محمد بن عيسی((2)). والسند موثّق.

ص: 335


1- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.
2- - أقول: الظاهر أنّ الصحيح - كما في المصدر - : أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيی، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، كما في أسانيد عديدة، فأحمد بن إدريس القمي ومحمد بن يحيی العطّار من مشايخ الكليني روی عنهما متعاطفين وغير متعاطفين عن محمد بن أحمد بن يحيی بن عمران الأشعري، وهو يروي عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال. [المقرّر].

[758] 5- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ إِذَا قَصَّ أَظْفَارَهُ بِالْحَدِيدِ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ أَوْ حَلَقَ قَفَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَهُ بِالْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، سُئِلَ فَإِنْ صَلَّى وَلَمْ يَمْسَحْ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَاءِ؟ قَالَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ نَجِسٌ، وَقَالَ: لِأَنَّ الْحَدِيدَ لِبَاسُ أَهْلِ النَّارِ، وَالذَّهَبَ لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ((1)*).

وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَمْسَحُ بِالْمَاءِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَيَأْتِي أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدِيدِ((3)*) وَفِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ السَّابِقَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ هُنَا((4)*) وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الرُّعَافِ أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((5)*).

[5] - فقه الحديث:

الجَزُّ: القطع، يقال: جَزَزْتُ الصوفَ والفجل أَجُزُّهُ جَزّاً: إذا قطعته وأخذتهبِالْمِجَزِّ بكسر الميم وفتح الجيم((6)).

ص: 336


1- ([1]*) الاستبصار 1: 96/ 311.
2- ([2]*) التهذيب 1: 425/ 1353.
3- ([3]*) يأتي في الحديث 6 من هذا الباب.
4- ([4]*) تقدّم في الباب 3 من هذه الأبواب.
5- ([5]*) تقدّم في الحديث 7 من الباب 6، والحديث 6، 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
6- - مجمع البحرين4: 9، مادة: جزز.

وقد دلّ علی أنّ من قصّ أظفاره أو حلق شعر رأسه أو قفاه بالحديد فإنّ عليه أن يمسح موضع القص أو الحلق بالماء قبل أن يصلّي، وظاهره لزوم ذلك؛ لأنّه قال في الجواب عمّن صلّی من دون أن يمسح الموضع بالماء: إنّ عليه إعادة الصلاة أو المسح بالماء وإعادة الصلاة كما في التهذيب، معلّلاً ذلك بنجاسة الحديد وبأنّه لباس أهل النار، كما أنّ لباس أهل الجنّة الذهب.

وهذا الحديث مخالف لما يأتي ممّا يدلّ على طهارة الحديد كما في الحديث التالي.

وقد ذكر له الماتن حملين:

أوّلهما: ما عن الشيخ(قدس سره) من الحمل على استحباب المسح بالماء وإعادة الصلاة، ولعلّه لخباثة الحديد، ولكن يبقى الكلام في وجه إعادة الصلاة.

وثانيهما: الحمل على التقيّة؛ لما مرّ في الحديث الأوّل من هذا الباب من أنّ العامّة في ذلك الزمان كانوا يرون حلق الشعر وقصّ الأظفار من جملة نواقض الوضوء فلذا أمر (علیه السلام) بإعادة الصلاة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في الاستبصار إلى عمّار، وهو عمّار الساباطي، وقد مرّذكره في الباب الرابع من أبواب الماء المطلق((1))، والسند موثّق.

ص: 337


1- - ايضاح الدلائل3: 115.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب إلى إسحاق بن عمّار((1))، وقد مرّ ذكره في الباب المتقدّم ذكره، وبيّنا أنّه صحيح إليه، وعليه فالسند موثّق.

كما يمكن عدّ طريق الصدوق المتقدّم في الباب التاسع من أبواب الأسآر((2)) طريقاً للشيخ؛ لروايته جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق، وطريقه في المشيخة هكذا: «أبي2، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار»((3))، وهذا الحديث بهذا الطريق من جملتها، فيكون السند موثقاً.

ص: 338


1- - أقول: الظاهر أنّ الصحيح - كما في السند السابق عليه في التهذيب، وفي مواضع عديدة منه، وفي الاستبصار 1: 96، ب 57 من أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ح 5 - : عمّار بن موسی أي الساباطي. [المقرّر].
2- - ايضاح الدلائل4: 410.
3- - من لا يحضره الفقيه4: 423، المشيخة.

[759] 6- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ أَيَمْسَحُهُ بِالْمَاءِ؟ فَقَالَ: لَا، هُوَ طَهُورٌ((1)*).

[6] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «أظفاره»، في نسخة: أظافيره، وهي جمع أظفور، كأسبوع وأسابيع، دلّ على عدم وجوب مسح محلّ الأظفار والشارب بالماء إذا أخذ المكلّف منهما، والظاهر في الأخذ أن يكون بالحديد فيكون هذا الحديث دالّاً على طهارة الحديد، ويحتمل في قوله (علیه السلام) : «هو طهور»، أن يراد أنّ موضع الأخذ طاهر فلا يحتاج إلى تطهير، أو يراد أنّ الأخذ من الأظفار والشارب مطهِّر فكيف يكون موجبا للتطهير؟

سند الحديث:

سند الصدوق إلى إسماعيل بن جابر - كما في المشيخة - : «وما كان فيه عن إسماعيل بن جابر فقد رويته عن محمد بن موسی بن المتوكل2، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر»، وهو معتبر، وأمّا إسماعيل بن جابر فقد تقدّم أنّه الجعفي((2)) وهو ثقة، وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 339


1- ([1]*) الفقيه 1: 38/ 141.
2- - ايضاح الدلائل2: 389.

[760] 7- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَخَاهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي قَالَ: يَنْصَرِفُ فَيَمْسَحُهُ بِالْمَاءِ وَلَا (يُعِيدُ صَلَاتَهُ)((1)*) تِلْكَ((2)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ من أخذ من شعره - وظاهره الأخذ بالحديد - ولم يمسح موضع الأخذ بالماء وصلی فإنّ عليه أن يمسح الموضع بالماء بعد الصلاة ولا يعيدها، وهو محمول على استحباب المسح بالماء. هذا بحسب ما نقله الماتن، ولكنّ الموجود في المصدر: «ولا يعتدّ بصلاته»، وهو يدلّ على أنّ عليه قطع الصلاة والمسح بعد ذلك بالماء، ولا يعتدّ بتلك الصلاة التي صلّاها من دون أن يمسح بالماء، فعليه أن يعيدها بعد المسح بالماء. ويمكن حمل ذلك على الاستحباب.

سند الحديث:

فيه: عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثّق كما مرّ((3))، وقد سبق أنّه يمكن تصحيح السند بوجوه ثلاثة وبها يمكن تصحيح جميع روايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((4)).

ص: 340


1- ([1]*) في المصدر: يعتدّ بصلاته.
2- ([2]*) قرب الإسناد: 91.
3- - ايضاح الدلائل1: 391.
4- - التقيّة1: 452- 454.

وعليه فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، الأوّل معتبر بسنديه، والثاني صحيح بسنديه، والثالث صحيح، والرابع معتبر بسنده الأوّل وموثّق بسنده الثاني، والخامس موثّق بسنديه، والسادس والسابع معتبران.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ تقليم الأظفار وجزّ الشارب والأخذ من شعر اللحية والرأس لا ينقض الوضوء ولا الغسل.

2- أنّ تقليم الأظفار وجزّ الشارب والأخذ من شعر اللحية والرأس سنّة وطهور وزيادة تطهير.

3- أنّه لا يجب المسح بالماء علی الأظفار ولا علی محلّ شعر الشارب والرأس بعد الأخذ منها بالحديد وإنّما يستحب ذلك.

4- أنّ استحباب المسح بالماء مخصوص بما إذا كان أخذ الظفر أو الشعر بالحديد، دون ما إذا أُخذ بغيره.

5- أنّ الحديد طاهر فلا يلزم تطهير ما لاقاه.

ص: 341

ص: 342

15- بَابُ أَنَّ أَكْلَ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ بَلْ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِدْخَالَ أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

15- بَابُ أَنَّ أَكْلَ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ بَلْ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِدْخَالَ أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

من جملة الأمور التي قد يتوهّم نقضها للوضوء: أكل ما غيّرت النار أو مسّته من اللحم أوالعجين أوغيرهما، وكذا شرب ألبان أوأبوال الأنعام الثلاثة بغضّ النظر عن خباثتها أوحرمتها، ومطلق الأكل والشرب، وإدخال أيِّ شيء ولو لم يكن أكلاً أوشرباً.

وأحاديث الباب حصرت الناقض في ما يخرج من المخرجين، ونفت النقض عن تناول ما ذُكر بالخصوص أو بالعموم.

أقوال الخاصّة:

قال العلّامة في التذكرة: «لا وضوء من أكل ما مسّته النار ذهب إليه علماؤنا أجمع، وبه قال علي (علیه السلام) ، وجماعة من الصحابة، وعامّة الفقهاء»((1))، وقال أيضاً: «أكل لحم الجزور لا يوجب الوضوء، ذهب إليه علماؤنا أجمع، وهو قول أكثر العلماء»((2)).

ص: 343


1- - تذكرة الفقهاء1: 114.
2- - المصدر نفسه.

أقوال العامّة:

قال ابن رشد: «اختلف الصدر الأوّل في إيجاب الوضوء من أكل ما مسّته النار، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول الله|. واتفق جمهور فقهاء الأمصار بعد الصدر الأوّل على سقوطه ... ولكن ذهب قوم من أهل الحديث: أحمد وإسحاق، وطائفة غيرهم أنّ الوضوء يجب فقط من أكل لحم الجزور»((1)).

قال ابن قدامة في المغني: «إنّ أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كلّ حال نيئاً ومطبوخاً عالماً كان أو جاهلاً، وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيی بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي. قال الخطابي ذهب إلى هذا عامّة أصحاب الحديث، وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال»((2))، وقال أيضاً: «وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه سواء مسّته النار أو لم تمّسه، هذا قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين وأُبي بن كعب وابن مسعود وابن عبّاس وعامر بن ربيعة وأبي الدرداء وأبي أمامة وعامّة الفقهاء، ولا نعلم اليوم فيه خلافاً. وذهب جماعة من السلف إلى إيجاب الوضوء ممّا غيّرت النار، منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو طلحة وأبو موسی وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن والزهري»((3)).

ص: 344


1- - بداية المجتهد1: 36.
2- - المغني1: 179.
3- - المصدر نفسه: 184.

[761] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَبْوَالِهَا وَلُحُومِهَا؟ فَقَالَ: لَا تَوَضَّأْ مِنْهُ الْحَدِيثَ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

للحديث تتمّة كان الأولی للماتن إيرادها لاختلاف المعنی بين نقل الكليني ونقل الشيخ، أمّا علی نقل الكليني فهي: «إن أصابك منه شيء أو ثوباً لك، فلا تغسله إلّا أن تتنظّف»، ويكون المراد بالوضوء: الغَسل، فمعنی «لا توضّأ منه - أي ممّا ذُكر - إن أصابك منه شيء»: لا تغسل الثوب والبدن إن أصابك شيء، فلا تغسله إلّا إن أردت التنظيف.

وأمّا علی نقل التهذيب والاستبصار، فهي: «وإن أصابك شيء منه أو ثوباً لك، فلا تغسله إلا أن تتنظّف» فيكون المراد الوضوء الاصطلاحي، والحديث دالّ علی ما في عنوان الباب، وهو عدم نقض الأكل والشرب للوضوء، والواو استئنافية، والجملة الشرطية بعدها دالّة علی أنّ إصابة تلك الألبان والأبوال واللحوم للجسدأو الثوب لا توجب التطهير، والغَسل إنّما يكون للتنظيف لا التطهير.

ص: 345


1- ([1]*) الكافي 3: 57/ 2، ويأتي بتمامه في الحديث 5 من الباب 9، وقطعة منه في الحديث 6 من الباب 7 من أبواب النجاسات.
2- ([2]*) التهذيب 1: 264/ 771، والاستبصار 1: 178/ 620.

سند الحديث:

أورد الماتن له سندين:

أولّهما: سند الكليني، وقد سبق الكلام في أفراده، وفيه: حمّاد، أي ابن عيسی، وحريز، أي ابن عبد الله السجستاني، وهو معتبر.

وثانيها: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وقد سبق الكلام فيه، وهو معتبر أيضاً.

ص: 346

[762] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ شُرْبِ اللَّبَنِ أَلْبَانِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَأَبْوَالِهَا وَلُحُومِهَا؟ فَقَالَ: لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

الظاهر أنّ المراد بالوضوء هو الوضوء الاصطلاحي الشرعي، لا الغَسل، فيكون الحديث دالّاً على أنّ تناول الطعام وشرب ألبان الإبل والغنم وأبوالها وأكل لحومها لا ينقض الوضوء، ولعلّ الداعي للسؤال عن ذلك هو ما عند طائفة من العامّة من نقض الوضوء بأكل ما مسّته النار، وأكل لحم الإبل وشرب اللبن.

سند الحديث:

فيه: النضر، وهو النضر بن سويد، وقد مرّ أنّه ثقة صحيح الحديث((2))، وفيه أيضاً سليمان بن خالد وقد سبق أنّه ثقة((3))، وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 347


1- ([1]*) التهذيب 1: 350/ 1035، والاستبصار 1: 96/ 312.
2- - ايضاح الدلائل1: 149.
3- - المصدر السابق: 76.

[763] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ، لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ تناول ما غيّرت النار لا ينقض الوضوء، وحصر الوضوء بما يخرج، أي من السبيلين، من بول أو غائط أو ريح، لا ممّا يدخل وإن لم يكن طعاماً مسّته النار أم لم تمسّه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وهو صحيح.

ص: 348


1- ([1]*) التهذيب 1: 350/ 1034.

[764] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَكَلَ لَحْماً وَسَمْناً((1)*) هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ لَبَناً لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ، وَيَتَمَضْمَضَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ| يُصَلِّي وَقَدْ أَكَلَ اللَّحْمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ، وَإِنْ كَانَ((2)*) لَبَناً لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ، وَيَتَمَضْمَضَ((3)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ نَقْضِ الْوُضُوءِ.

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من كان علی وضوء ثم أكل لحماً وسمناً أو سمكاً - كما في نسخة - فله أن يصلّي من غير أن يغسل يده، وأمّا لو كان ما تناوله لبناً فلا يصلّي حتی يغسل يده ويتمضمض، وفيه الاستشهاد بفعل النبي|، وقد حمله الشيخ في الاستبصار علی استحباب غَسل اليد والمضمضة قبل الصلاة، دون الفرض والإيجاب، وهو يدلّ علی نفي نقض الوضوء حتّی لو تنزّلنا وقلنا إنّ الأمر بغَسل اليد والمضمضة محمول علی الوجوب.

ص: 349


1- ([1]*) في نسخة: أو سمكاً (منه قده).
2- ([2]*) وفي نسخة: أكل (منه قده).
3- ([3]*) التهذيب 1: 350/ 1033، والاستبصار 1: 96/ 313.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن الحسن بن علي وهو ابن فضّال، وعمرو بن سعيد هو المدائني، ومصدّق بن صدقة هو المدائني، وعمّار بن موسی هو الساباطي وقد مضی الكلام في أفراده، وهو موثّق.

ص: 350

[765] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ| تَوَضَّؤُوا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْكُمْ((1)*) وَلَا تَوَضَّؤُوا((2)*) مِمَّا يَدْخُلُ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ طَيِّباً وَيَخْرُجُ خَبِيثاً((3)*).

أَقُولُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ((4)*)، وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ فِي أَحَادِيثِ عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَلَا بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((5)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على نفي الوضوء من كلّ ما يؤكل أو يُشرب ونقض المأكول والمشروب الخارج من السبيلين، وأنّه خبيث، والظاهر أنّه بمعنی النجس، يُتوضّأ منه ويقيّد بما دلّ علی عدم ذلك من المذي والوذي والدم والقيح والنخامة وغيرها مما تقدّم.

ص: 351


1- ([1]*) منكم: ليس في المصدر.
2- ([2]*) في نسخة: تتوضّؤوا (منه قده).
3- ([3]*) علل الشرائع: 282/ 1.
4- ([4]*) تقدّم في الباب 3 من هذه الأبواب.
5- ([5]*) يأتي في الباب 49، 64 من أبواب آداب المائدة.

سند الحديث:

هذا السند مقرون ينحلّ إلى أربعة أسانيد:

أحدها: الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنّی الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

والثاني: الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

والثالث: الصدوق، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنّی الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

والرابع: الصدوق، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

وفيه: محمد بن أورمة، قال عنه النجاشي: «أبو جعفر القمّي ذكره القمّيون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتی دُسّ عليه من يفتك به، فوجدوه يصلّي من أوّل الليل إلى آخره فتوقّفوا عنه. وحكی جماعة من شيوخ القمّيين عن ابن الوليد أنّه قال: محمد بن أورمة طعن عليه بالغلو، وكلّ (فكل) ما كان في كتبه ممّا وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به، وما تفرّد به فلا تعتمده، وقال

ص: 352

بعض أصحابنا: إنّه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث (علیه السلام) إلى أهل قم في معنی محمد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به. وكتبه صحاح، إلا كتاباً ينسب إليه، ترجمته تفسير الباطن، فإنّه مخلّط.

كتبه: «كتاب الوضوء، كتاب الصلاة ... »((1))، وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، وضعّفه في باب من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) ((2))، وقال في الفهرست: «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد، وفي رواياته تخليط، أخبرنا بجميعها - إلّا ما كان فيها من تخليط أو غلو - ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عنه.

وقال أبو جعفر ابن بابويه: محمد بن أورمة طعن عليه بالغلو، فكلّما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره، فإنّه معتمد عليه ويفتی به، وكلّما تفرّد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد»((3)).

وقال ابن الغضائري: «محمد بن أورمة أبو جعفر القمّي، اتهمه القمّيون بالغلو، وحديثه نقيّ لا فساد فيه، وما رأيت شيئاً ينسب إليه تضطرب فيه النفس إلّا أوراقاً في تفسير الباطن، وما يليق بحديثه، وأظنّها موضوعة عليه، ورأيت كتاباً خرج من أبي الحسن علي بن محمد (علیهما السلام) إلى القمّيين في براءته ممّا قذف به (وحسن عقيدته، وقرب) منزلته.

ص: 353


1- - رجال النجاشي: 329/ 891.
2- - رجال الطوسي: 367/ 5463، 448/ 6362.
3- - فهرست الطوسي: 220/ 620.

وقد حدّثني الحسن بن محمد بن بندار القمّي (رحمه الله) قال: سمعت مشايخي يقولون: إنّ محمد بن أورمة لمّا طعن عليه بالغلو (اتفقت...) الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلي الليل من أوّله إلى آخره ليالي عديدة، فتوقّفوا عن اعتقادهم»((1)).

والحاصل: أنّ نسبة الغلو غير ثابتة، كما أنّه رُوي عنه ما ينافي الغلو وما يدلّ على قوّة إيمانه وحسن عقيدته.

ثمّ إنّ هناك رواية تدلّ على جلالته وهي ما رواها الراوندي في الخرائج حيث قال: «روي عن ابن أورمة قال: حملت امرأة معي شيئاً من حلي وشيئاً من دراهم وشيئاً من ثياب فتوهّمتُ أنّ ذلك كلّه لها ولم أحتط عليها أنّ ذلك لغيرها فيه شيء؟، فحملت إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا فوجّهت ذلك كلّه إليه، وكتبت في الكتاب إنّي قد بعثت إليك من قبل فلانة بكذا، ومن قبل فلان وفلان بكذا، فخرج في التوقيع: قد وصل ما بعثت من قبل فلان وفلان ومن قبل المرأتين، تقبّل الله منك ورضي الله عنك وجعلك معنا في الدنيا والآخرة.

فلمّا سمعت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنّه غير كتابه، وأنّه قد عمل على دونه؛ لأنّي كنت في نفسي على يقين أنّ الذي دفعت إليَّ المرأة كان كلّه لها، وهي امرأة واحدة، فلمّا رأيت امرأتين اتهمت موصل كتابي، فلمّا انصرفت إلى البلاد جاءتني المرأة فقالت: هل أوصلت بضاعتي؟ فقلت: نعم، قالت:

ص: 354


1- - الرجال لابن الغضائري: 93- 94/ 133.

وبضاعة فلانة؟ قلت: هل كان فيها لغيرك شيء؟ قالت: نعم، كان لي فيها كذا ولأختي فلانة كذا، قلت: بلی أوصلت [ذلك. وزال ما كان عندي]»((1)).

وهي وإن كانت مرسلة، وهو الراوي لها وعليه لا تستفاد وثاقته منها، إلا أنّ للراوندي طريقاً صحيحاً للشيخ الطوسي، وهو واسطة واحدة، ويتكوّن من جماعة من الثقات منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي، على ما في مقدمة كتابه الخرائج والجرائح((2))، وللشيخ طريق معتبر إلى محمد بن أورمة، وبهذا يكون طريق الراوندي إليه معتبراً، وتكون الرواية دالّة على القدر المتيقّن وهو حُسنه.

وفيها أيضاً: سعيد بن أحمد، والظاهر أنّه عامّي، وذكره بعضهم باسم سعيد بن يحمد، ولم يُنقل عن أحد من علماء العامّة قدح فيه، قال ابن أبي حاتم الرازي: «سعيد بن محمد أبو السفر الهمداني روی عن ابن عبّاس والبراء بن عازب وناجية بن كعب، روى عنه أبو إسحاق الهمداني ومطرف ويونس بن أبي إسحاق وابنه عبد الله وشعبة ومالك بن مغول، سمعت أبي يقول ذلك. حدّثنا عبد الرحمن حدثنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إليّ قال: سألت يحيى بن معين عن أبي السفر فقال اسمه: سعيد بن أحمد الثوري، ثور همدان كوفي ثقة. سمعت أبي يقول: أبو السفر صدوق»((3)).

ص: 355


1- - الخرائج والجرائح1: 378، بحار الأنوار50: 52/ 26.
2- - المصدر نفسه: 17.
3- - الجرح والتعديل4: 73/ 307.

وقال ابن شاهين: «و أبو السفر سعيد بن أحمد الثوري، ثور همدان ثقة كوفي»((1)).

وقال المزي: «قال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، قيل: مات سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومئة. روى له الجماعة»((2)).

فإن أوجبت أقوالهم الاطمئنان بوثاقته فهو وإلّا بقي بلا توثيق.

وعلى هذا فالأسانيد الأربعة كلّها معتبرة إذا حصل الاطمئنان بوثاقة سعيد بن أحمد.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، الأوّل معتبر بسنديه، والثاني والثالث صحيحان، والرابع موثّق، والخامس معتبر بأسانيده الأربعة على تقدير.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- عدم نقض الأكل والشرب للوضوء، وإصابة ألبان الأنعام وأبوالها ولحومها للجسد أو الثوب لا توجب التطهير، وغَسلها عنهما إنّما يكون للتنظيف لا التطهير.

2- أنّ تناول ما غيّرت النار لا ينقض الوضوء، والموجب للوضوء محصور بما يخرج من السبيلين إلا ما استثني سابقاً.

3- الراجح غَسل اليد والمضمضة قبل الصلاة إذا تناول لبناً.

ص: 356


1- - تاريخ أسماء الثقات: 99/ 452.
2- - تهذيب الكمال11: 102/ 2375.

16- بَابُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الدَّوَا ءِ وَخُرُوجَ النَّدَى وَالصُّفْرَةِ مِنَ الْمَقْعَدَةِ وَالنَّاصُورِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ء

اشارة

16- بَابُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الدَّوَاءِ وَخُرُوجَ النَّدَى وَالصُّفْرَةِ مِنَ الْمَقْعَدَةِ وَالنَّاصُورِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوء

أقوال الخاصّة:

قال العلّامة في التذكرة: «لو خرج من أحد السبيلين دود، أو غيره من الهوام، أو حصی أو دم غير الثلاثة، أو شعر، أو حقنة، أو أشياف، أو دهن قطّره في إحليله، لم ينقض، إلّا أن يستصحب شيئاً من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((1))، وذكر نحوه في المنتهی((2)).

أقوال العامّة:

قال في المغني: «إن قطّر في إحليله دهناً ثمّ عاد فخرج نقض الوضوء،... ولو احتشى قطناً في ذكره ثمّ خرج وعليه بلل نقض الوضوء... فإن خرج ناشفاً ففيه وجهان:

أحدهما: ينقض لأنّه خارج من السبيل فأشبه سائر الخوارج.

ص: 357


1- - تذكرة الفقهاء1: 101.
2- - منتهی المطلب1: 188.

والثاني: لا ينقض لأنّه ليس بين المثانة والجوف منفذ فلا يكون خارجاً من الجوف.

ولو احتقن في دبره فرجعت أجزاء خرجت من الفرج نقضت الوضوء، وهكذا لو وطئ امرأته دون الفرج فدبّ ماؤه فدخل الفرج ثمّ خرج نقض الوضوء وعليهما الاستنجاء؛ لأنّه خارج من السبيل لا يخلو من بلّة تصحبه من الفرج، فإن لم يعلما خروج شيء منه احتمل وجهين:

أحدهما: النقض فيهما؛ لأنّ الغالب أنّه لا ينفك عن الخروج فنقض كالنوم.

والثاني: لا ينقض؛ لأنّ الطهارة متيقّنة فلا تزول عنها بالشك، لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزّراقة ثم أخرجه نقض الوضوء، وكذلك لو أدخل فيه ميلاً أو غيره ثمّ خرج نقض الوضوء؛ لأنّه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج.

فصل: قال أبو الحارث سألت أحمد عن رجل به علّة ربما ظهرت مقعدته؟ قال: إن علم أنّه يظهر معها ندی توضّأ، وإن لم يعلم فلا شيء عليه، ويحتمل أنّ أحمد إنَّما أراد ندى ينفصل عنها؛ لأنّه خارج من الفرج متّصل فنقض كالخارج علی الحصی، فأمّا الرطوبة اللازمة لها فلا تنقض...»((1)).

ص: 358


1- - المغني1: 161- 162.

[766] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَدْخِلَ الدَّوَاءَ ثُمَّ يُصَلِّيَ وَهُوَ مَعَهُ أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَطْرَحَهُ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ((2)*).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ((3)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ استدخال الدواء وبقاءه في الجوف لا ينقض الوضوء، ودلّ قوله (علیه السلام) : «ولا يصلّي حتّی يطرحه» علی أنّه إذا طرحه لم ينقض الوضوء أيضاً، وقد حُمل النهي عن الصلاة قبل إخراج الدواء علی الكراهة، وعُلّل ذلك - كما في ملاذ الأخيار - بأنّ الدواء غالباً يُسهّل، فيمكن أن يجيء منه حدث في الصلاة بإيجاد سببه، أو لمنافاته لحضور القلب، أو لكلا الأمرين((4)).

سند الحديث:

ذكر له الماتن ثلاثة أسانيد:

الأوّل: سند الكليني، وفيه: محمد بن يحيی، وهو العطّار، وفيه أيضاً:

ص: 359


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ 7، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 33 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 345/ 1009.
3- ([3]*) قرب الإسناد: 88.
4- - ملاذ الأخيار3: 6.

العمركي، وهو العمركي بن علي أبو محمد البوفكي الخراساني، والسند صحيح.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب، وقد مضی الكلام في إسناد الشيخ إلی الكليني((1))، فالسند كسابقه صحيح.

والثالث: سند الحميري في قرب الإسناد، وقد سبق أنّ فيه: عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثّق كما مرّ، وقد سبق أنّه يمكن تصحيح السند((2)). وعليه فالسند معتبر.

ص: 360


1- - ايضاح الدلائل1: 82- 83.
2- - التقيّة1: 452- 454 و ايضاح الدلائل1: 391- 393.

[767] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ النَّاصُورِ((1)*) أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: إِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثَلَاثٌ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الصَّدُوقُ((3)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الناسور غير ناقض للوضوء، سواء سال الدم منه أم لم يسل، كما دلّ على حصر الناقض في ثلاثة أشياء: البول والغائط والريح، وهذا الحصر إضافي بالنسبة لما يخرج من الطرفين غير هذه الثلاثة كالدم ونحوه.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث، وتكلّمنا فيها عند بيان سند الحديث السادس من الباب الثاني من هذه الأبواب((4)):

الأوّل: سند الكليني، وقد سبق أنّ محمد بن سهل ممدوح، ويمكن تصحيح الحديث بناء على قبول شهادة الكليني والصدوق بصحّة أحاديث كتابيهما.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو كسابقه.

والثالث: سند الصدوق في عيون الأخبار، وهو كسابقيه.

ص: 361


1- ([1]*) في المصدر: الناسور.
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 2.
3- ([3]*) تقدّم عنهما في الحديث 6 من الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء.
4- - في الصفحة: 48- 49.

[768] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) وَأَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ: إِنَّ بِي جُرْحاً فِي مَقْعَدَتِي فَأَتَوَضَّأُ ثُمَّ أَسْتَنْجِي ثُمَّ أَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّدَى وَالصُّفْرَةَ تَخْرُجُ مِنَ الْمَقْعَدَةِ أَفَأُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: قَدْ أَنْقَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ رُشَّهُ بِالْمَاءِ وَلَا تُعِدِ الْوُضُوءَ((1)*).

وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَشْيَمَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بِي خُرَاجاً((2)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَشْيَمَ، عَنْ صَفْوَانَ مِثْلَهُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من كان به جرح أو خراج في المقعدة ووجد - بعد الاستنجاء وغَسل الموضع وتنقيته عن الغائط - صفرة وندی تخرج من المقعدة، لم يجب عليه الوضوء، فإنّ خروج الصفرة والندی بعد الاستنجاء غير ناقض للوضوء، والأمر برشّ الموضع بالماء إمّا أن يراد به غَسل الموضع لنجاسة الصفرة، وإمّا

ص: 362


1- ([1]*) التهذيب 1: 347/ 1019.
2- ([2]*) التهذيب 1: 46/ 131.
3- ([3]*) الكافي 3: 19/ 3.

يراد به الرش حقيقة لأجل دفع توهّم نجاسة الندى والصفرة بناء على طهارتهما، لكون الأصل طهارتهما، ولعدم العلم بكون الصفرة دماً مخلوطاً، كما أفاده العلّامة المجلسي(قدس سره) ((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب، وقد سبق أنّ طريقه إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح((2)).

وفي السند: علي بن السندي، قال عنه الكشّي «نصر بن الصباح قال: علي بن إسماعيل ثقة، وهو علي بن السندي لقب إسماعيل بالسندي»((3)). لكن نصر بن الصباح البلخي وإن نقل عنه الكشّي في عدّة موارد من كتابه إلا أنّه غالٍ فلا يعتمد على كلامه .

ومن أين لنا العلم باتحاد علي بن السندي مع علي بن إسماعيل بن شعيب؟، فهما وإن كانا في طبقة واحدة واشتركا في بعض من يرويان عنه ومن يروي عنهما إلّا أنّ ما يختلفان فيه - في الراوي عنهما ومن رويا عنه - أكثر، ولم يرد في علي بن السندي ما يدلّل على وثاقته بالخصوص، إلّا أنّه ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((4)).

ص: 363


1- - مرآة العقول13: 63.
2- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
3- - اختيار معرفة الرجال2: 860/ 1119.
4- - أصول علم الرجال1: 230.

وأمّا صفوان فهو صفوان بن يحيى، وعلى هذا كلّه فالسند معتبر.

والثاني: سند الشيخ أيضاً في التهذيب، وفيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

وأمّا علي بن أشيم فقد ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «علي بن أحمد بن أشيم، مجهول»((1))، وعليه يكون السند ضعيفاً.

والثالث: سند الكليني، وفيه : محمد بن يحيی، وهو العطّار، والسند ضعيف، ولكن يمكن أن يصحّح بناء على قبول شهادة الكليني بصحّة ما في الكافي.

ص: 364


1- - رجال الطوسي: 363/ 5380.

[769] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلَ الرِّضَا (علیه السلام) رَجُلٌ، وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ صَفْوَانَ((1)*).

أَقُولُ: وَفِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ دَلَالَةٌ عَلَى مَضْمُونِ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ((2)*).

المتحصل من الأحادیث

[4] - فقه الحديث:

متنه كمتن الحديث السابق فيدلّ على ما دلّ عليه سابقه.

سند الحديث:

الضمير في «عنه» يرجع إلى محمد بن يحيى العطّار، وهو غير موجود في المصدر، لكنّه لابدّ منه، وإلّا كان مرسلاً، فهذا السند معلّق على سابقه، وأحمد ابن محمد هو ابن عيسى الأشعري، وابن أبي نصر هو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، فالسند صحيح.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، أوّلهما صحيح بسنديه الأوّل والثاني، ومعتبر بسنده الثالث، وثانيها حسن بأسانيده الثلاثة، وثالثها معتبر بسنده الأوّل وضعيف بسنده الثاني والثالث، وإن كان يمكن تصحيح السند الثالث، ورابعها صحيح.

ص: 365


1- ([1]*) الكافي 3: 19/ ذيل الحديث 3.
2- ([2]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الباب 2، من هذه الأبواب، خصوصاً في الحديث 6 منه، وفي الحديث 3، 5 من الباب 15 من هذه الأبواب.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ استدخال الدواء وبقاءه في الجوف وطرحه بعد ذلك لا ينقض الوضوء.

2- كراهة الصلاة بالدواء المستدخل في الجوف.

3- أنّ الناسور غير ناقض للوضوء مطلقاً، سال الدم منه أم لم يسل.

4- أنّ الناقض الخارج من الطرفين محصور في ثلاثة أشياء: البول والغائط والريح.

5. أنّ خروج الصفرة والندی من المقعدة - بعد الاستنجاء - غير ناقض للوضوء، والأمر بالرشّ إمّا لنجاسة الصفرة أو لدفع توهّم نجاستها.

ص: 366

17- بَابُ أَنَّ قَتْلَ الْبَقَّةِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَالذُّبَابِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ وَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام)

اشارة

17- بَابُ أَنَّ قَتْلَ الْبَقَّةِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَالذُّبَابِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام)

شرح الباب:

تضمّن عنوان الباب حكمين:

أوّلهما: أنّ قتل المذكورات لا ينقض الوضوء، وهو المستفاد من الحديث الوحيد في هذا الباب.

وثانيهما: أنّ الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة (علیهم السلام) - وإن كان موبقاً - لكنّه لا ينقض الوضوء، وهو المستفاد من ظاهر أحاديث الباب الثاني من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الأقوال:

لا خلاف عند الخاصّة في أنّ قتل المذكورات لا ينقض الوضوء، ولم نجد من العامّة قائلاً بالنقض بذلك.

وأمّا الكذب على الله ورسوله والأئمة (علیهم السلام) فلم يذهب أحد من الخاصّة إلى القول بنقضه، وحملوا ما دلّ بظاهره عليه على استحباب إعادة الوضوء، وعلى نقص ثوابه.

ص: 367

[770] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْبَقَّةَ وَالْبُرْغُوثَ وَالْقَمْلَةَ وَالذُّبَابَ فِي الصَّلَاةِ أَيَنْقُضُ صَلَاتَهُ وَوُضُوءَهُ؟ قَالَ: لَا((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: أَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ السَّابِقَةُ دَالَّةٌ عَلَى جَمِيعِ مَضْمُونِ الْبَابِ((3)*)، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا ظَاهِرُهُ انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ| وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام) وَأَنَّ الشَّيْخَ حَمَلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى نَقْصِ الثَّوَابِ((4)*).

[1] - فقه الحديث:

البقّة: البعوضة، والجمع البق((5)). وقال ابن منظور: «ويقال: البقُّ الدَّارِجُ في حِيطان البيوت، وقيل: هي دُوَيْبَة مثل القملة حمراء منتنة الريح تكون في السُّرُر والجُدُر، وهي التي يقال لها بنات الحصير إذا قتلتها شَممت لها رائحة اللَّوْز المُرّ»((6)).

ص: 368


1- ([1]*) الفقيه 1: 241/ 1070، وأورده في الحديث 1 من الباب 20 من قواطع الصلاة.
2- ([2]*) الكافي 3: 367/ 2.
3- ([3]*) تقدّم في الباب 2 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي في الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
5- - الصحاح4: 1451، مادة: بقق.
6- - لسان العرب10: 23، مادة: بقق.

البرغوث: بضم الباء حشرة وثّابة عضوض((1)).

القَمْلة: جمعها: القَمْل، وهي حشرة صغيرة مؤذية تتغذّی علی الدم وتكون في شعر الإنسان أو الحيوان أو ريش الطيور، و«قيل تتولّد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوباً أو بدناً أو ريشاً أو شعراً حين يصير المكان عفناً»((2)).

الذّباب: قال الطريحي: «الذُّبَابُ كغراب معروف، وجمعه في الكثرة «ذِبَابٌ» بالكسر وفي القلة «أَذِبَّةٌ» بكسر الذال، والواحدة «ذُبَابَةٌ»، ولا تقل ذبّانة، وأصله من الذَّبِّ وهو الطرد»((3)).

دلّ على أنّ قتل البقّة والبرغوث والقملة والذّباب حال الصلاة لا ينقض الوضوء ولا يقطع الصلاة، والأحاديث الحاصرة للنواقض تدلّ على عدم ناقضيّة ما عداها، كما أنّ الفعل القليل غير الماحي لصورة الصلاة - كقتل المذكورات - ليس من قواطعها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

أوّلهما: سند الصدوق في الفقيه، والمراد بحمّاد هو حمّاد بن عثمان وسند الصدوق إليه: عن أبيه2، عن سعد بن عبد الله، والحميري جميعاً، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان((4))، وهو صحيح.

ص: 369


1- - مختار الصحاح: 33، مادة: برغث.
2- - مجمع البحرين5: 455، مادة: قمل.
3- - مجمع البحرين2: 57- 58، مادة: ذبب.
4- - من لا يحضره الفقيه4: 453، المشيخة.

وثانيهما: سند الكليني في الكافي، وهو معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً صحيحاً بسنده الأوّل، ومعتبراً بسنده الثاني.

والمستفاد منه: أنّ قتل البقّة والبرغوث والقملة والذّباب حال الصلاة لا ينقض الوضوء ولا يقطع الصلاة.

ص: 370

18- بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُو ءِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَا ءَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَوُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ

اشارة

18- بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَوُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان أمرين:

الأوّل: عدم وجوب إعادة الوضوء على من ترك الاستنجاء وتوضأ.

والثاني: وجوب إعادة الصلاة على من ترك الاستنجاء وتوضّأ وصلّی.

أقوال الخاصّة:

أمّا بالنسبة إلى الأمر الأوّل فهو «صريح المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك عند التأمّل عدم وجوب إعادة الوضوء عند ترك الاستنجاء من غير فرق بين العمد والنسيان... خلافاً للمنقول عن الصدوق، فأوجب إعادة الوضوء، والمعروف في النقل عنه في خصوص نسيان غسل مخرج البول، لكن قد يظهر من المنقول من عبارة المقنع شموله للمخرجين، وعلى كلّ حال فالخلاف منحصر فيه، إذ لم أجد له موافقاً من المتقدّمين

ص: 371

والمتأخّرين، فلعلّ خلافه غير قادح في الإجماع»((1)).

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني ف-««من ترك غسل» أي تطهير الظاهر من خروج الغائط المسمّى «النجو أو البول وصلّی أعاد الصلاة عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً» كما في المبسوط والمعتبر والنافع والمنتهی والمختلف والقواعد والدروس وغيرها... وكيف كان فقد نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا وفي المختلف إلى المشهور مع التصريح فيه بالإعادة في الوقت والخارج، وفي المدارك أنّ المسألة جزئيّة من جزئيّات من صلّى مع النجاسة... قيل: إنّه لم ينقل الخلاف هنا في وجوب الإعادة وقتاً وخارجاً إلّا عن ظاهر ابن الجنيد، حيث خصّص الوجوب بالوقت، وعن الصدوق حيث نفى الإعادة في الوقت»((2)).

أقوال العامّة:

أمّا بالنسبة إلى الأمر الأوّل فهم على قولين: قول بعدم صحّة الوضوء إذا سبق الاستنجاء، على رواية عند الحنابلة، بل اقتصر عليه صاحب كشّاف القناع، وقد نقل عن الشافعي في رواية، وقال الشافعيّة: هذا في حقّ السليم.

وقول بصحّته، لأنّ الاستنجاء من سنن الوضوء قبله عند الحنفيّة والشافعيّة والرواية المعتمدة للحنابلة، فلو أخّره جاز وفاتته السنيّة، وهو مذهب الشافعي الذي استصوبه أتباعه في النقل عنه((3)).

ص: 372


1- - جواهر الكلام2: 367- 368.
2- - جواهر الكلام2: 364.
3- - انظر: الموسوعة الفقهية4: 115، المجموع2: 97، المغني1: 90- 91، كشّاف القناع1: 80.

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني فإنّ «الطهارة من النجاسة في بدن المصلّي وثوبه شرط لصحّة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عبّاس وسعيد بن المسيّب وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى عن ابن عبّاس أنّه قال: ليس على ثوب جنابة، ونحوه عن أبي مجلز وسعيد بن جبير والنخعي، وقال الحارث العكلي وابن أبي ليلى: ليس في ثوب إعادة، ورأى طاوس دماً كثيراً في ثوبه وهو في الصلاة فلم يباله، وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلّی فقال: اقرأ عليَّ الآية التي فيها غسل الثياب»((1)).

ص: 373


1- - المغني1: 714.

[771] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ فَيَنْسَى غَسْلَ ذَكَرِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ نَحْوَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء، إلّا أنّ عليه أن يغسل ذكره لما يشترط فيه الطهارة من الخبث.

سند الحديث:

أورد الماتن الحديثَ بسندين:

أوّلهما: سند الكيني في الكافي، وقد تقدّمت أفراده، وهو صحيح.

وثانيهما: سند الشيخ في التهذيبين، وقد سبق الكلام في طريق تصحيح روايات أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه محمد بن الحسن في الكتب

ص: 374


1- ([1]*) الكافي 3: 18/ 15.
2- ([2]*) التهذيب 1: 48/ 138، والاستبصار 1: 53/ 155.

الأربعة((1))، والمراد بمحمد بن أبي حمزة هو الثمالي الذي تقدّم توثيقه بعدّة توثيقات((2))، وعليه فالحديث معتبر.

ص: 375


1- - ايضاح الدلائل1: 218.
2- - المصدر السابق3: 423.

[772] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ وَيَنْسَى أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء، ولو كان التذكّر بعد الصلاة، لكن في تركه نسياناً إعادة الصلاة بعد أن يطهّر ذكره من النجاسة، والحديث وإن كان مورده نسيان الاستنجاء من البول إلا أنّه يشمل نسيان الاستنجاء من الغائط أيضاً، كما سيأتي في الباب العاشر من أبواب أحكام الخلوة، ومعنى هذا أنّ طهارة البدن من النجاسة شرط في صحة الصلاة، وربّما يُفهم من لفظ الإعادة: الإعادة في الوقت لا غير - كما هو التعبير المعهود في كلمات الفقهاء - فيوافق رأي ابن الجنيد، لكن قال العلّامة المجلسي: «ظاهره موافق للمشهور من الإعادة في الوقت وخارجه، إذ تخصيص لفظ «الإعادة» بالوقت من مصطلحات المتأخّرين»((2)).

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن محمد بن يحيی (العطّار)، وأحمد هو ابن محمد بن

ص: 376


1- ([1]*) الكافي 3: 18/ 16.
2- - ملاذ الأخيار1: 208.

عيسى الأشعري، وابن فضّال هو الحسن بن علي، وابن بكير هو عبد الله بن بكير بن أعين، وقد تقدّم الكلام حولهم، والحديث وإن كان ضعيفاً بالإرسال إلّا أنّه يمكن تصحيحه علی مبنی قبول شهادة الكليني بصحّة ما في الكافي، أو لوجود عبد الله بن بكير وهو من أصحاب الإجماع فيصحّ ما صحّ عنه.

ص: 377

[773] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَبُولُ وَأَتَوَضَّأُ وَأَنْسَى اسْتِنْجَائِي ثُمَّ أَذْكُرُ بَعْدَ مَا صَلَّيْتُ؟ قَالَ: اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَأَعِدْ صَلَاتَكَ، وَلَا تُعِدْ وُضُوءَكَ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی محمد بن الحسن الصفّار إلی جميع كتبه ورواياته صحيح بطريق ومعتبر بآخر((2)).

وفي السند: عمرو بن أبي نصر قال عنه النجاشي: «عمرو بن أبي نصر واسمه زيد، وقيل: زياد، مولی السكون، ثم مولی يزيد (زيد) بن فرات الشَرعَبِيّ، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وهم أهل بيت له كتاب»((3)). وروى عنه المشايخ الثقات كما في هذا السند، وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 378


1- ([1]*) التهذيب 1: 46/ 133، والاستبصار 1: 52/ 150.
2- - في الصفحة: 259.
3- - رجال النجاشي: 290/ 778.

[774] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ: ذَكَرَ أَبُو مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ بَالَ يَوْماً وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ مُتَعَمِّداً فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعَ، عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ، وَيُعِيدَ صَلَاتَهُ، وَلَا يُعِيدُ وُضُوءَهُ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

الحكم بن عتيبة، عُدّ في أصحاب علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق (علیهم السلام) ، وحدّث عنهم، وقد وردت روايات في ذمّه، وقال السيد الأستاذ(قدس سره) : «لا شبهة في ذمّ الرجل، وانحرافه عن أبي جعفر (علیه السلام) ، لكنّه مع ذلك حكم الشيخ النوري بوثاقته في النقل؛ لرواية الأجلّة عنه، ولكنّك قد عرفت في ما تقدّم أنّه لا دلالة في ذلك، فالرجل لا يعتدُّ بروايته»((2)).

وقد دلّ الحديث على أنّ الترك العمدي للاستنجاء كالترك غير العمدي في الحكم، فهو لا ينقض الوضوء، وإنّما يوجب إعادة الصلاة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح بطريق ومعتبر بآخر إلى جميع كتبه ورواياته((3))، وفي السند: ابن أذينة وهو عمر بن أذينة.

ص: 379


1- ([1]*) التهذيب 1: 48/ 137، والاستبصار 1: 53/ 154.
2- - معجم رجال الحديث7: 184/ 3875.
3- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

وأمّا أبو مريم الأنصاري فهو عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن قهد أو فهد، عدّه الشيخ في رجاله تارة في أصحاب الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) وأخرى في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) وثالثة في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((1)).

وقال عنه النجاشي: «عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن قيس بن قهْد أبو مريم الأنصاري، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ثقة. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا» ويفهم منه أنّ كتابه مشهور، ووثّقه مرّة أخرى في ضمن ترجمته لأخيه عبد المؤمن((2)). وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 380


1- - رجال الطوسي: 118/ 1205، و140/ 1490، و241/ 3316.
2- - رجال النجاشي: 246- 247/ 649 و249/ 655.

[775] 5- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ((1)*)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَزَّازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَبُولُ فَيَنْسَى أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ وَ يَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، وَ لَا يُعِيدُ وُضُوءَهُ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء، إلّا أنّ عليه أن يطهّر ذكره.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلى سعد بن عبد الله معتبر((3))، والمراد من أحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري.

وأمّا محمد بن يحيى الخزّاز فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن يحيى الخزّاز كوفي، روى عن أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) ، ثقة، عين. له كتاب نوادر»((4)). وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((5))، وفي القسم الثاني من تفسير القمّي بعنوان

ص: 381


1- ([1]*) علّق المصنِّف في الهامش: (علي بن أسباط) ليس في نسخة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 48/ 139، والاستبصار 1: 54/ 156.
3- - ايضاح الدلائل3: 56.
4- - رجال النجاشي: 359/ 964.
5- - أصول علم الرجال1: 240.

محمد بن يحيى((1)) لأنّ الظاهر أنّه الخزّاز بقرينة روايته عن طلحة بن زيد فيكون ثقة عند مَن يعتبر شهادة القمي شاملة لكلا القسمين. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 382


1- - أصول علم الرجال1: 312.

[776] 6- وَعَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ الْقَصَبَانِيِّ، عَنِ الْمُثَنَّى الْحَنَّاطِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي صَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَغْسِلْ ذَكَرِي بَعْدَ مَا صَلَّيْتُ أَفَأُعِيدُ؟ قَالَ: لَا((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى عَدَمِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ جَيِّدٌ جِدّاً؛ لِمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الرَّاوِي بِعَيْنِهِ سَابِقاً((2)*)، وَلِمَا يَأْتِي((3)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ بظاهره على عدم لزوم إعادة الصلاة التي نسي الاستنجاء قبلها، ولعلّ مَن خصّص وجوب إعادة الصلاة بالوقت، أو نفی إعادتها فيه استند إلى مثل هذا الحديث، وحملُ الشيخِ له على عدم إعادة الوضوء دون الصلاة بعيد؛ لأنّ السؤال كان عن الصلاة، فيكون هذا الحديث منافياً لما دلّ على لزوم إعادة الصلاة.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن سعد بن عبد الله، والحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة هو الحسن بن علي الكوفي المتقدّم ذكره في الحديث الأوّل من الباب

ص: 383


1- ([1]*) التهذيب 1: 51/ 148، والاستبصار 1: 56/ 163.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث السابق.
3- ([3]*) يأتي في الحديثين 7، 9 من هذا الباب.

الأوّل من أبواب مقدّمات العبادات((1))، وأمّا المثنّى الحنّاط فقد مرّ أنّه مشترك بين موثّقين((2))، وعليه يكون السند معتبراً.

ص: 384


1- - ايضاح الدلائل1: 58.
2- - المصدر السابق: 118.

[777] 7- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ((1)*) وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: تَوَضَّأْتُ يَوْماً وَلَمْ أَغْسِلْ ذَكَرِي ثُمَّ صَلَّيْتُ((2)*) فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ: اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَأَعِدْ صَلَاتَكَ((3)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ مِثْلَهُ((4)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ((5)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من ترك الاستنجاء فإنّ عليه إعادة الصلاة التي صلّاها من دونه، وليس عليه إعادة الوضوء؛ فإنّ الاقتصار علی ذكر حكم الصلاة يفيد أنّ الوضوء ليس مثلها في الحكم وإلّا لذكره، وترك الاستنجاء هنا كان للنسيان لا التعمّد، لورود كلمة «فذكرت» في المصدر بعد قوله: ثمّ صلّيت.

سند الحديث:

أورد الماتن الحديثَ بثلاثة أسانيد:

ص: 385


1- ([1]*) في المصدر زيادة: «عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن»، وكتب المصنّف في الهامش (عن الحسين وهو غير جيد).
2- ([2]*) في المصدر زيادة: فذكرت.
3- ([3]*) التهذيب 1: 51/ 149، والاستبصار 1: 53/ 152 و56/ 164.
4- ([4]*) الكافي 3: 18/ 14.
5- ([5]*) الكافي 3: 19/ 2.

السند الأوّل: سند الشيخ في التهذيبين، وهو ينحلّ إلى سندين:

أحدهما: الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة.

وثانيهما: الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة. والسندان صحيحان.

والسند الثاني: سند الكليني في الكافي، وهو معتبر.

والسند الثالث: سند الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، ولم أعثر عليه في المصدر بلفظ قريب من هذا اللفظ، إلّا أن يريد الحديث التاسع الآتي وهو ما رواه عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور بن حازم، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (علیه السلام) في الرجل يتوضأ فينسی غسل ذكره، قال: «يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء».

والمضمون واحد؛ إذ إعادة الوضوء المصرّح بها هنا تُفهم من إعادة الصلاة في الحديث الذي هو محلّ الكلام. ولكن لو كان هو المراد فلم جاء به بعد أن أشار إليه؟ والتخريج الذي ذكره محقّقو هذه الطبعة من الوسائل اشتباه قطعاً، إذ خرّجوه من الكافي اعتماداً على عود الضمير في قول الماتن: «وبإسناده عن الحسين بن سعيد مثله» إلی الكليني، مع أنّه يرجع إلی الشيخ، ومع ذلك فمضمون الحديث الذي أشاروا إليه مختلف تماماً مع هذا الحديث.

ص: 386

[778] 8- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) إِنْ((1)*) أَهْرَقْتَ الْمَاءَ وَنَسِيتَ أَنْ تَغْسِلَ ذَكَرَكَ حَتَّى صَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ وَغَسْلُ ذَكَرِكَ((2)*).

قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَضَّأَ، فَأَمَّا إِذَا تَوَضَّأَ وَنَسِيَ غَسْلَ الذَّكَرِ لَا غَيْرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا تَقَدَّمَ((3)*).

أَقُولُ:

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْوُضُوءِ الِاسْتِنْجَاءُ؛ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيراً فِي الْأَحَادِيثِ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ تَفْسِيرِيّاً، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى خُرُوجِ شَيْ ءٍ مِنَ الْبَوْلِ عِنْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّهُ أَكْثَرِيٌّ غَالِبٌ.

[8] - فقه الحديث:

المراد بإهراق الماء هنا هو التبوّل، وقد دلّ الحديث علی أنّ من بال ونسي أن يغسل ذكره حتی صلّی فإنّ عليه أن يعيد الوضوء الذي توضّأه قبل الصلاة، وهذا منافٍ لما مرّ من الأحاديث الدالّة علی عدم إعادة الوضوء.

وحملُ الشيخ له على ما إذا لم يكن قد توضّأ فإنّ عليه حينئذٍ الوضوء بعيد؛ لوجود طلب إعادة الوضوء، وهو لا يكون إلّا في ما هو متحقّق.

ص: 387


1- ([1]*) في المصدر: إذا.
2- ([2]*) التهذيب 1: 47/ 136، والاستبصار 1: 53/ 153.
3- ([3]*) تقدّم في الحديثين 4، 5 من هذا الباب.

ومثله في البعد حمل الماتن له على إرادة الاستنجاء من الوضوء، لوجود طلب إعادة الوضوء، ولا معنى لطلب إعادة الاستنجاء هنا؛ إذ الفرض أنّه ناسٍ للاستنجاء فيُطلَبُ الإتيان به لا إعادته، كما أنّ العطف التفسيري خلاف الظاهر.

والحمل على خروج شيء من البول عند الاستبراء بعد الوضوء، حيث إنّه أمر أكثري غالب أيضاً بعيد؛ لأنّه قد يقال بأنه غير أكثري.

فالظاهر أنّ المتّجه الحمل على التقيّة.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن سعد بن عبد الله، وفيه: الحسين بن عثمان، وقد تقدّم أنّه مشترك بين ثلاثة كلّهم ثقات((1))، والسند معتبر.

ص: 388


1- - ايضاح الدلائل3: 272- 274.

[779] 9- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ((1)*)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ فَيَنْسَى غَسْلَ ذَكَرِهِ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ يُعِيدُ الْوُضُوءَ((2)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ فِيهِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسِّ الْفَرْجِ((3)*) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَأْتِي أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ وَفِي النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ((4)*)، وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ((5)*).

[9] - فقه الحديث:

الحديث متضمّن لمعنى الحديث السابق، بل هو أوضح منه، ولا تأتي فيه الوجوه الثلاثة المتقدّمة، فإنّ أكثريّة خروج شيء من البول عند الاستبراء قد عرفت ما فيه، ولفظ الإعادة يُبعد الحملين الأوّلين، وقوله (علیه السلام) : «يغسل ذكره ثمّ يعيد الوضوء» صريح في أنّ المراد من الوضوء هو الوضوء الشرعي لا

ص: 389


1- ([1]*) جاء في هامش المخطوط، (منه قده) ما نصه: «العجب من العلامة في المنتهى أنّه قال عند تضعيف الرواية الأخيرة: إنّ سليمان بن خالد لم ينص الأصحاب على توثيقه، وهي غفلة واضحة منه». راجع المنتهى 1: 43.
2- ([2]*) التهذيب 1: 49/ 142، والاستبصار 1: 54/ 158.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 10 من الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء.
4- ([4]*) يأتي في الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة.
5- ([5]*) تقدّم في الأبواب 1 و2 و3 من أبواب نواقض الوضوء.

الاستنجاء، ولذا عطف بثمّ، نعم، يأتي في هذا الحديث ما تقدّم من الحمل على التقيّة.

ثمّ إنّه يوجد حديث ثالث موافق لهما في المضمون يأتي في الباب العاشر من أبواب أحكام الخلوة وهو موثّق سماعة، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضّأت ونسيت أن تستنجي فذكرت بعدما صلّيت فعليك الإعادة، وإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغَسل ذكرك؛ لأنّ البول مثل البراز»((1)).

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن سعد بن عبد الله، وفيه: سليمان بن خالد، وقد مضی توثيقه بأكثر من وجه((2)). وعليه فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة أحاديث، أوّلها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وثانيها ضعيف بالإرسال إلّا أنّه يمكن القول باعتباره، وثالثها ورابعها صحيحان، وسابعها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الآخر، وباقي الأحاديث معتبرة.

والمستفاد منها أمور، منها:

ص: 390


1- - وسائل الشيعة1: 319، ب 10 من أبواب أحكام الخلوة، ح 5.
2- - ايضاح الدلائل1: 76.

1- أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء.

2- أنّ من ترك الاستنجاء من البول عليه أن يغسل ذكره لما يشترط فيه الطهارة من الخبث.

3- أنّ ترك الاستنجاء نسياناً يوجب إعادة الصلاة بعد تطهير الموضع من النجاسة.

4- أنّ الترك العمدي للاستنجاء كالترك غير العمدي في الحكم، فهو لا ينقض الوضوء، وإنّما يوجب إعادة الصلاة، بعد غَسل الموضع.

ص: 391

ص: 392

19- بَابُ حُكْمِ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْبَطَنِ

اشارة

19- بَابُ حُكْمِ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْبَطَنِ

شرح الباب:

السلَس: اسم للخارج من الإنسان، كسلَس البول وسلَس المذي وسلس الريح، قال الفيومي في المصباح: «رجل «سلِس» بالكسر بيّن «السلَس» بالفتح و«السلاسة» أيضاً سهل الخُلق و«سلس» البول استرساله وعدم استمساكه لحدوث مرض بصاحبه وصاحبه «سلِس» بالكسر»((1)).

والبَطَن: داء البَطْن، والمبطون: عليل البطن((2)).

أقوال الخاصّة:

يوجد عند الخاصّة قولان في المسلوس:

القول الأوّل: أنّه يتوضّأ لكلّ صلاة عندها، فلا يجمع بين صلاتين فما زاد بوضوء، وهذا القول هو «المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل قد يظهر من الخلاف دعوى الإجماع عليه»((3)).

ص: 393


1- - المصباح المنير1: 285، مادة: سلس.
2- - لسان العرب13: 54، مادة: بطن.
3- - جواهر الكلام2: 319.

القول الثاني: أنّه «يصلّي بوضوء واحد صلوات إلى أن يحدِثَ حدثاً آخر، كما عن المبسوط، ومال إليه بعض متأخّري المتأخّرين»((1)).

وأمّا المبطون ففيه قولان أيضاً:

القول الأوّل: إذا تجدّد حدث المبطون في الصلاة يتطهّر ويبني، «كما في الوسيلة، ومحتمل النهاية، والمعتبر، والنافع، والمنتهى، والذكرى، والدروس، واللّمعة، والروضة، وغيرها من كتب متأخّري المتأخّرين، وعن الجامع والإصباح، بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً»((2)).

القول الثاني: التفصيل بين من يتمكّن من الصلاة مع الطهارة فإنّه يتطهّر ويستأنف الصلاة من جديد، ومن لا يتمكّن فيبني على صلاته «قال العلّامة في المختلف والقواعد والإرشاد، وعن التذكرة ونهاية الإحكام: إنّه إن كان يتمكّن من حفظ نفسه بمقدار الصلاة تطهّر واستأنف الصلاة من رأس، وإن لم يكن متمكّناً من ذلك بأن كان دائماً لا ينقطع بني على صلاته من غير تجديد في الأثناء كصاحب السلس»((3)).

أقوال العامّة:

ذكر الحنفيّة «أنّ المستحاضة ومن به سلس البول أو استطلاق البطن أو انفلات الريح أو رعاف دائم أو جرح لا يرقأ يتوضّؤون لوقت كلّ صلاة...

ص: 394


1- - المصدر نفسه.
2- - جواهر الكلام2: 325.
3- - المصدر نفسه: 326.

ويصلّون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل... ويبطل الوضوء عند خروج وقت المفروضة بالحدث السابق وهو الصحيح وهو قول أبي حنيفة، وقال زفر: يبطل بدخول الوقت، وقال أبو يوسف ومحمد: يبطل بهما.

ويبقى الوضوء ما دام الوقت باقياً بشرطين: أن يتوضّأ لعذره، وأن لا يطرأ عليه حدث آخر كخروج ريح أو سيلان دم من موضع آخر.

وذهب المالكيّة إلى أنّ السلس إن فارق أكثر الزمان ولازم أقلّه فإنّه ينقض الوضوء فإن لازم النصف وأولى الجل أو الكل فلا ينقض، هذا إذا لم يقدر علی رفعه، فإن قدر على رفعه فإنّه ينقض مطلقاً ... وندب الوضوء عندهم إن لازم السلس أكثر الزمن وأولى نصفه لا إن عمّه فلا يندب، ومحلّ الندب في ملازمة الأكثر إن لم يشق، لا إن شقّ الوضوء ببرد ونحوه فلا يندب...

وذكر الشافعيّة ستّة شروط يختصّ بها من به حدث دائم كسلس واستحاضة، وهي: الشد، والعصب، والوضوء لكلّ فريضة بعد دخول الوقت... وتجديد العصابة لكلّ فريضة، ونيّة الاستباحة على المذهب، والمبادرة إلى الصلاة في الأصح... ويتوضّأ لكل فرض ولو منذوراً... ويصلّي به ما شاء من النوافل فقط، وصلاة الجنازة لها حكم النافلة، ولو زال العذر وقتاً يسع الوضوء والصلاة كانقطاع الدم مثلاً وجب الوضوء وإزالة ما على الفرج من الدم ونحوه... .

ص: 395

والحنابلة في هذا كلّه كالشافعيّة إلّا في مسألة الوضوء لكلّ فرض فإنّهم ذهبوا إلى أنّ صاحب الحدث الدائم يتوضّأ لكلّ وقت، ويصلّي به ما شاء من الفرائض والنوافل كما ذكر الحنفيّة.

والفقهاء - سوى المالكيّة - متّفقون على وجوب تجديد الوضوء للمعذور، وقال المالكيّة باستحبابه كما سبق، والوضوء يكون بعد دخول الوقت عند الشافعيّةوالحنابلة»((1)).

ص: 396


1- - الموسوعة الفقهية25: 188- 189.

[780] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقْطُرُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالدَّمُ إِذَا كَانَ حِينَ الصَّلَاةِ اتَّخَذَ كِيساً وَجَعَلَ فِيهِ قُطْناً ثُمَّ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ وَأَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى، يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُعَجِّلُ الْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُعَجِّلُ الْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصُّبْحِ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

الكِيس بالكسر: واحد أكياس الدراهم، وهو ما يخاط من خِرَقٍ مثل حِمْل وأحمال، وما يصنع من أديم وخِرَق فلا يقال له كيس، بل هو خريطة((2)).

وقد دلّ الحديث على أنّ وظيفة من يقطر من ذكره البول أو الدم أن يتحفّظ أوّلاً عن انتشار النجاسة على الثوب والبدن بأن يتّخذ كيساً ويجعل فيه قطناً ويدخل فيه ذكره، ثمّ يصلّي يجمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين، وقد قال جماعة في كيفيّة الجمع بين الصلاتين: أن يوقع صلاة الظهر في آخر فضيلتها ويوقع العصر في أوّل وقتها ليقع كلّ منهما في الفضيلة، وكذا يفعل في المغرب والعشاء.

ص: 397


1- ([1]*) الفقيه 1: 38/ 146، والتهذيب 1: 348/ 1021.
2- - مجمع البحرين4: 102، مادة: كيس.

وقوله (علیه السلام) : «ويفعل ذلك في الصبح»، أي أنّه يتّخذ الكيس عند إرادة أداء صلاة الصبح، أو أنّ المراد ذلك مع الوضوء، واحتمل المجلسي(قدس سره) مضافاً إلى هذين الاحتمالين: أنّ المراد جميع ما تقدّم، ويكون المراد بالجمع والتأخير والتعجيل: الجمع بين صلاة الليل وصلاة الصبح، فيؤخّر الأولى ويعجّل الثانية((1)).

وقد دلّ أيضاً على كفاية وضوء واحد للصلاتين، فلا يلزم تجديد الوضوء كلّما تجدّد الحدث الخاص وهو الحدث الذي ابتُلي به.

سند الحديث:

أورده الماتن بسندي الصدوق والشيخ.

أمّا الصدوق فله ثلاث طرق إلى حريز في مشيخة الفقيه:

الأوّل: - ما ذكره ضمن طريقه إلى زرارة بن أعين - وهو: عن أبيه (رضی الله عنه) ، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسی بن عبيد، والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل بن عيسی كلّهم عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله، وهو طريقه أيضاً إلى حمّاد بن عيسی((2)).

الثاني: عن أبيه ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني.

ص: 398


1- - ملاذ الأخيار3: 13.
2- - من لا يحضره الفقيه4: 425، المشيخة.

الثالث: عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسی بن المتوكّل رضي الله عنهم، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن إسماعيل ومحمد بن عيسی ويعقوب بن يزيد والحسن بن ظريف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله السجستاني((1)).

وكلّ من الطرق الثلاثة صحيح.

وأمّا طريقه إلى كتاب زكاة حريز فهو: محمد بن الحسن (رضی الله عنه) عن محمد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله.

وأيضا: أبوه (رضی الله عنه) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز. وهذا السند معتبر.

وأمّا الشيخ فله إلى كتب وروايات حريز ثلاثة طرق، وهي:

الأوّل: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد (رحمه الله) ، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن ابن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز.

وأبو القاسم جعفر بن محمد العلوي الشريف الصالح من مشايخ ابن قولويه، وابن نهيك هو عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العبّاس النخعي، الشيخ الصدوق الثقة. فهذا الطريق معتبر.

ص: 399


1- - من لا يحضره الفقيه4: 443، المشيخة.

الثاني: وأخبرنا عدّة من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن موسی بن جعفر كلّهم، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمان بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسی الجهني، عن حريز. وهذا الطريق صحيح.

الثالث: وأخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز((1)).

والحسن بن حمزة العلوي الطبري فاضل أديب عارف فقيه زاهد ورع، كثير المحاسن، له كتب وتصانيف كثيرة((2))، فهذا الطريق معتبر.

وقد عدَّ الصدوق في أوّل الفقيه كتاب حريز من الكتب المعتمدة المعوّل عليها، وعليه فهو غنيّ عن السند.

ص: 400


1- - فهرست الطوسي: 118/ 249.
2- - فهرست الطوسي: 104/ 195.

[781] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

الرَّجُلُ يَعْتَرِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَبْسِهِ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ يَجْعَلُ خَرِيطَةً((1)*).

[2]

- فقه الحديث:

دلّ على لزوم جعل الخريطة - أي إذا صلّی - وعدم العفو عن النجاسة لولا ذلك، ويظهر من الاقتصار على ذكر الخريطة - وهي ما يصنع من أديم وخِرَق كما تقدّم - عدم وجوب الوضوء، فلا أثر لقطرات البول في إيجاب الوضوء لعجز المكلّف عن حبسها، ودلّ أيضاً علی أنّ صلاة المسلوس عذريّة، فتكون بدلاً عن الصلاة التامّة، وعليه لا تصل النوبة إلى هذه الوظيفة مع التمكّن من الصلاة الاختياريّة ولو في فترة من الوقت، سواء في أوّله أم في وسطه أم في آخره؛ لأنّ المطلوب صرف وجود الصلاة الاختياريّة في الوقت، ومع التمكّن منها لا تصل النوبة إلى الصلاة الاضطراريّة. ويجب الوضوء لغير التقطير من الأحداث أو للبول الاختياري؛ لأنّه حينئذٍ غير معذور، والعذر مخصوص بالتقطير فقط.

ويُفهم من إثبات أولويّة الله تعالی بالعذر أنّ ما تقدّم جارٍ في كلّ ما هو من قِبله تعالی، فالعلّة تعمّ الغائط والريح، وعليه يلزم جعل الخريطة ونحوها علی المبطون أيضاً.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 401


1- ([1]*) الكافي 3: 20/ 5.

[782] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْمَبْطُونِ؟ فَقَالَ: يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، مِثْلَهُ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ صلاة المبطون عذريّة فتكون بدلاً عن الصلاة التامّة، ويحتمل في الحديث معنيان:

أحدهما: أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ قبل الصلاة ويصلّي ولا يعتني بما خرج منه، بل يبني علی صلاته.

وثانيهما: أنّه يتوضّأ ويصلّي فإذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضّأ ثم يبني علی صلاته.

والأظهر هو الاحتمال الأوّل.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی أحمد بن محمد بن عيسی معتبر((3)) ، وابن بكير هو عبد الله بن بكير، فالسند معتبر.

ص: 402


1- ([1]*) التهذيب 3: 305/ 941.
2- ([2]*) الكافي 3: 411/ 7.
3- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.

[783] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْعَيَّاشِيِّ أَبِي النَّضْرِ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ مَسْعُودٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: صَاحِبُ الْبَطَنِ الْغَالِبِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَرْجِعُ((1)*) فِي صَلَاتِهِ فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

ظاهر في أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويصلّي فإذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضّأ ثمّ يبني علی صلاته، ودلّ علی أن التوضّؤ أثناء الصلاة لا يُعدّ من الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة.

سند الحديث:

تقدّم سند الشيخ إلى محمد بن مسعود العيّاشي في الحديث الثاني عشر من الباب التاسع من أبواب نواقض الوضوء وقلنا: إنّه ضعيف بأبي المفضّل وبجعفر بن محمد بن مسعود العيّاشي، لكن يُصحّح بأنّ للشيخ طريقاً صحيحاً إلى مصنَّفات ومرويّات الكشّي((3)).

وفي السند: محمد بن نصير، قال عنه الشيخ: «محمد بن نصير، من أهل

ص: 403


1- ([1]*) ليس في موضع من التهذيب (ثم يرجع) هامش المخطوط.
2- ([2]*) التهذيب 1: 350/ 1036.
3- - في الصفحة: 225.

كش، ثقة جليل القدر كثير العلم، روى عنه أبو عمرو الكشّي»((1)).

وفيه: محمد بن الحسين، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب. فالسند معتبر.

ص: 404


1- - رجال الطوسي: 440/ 6284.

[784] 5- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سُئِلَ عَنْ تَقْطِيرِ الْبَوْلِ؟ قَالَ يَجْعَلُ خَرِيطَةً إِذَا صَلَّى((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

مرّ بيانه عند شرح معتبر منصور بن حازم في الحديث الثاني من هذا الباب((3)).

سند الحديث:

قوله: «عنه» أي العيّاشي، ومحمد بن عيسى هو ابن عبيد، وحمّاد هو ابن عثمان، والحلبي، هو عبيد الله بن علي الحلبي، كما تقدّم بيانه((4))، والسند معتبر.

تتمّة:

مرّ في الباب السابع من هذه الأبواب موثّق سماعة((5)) قال: سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه (قرحه) إمّا دم، وإمّا غيره؟ قال: فليضع خريطة، وليتوضّأ

ص: 405


1- ([1]*) التهذيب 1: 351/ 1037.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 9 من الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء.
3- - في الصفحة: 385.
4- - في الصفحة: 211.
5- - في الصفحة: 172.

وليصلّ، فإنَّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه((1)). وقد سبق أنّ نسخة: فرجه هي الأصح.

وقد دلّ على أنّ المسلوس لا يعيد وضوءه، وأنّ الحدث الخاص وهو تقطير البول الحاصل منه ليس بحدث في حقّه، وأنّه بلاء ابتلي به من قبل الله سبحانه، وهو غير مستند إلى اختياره فلا يجب عليه إعادة الوضوء في أثناء صلاته، إلّا أن يصدر منه حدث آخر موجب للوضوء مغاير له كإخراج الريح ونحوه.

والعلّة تعمّم الحكم إلى غير مورد الحديث أيضاً؛ لأنَّها تدلّ على أنّ كلّ حدث غير اختياري - والذي هو بلاء من قبل الله سبحانه - لا يعاد منه الوضوء، وإنّما يعاد من الحدث الاختياري المتعارف، وهو كما يشمل السلس يشمل البطن.

ويوجد حديث آخر لم يذكره الماتن، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) أنّه قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته((2)). وليس فيه: (ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي).

هذا، وقد مضى أنّ طريق الصدوق إلى كتب وروايات محمد بن مسلم ضعيف؛ لعدم توثيق أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأنّه يمكن تصحيحه بطريق الشيخ الصدوق الصحيح إلى جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد الله بواسطة شيخه محمد بن الحسن وسعد بن عبد الله حيث إنّ

ص: 406


1- - وسائل الشيعة1: 266، ب 7 من أبواب نواقض الوضوء، ح 9.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 363، ح 1043.

الصدوق يروي جميع كتبهما ورواياتهما((1)).

كما يمكن تصحيحه من جهة ما يظهر من طريق الشيخ إلى جميع كتب وروايات أحمد بن محمد بن خالد البرقي؛ فإنّ من جملتها: ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله بجميع كتبه ورواياته((2)). وهو طريق صحيح أيضاً.

وعلى هذا تكون الأحاديث الواردة في المسلوس والمبطون سبعة: أربعة في المسلوس، وثلاثة في المبطون.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها صحيح بأسانيد الصدوق الثلاثة، ومعتبر بسندي الشيخ الأوّل والثالث، وصحيح بسنده الثاني كما ذكرنا، وبقيّة أحاديث الباب معتبرة.

وقد أضفنا إلى أحاديث الباب حديثين: أوّلهما موثّق سماعة في المسلوس، وثانيهما معتبر محمد بن مسلم في المبطون، فصار مجموع أحاديث الباب سبعة.

تتميم في حكم دائم الحدث:

مَن استمرّ به الحدث يختلف حكمه باختلاف الصور الآتية:

الصورة الأولى: أن يجد فترة في جزء من الوقت يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة من دون أن يتجدّد صدور الحدث - ولو مع الاقتصار على واجباتها -

ص: 407


1- - إيضاح الدلائل4: 63.
2- - فهرست الطوسي: 64/ 65.

ففي هذه الصورة يجب ذلك، ويلزمه التأخير سواء كانت الفترة في أوّل الوقت أو في وسطه أو في آخره، فلا يجوز له الإتيان بالصلاة في غير تلك الفترة.

والسبب في ذلك وجود طائفتين من الإطلاقات:

احداها: ما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة وأنّه لا صلاة إلا بطهور.

والأخری: ما دلّ على ناقضيّة البول والغائط ونحوهما للوضوء.

ولا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأولى؛ لأنّه لو جاز أن يصلّي المسلوس والمبطون من غير طهارة للزم تجويز الصلاة مع أحداث اختياريّة أخرى كإخراج الريح مثلاً؛ لأنّهما محدثان والمحدث لا يحدث ثانياً، مع أنّه لا يمكن الالتزام بصحّة صلاتهما حينئذٍ بلا ريب.

ورفع اليد عن الطائفة الثانية وإن كان ممكناً إذا وجد الدليل - والدليل هو أحاديث هذا الباب فتكون مقيّدة للإطلاقات المذكورة - إلّا أنّ الظاهر عدم إمكان تقييدها لها؛ لأنّها مخصوصة بصورة عدم إمكان الصلاة بالطهارة، وصلاة المسلوس والمبطون عذريّة بدلاً عن التامّة المأمور بها، والفرض أنّه يمكنه الصلاة التامّة بطهارة، فيجب ذلك، ولذا كان ما نُسب إلى المحقق الأردبيلي(قدس سره) من جواز الصلاة في كل وقت أراده ولو مع الحدث((1))

بعيداً لما ذكرناه.

وأمّا إذا وجبت عليه المبادرة لكون الفترة في أوّل الوقت فأخّرها إلى آخر الوقت عصی لكن صلاته صحيحة؛ لأنّها لا تسقط؛ لشمول إطلاقات أحاديث

ص: 408


1- - مجمع الفائدة والبرهان: 1: 112.

الباب لها، فيكون لها بدل وهو الصلاة مع التحفّظ عن انتشار النجاسة.

الصورة الثانية: أن لا يجد فترة يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة مع الطهارة إلا أنّ صدور الحدث لا يزيد على مرّتين أو ثلاثة أو أزيد بما لا مشقّة في التوضّؤ في أثناء الصلاة والبناء فوظيفته - على المشهور - الوضوء والاشتغال بالصلاة بعد أن يضع الماء إلى جنبه فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة وبنی على صلاته.

ويتمّ الكلام فيها بالبحث حول مقتضى القاعدة ومقتضى النصوص.

أمّا بالنسبة إلى مقتضى القاعدة فإنّه يوجد إطلاقان:

أحدهما: اشتراط الصلاة بالطهارة.

وثانيهما: اعتبار الطهارة حتى في الأكوان المتخلّلة، وهو الإطلاق المستفاد من أدلّة القواطع من الاستدبار والحدث ونحوهما.

وقد رفعنا اليد عن الإطلاق الثاني في المسلوس والمبطون بمقتضی أحاديث الباب الدالّة على أنّ الحدث غير قاطع في حقّهما وإلّا لسقطت عنهما الصلاة؛ لعدم تمكّنهما من الصلاة التامّة المأمور بها، ويبقى الإطلاق الأوّل على حاله، فلا وجه لرفع اليد عنه في سائر أفعال الصلاة، فعليه تحصيل الطهارة لها إذا أحدث في أثنائها.

والحاصل أنّ مقتضى القاعدة هو عدم اعتبار الطهارة في المسلوس والمبطون مع لزوم تحصيلها لسائر الأفعال إذا أحدثا في أثنائها.

وأمّا كون التوضّؤ في أثناء الصلاة ماحيا لصورتها، فإنّه وإن ادّعي، إلّا أنّه لا يرجع إلى محصّل، فقد ورد ما هو أكثر منه كما في أخذ المرأة الطفل ووضعه

ص: 409

في حجرها وثديها في فمه حتی يشبع وهو غير موجب لبطلان الصلاة بعد كونه فعلاً لأجل الصلاة، نعم الفعل الكثير الأجنبي عن الصلاة هو الذي ارتكز في أذهان المتشرّعة بطلان الصلاة به.

وأمّا بالنسبة إلى مقتضى النصوص فيستفاد بالنظر البدوي من موثّق سماعة لزوم وضوء واحد بعد جعل الخريطة ثمّ الصلاة؛ حيث ورد فيه: «فليضع خريطة، وليتوضّأ وليصلِّ»((1)). وكذا صحيح حريز الوارد فيه الجمع بين الصلاتين((2)

أي بوضوء واحد بعد جعل الخريطة، وإن أمكن أن يقال بأنه مخالف لموثّق سماعة حيث دلّ على لزوم الوضوء لو أراد أن يصلّي صلاةً بعد الجمع بين الظهرين أو العشاءين.

وفي القبال دلّت النصوص الواردة في المبطون على لزوم تجديد الوضوء كما في الحديث الرابع من هذا الباب وهو معتبر محمد بن مسلم((3)) حيث جاء فيه: «يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي» فيتمّ الجمع بين الطائفتين بالقول بلزوم تجديد الوضوء، فيرتفع التنافي بينهما.

ولكن النظر الدقيق يقتضي غير هذا، وتفصيله أن نقول:

إنّ موثّق سماعة تظهر منه ثلاثة أمور:

أوّلها: أن يجعل خريطة ويتوضّأ ويصلي.

ص: 410


1- - ينظر: الصفحة: 172.
2- - ينظر: الصفحة: 381.
3- - ينظر: الصفحة: 387.

وثانيها: أنّ هذا لا يختصّ بالمسلوس؛ لعموم التعليل.

وثالثها: عدم جواز إعادة الوضوء إلّا بحدث آخر موجبٍ للوضوء غير البول أو بالبول الاختياري.

وما يظهر من بعضهم من عدم شمول الموثّق للبول، لأنّ قول السائل: «رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم، وإمّا غيره» يفيد بظاهره أنّ ما يخرج من الفرج إمّا دم أو غير الدم، وغير الدم قد يراد به المذي أو الوذي أو ما يترشّح من القرح أو الجرح، والقرينة على ذلك ما في الجواب من قوله (علیه السلام) : «لا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» فإنّ المراد منه البول والغائط الاختياريّين، فلا يكون المراد من «غيره» البول.

ولكنّ الظاهر - تبعاً للسيد الأستاذ((1))

- أنّ المراد من «غيره» هو البول؛ إذ لا معنی للسؤال عن المذي والوذي؛ لأنّ الصلاة لا تبطل بخروجهما، ولو كانا مرادين لكان المناسب في الجواب أن يقال: إنّه طاهر أو نجس، وأمّا الجواب بأنّه بلاء، وأنّه لا يوجب الوضوء إلّا الحدث المتعارف من البول والغائط المتعارفين فهو قرينة على أنّ المراد به هو البول.

وبهذا يظهر أنّ موثق سماعة تامّ الدلالة.

وعلى هذا نقول إنّ صحيح حريز - وهو الحديث الأوّل من هذا الباب - يخالف الأمر الثالث المستفاد من الموثّق؛ إذ دلّ على الجمع بين الصلاتين، ولابدّ من إعادة الوضوء بعد أن يأتي بهما، فلو أراد أن يصلّي بعد الظهرين مثلاً

ص: 411


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 215.

لاحتاج إلى وضوء جديد. ومثله نصوص المبطون لدلالتها على لزوم تجديد الوضوء، وهذا منافٍ لموثّق سماعة الدال على أنّ بول المسلوس غير موجب للانتقاض.

ويمكن أن يقال: إنّ معتبر حريز ليس فيه تجديد الوضوء، بل اقتصر علی بيان الجمع بين الصلاتين، فيستفاد العفو عن النجاسة بمقدار الصلاتين، وأمّا الوضوء فهو باقٍ، ولابدّ من تطهير البدن بعد الصلاتين.

وأمّا نصوص المبطون فإنّ معتبر محمد بن مسلم الذي لم يذكره الماتن جاء فيه قوله: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته»((1)) ويحتمل فيه معنيان:

أحدهما: أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ قبل الصلاة ويصلّي ولا يعتني بما خرج منه، بل يبني على صلاته.

وثانيهما: أنّه يتوضّأ ويصلّي فإذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضّأ ثمّ يبني على صلاته.

والأظهر هو الاحتمال الأوّل. ويعضده الحديث الثالث من الباب(2)؛ فإنّ فيه: «يبني على صلاته».

وأمّا الحديث الرابع منه ففيه: «يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي»، ويظهر منه أنّه يتوضّأ في أثناء الصلاة ويبني على صلاته. فينافي الثالث، بل

ص: 412


1- - من لا يحضره الفقيه1: 363، ح 1043.
2- - ينظر: الصفحة 386.

وينافي موثّق سماعة.

وقد قال بعضهم بالتفصيل بين المسلوس والمبطون، فللأوّل وضوء واحد، دون الثاني.

إلّا أنّا نقول بأنّ موثّق سماعة يشمل - بعموم التعليل - المسلوس والمبطون، ولا يبعد حمل الحديث الرابع على الاستحباب؛ لأنّ موثّق سماعة صريح في الدلالة على عدم وجوب الإعادة، حيث جاء فيه: «لا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» ومفاده أقوى من ظهور الأمر في الوجوب في «يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته» وعلى هذا يُحمل على استحباب تجديد الوضوء.

فالحاصل: أنّ المسلوس والمبطون يكفيهما وضوء واحد للصلاتين اللتين جمعاها في زمان، بل لما بعدهما من الصلوات، ويكون هذا تخصيصاً في أدلّة ناقضيّة البول والغائط بأحاديث الباب.

نعم، يستحبّ لهما تجديد الوضوء حال الصلاة كلّما تجدّد خروج البول أو الغائط بما لا يكون حرجيّاً عليهما، لكن عليهما تبديل القطن وتطهير البدن والثياب من النجاسة لكلّ صلاتين؛ لأنّا إنّما رفعنا اليد عن مانعيّة نجاسة البدن والثياب بمقدار الصلاتين بمقتضی صحيح حريز المتقدّم لا أزيد منه.

الصورة الثالثة: أن لا يجد فترة يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة مع الطهارة أيضاً، وصدور الحدث منه كثير بحيث يشقّ عليه التوضّؤ في أثناء الصلاة والبناء بعد كلّ حدث، ويكون في ذلك عسر أو حرج، فهنا يتوضّأ مرّة واحدة ويصلّي به أيَّ صلاة شاءها، ولا ينتقض إلّا بالحدث الاختياري - على ما بنينا

ص: 413

عليه من أنّ الوضوء في المسلوس والمبطون لا ينتقض بالبول والغائط بوجه، وإنَّما يتوضّآن مرّة واحدة، وهو يكفي لجميع صلواتهما، ولا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما، بل هذه الصورة أولى من سابقتها؛ لأنّ ما ذُكر هي الوظيفة في حال عدم العسر والحرج، فهي معهما بطريق أولى - وأمّا على قول المشهور من السقوط للحرج أو يسقط بتحقّق الحرج فلابدّ من التطهير والوضوء إلى أن يتحقّق الحرج وحينئذٍ يسقط عنه ذلك.

وظاهر المشهور أنّ الوظيفة تسقط عنه مطلقاً سواء تحقّق الحرج أم كان المورد حرجيّاً، ولكن قد يقال - كما يظهر من السيدين الحكيم والأستاذ0((1)) - بلابديّة التفصيل على قول المشهور، فتسقط الوظيفة بعد تحقّق الحرج لا قبله.

الصورة الرابعة: أن لا يجد فترة يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة مع الطهارة أيضاً، وصدور الحدث منه مستمر بلا انقطاع، وهذا يكفيه وضوء واحد لجميع صلواته، وله أن يصلّي صلوات عديدة بوضوء واحد، وهو بحكم المتطهّر إلى أن يطرأ عليه حدث آخر من نوم أو نحوه أو يخرج منه البول أو الغائط الاختياريّان، والسبب فيه هو ما ذكرناه في الصورة الثانية من كفاية الوضوء للمسلوس قبل الصلاة وعدم وجوب تجديد الوضوء عليه، بل هذه الصورة أولى من تلك الصورة.

ص: 414


1- - مستمسك العروة الوثقی 2: 570، والتنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 220- 221.

ثلاثة فروع حول المسلوس و المبطون:

الفرع الأول: هل تجب على المسلوس والمبطون المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة أو لا؟.

ظاهر المشهور هو وجوب المبادرة عليهما، وذهب جماعة منهم السيد الأستاذ(قدس سره) إلى عدم وجوبها مطلقاً((1)). وفصّل بعضهم بين الصورة الثانية والثالثة على تأمّل، ولا يجب البدار في الصورة الرابعة كما يظهر من السيد الحكيم((2)).

أمّا عدم وجوب المبادرة فوجهه ما تقدّم مِنَّا من التمسّك في وظيفتهما بموثّق سماعة الذي هو الأصل في هذه المسألة، وقد جاء فيه: «فليضع خريطة، وليتوضّأ وليصلّ، فإنَّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه»((3))، فما يخرج منه بعد أن يتوضّأ وجوباً لا يوجب نقض الوضوء وهو بحكم العدم، بل الوضوء باقٍ إلى أن يحدِث بحدث اختياري، فلا تجب عليه المبادرة مطلقاً، وأمّا في الصورة الأولى فقد فرض فيها التمكّن من الطهارة والصلاة، ولا وجه لوجوب المبادرة فيها.

وأمّا وجه وجوب المبادرة - كما هو المشهور - فهو لزوم التحفّظ على الطهارة بقدر الإمكان، فإذا تمكن من الحفاظ ولو على أوّل جزء من الصلاة وجب ذلك، ويتحقّق التمكّن المذكور بالمبادرة إليها فتجب.

ص: 415


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 224.
2- - مستمسك العروة الوثقی2: 573.
3- - ينظر: الصفحة 172.

هذا، ولكن ناقش السيد الأستاذ(قدس سره) ما يظهر منه التعميم لجميع الصور حتى على قولهم، وقال بأنّ لزوم البدار - على ما ذهبوا إليه - مختصّ بالصورة الثالثة فقط، وأمّا الصورة الأولى فبما أنّ المكلف يجب عليه حينئذ ايقاع الصلاة مع الطهارة في الوقت الذي يتمكّن منهما فيه فلا مجال لايجاب المبادرة معه.

وكذا الصورة الثانية؛ لأنّه وإن وجب عليه الوضوء قبل الصلاة وفي أثنائها إذا حدث حدث إلا أنّه إذا توضأ قبل الصلاة لا تجب عليه المبادرة إليها لعدم الدليل على وجوبها.

نعم، إذا أحدث قبل الصلاة وجب عليه إعادة الوضوء كما يجب عليه إذا أحدث أثناءها، وأمّا المبادرة فلا وجوب لها بوجه.

وأظهر منهما الصورة الرابعة، حيث إنّه بعد رفع اليد فيها عن دليل الاشتراط والقاطعية والانتقاض لا يكون حدثه موجباً للطهارة حينئذ، أو أنّ حدثه ليس بحدث ناقض أو لا يجب عليه الوضوء، ومعه كيف تجب عليه المبادرة إلى الصلاة؟

نعم، في الصورة الثالثة يمكن القول بوجوب المبادرة؛ لأنّ وظيفة المكلف تحصيل الطهارة في أوّل الصلاة من دون تجديدها في أثنائها، فالمكلف يتمكّن فيها من ايقاع أوّل جزء من صلاته مع الطهارة فيجب عليه ذلك بالمبادرة إليها، ولا يسوغ له تفويت التمكّن من هذا المقدار من الصلاة((1)).

وأمّا السيد الحكيم(قدس سره) فوافق السيد الأستاذ في الصورة الثالثة، وأمّا في

ص: 416


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 224- 225.

الصورة الثانية فذهب إلى إمكان القول بوجوب البدار عليهما على تأمّل؛ لأنّ في البدار تقليلاً لتكرار الحدث((1)).

هذا، ولكنّ الظاهر وجوب البدار في جميع الصور، وذلك:

لأنّه في الصورة الأولى وإن كان يمكنه الإتيان بالصلاة مع الطهارة في فترةٍ، إلا أنّه حيث يُحتمل خروج البول مثلاً ولو في الجزء الأخير من الصلاة يجب عليه البدار، إلا أن يطمئن أو يعلم بوجود الفترة الكافية لإيقاع الصلاة مع الطهارة فيها.

وأمّا في الصورة الثانية فإنّه إذا أحدث قبل الصلاة وجب عليه إعادة الوضوء كما يجب عليه ذلك إذا أحدث أثناءها علی المشهور، هذا من جهة الطهارة من الحدث لكن الأمر مختلف من جهة الطهارة من الخبث، فإنّ السيد الأستاذ(قدس سره) وإن اختار أنّه لا يجب عليه تطهير المحل من النجاسة قبل الصلاة عند الجمع بين الصلاتين، إلا أنّ الأحوط عند المشهور وجوب التطهير، فإذا لم يبادر إلى الصلاة أمكن خروج البول مثلاً قبلها، فحتى على ما ذهب إليه(قدس سره) من عدم لزوم تطهير محل النجاسة يلزم التحفّظ عن النجاسة الجديدة لكونها نجاسة زائدة فيجب البدار إلى الصلاة للتحفّظ عن النجاسة الزائدة.

وأمّا في الصورة الثالثة فالمكلّف يتمكّن فيها من ايقاع أوّل جزء من صلاته مع الطهارة الحدثيّة فيجب عليه ذلك بالمبادرة إليها، وكذا الكلام في إيقاعها مع الطهارة من الخبث.

ص: 417


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 573.

وأمّا في الصورة الرابعة فمع أنّ الحدث مستمرّ به، ولا يمكنه التحفّظ عن الحدث والخبث، إلا أنّه على القول بلزوم تقليل النجاسة يجب البدار، كما في الصلاة بثوبين نجسين فإنّه يطرح أحدهما تقليلاً للنجاسة.

والحاصل: أنّه يمكن القول بوجوب البدار في جميع الصور بناء على قول المشهور.

الفرع الثاني: هل يجب عليهما الوضوء لقضاء التشهد والسجدة المنسيّين وصلاة الاحتياط، والنوافل أو لا؟.

أمّا بالنسبة إلى السجدة والتشهد المنسيّين وصلاة الاحتياط فعلی ما اخترنا يكتفي بوضوئه للصلاة، لكون السجدة والتشهد المقضيّين من أجزاء الصلاة فلهما حكم الصلاة، وأمّا على ما اختاره صاحب العروة فيتمّ هذا في الصورة الثالثة دون غيرها، وتفصيل ذلك:

أمّا في الصورة الأولى فمن الواضح أنّ عليه الإتيان بالصلاة مع الطهارة، والأجزاء المنسيّة هي من جملة الصلاة، فلأجل أنّه متمكّن من الصلاة مع الطهارة في جزء من الوقت فيجب عليه الإتيان بالصلاة وأجزائها المنسيّة في ذلك الزمان، لكون تلك الأجزاء من الصلاة.

وأمّا في الصورة الثانية فيجب عليه تجديد الوضوء لقضاء الأجزاء المنسيّة؛ لأنّ حدوث الحدث في الأثناء يوجب الوضوء بعده؛ وإذا حدث حدث بين صلاته والأجزاء المنسيّة وجب الوضوء بعده؛ لارتفاع الطهارة السابقة بالحدث.

وأمّا في الصورة الرابعة فإنّ الطهارة فيها لا تنتقض بالحدث غير الاختياري،

ص: 418

وله أن يأتي بالأجزاء المنسيّة من غير طهارة.

وعلى هذا فتختص المسألة بالصورة الثالثة، وفيها لا حاجة لتجديد الوضوء لأجل قضاء الأجزاء المنسيّة؛ لكونها من الصلاة، لا أنّها واجب مستقل حتى يعتبر فيها الطهارة أو عدم الحدث. فكما أنّه لا يجب الوضوء أثناء الصلاة كذلك لا يجب لقضاء الأجزاء؛ لأنّها من جملة أجزاء الصلاة يؤتى بها مع مخالفة الترتيب والمحل.

وأمّا بالنسبة إلى صلاة الاحتياط فإن كانت متمّمة للصلاة الناقصة في الواقع، فحالها حال أجزاء الصلاة نفسها، بل هي عين أجزاء الصلاة، والفرق بينهما أنّ أجزاء الصلاة متّصلة بخلاف صلاة الاحتياط فإنّها منفصلة، وما دام لا يجب الوضوء عن الحدث في أثناء الأجزاء الصلاتية فكذا لا يجب في صلاة الاحتياط أيضاً؛ لأنَّها هي أجزاء الصلاة بعينها.

وأمّا إذا كانت صلاة الاحتياط واجباً مستقلّاً غير جابر لنقص الصلاة لكونها تامّة في الواقع لم يجب الوضوء لها؛ لأنّ الفرض أنّه إذا لم يتوضّأ لها وأتى بها فاسدة لم يضرّ بصحة صلاته التي أتى بها.

وأمّا بالنسبة إلى النوافل فلا يكفيها وضوء فريضتها، بل يشترط الوضوء لكلّ ركعتين منها؛ لأنّ عدم انتقاض الوضوء بالحدث مخصوص بما إذا كانا أثناء الصلاة الواحدة، وأمّا بعده فدليل الانتقاض يقتضي البطلان بالحدث فيجب عليهما الوضوء لبقيّة الصلوات المستحبة أو الفرائض هذا هو القول المشهور

ص: 419

الذي ذكره صاحب العروة(قدس سره) ((1)).

وأمّا على ما اخترناه فلا يلزم الوضوء لها لعدم انتقاض طهارتهما بالحدث غير الاختياري.

الفرع الثالث: يجب على المسلوس التحفّظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن أو نحوه والأحوط غسل الحشفة قبل كلّ صلاة.

وأمّا الكيس فلا يلزم تطهيره وإن كان أحوط، والمبطون أيضاً إن أمكن تحفّظه بما يناسب يجب، كما أنّ الأحوط تطهير المحل أيضاً إن أمكن من غير حرج.

اشتمل هذا الفرع على ثلاثة أمور:

الأوّل: وجوب التحفّظ من تعدّي البول على المسلوس.

الثاني: أنّ الأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة.

الثالث: عدم وجوب تطهير الكيس.

أمّا الأوّل فلاعتبار طهارة البدن والثياب في الصلاة فلا يجوز تنجيسهما فيها، ما عدا مقدار الخريطة أو الكيس.

وأمّا الثالث فلأنّه ورد: «يجعل خريطة إذا صلّى» والغرض التحفّظ عن تعدّي النجاسة، وهي إمّا من قبيل المحمول المتنجّس وهو غير موجب لبطلان الصلاة - على القول بذلك - وإمّا إنّه من الملبوس الذي لا تتمّ فيه الصلاة، ونجاسة ما لا يتم فيه الصلاة من الثياب معفوّ عنها كما في الجورب والقلنسوة ونحوهما.

ص: 420


1- - العروة الوثقی1: 460.

وأمّا الثاني فهو محلّ الخلاف، فعن صاحب العروة أنّ الأحوط وجوباً غسل الحشفة قبل كل صلاة، والوجه فيه: أنّ مقتضى القاعدة وجوب التطهير؛ لاعتبار طهارة البدن واللباس في الصلاة إلّا ما خرج بدليل، ولم يرد في النصوص عدم وجوب التطهير قبل الصلاة صراحة، والموجود فيها هو جعل الخريطة، وغاية ما تدلّ عليه أنّ النجاسة معفوّ عنها أثناء الصلاة، وأمّا قبل الصلاة فهي غير متعرّضة له.

نعم قد يقال - كما عن السيد الحكيم(قدس سره) - : إنّ عدم التعرّض فيها لتطهير الحشفة مع كونها في مقام البيان ظاهر في عدم وجوبه((1)).

ولكن يمكن القول بأنّ النصوص واردة في مقام بيان الطهارة الحدثيّة في الصلاة، لا الخبثيّة، ولا ملازمة بين عدم كون الحدث ناقضاً وبين وجوب تطهير الخبث.

فعلى القاعدة لابدّ من القول بوجوب غَسل محلّ البول قبل الصلاة، ولذا قال في العروة: الأحوط غسل الحشفة، وهو قول المشهور.

وقد ذكر السيد الأستاذ(قدس سره) أنّ المستفاد من صحيح حريز العفو عمّا يخرج من البول بين الصلاتين فلا يجب التطهير، فالنجاسة أثناء الصلاتين وما بين الصلاتين معفوّ عنها إلى مقدار صلاتين، وأمّا في الزائد عنها فإنّ مقتضى القاعدة وجوب إزالة النجاسة قبل الصلاة.

وأمّا المبطون فالنجاسة في أثناء الصلاة معفوّ عنها كما هو الحال في

ص: 421


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 574.

المسلوس، وأمّا النجاسة قبل الصلاة فمقتضى القاعدة وجوب إزالتها إن أمكن، فعليه تطهير المحل قبل كلّ صلاة؛ لاختصاص صحيح حريز بخروج البول والدم، وعدم اشتماله على ما هو كالعلّة حتى يتعدّى عنه إلى الغائط، هذا، ولم يُذكر المبطون في هذا الصحيح، ولا في ما روي عن محمد بن مسلم، وعليه فيجب إزالة نجاسة الغائط قبل الصلاة، ولا عفو عنه((1)).

ص: 422


1- - انظر: التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 227- 229.

أَبْوَابُ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ

ص: 423

ص: 424

أبواب أحكام الخلوة

الخلوة: هي المحل الخالي، والذي ينفرد فيه الإنسان بنفسه، والمراد هنا المحل الذي يتخذه الإنسان لأجل تخلية البدن من البول أو الغائط، فما يفعله فيها تخلية وتخلّي، والفاعل متخلّي، وهذه الأبواب معقودة لبيان ما يجب وما يحرم وما يستحب وما يكره للمتخلي، ولذا عنونها الماتن بأبواب أحكام الخلوة، دون أبواب آداب الخلوة لكون الأولی أعم، ولعل وجه تعلّق هذه الأبواب بالوضوء بحيث تقدَّم علی أبحاثه أنّ الغالب في من أراد الوضوء هو التخلّي أوّلاً، ولذا ناسب أن تتقدّم هذه الأبواب علی أبواب الوضوء.

ص: 425

ص: 426

1- بَابُ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُحَلَّلِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَة

اشارة

1- بَابُ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُحَلَّلِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَة

شرح الباب:

تضمّن عنوان الباب حكمين:

الأوّل: وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم، سواء كان من المحارم أم لا، رجلاً كان أو امرأة.

الثاني: حرمة النظر إلی عورة المسلم غير المحلَّل رجلاً كان أو امرأة. والمراد بالمحلَّل - وهو المستثنی من حرمة النظر إلی العورة - الزوج والزوجة والمولی وأمته التي جاز له الاستمتاع بها، أو التي حُلّلت له فيجوز لكل منهما النظر إلی عورة الآخر.

ويظهر من العنوان أنّ حرمة النظر إلی العورة - عند الماتن(قدس سره) - مختصّة بعورة المسلم دون عورة الكافر.

ووجوب ستر العورة وإن كان لا اختصاص له بالمتخلّي لكن لما كان انكشاف العورة من لوازم التخلّي ذكروا هذا الحكم هنا فيه بخصوصه.

ص: 427

أقوال الخاصّة:

وجوب ستر العورة وحرمة النظر إليها مجمع عليه إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، بل تدلّ عليه ضرورة الدين في الجملة((1))، والنصوص المستفيضة.

والمراد بالعورة في الرجل: القبل والدبر والأنثيان، وعن «القاضي إنّها من السرّة إلی الركبة وهو خيرة «الوسيلة» والتقي [أي الحلبي في كتابه: الكافي في الفقه] إلی نصف الساق»((2)). وأمّا المرأة فكلّها عورة عدا الوجه والكفّين علی الخلاف فيهما.

وهناك تفصيل في عورة المحارم والصغير والصغيرة، وعورة الأمة في الصلاة وغيرها، وأحكام نظر المرأة للرجل والرجل للمرأة وكلاهما للخنثی، وغير ذلك مما لا يتعلّق به الغرض هنا، وبيانه في محلّه من كتاب الصلاة وكتاب النكاح.

أقوال العامّة:

قال ابن رشد: «اتفق العلماء علی أنّ ستر العورة فرض بإطلاق»((3)) أي في حال الصلاة وغيرها.

وأما نظر الغير إلی العورة فقد «اتفق الفقهاء علی أنّه يحرم نظر الرجل إلی عورة المرأة الأجنبيّة الشابّة... ثم اختلفوا في تحديد العورة التي يحرم النظر إليها علی أقوال: فالحنفية والمالكية علی جواز النظر إلی الوجه والكفّين من

ص: 428


1- - جواهر الكلام2: 4.
2- - مفتاح الكرامة1: 216.
3- - بداية المجتهد1: 94.

الأجنبيّة إن لم يكن بشهوة، ولم يغلب علی الظن وقوعها، ويحرم النظر إلی ما عدا ذلك بغير عذر شرعي، واتفق الشافعية علی حرمة النظر إليهما بغير عذر شرعي، وهو المذهب عند الحنابلة، وظاهر كلام أحمد، وروي عن أحمد أنّ الأحوط عدم النظر مطلقاً، وهو قول القاضي من الحنابلة.

وروی الحسن بن زياد عن أبي حنيفة جواز النظر إلی الوجه والكفّين والقدمين من المرأة الأجنبية بغير شهوة وذكره الطحاوي، وهو قول بعض فقهاء المالكية((1)).

واتفق الفقهاء أيضاً علی حرمة نظر الرجل إلی عورة رجل آخر بغير عذر شرعي، ولو بغير شهوة((2)). وبقية تفاصيل النظر كالنظر إلی المرأة المسنّة والغلام وغير ذلك تأتي في مواضعها.

وأما حدّ العورة من الرجل عندهم، «فذهب مالك والشافعي إلی أنّ حدّ العورة منه ما بين السرة إلی الركبة، وكذلك قال أبو حنيفة، وقال قوم: العورة هما السوأتان فقط من الرجل... وقد قال بعضهم: العورة: الدبر، والفرج، والفخذ»((3)).

وأما حدّها من المرأة عندهم فمختلف فيه، «فأكثر العلماء علی أنّ بدنها كلّه عورة، ما خلا الوجه والكفّين. وذهب أبو حنيفة إلی أنّ قدمها ليست بعورة. وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلی أنّ المرأة كلّها عورة»((4)).

ص: 429


1- - الموسوعة الفقهية40: 341- 345.
2- - المصدر نفسه: 354.
3- - بداية المجتهد1: 95.
4- - المصدر نفسه.

[785] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا يَنْظُرِ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی الحكم الثاني من الحكمين اللذين عنوَن بهما الماتن البابَ، وهو حرمة النظر إلی عورة المسلم؛ حيث إنّ النهي عن النظر إلی عورة الأخ ظاهر في حرمته، والمراد من الأخ هنا هو مطلق المسلم؛ فإنّه لا يُطلق في النصوص علی غيره من أصحاب الأديان، وهذه القضيّة بإطلاقها تشمل الحي والميّت بلا فرق، فلا يجوز النظر إلی عورة المسلم وإن كان ميّتاً.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی محمد بن علي بن محبوب له ثلاثة طرق أحدها صحيح وآخر معتبر((2))، والعباس هنا هو العباس بن معروف، وحماد هو حماد بن عيسی؛ لروايته عن حريز، أي حريز بن عبد الله. وعلی هذا فالسند صحيح.

ص: 430


1- ([1]*) التهذيب 1: 374/ 1149، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 3 من أبواب آداب الحمام.
2- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.

[786] 2- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنِ النَّبِيِّ| - فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي - قَالَ: إِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فِي فَضَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ فَلْيُحَاذِرْ عَلَى عَوْرَتِهِ.

وَقَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدُكُمُ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَنَهَى أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ لَعَنَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَنَهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ عَوْرَةِ غَيْرِ أَهْلِهِ مُتَعَمِّداً أَدْخَلَهُ اللَّهُ مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَفْضَحَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا المقطع من الحديث علی كلا الحكمين اللذين عنوَن بهما الماتن البابَ، فالأول: هو لزوم ستر العورة إذا أراد الاغتسال في فضاء من الأرض؛ لأنّه حينئذٍ يكون معرّضاً للنظر إليها من قِبل غيره ممّن يحرم عليه النظر إلی عورته، وقوله (علیه السلام) : «لا يدخلنّ أحدكم الحمام إلّا بمئزر»، يفيد أيضاً لزوم ستر العورة؛ لما قدّمناه من العلّة.

ص: 431


1- ([1]*) الفقيه 4: 2- 11 بشكل متفرّق، في المناهي.

والثاني: حرمة نظر الرجل عمداً إلی عورة المسلم، وهذا الحكم يعمّ الرجل والمرأة، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلی عورة رجل أو امرأة، وكذا المرأة لا يجوز لها النظر إلی عورة رجل أو امرأة، وقد صرّح بالنهي عن أن تنظر المرأة إلی عورة المرأة، ويستثني من ذلك نظر الرجل إلی عورة أهله، أي زوجته، والزوجة إلی عورة زوجها، ثم ذكر (علیه السلام) الآثار المترتبة علی النظر إلی عورة غير المحلّل فقال: «من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك»، والتأمل يدلّ علی أنّ النظرة متعمّدة لا أنّها اتفاقية غير مقصودة، ويدلّ عليه أيضاً ما في الفقرة اللاحقة من قوله: «متعمداً». ويدخله الله أيضاً مع المنافقين الذين كانوا يبحثون - في دار الدنيا - عن عورات الناس. كما لا يخرجه من الدنيا حتی يفضحه، إلا أن تتقدّم منه التوبة عن هذا الذنب، وحينها ترتفع جميع هذه الآثار؛ فإنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الصدوق إلی شعيب بن واقد ضعيف، كما أنّ شعيب بن واقد لم يوثّق أيضاً((1)).

وأما الحسين بن زيد فقد مرّ أنّه الملقب بذي الدمعة، وأنّه موثّق؛ لرواية المشايخ الثقات عنه((2))، ووروده في أسناد نوادر الحكمة((3)).

ص: 432


1- - ايضاح الدلائل4: 418- 419.
2- - المصدر السابق: 419.
3- - اصول علم الرجال1: 219.

ويمكن أن يقال باعتبار هذا الحديث؛ لوروده في الفقيه، وقد شهد الصدوق باعتبار رواياته.

ص: 433

[787] 3- قَالَ: وَسُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ}((1)*) فَقَالَ كُلُّ مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ لِلْحِفْظِ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

الغض: النقص، فيكون معنی يغضّوا من أبصارهم: ينقصوا من نظرهم عمّا حرّم الله عليهم، وقد أطلق لهم ما سوی ذلك، يقال: غَضَّ طرفه غِضَاضاً بالكسر وغَضَاضة بفتحتين: خفضه وتحمَّل المكروه((3)).

ويتحقّق حفظ الفرج بأن لا يُستعمل في الزنا ونحوه، ولكن أضيف هنا الحفظ من أن يُنظر إليه من قِبل الناظر المحترم، وعليه يكون الحديث دالّاً علی لزوم غضّ البصر عن عورات الآخرين، لأنّ تقدير الآية: قل لهم غضّوا من أبصاركم، وقوله: يغضّوا جواب لهذا الأمر المحذوف. والأمر ظاهر في الوجوب، وكذا الكلام في ما عطف عليه، فيكون التقدير: واحفظوا فروجكم، فيدلّ أيضاً علی لزوم حفظ الفرج، المفسّر هنا بحفظ الفرج من أن يُنظر إليه، وإن كان المراد به في بقيّة الموارد من كتاب الله الحفظ من الزنا.

ص: 434


1- ([1]*) النور 24: 30.
2- ([2]*) الفقيه 1: 63/ 235.
3- - مجمع البحرين4: 218، مادة: غضض.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مرّ مراراً أنّها معتبرة((1)).

ص: 435


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[788] 4- وَفِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَغَضَّ طَرْفَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ آمَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَمِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی وجوب حفظ العين من النظر إلی عورة المسلم، وهو المراد من الأخ هنا كما مرّ، وهذا موجب للأمن من الحميم في يوم القيامة، ولا يختصّ هذا الحكم بهذا المورد وهو من دخل الحمّام، بل يعمّ جميع الأماكن والأحوال؛ إذ لا خصوصيّة للمورد، وإنّما خُص بالذكر لأجل أنّ الحمام مورد انكشاف العورة ووجود الناظر المحترم عادة، ويفهم منه أنّ النظر إليها يوجب الحميم يوم القيامة.

سند الحديث:

فيه: محمد بن علي ماجيلويه، وهو وإن لم يوثق صريحاً، إلا أنّ الصدوق ترضّی عنه كثيراً في كتبه فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: محمد بن علي الأنصاري، ولم يرد بهذا العنوان في الكتب الأربعة، لكن الملقب بالأنصاري شخصان:

ص: 436


1- ([1]*) ثواب الأعمال: 36/ 1، وأورده أيضاً في الحديث 4، الباب 3 من أبواب آداب الحمام.

أحدهما: محمد بن علي بن حمزة الأنصاري، ورد ذكره في طريق خلف بن محمد.

وثانيهما: محمد بن علي بن يحيی الأنصاري، ذكره النجاشي في ترجمة حريز بن عبد الله، وذكر أنّ له كتاباً.

والظاهر أنّ المراد به هنا هو الثاني؛ لانطباقه عليه من حيث الطبقة، لكنّه كالأول لم يوثّق.

وفيه أيضاً: عبد الله بن محمد، وهو مشترك بين جماعة، والمعروفون منهم أحد عشر شخصاً:

أحدهم: عبد الله بن محمد أبو بكر الحضرمي، قال عنه ابن شهر آشوب إنّه من خواص أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) . ووردت في حقّه روايات مادحة، وورد في أسناد تفسير القمي، وروی عنه المشايخ الثقات((1)).

الثاني: عبد الله بن محمد الأسدي، الحجّال، قال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد الأسدي مولاهم، كوفي، الحجّال المزخرف، أبو محمد، وقيل: إنّه من موالي بني تيم، ثقة ثقة، ثبت، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2)) ووثّقه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «مولی تيم الله، ثقة»((3)).

الثالث: عبد الله بن محمد البلوي، ذكره الشيخ في الفهرست قائلاً: «عبد الله

ص: 437


1- - أصول علم الرجال1: 289 و2: 219.
2- - رجال النجاشي: 226/ 595.
3- - رجال الطوسي: 360/ 5332.

ابن محمد البلوي، وبلي قبيلة من أهل مصر، وكان واعظاً فقيهاً. له كتب، منها كتاب الأبواب، وكتاب المعرفة، وكتاب الدين وفرائضه، ذكره ابن النديم»((1)) وقال عنه النجاشي في ترجمة محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري: «البلوي رجل ضعيف مطعون عليه»((2)).

الرابع: عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، ذكره الشيخ في الفهرست قائلاً: «عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، عامي المذهب، له كتب، منها: مقتل الحسين (علیه السلام) ، ومقتل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وغيرهما»(3) ولكن السيد الأستاذ(قدس سره) استظهر أنّ اسمه عبد الله بن أبي الدنيا، قال: «صريح كلام الشيخ أنّ أبا الدنيا جدّ عبد الله، ولكن ظاهر كلام علماء الرجال من العامّة: أنّ أبا الدنيا هو والد عبد الله. قال ابن حجر في التقريب: «عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي مولاهم أبو بكر بن أبي الدنيا البغدادي صدوق، حافظ، صاحب تصانيف، من الثانية عشر، مات سنة إحدی وثمانين بعد المائة وله ثلاث وسبعون»»((4)).

الخامس: عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، كان من

ص: 438


1- - فهرست الطوسي: 169/ 444.
2- - رجال النجاشي: 324/ 884.
3- - فهرست الطوسي: 170/ 449.
4- - معجم رجال الحديث11: 325/ 7112.

الأهواز»((1)). وقال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد بن حُصين الحصيني الأهوازي، روی عن الرضا (علیه السلام) ، ثقة ثقة، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2)).

السادس: عبد الله بن محمد الدعلجي، قال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد ابن عبد الله أبو محمد الحذّاء الدعلجي، منسوب إلی موضع خلف باب الكوفة ببغداد، يقال له الدعالجة، كان فقيهاً عارفاً، وعليه تعلّمت المواريث، له كتاب الحج»((3)) فهو من مشايخ النجاشي.

السابع: عبد الله بن محمد التميمي الرازي، قال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد بن علي بن العباس بن هارون التميمي الرازي، له نسخة عن الرضا (علیه السلام) »((4)).

الثامن: عبد الله بن محمد بن عيسی، وهو أخو أحمد بن محمد بن عيسی، روی أربعة وأربعين حديثاً في الكتب الأربعة((5)).

التاسع: عبد الله بن محمد بن قيس، قال الشيخ في الفهرست: «له كتاب، رواه عباد بن يعقوب الرواجني، عنه»((6)) فسند الشيخ إليه مرسل.

العاشر: عبد الله بن محمد الجعفي، روی خمسة عشر حديثاً في الكتب

ص: 439


1- - رجال الطوسي: 360/ 5333.
2- - رجال النجاشي: 227/ 597.
3- - رجال النجاشي: 230/ 609.
4- - رجال النجاشي: 228/ 603.
5- - معجم رجال الحديث11: 333/ 7140.
6- - فهرست الطوسي: 174/ 465.

الأربعة... روی عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) . وروی عنه آدم بن إسحاق، وصالح بن عقبة((1)). وقال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: «وهذا عبد الله بن محمد يقال له: الجعفي، ضعيف»((2)).

الحادي عشر: عبد الله بن محمد النهيكي، قال عنه النجاشي: «ثقة، قليل الحديث، جمعت نوادره كتاباً»((3)).

والقابل للانطباق علی هذا العنوان شخصان كلاهما ثقة:

أحدهما: عبد الله بن محمد الأسدي، الحجّال؛ فإنّ كتابه معروف، ويمكن من حيث الطبقة أن يروي عن عبد الله بن سنان.

والثاني: عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، فهو من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) .

ولا يبعد إرادة الحجّال هنا.

والحاصل: أنّ هذا السند ضعيف بمحمد بن علي الأنصاري.

ولكن يمكن تصحيح الحديث؛ لكونه من كتب عبد الله بن سنان، وقد «روی هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة وثقته وجلالته»((4))، وعليه فلا حاجة للنظر في الطريق إلی كتبه.

ص: 440


1- - معجم رجال الحديث11: 336/ 7150.
2- - رجال النجاشي: 128/ 332.
3- - رجال النجاشي: 229/ 605.
4- - رجال النجاشي: 214/ 558.

[789] 5- عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ نَقْلًا مِنْ تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ بِسَنَدِهِ الْآتِي عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ}((1)*) مَعْنَاهُ: لَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، أَوْ يُمَكِّنُهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهِ، ثُمَّ قَالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ}((2)*) أَيْ: مِمَّنْ يُلْحِقُهُنَّ النَّظَرَ، كَمَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْفُرُوجِ، فَالنَّظَرُ سَبَبُ إِيقَاعِ الْفِعْلِ مِنَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ((3)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آدَابِ الْحَمَّامِ، وَكِتَابِ النِّكَاحِ((4)*).

[5] - فقه الحديث:

بيّن الحديث أنّ معنی غض البصر وحفظ الفروج هو عدم النظر إلی فرج المؤمن، وعدم تمكين الغير من النظر إلی فرجه، وبهذا يكون الحديث دالّاً علی كلا الحكمين، حرمة النظر إلی فرج المؤمن وحرمة تمكينه من النظر إلی فرجه، وبيّن بعد ذلك أنّ الالتزام بهذين الحكمين أزكی للمؤمنين، أي: أنفع

ص: 441


1- ([1]*) النور 24: 30.
2- ([2]*) النور 24: 31.
3- ([3]*) المحكم والمتشابه: 64.
4- ([4]*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الباب 3 و6 و9 من أبواب آداب الحمام، وفي الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

لدينهم ودنياهم، وأطهر لهم، وأنفی للتهمة، وأقرب إلی التقوی((1)).

ثم بيّن أنّ الحكمين موجّهان للمؤمنات أيضاً فعليهن أن يغضضن بصرهن عمّا لا يحل لهن النظر إليه، وأن يحفظن فروجهن ممن يُلحقُهنّ نظرَه، وهو كلّ من لا يحلّ له النظر إليهنّ.

وفي البحار: «مما يلحقهن من النظر»((2))، فيكون المعنی: ليحفظن فروجهنّ من الذي يلحقهن بسبب النظر من الزنا ونحوه، فإنّ النظر سبب ومقدمة لإحداث فعل الزنا وغيره، وهذه القضيّة حِكمة هذا الحكم لا أنّها علة؛ وذلك لانفكاك النظر عن الإيقاع في الفعل في بعض الموارد.

سند الحديث:

مرّ أنّ السند غير معتبر((3)).

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها صحيح، والبقيّة ضعاف، لكن يمكن القول باعتبارها ما عدا الخامس.

تتميم:

يوجد هنا إشكالان:

أحدهما: أنّ المراد بالعورة هو الغيبة وإذاعة السر وإظهار العيب، حيث حصر المراد من العورة في ذلك كما في صحيح عبد الله بن سنان قال: قلت له:

ص: 442


1- - تفسير مجمع البيان7: 241.
2- - بحار الأنوار77: 182، ح 31.
3- - إيضاح الدلائل1: 241- 245.

عورة المؤمن علی المؤمن حرام؟ قال: «نعم»، قلت: تعني سفليه؟ قال: «ليس حيث تذهب، إنّما هي إذاعة سرّه»((1)).

ومعتبرة زيد الشحام عن أبي عبد الله (علیه السلام) في ما جاء في الحديث عورة المؤمن علی المؤمن حرام قال: «ما هو أن ينكشف فتری منه شيئاً، إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه»((2))، وغيرهما مما ظاهره عدم حرمة النظر إلی العورة، كما سيأتي في الباب الثامن من أبواب آداب الحمام. فتكون أحاديث الباب دالّة علی حرمة غيبة المؤمن وكشف ما ستره من العيوب، لا حرمة النظر إلی عورته.

والجواب: أن نحمل ما ورد في هذه الأحاديث علی الغيبة وغيرها في خصوص هذه الموارد، لا أنّ المراد بالعورة الغيبة وما شابهها في جميع الموارد، فإنّ هذا غير ممكن في أكثرها، فقد جاء في أحاديث الباب النهي عن النظر إلی عورة الأخ المسلم وتأملها، وورد الأمر بغضّ الطرف عن النظر إليها، وورد أيضاً لزوم المحاذرة عن أن يُنظر إليها، وهذا كلّه يأبی تفسيرها بالغيبة وهتك الستر وغيرهما، فلا موقع للقول بظهور ما رواه عبد الله بن سنان وما رواه زيد الشحّام في عدم حرمة النظر إلی العورة.

الثاني: ورد في جملة من الأحاديث كراهة النظر إلی العورة، كما في معتبر ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء تری عورته أو يصب عليه الماء أو يری هو عورة الناس؟ فقال: «كان أبي يكره ذلك

ص: 443


1- - الكافي2: 359، باب الرواية علی المؤمن، ح 2.
2- - المصدر نفسه: ح 3.

من كلّ أحد»((1)). ومعتبر الصدوق عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال: «إنّما [أ]كره النظر إلی عورة المسلم، فأمّا النظر إلی عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلی عورة الحمار»((2)).

فلو لم يكن مخافة خلاف الاجماع لأمكن القول بكراهة النظر إلی العورة دون التحريم، وهذا هو مقتضی الجمع بين ما دلّ علی حرمة النظر - كأحاديث الباب - وبين هذه الأحاديث.

والجواب: أنّ الكراهة الواردة في الروايات لا يراد منها الكراهة الاصطلاحية، لأنّها اصطلاح مستحدث، ومعنی الكراهة الحرمة والبغض إلا إذا دلّ دليل علی خلاف ذلك، وعلی هذا إما أن تكون هذه النصوص ظاهرة في الحرمة وإمّا مجملة، فلا يمكن جعلها قرينة علی إرادة الكراهة الاصطلاحية أينما وردت.

فروع حول ستر العورة

الفرع الأول: وجوب ستر العورة إنّما يكون عن الناظر المحترم، والمراد به الرجل والمرأة والعبد سواء كان من المحارم أم لا، رجلاً كان أو امرأة، حتی عن المجنون والطفل المميّز، إلا ما استثني من الزوجين والأمة.

ص: 444


1- - الكافي6: 501، باب الحمام، ح 28، ووسائل الشيعة2: 33، باب 3 من أبواب آداب الحمام، ح3.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 114، باب غسل يوم الجمعة، ح 236، ووسائل الشيعة 2: 36، باب 6 من أبواب آداب الحمام، ح 2.

ويدلّ عليه من الكتاب قوله تعالی: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكی لهم إن الله خبير بما يصنعون}((1))؛ فإنّ في حذف المتعلق دلالة علی العموم إلا ما استثني من الزوجين والأمة. وهو أيضاً مقتضی إطلاق أحاديث الباب.

وأمّا غير المميّز والمجنون غير المدرك فلا يجب ستر العورة عنهما؛ لأنّ ظاهر الأدلّة منصرفة عنهما؛ إذ هي ناظرة إلی الناظر المدرك دون الناظر الفاقد للشعور والادراك.

الفرع الثاني: في المقصود من العورة

قال السيد اليزدي في العروة: «العورة في الرجل: القبل والبيضتان والدبر، وفي المرأة: القبل والدبر»((2)).

وهنا حكمان:

الحكم الأول: العورة في الرجل: القبل والبيضتان والدبر، وهو «المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف وعن السرائر الإجماع عليه، كما عن المعتبر والمنتهی الإجماع علی أنّ الركبة ليست من العورة، وفي التحرير وجامع المقاصد وظاهر التذكرة الإجماع علی خروجها، والسرّة من العورة»((3))، وعن القاضي أنّها من السرّة إلی الركبتين((4)).

ص: 445


1- - سورة النور: الآية 30.
2- - العروة الوثقی1: 305.
3- - جواهر الكلام8: 182.
4- - المهذب1: 83.

وفي المرأة: القبل والدبر، واحتاط السيد الاستاذ(قدس سره) فقال: إنّها ما بين السرّة والركبة علی الأحوط((1)).

أما دليل المشهور فهو ظاهر الأدلّة من الآية والأخبار حيث دلّت علی أنّ العورة والفرج يلزم سترهما، والظاهر أنّ العورة والفرج والسوءة أيضاً من الألفاظ المترادفة، ومعناها ما يستحيي ويأبی الطبع البشري من إظهاره، والقدر المتيقّن منها هو القضيب والبيضتان والدبر في الرجل، والقبل والدبر في المرأة بالنسبة إلی النساء - وإلا فبالنسبة إلی الأجنبي من الرجال تمام بدنها غير الوجه والكفّين عورة، علی الخلاف فيهما - هذا هو القدر المتيقّن، وما زاد علی ذلك يحتاج إلی دليل.

نعم، وردت طائفتان من الروايات، إحداهما تدلّ علی أنّ المراد بالعورة ما بين السرّة والركبة، والثانية تدلّ علی أنّها القبل والدبر.

أمّا الطائفة الأولی: فهي ثلاث روايات:

إحداها: رواية قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) أنّه قال: «إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلی عورتها، والعورة ما بين السرّة والركبة»((2)).

وهي معتبرة؛ لأنّ الحسين بن علوان ثقة، وإن قال النجاشي في ترجمته: «مولاهم كوفي عامي، وأخوه الحسن يكنی أبا محمد ثقة، رويا عن

ص: 446


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 320.
2- - وسائل الشيعة21: 148، باب 44 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح7.

أبي عبد الله (علیه السلام) ، وليس للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولی»((1))، لأنّ التوثيق راجع إليه لا إلی أخيه الحسن، كما نبّه عليه السيد الأستاذ(قدس سره) ، حيث قال في ترجمة أخيه الحسن - بعد نقل كلام النجاشي -: «واستفاد بعضهم: أنّ التوثيق في كلامه راجع إلی الحسن، ولكنه فاسد، بل التوثيق راجع إلی الحسين؛ فإنّه المترجم، وجملة «وأخوه الحسن يكنی أبا محمد» جملة معترضة، وقد تكرّر ذلك في كلام النجاشي في عدّة موارد، منها في ترجمة محمد بن أحمد بن عبد الله أبي الثلج»((2)).

وقد أيّدنا ذلك للقرينة المذكورة في كلام السيد الأستاذ، هذا مضافاً إلی وقوعه في أسناد كتاب نوادر الحكمة((3)).

وقد أدرجه العلامة في القسم الثاني من الخلاصة، ونقل عن ابن عقدة قوله: «إنّ الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا»((4))، وهو دالٌّ علی توثيق الحسين، لكنّ طريق العلامة إلی كتاب ابن عقدة وقع مورداً للمناقشة، فيكفي توثيق النجاشي له، ووجوده في أسناد كتاب نوادر الحكمة والنتيجة أنّ هذه الرواية معتبرة.

ثانيتها: رواية بشير النبال قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الحمام فقال تريد الحمام؟ فقلت: نعم، قال فأمر بإسخان الحمّام ثم دخل فاتزر بإزار فغطّی

ص: 447


1- - رجال النجاشي: 52/ 116.
2- - معجم رجال الحديث5: 376/ 2929.
3- - أصول علم الرجال1: 219.
4- - خلاصة الأقوال: 338/ 1337.

ركبتيه وسرّته ثم أمر صاحب الحمام فطلی ما كان خارجاً من الإزار، ثم قال: «اخرج عنّي» ثم طلی هو ما تحته بيده، ثم قال: «هكذا فافعل»((1)).

وهي ضعيفة السند.

الثالثة: حديث الأربعمائة المروي في الخصال عن علي (علیه السلام) : «إذا تعرّی الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم»((2)).

وسند حديث الأربعمائة معتبر كما مرّ((3)).

وأمّا الطائفة الثانية - وهي ما دلّ علی أنّ العورة هي القبل والدبر - فهي روايتان:

إحداهما: مرسلة الصدوق عن الصادق (علیه السلام) : «الفخذ ليس من العورة»((4)).

والأخری: مرسلة أبي يحيی الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال: «العورة عورتان: القبل والدبر، فأما الدبر مستور بالألتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة»((5)).

وأشكل علی الطائفتين بضعف السند، ومع الغض عن هذه الناحية تحمل

ص: 448


1- - الكافي6: 501، باب الحمام، ح 22.
2- - الخصال: 630.
3- - في الصفحة: 23.
4- - من لا يحضره الفقيه1: 119، ح 253.
5- - الكافي 6: 501، باب الحمام، ح 26.

الطائفة الأولی علی الاستحباب، خصوصاً الروايتين الأخيرتين، والحمل علی الاستحباب بناء علی قاعدة التسامح، فإنّها إن ثبتت فبها وإلّا لم يمكن الحمل علی الاستحباب.

هذا، ولكن حيث إنّ رواية قرب الإسناد معتبرة - كما أسلفنا - والظاهر من قوله (علیه السلام) «لا ينظرنّ إلی عورتها» المفسّرة بعد ذلك أنّها: «ما بين السرّة والركبة»: أنّ النظر إلی العورة التي هي بهذا المقدار حرام لا مكروه، فحملها علی الاستحباب بعيد جدّاً.

ولكن بما أنّ موردها الأمة يمكن القول بالأخذ بالقدر المتيقّن، وهو أنّ عورة المرأة ما بين السرّة والركبة، ولذا احتاط السيد الأستاذ(قدس سره) فيها بما بين هذين الحدّين.

ولو فرضنا وجود المعارِض لهذه الرواية يخصّ العورة بالقبل والدبر، فلا مناص من رفع اليد عنه لموافقته للتقية؛ حيث إنّ أكثر العامّة يرون أنّ العورة هي ما بين السرّة والركبة.

قال ابن قدامة في المغني: «إنّها من الرجل ما بين السرّة والركبة، نصّ عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وفيه رواية أخری: إنّها الفرجان، قال مهنا: سألت أحمد ما العورة؟ قال: الفرج والدبر وهذا قول ابن أبي ذئب وداود... وروی الدارقطني بإسناده عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلی الله عليه وسلم «إذا زوّج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلی شيء من عورته؛ فإنّ ما تحت السرّة

ص: 449

إلی الركبة عورة» وفي لفظ: «ما بين سرّته وركبته من عورته»، وهذا نص، والحر والعبد في هذا سواء لتناول النص لهما جميعاً»((1)

وبما أنّ الحسين بن علوان عامّي فلا تبعد التقيّة.

ولكن الانصاف أنّه لابدّ من الجمود علی مدلول الطائفة الأولی، لضعف الطائفة الثانية، والاحتياط يقتضي ما ذهب إليه السيد الأستاذ(قدس سره) .

الحكم الثاني: لزوم ستر لون العورة دون الحجم؛ لأنّ ظاهر الأدلة الدالة علی حرمة النظر إلی عورة الغير ووجوب حفظها عن نظر الغير إليها هو حرمة النظر إلی العورة نفسها، وبما أنّ اللون حاكٍ عنها فيحرم النظر إليه، فالمدار علی النظر إلی البشرة، ومرادهم من حرمة النظر إلی لون البشرة أنّ الحرمة متوجّهة إلی العورة نفسها؛ إذ لا مدخلية للونها في الحكم؛ فإنّه لو سترها بزجاج ملوّن، فقد ستر اللون لكنّه لم يستر العورة نفسها، وأمّا حجم العورة فلا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه؛ لعدم صدق النظر إلی العورة، وإن كان الأحوط تركه، وقد نقل الوجوب عن المحقق الكركي((2)).

ويمكن أن يؤيّد هذا برواية عبيد الله الرافقي [الدابقي، المرافقي] - في حديث - أنّه دخل حمّاماً بالمدينة، فأخبره صاحب الحمام أنّ أبا جعفر (علیه السلام) كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثم يلفّ إزاره علی أطراف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه [جسده]، فقلت له يوماً من الأيام: إنّ الذي تكره أن

ص: 450


1- - المغني1: 615- 616.
2- - جامع المقاصد2: 95.

أراه قد رأيته، قال: «كلّا، إنّ النورة سترة»((1)).

وبرواية محمد بن عمر عن بعض من حدثه أنّ أبا جعفر (علیه السلام) كان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر»، قال: فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر فلما أطبقت النورة علی بدنه ألقی المئزر، فقال له مولی له: بأبي أنت وأمي إنّك لتوصينا بالمئزر ولزومه، ولقد ألقيته عن نفسك، فقال: «أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة»((2)).

نعم، ما يتراءی تحت الساتر الرقيق المعبّر عنه بالشبح يجب ستره ويحرم النظر إليه؛ لأنّ مثل هذا الساتر لا يمنع عن وقوع النظر إلی العورة نفسها؛ لما فيه من الخلل والفُرَج، ويصدق معه النظر إلی العورة حقيقة فلا يمكن الاكتفاء به في الستر الواجب.

الفرع الثالث: قال السيد اليزدي في العروة: «لو رأی عورة مكشوفة وشك في أنّها عورة حيوان أو إنسان، فالظاهر عدم وجوب الغض عليه، وإن علم أنّها من إنسان وشك في أنّها من صبي غير مميّز أو من بالغ أو مميّز، فالأحوط ترك النظر، وإن شك في أنّها من زوجته أو مملوكته أو أجنبيّة فلا يجوز النظر ويجب الغض عنها، لأنّ جواز النظر معلّق علی عنوان خاص وهو الزوجية أو المملوكية فلا بد من إثباته. ولو رأی عضواً من بدن إنسان لايدري أنّه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر وإن كان الأحوط الترك»((3)).

ص: 451


1- - وسائل الشيعة2: 53، ب18 من أبواب آداب الحمام، ح1.
2- - المصدر نفسه، ح2.
3- - العروة الوثقی1: 308.

يوجد في هذا الفرع أربعة أحكام:

الأوّل: لو رأی عورة مكشوفة وشك في أنّها عورة حيوان أو إنسان لا يجب الفحص؛ لعدم إحراز الموضوع وهو عورة الانسان فتجري البراءة عن حرمة النظر إلی المشكوك فيه؛ لكون الشبهة موضوعيّة تحريميّة.

الثاني: إن علم أنّها عورة إنسان لكنها مردّدة بين ما يجوز النظر إليها وما لا يجوز النظر إليها، كأن شكّ في أنّها من صبي غير مميّز أو من بالغ أو مميز، فالأحوط وجوباً - كما في المتن - ترك النظر، والظاهر أنّ الوجه فيه هو التمسّك بعموم ما دلّ علی عدم جواز النظر.

وذهب جماعة إلی الجواز؛ لأنّ موضوع وجوب الغض هو عورة الإنسان المميّز أو البالغ، وأما غير المميز فعدم الغض جائز، والاحتياط إنّما هو لشمول العام لغير المميّز عند بعضهم.

مضافاً إلی أنّ الأصل الموضوعي جارٍ في المقام؛ فإنّ التمييز والبلوغ مسبوقان بالعدم، فيستصحبان، ومعه لا تصل النوبة لاستصحاب الحكم وهو أصالة البراءة المقتضية لجواز النظر أيضاً.

الثالث: إن شك في أنّها من زوجته أو مملوكته أو أجنبيّة فلا يجوز النظر، ويجب الغض عنها؛ لأنّ جواز النظر معلّق علی عنوان خاص وهو الزوجيّة أو المملوكيّة، فلا بد من إثباته كسائر العناوين الوجوديّة. إذ إنّ وجوب الغض عام خرج منه بالتخصيص: الزوجة والمملوكة، فلا بد من إحراز المخصص وإلا لزم الأخذ بالعام، وأمّا في الخروج التخصصي - كما في الحكمين

ص: 452

السابقين - فلا حاجة معه للإحراز، ويكفي الشك.

الرابع: لو رأی عضواً من بدن إنسان لا يدري أنّه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر؛ لأنّ موضوع الغض هو عنوان العورة، ولم يُحرز، ومعه تجري أصالة البراءة عن حرمة النظر إلی المشكوك؛ لكون الشبهة موضوعية تحريمية. وإن كان الأحوط الترك، ولعل الوجه في أحوطية الترك هو حسن الاحتياط في كل حال.

ص: 453

ص: 454

2- بَابُ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارِهَا وَاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب

اشارة

2- بَابُ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارِهَا وَاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب

شرح الباب:

تضمّن هذا العنوان ثلاثة أحكام:

أوّلها: عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها عند التخلّي، بلا فرق بين كون التخلّي في الأبنية أو الصحاري.

وثانيها: كراهة استقبال الريح أو استدبارها حال التخلّي.

وثالثها: استحباب استقبال المشرق أو المغرب، وعن بعضٍ وجوبه، للأمر به في الحديث الخامس من الباب والأمر يفيد الوجوب، ولتحريم استقبال القبلة واستدبارها ولا يتم إلا باستقبال المشرق أو المغرب لمن كانت قبلته ناحية الشمال أو الجنوب؛ لقولهم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وقد ردّ عليه الماتن في هامشٍ له بقوله: «إنّ الأوامر في مثله للاستحباب غالباً، خصوصاً بعد النهي، بل ورودها بعد النهي للجواز أغلب، حتی قطع كثير من العلماء بعدم

ص: 455

إفادتها للوجوب»((1)).

أقوال الخاصّة:

القول بحرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي - بلا فرق بين كون المتخلّي في صحراء أو بناء - هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، قال في الجواهر: «هو خيرة المبسوط والخلاف والسرائر والمعتبر والنافع والمنتهی والإرشاد والقواعد وجامع المقاصد وغيرها، بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف وعن الغنية الإجماع عليه»((2)

وعن ابن الجنيد: استحباب الاجتناب في الصحراء، ولم يتعرّض للاستدبار، ونقل عن سلار: الكراهة في البنيان، ويلزم منه الكراهة أو التحريم في الصحراء((3)).

وأفاد السيد الأستاذ(قدس سره) أنّ الحرمة من المسائل المتسالم عليها عند الأصحاب حيث لم ينقل فيها الخلاف إلّا عن جماعة من متأخّري المتأخّرين منهم صاحب المدارك(قدس سره) حيث ذهب إلی كراهتهما((4)).

أقوال العامّة:

أكثر العامّة علی عدم جواز استقبال القبلة أو استدبارها في الصحاري، والجواز في الأبنية قال في المغني: «لا يجوز استقبال القبلة في الفضاء لقضاء الحاجة في

ص: 456


1- - وسائل الشيعة1: 302، باب 2 من أبواب أحكام الخلوة، هامش ح5.
2- - جواهر الكلام2: 14.
3- - ينظر: مدارك الأحكام1: 157.
4- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 4: 333- 334.

قول أكثر أهل العلم... فأمّا في البنيان أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه روايتان:

(إحداهما): لا يجوز أيضاً، وهو قول الثوري وأبي حنيفة لعموم الأحاديث في النهي.

(والثانية): يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان، روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر، وهو الصحيح؛ لحديث جابر وقد حملناه علی أنّه كان في البنيان... وعن أحمد أنّه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعاً»((1)).

ولا خلاف بين الفقهاء في أنّه يكره لقاضي الحاجة إذا كانت الحاجة بولاً أو غائطاً رقيقاً أن يستقبل مهبّ الريح، لئلّا يصيبه رشاش الخارج فينجّسه((2)).

ص: 457


1- - المغني1: 154- 155.
2- - الموسوعة الفقهية34: 8.

[790] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، رَفَعَهُ قَالَ: خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَأَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) قَائِمٌ، وَهُوَ غُلَامٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا غُلَامُ، أَيْنَ يَضَعُ الْغَرِيبُ بِبَلَدِكُمْ؟ فَقَالَ: اجْتَنِبْ أَفْنِيَةَ الْمَسَاجِدِ وَشُطُوطَ الْأَنْهَارِ وَمَسَاقِطَ الثِّمَارِ وَمَنَازِلَ النُّزَّالِ وَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَارْفَعْ ثَوْبَكَ وَضَعْ حَيْثُ شِئْتَ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

قوله: أين يضع الغريب ببلدكم؟ سؤال عن مكان وضع الغريب حاجته من البول أو الغائط، وتخصيصه السؤال بالغريب لكون أهل البلد غالباً ما يكون لهم مكان مهيّأ يقضون فيه حاجتهم بخلاف الغريب عن البلد.

وأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ لطالب قضاء الحاجة أن يقضيها في أيّ مكان شاء ما دام يجتنب قضاءها في أماكن خاصّة، وهي:

أفنية المساجد، وقد جاء الفناء بمعنيين في كتب اللغة، فعن النهاية ولسان العرب أنّه: المتسع أمام الدار((2))، وعن الصحاح ولسان العرب أيضاً أنّها: ما امتدّ من جوانبها((3)). وشطوط الأنهار، وهي جمع شط، وفسّر

ص: 458


1- ([1]*) الكافي 3: 16/ 5، ورواه الشيخ في التهذيب 1: 30/ 79، وأورده في الحديث 2 من الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة.
2- - النهاية في غريب الحديث والأثر3: 477، مادة: فنا، ولسان العرب 15: 165، مادة: فني.
3- - الصحاح 6: 2457، مادة: فني، ولسان العرب14: 342، مادة: رها، و15: 165، مادة: فني.

الشط بشاطِئ النهر وجانبه((1)).

ومساقط الثمار، وهي جمع مسقط، وقد جاء: «مَسْقِطُ الشيء ومَسْقَطُه: موضع سقُوطه»((2)).

ومنازل النزّال جمع منزل، وهو موضع النزول، والنُّزّال هم المسافرون، وقد جاء في الوافي: «منازل النُّزّال: الظلال المعدّة لنزول القوافل والمتردّدين من شجرة أو جبل أو جدار أو غيرها»((3)).

وسيأتي في أحاديث الباب الخامس عشر من هذه الأبواب التصريح بأماكن أخری يكره الجلوس لقضاء الحاجة عليها كالطرق النافذة ومواضع اللعن، وغيرهما.

ثم نهی (علیه السلام) عن استقبال القبلة بالغائط أو البول، وهذا يدلّ علی حرمة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة؛ لظهور النهي في الحرمة، ولم يتعرّض الحديث لاستدبار القبلة، وهو بإطلاقه يشمل الأبنية والصحاري كما يشمل الاستقبال بمقاديم البدن حين البول نحو القبلة، والاستقبال بالعورة فقط وإن لم تكن مقاديم البدن إليها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث أحدهما هنا والآخر بعد الحديث الثاني:

ص: 459


1- - لسان العرب7: 334، مادة: شطط.
2- - لسان العرب7: 316، مادة: سقط.
3- - الوافي6: 106، باب آداب التخلي، ذيل حديث 7.

الأول: سند الكليني، وهو ضعيف بالرفع، ويمكن أن يقال باعتباره علی مبنی قبول شهادة الكليني باعتبار أحاديث كتابه.

والثاني: سند الشيخ إلی الكليني، وهو: أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، رفعه، والكلام فيه كسابقه.

ص: 460

[791] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بِإِسْنَادِهِ، رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ (علیه السلام) مَا حَدُّ الْغَائِطِ؟ قَالَ: لَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا، وَلَا تَسْتَقْبِلِ الرِّيحَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ((2)*).

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ((3)*).

وَرَوَاهُ فِي الْمُقْنِعِ مُرْسَلًا عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) مِثْلَهُ((4)*).

[2] - فقه الحديث:

يطلق الحدّ علی المنع والفصل بين الشيئين، ففي لسان العرب: «الحدّ: الفصل بين الشيئين لئلّا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلّا يتعدّی أحدهما علی الآخر»((5))، ويطلق علی الأحكام الشرعية؛ لأنّها فاصلة بين الحلال والحرام، ففي مجمع البحرين: «الحدود الشرعية عبارة عن الأحكام الشرعية، مثل حدّ الغائط كذا، وحدّ الوضوء كذا، وحدّ الصلاة كذا... ومنه «أقمتم حدوده»، أي أحكامه وشرائعه»((6)).

ص: 461


1- ([1]*) الكافي 3: 15/ 3.
2- ([2]*) التهذيب 1: 26/ 65 و33/ 88. والاستبصار 1: 47/ 131.
3- ([3]*) الفقيه 1: 18: 47.
4- ([4]*) المقنع: 7.
5- - لسان العرب 3: 140، مادة: حدد.
6- - مجمع البحرين3: 34.

وعليه فكان سؤال السائل عن الحكم الشرعي في التخلّي، وقد كنّی عنه بالغائط. وجاء الجواب بالنهي عن استقبال القبلة واستدبارها وهو ظاهر في الحرمة، وكذا النهي عن استقبال الريح واستدبارها لولا القطع بعدم حرمتهما، فيحمل النهي علی الكراهة.

لا يقال: إنّ النهي عن استقبال الريح واستدبارها قرينة علی عدم حرمة استقبال القبلة واستدبارها، للقطع بعدم حرمة استقبال الريح واستدبارها حال التخلّي، وقد وقعا في سياق واحد، فلا يكون المراد من النهي الحرمة فيهما، بل يراد منه الكراهة.

فإنّه يقال - كما أفاد الماتن(قدس سره) في ذيل الحديث السابع - : إنّ الفرق بين القبلة والريح وقولنا بالتحريم في الأولی والكراهة في الثانية هو ثبوت حرمة القبلة وشرفها بضرورة الدين، وعمل الأصحاب، وزيادة النصوص الواردة بهذا الخصوص، والمبالغة والتشديد في أمر القبلة، وهو مقتضی الاحتياط، وغير ذلك من الأمور، وأمّا الريح فلم يرد فيها غير حديثين في هذا الباب.

وقد عُلّل عدم استقبال الريح واستدبارها بعلّتين: «إحداهما: أنّ الريح يردّ البول، فيصيب الثوب وربما لم يعلم الرجل ذلك، أو لم يجد ما يغسله، والعلّة الثانية: أنّ مع الريح ملَكاً فلا يُستقبل بالعورة»((1)).

سند الحديث:

ذكر الماتن سند الحديث بأربعة أنحاء:

ص: 462


1- - بحار الأنوار 77: 194، باب 2 من أبواب آداب الخلاء والاستنجاء، ح 53.

الأول: الكليني عن محمد بن يحيی - أي: العطار - بإسناده ولم يُعلم إسناده، كما أنّ السند مرفوع، ويمكن تصحيحه بناء علی قبول شهادة الكليني بصحة ما في الكافي.

والثاني: الشيخ بسنده إلی الكليني، ولكنّه لم يصرّح بأخذه من الكافي ولم يذكر الكليني في السند في كلا كتابيه، حيث قال في التهذيب: «أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن يحيی العطار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمد بن أحمد بن يحيی، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء أو غيره، رفعه»((1)).

وقال في الاستبصار: «وبهذا الإسناد - أي الشيخ (رحمه الله) ، عن أحمد بن محمد، عن أبيه - عن محمد بن يحيی»، إلی آخر السند((2)).

وهو ضعيف - بطريقيه - إلا أن يُلتزم بأنّه مأخوذ من الكافي - كما ذكره الماتن - مع قبول شهادة الكليني بصحة ما في الكافي.

والثالث: الصدوق مرسلاً في الفقيه، ويصحّح بناء علی قبول شهادة الصدوق في كتابه الفقيه((3)).

والرابع: الصدوق مرسلاً في المقنع، ويصحّح بناء علی قبول شهادة الصدوق في كتابه المقنع((4)).

ص: 463


1- - تهذيب الأحكام1: 26، ح 65.
2- - الاستبصار 1: 47، ح 131.
3- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.
4- - ينظر: اصول علم الرجال1: 327- 332.

[792] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) أَنَّ النَّبِيَّ| قَالَ - فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي - : إِذَا دَخَلْتُمُ الْغَائِطَ فَتَجَنَّبُوا الْقِبْلَةَ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

قوله: «إذا دخلتم»، لا يبعد ظهوره في إرادة الدخول في الأبنية لقضاء الحاجة. وعلی أيِّ فقد دلّ بإطلاقه علی وجوب اجتناب القبلة بالبول أو الغائط استقبالاً واستدباراً، سواء كان ذلك بمقاديم البدن أو بالعورة فحسب.

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الصدوق إلی شعيب بن واقد ضعيف((2))، وأمّا شعيب فهو مجهول، والحسين بن زيد هو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام) ، وقد تقدّم أنّه ثقة؛ لرواية المشايخ الثقات عنه، فهذا السند ضعيف، ويمكن تصحيحه بناء علی قبول شهادة الصدوق بصحة ما في الفقيه.

ص: 464


1- ([1]*) الفقيه 4: 3/ 1.
2- - ايضاح الدلائل4: 418- 419.

[793] 4- قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ| عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ بإطلاقه علی شمول النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط للصحاري والأبنية. كما أنّ إطلاقه يشمل الاستقبال بمقاديم البدن مع البول نحو القبلة، والاستقبال بالعورة فقط وإن لم تكن مقاديم البدن إليها.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مرّ مراراً أنّها معتبرة((2)).

ص: 465


1- ([1]*) الفقيه 1: 180/ 851.
2- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[794] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ|: إِذَا دَخَلْتَ الْمَخْرَجَ فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا((1)*)((2)*).

[5] - فقه الحديث:

قوله: «إذا دخلت المخرج» المراد به بيت الخلاء، قال في مجمع البحرين: «المخرج بالفتح مكان خروج الفضلات - أعني الكنيف -»((3)).

والنهي فيه مطلق يشمل الاستقبال والاستدبار في الأبنية وفي غيرها، كما يشمل الاستقبال بالبول والفرج وعدمه، وعليه فيحرم الاستقبال بالبدن فقط كما

ص: 466


1- ([1]*) التهذيب 1: 25/ 64، والاستبصار 1: 47/ 130.
2- ([2]*) قد ذهب بعضهم إلى وجوب استقبال المشرق أو المغرب للأمر في هذا الحديث، ولتحريم استقبال القبلة واستدبارها، ولا يتمّ إلّا باستقبال المشرق أو المغرب لقولهم (علیهم السلام) : «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وهو مردود بأنّ الأوامر في مثله للاستحباب غالباً، خصوصاً بعد النهي، بل ورودها بعد النهي للجواز أغلب، حتّى قطع كثير من العلماء بعدم إفادتها للوجوب، وحديث القبلة مخصوص بالناسي واللّه أعلم (منه قده). و للزيادة راجع المدارك 1: 160 ومفتاح الكرامة 1: 50 والجواهر 2: 7، وأمّا صاحب ذخيرة المعاد 16- 24 فقال: والظاهر أنّ التشريق والتغريب مستحب.
3- - مجمع البحرين2: 294، مادة: خرج.

يحرم الاستقبال بالفرج.

والأمر بالتشريق أو التغريب إنّما هو لمن كانت قبلته جهة الجنوب أو الشمال فهذا الحكم مختصّ به، وأمّا من كانت قبلته جهة الشرق أو الغرب فلا بدّ له من أن يتّجه نحو الشمال أو الجنوب، كما لا يخفی.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد سبق أنّ وجوده في السند لا يضرّ به؛ لأنّ رواياته في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه، وللشيخ ثلاثة طرق إلی محمد بن الحسن اثنان منها ليس فيهما أحمد((1)

وبهذا يقال باعتبار رواياته.

وفيه: محمد بن يحيی، وهو العطار، ومحمد بن الحسين، وهو ابن أبي الخطاب.

وفيه أيضاً: محمد بن عبد الله بن زرارة، وهو أخو إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي((2)

وقد ذكر النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن فضال «عن علي بن الريّان عن محمد بن عبد الله بن زرارة بن أعين قال: كنّا في جنازة الحسن فالتفت إليَّ وإلی محمد بن الهيثم التميمي فقال لنا: ألا اُبشركما؟ فقلنا له: وما ذاك؟ فقال: حضرت الحسن بن علي قبل وفاته، وهو في تلك الغمرات، وعنده محمد بن الحسن بن الجهم فسمعته يقول له: يا أبا محمد تشهّد، قال: فتشهّد

ص: 467


1- - ايضاح الدلائل1: 218.
2- - رجال النجاشي: 20/ 27.

الحسن فعبر عبد الله، وصار إلی أبي الحسن (علیه السلام) ، فقال له محمد بن الحسن: وأين عبد الله؟ فسكت، ثم عاد فقال له: تشهّد، فتشهّد وصار إلی أبي الحسن (علیه السلام) ، فقال له: وأين عبد الله؟ يردّد ذلك عليه ثلاث مرات، فقال الحسن: قد نظرنا في الكتب فما رأينا لعبد الله شيئاً.

قال أبو عمرو الكشي: كان الحسن بن علي فطحياً يقول بإمامة عبد الله بن جعفر فرجع، قال ابن داود في تمام الحديث: فدخل علي بن أسباط فأخبره محمد بن الحسن بن الجهم الخبر قال: فأقبل علي بن أسباط يلومه، قال: فأخبرت أحمد بن الحسن بن علي بن فضال بقول محمد بن عبد الله فقال: حرَّف محمد بن عبد الله علی أبي، قال: وكان والله محمد بن عبد الله أصدق عندي لهجة من أحمد بن الحسن؛ فإنّه رجل فاضل ديّن»((1)).

وبانضمام أنّ أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ثقة في الحديث بتصريح النجاشي((2)) يكون محمد بن عبد الله بن زرارة أوثق منه.

وروی الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسن بن فضال أنّ محمد بن عبد الله بن زرارة أوصی في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلی أبي الحسن (علیه السلام) ... وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلی أيوب بن نوح... وكتب (علیه السلام) : قد وصل ذلك، وترحّم علی الميت، وقرأت الجواب((3)).

ص: 468


1- - رجال النجاشي: 35 - 36/ 72.
2- - رجال النجاشي: 80/ 194.
3- - تهذيب الأحكام9: 195، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ذيل الحديث 785.

وهذا يدلّ علی مدحه.

وأما عيسی بن عبد الله الهاشمي فهو عيسی بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (علیه السلام) . وأبوه عبد الله بن محمد، وجده محمد بن عمر، ولم يرد فيهم شيء، إلا أنّهم وقعوا في أسناد كتاب نوادر الحكمة((1)) فهم ثقات.

وعلی هذا كلّه فالسند معتبر.

ص: 469


1- - أصول علم الرجال1: 233 و228 و249.

[795] 6- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ((1)*)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) مَا حَدُّ الْغَائِطِ؟ قَالَ: لَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا، وَلَا تَسْتَقْبِلِ الرِّيحَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا((2)*).

[6] - فقه الحديث:

مضی بيانه في الحديث الثاني من هذا الباب.

سند الحديث:

قوله وبالإسناد، أي بالإسناد السابق في الحديث الخامس إلی محمد بن يحيی العطار، وهو كما في التهذيب: أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی - أي المفيد - قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه، عن محمد بن يحيی العطار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمد بن أحمد بن يحيی... الخ.

وأمّا في الاستبصار فلم يذكر أحمد بن إدريس قريناً لمحمد بن يحيی العطار، كما نبّه عليه الماتن في حاشية منه.

وقد تقدّم الكلام في بقيّة أفراد السند وأنّهم ثقات، ولكن السند مرفوع، مضافاً إلی عدم معلوميّة طرف الترديد مع عبد الحميد بن أبي العلاء، فيكون السند ضعيفاً.

ص: 470


1- ([1]*) لم يرد في الاستبصار: أحمد بن إدريس (هامش المخطوط).
2- ([2]*) التهذيب 1: 26/ 65 و33/ 88 والاستبصار 1: 47/ 131.

نعم في الوسائل المطبوعة بتحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني جاء السند من دون ترديد هكذا: «عبد الحميد بن أبي العلاء وغيره» خلافاً للتهذيب في موضعين وللاستبصار والوافي وجامع الأحاديث.

ص: 471

[796] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) وَفِي مَنْزِلِهِ كَنِيفٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ بَالَ حِذَاءَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فَانْحَرَفَ عَنْهَا إِجْلَالًا لِلْقِبْلَةِ وَتَعْظِيماً لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَقْعَدِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ((1)*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ|: مَنْ بَالَ حِذَاءَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: صَدْرُ الْحَدِيثِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الْمُنَافَاةِ، لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ ذَلِكَ الْكَنِيفِ إِلَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَوْ كَوْنِهِ غَيْرَ مِلْكٍ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَعَدَمُ تَغْيِيرِهِ إِمَّا لِقُرْبِ الْعَهْدِ أَوْ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَوْ ضِيقِ الْبِنَاءِ أَوْ لِلتَّقِيَّةِ أَوْ لِإِمْكَانِ الْجُلُوسِ مَعَ الِانْحِرَافِ عَنِ الْقِبْلَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالرِّيحِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَشَرَفِهَا بِالضَّرُورَةِ، وَعَمَلُ الْأَصْحَابِ، وَزِيَادَةُ النُّصُوصِ، وَالْمُبَالَغَةُ وَالتَّشْدِيدُ وَالِاحْتِيَاطُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيَأْتِي أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ((3)*).

[7] - فقه الحديث:

فيه حكاية وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الإمام (علیه السلام) ، ثم بيان

ص: 472


1- ([1]*) التهذيب 1: 26/ 66 و352/ 1043 والاستبصار 1: 47/ 132.
2- ([2]*) المحاسن: 54/ 82.
3- ([3]*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 7 من الباب 15، وفي الحديث 6 من الباب 33 من هذه الأبواب.

الإمام (علیه السلام) المتضمّن أنّ من بال في جهة القبلة ثم ذكر أنّه مستقبل لها فانحرف عنها لأجل إجلالها وتعظيمها كان جزاؤه الغفران قبل أن يقوم من محلّ تخليّه؛ إذ تعظيمه للقبلة تعظيم لآية الله وحرمه وبيته تعالی الذي نسبه إلی نفسه وجعل له الحرمة العظيمة.

استدلّ به سلار وابن الجنيد في جواز التخلّي مستقبلاً القبلة في الأبنية، لأنّ بناء الكنيف في بيت الإمام (علیه السلام) كان إلی القبلة، ولكن بناء الكنيف مستقبلاً القبلة لا يستلزم جواز الجلوس عليه من دون انحراف عنها عند قضاء الحاجة.

لا يقال: إنّ الظاهر من هذا الحديث كراهة الاستقبال أثناء قضاء الحاجة، لا حرمته بقرينة أنّ الانحراف عن القبلة إجلال وتعظيم لها، أو يقال: إنّ عدم الاستقبال لها مستحب.

فإنّه يقال إنّ هذا إشعار باستحباب عدم الاستقبال أو كراهة الاستقبال، لكنّه لا يرفع اليد عن ظواهر الأحاديث به. وقد أفاد الماتن(قدس سره) : إنّ ما في صدر الحديث من وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الإمام (علیه السلام) لا ينافي حرمة استقبال القبلة حال التخلّي؛ لاحتمال انتقال البيت إلی الإمام (علیه السلام) وكنيفه مستقبل القبلة، أو كون البيت غير ملك للإمام (علیه السلام) فالتصرّف فيه بتحويل جهة الكنيف يحتاج إلی إذن المالك، ولعلّ تحصيل الإذن غير متيسّر. وإنما لم يغيّره الإمام (علیه السلام) - علی فرض شرائه للبيت - إمّا لقرب العهد بشراء البيت، أو لعدم إمكانه للتغيير ولو لضيق البناء، أو للتقيّة، أو لإمكان الجلوس عليه مع الانحراف عن القبلة، أو لعدم الحاجة إليه لوجود كنيف آخر في البيت، أو لنحو ذلك من الأسباب.

ص: 473

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيبين، وقد تقدّم أنّ إسناده إلی محمد بن علي بن محبوب ثلاثة طرق أحدها صحيح والثاني معتبر((1))، وأمّا الهيثم بن أبي مسروق فقد مضی أنّه ممدوح، بل ثقة((2)). وأمّا محمد بن إسماعيل فهو ابن بزيع، وعلی هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند البرقي في المحاسن، وفيه: الحارث بن بهرام، ولم يذكر في الأصول الرجاليّة، لكن روی عنه المشايخ الثقات((3)) فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: عمرو بن جميع، وقد مضی أنّه ضعيف الحديث((4)). وعليه فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، أوّلها معتبر بطريقيه، والسادس ضعيف، والسابع معتبر بأحد طريقيه، والبقيّة معتبرة.

وقد ذكر المحدّث النوري في المستدرك خمسة أحاديث أخر، جاء فيها النهي عن الاستقبال والاستدبار، واختص أحدها بذكر النهي عن الاستقبال، لكنّها كلّها ضعيفة الإسناد.

ص: 474


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - المصدر السابق3: 129.
3- - أصول علم الرجال2: 184.
4- - ايضاح الدلائل2: 206.

وزاد العلّامة المجلسي في البحار حديثين أحدهما الحديث الثالث نفسه من هذا الباب، لكنّه نقله عن أمالي الصدوق، والآخر عن الهداية، وهو قوله: «ولا يجوز أن يجلس للبول والغائط مستقبل القبلة ولا مستدبرها، ولا مستقبل الهلال ولا مستدبره»((1)).

فروع ثلاثة حول التخلّي

الفرع الأول: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة واستدبارها بمقاديم بدنه، وإن أمال عورته إلی غيرهما، والأحوط ترك الاستقبال والاستدبار بعورته فقط، وإن لم يكن مقاديم بدنه إليهما، ولا فرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري، والقول بعدم الحرمة في الأول ضعيف، والقبلة المنسوخة كبيت المقدس لا يلحقها الحكم، والأقوی عدم حرمتهما في حال الاستبراء والاستنجاء وإن كان الترك أحوط. ولو اضطر إلی أحد الأمرين تخيّر، وإن كان الأحوط الاستدبار، ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر، ولو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، ولو تردّدت بين جهتين متقابلتين اختار الأخريين، ولو تردّدت بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع، التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات.

وهذا الفرع فيه أحكام:

الحكم الأول: حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي.

وقد سبق بيان الأقوال، وأنّ المشهور الحرمة، بل هي من المتسالم عليه

ص: 475


1- - بحار الأنوار77: 191، باب 2 من أبواب آداب الخلاء والاستنجاء، ح 48.

بينهم، إلا من بعض متأخّري المتأخرين منهم صاحب المدارك(قدس سره) حيث ذهب إلی كراهتهما.

وأمّا القدماء فوقع الاتفاق منهم علی الحرمة، وعن ابن الجنيد: استحباب الاجتناب في الصحراء، وعن سلار: الكراهة في البنيان.

والدليل علی الحرمة هو التسالم وروايات الباب، لكن أورد علی الروايات من جهة السند والدلالة.

أمّا من جهة السند فبأنّها كلّها ضعيفة، فلا يمكن التمسك بها، بناء علی عدم جبر عمل المشهور لضعف السند، وعدم حجيّة الإجماع. وحينئذٍ يصار إلی البراءة عن حرمة الاستقبال والاستدبار كما عن صاحب المدارك، بل يمكن القول بوجود الدليل علی عدم الحرمة، وهو الحديث السابع من الباب؛ حيث إنّ لحنه يفيد الكراهة؛ فإنّ الانحراف عن القبلة لو كان واجباً، والبقاء علی الاستقبال حراماً لأمر به الإمام (علیه السلام) ، وأمّا تسجيل الثواب لمن انحرف عن القبلة حال التخلّي فغاية ما يدلّ عليه هو استحباب الانحراف عنها حاله.

وأمّا علی القول بحجيّة الإجماع والتسالم فيمكن المصير إلی القول بالحرمة.

وأمّا بناء علی قبول مبنی جبر عمل المشهور لضعف السند فيصار أيضاً إلی الحرمة، كما التزم به السيد الحكيم في المستمسك((1)).

هذا، ولكن سبق أنّ سند بعضها معتبر، وعليه فلا تكون أحاديث الباب كلّها ضعيفة، وتكون البقيّة مؤيّدة.

ص: 476


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 194.

وأمّا من جهة الدلالة فبأنّها مشتملة علی ما ليس بمحرّم بالاتفاق كاستقبال الريح أو استدبارها حيث إنّه مسلّم الكراهة، وقد وقع في سياق واحد مع النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي، فيكون قرينة علی أنّ المراد من النهي فيها الكراهة لا الحرمة.

وفيه: إنّ هذا بمجرّده لا يشكّل قرينة علی صرف ظهور النهي في الحرمة إلی الكراهة؛ لأنّ الظهور حجّة ولا ترفع اليد عنه إلا بقرينة أقوی علی خلافه وهي مفقودة هنا.

الحكم الثاني: إنّ المحرّم - بناء علی حرمة الاستقبال والاستدبار حال التخلّي - هل هو استقبال القبلة أو استدبارها بمقاديم البدن، وإن أمال المتخلّي عورته عن القبلة إلی جهة الشرق أو الغرب وبال إلی غير القبلة، أو أنّ المحرّم هو البول إلی القبلة سواء كان مستقبلاً لها بمقاديم البدن أم لم يكن.

فيه أقوال: المشهور أنّ المحرّم هو استقبال القبلة أو استدبارها بمقاديم البدن، وإن أمال المتخلّي عورته عن القبلة. وعن بعضهم أنّه البول إلی القبلة سواء كان مستقبلاً لها بمقاديم البدن أم لم يكن، وعن ثالث أنّه الاستقبال بمقاديم البدن والفرج.

وهذا الاختلاف لاختلاف المبنی؛ فمن صحّح بعض أحاديث الباب، أو كان يری جابريّة عمل المشهور حكم بحرمة الاستقبال بمقاديم البدن والفرج، لورود النهي عن استقبال القبلة بالبول أو الغائط في بعضها كما في الحديث الرابع، وهي بإطلاقها تشمل الاستقبال بمقاديم البدن وعدمه، كما أنّ بعضها

ص: 477

كالحديث الخامس اشتمل علی النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حيث قال: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها» وإطلاقه يشمل الاستقبال بالبول والفرج وعدمه، وحيث لا تنافي بين الجهتين يؤخذ بكلتيهما ويُلتَزَم بحرمة كلٍّ من الاستقبال بالبدن والاستقبال بالفرج، وإن كان قد يجتمعان، فيستقبل القبلة بمقاديم بدنه وعورته، بل هذا هو المتعارف.

وأمّا من لم يصح عنده شيء من أحاديث الباب ولم يعتقد بجبر عمل المشهور للحديث الضعيف، وثبت عنده الإجماع والتسالم علی حرمة الاستقبال حكم بحرمة الاستقبال بمقاديم البدن والفرج معاً، كما هو المتعارف حال التخلّي؛ لأنّه هو المتيقّن ممّا قام الاجماع علی حرمته، وأمّا خصوص الاستقبال بالبدن دون الفرج أو الاستقبال بالفرج دون البدن فلا يمكن إثبات حرمتهما بواسطة التسالم والإجماع، لوجود المخالف في كلٍّ منهما.

الحكم الثالث: حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية والصحاري.

المشهور حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية والصحاري حال التخلّي، بل ادّعي عليه الإجماع والتسالم، كما مرّ، وذهب ابن الجنيد وسلّار وكذا عن المفيد5 - علی ما حكی عنهم - إلی القول بعدم الحرمة في الأبنية.

فإذا كان المدرك هو الأخبار فلا مناص من الالتزام بعدم الفرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري؛ وذلك لإطلاق أحاديث الباب، من غير تقييدها بالأبنية.

لا يقال: إنّ التخلّي مستقبلاً القبلة في الأبنية جائز بمقتضی بناء الكنيف مستقبلاً القبلة في بيت الإمام (علیه السلام) ، كما أنّ الانحراف عن القبلة إجلال وتعظيم

ص: 478

لها، وهذه قرينة علی عدم حرمة الاستقبال، وإلّا لنهی الإمام عنه، أو يقال: إنّ عدم الاستقبال لها مستحب.

لأنّا نقول: إنّ بناء الكنيف مستقبلاً القبلة لا يستلزم جواز الجلوس عليه من دون انحراف عنها عند قضاء الحاجة.

كما أنّ وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الإمام (علیه السلام) لا يلازم جواز الاستقبال في الأبنية؛ كما تقدّم(1).

وأمّا إن كان المدرك هو الإجماع والتسالم فلا بدّ من الاقتصار علی غير الأبنية، لوجود المخالف في الأبنية، فلا يحرم فيها، ومع الشك في حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية يرجع إلی البراءة وإن كان تركهما حتی في الأبنية هو الأحوط.

الحكم الرابع: القبلة المنسوخة - كبيت المقدس - لا يلحقها الحكم.

لعدم الدليل عليه؛ فإنّ المنع من الاستقبال والاستدبار في النصوص ينصرف إلی القبلة الفعليّة للمسلمين، والإجماع المذكور مختصّ بها، فلا يشمل غيرها، وكون القبلة المنسوخة هي القبلة للمسلمين سابقاً غير كافٍ في الشمول؛ لظهور القبلة في النصوص فيما هو القبلة الفعليّة للمسلمين، لا ما كان كذلك سابقاً، وعلی هذا لا موجب لإلحاق الحكم بها.

الحكم الخامس: الأقوی عدم حرمة استقبال القبلة أو استدبارها في حال

ص: 479


1- - في الصفحة: 453.

الاستبراء والاستنجاء وإن كان الترك أحوط.

والكلام يقع في مقامين.

المقام الأول: في الاستبراء، وقد قيل إنّ حاله حال خروج البول في حرمة الاستقبال والاستدبار، ولكنّ الظاهر أنّ الحكم في النصوص الواردة قد تعلّق بالتبوّل، لا بمجرّد خروج قطرة أو قطرتين منه، وما يخرج بالاستبراء هو الثاني فلا يتعلّق به الحكم، وهو الحرمة، كما أنّ الإجماع والتسالم هو علی حرمة استقبال القبلة أو استدبارها لدی البول أو الغائط دون الاستبراء، ومع ذلك فإنّ الاحتياط حسن.

المقام الثاني: في الاستنجاء، والمعروف هو عدم حرمة الاستقبال والاستدبار حاله؛ إذ الأدلة مختصّة بمورد البول والغائط، ولم يرد في النصوص نهي عن استقبال القبلة أو استدبارها حال الاستنجاء.

وأمّا ما عن صاحب الحدائق(قدس سره) من أنّ «الظاهر - إلحاق حال الاستنجاء بذلك، لرواية عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «قلت له: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط...»»((1)) بتقريب أنّه كما أنّ القعود للغائط مستقبل القبلة أو مستدبراً لها حرام فكذلك القعود للاستنجاء بمقتضی هذا الحديث فمناقش؛ لأنّ الرواية منصرفة إلی كيفية الاستنجاء بلحاظ بدن المتخلّي، وكيفيّة القعود للاستنجاء، ولا نظر لها إلی لحاظ أمر آخر خارج عن كيفيّة القعود للاستنجاء كالاستقبال والاستدبار.

ص: 480


1- - الحدائق الناضرة2: 41.

وبيانه: أنّ السائل يسأل عن كيفيّة القعود للاستنجاء، فهل يعتبر فيها شيء زائد عن القعود للغائط، كما هو الحال عند بعض العامّة من استحباب أن يرخي المستنجي نفسه ويفرّج فخذيه لئلّا ينقبض المحل علی ما فيه من الأذی فيؤدّي ذلك إلی بقاء النجاسة.

وأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ كيفية القعود للاستنجاء ككيفيّته للتخلّي فلا يعتبر في القعود له شيء زائد.

هذا، ولا ريب في أنّ الاحتياط حسن، وهو سبيل النجاة.

الحكم السادس: لو اضطر إمّا إلی الاستقبال وإمّا الاستدبار تخيّر بينهما، وإن كان الأحوط الاستدبار.

والحكم بالتخيير هو مقتضی قاعدة التزاحم، كما هو الشأن في كلّ واجبين لم يمكن العمل بهما معاً، أو محرّمين لم يمكن تركهما معاً، إذا لم يكن أحدهما أهمّ أو محتمل الأهميّة، وأمّا أنّ الاحتياط حينئذٍ هو استدبار القبلة؛ فلأنّ استدبارها أقرب إلی إجلالها وتعظيمها؛ فإنّ الاستقبال أعظم قبحاً.

لكنّ الصحيح في المقام أنّ المسألة إنّما تكون صغری لكبری التزاحم إذا كان مدركها نصوص الباب، وأمّا إذا كان مدركها التسالم والإجماع فإنّها تندرج في كبری دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وبيان ذلك: أنّ المدرك إذا كان هو الروايات فمقتضی إطلاقها عدم الفرق في حرمة الاستقبال والاستدبار بين الاختيار والاضطرار، ومعه تندرج المسألة في كبری التزاحم؛ لعدم قدرة المكلّف علی امتثال التكليفين مع الاضطرار إلی ترك أحدهما، وحينئذٍ لابدّ من

ص: 481

الرجوع إلی مرجّحات المتزاحمين، فيقدّم أهمهما، وحيث إنّ الحرمة في استقبال القبلة أهمّ عند العرف، ولكثرة الروايات الدالة علی حرمته بخلاف الاستدبار فيكون محتمل الأهميّة علی الأقل، وهذا يوجب تقديمه علی الاستدبار عند التزاحم، فيتعيّن عليه الاستدبار، ويكون الاحتياط به وجوبيّاً حينئذ.

وأمّا إذا كان المدرك هو التسالم والإجماع فلكونه دليلاً لُبيّاً واتضحت به حرمة الاستقبال أو الاستدبار في الجملة، ولا يستفاد منه حرمتهما مطلقاً حتی في موارد عدم تمكّن المكلّف من كليهما، وبما أنّ المكلّف قد عجز عن أحدهما فلا يحتمل حرمتهما معاً في حقّه، وعلی هذا تكون الحرمة في حال الاضطرار إمّا مجعولة في استقبال القبلة علی نحو التعيين؛ لاحتمال كونها أهمّ، أو أنّها مجعولة لاستقبالها واستدبارها علی نحو التخيير. ولا بد من تقديم التخيير عند دوران الأمر بينه وبين التعيين بحسب الجعل؛ لجريان الأصل النافي للتعيين، ويكون المكلّف مخيّراً بين الاستقبال أو الاستدبار، ويكون الاحتياط بالاستدبار احتياطاً استحبابيّاً.

الحكم السابع: لو دار الأمر بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر.

وهذا الفرض يتصوّر فيما إذا كان في غير القبلة ودبرها ناظر محترم لا يمكن التستّر عنه، فيدور أمر المكلّف بين ترك استقبال القبلة واستدبارها والبول من دون تستّر وبين البول مستقبلاً لها أو مستدبراً مع التستّر.

وهنا لا يوجد فرق عملي بين المبنيين؛ فإنّه إن كان المدرك هو الأخبار وقع

ص: 482

التزاحم بين حرمة كشف العورة وحرمة الاستقبال أو الاستدبار، ولمّا كانت حرمة كشف العورة أهمّ في ارتكاز المتشرّعة، وللروايات الواردة في الستر، فتقدّم حرمة كشف العورة علی حرمة الاستقبال والاستدبار، وعلی هذا يجوز للمكلف أن يبول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها.

وإن كان المدرك هو التسالم والإجماع فقد سبق أنّه لا يقتضي حرمة الاستقبال والاستدبار إلّا في الجملة، وفي غير مورد التزاحم، وأمّا معه فلا مقتضي لحرمتهما فيجوز للمكلّف أن يبول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها.

الحكم الثامن: لو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، ولو تردّدت بين جهتين متقابلتين اختار الأخريين، ولو تردّد بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع، التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات.

ذهب صاحب العروة وجمع كثير من الفقهاء إلی اعتبار العمل بالظن إذا اشتبهت القبلة، والمستند لهم في ذلك صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «يجزئ التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة»((1)). وهي تدلّ علی كفاية الأخذ في باب القبلة بما هو أحری وأرجح في نظر المكلّف، ومقتضی إطلاقها حجّية الظن في تعيين القبلة بلا فرق في الأحكام المترتبة عليها بين الصلاة والدفن والذبح، والاستقبال والاستدبار في التخلّي. وإن احتمل بعضهم اختصاصها بمورد الصلاة.

ص: 483


1- - الكافي3: 285، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلی لغير القبلة، ح 7، ووسائل الشيعة4: 307، باب 6 من أبواب القبلة، ح1.

والحكم في اختيار الجهتين الأخريين المتقابلتين اللتين لم تقعا طرفاً للترديد واضح؛ لأنّهما ليستا قبلة يقيناً فيلزمه اختيار أحدهما.

وأمّا لو تردّد بين الجهتين المتصلتين فهو كالترديد بين الجهات الأربع، فيكون التكليف بحرمة الاستقبال والاستدبار ساقطاً فيتخيّر بين الجهات كما مرّ بيانه في الحكم السادس، هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل.

الفرع الثاني:

يتحقّق ترك الاستقبال والاستدبار بمجرد الميل إلی أحد الطرفين ولا يجب التشريق أو التغريب وإن كان أحوط.

وذلك لصدق عدم الاستقبال والاستدبار عرفاً عند الميل إلی أحد الطرفين. وهذه النتيجة واحدة علی كلا المدركين: فإنّ المدرك إذا كان هو الروايات فهي قد دلّت علی حرمة استقبال القبلة واستدبارها ولم تدلّ علی وجوب التشريق أو التغريب. نعم ورد في رواية عيسی بن عبد الله الهاشمي قوله|: «ولكن شرّقوا أو غرّبوا».

لكن ناقشه السيد الحكيم(قدس سره) بضعف السند وعدم العامل به، فيحمل علی استحباب التشريق أو التغريب((1)).

وقد يقال: إنّ الرواية معتبرة، وعدم عمل المشهور بها غير موهن لها، وما دامت معتبرة فيلزم التشريق أو التغريب.

إلا أنّه يناقش في دلالتها؛ لأنّ المستفاد منها عرفاً الميل إلی جهة الشرق أو الغرب والانحراف عن القبلة، لا محاذاتهما، كما هو المتعارف في محاوراتنا

ص: 484


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 200.

العرفيّة.

وأمّا إذا كان المدرك هو التسالم والإجماع فلأنّه دليل لبّي يقتصر فيه علی المقدار المتيقّن وهو حرمة التخلّي إلی القبلة فقط، فلا إجماع علی حرمة التخلّي منحرفاً عن القبلة إلی الشرق أو الغرب.

الفرع الثالث:

الأحوط في مَن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال والاستدبار بقدر الامكان، وإن كان الأقوی عدم الوجوب.

وهذا يختلف باختلاف مدرك الحكم فإنّ مدرك حرمة الاستقبال والاستدبار إن كان هو الإجماع والتسالم فيقتصر علی المقدار المتيقّن من الحرمة، وهو حرمة الاستقبال والاستدبار علی المتخلّي المختار، ولم يعلم قيامهما علی الحرمة في حقّ المتخلّي المضطر.

وإن كان المدرك هو الأخبار فإن كان المستفاد منها حرمة الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط وبمقاديم البدن، فالاستقبال والاستدبار بمقاديم البدن أمرٌ اختياري له، وإن كان البول والغائط خارجين عن اختياره فيحرم عليه الاستقبال والاستدبار.

وأمّا إن كان المستفاد منها الشمول للاستقبال والاستدبار بالبول والغائط - كما اخترناه - فلا يحرم علی من تواتر بوله أو غائطه استقبال القبلة واستدبارها؛ لعدم كون ذلك تحت اختياره.

فالأقوی هو أنّ الأخبار واردة في الشخص المتعارف الذي يكون بوله وغائطه تحت اختياره، لا التفصيل بين الاستقبال بمقاديم البدن والاستقبال

ص: 485

بالبول أو الغائط.

ومع ذلك فالأحوط ترك الاستقبال والاستدبار بقدر الإمكان، وأمّا الزائد علی ذلك فلا يحرم، للحرج المنفي في الشريعة.

ص: 486

3- بَابُ اسْتِحْبَابِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّقَنُّعِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَة

اشارة

3 - بَابُ اسْتِحْبَابِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّقَنُّعِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَة

شرح الباب:

من جملة آداب التخلّي: تغطية الرأس والتقنّع عندإرادة قضاء الحاجة، وهي إحدی سنن النبي|، وقد ورد في هذا الباب الإشارة إلی إحدی الحِكم من الأمر بذلك، وهي الحياء من الله تعالی ومن المَلكين اللذين يكونان مع الإنسان، وقد ذكر الشيخ المفيد(قدس سره) حِكماً أخری كالأمن من عبث الشيطان، ومن وصول الرائحة الخبيثة إلی دماغه، وهو سُنّة من سنن النبي|، وفيه اظهار الحياء من الله تعالی؛ لكثرة نعمه علی العبد، وقلّة الشكر منه((1)). وفي الفقيه: أنّه للإقرار بأنّه غير مبرّئ نفسه من العيوب((2)).

أقوال الخاصّة:

قال المحقّق في المعتبر: «يستحب تغطية الرأس عند دخول الخلاء والتسمية، وعليه اتفاق الأصحاب»((3)). وقال العلّامة المجلسي: «المشهور بين

ص: 487


1- - المقنعة: 39.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 24.
3- - المعتبر1: 133.

الأصحاب استحباب تغطية الرأس في الخلاء، والذي يظهر من الأخبار والتعليلات الواردة فيها وفي كلام بعض الأصحاب أنّه يستحب التقنيع بأن يسدل علی رأسه ثوباً يقع علی منافذ الرأس، ويمنع وصول الرائحة الخبيثة إلی الدماغ، وإن كان متعمّماً، وهذا أظهر وأحوط»((1)).

وفي الجواهر: «من المندوبات تغطية الرأس، كما في الهداية والمقنعة والمبسوط والمعتبر والقواعد والإرشاد والذكری والروض والمدارك وكشف اللثام وغيرها، بل في المعتبر والذكری الاتفاق عليه»((2)).

أقوال العامّة:

قال النووي: «ويستحب أن لا يدخل الخلاء حافياً ولا مكشوف الرأس»((3))، وقال ابن عابدين: «إذا أراد أن يدخل الخلاء ينبغي أن يقوم قبل أن يغلبه الخارج، ولا يصحبه شيء عليه اسم معظّم، ولا حاسر الرأس، ولا مع القلنسوة بلا شيء عليها»((4))، وذكر الحطاب الرعيني أنّ من جملة آداب قاضي الحاجة: تغطية رأسه((5))، وقال ابن قدامة: «ويستحب أن يغطّي رأسه»((6)).

ص: 488


1- - بحار الأنوار77: 183، ب 2 من أبواب آداب الخلاء والاستنجاء، ذيل الحديث 33.
2- - جواهر الكلام2: 55.
3- - روضة الطالبين1: 178.
4- - حاشية ردّ المحتار1: 373.
5- - مواهب الجليل1: 390.
6- - المغني 1: 158.

[797] 1- مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيدُ فِي الْمُقْنِعَةِ قَالَ: إِنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ إِنْ كَانَ مَكْشُوفاً عِنْدَ التَّخَلِّي سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ|((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ مثل جعل الثوب علی الرأس - إن كان قبل ذلك مكشوفاً - سُنّة من سنن النبي|، وهو المراد بتغطية الرأس، قال ابن منظور: «غَطَی الشيءَ يَغْطِيه غَطْياً وغَطَّی عليه وأَغْطاه وغَطَّاه: سَتَره وعَلاه»((2)). وما دام هذا الأمر من السنن النبوية فهو راجح ومورد للتأسّي.

سند الحديث:

للماتن طرق متعدّدة معتبرة إلی كتاب المقنعة ذكرها في الفائدة الخامسة من خاتمة وسائل الشيعة، أضف إلی ذلك شهرة الكتاب شهرة عظيمة، وشرح شيخ الطائفة له بكتابه تهذيب الأحكام، لكن الكلام في أنّ المتن المنقول لم يسنده الشيخ المفيد إلی معصوم، فهو مرسل، وإن ذكر أنّ تغطية الرأس عند التخلي سنّة من سنن النبي| بنحو الجزم؛ لكونه مأخوذاً من الروايات.

ص: 489


1- ([1]*) المقنعة: 3 باختلاف.
2- - لسان العرب15: 130، مادة: غطي.

[798] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ أَوْ رَجُلٍ عَنْهُ، عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُهُ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ يُقَنِّعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ سِرّاً فِي نَفْسِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، تَمَامَ الْحَدِيثِ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((2)*).

[2] - فقه الحديث:

قوله: «أنّه كان يعمله» قال المجلسي: «لعلّ الضمير مبهم، يفسره قوله «يقنّع رأسه» أو راجع إلی شيء أسقطه الشيخ من الخبر، أو إلی شيء مقدّر بقرينة المقام، أو كان يعمل فصحِّف»((3)).

دلّ علی أنّ عمل الإمام (علیه السلام) مستمر علی أنّه إذا دخل الكنيف أي أراد دخوله يقنِّع رأسه، والظاهر اختصاص ذلك بالكنيف فلا يعم ما إذا كان التخلّي في غيره كالصحاري مثلاً، والتقنّع هو لبس القناع، وفُسِّر القناع في اللسان بأنّه أوسع من المقنعة، قال: «القناع: أَوْسَعُ من المِقْنعةِ، وقد تَقَنَّعَتْ به وقَنَّعَتْ رأْسَها. وقَنَّعْتُها: أَلبستها القِناعَ فتَقنَّعَتْ به... والقِناعُ والمِقْنَعةُ: ما تتَقَنَّعُ به المرأَةُ من ثوب

ص: 490


1- - التهذيب 1: 24/ 62.
2- - الفقيه 1: 17/ 41.
3- - ملاذ الأخيار1: 119.

تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها»((1))، فيكون المعنی أنّه يغطي رأسه بثوب ونحوه.

ودلّ أيضاً علی أدب آخر من آداب التخلّي وهو أنّه كان يقول دعاءً أوّله: «بسم الله وبالله»، وكان يقول سرّاً في نفسه، إمّا إخفاتاً، أي بحيث لا يسمعه غيره لو كان، وإمّا بإخطار ذلك في باله كما هو شأن الكلام النفسي، ولا يبعد أن تكون تتمّة الدعاء والتي لم يذكرها الشيخ هي ما أورده الصدوق في الفقيه، وهو: «بسم الله وبالله ولا إله إلا الله، ربّ أخرج مني الأذی، سرحاً بغير حساب، واجعلني لك من الشاكرين في ما تصرفه عني من الأذی والغم الذي لو حبسته عني هلكت، لك الحمد اعصمني من شرّ ما في هذه البقعة، وأخرجني منها سالماً وحُل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم»، وسيأتي في الحديث السابع من الباب الخامس من هذه الأبواب، ويكون هو مراد الشيخ بقوله: تمام الحديث.

سند الحديث:

ذكر الماتن الحديث بنحوين:

النحو الأول: عن التهذيب مسنداً، وفيه: محمد بن يحيی، وهو العطار، ومحمد بن أحمد بن يحيی، وهو محمد بن أحمد بن يحيی بن عمران الأشعري، وأحمد بن أبي عبد الله، وهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

وهذا السند ينحلّ إلی سندين:

أحدهما: محمد بن الحسن، عن المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن،

ص: 491


1- - لسان العرب8: 300، مادة قنع.

عن أبيه، عن محمد بن يحيی، عن محمد بن أحمد بن يحيی، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن أسباط، عمّن رواه، عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

وثانيها: محمد بن الحسن، عن المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن يحيی، عن محمد بن أحمد بن يحيی، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن رجل، عن علي بن أسباط، عمّن رواه، عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

وكلاهما ضعيف بالإرسال.

والنحو الثاني: عن الفقيه مرسلاً، وقد مرّ مراراً أنّ مراسيله معتبرة((1)).

ص: 492


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[799] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي((1)*) عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ| - فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ - قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ اسْتَحْيِ((2)*) مِنَ اللَّهِ فَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَظَلُّ حِينَ أَذْهَبُ إِلَى الْغَائِطِ مُتَقَنِّعاً بِثَوْبِي اسْتِحْيَاءً((3)*) مِنَ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعِي، يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: فَاقْصُرِ الْأَمَلَ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ نُصْبَ عَيْنِكَ، وَاسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ((4)*).

[3] - فقه الحديث:

الحياء: «هو الانقباض والانزواء عن القبيح مخافة الذم»((5))، ومنشؤه شرف النفس وشفقتها من أن يصدر عنها القبيح، أو يظهر منها، فالنفس الكريمة الجوهر والشريفة تنفر من القبائح فلا تقربها، والحياء من الله هو مرتبة من الحياء ويتحقّق بعدم ترك أوامره تعالی عند توفّر الدواعي لذلك، وبالاجتناب عن نواهيه لدی تهيّؤ أسباب المعاصي، بل يتعدّی الحياء من الله عن هذا المقدار؛ فإنّ العبد إذا تصوّر عظمة الله سبحانه وتعالی ولاحظ عظيم النعم المتواترة عليه في كل آنٍ، استشعر في نفسه التقصير عن أداء شكر نعمة واحدة

ص: 493


1- ([1]*) يأتي في الفائدة الثانية من الخاتمة/ رقم 49.
2- ([2]*) في المصدر: استح.
3- ([3]*) وفيه: أستحي.
4- ([4]*) أمالي الطوسي 2: 147.
5- - مجمع البحرين1: 116، مادة: حيا.

من نعمه التي أنعمها عليه بلا استحقاق منه لها، وهي كثيرة لا تُحصی، ومُنعِمها الربّ العظيم الجليل، فيتداخله حياء منه تعالی إزاء هذا التقصير العظيم في حقّ الرب الجليل.

ومن جملة تلك النعم أن هيّأ له سبحانه الطعام والشراب لإمداده بالحياة والقوّة، ومَنَّ عليه بأعضاء في جسمه تقطّعه وتهضمه وتنقله إلی محالّه المحتاجة إليه بعد معالجته ليتناسب معها، وأنعم عليه بعضوين يستعين بهما علی إخراج ما زاد وفضل من الطعام والشراب وهما القبل والدبر؛ وهما يسهّلان خروج الفضلات إلی خارج الجسم؛ لأنّ في بقائها مضرّة عظيمة للجسم، ومن نعم الله العظيمة علی الإنسان أن «جعل الله سبحانه المنفذ المهيّأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه، فلم يجعله بارزاً من خلفه، ولا ناشراً من بين يديه، بل هو مغيّب في موضع غامض من البدن، مستور محجوب، يلتقي عليه الفخذان، وتحجبه الأليتان بما عليهما من اللحم فيواريانه، فإذا احتاج الانسان إلی الخلاء وجلس تلك الجلسة ألفی ذلك المنفذ منه منصباً مهيّئاً لانحدار الثفل، فتبارك الله من تظاهرت آلاؤه ولا تحصی نعماؤه»((1)).

وبعد هذا كلّه حقّ للإنسان أن يذوب خجلاً وحياءً من الباري تعالی، وخصوصاً في حال التخلّي؛ إذ إنّ علمه بقرب الله منه واطلاعه عليه يشعره بالحياء منه، فهو في حالٍ لا يرضی الإنسان بمشاهدة غيره له، فكيف بمن له الإنعام الكامل التام عليه، ومثله يقال في الحياء من الملَكين الكريمين.

ص: 494


1- - بحار الأنوار3: 76، باب 4، توحيد المفضل.

وتقنّعه| بثوبه ظاهره أنّ ذلك بالإضافة إلی تغطية رأسه، وعلّل ذلك بالاستحياء من الملكين اللذين معه.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم الكلام في السند((1))، وهو ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، ثانيها معتبر بأحد سنديه، والحديثان الآخران ضعيفان.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ تغطية الرأس عند التخلّي سُنّة من سنن النبي|.

2- من المسنون التقنّع حال التخلّي، والدعاء بالمأثور سرّاً.

3- أنّ الحياء من الله أمر مطلوب، وهو فضيلة عظيمة، وكذا الحياء منه ومن الملَكين الكريمين حين التخلّي.

ص: 495


1- - ايضاح الدلائل1: 430- 436.

ص: 496

4- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ التَّخَلِّي وَشِدَّةِ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظ

اشارة

4- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ التَّخَلِّي وَشِدَّةِ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظ

شرح الباب:

التستّر عن الناس بحيث لا يراه أحد عند إرادة التخلّي، وشدة التستّر حاله - بعد ستر العورة - والتحفّظ عن أن يری منه الناظر شيئاً هما أدبان حواهما هذا الباب، ويحصل الأوّل بمثل الابتعاد عمّن معه، أو الدخول في بناء، أو حفرة. ويحصل الثاني بمثل عدم رفع الثوب إلّا عند الوصول إلی الأرض.

أقوال الخاصّة:

قال في الجواهر: ««ويستحب فيه ستر البدن» أي استتار الشخص نفسه عند إرادة التخلّي، إمّا بأن يبعد المذهب، أو يلج في حفيرة، أو يدخل بناء»((1)).

ويظهر من الشيخ النراقي في المستند أنّه المشهور بين العلماء حيث قال: «الفصل الثاني: في مستحباتها - أي الخلوة - زيادة علی ما علم ممّا سبق، فمنها: الاستتار عن الناس في الغائط خاصّة بحيث لا يراه أحد، بأن يبعد أو يدخل بيتاً أو يلج حفيرة، لاشتهاره بين العلماء، والتأسّي بالنبي، فإنّه لم يُرَ علی غائط قط»((2)).

ص: 497


1- - جواهر الكلام2: 6.
2- - مستند الشيعة1: 383.

أقوال العامّة:

ذكروا أنّ من المسنونات الاستتار حال التخلّي، والتباعد عن الناس، أمّا الاستتار عن الناس ف-«يُسنّ عند المالكية والشافعية والحنابلة لقاضي الحاجة أن يستتر عن النظر... وعند الشافعية: أنّ محل عدّ ذلك من الآداب، أي المستحبات إذا لم يكن بحضرة من يری عورته ممّن لا يحلّ له نظرها، أمّا بحضرته فيكون سترها واجباً، إذ كشفها بحضرته حرام، واعتمده المتأخرون منهم، وهذه موافق لقواعد المذاهب الثلاثة الأخری»((1)).

وأمّا الابتعاد عن الناس في الفضاء فقد «ذكر المالكية والشافعية والحنابلة أنّه يندب لقاضي الحاجة إذا كان بالفضاء التباعد عن الناس... واشترط الحنابلة لذلك أن لا يجد ما يستره عن الناس، فإن وجد ما يستره عن الناس كفی الاستتار عن البعد، والمالكية والشافعية صرّحوا بأنّ الاستتار لا يغني عن الابتعاد إذا كان قاضي الحاجة في الفضاء»((2)).

ص: 498


1- - الموسوعة الفقهية34: 18- 19.
2- - المصدر نفسه: 19.

[800] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: إِذَا سَافَرْتَ مَعَ قَوْمٍ فَأَكْثِرِ اسْتِشَارَتَهُمْ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَإِذَا أَرَدْتَ قَضَاءَ حَاجَتِكَ فَأَبْعِدِ الْمَذْهَبَ((1)*) فِي الْأَرْضِ((2)*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَوْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((3)*).

[1] - فقه الحديث:

تضمّن هذا الحديث وصايا لقمان الحكيم لابنه، وهي وصايا تتعلّق بالسفر مع الآخرين، ومحل الشاهد من تلك الوصايا قوله: «وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض»، والأمر بالإبعاد في المذهب حتی يحصل له الاستتار عن الناس فلا يرونه عند قضائه للحاجة، والغرض من حكاية الإمام (علیه السلام) لهذه الوصيّة بيان راجحيّة مضمونها، وإلّا لنبّه (علیه السلام) بعد حكايتها علی أنّ ذلك غير راجح في شرعنا أو علی أنّه مباح. ويشهد لهذا الحديث الثالث الآتي الحاكي لسيرة النبي|؛ فإنّ التزام النبي| بأمر ومداومته عليه يدلّ علی رجحانه وكونه مورداً للتأسي به فيه.

ص: 499


1- - هو الموضع الذي يتغوّط فيه (مجمع البحرين 2: 62).
2- - الفقيه 2: 194/ 884 أورده بتمامه في الحديث 1 من الباب 52 من أبواب آداب السفر.
3- - المحاسن 375/ 145.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الصدوق إلی سليمان بن داود المنقري، وإسناده إليه: «أبي2 عن سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري المعروف بابن الشاذكوني»((1))، وحماد بن عيسی تقدّم الكلام عن جلالته((2))، فالسند معتبر.

الثاني: سند البرقي في المحاسن، وهو عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حماد بن عثمان أو حماد بن عيسی عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

والظاهر أنّ المنقري يروي هنا عن حماد بن عيسی؛ فإنّ روايته عنه هي المستمرّة، ولم نجد روايته عن حماد بن عثمان، وعلی أيّ تقدير فالسند معتبر.

ص: 500


1- - من لا يحضره الفقيه4: 467، المشيخة.
2- - ايضاح الدلائل1: 68.

[801] 2- الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: مَا أُوتِيَ لُقْمَانُ الْحِكْمَةَ لِحَسَبٍ وَلَا مَالٍ وَلَا بَسْطٍ فِي جِسْمٍ وَلَا جَمَالٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِي اللَّهِ سَاكِناً سِكِّيتاً - وَذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ أَوْصَافِهِ وَمَدَائِحِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: - وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ قَطُّ وَلَا

اغْتِسَالٍ؛ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وَتَحَفُّظِهِ فِي أَمْرِهِ - إِلَى أَنْ قَالَ:- فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَمُنِحَ الْقَضِيَّةَ((1)*)((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ جمع لقمان للفضائل المذكورة في الحديث هو ما أوجب أن يعطيه الله تعالی الحكمة، وصواب الحكم في القضاء، لا لأجل حسبٍ ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال، ومن جملة تلك الفضائل التي كانت له علی الدوام: شدّة تستّره وتحفّظه عن أن يراه أحد حال التخلّي وحال الاغتسال، فلم يره أحد من الناس وهو علی بول ولا غائط، وذكر الإمام (علیه السلام) لهذه الفضائل لغرض الاقتداء بلقمان، ومنها شدّة التستّر والتحفّظ عند التخلّي.

سند الحديث:

تقدّم أنّ طريق الماتن(قدس سره) إلی كتاب مجمع البيان معتبر، مضافاً إلی شهرة الكتاب بلا ريب، وقد مرّ بيان جلالة مصنِّفه، وأنّ له طريقاً إلی جميع كتب

ص: 501


1- ([1]*) القضاء: الحكم، والقضيّة مثله. (الصحاح 6: 2463).
2- ([2]*) مجمع البيان 4: 317.

وروايات الشيخ والصدوق أيضاً((1))، إلا أنّ الكلام في الطريق منهما إلی الإمام الصادق (علیه السلام) ، فإنّه غير مذكور، وعليه فهذا الحديث مرسل.

ص: 502


1- - ايضاح الدلائل2: 252.

[802] 3- وَرَوَى الشَّهِيدُ الثَّانِي فِي شَرْحِ النَّفْلِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ| أَنَّهُ لَمْ يُرَ عَلَى بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أن سيرة النبي| مستمرة علی التستّر عن الناس عند إرادة قضاء الحاجة، بحيث أنّه| لم يره أحد علی تلك الحال، والتأسّي به ومتابعته في ذلك لا ريب في رجحانه، وكونه من المكرمات.

سند الحديث:

للماتن طرق متعدّدة معتبرة إلی كتاب الفوائد المليّة لِشرح الرِّسالةِ النَفْليّة ذكرها في الفائدة الخامسة من خاتمة وسائل الشيعة، أضف إلی ذلك شهرة نسبة الكتاب إلی الشهيد الثاني(قدس سره) ، لكن الكلام في أنّ المتن المنقول لم يذكر سنده، فهو مرسل.

ص: 503


1- ([1]*) شرح النفلية: 17.

[803] 4- قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی الأمر بالاستتار عند الإتيان للغائط، وهو محلّ قضاء الحاجة، والاستتار هنا قد يكون بمعنی أن يخفي نفسه عن الناس باختيار موضع لا يرونه فيه، وقد يراد به أن يستر - مع ذلك - حتی غير العورة كأن لا يرفع ثوبه إلّا عند قرب جلوسه لقضاء الحاجة.

سند الحديث:

مرّ الكلام فيه في الحديث السابق.

ص: 504


1- ([1]*) شرح النفلية: 17.

[804] 5- عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْإِرْبِلِيُّ فِي كَشْفِ الْغُمَّةِ، عَنْ جُنَيْدِ((1)*) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: نَزَلْنَا النَّهْرَوَانَ فَبَرَزْتُ عَنِ الصُّفُوفِ وَرَكَزْتُ رُمْحِي وَوَضَعْتُ تُرْسِي إِلَيْهِ وَاسْتَتَرْتُ مِنَ الشَّمْسِ، فَإِنِّي لَجَالِسٌ إِذْ وَرَدَ عَلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) فَقَالَ: يَا أَخَا الْأَزْدِ مَعَكَ طَهُورٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْإِدَاوَةَ((2)*) فَمَضَى حَتَّى لَمْ أَرَهُ، وَأَقْبَلَ وَقَدْ تَطَهَّرَ فَجَلَسَ فِي ظِلِّ التُّرْسِ((3)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((4)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ علی شدّة تستّر أمير المؤمنين (علیه السلام) وتحفّظه عن أن يراه أحد حال التخلي، فقد ابتعد عن الرائين له حتی لم يُر، مع أنّه كان في ساحة معركة، لكنّ ذلك لم يمنعه من تطبيق هذا الأمر المندوب.

سند الحديث:

تقدّم في الحديث الخامس عشر من الباب الثامن من أبواب الماء المطلق بيان جلالة علي بن عيسی الأربلي، وأنّ للماتن طريقاً إلی كتابه((5)).

ص: 505


1- ([1]*) في المصدر: جندب.
2- ([2]*) الاداوة: إناء صغير من جلد يتطهر به ويشرب منه (مجمع البحرين 1: 24).
3- ([3]*) كشف الغمّة 1: 277.
4- ([4]*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 7 من الباب 15 من هذه الأبواب.
5- - إيضاح الدلائل3: 234- 235.

وأمّا جنيد بن عبد الله، وفي المصدر: جندب بن عبد الله الأزدي، عدّه الشيخ من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) بعنوان جندب((1)). وفي الإرشاد: أنّه حثّ أمير المؤمنين (علیه السلام) علی القيام بعد بيعة الناس لعثمان، فأخبره أنّ هذا الأمر لا يكون، وقال (علیه السلام) له: يا جندب، ليس هذا زمان ذاك، ثم ذكر أنّه رجع بعد ذلك إلی العراق، قال: «فكنت كلّما ذكرت للناس شيئاً من فضائل علي بن أبي طالب (علیه السلام) ومناقبه وحقوقه زبروني ونهروني، حتی رُفع ذلك من قولي إلی الوليد بن عقبة ليالي وَلِينا، فبعث إليّ فحبسني حتی كلم فيّ فخلّی سبيلي»((2))، وفيه أيضاً: أنّه كان في جيش أمير المؤمنين (علیه السلام) في وقعة النهروان فعرض له الشك في جواز قتاله مع قُرّاء القرآن، ثم استيقن واستقر، لما رأی من أمير المؤمنين (علیه السلام) من إخباره عن الغيب ومطابقته للواقع((3)).

وروی في الاختصاص عن أحمد بن هارون الفامي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسی، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «شهد مع علي بن أبي طالب (علیه السلام) من التابعين ثلاثة نفر بصفّين شهد لهم رسول الله| بالجنّة ولم يرهم: أويس القرني، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب الخير الأزدي رحمة الله

ص: 506


1- - رجال الطوسي: 59/ 497.
2- - الارشاد1: 243.
3- - المصدر السابق: 317- 318.

عليهم»((1))، وعلی هذا فالرجل ممدوح.

ولكنّ طريق الإربلي إلی جندب بن عبد الله غير مذكور، فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها معتبر بسنديه، والبقيّة ضعاف.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- محبوبيّة التستّر عن الناس بحيث لا يراه أحد عند إرادة التخلّي.

2- محبوبيّة شدّة التستّر حال التخلّي - بعد ستر العورة - والتحفّظ عن أن يری منه الناظر شيئاً.

3- أنّ جمع لقمان للفضائل ومنها شدّة تستّره وتحفّظه عن أن يراه أحد حال التخلّي والاغتسال، هو ما أوجب أن يعطيه الله تعالی الحكمة، وصواب الحكم في القضاء.

ص: 507


1- - الاختصاص: 81.

ص: 508

5- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَا ءِ بِالْمَأْثُورِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَخْرَجِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْفَرَاغِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَا ءِ وَالْوُضُو ء

اشارة

5- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَخْرَجِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْفَرَاغِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ وَالْوُضُوء

شرح الباب:

التسمية مصدر سمّی، وهي قول: باسم الله، والاستعاذة مصدر استعاذ، وفي الصحاح: «عذت بفلان واستعذت به، أي لجأت إليه، وهو عياذي، أي ملجئي»((1)). والاستعاذة بالله بمعنی طلب العوذ أي الاعتصام والتحرّز من الشيطان أو غيره من الشرور بالالتجاء إليه سبحانه؛ لكونه هو من يدفع كلّ شرّ، ويتحقّق معناها في نفس المستعيذ بذكر الاستعادة كما إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونحوه ممّا يدلّ علی الاعتصام بالله والالتجاء إليه من الشيطان الرجيم.

وقد دلّت الأحاديث علی أنّ الخلاء محلّ الشياطين، وفي هذا الباب بيان استحباب التسمية والاستعاذة والدعاء بالمأثور عند دخول الخلاء وعند الخروج منه، وهي نصّ في عدم كراهة ذكر الله تعالی في الخلاء، وأمّا ما يتعلّق

ص: 509


1- - الصحاح2: 566، مادة: عوذ.

بالدعاء بالمأثور عند النظر إلی الماء، فلم يذكر الماتن هنا ما يدلّ عليه، بل أخّره إلی الباب السادس عشر من أبواب الوضوء، كما أشار إلی ذلك في نهاية هذا الباب.

أقوال الخاصّة:

وقع الاتفاق بين علمائنا علی أنّ التسمية من جملة المندوبات، قال في الجواهر: ««التسمية» اتفاقاً كما في المعتبر، وهو الحجّة»((1)) ثم ذكر أنّ من جملة المندوبات: ««الدعاء عند الاستنجاء» بالمأثور من قوله: «اللهم حصّن فرجي وأعفّه، واستر عورتي، وحرّمني علی النار» «وعند الفراغ» منه، «الحمد لله الذي عافاني من البلاء، وأماط عنّي الأذی»... «والدعاء بعده» أو عنده، بقوله: «بسم الله، الحمد لله الذي رزقني لذّته وأبقی قوّته في جسدي، وأخرج عنّي أذاه، يا لها نعمة، ثلاثاً»»((2)).

أقوال العامّة:

جاء عن غير واحد من علمائهم أنّ «السنّة أن يقول عند دخول الخلاء: «باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». ويقول إذا خرج: «غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذی وعافاني»، وسواء في هذا البنيان والصحراء»((3)).

ص: 510


1- - جواهر الكلام2: 56.
2- - جواهر الكلام2: 59.
3- - روضة الطالبين1: 177 وكشّاف القناع1: 65 و76، والمجموع1: 74- 75.

[805] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: إِذَا دَخَلْتَ الْمَخْرَجَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الرِّجْسِ النِّجْسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا خَرَجْتَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ، وَأَمَاطَ عَنِّي الْأَذَى، وَإِذَا تَوَضَّأْتَ فَقُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی الأمر بقول هذا الدعاء عند الدخول إلی الخلاء وعند الخروج منه، وهو هنا للندب لا الوجوب، وفيه الابتداء بقول بسم الله في الدخول والخروج، لأنّهما من الأعمال، وفي التسمية استعانة بالله علی العمل ولو كان يسيراً، ثم أمر بالاستعاذة عند الدخول، والاستعاذة التجاء إلی الله تعالی واعتصام به ليدفع عن العبد شرّ كل ذي شرٍّ، وهنا وقعت الاستعاذة من شرّ الشيطان الذي هو أعظم الشرور، ووصفه بأوصاف وهي: الخبيث والمُخْبِثُ، والخَبِيثُ: ضِدُّ الطَّيِّبِ من الرِّزْق والولدِ والناس((3))، والمُخْبِثُ: الذي يُعَلِّمُ الناسَ

ص: 511


1- ([1]*) الكافي 3: 16/ 1، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 26 من أبواب الوضوء.
2- ([2]*) التهذيب 1: 25/ 63.
3- - لسان العرب2: 141، مادة: خبث.

الخُبْثَ((1)). وفي النهاية «الخبيث ذو الخبث في نفسه، والمخبِث الذي أعوانه خبثاء، كما يقال للذي فرسه ضعيف: مضعِف. وقيل: هو الذي يعلِّمهم الخبث ويوقعهم فيه»((2))، وفي مجمع البحرين: «يقال الخبيث الذكر من الشياطين، والمخبِث الذي يعلِّم الناس الخبث»((3))، والرجس: القذر، وقد يعبّر به عن الحرام والفعل القبيح، والعذاب، واللعنة، والكفر، والمراد في هذا الحديث الأول((4))، والنَّجْسُ والنِّجْسُ والنَّجَسُ: القَذِرُ من الناس ومن كل شيء قَذِرْتَه((5))، قال ابن الأثير في النهاية: «قال الفرّاء: إذا بدأوا بالنجس ولم يذكروا معه الرجس فتحوا النون والجيم، وإذا بدأوا بالرجس ثم أتبعوه النجس كسروا الجيم»((6)).

والشيطان: البعيد من الرحمة، قال ابن الأثير في النهاية: «إن جعلت نون الشيطان أصليّة كان من الشطن: البعد، أي بعد عن الخير، أو من الحبل الطويل، كأنّه طال في الشر. وإن جعلتها زائدة كان من شاط يشيط إذا هلك، أو من استشاط غضباً إذا احتدّ في غضبه والتهب، والأوّل أصح»((7))؛ لأنّه يقال تشيطن.

ص: 512


1- - لسان العرب2: 141، مادة: خبث.
2- - النهاية في غريب الحديث 2: 6، مادة: خبث.
3- - مجمع البحرين2: 251، مادة: خبث.
4- - النهاية في غريب الحديث2: 200، مادة: رجس.
5- - لسان العرب6: 226، مادة: نجس.
6- - النهاية في غريب الحديث2: 200، مادة: رجس.
7- - النهاية في غريب الحديث2: 475، مادة: شطن.

والرجيم: أي المرجوم باللّعنة المطرود من مواضع الخير، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه((1))، وقال المجلسي الأوّل في معنی الرجيم: «المرجوم بلعنة الله والملائكة، أو الطريد من السماء أو من الجنة»((2)).

وأمّا عند الخروج فقد أمر - بعد التسمية - بالحمد لله تعالی علی المعافاة من الخبيث المخبث من أن يتسلّط عليه. وقوله: وأماط عني الأذی، يعني أبعد عنّي الفضلات التي تؤذي.

ثم أمر عند التوضّؤ بقول: أشهد أن لا إله إلا الله إلی آخره، والظاهر أنّ المراد بالتوضّؤ هنا التطهّر عن الخبث؛ فإنّ الخلاء يسمی المتوضأ أيضاً، وقوله: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهّرين، أي من مكثري التوبة ومن الطاهرين من النجاسات، وقوله: والحمد لله رب العالمين، أي علی ما دفع من الأذی وعافی من الشيطان وحفظ قوّة الطعام وسهّل خروج الأذی، ووفّق لشكر هذه النعم، أو لغيرها من النعم.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: محمد بن عيسی، وهو ابن عبيد، ويونس، وهو ابن عبد الرحمن، ومعاوية بن عمّار، وهو الدهني، والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ عن الكليني، وهو كسابقه.

ص: 513


1- - مجمع البحرين6: 68، مادة: رجم.
2- - روضة المتقين1: 214.

[806] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الْغَائِطَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا فَرَغْتَ فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنَ الْبَلَاءِ، وَأَمَاطَ عَنِّي الْأَذَى((1)*).

[2] - فقه الحديث:

مضی تفسير مفردات الدعاء في شرح الحديث الأوّل.

وقوله: الحمد لله الذي عافاني من البلاء، يحتمل أن يراد من البلاء شرّ الشيطان ووسوسته، أو ما يتسبّب به بقاء الفضلات في بدن الإنسان من أمراض وعلل.

وقوله: إذا فرغت، يحتمل إرادة إذا فرغت من قضاء الحاجة كما يحتمل إرادة الخروج من الخلاء، ولعلّه الأقرب بقرينة باقي الأحاديث؛ فإنّها نصّت علی أنّ الذكر المخصوص يقال عند الخروج من الخلاء.

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلی الحسين بن سعيد صحيح، ويوجد له سند آخر معتبر((2))، والقاسم بن محمد هو الجوهري؛ لرواية الحسين بن سعيد الأهوازي عنه، وأمّا علي بن أبي حمزة فهو البطائني، فالسند ضعيف به، إلا أن يقال بأنّ

ص: 514


1- ([1]*) التهذيب 1: 351/ 1038.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

رواياته كانت قبل وقفه، وهذا هو سبب الاعتماد عليها، فيكون السند معتبراً.

ص: 515

[807] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ - يَعْنِي ابْنَ مَعْرُوفٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیهم السلام) أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى قُوَّتَهُ فِي جَسَدِي وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ، يَا لَهَا نِعْمَةً((1)*)، ثَلَاثاً((2)*).

[3]- فقه الحديث:

تعرّض هذا الحديث لما يقال عند الخروج من الخلاء، ولم يتعرّض لما يقال عند الدخول إليه.

وفيه الحمد علی نعمة رزق لذّة الطعام، وكون الطعام ذا لذّة أمر مهم جدّاً ليتحرّك الإنسان إلی طلبه، ولولا ذلك لما طلبه أو تثاقل عن طلبه، وهذا إن دام واستمر أدّی إلی انحلال البدن بالتدريج ومن ثمّ إلی هلاك الإنسان، وفيه أيضاً الحمد علی نعمة أخری وهي إبقاء قوة الطعام في جسد الإنسان، إذ الطعام بعد هضمه يتوزّع علی جميع أجزاء جسم الإنسان ويمدّها بالقوّة اللازمة لها للقيام بوظائفها، وفيه أيضاً نعمة ثالثة عظيمة وهي إخراج أذی الطعام، والذي لو بقي في جسم الإنسان لأوجب أمراضاً عديدة ومن ثَمّ أدّی إلی الهلاك.

وأفاد المجلسي الثاني في قوله (علیه السلام) : «يا لها نعمةً» أنّ اللام في «لها» للتعجّب، كما هو الحال في قولهم: «يا للماء»، ونعمةً منصوبة علی أنّها تمييز

ص: 516


1- ([1]*) في المصدر: يا لها من نعمة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 29/ 77 و1: 351/ 1039.

يفسّر الضمير المبهم في «لها»، كما في «ربّه رجلاً»، ويحتمل أنّ الضمير يرجع إلی النعم التي ذكرت في الدعاء، أو يرجع إلی ما دلّ عليه المقام من النعم((1))، وقد جاء في المصدر: «يا لها من نعمة».

وقوله: ثلاثاً، إمّا أن يراد أنّه كان يقول الجملة الأخيرة وهي «يا لها نعمةً، أو يا لها من نعمة» ثلاث مرات أو يراد أنّه كان يقول الدعاء كلّه ثلاث مرات.

بحث رجالي حول صباح الحذاء

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلی محمد بن علي بن محبوب صحيح(2)،

ويوجد له سند آخر معتبر، وقول الماتن: «يعني ابن معروف» إضافة منه للتوضيح، وهي صحيحة؛ لرواية محمد بن علي بن محبوب عنه وروايته عن عبد الله بن المغيرة، لكنّها ليست موجودة في المصدر. والسند صحيح.

ص: 517


1- - ينظر: ملاذ الأخيار1: 138.
2- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.

[808] 4- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ جَعْفَرٍ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ|: إِذَا انْكَشَفَ أَحَدُكُمْ لِبَوْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغُضُّ بَصَرَهُ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی مطلوبيّة قول بسم الله عند كشف العورة للبول، أو غيره كالجماع وعند تبديل الملابس عند الانتهاء من الحمّام ونحوه، وفائدة التسمية أنّ الشيطان يغضّ بصره عن المسمِّي.

قال العلامة المجلسي الثاني في معنی غضّ الشيطان لبصره: «والظاهر أنّ المراد بغضّ البصر إعراض الشيطان عنه بالاستعانة بالله تعالی وذكر اسمه، ولا يوقعه في الوساوس الباطلة التي تكون في الخلوة غالباً»((2)).

سند الحديث:

قوله: (وعنه)، أي عن محمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن الحسين هو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب.

«قال الفاضل التستري (رحمه الله) : الذي أظنّه في السند الغلط، ويصحّ بالقلب، بأن يكون السند هكذا: عن جعفر عن أبيه عن آبائه قال: قال النبي| إلی آخره، كما سيجيء بلا فاصلة. نعم يبقی الإشكال في رواية الحسن بن علي الذي يروي عنه محمد بن الحسين عن الصادق (علیه السلام) ، ولا يبعد سقوط شيء من

ص: 518


1- - التهذيب 1: 353/ 1047.
2- - ملاذ الأخيار3: 29.

الرجال في البين، ولا أستبعد أن يكون الساقطة بعد الحسن بن علي النوفلي عن السكوني»((1)).

هذا، ولكن يمكن أن يقال: إنّ المراد من الحسن بن علي هو الإمام العسكري (علیه السلام) ، ويقرّب ذلك أنّ الشيخ عدّ في رجاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب من أصحابه (علیه السلام) ، فيتمّ ما ذكره، ولو من دون القلب المذكور.

ولعلّ من البعيد أن يكون المراد منه هو الحسن بن علي بن فضّال، فيكون راوياً عن أبيه علي، عن آبائه؛ فإنّه وإن كان ممّن يروي عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب مكرّراً، ويروي هو عن الصادق (علیه السلام) بواسطة تارة وباثنتين أخری، بل بثلاث إلّا أنّه لم يُعهد روايته عن أبيه عن آبائه عن الصادق أو الباقر (علیهما السلام) .

وسيأتي في الحديث التاسع من هذا الباب((2)) أنّ الصدوق(قدس سره) رواه عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) ((3)).

فالسند صحيح علی تقدير صحّة الاحتمال الذي ذكرناه.

ص: 519


1- - ملاذ الأخيار3: 28.
2- - في الصفحة: 504.
3- - من لا يحضره الفقيه1: 25، أحكام التخلّي: ح 43.

[809] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ| إِذَا أَرَادَ دُخُولَ المتوضّأ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، اللَّهُمَّ أَمِطْ عَنِّي الْأَذَى وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا اسْتَوَى جَالِساً لِلْوُضُوءِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنِّي الْقَذَى وَالْأَذَى، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَإِذَا انْزَحَرَ((1)*) قَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أَطْعَمْتَنِيهِ طَيِّباً فِي عَافِيَةٍ فَأَخْرِجْهُ مِنِّي خَبِيثاً فِي عَافِيَةٍ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

المتوضّأ هو الكنيف والخلاء، وقد دلّ الحديث علی مطلوبيّة هذا الدعاء عند إرادة دخول الخلاء تأسّياً برسول الله|.

وقوله: «وإذا استوی جالساً للوضوء»، لعلّ المراد من الوضوء هنا قضاء الحاجة الموجبة للوضوء، كما يعبّر عن الكنيف بالمتوضّأ، لا أنّ المراد الوضوء الشرعي، فيدلّ حينئذٍ علی استحباب الدعاء المذكور عند الاستنجاء.

وقوله: «قال اللهم أذهب عني القذی والأذی»، الظاهر أنّ المراد بالقذی النجاسات وبالأذی لازمها، وقوله: «وإذا انزحر قال: اللهم كما أطعمتنيه طيّباً في عافية» يعني - كما أفاده المجلسي الأوّل - إذا خرج الغائط أو إذا عسر

ص: 520


1- ([1]*) في نسخة: تزحر، الزحير والزحار: استطلاق البطن (منه قده) الصحاح 2: 668 وفي لسان العرب 4: 319، الزحير والزحار والزحارة: إخراج الصوت أو النفس بأنين عند عمل أو شدة.
2- ([2]*) الفقيه 1: 16/ 37.

خروجه كما هو الظاهر، فإنّه يقول: اللهم كما اطعمتني الطعام طيباً وأنا في عافية منك فأخرج مني فضلاته وأنا صحيح البدن في عافية بلا مرضٍ من احتباس أو إسهال أو غيرهما((1)).

سند الحديث:

مرّ مراراً أنّ مراسيل الصدوق في الفقيه معتبرة((2)).

ص: 521


1- - انظر: روضة المتقين1: 215.
2- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[810] 6- قَالَ: وَكَانَ (علیه السلام) إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَافِظِ الْمُؤَدِّي، فَإِذَا خَرَجَ مَسَحَ بَطْنَهُ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ، وَأَبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ، فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ لَا يَقْدِرُ الْقَادِرُونَ قَدْرَهَا((1)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من الآداب عند دخول الخلاء أن يقول: «الحمد لله الحافظ المؤدّي»، أي الحافظ لما لابد من حفظه، والدافع لما لابد من دفعه. كأنّه يقول الحمد لله الذي يحفظنا بالقوّة الماسكة ويدفع عنّا المضار بالقوة الدافعة.

وأنّ من الآداب أيضاً مسح البطن بعد الخروج من الخلاء وقول: «الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، وأبقی فيّ قوته فيالها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها»، والضمير في أذاه وفي قوّته يرجعان إلی الطعام، وقد وقع الحمد علی نعمة جليلة من نِعم الله سبحانه لا يقدر القادرون قدرها، وهي تسهيل إخراج أذی الطعام، والذي لو بقي لأوجب أمراضاً عديدة ومن ثَمّ أدّی إلی الهلاك، وإبقاء قوّة الطعام المستخلَص قبل إخراج بقاياه التي يستغني عنها البدن؛ فإنّ الحياة الإنسانيّة قائمة في بقاء الفرد ودوام النوع علی الطعام في جملة أمور أخری مهمّة، فلو لم يكن طعام لتحلّل البدن وانحلّت قواه، ومن ثَمّ مات، والله سبحانه جعل التدبير في جسم الإنسان بحيث يُهضم الطعام ثم يحصل امتصاص لما رقّ منه، وتوزيعه علی أجزاء الجسم لتعويض ما فُقد من أنسجة الجسم

ص: 522


1- ([1]*) الفقيه 1: 17/ 40.

وأجزائه وإعطائها القوّة علی القيام بوظائفها.

سند الحديث:

تقدّم أنّ مراسيل الصدوق في الفقيه معتبرة((1)).

ص: 523


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[811] 7- قَالَ: وَكَانَ الصَّادِقُ (علیه السلام) إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يُقَنِّعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ فِي نَفْسِه: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، رَبِّ أَخْرِجْ مِنِّي الْأَذَى سَرْحاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَاجْعَلْنِي لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ فِي مَا تَصْرِفُهُ عَنِّي مِنَ الْأَذَى، وَالْغَمِّ الَّذِي لَوْ حَبَسْتَهُ عَنِّي هَلَكْتُ، لَكَ الْحَمْدُ، اعْصِمْنِي مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ، وَأَخْرِجْنِي مِنْهَا سَالِماً وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ((1)*).

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ كَمَا مَرَّ((2)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی استحباب التقنّع عند الدخول إلی الخلاء، وعلی الإخفات بالدعاء المذكور كما تقدّم.

قوله: «بسم الله وبالله» يعني - كما أفاده المجلسي الأوّل - أستعين أو أتبرّك باسمه وبذاته، أو يكون قوله وبالله حالاً، يعني أستعين به والحال أنّ وجودي وحياتي وحولي وقوّتي به تعالی «ولا إله إلا الله» والحال أنّه ليس إله سواه حتی يمكن تخيّل الاستعانة به. «رب أخرج عني الأذی» أي ما يؤذيني من الأحداث الثلاثة «سرحاً» أي سريعاً بلا انقباض وعسر «بغير حساب» متلبّساً بأن لا تحاسبني علی هذه النعمة الجليلة ولا تقاصّني بها، لأنّك إن حاسبتني عليها ذهبت حسناتي بواحدة منها، بل [الواحدة] مقترنة بنعم لا تتناهی «واجعلني لك

ص: 524


1- ([1]*) الفقيه 1: 17/ 41.
2- ([2]*) مرّ في الحديث 2 من الباب 3 من هذه الأبواب.

من الشاكرين في ما تصرفه عنّي من الأذی والغم الذي لو حبسته عنّي هلكت» أي وفّقني لأن أشكر أبداً، وأكون من جملة الشاكرين في جميع ما تصرفه عنّي من البلايا والغموم التي لو لم تصرفه ولا تصرفه عنّي لكنت من الهالكين، ومن جملتها دفع هذا الأذی. «لك الحمد»يعني لمّا كان جميع الكمالات لك وجميع النعم منك فجميع المحامد مختصّ بك «اعصمني من شرّ ما في هذه البقعة وأخرجني منها سالماً» فإنّه لمّا كان الخلاء محلّ الشياطين استعاذ بالله من شرّ ما فيه من البلايا وشرّهم بتسلّطهم ظاهراً وباطناً عليه، ولمّا كان هذا العدو لا يفارقه أبداً ويوسوسه دائماً بالمعاصي والمخالفات استعاذ منه بقوله: «وحُل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم» أي كن حائلاً بيني وبينه حتی لا يصل إليَّ ولا يعبّدني ولا يجعلني مطيعاً له، فإنّه لا حول عن المعاصي ولا قوّة علی الطاعات إلّا بك وبعونك وفضلك((1)).

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأول: مرسلاً عن الفقيه، ومرّ أنّ مراسيله معتبرة((2)).

والثاني: مسنداً عن التهذيب، وقد مرّ في الحديث الثاني من الباب الثالث من هذه الأبواب وقلنا: إنّ السند ينحل إلی سندين((3))، وكلاهما ضعيف بالإرسال.

ص: 525


1- - روضة المتقين1: 219- 220، بتصرّف يسير.
2- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.
3- - في الصفحة: 471- 472.

[812] 8- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَفَعَهُ إِلَى الصَّادِقِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَثُرَ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ((1)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من جملة السنن عند دخول الخلاء قول الدعاء المذكور، وقد تقدّم شرح مفرداته، وأنّ من آثاره رفع كثرة السهو في الصلاة؛ لوجود طلب الاستعانة باسم الله وذاته، والالتجاء إليه سبحانه من الشيطان الرجيم لدفع وساوسه وتسويلاته.

سند الحديث:

إسناد الصدوق إلی سعد بن عبد الله في المشيخة هو: «أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف»((2))، وهو سند صحيح أعلائي، لكنّ سند هذا الحديث مرفوع، فيكون ضعيفاً بالرفع، إلّا أن يقال بشمول شهادة الصدوق لكلّ ما في كتابه الفقيه، فيكون معتبراً.

ص: 526


1- ([1]*) الفقيه 1: 17/ 42.
2- - من لا يحضره الفقيه4: 424، المشيخة.

[813] 9- قَالَ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (علیه السلام) إِذَا انْكَشَفَ أَحَدُكُمْ لِبَوْلٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرُغَ((1)*).

وَ رَوَاهُ فِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ((2)*).

[9] - فقه الحديث:

متنه كالحديث الرابع المتقدّم بزيادة «حتی يفرغ» أي حتّی يفرغ من قضاء حاجته ويستر عورته.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأول: مرسلاً عن الفقيه، ومرّ مراراً أنّ مراسيله معتبرة((3)).

والثاني: مسنداً عن ثواب الأعمال، والنوفلي هو الحسين بن يزيد، والسكوني هو إسماعيل بن أبي زياد، والسند موثّق.

ص: 527


1- ([1]*) الفقيه1: 18/ 43.
2- ([2]*) ثواب الأعمال: 30/ 1.
3- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[814] 10- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ صَبَّاحٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - أَنَّهُ سُئِلَ وَهُوَ عِنْدَهُ: مَا السُّنَّةُ فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ؟ قَالَ: يَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا فَرَغْتَ قُلْتَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَخْرَجَ مِنِّي مِنَ الْأَذَى فِي يُسْرٍ وَعَافِيَةٍ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِي،ِ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ فَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((3)*).

[10] - فقه الحديث:

جاء جواب الإمام (علیه السلام) عن سؤال السائل عن السنّة في دخول الخلاء متضمّناً لذكر بعض المسنونات في الدخول والخروج، ويظهر من جوابه (علیه السلام) أنّ السؤال كان عن السنّة في الأقوال التي تذكر عند الدخول فذكر (علیه السلام) منها: ذكر الله سبحانه وتعالى، ويتحقّق بأيّ ذِكر من الأذكار كالحمد لله وبسم الله ونحوهما ممّا هو مأثور كما تقدّم. والتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتحقّق بقول: «أعوذ

ص: 528


1- ([1]*) الكافي 3: 69/ 3 يأتي ذيله في الحديث 5 من الباب 18 من أبواب أحكام الخلوة.
2- ([2]*) علل الشرائع: 276/ 4.
3- ([3]*) يأتي في الباب 16 من أبواب الوضوء، وتقدّم ما يدلّ على ذلك في الحديث 2 من الباب 3 من هذه الأبواب.

بالله من الشيطان الرجيم» أو «أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» أو غير ذلك ممّا فيه الاستعاذة من الشيطان، والالتزام بالمأثور - كما في الأحاديث السابقة - هو الأفضل. وأمّا عند الفراغ من الحاجة أو عند الخروج من الخلاء فالسنّة أن يقول: «الحمد لله على ما أخرج منّي من الأذی في يسر وعافية».

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: صالح بن السندي، وقد مرّ أنه ثقة؛ لوروده في أسناد كتاب نوادر الحكمة، كما مرّ أنّ جعفر بن بشير ثقة جليل القدر((1)).

وأمّا صبّاح الحذّاء فهو صبّاح بن صبيح، قال عنه النجاشي: «صبّاح بن صبيح الحذّاء الفزاري مولاهم، إمام مسجد دار اللؤلؤ بالكوفة، ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب يرويه عنه جماعة»((2)). وذكره الشيخ في الفهرست وقال: «له كتاب، أخبرنا به جماعة»(3)

فكتابه مشهور.

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مرّتين، قائلاً في المرّة الأولى: «الصباح بن صبيح الفزاري، مولاهم، إمام مسجد دار اللؤلؤ»، وفي المرّة الثانية: «الصباح الحذاء الكوفي»((4))، ويظهر منه تعدّدهما، ولكن لا ينبغي الشك في

ص: 529


1- - ايضاح الدلائل1: 117.
2- - رجال النجاشي: 201- 202/ 538.
3- - فهرست الطوسي: 148/ 368.
4- - رجال الطوسي: 226/ 3047 و3050.

كونهما شخصاً واحداً؛ وذلك لما أفاده السيد الأستاذ(قدس سره) في المعجم من «اقتصار الشيخ في الفهرست على ترجمة صباح الحذاء، واقتصار النجاشي على ترجمة صباح بن صبيح، وطريق كلّ منهما إليه حميد، عن القاسم بن إسماعيل، عن عبيس بن هشام، عنه. ومن المحتمل أن ذكر الشيخ له متعدّداً إنّما هو لوروده بعنوانين في الروايات، والله العالم»((1)).

وأمّا أبو أسامة فهو زيد الشحّام، الثقة. وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند الصدوق في كتاب العلل، وفيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي، كما يظهر من طريق الشيخ في الفهرست؛ فإنّه هو الراوي عن صالح بن السندي كتابه((2))، فهذا السند أيضا معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، أوّلها صحيح بسنديه، وكذا الثالث، والرابع صحيح على تقديرٍ، والثاني والخامس والسادس والثامن معتبرة الأسناد، والسابع معتبر بسنده الأوّل، وضعيف بسنده الثاني، والتاسع والعاشر معتبران بكلا سنديهما.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- مطلوبيّة التسمية عند دخول الخلاء، وعند الخروج منه، وعند كشف العورة مطلقاً.

2- مطلوبيّة الاستعاذة والالتجاء إلى الله تعالى لدفع وساوس الشيطان الرجيم.

ص: 530


1- - معجم رجال الحديث10: 100- 101/ 5887.
2- - فهرست الطوسي: 147/ 358.

3- من سنن الخلاء الدعاء بالمأثور عند دخول الخلاء، وعند الخروج منه، وكذا عند الفراغ من قضاء الحاجة.

4- من جملة السنن مسح البطن بعد الخروج من الخلاء.

5- أثر التسمية عند إرادة كشف العورة إعراض الشيطان عن الإنسان، وعدم إيقاعه في الوساوس الباطلة التي تكون في الخلوة غالباً.

ص: 531

ص: 532

6- بَابُ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَا ء

اشارة

6- بَابُ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَاء

أقوال الخاصّة:

لا خلاف بين الخاصّة في كراهة الكلام على الخلاء بغير القرآن والذكر، ما عدا الصدوق (رحمه الله) حيث عبّر بعدم الجواز، قال في الجواهر: «لعلّه لا خلاف في الحكم بين الأصحاب، لتصريح كثير من القدماء والمتأخّرين به سوى ما يظهر من الفقيه، حيث قال: لا يجوز، ولعلّ مراده الكراهة»((1)).

أقوال العامّة:

إذا كان الكلام على الخلاء بغير القرآن فهو مكروه عندهم وإن كان بذكر، «فقد نصَّ الفقهاء في المذاهب الأربعة على كراهة التكلّم حال قضاء الحاجة بذكر أو غيره، وفيه خلاف لبعض المالكيّة ... وقد صرّح الحنفيّة بأنّ الكراهة في حال قضاء الحاجة سواء كانت بولاً أو غائطاً، وأنّه يكره التكلّم كذلك في موضع الخلاء، ولو في غير حال قضاء الحاجة، وقد صرّح المالكيّة والشافعيّة والحنابلة باستثناء حالة الضرورة»((2)).

ص: 533


1- - جواهر الكلام2: 73.
2- - الموسوعة الفقهية34: 10.

[815] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ| أَنْ يُجِيبَ الرَّجُلُ آخَرَ((1)*) وَهُوَ عَلَى الْغَائِطِ أَوْ يُكَلِّمَهُ حَتَّى يَفْرُغَ((2)*).

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ((3)*)، وَفِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ((4)*) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ وَغَيْرِهِ جَمِيعاً مِثْلَهُ.

[1] - فقه الحديث:

فيه نهي عن التكلّم مع الغير ابتداءً وجواباً، وهو محمول على الكراهة، فيكون ظاهره كراهة التكلّم مع الغير حال قضاء الحاجة، سواء كانت بولاً أو غائطاً، وأن يجيب غيره حاله. لكن لم يدلّ على كراهة مطلق الكلام، بل ظاهره كراهة التكلّم مع الغير ابتداءً وجواباً.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة أنحاء:

ص: 534


1- ([1]*) في العلل: أحدا. (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 27/ 69. والفقيه 1: 21.
3- ([3]*) علل الشرائع: 283/ 2.
4- ([4]*) عيون أخبار الرضا 1: 274/ 8.

الأوّل: مسنداً في التهذيب، عن محمد بن أحمد بن يحيی بن عمران الأشعري، وقد سبق أنّ له عدّة طرق معتبرة((1))، وصفوان هو صفوان بن يحيى، لكن الإشكال في هذا السند في الترديد بين إبراهيم بن هاشم وبين غيره المبهم، فيكون السند ضعيفاً.

والثاني: مسنداً في علل الشرائع وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، وفيه: الحسين بن أحمد بن إدريس، شيخ الصدوق، وقد مرّ أنّه ترضّى عنه((2))، وأبوه أحمد بن إدريس الثقة((3))، وبقيّة السند كسابقه، مع فارق وهو قوله: «وغيره»، فيكون السند معتبراً، وأمّا قوله: «جميعاً» فهو من إضافات الماتن ولا توجد في المصدرين.

والثالث: مرسلاً عن الفقيه، وقد ذكره الماتن في ذيل الحديث الآتي، ومرّ أنّ مراسيله معتبرة((4)).

ص: 535


1- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.
2- - المصدر السابق1: 484.
3- - المصدر السابق: 25.
4- - المصدر السابق: 91- 94.

[816] 2- وَفِي الْعِلَلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) لَا تَتَكَلَّمْ عَلَى الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْخَلَاءِ لَمْ تُقْضَ لَهُ حَاجَةٌ((1)*).

وَرَوَاهُ فِي الْفَقِيهِ مُرْسَلًا((2)*) وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ نَحْوَهُ.

[2] - فقه الحديث:

فيه نهي عن التكلّم مطلقاً سواء كان التكلّم مع الغير ابتداءً وجواباً أم لم يكن، وهو محمول على الكراهة، وعُلّل بأنّ من تكلّم وهو على الخلاء لم تُقض له حاجة، وفي الفقيه: «لَمْ تُقْضَ حَاجَتُه» وظاهر التعليل أنّ المراد مطلق الحاجة، ويكون الكلام علی الخلاء مقتضياً لعدم خروج الحدث، ويحتمل أن يكون المراد منه الحاجة الخاصّة وهي خروج الحدث لانشغاله عنه.

وسيأتي في الحديث السابع من الباب السابع من هذه الأبواب أنّه لم يرخّص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي، ويحمد الله، وآية. وفي الحديث التاسع من الباب نفسه: إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد الله في نفسه. وهما يدلّان بالأولويّة على كراهة الكلام غير الذكر.

ص: 536


1- ([1]*) علل الشرائع: 283/ 1.
2- ([2]*) الفقيه 1: 21/ 61. يأتي ما يدلّ عليه في الحديث 21 من الباب 49 من أبواب جهاد النفس.

المتحصل من الحدیثين

سند الحديث:

فيه: علي بن أحمد، وهو علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقّاق، وقد مضى أنّ الشيخ الصدوق ترضّى عنه((1)).

وفيه أيضاً: محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وهو محمد بن جعفر الأسدي الثقة.

وأمّا موسی بن عمران النخعي فقد سبق أنّه لم يوثّق((2))، وأمّا عمّه الحسين بن يزيد النوفلي فقد ورد في النوادر، كما مرّ((3)).

وعلي بن سالم، إمّا هو الكوفي الذي روى عنه يونس بن عبد الرحمن كما سبق((4)) أو أنّه علي بن أبي حمزة البطائني، وأبوه: سالم لم يرد فيه شيء كما مرّ((5)). وعلى هذا فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أوّلهما معتبر بسنديه الثاني والثالث، وثانيهما ضعيف.

والمستفاد منهما أمور، منها:

1- كراهة التكلّم مع الغير حال قضاء الحاجة، وأنْ يجيب غيره حاله.

2- كراهة الكلام على الخلاء، وإن لم يكن مع الغير.

3- أنّ من تكلّم وهو على الخلاء لم تُقض له حاجة.

ص: 537


1- - ايضاح الدلائل1: 152.
2- - المصدر السابق: 314.
3- - المصدر نفسه.
4- - المصدر السابق1: 549 و ج2: 218- 219.
5- - المصدر السابق2: 219.

ص: 538

7- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَقِرَا ءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْخَلَا ء

اشارة

7- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْخَلَاء

شرح الباب:

هذا الباب تتمّة للباب السابق وهو معقود لبيان عدم كراهة ذكر الله تعالى وتحميده وقراءة آية الكرسي على الخلاء، والأحاديث الواردة في الباب كالناظرة لما عند العامّة من كراهة الكلام على الخلاء وإن كان ذكراً لله تعالى، وأمّا قراءة القرآن فهم بين محرّم لها وبين كاره كما يأتي، بلا فرق بين سوره، بينما جوّز الخاصّة قراءة القرآن، واستثنوا آية الكرسي من كراهة الكلام على الخلاء، وآية الكرسي هي آية واحدة، وورد في بعض الأخبار أنّها تقرأ في بعض الموارد إلى «هم فيها خالدون»، قال السيّد الحكيم في المستمسك: «الظاهر من آية الكرسي الآية المشتملة على لفظ الكرسي التي آخرها: «وهو العلي العظيم»، وقد قيل: إنّه المقرر عند القرّاء والمفسرّين، ويظهر ذلك بأدنى ملاحظة لكلماتهم، وفي بعض الأخبار المرويّة في مجمع البيان أنّها خمسون كلمة، ولا ينطبق إلا عليها، وعليه ففي كلّ مورد وردت مطلقة حملت على ذلك، إلا أن تقيّد بمثل إلى قوله تعالى: «هم فيها خالدون»((1)). فعلى هذا يكره

ص: 539


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 249.

قراءة الآيتين الثانية والثالثة، والكراهة في أمثال المقام هي بمعنى قلّة الثواب، كما لا يخفی.

أقوال الخاصّة:

نقل الشيخ النراقي الإجماع على الجواز في كل ما جاء فيه نهي في هذه الموارد، وهو الموجب لحمل ما ظاهره الحرمة على الكراهة((1))، وقد ذكر جماعة في كتبهم استثناء ذكر الله تعالى وأطلق جماعة القول بعدم كراهة قراءة آية الكرسي، أي سواء كان يقرؤها بينه وبين نفسه أم يقرؤها بحيث يسمعه غيره، منهم الشيخ في النهاية والمبسوط، والمحقّق في الشرائع، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع، وقيّد ابن حمزة عدم كراهة قراءتها بما إذا قرأها بينه وبين نفسه، وذكر في علّة ذلك: لئلّا يفوت شرف فضلها((2)).

أقوال العامّة:

تقدّم في شرح الباب السابق أنّهم يرون كراهة الكلام على الخلاء، وإن كان الكلام ذِكراً من الأذكار.

وأمّا قراءة القرآن ففيها قولان عندهم: «الأوّل: أنّها حرام، وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكيّة. والثاني: أنّها مكروهة، وهو مذهب الشافعيّة وقول للحنابلة»((3)).

ص: 540


1- - مستند الشيعة1: 403.
2- - انظر: مفتاح الكرامة1: 246.
3- - الموسوعة الفقهية34: 10.

[817] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ أَنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: إِلَهِي، إِنَّهُ يَأْتِي عَلَيَّ مَجَالِسُ أُعِزُّكَ وَأُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا، فَقَالَ: يَا مُوسَى، إِنَّ ذِكْرِي حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ التوراة الموجودة في أيدي أهل الكتاب مغيّرة محرّفة، وأنّ المحفوظة عن التغيير والتبديل كما أنزلت على موسى (علیه السلام) هي عند أهل البيت (علیهم السلام) قوله: «يأتي عليّ مجالس اُعزّك واُجلّك أن أذكرك فيها» أي إنّه يحتاج بمقتضى الطبيعة الإنسانيّة إلى أن يجلس مجالس ذات مرتبة نازلة كمجلس التخلّي والجماع والاستحمام، وهي لخساستها يُجلّ الله ويُعظم ويُعز من أن يُذكر فيها، فهو على نبيّنا وآله وعليه أفضل التحية والسلام لشدّة تعلّقه بالله تعالى وحبّه له يريد ذكره في كل آنات حياته، لكن طبيعته البشريّة تقتضي أن يجلس تلك المجالس وهي ليست بالمكان الذي يناسب ذكر الله فيها ظاهراً لِخساسة شأنها، فجاءه الجواب بأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال.

ويفهم منه استحباب الذكر لشرفه في أيّ حال كان عليها العبد فسواء كان في مكان شريف أم لا، وسواء كان في حال الطهارة أم في حال التخلّي.

ص: 541


1- ([1]*) الكافي 2: 361/ 8 وأورده في الحديث 2 من الباب 1 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.

سند الحديث:

فيه: محمد بن يحيی، وهو العطّار، وأبو حمزة، وهو الثمالي، والسند صحيح أعلائي.

ص: 542

[818] 2- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوب، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْتَ تَبُولُ، فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا تَسْأَمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی مطلوبيّة الذكر في حال التبوّل والكون في الخلاء، ثم علّل ذلك بأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال سواء كان الذاكر متطهّراً أم غير متطهّر، وسواء كان في حال التخلّي أم لم يكن، ثم نهی عن السأم أي الملل والضجر من ذكر الله تعالى، ولازمه مطلوبيّة إدامة ذكر الله تعالى، وكراهة الغفلة عن ذلك؛ فإنّ الغفلة عن ذكر الله تعالى توجب قسوة القلب، وإذا قسا القلب بَعُدَ صاحبه عن الله سبحانه وهلك.

سند الحديث:

فيه: ابن محبوب، وهو الحسن بن محبوب السرّاد، وابن رئاب هو علي بن رئاب الكوفي، والحلبي، وقد تقدّم أنّه مشترك بين أربعة من الثقات((2))، ولعلّ المراد به هنا محمد بن علي الحلبي.

والسند ضعيف بسهل بن زياد، ولكن يمكن تصحيحه بأنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الكليني، فهذا الحديث من جملة مرويات الشيخ،

ص: 543


1- ([1]*) الكافي 2: 360/ 6.
2- - في الصفحة: 209.

وهو يروي أيضاً جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب بطريق صحيح((1)) فيكون هذا الطريق الصحيح طريقاً إلى هذا الحديث. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 544


1- - أصول علم الرجال1: 166.

[819] 3- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى (علیه السلام) : يَا مُوسَى، لَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلَا تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ، وَإِنَّ تَرْكَ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوبَ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((2)*).

وَفِي الْخِصَالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

الخطاب لنبيّ الله موسى (علیه السلام) ، والمقصود أمّته، لعصمته وتنزّهه عن التنزّل للاُمور الدنيوية كالفرح بالمال ونسيان الذنوب، وإخبار الإمام (علیه السلام) به لكونه من الوصايا الإلهية التي لا تختص باُمّة موسى (علیه السلام) ، بل هي صالحة لتربية جميع الاُمم.

وما أوحاه الله تعالى إلى موسى أمران ولكل منهما أثر:

ص: 545


1- ([1]*) علل الشرائع: 81/ 2، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 2 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.
2- ([2]*) الكافي 2: 360/ 7.
3- ([3]*) الخصال: 39/ 23.

الأوّل: النهي عن الفرح بكثرة المال، وأثر الفرح بكثرة المال نسيان الذنوب؛ وذلك لأنّ كثرة المال عند أغلب الناس توجب تقوية الشهوات، وأقوى الشهوات حبّ الإنسان للجاه والسيطرة على من هو دونه، وهي شهوة تتقوّى بالمال والثروة؛ لاحتياجها إلى إعداد الأسباب والوسائل، وللمال النصيب الأوفر في تسبيب تلك الأسباب، فإذا استغنی الإنسان وأصبح من ذوي الجاه والنفوذ طغى واشتغل بالدنيا وغفل عن الآخرة، وهذا يؤدّي إلى نسيان التوبة عن ذنوبه فهو في شغل دائم عنها، إلّا من رحم الله.

والثاني: النهي عن ترك ذكر الله على كلّ حال، وأثر ترك ذكر الله قسوة القلب، وهي مسبَّبة عن الغفلة عن ذكر الله تعالى، والغفلة حجاب عظيم بين العبد وربّه، وعن طريقها يدخل الشيطان إلى قلب العبد ويستولي عليه فيقسو قلبه، ومن قسا قلبه بَعُدَ عن ربّه، ولم تؤثّر فيه المواعظ ولا الوعيد بالعقاب، وفي هذا كلّ هلاكه.

لكن الذكر رافع للغفلة ودافع لها، وبه ينسدّ الباب الذي يدخل منه الشيطان إلى قلب الإنسان، ولذا جاء الحثّ على الذكر والمداومة عليه في كلّ حال، ولو كان ذلك الحال خسيساً كحال التخلّي، لما له من الأثر الكبير في الارتباط بالله تعالى، والبُعد من الشيطان، وهو السبب القوي في رقّة القلب المقابلة لقسوته.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة أسانيد:

الأوّل: سند الصدوق في كتاب علل الشرائع، وفيه: محمد بن يحيى، وهو

ص: 546

العطّار، والعمركي، وهو العمركي بن علي البوفكي، والسند صحيح.

والثاني: سند الكليني، وقد تقدّم الكلام مكرّراً في رجاله، وهو معتبر.

والثالث: سند الصدوق في كتاب الخصال، وفيه: أحمد بن محمد بن يحيى العطّار شيخه، وقد ترضّى عنه، وأبوه محمد بن يحيى العطّار الثقة الجليل، والحسين بن إسحاق، وهو الحسين بن إسحاق التاجر، وقد مرّ أنّه لم يرد فيه شيء((1))، وفضالة هو فضالة بن أيوب، وإسماعيل بن أبي زياد وهو السكوني، والسند ضعيف، ولكن يمكن تصحيحه بأنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق، فهذا الحديث من جملة مرويّات الشيخ، وهو يروي أيضاً جميع كتب وروايات علي بن مهزيار بطريق صحيح، وكذا روايات السكوني((2)) فيكون كلّ من الطريقين الصحيحين طريقاً إلى هذا الحديث. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 547


1- - ايضاح الدلائل1: 492.
2- - أصول علم الرجال1: 165 و168.

[820] 4- وَفِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَعُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأُشْنَانِيِّ الْعَدْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْرَوَيْهِ الْقَزْوِينِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْفَرَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنِ النَّبِيِّ| أَنَّ مُوسَى لَمَّا نَاجَى رَبَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ أَبَعِيدٌ أَنْتَ مِنِّي فَأُنَادِيَكَ أَمْ قَرِيبٌ فَأُنَاجِيَكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنِّي أَكُونُ فِي حَالٍ أُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا؟ قَالَ: يَا مُوسَى، اذْكُرْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ((1)*).

وَرَوَاهُ فِي الْفَقِيهِ مُرْسَلًا((2)*).

[4] - فقه الحديث:

قوله: «يا ربّ أبعيد أنت منّي فاُناديك أم قريب فاُناجيك»، يحتمل في صدور هذا السؤال من نبيّ الله موسى (علیه السلام) مع علمه بقرب الله سبحانه - على ما ذكره المجلسي الثاني - ثلاثة احتمالات:

أوّلها: أنّه سؤال عن أدب الدعاء، وأنّه هل يرفع صوته بالدعاء، كمن ينادي بعيداً؛ لأنّه إذا نظر إلى نفسه وجدها في غاية البعد عنه تعالى أو يُسرّ به ويخفت كمن يناجي مُجالِسه القريب؛ لأنّه إذا نظر إليه تعالى فهو أقرب من كلّ قريب،

ص: 548


1- - التوحيد: 182/ 17 وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 46/ 175. و أورده في الحديث 3 من الباب 1 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.
2- - الفقيه 1: 20/ 58.

فكأنّه يقول لا أدري في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى حالك.

ثانيها: أنّه سؤال لغيره، لا له (علیه السلام) كما في قضيّة سؤال رؤية الله جلّ وعلا.

ثالثها: أنّه سؤال من قِبَلِ قومه، ذكره موسى في مناجاته مع الله سبحانه.

وقد جاء الجواب بقوله تعالى: «أنا جليس من ذكرني»، وهو كناية عن الحضور لدى الذاكرين له سبحانه، أي أنا قريب ممّن يذكرني أسمع مناجاته إذا ناجاني فلا حاجة إلى الإجهار بالذكر والدعاء، كما لا يحتاج الجليس إلى رفع الصوت، أو ينبغي أن يلاحظوا في الذكر جهة قربي، لا جهة بُعدهم، وهو أنسب بأدب الدعاء، ويدلّ على أن الأنسب بالذكر الإسرار لا الإجهار، إلّا أن يكون الغرض من رفع الصوت التذكير لا الذكر فقط كالأذان والخطبة ونحوهما، فيرفع صوته بقدر الحاجة((1)).

وقوله: «يا موسى اذكرني على كلّ حال»، يدلّ على استحباب الذكر لشرفه في أيّ حال كان عليها العبد فسواء كان في مكان شريف أم لا، وسواء كان في حال الطهارة أم في حال التخلّي.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأوّل: مسنداً في التوحيد وعيون الأخبار، وفيه: الحسين بن محمد الأشنانيّ العدل، وهو أبو عبد الله الأشناني الدارمي الفقيه العدل: من مشايخ الصدوق(قدس سره) حدّثه ببلخ. ولم يرد فيه شيء.

ص: 549


1- - ينظر: مرآة العقول12: 122- 123.

وأمّا بالنسبة لكلمة العدل فليست تعديلاً له، قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «لا يبعد أن الرجل من العامّة، وأنّ كلمة العدل من ألقابه، وهذه كلمة تطلق على الكُتّاب في القضاء والحكومات، فيقال: كاتب العدل، وقد تقدّم نحوه في أحمد بن الحسن القطان»((1)).

وأمّا داود بن سليمان الفراء، فقد مرّ أنّه لم يرد فيه شيء سوى أنّ له كتاباً عن الرضا (علیه السلام) ، ووقع في أسناد كامل الزيارات، وكذّبه العامّة((2)).

والحاصل أنّ هذا السند ضعيف.

والثاني: مرسلاً عن الفقيه، ومرّ أنّ مراسيله معتبرة((3)).

ص: 550


1- - معجم رجال الحديث6: 210/ 3302.
2- - ايضاح الدلائل2: 310.
3- - المصدر السابق1: 91- 94.

[821] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ حَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ أَبِي الْمُسْتَهِلِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ مُوسَى (علیه السلام) قَالَ: يَا رَبِّ، تَمُرُّ بِي حَالاتٌ أَسْتَحْيِي أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا فَقَالَ: يَا مُوسَى، ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ حَسَنٌ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

مضى بيانه في الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال ضعيف، لكن سبق بيان وجهٍ في اعتباره((2))، وأمّا علي بن أسباط بن سالم فهو ثقة، والحكم بن مسكين الثقفي موثّق كما مضى((3))، وأمّا أبو المستهل فلم يرد فيه شيء، وسليمان بن خالد مضى الكلام في وثاقته((4)). وعلى هذا فالسند ضعيف.

ص: 551


1- ([1]*) التهذيب 1: 27/ 68.
2- - إيضاح الدلائل4: 371- 372.
3- - المصدر السابق3: 130.
4- - المصدر السابق: 76.

[822] 6- وَعَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: قُلْتُ: الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ يَقْرءَانِ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا شَاءَا إِلَّا السَّجْدَةَ، وَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ((1)*).

[6] - فقه الحديث:

قوله: «يقرءان شيئاً»، أي شيئاً من القرآن، بقرينة الجواب، وقوله (علیه السلام) : «نعم، ما شاءا إلّا السجدة» دالّ على جواز قراءة الحائض والجنب للقرآن كلّه، وعدم حرمته ماعدا السجدة، وهي السور الأربع التي فيها السجدة الواجبة، المسمّاة بسور العزائم، وقد سمّيت السجدة، لأنّ السجود مذكور فيها، كما يقال سورة البقرة وسورة المائدة لذكر البقرة في الاُولى والمائدة في الثانية، وقد نقل في الجواهر الإجماع على حرمة قراءة سور العزائم، وقراءة أبعاضها((2))، وسيأتي ما يدلّ على كراهة قراءتهما للقرآن في حال الجنابة والحيض، وفي الحديث الآتي ما يدلّ على كراهة قراءتهما للقرآن حال التخلّي ما عدا آية الكرسي، أو آية اُخرى من القرآن، وعلى نقل الصدوق: «أو آية الحمد لله رب العالمين».

وقوله: «ويذكران الله تعالی علی كلّ حال» شامل لحال الحيض والجنابة والتخلّي ولغيرها من الأحوال، فدلّ علی عدم كراهة ذكر الله في كلّ حال.

ص: 552


1- ([1]*) التهذيب 1: 26/ 67 و129/ 352 وفي الاستبصار 1: 115/ 384. وأورده في الحديث 4 من الباب 19 من أبواب الجنابة.
2- - جواهر الكلام3: 43.

سند الحديث:

قوله: وعنه، أي عن علي بن الحسن بن فضّال، وفيه حريز، وهو حريز بن عبد الله السجستاني، وحريز روی الحديث عن زرارة تارة وعن محمد بن مسلم الثقفي اُخری، فهما سندان، فالسند معتبر.

ص: 553

[823] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ التَّسْبِيحِ فِي الْمَخْرَجِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَمْ يُرَخَّصْ فِي الْكَنِيفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَآيَةٍ((1)*)((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ((3)*) بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَ((4)*) آيَة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ((5)*).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، بِمَعْنَى نُقْصَانِ الثَّوَابِ، لِمَا مَضَى((6)*) وَيَأْتِي((7)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ قراءة القرآن غير مرخّص بها حال التخلّي ما عدا آية الكرسي، وآية من القرآن - بناء علی نقل الماتن - أو آية من القرآن - بناء علی ما جاء في

ص: 554


1- ([1]*) في المصدر: أو آية.
2- ([2]*) التهذيب 1: 352/ 1042.
3- ([3]*) الفقيه 1: 19/ 57.
4- ([4]*) في الفقيه: أو.
5- ([5]*) سورة الفاتحة: الآية2
6- ([6]*) مضى في الأحاديث 1 و2 و3 و4 و5 و6 من هذا الباب والحديث 1 من الباب 5 من هذه الأبواب.
7- ([7]*) يأتي في الأحاديث 8 و9 من هذا الباب، وفي الحديث 2 من الباب 1 والحديث 1 من الباب 2 من أبواب الذكر والحديث 2 من الباب 45 من أبواب الأذان والإقامة.

التهذيب - وما عدا حمد الله، فيكون المعنی أنّ المرخّص للمتخلّي قراءة إمّا آية الكرسي، مع حمد الله تعالى، وإمّا آية، أي آية من القرآن مع حمد الله تعالى، وفي نقل الصدوق: «أو آية الحمد الله ربّ العالمين» فعليه فالمرخّص للمتخلّي إمّا آية الكرسي، مع حمد الله تعالى، وإما آية: الحمد لله ربّ العالمين.

ثم إنّ عدم الترخيص هو بمعنی الكراهة، للإجماع المتقدّم على الجواز، ولما في الحديث السادس المتقدّم الصريح في الجواز، وسيأتي في الحديث الثامن ما يعضّده، والكراهة هنا بمعنی نقصان الثواب، كما ذكر الماتن(قدس سره) .

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بسندين:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب، وهو سنده إلى محمد بن علي بن محبوب، وقد تقدّم أنّه ثلاث طرق أحدها صحيح والآخر معتبر والثالث ضعيف((1))، وفيه: محمد بن عبد الحميد، وهو محمد بن عبد الحميد بن سالم العطّار، وقد سبق أنّ توثيق النجاشي يرجع إلى أبيه لا إليه((2))، ولكنّه ثقة؛ لوروده في كتاب النوادر ورواية المشايخ الثقات عنه.

وفيه أيضاً: محمد بن عمر بن يزيد بياع السابري وقد سبق أنّ المشايخ الثقات رووا عنه((3)) فيكون ثقة، ومحمد بن عذافر الصيرفي المدائني الثقة كما

ص: 555


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - المصدر السابق2: 312.
3- - المصدر السابق: 446.

سبق((1))، وعمر بن يزيد، وهو بياع السابري الثقة الجليل كما سبق تعيينه؛ لكونه صاحب كتاب، دون الصيقل((2)). فالسند معتبر.

والثاني: سند الصدوق في الفقيه، وإسناده إلى عمر بن يزيد في المشيخة هو ثلاثة طرق، قال(قدس سره) : «وما كان فيه عن عمر بن يزيد فقد رويته عن أبي2 عن محمد بن يحيى العطار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن عمير، وصفوان بن يحيى، عن عمر بن يزيد.

وقد رويته أيضاً عن أبي2 عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عبد الحميد، عن محمد بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه عمر بن يزيد.

ورويته أيضاً عن أبي (رحمه الله) ، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن عباس، عن عمر بن يزيد»((3))، والطريق الأول صحيح والثاني معتبر، والثالث ضعيف. وعلى هذا يكون السند صحيحاً.

ص: 556


1- - في الصفحة: 98.
2- - ايضاح الدلائل1: 325.
3- - من لا يحضره الفقيه4: 425، المشيخة.

[824] 8- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ (عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ)((1)*)، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ أَتَقْرَأُ النُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ وَالْجُنُبُ وَالرَّجُلُ يَتَغَوَّطُ((2)*) الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: يَقْرَءُونَ مَا شَاءُوا((3)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ قراءة القرآن كلّه جائزة للنفساء والحائض والجنب والمتغوّط، وهذا لا ينافي الكراهة بمعنی نقصان الثواب في هذه الأحوال، فلا تنافي بينه وبين الحديث السابع؛ لأنّ هذا الحديث ناظر لجواز القراءة، وذاك ناظر للكراهة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ للشيخ خمس طرق إلى أحمد بن محمد بن عيسى في المشيخة: اثنان منها صحيحان وثلاثة معتبرات، وفي الفهرست طريقان معتبران، والثالث طريق إلى المبوّبة (كتاب النوادر) صحيح((4)). وقد مرّ الكلام في بيان جلالة أفراد السند، وهو صحيح.

ص: 557


1- ([1]*) لم يرد في التهذيب.
2- ([2]*) في التهذيب: المتغوط.
3- ([3]*) التهذيب 1: 128/ 348، ورواه في الاستبصار 1: 114/ 381، أورده في الحديث 6 من الباب 19 من أبواب الجنابة.
4- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.

[825] 9- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ،عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ،عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ،عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ عَلَى خَلَاءٍ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((3)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ على جواز أن يذكر المتخلّي في نفسه حمدَ الله بعد العطاس، وقد مضى في الباب الخامس أنّ ذكر الحمد هو من جملة الأذكار التي تقال عند الفراغ من الخلاء أو من قضاء الحاجة، فيكون لذكره في النفس هنا خصوصيّة بعد العطاس، ولا نظر للحديث إلى ما تعرّضت له الأحاديث الآتية في الباب اللاحق من استحباب حكاية الأذان أو قراءة آية الكرسي وبعض القرآن وغير ذلك من الأذكار التي مرّت، وإنّما هو بصدد ما يقال بعد العطاس في حال التخلّي، فلا منافاة بينها.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حول اعتبار الطريق إلى كتاب قرب الإسناد((4)) وجلالة

ص: 558


1- ([1]*) قرب الإسناد: 36.
2- ([2]*) تقدّم في الباب 5 من أبواب الخلوة.
3- ([3]*) يأتي في الباب الآتي.
4- - ايضاح الدلائل1: 391- 393.

مؤلّفه((1))، وأمّا هارون بن مسلم فهو هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، وقد سبق أنّه ثقة وجه((2))، كما سبق أنّ مسعدة بن صدقة شخصان، وأنّ من يروي عنه هارون بن مسلم هو الثقة((3)). فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة أحاديث، أوّلها صحيح أعلائي، وثانيها معتبر، وثالثها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنديه الثاني والثالث، ورابعها ضعيف بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وخامسها ضعيف، وسادسها معتبر، وسابعها معتبر بسنده الأوّل وصحيح بسنده الثاني، وثامنها صحيح، وتاسعها معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها اُمور، منها:

1- استحباب ذكر الله تعالى في أيّ حال كان عليها العبد، ولو حال التخلّي.

2- استحباب المداومة على ذكر الله تعالى، وكراهة السأم من ذكره.

3- الأنسب بالذكر الإسرار لا الإجهار، إلّا ما كان الإجهار فيه مطلوباً.

4- أنّ ترك ذكر الله يورث قسوة القلب، والفرح بالمال يورث نسيان الذنوب.

5- جواز قراءة القرآن كلّه للنفساء والحائض والجنب ما عدا سور العزائم.

6- جواز قراءة القرآن كلّه للمتخلّي.

ص: 559


1- - المصدر السابق: 205- 206.
2- - ايضاح الدلائل1: 289.
3- - المصدر السابق: 290.

7- كراهة قراءة القرآن حال التخلّي ما عدا حمد الله وآية الكرسي، وآية من القرآن أو آية الحمد لله ربّ العالمين، والكراهة بمعنی نقصان الثواب.

8- جواز أن يذكر المتخلّي في نفسه ذكر الحمد بعد العطاس.

ص: 560

8- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَا ءِ وَاسْتِحْبَابِهِ

اشارة

بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَا ءِ وَاسْتِحْبَابِهِ((1))

8- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَاءِ وَاسْتِحْبَابِهِ

شرح الباب:

هذا الباب تتمّة للبابين السابقين، وفيه بيان عدم كراهة حكاية الأذان ولو علی الخلاء، بل إنّ حكايته مستحبّة للمتخلّي، والمراد من حكاية الأذان هو أن يقول مثل ما يقوله المؤذّن عند سماعه له، من غير فصل معتدٍّ به، وإلّا لم تصدق الحكاية، بل يكون أذاناً مستأنفاً.

أقوال الخاصّة:

قال الشيخ النراقي في المستند: «يستحب حكاية الأذان عند سماعه بلا خلاف كما قيل، بل بالإجماع كما استفاض به النقل»((2))، والإجماع هنا على استحباب حكايته فيشمل حكايته على الخلاء. وذكر في الجواهر أنّ استحباب حكايته على الخلاء هو المشهور((3))، وقال في موضع آخر: «يستحب لمن سمع

ص: 561


1- - ورد في هامش المخطوط ما نصه: ذكر الشهيد الثاني في بعض كتبه أنّ هذه المسالة ليس فيها نص أصلاً ومثله كثير جدّاً، ووجه ذلك غالباً أنّهم كانوا يقتصرون على مطالعة التهذيب، (منه قده) (راجع الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1: 88).
2- - مستند الشيعة4: 537.
3- - جواهر الكلام2: 74.

الأذان أن يحكيه، إجماعاً بقسميه، بل المنقول منهما متواتر أو مستفيض جداً»((1)) فيشمل المقام.

أقوال العامّة:

ظاهرهم الاتفاق على استحباب حكاية الأذان «يُسنّ لمن سمع الأذان متابعته بمثله، وهو أن يقول مثل ما يقول... ويسنّ أن يقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله... ولو سمع مؤذّناً ثانياً أو ثالثاً استحب له المتابعة أيضاً، وما سبق هو باتفاق إلّا أنّ المشهور عند المالكية أن يحكي السامع لآخر الشهادتين فقط، ولا يحكي الترجيع، ولا يحكي الصلاة خير من النوم ولا يبدلها بصدقت وبررت، ومقابل المشهور أنّه يحكي لآخر الأذان»((2))، ولكن في حال الخلاء سبق أنّهم نصّوا علی كراهة التكلّم حال قضاء الحاجة بذكر أو غيره. «ومن الأذكار التي نصّوا عليها - أي المالكيّة والشافعيّة والحنابلة - أنّه لا يحمد إن عطس، ولا يشمّت عاطساً، ولا يجيب المؤذّن، ولا يردّ السلام، ولا يسبّح... وقد ذكر صاحب الإنصاف من الحنابلة رواية عن أحمد أنّه لا يكره إجابة المؤذّن في تلك الحال، وبها أخذ الشيخ تقي الدين، والمذهب أنّه يكره»((3)).

ص: 562


1- - المصدر نفسه9: 121.
2- - الموسوعة الفقهية2: 372.
3- - الموسوعة الفقهية34: 11.

[826] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ لَا تَدَعَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ سَمِعْتَ الْمُنَادِيَ يُنَادِي بِالْأَذَانِ وَأَنْتَ عَلَى الْخَلَاءِ فَاذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ((1)*).

وَفِي الْعِلَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على النهي - المحمول على الكراهة - عن ترك ذكر الله في حال من الأحوال، فكأنّه قال: اذكر الله على كل حال كنت فيها، فيفهم منه مطلوبية المداومة على ذكره تعالى، كما دلّ على مطلوبية ذكره تعالى في حال التخلّي، فإنّ حال التخلّي حال خسيسة فيتوهّم أنّها لا تناسب تعظيم الله سبحانه فلا يحسن ذكره تعالى فيها، فجاء النهي عن ترك ذكر الله، ولو في حال التخلّي، كما دلّ على مطلوبية حكاية الأذان عند سماعه له، بأن يقول كما يقول المؤذّن، وظاهر ذلك أنّه يستحب له قول جميع فصول الأذان حتى الحيعلات، وفيه كلام عند الفقهاء، وأنّ على من يحكي الأذان أن يستبدلها بالحوقلة، وهي قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 563


1- ([1]*) الفقيه 1: 187/ 892 وأورده في الحديث 2 من الباب 45 من أبواب الأذان والإقامة.
2- ([2]*) علل الشرائع: 284/ 2.

ثم إنّ إطلاق الأذان يشمل أذان الإعلام وأذان الجماعة وأذان المنفرد.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بسندين:

الأوّل: سند الصدوق في الفقيه، وهو إسناده إلى محمد بن مسلم، وقد سبق أنّه معتبر((1)).

والثاني: سند الصدوق أيضاً في كتاب علل الشرائع، وفيه: يعقوب بن يزيد وهو الأنباري الثقة الصدوق، والسند صحيح.

ص: 564


1- . ايضاح الدلائل4: 63.

[827] 2- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنْ سَمِعْتَ الْأَذَانَ وَأَنْتَ عَلَى الْخَلَاءِ فَقُلْ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَلَا تَدَعْ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مُوسَى (علیه السلام) كَمَا سَبَقَ((1)*)((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی مطلوبيّة حكاية الأذان عند سماعه له حال التخلّي، بأن يقول كما يقول المؤذّن. وفيه نهي عن ترك ذكر الله في حال التخلّي لتوهّم عدم مناسبته في تلك الحال لتعظيم الله سبحانه وتعالی، وعلّل (علیه السلام) ذلك بأنّ ذكر الله حسن علی كلّ حال، فإنّ الكون في حال دنيّة خسيسة لا يسلب الحسن عن ذكر الله تعالی، ثم ذكر (علیه السلام) حديث موسی مع الله سبحانه عن حيائه من ذكره له تعالی في المجالس التي هي من نوع مجلس التخلّي، وجواب الله له كما مرّ في الباب السابق.

سند الحديث:

مرّ أنّ هذا السند ضعيف((3)).

ص: 565


1- ([1]*) تقدّم في الحديث 4 من الباب السابق.
2- ([2]*) علل الشرائع: 284/ 1.
3- - في الصفحة: 513.

[828] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّنَانِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيِّ، عَن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُقْبِلٍ الْمَدِينِيِ((1)*) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) : لِأَيِّ عِلَّةٍ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ((2)*).

أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ مَا هُوَ مُطْلَقٌ عَامٌّ يَشْمَلُ هَذِهِ الْحَالَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ استحباب حكاية الأذان عند سماعه ولو كان ذلك حال التخلّي كان معروفاً في ذلك العصر، وإنّما سأل الراوي عن العلّة في استحباب ذلك، فأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ هذا العمل يزيد في الرزق. ولعلّ في التعبير بالرزق دون المال ونحوه للدلالة علی الشمول لكلّ ما يقال له رزق، فيعم الرزق المادّي كالمال والمعنوي كالتوفيق للطاعات والمثوبات.

سند الحديث:

فيه: محمد بن أحمد السناني المكتب ترضّی عنه الصدوق كثيراً كما

ص: 566


1- ([1]*) في المصدر: المدائني وقد ورد في كتب الرجال باللّفظين.
2- ([2]*) علل الشرائع: 284/ 4.
3- ([3]*) يأتي في الباب 45 من أبواب الأذان.

تقدّم((1))، فهو ثقة، وفيه أيضاً: حمزة بن القاسم العلوي، قال عنه النجاشي: «حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب [ (علیه السلام) ]، أبو يعلی ثقة، جليل القدر، من أصحابنا، كثير الحديث... أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا علي بن محمد القلانسي، عن حمزة بن القاسم بجميع كتبه»((2)).

والظاهر أنّه هو من ترجمه الشيخ في الرجال، حيث قال: «حمزة بن القاسم، يكنّی أبا عمرو، هاشمي، عباسي، روی عنه التلعكبري». وفي موضع آخر: «حمزة بن القاسم العلوي العباسي، يروي عن سعد بن عبد الله، روی عنه التلعكبري إجازة»((3))؛ وذلك لأنّ علي بن محمد القلانسي في طبقة التلعكبري، ويريد بكونه عباسياً أنّه من ولد العباس بن أمير المؤمنين، ولذا قال: العلوي.

وفيه أيضاً: جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، وقد سبق أنّ توثيقه من الشيخ معارض بتضعيف النجاشي له، فلا يمكن الحكم بوثاقته((4)).

وأمّا جعفر بن سليمان المروزي فلم يرد فيه شيء. وسليمان بن مقبل المدائني أو المدني أبو أيوب، وإن عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((5)) إلا أنّه لم يرد في حقه شيء. وعلی هذا فالسند ضعيف.

ص: 567


1- - ايضاح الدلائل2: 15.
2- - رجال النجاشي: 140/ 364.
3- - رجال الطوسي: 422/ 6088 و424/ 6104.
4- - ايضاح الدلائل2: 436.
5- - رجال الطوسي: 338/ 5026.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أوّلها معتبر بسنده الأول وصحيح بسنده الآخر، وثانيها وثالثها ضعيفان.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- النهي عن ترك ذكر الله في حال من الأحوال؛ لأنّ ذكر الله تعالی حسن علی كل حال.

2- استحباب حكاية الأذان عند سماعه حال التخلّي.

3- أنّ حكاية الأذان عند سماعه ولو كان ذلك حال التخلّي يزيد في الرزق المادي والمعنوي.

ص: 568

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

2- فهرس الكنی والألقاب

3- فهرس الأسانيد

4- فهرس المصادر

5- فهرس مطالب الكتاب

ص: 569

ص: 570

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- أ -

إبراهيم بن أبي محمود (الخراساني) (ب6 ح 6).......................................149

إسحاق بن عبد الله الأشعري (القمي) (ب 3 ح 4)......................................80

إسماعيل بن عبد الخالق (ب 13 ح 10)...................................................319

أيوب بن الحر (ب 7 ح 12)...................................................................188

- ب -

بكر بن أبي بكر الحضرمي (الكوفي) (ب 3 ح 15)..................................105

- ج -

جعفر بن سليمان المروزي (ب 8 ح 3)...................................................567

جنيد (جندب) بن عبد الله الأزدي (ب 4 ح 5)........................................506- ح -

الحارث بن بهرام (ب 2 ح7)..................................................................474

الحسن بن أخي فضيل (ب 5 ح 1).........................................................122

الحسن بن علي ابن بنت إلياس (ب 8 ح 13)...........................................191

الحسين بن علي بن يقطين (ب 6 ح 7)....................................................151

الحسين بن محمد الأشنانيّ العدل (ب 7 ح 4).........................................549

حمزة بن القاسم العلوي (ب 8 ح 3).......................................................567

ص: 571

- ر -

روح بن عبد الرحيم (ب 6 ح 8)............................................................153

- س -

سالم أبو الفضل (سالم الحنّاط) (ب 2 ح 4)...............................................54سعد بن أبي عمرو (عمر) (ب 1 ح 8).......................................................37

سليمان بن مقبل المدائني أو المدني أبو أيوب (ب 8 ح 3).......................567

- ص -

صباح الحذاء = الصباح بن صبيح الفزاري (ب 5 ح 10)...........................529

- ظ -

ظريف بن ناصح (ب 5 ح 3)..................................................................125

- ع -

عبد الأعلی مولی آل سام (ب 7 ح 6).....................................................174

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ب 1 ح 5)...................................................28

عبد الحميد بن عواض (الطائي) (ب 3 ح 3)..............................................79

عبد الصمد بن محمد (ب 13 ح 7).........................................................311

عبد الله بن محمد (الهاشمي، والد عيسی بن عبد الله) (ب 2 ح 5).............469

عبد الله بن محمد (مشترك) (ب 1 ح 4)..................................................437

عبد الله بن محمد أبو بكر الحضرمي (ب 1 ح 4).....................................437

عبد الله بن محمد الأسدي الحجال (ب 1 ح 4).......................................437

ص: 572

عبد الله بن محمد البلوي (ب 1 ح 4)......................................................437

عبد الله بن محمد التميمي الرازي (ب 1 ح 4).........................................439

عبد الله بن محمد الجعفي (ب 1 ح 4)....................................................439

عبد الله بن محمد الحصيني العبدي (ب 1 ح 4).......................................438

عبد الله بن محمد الدعلجي (ب 1 ح 4)..................................................439

عبد الله بن محمد النهيكي (ب 1 ح4)....................................................440

عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا (ب 1 ح 4).............................................438

عبد الله بن محمد بن عيسی (ب 1 ح 4)..................................................439

عبد الله بن محمد بن قيس (ب 1 ح 4)....................................................439

عبد الملك بن عمرو (ب 13 ح 2)..........................................................303

عبيد الله بن علي الحلبي (ب 9 ح 5).......................................................220

علي بن أشيم (ب 16 ح 3)....................................................................364

علي بن السندي (ب 16 ح 3).................................................................363

عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي (ب9 ح 5).......................................219

عمران بن حمران (ب 3 ح 14)..............................................................103

عمرو بن أبي نصر (السكوني) (ب 18 ح3)............................................378

عيسی بن عبد الله الهاشمي (ب 2 ح 5)...................................................469

عيسی بن عمر مولی الأنصار (ب 11 ح 5)..............................................254

- غ -

غالب بن عثمان (المنقري) (ب 6 ح 8)...................................................152

ص: 573

- م -

محمد بن الوليد (البجلي، الخزاز) (ب 1 ح 5)...........................................30

محمد بن أورمة (ب 15 ح 5)................................................................352

محمد بن سهل (بن اليسع الأشعري القمي) (ب 2 ح 6)..............................58

محمد بن شاذان (ب 2 ح 7)....................................................................62

محمد بن عبد الله بن زرارة (ب 2 ح 5)...................................................467محمد بن عبد الله أو عبيد الله (ب 3 ح 2)..................................................77

محمد بن عذافر (الصيرفي) (ب 3 ح 16)................................................108

محمد بن علي الأنصاري (ب 1 ح 4) مشترك..........................................436

محمد بن علي بن حمزة الأنصاري (ب 1 ح 4).......................................437

محمد بن علي الكوفي (ب2 ح 10)..........................................................67

محمد بن علي ماجيلويه (ب 1 ح 4).......................................................436

محمد بن علي بن يحيی الأنصاري (ب 1 ح 4).......................................436

محمد بن عمر (الهاشمي جدّ عيسی بن عبد الله) (ب 2 ح 5)....................469

محمد بن عيسی الأشعري (ب 12 ح 5)..................................................266

محمد بن مسعود العياشي (ب 9 ح12)...................................................236

محمد بن نصير (ب 19 ح 4)..................................................................403

محمد بن يحيی الخزاز (ب 18 ح 5)......................................................381

معمّر بن خلّاد (ب 4 ح 1)......................................................................118

ص: 574

موسی بن الحسن (بن عامر الأشعري) (ب 7 ح 1)...................................166

- ي -

يعقوب بن يقطين (ب 12 ح 16)............................................................287

ص: 575

ص: 576

2- فهرس الكنی والألقاب

أبو حبيب الأسدي= ناجية بن أبي عمارة (ب 7 ح 7)...............................178

أبو داود (سليمان بن سفيان) المنشد، المسترق (ب 6 ح 2).......................139

أبو سعيد المكاري (هاشم بن حيّان) (ب 12 ح 10).................................277

أبو شعيب (صالح بن خالد) (ب 3 ح 14)................................................102

أبو عبد الله الرازي (محمد بن أحمد الرازي الجاموراني) (ب 11 ح 5)........253

أبو المستهل (ب7 ح 5).........................................................................551

أبو مريم الأنصاري (عبد الغفار بن القاسم بن قيس) (ب 18 ح 4).............380

أبو هلال (الرازي) (ب 7 ح 8)..................................................................181

ص: 577

ص: 578

3- فهرس الأسانيد

أسناد الشيخ الصدوق

سنده إلی إسماعيل بن جابر (ب 14 ح 6)...............................................339

سنده إلی زرارة (ب 2 ح 2).....................................................................50

سنده إلی عبد الله بن أبي يعفور (ب 13 ح 1)..........................................301

سنده إلی حنان بن سدير (ب 13 ح 7)....................................................310

سنده إلی حريز بن عبد الله (ب 19 ح 1).................................................398

سنده إلی حمّاد بن عثمان (ب 17 ح 1)..................................................369

سنده إلی سليمان بن داود المنقري (ب4 ح 1)........................................500

سنده إلی سعد بن عبد الله (ب 5 ح 8)....................................................525

سنده إلی عمر بن يزيد (ب 7 ح7)........................................................554

أسناد الشيخ الطوسي

سنده إلی (محمد بن الحسن) الصفار (ب 12 ح 6)..................................269

سنده إلی كتاب المشيخة للحسن بن محبوب (ب 12 ح 13)....................280

سنده إلی محمد بن مسعود العياشي (ب 9 ح 12)....................................234

سنده إلی أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ب19، في التتمة التي ذكرناها)..........407

سنده إلی حريز بن عبد الله (ب 19 ح 1).................................................399

أسناد ابن ادريس

سنده إلی محمد بن علي بن محبوب (ب 6 ح 5)....................................146

ص: 579

ص: 580

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم

2- الاختصاص، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

3- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي(قدس سره) ، تصحيح وتعليق: المعلم الثالث ميرداماد الاستربادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

4- الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث، الطبعة الثانية، 1414ه-، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

5- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363ه- ش، دار الكتب الاسلامية، طهران.

6- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، العلامة المحقق الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، محرم 1420 ه- ق، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

7- أصول علم الرجال، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمد علي المعلّم، تصحيح: الشيخ حسن العبودي، الطبعة الرابعة، 1434ه-،

ص: 581

مؤسسة الإمام رضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي.

8- إيضاح الدلائل، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم السيد عباس الحسيني والشيخ محمد عيسی البنّاي، الطبعة الثانية، 1430ه-، دار الهدی، قم.

9- بحار الأنوار، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، تحقيق: السيد إبراهيم الميانحي، محمد الباقر البهبودي، الطبعة الثانية المصححة، 1403ه- - 1983م، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان.

10- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الإمام القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، تنقيح وتصحيح: خالد العطار، إشراف مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

11- بدائع الصنائع، علاء الدين ابو بكر الكاساني الحنفي، الطبعة الأولی، 1409ه- - 1989م، المكتبة الحبيبية، كويتة - باكستان.

12- تاج العروس، محمد مرتضی الواسطي الزبيدي، تحقيق: علی شيري، 1414ه-، دار الفكر، بيروت.

13- تاريخ أسماء الثقات، الحافظ عمر بن شاهين، تحقيق: صبحي السامرّائي، الطبعة الأولی، 1404ه-، الدار السلفيّة، الكويت.

14- تحف العقول، أبو محمد الحسن بن علي الحرّاني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1404ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

ص: 582

15- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، محرم 1414ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

16- ترتيب أسانيد الكافي، آية الله العظمى السيد آقا حسين الطباطبائي البروجردي، تخريج واستدراك: الشيخ محمود درياب النجفي، الطبعة الأولی، 1385ه-.ش، منشورات مؤسسة آية الله العظمى البروجردي.

17- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمد علي المعلّم، تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) ، 1438.

18- التنقيح في شرح العروة الوثقی، تقرير بحث آية الله العظمی السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة، 1428ه-، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

19- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365ه- ش، دار الكتب الاسلامية، طهران.

20- تهذيب الكمال، الحافظ يوسف المزي، تحقيق: الدكتور بشّار عواد معروف، الطبعة الرابعة، 1406ه- - 1985م، مؤسسة الرسالة.

21- جامع أحاديث الشيعة، تحت إشراف أية الله العظمی السيد البروجردي، نشر دار الأولياء، بيروت.

22- جامع المقاصد في شرح القواعد، المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولی،

ص: 583

1408ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

23- الجرح والتعديل، الحافظ عبد الرحمن الرازي، الطبعة الأولی، 1371ه- - 1952م، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

24- جوابات أهل الموصل، الشيخ المفيد، تحقيق: الشيخ مهدي نجف، الطبعة الثانية، 1414ه- - 1993م، دار المفيد، بيروت.

25- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365ه- ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

26- حاشية ردّ المحتار علی الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين، إشراف: مكتب البحوث والدراسات، 1415ه-، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

27- الحبل المتين، الشيخ البهائي العاملي، تحقيق: السيد بلاسم الموسوي الحسيني، الطبعة الأولی، 1424ه-، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدسة.

28- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني، تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

29- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، تحقيق ونشر: مؤسّسة الإمام المهدي (علیه السلام) ، الطبعة الأولی، 1409.

ص: 584

30- الخصال، للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، 1403ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

31- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلامة الحلي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولی، 1417ه-، مؤسسة نشر الفقاهة.

32- الخلاف، الشيخ الطوسي، تحت إشراف الشيخ مجتبی العراقي، الطبعة السابعة، 1429ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

33- الدرّ المنثور في تفسير المأثور، عبد الرحمن السيوطي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

34- رجال ابن الغضائري، أحمد بن الحسين الغضائري، تحقيق: السيد محمد رضا الجلالي، الطبعة الأولی، 1422ه-، دار الحديث، قم.

35- رجال البرقي، أحمد بن عبد الله البرقي، تحقيق: حيدر محمد علي البغدادي، الطبعة الأولی، 1430ه-، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم.

36- رجال البرقي، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تحقيق: حيدر محمد علي البغدادي، الطبعة الثانية، 1433ه- ق، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم المقدسة.

37- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني، الطبعة الرابعة 1428ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

ص: 585

38- رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، تحقيق: السيد موسی الشبيري الزنجاني، الطبعة الثامنة، 1427ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

39- روح المعاني، محمود الآلوسي البغدادي، تعليق: محمد أحمد الأمد وعمر عبد السلام السلامي، الطبعة الأولی، 1420ه-، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

40- روضة الطالبين، للإمام أبي زكريا يحيی بن شرف النووي الدمشقي، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

41- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه للصدوق، العلامة المولی محمد تقي المجلسي، توثيق وتدقيق وتصحيح: قسم التحقيق في مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأولی، 1429ه-، نشر مؤسسة دار الكتاب الإسلامي.

42- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر.

43- الصحاح، الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، الطبعة الرابعة، 1407 - 1987م، دار العلم للملايين، بيروت.

44- العروة الوثقی، السيد محمد كاظم اليزدي، الطبعة الثالثة، 1426ه-، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

45- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم،

ص: 586

منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1385ه- - 1966م.

46- العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410ه-، مؤسسة دار الهجرة.

47- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الثانية، 1426ه-، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

48- غنية المتملّي شرح منية المصلي، الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الأولی، 1417ه-، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم.

49- غنية المتملي شرح منية المصلي، الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي، طبعة حجرية، 1312ه- .

50- غنية النزوع، السيد ابن زهرة الحلبي، تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري، الطبعة الاولی، 1417، مؤسسة الامام الصادق (علیه السلام) ، قم.

51- فقه اللغة وسرّ العربيّة، أبو منصور الثعالبي، تحقيق: الدكتور فائز محمد، الطبعة الثانية، 1416 ه- - 1996م، دار الكتاب العربي، بيروت.

52- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، الطبعة الثانية، 1422ه-، مؤسسة نشر الفقاهة.

53- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، نشر دار العلم للجميع، بيروت.

54- الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر

ص: 587

الغفّاري، الطبعة الثالثة، 1367ه- ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

55- كشّاف القناع، الشيخ منصور البهوتي، تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي، الطبعة الأولی، 1418ه-، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت.

56- كشف الأسرار في شرح الاستبصار، السيد نعمة الله الجزائري، حققه وعلق وأشرف عليه: المفتي السيد طيّب الموسوي الجزائري، الطبعة الأولى، 1420ه-، مؤسسة دار الكتاب (الجزائري).

57- كشف اللثام، الشيخ محمد الاصفهاني المعروف بالفاضل الهندي، الطبعة الاولی، 1416ه-، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

58- كنز العرفان، جمال الدين المقداد السيوري، نشر المكتبة المرتضويّة لإحياء آثار الجعفريّة، 1384ه-.

59- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، الناشر: أدب الحوزة، 1405ه-، قم.

60- المبسوط، الشيخ الطوسي، تحقيق: السيد محمد تقي الكشفي، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، 1387.

61- مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، نشر المكتبة المرتضوية، الطبعة المحققة الاولی، 1386.

62- مجمع البيان في تفسير القرآن، أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين والأخصائيين، الطبعة

ص: 588

الأولی، 1415 ه- - 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.

63- المجموع، محي الدين النووي، نشر دار الفكر.

64- المحلّی، ابن حزم الأندلسي، الناشر دار الفكر.

65- مختار الصحاح، محمد بن عبد القادر، ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين، الطبعة الأولی، 1415، دار الكتب العلميّة، بيروت.

66- مختلف الشيعة، العلامة الحلّي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأولی، 1412ه- .

67- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، الفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولی، 1410ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

68- مرآة العقول، العلامة المجلسي، تصحيح: السيد جعفر الحسيني، الطبعة الثالثة، 1370، دار الكتب الإسلامية، طهران.

69- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، الطبعة الأولی، 1413ه-، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

70- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة المحققة الأولى، 1408ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت.

71- مستمسك العروة الوثقی، فقيه العصر آية الله العظمى السيد محسن1- الطباطبائي الحكيم، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي،

ص: 589

1404ه- ق، قم - إيران.

72- مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المولی العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي، الطبعة الأولی، ربيع الأول 1415ه-، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة.

73- مصباح الفقيه، الشيخ آغا رضا الهمداني، تحقيق محمد الباقري ونورعلي النوري، الطبعة الثانية، 1348، نشر آواي منجي، قم.

74- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد المقري الفيومي، تحقيق: الدكتور عبد العظيم الشناوي، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة.

75- المعتبر في شرح المختصر، المحقّق الحلّي، تحقيق عدّة من الأفاضل، الطبعة الاولی، 1407، نشر مؤسسة سيد الشهداء، قم.

76- معجم رجال الحديث، السيد أبو القاسم الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413ه- - 1992م.

77- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، 1411ه-.

78- المغني، عبد الله بن قدامة، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

79- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، السيد محمد جواد الحسيني العاملي(قدس سره) ، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي, الطبعة الأولى، 1419ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

ص: 590

80- المقنعة، الشيخ المفيد، الطبعة الثانية، 1410ه-، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

81- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، الشيخ محمد باقر المجلسي، الطبعة الأولى، 1406ه-، مكتبة آية الله المرعشي النجفي.

82- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1404ه-، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم.

83- منتقی الجمان، الشيخ حسن بن الشهيد الثاني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الأولی، 1362ه- ش، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

84- منتهی المطلب، العلامة الحلّي، تحقيق ونشر: قسم الفقه في مجمع البحوث الاسلامية، الطبعة الاولی، 1412ه-، مشهد المقدسة.

85- المهذب، الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، الطبعة الأولی، 1406ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

86- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الأولی، 1416ه- - 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

87- الموسوعة الفقهيّة، هيئة كبار علماء الإسلام، الطبعة الثانية، 1404ه-، إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت.

ص: 591

88- النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير)، تحقيق: محمود محمد الطناحي، الطبعة الرابعة، 1364ه- ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم.

89- نيل الأوطار، محمد الشوكاني، نشر دار الجيل، بيروت، 1973.

90- الوافي، المولی محمد محسن، المشتهر بالفيض الكاشاني، تحقيق: ضياء الدين الحسيني العلامة الأصفهاني، الطبعة الأولی، 1406ه-، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامة، اصفهان.

ص: 592

5- فهرس مطالب الكتاب

أبواب نواقض الوضوء..............................................................................11

الفرق بين الناقض والموجب والسبب... 13

1- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا الْيَقِينُ بِحُصُولِ الْحَدَثِ دُونَ الظَّنِّ وَالشَّك (عدد الأحاديث 10) ص15

شرح الباب... 15

أقوال الخاصّة. 16

أقوال العامّة. 17

بحث رجالي حول سعد.. 37

المتحصل من الأحاديث... 41

2- بَابُ أَنَّ البَولَ وَالغَائِطَ وَالرِّيحَ وَالمَنِيَّ وَالجَنَابَة تَنقُضُ الوُضُوءَ (عدد الأحاديث 10) ص42

شرح الباب... 43

أقوال الخاصّة. 43

أقوال العامّة. 44

المتحصل من الأحاديث... 69

ص: 593

3- بَابُ أَنَّ النَّومَ الغَالِبَ عَلَی السَّمعِ يَنقُضُ الوُضُوءَ عَلَی أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا

يَنقُضُ الوُضُوءَ شَيءٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيرُ الأَحدَاثِ المَنصُوصَةِ (عدد الأحاديث 16) ص71

شرح الباب... 71

أقوال الخاصّة. 71

أقوال العامّة. 72

الجمع بين أحاديث الباب... 108

والحاصل: 110

4- بَابُ حُكْمِ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ مِنْ إِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ وَسُكْرٍ وَغَيْرِهَا (عدد الأحاديث 1) ص111

شرح الباب... 111

أقوال الخاصّة. 113

أقوال العامّة. 113

المتحصل من الأحاديث... 118

5- بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ

(عدد الأحاديث 6) ص119

شرح الباب... 119

ص: 594

أقوال الخاصّة. 120

أقوال العامّة. 121

المتحصل من الأحاديث... 131

6- بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَالْقَيْحَ وَالْجُشَاءَ وَالضَّحِكَ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْقَرْقَرَةَ فِي الْبَطْنِ لَا

يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 13) ص133

شرح الباب... 133

أقوال الخاصّة. 134

أقوال العامّة. 135

المتحصل من الأحاديث... 161

7- بَابُ أَنَّهُ لَا

يَنْقُضُ الْوُضُوءَ رُعَافٌ وَلَا

حِجَامَةٌ وَلَا خُرُوجُ دَمٍ غَيْرُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

(عدد الأحاديث 14) ص163

شرح الباب... 163

أقوال الخاصّة. 163

أقوال العامّة. 164

بحث رجالي حول عبدالأعلي مولی آل سام............................................164

المتحصل من الأحاديث... 194

ص: 595

8- بَابُ أَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 3) ص197

شرح الباب... 197

أقوال الخاصّة. 198

أقوال العامّة. 199

المتحصل من الأحاديث... 204

9- بَابُ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُضَاجَعَةَ وَمَسَّ الْفَرْجِ مُطْلَقاً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ لَا

يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 14) ص205

شرح الباب... 205

أقوال الخاصّة. 206

أقوال العامّة. 207

الحلبي مشترك بين أربعة أشخاص.... 219

الجمع بين الأحاديث... 230

بحث رجالي حول محمد بن مسعود العياشي.. 234

المتحصل من الأحاديث... 240

10- بَابُ أَنَّ مُلَاقَاةَ

الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِلْبَدَنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ (عدد الأحاديث 2) ص241

ص: 596

شرح الباب... 241

المتحصل من الحديثين.. 246

11- بَابُ أَنَّ لَمْسَ الْكَلْبِ وَالْكَافِرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ (عدد الأحاديث 5) ص247

شرح الباب... 247

المتحصل من الأحاديث... 254

12- بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ (عدد الأحاديث 19) ص255

شرح الباب... 255

أقوال الخاصّة. 257

أقوال العامّة. 257

الجمع بين الأحاديث... 291

المتحصل من الأحاديث... 296

13- بَابُ حُكْمِ الْبَلَلِ الْمُشْتَبِهِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِ (عدد الأحاديث 10) ص297

شرح الباب... 297

أقوال الخاصّة. 297

ص: 597

أقوال العامّة. 298

كيفيّة استفادة قول المشهور من الأحاديث... 322

المتحصل من الأحاديث... 322

14- بَابُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْحَلْقَ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَأَخْذَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْمَوْضِعِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَ بِالْحَدِيدِ (عدد الأحاديث) ص325

شرح الباب... 325

أقوال الخاصّة. 326

أقوال العامّة. 326

المتحصل من الأحاديث... 341

15- بَابُ أَنَّ أَكْلَ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ بَلْ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِدْخَالَ أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ لَا

يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 5) ص343

شرح الباب... 343

أقوال الخاصّة. 343

أقوال العامّة. 344

بحث رجالي حول محمد بن أورمة.........................................................342

المتحصل من الأحاديث... 356

ص: 598

16- بَابُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الدَّوَاءِ وَخُرُوجَ النَّدَى وَالصُّفْرَةِ مِنَ الْمَقْعَدَةِ وَالنَّاصُورِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوء

(عدد الأحاديث 4) ص357

أقوال الخاصّة. 357

أقوال العامّة. 357

المتحصل من الأحاديث... 365

17- بَابُ أَنَّ قَتْلَ الْبَقَّةِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَالذُّبَابِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام) (عدد الأحاديث 1) ص367

شرح الباب... 367

الأقوال..................................................................................................357

المتحصل من الحديث... 370

18- بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَوُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ

حِينَئِذٍ

(عدد الأحاديث 9) ص371

شرح الباب... 371

أقوال الخاصّة. 371

أقوال العامّة. 372

ص: 599

المتحصل من الأحاديث... 390

19- بَابُ حُكْمِ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْبَطَنِ (عدد الأحاديث 9) ص382

شرح الباب... 393

أقوال الخاصّة. 393

أقوال العامّة. 394

المتحصل من الأحاديث... 407

تتميم في حكم دائم الحدث... 407

ثلاثة فروع حول المسلوس والمبطون.. 415

أَبْوَابُ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ..............................................................................423

1- بَابُ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُحَلَّلِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَة (عدد الأحاديث 5) ص427

شرح الباب... 427

أقوال الخاصّة. 428

أقوال العامّة. 428

بحث رجالي في تمييز عبدالله بن محمد..................................................426

المتحصل من الأحاديث... 442

فروع حول ستر العورة. 444

ص: 600

2- بَابُ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارِهَا وَاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب (عدد الأحاديث 7) ص455

شرح الباب... 455

أقوال الخاصّة. 456

أقوال العامّة. 456

المتحصل من الأحاديث... 474

فروع ثلاثة حول التخلّي.. 475

الفرع الأول وفيه ثمانية أحكام. 475

الفرع الثاني.. 484

الفرع الثالث... 485

3- بَابُ اسْتِحْبَابِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّقَنُّعِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَة

(عدد الأحاديث 3) ص487

شرح الباب... 487

أقوال الخاصّة. 487

أقوال العامّة. 488

المتحصل من الأحاديث... 495

4- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ التَّخَلِّي

وَشِدَّةِ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظ (عدد الأحاديث 5) ص497

ص: 601

شرح الباب... 497

أقوال الخاصة........................................................................................486

أقوال العامّة. 498

المتحصل من الأحاديث... 507

5- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَخْرَجِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْفَرَاغِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ وَالْوُضُوء (عدد الأحاديث 10) ص509

شرح الباب... 509

أقوال الخاصّة. 510

أقوال العامّة. 510

بحث رجالي حول صباح الحذاء.............................................................517

المتحصل من الأحاديث... 530

6- بَابُ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَاء (عدد الأحاديث2) ص533

أقوال الخاصّة. 533

أقوال العامّة. 533

المتحصل من الحديثين.. 537

7- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْخَلَاء (عدد الأحاديث 9) ص539

ص: 602

شرح الباب... 539

أقوال الخاصّة. 540

أقوال العامّة. 540

المتحصل من الأحاديث... 559

8- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَاءِ وَاسْتِحْبَابِهِ

(عدد الأحاديث 3) ص561

شرح الباب... 561

أقوال الخاصّة. 561

أقوال العامّة. 562

المتحصل من الأحاديث... 568

فهارس الكتاب ص569

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب... 571

2- فهرس الكنی والألقاب... 577

3- فهرس الأسانيد.. 579

4- فهرس المصادر. 581

5- فهرس مطالب الكتاب... 593

ص: 603

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.