حدیث الثقلین

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: درویش، زکریا برکات، ‫1345 -

عنوان واسم المبدع: ‫حدیث الثقلین [کتاب]/ ‫ زکریا برکات درویش.

مواصفات النشر: ‫تهران : ‫نشر مشعر ‫ ، 1435 ق. ‫ = ‫1393.

مواصفات المظهر: ‫ 78 ص. ‫؛21×11س م.

شابک : ‫ 18000ریال ‫ : ‫ ‮ 978-964-540-507-4

حالة الاستماع: فاپا

لسان : العربية.

ملحوظة: ‫فهرس: ص. [69]- 75؛ أيضا مع ترجمة.

موضوع : علی بن ابی طالب ‫ ‫(ع) ، امام اول، ‫23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

موضوع : Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Proof of caliphate

موضوع : ‫احادیث خاص (ثقلین) -- نقد و تفسیر

موضوع : *Hadiths, Special (Saqalain) -- Criticism and interpretation

تصنيف الكونغرس: ‫BP145 /ث702د4 ‫ ‮ 1393

تصنيف ديوي: ‫ ‮ 297/218

رقم الببليوغرافيا الوطنية: ‫3471702

ص: 1

اشارة

ص: 2

حدیث الثقلین

زکریا برکات درویش

نشر مشعر

ص: 3

ص: 4

كلمة المعهد

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين

إنّ الخلاف والاختلاف والتباين سمات رافقت المجتمعات البشريّة منذ وجودها على وجه الأرض، ولم تأتِ بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام وإنزال الكتب والرسالات إلّا للحدّ من هذه الخلافات بين الأُمم وبيان ما اختلفوا فيه، إلّا أنّه رغم ذلك فقد اختلف أصحاب الديانات والكتب السماويّة أنفسهم من بعد ما جاءهم العلم. (1)

ولم تكن الأُمّة الإسلاميّة خارجةً عن هذه السُنّة التاريخيّة؛ فكان الخلاف ينشب بين أبنائها بين الفينة والأُخرى.

وقد اقترنت تلك الخلافات في حُقبٍ من التاريخ الإسلامي بتبنّي البعض أفكاراً متطرّفةً وشاذّةً لا تعود على المسلمين بشيءٍ

ص: 5


1- قال تعالى: (وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (آل عمران: 19).

سوى تعميق الخلاف أكثر فأكثر، وتأجيج النزاعات المذهبيّة والطائفيّة وتشديدها بينهم.

و هناك بعض الفِرَق في أمّتنا الإسلاميّة جنّدوا كلَّ طاقاتهم لزرع الحقد والعداوة والكراهية في قلوب الأجيال عبر مختلف طرق التبليغ؛ ابتداءً بالخطب والمحاضرات، ونشر الكرّاسات والكتب والمجلّات، ثمّ مع مرور الزمان و تطوّر وسائل الإعلام قاموا أيضاً بتسخير وسائل الإعلام المسموعة و المرئية، ومواقع الإنترنيت، وغيرها. بل عمدوا إلى إدخال كتب العقائد الخلافيّة في المناهج الدراسيّة، وإنشاء المعاهد والجامعات لتربية أصحاب الفكر المتشدّد والمتطرّف، حتّى تخرّجت منها جماعةٌ مِن الكتّاب لم ترقب لأحدٍ ذمّةً ولم تراعِ حرمة؛ وقد اتّسمت كتاباتُهم بشكلٍ عامّ باللاموضوعيّة، والشدّة، والتهجّم السافر على الآخرين، وعدم الإنصاف، والابتعاد عن منهج البحث العلمي في المسائل الخلافيّة، ومن المعلوم أنّ أهمّ العناصر التي يجب الالتزام بها من قِبَل الباحث في الفكر العقائدي المقارَن، هي مراعاة الأمانة العلميّة في النقل والضبط والبيان، والورع، وأداء الحقّ واتّباعه، كما قال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدٰاهُمُ اللّٰهُ وَ أُولٰئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبٰابِ ) (الزمر: 18).

وينبغي النظر إلى المسائل الاتّفاقية بعين الاعتبار والأهمّية،

ص: 6

فإنّ نقاط الاشتراك والالتقاء في الأُصول والفروع لدى المسلمين هي أكثر من نقاط الاختلاف والافتراق، وهذه الأُمور المشتركة بمثابة القاعدة الثابتة التي ينطلق المرء منها في المعرفة الدينيّة الإسلاميّة.

كما لابدّ من الإنصاف والتزام الموضوعيّة في التعامل مع المسائل الخلافيّة الموجودة بين أئمّة المذاهب الإسلاميّة، فالخلاف مسألةٌ طبيعيّة، وهو ميزة البحث الفكريّ ، بل لا يخلو منه حتّى أصحاب المذهب الواحد؛ سواءً في الفقه أو الاعتقادات.

كما أنّ من الظلم والإجحاف الاعتمادَ على المصادر الثانوية وغير المعتمدة لدى الطرف الآخر فى بيان مذهبه أو الردّ عليه، أو الاحتجاج بالقضايا الخلافيّة غير المسلَّم بها عنده، بل لابدّ من الرجوع إلى أُمّهات المصادر المعتمدة لديه والاحتجاج عليه وفق متبنّياته.

ويجدر بالباحث الإسلاميّ أن يكون هدفه من وراء طرح كلّ مسألةٍ علميّةٍ هو طلب الحقّ والحقيقة، لا أن يرِد البحث وهو محمّلٌ بالقَناعات والأحكام المسبَقة المسلّمة لديه من دون أن يكون له الاستعداد لرفع اليد عنها؛ قال تعالى: (وَ إِنّٰا أَوْ إِيّٰاكُمْ لَعَلىٰ هُدىً أَوْ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ ) (سبأ: 24).

وقد بدأ معهد الحجّ والزياره مرحلةً جديدةً في باب الحوار والسؤال والردّ على الشبهات، متجنِّباً الإثارات المذمومة و

ص: 7

حريصاً على استثارة العقول المفكّرة والنفوس الطالبة للحقّ ، لتنفتح على الحقائق التى تقدّمها مدرسة أهل البيت عليهم السلام الرساليّة للعالم أجمع.

ونحن في هذه الدراسات نتوخّى أن نسير على جادّة الصواب و الإنصاف، وعدم الخروج والانحراف عنها، كما نتوخّى اعتماد الأدلّة النقليّة المعتبرة والمستندة إلى الكتاب والسنّة والتي يقبلها جميع علماء المسلمين بالإضافة إلى الأدلّة العقليّة المحكمة. وهذا هو الحجر الأساس في البحث و الاستدلال في هذا المضمار، ولابدّ أن نشير إلى أنّ هذه المجموعة من البحوث قد أُعدّت فى لجنةٍ خاصّةٍ من مجموعة من الباحثين الأفاضل، ونحن إذ نتقدّم بالشكر الجزيل لكلّ هولاء ونقدّم هذه السلسلة القيّمة من الدراسات إلى القارئ الكريم، نرجو أن تضيء طريق الباحثين عن الحقائق، وأن تكون خطوةً في توحيد الأمّة الإسلاميّة.

إنّه وليّ التوفيق

معهد الحجّ والزيارة

قسم الكلام و المعارف

ص: 8

أهمية البحث وضرورته

إنَّ دراسة حديث الثقلين تكتسب أهمِّيتها من أهمية الدراسة الحديثية كونها دراسة تتناول السنة النبوية الشريفة التي هي المصدر الثاني للتشريع عند المسلمين، لكن ذلك موقوف على إحراز صدورها.

وتندرج الأحاديث المتواترة ضمن السنة القطعية، وهي من أوثق عرى الاستدلال العلمي عند المسلمين، فإنّ التواتر يجعل الحديث بمثابة القرآن الكريم من حيث الثبوت والوثوق.

كما لا إشكال في اعتبار الأحاديث المستفيضة والمروية بطرق صحيحة متعددة دون أن ترقى لدرجة التواتر، وصلاحها للاستدلال وثبوت الحج.

وقد شغل الحديث النبوي المعروف ب - (حديث الثقلين) مساحة واسعة من أبحاث علماء المسلمين سواء على مستوى الصدور والسند أو على مستوى الاستدلال، وهذا الاهتمام يعود لتنوّع طرق الحديث وتعدّد ألفاظه، وبالتالي أوجد حيّزاً كبيراً

ص: 9

للنظر والرأي، وهذا ما سنسلّط الضوء عليه في هذا المقال، حيث سنتناول فيه طرق الحديث وألفاظه ودلالاته وأهمّ الشبهات التي أُثيرت حوله وما يمكن أن يقال في ردّها.

فوائد البحث وآثاره

إنَّ دراسة حديث الثقلين تنتهي بالدارس إلى إثبات صحّة طرق كثير من ألفاظ الحديث التي تصلح وفق قواعد الاحتجاج للاستدلال والحجية، وبيان دلالاتها على تحديد مفهوم أهل البيت ومصاديقه الذين سيحافظون على المسار الصحيح للحياة الإيمانية، ويحفظون الدين الإسلامي من أن تناله يدُ المُغرضين بإبادةٍ أو تحريفٍ أو تشويهٍ .

(الثقلان) في اللغة والاصطلاح

(الثِّقْل) في اللغة الوزن، ومتاع المسافر، قال الجوهري: الثِّقْل: واحد الأثقال، مثل حِمْل وأحمال، ومنه قولهم: أعطه ثِقْله، أي وزنَه (1)، وقال أيضاً: والثَّقَل - بالتحريك - متاع المسافر وحَشَمُهُ . (2)

و (الثَّقَلان) الإنس والجن (3)، وقال الزمخشري:

وإنَّما قيل

ص: 10


1- الصحاح، ج4، ص1647، مادة (ثقل) .
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.

للجنِّ والإنس (الثَّقلان)؛ لأنَّهما قُطَّان الأرض، فكأنَّهما أثقلاها. (1)

وفي الحديث: « إنّي تارك فيكم الثقلين » أي القرآن الكريم والعترة الطاهرة، سميا بذلك لمكانتهما السامية ومقامهما الكريم، قال النووي:

سمِّيَا ثقلين لعظم قدرهما وكبير شأنهما وقِيلَ : لثقل العمل بهما. (2)

وقال ابن الأثير:

سمَّاهما ثقلين لأنَّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكلِّ خطير نفيس ثَقَل، فسمَّاهما ثقلين إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما. (3)

وقال الزمخشري:

وقد شبَّه بهما [أي بالجنّ والإنس] الكتاب والعترة في أنَّ الدين يُسْتَصْلَحُ بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثَّقلين. (4)

طرق الحديث وألفاظه

اشارة

أخرج حفاظ السنّة ومحدثوهم حديث الثقلين عن جماعة من أعلام الصحابة بعدّة طرق وألفاظ متعددة، لكنّها متقاربة المعنى على ما سيتّضح، ففي الباب عن أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وأبي سعيد الخدري و زيدبن أرقم وزيد بن ثابت وحذيفة بن

ص: 11


1- الفائق في غريب الحديث، ج1، ص150.
2- شرح مسلم، ج15، ص180.
3- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج1، ص626.
4- الفائق في غريب الحديث، ج1، ص150.

أسيد (1)، لكنّا سنشير هنا لبعضها تاركين التفصيل لمجال أوسع.

1 - حديث زيد بن أرقم

رُوي عنه من طريق يزيد بن حيان وحبيب بن أبي ثابت وعمرو بن واثلة ومسلم بن صبيح وأبي الطفيل.

فقد أخرج مسلم في صحيحه من طريق أبي حيان، حدثني يزيد بن حيان، قال:

انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسمعت حديثه وغزوت معه وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما

ص: 12


1- سنن الترمذي، ج5، ص662، ذيل حديث3786، كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي»، فقال له حصين: ومن أهل بيته ؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: وهم ؟ قال: هم آل عليٍّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال: نعم. (1)

وأخرجه من طريق سعيد (وهو ابن مسروق)، عن يزيد بن حيان، قال:

دخلنا عليه فقلنا له: قد رأيت خيراً، لقد صاحبت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبي حيان، غير أنّه قال:

«ألا وإنّي تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عزّ وجلّ هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة»، وفيه:

فقلنا: من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال: لا وأيم الله، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. (2)

وأخرجه الدارمي في سننه عن جعفر بن عون، حدثنا

ص: 13


1- صحيح مسلم، ج4، ص1873، ح36/2408، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.
2- صحيح مسلم، ح37/2408، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.

أبوحيان، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، قال:

قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوماً خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا أيها الناس إنّما انا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به» فحثّ عليه ورغّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي»، ثلاث مرات، وقد صحّح حسين سليم أسد سنده. (1)

وأخرجه الترمذي في سننه من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عّلَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»، وقد حسّن الترمذي سنده وصححه الألباني. (2)

وأخرجه الحاكم في مستدركه من طريق مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض»، وقد صحّح الحاكم سنده ووافقه

ص: 14


1- سنن الدارمي، ج2، ص524، ح3316، كتاب فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن، الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها.
2- سنن الترمذي، ج5، ص663، ح3788، المناقب، ب32 (مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم)، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

الذهبي في التلخيص. (1)

وأخرجه في مستدركه وصحّح سنده أيضاً من طريق ابن واثلة، أنّه سمع زيد بن أرقم (رضي الله عنه) يقول:

نزل رسول الله (صلى الله عليه و سلم) بين مكة و المدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عشية فصلّى، ثم قام خطيباً فحمد الله و أثنى عليه و ذكر و وعظ ، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم قال: «يا أيها الناس إنّي تارك فيكم أمرين، لن تضلوا إن اتبعتموهما، و هما كتاب الله و أهل بيتي عترتي»، وقد صحّح الحاكم سنده. (2)

لكن تعقبه الذهبي في التلخيص بقوله:

لم يخرجا لمحمد بن سلمة بن كهيل، وقد وهاه السعدي . (3)»

ومحمد بن سلمة بن كهيل ذكره ابن حبان في الثقات (4)، وعليه فهو مختلف فيه، ورواية المختلف فيه حسنة وفق القاعدة.

وأخرجه في مستدركه وصحّح سنده أيضاً من طريق

ص: 15


1- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص118، ح4577، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه، مع الكتاب: تعليقات الذهبي في التلخيص.
2- المصدر نفسه، ج3، ص160، ح4711، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مع الكتاب: تعليقات الذهبي في التلخيص.
3- المصدر نفسه.
4- الثقات، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، ج7، ص375، رقم10505.

أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، وفيه:

«إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض». (1)

وأخرجه النسائي في سننه الكبرى عن محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال:

لما رجع رسول الله (صلى الله عليه و سلم) من حجّة الوداع ونزل غدير خُم أمر بدوحات فقمن، ثم قال: «كأنّي قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض»، ثم قال: «إنّ الله مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن»، ثم أخذ بيد عليٍّ فقال: «من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (صلى الله عليه و سلم)؟ قال: ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينيه وسمع بأذنه. (2)

وسنده صحيح، ورجاله ثقات عيون حفاظ أجلاء، فأمّا محمد بن المثنى فهو ابن عبيد، وهو ثقة بالاتفاق، قال ابن حجر:

ص: 16


1- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص118، ح4573، كتاب معرفة الصحابة، مناقب علي بن أبي طالب.
2- سنن النسائي الكبرى، ج5، ص45، ح8148، كتاب المناقب، باب فضائل علي رضي الله عنه.

(ثقة ثبت) . (1)

وأمّا يحيى بن حماد فهو ابن أبي زياد الشيباني البصري ختن أبي عوانة وهو ثقة حافظ بالاتفاق، قال ابن حجر:

ثقة عابد، من رجال البخاري ومسلم. (2)

وأمّا أبوعوان فهو الوضّاح بن عبد الله اليشكري ثقة حافظ بالاتفاق، قال ابن حجر:

الواسطي، البزاز، أبو عوانة، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، روى عنه الستة أصحاب الصحاح . (3)

وأمّا سليمان فهو سليمان بن مهران الأعمش من أعاظم الرواة، قال عنه ابن حجر:

ثقة حافظ ، عارف بالقراءة، ورع . (4)

وأمّا حبيب بن أبي ثابت فهو الأسدي مولاهم، ثقة بالاتفاق، قال المزي:

قال أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي بكر ابن عياش: كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع حبيب بن أبي ثابت والحكم وحماد، وكان هؤلاء الثلاثة أصحاب الفتيا، ولم يكن بالكوفة أحد إلا يذل لحبيب، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي تابعي ثقة، وكان مفتي الكوفة قبل حماد بن أبي سلمة، وقال ابن المبارك عن سفيان: حدثنا حبيب بن أبي ثابت وكان دعامة أو كلمة تشبهها، وقال أبو بكر بن عياش عن أبي يحيى القتات: قدمت

ص: 17


1- تقريب التهذيب، ج1، ص505، رقم: 6264.
2- المصدر نفسه، ص589، رقم: 7535.
3- المصدر نفسه، ص580، رقم: 7407.
4- المصدر نفسه، ص254، رقم: 2615.

الطائف مع حبيب بن أبي ثابت وكأنّما قدم عليهم نبي. (1)

وأمّا أبوالطفيل فهو عامر بن واثلة وهو صحابي (2)، وللحديث طرق أُخرى لا يسع المجال تتبعها.

2 - حديث جابر بن عبدالله الأنصاري

أخرج الترمذي في سننه والطبراني في الكبير من طريق زيد بن الحسن الأنماطي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال:

رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: «يا أيها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، وقد حسّن الترمذي سنده، وصححه الألباني. (3)

3 - حديث أبي سعيد الخدري

أخرج الترمذي في سننه من طريق عطية، عن أبي سعيد الخدري، نحو حديث جابر المتقدّم، وقد حسّن الترمذي سنده وصحح الألباني. (4)

ص: 18


1- لتهذيب الكمال، ج5، ص361، رقم: 1079.
2- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج3، ص605، رقم: 4439.
3- سنن الترمذي، ج5، ص662، ح3786، المناقب، ب32 (مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) )، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.
4- المصدر النفسه.

وأخرجه الطبراني في الأوسط ، وفيه:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض». (1)

رواه عنه الهيثمي في زوائده وتعقبه بقوله: رواه الطبراني في الأوسط وفي إسناده رجال مختلف فيهم. (2)

ومقتضى القاعدة في المختلف فيه هو الحسن، ولا شبهة في جواز الاحتجاج بالحسن.

وأخرجه عبد الله في زوائده على مسند أبيه أحمد، وفيه:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهّما لن يفترقا حتى يردا عَلَىّ الحوض»، وقد صحّح سنده شعيب الأرنؤوط دون قوله: «وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض». (3)

ص: 19


1- المعجم الأوسط ، ج3، ص374، ح3439، من اسمه الحسن.
2- مجمع الزوائد، ج9، ص257، ح14962، كتاب المناقب، ب14 (فضل أهل البيت).
3- مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص50، ح11578، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي سعيد الخدري، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها.

4 - حديث زيد بن ثابت

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن سعد أبي داوود الحفري، عن شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَىّ الحوض». (1)

وسنده صحيح، فأمّا الحفري فقد روى له الجماعة سوى البخارى ووثقه جمهور علماء القدح والتعديل ومدحوه بأقوى الألفاظ . (2)

وأمّا بقية رجاله فمن الثقات أيضاً على ماسيأتي من تصريح الهيثمي بذلك في حكمه على سند حديثي الطبراني وعبدالله الآتيين.

وأخرجه الطبراني في الكبير من طريق الهيثم بن جميل وعصمة بن سليمان الخزاز ويحيى الحماني، قالوا: حدثنا شريك، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال:

«إنّي قد تركت فيكم

ص: 20


1- مصنف ابن أبي شيبة، ج6، ص309، ح31679، كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله تعالى محمداً (صلى الله عليه وسلم) .
2- تهذيب الكمال، المزي، ج21، صص360 - 364، رقم4241. تقريب التهذيب، ابن حجر، ج1، ص413، رقم4904.

خليفتين كتاب الله وأهل بيتي، وإنّهما لم يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض». (1)

رواه عنه الهيثمي في زوائده وتعقبه بقوله:

رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (2)

وأخرجه عبد الله في زوائده على مسند أبيه أحمد بن حنبل من طريق الأسود بن عامر، حدثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال

: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض [أو ما بين السماء إلى الأرض] وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض». (3)

وأخرجه في زوائده على مسند أبيه أيضاً من طريق أبي أحمد الزبيري، حدثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَىّ الحوض جميعاً». (4)

ص: 21


1- المعجم الكبير، ج5، ص153، ح4921، باب الزاي، زيد بن ثابت الأنصاري.
2- مجمع الزوائد، ج1، ص413، ح784، كتاب العلم، ب77 (بابان في وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة)، ب1 (العمل بالكتاب والسنة) .
3- مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص181، ح21618.
4- المصدر نفسه، ص189، ح21697.

رواه عنه الهيثمي في زوائده وحسّن سنده؛ حيث تعقبه بقوله:

رواه أحمد، وإسناده جيد. (1)

دلالات الحديث

اشارة

يتميَّز حديث الثقلين بكونه من أهمِّ المتون التي تضمنت الدلالة الواضحة وبأكثر من وجه على إمامة أهل البيت عليهم السلام والتعريف بالهداة منهم، وقد أقر بجملة من تلك الدلالات جماعة من علماء أهل السنة كما سنرى فيما يلي، ويمكن أن نبيِّن دلالات حديث الثقلين على النحو التالي:

1 - تعدد مناسبات صدور الحديث

إنّ حديث الصحابي زيد بن أرقم بلفظ مسلم صريح في أنّ الرسول الأكرم (ص) قاله ضمن خطبته في غدير خُم، كما أنّ حديث الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري وحديث الصحابي أبي سعيد الخدري يدلان على أنّ الرسول الأكرم (ص) قد قاله في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء.

وهذا أدلّ دليلٍ على تعدد مناسبات صدور الحديث.

وأمّا دعوى صدور الحديث في موطن واحد ومناسبة

ص: 22


1- مجمع الزوائد، ج9، ص256، ح14957، كتاب المناقب، ب14 (فضل أهل البيت).

واحدة، لكنّه وصل إلينا بألفاظ متعدّدة، فيؤخذ حينئذٍ بأصحّها، وهو لفظ مسلم، ولا يدلّ لفظه على أزيد من الحث على الاهتداء بالقرآن الكريم والوصية بالعترة الطاهرة فسيأتي جوابها لاحقاً في الشبهة الأولى فلاحظ .

2 - كتاب الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام عدلان في الفضل والمقام

إنّ قرن العترة الطاهرة بالقرآن الكريم بوصف (الثقلين) مشعر بفضلهما وكريم مقامهما، قال النووي:

قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما. (1)

ويطلق وصف (الثقلين) على الجنِّ والإنس بصورة عامَّة نظرًا إلى كونهم يسكنون الأرض، فكأنَّهما أثقلاها بكونهما فيها كما تقدّم، وفي ذلك دلالة على مستوى ثقل القرآن الكريم والعترة الطاهرة الكاشف عن تميّزهما بفضل يفوق الجميع، وأنَّ التمسّك بهما ليس سهلاً؛ لكون ذلك يستلزم الوقوف في وجه التيَّارات المنحرفة بكلِّ صورها التي تخلق غالباً درجة كبيرة من التعقيد والمصاعب في جميع المستويات، سواءٌ الاجتماعيَّة منها والفكريَّة وغيرها، قال ابن الأثير:

سمَّاهما ثقلين لأنَّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكلِّ خطير نفيس: ثَقَل، فسمَّاهما ثقلين إعظامًا

ص: 23


1- شرح النووي على مسلم، ج15، ص180.

لقدرهما، وتفخيمًا لشأنهما. (1)

فتخصيص أهل البيت بالاقتران بالقرآن الكريم في وصف الثقلين يدلّ على أنَّ أهل البيت عليهم السلام يتميَّزون بفضل يفوقون به جميع الناس كما أنَّ القرآن الكريم يفوق بفضله جميع الكتب السماويَّة، وهذا يكشف عن أفضليتهم؛ وبيان ذلك:

إنَّ الفضل يعتمد على مجموعة من الخصائص التي تتحقَّق في الإنسان الفاضل، وقد يبلغ الإنسان مقاماً من الفضل والرفعة عند الله تعالى بحيث يختصُّه الله تعالى بمجموعة من المنازل تُعبِّر عن بلوغه تلك المرتبة من الفضل.

والتقوى هي العنوان الجامع لفضيلة الإنسان، قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (2) ، إلاَّ أنَّ جوهر التقوى ليس بالأمر الذي يمكن استكشافه بصورة قطعيَّة من خلال ظواهر الأمور، وبناء ً عليه تكون الخصائص والمنازل التي يمنُّ بها الله تعالى على الإنسان دليلاً قاطعاً على فضله ومنزلته لديه.

والروايات التي جاءت في فضل أهل البيت تدلّ بوضوحٍ على مقام الفضل والرفعة الذي يتميَّزون به، وبمستوى يجعلهم أفضل الناس بعد رسول الله (ص)، بل بما يجعل من غير الإنصاف

ص: 24


1- النهاية في غريب الحديث والأثر، ج1، ص626.
2- الحجرات: 13.

أن تُعقد عمليَّة المقارنة والمقايسة بينهم وبين غيرهم.

وحديث الثقلين الشريف هو أحد المتون الإسلاميَّة التي دلَّت من وجوه عديدة - تقدمت الإشارة للأول منها وستأتي لاحقاً الإشارة للوجوه الاُخرى - على فضل أهل البيت ومقامهم، ولم يثبت أن عدل رسول الله (ص) بين القرآن الكريم وأحد إلا عترته الطاهرة.

ولو لم يكن في هذا الحديث من دلالة إلا على أنّ القرآن والعترة هما الأمران النفيسان اللذان تركهما رسول الله (ص) من بعده لكفى في إثبات أفضليتهم المطلقة، فكيف والحديث قد تضمن دلالات مهمة اخرى ستاتي الإشارة إليها لاحقاً!

وجعل النبى (ص) العترة الكريمة في سياق الكتاب المجيد وقرنهم به في وصف الثقلين ليس لمجرد الحث على وجوب حبهم واحترامهم ومراعاة حقوقهم، بل لوجوب الرجوع ولزوم المتابعة؛ إذ إنّ الرسول الأكرم (ص) قد قرن بينهما بهذا الوصف بعد أن نبّه على قرب رحيله، وهذا لا يتناسب كثيراً مع الحثّ على حبهم واحترامهم؛ لوجوب ذلك في جميع الأوقات حتى أيام حياته، وإنّما المناسب له أكثر هو ذكر كيفية سدّ الفراغ الكبير الذي سيتركه رحيله، والصراط الذي يسير عليه المسلم للأمن من الانزلاق في وادي الضلال، وقد حصر

ص: 25

رسول الله (ص) ذلك بالقرآن والعترة، وأنّ كتاب الله تعالى فيه الهدى، لكن ذلك لايتيسّر إلا بواسطة العترة بقرينة القرن بالوصف المذكور، فمن أراد الهدى فعليه بكتاب الله تعالى عن طريق العترة.

3 - كتاب الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام يعصمان المتمسك بهما من الضلال

تضمن حديث الثقلين في جلّ ألفاظه المروية بطرق صحيحة وصفَ أهل البيت والقرآن الكريم ب - « ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي » ، وهذا اللفظ قد ورد بحديث زيد بن أرقم بلفظ الترمذي، حيث قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»، وقد حسّن الترمذي سنده وصحّحه الألباني. (1)

وفي حديث جابر بن عبد الله بلفظ الترمذي أيضاً، قال:

رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: «يا أيها الناس إنّي قد

ص: 26


1- سنن الترمذي، ج5، ص663، ح3788، المناقب، ب32 (مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) )، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، وقد حسّن الترمذي سنده وصحّحه الألباني. (1)

وفي حديث أبي سعيد الخدري بلفظ أحمد، قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي»، وقد صحّح سنده شعيب الأرنؤوط . (2)

فنفي الضلال عن المتمسك بهما دلالة على أنّهما على الحقّ دائماً، وإلاّ لما نُفي؛ فإنَّ (لن) تفيد تأبيد النفي كما هو واضح لمن تتبع استعمالات هذه الكلمة في كلام العرب، وكما صرّح به أهل الخبرة والتتبع منهم.

والعصمة تعني الموافقة التامة للحقّ ، والمعصوم هو العبد الذي وفّقه الله تعالى إلى ملازمة الاستقامة واجتناب المعصية (3)، وتارة يقصد بها ما يرتبط بالجانب العملي والسلوكي، وتارة أخرى ما يرتبط بالجانب العلمي، ومن كان لا يُحتمل في حقّه

ص: 27


1- سنن الترمذي، ج5، ص662، ح3786، المناقب، ب32 (مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) )، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.
2- مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص50، ح11578، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي سعيد الخدري، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها.
3- رسائل السيد المرتضى، ج3، ص325.

الخلل العلمي أو السلوكي فهو المعصوم.

فإذا كان أحدهما معصوماً وهو كتاب الله الكريم فيجب أن يكون الثاني وهو العترة الطاهرة كذلك، وإلا فلا معنى لنفي الضلال عن المتمسك بها.

فالإخبار بعصمة المتمسك بالقرآن والعترة من الضلال الذي يُشعر به قوله:

«لن تضلوا» ، يفيد عصمتهما، ووجوب طاعتهما، ولزوم متابعتهما؛ لوجوب طلب الهداية.

ويؤيّد الاستدلال المذكور كلمات جملة من أفاضل علماء السنة، قال المُلاّ علي القاري

: قلت: في إطلاقه (صلى الله عليه وسلم) إشعارٌ بأنَّ من يكون من عترته في الحقيقة لا يكون هَدْيُهُ وسيرته إلاَّ مُطابقاً للشريعة والطريقة. وقال أيضاً: والمراد بالأخذ بهم التمسُّك بمحبَّتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل برواياتهم، والاعتماد على مقالتهم. وقال أيضاً:

ومعنى التمسُّك بالعترة: مَحبَّتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم. (1)

وقال ابن حجر الهيتمي:

وهذان كذلك (2)؛ إذْ كلٌّ منهما معدن للعلوم اللَّدُنيَّةِ ، والأسرار والحِكَم العليَّة، والأحكام الشرعية؛ ولذا حثَ ّ (صلى الله عليه وسلم) على الاقتداء والتمسُّك بهم، والتعلُّم منهم. وقال أيضاً والحاصل أنَّ الحثَّ وقع على التمسُّك بكتاب الله

ص: 28


1- مرقاة المفاتيح، ج10، صص530 و531.
2- أي الكتاب وأهل البيت.

وبالسنَّة وبالعلماء بهما من أهل البيت. (1)

وقال التفتازاني بعد ذكر حديث الثقلين: ألا يرى أنَّه (صلى الله عليه وسلم) قرنهم بكتاب الله، في كون التمسُّك بهما مُنقذاً من الضلالة، ولا معنى للتمسُّك بالكتاب إلاَّ الأخذ بما فيه من العلم والهداية؛ فكذا في العترة. (2)

وقال السمهودي بعد سرد أحاديث الثقلين:

قد تضمَّنت الأحاديث المتقدِّمة الحثَّ البليغَ على التمسُّك بأهل البيت النَّبوي... فأيُّ حثٍّ أبلغ من هذا وآكد منه ؟! قال أيضاً: والحاصل أنَّ الحثَّ وقع على التمسُّك بالقرآن والسنَّة وبالعلماء بهما من أهل البيت النَّبوي (3)، وقد عقد الشريف فصلاً في جواهره بعنوان (ذِكْرُ حَثِّهِ (ص) الأُمَّةَ على التمسُّك بعده بكتاب ربِّهم وأهل بيت نبيِّهم). (4)

وعقد الصالحي الشامي فصلاً في كتابه (سبل الهدى والرشاد) بعنوان (في الحثِّ على التمسُّك بهم وبكتاب الله عزَّوجلَّ ). (5)

وعقد المحب الطبري فصلاً في كتابه (ذخائر العقبى) بعنوان

ص: 29


1- الصواعق المحرقة، ج2، صص439 - 442.
2- شرح المقاصد، ج5، ص303.
3- جواهر العقدين، صص256 و 257.
4- جواهر العقدين، ص231.
5- سبل الهدى والرشاد، ج11، ص6.

(باب في فضل أهل البيت والحثِّ على التمسُّك بهم وبكتاب الله عزوجلَّ ). (1)

وعقد الحكيم الترمذي فصلاً في كتابه (نوادر الأصول) بعنوان (الأصل الخمسون: في الاعتصام بالكتاب والعترة) (2)، إلى غير ذلك من كلمات علماء السنة التي فيها إشعار بما تقدّم من الاستدلال.

وقد اتضح من خلال ما تقدّم فساد ما قد يقال إنّ قوله:

« ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي » فيه حثٌّ على وجوب احترام أهل البيت ومراعاة حقوقهم ومعرفة مقاماتهم، دون إمامتهم ووجوب طاعتهم.

ووجه فساده: أنّ احترام العترة بنفسه وإن كان واجباً دينياً، إلا أنّه كسائر الفرائض لا أثر له في العصمة من الضلال، فلا ملازمة بين احترام أهل البيت والعصمة من الضلال، وإنما العاصم من الضلال هو اتباع المعصوم ولزوم طريقه وعدم الخروج عنه.

4 - كتاب الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام لا يفترقان إلى يوم القيامة

تضمن حديث الثقلين في بعض ألفاظه المروية بطرق صحيحة وصفَ أهل البيت والقرآن الكريم ب - « لن يتفرقا حتى

ص: 30


1- ذخائر العقبى، ص16.
2- نوادر الأصول، ج1، ص258.

يردا عَلَيّ [رسول الله (ص)] الحوض» ، وهذا اللفظ قد ورد في حديث زيد بن أرقم بلفظ الترمذي وقد حسّن الترمذي سنده وصحّحه الألباني. (1)

وبلفظ الحاكم في مستدركه من طريق مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم، وقد صحّح الحاكم سنده ووافقه الذهبي في التلخيص. (2)

وبلفظه في مستدركه أيضاً من طريق أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، وقد صحّح الحاكم سنده. (3)

وبلفظ النسائي في سننه الكبرى من طريق أبي الطفيل أيضاً، عن زيد بن أرقم، وقد تقدم تصحيح سنده. (4)

وفي حديث أبي سعيد الخدري بلفظ الطبراني في الأوسط ، وسنده حسن على ما تقدّم بيانه. (5)

وفي حديث زيد بن ثابت بلفظ ابن أبي شيبة في مصنفه، وقد

ص: 31


1- سنن الترمذي، ج5، ص663، ح3788، المناقب، ب32 (مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) )، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.
2- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص118، ح4577، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه، مع الكتاب: تعليقات الذهبي في التلخيص.
3- المصدر نفسه، ح4573، كتاب معرفة الصحابة، مناقب علي بن أبي طالب.
4- سنن النسائي الكبرى، ج5، ص45، ح8148، كتاب المناقب، باب فضائل علي (رضي الله عنه) .
5- المعجم الأوسط ، ج3، ص374، ح3439، من اسمه الحسن.

تقدّم تصحيح سنده. (1)

وبلفظ الطبراني في الكبير، وقد وثق الهيثمي رجال سنده في زوائده. (2)

وبلفظ أحمد بن حنبل من طريق الأسود بن عامر، حدثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت (3)، وبلفظه أيضاً من طريق أبو أحمد الزبيري، حدثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت (4)، وقد وثق الهيثمي رجال احد الطريقين في زوائده. (5)

فالإخبار بعدم افتراقهما الذي يدل عليه قوله:

« لن يفترقا» مشعر بأنّ العترة الطاهرة هم وحدهم الذين يعلمون مضامين الكتاب الكريم بشكل كامل؛ وبيانه كالآتي:

إن القرآن الكريم هو كتاب هداية ونور وهذا من الواضحات، وقد صرّحت بذلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الكثيرة كحديث زيد المتقدّم بلفظ مسلم.

ص: 32


1- مصنف ابن أبي شيبة، ج6، ص309، ح31679، كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله تعالى محمداً (صلى الله عليه وسلم) .
2- المعجم الكبير، ج5، ص153، ح4921، باب الزاي، زيد بن ثابت الأنصاري.
3- مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص181، ح21618.
4- المصدر نفسه، ص189، ح21697.
5- مجمع الزوائد، ج9، ص256، ح14957، كتاب المناقب، ب14 (فضل أهل البيت).

لكن هداية القرآن الكريم مشروطة بالوقوف على مضامينه، وإلا فمجرد تلاوة ألفاظه لا توجب الهداية كما لو تلاه من لايعرف اللغة العربية عن طريق التقليد أو الحفظ ، وهذا من الواضحات أيضاً التي لا يختلف فيها أحد من المسلمين.

ومعرفة مضامين كتاب الله تعالى غير متيسرة للجميع، بل لثلّة خاصة ممن لهم استعداد خاص لفهم هذه المضامين ودركها وقبولها، ثم هؤلاء يقفون على تلك المضامين بحسب استعدادهم، فلكل منهم نصيب من الفهم بحسب ذكائه وجده واجتهاده في تحصيل هذه المضامين.

والمسلمون بحاجة إلى درك هذه المضامين في كلّ زمان؛ وإلا لانتفى الغرض من نزول القرآن الكريم، وهو الهداية، فكيف يمكن الاهتداء به من دون معرفة مضامين آياته الكريمة ؟!

وقوله:

«لن يفترقا» صريح الدلالة على عدم افتراق القرآن الكريم وأهل البيت إلى يوم الدين، ولازمه أنّ أهل البيت عليهم السلام هم مفاتيح مضامين كتاب الله تعالى، وأنّ كلّ من طلب الكتاب العزيز لأجل الهدى فلا بدّله من الرجوع إليهم؛ لأنّهم وحدهم يعرفون مضامين كتاب الله تعالى بشكل كامل.

ويدل على ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنّه لما اشتد برسول الله وجعه، قال:

« ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً

ص: 33

لن تضلوا بعده أبداً»، فتنازعوا. (1)

فهذا الحديث صريح الدلالة على أنّ رسول الله (ص) أراد أن يكتب كتاباً لا يُضل بعده أبداً، وأنّ المتمسك به سيعصم من الضلال.

لكن أليس هذا الكتاب هو القرآن الكريم ؟

نعم، لا شك في ذلك وأنّ القرآن الكريم كتاب هدى، والتمسك به واتباع هداه يوجب العصمة من الضلال، لكن بشرط الوقوف على مضامينه، وذلك لا يتيسر إلا بقيد العترة الطاهرة.

ومن هنا ذكر علماء السنة في ماهية هذا الكتاب، وجهين، أحدهما أنّ النبي (ص) أراد أن ينصّ على الخلافة من بعده في شخص معين، والآخر هو أنّه أراد أن يكتب لهم مهمات الأحكام، ولا تعارض بين هذين الوجهين حيث يمكن أن يقال إنّه أراد أن يكت لهم كلا الأمرين.

ومقتضى الجمع بين قوله:

«لن تضلوا بعده أبداً» ، وقوله:

« ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي»، هو أنّه أراد ينصّ على عترته للخلافة من بعده كتابة، ولازم ذلك هو أنّهم وحدهم يعرفون

ص: 34


1- صحيح البخاري، ج3، ص1111، ح2888، كتاب الجهاد والسير، باب جوائز الوفد هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم. صحيح مسلم، ج3، ص1257، ح1637، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه.

مضامين الكتاب بشكل كامل؛ ولذا لابدّ لمن طلب هدى القرآن الكريم أن يأخذه عن طريقهم.

والتنبيه على عدم افتراق الكتاب والعترة ظاهر في أنّه لا أثر له في لزوم التعظيم والاحترام، لوجوب احترام جميع الأنبياء عليهم السلام وتعظيمهم وتقديسهم وإن اختلفت شرائعهم، وإنّما يحسن التنبيه بعدم الافتراق عند الأمر بالطاعة والمتابعة لتعذر اتباع أكثر من مرجع واحد مع الاختلاف بينهم، فإنّ متابعة بعضهم حينئذٍ تستلزم مخالفة الآخر، ومن ثم حسن منه (ص) التنبيه لعدم الافتراق بين الكتاب والعترة، لبيان أنّ تعدّد المرجع هنا لا يمنع من متابعتهما معاً بعد اتفاقهما، وعدم الافتراق بينهما.

5 - كتاب الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام خليفتا رسول الله (ص)

تضمن حديث الثقلين في بعض طرقه الصحيحة ومصادره المهمة قرن العترة الطاهرة بالقرآن الكريم في وصف (الخليفتين)، كما في حديث زيد بن ثابت بلفظ ابن أبي شيبة في مصنفه بطريقٍ تقدّم تصحيحه، والطبراني في الكبير بطريقٍ وثقه الهيثمي، وأحمد بن حنبل في مسنده بطريقين وصف الهيثمي أحدهما بالجيد، على ما تقدم آنفاً.

ومن الجلي أنَّ خلافة النبي الكريم (ص) تعني البقاء بعده في

ص: 35

موقعه السامي نفسه، أي موقع الهداية والقيادة وإدارة شؤون المسلمين، وإلا فلا معنى للاستخلاف من دونهما، قال تعالى: (وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (1) ، وقال تعالى: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلىٰ صِرٰاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (2) .

فخلفاء النبي الكريم (ص) المشار إليهم في الحديث الآنف يقومون مقامه، وينوبون عنه في هذه المهام العظمى، وفي صدارتها تبيين القرآن الكريم وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

فهذا هو المعنى الحقيقي لخلافة النبي الكريم (ص)، فليست الخلافة منصباً سياسياً فحسب، بل هي نيابة عن النبي الأكرم (ص) في أداء مهامه الرسالية، ولازم ذلك وجوب الطاعة ولزوم المتابعة؛ إذ لا ريب في وجوب طاعة من كان يتقلد مهام النبي الكريم (ص) ولزوم متابعته، باعتباره الهادي المرشد.

وقوله:

« إنّي تارك فيكم الخليفتين» لا يبتعد كثيراً في معناه ودلالته عن سائر ألفاظ حديث الثقلين، فإن أبيت ذلك فالقول بحجّية هذا الحديث بهذا اللفظ مبنية على القول بحجّية خبر

ص: 36


1- النحل: 44.
2- إبراهيم: 1.

الواحد، وهو مذهب جمهورهم في المسألة، قال الزركشي في ردّ قول الحاكم في بيان المراد بشرط البخاري ومسلم في صحة الحديث (شرطهما ألا يذكرا إلا ما رواه صحابي مشهور له راويان ثقتان فأكثر): ردّ على الحاكم، الحازمي وابن طاهر وابن الجوزي، فقال: (هذا غير صحيح، ولم يصب الحاكم في هذا الظنّ ، وقال الحازمي: (هذا قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح، ولو عكس القضية كان أسلم)، قال: (وقد صرح بنحو ما قلت من هو أمكن منه في الحديث، هو أبو حاتم بن حبان، فإنّه قال: (وأمّا الأخبار فإنها كلها أخبار آحاد، لأنّه ليس يوجد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) خبر من رواية عدلين روى كل واحد منهما عن عدلين حتى ينتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلمّا استحال هذا وبطل، ثبت أنّ الأخبار كلها أخبار آحاد، فمن رد خبر الواحد فقد رد السنة كلها). (1)، وللتفصيل محل آخر.

6 - أعلمية أهل البيت عليهم السلام

إنّ قرن العترة بالقرآن في وصف (الثقلين)، والوصية بها، وقيدي « لن تضلوا» ، و « لن يتفرقا» ، كلّ ذلك يقتضي وقوف العترة على مضامين الكتاب الكريم بشكل كامل، حتى كان

ص: 37


1- النكت على مقدمة ابن الصلاح، الزركشي، ج1، ص262. وانظر: السنن الأبين، الفهري، ج1، ص87، الباب الثاني. المنهل الروي، ابن جماعة، ج1، ص32.

اتِّباعَهم يوجب الأمن من الضلال، ولايفترقون عن القرآن إلى يوم الدين، وهذا خير دليل على أعلميتهم المطلقة، والمقصود بها هنا ليس مجرد التفوق الكمّي في المعلومات، بل التفوق في مجال المطابقة للواقع، أي أن يكون العلم مضمون الموافقة للواقع والحقانية، وأن يكون مساوقاً للحقيقة وبحدِّها غير قاصر عنها، وبيان ذلك:

إنّ القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الذي فيه الهدى والنور، واتِّباعَ العترة يوجب الأمن من الضلال، ولازم ذلك وقوفهم على مضامين القرآن الكريم بشكل كامل؛ ولذا أصبحوا عصمة وأمان من الضلال، وهدى ونوراً للأمة في طول هداية القرآن الكريم، ولازم أنّ التمسك بغير الثقلين لا يعصم من الضلال هو أنَّ ما لدى غيرهما ليس بمضمون الصحَّة.

فإذا قلنا: إنَّ علم أهل البيت كعلم غيرهم يقبل التخطئة ويحتمل النقصان، لم يكن هناك وجهٌ ل - «لن تضلوا »، ولا ل - «لن يتفرقا »، فهذان القيدان يشعران بأنَّهم يتمتَّعون بمقامٍ في العلم يتميَّز عمَّا لدى غيرهم سَعَةً (شموليَّةً ) ونوعيَّةً .

ويؤيد ذلك وصفهما بال - (خليفتين) في بعض ألفاظ الحديث، إذ إنّ خليفة الرسول الأكرم (ص) هو من يقوم مَقامَه في الهداية إلى طريق الله والصراط المستقيم، ولا أمان من الضلال في الاقتداء بغير المعصوم، وقد كان رسول الله (ص) مؤيَّدًا بالعصمة،

ص: 38

والقرآن معصوم أيضاً، فخلفاء المعصوم (النبي الكريم (ص) ) في مهمَّته وقُرناءُ المعصوم (القرآن الكريم) في خلافته، لا بُدَّ أيضاً أن يتميَّزوا بالعصمة والكمال في البعد العلمي، وإلاّ لما كان لخلافتهم للمعصوم معنى ذو قيمة حقيقية، ولا كان لاقترانهم بالقرآن في هذه الخلافة جدارة تسوّغ هذا الاقتران وتعطيه الوجاهة والسبب الحكيم.

مضافاً إلى أنّ قرن العترة بالقرآن في وصف الثقلين مشعر باستصلاح الدين بهما، وأنَّ صلاحه واستحكامه مَبنيٌّ على هذين الركنين، والدين عبارة عن منظومة فكرية عظيمة تحتضن حياة الإنسان على جميع الأصعدة.

ومعنى أنَّ القرآن الكريم ركنٌ يقوم عليه الدين هو أنَّ هذا الكتاب السماوي العظيم يحتوي الأسس الفكريَّة لمشروع الإسلام كلّه، فيلزم من هذا أن نقول إنَّ أهل البيت يتّصفون بذلك أيضاً، أي أنَّهم يتمتّعون بالإحاطة التامَّة بهذه المنظومة العلميَّة الشريفة (الإسلام) إحاطةً تجعل موقعهم كموقع القرآن الكريم في استصلاح الإسلام واستحكامه.

وهذه الإحاطة هي المستوى العلمي العظيم الذي يمكن أن يؤهِّل الإنسان لأن يجاور القرآن الكريم في دعم الإسلام ورفده بالاستحكام والبقاء.

وغنيٌّ عن التوضيح أنَّ هذا الموقع يستلزم علماً لا يتطرّق إليه

ص: 39

الريب، ولا يحتمل التخطئة، كما أنَّ حجم العلم الذي يستدعيه هذا الموقع لا بُدَّ أن يكون من السعة بحيث يستوعب جميع الإسلام.

ويؤيِّد ذلك ما ورد في بعض طرق حديث الثقلين من النهي عن التقدُّم على أهل البيت، فقد أخرج الطبراني في الكبير عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا النضر بن سعيد أبو صهيب، قالا: حدثنا عبد الله بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في حجة الوداع يوم الجحفة:

«فإنّي فرطكم على الحوض، وأنتم واردون على الحوض، وإنّ عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ؟»، فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: «كتاب الله طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا، والآخر عترتي وإنّ اللطيف الخبير نّبأني أنّهما لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض، وسألت ذلك لهما ربّي، فلا

ص: 40

تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم». (1)

وأخرجه في الكبير أيضاً عن محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا جعفر بن حميد، حدثنا عبد الله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، وفيه:

« فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منكم» . (2)

وقد وقع الكلام فيه من جهة حكيم بن جبير (3)، وقد وثقة أبو زرعة، قال عبد الرحمن بن أبى حاتم:

سألت أبا زرعة عنه [حكيم بن جبير]، فقال: فى رأيه شيء، قلت: ما محله ؟ قال: الصدق إنْ شاء الله . (4)

فلو فرض كون علمهم يقصر عن بعض الموارد لكان التقدُّم فيها للعالم جائزاً، بل واجباً، كما أنَّ النهي عن تعليمهم لاينسجم إلاَّ مع الأعلميَّة المطلقة؛ إذ فيها لا يُتَصوّر وجود مورد يكون فيه غيرهم من الناس أعلم منهم ليعلِّمهم.

7 - إمامة أهل البيت عليهم السلام

إذا كانت العترة الطاهرة عدلاً لكتاب الله تعالى في الفضل والمقام، والتمسك بهم يعصم من الضلال، وإذا كانوا يعلمون بمضامين الكتاب الكريم بشكل كامل، ولن يفترقا حتى يردا معه الحوض، وأنّهم مع القرآن خليفتا رسول الله (ص) في أمر الهداية، وأنّهم الأعلم والأفضل؛ فتجب طاعتهم حينئذٍ، ولازم ذلك أنّ الإمامة فيهم، إذ ليست إمامة الإمام إلاّ كونه قدوة للمأمومين، بحيث يجب عليهم أن يتابعوه ويطيعوه،

ص: 41


1- المعجم الكبير، ج5، ص166، ح4971.
2- المعجم الكبير، ج3، ص66، ح2681.
3- مجمع الزوائد، الهيثمي، ج9، ص258، الحديث رقم 14965.
4- الجرح والتعديل، الرازي، ج3، ص201، رقم 873.

ولا معنى لوجوب متابعتهم؛ لضرورة طلب الهداية، وكون الإمامة في غيرهم، فيكون الحاكم محكوماً، والسائس مسوساً.

وإذا كانت الإمامة في العترة ووجبت طاعتهم، فأميرالمؤمنين عليه السلام هو المؤهل والمتعين للخلافة والإمامة بعد النبي الكريم (ص) لا غير؛ لأنّه رئيس العترة الطاهرة وسيدها.

ويؤيد ذلك أنّ من جملة المناسبات التي قال رسول الله (ص) هذا الحديث فيها هي خطبته في غدير خُم كما في حديث زيد، وقد قاله (ص) تمهيداً ل -

« من كنت مولاه فعلي مولاه » حيث يناسب ذلك سوق حديث الثقلين، وللتفصيل مقام آخر.

والتأبيد الذي يدل عليه لفظ (لن) في قوله:

«لن تضلوا » ، وقوله:

«لن يفترقا » ، فيه دلالة على استمرارية الإمامة في العترة الطاهرة إلى قيام الساعة؛ إذ إنّ ضرورة عدم ضلال المتمسك بالقرآن والعترة وعدم افتراقهما إلى يوم القيامة يستلزم عدم خلو الزمان من عالمٍ من أهل البيت تكون أقواله حجّة كالكتاب العزيز، فما دام القرآن موجوداً بيننا فكذلك الأئمة من العترة الطاهرة.

فمقتضى قوله:

«لن يفترقا حتى يردا عَلَيَّ الحوض» ، هو دوامهما وعدم انقضائهما أبداً، وكذلك قوله:

«إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا » ، فإنّ نفي الضلال على سبيل التأبيد إن تمسكوا بالثقلين لا يصح إلا إذا كان ما يتمسك به باقياً متأبداً، فقد قال المناوي:

ص: 42

(لن يفترقا)، أي الكتاب والعترة، أي يستمران متلازمين حتى يردا عليه الحوض... قال الشريف: (هذا الخبر يفهم منه وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان إلى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك بهم كما أن الكتاب كذلك). (1)

وقال ابن حجر:

وفي أحاديث الحثّ على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض - كما يأتي - ويشهد لذلك الخبر السابق «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي». (2)

من هم أهل البيت عليهم السلام ؟

لقد تضمن حديث الثقلين دلالات مهمة وعظيمة تتمحور حول (أهل البيت)، منها ما يحتاج إلى تدخل العامل الغيبي من أجل الإفصاح عن المراد ب - (أهل البيت)، كاتّصافهم بالعصمة في البعدين السلوكي والعلمي، فهذه العصمة ليست من الأمور التي يمكن استكشافُها بصورة قطعيَّة من خلال ظواهر الأمور التي تمثّل أدواتنا الاعتياديَّة، فلا بُدَّ من تدخُّل العامل الغيبي

ص: 43


1- فيض القدير، ج3، ص15.
2- الصواعق المحرقة، ص232.

المتمثّل في القرآن أو السنَّة من أجل تحديد من يمتلك العصمة؛ ولذا يبقى السؤال الأساسي الذي يطرح هنا هو: من هم أهل البيت الذين أُمِرْنا بالتمسك والاهتداء بهم في حديث الثقلين ؟ وهناك عدّة أدلّة تحدّد المراد منهم، نبينها ضمن النقاط التالية:

1 - ورد في حديث الثقلين قوله:

«عترتي أهل بيتي» ، وهذا اللفظ مركب من كلمتين، الأولى: (عترة)، والثانية: (أهل البيت)، ولكل واحدة منهما مفهوم معين إذا جاءت بمفردها، أمّا إذا أتت مقرونة مع الأخرى فسيكون لهما معنىً آخر، فلفظ (عترتي) قرينة متصلة على خروج غيرهم من (أهل البيت) كزوجات النبي الكريم (ص) على فرض دخولهنّ فيه، كما أنّ لفظ (أهل بيتي) قرينة متصلة على خروج غيرهم من (العترة) كبقية أقاربه (ص)، فأخرج بقوله:

«عترتي» نسائه من قوله:

«أهل بيتي» ، وأخرج بقوله:

«أهل بيتي » سائر أقاربه من قوله:

«عترتي» .

ويشهد له حديث زيد بن أرقم المتقدّم بلفظ مسلم، فإنّه يدلّ بشكل صريح على خروج نساء النبي الكريم (ص) من (أهل البيت)، حيث قد جزم زيد بذلك.

2 - هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي تدلّ بوضوح تام على أنّ (أهل البيت) عنوان يُراد به معنًى خاص في لسان الشريعة المقدّسة، وهو معنى أخصّ وأضيق دائرةً من المعنى اللُّغوي لهذه الكلمة (أهل البيت)، بمعنى أنَّ عنوان

ص: 44

(أهل البيت) إذا كان يدلّ في اللُّغة على الزوجات والأقرباء، فإنَّه في لسان الشريعة المقدّسة لا يدلّ إلاَّ على أناس مُحدَّدين مخصوصين، وهذه إشارة لأهم هذه الاحاديث الدالة على ذلك:

أ - أخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن قتيبة بن سعيد ومحمد ابن عباد (وتقاربا في اللفظ )، قالا: حدثنا حاتم (وهو ابن إسماعيل)، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال:

لما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ ) (1) دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: (اللهم هؤلاء أهلي)». (2)

وأخرجه الترمذي في سننه عن قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: نحوه، وقد صحّح الترمذي سنده وكذا الشيخ الألباني. (3)

وأخرجه في سننه أيضاً بهذا السند مختصراً، وفيه: «دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي»، وقد صحّح الترمذي سنده، وكذا

ص: 45


1- آل عمران: 61.
2- صحيح مسلم، ج4، ص1470، ح2404/32، كتاب فضائل الصحابة، ب4 (فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ) .
3- سنن الترمذي، ج5، ص638، ح3724، كتاب المناقب، باب، 21، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

الشيخ الألباني. (1)

وأخرجه عبد الله في زوائده على مسند أبيه أحمد بهذا الطريق، نحو لفظ مسلم، وقد صحّح شعيب الأرنؤوط سنده على شرط مسلم. (2)

وأخرجه الحاكم في مستدركه عن جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: نحوه مختصراً، وفيه: دعا رسول الله (صلى الله عليه و سلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً (رضي الله عنهم)، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي»، وقد صحّح الحاكم سنده على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي في التلخيص. (3)

ب - أخرج مسلم في صحيحه أيضاً من طريق صفية بنت شيبة، قالت: قالت عائشة: خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي

ص: 46


1- سنن الترمذي، ج5، ص255، ح2999، كتاب تفسير القرآن، سورة آل عمرآن، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.
2- مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص185، ح1608، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند سعد بن أبي وقاص، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها.
3- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص163، ح4719، كتاب معرفة الصحابة، مناقب أهل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مع الكتاب: تعليقات الذهبي في التلخيص.

فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٌّ فأدخله، ثم قال: (إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (1)» . (2)

وأخرجه الترمذي في سننه من طريق عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال:

لما نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وسلم) (إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة و حسناً وحسيناً، فجللهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره، فجللهم بكساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال: «أنت على مكانك وأنت على خير» ، وقد صحّح الألباني سنده. (3)

وأخرجه عبد الله في زوائده على مسند أبيه أحمد من طريق شداد أبي عمار، قال:

دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا علياً، فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قلت: بلى، قال: أتيت فاطمة (رضي الله

ص: 47


1- الأحزاب: 33.
2- صحيح مسلم، ج4، ص1883، ح2424، كتاب الفضائل، باب فضائل أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) ) .
3- سنن الترمذي، ج5، ص351، ح3205، كتاب تفسير القرآن، سورة الاحزاب، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

تعالى عنها) أسألها عن علي، قالت: توجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعه علي وحسن وحسين (رضي الله تعالى عنهم)، آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه واجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لفّ عليهم ثوبه، أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية (إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

، وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق» ، وقد صحّح شعيب الأرنؤوط سنده. (1)

وأخرجه الحاكم في مسنده من طريق عطاء بن يسار، عن أم سلمة (رضي الله عنها)، أنها قالت:

في بيتي نزلت هذه الآية (إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ )، قالت: فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين، فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي»، قالت أم سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت ؟ قال: «إنّك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحقّ »، وقد صحح الحاكم سنده على شرط الشيخين ووافقه الذهبي على شرط مسلم. (2)

ص: 48


1- مسند أحمد، ج4، ص107، ح17029، مسند الشاميين، مسند أبي ثعلبة الخشني، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها.
2- المستدرك على الصحيحين، ج2، ص451، ح3558، كتاب التفسير، تفسير سورة الاحزاب، مع الكتاب: تعليقات الذهبي في التلخيص.

ج - أخرج الترمذي في سننه من طريق علي بن زيد، عن أنس ابن مالك، قال:

«إنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت (إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)» ، وقد حسّن الترمذي سنده، إلا أنّ الالباني قد ضعّفه من جهة عليّ بن زيد. (1)

وقد روى له البخاري في (الأدب) ومسلم مقروناً بثابت البناني، والباقون، وقال المزي عن يعقوب بن شيبة:

(ثقة، صالح الحديث)، وقال عن الترمذى:

(صدوق). (2)

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الساجي

:(كان من أهل الصدق) (3)، وعليه فهو مختلف فيه، ورواية المختلف فيه حسنة؛ ولذا حسّن الترمذي سنده.

فهذه الأحاديث صريحة الدلالة على أنّ المراد ب - (أهل البيت) في لسان الشريعة المقدّسة أناس مُحدَّدون مخصوصون، هم أصحاب الكساء الخمسة، رسول الله (ص)، وبضعته فاطمة عليها السلام، وقرينها أميرالمؤمنين عليه السلام، وولديها سبطا رسول الله (ص) الحسن والحسين عليهما السلام.

ص: 49


1- سنن الترمذي، ج5، ص352، ح3206، تفسير القرآن، سورة الاحزاب، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.
2- تهذيب الكمال، المزي، ج20، صص438 - 444، رقم4070.
3- تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج7، ص284، رقم545.

3 - من الأدلة المهمة على الاختصاص ودخول بقية أئمة الهدى عليهم السلام في مفهوم أهل البيت هو مجموعة الخصائص الثابتة في حديث الثقلين، فقد أثبت الحديث أنَّ أهل البيت المذكورين فيه يتميَّزون بخصائص أهمُّها: كونهم معصومين على مستوى العلم والعمل، وأنَّ علمهم يستوعب الإسلام كلَّه بما يؤهِّلهم لخلافة رسول الله (ص).

ولما كانت هذه العصمة وهذا العلم لم يُدَّعَ من قبل عموم بني هاشم، ولا ادّعاه لهم بنحو عامّ أحدٌ إلى يومنا هذا، وكذا بالنَّسبة إلى أزواج النبي (ص)، فيثبت من خلال هذا أنَّ المراد من أهل البيت ما هو خارج عن نطاق أزواج النبي (ص)، كما أنّه أخصّ من بني هاشم.

لذا فلا يصح القول بكون بني هاشم جميعهم مقصودين بهذا العنوان، بل هم أشخاص مخصوصون في إطار بني هاشم تتحقق فيهم العصمة العلمية والعملية، وهم أئمة الهدى عليهم السلام.

ويؤيد ذلك وصفهما بال - (خليفتين) إلى جنب قيدي (لن تضلوا) و (لن يفترقا)، في بعض ألفاظ الحديث؛ إذ رُوي أنّ الخلفاء من بعد رسول الله (ص) اثنا عشر خليفة، فقد أخرج مسلم في صحيحه من طريق الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال:

انطلقت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعي أبي، فسمعته يقول: «لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة»، فقال كلمة

ص: 50

صمنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال ؟ قال: «كلُّهم من قريش». (1)

وأخرجه في صحيحه أيضاً من طريق حصين، عن جابر بن سمرة، قال:

«دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وسلم)، فسمعته يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، قال: ثم تكلم بكلام خفي عليّ ، قال: فقلت لأبي: ما قال ؟ قال: «كلهم من قريش». (2)

وأخرجه في صحيحه أيضاً من طريق عبدالملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال:

سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً»، ثم تكلّم النبي (صلى الله عليه وسلم) بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقال: «كلهم من قريش». (3)

وأخرجه في صحيحه أيضاً من طريق سماك بن حرب، قال سمعت جابر بن سمرة، يقول:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال ؟ فقال: «كلهم من قريش». (4)

ص: 51


1- صحيح مسلم، ج2، ص1452، ح9/1821، كتاب الإمامة، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.
2- المصدر نفسه، ح5/1821.
3- المصدر نفسه، ح6/1821.
4- المصدر نفسه، ح7/1821.

وأخرجه في صحيحه أيضاً من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال:

كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال فكتب لي: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (1)

فهذا الحديث صريح الدلالة على أنّ الخلفاء اثناء عشر خليفة كلّهم من قريش، ولا توجد نظرية تفصح بشكل معقول ومناسب عن ماهية هؤلاء الخلفاء الأثني عشر الذين يستصلح بهم الدين سوى نظرية الإمامية، وللتفصيل عن طرق حديث الإثنى عشر خليفة ودلالاته مجال آخر.

وقد اتضح من خلال ما تقدّم فساد ما قد يقال: إنّ مفهوم (أهل البيت) في حديث الثقلين لا يختصّ بأصحاب الكساء الخمسة.

والوجه في فساده هو أنّ ضمّ العترة إلى الأهل في حديث الثقلين (وعترتي أهل بيتي) قرينة متصلة على أنّ المراد منهم في الحديث هو خصوص أصحاب الكساء الخمسة، ويدل عليه أيضاً الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي حصرت (أهل البيت) بهم كما في أحاديث آية التطهير، ففي الصحيح أنّه أراد بهم

ص: 52


1- صحيح مسلم، ج2، ص1453، ح10/1822.

خصوص الخمسة، وكذا أحاديث آية المباهلة، ففي الصحيح أنّه باهل بالخمسة فقط وقال:

«اللهم هؤلاء أهلي» .

شبهات و ردّها

اشارة

اثيرت بعض الشبهات حول الاستدلال بحديث الثقلين على مقام أهل البيت عليهم السلام وأفضليتهم وإمامتهم، سنستعرضها هنا مع ما يمكن أن يقال في جوابها:

الشبهة الأولى: الحثُّ على التمسُّك بالقرآن والوصية بأهل البيت عليهم السلام

اشارة

قيل: إنّ الحديث صدر في موطن واحد، وفي مناسبة واحدة، لكنه وصل إلينا بألفاظ متعددة، فيؤخذ بأصحها، وهو لفظ مسلم، ولا يدلّ لفظه على أزيد من الحثّ على الاهتداء بالقرآن الكريم والوصية بالعترة الطاهرة حيث أمرنا برعايتهم وإعطائهم حقوقهم، وهذا من أوضح الأدلة على أنّهم ليسوا أئمة، وإنّما ستكون الإمامة في غيرهم، وإلا لو كانوا هم الأئمة لأوصاهم بنا. (1)

الردّ على الشبهة

أولاً: الترجيح بين الألفاظ إنّما يتم في صورة التعارض، وأمّا مع عدم التعارض فلا يجوز ذلك وفق قواعد الحديث، وألفاظ

ص: 53


1- انظر: منهاج السنة، ابن تيمية، ج7، ص394.

حديث الثقلين لا تعارض بينها وإنّما هي في غاية الانسجام ويتمّم بعضها البعض الآخر على ما تقدّم بيانه.

ولو تنزلنا عن ذلك فهو يختصّ حينئذٍ بصورة وحدة الصحابي الذي رُوي عنه الحديث، وهو حديث زيد في موردنا، بمعنى أنّ الحديث المروي عن زيد رُوي بعدّة ألفاظ وبطرق متعددة، فيؤخذ حينئذٍ بأصحّ الألفاظ وهو لفظ مسلم.

وأمّا طرح حديثي جابر وأبي سعيد الصحيحين اللذين يدلان على صدور الحديث في مناسبة اخرى غير غدير خُم فهو لأجل رواية زيد عند مسلم، فهذا بدع من القول سائقه الهوى، ولم يقل به أحد.

ومع وجود هذين الحديثين الصحيحين، لا مناص من الإقرار بصدور حديث الثقلين في أكثر من مناسبة، ولا يؤثر بذلك تعدد ألفاظه لانسجامها وعدم تقاطعها في الدلالة.

وقد صرّح بتعدد مناسبات الحديث أشدّ المتعصبين على مذهب الشيعة، كابن حجر الهيتمي حيث قال:

«إعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرةً وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ومرّ له طرق مبسوطةُ في حادي عشر الشّبه، وفي بعض تلك الطّرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أُخرى أنّه قال ذلك بغدير خُم، وفي آخر أنّه قاله لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ، ولا

ص: 54

تنافي؛ إذْ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة». (1)

ثانياً : لفظ صحيح مُسلم ليس فيه قصور عن الدلالة على إيجاب التمسُّك بأهل البيت عليهم السلام، إذ إنّ الوصية بالعترة جاءت بعد أن قرنها بالكتاب الكريم بوصف الثقلين، وأنّهما دعامتا الدين، وأنّ التجاوز على أحدهما هو بمثابة محو الآخر، لكن التطاول على العترة كان أكثر ترجيحاً؛ ولذا جاء التأكيد بالوصية فيهم ومراعاة حقوقهم، ومنها هداية الأُمّة وقيادتها.

ويؤيده تقديم النبي الأعظم (ص) الحديث المذكور بذكر رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى، وهذا يناسب التنبيه على الحاجة إلى المرجع من بعده أكثر من مناسبته الحثّ على حبّ أهل بيته واحترامهم؛ إذ من الواضح أنّ رسول الله (ص) هو المرجع للمسلمين في أمور دينهم وإدارة شؤونهم، وكان رحيله سيُحدث بلا شك فراغاً كبيراً، فحسن ذكر توقع رحيله تنبيهاً منه لحاجتهم للمرجع من بعده الذي يقوم مقامه ويسدّ هذا الفراغ الذي سيحدثه رحيله، وتمهيداً لبيان هذا المرجع المذكور الذي وسمه بالثقلين، ويؤكد هذا المعنى لفظ حديث زيد بن ثابت: «إنّي تارك فيكم خليفتين» لظهوره في إرادة ما يخلفه ويقوم مقامه ويؤدي وظيفته، ويجب اتباعه وطاعته.

ص: 55


1- الصواعق المحرقة، صص89 و 90.

الشبهة الثانية: وجود الضعفاء في أسانيد الحديث يمنع من انعقاد التواتر

اشارة

وهي ترتكز على الجانب السندي، وخلاصتها أنَّ في أسانيد حديث الثقلين العديد من الضعفاء، مثل: عبد الله بن داهر الرازي، وعبد الله بن عبد القدوس، وهارون بن سعد، وكثير النوا، وعطية بن سعد بن جنادة العوفي، وعلي بن المنذر، والقاسم بن حسان، وزيد بن حسن الأنماطي.

ووجود هؤلاء الضعفاء يمنع من انعقاد التواتر بالرغم من كثرة الأسانيد. (1)

الردّ على الشبهة

أولاً : قد تبين مما استعرضناه آنفاً أنَّ حديث الثقلين منقول في صحيح مسلم، وقد صرّح مسلم بأنّه لم يضع في صحيحه كلّ ما صح عنده وإنّما وضع فيه خصوص ما أجمعوا، قال:

ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنّما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه (2)، كما أخرج هذا الحديث جماعة آخرون من حفّاظ السنة بأسانيد صرّح بصحتها أئمة وعلماء السنة.

ص: 56


1- انظر: منهاج السنة، ابن تيمية، ج7، ص394؛ حديث الثقلين، علي السالوس، صص19 و 20.
2- صحيح مسلم، ج1، ص303، ذيل حديث 404/63، كتاب الحيض، ب16 (التشهد في الصلاة).

وعليه: فحديث الثقلين ليس مجرد حديث صحّ عند مسلم وبعض من صححه، وإنّما هو حديث مجمع عليه، قال الشيخ المحقّق أحمد محمد شاكر:

الحقُّ الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المُحقِّقين، وممَّن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر: إنَّ أحاديث الصحيحين صحيحةٌ كلُّها، ليس في واحد منها مَطعن أو ضعف. (1)

ثانياً: حديث الثقلين يمثل قاسماً مشتركاً بين السنة والإمامية والزيدية، فجميعهم رووه بأسانيد صحيحة وفق مبانيهم الخاصّة، وهذا يمثل عامل طمئنة بصحة هذا الحديث؛ لإجماع الأمَّة عليه.

ثالثاً: طرق الحديث لا تنحصر في الذين ضُعِّفوا، بل هناك طرق نقية لا شائبة فيها كطريق صحيح مسلم، فقد رواه عن خمسة من شيوخه، هم: زهير بن حرب وشجاع بن مخلد وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي شيبة ومحمد بن بكار وزهير وشجاع يرويانه عن إسماعيل، والثالث يرويه عن جرير والرابع عن محمد بن فضيل والخامس عن حسان بن إبراهيم، ثم يرويه إسماعيل وجرير وابن فضيل ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد، في حين يرويه حسان عن سعيد بن مسروق، ثمَّ يرويه يحيى وسعيد عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم

ص: 57


1- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، هامش، ص33.

رابعاً: جملة من الذين تعلق بتضعيفهم المعترضون، ليسوا ضعفاء حقاً، فليس كل من ضعفه بعض أخصائي الجرح والتعديل يكون ضعيفاً حقّاً فكم من رجل اختلف فيه فكان الترجيح فيه أنّه ثقة، حتى ألّف الحافظُ الذهبي كتاباً في ذلك أسماه (الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردّهم)، وقال في مقدمته:

وما زال يمرّ بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة.

خامساً: الجرح والتضعيف كثيراً ما يستند في الإطار السني على البُعد الطائفي، وهذا ما نستطيع أن نلاحظه بوضوح في تراجم العديد من الرواة الثقات الذين طعنوا فيهم لمجرد كونهم من شيعة أهل البيت عليهم السلام أو كونهم يتناولون بعض الصحابة بالنقد والاعتراض، وقد اعترف بذلك ابن حجر بشكل ضمني، حيث ضمّن عند ترجمته ل - (لمازة بن زبار الأزدي الجهضمي):

وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعة مطلقاً (1)، وهو ما يجعلنا ندرك أهمية قول الحافظ الغماري:

وقد انطوت بواطنُ كثير من الحُفَّاظ ، خصوصاً البصريِّين والشاميِّين، على البغض لعليٍّ وذويه. (2)

ص: 58


1- تهذيب التهذيب، ج8، ص410، رقم 831.
2- فتح الملك العليِّ ، ص94.

الشبهة الثالثة: نكارة أحاديث الكوفيين

اشارة

قال البخاري:

قال أحمد في حديث عبد الملك، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: النبي (صلى الله عليه وسلم): «تركت فيكم الثقلين»: (أحاديث الكوفيين هذه مناكير). (1)

الردّ على الشبهة

إنْ كان المقصود هو دعوى ضعف الحديث لانحصار طريقه بعطية فهذا باطل جدّاً؛ لما تقدّم في طرق الحديث.

وإنْ كان المقصود أنَّ طرقه الأخرى ليست صحيحة، فهو باطل جدّاً أيضاً لنفس السبب، ويكفي أن تلاحظ ما تقدم في طرق الحديث وتصحيحات أعلام وعلماء أهل السنَّة لتلك الطرق.

وإنْ كان المقصود استنكار رواية عطية فحسب دون بقية روايات حديث الثقلين، فهذا لا معنى له، إذ الاستنكار يُراد منه استنكار المتن ظاهرًا، فلا معنى لأن يكون الحديث منكرًا من طريقٍ وغير منكرٍ من طريقٍ آخر، اللهم إلاَّ أن يُراد بالنكرة نكارة الإسناد دون المتن، وهو احتمال بعيد.

وإن كان المقصود استنكار حديث الثقلين كلِّه، فهذا لا يتناسب مع شأن طالب علمٍ فاضلٍ مثل البخاري وأحمد بن

ص: 59


1- التاريخ الصغير، البخاري، ج1، ص267، رقم1300.

حنبل، وكيف يكون مُنكَرًا وهو في صحيح مسلم من عدّة طرق ؟! بل قد صحّ من طرق عديدة.

ومن الغريب نسبة الاستنكار إلى أحمد بن حنبل مع الأخذ بعين الاعتبار إخراجه لحديث الثقلين مراراً وتكراراً في مسنده بعدّة طرق، علمًا أنَّ أحمد بن حنبل يعتقد في كتابه ما لا يمكن أن يلتئم مع اعتقاده بنكارة شيء من مضامينه، فقد قال في حقِّ مُسنده:

إنَّ هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلاَّ فليس بحجّةٍ (1)، وقال أيضًا:

عَمِلتُ هذا الكتاب إماماً، إذا اختلف الناس في سُنَّة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رُجِعَ إليه (2)، وبه يتَّضح أنَّ نسبة القول المذكور إلى أحمد بن حنبل في غاية الإشكال.

الشبهة الرابعة: قوله: «لن يفترقا» زيادة طعن فيها الحفاظ

اشارة

قال ابن تيمية:

وقد رواه الترمذي، وزاد فيه: «وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض»، وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقال: إنّها ليست من الحديث. (3)

ص: 60


1- خصائص مسند أحمد للمديني، ص13؛ المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ص104.
2- طبقات الحنابلة، ج1، ص184؛ طبقات الشافعية الكبرى، ج2، ص31.
3- منهاج السنة، ابن تيمية، ج7، ص318.

الردّ على الشبهة

أولاً : قوله:

«لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض» ورد بأكثر من حديث وبعدّة طرق، كحديث زيد بن أرقم بلفظ الترمذي وقد حسّن سنده وصحّحه الألباني، وبلفظ الحاكم وقد صحّح سنده ووافقه الذهبي في التلخيص، وبلفظ النسائي في سننه الكبرى وقد تقدّم تصحيح سنده، وحديث أبي سعيد الخدري بلفظ الطبراني في الأوسط وسنده حسن على ما تقدّم بيانه، وحديث زيد بن ثابت بلفظ ابن أبي شيبة في مصنفه وقد تقدّم تصحيح سنده، وبلفظ الطبراني في الكبير وقد وثق رجاله الهيثمي، وبلفظ أحمد بن حنبل في مسنده بطريقين وصف الهيثمي أحدهما بالجيد، على ما تقدّم آنفاً فلاحظ .

وقد استدلّ به ابن تيمية على حجّية إجماع العترة، حيث قال:

إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال عن عترته أنّها والكتاب «لن يفترقا حتى يردا» عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق؛ فيدلّ على أنَّ إجماع العترة حُجّة، وهذا قول طائفة من أصحابنا، وذكره القاضي في المعتمد. (1)

ثانياً: قوله:

«لن يتفرقا حتى يردا عَلَيّ الحوض» وإنْ كان مهماً وتبتني عليه دلالات أساسية في حديث الثقلين، إلاَّ أنَّ افتراض عدم صحته لا يعني خسارة شيء، لأنَّ ما يثبت بهذا اللفظ من

ص: 61


1- منهاج السنة، ج7، ص395.

أمور، هي ثابتة من دونه، وهو واضح من خلال ما استعرضناه من دلالات فيما سبق فلاحظ .

الشبهة الخامسة: (الثقلان) هما الكتاب والسنَّة

اشارة

قيل: لا نُسلِّم بأنَّ المراد بالثقلين الكتاب والعترة، بل الكتاب والسنَّة، وذلك استنادًا إلى حديث «كتاب الله وسنَّتي» ، وممَّن ذكر هذا من علماء السنَّة: الآمُدي في كتابه (الإحكام). (1)

الرّد على الشبهة

أولاً: طرق حديث «كتاب الله وسنَّتي» جميعها ضعيفة، بل شديدة الضعف، وهي تدور على بضعة أسانيد لا تخلو من مجهول، أو متروك، أو خارجيٍّ ، أو كذَّاب، أو وقفٍ ، أو إعضالٍ ، أو انقطاعٍ ؛ وقد تتبعنا هذه الطرق بالتفصيل في كتابنا (قرة العين بحديث الثقلين) وأثبتنا هناك وهنها وضعفها.

وقد سبقَنَا إلى تضعيف هذه الرواية من مشايخ إخواننا من السنَّة فضيلةُ الشيخ (أبو المنذر الشافعي) في كتابه (الزهرة العطرة)، حيث قال:

فلا يصحُّ من هذه الأحاديث في الاعتصام بالسنَّة مع الكتاب حديثٌ بنفسه ولا بغيره. (2)

ص: 62


1- الاحكام، الآمدي، ج1، ص308. وانظر: حديث الثقلين، علي السالوس، صص118، 121.
2- الزهرة العطرة في حديث العترة، ص41.

والأقرب إلى الصواب ما ارتآه عالم آخر من إخواننا السنَّة، وهو فضيلة السيِّد حسن السقاف الذي حكم على الحديث بالوضع، حيث قال: وأمَّا لفظ «وسنَّتي» فلا أشكُّ بأنَّه موضوع لضعف سنده، ووهائه، ولعوامل أُمويَّة أثَّرت في ذلك، ثمَّ أخذ يُبيِّن ضعفَه الشديد سندًا سندًا. (1)

ثانياً: لو غضضنا الطرف عن الضعف السندي الشديد لرواية «وسنتي» ، فإنّها - من حيث الدلالة - لا تَنفي مرجعيةَ أهل البيت عليهم السلام التي يثبتها حديث العترة الصحيح، ويظهر أنَّ أحدًا من علماء السنَّة لم يدَّعِ خلاف هذا، بل صرَّح مجموعة منهم - قولاً أو عملاً - بتماميَّة الانسجام بين حديث «وعترتي» ورواية «وسنَّتي» ، فقد عقد الحافظ نور الدين الهيثمي باباً في كتابه «مجمع الزوائد» بعنوان (باب في العمل بالكتاب والسنَّة) ، وذكر تحته حديث « إنِّي تارك فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي». (2)

وقال نور الدين السمهودي:

فالحاصل أنَّ الحث وقع على التمسُّك بالكتاب والسنَّة وبالعلماء بهما من أهل البيت النبوي... . (3)

وقال ابن حجر الهيتمي:

والحاصل أنَّ الحثَ ّ وقع على التمسُّك

ص: 63


1- صحيح صفة صلاة النبي، ص290.
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج1، ص170.
3- جواهر العقدين، ص257.

بالكتاب وبالسنَّة وبالعلماء بهما من أهل البيت. (1)

وعقد المتقي الهندي في (كنز العمال) باباً باسم (الباب الثاني في الاعتصام بالكتاب والسنَّة)، وفيه حديث (وعترتي) أربع مرات بالأرقام (870) و(871) و(872) و(873). (2)

وفضلاً عن عدم التنافي - من حيث المدلول - بين الحديثين، يمكن القول بكونهما يشكِّلان باجتماعهما معنى غاية في التناسق والانسجام، حيث يكون مفاد الجمع بينهما هو أنَّ الواجب هو الأخذ بالكتاب وبالسنَّة وبالعلماء بهما من أهل البيت، وهذا يعني أنَّ علم أهل البيت بدرجة من الصحَّة والموافقة للكتاب والسنَّة بحيث يكون المخالف لهم منحرفاً عن صراط الهداية، وهذا يعني أنَّه لا يتسنَّى الأخذ بالكتاب والسنَّة إلاَّ في ضوء علم أهل البيت عليهم السلام.

والحاصل أنَّ القول بصحة رواية «وسنَّتي » على سبيل التنزُّل الجَدَلِي لا يَضُرُّ بدلالة حديث الثقلين (كتاب الله وعترتي) المتواتر، لأنَّهما غير متنافيين من حيث الدلالة، بل يمكن الجمع بينهما في معنىً منسجمٍ يوافق عليه علماء السنَّة أيضاً.

الشبهة السادسة: إمامة فاطمة عليها السلام

اشارة

قد يُقال: إنْ كان حديث الثقلين دليلاً على إمامة

ص: 64


1- الصواعق المحرقة، ص180.
2- كنز العمال، ج1، صص172 و 173.

أهل البيت عليهم السلام، لزم من ذلك أن تكون فاطمة الزهراء عليها السلام إماماً، لاتِّفاق الشيعة الإماميَّة بل المسلمين على كونها من أهل الكساء، فيكون الأئمَّة ثلاثة عشر، لا اثني عشر، بانضمام الزهراء عليها السلام، فقد قال ابن تيمية ضمن ردّه على استدلال العلامة الحلي بآية المباهلة على إمامة اهل البيت عليهم السلام:

خصائص الإمامة لا تثبت للنساء . (1)

الردّ على الشبهة

إنّ كون فاطمة عليها السلام من أهل الكساء ودخولها في حديث الثقلين لا يستلزم كونها إماماً، إذ إنّ الدعوة والتبليغ ليسا بعين الإمامة وإنْ كانا من شؤونها ولوازمها ومن المناصب والمقامات الإلهية التي يتقلدها الإمام.

توضيح ذلك: اصطلاح الإمامة يشمل مضامين عديدة في عُمقه، منها: العصمة التي هي إحدى مواصفات الإمام، ومنها: وجوب الاتّباع، الذي يُمثّل الشطر الأكبر من مفهوم الإمامة في البُعد الذي يرتبط بواجب المُكلَّفين إزاء الإمام، ومنها: خلافة الرسول (ص) في حفظ الدين والهداية إلى الصراط المستقيم، وهو ما يحتل كلَّ المساحة في مفهوم الإمامة في البُعد الوظيفي للإمام، ومنها: كون الشخص أحقَّ بتولِّي السلطة السياسيَّة ما بعد رسول الله (ص)، وهو أحد الحقوق التي يقتضيها مقام الإمامة في

ص: 65


1- منهاج السنة، ابن تيمية، ج7، ص127.

البعد الوظيفي.

وحديث الثقلين إذ يدلُّ على إمامة أهل البيت عليهم السلام، فإنَّما يدلُّ على ذلك بوساطة إثباته كونهم عدلاً لكتاب الله تعالى في الفضيلة والمقام والعصمة من الضلال والعِلميَّة والأفضلية، غير ذلك من الدلات التي تقدّم ذكرها.

وعليه فإنَّ الزهراء عليها السلام بمقتضى حديث الثقلين والكساء قد أكرمها الله بكلّ هذه الفضائل، فهي في هذا كبقيَّة أئمَّة أهل البيت عليهم السلام، لكن معنى الإمامة لا يقتصر على ذلك، إذ المقصود منها هو ما يشمل التصدِّي لمهامِّ القيادة السياسيَّة وإن كان هذا في الواقع أمرًا تقتضيه الإمامة وحقّاً من حقوق الإمام، لا رُكنًا مُقوِّمًا لمفهوم الإمامة ومقامها.

وعليه يكون حديث الثقلين بالنسبة إلى الزهراء (ص) كما هو بالنسبة إلى غيرها من أئمَّة أهل البيت عليهم السلام، فهو يثبت لها ما يثبت لغيرها، غايةُ ما هنالك أنَّ ما يَتْبَعُ مُثبَتات حديث الثقلين قد لا يثبت للزهراء عليها السلام، بمقتضى طبيعة موقعها في المجتمع كامرأة لا يتسنَّى لها أن تمارس شؤون القيادة السياسيَّة وما يرتبط بها في الأمَّة، وربَّما لطبيعة الظروف التي تعيشها، ولو كان ذلك لكونها ستعيش بعد رسول الله (ص) فترةً قصيرة سوف يُغطّي شؤون القيادة السياسيَّة فيها أمير المؤمنين عليه السلام على فرض أن تتاح له الفُرصة، ويُخلَّى بينه وبين حقّه.

ص: 66

وبعبارة موجزة: إنَّ حديث الثقلين يدلُّ على العصمة والعلميَّة، فهما ثابتتان للزهراء عليها السلام، ثمَّ إنَّ العصمة والعلميَّة بالمستوى الثابت تقتضيان حقَّ التَّصدِّي لهداية الأمة على جميع الأصعدة، وهو ما تُستثنَى منه الزهراء عليها السلام لخصوصيَّة كونها امرأة، ولخصوصيَّة ظروف حياتها سلام الله عليها.

نتائج البحث

1 - حديث الثقلين هو حديث تكفل ببيان العنصرين اللذين هما ضمان الهداية لمن تمسك بهما بعد رسول الله (ص).

2 - حديث الثقلين هو حديث نبوي صحيح مستفيض بل متواتر، وقد أقرّ بصحّته وتواتره جماعة من أساطين علماء السنة.

3 - حديث الثقلين له دلالة مهمة، منها أنَّ أهل البيت عليهم السلام عدل كتاب الله تعالى في المقام والفضل والعلم والعصمة، ولذا فإنّهم عنصر الأمان من الضلال والزيغ ويتحملون مسؤولية إرشاد الأمَّة كما تحمّلها النبي الأكرم (ص).

ص: 67

ص: 68

المصادر

1. القرآن الكريم، كتاب الله تبارك وتعالى.

2. الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي أبو الحسن، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1404ه، تحقيق: سيد الجميلي.

3. الإصابة في تمييز الصحابة، الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الناشر: دار الكتب اللبنانية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1415ه، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض.

4. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ابن كثير، مع شرح وحواشي أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى، 1403ه.

5. التاريخ الصغير، تأليف: أبي عبد الله إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري، دار الوعي، الناشر: مكتبة دار التراث، حلب/القاهرة، الطبعة: الأولى، 1397ه -، تحقيق: محمود إبراهيم زايد.

6. تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، ابن الملقن الشافعي، المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1994 م، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي.

ص: 69

7. تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، الناشر: دار الرشيد - سوريا، الطبعة: الأولى، 1406ه -، تحقيق: محمد عوامة.

8. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، الناشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 ه.

9. تهذيب الكمال، يوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجّاج المزي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1400ه -، تحقيق: د. بشار عواد معروف.

10. الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

11. الجامع الصحيح المختصر (صحيح البخاري)، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، الناشر: دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407ه -، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق.

12. الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس أبو محمد الرازي التميمي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1271 ه.

13. جواهر العقدين للشريف السمهودي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1415ه -، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.

ص: 70

14. خصائص مسند أحمد للحافظ المديني، الناشر: مكتبة التوبة - الرياض، سنة الطبع: 1410 ه.

15. ذخائر العُقْبَى في مودة ذوي القُرْبَى، محب الدين الطبري، الناشر: دار المعرفة - بيروت.

16. الزهرة العطرة في حديث العترة، أبو المنذر سامي الشافعي، الناشر: دار الفقيه - مصر.

17. سبُل الهدى والرشاد للصالحي الشامي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

18. السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السن، محمد بن عمر بن محمد بن عمر رشيد الفهري أبو عبد الله، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1417 ه، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي.

19. سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1407ه -، تحقيق: فواز أحمد زمرلي خالد السبع العلمي، الأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها.

20. سنن النسائي الكبرى، أحمد بن شعيب أبوعبدالرحمن النسائي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1411ه -، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري, سيد كسروي حسن.

21. شرح المقاصد للتفتازاني، الناشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى، 1409 ه، تحقيق: عبد الرحمن عميرة.

ص: 71

22. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الثانية، 1979م، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار.

23. صحيح صفة صلاة النبي، السقاف، الناشر: دار الإمام النووي - عمان.

24. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مع تعليق محمد فؤاد عبد الباقي.

25. الصواعق المحرقة ابن حجر الهيتمي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى،1997م، تحقيق: عبد الرحمن التركي و كامل الخراط .

26. طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى أبو الحسين، الناشر: دار المعرفة - بيروت، تحقيق: محمد حامد الفقي.

27. طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة:

الثانية، 1413 ه، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو.

28. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين أبي محمد محمودبن أحمد العيني، الناشر: دار إحياء التراث العربي.

29. الفائق في غريب الحديث، جار الله الزمخشري، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 ه.

ص: 72

30. فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني، الناشر: المطبعة الإسلامية، الأزهر - مصر.

31. فيض القدير للمناوي، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر، الطبعة: الأولى، 1356 ه.

32. كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة، الناشر: مكتبة ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن النجدي.

33. كنز العمال للمتقي الهندي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، سنة الطبع: 1399 ه.

34. لسان العرب لابن منظور، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 ه.

35. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، الناشر: دار الفكر - بيروت، 1412 ه.

36. المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد القادر بن بدران الدمشقي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الثانية، 1401ه، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي.

37. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري، الناشر: دار الفكر، سنة الطبع: 1414 ه.

38. المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1411ه -، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، مع تعليقات الذهبي في التلخيص.

ص: 73

39. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، الناشر: مؤسسة قرطبة - القاهرة، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها.

40. المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1409 ه، تحقيق: كمال يوسف الحوت.

41. المعجم الأوسط ، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، الناشر: دار الحرمين - القاهرة، 1415ه -، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني.

42. المعجم الصغير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، الناشر: المكتب الإسلامي و دار عمار - بيروت وعمان، ط 1، 1405 ه، تحقيق: محمد شكور محمود.

43. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - الموصل، الطبعة: الثانية، 1404ه، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي

44. معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، الناشر: مركز دراسات الحوزة والجامعة - طهران، الطبعة:

الأولى، 1387 ه. ش، ترتيب وتنقيح: علي العسكري وحيدر المسجدي.

45. منهاج السنة ابن تيمية تحقيق: محمد رشاد سالم الناشر: مؤسسة قرطبة الطبعة: الأولى، 1406 ه -.

ص: 74

46. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بشرح النووي على مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثانية، 1392ه.

47. المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، محمد بن إبراهيم بن جماعة، الناشر: دار الفكر - دمشق، الطبعة: الثانية، 1406ه، تحقيق: د. محيي الدين عبدالرحمن رمضان.

48. النكت على مقدمة ابن الصلاح، بدرالدين أبي عبدالله محمد بن جمال الدين عبدالله بن بهادر، الناشر: أضواء السلف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1419ه، تحقيق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج.

49. النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، سنة الطبع: 1399ه، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي.

50. نوادر الأصول، الحكيم الترمذي، دار الجيل - بيروت، الطبعة: الأولى، 1992م، تحقيق: عبد الرحمن عميرة.

ص: 75

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.