أنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

هوية الکتاب

أنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1437 لسنة 2016 م

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف LC. BP37.8 .4 2016

المؤلف الشخصي: آل عصفور، عبد علي بن خلف، - 1303 هجريا.

العنوان: أنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

بيان المسؤولية: تأليف الشيخ عبد علي بن خلف آل عصفور: تحقيق حسن عبد زيد.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 424 صفحة.

سلسلة النشر: سلسلة تحقيق المخطوطات (5)؛ مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 391 -419)

تبصرة محتويات:

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - سيرة.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - الشهادة - أحاديث.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - إثبات الخلافة - أحاديث.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - فضائل.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - كرامات.

مصطلح موضوعي: أحاديث الشيعة - القرن 13 هجريا.

مؤلف إضافي: الكربلائي، حسن عبد زید، 1974 م، محقق.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

التنضيد والإخراج الفني: علي جاسم الكربلائي

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1345 لسنة 2016 م

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف LC. BP37.8 .4 2016

المؤلف الشخصي: آل عصفور، عبد علي بن خلف، - 1303 هجريا.

العنوان: أنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

بيان المسؤولية: تأليف الشيخ عبد علي بن خلف آل عصفور: تحقيق حسن عبد زيد.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 424 صفحة.

سلسلة النشر: سلسلة تحقيق المخطوطات (5)؛ مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 391 -419)

تبصرة محتويات:

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - سيرة.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - الشهادة - أحاديث.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - إثبات الخلافة - أحاديث.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - فضائل.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا - كرامات.

مصطلح موضوعي: أحاديث الشيعة - القرن 13 هجريا.

مؤلف إضافي: الكربلائي، حسن عبد زید، 1974 م، محقق.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

التنضيد والإخراج الفني: علي جاسم الكربلائي

ص: 2

سلسلة تحقيق المخطوطات (5)

أنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الشیخ عبد علي بن خلف آن عصفور المتوفي سنة 1303 ه

تحقیق حسین عبد زید

إصدار مؤسسة علوم نهج اللاغة في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السّدرة - مجاور مقام علي الاكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الإلكتروني:

WWW.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

الاهداء

إلى بضعة الرسول صلّى الله عليه وآله...

إلى ريحانة الجنة وأمّ الأئمة الذين هم أهل الفضل والمنّة...

إلى حليلة قسيم النار والجنّة...

إلى أم أبيها وسيّدة النساء، ومَن لولاها لما خلق الله إنساً ولا جِنة...

إلى سيّدتي ومولاتي فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها

أُهدي هذا الجهد المتواضع عسى أن ينال رضاها، وينفعنا يوم نلقاها.

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على من هم موضع سره ولجأُ أمره، وعيبة علمه، و مؤمل حُکمه، وكهوف کُتبه، وجبال دینه، محمد وآله المنتجبين الأخيار.

أمّا بعد:

لم يزل الحديث عن مظلومية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه يشغل حيزاً كبيراً في التصنيف والتحقيق، شعراً ونثراً، تحديثاً وتدويناً، منذ وقع هذه الظلامة في سقيفة بني ساعدة وإلى يومنا هذا، بل ولم تزل حتى يأذن الله بحكم الإمام المهدي ابن فاطمة صلوات الله وسلامه عليه.

ومن ثم فهذا المخطوط واحد من تلك الكتب التي انبری مصنفوها إلى الدفاع

ص: 7

عن الحق وأهله والامتثال لأمر الله تعالى في نصرة أوليائه ومحاربة أعدائه الذين نصبوا العداء للإسلام وأهله.

والمصنف رحمه الله هو واحد من الأعلام الفضلاء الذين عرفوا بالجهد والاجتهاد ونشر العلم في الفقه والأصول والعقائد والأدب وغيرها، ومنها هذا الكتاب الموسوم ب (أنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام) وقد انبرى الأخ المحقق حسن عبد زید دام توفيقه إلى تحقيق هذا المخطوط واخراجه إلى النور فقد بذل فيه جهده وعلى الله أجره.

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطّاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والاخرين.

الحمد لله على ما منح من الهداية، وصلواته على مَن بعثه رحمة للأنام، ومصباحاً للظلام، وغيثاً للعباد، وعلى أخيه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وآلهما الغرّ الكرام الميامين، عليهم أفضل الصّلاة وأزکی جدید می التسليم.

وبعد:

فهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ العزيز هو من الكتب القيّمة التي أُلفت في

ص: 9

بيان ولادة وشهادة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وقد جمع المؤلف روایات ذات مضامين عالية في أنوار مناقبه صلوات الله وسلامه عليه وكذلك أحاديث في إثبات أحقيته للإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعصمته وشجاعته وزهده وتقواه وغير ذلك من الموارد التي تخص أنوار المناقب، أما في أذكار المصائب فذکر حدیث مقتله ومدفنه صلوات الله ولامه عليه وما ظهرت له من الكرامات في ذلك.

ويعد هذا الكتاب من الكتب الَّتي تزدان بها المكتبة الشّيعية لما فيه من الفضائل والحقائق عن أهل البيت عليهم السّلام، ومن فضل الله ورحمته ولطفه أن يوفق المحققين والباحثين إلى إحياء تراث أهل البيت عليهم السّلام الَّذي يُنير الدّرب لمن أراد اقتباس النّور والهداية منهم عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

ترجمة المؤلف:

هو العالم الجليل، والفاضل النبيل الشّيخ عبد علي بن خلف ابن الشّيخ عبد علي ابن العلامة الشّيخ حسين العصفوري البحراني الدرازي أصلاً البوشهري مسکناً و مدفناً.

آل عصفور بيت علم جليل ظهر فيه منذ الأزمان الطويلة أفاضل الرجال ومشاهير أهل العلم، والمؤلف من أحد أجلّاء هذا البيت، وكبار أهل الفضل فيه، هاجر والده الشّيخ خلف بن عبد علي آل عصفور من البحرين وأستوطن منطقة

ص: 10

بوشهر في إيران، فكان لابنه عبد علي من بعده مرجعية الأمور في بوشهر وإمامة الجمعة، وكان من بعد أبيه إماماً للجمعة والجماعة والقضاء فيها، وأما ولادته فلم أعثر على تاريخ ولادته في المصادر المتوفرة عندي، ويعد من أعلام القرن الثالث عشر الهجري ومن معاصري الشّيخ الأنصاري، فكان يخصّه الشيخ بالمدح والثناء.

أقوال العلماء فيه:

قال فيه صاحب الأنوار: كان عالما محدثا فاضلا(1)، وقال عنه صاحب الذخائر: العالم الفاضل الَّذي هو مرجع الفضلاء في التحقيق(2)، وقال عنه العلامة الطهراني: عالم جليل ومؤلف فاضل(3)، ووصفه آية الله المرعشي في الطرق والأسانيد بالمحدث الجليل وعده من شيوخ الاجازة(4)، وله المكانة العلمية العالية حيث انه من بيت علم؛ فأبوه كان عالم بوشهر وله شرح لكتاب سداد العباد لعم المؤلف سليمان البحراني، وأما المؤلف فله شرح لكتاب عمة سليمان البحراني وهو أصول العقائد الإسلامية، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على المكانة العلمية العالية للمؤلف.

ص: 11


1- أنوار البدرين - الشيخ علي البحريني: 213
2- الذخائر - محمد علي العصفور: 271
3- طبقات أعلام الشيعة - الطهراني 1140:15، برقم 1660
4- الطرق والأسانيد - السيد المرعشي: 55

مؤلفاته:

له عدَّة مؤلفات ذكرها النويدري في أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين وهي:

1. کتاب لآلىء الأفكار في أصول الفقه و علم الكلام.

2. كتاب في الطّهارة.

3. كتاب في الصّلاة.

4. كتاب في مبادئ علم الاصول.

5. کتاب شرح النهاية في الاصول.

6. شرح تهذیب الاصول.

7. تحفة الأريب في إبطال العول والتعصيب.

8. كتاب في المسائل المتفرقة.

9. كتاب القول السديد في علم الدراية.

10. رسالة في الشكوك.

11. إِرجوزة في النّحو.

12. رسالة في التقليد.

ص: 12

13. ديوان شعر في المراثي.

14. كتاب مقتل أمير المؤمنين عليه السَّلام المسمى بأنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السَّلام وهو الكتاب الَّذي بين يدي القارئ العزيز.

15. کتاب الدرر الجمانية في أجوبة المسائل الدوانية.

16. رسالة في أحكام الصلاة.

17. رسالة في أحكام الجمعة.

18. رسالة في الكر.

19. كتاب شرح أصول العقائد المتن للعلامة الشيخ سليمان بن عبد الله العصفور والذي هو عمّ المؤلف رحمه الله.

20. حواشي متفرقة على كتب المقدمات في الدراسة الحوزوية(1).

وفاته:

توفي سنة 1303 ه وقد تجاوز الثمانين من عمره وهذا ما صرح به الشيخ علي البحراني في أنوار البدرين حيث قال: اجتمعت به مرة واحدة في بيته في بوشهر في

ص: 13


1- أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرن - سالم النويدري: 501

مرضه الرعشة وعمره يقرب الثمانين سنة(1).

منهجية التحقيق:

اعتمدنا في تحقيق المخطوط على نسخة واحدة فقط، كُتبت في حياة المؤلف على يد عبد الله بن محمد علي الشويكي البحراني، وهو من أقارب المؤلف، وهي النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي المرقمة (18030) وعلى الرغم من كثرة البحث عن نسخة أخرى للمخطوط ولكنني لم أجد.

الاعمال المنجزة لتحقيق المخطوط:

1. قمت بتصحيح الأخطاء الواردة في المخطوط، واعتمدت في التصحيح على المصدر الذي نقل منه المصنف و أَشرت على ذلك في الهامش.

2. هناك أخطاء املائية ولغوية وإعرابية قمت بتصحيحها ولم أشر لها في الهامش.

3. كل ما ورد ما بين معقوفتين [ ] فهو من المصدر، وخلاف ذلك أشرنا له في الهامش.

4. أعتمد المؤلف في البداية على كتاب مولد أمير المؤمنين الَّذي ذُكر لعدة مؤلفين منهم: أبو مخنف، وابو الحسن البكري، وأبو عزيز الخطي.

ص: 14


1- أنوار البدرين - الشيخ علي البحراني: 485

والظاهر أنه لأبي عزيز الخطي حسب ما ذكره الطهراني في الذريعة 23: 274، رقم (8955).

ختاماً:

أحمد الله وأشكره أن وفقني لإتمام تحقيق هذا الكتاب الجليل الذي يحوي في طياته الكثير من فضائل أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، ويعدّ باكورة عملي في مجال التحقيق، فأسأل الله العلي القدير أن يوفقني لخدمة أهل البيت الكرام صلوات الله وسلامه عليهم وأن يرزقني شفاعتهم، وكذلك أقدم شكري وأمتناني لكل من ساعدني في إكمال هذا الكتاب وبالخصوص الأخ المفضال الاستاذ حسين جهاد الحساني (أبو حسنين)، والأخ العزيز السيّد نوار الحسيني، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبينا محمّد وآله الطاهرين.

حسن عبد زيد الكربلائي کربلاء المقدسة / الأول من شهر رمضان المبارك / 1437 ه

ص: 15

ص: 16

أنوار المناقب واذکار المصائب فی مقتل اميرالمومنين علي بن ابي طالب علیه السلام الشيخ عبدعلى بن خلف العصفور المتوفى سنة 1303 ه

ص: 17

ص: 18

الصورة الأولي من النسخة المعتمدة في التحقيق

ص: 19

الصورة الثانیة من النسخة المعتمدة في التحقيق

ص: 20

الصورة الأخيرة من النسخة المعتمدة في التحقيق

ص: 21

ص: 22

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمدُ لله جاعل مقام أوليائه وأنصار دينه أرباب السّعادة في جنان الخلود عليّاً والصّاعد بهم إلى طور الطّاعة بدرجات الشّهادة فأشرق نورهم سنيّا، والموفق لهم في كشف الحق، وإرشاد الخلق، فلم يزالوا لدين الحق شيعة، وللشرع المبين وليّا.

نحمدهُ حمداً كثيراً طيباً زكياً، ونشكره شكراً لا يزال غصنه بالزيادة جنياً، ونشهد أن لا إله إلاّ الله، وحدهُ لا شريك له، شهادةً نكررها بكرةً وعشيا، ونسلك بها صراطاً سويا، ونشهد أنَّ سيدنا محمّداً عبدهُ ورسوله، الَّذي اتخذه حبيبا، وارتضاه صفيا، وقربه لديه نجيّا، واختار له ابن عمّه، وكشاف غمّه أخاً ووصياً، وأمره في يوم الغدير بالنّص في شأنه إِماماً ووصيا نصاً جلياً، فقال في حقّه بمشهد من صحبه: «مَن كنتُ مَولاه وسيّدهُ فعَلِيٌّ يكون له إِماماً ووليا»(1) صلّى الله عليه وآله صلاةً طيّبةً زاكية ننال بها يوم العطش الأكبر ريّا، ونحوز بها في جنة المأوى ولداناً وحليا، وعيشا هنيا.

ص: 23


1- انظر: مسند أحمد بن حنبل 1: 84، (باختلاف)، وشرح احقاق الحق للمرعشي 3:1

فإن الله جلّت عظمته بعث رسوله المصطفى صلَّى الله عليه وآله على فترة من الرسل، وتفرق من السّبل، والنّاس في ظلمة الجهل حیاری، وفي فلوات حب الشّهوات سکاری، يعبدون الأوثان والأصنام، ويعكفون على الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، ويخضعون للات والعزى، ويكفرون بنعم الله الَّتي لا تعد ولا تجزی، یرفلون(1) في ثياب الكبر والاعجاب، ويستكبرون عن استماع الخطاب، ويأبون عن إتباع الحق والصواب، فكشف الله برسوله الصادق الأمين طريق الحق، وأوضح به هم نهج الصدق معجزاته وآياته، فأسلم القليل شوقا إلى نور الأنوار، وإيمانا وتصديقا بوجود خالقهم وباريهم الملك الجبّار، وخوفا وفرقا من دخول النار، واستسلم الكثير رغبة وطمعا في جاه النّبيّ المختار صلَّی الله عليه وآله الأَخيار لمّا سمعوا من القسيسين والأحبار، ورهبة من اعتضاده وانتصاره بابن عمّه صاحب ذي الفقار وليِّ الله وناصر دينه. بالصَّارم البتَّار حيدر الكرار

«...وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار...»(2) فما زال أَهل النفاق مجبولين على ترشح الشقاق، تبتسم في كلِّ وقت ثغورهم، والله يعلم ما تكنُّ صدورهم، وإذ قد تم الدّليل بالنّبي الأمين، واتضح السّبيل في حق وصية أمير المؤمنين، وأدارا

ص: 24


1- يرفلون: رفل في ثيابه، اذا اطالها وجرها متبخترا. (الصحاح - الجوهري، 4 : 1711، مادة - رفل)
2- الفتح: آية (29)

عليهم ببركاته كؤوس السّلسبيل، فما شرب منهم الاّ القليل، عزم الرسول على الرحيل، وازمع(1) على التحويل، وعلم من حاله ذلك الجيل، فأجال الجلاس ما بقى من ذلك الكأس على السّاقي البر الرحيم الَّذي لا يقاس بالنّاس، بعدما وافاهم به من العهد الاكيدة في اتباع وصية سيّد الانام، ولي الله وخليفة رسوله، المساوي له في اخلاقه ونعوته، الحاكم من جانب الله في عباده، إمام البررة وقاتل الملحدين والكفرة، الَّذي هو مولى كل مَن رسول الله مولاه حتّى من بخبخ(2) عليه في بيعته الغدير - عمر - وهنّاه، وبايعه كل من حضر ذلك المشهد وحيّاه.

فحين رحل صاحب الكأس، واختفت آثار تلك الأنفاس، خرج الأغيار من الكمين وضيعوا وصية الرسول الأمين، ونسوا الكأس الَّذي عليهم أُدير يوم الغدير، وأنكروا بيعة الرئيس عليهم والأمير حين شربوا كأس الرياسة والجاه عقدت لهم ألوية السياسة والهوى، فأعرضوا عن السّاقي الباقي مليا، وتركوه نسيا منسيا، فصار جلّ عهدهم رثا، وأضحت بيعتهم هباء منبثا، وانجز داءهم الدفين، وحملهم النفاق البطين إلى أن عادوا إلى الخلاف الأول، فارتدوا على أعقابهم القهقرى وركبوا مطایا کفرهم للسرى.

ص: 25


1- أزمع: الزمع، الإمضاء بالأمر والعزم عليه (لسان العرب 8: 144، مادة - زمع)
2- بخبخ: كلمة تقال عند الإعجاب بالشيء، (العين - الفراهيدي 4: 146، مادة - بخ)

فهدموا أركان الشرع وأكنافه، وكسروا أعلام الدين وأكتافه، وغصبوا حق أهل البيت، ولم تأخذهم فيه مخافة، واقتطعوا إرث فاطمة الزهراء البتول صلوات الله وسلامه عليها من غير ملامة ولا رأفة ولا رحمة، ونصبوا من غاية جهلهم والجلافة خلافا على الله ورسوله فيما سنَّ في أمر الخلافة الخالي من العلم والشرافة، المملوء من الجهل والنفاق والكثافة، وكأنه أشار إلى ما ذكره العبّاس بن عتبة بن ابي لهب الهاشمي(1) يقول:

مَن مُبلغٌ عنّا النّبي محمّداً *** أنَّ الوری عادوا إلى العدوانِ

إنَّ الَّذِين أمرتَهُم أن يعدِلوا *** لم يعدلوا إلّا عن الإيمانِ

غصبوا أميرَ المؤمنين مكانهُ *** واستأثروا بالمالكِ والسّلطانِ

بَطشوا بفاطمةَ البتول وأحرزوا *** ميراثها طَعناً على القرآنِ

وذلك النکث، ونقض الإبرام، والغصب، والنصب والاهتضام، غير مستبعد عن اقوام صرفوا جلَّ أعمارهم في عبادة الاصنام، وافتضحوا بعبادتها في الأنام،

ص: 26


1- العبّاس بن عُتبة بن أبي لَهب بن عبد المطلب لم يكن شاعرا، ولم اجد له ترجمة في كتب التراجم المتوفرة عندي، وذكر انه تزوج آمنة بنت العبّاس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية فولدت له الفضل بن العبّاس الشاعر المشهور (انظر: الاصابة - ابن حجر 41:8)، والظاهر ان هناك اشتباه من المؤلف فان هذه الابيات لابنه الفضل الشاعر الهاشمي المعروف كما ذكر ذلك (المرعشي في شرح احقاق الحق 9:1) وذكرت ترجمة الفضل بن العباس بن عتبة في (اعیان الشيعة، 8: 406)

وليس بأول قارورة كسرت في الإسلام، فقد صدر عن أصحاب موسی علیه السّلام عند توجهه إلى الطّور، مثل هذا الفتور والفطور، إذ قد ارتد جمهور اصحابه من بني اسرائيل، فضلّوا وأضلّوا السّبيل حين وافقوا السّامري الغوي في عبادة العجل، وعمدوا قتل هارون الوصي ودفعوه باليد والرجل.

يقول جامع هذا الكتاب، ومحرر هذا الخطاب، المسمى (بأنوار المناقب وأذكار المصائب في مقتل إمامنا وسيّدنا علي بن ابي طالب عليه السّلام) فقير ربه الغفور عبد علي بن خلف آل عصفور: أحببت أن أجمع الرّوايات المأثورة، في وفاة الإمام العظيم، سيد الأنام، وأجعلها في سلك الوحدة والنظام، وأُضيف إليها الأشعار الواردة في مناقبه ومصائبه، مستعينا بالله الجواد الودود أن يرحمني بذلك في يوم العرض والورود.

ص: 27

ص: 28

أنوار مناقبه صلوات الله وسلامه عليه

الفصل الأول: النور الأول في بيان تولده الأشرف...

الفصل الثاني: في ذ كر نسبه وانتسابه...

الفصل الثالث: في إمامته وعصمته...

ص: 29

ص: 30

الفصل الأول النور الأول في بيان تولده الأشرف الأقدس..

ص: 31

ص: 32

الفصل الأول النور الأول في بيان تولّده الأشرف الأقدس وما ظهره له من الكرامات والمعجزات الباهرة والحالات العالية الفاخرة

اعلموا أيها الإخوان، وأرباب الإيمان، والتّصديق والإذعان، إنَّ مولد سيّدنا وليّ الله، وناصر دينه، وخليفة رسوله، الإمام بالحق، وسيّد الأنام والخلق، بمكّة في بيت الله الحرام يوم الجمعة الثّالث عشر من شهر رجب المرجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد في بيت الله الحرام من الأَنامِ سواه، لا قبلهُ ولا بعده مولود، وهي فضيلة خصَّ الله تعالى بها بيته الحرام، حيث جعله محلاً لمولد هذا الإِمام المولود، الَّذي لا يساويه أحد موجود في استجماعه لكرائم الأخلاق وشرائف النعوت سوى أخيه حبيب الله ورسوله المصطفی صلَّی الله عليه و آله.

وأما أُمّه الطّاهرة الزكية في الأَشرافِ: فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضوان الله عليها، وكانت کالأُم لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم، ربّته في حجرها، وآثرته على ولدها، [وكان شاكراً لبرها]، وكانت من السّابقاتِ إلى

ص: 33

الإِيمان بالله ورسوله، وهاجرت معه في جملة المهاجرين إلى المدينة، [ولمّا قبضها الله تعالى إليه] كّنها النّبيّ صلَّى الله عليه وآله بقميصه ليدرأ به عنها هوام القبر، واضطجع في قبرها لتأمن بذلك من ضغطته، ولقّنها الإقرار بولاية ابنها - أمير المؤمنين عليه السّلام - ليتيسر عليها جواب سؤال القبر.

وكان هاشمياً تولد من هاشميين(1)، وقيل ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل والأول لدينا أصح(2).

روي عن سيِّدِ العباد، وقدوة الزُّهاد عليّ بن الحسين الإِمام السَّجاد عليه السَّلام قال: «کُنّا زُواراً لِقبرِ أَبي الحُسين عليه السَّلام(3)، وهناك نِساء كَثيرة، إِذ أَقبَلت منهنَّ إِمرأة، فَقلتُ لها: مَن أَنتِ يَرحمُك الله؟».

قالت: أَنا زَبدة بنت [قَريبة بن] العجلان، مِن بَني ساعدة.

فقلتُ لها: «عندكِ شيءٌ تُحدّثينا به؟».

ص: 34


1- في المصدر: (فكان أمير المؤمنين عليه السلام وإخوته أول هاشمي ولد من هاشميّين)
2- انظر: إرشاد المفيد 5:1، باب الخبر عن أمير المؤمنين عليّه السّلام، وتاج المواليد - الطبرسي: 12، في ذکر حالات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وكشف الغمة - الأربلي 60:1، في ذكر الامام امير المؤمنين عليه السلام
3- في المصدر: (كنتُ جالساً مع أبي ونحن زائران قبر جدّنا صلَّى الله عليه واله

قالت: إِي والله، حدَّثتني [أُمّي] أُم عمّار بنت عبادة ابن فَضلة(1) ابن مالك ابن عجلان(2) السّاعدي، إِنَّها كانت في نساءٍ مِن العرب، إِذ أَقبل أبو طالب كئيباً حزيناً فقلتُ له: ما شأنُك يا سيّدي؟

فقال: إنَّ فاطمة بنت أَسد في شدّةٍ مِن المخاضِ، ثُمَّ وضعَ يديه على وجههِ، فبينا هو كذلك إِذ أَقبل محمَّد صلَّى الله عليه وآله. فقالَ له: «ما شأنُك يا عمِّ؟».

فقال: إنَّ فاطمة بنت أسد تَشتكي المخاض، فأَخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبةِ، فأَجلسَها في الكعبةِ، ثُمَّ قال: اجلسي على اسمِ الله.

قال:](3) فَطلقت طلقة واحدة، فولدت غلاماً مَسروراً نظيفاً منظّفاً، لم أرَ کحُسن وجهه، فسمّاه [أبو طالب] عليّاً، وحمله النّبيّ صلَّى الله عليه وآله حتّى أذاه إلى منزلِها.

فقال عليّ بن الحسين عليه السَّلام: «فو الله ما سَمعت بشيءٍ [قطُّ] إلاّ وهذا

ص: 35


1- في المصدر: (نضلة)
2- في المصدر: (العجلان)
3- في الأصل: (وأخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة وقال: اجلسي - على اسم الله) بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر

أَحسن منه»(1).

وفي بشارةِ المصطفى: مرفوعاً عن یزید بن قعنب قال: كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب، وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام، إِذ أَقبلت فاطمة بنت أَسد أُم أَمير المؤمنين عليه السَّلام، وكانت حاملة(2) به لتسعة أَشهر، وقد أَخَذها الطَّلق.

فقالت: ربِّ إنّي مؤمنة بك، وبما جاء مِن عندك مِن رسلٍ وكُتب، وإِنّي مصدّقة بكلام جدّي إِبراهيم الخليل عليه السَّلام، وإِنَّهُ بَني البيتَ العَتيق، فبحقِّ الَّذي بنى هذا البيت، وبحقِّ المَولود الَّذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ(3) ولادتي.

قال یزید بن قعنب: فرأَيت البيت قد انشقَّ(4) عن ظهرهِ، ودَخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارِنا وعاد إلى حالهِ(5)، فرُمنا أن ينفتح لنا قُفل الباب فَلم يَنفتح،

ص: 36


1- المناقب - ابن المغازلي: 25، باب في مولده عليه السلام، ح 3/ الدر النظيم - يوسف بن حاتم الشامي: 225، باب في مولد أمير المؤمنين عليه السلام / وعن المناقب ذكره ابن البطريق في العمدة: 28 الفصل الثالث، باب في مولده عليه السلام، والأربلي في كشف الغمة 1: 60، والمجلسي في بحار الأنوار 30:35، ح 26
2- في المصدر: (حام)
3- في المصدر: (لما يسّرت عليَّ)
4- في المصدر: (انفتح)
5- في المصدر: (والتزق الحائط)

فَعلمنا أنَّ ذلك من أمرِ الله تعالى.

ثُمَّ خرجت فاطمة رضوان الله عليها في اليوم الرابع وعلى يَدها عليّ بن أبي طالب أَمير المؤمنين عليه السّلام(1).

[ثمَّ قالت]: إنّي فُضّلت على مَن تَقدّمني مِن النِّساءِ، لأنَّ أَسية بِنت مزاحم عبدت الله عزَّ وجل سِرّاً في موضعٍ لا يُحب الله أَن يُعبد فيه(2) إِلاّ اضطراراً، وإنَّ مريم ابنة عمران هزَّت النَّخلة اليابسة بيدها حتّى أَكلت منها رطباً جنيّاً، وإِنّي دَخلتُ بيتَ الله الحرام فأَكلتُ من ثمارِ الجنَّة وأَرزاقها، فلمّا أَردت أَن أَخرج هَتف بي هاتف: يا فاطمة! سَمِّيه عليّاً، فهو عليٌّ والله العليُّ الأَعلى يقول: «[إِنّي] شققتُ إسمه مِن إِسمِي، وأَدّبته بآدابي، وأوقفته(3) على غامضِ عِلمي، وهو الَّذي يُكَسِّر الأَصنام في بيتي، وهو الَّذي يؤذِّن فَوق ظهر بيتي، ويُقدِّسني ویُمجِّدني، فَطوبی لمن أَحبَّهُ وأَطاعه، وويلٌ لمن أَبغضه وعصاه»(4).

ص: 37


1- في المصدر: (ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين علي عليه السّلام)
2- في المصدر: (لا يجبّ ان يعبد الله فيه)
3- في المصدر: (ووقفته)
4- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى - الطبري: 46، ح 10/ الدر النظيم - يوسف بن حاتم الشامي: 234، باب في مولد أمير المؤمنين عليه السلام

وروي عن نبيّنا المصطفى صلَّى الله عليه وآله، وحبيب إِله السَّماء: لمّا أَراد الله أَن يُظهر وليَّهُ وخليفة نبيّه، تَزوج أَبو طالب فاطمة بنت أَسد أُم أَمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين.

فلمّا أَراد التَّزويج بها خَطبَ وقال: الحمدُّ لله [ربِّ العالمين] ربِّ العرش العظيم، والمقام الكَّريم، والمشعر والحطيم، الَّذي اصطفانا أَعلاماً وسَدنة، وأَعرافاً وخُلصاء وحجته، بهاليل(1) وأَطهار مِن الخنا(2)، والرَّيب، والأَذى والعيب، وأَقام لنا المشاعر، وفَضَّلنا على العشائرِ، نَحن آل إِبراهيم وصفوة زَرع إِسماعيل.

[ثُمَّ قال: مَعاشر قريش إِنّني ممن طَابَ محتده(3) وطَهر مقعده، وعُرِفَ مولده، وعزَّت جرثومته(4)، وطابت أَرومته(5) وذوائبه الذّوائب، وسيد الأَعازب،] وقد تزوَّجتُ فاطمة بنت أَسد، وسُقت المهر لها وثبت الأَمر فاسألوا أَباها وأشهدوا.

فقال أَسد: [أَنت أَبا طالب بحيث المنصب الَّذي ذكرت، والفضل الَّذي

ص: 38


1- البُهلُولُ: السيّدُ الجامع لصفات الخير (لسان العرب 11: 73، مادة - بهل)
2- الخَنا: الخنا من الكلام: أفحشه (العين - الفراهيدي 310:4)
3- محتده: المحتد: الأصل والطبع، (لسان العرب 3: 139، مادة - حتد)
4- جرثومته: الجرثومة: الأصل، (الصحاح - الجواهري 5: 1886، مادة - جرثم)
5- أرومته: الأرومة: أصل كل شجرة، وأصل الحسب: أرومته، (العين - الفراهيدي 8: 296، مادة - ارم)

وصفت وقد]، زوَّجناكَ ورضيناكَ ورضينا بك بعلاً، [ثمٌّ زفت إِليه](1)، وأَطعم النّاس وجمع الله بينهما، وأَقامت معه في أهنا العيش وأوسع الحال.

[قال الراوي:] إلى ان كان في بعض الأيام رأى أبو طالب عليه السَّلام رؤيا في منامه نصف النّهار، كأنّه قد خرج من ظهرهِ نوراً، وافترق أَربعة أَنوار: نور في المشَّرِق، ونور في المغربِ، ونور صعد في السّماءِ، ونور هبط إلى الأرضِ، والملائكة محدقون بتلك الأنوار، ثُمَّ اجتمعت الأنوار نوراً واحداً وقصدت بيت أبي طالب.

قال: فمضى أبو طالب عليه السّلام نحو بيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وأخبره برؤياه.

قال صلّى الله عليه وآله: «إن صدقت رؤياك يا عَمّ، فسيولد لك غلامٌ يكون علماً لأهل السّماوات والأرض، وحجّة الله على العالمينِ، وسيكون له شأن عظيم عند رب العالمين».

[قال: ثُمَّ إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه و آله ناوله رمّانة، قد أَتى بها جبرائیل علیه

ص: 39


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 21:2، ضمن حديث آثار حمله وكيفية ولادته صلوات الله وسلامه عليه (باختلاف بسيط في بعض الالفاظ)/ الدر النظيم - يوسف بن حاتم الشامي: 266، ضمن حديث مولد أمير المؤمنين عليه السلام، وعن المناقب ذكره المجلسي. في بحار الأنوار 98:35، ح 32، وجعفر النقدي في الأنوار العلويه: 28

السَّلام، فأَخذها أَبو طالب مِن يدهِ وأَكلها، فدارت في رأسهِ مِثل السّكر.]

فمضى نحو منزله [وقد تمكّن ماء الرُّمانة في صلبهِ، وأَقبل على زوجتهِ]، وقال لها: تَطيَّبي وتَطهّري فلعَّل الله تعالى يودعك هذا النّور، فَفعلت ما أَمرها به وواقعها في تلك اللَّيلة المباركة مِن الشَّهرِ المبارك فَحملت مِن وقتها وساعتها بأَمير المؤمنين عليه السَّلام(1).

[قال الراوي]: ومرَّ بفاطمة بنت أَسد رضوان الله عليها في أحد الأيام كاهن من الكهانيِ، وهي في جماعةٍ من نساءِ الفاطميات اللّاتي انتمى إِليهنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله، فقال لكلهن: أَيكن كفلت هذا النَّبيّ وربَّته في صغرهِ؟

قالت فاطمة بنت أَسد رضوان الله عليها: أَنا الَّتي كَفلته، وأَنا زَوجة عمِّه الَّذي نرجوه ونؤمله.

ص: 40


1- مولد الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام - أبي عزيز الخطي: 16 (باختلاف بسيط)/ واورد ابن شهر اشوب رؤيا أُخرى لأبي طالب عليه السّلام في المناقب 91:2، (عن كتاب مولد أمير المؤمنين عليه السلام عن ابن بابويه انه رقد أبو طالب في الحجر فرأى في منامه كأن بابا انفتح عليه من السماء فنزل منه نور فشمله...)، وكذلك في الدر النظيم ليوسف بن حاتم الشامي: 226، (ذكر انه رأى في منامه كأنه البس إكليلا من یاقوت وسربالا من عبقر، وكأن قائلا يقول: أبا طالب قرت عيناك، وظفرت يداك، وحسنت رؤياك، فأنالك بالولد ومالك التلد وعظيم البلد على رغم الحسد؛ فانتبه فرحا وبرؤياه معجبا، وخرج من الحجر فطاف حول الكعبة...)

قال: إنْ كنتِ صادقة فستلدین غُلاماً [علّاماً] مطواعاً [لربه هماما] يَكفله محمَّد ويختصّ به، ويودعه سِره ويحَبُوه بمصافاتهِ وإِخوته، إِسمه على ثلاثةِ أَحرف [يلي هذا النّبَيّ في جميعِ أُمورهِ، وينصره في قليلهِ وكثيره]، حتّى يكون سَيفه على أَعدائهِ، ورباب عِلمه إلى أَوليائه، [يفرّج عن وجههِ الكُّربات، ويَجلو عنه حندسِ(1)الظُّلمات]، تَهاب صولته أَطفال المهاد، وتَرتعد من خيفتهِ الفرائص عند الجلاد(2)، [له فضائل شَريفة، ومناقب معروفة، وصلة منيعة، ومنزلة رَفيعة، یُهاجر إلى النّبيِّ في طاعتهِ ويجاهد بنفسهِ في نصرتهِ وهو وصيّه الدّافن له في حجرته].

قالت فاطمة أُم عليّ عليه السّلام: فجعلت أُفكّر (يومي كلَّه)(3)فيما قاله الكَّاهن، فلمّا كان اللَّيل، رأَيتُّ في منامي كأَنَّ جِبال الشَّام قد أَقبلت تَدب، وعليها جَلابيب الحديد، وهي تصيح من صدورها بصوتٍ مَهول، فأَسرعت نَحوها جبال مكّة، فأَجابتها بمثلِ صياحها، وأَهول وهي تنفخ كالشّرار(4) المحمرة، وأَبو

ص: 41


1- الحندس: شدة الظلمة (مجمع البحرين - الطريحي 6: 82، مادة - حندس)
2- الجلاد: الضراب (العين - الفراهيدي 6: 82، مادة - جلد) / وفي العوالم: الجلال
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
4- في المصدر: (تتهيج كالشَّرد)، الشرد: يدل على تنفير وإبعاد، وعلى نفار وبعد في انتشار (معجم مقاییس اللغة - ابن فارس 3: 269، مادة - شرد)

قبيس ينقض مثل قرص الشّمس(1)، ونِصال تَسقط عن يمينه وشماله، والنّاس يلتقطون ذلك، فلقطت معهم أَربعة أَسياف، وبيضة حديد مُذهّبة، فأَوّل ما دخلت مكّة سقط منِّي سيف في ماءٍ مَعين [فغمر]، وطار الأخر في الجوِ واستمر، وسقط الثالث في الأرضِ وانكسر، وبقيَّ الرَّابع في يدي مَسلولاً، فبينما أَنا أَصول به إِذ صار شِبلاً، [فتبينه فصار لَيثاً مهولاً فخرجَ من يدي](2)ومرَّ نحو الجبال يجوب أَباطحها(3)، ويخترق صَلاطها(4)، والنَّاس منه مشفقون، ومن خيفتهِ حذرون، إِذ أتی محمَّد صلَّى الله عليه وآله فقبض على رقبتهِ، فانقاد له كالظّبية الأَلوف، [فانتبهت] وقد راعني الزَّمع(5)والفزع، فطلبت المعبرين والمفسّرین، فوجدّت هناك كاهنا حدثته بحالي فأَخبرني بمنامي، وقال لي: إِنك تَلدين أَربعة أَولاد ذُكور وبنتا بعدهم، وإنَّ أَحد البنين يَغرق، والأَخر يُقتل في الحربِ، والثَّالث يَموت ويبقى له عَقب، والرَّابع يَكون إِماماً للخلق، صاحب سَیفٍ حق [، ذا فضل وبراعة، يطيع النّبيّ المبعوث أَحسن طاعة].

ص: 42


1- في المصدر: يَنتفض كالفرس
2- في الأصل: (فصار ليثاً وهو لا يخرج من يدي). وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
3- في المصدر: (بلاطحها) / اباطحها: بطح: البَطْحُ: البَسْطُ. (لسان العرب 2: 412، مادة - بطح)
4- صلاطحها: اي الحجر العريض (تاج العروس - الزبيدي 4: 126، مادة - صلح)
5- الزمع: الدهش (لسان العرب 8: 144، مادة - زمع)

قالت فاطمة : فلم أَزل مفكّرة في ذلك المنام، ورزقت بنيَّ الثلاثة: عقيلاً وطالباً وجعفراً ثُمَّ حمَلت بعليٍّ عليه السَّلام(1).

ولله در من قال:

أَبشر أَبا طالب عن قليلٍ ٭٭٭ بالولدِ الخالي مِن المثيلِ

یا آل فهر(2)فسمعوا تأويلي ٭٭٭ [هذان نوران على سبيلِ كمثل موسى وأَخيه السّؤول](3)

قال الراوي: قالت فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها: ولمّا تتابعت الشّهور بي بعد حملي بولدي عليّ صلوات الله وسلامه عليه، وقرب خروجه ما کنتُ أمر بحجر، ولا مدر إلاّ وهو يقول: هنيئاً لكِ يا فاطمة، بما خصّك الله به من الفضل

ص: 43


1- اثبات الوصية - المسعودي: 138، ضمن حدیث مولد أمير المؤمنين عليه السلام (باختلاف وزيادة)، کنز الفوائد - الكراجكي: 253، ضمن حديث مولد امير المؤمنين عليه السلام، وعن الكنز نقله المجلسي في البحار 35: 42، ضمن ح 38، والشيخ عبد الله البحراني في عوالم العلوم 1 / 15: 215، باب 3 في كيفية ولادته عليه السلام، ضمن ح 11
2- في المصدر: (یا آل قريش)
3- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 2: 91، باب في مولد أمير المؤمنين عليه السّلام، وعجز البيت الاول هكذا ورد في المناقب (بالولد الحلاحل النبيل) / الصراط المستقيم - العاملي 1: 337، الباب التاسع

العظيم، بحملك بالإمام الكريم(1)، وكنتُ أسمع منه وهو في الاحشاء يقول: «لا إِله إِلّا الله محمَّد رسول الله به تُختم النّبوَّة وبي تُختم الولاية»(2).

وكان إذا دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله على فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها وهي جالسة، لم يكن لها حيلة تمنع نفسها عن القيام، فينهض عليّ عليه السّلام بإمه - ويقوم إجلالاً لرسول الله صلَّى الله عليه وآله - ويقول: «السَّلام عليكَ أيّها النّبيُّ ورحمة الله وبرکاته»، [فيرد رسول الله صلَّى الله عليه وآله السّلام]، فتعجب أَبو طالب من ذلك، وكذلك فاطمة بنت أَسد.

قال أبو طالب عليه السّلام: يا فاطمة! [ما يحملك على القيام إذا جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله، دون مجيئي اليكِ ودخولي عليكِ؟

قالت: ليس لي حيلة في القيام ].

قال: يا فاطمة (إذا جاءنا محمّد صلَّى الله عليه وآله)(3)أمسكي نفسكِ عن القيام وأنا أُعينكِ على ذلك، لننظر ما يكون من [أَمرِ] هذا المولود المبارك.

ص: 44


1- في المصدر: (بما خصّكِ الله بهذا المولد المبارك من الفضل والشرف)
2- انظر: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 2: 21، فصل في حمله عليه السلام وكيفية ولادته، (وفيه يذكر كلامه عليه السلام مع أخيه جعفر وأمه وهو في بطنها)، والدر النظيم ليوسف بن حاتم الشامي: 227، 228
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

فلمّا أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى منزل أبي طالب رضوان الله عليه [على العادة السّابقة]، قام أبو طالب قائما على قدميه، وأمسك بيده على أكتاف زوجته [من خلفها]، فلمّا أحسَّ عليّ عليه السّلام بدخول رسول الله صلّى الله عليه وآله، اقتلع أبويه وأختطف بهما حتّى وقع أبو طالب على الأرض مستلقيا على قفاه.

فعندَّ ذلك تبسّم رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى أضاء من نوره [المشّارق والمغارب](1)، وقال «لا تعجب یا عمّاه من ذلك، فلو كانت الدّنيا لها عروة لحملها [ابنك هذا] بإصبع من أصابعه»(2).

فعندَّ ذلك فرح أبو طالب فرحاً شديداً، وحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على النّبيِّ صلَّى الله عليه وآله، ولله درّ من قال:

ص: 45


1- في الأصل: (المشرق والمغرب)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
2- مولد الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام - أبو عزيز الخطي: 23 / وأورد نحوه الراوندي في الخرائج والجرائح 2: 741، ح 57، مرسلاً، قال: أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد رضوان الله عليها - وكان علي عليه السّلام صبيا -: رأيته يكسر الأصنام فخفت أن تعلم كفار قريش ذلك، فقالت: يا عجبا أخبرك بأعجب من هذا وهو أني اجتزت بموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة، وعلي في بطني، فوضع رجليه في جوفي شديدا لا يتركني أقرب منها، وأن أمر في غير ذلك الموضع وإن كنت لم أعبدها قط، وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله، لا الأصنام، وعنه في البحار للمجلسي 42: 18، ح 5

أبا طالب فابشر بخيرٍ وسؤدد ٭٭٭ فقد فزت بالكرارِ والآية الكبرى

وصيّ النَّبيّ المصطفى وابن عمّه ٭٭٭ وزوج البتول الطّهر فاطمة الزهرا

بدا فأضاء الكون من نورِ وجهه ٭٭٭ وعطّرت الأفاق من طيبهِ عطر(1)

قال الراوي: [فلمّا كان في تلك الليلة المباركة]، وقد مضى من اللّيل ثلثه، إذ قد أتي أمر الله، وإذا قائل يقول: يا فاطمة عليكِ ببيت الله الحرام.

ثمَّ إنَّ فاطمة جاءها المخاض وأتاها ما يأتي النّساء عند الولادة.

قال أبو طالب: فقرأت عليها الأسماء الَّتي فيها النّجاة، فسكن عنها ما تجده بإذن الله تعالى، فقلت لها: آتيك بنسوة من قومك وبنات عمّك ليعينوكِ على أمرك.

فقالت: الرّأي لك.

فأرسل أبو طالب إلى نساء بني هاشم، فلمّا حضرت النّسوة، وإذا بهاتف من

ص: 46


1- الأبيات الشعرية لم أجدها في المصادر المتوفرة عندي، وفي المصدر ذكر هذه الأبيات ونسبها إلى أبي طالب هذا هو الحامي النّبيّ بسيفهِ ٭٭٭ ومكسّرُ الأصنام والأوثانِ وهوَ الودیعةُ خیرُ کلِّ ودیعةٍ ٭٭٭ وهوَ الإمامُ وصفوةُ الرَّحمنِ وهو الصّراطُ المسّتقيمُ ومَنْ به ٭٭٭ يمتازُ ذو الإيمانِ والكفرانِ صلّى عليه الله ما هبَّ الصّبا ٭٭٭ وما ناحت الأطيار في الأغصانِ]

وراء البيت وهو يقول: يا أبا طالب ردَّ النّسوة عنها، فإنه مولود طاهر مطهر لا تمسّه إلّا يد طاهرة.

فلم يستتم الهاتف كلامه إلّا وقد أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله فردَّ النّساء عنها، فخرجنَ من البيت، وخرجت فاطمة رضوان الله عليها من بيتها، وأتت إلى بیت الله الحرام، ووقفت بإزائه فأخذها الطّلق، فرمقت بطرفها إلى السّماء وقالت: یا رب إنّي مؤمنة بك، وبكل كتاب أنزلته، [ورسول أرسلته]، وبكلِّ ما جاء به عبدك ورسولك محمّد صلّى الله عليه وآله، ومؤمنة بجميع أنبيائك ورسلك، ومصدّقة بكلامك وبكلام جدّي إبراهيم الخليل خليلك، الَّذي بنى بيتك العتيق، وأسالك بحقِّ هذا البيت ومَنْ بناه، وبحقِّ حبيبك ونبيّك محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، (وبملائكتك المقربين)(1)، وبحقِّ هذا الجنين (الَّذي في بطني في احشائي)(2)الَّذي يؤنسني بتسبيحه، وتقديسه، وتهليله وتكبيره، وإنّي موقنة بأنه وليّك، وأحد أوليائك المقربين؛ إلّا ما يسرت عليَّ ولادتي.

ص: 47


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

[ثمَّ قالت:

أسألكَ يا ربِّ يا رحمنُ ترحمُني ٭٭٭ يا كاشفَ الضّرِ والبأساءِ والمحنِ

یا خالق الخلق یا ربَّ العبادِ ويا ٭٭٭ ذيِ الجود والفضلِ والإحسانِ والمنن]

فلما فرغت من دعائها سمعت هاتفاً يقول:

أبشري بالمواهب ٭٭٭ بنت خير الأطايب

قد سعدتي بسيد ٭٭٭ خير ماشٍ وراكب

فهو كالبدر نوره ٭٭٭ مشرق ساد غير غائب

سیّداً حاز سؤدداً ٭٭٭ ساد كلّ الأعازب(1)

[قال الراوي: فلمّا فرغ الهاتف من شعره سمعت فاطمة رضوان الله عليها رجّة عظيمة قد نزلت من السّماء، وسمعت قائلا يقول:

أبشري يا بنتَ الأطايبِ ٭٭٭ حقاً بإمامٍ مطهّر للبلادِ

هو غوثُ الأنامِ من كل هولٍ ٭٭٭ ومجيرُ العصاة يومَ التّنادِ

ص: 48


1- البيت الأول والاخير لم يردا في المصدر. وزاد في المصدر بيتين بالأخير. وسيحظى بفاطم ٭٭٭ بنت خير الأعازب وسيأتي بسيدين ٭٭٭ ما سرى بالركائب

قد سعدتي بسيدٍ هاشميٍ ٭٭٭ يحمي الرّسول ويفني الأعادي

خصّهُ الله بالولايةِ حتّى ٭٭٭ نال من ربّهِ عظیمَ المرادِ

فعليهِ الصّلاة حيّاً وميّتاً ٭٭٭ من جميعِ الأنامِ بادي(1)

قال: فلمّا فرغ الهاتف من شعره انشق البيت الحرام]، وتصاعدت الأنوار، وزجاها(2)الأمين جبرائيل عليه السّلام إلى داخل البيت الحرام، وغابت عن الأبصار وعادت الفتحة كما كانت أولاً بإذن الله تعالى.

قال أبو طالب رضوان الله عليه: فأشفقنا عليها من ذلك، وأردنا أن نفتح الباب لنُوصل إليها بعض نسائنا فلم نستطع إلى ذلك سبيلا، [ولم ينفتح أبداً] فعلمنا إنّه أمر من الله تعالى.

قالت فاطمة رضوان الله عليها: فلمّا جلست على الرخامة الحمراء [ساعة وقد کشف الله عن بصري، رأيتُ جبرائيل عليه السّلام قد هبط عندي في جوف الكعبة، ومعه صفوف من الملائكة، وضَربَ على الكعبة ألف ستر، وألف علم من نور ما بين السّماء والأرض.

ص: 49


1- بادي: أي ظاهر (لسان العرب 1: 27، مادة - بدء)
2- زجيت الشيء تزجية، إذا دفعته برفق، (لسان العرب - ابن منظور 14: 354)

ثمَّ صعد إلى السّماء ومعه میکائیل وكثير من الملائكة وطافوا بالبيت الحرام، ثمَّ أقبلوا عليَّ ومعهم ولدي محمّد صلّى الله عليه وآله يقدمهم کالبدر السّاطع، وهم عن يمينه وشماله، وسمعت جبرائیل علیه السَّلام يقول یا محمّد، ربك يقرؤك السّلام، ويخصّك بالتّحية والإكرام ويقول لك: «استَقبل عَلِيّ عند خروجه مِن بطنِ أُمّه».

قالت: ثُمّ جلس النّبيّ صلَّى الله عليه وآله معي ساعة وإذا أنا قد] وضعتُ ولدي أمير المؤمنين وسيّد الموحدين، ولم أجد ألماً، ولا وجعا.

فلمّا وضعته خر ساجداً لله تعالى [رافعاً يديه ورأسه إلى السّماء] وهو يتضرّع إلى ربّه عزّ وجلّ [كهيئة وضع رسول الله صلَّى الله عليه وآله، فبينما أنا أنظر اليه والى دعائه وتضرّعه وابتهاله إلى ربّه، متعجبة من حسنه وجماله وكماله كأنّه الشّمس المضيئة.

فعند ذلك استقبله النّبيّ صلَّى الله عليه وآله، ورفعه بيده اليمنى من الأرض، وإذا به قد نطق بلسان فصيح وقال: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأَشهد أنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله وأَشهد أَنّ عليّاً وليُّ الله وأشهد أنَّي وصيّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله، بمحمَّد تُختم النّبوُّة وبي تختم الولاية وأنا أمير المؤمنين».

ثمَّ قال: «السّلام عليكَ يا رسول الله».

ص: 50

فقال النّبيّ صلَّى الله عليه وآله: «وعليكَ السّلام يا أبا الحسن».

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «فلمّا أَخذته فإِذا هو مدْهون الرأس، مكحول العينَين فضحكَ في وجهِي.

فعندَ ذلك قال لي جبرائیل: أعطني إياه يا محمّد، فأعطيته إياه فغاب عني ساعتين، وإذا هو مکسي ثوبين أبيضين يتلألأ من نور.

ثُمَّ دفعه اليَّ فدفعته إلى أُمه وقال لها: السَّلام عليكِ يا أُمّاه ورحمة الله وبرکاته».

قالت: وعليكَ السّلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، وقالت: ثَّم إنَّ حبيبي رسول الله صلّى الله عليه و آله تركني في الكعبة ومضى عنّي.

فبينما أنا متعجبة من أمري]، وإذا بخمس نساء كأنَّهنَّ الأقمار، فدخلنَ عليَّ وعليهنَّ ثياب من الحرير، والإستبرق، وروائحهنَّ أزكى من المسّك الأذفر، وقلنَ لي: السّلام عليكِ يا فاطمة [، فرددتُ عليهنَّ السّلام]، ثُمَّ جلسنَ بين يديَّ ومعهنَّ جونة1(1)من فضة.

ثمَّ التفت ولدي إلى النّسوة بطرفٍ خفي، ولم ينظر اليهنَّ، ولا إلى وجوههنَّ حياء من ربّه تعالى وقال لهنَّ: «السَّلام عليكنَّ [أيّتُها النِّساء الطّاهرات التَّقيات

ص: 51


1- الجونة: ظرف للطّيب (مجمع البحرين - الطريحي 6: 230، مادة - جون)

النَّقيات الزَّكيات الصَّفيات] ورحمةُ الله وبرکاته».

فرددَن عليه السّلام بأحسن التّحيات والاكرام، وقد علا منه نور ساطع، یکاد يخطف الأبصار، وهو يقول: «أشهد أن لا اله إلّا الله [وحدهُ لا شريكَ له] وأشهد أنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله، بمحمّد تختم النّبوة وبي تختم الولاية».

وفي هذا المعنى أقول:

نِلتِ المسّرةَ والكرامة ٭٭٭ لمّا وضعتِ على الرخامة

بالمرتضی الهادي ٭٭٭ أخِ الهادي المظلل بالغمامة

جنب الإله ونوره ٭٭٭ السّاقي المشفّع في القيامة

صلّى عليه الله ما في الدوحِ ٭٭٭ غرّدتِ الحمامة

فتعجَّبت النّسوة من [قوله، و] حسنه، وأنواره، وأخذته (واحدة بعد واحدة، فأول من أخذته)(1)حواء أُم البشر، فقبّلته، وشمّته [وهي تقول:

صلّی الإله على المقر بربّهِ ٭٭٭ وهو التّقيُ بن التّقيِ العادلُ

حاز الفّضائل والعلوم بأسرها ٭٭٭ وهو الشّجاع اللوذعي(2)الباسلُ

ص: 52


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
2- اللَّوْذَعِيُّ: الحدِيدُ الفُؤادِ واللسانِ الظريفُ كأَنه يَلْذَعُ من ذَکائِه (لسان العرب - ابن منظور 8: 317، مادة - لذع)

وهو الشّفيق لمن أتی مسترفداً ٭٭٭ وهو العدو لمن أتى بالباطل

صلّى عليكَ الله ما جنَّ الدجى ٭٭٭ وما حدی حاد وسحَّ الوابلُ(1)

قال: فلمّا فرغت حواء من شِعرها]، نظر اليها وضحك في وجهها وقال لها: «السَّلام عليكِ يا أُمّاه ورحمة الله وبرکاته».

قالت حواء: وعليك السَّلام يا بنيّ ورحمة الله وبركاته.

قال: «ما حال والدي آدم»؟

قالت: في نِعمِ الله تعالى يتقلب فيها حيث يشاء.

قالت فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها: [فلمّا سمعت منه ذلك قلت له] ألستُّ يا بُنيَّ أنا أُمك؟

قال: «بلى ولكن أَنا وأَنتِ [وجميع البشر] مِن صُلبِ آدم وبطن حواء».

قالت: فدنت منه أُخرى ومعها جونة من فضة مملؤة من طيب الجنّة مسك وعنبر وغير ذلك، فأخذته من يد حواء وضمّته إلى صدرها، وطيّبته بجميع ما في الجونة من الطّيب، والرّوائح الزّكية، [ووضعته في حجرها، وقبّلته وضمّته إلى صدرها]؛ فلمّا نظر اليها تبسم ضاحكا وقال: «السَّلام عليكِ يا أُختاه [ورحمة الله

ص: 53


1- سح الوابل: أي سال المطر (مجمع البحرين - الطريحي 2: 371، مادة - سح)

وبركاته]».

قالت: وعليكَ السّلام ورحمة الله وبركاته.

قال: «ما حال أخي(1)عیِسی بن مریم».

قالت: [في نعم الله يتقلّب فيها كيف شاء، و] قد رفعه الله اليه مكاناً عليّا.

[وقالت:

صلّى عليكَ الله يامن حبُّهُ ٭٭٭ يوم القيامة عصمةٌ للخائفِ

الصائمُ القوّامُ في غسقِ الدّجی(2)٭٭٭ فهو الإمامُ ابن الإمامُ العارفِ]

قالت له أُمه: يا بُنيَّ ومن هذه؟

قال: «هذه أُختي مريم ابنة عمران، وهذه الجونَة معها من الجنّةِ، وما فيها مِن الطِّيبِ فهو طيبِ الجنّة، وهي جونَة العطار».

ثُمَّ أخذته الأُخرى من يد مریم بنت عمران، وقبّلته وضمّته إلى صدرها، وشمّته حيناً، ثُمَّ أدرجته في ثوب كان معها من حرير الجنّة، [فنظر اليها وقال: «السَّلام عليكِ يا أُختاه ورحمة الله وبرکاته».

ص: 54


1- في المصدر: عمِّي
2- غسق الدجي: أي في ظلمة الليل، (الصحاح - الجوهري 4: 1537)

قالت له: وعليكَ السّلام ورحمة الله وبركاته.

قال: «ما حال أَخي موسى».

قالت: في نِعمِ الله يتقلب فيها كيف يشاء؛ ثم شمّته وقبّلته وضمّته إلى صدرها] فتعجبت منه عجبا شديدا، وقالت: لا عجباً من قدرة الله تعالى، [ثُمَّ إنّها حمدت الله وأثنت عليه، وصلّت على النّبيّ]، وجعلت تقول:

أُتيت من كرمِ الإله معاجزاً ٭٭٭ وفضائلاً لم يُحصها كلُّ الوری

وضعتكَ أُمُّكَ وسط كعبةِ ربِّنا ٭٭٭ فوقَ الرّخامةِ ساجداً ومكبّرا

أنتَ المؤيَّدُ في الحروب وفي غدٍ ٭٭٭ تسقي وليّكَ من رحيق کوثرا(1)

[صلّى عليك الله يامن حبُّهُ ٭٭٭ ينجي غدا من حر نارٍ تسعرا]

[قال: فلمّا فرغت من شعرها أُم موسى] أخذته الأُخرى من يدها، [ وقبّلته] وضمّته إلى صدرها، فلمّا نظر اليها [تبسم وضحك [في وجهها]، حتّى أضاءت منه [ المشّارق والمغارب، وأنارت منه] الكعبة وما حولها.

ثُمَّ قال لها: «السَّلام عليكِ يا أُمّاه [ورحمة الله وبركاته]، ما حال أَبيك مُزاحم».

قالت: في نِعمِ الله يتقلّب فيها كيف شاء. [ثم إنَّها حمدت الله وأثنت عليه،

ص: 55


1- في المصدر: تروي محبّكَ في المعاد الكوثرا

وذكرت النّبيّ وصلَّت عليه، وقالت:

أنتَ الَّذي فرضَ الإلهُ ولاءَهُ ٭٭٭ وجُعِلتَ حجة ربّنا الخلّاقِ

قد أشرقت أنوارُ وجهك في الورى ٭٭٭ حتّى استنارت جملةُ الأفاقِ]

قال: ثُمَّ أخذته سارة بنت ملك الروم زوجة إبراهيم الخليل، فضمّته، وقبّلته، فلمّا نظر اليها [تبسّم و] ضحك في وجهّها، وقال لها: «السَّلام عليكِ يا أُمّ البنين وأَطفال المؤمنين [ورحمة الله وبركاته]».

قالت: وعليكَ السّلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

قال: «ما حال أبي(1)إبراهيم الخليل؟»

قالت: في نعم الله يتقلّب فيها كيف شاء، [وقالت شعراً:

أبشري فاطمُ بخير وليّ ٭٭٭ صفّوةُ الله من جميعِ العبادِ

عابدٌ زاهدٌ تقيٌ نقيٌ ٭٭٭ طاهرٌ من جميعِ كلّ الفسادِ]

قال: فلمّا فرغت سارة من شعرها، أَتينَ النّسوة جميعهن، وكشفنَ سرته، فوجدنه مقطوع السّرة [مختوناً]. فقلنَ لها: يا فاطمة ما كفاك إنَّك وضعتيه(2)[في

ص: 56


1- في المصدر: (جدّي)
2- في المصدر: (رضعتيه)

هذا المكان]، ولم يكن معك أحد حتّى قطعتي سرته بنفسك، [وفرغت من أمره].

قالت: والله ما رأيته إلّا كما تَرَينَّ.

ولله در من قال:

يا أُم ذا الشأنِ العظيمِ ٭٭٭ هنیتِ بالولد الكريمِ

في الكعبةِ الغرى وضعتي ٭٭٭ بحيدرةٍ كنز العلومِ

نفسُ النّبيِّ وصنوه الهادي ٭٭٭ الى النّهجِ القويمِ

ملجا العفاة(1)وكنزُهم ٭٭٭ کهفُ الأراملِ واليتيمِ

هو ماجدُ الشّأنِ العليِّ ٭٭٭ وآية الربِّ الرّحيمِ

الشّافع الهادي الى ٭٭٭ نهج الصّراط المستقیمِ(2)

قالت فاطمة رضوان الله عليها: لو يتطهر ولدي هنا لكان أهون عليه [وعليَّ].

فقالت النّسوة: يا فاطمة إنّه طاهر مطهر لا يذيقه الله حرّ الحديد إلّا على يد أشقى الأشقياء من خلق الله تعالى يبغضه [ويلعنه] الله ورسوله وملائكته

ص: 57


1- في الاصل: هكذا رسمت (العفات)، والاصح هو هكذا: العفاة: وهم طلاب المعروف، الواحد عاف (الصحاح - الجوهري 6: 2433، مادة - عفا)
2- الابيات الشعرية لم ترد في المصدر، ولم اجدها في المصادر المتوفرة عندي

[وأنبياؤه] والمؤمنون من الأنام(1)وجميع من في السّماوات والأرضين والجبال والبحار [وهو اشقى الأشقياء].

فبكت فاطمة رضوان الله عليها وقالت: من هذا الرّجل الَّذي يقتله، فقد مزجتم الفرح بالترح [ليتني كنت فداه].

فقلنَ لها: ذلك الرجل اسمه عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله، يقتله في محرابه بالكوفة [، وهو قائم يصلي بالمحراب] سنة ست وثلاثين(2)من الهجر [وكان بين مولد الإمام عليّ عليه السَّلام، ومولد رسول الله صلّى الله عليه وآله ثلاثون سنة].

[قالت]: ثمَّ خرجنَ النّسوة عنّي ولم أرهنّ [، وقد كنت مستأنسة بهنَّ].

فقلت: ليتني عرفت النّسوة اللّاتي (آتين لي وقت الولادة)(3)غير حواء، ومريم ابنت عمران.

قال لي ولدي: «يا أُمّاه أَمّا الأُولى: فهيَّ أُم البشر حواء، وأمّا الثّانية [الَّتي طيّبتني بالطّيب]، فهي مريم ابنة عمران أُم عيسى، وهي صاحبة الجونة، وأمّا الَّتي

ص: 58


1- في المصدر: (والنّاس اجمعين)
2- في المصدر: (أربعين)
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

أدرجتني في الثّوب الحرير، فهي أُم موسى، والرابعة أسية بنت مزاحم، وأمّا الخامسة، فهي سارة زوجة جدّي إبراهيم الخليل، وكلُّ واحدة منهنَّ تركت لي شيئاً من [الطّيب](1)عليهنَّ منّي السّلام».

قالت فاطمة : [فلمّا خرجنَ النّساء عنّي]، وأنا جالسة على الرخامة [الحمراء] أفكّر في نفسي، وإذا بخمسة مشایخ قد دخلوا عليَّ، فلمّا رآهم ولدي وهو بين يدي جعل يبتسم ويضحك.

قالوا له: السَّلام عليكَ يا وليَّ الله، وخليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

قال لهم: «وعليكم السَّلام ورحمة الله وبرکاته».

(ثُمَّ قال لآدم عليه السَّلام: «السّلام عليك يا والدي ورحمة الله وبرکاته»)(2).

ثُمَّ التّفت إلى نوحٍ وقال: «السّلام عليكَ يا (أبتي)(3)ورحمة الله وبرکاته».

ثمَّ التفت إلى إبراهيم الخليل وقال: «السّلام عليكَ يا أبي إبراهيم ورحمة الله وبرکاته».

(ثُمَّ التفت إلى موسى وقال: «السّلام عليكَ يا أخي موسى ورحمة الله

ص: 59


1- في الاصل: (من فنون القوابل)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

وبرکاته»)(1).

ثُمَّ التفت إلى عيسى وقال: «السّلام عليك (يا أخي)(2)عیسی ورحمة الله وبرکاته»، [وكلّ واحد منهم يردُّ عليه بإمرة المؤمنين].

ثُمَّ أخذوه من بين يديَّ، وجعلوا يقبلونه واحداً بعد واحد.

[فأول ما أخذه آدم عليه السّلام].

فقال له: لولاك وأخاك ما قبل الله توبتي، وقال: الحمدُ لله الَّذي خصّنا برؤيتك، ورزقنا جوارك.

ولمّا باشر آدم الخطبة توسل إلى ربّه وقال: اللّهمَّ بحق هذين الولدين اللّذيَن عرفتني بهما، وخلقتني من نورهما، أن تتوب على الوالد بحق ولده وذريتهما، فقبل الله توبته.

ويدلُّ على ذلك قوله تعالى: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ...»(3)

قال: ثمَّ أخذه نوح عليه السّلام من يد آدم عليه السّلام، وقبّله، وقال: الحمدَّ الله الَّذي أخرجك إلينا، حيث وعدنا الله بجوارك، وقال: لولاك وأخاك ما سارت

ص: 60


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
3- البقرة: آية (37)

بنا السّفينة يوم الطّوفان، فنجونا من الغرق. [وقال شعراً:

هذا الَّذي خصّهُ الباري بفاطمةٍ ٭٭٭ وخصّهُ الله بالآياتِ والسّورِ

أضحت به أُمهُ في النّاسِ فاخرةً ٭٭٭ والرّكنُ والكعبةُ الغرّاء تفتخر

صلّى عليكَ إله العرش ما سجمت(1)٭٭٭ قمريّةٌ على غصنٍ من الشّجرِ]

ثُمَّ أخذه إبراهيم الخليل عليه السّلام من يد نوح، وجعل يقبّله [، ويشمّه] ويقول: لولاك وأخاك ما نجوتُ من نار النّمرود، وكانت عليَّ برداً وسلاماً، [فالحمدُ لله على جزيل نعمه.

وقال:

لولاك ما خلق الباري خلائقه ٭٭٭ ولا هما وابل(2)والسّحب ما انسكبا

لولا علومك غاب العلم واندر ست ٭٭٭ قواعد الدّين والإسلامُ صارَ هبا

[صلّى عليكَ إلهي ما نشا سحبٌ ٭٭٭ وما سری راكبٌ والغيث ما انسكبا]

قال: فأخذه موسی بن عمران علیه السّلام من يد إبراهيم الخليل عليه السّلام

ص: 61


1- سجمت: السّجم: الدمع (العين - الفراهيدي 9: 95، مادة - سجم)، هكذا وردت العبارة في المصدر، والظاهر انه تصحيف والصحيح إنّها سجعت، سَجَعَتِ الحَمَامَةُ: رَدَّدَتْ صَوْتَهَا عَلَى نَغْمَةِ وَاحِدَةِ (تاج العروس - الزبيدي 11: 203، مادة - سجع)
2- الْوَابِلُ: المطر الغليظ القطر (العين - الفراهيدي 8: 338، مادة - وبل)

فقبّله واحتضنه، وقال: الحمد لله على نعمائه، وصلّى الله على خير أنبيائه، وسيّد أوصيائه [وأفضل أوليائه]، وقال: لولاك وأخاك ما كلمني الله ربّي على الجبل وصرت کلیمه، وعیسی روحه (ورفعه الله مكانا عليّا)(1)، وجعل نوحا نجیا، وإبراهيم خليلا، وآدم صفيا، ولم ينجُ يونس من بطنِ الحوت، ولم يُشفَ أيوب من بليته، ولم ينجُ يوسف من كيد إخوته، ولم يرتد على يعقوب بصره، ولم يستقل(2)سلیمان بن داود على بساطه، ولم يلن الحديد لداود [ولم تكن النّاقة لصالح]، ولم ينل الأنبيّاء جميع المكارم، (ولم تفتخر الملائكة)(3)إلّا بفضلّکما وکرامتکما.

[وقال شعراً:

لولاك ما خلق الأفلاك خالِقُها ٭٭٭ ولا نشأ الخلقُ من ماءٍ ولا طينا

ولا وعدنا بجنّاتِ النّعيمِ ولا ٭٭٭ نلنا المكارمَ والإحسانَ والدّينا

الله فضّلنا من فضلكُم وبکُم ٭٭٭ تمحى الذّنوب وأنتم آل یاسینا

صلّى الإله عليكم ربّنا وعلى ٭٭٭ أرواحكُم وعلى جميع النّبيّینا]

ص: 62


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
2- في المصدر: (يستقر)
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

قال: فأخذه عيسى ابن مريم عليه السّلام (من يده)(1)وقبّله، وقال: لولاك وأخاك ما خلقت من الطّين كهيئة الطّير بإذن الله تعالى، ولا أبرأت الأكمه والأبرص، ولا أحييت الموتى بإذن الله تعالى، ولا نلت ذلك إلّا بفضلکما عند ربکما(2).

قالت فاطمة رضوان الله عليها: ثُمَّ إنهم خرجوا من عندي، فقلت: ليتني عرفت هؤلاء المشّايخ الخمسة؟

فقال لي ولدي: «يا أُمّي أمّا الأَول مِن الرّجالِ: فآدم عليه السّلام، وأمّا الثّاني: فهو أَبي نوح عليه السَّلام، وأمّا الثّالث: (فجدّي)(3)إِبراهيم الخليل عليه السّلام، والرابع: موسی بن عمران عليه السَّلام، وأمّا الخامس: فعیسی بن مریم، [عليهم

ص: 63


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
2- حديث تسديد أمير المؤمنين عليه السّلام للأنبياء وقولهم عبارة (لولاك) ورده في مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي: 257 ضمن حديث النورانية، حيث يقول سلام الله عليه (....... أنا حملت نوحا في السفينة، أنا صاحب يونس في بطن الحوت، وأنا الذي جاوزت موسي في البحر، وأهلكت القرون الأولى، أعطيت علم الأنبياء والأوصياء، وفصل الخطاب، وبي تمت نبوة محمد، أنا أجريت الأنهار والبحار، وفجرت الأرض عيونا، أنا كاب الدنيا لوجهها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا الخضر معلم موسی، أنا معلم داود وسليمان .............)، وكذلك اورده المجلسي عن الكتاب العتيق في البحار 26: 5، باب نادر في معرفتهم صلوات الله عليهم بالنورانية، ح 1 (باختلاف بسيط)
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

منّي السّلام جميعاً]».

قالت فاطمة رضوان الله عليها: فبينما أنا كذلك، وإذا بخفقان أجنحة الملائكة، وإذا [بسحابة بيضاء قد نزلت على ولدي وطارت به عنّي، وسمعت] قائلاً يقول: [طوفوا بعليًّ بن أبي طالب مشارق الارض ومغاربها، وبرها وبحرها، وسهلها وجبلها، و] أعطوه أحكام النّبيين، وعلوم الوصيين، وجميع أخلاق الأنبيّاء [والمرسلين]، والأوصياء [، والصّديقين]، وافعلوا بمثل ما فعلتم مع أخيه سيّد الأولين والآخرين، واعرضوه على [جميع الأنبياء والمرسلين، و] الملائكة المقربين [، وأهل السّماوات والأرضين]، فإنَّه وليُّ ربِّ العالمين [، ووصيُّ محمّد الأمين].

قالت فاطمة: (فرأيت علماً منشوراً قد سدَّ المشرق والمغرب، وعلماً قد صعد إلى السّماء)(1)، [وكانت غيبته ورجوعه أسرع من طرفة عين، فجعلت أنظر إليه متعجبة منه، وإذا أنا بسحابة أخرى أعظم من الأولى قد نزلت عليه، وطارت به عنّي كالمرة الأولى]، وسمعت وقائلاً يقول: [طوفوا بعلي بن أبي طالب على جميع ما خلق الله، و] اعطوه [جميع] أحكام العلم [والكرم] والحلم [والحكمة] والورع [والزّهد والحكم] والتّقى والسّخاء والبهاء [والرّضا والنّور] والتّواضع [والخشوع والقنوع والوقار] والشّجاعة والهيبة والمرؤة والصّيانة والدّيانة

ص: 64


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

والفصاحة [والنّصاحة والبراعة والعفاف والإنصاف والحمد] وجميع أخلاق النّبيين [وصفات المرسلين](1).

[قالت فاطمة رضوان الله عليها: فبينما أنا حائرة في أمري إذا بولدي بين يديَّ.]

ثمَّ [إنَّهم] أخذوه فوجدوه طاهراً، مطهّراً، مقطوع السّرة مختوناً.

ثمَّ لفوه في حريرة بيضاء من حرير الجنة، وقالوا: إنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يذيقه حرَّ الحديد إلّا على يد أشقى الأشقياء يلعنه الله وملائكته [وأنبياؤه] والنّاس أجمعون وجميع من في السّماوات والارضين.

قالت فاطمة بنت أسد: ومضوا بولدي عنّي، (وقلبي متعلق به)(2)، ولم أعلم من أين خرجوا به عنّي؛ (فصرت أبكي فما كان إلّا ساعة واحدة من النّهار، وإذا بهم قد دخلوا به)(3)، ولم أعلم من أين دخلوا به [فدفعوه اليَّ]، وقالوا: يا فاطمة!

ص: 65


1- ورد خبر نزول السحابة واعطاءه العلوم، وكذلك طوفان الملائكة به صلوات الله وسلامه عليه في كتاب الأنوار في مولد النّبي المختار لأبي الحسن البكري: 189، وذكره لرسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه واله کما تدل على ذلك النصوص، وذكر المسعودي في اثبات الوصية: 133، إن فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها ولدت أمير المؤمنين عليه السّلام على مثال ولادة امنة رضوان الله عليها للنبي صلى الله عليه واله
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
3- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

أحفظيه من أعين النّاظرين فإنّه وليُّ ربِّ العالمين، و[إعلمي إنّه] لا يدخل الجنّة إلّا من تولاه، وصدّق بإمامته [وولايته وبإمامة الأحد عشر من ذريته]، فطوبى لمن تبعه [وأطاعه]، وويل لمن [خالفه و] حادَّ عنه، فمثله كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن حاد عنها غرق وهوى.

ولله در من قال:

سُمّي عليّاً قبل خلق أدمٍ ٭٭٭ فهو الإمامُ وصفوةُ الرّحمنِ

صلوا عليه وسلّموا وتكرّموا ٭٭٭ وتفضّلوا يا معشر الإخوانِ

صلّى عليه الله خلاق الوری ٭٭٭ ما غرّد القمريُ في الأغصانِ(1)

ثُمّ تكلموا في أُذنه بكلام لم أفهمه، وكتبهُ أحدهم، [وعلّقه عليه، ثمَّ قبّلوه وتركوه]، وخرجوا [عنّي] ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة رضوان الله عليها : فبقيت في الكعبة ثلاثة أيام بلياليها، أكل من ثمار الجنّة، وولدي عليّ يقول لي [ - إذا بكيت - ]: «لا بأس عليكِ يا أُم، اعلمي إنَّ الَّذي فرج لي الجدار وادخلني في بيته الحرام، فهو يفرجه ثانيا بقدرته الَّتي لا تعجز عن شيء يكون، ويخرجني منه كما أَدخلني أولاً».

ص: 66


1- الأبيات لم ترد في المصدر، ولم أجدها في المصادر المتوفرة عندي

هذا وأبو طالب وإخوته وبنو عمّه وجميع أهل مكة قد أيسوا من فاطمة وولدها عليّ بن أبي طالب، ورسول الله راكع وساجد، وهو يدعو الله تعالى، ويقول: «ربِّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أَمري، وأردد عَلَيَّ أَخي وابن عمِّي، ومن أُمّه كأمّي، وأَبوه كأَبي».

فنزل علیه جبرائیل، وقال: (السّلام عليكَ يا رسول الله)(1)العليُّ الأعلى يقرؤك السّلام، ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك: «طب نفساً وقر عيناً [وبشر أبا طالب] ومن يحبه من النّاس بسلامته»، فقد أذن الله له ولأُمه بالخروج [من الكعبة] في هذا الوقت، وفي هذه السّاعة يأتي اليكم هو وأُمه سالمين.

قالت فاطمة رضوان الله عليها: [ثُمَّ إنَّ الجدار انشق من ساعته كأَول مرة، وخرجت من البيت الحرام، وولدي معي في حضني [ووجهه كالقمر الزاهر]، وهو يبتسم ويضحك ويقول: «يا أُماه أين تمضين بي عن بيت الله الحرام، [أُقيم فيه أنا وأنتِ]».

فقلت له: يا بنيّ سر بنا إلى منزل أبيك وابن عمّك رسول الله صلّى الله عليه وآله.

[قال: «نعم»].

ص: 67


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

فلمّا وصلت إلى بيت أبي طالب [فإذا بنو هاشم كلُّهم مجتمعون، وفي وسطهم رسول الله صلّى الله عليه وآله يصف لهم النّسوة اللّاتي دخلنَ عليَّ، والمشايخ الخمسة كذلك، والملائكة وبما قالوه له، وما قال لهم عليّ عليه السّلام وقت ولادته، فتعجب النّاس من ذلك].

ثُمَّ قالت لهم فاطمة بنت اسد رضوان الله عليها: [معاشر النّاس] إنَّ اللهَ اختارني (على المختارات)(1)، وفضّلني على (جميع)(2)من مضى، وقد اختار آسية بنت مزاحم؛ لأنّها عبدت الله في موضع لا يحب فيه العبادة إلّا اضطراراً، واختار مریم بنت عمران ويسّر عليها وضعها بعیسی بن مریم، فهزّت جذع النّخلة في فلاةٍ من الأرض، فتساقط عليها رطبا جنيّا.

واختارني [الله] على كلّ مَن مضى من نساء العالمين بولادتي في بيت الله الحرام، وبقيت فيه ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنّة، فلمّا أردت الخروج وولدي في حضني هتف بي هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول:

ص: 68


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

هذا عليّ قد أتي بفضائل ٭٭٭ ومناقب ومعاجز ومواهب

هذا الَّذي حاز الفضائل كلّها ٭٭٭ وحوى الفخار من الإله الواهب(1)

هذا هو المخصوص من ربّ السّما ٭٭٭ بقرينة ما مثلها من صاحب(2)

[قالت]: فلمّا فرغ الهاتف من شعره قال: يا فاطمة! سمّي ولدك هذا عليّا، فإنّ العليَّ الأعلى أمرني أن أقول لكِ بذلك.

والله العليُّ الأعلى يقول: «أنا المحمود، وحبيبي محمّد، وأنا الأعلى، وولييّ عليّ، فقد قرنت إسمي باسميهما(3)، وهما الصّفوة من المصطفين الأخیار، وقد خلقتهما من نوري، وعزتي وجلالي، ولقد شققت اسم ولييّ من إسمي، وجعلت بيتي له مولدا(4)(وشرَّفت بيتي بمولده)(5)، وهو أوّل مَن يؤمن بي، ويصدّق برسولي ويقدّسني ويهللّنني ويكبّرني وهو خليفة نبيّي صلّى الله عليه وآله وسلّم ووزيره ووصيه والقائم بالقسط من بعده وزوج ابنته وابو سبطيه؛ فجنّتي لمن أطاعه،

ص: 69


1- في المصدر هكذا ورد عجز البيت الشعري: (وهو الخليفة والوصي الصاحب)
2- في المصدر هكذا ورد عجز البيت الشعري: (بقرينة أزكى وأكرم خاطب)
3- في المصدر: (وقد شققت إسميهما من أسمائي)
4- في المصدر: (وولد في بيتي)
5- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

وناري لمن أبغضه وخالفه وجحد ولايته».

قال أبو طالب: فلمّا رأيته ورآني، قال لي: «السّلام عليك يا أبت ورحمة الله وبرکاته»، ثُمَّ إنَّ أبا طالب رضوان الله عليه قبَّل ولده وشمّه وحضنه وحمد الله وأثنى عليه]، وذكر النَّبيّ فصلّى عليه وقال: الحمدُ لله الَّذي اعطاني ما لم يعطه أحداً من البشر.

ثُمَّ قبَّله وناوله فاطمة أُمه رضوان الله عليها، وأنشد يقول:

هذا عليٌّ ابنُ عمِّ محمّدٍ ٭٭٭ هذا الَّذي جبريلُ من خدامهِ

هذا هو النّبأُ العظيمُ ومن يكنْ ٭٭٭ يقضي بحكمِ الله في أحكامهِ

هذا الموحد قبل كلّ موحد ٭٭٭ ومجدل الأقران عند صدامه(1)

نشأته سلام الله عليه في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله:

فلمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله بيت عمّه أبي طالب رضوان الله عليه، ورأى عليّاً في حضن أُمه فاطمة، فرح فرحا شديدا [وكذلك عليّ عليه السَّلام انشرح صدره وطابّت نفسه] بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقال: «السّلام عليكَ يا رسول الله ورحمة الله وبرکاته»، ثُمَّ جعل يهشُّ ويضحك كأنّه ابن سنة ثُمَّ

ص: 70


1- الأبيات لم ترد في المصدر، ولم أجدها في المصادر المتوفرة عندي

قال: «خذني اليك»، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقبّله واحتضنه، وقال: «الحمدُّ لله الذي [جمع شملي بك، الحمدُّ لله الَّذي] جمع بيننا»، ثُمَّ ناوله أُمه.

فنطق الإمام بلسان فصيح وقال: «مدّ یا رسول الله يدك فأنا أَشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأَشهد أنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله [وأَشهد أنَّي وليّه ووصيّ نبيّه وخليفته من بعده]، بك تختم النّبوّة وبي تختم الولاية».

ثُمَّ إنَّه عليه السّلام تنحنح وهو في حجر أُمّه وقرأ الصّحف الَّتي نزلت على آدم [والتي نزلت على شيث] وصحف نوح وصحف إبراهيم، والتوراة الَّتي نزلت على موسى والإنجيل الَّذي نزل على عيسى حتّى لو حضروا [وسمعوا قراءته] لأقروا [له واعترفوا] إنّه أحفظ منهم.

ثُمَّ قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشّيطان الرجيم(1). بِسمِ اللهَّ الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)

ص: 71


1- في المصدر: (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم)

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)»(1).

فلمّا سمع أبو طالب ما قاله عليّ عليه السّلام [تهلل وجهه و] فرح فرحاً شديداً و حمد الله وأثنى عليه، وذكر النّبيَّ فصلى عليه.

وأنشأ يقول:

يا خيرَ مولودٍ تعاظمَ شأنُهُ *** وسما الأنامَ مکارماً ومواهبا

إن تمُسِ محسوداً فقد فُقتَ الوری *** بفضائلٍ جلّت وطابِتَ مكسبا

وولدتَ في أُمِّ القرى فضل به *** دونَ الأنامِ لكَ الإله به حَبا

ورَضعتَ من حكمِ النّبيِّ وعلمهِ *** ومنحتَ منهُ معاجزا ومناقبا

فعليك من ربِّ العبادِ صلاته *** ما حرّکت نسج الرياح ريح الصبا(2)

قال: فلمّا فرغ أبو طالب رضوان الله عليه من شعره، قام رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأشار إلى النّاس أن اسكتوا فسكتوا، وقال: «قد أفلحوا بك يا عليُّ، أنتَ والله أميرهم، تميرهم من علومك فيمتارون، وأنتَّ وليّهم، وبك يهتدون(3)،

ص: 72


1- المؤمنون: الآيات (1 - 11)
2- الأبيات الشعرية لم ترد في المصدر، ولم اجدها في المصادر المتوفرة عندي
3- في المصدر: (وأنت والله دليلهم وبك يهتدون)

وأنت وصيّي، وخليفتي، ووزيري، وصنوّي(1)، وناصر ديني، وزوج ابنتي، وأبو سبطي، وخليفتي على أُمتي، فطوبى لمن تبعك وأطاعك، وويل لمن عصاك، وأبغضك وعاداك؛ فو الله لا يتولاك إلّا السّيّد، ولا يبغضك إلّا الشّقي العنيد».

[فعندَّ ذلك قال أبو طالب لزوجته فاطمة رضوان الله عليهما: إمضي إلى أعمامه وبشّريهم بظهور عليٍّ عليه السّلام.

قالت: كيف أُخلّي ولدي وقطعة كبدي؟ مَن يرويه من بعدي؟

فأخذه النّبيُّ صلّى الله عليه وآله وقال لها: «امضي إلى أعمامه، فأنا أرويه بعدكِ»]. ثُمَّ أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله وضع لسانه في فم عليّ عليه السلام، فلم يزل يمصَّه حتّى انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً من العلم، فسمّيَّ ذلك اليوم يوم التروية.

[قالت فاطمة رضوان الله عليها: فمضيت إلى أعمامه ورجعت ومعي بنو عبد مناف وبنو عبد المطلب، فدخلوا منزل أبي طالب.

فأوّل من أخذه عمه حمزة، فجعل يقبّله ويضمّه.

قال: ثُمَّ أخذه عمّه العبّاس، وجعل يقبّله ويضمّه إلى صدره ويقول:

ص: 73


1- الصِّنوُ: الأَخ (لسان العرب 14: 470، مادة - صنوا)

يا سيّداً حاز السّعادة والعلا *** والجودَ والإحسانَ والتكريما

حُرست بمولدك السمّاء فلم يدع *** فيها ملائكةُ السّماءِ رجيما

أنت الَّذي تعطي الشّفاعةَ في غدٍ *** في عبدِ سوءٍ يستحق جحيما

أنت الَّذي من زاره زال العنا *** عنهُ وأدرك جنّةً ونعيما

صلّی الإله على النّبيِّ محمّدٍ *** وكذا على خير الورى تكریما

ثُمَّ جعلوا يقبلونه واحداً بعد واحد، وكلُّ واحد يسلِّم عليه بإمرة المؤمنين، وعليّ عليه السّلام يردّ عليهم السّلام.

ثُمَّ أخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله وقبّله، فتبسَّم عليٌّ عليه السلام، فطلع من فمه نوراً، ونور أخر طلع من فم رسول الله صلّى الله عليه وآله، فأضاءت منهما المشارق والمغارب.

قالت فاطمة رضوان الله عليه: فلمّا أردت أن آخذ ولدي من عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، لوى يديه على عنق النّبيِّ صلّى الله عليه وآله، وشبكهما بعضاً على بعض، وهو يهشُّ ويضحك، والنّور يخرج من فمه.

فناولنيه حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله، فأردت أن أُقمّطه بقماط من صوف فبتره، فقمّطته بقماطين آخرين، فيترهما فأخذت قياطين من دیباج أخضر، وأسود وأحمر وأصفر وأبيض وإستبرق وأدیم جلود، فبترهم جميعا، وقال لي: «یا

ص: 74

أُماه لا تشدّي يدي اليمني، فإنّي أحتاج إلى مصافحة الملائكة، وأستحي أن تكون يديَّ مغلولة في القماط، فإذا جاءت الملائكة يصافحوني، أقطعه وأصافحهم».

فعندَ ذلك فرح أبو طالب رضوان الله عليه فرحاً شديداً، وسرَّ سروراً عظيماً، وقال: الحمدُّ لله الَّذي مَنَّ عَليَّ بظهورك يا ولدي، لا أُبالي بالموت بعد هذا حيث أتي، وقال شعراً:

هذا عليّ وابن عمِّ محمّد *** هذا الَّذي جبريلُ من خدامهِ

هذا هو النّبأ العظيمُ ومَن به *** يقضي بحكمِ الله في أحكامهِ

هذا يقوم مقام أحمد في الورى *** ما في البرية مَن يَقم بمقامه

قد فاز من علقت يداهُ بحبّهِ *** و يعطي نعيماً دائماً بدوامهِ

ثُمَّ قبَّل ولده وشمّه واحتضنه إلى صدره، وتبسم ضاحكاً فرحاً به، وقال: الحمدُّ لله على نعمائه، حيث أخرجك الينا وقد وعدنا بقدومك، وقال:

أنتَ الَّذي فرضَ الإلهُ ولاءه *** ونطقتَ حقاً بالجوابِ الصّائبِ

أنتَ الَّذي رفعَ الإلهُ محلَّهُ *** وعلا عُلاكَ على الشّهابِ الثّاقبِ

وولدتَ في البيت الحرام وخصَّكَ *** الباري بكل مکارمٍ و عجائبِ

جاءت نساءُ المسلمينَ جميعُهُم *** يستبشروا إذ جئتُهم بمواهبِ

قال: ثُمَّ أقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بيت عمّه أبو طالب، وكان له

ص: 75

بعض الحوائج، فلمّا رآهُ عليّ عليه السّلام، جعل یهشُّ ويضحك فرحا وسروراً بقدوم النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وأشار اليه بأن خذني اليك، وأسقني مثلما سقيني بالأمس.

فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله من حضن أُمه، وجعل يقبّله ويقول: «الحمدُّ لله الَّذي نصرني بك نصراً عزيزاً على أعدائه، وهدم بك حصون الكفر، وأرغم بك أُنوف القوم من أهل الشّقاق والنفاق».

ثُمَّ وضع لسانه في فمه فمصّها حتّى اكتفي.

قالت فاطمة رضوان الله عليها: حين أشار عليّ عليه السّلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، قلت: يا أبا طالب لقد عرف ولدي رسول الله صلّى الله عليه وآله ورب الكعبة.

قال لها: إنَّ عليّا عرف رسول الله وهو في بطنك، فكيف تتعجبين اليوم من ذلك.

قالت: صدقت يا أبا طالب].

[قال: فلکلام فاطمة، سميَّ ذلك اليوم يوم عرفة - يعني أنَّ أمير المؤمنين عليه

ص: 76

السَّلام عرف رسول الله صلّى الله عليه وآله](1).

[فبينما هم كذلك إذ هبط جبرائیل وقال: السَّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، یا محمّد ربُّك يقرؤك السلام ويهنئك بظهور الإمام أبو الأئمة عليهم السّلام، ثُمّ قال: إقرأ يا محمّد.

قال: «وما أقرأ؟».

قال: إقراء، بسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِیمِ «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)» بعليّ صهرك

«فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)».(2)

وهذه السّورة نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله في حجة الوداع، إشارة إلى نصب عليّ عليه السّلام.

ثُمَّ قرأ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ

ص: 77


1- ما بين المعقوفتين أثبتناه من آمالي الشيخ الطوسي: 709، مجلس 42، ضمن ح 1، وعنه في بحار الانوار للمجلسي 35: 38، ضمن ح 37
2- الانشراح: الآيات (1 - 8)

وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)».(1)

ثُمَّ قرأ «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا».(2)

وأشار جبرائيل بيده نحو عليّ عليه السّلام، ففرح النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وعرج جبرائیل نحو السمّاء.

[عمل أبي طالب رضوان الله عليه للولائم بولادته سلام الله عليه]:

قال: فلمّا كان اليوم العاشر من ذي الحجة الحرام، بادر أبو طالب رضوان الله عليه إلى صنع الولائم الفاخرة، فصنع وليمة عظيمة لا يعوزها شيء، فنحر ثلاثمائة رأس من الإبل، وألف رأس من البقر، وألف رأس من الغنم، وعمل

ص: 78


1- المائدة: 54 - 55
2- الفتح: 29

وليمة عظيمة لم يعملها أحد من الملوك، وأمر مناديه أن ينادي في النّاس عامة، حتّى لم يبق أحد إلّا وحضر وليمته.

فعندَ ذلك نهض أبو طالب عليه السَّلام - قائماً على قدميه - وقال: معاشر قریش من أراد أن يأكل من وليمة ولدي، فليطف بالكعبة سبعة أشواط.

ثُمَّ امضوا إلى ما رزقكم الله تعالى، وكلوا واشربوا واشكروا إلهكم الَّذي جعل فيكم نبيّاً ووليّا، وأتاكم ما لم يأتِ أحداً من العالمين.

ففعل النّاس ما أمرهم به أبو طالب رضوان الله عليه، وقد بسط لهم البسط، وفرش لهم الفرش المختلفات الألوان، وهو من الإستبرق والحرير، وقدَّم لهم الطعام، وما يوجب به الإكرام، فأكلوا بلطف وأدب، حتّى اكتفى كلُّ مَن حضر من أهل مكة ونواحيها من سائر البلدان، وما فضل من الطعام، أمر به أن يُرمي في البرية، ويضعوه على الصّفا لتأكله الوحوش والطيور.

وسميَّ ذلك اليوم يوم النحر لفعل أبي طالب رضوان الله عليه، يوم ذبح الإبل والبقر والغنم وجرت سنة إلى يومنا هذا.

ثُمَّ التفت أبو طالب عليه السلام إلى النّاس وقال لهم: معاشر الناس، إنَّه قد ظهر فيكم وليُّ ربِّ العالمين، وإمام المتقين، وحجة الله على العالمين وعلى عباده أجمعين،

ص: 79

وقد نزلت عليكم البركات، وزالت عنكم الترحات(1) والشبهات، ولم يزل يكرر هذه الألفاظ حتّى تفرق الناس إلى منازلهم](2).

نشأته سلام الله عليه في بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله:

ولمّا تزوج رسول الله صلّى الله عليه و آله بخديجة بنت خويلد أخبرها بحبه لعليٍّ

ص: 80


1- الترحات: الترح: ضد الفرح، (العين - الفراهيدي 3: 190، مادة – ترح))
2- مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - أبي عزيز الخطي: 34 - 75؛ أقول: وردت أَحديث مولد أمير المؤمنين عليه السّلام بعدة كتب منها: ذكر فيها باختصار، ومنها بتفصيل، وهو كتاب مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام لأبي عزيز الخطي، والتي ذكرت الحديث باختصار فيها اختلاف رغم تشابه السند، فلاحظ كتاب بشارة المصطفى للطبري: 46، ح 10 اورد الحديث عن یزید بن قعنب... الحديث، وفي كتاب الأربعين للشيرازي: 61، اورده عن بشارة المصطفى وبزيادة في آخره لم ترد في البشارة المطبوع، وغيرها من الموارد. وبذلك أقول: الظاهر أن هناك سقوطات حصلت في بعض الروايات اما من قبل المؤلفين كان ينقلون الحديث باختصار كما فعل الشافعي في كفاية الطالب: 366، الباب السابع، حيث يقول هذا حديث اختصرته، او غير ذلك من الامور التي تحتاج إلى الاطالة. وقد لاحظت أن ما نقله الخطي في المولد هو اوسع ما ذكر في مولد امير المؤمنين عليه السلام، وان ما ذكره الخطي يشابه ما ذكره ابو الحسن البكري في كتاب الانوار في مولد النبي المختار. والذين اوردوا الحديث باختصار: الصدوق في أماليه: 194، المجلس 27، ح 9، والطوسي في أماليه: 706، المجلس 42، ح 1، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين: 76، مجلس في مولد أمير المؤمنين عليه السلام، وابن شاذان في الفضائل: 192، باب خبر مولد الامام علي امير المؤمنين عليه السلام، ومناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب 2: 22، والدر النظيم للعاملي: 225، 229

عليه السّلام، فكانت تربيّه وتحليّه وتلبسه وترسله مع أولادها، وتحمله خدمها وتقول للناس: هذا أخو محمد صلّى الله عليه وآله، وأحب الخلق اليه، وقرة عين خديجة، ومن اشتملت عليه السّعادة، وكانت ألطاف خديجة تطرق منزل أبي طالب ليلاً ونهاراً، صباحا ومساء(1).

قال الراوي: فلمّا كبر ونشأ، فبينما هو يوما قد خرج مع الصّبيان خطفه جبرئیل عليه السّلام [ومضى به إلى مرقد إبراهيم الخليل عليه السّلام] في جبل حراء(2) [فوضعه هناك]، ونزل معه میکائیل وإسرافيل ومعهم الملائكة المقربون، ومع جبرئیل لواء الحمد، وراية النصر [- وهي ذات العقاب - فنشره على رأس عليّ عليه السّلام]، وحيّوه بأحسن التّحيات وقالوا له: السّلام عليك يا وليَّ الله وخليفة رسوله.

[قال جبرائیل علیه السّلام: زِنُوه]، فوزنوه بعشرة من [الأنبيّاء](3)، فرجح بهم، ثُمَّ زادوا [عليه] عشرة أُخرى [من الأوصياء]، فرجح بهم.

ص: 81


1- انظر: اثبات الوصية للمسعودي: 114، مولد امير المؤمنين عليه السلام، وکنز الفوائد للكراجكي: 117، فصل في مولد امیر المؤمنين عليه السلام
2- انظر: كتاب الأنوار في مولد النبي المختار - لابي الحسن البكري: 222، ومستدرك سفينة البحار للنمازي 20: 275
3- في الاصل: (الأُمة)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

فقال جبرئيل عليه السّلام: [ويحكم]، دعوه فلو وزنتموه بجميع الأُمة [وما خلق ربنا وما يخلق إلى يوم القيامة] لرجح بهم(1).

وكلّ صفة في نبيّنا محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم فهي فيه سلام الله عليه.

ولله در من قال:

هذا هو النور الَّذي عذباته(2) *** كانت بجبهة أدم تتطلعُ

وشهابُ موسی حيث أظلم ليلهُ *** رُفعت له لألاؤه تتشعشعُ

يا من له رُدّت ذكاء(3) ولم يفز *** بنظيرها من قبلِ إلّا يوشعُ

یا هازمَ الأحزاب لا يُثنيه عن *** خوضِ الحمام مدّجج ومدّرعُ

یا قلعَ البابِ الَّذي عن هزّها *** عجزت أكفٌ أربعون وأربعُ

لولا حدوثك قلتُ إنك خالقُ(4) *** الأرواح في الأشباح والمستنزعُ

ص: 82


1- مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - أبي عزيز الخطي: 76، وانظر: کتاب الانوار في مولد النبي المختار لابي الحسن: 189
2- عذباته: أطرافه (مجمع البحرين - الطريحي 2: 117، مادة - عذب)
3- ذكاء: اسم من أسماء الشمس (العين - الفراهيدي 5: 399، مادة - ذكو)
4- في المصدر: (جاعل)

لولا مماتك قلت إنكَ قاسمُ(1) *** الأرزاق تعطي من تشاء وتمنعُ(2)

ما العالمُ العلويُ إلّا تربة *** فيها لجثتّك الشّريفة مضجعُ

ما الدهر إلّا عبدك القنُّ الَّذي *** بنفوذ أمركَ في البرية مولعُ(3)

في مقتبل عمره الشريف وما ظهرت منه من الكرامات:

قال الراوي: ثُمَّ عرج جبرئيل ومَن معه من الملائكة نحو السّماء، وبقي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام [وحده]، وألقى الله عليه النّوم فنام؛ فلمّا شمّت الوحوش رائحته اجتمعت عنده من كلِّ مكان يرتعون حوله، وقد بعث الله تحت رأسه ملكا يحرسه، وملكا يروحه بطاقة ريحان؛ فلمّا استيقظ عليّ عليه السّلام رأى ملكاً يحرسه تحت رأسه.

ص: 83


1- في المصدر: (باسط)
2- في المصدر: (وتوسع)
3- الأبيات الشعرية لأبن أبي الحديد المعتزلي / شرح القصائد العلويات السبع - ابن أبي الحديد: 140، و تمام القصيدة في المصدر، هو : الشيخ عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد الأنباري، البغدادي، المعتزلي، الفقيه الشاعر الأديب، ناظم السّبع العلويات، وشارح نهج البلاغة؛ ولد في المدائن في مستهل ذي الحجة (586) ومات (655)، وهو معدود في أعيان الشعراء وله دیوان مشهور (انظر: تاریخ الاسلام للذهبي 48: 202، الوافي بالوفيات للصفدي 18: 46)

فقال له: «مَن أنت؟».

قال: أنا ملك موكّل بحراستك في اللّيل والنّهار من كيد الأعداء والأشرار.

ثُمَّ عرج الملك إلى السّماء بعد ما استيقظ أمير المؤمنين عليه السّلام.

ثُمَّ إنّه عليه السّلام رأى جميع الوحوش حوله، وكان يقدمهم أسد عظیم الخلقة، [هائل المنظر وهو] أبو الأُسود، فلم يزل يبصبص بذنبه حتّى وصل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، وجعل يقبّل أقدامه وهو مع ذلك يبكي ويقول: قد أتيتك يا أمير المؤمنين، فأنت والله سيدي وإمامي وإمام من في السّماوات والأرضين، وأنتَ الحجة من الله على الخلق أجمعين، وأنتَ الوارث لعلوم النّبيين، وأنت سيّد الوصيين [، وأنتَ أخو الرّسول، وزوج البتول]، فتكرّم علينا بالشّفاعة منك، ومن ابن عمّك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ثُمَّ [نطق الأسد بلسانٍ فصيح ف] قال له: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله [وحده لا شريك له] وأشهد أنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله وأشهد أنَّك وليُّ الله [على خلقه بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله] وأشهد أنَّ الأئمّة من [صلبك](1)؛ فبحقِّ ابن عمّك رسول الله صلّى الله عليه وآله [سيّد الأولين والآخرين، والشّفيع فيهم يوم الدّين]، إلا تكرّمتَ عليَّ وَرَکِبتَني إلى منزلك لكي افتخر على جميع الوحوش،

ص: 84


1- في المصدر (من ولدك)

وهو مع ذلك يبكي ويتضرع [ويقول قولاً ذليلا]، فرقَّ له أمير المؤمنين عليه السّلام رحمة له وشفقة عليه، [وقد ألهمهُ الله تعالى الرّحمة والشّفقة من صغره -] فركبه أمير المؤمنين عليه السّلام (وأقبلَ إلى منزله وهو راكب الأسد، وجميع الوحوش حوله.

فلمّا رأى الوحوش الأسد وقد ركبه أمير المؤمنين عليه السّلام، نطقوا جميعهم بشهادة أن لا إله إلّا الله وحدهُ لا شريكَ له وأنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله وأنَّ عليّاً عبده ووليّه، وسار الأسد أمامهم،)(1) ونزل جبرئیل فنشر لواء الحمد [وراية النصر] على رأس عليّ عليه السلام [، ومعه الملائكة المقربون، فأحدقوا بأركان اللواء].

وسار جبرئيل والملائكة أمام الأسد، والأسد أمام الأسود والوحوش، [وقد أعلنت الملائكة بالتّسبيح، والتّقديس، والتّهليل، والتّكبير والثّناء على ربِّ العالمين، وهبّت رياح الرّحمة، وصفقت أوراق أشجار الجنّة، وغنت الأطيار على رؤوس الأشجار، وأشرقت الحور العين والولدان كأنهنَّ الأقمار، واهتزَّ عرش الملك الجبّار فرحا وسرورا، وارتجت مكّة ارتجاجًا عظيماً].

ص: 85


1- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

فعندها، قال جبرئيل عليه السّلام: [يا أبا الحسن]، هذان أيدك الله بهما(1) - يعني بذلك لواء الحمد، وراية النّصر (في الدنيا والأخرة)(2) [، فعندها تشعشع نور عليّ عليه السّلام حتّى دخل بيوت مكّة].

فلمّا دخل أمير المؤمنين عليه السّلام مكّة كادت أن تموج بأهلها، لولا أن رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها الماجت، فلما رأى أمير المؤمنين عليه السّلام رسول الله صلّى الله عليه و آله نزل عن ظهر الأسد إجلالاً له.

ثُمَّ أقبل الأسد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجثى على ركبتيه وجعل يقبّل أقدام النّبيّ صلّى الله عليه وآله [، ونطق بلسان فصيح يسمعه كلّ مَن كان حاضراً في الأبطح]، وهو يقول: أشهد أن إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله وأشهد أنَّ الخليفة من بعده عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

ثُمَّ سأل النّبيّ صلّى الله عليه وآله الشّفاعة، وانصرف هو وجميع الوحوش. وسلّم جبرئیل لواء الحمد، وراية النصر [وهي ذات العقاب] وسيف ذي الفقار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكان ذلك يوماً مشهوراً.

فعندَّ ذلك قال أبو طالب رضوان الله عليه: سيكون لولدي هذا شأن عظیم

ص: 86


1- في المصدر: (آتيك بهما)
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

عندَّ ربٍّ کریم، ففرح المحبّون، وأغتمَّ الحاسدون، وفرح أعمام النّبيّ صلّى الله عليه وآله(1).

ولله درّ مَن قال: (2):

أنتَ الَّذي وحشُ الفلا بك آمنت *** والأسدُ قد خضعت إليك وسلّمت

صلّوا عليه وسلّموا وترحمّوا *** فهو الولي إذا الأُمور استعظمت

أنتَّ الَّذي تسقي الوری من کوثرٍ *** يوم الورود إذا الخلائق أظمأت

[صلّى عليك الله يامن حبُّه *** يوم المعاد غنيمة قد أغنمت

وعلى عدوك لعنةٌ من ربّه *** دامت عليه وفي جهنم دمدمت]

قال: فتبسم الإمام عليه السّلام حتّى أضاءت المشارق والمغارب، فنظر اليه عمّه العبّاس وأنشأ يفتخر ويقول:

ص: 87


1- مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - أبي عزيز الخطي: 78، ولا غرابة في الحديث، فقد ذكر البرسي في المشارق: 341، فضيلة في حق سلمان المحمدي رضوان الله عليه في خصوص هذا المعني، قال: أنه لما خرج عليه الأسد قال: يا فارس الحجاز أدركني، فظهر إليه فارس وخلصه منه، وقال للأسد: أنت دابته من الآن، فعاد يحمل له الحطب إلى باب المدينة ..... وكان ذلك الفارس أمير المؤمنين عليه السّلام حسب ما ورد في النصوص، ومَن يجعل الأسد دابة لاحد اصحابه كيف لا يكون دابة له، وكذلك أوردَ ابن شهر آشوب في المناقب 2: 21، کلام لأبو طالب رضوان الله عليه مع الاسد
2- في المصدر: (فعندها أنشأ حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه قائلاً)

يا رجالُ ألّا اسمعوا هذا الخبر *** أمراً عظيما جلیلَ القدر

ما كان من أمر ساداتنا *** قديما ففي عصرنا قد ظهر

وأظهر ربي علاماته *** وأنكرَ هذا الَّذي قد كفر

قديما قريش رأت فضلنا *** عليها بأمر ها مشتهر

وأحياهمُ بعد طول العمى *** وفضل لنا سابق مدّخر

بما جاء أحمدُ بالبينات *** وأمر لكل الورى قد ظهر

يقولون ذلك سحر أتی *** وما هو سحرٌ ولكن عبر

ولا أنسي الَّذي قد أتی *** وجبريلُ لذاك اللّوى قد نشر

وقد جاء على السّبع يقدمهم *** بوجه صبيح كضوء القمر

فصلّوا عليه كذا وسلّموا *** على المرتضى ثُمّ خير البشر(1)

قال الراوي: وكان أمير المؤمنين عليه السّلام كلّ يوم تظهر منه المعجزات والبراهين، فكان يشبُّ وينمو في اليوم مثل ما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يشبُّ وينمو.

فكان يشبّ في اليومِ کما یشبّ غيره في الشّهر، ويشبّ في الشّهرِ کما یشبّ غيره

ص: 88


1- مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - أبو عزيز الخطي: 80

في السّنة(1).

ولم يزل الإمام وسيد الأنام في حجرِ حبیب الله وابن عمّه صلّى الله عليه وآله، فكان يُربيّه ويشفق عليه.

وأمّا مولده سلام الله عليه فكان بعد مولد النّبي صلّى الله عليه و آله بثلاثين سنة(2). وكان النّبيّ صلى الله عليه وآله إذا أراد الصّلاة خرج مستخفيا، ويخرج عليٌّ عليه السّلام معه فيصليان ما شاء الله.

وكان يسميه حيدرا(3)، وكناه بأبي تراب، وكان سلام الله عليه يجب کنیته - أبي تراب - ويفرح إذا دعيَ بها(4).

ص: 89


1- انظر: دلائل الامامة للطبري: 501، في نسب الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، والخرائج والجرائح للراوندي: 1067، فصل في علامات نبينا محمد صلى الله عليه وآله ووصيه وسبطيه.....، ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 8: 36، ضمن ح 11
2- انظر: الكافي للكليني 1: 452، وروضة الواعظين للفتال النيسابوري: 76، مجلس في مولد امیر المؤمنين عليه السلام
3- انظر: الهداية الكبرى للخصيبي: 93، الباب الثاني، ومعاني الأخبار للصدوق: 59، ضمن حدیث 9، وغيرها من المصادر تشير إلى إنَّ أُمه رضوان الله عليها هي التي سمته (حيدره)
4- انظر: تاريخ الطبري 2: 124، والطبراني في المعجم الكبير 6: 168، وصحيح بن حبان 15: 398، باب في مناقب امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه

وكان سلام الله عليه بأوامر النّبيّ صلّى الله عليه وآله ونواهيه يعمل ويقتدي، وبشعائره يتحلّى ويرتدي، وباستبصاره في إتباعه يؤمُّ ويهتدي.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي(1)

وكان النّبي صلّى الله عليه وآله لا يفارقه [ليلاً ولا نهارا]، وقد أعطاه الله من القوة والشّجاعة مالم يعطِ أحداً من البشر، وكانت تفر منه شداد الأبطال عند ثبات أقدامه، ويفطر غمام نقع مواقفه نفوسا برعد ضربة وبرق حسامه، وتتحاماه الأساد في استدارة رحى الحروب، وله ثبات تقطع رواسي الرؤوس وتقتلع رواسخ القلوب(2).

وكانت قريش تهابه لما اعطاه الله من القوة والباس، وكان صلوات الله وسلامه عليه يضع اصبعه في الحجر الصلد فيدخل إصبعه فيه.

وكان أبو طالب رضوان الله عليه يجمع ولده و[ولد] إخوته ثُمَّ يأمرهم بالصّراع، وذلك خُلق وعادة في العرب، فكان عليه السّلام يحسر عن ذراعيه وهو طفل، ويصارع كبار إخوته وصغارهم، وكبار بني عمّه وصغارهم، فيصرعهم

ص: 90


1- ينسب هذا البيت الشعري للشاعر عديّ بن زید العبادي، ويعد من شعراء الحيرة في زمن الجاهلية، وله ديوان شعر حققه الدكتور عبدالنبي بن عبد الله بن عبد النبي، وذكر سيرته الأصفهاني في الاغاني 2: 393
2- انظر: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول للشافعي: 191

فيقول أبوه: ظهر علي، فسمّاه ظهراً.

فلمّا ترعرع وقوي بأسه كان يصارع الرّجل الشّديد فيصرعه، ويُعلّق الجبّار(1) [بیده و يجذبه فيقتله](2)، وربما قبض على مراق(3) بطنه ورفعه في الهواء، و[ربما] يلحق بالحصان الجاري [فیصدمه] فيردّه على عقبه، ويقلع الصّخرة ويرمها في الهواء، ويعجن بيده الحصاة، ومَن عجز من أهل مكّة عن حمل شيء رفعة بيده المباركة.

وكان عليه السّلام يأخذ من رأس الجبل حجراً، ويحمله بيد واحدة، ثّمَ يضعه بين [يدي] النّاس، فلا يقدر [الرّجل] والرّجلان والثّلاثة على تحريكه.

[وإنَّه عليه السلام لم يمسك بذراع رجل قط إلا مسك بنفسه، فلم يستطع يتنفس، ومنه ما ظهر بعد النّبي صلّى الله عليه وآله قطع] الأميال (الَّتي قطعها)(4)، وحملها إلى الطّريق سبعة عشر ميلا [تحتاج إلى أقوياء حتّى تحرك میلا منها، قطعها

ص: 91


1- الجبّار: العظيمُ القَوِيُّ الطويلُ (لسان العرب 4: 114، مادة - جبر)
2- في الأصل: (ويعلوا الفرس بيده ويجذبه فيقلبه)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
3- مراق البطن: من العانة إلى السرة (العين - الفراهيدي 5: 160، مادة - مرق)
4- ما بين القوسين لم يرد في المصدر

وحده، ونقلها ونصبها وكتب عليها هذا ميل عليّ، ويقال انه كان] يتأبّط(1) بإثنين منها ويدير واحدة برجله.

وأثر إبهامه في الميل الَّتي في الكوفة، وكذلك مشهد الكف في تكريت والموصل وقطيعة الدقيق [وغير ذلك، ومنه أثر سيفه في صخرة جبل ثور عند غار النّبي، وأثر رمحه في جبل من جبال البادية، وفي صخرة عند قلعة خيبر، ومنه ختم الحصا].

وبباب خيبر: [لما دنا علي عليه السلام من القموص، اقبلوا يرمونه بالنّبل والحجارة، فحمل حتّى دنا من الباب، ف] اقتلعه ثم رمی به خلف ظهره أربعين ذراعا، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلا، فما أطاقوا تحریکه وكان وزن حلقته اربعین منّاً، فهزّ الباب فارتعد الحصن بأجمعه، حتّى ظنوا إنها زلزلة، ثُمّ هزّة أخرى فقلعه ورمی به في الهواء أربعين ذراعا، فوضعه جسرا على الخندق وكان طول الباب ثمانية عشر ذراعا، وعرض الخندق عشرين ذراعا، فوضع جانبا منه على طرف الخندق ومسك بيد جانبا [بيده] حتّى عبر العسكر وكانوا ثمانية الاف وسبعمائة رجل وفيهم من كان يتردد ويقف عليه.(2) ولله در من قال:

ص: 92


1- يتأبط: تأبط الشيء: أي جعله تحت إبطه (العين - الفراهيدي 7: 462 ، مادة - أبط)
2- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 2: 121، فصل في نواقض العادات منه سلام الله عليه / نهج الإيمان ابن جبر: 632، الفصل السّادس والاربعون / وفي بحار الأنوار للمجلسي 21: 26، 41: 279

أتي خيبرا(1) والبابُ قد سدَّ دونه *** له قاصدا يسعى إليه مصمما

فانحلهُ كفيه ثم رمی به *** وابعدهُ رمياً فيا بعدُ ما رمی(2)

وكان يوعد قریشاً بالدمار ويقول: «أنا حيدر الكرار وقاتل الكفّار والفجار، وأنا عليّ بن أبي طالب أنا مظهر العجائب والغرائب، قد قرب والله خراب دیارکم وقطع آثار كم إلا من أجاب منكم إلى طاعة الله تعالى(3) أنا ومَن اتبعني الغالبون».

تحطيمه سلام الله عليه للأصنام:

[قال الراوي]: وفي أحد الأيام أتی رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقبض على يد وزيره عليّ بن ابي طالب عليه السَّلام، وسارا ومعهما أبو طالب، [وكان ليلاً] ولم يعلم النّاس ما يريده رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولم يشعر بهم أحد، وهم يخترقون سكك مكّة [ونواحيها وشوارعها]، حتّى أتوا الكعبة وطافوا بها [سبعاً].

فقال النبي صلّى الله عليه وآله: «يا أبا الحسن، انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت الشّريف»، فانطلقا ليلاً فقال له: «يا أبا الحسن إرقَ على ظهري»، وكان

ص: 93


1- في المصدر: (وفي خيبرٍ)
2- أورد هذه الأبيات ابن جبر في نهج الإيمان: 328، ونسبها إلى يعقوب النصراني
3- في المصدر (أدعو إلى الله)

علوا الكعبة أربعين ذراعا، فحمله رسول الله صلَّى الله عليه وآله فقال: «انتهيت یا علي؟».

قال: «والذي بعثك بالحق نبيّا لو هممت أن أمسَّ السّماء بيدي [للمسستها]»(1) واحتمل الصّنم وجلد به الأرض فتقطّع قطعا.

ثم تعلق بالميزاب وتحلى بنفسه إلى الأرض، فلمّا وقع سلام الله عليه على الأرض ضحك، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ما يضحكك يا عليّ أضحكَ الله سنك؟».

قال: «يا رسول الله تعجباً من إني رميت بنفسي من فوق البيت إلى الأرض فما آلمت ولا أصابني وجع».

فقال: «كيف تألم یا ابا الحسن او يصيبك وجع إنّما [رفعك](2) محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنزلك جبرئیل».

ثم سار النّبيّ صلّى الله عليه وآله ومعه عليّ عليه السلام [وأبو طالب] من البيت الحرام إلى بيوتهم، فلمّا أصبح الصّباح أتت النّاس إلى الكعبة واذا الأصنام مكسّرة.

ص: 94


1- في الاصل: (للمستها) وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
2- في الاصل: (حملك) وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر

قالوا: ما فعل هذا بآلهتنا إلّا محمّد وابن عمّه عليّ بن ابي طالب [فزادهم الحنق على رسول الله صلّى الله عليه وآله].

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «أبشر يا عليّ، فإنّ أوّل من سبق إلى تكسير الأصنام جدّك إبراهيم الخليل»(1).

فانظر يا اخي لمن تكون هذه المنزلة العالية، والدرجة الشّامخة السّامية، الَّتي ينحدر عنها السّيل ولا يرقى اليها الطير، فهنيئاً لك يا ابا الحسن، ولمن تولاك من الخلق، فقد حاز شرف الدنيا ونعيم الآخرة وفاز فوزا عظيما.

شهادة أبي طالب وخديجة رضوان الله عليهما:

[قال الراوي]: وبعد موت ابي طالب ومن [بعده](2) خديجة بنت خويلد رضوان الله عليهما حزن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على فقدهما حزنا عظيما

ص: 95


1- تفسیر فرات الكوفي: 249، ج 11، 12 ضمن تفسير سورة مريم (باختلاف) / شرح الاخبار - القاضي النعمان 2: 394 ضمن حدیث 744 (باختصار واختلاف في بعض الالفاظ) / مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 1: 402 (باختصار) / بحار الانوار - المجلسي 38: 78 باب في صعوده عليه السلام على ظهر رسول الله صلى الله عليه واله لخط الاصنام / مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - أبي عزيز الخطي: 93
2- في الأصل: (قبله) وما بين المعقوفتين اثبناه من المصدر

[وسمي ذلك العام عام الحزن](1).

حديث الغار ومبيت أمير المؤمنين عليه السَّلام في فراشه:

قال الراوي: فلما بايع النّبيّ صلّى الله عليه وآله بعد مبعثه بالرّسالة طائفة من الانصار بيعة العقبة الأولى والثّانية صار المسلمون كلّما اشتدّ عليهم الأذي من قريش بمكة هاجروا إلى المدينة، فلمّا عَلم المشركون بأنّ المدينة قد صارت للمسلمين دار هجرة، اجتمع رؤساء قريش لينظروا ما يصنعون بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وتابعيه.

فأتاهم عدو الله ابليس في صورة شيخ نجدي، فأدخلوه معهم في دار ندوتهم واجلسوه في مشورتهم، فلم يزالوا يتشاورون بآرائهم الفاسدة في اهلاك رسول الله صلّى الله عليه وآله ونصب العداوة له والمكايدة، حتّى انتهت المقالة إلى عدو الله أبي جهل.

فقال: واللّات والعزى لأُشيرنّ عليكم برأي لا أرى غيره، وهو أن تأخذوا من كلِّ بطنٍ من قريش غلاماً وسطاً، وتدفعون إليه سيفاً، فيضربوا محمّداً ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرّق دمه في قبائل قريش كلّها فيصير دمه هدراً، وبنو هاشم لا يقدرون على

ص: 96


1- انظر: أمالي الطوسي: 463، المجلس السادس عشر، ضمن حدیث 37 / قصص الانبياء - الراوندي: 314 / مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 1: 150

[حرب] قريش كلّها، فيرضون بالعقل فيعطونهم عقلّه ويخلصون منه.

فقال لهم شيخهم إبليس لعنه الله: هذا هو الرّأي، وقد صدق - أبو جهل - فيما أشار به [وهو أجود رأيكم](1) فلا تعدلوا عنه.

فتفرّقوا على قول أبي جهل مجمعين على قتل النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأتی جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله [فأخبره] بذلك وأمره عن الله أن لا يبيت في مضجعه [الَّذي كان يبيت فيها، وأذنَ الله تعالى له في الهجرةِ، فلمّا عَلم النّبيّ صلّى الله عليه وآله [بمكرهم]، وما عزموا عليه خلَّفَ عليّا عليه السَّلام بمكّة لقضاء ديونه ورَدِّ الودائع [الَّتي كانت عنده]، وأمر صلّى الله عليه وآله عليّا عليه السَّلام بأن يبيت في المضجع الَّذي يبيت فيه.

فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا علي إتشح ببردي [الحضرمي] الأخضر وبت في مرقدي، فإنّه لن يصل اليك منهم أمر تكرهه أبداً»، [ثُمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه و آله وأخذ قبضة من التراب وقرأ عليها: «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(2) ورماهم بها، فأخذ الله تعالى أبصارهم فلم يبصروه، ونزل التراب على رؤوسهم]

ص: 97


1- بين المعقوفين أثبتناه من مطالب السؤول
2- یس: آية (9)

فبات علي عليه السّلام على فراشه يقيه بنفسه من الأعداء، وخرج النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلا، فأوحى الله تعالى إلى جبرئیل و میکائیل إنّي قد آخیت بینکما وجعلت عمر أحدكما أطول من الأخر، فمن منكما يفدي صاحبه؟، فأختار كلّ منهما الحياة لعبادة الله تعالى.

فقال الله تعالى(1): «أفلا تكونان مثل عليّ بن أبي طالب آخيت بينه وبين [حبيبي] محمّد، فبات على فراشه يفديه بنفسه يتلقى عنه المنون، اهبطا إليه واحفظاه من كيد الأعداء»، فهبط جبرئيل تحت رأسه ومیکائیل تحت رجليه، وجعل جبرئيل يمسح بجناحه على رأس علي بن ابي طالب وهو يقول: بخ بخ لك یا عليّ مَن مثلك وقد باهي الله بك الملائكة المقربين.

وأنزل الله على رسوله وهو متوجّه إلى المدينة في شأن علي بن ابي طالب عليه السّلام «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(2)

وفي تلك اللّيلة أنشاء عليّ عليه السلام يقول:

وقيت بنفسي خیر من وطئ الحصى *** ومَن طافَ بالبيتِ المعظم والحجر(3)

[رسولُ إلهِ الخلقِ إذ مكروا بهِ *** فنجّاه ذو الطّولِ الكريمِ مِن المكرِ]

ص: 98


1- في المصدر: (فأوحى الله عز وجل إليهما)
2- البقرة: أيه (207)
3- في المصدر: (العتيق وبالحجرِ)

وبتُّ أُقاسيهم متى يأسرونني(1) *** وقد وطّنتُ نفسي على القتلِ والأسرِ

وباتَ رسولُ الله في الغارِ آمنا *** هناكَ في حفظِ الإلهِ وفي سترِ

قال الراوي: فأتت قريش إلى النّبيِّ صلّى الله عليه وآله بعد ما خرج، وعليّ عليه السَّلام بايت على فراشه، فقذفوه بالحجارة وهم يظنون أنّه النّبيّ صلّى الله عليه وآله، فلمّا برق الفجر خافوا الفضيحة هجموا عليه بالسّيوف، فثار عليهم الإمام کالأسد الضّرغام وصاح فيهم صيحة زلزلت منهم الأقدام وارتعدت منها فرائصهم، فانهزموا عنه خائفين، وساروا من وقتهم يطلبون النّبيّ المختار بين الشعوب والدکادك(2) والأوعار، فلم يروا له عليه الصّلاة والسّلام أثر ولم يقفوا له على خبر، وتفرقوا بعد الصّباح في طلبه بين الأودية والجبال.

فقال له جبرئیل علیه السَّلام: یا رسول الله، خذ ناحية ثور: وهو جبل على طريق منی له سنام کسنام الثّور، وكان الغار الَّذي آوي اليه.

قال الراوي: ثُمّ ساروا يطلبون النّبيّ الصّادق الأمين صلّى الله عليه وآله، وكان

ص: 99


1- في المصدر: (وبت أراعيهم متى ينشرونني)
2- الدَّکدَاكُ: من الرمل ما التَبَد بعضه على بعض بالأَرض ولم يرتفع كثيراً، مفرده: دكَّ (لسان العرب 10: 426، مادة - دك)

فيهم رجل من [خزاعة](1) يقال له: أبو كرز يقفو الأثر.

فقال له القوم اللئام: اليوم يومك من الأنام، فما زال اللّعين يقفو أثر سیّد المرسلين حتّى أوقفهم على باب الحجرة [- يعني باب الغار -].

فقال: هذه قدم محمّد أخت القدم الَّتي في المقام، فلم يزل بهم حتّى أوقفهم على باب الغار، وقال لهم: ما جاوز هذا المكان إمّا أن يكون صعد إلى السّماء، أو دخل في الارض، وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنسان فوقف على باب الغار وهو يقول لهم: اطلبوه في هذه الشّعاب فليس ههنا، فأقبلوا يدورون في الشّعاب وبقي في الغار ثلاثة أيام، وقد عمي عليهم أثره وهو نصب أعينهم، وصدّهم الله عنه وأخذ بأبصارهم دونه، وهم دهاة العرب.

[وكان الغار ضيق الرأس، فلمّا وصل إليه النّبيّ صلّى الله عليه وآله اتسع بابه، فدخل بالناقة، فعاد الباب وضاق كما كان في الأول]، وقد بعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وبعث حمامتين وحشيتين فوقفا بفم الغار.

[وروي: إنّه أنبتَ الله تعالى على باب الغار ثمامة وهي شجرة صغيرة]، و أقبل فتيان قریش من كلِّ بطن رجل بعصيهم وسيوفهم حتّى إذا كانوا من النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بقدر اربعين ذراعا تعجّل رجل منهم لينظر مَن في الغار،

ص: 100


1- في الاصل: (خزامة)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المناقب لابن شهر آشوب 111:1

فرجع إلى أصحابه فقالوا له: ما لك لا تنظر في الغار؟.

فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنّه ليس فيه أحد، فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وآله ما قال، فدعا لهن بالبركة وفَرضَ جزاءهُن، فاتخذنَ في الحرمِ وبقي نسلهما إلى الان].(1)

وفي ذلك قال السّيّد إسماعيل الحميري(2):

حتّى اذا قصدوا لبابِ مغارةٍ *** ألفَوا عليهِ نسجَ(3) غزلِ العنكبِ

ص: 101


1- انظر تفسير القمي 1: 273 (باختلاف) أمالي الطوسي: 463، المجلس 16، ضمن حديث 37 / الفصول المختارة للمفيد: 580 باختصار / قصص الانبياء - الراوندي: 332/ الخرائج والجرائح - الراوندي 1: 150، 240 / اعلام الوری للطبرسي 140:1، الفصل الثامن / مناقب آل أبي طالب - ابن شهر اشوب 1: 111، فصل في معجزاته صلى الله عليه وآله، وفي 1: 158، فصل في هجرته صلى الله عليه واله، وفي 1: 333، فصل في المسابقة في الهجرة / تفسير الثعلبي 2: 125، في تفسير سورة البقرة: آية (207)، 349:4، في تفسير سورة التوبة: اية (40) (باختلاف) / ومطالب السؤول في مناقب الرسول - ابن طلحة الشافعي: 192
2- هو: الشّاعر إسماعيل بن محمد بن یزید بن ربيعة، ولقبه السيد الحميري، وكنيته أبو هاشم کما ذکره الأكثر أو أبو عامر کما عن رجال الشيخ، ولد بعمان ونشا بالبصرة وكانت ولادته سنة 105 وتوفي ببغداد سنة 173 ودفن بالجنينة، وديوانه مطبوع، جمعه و حققه: شاکر هادی شکر، انظر: رجال الطوسي: 160/ الأغاني - الأصفهاني: 229/7 - 278 معالم العلماء - ابن شهر آشوب: 180/ أعيان الشيعة 3: 405
3- في المصدر: (نسیج)

صنَعَ الإله [له] فقالَ [فريقهم](1) *** مافي المغارِ الطالبٍ من مَطلَبِ

مالوا(2) وصدَّهُم المليكُ ومن يُرد *** عنه الدفاعَ مليکُهُ لم يعطَبِ(3) (4)

وانزل الله تبارك وتعالى السّكينة على رسوله صلّى الله عليه وآله وأخذت صاحبه ابا بكر الرّعدة، وشدّة الخوف على نفسه، لأنّه غير واثق بفعل رسول الله صلّى الله عليه و آله، وغير مصدّق بنبوته، وليس بمؤمن بما جاء به.

وقد عدت العامة لسيّدهم أبي بكر هذه الصّحبة أعظم منقبة، ولو فكّروا وأنصفوا لوجدوها أعظم منقصة ومثلبة كاشفة عن كفره ونفاقه؛ لأنّه لو كان مع نبي الله مؤمنا في الغار لأشركه معه في نزول السكينة عليه والاستقرار.

هذا وقد قال الرسول الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا تحزن»، فإن كان حزنه في ذلك الوقت طاعة لم يصح نهي الرّسول فيها، وإن كان حزنه معصية کاشفة عن عدم وثوقه، ومظهرةً لعدم تصديقه نبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله، فأيّ منقبة له في هذه الصّحبة، والحال ان خوفه دليل على نفاقه.

ص: 102


1- في الاصل: (ذا عريفهم)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
2- في المصدر: (میلوا)
3- في المصدر: (لا يعطب)
4- ديوان السّيد الحميري: 43، ضمن القصيدة المذهبة

ولقد اجاد الشاعر عبد الحميد ابن أبي الحديد مادحاً لسيّدنا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ومعرضا بمثالب أعدائه:

وأظهرتَ نورَ الله بين قبائلٍ *** من النّاسِ لم يبرح بها الشّركُ نيرّا

وكسَّرت أصناماً طعنت حماتها *** بسمر الوشيج(1) اللّدن حتّى تكسّرا

رقيتَ بأسمى غاربٍ أحدقت به *** ملائكُ يتلون الكتاب المسطّرا

بغاربِ خير المرسلين وأشرف الأنام *** وأزکی ناعل وطأ الثّرى

فسبَّح جبريلٌ وقدَّسَ هيبةً *** وهلَّل اسرافیلُ رُعباً وكبرا

فيا رتبةً لو شئت أن تلمس السّها(2) *** بها لم يكن ما رُمتَهُ متعذّرا

ويا قدميه أُيُّ قدسٍ وطأتما *** وأُيُّ مقام قمتُما فيه أنورا

بحيثُ أفاءت سدرةُ العرشِ ظلَّها *** بضوجيه(3) فاعتدَّت بذلك مفخرا

وحيثُ الوميضُ الشّعشعانيُ فائضٌ *** من المصدرِ الأعلى تبارك مصدرا

ص: 103


1- الوشيج: الرماح (الصحاح - الجواهري 1: 347، مادة - وشج)
2- السّها: کوکب خفي صغير في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم (الصحاح - الجوهري 6: 2386، مادة - سها)
3- ضوج الوادي: أي جانبه، بضوجيه: أي بجانبيه (لسان العرب - ابن منظور 2: 316، مادة - ضوج)

فليس سواعٌ(1) بعدهُ بمعظَّمٍ *** ولا اللّاتُ مسجوداً لها ومعفَّرا

ولا ابن نفيلٍ بعدَ ذاكَ ومقيسٌ *** بأوّل من وسّدتهُ عفرَ الثّرى

صدمتَ قریشاً والرّماحُ شواجرٌ *** فقطَّعتَ من أرباحها ما [تشجّرا](2)

فلولا أناةٌ في ابنِ عمِّك جعجعت *** بعضبك(3) أجري من دمِ القومِ أبحُّرا

ولكنَّ سرَّ اللهِ شطَّرَ فيكما *** فكنتَ لتسطو ثُمَّ كانَ ليغفّرا

وردتَ حنينا والمنايا شواخصٌ *** فذللَّتَ من أركانها ما توعّرا

فكم من دمٍ أضحى بسيفكَ قاطرا *** بها من كميٍّ قد ترکتَ مقطّرا

وكم فاجرٍ فجَّرتَ ينبوعَ قلبهِ *** وكم كافرا في التربِ أضحى مكفّرا

وكم من رؤوسٍ في الرماح عقدتها *** هناكَ لأجسام محللّة العرا

وأعجبَ انسانا من القوم كثرةٌ *** فلم يغن شيئاً ثم هرولَ مدبرا

وضاقت عليه الأرضُ من بعدِ رحبهِا *** وللنصِّ حكمٌ لا يدافعُ بالمرا

وليسَ بنكرٍ في حنينَ فرارُهُ *** ففي أحدٍ قد فرَّ خوفاً وخيبرا

ص: 104


1- سواع: اسم صنم في زمن نوح فغرقه الطوفان، ودفنه، فاستثاره إبليس لأهل الجاهلية فكانوا يعبدونه من دون الله عز وجل (العين - الفراهيدي 202:2، مادة - سوع)
2- في الاصل: (تشاجرا) وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
3- جعجعت بعضبك: أي أمسكته وحبسته، الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن ابي الحدید: 116

رويدكَ إنَّ المجدَ حلوٌ لطاعمٍ *** غریبٍ فان مارستَهُ ذُقتَ ممقرا

وما كلُ من رامَ المعالي تحمَّلت *** مناکُبُه منها الرُكامَ الكنهورا(1)

تَنحَّ عن العليا بسحبِ ذيلِها *** همامٌ تردا بالعُلا وتأزَّرا

فتى لم يعرق فيهِ تيمُ بنُ مرةٍ *** ولا عبدَ اللّاتَ الخبيثةَ أعصرا

ولا كان معزولاً غداةً براءةٍ *** ولا عن صلاةٍ أمَّ فيهم فاخرا

ولا كانَ في بعثِ ابن زیدِ مؤمَّرا *** عليه فأضحى لابن زیدٍ ما مُؤمَّرا

ولا كانَ يومَ الغارِ يهفو جنانُهُ *** حذاراً ولا يومَ العريشِ تستّراً

إمامُ هدىً بالقرصِ آثر فاقتضى *** له القرصُ ردَّ القرصُ أبيضَ أزهرا

يزاحِمُهُ جبريلُ تحتَ عباءةٍ *** لها قيلَ كلُّ الصّيد في جانبِ الفرا(2)

خلفتُ بمثواهُ الشّريفِ وتربةِ *** أحالَ ثراها طيبَ ریَّاهُ(3) عنبرا

لاستنقذَّن العمرَ في مدحيِ له *** وإن لامني فيه العذولُ فأكثرا(4)

ص: 105


1- الكَنَهَورُ: العظيم من السحاب (مجمع البحرين - الطريحي 3: 478، مادة - كنهر)
2- الفرا: الفتي من حمر الوحش (العين - الفراهيدي 8: 282، مادة - فرا)، وفي المثل: (كل الصيد في جوف الفرإ)
3- ریَّاه: الرَّيَّا: ريح طيبة من نفحة ريان (العين - الفراهيدي 8: 312)
4- الأبيات الشعرية لأبن ابي الحديد المعتزلي / الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن ابي الحديد: 104، القصيدة الثانية

هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة:

قال الراوي: ثُمَّ أذن الله لنبيّه الصّادق الأمين سيّد العرب والعجم في الهجرة إلى المدينة - يثرب -، فخرج النّبيّ من الغار وأقبل راعٍ من رعاة قريش يقال له ابن [أريقط](1)، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقال له: «یا بن أُريقط أأتمنك على دمي»؟

قال: اذاً احرسك وأحفظك ولا أدلّ عليك يا سيدي، فأين تريد يا محمّد؟.

قال: «یثرب»(2).

قال: والله لأسلكن بك مسلكاً لا يهتدي اليه أحد.

قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: «آئت عليّاً وبشّره بأنَّ الله قد أذن لي في الهجرة، فيهيئ لي زاداً وراحلة».

فمضى الرجل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وأخبر [بذلك] فسُرَّ أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك سروراً عظيماً، وأخذ علي عليه السّلام في اليوم الثّاني بعيرين، فعكم(3) عليها الزاد والماء وصبر حتّى جنَّ اللّيل وسار إلى الغار، فلمّا رآه النّبيّ صلّى الله عليه و آله ابتهج بقدومه، وقال له: «أهلاً بالصالح الوفي النّاصح».

ثُمَّ احتضنه وافترقا، محمّد صلّى الله عليه وآله يؤمُّ المدينة وعليّ عليه السّلام يؤم

ص: 106


1- في الأصل: (ارقيط)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من أعلام الوری للطبرسي 148:1
2- في الأصل: (المدينة)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من أعلام الوری للطبرسي 1: 148
3- عكم: عَکَمَ المتاعَ یَعکِمُه عَكماً: شدَّه بثوب ( لسان العرب - ابن منظوره 1: 415، مادة - عكم)

مكّة، ثُمَّ إنّ عليّاً بقي مقيماً بمكّة حتّى ورد عليه كتاب من رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمره فيه بالمسير اليه، واللحاق به إلى يثرب.

ثُمَّ إن علياً أتى إلى عمِّه العبّاس ليلاً وأخبره بكتاب النّبيّ، واستشاره في الهجرة، فلمّا سمع العبّاس ذلك منه أطرق إلى الأرض حائراً ما يدري ما يقول.

فقال علي عليه السَّلام: «ما ترد عَلَيَّ من الجوابِ یا عمّ».

فقال: يا ابن أخي إنّ الَّذي ذكره محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر صعب المرام، وهو معروف بالصّدقّ والصّواب في الكلام وقوله الحق، وقد رأيته قد خرج مستخفياً، وقد طلبته قريش غاية الطّلب وأنت تريد الخروج بأهله نهاراً، فلم أَرَ لك في ذلك صلاحاً، فتبسم علي عليه السّلام من كلام عمِّه العبّاس، وعرف هذا منه جبناً وخوفاً من لقاء المحنة والبأس من شرِّ الخلق والنّاس.

هذا والإمام عليّ عليه السّلام هو اللّيث المصور والشّجاع الجسور، الَّذي لا تهوله الأُلوف ولا يخاف من كثرة الفرسان في الصّفوف.

فقال له: «يا عمّ إن لي رباً ناصراً ومعيناً».

ثُمَّ إنّ العبّاس قال: يا ابن أخي إنك لجسور وقاتل الأبطال، فافعل برأيك ولا اعتراض عليك فيما تأتيه.(1)

ص: 107


1- أعلام الوری للطبرسي 1: 145، الفصل الثامن / مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب: 1: 333، فصل/ مولد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - أبي عزيز الخطي: 121، (وفي المصدر تمام الحديث)

[محاربة المشركين لأمير المؤمنين عليه السّلام لمّا اراد الهجرة]:

قال الراوي: فمّر عليّ بدار ابي سفيان، وكان أبو سفيان ينظر اليه، فقال لابنه حنظلة: يا بني كأني بمحمّد بن عبد الله وقد أقبل بخيله ورجاله، وهذا عليّ بن أبي طالب أتى إلى عمِّه العبّاس، وما كفاه محمّد ما صنعه بنا حتّى إنه يريد کيدنا.

فقال حنظلة: يا أبت إن هذا الغلام قد بانت شجاعته في اللّيلة الَّتي خرج فيها محمد، وقد هجمت عليه الأسُد من قريش، فزعق فيهم زعقة تقطّعت منها الأكباد، فظننّا أن السّماء من زعقتِه وقعت على الأرض، ولكن عبدك يا أبت مهلّع معروف بالشّجاعة، قليل الهلع فهو له كفوٌ کریم؛ لأنه عظيم القامة يُعدّ [في الحرب] لألف فارس، فما عليٌّ في يده إلّا كالفرخ في مخالب الصقر.

فقال أبو سفيان: نعم الرأي رأيت يا بنيّ.

ثُمَّ دعي بعبده مهلّع وكان يفزع منه من كان يراه كأنّه قطعة جبل، وكان يحمل الأسد ويجلد به الأرض، وإذا برز بين الصّفين ذلّت له الأبطال، فأقبل عليه مولاه فقال له: ما تقول یا مهلّع في عتقك وألف مثقال من الذّهب الأحمر، وألف ناقة من الأبل، وتقتل عليّ بن أبي طالب؟

فقال مهلّع: والله لقد مارست الشّجعان، وبارزت الأبطال وما هبت أحداً مثل هیبتي لهذا الغلام، وأظن إنّه لو برز له جميع أهل الأرض لأفناهم، فكيف

ص: 108

تعرضني اليه؟

فقال له مولاه: لابد لك من مبارزته، فكأنّي به وقد خرج من بيت عمِّه العبّاس، فخذ حسامك واکمن له، فإذا صار أمامك فلا تخاطبه دون أن تضربه بسيفك [ضربة وأتني رأسه]، فندفنه تحت أقدامنا، فإذا أصبحت بنوا هاشم وفقدوه، فربما ظنّوا أنّه لحق بابن عمِّه محمَّد، فتأمن من شرّه، فيضعف لقتله محمَّد.

فقال العبد: وحق اللّات والعزى والهبل المطوّق الأعلى لقد عرّضتني يا مولاي للهلاك.

فقام وكمن اللّعين لقتل أمير المؤمنين في الطّريق حتّى إنه صار کالمدرة(1)، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام يسرع في خطواته، فلمّا قرب من العبد عاجله بضربة من سيفه، فراغ عنه وصاح به صيحة عظيمة حتّى أدهشه وسقط السّيف من يديه، فعاجله الإمام سلام الله عليه بضربةٍ هاشميةٍ فشقّ رأسه نصفين بسيفه - وكان وزنه سبعة امنان وثلثي مَن بالمكي -، فخَّر العبد قطعتين يخور في دمه، فأخذه عليٌّ عليه السّلام ووضعه على باب حنظلة، فلمّا رأى حنظلة عبده مقتولا اغتمّ وأقبل إلى ابيه وأخبره بخير العبد، فاغتمّ أبو سفيان وارتعدت فرائصه وقال لولده: ابشر

ص: 109


1- المدرة: المدر، وهو الطين المتماسك، ورجل أَمدَرُ: عظيمُ البَطنِ والجنَبينِ، وصار کالمدرة: اي كالطِّينة اليابسة المدورة (لسان العرب - ابن منظور 5: 163، مادة - مدر)

فإن اللّات والعزّى ستمكنك منه يا بني وتأخذ بثأرك، فاخرج العبد وادفنه واكتم أمره عن قريش(1).

ولله در من قال:

لا شيءَ أقطعُ من [نوی](2) الأحبابِ *** أو سيف الوصيِّ كلاهما فتاكُ

الجوهرُ النّبويُّ لا أعمالهُ *** ملقٌ(3) ولا توحيده إشراكُ

ذو النّورِ إن نسجَ الضَّلالَ ملاءةً(4) *** دکناءَ فهوَ لسجفِها(5) هتاكُ

علاّمُ أسرارِ الغيوبِ ومن لهُ *** خُلِقَ الزّمانُ ودارتِ الأفلاكُ

في عَضبهِ(6) مریخها وبغرةِ *** المهلوبِ(7) منها مرزمٌ وسِماكُ(8)

ص: 110


1- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 1: 335، فصل في المسابقة في الهجرة، وعنه في بحار الانوار للمجلسی 291:38، والأنوار العلوية لجعفر النقدي: 48 (باختلاف)/ مولد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام - أبي عزيز الخطي: 121، (وفيه تمام الحديث)
2- في الاصل: (دم)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر / «النّوی» بالفتح: البعد (مجمع البحرین - الطريحي 1: 424، مادة - نوی)
3- المَلَق محركة: الود واللطف، وأن يعطي في اللسان ما ليس في القلب (مجمع البحرين - الطريحي 5: 236، مادة - ملق)
4- المُلاَءَةُ: المِلحَفَة، ثَوبٌ مِن قِطعَةٍ وَاحِدَةٍ ذُو شَقَّينِ مُتَضَامِنَين (لسان العرب - ابن منظور 1: 160)
5- السجف: الستر (الصحاح - الجوهري 4: 1371، مادة - سجف)
6- عضب: العضب: السّيف القاطع (العين - الفراهيدي 1: 283، مادة - عضب)
7- الملهوب: الفرس ( لسان العرب - ابن منظور 1: 786، مادة - هلب)
8- السِّماك: والسِّاكانِ: نجمان نَيِّرانِ أحدهما السِّماك الأَعزَل والآخر السِّماكُ الرامِحُ، (لسان العرب 10: 443 مادة - سمك)

فكاكُ أعناقِ الملوكِ فإن يُرِد *** أسراً لها لم تقضَ منهُ فكاكُ

طعنٌ كأفواهِ المزادِ(1) ودونهُ *** ضربٌ كأشداقِ(2) المخاضِ دراكُ

ما عذرُ من دانت لديه ملائكٌ *** أن لا تدينَ لعزِّه أملاكُ

متعاظمُ الأفعالِ لاهويتها *** للأمرِ قبلَ وقوعه درّاكُ

أوفي من القمرِ المنيرِ لنعلِهِ *** شسعٌ وأعظم من ذكاءِ شراكُ

الصّافحُ الفتّاك والمتطولُ ال *** مَنّاعُ والاخّاذُ والتّراكُ(3)

قد قلت للأعداء اذ جعلوا له *** ضِداً أيجعل كالحضيضِ [شكاكُ](4)

حاشا لنورِ الله يعدلُ فضلَّهُ *** ظلمٌ الضّلال کما رأى الأفّاكُ

ص: 111


1- والمَزادة: الراوية، والجمع المزاد (لسان العرب - ابن منظور 3: 199)
2- شَدق: الجمع: أشداق وشُدوق، الشِّدقُ: جانِبُ الفَمِ مِما تحت الخدّ (مجمع البحرين - الطريحي 5: 189، مادة: شدق)
3- وصفه بأنه إمام حق يحكم بالحق فيما يراه من المصالح، فتارة يصفح وأخرى يقتل، ومرة يمنع ومرة يأخذ ويترك بحسب ما تقتضيه المصلحة، وهو شأن الأئمة العدول
4- في الاصل: (سكاك)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر

صلّى عليه الله ما اكتست الرُبي *** برداً بأيدي المعصراتِ تحاكُ(1)

هجرة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المدينة:

[قال الراوي: إنّ علياً قام في جهاز الهجرة] وعزم على المسير إلى يثرب، والهجرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فصنع خمسة هوادج للفواطم، وأخذ في أُهبة السّفر، وجمع كلّ ما يحتاج إليه من الإبل، وحمل عليها الزاد والماء هذا ولم يعلموا انه يريد الخروج بحرم رسول الله صلّى الله عليه وآله.

ثُمَّ إنّ العبّاس أتي له بالأباعر وشدَّ عليها الأحمال والهوادج، فلمّا صاروا في الأبطح أقبلت زینب بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أُختها فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وقالت لها: أبلغي أباك عنّي السّلام، وقولي له انّي بعيدة عن الأهل والأوطان(2)، وكثيرة الحنين والبكاء على فراقك يا أبتِ، والآن قد تجدد حزني لفراقكِ يا أختِ، وانشأت تقول:

ابلغي فاطم [أباكِ] التّحية عنّي(3) *** واذكري فرقتي وشوقي وحزني(4)

ص: 112


1- الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن ابی الحدید: 111، ضمن القصيدة الثالثة في وصف النبي صلى الله عليه و آله
2- في المصدر: (الاحباب)
3- في المصدر: (أفاطم أبلغي أباكِ التحية منّي)
4- في المصدر: (فقد فقدتّ السّرور مذ غاب عنّي)

[يا حبيبَ الإله قد طالَ حُزني *** مذ نأيتم فلا رقي الدّمع منّي

صرمَ(1) الدّهر حبلَ وصلي ففارقني *** حبيب الإله ذخري وأمني

منذ تباعدت یا منائي وسؤلي *** صار زيادة الحنين شغلي وفني]

كنت أسلو بفاطمٍ نور عيني *** فرماها الزمان بالبعد عني

لا تلذّذت بعدكم بحياة *** فعليك السّلام ما دام مني

قال الراوي: فبكت فاطمة سلام الله عليها وقالت: «ما كان أبوك ينساك، ولكنك مع زوجك لا تجدين سبيلاً للخروج إلى أن يأذن الله لكِ».

ثُمَّ سار عليٌّ عليه السّلام بالهوادج والقوم ينظرون اليه، فلمّا خرج من الشّعب عظم ذلك على قريش، وزاد بهم الحنق والبغض، فبينما هم كذلك إذ اشرف عليهم إبليس اللّعين في صورة شيخ نجدي كبير قد احدودب ظهره، وجبهته مثل ركبة البعير، وهو راكب على ناقة سمراء، وهو ذو هيئة عظيمة وقامة جسيمة، فشخصت له قریش، فلمّا صار في اوساطهم، قال لهم: كيف رضيتم بالشّنيعة والعار، أتتركون هذا الصبي المسمى بعلي أن يطأ أعناقكم؟ أفٍ لكم ولما تعبدون، فلا لأنفسكم غضبتم، ولا لألهتكم نصرتم، إنّما هو إلّا رجل واحدٌ اصغركم سناً [واضعفكم ركناً]، وانتم صناديد العرب من قريش وفرسان الخيل.

ص: 113


1- صرَم الشَّيءَ: جزَّه وقطعه (العين - الفراهيدي 7: 120، مادة - صرم)

فأقبل اليه أبو جهل وقال له: حييت يا شيخ، ما الَّذي تشير به علينا، فإنّا خائفون من عاقبة أمره، وصولته وعزمه.

فقال الشيخ: [الآن عصيتم الآلهة، فإذا أردتم أن ترضى عنكم اقتلوا عليّاً، فإن] الالهة تنصرکم عليه، وتُحييكم عند قتلكم، فبينما هم كذلك وإذا همَّ بصولة عظيمة، وسواد مظلم متراکم، ودخان متکاثف، ونار وشرار قد ملأ الوادي.

[فقال عليٌّ عليه السّلام: «یا ابا عتبة، كيف السّاعة تنظر الحقّ، والحقّ كيف يعلو نوره»، ثُمَّ إنّ علياً عليه السّلام نادی بزید بن خارجة وقال: «أمسك الرّواحل وأعقلهن» فقال له زيد: وما هذا يا سيّدي؟

فقال له عليه السَّلام: «هذا إبليس لعنه الله وجنوده يريدون الفتنة»، ثُمَّ إنّ علياً عليه السّلام استقبل السّواد [والنار] والشّرار والدّخان، [وقد سدّ الأفق وقد علت الزّعقات وظهرت الأشخاص]، وخرج أهل مكة يرون ما نزل بهم.

[هذا وقريش قد فرحوا فرحاً شديدا، وبنوا هاشم قد رعبت قلوبهم بما رأوا من الظّلمة والشّرار والنّار، فظنّوا إنّها نار قد نزلت بهم من السّماء، فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم إبليس لعنه الله من تحت الظّلمة، وفي يده شهاب من نار وهو يلتهب].

ص: 114

ثُمَّ قال لعنه الله لجنوده: [يا قوم] ارموا هذا الصّبي(1) بناركم [وشراركم، فتقدّم وصرخ صرخة عظيمة وصرخت جنوده]، وعلي عليه السّلام لم يكترث بهم [ولا بفعلهم].

قال: فبرز إليه الأشعث ابن إبليس لعنه الله، وهو كالنّخلة السّحوق، وهو يرمي [بناره و] بشرده و قصد الهوادج، [فدني منه عليّ عليه السّلام وتكلم بكلام لا يفهمه أحد وزعق في وجهه، فهرب اللّعين وارتعدت فرائصه]، فضربه الإمام عليه السّلام بضربة قدّه نصفين، ثُمَّ إنه غاص في اوساطهم، وصاح فيهم صيحة الغضب، فانفطرت قلوبهم، وولوا بأجمعهم هاربين.

فقال ابو جهل اللعين لعتبة: ما هذا إلّا سحر عظیم علّمه محمَّد بن عبد الله حتّى سحر الفراعنة والشّياطين.

فسار عليّ عليه السّلام بالهوادج، واذا بالعجاج قد ثار وتزايد الشّرار، فدعی یزید بن خارجه فقال له: «إعقل [الاباعر](2)». هذا والفواطم يبكين خائفات أن يقتل عليّ بن ابي طالب عليه السّلام، ويهتكن بعده.

ثُمّ إنّ علياً تأهب للقتال [ولبس لامة حربه، وقال للزهراء سلام الله عليها:

ص: 115


1- في المصدر: (علياً)
2- في الأصل: (الهوادج)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

«إنّي خارج إلى أعداء الله ورسوله وأعدائنا أهل البيت، فعيكِ بالدّعاء»، فرفعت الزهراء سلام الله عليها رأسها إلى السّماء وقالت: «اللّهُمّ عزّ عليّاً بعزّك، وانصره بنصرك، وأحرزه بحرزك، ولا تسلّم نبيّكَ ووليّكَ إلى أعدائهما، إنك فعّال لما ترید»]، فلمّا رأت قريش إنّ علياً قد برز للقتال أُدخل قلوبهم الرّعب الشّديد.

فقال عتبة(1): عندي لكم من يكفيكم أمره، وهو عبدي صارم، وكان العبد كقطعة جبل، فناداه مولاه وقال له: يا صارم أنت معروف بالشّجاعة، وقد اخترتك لنفسي، فخذ سيفك وامض إلى هذا الصّبي [المسمى بعليّ، واهجم عليه] واضرب عنقه، فإذا فعلت ذلك فأنتَ حرّ لللات والعزّى، وأولادك لك، ولك [عندي] مائة رأس من الغنم، وعشرون ناقة حمر الوبر.

فقال له العبد: فإن قتلني [عليّ] وصرم عمري بصارمه البتار، فلا ينفعني العتق ولا المال.

ثُمَّ إنّ مولاه حمله على الغيرة، فوثب العبد الشّقي وأخذ لامة حربه [وسار حتّى وصل الشّعب، وعليّ عليه السّلام] جالس يحرس الفواطم وهنَّ في الهوادج، فدنا العبد منه وهمَّ أن يعلوه بالسّيف، فثار عليه الإمام حيدر الكرار سلام الله عليه [ثورة الأسد، فاندهش العبد وارتعش] وولى هاربا، فلحقه الإمام بضربة

ص: 116


1- في المصدر: (عقبة بن أبي معيط)

فقطعه نصفين، وساق الله روحه إلى النّار، فخر صريعاً يخور بدمه، فحمله الإمام عليه السّلام ونصبه على رأس الجبل كأنه جالس، وسنّده بالحجارة، وقريش ينتظرون رجوع العبد صارم، فلمّا كان الصباح نظر ابو جهل شخص العبد على ذروة الجبل [جالسا فتأمله فإذا هو مسند بالحجارة].

فقال: أُبشرك يا عتبة إن العبد قد وكّله علي بن أبي طالب على حراسة سباع البرية [وقد أجلسه في أرفع مكان]، فالتفت عتبة فإذا العبد مسنّد بالحجارة.

فقال عتبة لأبي جهل: تستهزئ بي [يا ابا الحكم].

فقال: كيف لا استهزئ بك وأنت تزعم إنّ عبدكَ كفوءٌ لعليّ، فبينما هم في الجدال إذ طلع عليهم الإمام عليه السّلام حاسر رأسه ورمحه بيده، فوقف بإزائهم وقال بأعلى صوته: «يا معاشر قریش، ها انا خارج عنكم بالظعائن، فهل لكم في طلبي حاجة»، فجعل بعضهم ينظر بعض، فقال عقبة بن ربيعة لحنظلة: يا ابن أبي سفيان اخرجتنا لنقتل انفسنا من أجلك فدونك قرينك فهو هذا معك.

فقال: حنظلة لعليّ عليه السّلام وحق اللّات والعزّى والهبل الأعلى لأردها کرها عليك يا عليّ، فغضب الإمام عليه السّلام من كلامه.

وتجاولا طويلاً، فحمل الإمام عليه السّلام وزعق عليه زعقة الغضب، فأدهشه وضربه بالسّيف على هامته فشقها نصفين، ورماه عن ظهر جواده يکدم الأرض

ص: 117

بفمّه، فلمّا رأت قریش حنظلة وقد صرعه الإمام حملوا عليه حملة رجل واحد بقلوب محترقة ونفوس مبغضة، وطار الشّرار وارتفع الغبار وصار النهار كاللّيل بالاعتكار حتّى لا يرى إلّا لمعان السّيوف، وبريق الأسنّة وصهيل الخيل و قعقعة اللّجم، وقد انكشفت الغبرة و صفا الجو وانهزم الباقون ولم ينج منهم إلّا القليل.

فصاح عتبة بعد ما قُتِلَ منهم خمسة الاف فارس(1) وقال: لو كنتم غنماً في البادية ما کنتم كذلك ما عذركم عند العرب والفرسان، أما تخشون أن تتحدث بكم الرجال في محافلها، والنساء في مغازلها يا ويلكم اجتمعوا واصدقوا في الحملة، فما قتل منكم إلّا كلّ جبان.

قال الراوي: فزادهم الحمق والحنق، وحمرت منهم الحدق، وحملوا على الإمام حملة من عاف الحياة، ولم يرد إلّا الممات، فكرَّ فيهم الإمام وأَكثر فيهم الصّدام، وأوردهم حياض الحمام، وغاص في أوساطهم كالرحى في الطاحونة، وجال ونادى: «ويا معشر قریش، یا بني مخزوم، یا بني زهرة، يا بني لؤي، یا بني عبد الدّار، یا بني أُمية إلى این تذهبون، وإلى أيِّ وقت تموجون، فأنا الفارس الكرار، والفتى المغوار، والنّجم الثّاقب، وأنا مظهر العجائب، وأنا أسد الله الغالب، أنا عليّ بن أبي طالب، هل فيكم حمية إلى دين اللّات والعزّى؟ هل فيكم فتیً مبارز إلى

ص: 118


1- في المصدر: (مائة فارس)

فتىً غير عاجز»؟ فلم يرد القوم الجواب، واجتمعوا على برازه لما راوا سيل الدماء على الأرض من القتلى.

قال الراوي: ولم يزل الامام يكر فيهم صادراً ووارداً، ويقتل فيهم حتّى خاضت الخيل في الدماء، فما كان إلّا ساعة وانكشف الغبار وانهزم الباقون وولوا الدّبر، وصاح عروة بن أبي معيط وقال: ما هذه الفضيحة.

فقال أبو جهل: يا ويلك ما بالك نكصت على عقبك، فإنّي أراك تلوذ عنه لواذ الحمام عن الصقر [خوفا وجزعا من الموت]، وما كان أسرع هزيمتهم بالذّل والصغار(1).

ولله در من قال:

وَشَاهَدَ [مَرأىً](2) جَلّ عَن أَن يَحدَّهُ *** مِنَ القَومِ نَظمٌ في الصَّحائفِ مَكتوبُ

وقَد غَصَّتِ الأرضُ الفضاءُ بخيلهم(3) *** وضُرِّجَ مِنها بِالدّماءِ الظَّنابيبُ(4)

ص: 119


1- مولد الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام - ابي عزيز الخطي: 141 - 170، (وفيه تمام الحديث) / قصص الانبياء - الراوندي: 330، الباب العشرون (باختلاف)/ الأنوار العلوية - جعفر النقدي: 41، الفصل الثالث. (باختلاف)
2- في الاصل: (مرء) وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
3- في المصدر: (بخيله)
4- الظنبوب: مسمار يكون في حبة السنان حيث يركب في عالية الرمح، والجميع الطنابيب (العين - الفراهيدي 8: 165، مادة - ظنب)

يَعاقيبُ رَكضٍ في الرّبُودِ(1) سَوابحٌ *** یُماثِلُها لولا الوُكونُ اليعَاقيبَ(2)

فَأشرَبهُ كأسَ المنيّة أحوَسٌ(3) *** مِنَ الدّم طعِّيمٌ وللدّم شرّيبُ

إذا رامه المقدارُ أو رام عکسَهُ *** فَلِلقُربِ تَبعيدٌ ولِلبُعدِ تقریبُ

فَلم أرَ دَهراً يَقتُلُ الدّهرَ قَبلَه(4) *** ولا حتف عضبٍ وهو بالحتف مغصوب

حَنانيكَ فَازَ العُربُ مِنكَ بسؤدَدٍ *** تَقاصَرَ عنهُ الفُرسُ والرُّومُ والنوبُ

فما ماسَ مُوسى في رداءٍ منَ العُلى *** وَلا آب ذِكراً بَعدَ ذِكرِك أَیُّوبُ

أرى لَكَ مجداً ليسَ يُجلَب حَمدُهُ *** بمدحٍ وَكلّ الحمدِ بالمدحِ مجلوبُ

وَفًضلاً جَليلاً إن ونى فَضلُ فاضلٍ *** تعاقبَ إدلاجٌ عَليه وتأويبُ(5)

لِذاتِكَ تَقديسٌ لِرَمسِكَ طُهرَةٌ *** لِوَجهِكَ تعظيمٍ لمجدِكَ تَرجيبُ

تقلدت(6) أفعالَ الرُّبوبيَّةِ الَّتي *** عذرتُ بها من شكّ أنَّكَ مَربوبُ

ص: 120


1- الربد: وهو الراقي من الجبل (لسان العرب - ابن منظور 170:3)
2- اليعاقيب: الخيل نفسها اشتقاقا من تعقيب السير، والغزو بعد الغزو، (العين - الفراهيدي 1: 181، مادة عقب)
3- الأحوس: الجريء الذي لا يهوله شيء (العين - الفراهيدي 3: 271، مادة - حوس)
4- في المصدر: (قبلها)
5- الإِدلاج: السيرُ باللّيل، والتَّأوِيبُ السَّیرِ في النَهَارا (تاج العروس الزبيدي 3: 370، 1: 309)
6- في المصدر: (تقيلت)

وَقَد قِيلَ في عیسی نَظيركَ مثلَه *** فخسرٌ لمن عادی عُلاك وَتَتبيبُ

عَلَيكَ سَلامُ الله يا خَيرَ من مَشی *** به بَازلٌ عَبر المَهامهِ خُرعُوبُ

[ويا خيرَ من يُغشى لدفعِ ملمّةٍ *** فيأمنُ مرعوبٌ ويترفُ قُرضوبُ]

ويَا ثاوياً حَصباءُ مَثواهُ جوهَرٌ *** وَعیدانُه عُودٌ وتَربَتُه طيبُ

تکُوسُ به غرُّ الملائكِ رفعَةً *** ويَكبرُ قدراً أن تكوسَ به النّیبُ

يجلّ ثراه ان يضرجه الدّم المر *** اق وتغشاه الشّوى والعراقيب(1)

وَيا عِلّة الدُّنيا وَمَن بَدو خَلقها *** له وَسَيتلو البدو في الحشر تَعقیبُ

وَيا ذا المَعالي الغُرّ والبَعضُ مُحسَب *** دَليلٌ على كُلٍّ فما الكُلُّ محسُوبُ(2)

قال الراوي: ثُمَّ سار أمير المؤمنين عليه السّلام مؤيداً منصوراً، وهبط جبرئیل الامين على النّبيِّ الصادق سیّد المرسلين صلّى الله عليه وآله، وأخبره بما كان من عمل الأرجاس المشركين من قريش، وحربهم لأمير المؤمنين عليه السّلام، وبشّره بانتصاره على أعداء الدّين، وقتله لهم ورجوعهم عنه بالذّل والصّغار بعد أن قتل منهم تسعة آلاف رجل، ولم ينج من محاربته إلّا خمسون رجلاً.

ص: 121


1- العُرقُوبُ من الدَّابةِ: ما يكون في رجلها بمنزلة الرُّكبَةِ في يدها (لسان العرب - ابن منظور 229:11)
2- الأبيات الشعرية لأبن أبي الحديد المعتزلي / الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن أبي الحدید: 97، القصيدة الاولى

ثُمَّ سار الإمام علي عليه السّلام إلى طيبةَ مع الفواطم الزّاكيات الطّاهرات والأطفال والذخائر والأموال، وقد لحق بهم كثير من النّاس، وبات أمير المؤمنين عليه السّلام ومن معه من المؤمنين والمؤمنات قیاماً وقعوداً [ركعاً وسجودا] لله ذاکرین، فما زالوا على ذلك حتّى طلع الفجر، وصلّى الإمام بهم صلاة الصّبح، وساروا.

ولم يزالوا يعبدون الله [ويذكرونه في كلِّ مكان ومنزل] ولقد نزل الوحي [على رسول الله صلّى الله عليه وآله] في شأنهم [قبل قدومهم] وهو قوله تعالى «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»(1).

وقوله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ»(2).

فالذَّكَرُ علي بن أبي طالب عليه السّلام، والأُنثى فاطمة عليها السّلام.

ص: 122


1- البقرة: آية (191)
2- البقرة: آية (195)

[دخول النبي صلّى الله عليه وآله المدينة]:

قال الراوي: وإنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله لمّا توجه إلى المدينة، قال: «لا أحبّ أن أدخلها إلّا ومعي أخي وابن عمّي علي بن أبي طالب عليه السّلام»؛ فلمّا قاربها صلّى الله عليه وآله نزل بقبا على كلثوم ابن الهدم، فجاءه بعض الناس وقالوا: يا رسول الله تدخل المدينة؟ فإن القوم مشتاقون إلى نزولك عليهم.

فقال صلّى الله عليه وآله: «لا أقوم من هذا المكان حتّى يوافي أخي وابن عمّي علي بن أبي طالب»، وكان قد بعث اليه رسولاً: أن أحمل العيال وأقدم عليَّ.

فبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله منتظراً له خارج المدينة لمدة خمسة عشر يوماً، وقد خرجَ عليّ عليه السّلام من مكّة ماشياً، فتورمت قدماه، فلمّا وصلَ إلى المدينة راه النّبيّ صلّى الله عليه وآله.، فاعتنقه ویکی رحمة له مما رأى ما بقدميه من الورم، وإنّهما يقطران دماً فدعا له بالعافية، فلم يشکوهما بعد ذلك، وخرج من قبا يوم الجمعة، فلمّا قدم المدينة وشرَّف على نواحيها بأنوار طلعته الغرّا، أقبلت الأنصار رجالها والنّساء مستبشرين بقدومه السّعود، وبشرف وجوده الَّذي هو علّة كلّ الوجود لكلّ موجود.

فقال كلّ سیّد منهم: إلينا إلينا يا رسول الله.

فقال صلّى الله عليه وآله.: «دعوا النّاقة فإنّها مأمورة»، فبرکت ناقته على باب

ص: 123

أبي أيوب الأنصاري(1)

نَبِیُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلا أَحَدٌ *** أبَرَّ في قولٍ لا منه ولا نِعَمِ

هُو الحبيبُ الَّذي تُرجَى شفاعَتُهُ *** لكُلِّ هَولٍ مِن الأهوالِ مُقتَحَمِ

[دَعَا إلى اللهِ فالمُستَمِسکون بِهِ *** مُستَمسِکُونَ بِحبلٍ غيرِ مُنفَصِمِ

فاقَ النَّبيينَ في خَلقٍ وفي خُلُقٍ *** ولم يُدَانُوهُ في عِلمٍ ولا كَرَمِ]

وكُلُّهُم مِن رسولِ الله مُلتَمِسٌ *** غَرفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَا مِنَ الدِّيَمِ(2)

وواقِفُونَ لَدَيهِ عندَ حَدِّهِمِ مِن *** نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكلَةِ الحِكَمِ

مُنَزَّهٌ عن شريكٍ في محاسِنِهِ *** فجَوهَرُ الحُسنِ فيه غيرُ منقَسِمِ

دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ *** واحكُم بما شئتَ مَدحَا فيه واحتَكِمِ

وانسُب إلى ذاتِهِ ما شئتَ مِن شَرَفٍ *** وانسُب إلى قَدرِهِ ما شئتَ مِن عِظمِ

فاِنَّ فَضلَ رسولِ اللهِ ليس له *** حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطِقٌ بِفَمِ

ص: 124


1- أعلام الوری - الطبرسي 1: 153، الفصل الثامن (باختلاف)/ ققص الانبياء - الراوندي: 334، الباب العشرين (باختلاف)/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 159:1 (باختلاف) / مولد الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام - ابي عزيز الخطي: 141 - 174، (وفيه تمام الحديث) الانوار العلوية - جعفر النقدي: 41، الفصل الثالث (باختلاف)
2- الدِّيَمِ: الدِّيمةُ من المطر: الذي لا رَعدَ فيه ولا بَرقَ تَدُومُ يَومَها، والجمع دَيِمٌ، غَيِّرَت الواو في الجمع لتَغَيُّرِها في الواحد (لسان العرب - ابن منظور 12: 213، مادة - دوم)

أعيا الوری فَهمُ معناهُ فليسَ یُرَی *** في القُربِ والبُعدِ فيه غيرُ مُنفَحِمِ(1)

كالشمسِ تظهَرُ للعينَينِ مِن بُعُدٍ *** صغيرة وتُکِلُّ الطَّرفَ مِن أَمَمِ

[وكيفَ يُدرِكُ في الدنيا حقيقَتَه *** قَومٌ نِيَامٌ تَسَلَّوا عنه بالحُلُمِ

فمَبلَغُ العِلمِ في أنه بَشَرٌ *** وأَنَّهُ خيرُ خلقِ الله کُلِّهِمِ]

وكُلُّ أيٍ أتَى الرُّسلُ الكِرَامُ بِهَا *** فإنما اتصَلَت مِن نورِهِ بِهِمِ

فاِنَّهُ شمسُ قَضلٍ هُم كواكِبُهَا *** يُظهِرنَ أنوارَهَا للناسِ في الظُّلَمِ

ولا يساويه في أوصافهِ أحدٌ *** إلّا عليٌّ أخوهُ سيّد الحرمِ

فأحمدٌ وعليٌ جلَّ شأنهما *** عن النظيرِ وخير الخلق كلهمِ(2)

ص: 125


1- مُنفَحِمِ: المُفحَم: العَييُّ، وكلَّمه فَفحَم: لم يُطق جواباً، وكلمته حتى أَفحَمته إذا أَسكَّته في خصومة أو غيرها (لسان العرب - ابن منظور 449:12، مادة - فحم)
2- القصيدة للشاعر البوصيري، وتسمى: قصيدة البردة/ ديوان البوصيري: 181، مجلة تراثنا - العدد 23: 178، تحت عنوان: من ذخائر التراث، تخميس قصيدة البردة للسيد حسن الأعرجي، ومجلة تراثنا - العدد 60: 343، تحت عنوان: من ذخائر التراث، تخميس قصيدة البردة للبوصيري للشاعر محمد رضا النحوي، والبيتان الاخيران لم يذكرا في القصيدة، ولم أجدهما في المصدر المتوفرة عندي، والظاهر إنهما للمؤلف. البوصيري: هو محمد بن سعید بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري، کنیته: أبو عبد الله، شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، أصله من المغرب من قلعة حماد من قبيله يعرفون ببني حبنون. ولد سنة 608 ه. ووفاته بالإسكندرية سنة 696 ه. له ديوان شعر مطبوع وأشهر شعره البردة (انظرا الأعلام للزركلي: 139)

ص: 126

الفصل الثاني في ذكر نسبه وانتسابه وبعض مدائحه...

ص: 127

ص: 128

الفصل الثاني في ذكر نسبه وانتسابه وبعض مدائحه وكناه وألقابه

فأما نسبه الطّاهر الفاخر صلوات الله وسلامه عليه وآله من جانب أبيه:

فهو أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحارث، وعنده يجتمع نسبه ونسب النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ابن هاشم واسمه عمرو العلى، ابن عبد مناف واسمه المغيرة، ابن قصي واسمه زید، ابن کلاب بن مرة بن کعب بن لوی بن غالب بن فهر بن مالك بن النظير بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن النظر بن نزار بن معد بن عدنان(1)، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إذا بلغَ نَسبي عدنان فأمسكوا»(2).

ص: 129


1- المناقب - الخوارزمي: 46، الفصل الثاني: في بيان نسبه من قبل أبيه وأمه / مطالب السؤول - الشافعي: 66، الفصل الثاني / تاریخ الخلفاء - السيوطي: 183/ کشف الغمة - الاربلي 1: 65
2- قصص الأنبياء - الراوندي: 314، ح 423/ أعلام الوری - الطبرسي: 43، الفصل الاول/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 1: 134/ کشف الغمة - الأربلي 5:1/ بحار الأنوار - المجلسي 105:15

فنمسك المقال امتثالاً لأمر رسول الله صلّى الله عليه و آله ذي الجلال، واتصال نسبه إلى آدم أبي البشر معلوم من الأخبار المأثورة وصحيح السيّر.

ونسبه من قبل الأُم الشريفة الطّاهرة: فهي فاطمة بنت أسد بنت هاشم.

روي أن النّبيَّ صلى الله عليه وآله. دعا أُسامة بن زيد، وأبا أيوب الأنصاري أن يحفرا قبرها عند موتها، فحفرا قبرها، فلمّا بلغا لحدها حفرهُ النّبيّ صلّى الله عليه وآله بيده الشّريفة، وأخرج ترابه بيده، ولمّا فرغ منه اضطجع فيه ليتسع عليها وتكفي وحشته.

ثُمَّ قال صلّى الله عليه و آله: «الله الَّذي يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، اغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد ولقنّها حجّتها ووسّع عليها لحدها بحقِّ نبيك محمَّد والأنبياء الَّذِين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين»(1).

ص: 130


1- روى الطبراني في المعجم الأوسط 1: 67 (وقال: حدثنا....قال: عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمُّ علي دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أُمّي کنت أُمّي بعد أُمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرین و تکسونني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدّار الآخرة، ثُمَّ أمر أن تغسل ثلاثا وثلاثا، فلمّا بلغ الماء الذّي فيه الكافور سكبه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثُمَّ خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فألبسها إياه و کفنت فوقه ثُمَّ..... وفي المصدر تمام الحديث) و أنظر: المناقب - الموفق الخوارزمي: 47، الفصل الثاني، ضمن ح 10/ الدر النظيم - العاملي : 223/ الفصول المهمة - ابن الصباغ 1: 177 الفصل الأول، وعنه في بحار الانوار للمجلسي 179:35، الباب الثالث

[نسبُ المطهر بين أنساب الورى](1) *** كالشّمس بينَ كواكبِ الأنسابِ

والشّمس إن طلعت فما من كوكبٍ *** إلّا تغيب في نقابِ حجابّ(2)

ولبعض النّصارى في مدحه للإمام عليّ عليه السّلام:

[عليٌّ أميرُ المؤمنينَ صريمةٌ](3) (4) *** وما لِسواه في الخلافةِ [مَطمعُ](5)

لهُ النسَبُ الأعلى وإسلامُه الَّذي *** تَقدّم فيهِ والفضائل أجمعُ

فلو كنتُ أهوى مِلّةً غيرً ملّتي *** لما كنتُ إلاّ مسلِماً أتشيَّعُ(6)

وفي كتابِ مواليد الائمة لابن الخشاب: مضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام وهو ابن خمس وستين، في سنة أربعين من الهجرة، ونزل الوحي على النّبيِّ صلّى الله عليه وآله، وله اثنتا عشرة سنة، وأقام بمكّة مع النّبيّ ثلاث عشرة

ص: 131


1- في الاصل: (نسب الوصي على البر التقي)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
2- الأبيات للموفق أبي المؤيد الخوارزمي، أوردها في كتابه المناقب: 48
3- في الاصل: (امير المؤمنين امامنا)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
4- الصَّرِيمةُ: إحكام الأمر والعزيمة فيه، وهنا تعني: أنَّهُ هو أمير المؤمنين سلام الله عليه قطعاً وعزماً، وليس سواه احد (الصحاح - الجواهري 5: 1966، مادة - صرم)
5- في الاصل: (مرجع)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
6- ذَكره هذه الأبيات الخوارزمي في المناقبِ: 48، وقال: إنَّها لأحد النّصارى

سنة، ثُمَّ هاجر فأقام معه بالمدينة عشر سنين، وأقام بعده ثلاثين سنة، فكان عمره خمساً وستين سنة.

قال: وقُبِضَ ليلة الجمعة وقبره بالغري، وكنيتهُ أبو الحسن، ولقبه: سیّد الوصيين، وقائد الغر المحجلين، وأمير المؤمنين، والصّديق الأكبر، والفاروق الأعظم، وقسيم الجنّة والنّار، والمرتضى، وحیدرة، وأشهر کناه: أبو الحسن، وأبو تراب(1).

عن جابر بن عبد الله قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله. يقول لعليٍّ عليه السّلام قبل موته بثلاثةِ أيام(2): «سلامٌ عليكَ يا أبا الرّيحانتين، أُوصيكَ بريحانتيَّ من الدّنيا؛ فعن قليل ينهدّ رکناك والله خليفتي عليك».

فلمّا قُبِضَ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال عليّ عليه السّلام: «هذا أحد ركنيَّ الَّذي قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله».

[فلمّا ماتت فاطمة سلام الله عليها، قال عليّ عليه السّلام: «هذا الرّكن الثّاني

ص: 132


1- تاريخ مواليد الائمة - ابن الخشاب البغدادي: 12 / فرحة الغري - ابن طاووس: 82، الباب الخامس، ح 26/ وعن كتاب مواليد الأئمة نقله الأربلي في كشف الغمة 1: 65
2- في المصدر: (بثلاث)، ولم ترد كلمة أيام

الَّذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله»](1).

وقال سهل بن سعيد: ما كان لعليّ اسم أحبّ إليه من أبي تراب، وكان يفرح إذا دُعيَّ به.

أقول: والسّر في ذلك إنّه عليه السّلام عند ذكر هذه الكنية، أحسن تذکار لابن عمِّه المصطفی المختار حيث سمّاه به في حياته، وأولاه وحباه بشرائف ألطافه وأعطافه.

قال سهل بن سعيد: جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بيت فاطمة فلم يجد عليّاً في البيت، فقال لفاطمة صلوات الله وسلامه عليها: «أين ابن عمّكِ»؟.

قالت: «كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج ولم يقل(2) عندي».

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لإنسان: «أُنظر أين هو».

فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد؛ فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله

ص: 133


1- معاني الأخبار - الصّدوق: 403، باب معنی نوادر المعاني، ح 69/ روضة الواعظين - الفتال النيسابوري: 152، مجلس في ذكر شهادة الزهراء سلام الله عليها/ ذخائر العقبی احمد بن عبد الله الطبري: 56، باب في اسمه وكنيته وصفته سلام الله عليه / ذخائر العقبي - الطبري: 56، باب فضائل امير المؤمنين عليه السلام
2- في المصدر: (يقم) / ولم يُقِل عندي: أي لم ينام القيلولة

وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب؛ فجعل رسول الله يمسح التراب عنه بيده ويقول: «قم یا أبا تراب [قم یا أبا تراب]»(1) رواه البخاري ومسلم.

ص: 134


1- صحيح البخاري 1: 114، باب فضل استقبال القبلة / صحيح مسلم 7: 124 / المعجم الكبير - الطبراني 6: 202، (باختلاف بسيط في بعض الالفاظ) / معرفة علوم الحديث - الحاكم النيسابوري: 211، النوع الخامس والأربعون، (الحديث طويل أخذ موضع الحاجة منه). أقول وباختصار: إنّ في هذا الحديث عدّة إشكالات. الأول: إنَّ الحديث مروي عن طرق المخالفين، وأقدم مصدر رواه هو البخاري في صحيحه 1: 114، وكذلك في 4: 207، ولكن الحديث الذي في الجزء الاول يختلف عما في الجزء الرابع، فالذي ورد في الجزء الرابع هو، قال: (حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، إنَّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد، فقال: هذا فلان - لأمير المدينة - يدعو علياً عند المنبر. قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له أبو تراب، فضحك، قال: والله ما سمّاه إلّا النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم، وما كان له اسم أحبّ إليه منه فاستطعمت الحديث سهلاً، وقلت: يا أبا عباس کیف. قال: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين ابن عمّك قالت في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس یا أبا تراب مرتين) والذي ورد في الجزء الاول والذي ذكره المصنف فيه زيادة لم ترد في الجزء الرابع، ونستنتج من ذلك أن الإضافة في ذيل الحديث في الجزء الاول ربما تكون موضوعه. الثاني: ان كلمة (فغاضبني) التي وردت في الجزء الأول من صحيح البخاري تخالف لما ورد عن الائمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، في أحاديثهم من أمر العصمة، والظاهر أن واضعها يريد أن يبرء من أغضب الزهراء سلام الله عليها وظلمها وأسقط جنينها وغصبها حقها، وعليه فإن المغاضبة مرفوضه ولا يمكن قبولها استنادا لروايات عصمة الزهراء وأمير المؤمنين سلام الله عليهما وكذلك النبي والائمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلا يغضب أحدهم الأخر فهذا الأمر خلاف العصمة. وينظر: الغدير، للأميني، ج 6، ص 337

وفي مناقب الخوارزمي: عن ابن عباس قال: لمّا آخی رسول الله صلّى الله عليه وآله بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار، فلم يؤاخِ بين عليّ عليه السَّلام وبين أحد منهم، خرج عليّ مُغضباً حتّى أتی جدولاً من الارض، فتوسّد ذراعه فسفت عليه الريح، فطلبه النّبيّ صلّى الله عليه وآله حتّى وجده، فوكزه برجله، فقال له: «قم فما صلحت إلّا أن تكون أبا تراب، أغضبت عَليَّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخِ بينك وبين أحدٍ منهم»؟

«أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا انه لا نبي بعدي(1)؛ ألا من أحبّك حظي(2) بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية، وحوسب بعمله في الإسلام»(3).

ص: 135


1- في المصدر: (ليس بعدي نبي)
2- في المصدر: (حف)
3- المعجم الاوسط - الطبراني 40:8 / المناقب - الخوارزمي: 39، الفصل الأول، ح 7. أقول: يرد على هذا الحديث إشكال وهو كيف لذلك العظيم أن يغتاظ من رسول الله صلّى الله عليه وآله أو يغضب عليه، وهل من أخلاق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أن يذهب مغضباً ويترك رسول الله صلى الله عليه و آله، ورسول الله الذي قال الله في حقه: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» (النجم: آية 3، 4) فكيف له أن يترك وحي السّماء، ألا يعد ذلك خلاف لأحاديث العصمة، والأمر الأنكى بأن يأتي النّبيّ يركزه برجله، ألا يعد ذلك خلاف أخلاق الأئمة سلام الله عليهم. وأما الذي ورد في مصادر الشيعة من أن علّة تسمية أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بأبي تراب هو ماء راواه الصدوق في معاني الأخبار: 120، ح 1، عن أبيه - رحمه الله - قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن.... عباية بن ربعي، قال: قلت: لعبد الله بن العبّاس لم کنی رسول الله صلى الله عليه وآله عليّا عليه السلام أبا تراب؟ قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها وإليه سكونها، ولقد سمعت رسول صلّی الله عليه وآله يقول: «إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفي والكرامة قال: يا ليتني كنت ترابا. أي يا ليتني كنت من شيعة علي. وذلك قول الله عز وجل: «...يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا» (النبأ: 40)»

ولله در مَن قال من الشّيعة المخلصين الأبدال:

وهوَ عَلَّامةُ الملائكِ فاسأل *** رُوح جِبريلَ عنه كيف هَداها

[بل هو الرّوحُ لم يزل مستمدّاً *** کُلَّ دهر حياتهُ من قُواها

أيُّ نفس لا تَهتدي بهداهُ *** وهو من كلِّ صورة مقلتاها

وتَفَكَّر بأنتَ منّي تَجِدها *** حكمةً تورث الرُّقُودَ إنتباها

أوَما كانَ بعدَ موسى أخوهُ *** خيرَ أصحابه وأعظمَ(1) جاها

ليس [تخلو](2) إلّا النّبوةُ منه *** ولهذا خير الورى استثناها

وهو في آيةِ التّباهُل نفس المصطفى *** ليس غيرُه إياها

ثُمَّ سَل إنما وَلِیُّکُم الله *** ترَ الاعتبِارَ في معناها

ص: 136


1- في المصدر: (وأكرم)
2- في الأصل: (يخلو) وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

آية خَصَّتِ الولايةَ لله *** وللطُّهر حيدر بعد طه

آية جاءت الولاية فيها *** الثلاث [يعدو الهدى من](1) عداها

وَبِسَدِّ الأبواب أيُّ افتتاحٍ *** لكنوز الهدى فز بِغناها

مَن تَولَّى تغسیلَ سلمانَ إلّا *** ذاتُ قدسٍ تَقدَّست أسماها

ليلةٌ قد طوى بها الأرض طيّاً *** اذ نأت داره وشطَّ مَداها(2)

من ألقابه وكمالات نعوته:

أمير المؤمنين، ويعسوب الدّين، وسيّد المسلمين، ومبير الشّرك والمشركين، وقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضی، ونفس الرّسول وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأبو السّبطين، وأمير

ص: 137


1- في الاصل: (لثلاث رب الورى ما عداها) وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- الأبيات للشيخ كاظم الأزري/ الأزرية - الشيخ كاظم الازري: 78، الأُزرية - الشّيخ كاظم الازري (تخميس الشّيخ جابر الكاظمي): 133، (وفيهما تمام الابيات). هو: هو الشيخ كاظم بن الحاج محمد بن الحاج مراد بن الحاج مهدي بن إبراهيم بن عبد الصمد بن علي البغدادي التميمي، وبيت الازري بیت أدب و علم وثراء، ولد الشّيخ كاظم الأزري في بغداد سنة 1143، وأخذ ينظم الشّعر ولم يبلغ العشرين عاما، وكانت وفاته حسب المشهور في سنة 1212 ه. ودفن في مقبرة أسرته في الكاظمية غير أن الحجر الذي وجد في داخل السرداب يدل على أن تاريخ وفاته سنة 1201 ه، وله ديون مطبوع حققه الأستاذ شاکر هادي شكر، والأُزرية تحميس الشاعر جابر الكاظمي / انظر أعيان الشيعة - محسن الامين 12:9، والديوان المطبوع: 17

البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنّة والنّار، وصاحب اللّواء، وسيّد العرب [والعجم]، وخاصف النّعل، وكاشف الكرب، والصّدِّيق الأكبر، وأبو الرّيحانتين وذو قرنيها(1)، والهادي، والفاروق، والدّاعي، والشّاهد، وباب مدينة العلم، وبيضة البلد [والوليُّ، والوصيُّ، وقاضي دين الرّسول، ومنجز وعده].(2)

وقالت أُخت عمرو بن عبدود:

لَو كانَ قاتل عَمروٍ غير قاتلهِ *** لَكنتُ أَبكي عليهِ آخر الأبدِ

لَكنّ قاتِلهُ مَن لا يُعاب بهِ *** مَن كانَ يُدعى قَديماً بيضة البلدِ(3)

وأنا أقول في القابهِ:

هو أمير المؤمنين، ويعسوب الدّين، وغرّة المهاجرين، وصفّوة الهاشميين [وقاتل الكافرين والنّاكثين والقاسطين والمارقين]، والكرار غير الفرار فصّال فقّار كلّ ذي ختّار(4) بذي الفقار.

ص: 138


1- في المصدر: (وذو القرنين)
2- المناقب - الخوارزمي: 40، الفصل الأول / وعنه في كشف الغمة - الأربلي 1: 69، في ذكر القابه عليه السّلام / منهاج البراعة - الخوئي 1: 223
3- الإرشاد - المفيد 108:1 / الأمالي - المرتضى 95:1، المجلس التاسع والأربعون / کشف الغمة - الأُربلي 1: 68
4- اختّار: الغدّار (مجمع البحرين - الطريحي 3: 283، مادة - ختر)

صنو جعفر الطّيار، قسيم الجنّة والنّار، مفرّق(1) الجيش الجرار، لاطِمُ وجوه اللّجين(2) والنّظار بيد الاحتقار، وأبو تراب، مجدل الأتراب، رجل الكتيبة والكتاب، (صاحب)(3) المحراب والخراب والطّعان والضرّاب، مطعم السّغاب(4) بجفانٍ کالجواب، راد المعضلات بالجواب الصّواب، مضيّف النّسور والذئاب بالبتار الماضي الذّبّاب، هازم الأحزاب، وقاصم الأصلاب، وقاسم الأسلاب، حزاز الرّقاب، باین القراب، مفتوح الباب إلى المحراب عند سدِّ الأبواب لسائر الاصحاب، جدید الرّغاب في طاعة ربّ الارباب(5)، بالي الجلباب، رثّ الثّياب، رواض الصّعاب، معسول الخطاب.

شقيق الخير، رفيق الطّير، صاحب القرابة والقربة، كاسر اصنام الكعبة، مناوش الحتوف، قتال الأُلوف، المخرق الصّفوف، ضرغام يوم الجمل، المردود له الشّمس بعد الطَّفل(6)، تراك السّلب، ضرّاب القلل(7)، حليف البيض والأسل،

ص: 139


1- في المصدر: (مُقعص)، قَعَصَ: القعص: القتل (العين - الفراهيدي 1: 127، مادة - قعص)
2- اللُّجَینُ: الفضة (الصحاح - الجواهري 6: 2193، مادة - لجن)
3- بين القوسين لم يرد في المصدر
4- والشَّغَابُ: الجياع (لسان العرب - ابن منظور 1: 468، مادة - سغب)
5- في المصدر: (جديد الرغبات في الطاعات)
6- الطَّفَلُ: الشمسُ عند غروبها (لسان العرب - ابن منظور 11: 403، مادة - طفل)
7- القلل: القلّة: أعلى الجبل. قُلَّة الشيء: أعلاه، قِمَّته. ورأس الانسان قُلَّة (الصحاح - الجواهري 5: 1802)

شجاع السّهل والجبل، زوج فاطمة الزهراء سيّدة النّساء، مذل الأعداء، ومعزّ الأولياء، أخطب الخطباء، قدوة أهل الكساء، إِمام الائمة الاتقياء، الشّهيد أبو الشّهداء واشهر أهل البطحاء، مضمخ مردة الحروب بالدماء، الخارج عن بيت المال صفر اليدين من البيضاء والصّفراء [والحمراء]، مثكل أمهات الكفرة ومفلق هاماتهم، مقوي اعضاد البررة وثمرة بيعة الشجرة، وفاقئ عيون السّحرة، وداحي أرض الدماء، ومطلع شهب الأسنة في سماء الغبرة(1)، المسمى نفسه يوم الغبرة بحيدرة، خّواض الغمرات، حمّال الألوية والرّايات، مميت البدعة، ومحيي السّنة، وكاتب جوائز(2) أهل الجنّة، ومصرف الأعنة، واللّاعب بالأسنة، سادّ انفاق النفاق، شاق جماجم ذوي الشّقاق، سيّد العرب، وموضع العجب، المخصوص بأشرف النّسب الهاشمي الأُم والأب، المفترع أبكار الخطب.

نَفسُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم المباهلة، وساعده المساعد له يوم المصاولة، وخطيبه المصقع عند المقاولة، وخليفته في مهاده، وموضع سرّه في إصداره وایراده، ومليّن عرائك أضداده، وأبو أولاده، وواسطة قلادة النّبوة(3)

ص: 140


1- في المصدر: (القترة)
2- في المصدر: (جواز)
3- في المصدر: (الفتوة)

ونقطة دائرة (الفتوة و)(1) المروة، وملتقى شرفي الأبوة والبنوة، ووارث علم الرسالة والنّبوة، سيف الله المسلول، وجواد الخلق المأمول، ليث الغابة، وأقضى الصّحابة، الحصن الحصين وخليفة الصّادق الأمين، أعلم من فوق رقعة الغبراء وتحت أديم السّماء، المستأنس بالمناجات في الليلة الليلاء(2).

نظم:

لي فيكَ مُعتقدٌ سَأكشفُ سِرَّهُ *** فَليصغِ أربَابُ النُّهي وليسمعوا

[هيَ نَفثةُ المصدُور يطفئ بَردَها *** حَرُّ الصّبابَةَ فاعذِلوني أو دَعوا]

واللهَّ لولا حَيدَرٌ ما كانَتِ الد *** دُنيا ولا جَمعَ البريَّة مجمعُ

من أجله خُلقَ الزَّمان وضوّئت *** شُهبٌ کنسنَ [وَجنَّ](3) لَيلٌ أدرعُ

علم الغيوبِ إِليهِ غير مُدَافع *** والصبح أبيض مُسفر لا يدفعُ

أنا في مَديحكَ أَلكنٌ لا أَهتَدي *** وأنا الخَطيب المبرزيُّ المصقعُ(4)

ص: 141


1- بين القوسين لم يرد في المصدر
2- المناقب - الخوارزمي: 40، الفصل الاول، ضمن ح 8، مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 2: 75، باب في النكت واللطائف، وعن المناقب في كشف الغمة - الأُربلي 69:1
3- في الاصل: (وجنح)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
4- الأبيات لأبن أبي الحديد المعتزلي / الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السّبع) ابن أبي الحديد: 142، ضمن القصيدة السّادسة (في وصفه ومدحه سلام الله عليه) في المصدر البيت الأخير متقدم على الأبيات الخمسة الواردة في الأصل

ومن نعوته الشَّريفة في الزهد والقناعة والتجافي عن دار الغرور:

الراقع لمدرعته والدّنيا بأسرها قائمة بين يديه حتّى استحيا من واقعها - وهو ابنه الحسن سلام الله عليه - المنزه نفسه الشّريفة النفيسة عن الدّنيا الدنيّة ومصارعها ومنبطها(1) بلجام تقواه عن مطامعها، وفاطمها بتهجده عن وثيرِ(2) مضاجعها.

أخو رسول الله صلّى الله عليه وآله وابن عمِّه وكشّاف کربه وغمّه ومساهمه في طمّه ورمّه؛ فهو بعل البتول، وولدهُ ولد الرّسول، هو من رسولِ الله صلّى الله عليه وآله دمهُ دمه، ولحمهُ لحمه، وعظمهُ عظمه [وعلمهُ علمه] وسلمهُ سلمه، وحربهُ حربه، وحزبهُ حزبه، وفرعهُ فرعه، ونبعُه نبعه، ونجرهُ نجره، وفخرهُ فخره، وجدّهُ جدّه، وأنهار الفضائل في الدّنيا من بحور فضائله، ورياض التّوحيد والعدل من بساتين خطبه ورسائله.

ص: 142


1- منبطها: نَبَطَ: نَبطاً: ونُبُوطاً: ومَنبَطاً: كلمة تدلّ على استخراجِ شيءٍ، واستنبطت الماء استخرجته، والماء نفسه إذا استخرج: نَبَط (معجم مقاییس اللغة - ابن فارس، مادة نبط)
2- الوثَر: اللّين (لسان العرب - ابن منظور 5: 278، مادة - وثر)

كبش أهل العراق والشام والحجاز، وشَجا(1) حلوق الأبطال عند القتال، وابن عمِّ المصطفی، وشقيق النّبيّ المجتبى، ليث الشّري(2)، وغيث الوری، حتف العدا، مفتاح النّدى، قطب رحى الهدی، مصباح الدجی، جوهر النّهي، [بحر المني] سعار الوغى، قطاع الطُّلا(3)، شمس الضّحى، أبو القرى في أُمِّ القرى، المبشر بأعظم البشری، مطلّق الدنيا، مؤثر الآخرة على الأُولى، رب الحجي، بعيد المدى، ممتطي صهوة العلى، مسند الفتوى، مثوى التقوی، ندید هارون من موسی، مولى كل مَن كان له رسول الله صلّى الله عليه وآله مولى، كثير الجدوى، شديد القوى، سالك الطّريقة المثلى، المعتصم بالعروة الوثقى، الفتى أخو الفتى الَّذي أنزل في حقّهِ هل أتي، أكرم مَن ارتدى، وأشرف مَن احتذى، أفضل من راح واغتدی، وأشجع مَن رَکِبَ ومشي، أهدى مَن صام وصلی، [مكافح مَن عصى، وشق في دينِ الله العصا]، ومراقب حق الله إن أمر أو نهی.

الَّذي ما صبا في الصّبا، وسيفه عن قرنه ما نبا، ونور هدايته ما خبا، ومهر

ص: 143


1- الشَّجَّةُ: الجُرحُ يكون في الوجه والرأس فلا يكون في غيرهما من الجسم، وجمعها شِجاجٌ. وشَجَّه يَشُجُّه ويَشِجُّه شَجّاً: أي يقطعه ويفصله (لسان العرب - ابن منظور 304:2، مادة - شج)
2- والشَّرى: موضعٌ تُنسب إليه الأُسدُ، يقال للشُّجعانِ: ما همُ إلا أُسودُ الشَّرى (لسان العرب - ابن منظور 431:14، مادة - شری)
3- الطُّلا: والطُّلاةُ: هي العُنُق، والجمع طُلیّ مِثلُ تُقاةٍ وتُقىً (لسان العرب - این منظور 15: 13)

اقدامه ما کبا، دعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى التوحيد فلبّي، وجلّى ظلم الشرك وجلى، وسلك المحجة البيّضاء، وأقام الحجة الزهراء، قد جُنِیَت ثمار النّصر من علمهِ، والتّقطت جواهر العمل من قلمهِ، ونشأت ضراغم المعارك في أجمه(1)، دیاس(2) کیوان(3) أقدام هممه، [ومدحه جبريل من قرنهِ إلى قدمهِ، ومحرم أهل الحرمين بحرمه]، واخضرت رُبی الآمال من دیمِ کرمه(4).

نظم:

وقائلةٍ صِف لي علياً فطالما *** إليه اشتياقاً قلت يا طَربي طَرِبي

فقلت لها يا هذه إنّ وصفه *** يضيق به ذرعاً وذا العلم واللّب

ولكنه والوصف في ذاك دونه *** وحسبي من التقصير في وصفه حسبي

جوادُ رهانِ السّبقِ شمسُ ضحى الهدی *** سماحُ بحارِ الجودِ قطبُ رحا الحربِ

إمامٌ بما قد نال من درجِ العلى *** ولايته فرضٌ على والعربِ العجمِ(5)

ص: 144


1- الأَجَمَة: مَنبت الشجر والغابة (لسان العرب - ابن منظور 8: 12، مادة - أجم)
2- دیاس: داس يدوس، دوسا، داس الشيء: وطئه برجله (مجمع البحرين - الطريحي 4: 72)
3- کیوان: نجم يقال له: زحل (العين - الفراهيدي 421:5)
4- المناقب - الخوارزمي 42: الفصل الأول / مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3: 73، وعنه المناقب في كشف الغمة - الاربلي 1: 71، في القابه عليه السّلام/ منهاج البراعة - الخوئي 1: 226
5- الأبيات الشّعرية لم أجدها في المصادر المتوفرة عندي

نعم: هو أبو الحسن سلام الله عليه القليل الوسن(1)، الَّذي لم يسجد للوثن، هو عظيم المنجود(2)، [هو من الَّذِين أحيوا أموات الآمال بحياء الجود]، هو من الَّذِين « .....سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ..... »(3)، وهو المحارب للكفرة والفجرة بالتّنزيل والتّأويل، هو الَّذي ذِكرُهُ في التّوراة والإنجيل، هو الَّذي كان للمؤمنين ولیّاً حنيفاً، وللرسول صلّى الله عليه وآله بعده كان وصياً ووليّاً(4)، (نصره كبيراً)(5)، وآمن به صبياً، هو الَّذي كان لجنود الحق سیّداً، ولأنصار الدّين يداً وعضداً [ومددا]، ولضعفاء المسلمين مجيراً، ولأقوياء الكافرين مبيراً، ولكؤوس العطاء على فقراء المؤمنين مديراً، الَّذي نزل فيه وفي أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الَّذِين أذهب الله عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً.

«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»(6).

وهو [عليٌّ] العلي، الوصيّ، الولي، الهاشمي، المكّي، المدني، الأبطحي، الطّالبي،

ص: 145


1- الوَسَنُ: أول النوم (لسان العرب - ابن منظور 13: 449، مادة - وسن)
2- المنجود: المكروب (لسان العرب - ابن منظور 3: 419، مادة - نجد)
3- الفتح: آية 29
4- في المصدر: (وللرسول في نسائه وصيا)
5- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
6- الإنسان: آية (8)

الرّضي، [المرضي]، المنافي، [العصامي، الأجودي]، القوي، الحربي(1)، اللّوذعي، [الأريحي]، المولوي، الصّفي، الوفي الَّذي بَصَّرَهُ الله بحقائق اليقين، ورَتَقَ به فتوق الدّين، الَّذي صدَّق رسول الله صلّى الله عليه وآله وصدَق، وبخاتمه في ركوعهِ حين تصدّق، الذي اعتصبَ بالسّماحة وبالحماسة تطوّق، ودقّق في علومهِ وحققّ، وذكَرَنا بقتل الوليد بدراً وبقتل عمرو والخندق، ومزّق من أبناءِ الحروب ما مزّق، وغرق في لجّةِ سيفه من أسود المعارك مَن غرق، وحرق بشهابِ صارمه من شياطينِ الهياج ما حرق حتّى استوثق الإسلام واتسق.

هو أطول بني هاشم باعاً، وأمضاهم زماعاً، وأكثرهم أشياعاً، وأخلصهم أتباعاً، وأشهرهم قراعاً، وأحدّهم أسناناً، وأعربهم لساناً، وأقواهم جناناً، [إن اعترض قرنه قطّه، وإن اعتلاه قدَّه(2)، وإن أتى على حصن هدَّه]، هو حيدر وما أدراك ما حيدر [ثُمَّ ما أدراك ما حيدر] هو الكوكب الأزهر [هو الضّرغام المصدّر، هو الباهر المنظّر، هو الطّاهر المخبّر]، هو الصارم المذّكر، صاحب براءة وغدیر خم وراية خيبر، وكمي(3) احدٍ وحنين والخندق وبدر الأكبر، هو ساقي

ص: 146


1- في المصدر: (الجري)
2- قَطّه: قَطَعه عَرضاً / قَدَّه: القَدُّ: القطع المستأصِلُ والشَّقُّ و طولًا (لسان العرب - ابن منظور 7: 380، 3: 344
3- الگوي: الشجاع (لسان العرب - ابن منظوره 15: 232، مادة - كمي)

ورّاد الكوثر يوم المحشر.

هو أبو السّبطين [وقايد أفاعي العراقيين]، ومصلّي القبلتين [الضّارب بالسّيفين، الطّاعن بالرمحين، أسمح كلّ ذي كفين، وأفصح كل ذي شفتين، وأهدى كل مَن تأمل النجدين، هو صارع كل مارد للجران(1) واليدين، هو راسخ القدمين بين العسكرين]، أنسب مَن في الأخشبين(2) وأعلم مَن في الحرمين، وما ذُكر فهو نعوت جلال خلاقة(3).

أوصافه وصفاته سلام الله عليه:

وأما أوصافه في كال خلقه؛ فقد روي إنّه كان عليه السّلام: أبيض الراس واللّحية، ضخم البطن، ربع من الرجال.

وذكر ابن منده: إنه كان عليه السَّلام: شديد الأدَمَة، واسع(4) العينين عظيمهماً، ذا بطن [ووجه يسطع] وهو إلى القصر أقرب، أبيض الراس واللّحية.

وجاء من صفاته سلام الله عليه: ادم اللّون، حسن الوجه، ضخم الكراديس(5)،

ص: 147


1- الجِرانُ: باطن العُنُق (لسان العرب - ابن منظور 13: 86، مادة - جرن)
2- الأَخشَبَانِ: الجَبَلانِ المُطِيفانِ بمكَّةَ، وهما: أَبو قُبَیس والأَحمرُ (لسان العرب 1: 354، مادة - خشب)
3- المناقب - الخوارزمي 42: الفصل الأول / وعنه في كشف الغمة - الاربلي 1: 71، في ألقابه عليه السّلام
4- في المصدر: (ثقيل)
5- الکَرادِیس: رُؤُوس العِظام واحدُها کُردوس، وكل عظمين التقيا في مَفصِل فهو کُردُوس نحو المَنكِبَين = والرُّكبَتين والوَرِکَین؛ وضَخم الکَرادِیس: أي ضَخم الأَعضاء (لسان العرب - ابن منظوره 195: 6، مادة - کردس)

[والباقي سواء](1) (واشتهر بالأنزع البطين)(2).

وقد قال عليه السلام: «قَد اندَمَجتُ عَلَى مَكنُونِ عِلمٍ لَو بُحتُ بِه لَاضرَبتُم(3) اضطِرَابَ الأَرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ البَعِيدَةِ»(4).

وجاء ايضا في أوصافهِ إنه كان: ربعة من الرجال، أدعج العينين، حسن الوجه كأنَّهُ القمر ليلة البدر، حسن القامة، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن(5) الكفين، أغيد(6) كأنّ عنقه ابريق فضة، اصلع الراس، كثّ اللّحية، له مشاش کمشاش السّبع الضّاري، لا يبين عضده من ساعده وقد أدمجت يداه ادماجاً، إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، شديد السّاعد واليد، إذا بوده مهم

ص: 148


1- مسند أحمد بن حنبل 1: 96 (باختلاف) المناقب - الخوارزمي: 40، الفصل الأول، ضمن ح 8 / وعن المناقب في كشف الغمة للاربلي 1: 74
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
3- في المصدر: (لَاضطَرَبتُم)
4- نهج البلاغة (تحقیق صبحي الصالح): 52 / شرح نهج البلاغة - ابن میثم البحراني 1: 276
5- ششن: الشَّثنُ من الرجال: كالشَّثل، وهو الغليظ (لسان العرب - ابن منظور 13: 232، مادة - شثن)
6- غيد: غَيِدَ غَیَداً وهو أَغيَدُ: مالت عنقُه ولانَت أَعطافُه (لسان العرب - ابن منظور 3: 327، مادة - غيد)

مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قويّ الشّجعان، منصور على من لاقاه من الفرسان(1).

قال العتلّ الزنيم ابن بنت عتبة الفاجرة هند العاهرة معاوية الرجيم: لضرار بن ضمرة صف لي علياً، فقال: اعفني من ذلك.

قال: لَتَصِفَنَّه.

فقال ضرار: أما إذا لابد فإنهُ والله كانَ بَعيِد المدى، شَديدَ القوى، يقولُ فَصلاً، ويحكمُ عدلاً، يتفجَّرُ العلم مِن جوانبهِ، وتنطق الحِكمةُ مِن نَواحيهِ، يستوحِشُ مِن الدُّنيا وزهرتهِا، ويأنس باللَّيلِ ووحشتهِ.

كان غزيرَ الدّمعة، طويلَ الفكرة، [یُقَلِّبُ كَفَّهُ، و يُخَاطِبُ نَفسَهُ، ويُنَاجِي رَبَّهُ]، يعجبه مِن اللّباسِ ما خَشن، ومِن الطَّعامِ ما جَشب، وكان [وَالله] فينا كأحدنا [يُدنِينَا إِذَا أَتَينَاهُ و]، يجيبنُا إذا سألنَاه ويأتينا إذا دَعوناه ونَحنُ والله مع تقريبه إيّانا وقُربه منّا لا نَكاد نُكلّمه له، [وَلَا نَرفَعُ أَعيُنَنَا إِلَيهِ لِعَظَمَتِهِ، فإن تَبسم فعن مِثل اللؤلؤ المنظوم] يُعظِّمُ أَهلَ الدّين، ويقرب المساكين(2) لا يَطمعُ القويُّ في باطلهِ، ولا

ص: 149


1- الاستيعاب - ابن عبد البر 3: 1123 / المناقب - الخوارزمي: 40، الفصل الأول، ضمن ح 8 / الرياض النضرة - المحب الطبري 3: 107، الفصل الثالث / وعن المناقب في كشف الغمة للأُربلي 1: 76
2- في البحار: (ويحُبُّ المساكين)

ییأَسُ الضَّعيفَ مِن عدلهِ، فأشهَدُ [بالله] لقد رأَيتهُ في بَعضِ مَواقفهِ وقد أرخى اللَّيلُ سُدولهُ وغارت نجومهُ [وَهُوَ قَائِمٌ فِي مِحرَابِهِ] قابضاً على لحيتهِ يَتملمَلُ تملمُلَ السَّليم ويَبكي بُكاءَ الحزين [، فَكَأَنِّي الآنَ أَسمَعُهُ] وَ [هُوَ] يَقُولُ: «يا دُنيا [يا دُنيا] غُرِّي غیری إليَّ تَعرَّضتِ وإليَّ تشوَّقتِ؟ هَيهات هَيهات [لَا حَاجَةَ لِي فيكِ] قَد طَلقتُك ثلاثاً(1) لا رَجعةَ لي فِيك(2) فعُمركِ قَصِير وخَطرُ كبير وعيشُك حَقِير(3)، آه ثُمَّ آه مِن قِلَّةِ الزَّادِ للسَّفَر(4)، وَوحشةِ الطَّرِيق[، وَعِظَمِ المَورِدِ]».

قال: فَبَكى معاوية وقال: رَحِم الله أبا الحَسن كانَ واللهِ كَذلك، [فَكَيفَ كَانَ حُبُّكَ إيّاه؟

قَالَ: کَحُبِّ أُمِّ مُوسَی لِمُوسَی، وَأَعتَذِرُ إلى اللهَّ مِنَ التَّقصِيرِ.

قَالَ: ]فَكيفَ حُزنُكَ عليه(5) یا ضِرَار؟

قال: حُزن(6) مَن ذُبِحَ وِلدُها في حُضنِها، فَهِيَ لَا تَرقأ عَبرتُها، ولا يَسكُن حُزنها؟

ص: 150


1- في البحار: (أَبَنتُكِ ثَلَاثاً)
2- في البحار: (لي فيها)
3- في البحار: (وخَطرك يسير وأملك حقير)
4- في البحار: (وبُعد السفر)
5- في البحار: (فَكَيفَ صَبرُكَ عنه)
6- في البحار: (صَبر)

[ثُمَّ قَامَ وَخَرَجَ وَهُوَ بَاكٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا إِنَّكُم لَو فَقَدتُمُونِي لَما كَانَ فِيکُم مَن يُثنِي عَلَيَّ مِثلَ هَذَا الثَّنَاءِ!

فَقَالَ لَهُ بَعضُ مَن كَانَ حَاضِراً: الصَّاحِبُ عَلَى قَدرِ صَاحِبِهِ](1)

قيل إنَّ آخر شعر قاله السّيد إسماعيل بن محمَّد الحميري في مدحِ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه قبل وفاته بساعة:

أُحبّ الَّذي قد ماتَ من أهل وُدِّهِ *** تلقّاه بالبُشرى لدى الموتِ یَضحَكُ

ومن مات يَهوى غيرَه من عدوِّه *** فليس له إلاّ إلى النّارِ مَسلَكُ

أبا حسنٍ تفديك(2) نَفسي وأُسرتي *** ومالي وما أصبحت في الأرض أملِكُ

أبا حسنٍ إنّي بفضلِكَ عارِفٌ *** وإِنّي بحبلٍ من هواكَ لمُمسِكُ

وأنت وصيّ المُصطفى وابنُ عمِّهِ *** فإنّا نُعادي مُبغضيكَ ونَتركُ

ص: 151


1- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - محمد بن سليمان الكوفي 2: 51، ح 540، شرح الأخبار - القاضي النعمان 2: 391، ح 743 / کنز الفوائد الكركي: 270 / الرياض النضرة - المحب الطبري 3: 187، الفصل التاسع / عدة الداعي - ابن فهد الحلي: 194، وعنه في بحار الأنوار للمجلسي 84: 156، ح 41
2- في المصدر: (أَفديكَ)

ولاحٍ لحاني في عليٍّ وحُبَهُ(1) *** فقلتُ وقالي لحاك اللهُ إنّك أعفَكُ

مُواليكَ ناجٍ مؤُمنٌ بيّنُ الهُدی *** وقالیكَ معروفُ الضَّلالةِ مُشرِكُ(2)

والأعفك: الرجل الاحمق(3).

ص: 152


1- في المصدر: (وحِزبِهِ)
2- ديوان السيد الحميري: 147، قافية الكاف
3- الصحاح - الجوهري 4: 1600، مادة عفك

الفصل الثالث في إمامته وعصمته والنص عليه من الله ورسوله..

ص: 153

ص: 154

الفصل الثالث في إمامته وعصمته والنص عليه من الله ورسوله وذكر بعض كراماته وبيان بعض حروبه وشجاعته في زمن الرسول وبعدها

أمّا كون وليّ الله علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه هو الخليفة والأمير بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ فعليه إطباق الأُمة من غيرِ خِلاف بينها ولا نكير، والحقُّ الحقيق بالإتّباع وإن كان قليل الأتباع وان الإمامة الَّتي هي الرياسة العامة لشخص مِن الأُمة في أمور الدّين والدّنيا خلافة عن النّبيِّ صلّى الله عليه وآله، وجُوبها على الله والرسول لا على الأُمة؛ لأنها من أعظم ألطاف الله العدل الحكيم، والقائم بها الرّسول البر الرّحيم، وذلك في كلِّ دین وملّة.

فالواجب على نبيّنا صلّى الله عليه وآله لأنّه الرّسول والسّفير من الله تعالى جل جلاله الحق بتكميل الخلق في أُمور دنياهم وآخرتهم - وذلكَ مِن لطفهِ وفضله - بأنَ يَسنَّ لهم سننا، ويضع لهم قواعد العدل بإذن الله وأمره ووحيه، وأن ينصِّب

ص: 155

لهم خليفة وإماماً عالماً محيطاً بأحكام شريعته، وحافظاً لها عن التغيير والتبديل تكون به الرعية قريبة من طاعة الله، بعيدة من معصيته، ويكون من جانب الله في عباده وليّاً وحاكها، ولا تصح هذه الولاية والخلافة النّيرة السّنية بإختيار الرّعية القصور عقول النّاس عن معرفةِ هذا الإمام وسيّد الخلق والأنام؛ فما هم في إبتداء الأمر في معرفته إلّا كسائر الأنعام.

وهذا الإمام الَّذي يحصل به اللّطف، ويتم به النّظام، الواجب على الله وعلى الرّسولِ نصبه للأنام، ولا يعرف شخصه إلّا الله والرسول، وذلك إنَّ شرط صحّة إمامته ثبوت عصمته، وكمال ذاته بمكارم الأخلاق، وإحاطته بجميع أحكام الشّريعة، وعلم كلّ ما تحتاج اليه الأمة، بل علم ما يُسئل عنه مِن جميعِ أهل الأديان، بحيث تكون الأُمة مستغناة به في معرفةِ جميع الأحكام ككونها مع النّبي صلّى الله عليه وآله.

وهذا الفرد مِن الأُمةِ الجامع لهذه الصفات لا يَعلَمُ به إلّا فاطر الارض والسّماوات، ولا يعلم من علم الله إلّا بوحي مِنه، ولو جُعِل في إقامةِ الإمام الأمر راجعاً إلى اختيارِ الأنام، لاختاروا إماما لم يرده الله ورسوله، ولأدّى الحال بالضّرورة إلى التشعب والتشغب والاختلاف الشّديد، ويضيع دين الله وتختلف

ص: 156

الأمة، كما اختلفت في البيّعة يوم السّقيفة(1)، وقالوا بالتّنازع والخصام: مِنَّا أَمِيرٌ ومِنکُم أَمِيرٌ(2).

وأما قول العامة العُميا: إنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وآله ماتَ ولم يوصِ لأحد، ولم يستخلف أحداً على النّاس، وترك الأُمة وراءه، فقول مخالف للمعقولِ والمنقول، فإنَّ العقلَ السّليمُ يُنكر ذلك أيها الأخ الوفي، وإنَّ مقامَ شَفقةُ النّبي صلّى الله عليه وآله ورعايته بأحوال أُمته، وفعله ما يُصلِحهم به، وما يكون سَببا في انتظامِ أمر معاشهم ومعادهم يمنع من حصوله؛ فكيفَ يصح منهُ صلّى الله عليه وآله مع مفارقته لهم إلى يومِ القيام فيكون مضيعا للأُمة، مقصراً في حقِها، مع ما هو عليه مِن العصمةِ والرحمة.

وأمّا المنقول المتواتر عن النّبيِّ صلّى الله عليه وآله قال: «مَن ماتَ بِغَيرِ وَصِيّة مَاتَ مِيتَةً جَاهِليَّةً»(3).

ص: 157


1- انظر: کشف المراد - العلامة الحلي: 491، المقصد الخامس، المسألة الأولى
2- انظر: الكافي للكليني 8: 80، ح 19، وعنه في الوافي للكاشاني 3: 933، وفي بحار الانوار للمجلسي - 28: 250، ح 31
3- المقنعة - الشيخ المفيد: 666، کتاب الوصية / النهاية - الشّيخ الطوسي: 604، باب الحث على الوصية / روضة الواعظين - الفتال النيسابوري: 482، مجلس في ذكر الوصية / الالفين - الحلي: 85

فالواجب على الله بحسب عدله وحكمته، والرسول صلّى الله عليه وآله بتعففه وعصمته قبل رحلته وخروجه عن أُمّتهِ أن يُقيم لهم الخليفة والإمام في وصيّته، وهذا سبيل الله، وقد نطق به لسان الكتاب المبين: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ..»(1).

والواجب عليه - صلى الله عليه و آله - أيضا الحكم في أُمّتهِ، بأَن مَن خرج عن طاعتهِ، وادّعی خلافته(2) والحلول في شرف منزلته بفضل قوته في عشيرته، أو كثرة مالٍ حلَّ في حوزتهِ، وجوب رفضه ومناضلته، وقتله عند مقاتلته.

والواجب على الأمة نصرة ذلك الإمام الذي ينصبُه هو صلى الله عليه و آله من بعده، فإن قدروا ولم يفعلوا لحبّهم الدّنيا الدنيّة فقد عصوا وكفروا، وما رعوا وما نصروا، بل ارتدوا عن الّدين الَّذي كانوا عليه، وحَلَّ دَمُ مَن قعد عن هذا الشّأن، وخُذل بترك نصرة إمام الحق والزمان، وهو متمكن من النّصرة؛ لضبط سياسة الدّين الَّتي لا يليها ولا يتولاها سوى حجّة الله البالغة إمام الحقّ، الحاكم بحكم الله، الحارس لعلمه، والعامل بعمله، السّالك بطاعته، والكافل للمحقين، النائب عن رسول رب العالمين.

وحين اختار الله لعباده الأبرار ما اختار لإمامه ولي الله وناصر دینه حیدر

ص: 158


1- الاحقاف: آية (9)
2- أي الخلافة من بعده، کما فعل ذلك أصحاب السقيفة الملعونة وادّعوا أنهم من بعده في تسيير أمور الامة

الكرار صلوات الله وسلامه عليه، الَّذي جمُعت فيه نعوت نبيّنا المصطفى المختار صلّى الله عليه وآله، وأُخذت له البيعة وفرض الطّاعة يوم الغدير ويوم الدّار، بفرض الله ثُمَّ بمشهد من سبعين ألفاً مِن الأُمة، الوضيع منهم والخطير، كما تواترت به الأخبار الَّتي دوّنها الخصوم في أصح كتبهم، وبعدما سمعوا النّص الجلي غلب الهوى على الأشقياء من أراذلِ العرب والمنافقين في حبِّ الرياسة، واشتغلت في قلوبهم نار الحسد والبغضاء، فعادوا بالشّقاء إلى الجاهلية الجهلاء، وانكروا بيعة الغدير، وتناسوا الكأس الَّذي عليهم أُدير، وصار النّاس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمينه على تبلیغ فرائضه ودينه أصنافاً وأحزاباً:

فصنفٌ مِن أهلِ التّلبيس والتّدليس، وهم المردة المنافقون الَّذِين يقولون ما ليس في قلوبهم، الَّذِين أظهروا كلمة الإسلام طمعاً في الترأس على الأنام، ولم ينفكوا باطناً عن عبادةِ الأصنام الَّتي الفوها، وشيدوا أركان الضّلالة للعباد ووضعوها.

وحزبٌ من أهلِ العمى والتّقليد الَّذِين لا يهتدون إلى سبيلِ الحقِ والتوحيد.

وصنف تَبعوا أهل الضلالة على معرفةٍ منهم بحق أهل النّبوة والرّسالة خوفا وتقية على أنفسهم، فارتدَّ أكثر النّاس وانقلبوا على الأعقابِ بسبب ظهور المنافقين من الكمين، وإِظهارهم لكفرهم الباطن بين المسلمين حين أمِنوا العقوبة عند

ص: 159

موت سیّد المرسلين صلّى الله عليه وآله، ولبغضهم لولي الله وحجته أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه حين أمكنتهم الأقدار الإِلهية باستملاك أمر الرعية.

روت العامة في أصحّتهم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم حين وفاته قال: «آتُوني بِدواةٍ وبيضاء أكتب لَكم كتاباً لن تَضِلوا بَعدي»(1)، وفي رواية: «لأُزيلَ عَنكُم المشكِل وأذكُر لَكم مَن المستَحِق بَعدي للخِلافة»(2).

فقال عمر: دَعوا الرّجل فإنَّه لَيهجر، وقال: ليهذي، حسبنا کتاب الله، فتنازعوا عنده فأعرضَ بوجههِ الكريم عنهم وقال: «قُوموا عَنِّي لا يَنبغي عندَّ نَبيّ تَنازع»(3).

ص: 160


1- مسند احمد بن حنبل 1: 325، (باختلاف بسيط في بعض الألفاظ) / صحيح البخاري 5: 137، باب مرض النّبي صلى الله عليه و آله ووفاته، (باختلاف بسيط في بعض الألفاظ)، وكذلك في 9:7، باب المرضى والطب، وفي 8: 161، باب قول النّبي صلى الله عليه وآله لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء صحیح مسلم 5: 76، کتاب الوصية
2- سر العالمين - الغزالي: 4، باب في ترتيب الخلافة والمملكة المحجة البيضاء - الكاشاني 1: 235، من أدلة وجوب عصمة الامام
3- مسند احمد بن حنبل 1: 325، (باختلاف بسيط في بعض الالفاظ) / صحيح البخاري 1: 37، کتب العلم، وكذلك في / 5: 137، باب مرض النبي صلى الله عليه وآله ووفاته، (باختلاف بسيط في بعض الالفاظ)، وكذلك في 9:7، باب المرضى والطب، وفي 161:8، باب قول النّبي صلى الله عليه واله لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء صحيح مسلم 5: 76، کتاب الوصية / سر العالمين - الغزالي: 4، باب في ترتيب الخلافة والمملكة / المحجة البيضاء - الكاشاني 1: 235، من أدلة وجوب عصمة الامام

وروى مَن هو منهم عن عمر انه قال: كانَ يُريد يصرح باسمهِ يُعني به عليّاً فَحُلتُ بينهُ وبين ما أراد(1).

فإن لم تَصح هذه الأخبار عند العامة فهم الأولى بردها وإنكارها، فكيف أوردوها في صحاح أخبارهم، وإن صحّت لديهم فهي أخبار صحيحة صريحة في الأثر بكفر عمر، حيث أنَّه حكم على نبيّنا صلى الله عليه وآله بأنه قد هذي في كلامه وهجر، بل على كفر من لم ينكر عليه في ذلك المقال في شأن سيّد البشر، وتكذيبه لله تعالى في إخباره عنه في كتابه المجيد بمدح السيّد الكريم صلّى الله عليه و آله بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(2)

وقوله «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(3).

فانظروا بعين البصيرة إلى هؤلاء، قد صح عندهم هذا المقال عن عمر النّغل الزنيم، وصوَّبوا قوله في نسبه الهجر والهذيان لسيّد الرسل من آل عدنان، وهذا القول تشنیع لو نسب إلى سائر العباد لعُدَّ فيه منقصة ومثلبة، فلم ينكروا مِن فعل

ص: 161


1- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 21:12، نكت من كلام عمر (نحوه)/ سر العالمين - الغزالي: 4، باب في ترتيب الخلافة والمملكة كشف اليقين - الحلي: 471، المبحث 16/ کشف الغمة - الاربلي 2: 74
2- القلم: آية (4)
3- النجم: آية (3، 4)

هذا الكافر المنافق رئيس الطغام(1)، بل عدّوا له هذا القول المبني على الكفر مِدحَة ومنقبة، وقد اعتقدوا فيه إِنَّه الخليفة لرسولهم والإمام، وهذا التنصيص والأفضلية والعصمة مختصّة بسيّدنا وإمامنا ابن عمّ الرّسول، وزوج الطّاهرة البتول عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، وغيره من أئمّةِ أهل الضّلال خال منها.

طرق ثبوت الإمامة:

ومن طرق ثبوت الإِمامة والعصمة لسيّدنا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بشهادة الله في آية التطهير وبرواية الخصم له، والنّص الجلي في إمامتهِ قول النّبيّ صلّى الله عليه و آله لعامة صحابته: «سلِّموا على عليّ بإمرة المؤمنين»(2).

وقوله تعالى:

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(3).

ومِن النّصِ على ولايته وخلافته حديث الغدير، رواه الموالي والمخالف، فهو من المتواترات المعنوية.

ص: 162


1- الطغام: أوغاد الناس وأراذلهم (تاج العروس - الزبيدي 441:17، مادة - طغم)
2- اليقين للسيد ابن طاووس: 133، اورده عن مناقب ابن مردویه (نحوه)، والأربعون حديثا للشيخ سليمان البحراني: 247، الحديث الثاني والعشرين / شرح أحقاق الحق - المرعشي 4: 276
3- المائدة: أية (55)

قال ابن المغازلي الشّافعي في مناقبه: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد رواه [عن رسول الله صلّى الله عليه وآله] وسلم نحو من مائة نفس منهم العشرة المبشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّه تفرد عليّ عليه السّلام بهذا الفضيلة ولم يشركه فيها احد(1).

وفي الصواعق المحرقة لصاحبها ابن حجر قال فيها: روى هذا الحديث - أعني حديث الغدير - عن النّبيِّ البشير النذير ثلاثون صحابيا، وإِنَّ أكثر طرقه صحيحة معبرة معتبرة(2).

فليعتبر أهل العقول والأذهان وأرباب الفضل والإِيمان، وليعلموا إنَّ الإِمامية قاطبة يقولون إِنَّ إِمامَ الأنام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله من غير فاصله هو سیّدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

وذهبت السنّة والجماعة إلى إنَّهُ شیخ تیم أبي بكر، فخالفوا فيه المعقول والمنقول، وزحزحوا خلافة الرّسول عن محلّها، وصرفوها إلى غيرِ أهلها ردّاً على

ص: 163


1- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام - ابن المغازلي: 43، قوله صلى الله عليه واله: «من کنت مولاه فعلي مولاه»، وعنه في عمدة عيون الأخبار لابن البطريق: 108، الفصل 14
2- انظر: الصواعق المحرقة - ابن حجر: 42، الباب الأول، الفصل الخامس، وفي: 122، الباب الثامن، الفصل الثاني، ح 4

الله ورسوله، وبغضاً وحسداً لوليِّ الله وصهر رسول الله وزوج بتوله، وخلافهم مردود بمقتضى العقل السّليم من وجوه:

الأول: إنَّ الإِمام يجب أن يكون معصوماً، وغير عليّ صلوات الله وسلامه عليه مِن أئمةِ أهل الضّلال غير معصوم في جميع الأحوال بالإجماع، فتعيّن أن يكون عليّ صلوات الله وسلامه عليه هو الإمام.

والثاني: شرط الامام أن لا يكون ظالما وعاصيا؛ لأَنّ الإِمامة عهد الله الَّذي لا يناله الظالم العنود، واللّصوص الثلاثة قبل الإِسلام مشركون بالله يعبدون الأصنام فلا يكونوا الأئمة للأنام.

الثالث: إِنَّ الإِمام يجب أن يكون منصوصا عليه مِن الله في خلافتهِ.

الرابع: إِنَّ الإِمام يجب أن يكون أفضل من رعیته، وغير عليّ صلوات الله وسلامه عليه مسلوب الفضل، فضلاً عن أن يثبت له في الفضل زيادة، وبذلك يكون عليٌ سلام الله عليه هو من يستحق خلافته صلى الله عليه وآله وسلم.

الخامس: الإِمامة رياسة عامة إنما تُستَحق بأوصاف الزّهد والعلم الغزير، وكثرة الطّاعة والعبادة والشّجاعة وقوة اليقين والإِيمان الصّادق، وعليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه هو الجامع لهذه الأوصاف على الوجه الأكمل

ص: 164

الَّذي لا يجاری ولا يبارى فيه أحد(1).

وفي كتاب المحصول في علم أصول الفقه للرازي، والمستصفى في علمِ الأصول للغزالي: إنَّ الصّحابةَ قاسوا خلافة أبي بكر على الإِذن له مِن الرّسولِ في التقدم إماما للصلاة(2)، وأنت تعلم إنَّ هذا ينافي كونه نصا، فلا يذهب عليك انه قیاس باطل من غير جامع يُعتدُّ به، كيف وقد رووا عن النّبيِّ صلّى الله عليه وآله انه قال: صَلُّوُا خَلفَ البرِ والفاجر(3) (4)، واتفقوا على جوازِ الصّلاة خلف الفاسق والمبتدع، ولم ينقل علماء السنّة والجماعة اشتراط العدالة في إمام الجماعة إِلّا عند عبد الله البصري المعتزلي.

وقد رووا في صحاحهم أنه صلّى الله عليه وآله صَلَّى خَلفَ عَبدِ الرّحمن بن عَوف(5)، ولم يدّعِ أحد دلالة هذا الحال على استحقاقه للخلافة مع ما فيه من زيادة

ص: 165


1- انظر: منهاج الكرامة - العلامة الحلي: 115، الفصل الثالث، المنهج الثاني
2- المستصفى في علم الأصول - الغزالي: 235، الباب الثاني
3- في المصدر: (صَلُّوا خَلفَ كُل بر وفاجر)
4- سنن الدار قطني 44:2، ح 1750 / السنن الكبرى - البيهقي 4: 19 / الدراية - ابن حجر 186:1، ح 203
5- مسند احمد 4: 247، ح 18182 / المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي 2: 229، ح 10/ الطبقات الكبرى - ابن سعد 129:3

الشّرف مِن اقتداءِ الرّسول صلّى الله عليه وآله به، فتأمّل بعين البصيرة في مُناقضاتُ هؤلاء القوم الَّذِين هم أضل سبيلا مِن سائرِ الأنعام.

وقد روى عبد الله بن الحسن: أَنَّ بلالاً أبي أن يُبايع أبا بكر، وأنَّ عمر أخذ بتلابيبه فقال له: يا بلال هذا جزاء أبي بكر منك إن اعتقك فلا تجي تبایعه.

فقال: إن كان أبو بكر أعتقني لله فليدعني له، وإن كان أعتقني لغيره فها أنا ذا وأمّا بيعته فما كنت أُبايع أحداً لم يستخلفه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبيعة ابن عمه في أعناقنا إلى يوم القيامة.

فقال له عمر: لا أبا لك لا تقم معنا، فارتحل إلى الشّامِ، وتوفي بدمشق بالطّاعون، ودفن بالباب الصّغير(1).

وفي كتاب المناقب في فضل آل أبي طالب: إِنَّ أبا بكر لمّا بُويع له بالخلافة يوم السّقيفة اجتمعوا في أوّل جمعة، وقام أبو بكر على مِنبرِ رسول الله صلّى الله عليه وآله يخطب، فقام إليه عليّ صلوات الله عليه وذكّره بحقّه، وما هو الواجب له، وما قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله في حقّه يوم الغدير، وغيرها من المواقف

ص: 166


1- العقد النضيد والدر الفريد - محمد بن الحسن القمي: 149، الحديث السّادس والمائة / الدرجات الرفيعة - الشيرازي: 367/ خاتمة المستدرك - الميرزا حسين النوري 3: 283/ الأربعون حديثا - الشيخ سلمان البحراني: 258، الحديث الثاني والعشرون

الَّتي نص فيها وبين لهم بذلك وجوب الخلافة له من بعده، وأنه القائم بالأمر دون من عداه، وذکّره بإقامة الله ووعيد الأخرة، ثُمَّ إِنَّه سلام الله عليه استشهد جماعة من الصّحابة، فقال: «رحم الله امرأ سمع مقالة رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم الغدير، فليقم وليشهد بما سمع»، فقام يومئذ من المسجدِ اثنا عشر رجلا؛ ستة من المهاجرين وستة من الأنصار، فشهدوا بحضرة الجماعة بما قاله النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الغدير ، وما أكّده مِن الوصيةِ في حقّهِ صلوات الله وسلامه عليه.

فقالوا: يا أبا بكر رِدَّ الحق إلى أهله، إنك سمعت کما سمعنا، وشهدت کما شهدنا، أَما تذكر قول النّبي صلّى الله عليه وآله لك ولعمر لمّا سلّما على عليٍّ صلوات الله وسلامه عليه بإمرة المؤمنين، فقلتما أفبأمر من الله ورسوله؟

فقال صلوات الله عليه وتسليماته: «نعم»، فقمت(1) أنت يا أبا بكر وقلت: السّلام عليك يا أمير المؤمنين.

وأمّا أنت يا عمر فقلت: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، خف الله يا أبا بكر وأَنصف الرّجل، ولا تظلم أهل البيت حقّهم، ولا تسلبهم ملكهم الَّذي جعله الله لهم؛ وتكلم كلّ واحد بكلام يشبه هذا

ص: 167


1- في المصدر: (فقمتها، أما أنت يا أبا بكر)

الكّلام حتّى أُفحم أبو بكر على المنبر، ولم يستطع أن يرد جوابا.

فلمّا فرغ القوم من كلامهم قال أبو بكر: أيها النّاس أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم، فقام إليه عمر عجلاً وقال: لا نقبلك ولا نستقبلك، قدّمك رسول الله علينا في حياته فكيف لا نقدمك بعد وفاته؟ ثُمَّ قال له: يا لُكع إذا كنت لا تقوم بحجة فلم أقمت نفسك في هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعها منك وأجعلها في أبي عبيدة، ثُمَّ أنزله عمر من المنبر وخرجوا مِن المسجدِ، ولم ينتظم في ذلك اليوم أَمر جماعتهم، ولم ينعقد الاجماع على إمامة أميرهم أصلاً، ومدّعیه مکابر محجوج بما ذکرناه(1).

وامتناع سعد بن عبادة عن البيعة أمر مشهور لا يكاد يُنكر، وكان حاضراً معهم يوم السّقيفة السّخيفة حتّى قال عمر: اقتِلوا سَعداً قَتلهُ الله.

فقال سعد لأهله: احملوني عن موضعِ الفتنة، فَحُمِل من بينهم وأُدخل منزله ولم يبايع(2).

ص: 168


1- لم أعثر عليه في المناقب، بل نقله عن الأربعون حديثا للشيخ سلمان البحراني: 259، الحديث الثاني والعشرون، وانظر سر العالمين للغزالي: 5، باب في ترتيب الخلافة والمملكة، والوافي للفيض الكاشاني 2: 65
2- انظر: الايضاح للفضل بن شاذان: 516، الاحتجاج للطبرسي 1: 93، الأربعون حديثا للشيخ سلمان البحراني: 260، الحديث الثاني والعشرين

وعلى تقديرِ تَسليم الإجماع الظّاهري، فهو إِنَّما يكون حجة إِذا لم يعارضهُ نص مَن لا ينطق عن الهوى، ولا يجوز الاجتهاد في البيعةِ بالاختيار مع حصول النص الجلي القاطع في تعيين النّبيّ صلّى الله عليه وآله للخلافة باب مدينة علمه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام کما وردت به الأخبار المتواترة.

ولله دُرّ مَن قال:

لَقد فَازَ عَبدٌ للوَصيِّ ولاؤه *** وَإن(1) شَابَه بِالموبقاتِ الكَبائِرِ

وَخابَ مُعادِيه ولَو حَلَّقت بِه *** قَوادِمُ فَتخاءِ(2) الجناحَينِ كاسِرِ

هُوَ النَّبا المكنونُ والجوهرَ الَّذي *** تَجسَّدَ مِن نُورٍ مِنَ القدس زاهِرِ

وذُو المعجزَاتِ الظّاهراتِ(3) أقلُّها*** الظهورُ على مُستودعاتِ السَّرائرِ

و وَارِثُ علمِ المُصطفى وشَقيقُه *** أخاً ونَظيراً في العلى والأواصِرِ

ألا إنَّما الإسلامُ لَولا حُسَامهُ *** کعفطةِ عَنزٍ أو قلامةِ ظافِرِ(4)

ص: 169


1- في المصدر: (ولو)
2- الفَتَخُ: استرخاء المفاصل ولينِّها وعرضُها، وعُقاب فَتخاءُ: ليِّنة الجناح لأَنها إِذا انحطت کسرت جناحيها وغمزتهما، وهذا لا يكون إِلَّا من اللين، (لسان العرب - ابن منظور 3:41، مادة - فتخ)
3- في المصدر: (الواضحات)
4- في المصدر: (حافرِ)

ألا إنَّا التَوحيدُ لولا عُلومُه *** كعُرضةِ ضِلّيلٍ وَنهبة کافِرِ

ألا إنَّما الأَقدارُ طوع يَمينِهِ *** فَبوركَ من وترٍ مُطاع وقادِرِ

[فَلو رکَضَ الصُّمّ الجلامِدَ والطِئاً *** لفجَّرَها بالمترَعاتِ الزَّواخِرِ]

ولَو رَامَ کَسفَ الشَّمسِ کوّرَ نورَها *** وعَطَّلَ مِن أفلاكها كلَّ دَائِر

هو الآيةُ العظمی مستنبطُ الهدی *** وخيرةُ أربابِ النّهى والبصائرِ(1)

امتناع أمير المؤمنين سلام الله عليه مبايعة القوم وظلمهم له:

روى جماعة مِن مشاهيرِ رواة الفريقين: أنَّ عليّاً صلوات الله وسلامه عليه لمّا امتنع عن المبايعةِ لأبي بكر، جَلس أبو بكر هو وعمر وجماعة من أصحابهما يديرون الفكر في أمرهِ عليه السّلام، وما يکیدونه به.

فقال لهم خالد بن الوليد الكافر العنيد: إن شئتم قَتَلته؟

فقال أبو بكر: أوتَفعل ذلك يا خالد؟.

قال: نعم.

فقال له: إفعل ذلك إذا كان وَقت صلاة الصّبح، صلِّ إلى جانبه وسَيفُك تحت ثيابك، فإذا جَلس للتَشهّد فاقتله، والعلامة بيني وبينك عند التّسليم بعد التّشهد

ص: 170


1- الأبيات لأبن أبي الحديد المعتزلي / الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن أبي الحديد: 122، القصيدة الخامسة

فقال خالد: أفعل ذلك غداً.

فأتى خالد وقام إلى جانبِ عليٍّ عليه السّلام، وسيفهُ معه وكان الرّجل يُفكّر في صلاتهِ في عاقبةِ ذلك، فخطر بباله إنه إذا قَتَل خالد علياً عليه السّلام ثارت الفتنة، وإنَّ بني هاشم يقتلونه؛ فلمّا فرغ مِن التّشهد التّفت أبو بكر إلى خالد قبل السّلام وقال: لا يَفعَلن خالد ما أَمرته به، ثُمَّ سلّم.

فقال عليّ عليه السّلام لخالد: «أو کُنت فاعلاً؟».

قال اللعين: نَعم لَولا إنَّه نهاني، فمدَّ أمير المؤمنين عليه السّلام يده إلى عنقه بإصبَعين وعصره بهما حتّى كادت عيناه تسقطان، وجعل خالد يَضربُ بيديه ورجليه حتّى أحدث في ثيابهِ، ولم يَقدر أحد أن يُخلّصه منه، وكلَّما قَرب منه أحد رمقه بعينه فيبعد خيفة منه.

فقال أبو بكر لعمر: هذه مشورتك المنكوسة، وكان سلام الله عليه إذا غَضِب قام عرق الغّضب بين عينيه فتتحاماه الصّحابة، فلم يقدر أحد على القربِ منه، فالتجأوا إلى عمِّه العبّاس فشفّع إليه في خالد، فاطلقه لأجله بعد أن كادت نفسه تتلف، وقد أُفتضح بين القوم بما أحدث في ثيابه(1).

ص: 171


1- تفسير القمي 2: 158 (باختلاف بسيط وزيادة) / الاحتجاج - الطبرسي 1: 118، ترجمة سليم بن قيس الكوفي / الخرائج والجرئح - الراوندي 2: 757، الباب 15، ح 75 (باختلاف بسیط) الشهاب الثاقب - المحقق البحراني: 231/ الأربعون حديثاً - الشيخ سليمان البحراني: 267، الحديث الثاني والعشرين

فهذه الواقعة من أوضح الدلائل على ردِّتهم وكفرهم الباطن، وانقلابهم واستحلالهم لقتل سيّدهم ومولاهم الَّذي هو نفس الرّسول صلّى الله عليه وآله والمفزع والمأمول في حل مشكلهم وكشف ضرائهم.

وأعلم أن جميع الاختلافات الَّتي وقعت في هذه الأُمة في الدّين، وافتراقها إلى نیف وسبعين، ومشاجرتهم ومقاتلتهم وحروبهم وتسلّط الظّلمة الملحدين والأشرار منهم على الصّالحين الأبرار، وتغلّب سلاطين الجور منهم في البلادِ والأقطار، كلُّ ذلك إنَّما نشأ من ظلمِ هؤلاء الظلمة الكفار، أهل النّفاق والشّقاق، سيّما الأولين الَّذِين عدلوا بالأمر عن أهله من الأئمة الهادين، واستقلّوا به من دونهم حتّى تشوقة اليه نفوس أراذل المنافقين، وأصرّت علیه زنادقة بني امية الملحدين، مثل معاوية ويزيد لعنهم الله وبني مروان عليهم لعائن الله والملائكة والنّاس أجمعين.

وقد مهدَّ لهم السّلف بالتمكين بعد التأسيس، وولوهم الولايات وعقدوا لهم الرايات، وبالغوا في إِبعاد أهل بيت النّبي عن سلطانهم والولايات، ولمّا آل الأمر إلى بني العبّاس السّالكين مسالك أُولئك الأَرجاس، وظهرت علماء السّوء

ص: 172

الضالون المضلون - كلُّ يدعو النّاس إلى نفسه - حتّى خفي الحق وأهله من أُولى العصمة والرشاد، وتاه النّاس في بيداءِ الجهالة، واظهروا في الأرضِ الفساد، فافترقت الأُمَّة أحزاباً، وتشعبت في بدعها واهوائها إلى كلِّ مذهب وباب.

وإلى هذا أشار دِعبل الخُزاعي(1) حيث قال:

وَما سَهَّلَت تِلكَ المَذاهِبَ فيهِمُ *** عَلى الناسِ إِلّا بَيعَةُ الفَلَتاتِ

[وما نالَ أَصحابُ السَقيفَةِ إِمرَةً *** بِدَعوى تُراثٍ بَل بِأَمرِ تِراتِ

وَلَو قَلَّدوا الموصى إِلَيهِ زِمامَها *** لَزُمَّت بِمَأمونٍ مِنَ العَثَراتِ](2)

ظلم القوم لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم:

وتَظلُّمات أهل البيت مِن أفعالِ هؤلاء أبعدهم الله، ونسبت ما جرى على أهلِ

ص: 173


1- هو: دعِبل بن علي بن رزین بن سليمان بن تمیم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن انس ....، ولد سنة 148 ه، ويكنى أبا علي، وفي تاريخ بغداد: اسمه عبد الرحمن بن علي ودعبل لقبٌ له، أصله من الكوفة، وقد سكن بغداد، وعدَّ من أصحاب الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه، له شعر کثیر مجموع في ديوان، وقد كان هذا الديوان مشهورا في العصور السّابقة، ولكنه اليوم مفقود کما فقد غيره من نفائس الدواوين الشعرية. ويدل على كثرة شعره ما ذكر صاحب الأغاني، وفاته 246 ه (انظر: الاغاني - الأصفهاني 20: 294، وتاريخ بغداد - البغدادي 8: 378، أعيان الشيعة - محسن أمين 6: 401)
2- کشف الغمة - الأربلي 3: 113: في خصائص ومناقب الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه / شعر دعبل الخراعي: 223: القسم الثاني

بيت الرّسالة مِن الظُّلمِ والجورِ والقتل، وغصب الحقوق على طولِ المدّة إليهم معلوم شایع، فنعم ما قيل: إنَّ واقِعة الحُسين الخِيفة مُنَبعثة عن بيعةِ يومِ السّقيفة.

قال مولانا الإمام الصّادق عليه السّلام: «وما مِن محِجمةِ دَم أهرقت(1) (إلى يومِ القيامة)(2) إِلّا [وهي] في أَعناقِهما»(3).

وذلك لأنَّ كلّ ظالم تأثر بهم فإنما هو بظلمهم اقتدی، وفي بيداء ضلالتهم هام وغوي، وكلّ ما تعطل من حدودِ الله وضاع من حقوقه، فعهدته عليهم وتبعته لديهم، وهم المسؤولون عنه بين يدي الحكيم العدل الَّذي لا يجور، ولا تخفى عليه مکنونات الأُمور.

قال محمَّد بن جرير الطّبري في تاريخه: إِنّه عليه السّلام لم يبايع لهم أَصلا، ولو

ص: 174


1- في البحار: (بهراق)
2- بين القوسين لم يرد في المصدر
3- تقريب المعارف - أبو الصلاح الحلبي: 274، مسائل الامامة / بحار الأنوار - المجلسي 30: 383، باب 20/ وروي في الاصول الستة عشر عدة محدثين: 304، کتاب عبد الملك بن حکیم، ضمن ح 5 (عن الكميت بن زيد، قال: ، قال أبو جعفر عليه السلام...: ما أُهريقت مِحجَمة من دمٍ ظلماً، ولا رُفع حجر لغير حقّه، ولا حُكم باطل إلاّ وهو في أعناقهما إلى يوم القيامة....) / وفي تفسير القمي 1: 383، في تفسير سورة النحل: أية (25) (قول الامام الصادق عليه السلام: والله ما أُهريقت مِحجَمة من دم، ولا قُرع عصا بعصا، ولا غُصبَ فرج حرام، ولا أُخذ مال من غير حله؛ إلّا ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العالمين بشيء)

انه عليه السَّلام بايع أَبا بكر كما بایع غيره لما وقع الخِلاف في هذه الأُمّة، والارجاف منهم في أَمره صلّى الله عليه وآله وسلّم خاصة من بين الصّحابة، ولمّا همّوا بقتله وجمعوا الحطب على بابه، وَهمّوا بإحراق بيته، وفيه ولداه سيّدا شباب أهل الجنّة، وريحانتا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفاطمة سيّدة نساء العالمين، ومنعوهم ميراثهم، وغلبوهم على خمسهم(1).

في كونه سلام الله عليه أعلم الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله:

وأَمّا الكلام على إِنَّه عليه السّلام كان أعلم النّاس بعد الرسول صلّى الله عليه وآله، وانه استاد العالم في فيوضات العلوم، فهو المعلوم من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أَنا مَدِينَةُ العلم وعليٌّ بابُها»(2)؛ فليس المقصود مِن هذا الخطابِ إلّا بيان إِنَّه عليه السّلام هو المنبع الَّذي تفيض منه العلوم الإسلامية، والأَسرار الإِلهية، واللّطائف الحكمية الَّتي اشتمل عليها القرآن المجيد، والسّنة القدسية، فهو مصدرها والمحيط بها؛ ولأَنَّ شأن المّدينة فيما تحتوي عليه أن يكون لها الباب

ص: 175


1- ذكر الطبري في تاريخه 2: 443، (...قال: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير، ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتا بالسّيف، فعثر فسقط السّيف من يدير فوثبوا عليه فأخذوه ....)
2- تفسير القمي 1: 86، في تفسير سورة البقرة آية (189)/ مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - محمد بن سليمان الكوفي 2: 558، ح 1071/ مناقب علي بن ابي طالب عليه السّلام - ابن المغازلي: 87، ح 104

الَّذي يتطرق اليها منه كلّ طارق، ومَن لم يأت المدينة مِن البابِ عُدَّ في اللأنامِ الخائن السّارق.

فثبت أنَّ عليّاً عليه السّلام هو المفزع لبيان تلك الأسرار المصونة عن الأغيار، وهو المهتدي لتفاصيل جملها وأحكامها الكليّة وحقائقها الحقيقيّة بِحسب ماله من کمالِ الذّكاء، وقوة الحدس الَّتي لا يجاری فيها، وقوة الاستعداد، وكثرة ملازمة الاستاد الكامل الَّذي ليس له في العلومِ مماثل، وليس له في صفاء جوهر النفس معادل، بحيث صارت تلك الأَسرار لديه سهلة التّناول قريبة المأخذ لسائر الخلق؛ ولأَنَّ الباب هو الجهة الَّتي منها ينتفع الخلق من المدينة، ويمكنهم تناول ما أرادوا منها.

والسّبب في بلوغهِ هذا المبلغ، تربية رسول الله صلّى الله عليه وآله من أَولِ عُمره إلى أَن أَعدَّه لأعلى مراتب الكمالات النّفسانية، واكتساب کرائم الأَخلاق العلمية والعملية حتّى ساوی رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها فصار له الأَخ النّاصح، والصّاحب النّاصر، وصار عليه السّلام بهذه الرتبة استاد العالمين بعد النّبي صلّى الله عليه وآله، وهادي الخلق إلى طريق الحق، ومناقبه وفضائله اكثر من أن تُحصى، وأَجلّ بأن تقاس بعدد قطرات المطر، وذرات الرّمل والحصى.(1)

ص: 176


1- انظر: الاربعون حديثا للشيخ سليمان البحراني: 460، الحديث الاربعون

ولله درُّ مَن قال:

وإِذا شِمّت قُبّةَ العالم *** الأعلى وأَنوارُ ربّها تَغشاها

فتواضع فَثَمَّ دارةُ قدسٍ *** تَتَمنّي الأفلاكُ لَثمَ ثَراها

قل له والدّموعُ سَفحُ عقیقٍ *** والحشا تَصطلي(1) بنار غَضاها

يا ابن عمِّ النّبيّ أَنت يَد الله *** الَّتي عَمَّ كُلَّ شيءٍ نَداها

أنت قرآنُهُ القديمُ وأَوصافُك *** آياته الَّتي أوحاها

خصَّكَ اللهُ في مآثر شتّی *** هي مثلُ الأعداد لا تتناهی

ليتَ عيناً بغير رَوضك تَرعی *** قذِيَت واستمرَّ فيها قَذاها

أَنت بعدَ النبيِّ خيرُ البرايا *** والسّما خيرُ ما بها قمراها

لكَ ذاتٌ كذاتهِ حيثُ لولا *** أَنها مثلُها لَما آخاها

قد تَراضعتُما بِثَدي وصالٍ *** كان مِن جوهرِ التّجلي غَذاها

يا عليُّ المقدار حسبُكَ لاهوتية *** [لا يُخاط في علياها](2)

أَيُّ قدس إِليه طبعُكَ ينمي *** والمراقي المقدساتِ ارتقاها

[لك نَفس مِن جوهرِ اللّطفِ صِيغَت *** جَعلَ الله كُلّ نفسٍ فَداها]

ص: 177


1- في المصدر: (والجوی تصطلي)
2- في الاصل: (لا تحاط منك علاها)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر

هي قطبُ المكوناتِ ولولاها *** لما دارتِ الرّحي لولاها

لكَ كفٌّ مِن أبحرِ الله تجري *** أَنهر الأَنبياء من جدواها(1)

فليتأمل العاقل المنصف اللّبيب، وليسرّح بصر بصيرته الفطن المصيب، هل يجوز في العقل السّليم، والطّبع الصّالح المستقيم أن يتولى منصب الإِمامة الَّتي هي سر باطن النبوّة مثل شیخ تيم؟ الجاهل بِأَمور الدّين، ومواقع الشّرع المبين، وهو بحيث يخفى عليه ميراث الجدَّة، ومعرفة الأَب ونحوه، مِن بعد ما طالَ السّجود للأصنام حتّى شاب رأسه بين الأَنام.

ومثل عتلّ تیم صاحب المكر والخديعة ومنبع كلِّ رَذیله، المجترئ على الرّسولِ في حياتهِ وبعد موته، الَّذي حكم في دين الله برأيه، وغَيَّر شَرع الرّسول مِن عندِ نَفسه، وهَجم على بضعةِ الرّسالة وسلالة النّبوة، فِعل لم يفعله ذو الأَحقاد من الجاهلية الأُولى بأعدائهم.

ومِثل ثَور بني أُمية الَّذي حملهم على اعناق المسلمين، وآثرهم بالفيء والغنائم على كبراء الأَنصار والمهاجرين، مربّي اعداء الرّسول، والمنتقم من ذريةِ البتول، المقتول بسيوف قُتل بها المشركون في بدرٍ وأُحد، وغيرهما من مواقف الحروب.

ليتأمل العاقل اللّبيب، والموفق المصيب كيف تسافل الأَمر حتّى تنازعها علوج

ص: 178


1- الأبيات للشيخ كاظم الازري / الأزرية - الشيخ كاظم الازري: 135، ضمن قصيدة الازرية

بني أُمية الكّلاب الضّارية الشّاربون للخمور، المعلنون بالفسوقِ والفجور، المستحلّون للبس الحرير واللّعب بالشّطر نجات والمزامير، قاتلوا ذرية المصطفى، المتدينون بسب وليِّ الله علي المرتضی صلوات الله وسلامه عليه.

ثُمَّ تلقفتها بَنو العبّاس السّالكون مسالك أُولئك الأَرجاس، ثُمَّ لينظر العاقل لما مهّده هؤلاء السّفهاء والأَراذل، مجوس هذه الأُمَّة من الغدرِ الموضح عن الغدر.

تارة يجعل الإِمامة منوطة بآراء الأُمَّة، فقالوا: إنَّ مُعظم الغّرض المطلوب منها هو حفظ نظام الخلق في أُمورِ دنياهم، فيمكن أن يتولاها الفاسق والجاهل، بل المنافق الكّافر حتّى لو بایع جمع من الأَعيانِ، بل شخصا واحد نافذ الحكم صار إِماما، بل لو تغلّب على إِمام الحق العدل مُتَغَلِّب وقهره انعقدت إِمامته، وصار خليفة رسول الله، وإن كان مِن شرارِ خلق الله، وانعزل الأَول وصارت مناصب الشّرع بيد الثاني.

وتارة يدَّعون النّص على إِمامة أَبي بكر، وقد اختلقوا في فضلِ إِمامهم أحاديث كذبوا بها على الرّسول الصّادق الأَمين مِثل ما رووا عنه صلّى الله عليه وآله إِنه قال: لو كُنت مُتخذاً خَليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، وإنَّ صاحِبكم خَلیل الله(1).

ص: 179


1- مسند احمد بن حنبل 270:1 / صحيح البخاري 120:1، باب استقبال القبلة، 4: 191، باب مناقب المهاجرين وفضلهم / صحيح مسلم 7: 108، باب من فضائل أبي بكر

فيا عجباه من هذا الافتراء الَّذي لاشك فيه ولا امتراء، فإِنَّه ليس في هذا الصّنم الأَول - باتفاق أَهل الملة - صفة كمال معلومة تقتضي هذه الخلّة من علمٍ أو زهادة او جهاد او عبادة او حُسِن بلاء في الدّينِ؛ ولعلّ السّر في خلّتهِ إِنَّه عبد الأَصنام من دونِ الله حتّى شاب قِرنه، وابيض فؤاده، ثُمَّ بالغوا في الافتراءِ فجعلوا السّبّاب لأحد هؤلاء الكلاب المتسمين بالأَصحاب فاسقاً، بل كافراً وأوجبوا تأدیبه، بل قتله بغير حجة تقتفى، ولا دليل يقتدی، بل هو كذب على الله وافتراء سيجزيهم الله بما كانوا يفترون.

في بيان ثبوت عصمته عليه السّلام:

وأما ثبوت العصمة فيه عليه وآله الصّلاة والسّلام، فالكلّ أَثبتها له ما عدا الخوارج الَّذِين مرقوا مِن الدّينِ وصاروا من الكافرين.

والعصمة: في اللّغة المنع، وفي اصطلاح المتشرعين العصمة: لُطفٌ يَمنع مَن أَفيضَ عليه، مِن فِعلِ القبائح والإِخلال بالواجبات لا على جِهةِ الوجوب الرّافع للقدرة، بل بمعنى إِنَّهُ إِذا فَعله الله سبحانه بالمكلف اختار الطّاعات، واجتنب المعاصي؛ وحينئذ يكون وقوع المعصية عن المعصوم ممکنا بالنظر إلى قدرتهِ، ممتنعا إلى عدمِ داعیه ووجود صارفه.

فأهل العصمة في كلِّ أَمَّةٍ هم الَّذِين أعانهم الله سُبحانه على قهرِ أَنفسهم الأَمارة بالسّوء أَكمل قهر وأَتمَّهُ، حتّى صارت اسيرة في أَيدي أَنفسهم العاقلة، فلم تتلوث

ص: 180

ذيولهم بالمحارم، ولم تتشبث عزائمهم بالأكدار والمأثم، فهم خواص الخواص واقطاب أُولي الإِخلاص، وهم أهل الاستقامة المطلقة الشّاملة، وأرباب العدالة الحقيقية الكّاملة، وآية التّطهير مُعِلنة بلسانِ الحال بالطّهارةِ الكاملةِ لأهل بيت النّبيّ والآل صلوات الله عليهم اجمعين، حاكمة بأَن الله العليم المتعال أَذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا على أبلغِ وجهة في الدلالة، وأَكد في عدم جواز تلوث اذيال أَهل بيت الذّكر عليهم السّلام بالأرجاس الصّورية والمعنوية، والأقذار القلبية والبّدنية، للقطع بأَن صغائر الذِنوب ارجاس ككبائرها، وبواطن الرّذائل اقدار کظواهرها، وعليٌّ بن أبي طالب عليه السّلام هو سيّد بيت الوحي والتّنزيل بعد رسول الله صلّى الله عيله وآله، فهو أَول معني بهذه الآية في الخطاب من غيرِ خلاف عند أولي الأَلباب(1).

نقل الشّيخ الصدوق في كتابه علل الشرائع، ومعاني الأخبار: عن محمَّد بن أبي عُمير، قال: ما سَمِعت ولا استفدتُ، مِن هُشام بن الحكم في طولِ صُحبتي له شيئا أَحسن مِن كلامهِ(2) في صِفةِ عصمة الإِمام؟ [فإِنِّي سَألتهُ يوماً عن الإِمامُ أهوَ معصُوم؟ فقال: نَعم.

ص: 181


1- انظر: الأربعون حديثاً للشيخ سليمان البحراني: 48، الحديث الثالث
2- في المصدر: (من هذا الكلام)

فَقلت: فَما صِفة العصمة فيه]؟ وبأَيِّ شيءٍ تُعرَف؟.

فقال: إِنَّ جَميع الذّنوب لها أربعة أَوجه لأ خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشّهوة، فهذهِ مَنفِية عنه، لا يَجوز أَن يَكون الإِمام حريصاً على هذه الدّنيا، وهي تَحت خاتمه لأَّنَّهُ خَازِن المسلمين فَعلى ماذا يَحرص؟

ولا يجوز أن يَكون حَسوداً لأنَّ الإِنسان إِنَّما يَحسد مَن فَوقه، وَلَيس فَوق الإِمام أَحد، فَكيف يَحسد مَن هو دُونَه؟

ولا يَجوز أَن يَغضب لشيءٍ مِن أُمورِ الدّنيا إِلّا أَن يَكون غَضبهُ لله عز وجل، [فإِنَّ الله عز وجل] قد فَرض عليه إِقامة الحدود، وأَن لا تأخُذُه في اللهِ لَومةُ لائِم، ولا رأفة في دينِ الله حتّى يُقيم حُدود الله عز وجل ولا يجوز أن يَتّبع الشّهوات ويؤثر الدّنيا على الآخرةِ لأَنَّ الله عزّ وجلَّ حبّبَ اليه الآخرة كما حبّتَ الينا الدّنيا، فهو ينظر إلى الآخرۃِ کما ننظر إلى الدّنيا، فهل رأيت أَحداً ترك وجهاً حَسنا لوجه قبيح، [وطعاماً طيباً لطعام مُر، وثوباً لَيناً لِثوبٍ خَشن]، ونِعمة دائمة لدُنيا فانية؟(1).

ومِن المعلومِ لذوي العقول والأفهام أَنَّ المعصوم مِن الخطأ والخطل والذّنوب

ص: 182


1- معاني الاخبار - الشيخ الصدوق: 133، باب معنى العصمة، ح 3/ علل الشرائع - الصدوق 1: 204، باب 155، ح 2؛ الأربعون حديثاً - الشيخ سليمان البحراني: 66، الحديث الثالث

مأمون عن الخيانةِ والزّلل والعيوب؛ لأَنَّ الملك المتيقظ الماهر لا ينصب الفاسق الجائر لحراسة خزائنه في الدّهور، فكيف شأن ملك الملوك العالم بما في الصّدور؟

ويشهد بصحة ما قلناه المروي عن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه و آله انه قال: «إنّ الله عز وجل خَلق السّماء وَجَعل لها سكّاناً وحرسا، أَلا وان حَرس السّماء النّجوم، فإِذا هَلك النّجوم هَلك أَهل السّماء، وخلق الأَرض وَجعلَ لها سكّاناً وحرسا، أَلا وإِنَّ حرس أَهل الأَرض أَهل بَيتِي، فإِذا ذَهب أَهل بَيتي هَلَك أَهل الأَرض».(1)

قدم إسلامه وزهده وشجاعته سلام الله عليه:

وما نذكره من هذا المطلب قطرة من عباب وذرة من ساحات الوهاد

ص: 183


1- ذكر الحديث بهذه الأَلفاظ سلیمان بن عبد الله الماحوزي في الاربعون حديثا: 67، الحديث الرابع، وأما في بقية المصادر فقد ورد بألفاظ مختلفة منها: مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - محمد بن سليمان الكوفي 2: 175 ح 653، قال رسول الله صلى الله عليه واله: «النجوم أمان لأهل السّماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض»، علل الشرائع للصدوق 1: 124، باب 105، ح 1، قال النبي صلى الله عليه وآلة: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتی أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتی أهل الأرض ما يكرهون» (وفي المصدر تمام الحديث)، الدر النظيم للعاملي: 446، قال رسول الله صلى الله عليه واله: «يا أيها الناس إن الله عز وجل خلق السماوات وخلق لها سكانا وحرسا وهي النجوم، وخلق الأرض وجعل لها سكانا وحرسا وهم أهل بيتي، وإذا أقبض الله أهل بيتي هلك من في الأرض»، (وفي المصدر تمام الحديث)

والهضاب؛ أمّا سبق إسلامه على كلِّ الأُمّة، ومسارعته لإجابة دعوة الرسول صلّى الله علية وآله مما اتفق عليه الموالف والمخالف، ودلّت عليه الأخبار من الفريقين، فروی احمد بن حنبل في مسنده: يَرفعه إلى عبد الله بن العبّاس، إِنَّهُ قال: إِنَّ عليّاً أَول مَن أسلم(1).

وفي روايةٍ لهُ في المسندِ عن زید بن ارقم إِنَّهُ قال: أَول مَن صلّى مَع النّبيِّ صلى الله عليه (وآله) وسلم عليٌّ بن أبي طالب(2).

وفي مُسندهِ أيضا أَن عليّاً صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم سَبع سِنين قبل أَن يُصلّي مَعه أَحد(3).

وروى ابن المغازلي، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النّبيِّ صلّى الله عليه (وآله) وسلم انه قال: «صَلَّت الملائكة عَلَيَّ وعلى عليّ سَبع سِنين، وَذلك أنه لم ترفع [إلى السّماءِ] شهادة أَن لا إِله إِلَّا الله وأَنَّ محمَّداً عبدُهُ ورَسولُه إِلّا منّي ومنه»(4)

ص: 184


1- مسند احمد بن حنبل 1: 331، مسند عبد الله بن عباس / شرح الاخبار - القاضي النعمان 2: 300
2- مسند احمد بن حنبل 4: 368، 371 حديث زيد بن أرقم / المستدرك - الحاكم النيسابوري 3: 136
3- فضائل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام - احمد بن حنبل: 314، ح 286 (باختلاف)، وفي صفحه 315، ح 287، ح 288 (باختلاف يسير)
4- مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام - ابن المغازلي: 33، ما جاء في إسلامه عليه السّلام، ح 19، وعنه في كشف الغمة للأربلي 1: 78

وقد تواترت الأخبار من الطّرفينِ بأَنَّ سَيّدنا أمير المؤمنين سلامُ الله عليه أَول مَن أَسلم، وإِنَّهُ لم يُشرك بالله طرفة عين، وإنّهُ أَسلم قَبل أن يَبلغ الحُلم، وإِنَّ الملاعين الثّلاثة طالما سَجدوا للأصنام واستقسموا بالأزلام، فكيف يَدَعون مساواتهم له عليه السّلام.

«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).

وقد أَورد الأَعور الوّاسطي(2) الأَبتر أَرذل النّصّاب في هذا المقام: إِنَّ مَعنی لم يُشرك بالله طَرفة عَين، هو إنّهُ أَسلم قبل البلوغ، فلا يكون ذلك من خصائصه؛ لأَنَّ أطفال الصّحابة الَّذّين طَرأ عليهم الإِسلام، بل كلّ مولود ولد مِن المسلمينِ إلى يومِ القيامة الصّالح منهم والطّالح، لم يُشرك بالله طرفة عين، وأيضا إِنَّ أطفالَ الكفار مَحجور عليهم الإِيمان حتّى يَبلغوا بإجماع الفقهاء؛ فكيف يجعل ذلك راجحا على إِيمان البالغ، وهذا الكلام الصّادر مِن هذا الرّجل أَخس الأَنام في غايةِ السّقوط، ونِهاية الفساد والهبوط مِن وجوه:

الأَول: إِنَّ تفسيره عدم الشّرك بالله طرفة عين بالإسلام قبل البلوغ غير

ص: 185


1- آل عمران: أية (71)
2- هو يوسف بن مخزوم الأعور الواسطي، ألف كتابا هاجم فيه الشّيعة، سماه: الرسالة المعارضة في على الرد الرافضة. ترجم له السّخاوي في الضوء اللامع 10: 338

صحیح، بل هو خطأ صَريح، وكلام قبيح؛ لأنَّ تّفسير الشّيء يجب أن يَكون مُساويا له في الصّدقِ، وهذا هنا ليس كذلك لوجود كلّ منهما دون الآخر، فَمَن أسلم حين البلوغ ولم يشرك، ومن أسلم قبله وأشرك.

الثّاني: إنَّ الخاصة هنا هو المجموع المركّب مِن کَونهِ أَوّل مَن أَسلم، وانَّه لم يُشرك باللهِ طرفة عين، وأَطفال المسلمين لا يَصدق عليهم ذلك كما تَوهمه أَعمى القلب وأَكمه البصر، بل المجموع مختص به لا يشاركه فيه أَحد غيره، فإِن خَديجة رضوان الله عليها وإِن كانت أَوّل مَن أَسلم من النّساء، إِلّا أنَّ الخاصية الثانية ليست حاصلة لها.

وأَمّا دَعواه الإِجماع على عدمِ صِحة إِيمان طفل الكافر مطلقا غلط محض(1)، ولو تنزّلنا فسلمنّا أَنَّ إِسلام الصّبي غير معتد به، فلا يخفى أن الأخبار المتواترة الدالة على صحة إِسلام عليّ عليه السّلام وكمال إِيمانه، وثبات يقينه، واعتداد النّبي صلّى الله عليه وآله بإيمانه، مخصصة لعموم القضية المذكورة، ويشهد بذلك انه عليه السّلام افتخر على الصّحابةِ بذلك فقال: «أَنا الصّدّيقُ الأَكبر، آمنتُ قَبل أَن يُؤمن

ص: 186


1- ونسب العلامة التفتازاني وهو من عظماء متأخريهم في القول بتكليف الصبي بالإيمان إلى كثير من مشائخهم، فقال: قد ذهب كثير من المشائخ حتى الشيخ أبو منصور إلى أن الصبي العاقل يجب عليه معرفة الله تعالى، وقال أبو حنيفة: يصح إسلامه وهو مكلف بالإسلام (انظر تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي 2: 274، مجمع الفوائد للأردبيلي 10: 410، الاربعون حديثا للشيخ سليمان البحراني: 200، الحديث 17)

أبو بكر، وأَسلمت قَبل أَن يُسلم»(1).

وقال عليه السّلام:

سَبَقتُكُمُ إلى الإِسلامِ طُرّاً صَغِيراً *** ما بَلَغَتُ أَوانَ حَلمِي(2)

ولم يعارضه فيه أَحد مِن الصّحابةِ، بل وافقه على ذلك، وهو اجماع منهم على صحة إِسلامه، وإِنَّهُ في أَعلى مراتب الصّحة، والإِيمان الكامل في أَقصى مراتب الكمال، ويقينه في أَعلى مراتب اليقين.

ولله در بعض القائّلين المادحين لسيّدنا أَمير المؤمنين:

ص: 187


1- المعارف - ابن قتيبة الدينوري: 169، اخبار ابو بكر / الرياض النضرة في مناقب العشرة - المحب الطبري 3: 106، الفصل الثاني / تاریخ دمشق - ابن عساکر 42: 33 / شرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد 13: 228
2- أخرج ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 42: 520، بإسناد عن أبي عبيدة قال: كتب معاوية إلى علي بن أبي طالب: يا أبا الحسن أن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيداً في الجاهلية، وصرت ملكا في الإسلام، وأنا صهر رسول الله وخال المؤمنين و كاتب الوحي! فقال علي: أبا لفضل يفخر عليَّ ابن آكلة الأكباد؟ ثم قال: اكتب يا غلام!..... فأنشد الأبيات، ولما بلغ الكتاب الى معاوية قال: أخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب. وراجع کنز العمال 13: 112، والبداية والنهاية 8: 8، و مطالب السؤول - الشافعي: 61

يا راكباً تهوي به شَدَنيّةٌ(1) *** حَرفٌ(2) کما تهوي حصاة من عل

هَوجاء تَقطعُ جَوزَ تيَّارِ الفلا *** حتّى تَبوصَ(3) على يَديها الأرجُلُ

عُج بالغريّ على ضريحٍ حولَه *** نادٍ لأملاكِ السماءِ ومحفلُ

فَمسبِّحٌ ومقدسٌ ومجدٌ *** ومعظمٌ ومكبِّر ومهلِّلُ

والثم ثراه المسكَ طيباً واستلم *** عیدانهُ قُبلاً فَهنَّ المندَلُ(4)

وانظر إلى الدَّعواتِ تَصعد(5) عندهُ *** وجُنود وَحي الله كَيف تنزَّلُ

والنّورُ يلمعُ والنواظِرُ شخَصٌ *** واللِّسنُ خرسٌ والبَصائر ذُهَّلُ

واغضض وغُضَّ فَثَّمَّ سِرٌّ معجمٌ(6) *** دقَّت معانيهِ وأَمرٌ مشكلُ

وقلِ السّلامُ عَليكَ يا مَولى الوری *** نَصّاً بهِ نَطقَ الكتابُ المنزلُ

وَخِلافَةً ما إِن لها لو لم تكُن *** منصوصةً عن جيدِ مجدك معدلُ

عجباً لقومٍ أخّروك وكعب العالي *** وخذُّ سواكَ أضرعُ أسفلُ

ص: 188


1- شَدَنيّة: ناقة منسوبة إلى موضع باليمن (العين - الفراهيدي 6: 243، مادة - شدن)
2- الحَرفُ: الحَرفُ من الإِبل: النَّجِيبة الماضِيةُ التي أَنضَتها الأَسفار، شبهت بحرف السيف في مضائها ونجائها ودِقَّتها، (لسان العرب - ابن منظور 9: 42، مادة - حرف)
3- بوص: البَوصُ: الفَوتُ والسَّبق والتقدُّم، (لسان العرب - ابن منظور 7: 8، مادة - بوص)
4- المندل: عطر ينسب إلى المندل، وهي من بلاد الهند الصحاح - الجوهري 5: 1828)
5- في المصدر: (تسعد)
6- في المصدر: (أعجم)

إِن تمسَ محسودا فسوُددك الَّذي *** أعطيت محسودَ المحلِ مبجلُ(1)

قال الثعلبي: قد اتفقت العلماء على أنَّ أول مَن آمن بعد خديجة مِن الذّكور برسولِ الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم عليّ بن أبي طالب، وهو المروي عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله الانصاري، وزيد بن ارقم، ومحمَّد بن [المنكدر](2)، وربيعة الراي، وابن الجارود المدني.

وقال الكلبي: أَسلم أَمير المؤمنين عليّ برسولِ الله وهو ابن تِسع سِنين.(3)

وفي كتاب الخصائص: عن العبّاس بن عبد المطلب قال: سَمعتُ عمر بن الخطاب وهو يقول: كُفّوا عَن ذِكرِ عليّ بن أَبي طالب، فإِنّي سَمعتُ رَسول الله يَقول: «في عليّ ثَلاثُ خِصال»، وَدَدتُ أَنَّ لي واحِدة مِنهن، فَواحدةٍ مِنهن أَحبُ إِليَّ مما طَلَعت عَليه الشّمس، كُنتُّ أنا وأَبو بكر وابو عبيدةَ بن الجراح، وَنفر مِن اصحابِ رَسول الله، إِذ ضَرب النّبيّ صلّى الله عليه (وآله) على كَتِف عليّ وقال:

«یا عليّ أنت أول المسلمين إِسلاماً، وأَنت أَولُ المؤمنين إِيمانا، وأَنت مِني بِمنزِلة

ص: 189


1- الأبيات لأبن أبي الحديد المعتزلي / الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن ابی الحدید: 151، ضمن القصيدة السابعة
2- في الاصل: (المنذر)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
3- تفسير الثعلبي 5: 83، في تفسير سورة التوبة: آية (100)، (باختلاف بسيط) / بحار الأنوار - المجلسي 38: 246، باب في ترتيب اسلام المسلمين، ضمن حديث 41

هارونَ مِن موسی، کَذَبَ یا علىُّ مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحبني وَيَبغُضك»(1).

واسم عليّ سلام الله عليه مُشتق من اسمِ الله الأَعلى.

قال أبو طالب رضوان الله عليه شعراً:

سَمّيتَهُ بعلیٍّ كَي يَدومَ لهُ *** عِزُّ الفخارِ وفخرُ العزِ أَدومُهُ(2)

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله): «لَو اجتَمَع النّاس على حُبِّ عليّ بن أبي طالب لَما خَلَق الله عزَّ وجل النّار»(3).

وقد وقف على هذا الحديث الشّريف بعض مَن يَميل إلى العنادِ طبعه، ويتّسع في الخلافِ والنّصب ذَرعه، فيرد عليه منه ما يضيق عنه وسعه، فيجزم بخفضِ مناره عندما يَعيه سمعه، ويسارع إلى القدحِ في راويهِ ومعتقده، ويُنکِر على ناقلهِ بلسانهِ وقلبه ويده، وهو لا يعلم إِنَّما أُصيب مِن قبل طبعه الذميم، وأَتی مِن جهةِ تصوره السّقیم.

ص: 190


1- الخصائص العلوية على سائر البرية - ابي الفتح النطنزي: 65، باب في المسابقة في الاسلام، ح 64/ بحار الانوار - المجلسي 38: 246، باب في ترتیب اسلام المسلمين، ضمن حدیث 41
2- الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ 1: 173، الفصل الاول، کشف الغمة - الاربلي 1: 85، في سبقه إلى الاسلام سلام الله عليه
3- الفردوس بمأثور الخطاب - الديلمي 3: 373، ح 5135/ المناقب - الموفق الخوارزمي: 67، الفصل السادس، ح 39/ ينابيع المودة - القندوزي 1: 373، الباب الثاني والاربعون

وبيان توجيه هذا الخبر الوارد عن سيّد البشر: إِنَّ مودةَ عليٌّ بن أبي طالب عليه السّلام هي عين محبّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتصديقه في كلِّ ما جاءَ به، ومحبّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وتصديقهُ فرع معرفة الله عز وجل الكاملة ووحدانيته، والعمل بأوامره واجتناب نواهيه.

ومن المعلوم ان كافة النّاس لو خُلِقوا على هذه الفطرة لم يخلق الله النّار، وكيف يحبّ عليّاً مَن خالفه في علمهِ، وحلمه، وزهده، وورعه، وتقواه، وصلاته، وزكاته، وصيامه؟! ومسارعته إلى طاعات الله واقدامه، والأخذ بكتاب الله في تحلیل حلاله و تحریم حرامه، ومجاهدته في ذات الله شارعاً لرمحه شاهرا لحسامه، وقناعته بخشونة ملبسه وجشوبة مأكله، وانتصابه في محرابه يقطع اللّيل بصالح عمله، وهذه اوصاف لا يستطيعها غيره من العباد، ولكنّه قال عليه السّلام: «اعيِنُوني بورعٍ واجتهاد»(1).

وقد وصف شیعته فقال: «إِنَّهُم خُمصُ البُطُون مِن الطَّوي، [يُبس الشَّفاه مِن الظَّمأِ] عُمش العيونِ مِن البكاءِ».(2)

ص: 191


1- نهج البلاغة 3: 70، من کتاب له صلوات الله وسلامه عليه إلى عثمان بن حنيف
2- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 1: 386، باب درجات أمير المؤمنين سلام الله عليه/ مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) - الميرجهاني 2: 113، ضمن كلام له صلوات الله وسلامه عليه في صفات الشيعة/ کشف الغمة - الاربلي 1: 98، في محبة الرسول إياه وتحريضه على محبته

وفي معجم الطبراني: باسنادهِ إلى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) قالت: قال: رسول الله صلّى الله عليه و آله: «إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ باهی بِکم وَغَفر لَكم عامة ولعليٍّ خاصة، وإِنّي رَسولُ الله اليكم [غَير هائِب لقومِي]، ولا مُحاب لقرابتي، هذا جبرائيل يخبرني إِنَّ السّعيدَ كلُّ السّعيد مَن أَحبَّ عليّاً في حياتهِ وَبَعد موته، وإِنَّ الشّقيَّ كُلَّ الشّقيَّ مَن أَبغَضَ عليّاً في حياتهِ وَبعدَ موته»(1).

يقول البديع الهمداني:

تقولونَ لي ما تحبُّ الوصيَّ *** فقلتُ الثَّرى بفمِ الكاذبِ

أحبُّ النَّبي وآل النَّبي(2) *** وأختصُّ آل أبي طالبِ(3)

ومما جاء في مدحهِ وشريف القابه من شهادةِ خالقه تعالى بإيمانه الكامل في كتابه قوله تعالى:

ص: 192


1- المعجم الكبير - الطبراني 22: 415، باب ما اسندت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها/ مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 3: 3، فيما يتعلق بالآخرة من مناقب امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه
2- في المصدر: (وأهل النبي)
3- الأبيات لبديع الزمان الهمداني / دیوان بديع الزمان الهمداني: 38/ بديع الزمان الهمداني هو: الشاعر أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الهمذاني الملقب ببديع الزمان، ولد في 13 جمادی الآخرة 358 وقيل 353 بهمذان، وتوفي سنة 398، وله ديوان شعر مطبوع تحقيق يسري عبدالغني، وقد ترجم له المعاني في الانساب 5: 650، والسيد محسن الامين في اعيان الشيعة 2: 570، ت 3733

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(1).

ونزولها في شأنِ وليّ الحميد المجيد، وفي شأنِ عدو الله الفاسق العنيد الوليد بن عقبة ابن أبي معيط - اخي عثان لأُمّه - وذلك إِنَّه كان بينهما تَنازع وكلام في شيءٍ، فقال الوليد لعليٍّ عليه السَّلام: اسكت فإِنك صَبي وأَنا والله أَبسطُ مِنك لِساناً، وأَحدُّ [مِنك] سِناناً، [وأشجع جناناً] وأملأُ مِنك [حُشواً] في الكتيبةِ.

فقال له علي عليه السّلام: «اسكت فإِنَّكَ فاسِق».

فأَنزل الله سُبحانه تصديقاً لعليٍّ عليه السّلام: «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(2)؛ يَعني بالمؤمن عليّاً، وبالفاسقِ الوليد(3).

وكفى بهذهِ القصة شَهادة من الله عزَّ وجل لعليٍّ عليه السلام بکمالِ فضیلتهِ وإنزاله سبحانه وتعالى قرآناً يُتلى على الأَبد بتصديق صَفيه المرتضى في مقالته، ووصفه لعدوه الوليد بالفسق، ووصف علي عليه السّلام بالإيمان، وان وليه المؤمن

ص: 193


1- السجدة: أية (18)
2- السجدة: أية (18)
3- جامع البيان عن تأويل القران - الطبري 21: 129، ح 21532 / تفسير ابن أبي حاتم الرازي 9: 3109، ح 17850 / تفسير الثعلبي 7: 333، في تفسير سورة السجدة: آية (18)/ وعن تفسير الثعلبي في خصائص الوحي المبين - ابن البطريق: 180، الفصل الثاني عشر، ح 128

الكامل في درجات الإيمان، وعدوه المستجمع لأنواع الفسوق والعصيان لا يستويان عند الله.

وقد نظم هذه القصة حسّان بن ثابت فقال:

أَنزَلَ اللهُ والكتاب عزیزٌ *** في عليٍّ وفي الوليدِ قرآنا

فتبوأ الوليدُ من ذاكَ فِسقاً *** وعليٌّ مبوّأٌ إِيمانا

ليس مَن كان مؤمناً عَرفَ اللهَ *** کَمَن كان فاسقاً خوّانا

سَوف يُجزى الوليد خزيا وناراً *** وعليٌّ لاشكَ یُجزی جِنانا

فعليٌّ يلقي لدى الله عِزا *** ووليد يلقى هناك هَوانا(1)

في زهده وصبره عليه السّلام:

وأَمّا وصف زهده في الدّنيا، وإعراضه عنها، ورفضه لها، وقناعته باليسيرِ منها وعبادته وصبره عليها. فمن فضائله الجميلة.

رويَّ عن أَبي مريم، عن عمّار بن یاسر، قال: سَمِعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «يا علي إِنَّ اللهَ زيّنك بزينةٍ لم يُزّين العباد بزينةٍ [هي] أَحبّ إِليه

ص: 194


1- الآمالي - الصدوق: 579، المجلس الرابع والسبعون، ضمن حديث (7) (باختلاف بسيط)/ مطالب السؤول - الشافعي: 122 / كفاية الطالب - الشافعي: 122، الباب 31

منها: زَهَّدك في الدّنيا وبَغّضَها إِليك، وَحَبَّبَ إِليك الفقراء فَرضيِت بِهم أَتباعاً ورضوا بِك إِماماً، يا علي طوبی لِمن أَحبّك وصدّقَ عليك، وَالويل لِمن أبغضكَ وكذّبَ عليك، [أَمّا مَن أَحبَّك وصدّق بك فإِخوانك في دينك وشُركاؤُك في جَنَّتك، وأَمّا مَن أبغضك وكذّبَ عليك] فَحقيق على الله تعالى يَوم القيامة أن يُقيمَهُ مَقام الكاذبين»(1).

وعن سويد بن غفلة، قال: دَخلتُ على عليّ بن أَبي طالب عليه السّلام القصر، فَوَجدته جالِسا وَبين يَديهِ صحفَة(2) فيها لَبن حَازر(3) أَجد رِيحه مِن شِدّةِ حموضَته، وفي يَديهِ رَغيف أَرى [آثار] قِشور(4) الشَّعير في وَجههِ، وَهو يکسرهُ بيده أَحياناً، فإِذا غَلَبهُ کَسرهُ بِركبته وَطرحه فيه.

فقال: «أدن فأصب من طَعامنا [هذا]».

ص: 195


1- کشف الغمة - الاربلي 1: 162، باب في زهده سلام الله عليه / کشف اليقين - العلامة الحالي 85، المبحث الخامس / حلية الاولياء - ابو نعیم الاصفهاني 1: 37، في مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام (باختلاف بسيط في بعض الالفاظ) / الفردوس بمأثور الخطاب - الديلمي 5: 319، باب الياء ح 8311 (باختلاف) / المناقب - الخوارزمي: 116 الفصل العاشر، ح 126 (باختلاف بسیط)
2- الصَّحفَة: إناء من آنية الطعام (لسان العرب - ابن منظور 9: 187)
3- لبن حازر: أي حامض (لسان العرب - ابن منظور 4: 185)
4- في المصدر: (قشار)

قلت: إِني صَائم.

فقال: «سَمِعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: مَن مَنعه الصّيام مِن طعامٍ يَشتهيه كان حقاً على اللهِ أن يُطعمه مِن طعامِ الجنّة ويسقيه من شرابِهِا».

قال: فقلت لجارية وهي قائمة بقريب منه: ويحك يا فضة أَلا تتقين الله في هذا الشيّخ؟! أَلا تَنخلون له طعاماً مما أَرى فيه مِن النّخالة؟!

فقالت: لقد تَقدم الينا أن لا نَنخل له طعاماً.

قال [لي]: «ما قُلت لها»؟ فأخبرته، فقال عليه السّلام: «بأَبي وأُمّي يا رسول الله لم يُنخل له طعام، ولم يَشبع مِن خبزِ البر ثلاثة أَيام حتّى قبضهُ الله عز وجل إليه»(1).

فانظروا أيها الشّيعة الأبرار والمتقون إلى شدة زهد إِمامكم، وقناعته وإِعراضه عن لذّات هذه الدّار وفي قوله: «مَن مَنع نَفسه مِن طعامٍ يَشتهيه» دلالة واضحة على أنه عليه السّلام راض بتقوته باللبن الحازر وقرص الشّعير اليابس الغير المنخول، ودلَّ على انه عليه السّلام عنده الطّعام النفيس المشتهى الَّذي يرغب فيه مَن يراه، وليس انه عليه السّلام لا يهتدي إلى الأطعمة الفاخرة والألوان المعجبة،

ص: 196


1- المناقب - الخوارزمي: 118، الفصل العاشر / کشف الغمة - الاربلي 1: 162، في وصف زهده عليه السلام / منهاج الكرامة - الحلي: 159، المنهج الرابع / تذكرة الخواص - ابن الجوزي: 339، الباب الرابع / وعن كشف الغمة في بحار الأنوار للمجلسي 40: 331

بل لأنّه عليه السّلام اقتدى في ذلك برسول الله صلّى الله عليه وآله، ووطن نفسه الشّريفة على الصبرِ - على جشوبة المأكل وخشونة الملبس - راغبا لما عند الله واقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله.

وقد ثبت له عليه السّلام الزّهد في الدّنيا وعدم الرّغبة في الذات شرابها وطعامها بشهادة النّبيّ - صلى الله عليه وآله - له بذلك، ولا يصح الزهد في الشّيء إِلّا بعد معرفته والعلم بجلیله وحقيره ونفاسته، وهو صلوات الله وسلامه عليه قد عرف الدّنيا بنعيمها وتبرجت له فلم يحفل بزينها لشينها وتحقق زوالها، فعاف وصالها وتبيّن انتقالها فصرم حبالها، واستبان قبح عواقبها، وکدر مشاربها، فألقى حبالها على غاربها وتركها لعاشقها وطالبها، وتيقن بؤسها وضررها، فطلّقها ثلاثا وهجرها وعصاها إذ أمرته، فعصته إذ أمرها، وعلمت إنّه ليس من رجالها، ولا من ذوي الرّغبة في جاهها ومالها، ولا مَن تقوده في حبالها، وتورده موارد وبالها.

فصاحبته على ما هو أَحسن، وابتلته بأنواع المحن، وجرت في معاداته على سنن، وغالته بعده في ابنيه الحسين والحسن عليهما السّلام، وهو سلام الله عليه لا يزداد على شدّة اللّأواء إِلّا صبرا، وعلى تظاهر الأَعداء إِلّا حمدا وشکرا، مستمرا في طاعة الله، شديدا على أَعداءِ الله، رؤوفاً بأولياء الله، عاملا بكتاب الله، حاکما

ص: 197

بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله في الشّقي والسّعيد، مقتفيا لاثاره لا يفارقها، حتّى نقله الله إلى جواره واختار له دارا خيراً من داره، فمضى محمود الأثر مشکور الورد والصّدر، مستبدلا بدار الصّفا من دار المحن والكدر، قد لقى أخاه محمَّد المصطفى صلَّى الله عليه وآله بوجه لم يشوهه التَّبديل، وقلب لم ترد فيه الأَباطيل(1)

في شجاعته سلام الله عليه:

وأَمّا الشّجاعة فقد أَجمع كافة أَهل الإِسلام على أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان أَشجع النّاس، وقد تعجبّت الملائكة من حملاته وفَضَّل النَّبي صلَّى الله عليه وآله قَتله لعمرو بن عبد ود على عبادة الثقلين، وناداه جبرئیل: «لا سَيِفَ إِلّا ذو الفقارِ وَلا فَتى إِلّا عَليٌّ»(2).

وفي غزاةِ بدر: وهي الدّاهية العظمى على المسلمين، وأَوّل حرب ابتلوا بها، قتل عليّ فيها صناديد قريش الَّذِين طلبوا المبارزة، كالوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد ابن العاص، الَّذي أَحجم المسلمون عنه، ونوفل بن خویلد، الَّذي قرن أبا بكر وطلحة بمكّة قبل الهجرة، وأوثقهما بحبل وعذّبهما، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لمّا عرف حضوره في الحرب: «اللَّهم اكفِني نَوفلاً».

ص: 198


1- انظر: کشف الغمة للاربلي 1: 170/ منهاج البراعة - الخوئي 14: 284
2- تاريخ الطبري 2: 197، غزوة أحد / الكامل - الجرجاني 5: 260 / الرياض النظرة – المحب الطبري 3: 155/ المناقب - الخوارزمي: 167، ح 200/ میزان الاعتدال - الذهبي 3: 323

ولمّا قَتله عليّ قال رسول الله صلَّى الله عليه و آله: «الحمدُ لله الَّذي أَجابَ دَعوَتي فيه».

فَلم يزل يقتل في ذلك اليوم واحدا بعد واحد، حتّى قَتل نصف المقتولين، وكانوا سبعين، وقَتل المسلمون، والثلاثة آلاف من الملائكة المسومين النصف الآخر.(1)

وفي غزاة أُحد: انهزم المسلمون عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وَرُمِيَ عن دابته إلى الأَرض، وضَربه المشركون بالسِّيوف والرِّماح، وعليّ عليه السّلام يُحامي ويُدافع عنه، فنظر إِليه النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله بعد إِفاقته مِن غشيته وقال: «ما فَعل المسلمون»؟

فقال: «نَقَضوا العهد وَولوا الدّبر».

فقال: «اكفِني يا عليّ هؤلاء، فَكشفهم عَنه».

وصاح صايح في المدينة: قُتل رسول الله، فانخلعت القلوب، ونزل جبريل قائلا: «لا سَيِفَ إِلَّا ذُو الفقار وَلا فَتى إِلّا عَليٌّ».

ص: 199


1- الإرشاد - المفيد1: 76 (باختلاف بسيط)/ کشف الغمة - الاربلي 1: 186، غزوة أحد/ نهج الحق - الحلي: 248، المبحث الخامس، القسم الثاني / وانظر: دلائل النبوة للبيهقي 3: 94، وشرح نهج البلاغة الابن أبي الحديد 14: 143، السيرة الحلبية - الحلبي 2: 417

وقال للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله: یا رَسول الله لقد عَجبت الملائكة مِن حُسنِ مواساة عليّ لك بنفسهِ.

فقال النَّبي صلَّى الله عليه وآله: «ما يَمنعهُ مّن ذلك وهو مِنّي وأَنا منه»؟

ورَجع بعض النّاس لثبات عليّ عليه السّلام، ورجع عثمان بعد ثلاثة أَيام.

فقال له النّبي صلَّى الله عليه وآله: «ذَهبت بها عَريضة من طَویله(1)».

وفي غزاة الخندق أَحدق المشركُون بالمدينة، كما قال الله تعالى: «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ...»(2)، ونادی عَمرو بن عبد ود بالبراز، فلم يَخرج سوى عليّ عليه السّلام، وفيه قَتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام عَمرو بن عبد ود العدو الأَلَّد(3).

قال رَبيعة السّعدي: أَتَیت حُذيفة، فَقلتُ: يا أَبا عبد الله إِنّا لنتحدَّث عن عليٍّ ومناقبه، فيقول أَهل البصرة: إِنكم لتُفرِّطونَ في عليٍّ، فهل تحدُّثني بحديث؟.

ص: 200


1- في المصدر: (لقد ذهبت بها عريضاً)
2- الأحزاب: (10)
3- نهج الحق - الحلي: 249، المبحث الخامس، القسم الثاني / کشف الغمة الاربلي 1: 198/ إحقاق الحق - التستري: 206، وانظر: تاريخ الطبري 2: 197، غزوة أحد، وشرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 251: 14، قصة غزوة أحد

فَقال حذيفة: والَّذي نَفسي بيده، لو وضِع جَميع أَعمال أُمَّة محمَّد في كفةٍ [الميزان] منذ بَعث الله محمَّد صلَّى الله عليه وآله إلى يومِ القيامة، ووضِعَ عَمل عليّ بن أَبي طالب في الكفةِ الأُخرى، لرجحَ عَمل علىّ على جميعِ اعمالهم.

فقال رَبيعة: هذا [المدح] الَّذي لا يُقام له ولا يُقعد [ولا يحمل، إنّي لأظنه إسرافا يا أبا عبد الله].

فقال حذيفة: يا لكع الرّجال وكيفَ لا يُحتمل، وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله يوم عَمرو بن عبدود وقد دَعا إلى المبارزة فأَحجم النَّاس کُلُّهم ما خَلا عليّاً، فإِنَّهُ نزل إِليه فَقتله، والَّذي نَفسُ حُذيفة بيده لَعملَهُ ذلك اليوم أَعظم أجرا من عَملِ أَصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وآله إلى يومِ القيامة.(1)

وفي يوم الأحزاب: تولى أمير المؤمنين عليه السَّلام قَتل الجماعة.

وفي غزاةِ بَني المصطلق: قَتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام مالكاً وابنه، وسَبی جويرية بنت الحارث، فاصطفاها النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله.

ص: 201


1- نهج الحق - الحلي: 249، المبحث الخامس، القسم الثاني / بحار الانوار - المجلسي 34: 304، باب 34/ شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 19: 61 / وأورد نحوه الخوارزمي في المناقب: 107، الفصل التاسع، ح 112، والحسكاني في شواهد التنزیل 2: 17، ح 636، والفخر الرازي في تفسيره 31: 325

وفي غزاةِ خَيبر: كان الفتح فيها لأَمير المؤمنين عليه السَّلام، قَتل مرحباً وانهزم الجيش بقتله، اغلقوا باب الحصن، ففتحه أَمير المؤمنين عليه السَّلام، ورمی به وَجعله جِسراً على الخندقِ للمسلمين، وظفروا بالحصن وأَخذوا الغنائم وكان يَغلقه سَبعون رَجلاً، وقال عليه السَّلام: «والله ما قَلعت بابَ خَيبر بقوةٍ جِسمانية بل بقوةٍ ربانية»(1).

وفي غزاةِ الفتح: قتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام الحويرث بن نفیل بن کعب(2)، وكان يؤذي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وَقَتل جماعة مِن قريش، وكان الفتح على یَدهِ.

وفي غزوة حُنين: حِين استظهر النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله بالكثرة، فَخرج بعشرة آلاف مّن المسلمينِ، فَعاینهم أَبو بكر وقال: لَن نُغلَبَ اليوم مِن قِلَّة، فانهزموا بأَجمعهم ولم يَبق مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه و آله سوى تِسعة مِن بني هاشم.

فأَنزل الله تعالى: «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ...»(3).

ص: 202


1- الأمالي - الصدوق: 604، المجلس 76/ شرح نهج البلاغة - ابن میثم البحراني 1: 88 المواقف - الإيجي 3: 682
2- في المصدر: (نقید بن وهب بن عبد بن قصي)
3- التوبة: آية: (25)

يريد عليّاً عليه السّلام وَمَن ثَبت مَعه، وكان يَضربُ بالسَّيفِ بَين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وآله، والعبّاس عن يَمينه، والفضل عن يَساره، وأَبو سفيان بن الحارث يمسكُ بسرجهِ، وَنوفل وربيعة إِبنا الحارث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب [ابنا أَبي لهب مِن وراءِ ظَهره، فَقتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام رئيس القوم] وجمعاً كثيراً، فانهزم المشركون وحصل الأَسر.(1)

وابتلی سلام الله عليه بجميعِ الغزوات وبعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(2).

روى أَبو بكر الأَنباري في أَماليه: أن عليّاً عليه السَّلام جلس إلى عُمر في المسجد وعنده أُناس، فلمّا قام عرض واحد بذکرهِ ونسبه إلى التَّيه(3) والعجب، فقال عمر: حقٌ لمثله أن يَتيه، والله لَولا سَيفه لما قام عمود الإِسلام، وهو أَقضى الأُمّة، وذو سَابِقتها وذو شَرفها.

ص: 203


1- نهج الحق - الحلي: 250، المبحث الخامس، القسم الثاني / أحقاق الحق - التستري: 206/ کشف الغمة - الاربلي 1: 202 / وانظر: تاريخ الطبري 2: 210، وتفسير الفخر الرازي 21: 91
2- الناكثون هم: أصحاب الجمل: طلحة، والزبير، وعائشة، وأتباعهم. والقاسطون هم: أصحاب صفين: معاوية وأتباعه. القاسطون: أي الجائرون والمارقون: أصحاب النهروان: الخوارج
3- التيه: الكبر (لسان العرب - ابن منظور، مادة - تیه)

فقال له ذلك القائل: فما مَنعك يا أَمير المؤمنين عنه؟

فقال: کَرهناه على حَداثةِ السِّن، وحُبَّه لبني عبد المطلب، وحَمل سورة براءة إلى أَهل مكّة، وكان النَّبي صلَّى الله عليه وآله انقد بها مع أَبي بكر فَنزل عليه جبرئیل وقال: إِنَّ ربَك يُقرؤك السَّلام ويقول لك: «لا يُؤدِيها إِلّا أَنت أَو واحد مِنك».(1)

وهذه القصة، وحدها كافية في شرفِ عليّ عليه السَّلام و عُلوّ مرتبته بأضعاف كثيرة على من لم يوثق به في أدائها، ولم يؤتمن عليها.

وهذه الشجاعة العظمى مع خشونة مأكله، فإِنَّهُ لم يطعم البر ثلاثة أَيام، بل كان أَغلب قوته الشَّعير بغير إِدام، ويختم على جرابه لئلا يؤدمه ولداه الحسنان عليهما السَّلام، وكان كثير الصّوم كثير الصلاة مع شدّة قوته، حتّى قلع باب خیبر وقد عجز عنه المسلمون، وفضائله اكثر من ان تعد وتحصی،(2)

فبأسه تفر منه الأَقران، ومراسه وثبات جأشه حيث تزلزل الأَقدام، وشدّة صبره حيث تطير فراخ الهام، وبسطوته قلوب الشّجعان واجفة، وباستقراره أَقدام

ص: 204


1- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 12: 82/ نهج الحق - الحلي: 250، المبحث الخامس، القسم الثاني / بحار الانوار - المجلسي 31: 76، باب 23
2- انظر: حلية الاولياء - الأصفهاني 1: 82، ونهج الحق - الحلي: 248، القسم الثاني، الباب الثاني، ولائل الصدق للمظفر 6: 405

الأَبطال راجفة، ونجدته عند انخلاع القلوب من الصّدور وبسالته ظاهرة، ورحى الحروب تدور والدِّماء تفور ونجوم الأَسنة تطلع وتغور، وحماسته والموت قد كشر عن نابه، وسماحته وبنفسه والجبان قد انقلب على أَعقابهِ، وكشفه الكروب عن وجه رسول الله صلَّى الله عليه وآله وقد فر من فرَّ مِن أَصحابه، وبذله روحه العزيزة رجاء ما أَعدَّ الله من ثوابه.

فهو أمر قد اشتهر، وحالٌ قد بان و ظهر، وشاع خبره فعرفه مَن بقي ومَن غبر، وتضمنته الأَخبار والسِّير، فتساوي في العلم به البعيد والقريب، واتفق على الإِقرار به البغيض والحبيب، وصدق به عند ذكره الأَجنبي والنسيب.

فارس الإِسلام وأسده، وباني ركن الإِيمان ومشیِّده، طلّاع الأَنجدة والأغوار، مفرّق جموع الكفار، حاصد خضرائهم بذي الفقار، ومخرجهم من ديارهم إلى المفاوز والقفار، ومضيِّف الطّير والسِّباع يوم الملحمة والفزاع، سيف الله الماضي، ونائبه المتقاضي، وآيته الواضحة، وبيّنته اللائحة، وحجّته الصّادعة، ورحمته الجامعة، ونعمته الواسعة، ونقمته الوازعة، وقد شهدت بدر بمقامه وكانت حنين من بعض أَيّامه، وسل أُحداً عن فعل قناته وحسامه، ويوم خيبر إِذ فتح الله على يديه، ويوم الخندق إِذ خرَّ عمرو لفمه ويديه.

وهذه جمل لها تفاصيل وبیان و مقامات رضي بها الرحمن، ومواطن هدّت

ص: 205

الشّرك وزلزلته وحملته على حكم الصّغار وأَنزلته، ورکسته في مهاوي الذّلة والهوان، وكم له من مواقف كان فيها جبرئیل مساعده و میکائیل يؤازره ويعاضده والله يمده بعناياته والرّسول يتبعه بصالح دعواته وقلب الإِسلام يرجف عليه وامداد التأييد تصل إليه(1).

ولله در من قال:

جمعت في صفاتِكَ الأضدادُ *** فلهذا عزت لكَ الأندادُ

زاهدٌ حاكمٌ حلیمٌ شُجاعٌ *** ناسكٌ فاتكٌ فقیرٌ جوادُ

شِیَمٌ ما جُمعنَ في بَشرٍ قَطّ *** ولا حازَ مثلهنّ العبادُ

خُلُقٌ يخجِلُ النّسيمَ من العَطفِ *** وبؤسٌ يَذوبُ منهُ الجَمادُ

فلهذا تعمقت فيكَ أقوامٌ *** بأقوالهم فزانُوا وزادُوا

وغلَت في صِفاتِ فضلِك ياسينُ *** وصادٌ وآلُ سينٍ وصادُ

ظهرت منكَ للورَی معجزاتٌ *** فأقرتُ بفضلِكَ الحسّادُ

إن يكذِّب بها عداكَ فقد كذّ *** بَ مِن قَبلُ قومُ لُوطٍ وعادُ

أَنت سِر النَّبيّ والصِّنو وابن آل *** عمّ، والصّهرُ، والأخُ المستجادُ

لو رأي غيرَكَ النّبيُّ لآخاهُ *** وإلا فأخطأ الانتقادُ

ص: 206


1- انظر: کشف الغمة - الاربلي 1: 177، في شجاعته ونجدته سلام الله عليه، وعنه في منهاج البراعة للخوئي 1: 284

بکم باهلَ النَّبيُّ ولم يُل *** فِ لَكُم خامِساً سِواهُ يُزادُ

كنتَ نفساً له، وعرسُك وابناك *** لديهِ النِّساءُ والأولادُ

جَلّ مَعناكَ أن يُحيطَ به الشّعرُ *** وتُحصي صِفاتِهِ النقّادُ

إنّما اللهُ عنكمُ أذهبُ الرجسَ *** فردّت بغيظها الأحقادُ(1)

وروى إمامهم احمد بن حنبل في مُسنده، مسندا إلى عليٍّ عليه السَّلام قال: قال رسول الله: «يا علي إِنَّ فيك مَثلاً مِن عيسي(2) أَبغَضتهُ اليهود حتّى اتَهموا أُمّهُ البتُول(3) وأَحبَّتهُ النصارى حتّى أَنزَلوه بالمنزلةِ الَّتي لَيس له».(4)

ص: 207


1- الأبيات للسيد صفي الدين الحلي / ديوان السيد صفي الدين الحلي: 88، الباب الثاني / هو: الشاعر (صفي الدين) عبد العزيز بن سرایا بن علي بن أبي قاسم بن أحمد بن نصر بن عبد العزيز ابن سرایا بن باقي بن عبد الله بن العريض الحلي الطائي السنبسي (من بني سنبس بطن من طي). كان في الطراز الأول من شعراء لغة الضاد، ولد يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة، وتوفي سنة 750 ه وله عدة مؤلفات منها ديوان شعر مطبوع (انظر: الوافي بالوفيات - الصفدي 18: 293، الغدير للأميني 6: 43)
2- في المصدر: (مثل مِن عیسی)
3- في المصدر: (بهتوا أُمّه)
4- مسند احمد بن حنبل 1: 160، مسند علي بن ابي طالب عليه السَّلام / فضائل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام - احمد بن حنبل: 167، ح 98

قال: وقال عليٌّ عليه السَّلام: «يهلك فيَّ رجلان: مُحِبٌّ غالي ومُبغِض قالي»(1).

وابن المغازلي في مناقبه(2)، وابن عبد البر في معاتبه(3)، ذكروا ما معناه يدل على ذلك.

ومعلوم ان خصائصه الباهرة ومعجزاته القاهرة وآياته الناطقة ونعوت کمالاته المشرقة، ظاهرات لا تدفع، ومسفرات لا تقنّع مثل: قلع باب القموص، وقلع الصّخرة وإِخباراته بالغيب المتضمنة له صريحات النصوص، وقد بلغت في الشّرف أَوج الكمال، حتّى التبس الأَمر والحال على الكثيرِ من العقلاءِ، فاعتقدوا أَنَّهُ فاطر الأَرض والسَّماء وخالق الأَموات والأَحياء، كما بلغ الأَمر في نَبيِّ الله عیسی علیه السَّلام هل هو معبود أَو عبد؟

ولمّا سَبق في علمِ الله ما يجري على وليِّ الله وناصر دینه من أَهل الشِّقاق والنفاق المبغضين والمعاندين، وقد جَعل الله لكلِّ نَبي عدواً من المجرمين، وما بالغوا به لبلوغ الحسد منهم والعداوة لسيّد الموحدين وقاتل الملحدين، حتّى ساووه بمن لم يجرِ مجرى سائر رعيته، لعدم استعداده لقبول الكمالات في ذاته وصفاته، لا

ص: 208


1- مسند احمد بن حنبل 1: 160، مسند علي بن ابي طالب عليه السلام، (باختلاف) / نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 558، تاریخ دمشق - ابن عساکر 42: 297
2- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام - ابن المغازلي: 84، ح 96، (باختلاف بسيط في بعض الألفاظ)
3- الاستيعاب - ابن عبد البر 3: 1101

كساه الله مِن حللِ الأَنوار وحلّاهُ بحلايا الفضائل والفواضل، الَّتي ليس لها في الأَنامِ من معادل و مماثل، ما يبلغ به إلى الغاية الَّتي تقوم بها الحجّة البالغة لله تعالى، ولا يبقى للعباد عذر به يعتذرون في ولايةِ وليِّ الله وخليفة رسول الله الحاكم بحكم الله في عباده(1).

في ذكر بعض معجزاته وكراماته وما ظهر منه عليه السَّلام من إِخبارهِ بالمغيبات:

فمن كراماته الظاهرة ومعاجزه الباهرة ما وقع له عليه السَّلام في مفتتحِ غزاة تبوك على ما روي عن الإِمام أَبي محمَّد الحسن العسكري عليه السّلام قال: [«ولقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله صلى الله عليه وآله على العقبة، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام، فما قدروا على مغالبة ربّهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله في عليّ عليه السّلام لما فخّم من أَمره، وعظّم من شأنه.

من ذلك: أنه لما خرج من المدينة - وقد كان خلّفه عليها - قال: إنَّ جبرئيل أتاني وقال لي: يا محمَّد الله العليّ الأعلى يقرئك السَّلام ويقول لك: يا محمَّد إمّا أن تخرج أنت ويقيم عليّ، أو يخرج عليّ وتقيم أنت، لابد من ذلك، فإنّ عليّا قد ندبته

ص: 209


1- انظر: نهج الایمان لابن جبر: 491، الفصل 28، بعض خصائص علي عليه السّلام ومعجزاته، وشرح إحقاق الحق للمرعشي 405: 3

لإحدى اثنتين، لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما، وعظيم ثوابه غيري. فلما خلفه](1)، أَكثر المنافقون اللَّغط في ذلك(2)، فقالوا: ملَّهُ وسئِمه و کَرِه صُحبتَه!

قال: فَتَبعه عليّ عليه السَّلام حتّى لَحِقه وهو واجد مما قالوه فِيه.

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله: ما أَشخَصكَ يا عليُّ عن مَركزك؟

قال عليه السَّلام: بَلَغني عن النَّاسِ كذَا وكذا.

فقال له: أَما تَرضى أَن تكون مِنِّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلّا أنَّهُ لا نَبيَّ بَعدي.

فانصرفَ عليّ عليه السَّلام إلى موضعهِ. فدبّروا عليه أَن يَقتلوه، وتقدموا في أن يَحفِروا لهُ في طريقهِ حَفِيرة طويلة قدر خَمسين ذراعاً، ثُمَّ غَطّوها بخصٍّ رقيق(3) وَنثروا فَوقها يَسيراً مِن التُّرابِ بقدرِ ما غَطوا به وجوه الحصر، وكان على طريقِ عليّ عليه السَّلام الَّذي لابدَ له من سلوكهِ ليقعَ هو ودابته في الحفيرةِ الَّتي عَمَقوها، وكان مِن حوالي المحفور أَرض ذات حِجارة، ودبروا على أنَّه إِذا وَقع مع دابَته في ذلك المكان كَبَسوه بالأَحجار حتّى يَقتلوه.

ص: 210


1- في الاصل: انَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله لمّا عَزِم على غزاةِ تبَوك، وخَلَّف أمير المؤمنين عليّ عليه السَّلام على أَهلِ المدينة )، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- في المصدر: (الطّعن فيه)
3- في المصدر: (بحصرٍ رِقاق)

فلمّا بَلغ عليّ عليه السّلام قُربَ المَكان لَوى فَرسه عُنقه وأَطاله الله فَبَلغت جَحفَلته(1) أُذُنه وقال: يا أَمير المؤمنين قد حُفِرَ لك ههُنا حَفِيرة وَدبر عليك الحتنف - وأَنت أَعلم - لا تَمر فيه.

فقال له عليّ عليه السّلام: جزاكَ الله مِن ناصحٍ خيرا، كما تُدبر بتَدبيري، فإِنَّ الله عزَّ وجل لا يُخليكَ مِن صُنعهِ الجَميل، وَسارَ حتّى شارَفَ المكان فتَوقفَ الفَرس خَوفاً مِن المرورِ على المكانِ.

فقالَ عليٌّ عليه السَّلام: سِر بإِذنِ الله تَعالی سالِماً سَوياً، عَجيبا شأَنُك، بَديعاً أَمُرك، فَتَبادرت الدّابة فإِذا رَبَّك عزَّ وجل قد متَّن الأَرض وصلَّبها ولامَ حُفرها وَجعلَها كسائِر الأَرض، فلمّا جاوَزها عليّ عليه السَّلام لَوى الفرس عُنقه وَوَضعَ جَحفلتهُ على أُذُنَه، ثُمَّ قال: ما أَكرَمَك يا مولاي على ربِّ العالمين أَجازكَ على هذا المكان الخاوي!.

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: جازاكَ الله بهذهِ السَّلامة على تِلك النَّصيحة الَّتي نَصحتني، ثُمَّ قَلب وَجه الدّابة إلى ما يَلي كَفلها والقوم مَعه، بَعضهم كان أَمامَه وَبعضهم خَلقَه، وقال: اكشِفوا عَن هذا المَكان، فكَشفوا عَنه، فإِذا هو خاوٍ لا

ص: 211


1- جَحفَلة الدّابة: ما تَنَاوَلُ به العَلَفَ، وقيل: الجَحفَلة من الخَيلِ والبغالِ بمنزلة الشِّفة من الإِنسان، والمِشفَر للبعير (لسان العرب - ابن منظور 11: 102، مادة - حجفل)

يَسير عليه أَحد إِلّا وَقع في الحفرة، فأَظهرَ القوم الفَزع والتَّعجُّب مما رَاوا.

فقال عليّ عليه السَّلام [للقوم]: أَتَدرون َمَن عَمل هذا؟.

قالوا: لا نَدري.

قال عليه السَّلام: لكِن فَرسي هذا يَدري [ثُمَّ قال: يا] ايها الفرس کَيف هذا؟ ومَن دَبر هذا؟.

قال الفرس: يا أَمير المؤمنين إِذا كان الله عزَّ وجل يُبرم ما يَروم جُهال القوم نَقضه، أَو كان يَنقض ما يَروم جُهال القوم إِبرامه، فالله هو الغالب، والخلق هم المغلوبون.

فَعل هذا يا أَمير المؤمنين: فُلان، وفُلان، وفُلان إلى أن ذَكر عشرة بمواطاةٍ من اربعة وعشرين الَّذِين، [هم مع](1) رسول الله صلَّى الله عليه وآله [،ثُمَّ دَبروا - هم - على أن يَقتلوا رَسول الله صلَّى الله عليه وآله] في طريقهِ على العقبةِ والله عزَّ وجل مِن وراءِ حِياطة رسول الله صلَّى الله عليه وآله ووليّ الله لا يَغلِبه الكافرون».(2)

ص: 212


1- في الاصل: (هموا بقتل) وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
2- تفسير الامام العسكري عليه السلام: 380، حديث المنزلة (وفيه تمام الحديث) / وعنه في الاحتجاج للطبرسي 1: 59 (وفيه تمام الحديث)، وبحار الأنوار للمجلسي 21: 225، باب 29/ وروی نحوه وباختصار، البخاري في صحيحه 5: 129، باب غزوة تبوك، واحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2: 567، ح 956

وساق حديث العقبة بما فيه من الامور المستغربة الَّتي هي للرسول صلَّى الله عليه وآله مدحة ومنقبة، وللمنافقين ضلالة ومثلبة، وكان فيها سلامته سلام الله عليه من شرورهم وردَّ كيدهم في نحورهم حيث انخرطوا في باطلهم، وسقطوا من رواحلهم، فانكسرت سوقهم وأَضلاعهم، وعظمت أَورامهم وأَوجاعهم وخيَّب الله آمالهم، فانقلبوا خائبين ذلك بأنّهم خانوا الله ورسوله والله لا يهدي كيد الخائنين.

ولله در بعض القائلين المادحين لسيّد الموحدين حيث قال:

لا تَلُمني يا سعدُ في مقتِ قومٍ *** ما وَفَت حقَّ أحمدَ إِذ وَفاها

أَوَما قالَ عترتي أَهل بَيتي *** احفظوني في بِرِّ وولاها

نازعوه حَيّاً وَخانوه مَيتا *** يا لتلكَ الخطوبِ ما اشقاها

أُمَّةٌ لم تؤُم أَمرَ سَفيرِ الله *** ضلَّت وضلَّ مَن يَهواها

كَيف أَقصت أَخا نزارٍ وآوت *** من أَعادي محمَّد أَعداها

تعست جَبهةُ الجَبانِ تَنافي *** كلّ خيرٍ، لا خيرَ فيمن رَجاها

أَحديثُ القيانِ يَكرههُ الرّجس *** وللمُصطفى يلذُّ غِناها

ليتَه حينَ قالَ لَولا عَليّ *** وبَدت آية الهدى فاقتفاها

لكنِ الجهلُ لم يدَعه بصيرا *** أَيُّ عينٍ رأت عقيبَ عماها

ص: 213

إي وحقِ الإِسلام لَولا عليٌّ *** ما قضاها فتیً ولا أفتاها

قد أطلّت على العوالمِ منه *** حكمةُ الله لم يَسعها فضاها

تَتجلى به منیرات فضلٍ *** کالدَّراري سيّارةً في سماها

لم يَذوقوا الهُدی وَلو طَعَموه *** عرفوا للنَّبيّ قَدراً وَجاها

نَقضوا عَهدَ أحمدٍ في أخيه *** وأَذاقوا البتولَ ما أَشجاها

وهي العروةُ الَّتي لَيس ينجوا *** غير مستعصمٍ بحبلِ وَلاها

لم يرَ الله للنبّوةِ أجراً *** ان غیر حفظِ الوداير في قرباها(1)

روي عن الإِمام الصادق عليه السَّلام، عن أبيه، عن جدّهِ زین العابدین علیه السَّلام، انه قال: «كان أَمير المؤمنين عليّ بن أَبي طالب عليه السَّلام قاعداً ذاتَ يوم، فأَقبل إِليه رجل مِن اليونانيين المُدعين للطب والفلسَفة»، فَقال له: يا أَبا الحسَن بَلغني خَبر صاحِبك محمَّد وان به جنوباً(2)، وَجِئتُ لأُعالجه! فَخلفته قد مَضى لِسَبيله وَفاتَني ما أَرَدت مِن ذلك، و [قد] قِيل لي إِنك ابن عمِّه [وَصِهره]، وأَرى إِصفراراً قد عَلاك(3)، وَساقين دَقيقين ما أَراهُما ثُقلانك، فأَما الإِصفرار فَعندي دَواؤه، وأَما السَّاقان الدَّقيقان فلا حِيلة لي لِتغليظها، والوَجه أن ترفق

ص: 214


1- الأبيات للشيخ كاظم الازري / الازرية - الشيخ كاظم الازري: 141، أصل الازرية (مرت ترجمته سابقا)
2- في المصدر: (جِنوناً)
3- في المصدر: (وأرى بك صفاراً)

بنفسِك في المشيِ، فَتُقلله ولا تُكثِره، وفيما تَحمله على ظهرِك أو تَحتضنه بصدرِك أن تُقللهما ولا تُكثرهما، فإِنَّ ساقيك ضعيفان(1) ولا يأَمن عند حَملك الثَّقيل إِنقصافهما، وأَما الإِصفرار(2) فهذا دَواؤه وأَخرجَ شيئاً وقال: هذا لا يُؤذيك ولا يحبسك(3) ولكنه [يلزمك] حمية مِن اللَّحمِ أَربعينَ صَباحاً، ثُمَّ يُزيل إِصفرارك.

فقال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «قد ذَكرت نَفع هذا الدَّواء في إِصفراري فَهل تَعرف شَيئاً يُزيد فيه ويُضِره»؟.

قال: نَعم حبَّة مِن هذا وأشار [بيده] إلى داءٍ معه، وقال: إن تَناولهُ إنسان وبه إِصفرار ماتَ مِن يومِه(4)، [وإن كان لا صَفار به صارَ به صفار حتّى يَموت في يومه].

قال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «فأَرِني هذا الضّار»، فأَعطاهُ إِياه، فقال له: «کم قَدر هذا»؟

ص: 215


1- في المصدر: (فإن ساقيك دقيقان)
2- في المصدر: (الصّفار)
3- في المصدر: (يخيسك) أي: لا ينقصك كناية عن عدم النفع
4- في المصدر: (ساعته)

قال: مِثقال سَم ناقِع وَحبَّة مِنه تَقتلُ رجلاً(1)، فَتناولهُ أَمير المؤمنين عليه السَّلام فَقَمحهُ وعَرق عَرقاً خَفيفاً، وَجَعلَ الرَّجل يَرتعد ويقول في نَفسِه: الآن أُؤخذ بابن أَبي طالب ويُقال لي قَتلته ولا يُقبل منِّي قَولي بأَنهُ الجاني على نفسِه، فَتَبسم أَمير المؤمنين عليه السَّلام وقال: «يا عبدَ الله إِنّي أَصح ما كنت بدنا الآن، ولم يَضُرني ما زَعمت انه سم»، ثُمَّ قال: «غمّض عينيك»، فَغمّضهُما، ثُمّ قال: «افتح عَينك»، فَفتحتُها ونظر إلى وجهِ أَمير المؤمنين عليه السَّلام، فإِذا هو صار أَبيضاً احمراً مشوباً بحمرة(2) فارتعد الرّجل لما رآه وتبسم أَمير المؤمنين عليه السَّلام وقال له: «أَين الإِصفرار(3) الَّذي زَعمت أَنَّه بي»؟

فقال [الرّجل]: والله لكأَنّك لست مَن رأيت قَبل، كنت مُصفراً وأَنت الآن مُورد.

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «فَزال عنّي الإِصفرار(4) بسمِّك الَّذي زَعمت أَنَّهُ قاتلي، وأَمّا ساقاي هاتان - ومدَّ رجلَيه وكَشف عن ساقِيه - فإِنَّك زَعَمت أَنّي

ص: 216


1- في المصدر: (قدر مثقالین سم ناقع، قدر كل حبّة منه يقتل رجلا)
2- في المصدر: (مشرّب حمرة)
3- في المصدر: (الصّفار)
4- في المصدر: (الصّفار)

أَحتاج إلى أَن أَرفق بهما(1) في حملِ ما أَحمل عليهما، لئلا تَتقَصف السَّاقان، فإِنّي أَريك في طبِ الله عزَّ وجل وحِكمته خِلاف طبّك(2)، وضَربَ برجلهِ إلى إِسطوانةٍ خَشب عَظيمة على رأسِها سَطح مجلسه الَّذي هو فيه وفوقه حجرتان أَحدهما فَوق الأُخرى فحرَّكهما واحتملهما فارتفع السّطح والحيطان [وَفوقهما الغُرفتان]»

قال: فغُشِي على اليوناني فَقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «صبّوا عليه الماء»

فصبّوا عليه الماء فأَفاق وهو يقول: والله ما رأَيت كاليوم عَجباً.

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «هذه قوة السّاقين الدّقيقين واحتِمالهما أَفي طبّك هذا يا يوناني»؟

فقال له اليوناني: أَكان محمَّد یا مولاي مثلك؟

فقال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «وهل علمي إِلّا مِن علمِه و (هَل)(3) عَقلي إِلّا مّن عقله و(هل)(4) قوتي إِلّا مِن قوته»؟

ولقد أَتاه ثَقفيٌّ وكان أطبَّ العرب فقال له: إِن كان بك جنون داويتُك؟

ص: 217


1- في المصدر: (ببدني)
2- في المصدر: (ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، وإنا اريك أن طب الله تعالى على خلافِ طبّك)
3- بين القوسين لم يرد في المصدر
4- بين القوسين لم يرد في المصدر

فقال له سيِّدنا محمَّد صلَّى الله عليه وآله: «أَتحُب أَن أُريك آية تَعلم بها غناي عن طبّك، وحاجتك إلى طبِّي»؟

فقال: نعم.

قال صلَّى الله عليه و آله: «أَيّ آية تُريد»؟

فقال: تَدعو ذلك العِذق وأَشار إلى نخلةٍ سحوق فدعاها، فانقلع أَصلُها من الأَرض (فأَقبلت)(1) [وهي] تَخدّ الأَرض خدّاً حتّى وقفت بين يديه.

فقال له: «أَكفاكَ هذا»؟

قال: لا

قال: «فَترُید ماذا»؟

قال: تأمرها أَن تَرجع مِن حيث جاءت [منه] وتَستقرّ في مُستقرِّها(2) [الَّذي انقلعت منه، فأمرها صلَّى الله عليه و آله فرجعت واستَقرت في مقرِها](3).

فقال اليوناني لأَمير المؤمنين عليه السَّلام: هذا الَّذي تَذكُره عن محمَّد صلَّى الله

ص: 218


1- بين القوسين لم يرد في المصدر
2- في المصدر: (مقرها)
3- في الأصل: (ففعل صلى الله عليه واله)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

عليه وآله) غائب عنِّي وأَنا [أُريد أن] اقتصر منك على أَقلِ من ذلك، أَتباعد عنك فادعُني إِليك وأَنا لا أَختار الإِجابة فإِن جئت بي إِليك فهي آية.

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «هذا إِنّما يكون آية لك وحدك، لأَنّك تَعلم مّن نفسِك أَنّك لم تُرده، وأَنّي أَزلت اختيارك من غير أَن باشرت [مني](1) شيئا، أَو ممن أَمرته بأَن يباشرك، أَو ممن قصد إِلىَّ اختيارك وإِن لم آمره إِلَّا ما يكون مِن قدرةِ الله تعالى القاهرة، وأَنت يا يوناني يُمكنك أَن تدّعي، ويمكن لغيرك أَن يقول: [انّي] واطأتك على ذلك، فاقترح إِن كنت مُقترحاً ما هو آية لجميع العالمين».

فقال له اليوناني: إِن جَعلتَ الاقتراح إليَّ، فأَنا اقترح أَن تفصل أَجزاء تلك النَّخلة، ثُمَّ تُفرقها وتباعد بينها، ثُمَّ تجمعها وتعيدها كما كانت.

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «هذه آية وأَنت رَسولي إلى النخلةِ فقل لها: إِنَّ وصیَّ محمَّد [رسول الله] صلَّى الله عليه وآله يأَمر أَجزاءك أَن تتفرق وتتباعد».

فذهَب اليوناني فَقال لها ذلك فَتَفصّلت(2) وَتهافتت وتَنثرت وتَصاغَرت أَجزائها [حتَّى لم ير لها عَين ولا أَثر]، حتَّى كأَن لم تكن هناك نخلة قَط، فارتعدت فَرائص اليوناني وقال: يا وصيّ محمَّد قد أَعطيتني اقتراحي الأَوّل، فأعطني الآخر،

ص: 219


1- في الأصل: (منك)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- في المصدر: (فتفاصلت)

[فأمرها أن تجتمع وتعود کما کانت].

فقال له: «أَنتَ رسولي اليها فقل [لها]: يا أَجزاء النخلة إِنَّ وصیَّ محمَّد رسول الله صلَّى الله عليه وآله يأمُرك أَن تجتمعي وتعودي کما کُنتِ».

فنادى اليوناني [فقال] ذلك، فارتفعت في الهواءِ كهيئة الهباء المنثور، ثُمَّ جَعلت تجتمع أَجزاؤها(1) حتَّى تصورت القُضبان ثُمَّ الأَوراق وأصول السَّعف و شماریخ الأَعذاق، ثُمَّ تألفت وتجمَّعت [وترکَّبت] واستطالت وأعرضت واستقر أَصلُها في مستقرِّها وتمكن عليها ساقُها [، وتركَّب على السّاقِ قضبانها، وعلى القضبانِ أوراقها،] وفي أَماكنها أَعذاقها، و [قد] كانت في الابتداء شماريخها مجرّدة لبعدها مِن أوانِ الرّطب والبسر والخِلال.

[فقال اليوناني: وأُخرى أُحبّ أَن تُخرج شماریخها أَخلالها، وتقلبها مِن خضرةٍ إلى صفرةٍ وحمرةٍ وترطيب وبلوغ ليؤكل وتطعمني ومَن حَضرك منها.

فقال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «أَنت رسولي إِليها بذلك فَمُرها به».

فقال لها اليوناني: يأمُرك وصيّ محمَّد بكذا وكذا(2)، فأَخلّت وأبسَرت

ص: 220


1- في المصدر: (ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها)
2- في المصدر: (ما أمره أمير المؤمنين عليه السَّلام)

[واصفرّت واحمرّت،] وأرطبت(1) وثقلت أَعذاقها برطبها.

فقال اليوناني: وأُخرى أُحبّ [ها] منك يا مولاي [أَن تُقرب من بين يديي أعذاقها أو تطول بيدي الأخرى لتنالها](2)، [وأحب شيء إلي: أن تنزل إليّ إِحداهما، وتطول يدي إلى الأُخرى الَّتي هي أُختها].

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «مدَّ اليد الَّتي تُريد أَن تنال أَعذاقها(3) وقل: يا مُقَرِبَ البعيد قَرِب يَدي مِنها، واقبض الأُخرى الَّتي تُريد أَن يَنزل العِذق إِليها وقل: يا مُسَهِل العَسِیر سَهِل لي تَناول ما بَعُدَ عَنِّي مِنها».

فقال اليوناني ذلك(4)، فطالت يمناه وَوصلت إلى العذقِ وانحطت الأَعذاق [الأُخر] فسقطت إلى الأَرضِ، وقد طالت إِحدى يَديه على أُختِها(5).

ثُمَّ قال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «یا یوناني [إِنَّك] إن أَكلت منها ولم تُؤمن بمن أَظهر لك مِن عجائبها عجلَّ الله عزَّ وجل اليك العقوبة الَّتي يبتليك بها ما

ص: 221


1- في المصدر: (وترطبت)
2- في الاصل: (ان تقرب اعذاقها من احدى يدي، وتطول الأخرى لأنال أعذاقها)، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر
3- في المصدر: (تريد ان تنالها)
4- في المصدر: (ففعل ذلك وقاله)
5- في المصدر: (وقد طالت عراجينها)

يعتبر به عُقلاء خلقه وجُهالها».

فقال اليوناني: إِنّي إِن فرت بعد ما رأَيت فقد بالغت في العنادِ، وتناهيت في التعرضِ للهلاك، وأَنا أَشهد أَنّك مِن خاصّة الله (وولیّه وخليفة نبيّه في أُمّته ووصيه)(1) وأَنك الصّادق في جميعِ أَقاويلك عن الله، فأمرني بما تشاء أُطِعك.(2)

ولله در بعض المادحين المحبين لأمير المؤمنين عليه السّلام يقول:

فافزع إلى مدحِ الوصيِّ *** فيهِ تطهيرُ النَّجس

ربُّ السَّلاهب والقواضبِ *** والمناقبِ والخمس

والبيضِ والبيضِ القواطعِ *** والغطارفةِ الحمس

والجامحاتِ الشَّامساتِ *** وفَوقَها الصَّيدُ الشَّمس

مِن كلِ موارِ العنانِ *** مطهَّمٍ صَعبٍ سلس

يرمي بها بحرَ الوغى *** أَسدُ الملاحمِ والوطس(3)

ص: 222


1- بين القوسين لم يرد في المصدر
2- تفسير الامام العسكري عليه السلام: 170، حديث الطبيب اليوناني، ح 84 / الاحتجاج، الطبرسي 1: 342، باب احتجاجات امير المؤمنين عليه السلام / وعنهما في بحار الانوار للمجلسي 10: 70، باب 8، ح 1، ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 1: 352، ح 228
3- الوَطس: الضَّرب الشَّديد (الصحاح - الجوهري 3: 989، مادة - وطس)

الزَّاهدُ الورعُ التَّقيُّ *** العالمُ الحبرُ النَّدس(1)

صلَّى عليه الله *** ما غارَ الحَجيجُ وما جَلَس(2)

من صفاته ومناقبه سلام الله عليه:

ومن نعوته عليه السَّلام: أَنَّهُ مَع الحَقّ والحقُّ معه، وأَنَّهُ مع القرآن والقرآن معه. ففي مناقب الخوارزمي: عن أَبي ليلى، عَن رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله: «سيَكون [مِن] بَعدي فتنة، فإِذا كان ذلك، فالزموا عليّ بن أَبي طالب فإِنه الفاروق بين الحق والباطل».(3)

وعنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَن فارقَ عليّاً فارقني، ومَن فارقَني [فقد] فارق الله عزَّ وجل»(4).

وعن عائشة بنت أَبي بكر إِنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله قال: «الحقُّ مع ذا -

ص: 223


1- النَّدسُ: الصوت الخفي. ورجل نَدُسٌ ونَدسٌ ونَدِسٌ أَي فَهِمٌ سريع السَّمع فَطِن. (لسان العرب - ابن منظور 6: 229 مادة - ندس)
2- الأبيات لأبن أبي الحديد المعتزلي / الروضة المختارة - ابن ابی الحدید: 117، ضمن القصيدة الرابعة في وقعة الجمل، وقد ترك تسعة أبيات في وسط القصيدة، وانتقل إلى البيتين الأخيرين
3- المناقب - الخوارزمي: 105، الفصل الثامن، ح 108 / عنه في كشف الغمة - الاربلي 1: 141، باب في فضل مناقبه عليه السلام
4- المناقب - الخوارزمي: 105، الفصل الثامن، ح 109 / عنه في كشف الغمة - الاربلي 1: 141، باب في فضل مناقبه عليه السلام

وأشار إلى عليٍّ - يزول معه حيث ما زال»(1).

وعن أُم سلمة زوجة رسول الله صلَّى الله عليه وآله قالت: سَمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله يقول: «إِنَّ عليّاً مَع الحقِّ والحقُّ معه لن يزولا حتّى يردا عَلَىَّ الحَوض».(2)

وعن أُم سلمة أَيضاً قالت: كان عليٌّ على الحقِّ مَن اتبعه إِتبعَ الحق، ومَن ترکه تَرك الحَق عهداً معهودا قبل يَومه هذا.(3)

وعن عائشة أيضاً إِنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله قال: «الحقُّ مع عليٍّ وعليّ مَع الحقّ لن يفترقا حتّى يردا عَلَيَّ الحوض».(4)

ص: 224


1- کشف الغمة - الأربلي 1: 141، في فضل مناقبه عليه السلام، اوردة عن ابن مردویه / مسند ابي يعلى - ابو يعلى الموصلي 2: 318، مسند أبي سعيد الخدري، ح 78/ مناقب - ابن المغازلي: 199، ح 260
2- کشف الغمة - الأربلي 1: 141، باب في مناقبه عليه السلام، أورده عن مناقب ابن مردویه / وفي کتاب شرف المصطفى - النيسابوري الخركوشي 6: 83، ح 2590، عن سعد بن أبي وقاص، (في حديث طويل) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم يقول لعلي أنت مع الحق والحق معك حيث ما دار / وكذلك عن سعد بن أبي وقاص، في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 20: 361
3- کشف الغمة - الأربلي 1: 141، في فضل مناقبه عليه السلام، أورده عن ابن مردویه/ المعجم الكبير - الطبراني 23: 330 / وعنه، مجمع الزوائد - الهيثمي 9: 135، باب الحق مع علي
4- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب 2: 260/ کشف الغمة - الأربلي 1: 144، في فضل مناقبه عليه السلام، أوردة عن ابن مردویه / کشف اليقين - الحلي: 234، الباب الثاني، المبحث السابع / ينابيع المودة - القندوزي 1: 173، باب 7/ 269، باب 20

فانظر هداك الله إلى سلوكِ طريقه، وأَيَّدك الرَّحمن بمعرفةِ توضح لك باطل كل أَمر من حقّه، إِنَّ معاويةَ العتلُ الزَّنيم والشَّيطان الرَّجيم، قد خرج على طاعةِ سُلطان الورى الإِمام الكريم والنبأ العظيم، واستمراره على بغية وإِظهار کفره وحنقه في سبيل غيِّه، ومكابرته الحق اللائح، وتنكّبه الجدد الواضح، وعدوله عن سُنن الحقِّ، وغصبه حقّ أَبي الحسن.

فكيف في وضوح کفره وضلالته تستر الشَّمس بالنقاب، أَو يقاس الشّراب بالسّراب، وقد أَبانت الأَخبار الصِّحاح الصّراح عن عدة أُمور كشفت عن ضلاله وبهتانه، وتنبئ أنه ثَنا عن نور الهدى فضل عنانه، وركب هواه جامحا في باطله تابعا لشيطانه، وملك حبَّ الدُّنيا قلبه، فقاده في اشطانه، وصدفه عن إِيمانه بالآخرة فما تخطر على قلّبه ولا تجري على لسانه(1).

ص: 225


1- انظر: تفسير الرازي 7: 2336، في تفسير قوله «...وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ...» روی عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أريت بني أُمية على منابرِ الأرض وسَيَتَملَّكونَكم فتّجدونهم أَربابَ سُوء» واهتم رسول الله صلى الله عليه [و آله] و سلم لذلك: فأنزل الله «...وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ..» (الأسراء: آية (60)، وفي المصنف لابن أبي شيبة 8: 341، ح 145، قال: حدثنا هوذة بن خليفة، عن أبي خلدة، عن عوف، عن أبي العالية، عن أبي ذر، قال: سمعت رسول الله يقول: «أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية»، وفي تاريخ الطبري 8: 185، وتفسير الثعلبي 6: 111، في تفسير سورة الاسراء: آية (60) وشواهد التنزيل للحسكاني 2: 457 ضمن ح 1124، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 366

ومعاوية الغوي العتل الزنيم كان يعرف فضائل وليّ الله وخليفة رسوله، وشرفه واستحقاقه هذا الأَمر ومكانه، وقرابته من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله فغلب حبَّ الدُّنيا معرفته، وترك حظه من الآخرةِ، وفعل ما فعل من حَربه لعليّ عليه السَّلام بالحرب العوان، وأقنى من جموعِ المسلمين الوفاء، وأخلى مِن ذويِ الشَّهادتين جموعا وصفوفا.

ثُمَّ هو بعد بلوغه لمراده من استيثاره بالملك والسلطان، وانتقال إِمام الحقّ ومشيّد الإِسلام إلى خير محل وأَشرف مقام، دام مستمراً على غوايته لا يراقب لله تعالى ولا رسوله ولا مخافة له من جلِّ الصَّحابة، ناطقاً بحجته مظهراً لمكائده الفاسدة، مُدعياً في استحقاقه للملك والخلافة كونه ابن عمّ عثمان، الَّذي خلافته جرت على الظُّلمِ والعدوان في أمر الشُّرى، وقد دلّهم عليها الشَّيطان في صدورها عن أَتباعِ الاجتهاد والأَهواء.

وهل هذا إلاّ جهل محض أو تعامي عن الحق؟ ولقد ثبت عنه القول في حقِّ عليٍّ عليه السَّلام ما هو أشهر من فلقِ الصَّباح، ثُمَّ حلف في ذلك الدِّعي الزَّنيم: أنَّي لو سَمعت هذا من رسولِ الله لكنت خادماً لعلي بن أبي طالب حتّى أموت، وبداية العقول تقتضي كذبه وفجوره، فإنَّهُ عرف من فضلِ سيّد الأنام صلوات الله وسلامه عليه ما هو أعلى من هذا المقام ونبهه عليه السَّلام فيما كاتبه به، وعرَّفه ما

ص: 226

يلزمه فما ارعوى(1).

ثُمَّ على تقدير صدقه وتصديقه بأَنَّ الحقَّ مع عليّ بما شهد به عنده سعد وأم سلمة(2)، فَعَلِيٌّعليه السَّلام قد سلَّم أمر الخلافة والإمامة إلى ابنه الحسن الزَّكي عليه السَّلام وانَّه مع الحق والحق معه، فهلّا سلَّم الأَمر إليه معاوية ولم يحاربه وینازعه عملا بما قد استيقنه؟ وهيهات أن يميل ذلك العتل الزنيم إلى حقٍ أو يرغب في اتباع الهدى، وقد قاده خُبث عنصره إلى طريقِ الردي، وطبع الله على قلبهِ، وجعل على بصرهِ غشاوة حيث كان قلبه ممتلئ بالكفرِ والظلمة والنفاق

ص: 227


1- فما ارعوى: أي لا ينكف ولا ينزجر (لسان العرب - ابن منظور 14: 328، مادة رعي)
2- انظر: مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي 1: 421، حوار سعد وابن عباس ومعاوية حول استحقاق الخلافة، ضمن ح 330 (.....، عن المنهال بن عمرو، قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فمر بالمدينة، فدخل المسجد فجلس بين عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، ثُمَّ التفت إلى ابن عباس فقال له: أنا والله كنت أحق بهذا الامر من ابن عمّك! قال: فقال له ابن عباس: وكيف ذلك؟ قال: لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما. قال: فقال له ابن عباس: إن كان الامر كما تقول فإن هذا أولى بالأمر منك - يعني ابن عمر -. قال: فقال له معاوية: وكيف ذلك؟ قال: فقال ابن عباس: لأن أبا هذا قتل قبل ابن عمك، فقال له معاوية: إنّ أبا هذا قتله المشركون وابن عمّي قتله المسلمون؟ قال: فقال له ابن عباس: فهذا أوكد فانصاع عنه..... وفي المصدر تمام الحديث) وانظر: المستدرك للحاكم النيسابوري 3: 467، مكالمة معاوية مع ابن عباس في الخلافة (باختلاف)، وكشف الغمة للأربلي 1: 141، في انه عليه السلام مع الحق والحق معه (باختلاف)، والغدير للأميني 10: 326، تصریح بمرمى معاوية (باختلاف)

والبغض لأَمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، الَّذي حبّه حبّ الله ورسوله وبغضه بغض الله ورسوله.(1)

ولله در من قال:

يا حبذا ما قاله المختارُ *** إِنَّ الوصيَّ حيدرُ الكرّارُ

مدار قطبِ الحقِ في العبادِ *** وهو يدورُ حيثُما يُدارُ

ذاك مع الحقِّ وهذا معهُ *** لغيرهِ مُستودعٌ معارٌ(2)

وفي كتاب الأَربعين للحافظ: عن عطا بن میمون بن انس بن مالك، قال: قال رسول الله: «أَنا وعليٌّ حُجَّةُ الله عَلى عِبادهِ»(3).

وهذا الحديث دليل على أن مكانة أمير المؤمنين عليه السَّلام مِن قلبِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله مكانتاً لا يدانيها أحد من النَّاسِ، وإن قرب في النَّسبِ فمحله مِن رسول الله صلَّى الله عليه وآله عالي البناء محكم الأساس، وإِنَّ شرفه قد بلغ الغاية الَّتي تحير صفتها الألباب، ويعجز إدراك كنهها الأصحاب.

ص: 228


1- انظر: کشف الغمة للأربلي 1: 142، باب في انه مع الحق والحق معه
2- الأبيات الشعرية لم أَجدها في المصادر المتوفرة عندي
3- کشف الغمة - الأربلي 1: 161، في بيان انه افضل الاصحاب، ونقله عن كتاب الأربعين للحافظ أبي بكر محمد بن أبي نصر بن أبي بكر الفتواني / تاریخ مدينة دمشق - ابن عساكر 42: 309 / میزان الاعتدال - الذهبي 3: 76، ح 5649/ ينابيع المودة - الفندوزي 1: 173

فالواجب على العقلاءِ أن يلقوا إليها بالمقاليد إِذعانا لصرم(1) إدراك شأوها(2) للقريب والبعيد؛ فإِنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله قد جعل حاله مثل حاله، وأنزله منزلته في هديه واستجماع صفاته وحميد خصاله وشريف أَعماله وصدق أَقواله، ومَن كان حجة الله على العباد فمن ينسج على منواله أو يحذو على مثاله، أَم كيف يمنع عن تصرفاته في عباد الله واسترعائهم في أَمره ونهيه ومواعظ أَقواله وهو الحجة على النَّاس وهم عيالهُ صلّى الله عليه وآله.

وهذا الحديث يدل على أَنَّ كلَّما كان للنَّبيّ صلَّى الله عليه وآله فهو لعليٍّ عليه السَّلام مثله، لاشتراكهما في أَنهما حجَّة الله على عبادهِ، فأمّا النُّبوة فإِنَّها خرجت بالدليل الواضح، فلا يبقى لهذا الحديث الشَّريف قادح.

في بيان زهده عليه السَّلام:

إِعلم: أن الإِمام الهُمام لقوة إِيمانه بالله، وعظم صيانته لدين الله، وحفظه لشرع النَّبيّ الصَّادق الأَمين، وحسن رعايته لصالح المؤمنين حتّى أنه بلغ به الحال إلى ما دلَّت عليه بعض الآثار الثَّابتة أنه عليه السَّلام: أُتي بزِقاق(3) - في زمنِ تمَكنه مِن أَمرِ

ص: 229


1- الصَّرمُ: القَطعُ البائنُ (لسان العرب - ابن منظور 12: 334)
2- الشَّأوُ: السَّبقُ، شَأَوتُ القَومَ شَأواً: سَبَقتُهم (لسان العرب - ابن منظور 14: 417)
3- الزِّقّ: كلُّ وعاء اتخذ لشَّراب ونحوه (لسان العرب - ابن منظور 10: 143، مادة - زق)

الخِلافة - وفيها عَسل [مِن اليمنِ]، ونزل بأَحد أَولاده الكِرام(1) ضَيف، فاشتری خبزاً وَطلب مِن قنبر أَدماً، ففتحَ زِقّاً وأَعطاه منه رطلا، فلمّا قَعد عليه السَّلام ليقسمها، قال: «يا قَنبر قد حَدث في هذا الزِقّ حَدث»؟

قال: صدقت يا أَمير المؤمنين وأَخبرهُ، فغَضب عليه السَّلام وقال: «عَلَيَّ به» فلمّا حَضرَ همَّ بضربهِ؛ فأَقسم عليه بعمِّه جعفر، وكان عليه السَّلام إِذا أقسم به عليه سَكن، فقال: «ما حَملك على أَن أَخذتَ قَبل القِسمة»؟

قال: إِنَّ لنا فيه حقاً فإِذا أعطيتناه رَددناه.

قال عليه السَّلام: «لا يَجوز أَن تَنتفع بحقِكَ قَبل انتفاع النَّاس، ولَولا إنّي رأَيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله يُقبل ثَنيَّتكَ لأَوجعتكَ ضَرباً»، ثُمَّ دَفع إلى قَنبر دِرهماً وقال: «اشتر به مِن أَجودِ العَسل الَّذي يُوجد».

قال الراوي: فكأنّي أَنظر إلى یَدِ عليٍّ على فَمِ الزِّق وقنبر يُقلب العَسل فيه، ثُمَّ شدَّهُ بيدهِ وهو يبكي ويقول: «اللّهمَّ اغفِرها لوَلدي(2) فإِنَّهُ لم يَعلم»(3).

ص: 230


1- في المصدر: (ونزل بالإمام الحسن عليه السلام)
2- في المصدر: (اللهم اغفر للحسن)
3- کشف الغمة - الأربلي 1: 155، في وصف زهده عليه السلام في الدنيا و../ ربيع الابرار - الزمخشري 3: 397، باب العدل والإنصاف و .. (باختلاف بسيط في بعض الالفاظ)/ مطالب السؤول - الشافعي: 187

فاعجب لهذه الأَفعال منه، والأَحكام والقضايا الَّتي هي غرّة في جبهاتِ الأَيام، والزّهد الَّذي فاق به جميع الأَنام، والوَرع الَّذي حمله على تركِ الحلال فضلاً عن الحرام.

ولله در من قال:

أُقسم بالله والأئه *** والمرء عمّما قال مسؤولُ

إِنَّ عَليَّ بن أَبي طالب *** على التُّقى والبر مجبولُ

وإِنَّهُ كان الإِمامُ الَّذي *** له على الأُمّةِ تفضيلُ

يقولُ بالحقِّ ويعني به *** ولا تلهِيه الأَباطيلُ

كان إِذ الحرب مرَّتها القَنا *** وأَحجمت عنه البَهاليلُ

يمشي إلى القَرنِ وفي كفِّهِ *** ابيضُ ماضي الحدِّ مصقولُ

مشي العَفرني(1) بين أَشباله *** أَبرزه للقنصِّ الغيلُ

ذاك الَّذي سلَّمَ في ليلةٍ *** عليه ميكالٌ وجبريلُ

میکالُ في ألفٍ وجبريل في *** أَلفٍ ويتلوهم سرافيلُ

فسلَّموا لمّا أَتوا نحوَّهُ *** وذاكَ إِعظامٌ وتبجيلُ

ص: 231


1- العربي: الأَسَدُ، سمي بذلك لشدَّته (لسان العرب - ابن منظور 4: 587)

ليلةُ بدرٍ مدداً أنزلوا *** كأنهم طيرٌ أَبابيلُ(1)

في بيان علمه عليه السَّلام:

روي عن سعيد بن جبير قال: استقبل أَمير المؤمنين دهقاناً من دهاقينُ الفُرس، فقال له بعد التهنية: يا أَمير المؤمنين تناحست النُجوم الطَّالعات، وتناحَست السّعود بالنحوس، فإِذا كان مثل هذا اليوم وجَب على الحكيمِ الإِختِفاء، ويومك هذا يوم صعب، قد انقلبَ فيه كوكبان(2)، وانقدحِ من برجكِ النيِّران، وليس لك الحرب بمكان.

فقال أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «ويحَكَ یا دهقان المنبئ عن الآثارِ(3)، والمُحذر من الأَقدارِ، ما قصَّة صاحِب الميزان وقصَّة صاحب السّرطان، وكم الطَّالع(4) من الأَسدِ والسَّاعات في الحركاتِ، وكم بَين السَّراري والذَّراري»؟

فقال الدهقان: سأَنظر وأَومأ بيده إلى کُمِّهِ و أَخرج اسطرلاباً لينظر فيه.

فتبسم أَمير المؤمنين عليه السَّلام وقال: «أَتدري ما حَدثَ البارحة؟ وقع بَيتٌ

ص: 232


1- الابيات للسيد الحميري / ديوان السيد الحميري: 188 (مرت ترجمته سابقا)
2- في الاحتجاج: (اتصلت فيه كوكبان)
3- في الاحتجاج: (بالاثار)
4- في الاحتجاج: (وكم المطالع)

في الصِّين، وانفرجَ بُرج ماجين، وسَقطَ بُرج سرنديب، وانهزمَ بطريق الرُّوم بأرمينية، وفُقد ربّان اليَهود بإيلة(1) وهاج النَمل بواديِ النَمل، وهَلك ملك أفريقية أَكنت عالماً بهذا»؟

فقال: لا يا مولاي(2).

فقال عليه السَّلام: «سعد البارحة سبعون أَلف عالم، وولد في كلِّ عالم سَبعون أَلفاً، واللَّيلة يَموت مِثلهم وهذا مِنهم» -وأَومی بيده الشَّريفة إلى سعد بن مسعود الحارثي لعنه الله وكان جاسوساٌ للخوارج في عَسكرِ [أَمير المؤمنين]، فظنّ الملعون أنّه يقول خُذوه، فأَخذ بنفسهِ فمات، فخرّ الدَّهقان ساجداً.

فقال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «أَلم أَروك مِن عينِ التَّوفيق»؟

قال: بلى يا مولاي(3).

فقال عليه السَّلام: «أَنا وأَصحابي لا شرقيون ولا غَربيون نحن ناشئة القطب وأَعلام الفلك، أَمَّا قولكَ: انقدح مِن برجك النيّران فكانَ الواجب عليك أَن تحكم

ص: 233


1- في الاحتجاج: (وفقد ديان اليهود بابله)
2- في الاحتجاج: (يا أمير المؤمنين)
3- في الاحتجاج: (يا أمير المؤمنين)

لي به لا عَلَيَّ، وأَمّا نوره وضياؤه فعندي، وأَمّا حريقه وهبه فزال عنّي(1) وهذه مسألة عميقة فاحسبها إِن كنت حاسبا».(2)

فانظروا يا إخواني إلى هذا الإِمام العظيم كيف سَخر الله له الكائنات، واطلعه على سرائِر الغائبات، فلا عجبَ منه فإِنَّهُ علَّة الإِيجاد، وعين الله الناظرة في العباد.

في بيان ثبوت كونه سلام الله عليه على دين الحق دين النَبيّ الصَّادق الأمين صلّى الله عليه وآله وبعض خصائصه الأخرى:

ومصداق ذلك قوله صلَّى الله عليه و آله وسلَّم: «عَلِيٌّ مَع الحَقِّ والحقُّ مَع عليّ»(3).

وقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في وصيتهِ لابن عباس: «ومِل مَعه حيثُ ما مال»(4).

ص: 234


1- في الاحتجاج: (فذهب عنّي)
2- الاحتجاج الطبرسي 1: 355، ترجمة سعيد بن جبير رضوان الله عليه / فرج المهموم - ابن طاووس 103، الباب الثالث، ح 23 (باختلاف و زيادة في بعض الالفاظ) رواه عن ابن جرير الطبري الامامي رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتاب دلائل الإمامة / مناقب آل ابي طالب - ابن شهر آشوب 1: 328، فضل المسابقة بالعلم / نهج الايمان - ابن جبر: 280/ وعن الاحتجاج والمناقب في بحار الانوار - المجلسي 40: 167، 55: 221، باب ما قال عليه السلام للدهقان، ح 2
3- المعيار والموازنة - الاسكافي: 35، 119/ تاریخ بغداد - الخطيب البغدادي 14: 322، ح 7643/ تاریخ دمشق - ابن عساکر 42: 449/ شرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد 18: 72
4- انظر: کشف اليقين للعلامة الحلي: 465، المبحث الخامس والثلاثون، وكشف الغمة للاربلي 7: 2، وبحار الانوار للمجلسي 28: 83، الباب الثاني

ارتداد الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه واله:

فاعلموا أَيها الأُخوان الأَبرار، وشيعة الائمة الهداة الأَطهار إِنَّهُ قد استفاضت الأَخبار عن أَهلِ العصمة عليهم السَّلام، وهداة الأُمَّة بارتداد الصَّحابة بعد رحلته صلَّى الله عليه وآله من بين أَظهرهم، وهو مصداق قوله تعالى:

«...أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1).

ومن المعلومِ انه ليس منشأ ذلك الارتداد إِلَّا العكوف على عجلِ السَّامري، ونقض بيعة ذلك الوصيِّ، وحينئذ فما الفرق بينهم وبين الموجودين في هذه الأزمان بعد قيام الحجّة وسطوع البرهان، وإن تعامت عنه الأَعين وصمَّت دونه الآذان، فكلّ مَن نقضَ منهم تلك البيعة الموحات بها لسيّد المرسَلين صلَّى الله عليه وآله في حقِّ أمير المؤمنين عليه السَّلام فقد خرج بذلك من حمى الإسلام، ولو كان من أهلِ هذه الأيام، فلا فرق في الحكم بالكفر على مَن خلعها في تلك الأيّام، ولا بين مَن قلَّدهم من الأنام حتّى صار كأنعام، وكلّ ما استوجبه الأوّلون من ذلك فهو جار في الأعقاب، وكلّ ما جرى من الرؤوس فهو سارٍ في الاذناب.(2)

ص: 235


1- ال عمران: آية (144)
2- انظر الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - البحراني: 202، في إرتداد بعض الصحابة

فمن الأَخبار الواردة بذلك ما رواه الكليني في الكافي: بسنده إلى عبد الرحيم القصير، قال: قُلت لأَبي جعفر عليه السَّلام: إِنَّ النَّاسَ يفزعونَ إذا قُلنا إِنَّ النَّاسَ ارتَدُّوا.

فقال: «یَا عَبْدَ اَلرَّحِیمِ إِنَّ اَلنَّاسَ عَادُوا بَعْدَ مَا قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ أَهْلَ جَاهِلِیَّةٍ، إِنَّ اَلْأَنْصَارَ اِعْتَزَلَتْ فَلَمْ تَعْتَزِلْ بِخَیْرٍ، جَعَلُوا یُبَایِعُونَ سَعْداً وَ هُمْ یَرْتَجِزُونَ اِرْتِجَازَ اَلْجَاهِلِیَّةِ، [یَا سَعْدُ أَنْتَ اَلْمُرَجَّی وَ شَعْرُكَ اَلْمُرَجَّلُ وَ فَحْلُكَ اَلْمُرَجَّمُ]».(1)

وعن الإمام الباقر عليه السَّلام في حديثٍ يذكر فيه عام حجَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله حجة الوداع قال: «وبَلغ مَن حَجَّ مَع رسول الله صلَّى الله عليه وآله مِن أَهلِ المدينة وأَهل الأَطراف والأَعراب سبعين أَلف إِنسان أَو يزيدون على نَحوِ عدد أَصحاب موسى السَّبعين أَلفاً الَّذِين أخذ عليهم بيعة هارون، فنكثوا [البيعة] واتبعوا العِجل والسَّامري، وكذلك رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أَخذ البيعة لعليٍّ بن أَبي طالب صلوات الله وسلامه عليه بالخلافةِ على عدد أَصحابِ

ص: 236


1- الكافي - الكليني 8: 296، باب ارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله، ح 455 (وفي المصدر تمام السند) / وعنه في الوافي - الفيض الكاشاني 2: 197، باب 20، ح 1، والشهاب الثاقب في بيان معنی الناصب - المحقق البحراني: 202، في بيان ارتداد بعض الصحابة

موسى فنكثوا واتبعوا العِجل [والسَّامري] سُنة بسُنة ومثلاً بمثل»(1).

وفي الكافي أَيضاً: بسنده عن الحارث بن المغيرة، قال: سَمعتُ عَبد المَلِك بن أَعيَن يسأَل أَبا عبد الله عليه السَّلام فلم يَزل يَسأله حتَّى قال: يَهلك النَّاس(2) إِذاً!.

قال عليه السَّلام: «[إِي] والله يا ابن أَعين يَهلك النَّاس(3) أَجمَعون».

فقلت: مَن في المشرقِ ومَن في المغربِ؟.

فقال: «إِنَّها فُتِحت بضلالٍ إِي والله هلکُوا(4) إِلَّا ثَلاثة»(5).

وزاد فيه: ولحقَ بالثَلاثةِ أَبو [ساسان](6) الأَنصاري(7) وعمّار [وشتيرة وأبو

ص: 237


1- الاحتجاج - الطبرسي 1: 66، احتجاج النَّبي صلَّى الله عليه وآله يوم الغدير على الخلق..... (الحديث طويل اخذ منه موضع الحاجة)/ اليقين - السيد ابن طاووس: 344، (باختلاف بسيط في سند الحديث) / وعن الاحتجاج في بحار الأنوار للمجلسي- 37: 202، ضمن ح 86، والشهاب الثاقب في بیان معنى الناصب للمحقق البحراني: 202، في بيان ارتدا بعض الصحابة
2- في المصدر: (فهلك الناس)
3- في المصدر: (فهلك الناس)
4- في المصدر: (لهلكوا)
5- الكافي - الكليني 8: 253، ح 356، وعنه في الوافي للفيض الكاشاني 2: 198، ح 20، والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 203، في بيان ارتدا بعض الصحابة
6- في الأَصل: (سفيان)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر
7- أبو ساسان الأنصاري: اسمه الحصين بن المنذر. قال الشيخ في كتاب الرجال: 39، في أسماء من روی عن أمير المؤمنين عليه السَّلام: حصين بن المنذر یکنی أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايته عليه السَّلام، وفي طائفة من النسخ (أبو سنان) مكانه وهو الأنصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال: 63، وهو من الأصفياء من أصحابه عليه السَّلام

عمره](1)

وكانوا سَبعة(2) فلم يَعرف حقَّ أَمير المؤمنين إِلا هؤلاء السَّبعة.

وروي فيه أَيضاً بسنده إلى أَبي جعفر عليه السَّلام إِنَّه قال: «كان النَّاسُ أَهل ردَّة بعد النَّبيّ إِلاّ ثَلاثة». فقلت: مَن هم(3)؟

فقال: «المقداد بن الأَسود، وأَبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، ثُمَّ عرف النَّاس بيسير وقال: هؤلاء الَّذِين دارت عليهم الرَّحى وأَبوا أَن يبايعوا لأبي بكر حتّى

ص: 238


1- في الاصل: (وعمّار وابو عروة وشقير)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر. أبو عمرة الأنصاري: اسمه ثعلبة بن عمرو، قال الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله من الصحابة: 12، وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام. شتيرة وفي بعض النسخ شتير: وعده الشيخ في الرجال: 45 من أصحاب امير المؤمنين عليه السلام، قتل في صفين
2- الزيادة لم ترد في الكافي بل في رجال الكشي (أختيار معرفة الرجال) - الشيخ الطوسي 1: 34، ح 14/ الاختصاص - الشيخ المفيد: 6، ذكر السابقين المقربين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السَّلام...، وعن رجال الكشي في بحار الانوار للمجلسي 22: 352، ح 78، والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 203
3- في رجال الكشي: (من الثلاثة)

جاؤوا بأَمير المؤمنين مكرها فبايع، وذلك قوله تعالى:

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1).

وروي عنه عليه السَّلام في بعضِ خُطَبه مشيراً إلى اللصوص الثلاثة قال: «فَوَ الَّذِي فَلَقَ الحُبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسلَمُوا ولَكِنِ استَسلُمُوا وأَصرُّوا عَلى الكُفر(2)، فَلَمَّا وَجَدُوا أَعوَاناً أَظهُرُوا ما أَظمَروا(3) (4)».

وفي الكافي أيضاً: بسندهِ إلى أَبي المقدام، قال: قلت: لأَبي جعفر عليه السَّلام: إِنَّ العامَّةَ يزعمُونَ أَنَّ بَيعةَ أَبي بكر حيثُ اجتمَع النَّاسُ كانت رِضاً لله جَلَّ ذِكرهُ وما كان الله ليَفتِن أُمَّةَ محمَّد صلَّى الله عليه وآله من بعده.

فقال أَبو جعفرٍ عليه السَّلام: «أَوما يَقرَؤون كتابَ الله أَوليَس الله يقول:

ص: 239


1- تفسير العياشي 1: 199، في تفسير سورة آل عمران، ح 148/ رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) - الشيخ الطوسي 1: 26، ح 12/ الاختصاص - الشيخ المفيد: 6، ذكر السابقين المقربين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السَّلام ... عن رجال الكشي في الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 203، في بيان ارتداد بعض الصحابة
2- في المصدر: (وأسروا الكفر)
3- في المصدر: (أعوانا عليه أظهروه)
4- نهج البلاغة (تحقیق صبحي الصالح): 374/ غرر الحکم و درر الكلم - الامدي: 67، حكمة 2125

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1)».

قال: فقلتُ له: إِنَّهُم يُفَسِّرون على وجهٍ آخر. فقال: «أَوليس قد أَخبرَ الله عَزَّ وجلَ عن الَّذِين مِن قبلِهم مِن الأُممِ أَنَّهُم [قد] اختلَفوا مِن بعدِ ما جاءتهمُ البيِّنات حيث قال:

«وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ»(2)».

وفي هذا ما يُستدلُّ به على أَنَّ أَصحابَ محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قد اختلفوا من بعده فمنهم مَن آمن ومنهم مَن كفر.(3)

و [روي فيه أيضاً بسنده عن أًبي جعفر عليه السَّلام في حديث] سُئل فيه عن حَربِ عليٍّ عليه السَّلام وحرب رسول الله صلَّى الله عليه وآله.

ص: 240


1- آل عمران: آية (144)
2- البقرة: آية (253)
3- الكافي - الكليني 8: 270، ح 398/ تفسير العياشي 1: 200، في تفسير سورة آل عمران، ح 151/ عنه في الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 204، في بيان ارتدا بعض الصحابة

فقال: «حربُ عليٍّ شرٌّ مِن حربِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله».

[فَقُلتُ لَه: جُعِلتُ فِدَاكَ أحَربُ عَلِيٍّ عليه السَّلام شَرٌّ مِن حَربِ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه و آله؟

قَالَ: «نَعَم وسَأُخبِرُكَ عَن ذَلِكَ] إِنَّ حَربَ رسول الله لم يُقرُّوا بالإِسلامِ وإِنَّ حربَ علىٍّ أَقرُّوا بالإِسلامِ ثُمَّ جَحدُوه»(1).

وعن أَبي جعفر عليه السَّلام انّه قال: «إِنَّ النَّاسَ لمَّا صنَعوا ما صَنعوا إِذ بايَعُوا أَبا بكر لم يمنع أَميرُ المؤمنينَ عليه السَّلام [مِن أَن يَدعو] إلى نفسهِ، إِلَّا نظراً للنَّاسِ وتخوَّفاً عليهم أَن يَرتدُّوا عن الإِسلامِ (ظاهراً)(2)، فيَعبدوا الأَوثانَ، ولا يشهُدوا أَن لا إِلهَ إِلَّا الله وأَنَّ محمَّداً رسولُ الله، فكان الأَحبُّ اليه أَن يقرهم على ما صنعوه عن الارتداد الباطن، اظهار ما في الجوانح والبواطن من الشِّقاق من أَن يرتدوا عن جميع حالات الاسلام(3)، وإِنَّما هَلكَ الَّذِين رَكِبُوا ما رَكِبُوا، فأَمَّا مَن لم يصنع ذلك ودَخل فيما دَخَل فِيه النَّاس من غيرِ عِلمٍ ولا عَداوةٍ لأَميرِ المؤمنينَ عليه السَّلام؛ فإِنَّ

ص: 241


1- الكافي - الكليني 8: 252، ضمن حدیث 353/ عنه في الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 205، في بيان ارتدا بعض الصحابة
2- ما بين القوسين لم يرد في المصدر
3- في المصدر: (وكانَ الأَحبَّ إِليه أَن يُقرَّهُم على مَا صَنعوا مِن أَن يرتدُّوا عَن جميعِ الإِسلام)

ذلك لا يُكفرهُ ولا يُخرجهُ من الإِسلامِ، ولذلكَ كَتمَ عليٌّ عليه السَّلام أَمره وبَايعَ مُكرَهاً حيث لم يَجد أَعواناً»(1).

أقول: فانظروا أَيّها الشّيعة الأَبرار في مطاوي كلام هذا الإِمام وسيّد الأَنام، فإنه نور ظهر على أَعلى طور من الحقِّ الواضح في بيان العذر الصالح المثمر لأَعظم الفوائد وأَجلّ المصالح لجدّه أَمير المؤمنين وسيّد الموحدين في ترك المحاربة والجدال لأهل الردَّة من الكفرة الفجرة الأَنذال الَّذِين غصبوا الخلافة واظهروا مقته وخلافه، وهذا واحد من تلك الأَعذار الَّتي عليها بيّن الإِمامية المدار من أن عليّاً عليه السَّلام لم يمنعه مِن أن يدعوهم لطاعة نفسه، وترك مجاهدتهم بالسَّيف والسّنان وحدة عند عدم وجود الأَنصار والاعوان، إِلّا خوفا من أن يرجعوا جميعهم عن الاسلام إلى الجاهلية وعبادة الأصنام الَّتي كانوا عليها فيصيرون كفاراً كلهم، فيذهب الدّين الَّذي أَتعب نفسه الشَّريفة، وابن عمِّه الرسول صلَّى الله عليه وآله في تشييد مبانیه.

ص: 242


1- الكافي - الكليني 8: 295، ح 454 / علل الشرائع - الصدوق 1: 150، الباب 122 (باختلاف بسیط)، وعن الكافي والعلل في بحار الأنوار - المجلسي - 28: 255، الباب الرابع، ح 38، 29: 440، ح 32، والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 206، في بيان ارتدا بعض الصحابة

ولهذا أن فاطمة سلام الله عليها لمّا لامته على قُعودهِ عن عدمِ بَذلِ مجهوده في مُناضلةِ القَوم، وهو عليه السَّلام سَاکِت حتّى أَذَّنَ المؤذِّن فلمّا بَلغ إلى قولهِ أَشهَدُ أَنَّ محمَّداً رسولُ الله قال لها: «أَتُحبِّينَ أَن تَزولَ هذه الدَّعوة مِن الدُّنيا»؟.

فقالت: «لا یَا بنَ العم».

قال: «فهو كما أَقول»(1).

والمستفاد من جملةٍ من الأَخبار وعليه دلَّت السَّير والآثار، أَنَّ إظهار أولئك الكفرة الفجرة القيام بشرائعِ الإِسلام انما كان طمعاً منهم في طلبِ الدولة والرياسة؛ لما علموه قبل الدخول في الإسلام، وقبل قبولهم لإظهار كلمة التوحيد وموافقتهم للرسول صلَّى الله عليه وآله في الظَّاهر لقبول الدعوات، انما هو لنيل الخلافة والإِمارة من حيث حصول العلم لهم بواسطة أَخبار اليهود، فلوا أَنَّ أَمير المؤمنين وخليفة رب العالمین صلوات الله وسلامه عليه نازعهم وقاتلهم على قبول الحق في شانه، لرجعوا إلى الجاهلية واظهروا ما أضمروا من عبادة الأَصنام؛ لفوات مقصودهم حينئذ من اظهار الاسلام.

وكذلك أتباعهم الَّذين انّما أَسلموا قهرا بسيف أَمير المؤمنين عليه السَّلام وما

ص: 243


1- انظر شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد 20: 326، حكمه 735، بحار الانوار للمجلسي - 29: 234، الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب: 216، المطلب السادس

منهم أَحد إِلا من فجعه بجده أو أبيه، أو خاله أو عمّه أو أخيه، فأَحقاد بغضه في قلوبهم کامنة، وأَغلال حسده في صدورهم ساكنة، فهم أَدعى إلى الرجوع إلى الطريقة الاولى، والعكوف على عبادةِ اللات والعزى.

أَلا تنظروا يا أخواني وأَصحابي وخلّاني إلى ما صرح به أَبو حامد الغزالي الملقب عندهم بحجة الإِسلام والمسلمين في كتابه المسمی: بسر العالمين وكشف الدارين، في المقالة الرابعة منه الَّتي وضعها في تحقيق أَمر الخلافة بعد الابحاث وذكر الاختلافات فيها ما هذه عبارته: لكن أَسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على متنِ الحديث من خطبةِ يوم الغدير [باتّفاق الجميع]، وهو يقول صلّى الله عليه وآله: «مَن كُنتُ مَولَاهُ فَعَليٌّ مَولَاه».

فقال: عُمر بخ بخ لك يا أَبا الحسن، أَصبحت مَولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة.

فهذا تَسلیم ورضاً وتحكيم، ثُمَّ بعد هذا غلبَ الهوى لحُبِّ الرّياسة، وحمل عمود الخلافة وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعةِ الرّايات، واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأَمصار والأَمر والنهي، فعادوا إلى الخلافِ الأَول فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلاً فبئس ما يشترون.

ولمّا ماتَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله قال وقتَ وفاته: «آتوني بدواةٍ وبيضاء

ص: 244

لأُزيلَ عنكم المشكل وأَذكر لَكم مَن المستحقَ لها بعدي».

فقال عمر: دَعوا الرَّجل إِنَّهُ ليَهجر، وقيل يهذي(1).

وقال العلامة التفتازاني على ما نقله عنه القاضي نور الله الشّوشتري أو التستري في كتاب مصائب النواصب ما صورته: وكيف يتصوَّر من عمر القدح في أَبي بكر مع ما علم من مُبالغتهِ في تعظيمهِ وانعقاد البيعة له، ومن صَيرورته خليفة باستخلافه له، وكان هذا العهد بينهم معهوداً قبل ذلك باتفاق جمهور قریش المعاندين لعليٍّ عليه السَّلام، وجدَّدوا هذا العهد باتفاق أَبي عبيدة ابن الجرّاح بعد تنصيص النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله بخلافة عليّ عليه السَّلام في غديرِ خم، ولهذا الغرض تخلفوا عن جيش أُسامة.

ونحن نعلم قطعاً أَنَّه لو لم يعلم عمر أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله يريد أَن يؤكّد ما صرح به من خلافةِ عليّ عليه السّلام في يوم الغدير وغيره لما مَنع النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن الكتابة، ولم يأت في مقابل النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بما أتی به من الكفر بقوله بالهجر والهذيان(2).

ص: 245


1- سر العالمين وكشف ما في الدارين - الغزالي: 4، باب في ترتيب الخلافة والمملكة، وعنه في المحجة البيضاء - الفيض الكاشاني 8: 273
2- انظر شرح المقاصد - التفتازاني 2: 293، واحقاق الحق - التستري: 238، بحار الانوار 30: 558، باب 23، والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للبحراني: 209، المطلب الخامس في ارتداد الصحابة

وإِنّما أطلنا في الكلام بنقل كلام هؤلاء الفضلاء، وإن كان خارجاً عمّا هو المقصود لنا والمرام؛ ليتضح عند إِخواننا المؤمنين حال اولئك الطغاة الملحدين، وما هم عليه من النفاق والعناد والشّقاق، وما عليه أَتباعهم واشياعهم من الضَّلال والفساد والحسد والبغضاء للسادة الأَمجاد.

ولينظر البصير منّا إلى فسادِ اعتذار اولئك الأوغاد في مخالفة شيطانهم وخليفتهم للرسول الصَّادق الأمين صلَّى الله عليه وآله في جميع ما يأمر به وينهى ويقول عن الله تعالى، وما صدر من ابن الخطاب من الجرئةِ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله في الحياة والممات، والتمويه منه، والمكر والخديعة التي تصدّ الخلق عن طاعة الرسول صلَّى الله عليه وآله وأمتثال ما يقول.

وهل كان عمر وأتباعه أبصر من سيّد البشر في معرفة المصالح والتدبيرات، حتّى أكثروا النزاع عنده وأساؤا الأدب برفع الأصوات، حين أمر بذلك الكتاب، لیزیل به عنهم الإشكالات، ويرفع الاختلافات.

هذا وقد كذبوا الله في قوله سبحانه:

«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(1).

ص: 246


1- النجم: أية (3، 4)

وكيف استغنى النَّبيّ الأمين صلَّى الله عليه وآله بتسدید رئیس المنافقين عن تسديد وحي ربّ العالمين، ما هذا إلّا الكفر الصّراح، والنفاق والافتضاح والله سبحانه نهى العباد في فرقانه عن إيذاء رسوله وحبيبه وأشرف رسله صلّى الله عليه وآله ورفع الأصوات عندّه، وتهديد من خالف هذا الوعيد ولعن من آذى نبيه وتهديده بالعذاب الشَّديد حيث يقول سبحانهِ:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا».(1)

فهل لهم أَن يقولون إِنّ الأَمر لم يبلغ حدَّ الإِيذاء له، وقد نسبوه إلى الهجرِ والهذيان والتكلم بما لا يعقل، وأساءوا الأدب في حقهِ برفع الأصوات عنده وهو في حال الممات(2)، حتّى قال لهم: «قُوموا عنّي [فما يَنبغي عندّي هذا النزاع]»(3).

فيا ذوي العقول هل تجوز هذه المعاملة والمعاشرة مع سائر العباد؟ فضلاً عن سیّد السَّادات وحبیب ربّ السَّماوات في وقت ظنك المجال، والمشرف فيه

ص: 247


1- الاحزاب: أية (57)
2- والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للبحراني: 210، المطلب الخامس في ارتداد الصحابة
3- انظر صحيح البخاري 1: 37، کتاب العلم، والاستذكار لابن عبد البر 8: 245، ضمن حديث 1647، والاحكام لأبن حزم 7: 986، باب 38، والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للمحقق البحراني: 211

الرَّسول صلَّى الله عليه وآله على التقوّض والارتحال من بين أظهرهم، أن يقابلوه بمثل هذه الخطاب؟ الدّال على خفّة الحال والهبوط من منازل الرفعة والجلال لمن مدحه الله العزيز الكريم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1) أَم لهم أن يقولون إنّه تعالى استثنى من التهديد والوعيد الَّذي جاء به الخطاب من الكتابِ عمر بن الخطاب؟ فهل يجوز مشاققة الرسول والاعتراض عليه في الأفعال والأقوال؟ کما جوّزه علماء السوء من العامة.

أليس هذا الخطاب الصادر من رئيس أهل النفاق سوء أدب؟ فلو صدر مع سائر الرجال في مثل تلك الحال، لعدّ نقضاً وسوء أدب عند ذوي الكمال؟

وليت شعري اليس هناك من يهتدي لوجوه المصالح الدينية والدنيوية غير ابن الخطاب الَّذي ضرب على قلبه دون الايمان بالله القفل والحجاب.

أَين عليّ ابن ابي طالب أخو الرسول عن أغلاط ابن عمّه الَّتي زعموها، وأين عمَّه العبّاس، وأين بنوا هاشم الَّذِين هم ذروة الشّرف وأرباب الرئاسة دون النّاس، أَلم يهتدوا لمصلحة من تلك المصالح الَّتي اهتدى اليها العتل الزنيم ابن صهاك الحبشية وغيره من الأشقياء الأراذل، ينسبون الجهل إلى نبيّهم، ويجوّزون عليه الغلط ليصحّحوا به جرأة ابن الخطّاب وما سلف منه وفرط، فليتهم اتَّخذوه نبيّاً دون ذلك النَّبيّ، بل الأمر كذلك إن كنت تفهم ما هناك وتعي وما هذا إِلّا

ص: 248


1- القلم: آية (4)

الكفر والتجاوز عن الحق إلى الباطل(1)

ولله در من قال:

هو الشَّمسُ أَم نورُ الضريحِ يلوحُ *** هو المسكُ أَم طيبُ الوصيّ يفوحُ

وبحرُ ندىً أَم روضةٌ حَوَتِ الهدى *** و آدمُ أَم سِرُّ المهينِ نُوحُ

و داودُ هذا أَم سُلیمانُ بعدَهُ *** وهارونُ أَم موسى العصا و مسیحُ

و أَحمدُ هذا المصطفى أَم وصيَّهُ *** عليٌّ سماهُ هاشمٌ وذبيحُ

حبیب حبیب الله بل سر سره *** وعين الوری بل للخلائق روح

له النصُّ في يومِ الغديرِ ومدحهُ *** من الله في الذكر المبينِ صریحُ

إِمامٌ إِذا ما المرءُ جاءَ بحبِّه *** فمیز انُهُ عندَ الحسابِ رجيحُ

له شيعةٌ مثلَ النجومِ زواهرٌ *** اذا جاولت تلقى العدوَ طریحُ

عليكَ سلامُ الله يا رايةَ الهدى *** سلامُ سليمٍ يعتدي ويروحُ(2)

ص: 249


1- انظر: الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - المحقق البحراني: 214، المطلب الخامس في ارتداد الصحابة
2- الأبيات للشيخ رجب البرسي، انظر مشارق انوار اليقين - رجب البرسي: 92/ ديوان الحافظ رجب البرسي: 59 / هو الشيخ الحافظ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب، البُرسي الحلَّي، العالم الإمامي المعروف بالحافظ. كان حافظاً، محدثاً، فقيهاً، أديباً شاعراً؛ صنّف عدّة كتب في الأحاديث والأَخبار وغيرهما؛ ويعد من أعلام القرن الثامن والتاسع الهجري، له ديوان شعر طبع مؤخراً من قبل مجمع الامام الحسين لتحقيق ترث أهل البيت (انظر أعيان الشيعة - محسن الامين 6: 465، وموسوعة طبقات الفقهاء 9: 106)

ويقول أيضاً: انه لمّا عَلِم رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ الأَمر قد قضي من جهته سبحانه وتعالى بوقوع الاختلاف بين أُمَّته، وحصول الخلاف منهم لأَمر الله تعالى وخروجهم عن طاعة الله عزَّ وجل وطاعته صلَّى الله عليه وآله، وأنّ صدور الأمر في نصب الوصيِّ والخليفة له انمّا كان من الله ابتلاءً واختباراً لفراعنة الأُمَّة، والقاء الحجَّة عليهم کما إِنَّ اللهَ أَمر نبيهُ موسى عليه السَّلام حين توجه للمناجات على الطورِ بنصب هارون أَخيه خليفة على قومه مع علمه سبحانه بانّهم يكفرون به، ويخالفون أَمره حتّى نصبوا العجل وعبدوه، وأبعدوا هارون وطردوه، «...فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى...».

«...قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي».

«قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى»(1).

هذا وموسى حجّة في دار الدنيا ينتظرون رجوعه إليهم وقدومه عليهم، وهو في ضمن ذلك يريهم الآيات والنذر، فما بالك بمن فقدوه؟ وخلّف عليهم من عادوه وجحدوه.

وقد أوعز صلَّى الله عليه وآله إلى علي بن أَبي طالب عليه السَّلام تلك الفتن الَّتي

ص: 250


1- طه: آية (91)

انطوت عليها صدور القوم، والمحن الَّتي أُمِرَ بالصبر عليها والسّكوت وكف اليد عن قتالهم لما يعلمه مما يؤول اليه عاقبة أَمرهم وحالهم، وأَخبره سيّد الأَنام صلّی الله عليه وآله برجوع الاسلام وتقوّيه بعد ذلك شيئاً فشيئاً، وبرجوع من يرجع وظهور من يظهر من تلك الودائع الَّتي في الأرحام والأصلاب.

فعلي عليه السَّلام لما علم بمصير الأمر إلى ذلك الحال، صبر على ما هو أحرّ من الجمر، وتجرّع ما هو أمرّ من الصبر، وكفّ يده عن القتال، فالعلّة المانعة الحقيقيّة من عدم محاربته لأهل الردَّة والنفاق و ترکه الحرب العوان معهم، هو علمه عليه السَّلام بما قد قضي عليهم من الاختلاف، وارتكاب جادّة الخلاف، وأنّ الحرب معهم - والحال ذلك - لا يثمر ااّآ بزوال الإسلام بكلّيته، بأن يرتدّوا کلاًّ وليس ثمّة سواهم من يمكن انتظام أمر الاسلام به الاّ تلك السبعة أو الثلاثة(1).

وما ورد في بعض الاخبار من ان العذر له في ترك المحاربة منه لأَعداء الدّين إنَّما هو عدم المساعدين؛ فإِنَّ المراد بالمساعد له عليه السَّلام هو المساعد الَّذي تحصل به قوة الإِسلام وتشييد مبانيه، ويحصل به الإِنتظام بعد ارتداد أولئك الاقوام الطَّغام(2)، لا ما توهَّم بعض مشايخ عصرنا من المحدثين الأعلام، من أن

ص: 251


1- انظر والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للبحراني: 223، المطلب السادس وجه العذر في عدم محابته..)
2- الطَّغَامُ: أَوغَادُ النَّاسِ وأَرذَالُهم (تاج العروس الزبيدي 17: 441، مادة - طغم)

ترکه للمحاربة معهم انّما هو من حيث ان تلك القوة التي كانت له عليه السَّلام في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وآله لم تكن له بعد وفاته صلَّى الله عليه و آله، وقوفاً على ظواهر بعض الأخبار الواردة في هذا المضمار، لا ينبغي ان يصغي اليه ولا يعرج عليه في مقامات التحقيق، كيف وقد صرَّح صلوات الله وسلامه عليه في بعض تلك الأخبار: «لَولا عَهدٌ عَهِدَه إِلىَّ النَّبيُّ الصَّادق الأَمين(1) لأَورَدتُ المُخالفينَ خَليجَ المَنِيةِ»(2).

فهو صلوات الله عليه لا يَضعف عن حربهم وشوكتهم، ولا تهوله أعدادهم وصولتهم؛ لأنّه الشّجاع البطل الهمام الَّذي لا تهوله الصّفوف، ولا يكترث محمد بالأُلوف(3).

ولله درّ بعض المحبين والشّيعة المخلصين قال:

يا أَخا المُصطَفى لَديَّ ذُنوبٌ *** هي عَينُ القَذي(4) وأَنتَ جَلاها

ص: 252


1- في المصدر: (النبي الامي)
2- الكافي - الكليني 8: 33، ضمن ح 5 (ضمن الخطبة الطالوتية) / وعنه في بحار الانوار للمجلس 28: 242، والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للبحراني: 223، المطلب السادس وجه العذر في عدم محابته...)
3- انظر: والشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب للبحراني: 221، المطلب السادس: وجه العذر في عدم محابته
4- القَذي: ما يقع في العين، وما تَرمي به (لسان العرب - ابن منظور 15: 172)

[يا غِياثَ الصَّريخِ دعوةُ عافٍ *** ليسَ إِلَّاكَ سَامعٌ نَجواها

كيفَ تَخشى العصاةَ بَلوى المعاصي *** وبكَ اللهُ مُنقذٌ مَبتلاها]

لكَ في مرتقی العُلا والعَوالي *** دَرجاتٌ لا يُرتقي أَدناها

عَرفَت ذاتُكَ القَديمةُ مَولاها *** فلذا وحدَّتهُ في القَديمِ إِلها

أَينَ معناكَ من معاني أُناسٍ *** كان معبودُها اتبّاعُ هواها

یا خليلي إِنَّ للهَ خلقاً *** حَسبُها النَّارُ في غدٍ تَصلاها

سبَّحوا في الضلالِ سبحاً طويلاً *** وعلى الرّشدِ أكرهوا إِكراها

إن تناسيتما السَّقيفة والقَوم *** فإِنّي والله لا أَنساها(1)

فيا أَيها الأُخوان: جردوا صوارم الأَفكار من أَغمادِ القرائح(2)، واستخرجوا جواهر العبر من أَصدافِ النصائِح، واحذروا الدّنيا غاية الحذر، فإنَّها بحر لا يَنجو منه سَابح؛ أُمنُها خوف، وصفوها کدر، وشرها دان، وخيرها نازح قد حَكم الحكيم الَّذي أَدار دوائِر القَدر على أَقطابِ المصالح بأَنَّها كما ورد في الخيرِ: «الدُّنيا جَنَّة الكَافر، وسِجن المؤمِن الصَّالح»(3).

ص: 253


1- الازرية - الشيخ كاظم الازري: 136، ضمن القصيدة الازرية
2- القرائح: مفردها قريحه، والقَرِيحة: يراد منها استنباطُ العّلم بجَودةِ الطّبع (تاج العروس - الزبيدي: 170)
3- انظر الخصال للصدوق: 108، ضمن ح 74، و تحف العقول للحراني: 363، ومشكاة الانوار للطبرسي: 464، الفصل السابع، ضمن ح 1552، وبحار الانوار للمجلسي 6: 169، باب 6

ألم تروا كيف عصفت بسادات البشر الفَوادح الصَّرصَر(1)، وهطلت على أهل البطر والأَشر سحائب المنائح(2) ألا ترون إلى إِبراهيم ونمرود: هذا ملوَّح في النّار ذات الوقود، وذا عليه تاج الملك معقود، وإِلى موسى وفرعون: هذا مُبعَّدٌ مطرود، وذا متبجَّل معبود، وإِلى صالح وهود وإِلى عادٍ وثمود، وإن شئت فانظر في شأن النَّبيّ المختار صلَّى الله عليه وآله الأَطهار كيف اصطلمتهم صيام الأَقدار فأَضمرت عليهم رمضاء المضار.

أَمّا النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فاكفأت إناه الكفار، وعزموا أَن يهلكوه في الحصار فبقي ثلاثاً لا يزور ولا يزار مع نفر من بني نزار، ثُمَّ الجأهُ الاضطرار إلى الفرار في القفار والاختفاء عن أُولئك الكفار في الغار، ولقد همَّ به أَصحابه الهموم وجرعوه زعاق السموم ونسبوا إلى زوجته الفحشاء(3) ونفروا ناقته في عقبة هرشا(4).

وأَمّا أمير المؤمنين وسيد الموحدین صلوات الله وسلامه عليه فهو مضرب

ص: 254


1- الفوادح الصَّرصر: المصائب الشديدة النازلة (لسان العرب - ابن منظور 2: 540)
2- مفردها منحة: العطايا (لسان العرب - ابن منظور 2: 607)
3- يقصد السيدة مارية القبطية رضوان الله عليها / انظر: المستدرك للحاكم النيسابوري 4: 39، والسنن الكبرى للبيهقي 7: 353، مجمع الزوائد الهيثمي 9: 161
4- عقبة هرشا: المكان الذي ارادوا تنفير الناقة فيه (وقد مر سابقا في الصفحة 203)

المثل، ثابت في مصاب المصائب و موضع العبر بين أنياب النوائب خصوصاً بعدما قُبض الرسول صلَّى الله عليه وآله حيث ثارت عليه قلوب المنافقين بالدحول(1)، وحنت قلوبهم نحو قتلى القليب(2) وحنين، ولم يبطل الدّين الحنيف، بل كان لهم على ذلك صك مرقوم مختوم بغِلٍّ مكتوم إلى أجلٍ معلوم، وتعاهدوا على نقض عهد النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله بأَن يُظهروا الخلاف خلافه، وأن يتشطّروا دون الوصيّ المرتضى أَخلاف الخلافة، فلمّا قبض النَّبيّ المبجَّل، وحلّ بالدّين ما حل، عملوا بمقتضى الصّك المسجّل، وقادوا الوصيّ إلى البلاء المعجَّل، واستعدوا الحربه كلّ أغر محجّل؛ لولا انه عليه السَّلام ترك الجهاد حفاظاً على الدّين الإِلهي والشّرع النّبوي وظناً بأَهلِ بيته عن الحِمامِ.

ومن كلام له عليه السَّلام:

«فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَیْسَ لِی رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ وَ لاَ مُسَاعِدٌ إِلاَّ أَهْلَ بَیْتِی فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَنِیَّةِ فَأَغْضَیْتُ عَلَی اَلْقَذَی وَ جَرِعْتُ رِیقِی عَلَی اَلشَّجَا وَ صَبَرْتُ مِنْ کَظْمِ اَلْغَیْظِ عَلَی أَمَرَّ مِنَ اَلْعَلْقَمِ

ص: 255


1- الدحول: الخداع (الصحاح - الجوهري 4: 1695، مادة - دحل)
2- القليب: من أسماء البئر، والمراد منه قليب بدر طرح فيه نيف وعشرون من أكابر قريش، والأحزاب متفرقة من القبائل اجتمعوا على حربه صلَّى الله عليه و آله في وقعة الخندق. (انظر الاحتجاج للطبرسي 1: 41)

وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ اَلشِّفَارِ(1)»(2).

وحقّ له لو تشکّی او تظلّم وتأسّف و تألّم كيف لا وقد أَصبح حسام النفاق مشحوذا، وسنام الإِسلام مقطوعاً بصعود العجل الحوار والعلج الختّال على منبرِ النَّبيّ المختار يزعم أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فياويله أي منكر أَكبر من رقیه ذلك المنبر بغير رضاً من اللهِ ورسوله وسادات البشر وقد وبخه على ضلالته اثنا عشر من خلَّص المهاجرين والأَنصار مثل سلمان والمقداد و عمّار وأَبي ذر؛ هذا وقد صح عندهم حديث: أَصحابي كالنجوم بأَیّهم اقتدیتم اهتديتم(3).

أَفبعد ما جرى بينهم من الخلاف الشّديد والبون البعيد، حتّى صار يقتل بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، كيف صاروا بعد هذا نجوم الهدى، وأئمة بهداهم يقتدی، وهم الَّذِين التحمت على أَعناقهم اطواق بيعة الغدير المنيفة، فخلعوها من رقابهم بعدما فصموها، وتفلتّت من أَيديهم فلتة بيعة السَّقيفة، فاستبقوا إِليها حتّى تلقفّوها، وطالبتهم بإِرثها البضعة الشَّريفة العفيفة فدفعوها

ص: 256


1- الشفرة: السّكين، والجمع: الشفر والشفار (العين - ابن منظور 4: 418، مادة - شفر)
2- المسترشد - الطبري (الشيعي): 416، ضمن خطبة له عليه السَّلام رقم (141)/ نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 336، خطبه 217، ومن كلام له عليه السلام في التظلم والتشكي من قريش
3- المبسوط - السرخسي 16: 83، کتاب آداب القاضي / تفسير الثعلبي 3: 334/ الكشاف - الزمخشري 2: 424 / لسان الميزان - ابن حجر 2: 128

عن حقِّها ومنعوها، وخاصمتهم بالآيات الشَّريفة فاعرضوا عنها كأَن لم يسمعوها، واستفزتهم عائشة في تبرجِها إلى قتالِ الوصيّ والخليفة فشدّوا أَزرها ووقروها، وطوعت لهم طوعها النفوس السَّخيفة فأَوردوها الردى ولم يصدوها، وقام ابن اروی نعثل بن عفان فأَوری(1) لأَهل بيتِ العصمة والتقوى زناد العناد، ووارى أَشلاء الإِيمان في لحود الالحاد، ومازال مصلنا حداد الارتداد، محکما سدَّ باب الهدى والسّداد، محمداً مصابيح بیت الرشاد حتّى انعقد الوفاق على النفاق واستكم ظلمة وفاق، ومدّ جنح ضلاله في الأَفاق، فبلغ في العتو منتهى الغايات، وأَدار على نفسه خمرة الفجور بدار الفناء والغرور لا يؤمن بيوم النشور، ولا يتصور نفح الصور، ولا يحضر في واجب ولا يغيب عن محضور، اذانه الدف والطنبور، ودعاؤه للغناء والزمور، ومدارسته مغازله مخصورات الخصور في مقصورات القصور.

ولله در من قال:

ألا قل لقومٍ صيَّروا الحقَّ باطلاً *** بجهلِهُمُ والصّدقُ إِفكاً وبالعكسِ

صه أَيّها الخُرسُ المحاصيرُ أَلسناً *** وصمتاً فإِنَّ الصَّمتَ أَجدرُ بالخرسِ

طلبتم محالاً زَادَکُم بكماً كمن *** تخبَّطهُ الشَّيطانُ من كثرةُ المسِ

ص: 257


1- أَوری: ورَتِ الزنادُ إِذا خرجت نارها (لسان العرب - ابن منظور 15: 388)

جعلتُم عتيقاً والداً لأُمٍّ ونعثلاً *** کمن هو للهادي بمنزلةِ النفسِ(1)

وبعد الفراغ من أَنوارِ مناقبه شرعنا في ذكرِ أَسفار مصائبه، وما أُصيب به من البلايا والمحن إلى أَن نقله الله تعالى إلى جواره ودار کرامته، والحقه بدرجاتِ أَخيه وابن عمّه - حبيب الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله - ومنزلته.

ص: 258


1- الأبيات الشعرية لم أجدها في المصادر المتوفرة عندي

الباب الثاني في أذكار مصائبه صلوات الله وسلامه عليه

الفصل الأول: فيما جرى له علیه السلام من بقي من الصحابة..

الفصل الثاني: في ذ كرشكاياته وتظلماته..

الفصل الثالث: في ذكر مصرع الإمام عليه السلام..

ص: 259

ص: 260

الفصل الأول فيما جرى له صلوات الله عليه مع من بقي من صحابة النبي..

ص: 261

ص: 262

الفصل الأول فيما جرى له صلوات الله عليه مع من بقي من صحابة النَبي صلَّى الله عليه وآله، وما لقيه منهم بعد مقتل عثمان من طائعٍ له، وعاصٍ لأمره وذكر بعض شكاياته وتظلماته

اجتماع الأصحاب للبيعة:

روي انه لمّا قتل عثمان بن عفان، وحصل الاختلاف الكبير بين أَصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وذلك قبل أن يذعنوا لأَمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين ووصيّ رسول الله الصّادق الأمين صلَّى الله عليه وآله بالطَّاعة بخمسةِ أَيام، أَقبلوا بعدها على وليِّ الله، والحاكم من قبل الله، المحتوي على علمِ رسول الله وباب حكمته صلوات الله وسلامه عليه.

اجتمع المهاجرون والأَنصار وجميع النَّاس مِن العامِ والخاص وفيهم: المقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وابو ذر الغفاري وجابر بن عبد الله الانصاري وخزيمة بن ثابت ذو الشَّهادتين وطلحة والزبير بن العوام يتركون ويترددون على أَمير

ص: 263

المؤمنين عليه السَّلام في كلِّ آنٍ وحين يريدون مبايعته، وهو یابی عليهم وينفر منهم ويقول لهم: «اختاروا لأَنفُسَکُم مَن تَشاؤونَ مِن سَائِرِ النَّاس»(1) (فلا حاجةَ لي في أَمرِکُم)(2) کما اختَرتُم الأَول والثَّاني والثَّالث مع إِنَكُم تعلَمون أَنّي أَولى [وأَحقّ] بمَقامِ رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مِن قَميصي هذا، وقد عَلِمتُم باستِخلاف رَسول الله ونصبه لي إِماماً وعَلَماً للنَّاس، فأَنا الخَلِيفَةَ مِن الله وَرَسولَه عَليکُم مِن قَبل أَن يَختارَ الله لرَسوله دارَ الكَرامة والنَّعيِم(3) (4).

(فأَتَيتمُوني الآن تُبَایعوني فَأَبيتُ عليکُم وَأَلَيتُم(5) عَلَىَّ فَقَبضتُ يَدي وبَسطتُمُوهَا وَبَسطتُها فَمَدَدتُمُوها ثُمَّ تَدكَدَكتُم عَلَىَّ تَدكدك(6) الإِبلِ الهِيمِ على حِياضِها يَومَ وُرُودِها [وَازدَحَمتم عَلَيَّ] حتّى ظَنَنتُ أَنَّكُم قَاتِلي، وَأَنَّ بَعضَکُم قَاتل بَعض حتَّى انقَطَعَ النَّعلُ وَسَقَطَ الرِّداءُ وَوطِئَ الحَسَنان(7) وَبَلَغَ مِن سُرُورِ النَّاسِ ببَيعَتِهِم إِيّاي

ص: 264


1- في المقتل: (مَن تريدون من النَّاس)
2- بين القوسين لم يرد في المصدر
3- في المقتل: (وأنا الخليفة بالنّصِ من الله تعالى ورسوله، فارجعوا عنّي فلست بطائعٍ لكم)
4- مقتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام - حرز الشَّاطري: 1
5- في مصباح البلاغة والبحار: (وأبيتم عَليَّ)
6- في مصباح البلاغة والبحار: (تداكّ)
7- في المصدر: (ووطئ الضعيف)

أَن حمَلَ إِليها الصَّغِيرُ وَهَدَجَ1(1) إِليها الكَبِيرُ وتَحامَلَ إِليها العَليلُ وَحَسرت لها الكعاب فَقالوا بايعنا على ما بُويعَ عَليهِ أَبو بَكرٍ وَعمرَ فَإِنَّا لا نَجدُ غَيركَ ولا نَرضَى إِلّا بك فَبَايِعنا لئَلا نَتفترَّق و[لا] نختَلف، فبایَعتُکُم على كِتابِ الله وَسُنَّةِ نَبيّه صلَّى الله عليهِ وآله ودَعوتُ النَّاسَ إلى بَيعتي، فَمن بايَعني طائِعاً قَبُلتُ مِنه ومَن أَبي تَركتهُ، فكان أَوَّلُ مَن بايَعني طَلحة والزُّبير فقالا نُبايِعك على أَنَّا شُرَكاءُكَ في الأَمرِ فَقُلتُ لا وَلکنِمَّا شُرَكائِي في القُوَّةِ وَعونَايَ في العَجزِ فبايَعاني على هذا الأَمر)(2)».

ثُمَّ قالَ عليه السَّلام لعامتهم: «أُبايعُكُم عَلى(3) شروطٍ أَشتَرِطُها عَلَيکُم؛ أُبایعُکُم على أَن لا تَعصوا إِلىَّ أَمراً، وعلى أَن أُساوِي بَينَکُم في الفَيءِ والصَّدَقاتِ والعَطايا والقِسمَة، وأَنَّ القَويَّ والضَّعِيف والرَفِيع والوَضِيع سَواءٌ [في ذلك] کَما كان حَبيبي رَسول الله صلَّى الله عليه وآله يَفعل».

فقالوا بأجمعهم: رضينا بذلك وسمعنا وأََطعنا لأَمرك وسلَّمنا، فبايعهم على

ص: 265


1- هدج: الهَدجُ والهَدَجانِّ: مَشيٌّ رُوَيدٌ في ضعف (لسان العرب - ابن منظور 2: 387، مادة - هدج)
2- بين القوسين لم يرد في المقتل، بل أورده الطبري (الشيعي) في المسترشد: 418، ومن كتاب له عليه السلام إلى من قرأ من المؤمنين ...، (ضمن خطبة طويله)، وأبن طاووس في كشف المحجة: 181، والميرجهاني في مستدرك نهج البلاغة 4: 82، من كتبه سلام الله عليه إلى شيعته، و تمام نهج البلاغة للسيد صادق الموسوي 7: 296، ضمن كتاب 79
3- في المصدر: (إِذاً لي عليكم)

ذلك بعد أَن أَخذَ عليهم العهد والميثاق أَن لا يُبدِّلوا ولا يُغيِّروا ولا يُخالِّفوا ولا يَغدِروا، فعاهدوه على ذلك وبايعوه، وحلفوا له بالأَيمانِ المؤَكدة المغلظة.

وقيل: أَوَّل مَن بایعه طلحة بن عبد الله وكانت يده اليمنى شلا، فقال بعض العارفين: اني لأَعرف ان بيعة طلحة لعليٍّ بن أَبي طالب عليه السَّلام لا تتم، فكان منه ما كان مع عائشة والزبير في وقعة الجمل بالبصرة.(1)

خطبته عليه السَّلام عند البيعة:

قال الراوي: فلمّا كان ذلك منهم وبويع أَمير المؤمنين عليّ عليه السَّلام خرج من بيتهِ بالمدينةِ قاصداً مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وجميع الصَّحابة والتابعين [حوله و] خلفه، وهو كأَنهُ البدر ليلة تمامه وكماله، حتّى خُیِّلَ للنّاس أَنَّ جميعَ الجامدات والنَّاطقات تبعته مِن خلفهِ، وهو يمشي بينهم كمشية رسول الله صلَّى الله عليه وآله، لابساً خاتمه، متقلَّد سیفه، معتَّاً بعمامته، متردٍّ بردائه، متشحاً ببردته، [فتباکي النَّاس عند ذلك لمّا تذکَّروا رسول الله صلَّى الله عليه وآله].

قال: فدخل المسجد، وصعد المنبر بعد أَن صلَّى ركعتين وزار رسول الله صلَّى الله عليه وآله، هذا والنَّاس ينظرون إِليه، فخطبَ خطبة بليغة لم يسمع بمثلها، فذلَّت لها الرقاب، ووجلت منها القلوب، وهملت لأَجلها الدّموع، وذَكر فيها بعد

ص: 266


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشَّاطري: 15

الحمد والثَّناء على الله أَحوال الماضين وما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

ثُمَّ قال فيها: «مَعاشرَ النَّاس سَلُوني قَبل أَن تَفقِدوني».

ثُمَّ ضرب بيده الشَّريفة على صدرهِ وقال: «هذا سَفَط العلم هذا لُعاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله [هذا ما زقَّني رَسول الله صلَّى الله عليه وآله زقَّاً زقَّا] سَلوني فإِنَّ عندي (علم ما كان وما يَكون إلى يومِ القيامة، وعندي)(1) عِلم الأَولين والأَخرين [أَما والله] لو ثُنيت لي الوِسادة لأَفتيت أَهل التَّوراة بتَوراتِهِم [حتَّى تَنطق التَّوراة فَتقول: صَدَق عَلِىٌّ ما كَذب، لقد أَفتاکُم بما أَنزل الله فيَّ]، وأَهل الإِنجيل بإِنجيلِهم [حتَّى يَنطق الإِنجيل فَيقول: صَدَق عَلِيٌّ ما كَذب، لقد أَفتاکُم بما أَنزل الله فيَّ]، وأَهل الفُرقان بفرقانِهم»(2).

سيرته عليه السَّلام في الخلافة:

[قال الراوي]: ثُمَّ أقبلوا عليه مِن كلِّ جانبٍ ومكان، وتصافقوا معه بالبيعة؛ فبايعه النَّاس عامة وجميع المُهاجرين والأَنصار خاصة وجملة أَهل البَوادي شرقاً

ص: 267


1- بين القوسين من مقتل الشاطري
2- الخطبة طويلة أَوردها الصدوق في الأمالي: 422، المجلس (50)، ضمن ح 1، والأختصاص للمفيد: 235، الأحتجاج للطبرسي 1: 384، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين: 118، مجلس ذکر فضائل امير المؤمنين عليه السلام، والمير جهاني في مستدرك نهج البلاغة 2: 135، ومقتل أَمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 17

وغرباً [وشمالاً] وجنوبا راغبون بالبيعة ومتبعون ولأَمره مطيعون.

فسار فيهم بسيرةِ رسول الله صلَّى الله عليه وآله يحكم فيهم بحكم كتاب الله، وأَعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وعزل عمَّال عثمان الَّذِين ساعدوه على الجورِ والعدوان من جميع الامصار إِلَّا عامل اليمن - المسمّى بحَبيب بن المنتجب - فإِنَّه كان مِن مُحبيه وشیعته فأبقاه على عمله.

وكتبَ إِليه كتاباً يقول فيه: «بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم من عَبدِ الله عَلِيّ بن أَبي طالب أَمير المؤمنين إلى حَبيب بن المنتجب، سَلام الله عليك؛ فإِنّي أَحمَدُ الله الَّذي لا إِله إِلّا هو وأُصلّي على محمَّد عبدهُ ورسوله، [وبعد]: فإِنّي مولَيكَ ما کنتَ تَليه [مِن قبل] فامکث على عَملِك، وإِنّي أُوصيك بالعدلِ في رعيتِك والإِحسان إِليهم، فإِنَّهُ مَن وَليَّ رِقاب عَشرة مِن النَّاسِ ولم يَعدل فيهم حَشرهُ الله يوم القِيامة ويداهُ مغلولتان إلى عنقه، ولا يَفُكهما إِلَّا عدله في الدُّنيا، فإِذا وردَ عليكَ كتابي فإِقرأَهُ على جميع من قبلك وخذ لي البَيعة عليهم وانفذ إِليَّ بعشرة من عُلمائِهم وفصحائِهم، والسَّلام عليكَ ورحمة الله وبرکاته».

ثُمَّ ختمه بخاتمهِ الشَّريف وسلَّمه إلى رجل من أَصحابه فأَخذه، ثُمَّ سارَ به قاصداً إلى حبيب المذكور نحو اليمن.

قال الراوي: فوصل الرَّسول بالكتاب إلى حبيب [بن المنتجب] باليمن فأَخذ

ص: 268

الكتاب ففضه وقرأَهُ قائماً [بعد أَن قبله] ونادي الصَّلاة جامعة، [فلمّا اجتمع النَّاس صلَّى وصعد المنبر وخطب] وقال: أَيّها النَّاس؛ اعلموا أَنَّه قد هلك عثمان بن عفان، وقد قتله المسلمون من المهاجرين والأَنصار لإِحداثه في الّدين ما لا يجوز، وقد اجتمع النَّاس على البيعة للإِمام الهُمام، أخو الرَّسول، وزوج الطَّاهرة البتول، والعبد الصَّالح، والميزان الرَّاجح، والشِّهاب الواضح.

كشَّاف الكروب عن وجهِّ المصطفى صلَّى الله عليه وآله والمحجَّة البيضاء، أَبو السّبطين الأَنزع البطين، باب مدينة الحكمة، وسيِّد الأُمَّة عليّ بن أَبي طالب عليه السَّلام.

فبايعوا له راغبين وأَوجبوا على أَنفسكم الطَّاعة، فصاح النَّاس كلهم بالسَّمعِ والطَّاعة، وقد بايعنا بأَنفسنا وأَبداننا وقلوبنا، وأكثروا التزاحم له والصَّلاة والسَّلام عليه، فأَخذ حبيب البيعة على عامتهم وخاصتهم لأَمير المؤمنين وسيِّد الوصيين(1).

وأنشأ شاعرهم يقول:

ص: 269


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 25/ بحار الأنوار - المجلسي - 42: 259، في كتاب كتبه عليه السَّلام إلى حبيب ... (باختلاف بسيط)، وعنه في منهاج البراعة للخوئي 5: 127

سَقَتهُ سَحائِبُ الرِّضوانُ سيحاً *** کجودِ يَديهِ ينسجِمُ انسجاما

ولا زالت رواةُ المُزنِ تُهدي *** إِلى النجفِ التَّحيةِ والسَّلاما(1)

ثُمَّ قال لهم حبيب بعد ذلك: أُريد عشرة مِن فصحائِکم وعلمائكم وبلغائكم أنفذ بهم إِليه لأَنه بذلك أَمرني.

فقالوا له: السَّمع والطاعة، فاختار منهم عشرة رجال وهم: أَبو الهيثم، وعمرو بن وافد، وواصل بن ناجيه، وغفار بن الأَشعث، وكليب بن غیاث، ورافعة بن شدّاد، والفياض(2) بن الخليل، ورفاعة بن صعصعة، وسليمان بن عبد العزيز(3)، وعبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله.

[قال الراوي]: فلمّا قدموا على أَمير المؤمنين عليه السَّلام بالكوفة وهو جالس بين أَصحابه کالبدر بين النجوم ليلة تمامه؛ فتقدموا اليه وسلَّموا عليه، وحيَّوه بتحية تليق بشأنه، وأَثنوا عليه ثناء يناسب رفعة مقامه؛ فتقدم إِليه عبد الرّحمن بن ملجم الشَّقي اللَّعين من بين أَصحابه وقال له: السَّلام عليكَ أَيّها السَّيّد الإِمام [،واللَّيث الهمام، والأَسد القمقام، والفارس المقدام، والشّجاع الضّرغام] بعد محمَّد

ص: 270


1- مقتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام - حرز الشاطري: 27
2- في المقتل: (والصياص بن الخليل)
3- في المقتل: (وسلیمان بن عبد الملك)

بدر التَّمام ومصباح الظَّلام عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام، فأَنت زوج البَتول، ونفس الرَّسول، وأَبو الأَئمة الأَطهار بخ بخ لك يا سيّدي أَصبحت أَميرها ووزيرها وعميدها وعمادها ومالها وجمالها، فلقد اشتهر في الأَفاقِ عدلك، وظهر بين الانام فضلك، وفاهت(1) الخلائق بغزير علمك وورعك وعدلك.

إِعلم أَیّها المولى الكَبير، والعلم الخطير إِننا أُناس من أَهل اليمن قد استنهضنا وأَرسلنا إِليك الأَمير حبيب بن المنتجب فسُررنا بالقدوم عليك، وسعدنا بالوصول اليك فبوركت وبوركت طلعتك البهية المرضية وهنیت بالخلافة في الرعية.

قال الراوي: فنظر عليه السَّلام إلى وجوه الوفود فقرَّبهم وأَدناهم، ثُمَّ استنطقهم وسألهم فرأهم كما طلب وسرَّ بهم إِلَّا أَنه رأَى ابن ملجم لعنه الله أَجرأَهم جنانا، وأَفصحهم لسانا، وأَطلقهم بيانا قال: فأَمر عليه السَّلام لكلِّ واحد منهم بحلة يمانية، ورداء عدني، وفرس عربي، وأَمر بنقلهم إلى دار الضِّيافة وذلك بعد أَن دفعوا إِليه كتاب حبیب بن المنتجب فقرأَه فسرَّ بهم سروراً عظيماً.

فعند ذلك قام عبد الرَّحمن بن ملجم من بينهم ووقف بين يدي أَمير المؤمنين عليه السَّلام وأنشأ يقول:

ص: 271


1- فاهت: نطقت (لسان العرب - ابن منظور 13: 525)

أَنتَ المُهيمنُ والمهذبُ ذو النَّدى *** وابنُ الضَّراغمِ في الطِرازِ(1) الأَوَّلِ

ابنُ الَّذِين بنوا بيوتاتِ العُلى *** وابنُ الفوارسِ والأسودِ الصّوَّلِ

اللهُ خصَّك يا وصيَّ محمَّد *** وحَبَاكَ قِدما بالكتابِ المُنزَلِ

[إِخباره ابن ملجم بأنه سوف يقتله]:

ثُمَّ انه قال لأَمير المؤمنين عليه السَّلام: إِرم بنا حيث شئت وأَردت، فسوف ترى منّا ما يسرّك، فما فينا إِلَّا كلّ بطل [أهيس](2)، وشجاع أَشوس(3)، وحازم أبئس(4) [قد] ورثنا ذلك من الآباء [والأَجداد]، و [كذلك] نورثه إلى صالحِ الأَبناء، فاستحسن أَمير المؤمنين عليه السَّلام کلامه [من بين الوفد] وقال عليه السَّلام له: «بالله ما اسمك أَيّها الرَّجل»؟

قال: اسمي عَبد الرَّحمن بن مُلجم.

قال: فأَطرق أمير المؤمنين عليه السَّلام رأسه ساعة على الأَرضِ متفکِّراً وقال: «إِنّا لله وإِنّا إليه راجِعُون، [ولا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله العليُّ العظيم]».

ص: 272


1- في المقتل: (في الكفاح)
2- في الأصل: (أَدعس)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من البحار، والأَهيسَ: الشجاع (لسان العرب - ابن منظورة 6: 253)
3- الأَشوَسُ: الجَرِيء على القتال الشديدُ (لسان العرب - ابن منظور 6: 116)
4- في البحار: (أَكيس)

[قال: وجعل أَمير المؤمنين عليه السَّلام يكرر النَّظر إِليه ويضرب إِحدى يديه على الأخرى ويسترجع].

ثُمَّ قال له: «[وَيحَك] أَمُراديٌّ أَنت)»؟

قال: نعم.

فأنشأ عليه السَّلام يقول:

[أَنا أنصحك مني بالوداد *** مکاشفة وأنت من الأعادي]

أُريدُ حياتَهُ ويُريدُ قتلي *** خليلي من عذيري من مرادي

قال الأَصبغ بن نباته - صاحب أَمير المؤمنين عليه السَّلام -: لمّا دخل الوفد على الإِمام عليه السَّلام بايعوه وبايعه ابن ملجم مرة بعد أُخرى، فلمَّا أَدبر عنه دعاه وبايعه ثالثة ورابعة واستوثق منه بالعهود والمواثيق انه لا يغدر ولا ينكث، فقال له ابن ملجم: يا أَمير المؤمنين لَم أَركَ فعلتَ هذا بأَحدٍ من أَصحابِي فما بالك تؤكد عَلَيَّ بالعهود والمواثيق؟

قال له عليه السَّلام: «إِمض يا ويلكَ إِنّي لأَعلمُ أَنك لن تفي ببيعتي».

فقال له: يا أَمير المؤمنين كأَنك کاره وفودي عليك [وإقبالي اليك]، وإنّي لأُحب الإِقامة بين يديك [وأُقاتل دونك]

ص: 273

فقال له عليه السَّلام: «بالله عليكَ إِن سألتُكَ عن مسأَلة تصدقني عنها»؟

قال: نعم وبيعتك يا أَمير المؤمنين.

فقال: «أَما كان لك في [أَيامِ] صِغرك داية يهودية، وكنت إذا بكيت تلطمُ وجهكَ وتقول لك: أُسكت فأَنتَ أَشقى مِن عاقرِ ناقةِ صالح؛ لأَنك تجني في آخر عمرك جناية يغضب الله بها عليك فيدخلك بها نارَ جهنم».

قال: نعم يا مولاي قد كان ذلك [فوالله ما كذبت] ولكن والله يا مولاي أنتَ أَحبّ الخلق إِلىّ [وأَعزُّهم عَلَیَّ].

فقال له: «قد كذبت والله ما تحبُّني، قالها ثلاثاً»(1).

قال: يا أَمير المؤمنين أَحلف ثلاثاً أَنّي أحبّك، وتحلف ثلاثاً بأَنّي لا أُحبّك

فقال له: «ويحك إِنَّ اللهَ تعالى خلقَ الأَرواح قبلَ الأَجساد بأَلفَي عام فأَسكَنَها الهواء، فما تَعارف منها هناك أئتلف في الدُّنيا، وما تَناكرَ منها هُناك اختلف في دارِ الدُّنيا، وإِنَّ روحي لا تَعرِف روحك».

ص: 274


1- في المصدر: (فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما كذبت ولا كذبت، ولقد نطقت حقا وقلت صدقا، وأنت والله قاتلي لا محالة، وستخضب هذه من هذه - وأشار إلى لحيته ورأسه - ولقد قرب وقتك وحان زمانك)

قال: فلمّا ولىّ ابن ملجم قال: «مَن سَرَّهُ أَن يَنظر إلى قاتِلي فلينظر إلى هذا - وأَشار بيده إِليه - ولقد قَرب وَقته وحانَ زمانه».

وقيل ان ابن ملجم قال: يا أَمير المؤمنين إِذا عرفت ذلك منّي فأَمر بقتلي أَو سيّرني إلى بلادٍ بعيدة عنك.

فقال عليه السَّلام: «قد قُضي ذلك وجرى به القَلم في اللوحِ المحفوظ، فكن مع أَصاحبك [حتّى آذن لكم في الخروج إلى بلادكم]»، فأقاموا ثلاثة أشهر ثُمّ أَمرهم بالرجوع إلى بلادهم، فساروا إِلّا ابن ملجم فإِنَّهُ عاقه المرض عن المسير معهم.

قال الأَصبغ بن نباته: ثُمَّ إِن ابن ملجم برئ من مرضه وجعل يخدم مولاي أَمير المؤمنين عليه السَّلام ويُسارع في قضاء حوائجه، فقربه لأجل ذلك وأثره على غيره هذا وهو عليه السَّلام يقول: «أَنتَ قاتلي لا محاله».

فقال له: يا مولاي إِذا عَرفتَ ذلك فأمر بقتلي.

فقال عليه السَّلام: «لا يَجوز القصاص قَبل الجناية».

[قال الراوي: فسمع مخاطبتهما المقداد بن الأَسود الكندي، ومالك الأَشتر، فجردا سيفهما وأَقبلا إلى أَمير المؤمنين عليه السَّلام، وقالا له: من هذا الكلب الَّذي تخاطبه بهذا الخطاب، أَلا تأمرنا بقتله.

ص: 275

فقال لهما عليه السَّلام: «کُفّا عن ذلك باركَ الله فيکُما أَفترون انّي آمُر کما بقتلِ رجلٍ لم يفعل شيئا»](1).

ولله در من قال:

بنفسي إِماماً قد تَعاظمَ قدرُهُ *** وجلَّ عن الأَمثالِ في الصَّبرِ والشُّكرِ

رضى بقضاءِ الله أَكرِم به رضاً *** تبوأ في حالةِ العُسرِ والضّرِ

يرى قاتِليه ثُمَّ يصفحُ عنهُم *** إِلى أَن أَتوهُ في المعظَّمِ مِن شهر

فلم يرقبوا فيه ذِماماً وَلا وِلاً *** فأَردوهُ مَقتولاً بليلةِ ذيِ القَدرِ

أَقتلُ عَلِيٍّ صارَ مَهرَ بغيةٍ *** فيالكَ مِن قَتلٍ ويالكَ مِن مَهرِ

لقد هدَّموا الدِّين القَويمَ بقتلهِ *** ولم يبقَ في الإِسلامِ والذِّكر مِن ذِكرِ

فيا ويلَهُ مِن فاجرٍ مُتمردٍ على *** اللهِ لا يرعي لقَدر أَولى لقدرِ

ويا ويلهُ لم يدرِ أيّ جنايةٍ *** جناها على الكرارِ حيدرة الكرِّ

فبشراهُ يومُ الحشرِ نارَ جهنمٍ *** وخزيٌ من اللهِ المهيمنِ في الحشرِ(2)

ص: 276


1- مقتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام - حرز الشاطري: 25 - 32/ وفي بحار الانوار - المجلسي - 42: 259، في كتاب كتبه عليه السَّلام إلى حبيب بن المنتجب، ومنهاج البراعة - الخوئي 5: 127 (باختلاف بسیط)/ وفاة أمير المؤمنين عليه السَّلام - علي الخطي: 46 (باختلاف)
2- الأَبيات الشعرية لم اجدها في المصادر المتوفرة عندي

الحقيقة الباطنية لأعدائه وما يؤول إليه أمرهم:

ومما ناله عليه السَّلام وجرى له من أعدائِه النّصاب، وما أَوقعوا به أَولئك المردة الكلاب من العداوة والسَّباب، وكان له عليه السَّلام فيه آیات و کرامات وهذا كان بعد وفاته.

[روى الواقدي](1) ان هارون الرّشید کان كلّ يوم يجمع العلماء يتناظرون عنده في العلومِ العقلية [والنقلية]، فأَرسلَ [إليَّ يوما](2) قال: فمضيت إِليه والمجلس غاص بالعلماء، وكان الشّافعي جالساً على يمينه، فنظر إليَّ هارون وقال: [كم] تروي حديثاً في فضائلِ عليّ بن أبي طالب؟

فقلت: نعم خمسة عشر الف حديث مسندة ومثلها مرسلة، ثُمَّ نظر إلى محمَّد بن اسحاق ومحمد بن يوسف فقالا له مثل ما قلت، فسأَل الشّافعي فقال: أَنا أَروي خمسمائة حديث في فضائله.

فقال هارون: عندّي حديث خير مِن كلِّ ما تروون، لأَنَّهُ بالمشاهدة.

فقلنا له: إِروه لنا.

ص: 277


1- في الأصل: (ما روي) وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- في الأصل: (يوما إلى محمد بن مسلم قال فمضيت)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

فقال: كَتَبَ ابن عمّي إِليَّ - وقد جعلته والياً على الشَّام(1) - أَن بها خطيباً يَسبُ عليّ بن أبي طالب في كلِّ جمعة وينالُ منه؛ فكتبُ إِليه أن أَرسلهُ إِلىَّ مقيداً بالحديد، فلمّا حضر بين يدي أَخذ بالسب [واللعن].

فقلت له: يا ملعون لأَيّ شيءٍ تسبه؟

فقال: إِنَّهُ قتل آبائِي وأَجدادي.

فقلت: أَما علمت أَنَّه ما قَتل إِلَّا مَن وجبَ قتله عليه؟!

فقال اللعين: أَنا ما أَترك عداوته، فامرت به فضرب خمسمائة سوط حتّى غشي عليه، ثُمَّ أَمرت به للحبس وبقيت ليلتي متفکِّراً في كيفية قتله؛ فتارة قلت احرقه بالنار، وتارة قُلت أَرميه في الماء، فأَخذني النَّوم آخر الليل، فرأيت أن رسول الله نزل من السَّماءِ ومعه أَمير المؤمنين عليّ بن أَبي طالب والحسن والحسين [وجبرائیل] قد نزلوا في قصري وبيد جبرائيل قدح من لؤلؤ يأخذ شعاعه بالأَبصار، فأَخذه النَّبيّ منه ونادى يا شيعة آل محمَّد قوموا من منامِكم واشربوا من هذا الماء، وكان الَّذي يحرسني في تلك اللّيلة خمسة آلاف رجل، فقام من أعاظمهم أَربعون رجلاً أَعرفهم بأسمائهم لأَنّي أَراهم كلّ يوم، فاتوا إِليه وشربوا

ص: 278


1- في زهر الربيع: فقال: إِنَّ مُلكَ الشَّام فوضته إلى ابن عمّي عبد الملك بن صالح، فكان هو الأَمير عليه فكتب اليَّ أَن في الشَّام خطيبا يسب .....)

من ذلك الماء.

ثُمَّ قال النَّبيّ: «أَينَ الخَطيبُ الدِّمشقي»؟، فقام رجل مِن المجلسِ وأَتی له فلزمه النَّبيّ بيده وقال: «یا کَلب غَيرَ الله بك مِن نعمةِ، لأَيّ شيءٍ تَسب وصيي وخليفتي عَلِيّ بن أَبي طالب»؟

فمُسخ كلبا أسوداً ذلك الخطيب في ساعتهِ، فأَمرت به فردوه إلى الحبس وضرب عليه الأَقفال، وصعد النَّبيّ ومَن معه إلى السَّماء، فاستيقظت فزعاً مرعوباً تضطرب عظام مفاصلي، فطلبتُ ياسر(1) الخادم وقلت له: عَلَيَّ بالخطيب الدمشقي، فمضى إلى الحبس وأَتی قابضاً على أُذني كلب أَسود يجره على الأَرضِ وأُذنَه كأُذن الآدمي فقال لي: ما رأَيت في المحبس إِلّا هذا الكلب الأَسود.

فقلت: ردَّه إلى الحبس هذا هو الخطيب الدمشقي، فهذا هو في الحبس إِن أَردتم النَّظر إِليه أَتينا به.

فقال الشَّافعي: نحبّ ذلك؛ فأَمر مسرور الخادم ومضى إلى المحبس وأتی بالكلب الأَسود يجره من أُذنه، فقال له الشّافعي: يا ملعون رأَيت عذاب الله؟ فبکی وحرك رأسه، فقال الشَّافعي: أَبعده عنّا فإِنا نخاف من نزولِ العذاب، فردّه

ص: 279


1- في المصدر: (مسرور)

إلى المحبس فبعد ساعة سمعنا صوتا هائلاً، فقالوا: نزلت صاعقة عليه من السَّماء فأَحرقته والحبس الَّذي كان فيه(1).

والمستفاد من الخبر الوارد ان جميع أَعداء أَمير المؤمنين حيدر الكرار وإمام المتقين الابرار صلوات الله وسلامه عليه، إنّهم في الباطنِ وحقيقة الحال کلاب وخنازير، وإِنَّما أَبرزهم الله في الظَّاهر في صورة نوع الإِنسان كرامة ولطفاً بشيعة أَمير المؤمنين أَهل الإِيمان، ولو برزوا بحقائقهم الباطنة لشقَّ على شيعة أَمير المؤمنين معاشرتهم والأَهالهم أَمرهم.

فهذا الخطيب الدمشقي عِبرة لمن نظر له [فإِنّه قد] برز بحقيقته الباطنة، وتغيَّرت نعم الله عليه أَي الصّورة الإِنسانية الظَّاهرية، وإِنَّما الجزاء لهذا الشَّقي الخطيب الَّذي ليس له في الإِيمان من نصيب على ما ارتكبه من السّبِّ والثَّلبّ(2)

ص: 280


1- احتجاج المخالفين العامة - السيد هاشم البحراني: 340، الاحتجاج الثاني والستون (بتفصيل وزيادة لم أَجدها في بقية المصادر) / زهر الربيع - السيد نعمة الله الجزائري: 390، في عقاب ساب أمير المؤمنين عليه السَّلام / الكشكول - الشيخ يوسف البحراني 1: 61، ما رواه هارون العبّاسي في فضل أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه / المناقب المرتضوية - محمد صالح الكشفي الحنفي: 186، الباب الثالث، في بيان مناقبه صلوات الله وسلامه عليه (فارسي) (باختلاف)، وعنه في شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي 8: 758 (باختلاف)
2- الثَّلبُ: شِدّةُ اللَّومِ والأَخذُ باللِّسان (لسان العرب - ابن منظور 1: 241، مادة - ثلب)

لوليّ الله وخليفة رسول الله صلَّی الله عليه وآله يعجل الله العذاب له بصاعقة تحرقه وتسوقه إلى عذاب الأبد(1).

واعلم أَن وليّ الله أَمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه الكفر به كفر بالله، والشّرك به شرك بالله، ويدلّ على ما قلنا ان أصنام قریش الثّلاثة، ومَن كان يحذوا حذوهم وهم يقتدى الَّذِين كفروا بولاية وليّ الله سلام الله عليه كانوا على الكفر الصّراح، ومما يدل على ذلك ما رواه الشَّيخ السَّعيد محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في كتابه: الثّاقب في المناقب(2).

قال: كان على محمّد الرّشيد بن المهدي رجل يقال له: إِسحاق بن إِبراهيم

ص: 281


1- أُنظر الهداية الكبرى للخصيبي: 224، الباب السّادس، ومشارق أَنوار اليقين للشّيخ رجب البرسي: 135، وعنه في بحار الأَنوار للمجلسي 46: 49، ومدينة المعاجر للسيَّد هاشم البحراني 4: 405، ح 142
2- لم أَعثر على كتاب (الثاقب في المناقب) للشيخ المفيد، والظاهر انه كتاب المناقب والمثالب للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي، المتوفي سنة 413، نسبه إليه صاحب كتاب (المناقب الفاخرة)، على ما حکی عنه السيد هاشم التوبلي في (روضة العارفين) حكاية ديك الجن - الشاعر المشهور -مع هارون العبّاسي، و كذا حکی عنه حكاية ديك في (عقد اللئال في فضائل النّبيّ والال) للشّيخ أحمد ابن سليمان البحراني مصرحا بأن (المناقب الفاخرة) للسيد الشريف الرضي، و إنه نقل عن كتاب المناقب و المثالب تصنيف الشيخ المفيد هذه الحكاية (انظر الذريعة 22: 317، رقم 7259)

الملقب بديك الجن(1)، وكان عالماً فاضلاً شاعراً أَديباً فقيهاً عارفاً بكثير من العلوم وكان مع ذلك شيعياً، فوشي به إلى الرّشيد وقيل له: إِنَّ ديكَ الجن رجلٌ لا يثبت صانعاً ولا يقول ببعثةٍ ولا نبوّة، وهو ممّن يقع في الإِسلام وأَهله، فإن قتله أَمير المؤمنين، أَراح النّاس منه والإِسلام مِن شرِهِ.

فأَحضره الرَّشید فلمَّا مَثُلَ بين يديه قال: السَّلام عليك يا أَمير المؤمنين(2).

ص: 282


1- المشهور ان ديك الجن هو: عبد السَّلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب الكلبي الحمصي - السلماني الشيعي المولود في حمص، شاعر مشهور في أهل البيت، له مراثٍ كثيرة في الحسين عليه السّلام. توفي سنة 235 ه؛ انظر سير أعلام النبلاء الذهبي 11: 162، وفیات الاعیان - ابن خلکان 3: 184
2- أقول: ليس في كلام ديك الجن منقبة هارون العباسي عندما يقول له: يا أمير المؤمنين، بل مثلبة، لان لقب أمير المؤمنين منحة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله لعلي صلوات الله وسلامه عليه. ولقب أمير المؤمنين عليه السلام خاص بعلي صلوات الله وسلامه عليه، لا يحق لأحد حتى للأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من ولده أن يتسمی به. ويدل على ذلك ما رواه الكليني في الكافي 1: 412، ح 2، عن محمد بن يحيى، عن جعفر بن محمد قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله رجل عن القائم (عجل الله تعالى فرجه الشریف) يُسلم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين عليه السلام، لم يسم به أحد قبله ولا يتسمی به بعده إلا كافر، قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» (هود: آية 86). وروى العياشي في تفسيره 1: 276، ح 274، عن محمد بن إسماعيل الرازي عن رجل سیاه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رجل على أبي عبد الله فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقام على قدميه فقال: مه هذا اسم لا يصلح الا لأمير المؤمنين عليه السلام، الله سماه به ولم يسم به أحد غيره فرضی به الا كان منکوحا وإن لم يكن به ابتلى به ، وهو قول الله في كتابه «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا» (النساء: آية 117) قال: قلت: فماذا يدعى به قائمكم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ قال: يقال له السلام عليك يا بقية الله، السلام عليك يا بن رسول الله. وغيرها من المصادر الاخرى منها (الأمالي للشيخ الطوسي: 195، واليقين للسيد ابن طاووس: 25، ومستدرك الوسائل للميرزا النوري 10: 398، والجواهر السنية للحر العاملي: 262، ومدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 1: 71، وبحار الأنوار 37: 290)

فقال له الرشيد: لا أَهلا ولا سهلاً، ويلك بلغني عنك أَنّكَ لا تثبت صانعاً ولا تقول ببعث ولا نبوَّة، وأَنّكَ ممن يقع في الإِسلامِ وأَهله، وإِنّ قتلكَ يريحُ الإِسلام والمسلمين من شرِّك.

فقال له ديك الجن: معاذ الله أن يكون هذا مذهبي أو تلك مقالتي، وما ينطوي عليه قلبي وضميري، وكيف يا أَمير المؤمنين لا أُثبت صانعاً مع وجود الشَّواهد الدّالة عليه، وعندّي إِنَّ الموتَ مَثَلهُ كمَثلِ النَّوم، وإِنَّ البعثَ مَثَلهُ كمثلِ اليقظة، وعندّي أَنّ اللهَ سبحانهُ وتعالى (لا يُخلي الأَرض مِن حجّةٍ علينا و)(1) لا يخلي المكلفين من اللُّطفِ، إِمَّا نبيّ أَو وصيّ نبيّ يكون النَّاس معه أَقرب إلى الصَّلاح وأَبعد مِن الفسادِ.

ص: 283


1- بين القوسين لم يرد في المصدر

ثُمَّ أَوجبَ الله تعالى أن لا يخرج ذلك (القُطب)(1) مِن الدُّنيا حتّى يجعل له خليفة کَهو، يكون النَّاس معه كحالهم(2) مع الصَّدر الأَوَّل حتّى يقوم مقامه فيهم، فهو والله - يا أَمير المؤمنين - هذا مذهبي فلا تَسمع فيَّ قول المبدّلين [المنحرفين] المحرّفين المغييرين المبتكين(3) آذان الأَنعام، الهمج الرعاع الَّذِين يطيرون مع كلِّ ریح، ويتبعون كلّ ناعق وناهق، الَّذِين تفرعت الزندقة من مذهبهم، وعملوا بالقياس في أديانهم، وزووا الخلافة عنك (وعن أَبائك)(4) وعن أَبيك العبّاس بما رووه كذبا عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من قولهِ: نحنُ معاشر الأَنبياء لا نورث، وما تركناه يكون صدقة.

كيف يقول رسول الله صلَّى الله عليه وآله ذلك وقد قال الله تعالى: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...».

وقال الله تعالى لزكريا: «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...».

قال له الرَّشيد: ويلك الست القَائل في شعرِك

ص: 284


1- بين القوسين لم يرد في معالم الزلفي وروضة العارفين
2- في المصدر: (كحکایتهم)
3- البتك: القطع (لسان العرب - ابن منظور 10: 395، مادة - تبك)
4- بين القوسين لم يرد في الكشكول

أَصبحتُ جَمَّ(1) بلابلِ(2) الصَّدرِ *** وأَبيُ مطويّا(3) على الجمرِ

إِن بحتُ [يوماً] طُلَّ دَمي وإِن *** أَكتمُ يضيقُ بكتمهِ صدري(4)

فقال: بلا والله أَنا القائل لما ذكرت فأَينَ تمامه؟

قال له الرَّشيد: ويلك أَله تمام؟

قال: نعم.

قال: قله، فأَنشد:

مما أَتاه(5) إلى أَبي حسنٍ *** عمرٌ وصاحِبُهُ أَبو بكرِ

فعلى الَّذي يرضى بفعلِهما *** مثل الَّذي احتقبا من الوزرِ(6)

جَعَلوكَ رابعَهُم أَبا حسنٍ *** كَذبوا(7) وربِّ الشَّفعِ والوترِ

ص: 285


1- الجَمُّ والجَمَمُ: الكثير من كلِّ شيء (لسان العرب - ابن منظور 12: 104، مادة - جم)
2- البَلبلة والبَلابل والبَلبال: شدَّة الهم والوَسواس في الدور وحديث النفس (لسان العرب - ابن منظور 11: 69، مادة – بلبل)
3- في روضة العارفين والديوان: (منطوياً)
4- في الديوان: (ولئن كتمتُ يضيق به صدري)
5- في الديوان: (جَناهُ على)
6- هذا البيت لم يرد في الديوان ضمن القصيدة، بل ورد في روضه العارفين والمعالم والكشكول
7- في الديوان: (ظلمُوا)

وقتلتَ في بدرٍ سُراتَهم(1) *** لأَغرو ان طلبوك بالوترُ(2) (3)

قال: فقطع الرَّشيد عليه شعره وقال له: ويلك جئت بك لأَستيبك عن الزندقة فخرجت إلى مذهب الرافضة! لقد زدت كفرا إلى كفرك.

قال: يا أَمير المؤمنين إِن كان كلّ مَن قال بمحبتكم وولايتكم وأعتقد أنك قرابة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وممن تجب له المودة بقوله عزَّ وجل: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(4) یکون کافراً فأَنا ذلك الكافر.

قال له الرَّشيد: أَلست القائل [في شعرك]:

باحَ لمثلي بمضرٍ الصَّدر *** ما ذاكَ إِلّا لمعظمِ الأَمر

فليس بعدَ المماتِ مُرتَجعٌ *** وإِنَّما الموتُ بيضةُ العُقر

فقال: معاذ الله يا أَمير المؤمنين أَن يكون هذا قولي [أو أكون] ممّا أَتلفظ به إِلّا ناقلا له عن أَشياخي رافعاً له إلى الولید بن یزید بن عبد الملك، فإِنّه كان زنديقا لا يثبت صانعا ولا يقول ببعث ولا نبوة، وروي عنه انه تفائل بالمصحف يوماً،

ص: 286


1- سَراتَهُم: أي خيارَهُم (تاج العروس - الزبيدي 19: 522)
2- هذا البيت لم يرد في الديوان ضمن القصيدة، بل ورد في روضه العارفين والمعالم والكشكول
3- دیوان ديك الجن: 49، ضمن قصيده يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام ويتظلم له
4- الشورى: أية (23)

فخرج قوله تعالى: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ»(1).

فجعل المصحف غرضا للنشاب ورماه بالنّبل حتّى خرقه وقال:

تهدِّدُني بجبارٍ عنيدِ *** فها أَنا ذا جبّارٌ عنيدُ

إِذا ما جئتَ ربَّكَ يومَ حشرٍ *** فقل يا ربِّ مزَّقَني الوليدُ(2)

فقال الرشيد: أَوليس هذان البيتان الأَخيران لك؟

فقلت: لا يا أَمير المؤمنين.

فقال: لعن الله الوليد بن يزيد ما كان يثبت صانعا ولا يقول ببعثة ولا نبوّة، أَتدري من أَين أَخذَ ذلكَ اللّعين قوله هذا؟

فقلت: نعم إِن أَعطاني أَمير المؤمنين الأَمان على النَّفسِ والأَهلِ والمال، وضمن الجائزة قلت له مِن مَن أَخذ ذلك.

قال: لك ذلك، ثُمَّ أَخرجَ خاتمه من إِصبعهِ ورمی به إِلىَّ.

ص: 287


1- إبراهيم: آية (15، 16)
2- انظر: الكامل في التاريخ - ابن الأثيره: 290/ الاغاني - الاصفهاني 7: 49/ تاریخ ابن الجوزي 7: 241

فقلت: يا أَمير المؤمنين عن شعر عمر بن سعد حين خرج إلى حرب الحسين عليه السَّلام حيث يقول:

فو الله ما أَدري وإِنّي لصادق(1) *** أُفكر في أَمري على خَطرينِ

أأترك مُلكَ الرَّيِ والرَّيُّ منيَتي *** أَم أَرجعُ مأثوماً بقتلِ حسينِ

حسينُ ابن عمِّي والحوادثُ جمّةٌ *** وما عاقلٌ باعَ الوجودَ بدينَ

يقولونَ إِنَّ اللهَ خالقُ جنَّةٍ *** ونارٍ وتَعذيبٍ وغلِّ يدينِ

فإِن صدقوا فيما يقولونَ إِنني *** أَتوب بصدقٍ لا كتوبة مين(2)

وإِن كذبوا فُزنا بدنيا هنيئةٍ *** وملكٍ عظیمٍ دائِمِ الحجلين(3)

فقال الرّشيد: لعن الله عمر بن سعد كان لا يثبت صانعاً ولا يقول ببعثة ولا نبوّة، أَتدري من أَين أَخذهُ اللَّعين؟

قال: نعم يا أَمير المؤمنين أَخذهُ من شعرِ یزید بن معاوية.

قال: وما قال یزید بن معاوية؟ [قلت] قال:

ص: 288


1- في المصدر: (الحائر)
2- في المصدر: (الى الرحمن من سنتين). المين: الكذب (العين - الفرهيدي 8: 388)
3- انظر: الكامل في التاريخ - ابن الأثير 4: 53 / الفصول المهمة - ابن الصباغ 2: 822، الفصل الثالث / مطالب السؤول - الشافعي: 401

عليَّة هاتي ناوليني وأَعلني *** حديثَكِ إِنّي لا أُحبُّ التَناجيا

[حديثَ أَبي سفيانَ لمّا سمی به *** إِلى أحدٍ حتّى أقام البواكيا]

فرامَ به أًمراً عليٌّ قيامه(1) *** وأدركَهُ الشَّيخُ اللَّعينِ معاويا

فان مِتُّ يا أُمَّ الحمير(2) فأَنكحي *** ولا تأملي بعدَ المماتِ تلاقيا

فإِنّ الَّذي حدثتُ في يومِ بعثِنا *** أَحاديثُ زور تتركُ القلبَ ساهيا

ولولا فضولُ النَّاسِ زُرتُ محمَّداً *** بمشمولةٍ صَرفٍ(3) تروّي عظاميا

ولا خلّفَ بين النَّسِ أَنَّ محمَّداً *** تبوَّأ قبراً بالمدينةِ ثاويا

وقد ينبتُ المرعى على من دمِنَ الثَّرى *** له غصنٌ من تحتهِ السّرُّ بادیا

ونفنى ولا يبقى على الأَرضِ دمنةٌ *** وتبقى حزازات النّفوس کما هیا(4)

فقال الرشيد: لعن الله يزيد بن معاوية ما كان يثبت صانعاً ولا يقول ببعثة ولا نبوَّة أَتدري من أَين أَخذه اللَّعين؟

قلت: نعم، أَخذهُ من شعر أبيه معاوية بن أبي سفيان، قال: وما قال معاوية؟

ص: 289


1- في الكشكول والمعالم: (فرام به عمراً عليّاً ففاته) وفي روضة العارفين: (فرام به أمراً عليّاً ففاته)
2- في الكشكول: (يا أُمّ الأُحيمر)
3- في روضة العارفين: (خرت)
4- انظر: تذكرة الخواص - سبط ابن الجوزي: 578، الباب التاسع / جواهر المطالب - الشافعي 2: 402

قلت: قال:

قُم سائلِ الدّيرِ من بُصری وضعات(1) *** فلا تَلُمني فما تعني الملاماتُ

وقم لنجلي في [طورِ(2) الظَّلماءِ] شَمسَ ضُحىً *** نجومها الزّهرُ طاساتٌ وكاساتُ

لعلَّنا إن يدع(3) داعي الفراقِ بنا *** عفي(4) وأَنفسنا منها رویّاتُ

خذ ما تعجَّلَ واترك ما وعِدتَ به *** فعل اللَّبيبِ ففي التاخيرِ آفاتُ

قبل ارتجاعِ اللَّيالي كلَّ عاريةٍ *** فإِنَّما خلعُ الدّنيا استعارات

فقال: لعن الله معاوية ما كان يثبت صانعا، ولا يقول ببعثة ولا نبوَّة أتدري من این أخذ شعره الملعون؟

قلت: نعم أخذه من شعرِ عمر بن الخطاب حين ولاّه الشَّام وقلَّده إياها.

قال: وما قال عمر بن الخطاب؟

قال: قلت: قال:

معاويَ إِنّ القومَ ظلَّت حلومُهُم *** بدعوة من عم العشيرةِ بالوترِ

صبوتَ إلى دينٍ بهِ بادَ أسرتي *** فأَبعِد به دينا [قد] قصمتَ بهِ ظهري

ص: 290


1- في المصدر: (صبابات)
2- في روضة العارفين: (صرد)
3- في روضة العارفين: (ندع)
4- في روضة العارفين: (نمضي)

فإِن أنسَ لا أَنسى الوليدَ وعتبةَ *** وشيبةَ والعاصَ الصريعَ لدى بدرِ

توصَّل إلى التخليطِ في الملَّةِ الَّتي(1) *** أَتانا بها الماضي المموَّهُ بالسّحر

لهذا وقد قلَّدتُك الشَّام راجياً *** وأَنت جَديرٌ أَن تعودَ إلى صخرِ(2)

قال الرشيد: یا ابا اسحاق(3) أوكان عمر کافراً بما نزل على محمَّد؟

قلت: نعم يا أَمير المؤمنين.

فقال: من أَين أَخذ هذا الزنديق هذا القول؟

قلت: أَخذه من شعر أَبي بكر بن أبي قحافة.

قال: وما قال أَبو بكر؟ قلت: قال:

أَتوعد في الجنانِ بشربِ خمرٍ *** وتنهي الآن من ماءٍ وتمرٍ

كما قال الغرابُ لسهمِ رامٍ *** لقد جمَّعتَ من ريشٍ لضرّي

حديدةَ صيقلٍ وقضيبَ نبعٍ *** ومن عصبِ البعيرِ وریشِ نسرِ

ص: 291


1- في الكشكول: (الى التخليص في الليلة التي)
2- انظر الصراط المستقيم العاملي 3: 25، والاربعون للشيرازي: 565، وبحار الانوار للمجلسي 30: 298، باب 20
3- ورد في بداية الرواية أن اسمه إسحاق بن ابراهيم، والمعروف ان ديك الجن اسمه عبد السلام بن رغبان وقد أشرنا سابقا إلى اسمه وترجمته

أَتطمعُ في حياةٍ بعدَ موتٍ *** حديثُ خرافةٍ يا أُمَّ عمروِ

فقال: يا أبا اسحاق أكان الصَّدر الأوّل كافرا بما جاء به محمَّدٌ؟

قال: نعم

فقال: أتدري من أَين أخذ هذا الزنديق؟

قال: نعم [أخذها] من شعره لنفسه حيث قال:

ذرینا نصطبح یا أُمَّ بكرِ *** فإِنَّ الموتَ نقَّبَ عن هشامِ

ونقَّبَ عن ابيكِ وكانَ قرنا *** من الأَبطالِ شرّيبَ المُدامِ

تودُّ بنو المغيرةِ لو فدَوهُ *** بأَلفِ مدحّجٍ وبأَلفِ رامِ

كأنيٍّ بالقليبِ قليبِ بدرٍ *** من [الأقوامِ والشَّرفِ الكرامِ](1)

أَيوعِدُنا أبنُ كبشةَ أن سنحيا *** وكيفَ حياةُ أشلاءٍ وهامِ

ويعجزُ أَن يكفَّ الموتَ عنّي *** ويحييني إِذا بُلِيت عظامي

خلا إنَّ الحكيمَ رأَي حميراً *** فأَلجمها فتاهت باللّجامِ

ولم يكفيهِ جمعُ المالِ حتّى *** بلانا بالصَّلاةِ وبالصّيامِ

فهل من مبلّغِ الرَّحمنِ عنّي *** بأَني تاركٌ شهرَ الصّيامِ

ص: 292


1- في الأصل: (من السّرمِ المكلَّل السّنامِ)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

وقل للهِ يمنَعُني شَرابي *** وقل للهِ يمنَعُني طعامي(1)

فقال: يا أبا اسحاق أَوكان الصَّدر الأَوَّل كافراً بالله، وبما أنزل على رسولهِ، ومكذباً بآيات الله تعالى وشاكاً في قدرتهِ؟

[قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: والله] لقد كفر هذا الزنديق كفراً ما کفر به فرعون ذو الأَوتاد، [أتدري] من أين أَخذ [الزنديق] هذا القول؟

قلت: [أَخذهُ] من شعرِ عبد اللات بن الزبعرى حيث قال:

لستُ من خندف إن لم أَنتَقِم *** من بني أحمدَ ما كانَ فعل

لَعِبت هاشمُ بالمللكِ فلا *** خبرٌ جاءُ ولا وحيٌ نزل

ولِعبنا نحنُ في دولَتِنا *** هكذا الأَيامُ والدّنيا دول(2)

فقال: والله لقد كفر هؤلاء القَوم كفراً ما سبق إِليه الأولون ولا الأخرون،

ص: 293


1- انظر ربيع الابرار للزمخشري 5: 10، باب اللهو واللعب ...، والمستطرف للأبشيهي 2: 499، باب 74، وبحار الانوار للمجلسي 29: 43، باب 5، ضمن ح 18
2- انظر: السّيرة النبوية لأبن هشام 3: 646، الاستذكار لأبن عبد البر 2: 331، و تاریخ دمشق لابن عساکر 52: 235، وشرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد 14: 280، قصة غزوة أحد، ومقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني: 80

اشهد عليَّ بأني أبرا إلى الله من أولهم وآخرهم، ثُمّ اكتم ذلك عليَّ، ثُمّ خلع عليه واعطاه الجائزة واخرجه مکرما(1).

ص: 294


1- معالم الزلفي - السيد هاشم البحراني 3: 314، الباب التاسع والتسعون فيها نقل من مذهب الاولين...، ح 1/ روضة العارفين ونزهة الراغبين - السيد هاشم البحراني: 455، الثالث والثلاثون والمائة / الكشكول - الشيخ يوسف البحراني 3: 1347، قصه ديك الجن مع الرشيد؛ وذكر الطريحي في جواهر المطالب: 271، في الخاتمة قصة ديك الجن، ونسبها إلى (الحسن الكركدان) - الذي لم اجد له ترجمة - مع المتوكل العبّاسي، وكذلك الشيخ يوسف البحراني في الكشكول 3: 1312، قصة ديك الجن مع المتوكل؛ أقول: والفضل ما شهدت به الأعداء، فليس في هذا الحديث والذي سبقه منقبة هارون العبّاسي، بل هو حجة عليه، وهو قد شهد بها، وكذلك أقر بأن الفضل والسيادة لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، وما هذا إلّا النفاق الصّريح حيث من جهة يؤمن بأن الصّدر الأوّل من القوم كانوا كافرين لا يؤمنون بنبوة نبي، ومن جهة يقتل ذرية النّبيّ الخاتم صلَّى عليه وآله ويظلمهم، فما حاله الا كحال المنافقين الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان، وذلك لكي تدوم دولتهم وتعلوا رايتهم

الفصل الثاني في ذكر شكاياته وتظلماته ونعيه لنفسه...

ص: 295

ص: 296

الفصل الثاني في ذكر شكاياته وتظلماته ونعيه لنفسه عند أهل بيته وشيعته

أمّا شکایاته عليه السَّلام من اللّصوص الثَّلاثة، فقد نقلها المخالف والمؤالف وكتاب نهج البلاغة مشحون بها، ومنها قوله في الشَّقشقيةِ: «أَمَا والله لَقَد تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وإِنَّه لَيَعلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنهَا مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحَی، یَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ولَا يَرقَی إِلَىَّ الطَّيرُ»(1).

ومنها قوله: «فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذًي وفِي الحَلقِ شَجًا أَرَی تَرَاثِي نَهباً»(2).

ومنها قوله: «فَصَیَّرَهَا فِي حَوزَةٍ خَشنَاءَ يَغلُظُ کَلمُهَا، ويَخشُنُ مَسُّهَا ويَكثُرُ العِثَارُ فِيهَا والاِعتِذَارُ مِنهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاکِبِ الصَّعبَةِ، إِن أَشتَقَ لَها خَرَمَ وإِن

ص: 297


1- نهج البلاغة (تحقیق صبحي الصالح): 48، ضمن الخطبة الشقشقية
2- نفس المصدر السَّابق

أَسلَسَ لَها تَقَحَّمَ»(1).

وقوله: «فَصَبَرتُ عَلَى طُولِ المُدَّةِ وشِدَّةِ المِحنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى الاول لِسَبِيلهِ، جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ(2) زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُم فَيَا لله ولِلشُّورَی، مَتَى اعتَرَضَ الرَّيبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنهُم، حَتَّى صِرتُ أُقرَنُ إلى هَذِه النَّظَائِرِ»(3).

وقوله: «فَصَغَا رَجُلٌ [مِنهُم] لِضِغنِه، ومَالَ الآخَرُ لِصِهرِه مَعَ هُنٍ وهَنٍ حتَّى(4) قَامَ ثَالِثُ القَومِ»(5).

وقوله: «ولَكِنَّها(6) حليت الدُّنيَا فِي أَعيُنِهِم ورَاقَهُم زِبرِجُهَا أَمَا والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَو لَا حُضُورُ الحَاضِرِ وقِيَامُ الحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، [ومَا أَخَذَ اللهَ عَلَى العُلَمَاء، أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظلُومٍ]، لأَلقَيتُ حَبلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ولَسَقَيتُ آخِرَهَا بِكَأسِ أَوَّلَهِا ولأَلفَیتُم دُنیَاکُم [هَذِه] أهوَن(7) [عِندِي] مِن عَفطَةِ

ص: 298


1- نهج البلاغ: تحقیق صبحي الصالح: 48، ضمن الخطبة الشقشقية
2- في المصدر: (جَمَاعَةٍ)
3- نفس المصدر السابق: 49
4- في المصدر: ( إلى أَن قام)
5- نفس المصدر السَّابق
6- في المصدر : (ولكنَّهم)
7- في المصدر: (أَزهد)

عَنزٍ»(1).

ومن جملة شکایاته عليه السَّلام قوله: «وَاعَجَبَا أَن تكُونَ الخِلَافَةُ في الصَّحَابَةِ وَلَا تكُونَ في القَرَابَةِ»(2) (3).

ومن نظمه عليه السَّلام في هذا المقام مخاطبا لأَبا بكر:

فإِن كنتَ بالشّوری ملکتَ أُمورَهُم *** فكيفَ بهذا والمشيرونَ غُیَّبُ

وإن كنتَ بالقربیَ حَجَجتَ خصيمَهُم *** فغيرُكَ أَولى بالنّبيِّ وأقربُ(4)

نعيه لنفسه سلام الله عليه:

وأَمّا نعيه لنفسه، فقد روي ورَّام بن [أَبي] فراس في كتابه بإِسناده: عن اسماعيل بن عبد الله الصَّلعي، قال: لمّا كثر الاختلاف بين أَصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وقُتل عثمان تخوَّفت على نفسي الفتنة، فعزمت على اعتزال النَّاس، فتنحَّیت إلى ساحلِ البحر، فأَقمت فيه حينا لا أَدري ما فيه معتزلاً لأَهل الهجر والارجاف، فخرجت من بيتي لبعض حوائجي وقد هدأ اللَّيل ونام النَّاس، فإِذا أَنا برجلٍ على

ص: 299


1- نفس المصدر السَّابق
2- في المصدر: (واعجَبي [واعجباً] أَن كون الخلافة بالصحابةِ ولا تكون بالمصاحبةِ [بالصَّحابة] والقَرابةِ)
3- غرر الحكم - عبد الواحد الآمدي: 405، حرف الواو
4- ديوان الإمام علي عليه السَّلام: 29، قافية الباء

ساحل البحر يناجي ربَّه ويتضرع إِليه بصوتٍ شجي وقلبٍ حزين، فأصغيت إِليه من حيث لا يراني فسمعته يقول: «یا حسنَ الصُّحبةِ يا خَليفةَ النَّبييِّنَ أَنتَ أَرحَمُ الرَّاحمينَ البَدئُ البَديعُ الَّذي ليسَ مثلكَ(1) شيء والدَّائمُ غَيرُ الغَافل والحَيُّ الَّذي لا يموتُ أَنتَ كلَّ يومٍ في شأن أَنتَ خليفَةُ محمَّد نَاصرُ محمَّد ومُفضِّلُ محمَّد أَسأَلُك(2) أَن تَنصُرَ ولیَّ(3) محمَّد [وخليفَةَ محمَّد] والقائِمَ بالقِسطِ بعد محمَّد اعطِف عليه نَصركَ وتَوفاهُ برحمتِك(4)».

قال: ثُمَّ رفعَ رأسه وقعد مقدار التَّشهد، ثُمَّ إنَّه سلَّم فما أَحسب إِلّا أنه مضى لتلقاءِ وجهه(5)، ثُمَّ مضى فمشي على الماءِ، فناديتهُ من خلفهِ: كلمني يرحمُكَ الله، فلم يلتَفت وقال: الهادي خَلقَك فاسأله من أَمرِ دينك.

قال قُلت: مَن هو يَرحمكَ الله؟

قال: وصيَّ محمَّد صلَّى الله عليه وآله مِن بعدهِ، فخرجتُ متَوجهاً إلى الكوفةِ فأَمسيتُ دونها فبت قريباً من الحيرةِ، فلمّا جني اللَّيل إذ أنا برجلٍ قد أَقبل حتّى

ص: 300


1- في المصدر: (کمثلك)
2- في المصدر: (أنتَ الَّذي أسألك)
3- في المصدر: (وصيَّ)
4- في المصدر: (اعطف عليه بنصرٍ، أو توفاه برحمةٍ)
5- في المصدر: (فيما أحسب تلقاء وجهه)

[استتر برابية](1) ثُمَّ صفَّ قدميه فأَطالَ المناجاة.

وكان فيما قال: «اللَّهُمَّ إِنّي سِرت فيهم بما أَمرني به نَبيَّكَ وصفيَّك فظَلموني وقتلتُ المُنافقين كما أَمرتني فجَهدوني(2) وقد مللتهم وملّوني وأبغضتُهم وأبغضَوني ولم تبق لي خلَّة انتظرها إِلّا المرادي، اللَّهُمَّ فاجعل له الشَّقاوة وتغمدني بالسَّعادة، اللَّهُمَّ وقد وعدني نبيَّك أَن تتوفاني إِليك إذا سأَلتك، اللَّهُمَّ وقد رغبتُ إِليك في ذلك».

ثُمَّ مضى فقفوته فدخلَ منزلهُ فإِذا هو عَلِيٌّ بن أَبي طالب عليه السَّلام

قال: فلم أَلبث أن نادي المُنادي بالصَّلاةِ، فخرجَ واتبعتهُ حتّى دخلَ المسجد فقحمهُ ابن ملجم - لعنه الله - بالسَّيف(3)

وروي عن حنان بن سدير، عن رجل من مزينه، قال: كنت جالساً عند أَمير المؤمنين عليه السَّلام إِذ أَقبل إِليه قوم من مراد ومعهم ابن ملجم اللعين، فقالوا: يا أَمير المؤمنين طرأ علينا ، ولا والله ما جاءنا زائراً ولا مُنتَجِعاً(4)، وإِنا لنخافهُ عليك

ص: 301


1- في الأصل: (استقرت ترائبه)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- في المصدر: (فجهلوني)
3- تنبیه الخواطر (مجموعة ورام بن ابي فراس) 2: 222، حديث الصَّلعي / عنه في بحار الأَنوار - المجلسي - 42: 252، في وصيته عليه السَّلام، ح 54
4- النَّجعُ، بالفَتحِ: بَيتٌ من شَعَرٍ (تاج العروس - الزبيدي 11: 471)

فاشدد يدك به.

فقال له عليٌّ عليه السَّلام: «اجلس»، فنظرَ في وجههِ طويلاً، ثُمَّ قال: «أرأيتك إِن سئلتكَ عن شيءٍ وعندك منه عِلم هل أَنتَ مخبري عنه»؟

قال: نعم، وحلَّفه عليه.

فقال له: «أَنتَ تصارع(1) الغلمان وتقوم عليهم، فكُنتَ إذا جئت ورأوك من بعيد قالوا: قد جاءنا ابن راعيةَ الكلاب».

قال: اللَّهمَّ نعم!

فقال له: «مررتَ برجلٍ وقد اینعت، فنظر إِليكَ وأحدَّ النَّظرَ فقال لك: أَشقى من عاقرٍ ناقةِ ثَمود».

قال: نعم.

قال عليه السَّلام: «قد أَخبَرتكَ أمُّكَ انّها قد حملت بك في بعضِ حيضها» فتعتع(2) هنيئة ثُمَّ قال: نعم قد حدَّثتني بذلك، ولو كنت كاتماً شيئا لكتمتك هذه المنزلة.

ص: 302


1- في الخرائج: (کُنتَ تراضع الغلمان)
2- التعتعةُ في الكلام: أَن يَعيَا بكلامه ويتَرَدَّد (لسان العرب - ابن منظور 8: 35)

فقال له علي عليه السَّلام: «قُم» فقام، فقال: «سَمعتُ حبيبي رسول الله صلَّى الله عليه وآله يقول إِن قاتلك شَبيه اليَهود، بل هو يهودي»(1).

[رواية أبي مخنف في نعيه لنفسه وشهادته سلام الله عليه]

وفي رواية أبي مخنف وغيره قال: قالت أُم كلثوم: لمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدَّمت إلى أبي عند إِفطاره طبقا فيه قرصان من خبزِ الشَّعير وقصعة فيها لبن وملح الجريش، فلمّا فرغ من صلاته أَقبل على فطوره، فلمّا نظر إليه وتأمله حرك راسه ویکی بکاء عاليا وقال: «يا بُنية ما ظننتُ إِنّ بنتاً تسوءُ أَباها كإساءتك إليّ».

قالت: لماذا يا أبت؟

قال: «يا بنية تقدمين إلى أَبيكِ إِدامين في طبقٍ واحد؟ أتريدين أن يطول وقوفي [غدا] بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وأَنا أُريد أَن أَتبع أَخي وابن عمِّي رسول الله صلَّى الله عليه وآله، فإِنّهُ ما قُدِّمَ إليه إِدامان في طبقٍ واحد إلى أن قبضهُ الله إليه.

یا بنية ما من رجلٍ طابَ مطعمهُ ومشروبه وملبسه إلّا طالَ وقوفهُ بين يدي الله يوم القيامة.

يا بنية إِنَّ الدُّنيا في حلالِها حِساب وفي حرامها عقاب، وقد أخبرني حبيبي

ص: 303


1- الخرائج والجرائح - الراوندي 1: 182، الباب الثاني، ح 14 / عنه في بحار الأنوار - المجلسي 42: 197، باب في شهادته سلام الله عليه، ح 17، والانوار العلوية - جعفر النقدي: 400، في حالة قتله سلام الله عليه

رسول الله صلَّى الله عليه وآله أن جبرئیل نزل إليه ومعه مفاتیح کنوز الأَرض وقال: يا محمد! السَّلام يقرؤك السَّلام ويقول لك: إن شئت صیَّرت لك جبال تهامة ذهبا وفضة، وخذ هذه مفاتیح کنوز الأَرض ولا ينقص ذلك من فضلك يوم القيامة.

قال: يا جبرائيل وما يكون بعد ذلك؟

قال: الموت.

فقال: إذاً لا حاجة لي في الدَّنيا، دعني أَجوع يوماً وأشبع يوماً، فاليوم الَّذي أجوع فيه أتضرع إلى ربّي وأسأله، واليوم الَّذي أَشبع فيه أشكر ربّي وأحمده».

فقال جبرائيل عليه السَّلام: وفقتَ لكلِّ خير يا سيّد المرسلين، ثُمّ قال [أمير المؤمنين عليه السَّلام]: «یا بنية الدّنيا دار غرور [ودار هوان]، فمن قدم شيئا وجده، یا بنية والله لا آكل شيئاً حتّى ترفعين أَحد الإِدامين».

قالت: فرفعت اللَّبن، ثُمَّ أنه عليه السَّلام تقدم إلى الطَّعام فأَكل قرصا واحدا بالملح الجريش، ثُمَّ حمد الله وأثنى عليه وذكر النَّبيّ فصلّى عليه، ثُمَّ قام إلى صلاته فصلّى ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى، ويكثر الدّخول والخروج وهو ينظر إلى السّماء وهو قلق يتململ، ثُمَّ قرأ سورة يس حتّى ختَمها ثُمَّ رقد هنيئة وانتبه مرعوباً، وجعل يمسح وجهه بثوبه ونهض قائماً على قدميه

ص: 304

وهو يقول: «اللَّهُمَّ بارك لي في لقائِك» ويكثر من قول: «لا حولَ ولا قوة إِلّا بالله العلي العظيم» ثُمّ صلّى حتّى ذهب بعض اللّيل، ثُمّ جلس للتعقيب، ثُمّ نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه [من نومته] مرعوبا.

قالت أُمّ كلثوم رضوان الله عليها: كأَنّي به وقد جمع أَولاده وأهله وقال لهم: «في هذا الشَّهر تفقدوني، إِنّي رأيت في هذه اللَّيلة رؤيا أَهالتني وأُريد أَقصّها عليكم».

قالوا: وما هي؟

قال: «إِنّي رأيت السَّاعة رسول الله صلَّى الله عليه وآله في منامي وهو يقول لي: يا أَبا الحسنِ إِنك قادمٌ الينا عن قريب، يأَتي اليك أَشقاها فيخضب شيبتك من دمِ رأسك وأنا مشتاق إليك، وإِنك عندنا في العشر الأَواخر من شهرِ رمضانِ فهلمَّ الينا فما عندنا خيرٌ لك وأَبقى».

قال: فلمّا سمعوا كلامه ضجوا بالبُكاء والعويل والنَّحيب، فأَقسم عليهم بالسّكوت، فسكتوا ثُمّ أَقبل عليهم يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشَّر.

[قالت أم كلثوم] رضوان الله عليها: ولم يزل تلك اللّيلة قائما وقاعداً وراكعاً وساجداً، ثُمَّ يخرج ساعة بعد ساعة، ويقلّب طرفه في السّماء وينظر في الكواكب وهو يقول: «والله لا كَذَبت ولا کُذِّبت وإنّها اللَّيلة الَّتي وعدني بها رسول الله صلَّى الله عليه وآله»، ثُمَّ يعود إلى مُصلاه ويقول: «اللَّهُمَّ بارك لي في الموت وما بعد

ص: 305

الموت وما قبل الموت»، ويكثر من قول: «إِنا لله وإِنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، ويصلي على النَّبيِّ وآله، ويستغفر الله كثيراً».

قالت أُم كلثوم رضوان الله عليها: فلمّا رأيته في تلك اللَّيلة قلقاً متململاً كثير الذِّكر والاستغفار أَرقت معه ليلتي تلك وقلت له: يا أَبت مالي أَراكَ هذه اللَّيلة لا تذوق طعم الرقاد؟

قال: «يا بنية إِنَّ أَباك قتل الأَبطال وخاض الأَهوال وما دخل الخوف له جوفا، وما دخل في قلبه رعب أَكثر من هذه اللِّيلة»، ثُمَّ قال: «إِنا لله وإنا إِليه راجعون»

فقلت: يا أَبتِ ما لك تنعي نفسك منذ هذه اللَّيلة؟

قال: «يا بنية قد قَرُبَ الأَجل وانقطع الأَمل».

قالت: فبكيت، فقال لي: «لا تبكين فإِنِّي لم أَقل إِلّا بما عهد إِلىَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وآله»، ثُمَّ إِنّهُ نعس وهجع ساعة ثُمَّ استيقظ من نومهِ وقال: «يا بنية إِذا قرب وقت الأَذان فأَعلميني»، ثُمَّ رجع إلى الصَّلاةِ والدّعاء والتّضرع إلى الله تعالى.

قالت أُمّ كلثوم رضوان الله عليها: فجعلت اراقب وقت الأَذان، فلمّا لاح الوقت أَتيته ومعي إِناء فيه ماء، ثُمَّ أيقظته فأَسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه، ثُمَّ نزل إلى الدّار، وكان في الدّارِ وز قد أُهديَّ إلى [أَخي] الحسين عليه السَّلام، فلمّا نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجههِ، وكنَّ قبل تلك اللَّيلة لم

ص: 306

يصحن.

فقال: «لا إِله إِلاّ الله، صوائِح تتبعها نوائح في غداةِ غدٍ يظهر القَضاء».

فقلت له: يا أبت هكذا تتطير؟

فقال: «يا بنية ما منّا أَهل البيت مَن يتطيّر ولا يتطير به، ولكن قول جرى على لساني»، ثُمَّ قال: «بحقي عليكِ إلّا ما أطلقتيهِّن فقد حبستي مَن ليس له لسان ولا يقدر على الكلام إِذا جاع أَو عطش، فأطعميه واسقيه، وإِلّا خلِّى سبيله يأَكل من حشائشِ الأَرض»، فلمّا وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره فانحل مئزره حتّى سقط فأَخذه وهو يقول:

اشدد حيازيمَكَ للموتِ *** فإِنَّ الموتَ لاقيكا

ولا تجزع مِن الموتِ *** إذا حلَّ بوادیکا

ولا تغترَّ بالدَّهرِ *** وإِن كانَ يواتیکا

كما أَضحَكَكَ الدَّهرُ *** كذاكَ الدَّهرُ يُبكيكا

ثُمَّ قال: «اللَّهُمَّ بارك لي في الموت اللَّهُمَّ بارك في لقائِك».

قالت أُمّ كلثوم: وكنت أَمشي خلفه، فلمّا سمعته يقول ذلك قلت: و آغوثاه یا أَبتاه أراك تنعي نفسك هذه اللّيلة.

قال: «يا بنية ما هو بنعي ولكن للموت دلالات وعلامات يتبع بعضها بعضاً

ص: 307

فامسكي عن الجواب»، ثُمَّ فتح الباب وخرج.

قالت: فجئت إلى أخي الحسن عليه السَّلام فقلت: يا أخي قد كان من أمرِ أبيك كذا وكذا وهو قد خرج في هذا اللَّيل الغلس فالحقه، فقام عليه السَّلام وتبعه فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال: «يا أَبتاه ما أَخرجك هذه السَّاعة وقد بقي من اللَّيلِ ثلثه»؟

فقال: «يا قرة العين خرجت لرؤيا رأيتها هذه اللَّيلة أَهالتني وأَقلقتني».

فقال له: «خيراً رأيت إِن شاء الله تعالى وخيراً يكون، فقصَّها عَلَيَّ».

فقال عليه السَّلام: «رأَيت جبرائيل قد نزل على جبلِ أَبي قبيس، فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبةِ وتركهما على ظهرهِا، وضرب أَحدهما على الآخرِ فصار كالرَّميم، ثُمّ ذراهما في الرّيحِ، فما بقي في المدينة ولا في مكّة بيت إِلّا ودخله من ذلك الرَّماد».

فقال له: «يا أبت وما تأويلها»؟

فقال له: «یا بني إِنّ أَباكَ مقتولٌ، ولا يبقى في المدينةِ بيت ولا في مكّة إلّا ويدخله من ذلك غم [ومصيبة] أمن أجلي».

فقال الحسن علسه السَّلام: «ومتی يكون ذلك یا أبت»؟

ص: 308

فقال: «يا بني إِنَّ الله تعالى يقول: «...وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ...»(1) ولكن عهد إِليَّ حبيبي رسول الله صلَّى الله عليه وآله إِنّهُ يكون في العشرِ الأَواخر من شهرِ رمضان، يقتلني ابن ملجم المرادي».

فقلت له: «إِذا علمت منه ذلك فاقتله».

فقال: «يا بني لا يجوز القصاص إِلّا بعد الجناية، ولم تحصل منه الجناية، يا بني لو اجتمع الثَّقلان على دفعهِ عنِّي ما قدروا، یا بني إِرجع إلى فراشك».

فقال الحسن عليه السَّلام: «يا أبتاه أُريد أن أمضي معك إلى الموضعِ الَّذي تؤدّي فيه صلاتك».

فقال له: «أَقسمتُ بحقي عليك إِلّا رجعت إلى فراشك لئلا يتنغص عليك نومك ولا تعصني في ذلك».

قال: فرجع الحسن عليه السَّلام ووجد أُخته أُمّ كلثوم رضوان الله عليها قائمة خلف الباب تنتظره، فدخل فأَخبرها بذلك وجلسا يتحدثان وهما محزونان حتّى غلب عليهما النُعاس فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما(2).

ص: 309


1- لقمان: (34)
2- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 73، (باختلاف بسيط) / وأورده المجلسي في بحار الأنوار عن أبو الحسن البكري، عن أبو مخنف في 42: 279، الباب السّابع والعشرون والمائة، كيفية شهادته عليه السلام ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه، والانوار العلوية - جعفر النقدي: 371، ومنهاج البراعة - الخوئيه: 144، المختار التاسع والتسعون / وفاة أمير المؤمنين عليه السَّلام - علي الخطي: 54، (نحوه)

يقول جامع هذا الكتاب: اعلموا یا ذوي الإِيمان والأَلباب إِنّ قول الإِمام الحسن الزكي عليه السَّلام لأَبيه البرّ الوصيّ الرّضيّ: «إذا علمت منه ذلك فاقتله» ليس من جهلٍ به عليه الصلاة والسَّلام، وإِنَّ القصاص لا يحل به إِلّا بصدور الجناية، وإِنمّا حلَّ قتله من بابِ الدفاع عن النفس الواجب حفظها بحسب الإِمكان والتّمكين، والإِمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما لمّا علم أَنّ تسلّط ذلك الكافر الضّليل من الأمورِ الحتمية الَّتي ليس فيها محو ولا تبدیل، بل كان له في ذلك فوز وشهادة، لقوله عليه السَّلام بعد أن أحس بتلك الضربة: «فزت ورب الكعبة».

ص: 310

الفصل الثالث في ذكر مصرع الإمام وحامي حمى الدين...

ص: 311

ص: 312

الفصل الثالث في ذكر مصرع الإمام وحامي حمى الدِّين والإسلام، الَّذي اورث قتله الفظيع رقاب أهل الإيمان الذل والهوان والاهتظام

فلو أظهر أَرباب العرفان على هذا المصاب العصيب من كنوزِ الدموع ما كان مدخوراً، واستمطروا من سحائب الأَجفان عقيقاً وبلورا، ففي مثل هذه المصائِب والأَرزاء تكون السَّلوة والفرح محظورا، ومُقيم أَعمدة المآتم - يوم الجزاء - محظوظا ومأجورا؛ ألا يفکِّر المعتبر في ما تجري به الأقدار من إجراء سفك دم ذوي الشَّرف والأخطار، بأيدي أرذل الخلق، وممن ليس له عند الله منزلة ولا مقدار.

فهذه قطام الخارجة عن ملَّةِ الحق والإِسلام قد أَرسلت لسيّدنا الإِمام وأَفضل الخلق والأَنام حیدر الكرار والفتى المغوار، کلباً عقورا ورجساً كفوراً، وكانت قد أُعطيت من الجمالِ نصيباً موفوراً، وخط الحسن على شخصها المنحوس اشکالاً فافتتن بها اللَّعين ابن ملجم إِفتتانا ظلَّ له مثبوراً، وأَصبح بكاسِ حبّها مخموراً،

ص: 313

ولهاروت لحظها مسحوراً، فصار مسخراً لها تسخيراً لا يستطيع لأمرها تاخيراً، فاختارت له سيفاً مبيرا، قد سقته سمّاً نقيعاً كثيراً، ليكون أشد تأثيراً وأقبلت تستحتّه إغراءً وتحذيراً.

وقالت له: الجدّ الجد، فإنّهُ إن قلَّ جِدُّك فلَّ حدّك وسفل جدّك وضرع خدّك وأصبحت حقيراً، والحذر الحذر، فإنك ملاق أمراً خطيراً وليثاً هصوراً، کم سقی مریداً كأساً مريراً، وترك صنديداً يسيل صديداً، فاشحذ غرار عزمك بذکر مصارع قومك الَّذِين جزّرهم تجزیراً، وأَشبع من أَشلائهم ضباعاً ونسوراً.

فاضطرم(1) ضمير عدو الله على وليِّ الله حقداً بعد أن نال فتوراً، وكادت تستقيم حنايا ضلوعه تغيظاً وزفيراً، وانطلق يكابد غلاً مسجوراً، لابساً من بهيم اللَّيل(2) ديجوراً، وبات في الجامع الأعظم يراعي النجوم تفکّراً والإِمام عليه السَّلام كان بما يراد به خبيراً، وقد أيقن أن الحذر لا يدفع محتماً مقدوراً، فلبث في المحراب مطمئنّاً وقوراً، لا وجلاً ولا مذعوراً، مقيماً لصلاته لمّا رأى الفجر مستطيراً مقبلاً على الله مولاه بكليته، مستغرقاً في خشيته، مغموراً جرياً على عادته في عبادته، بل كان أشدّ حضوراً.

ص: 314


1- اضطَرَم: اشتَعَل، وضَرِم الشَّيءُ: إذا اشتَدَّ حَرُّه (تاج العروش - الزبيدي 17: 447، مادة - ضَرم)
2- ليلٌ بَهيمٌ: مُظلِمٌ، لا ضوءَ فيه إلى الصباح (لسان العرب - ابن منظور 12: 75، مادة - بهم)

فلمّا أحس به الرجس اللَّعين ابن ملجم وثب مغيراً، فصيّر به بالسّيف على مفرق رأسه، فخرّ عفيراً مسلّماً لله قضاءه، راضياً به شكوراً، مستبشراً مسروراً قائلاً: «فزتُ ورب الكعبة»، حامداً لله صبوراً.

فياله من مقام يرد الطّرف حسيراً، وتعساً له من كفورٍ ترك عَلَمَ الدّين مكسوراً، وعزّ التّوحيد مقصوراً، ووا أَسفاه من رذلٍ(1) أردی عزیزاً شریفاً نصيراً وليّاً من الله حاكماً في الوری، وسفيراً صائماً قائماً خاشعاً ذاكراً لله كثيراً، وصيَّرَ رأس قسيم النِعَم مقسوماً ومشطوراً، وجبين سيّد الأنجبين مشجوراً، ولقد مارت السَّماء عليه موراً، وغارت لفقده مياه البحار غوری.

روى أَبو بكر الخوارزمي في كتاب المناقب: بسنده إلى أبي [سنان الدولي](2) انه عاد أَمير المؤمنين عليه السَّلام في مرض له.(3)

قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك من شكواك هذه.

فقال: «ولكنّي والله ما تخوفت على نفسي [منه] لأنّي سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله [الصَّادق المصدّق] يقول لي: إِنكَ ستُضرب ضربة هائلة على

ص: 315


1- الرَّذل: الدّون من كلِّ شيء (العين - الفراهيدي 8: 180، مادة - رذل)
2- في الأصل، والمقتل لحرز الشاطري: (أبي أسود الدؤلي)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المناقب
3- في المصدر: (شکوی اشتکاها)

رأسك(1)، فيسيل دمك حتّى تخضب لحيتك ويكون صاحب هذه الضَّربة أَشقى هذه الأُمّة كما كان قذار[بن قذيره] اشقی قوم ثمود»(2) (3).

ولمّا كثر كلام سيّد الأَنام أَمير المؤمنين وسيّد الموحدين في حال اللّعين ابن اللّعين ابن ملجم المرادي بانّهُ قاتله بالسّيف.

قال الشّيعة من أصحابهِ: إِنَّ سیّدنا ووليّ ديننا يخرج إلى الجامع آخر الليل وحده ونخاف أن يغتاله في هذا الوقت عدو الله المرادي فيفجعنا فيه، فجعلوا كلّ ليلة على قبيلة تحوطه و تحرسه، فاقترعوا وكانت اللّيلة [الأولى والثّانية والثّالثة] على أهلِ الكناس [فتقلدوا سيوفهم] وأقبلوا [في ليلتهم] إلى الجامع وأقبل أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المسجد فراهم مجتمعين لابسين السّلاح.

فقال: «ما شأنكم»؟

فقالوا له: إِنا سمعنا خطابك لهذا المرادي اللّعين، فخفنا عليك منه فجئنا تحرسك، فدعى لهم بخير، وقال لهم: «ارجعوا إلى مضاجِعکم»، ثُمَّ تلا قوله

ص: 316


1- في المصدر: (انك ستضرب ضربة هاهنا، وضربة هاهنا - وأشار إلى صدغيه -)
2- في المصدر: (كما كان عاقر الناقة أشقی ثمود)
3- المناقب - الخوارزمي: 380، الفصل السّادس والعشرون، في بيان مقتله عليه السلام، ح 400، وعنه في کشف الغمة – الاربلي 2: 55، في شهادة أمير المؤمنين عليه السلام / مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 33

تعالى: «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»(1).

ولكن إذا نزلَ القضاء فلا رادَّ له وكفى بالأَجلِ حارساً [وقد جئتموني تحرسوني من أَهلِ الأَرض أَم من أَهلِ السَّماء، وما يكون من شيءٍ في الأَرض إلّا في السَّماءِ».

[قال:] فتفرق القوم عنه [طوعاً لأَمره] عليه السَّلام

[ابن ملجم - لعنه الله - والنهروان].

[قال الراوي ]: ولما فرغ الإمام وسيّد الأنام من قتل أعداء الله الخوارج بأمر الله ورسوله - بأرض النهروان - وكان ابن ملجم لعنه الله قد خرج معه، فلمّا نصر الله وليّه كما كانت عادته من الله النصر على الأعداء، قال له ابن ملجم: يا سيّدي أتاذن لي أن أَتقدمك إلى المصر، وأُبشر أهله بنصرك على اعداءك؟ وكان اللَّعين يظهر لأَمير المؤمنين - بالمكر - النصح، ويجدّ في خدمته وهو على ما هو عليه من خبث نيّته وقبح طوَّيته(2).

فقال له الإمام: «وما تُريد بذلك»؟

ص: 317


1- التوبة: آية (51)
2- الطوية: الضمير (لسان العرب - ابن منظوره 15: 20)

قال: أُريد رضاك، والثَّواب من الله(1)

فقال: «يا قنبر، إِدفع له عمامة مورّده وأَعطه سيفاً مذهباً [وقوسا]»، فأَخذ ذلك وسار من وقتهِ ودخل الكوفة، وبشّر مَن لقيه مِن أَهلها بنصر عليٍّ عليه السَّلام على أَعدائه الخوارج [وهو يخترق الأَزقة والشّوارع وقد أُعجب بنفسهِ وتاه عن قصده]، فانتهى به الطَّريق إلى محلِّ بني تميم اللات(2)، فرأى اللَّعين صاحباً له منهم، فصادف عنده اللَّعينة قطام بنت الأَخضر، فمضت به إلى منزلها وكانت اللّعينة قطام فائقة في الحُسنِ والجمال، ذات ثروة وسعة في المال، فدخلت بعد وصولها المنزل إلى خدرها وأَدخلته معها في الخدر وأقبلت عليه تسأله عن الوقعة وهي كاشفة له عن وجهها ومحاسنها، فذهل عقله منها ووغاب لبّه [وأخذت بمجامع عقله ولبّه.

قال: فلمّا رأته على تلك الحال] أمرت أحد خدمها بربط فرسه، وبسطت له بساطاً رومياً على السَّرير، ووضعت له متّكئا، وأَمرته أَن يحلَّ أزراره وأَقبلت له بمائدة من الطَّعام وبماءٍ بارد، فأَكل وشرب، وأَقبلت بعد ذلك تروحه وتمازحه وكان الوقت قيظاً وهو ينظر اليها ويتعجب من حسنها وجمالها.

ص: 318


1- في البحار: (الثواب من الله والشكر من الناس، وافرح الأولياء واکمد الأعداء)
2- في البحار: (تيم اللات)

فقال لها: أيّتها المرأة الكريمة قد فعلتِ معي أَفعالاً أَوجبت الشُّكر لكِ عَلَيَّ، فهل لك من حاجةٍ تقضي جزاء لما أَحسنتِ إِلىَّ؟ فلمّا سمعت ذلك منه قامت ودخلت ولبست أَفخر أثوابها، وتزیَّنت بأَحسن زينتها، وتحلَّت بجميع حلیِّها، وأَرخت ذوائب شعرها المنظوم بالدُّرِ والجوهر، وضمَّخت نفسها بالمسكِ والعنبر، وخرجت عليه من البيت الَّذي هي فيه وجاءت إليه ولاصقته بيديها اليه واجلسها في حجره ونظر الملعون إلى تورد خدها فيهرت عقله واشتد اللعين اعجابه بها فطلب منها التزويج(1)

وما كان من أمرِ ابن ملجم لعنه الله فالأَخبار في قتله للإِمام وبدر التمام وهادي الأَنام وهو في المحراب في أَشرف مقام وفي شهر الصيام لاطئاً(2) بالتراب بادي الاكتساب كثير الضّراعة والاكتئاب حميد الخصال.

الإمام الَّذي لا يزال عند النزال تتنصّل فيه النصال بحيث لا يرجى لها انفصال، واذا دخل في الصّلاة استغرق بالإقبال في عظمة ربه العزيز ذي الجلال،

ص: 319


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 34/ وأورده المجلسي - في بحار الأَنوار، عن ابو الحسن البكري، عن أبو مخنف، 42: 263، باب 127، في كيفية شهادته عليه السّلام ووصيته وغسله والصلاة عليه، وعنه في منهاج البراعة للخوئي 5: 131، المختار التاسع والتسعون
2- لطأ: اللَّطءُ: لزوقُ الشّيء بالشّيء (لسان العرب - ابن منظور 1: 153، مادة - لطأ)

فيفقد الحسّ عند استخراج تلك النبال.

فتربَّص له المرادي الختّال حين أَبصر به في تلك الحال، فما لبث أن شجَّ رأسه الشَّريف بالصَّارم الفَصَّال فترکه مشجوج الجبين والقذال(1).

[رواية المفيد في شهادته سلام الله عليه].

وفي وفاته کلمات أهل التّواريخ والسّير أيضا مختلفة، وأصحّها ما رواه المفيد رحمه الله في الإِرشاد عن جماعة من أهل السّير منهم: أبو مخنف، وإسماعيل بن راشد، وأبو هشام الرفاعي، وأبو عمر الثقفي وغيرهم، إِنّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكّة فتذاكروا الأُمراء فعابوهم، وعابوا أعمالهم وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنا شرينا أنفسنا لله، وأتينا أئمّة أهل الضّلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد، وأَخذنا ثأرنا لإخواننا الشّهداء بالنهروان، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك.

فقال اللّعين عبد الرحمن بن ملجم: أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب، وقال البرك ابن عبد الله التميمي: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمر بن العاص؛ فتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء واتعدوا لشهر رمضان

ص: 320


1- قَذَالٌ، جمع: قُذُلٌ، أَقذِلَةٌ، قَذَالُ الإِنسَانِ: مَا بَينَ الأُذَنَينِ مِن مُؤَخِّرَةِ الرَّأسِ (لسان العرب - ابن منظور 11: 553، مادة - قَذل)

في ليلة تسع عشرة ثُمَّ تفرقوا.

فأَقبل ابن ملجم وكان عداده في كنده حتّى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شيء، فبينما هو في ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم - من تميم الرباب(1) - فصادف عنده قطام بنت الأخضر التميمية(2)، وكان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قد قتل أباها (المارق عن الدّين وكذا)(3)، أَخاها في النّهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلمّا رآها ابن ملجم شغف بها وأشتدَّ إعجابه بها فسأل في نكاحها وخطبتها، فقالت له: ما الَّذي تسمّي لي من الصّداق؟ فقال لها: احتكمي ما بدا لك.

فقالت: أنا محتكمة عليك ثلاثة الآف درهم، ووصيفاً وقينة(4)، وقتل عليّ بن أبي طالب.

فقال لها: لك جميع ما سألت، وأمّا قتل عليّ بن أبي طالب فأنّى لي بذلك؟

ص: 321


1- في المصدر: (تيم الرباب)
2- في المصدر: (التيمية)
3- بين القوسين لم يرد في المصدر
4- القَينَةُ: الجارِيةُ تخدُمُ و حَسبُ (لسان العرب - ابن منظور 18: 469)

فقالت لعنها الله: التمس غرّته(1)، فإِن أنت قَتَلته شفیت نفسي وهناك العيش معي، وإن أنت قُتِلت فما عند الله خيرٍ لك من الدّنيا.

فقال: أما والله ما أَقدمني هذا المصر [وقد كنت هاربا منه لا آمن من أهله] إِلّا ما سألتني فيه من قتل عليّ بن أبي طالب [فلك ما سألت].

فقالت: أَنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك، ثُمّ بعثت إلى وردان بن مجالد بن تيم الرَّباب، فخبّرته بالخبر وسألته معونة بن ملجم لعنه الله، فتحمل ذلك لها وخرج اللعين بن ملجم من عندها، فأتى رجلاً من أَشجع يقال له شبيب بن بجرة، فقال له: يا شبيب هل لك في شرف الدّنيا والآخرة؟

قال: وما ذاك؟

قال: تساعدني على قتلِ عليّ بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج.

فقال له: يا ابن ملجم، هبلتك الهبول لقد جئت شيئاً إِدّا(2)، وكيف تقدر على ذلك؟

فقال له: نکمن له في المسجد الأعظم، فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به، وإن

ص: 322


1- الغُرَّةُ من الرَّجُل: وَجهُه وقِيلَ: طَلعَتُه، والغُرَّةُ من القُومِ: شَرِيفُهُم و سَیَّدُهُم (تاج العروس - الزبيدي 7: 303)
2- الإِدُّ: الأَمرُ الفظيعُ العظیم (تاج العروس - الزبيدي 4: 331)

نحن قتلناه شفينا أنفسنا وادركنا ثأرنا، فلم يزل به حتّى أجابه، فأقبل معه حتّى دخل معه المسجد الأعظم على عدوةِ الله قطام وهي معتكفة في المسجد وقد ضربت عليها قبة، فقالا لها: قد اجتمع راينا على قتل هذا الرَّجل.

فقالت لهما: فإذا أردتما ذلك فأتياني في هذا الموضع، فانصرفا من عندها.

فلبثا أياماً ثُمَّ أتياها ومعهما رجلٌ آخر، ليلة الأربعاء لتسع عشر ليلة خلت من شهر رمضان سنة أَربعين من الهجرةِ، فدعت لهم بحریر فعصَّبت صدورهم، وتقلدوا سيوفهم ومضوا [وجلسوا] مقابل السَّدّة الَّتي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السَّلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك أَلقوا إلى [الأَشعث بن قیس](1) ما في نفوسهم من العزيمة على قتلِ أمير المؤمنين عليه السَّلام ووليّ الأَولياء وسيّد الأَوصياء، وواطئهم على ذلك، وحضر [الأَشعث بن قیس](2) اللّعين ابن اللّعين تلك اللّيلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه.

وكان حجر بن عدي في تلك اللَّيلة بائنا في المسجد، فسمع ابن الأشعث يقول: یا بن ملجم الوحا الوحا لحاجتك، فقد فضحك الصبح فأحسَّ حجر بما أراد

ص: 323


1- في الاصل: (قيس بن الاشعث)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- في الاصل: (ابن الاشعث)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

[الأشعث](1) اللَّعين.

فقال له: قتلته يا أعور اللَّعين، وخرج حجر ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السَّلام مبادراً ليخبره بالخبر ويحذره من القوم اللّثام، فخالفه أمير المؤمنين في الطّريق فدخل المسجد، فسبقه ابن ملجم لعنه الله فضربه بالسّيف على مفرق رأسه وأَقبل حجر والنَّاس يقولون قُتِلَ أمير المؤمنين.(2)

ولله درّ مَن ينشد ويقول:

دهي الناسَ في الإِسلامِ أَعظمُ نكبهٍ *** تداعت لهاشمٍ الجبالُ تزلزلا

ومالَ لها العرشُ المجيدُ وأَعوَلَت *** ملائكةُ السَّبعِ الشّدادِ توجُّلا

وأَصبحتِ الشَّمسُ المنيرةُ في بكاً *** عليهِ وبدرُ التمِّ مازالَ مُعوِلا

لفقد أَمير المؤمنين الَّذي به *** تشيَّدَ دينُ اللهِ في الخلقِ واعتلا

ومن عجبٍ كيفَ استقامَت قبابُها *** وقطبُ وجودِ الكون صارَ مُعَطَّلا

وقد خرَّ في محرابهِ متخصِّباً *** عمادَ البرايا أَشرفُ الخلقِ موئلا

ص: 324


1- في الاصل: (ابن الاشعث)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر
2- الارشاد - الشيخ المفيد 1: 17، ما جاء عن تآمر الخوارج لقتله عليه السلام / أنساب الاشراف - البلاذري 2: 489، مقتل أمير المؤمنين عليه السلام وكيفية ..........، ح 524 (بأختلاف) / الاستيعاب - ابن عبد البر 3: 1124 / الرياض النظرة - المحب الطبري 3: 234، الفصل الحادي عشر في مقتله وما يتعلق به ذكر إخباره

ولكنَّ حلمَ الله جلَّ جلالهُ *** و فضلُ رسولِ اللهِ قد شمَلَ الملا

فيا ناعيَ الإِسلام إِن كنتَ ناعياً *** فجد في نعاهُ بالكآبةِ مُعوِلا

فلم يبقَ للإسلامِ من بعد قتلهِ *** مقيمٌ ولا والٍ به يرتجي الولا

أَمِثلُ عليّ خيرةُ الله في الورى *** یُشقُّ جبيناً من بغيٍّ وأرذلا

فلا العين قرَّت بالحياةِ عقيبه *** ولا القلب ممّا نالهُ الطّهر قد سلا(1)

[تكملة رواية أبي مخنف التي مرت سابقاً في شهادته سلام الله عليه].

وفي رواية أبي مخنف: إنّه صلوات الله وسلامه عليه لمّا أذن في المسجد ونزل عن المأذنة وجعل يسبح الله ويقدسه ويكبّره ويهلله ويكثر من الصَّلاةِ على النَّبيِّ، وكان من عادته وكرم أَخلاقه انه يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: «الصَّلاة يرحمُك الله قُم للصلاة المكتوبة عليك»، ثُمّ يتلو عليه السلام «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»(2).

ففعل ذلك كما كان يفعل في جاري عادته مع النائمين في المسجد حتّى إِذا بلغ إلى الملعونِ ابن ملجم فراه نائماً على وجهه، قال له: «يا هذا قُم من نَومتِك هذه فإنّها نومة يمقتُها الله تعالى وهي نومة الشَّياطين ونومة أَهل النار، بل نم على

ص: 325


1- الأَبيات الشعرية لم أجدها في المصادر المتوفرة عندي
2- العنكبوت: أية (45)

يمينك فإنّها نومة العلماء، أو على يسارك فإنّها نومة الحكماء، [أو على](1) ظهرك فإنّها نومة الأَنبيّاء».

قال: فتحرك الملعون كأَنّهُ يريد أن يقوم وهو في مكانه لا يبرح.

فقال له أَمير المؤمنين عليه السَّلام: «لقد هممت بشيءٍ تكاد السَّماوات يتفطَّرن منه وتنشق الأَرض وتخرّ الجبال هدّاً، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك»، ثُمَّ ترکه وعَدَلَ عنه ومضى إلى محرابه وقام قائماً يصلِّي، وكان يطيل الركوع والسّجود في الصَّلاة كعاداته في الفرائض [والنوافل] حاضراً قلبه، فلمّا أَحسَّ به الملعون انه دخل في صلاته قام مسرعاً وأَقبل يمشي حتّى وقف بإزاء الاسطوانة الَّتي كان الإِمام وبدر التَّمام يصلِّي اليها، فأمهله حتّى صلَّي الرّكعة الأَولى ورفع رأسه من السَّجدة الثانية، فعند ذلك أَخذَ عدو الله ابن ملجم السَّيف وهزَّه ثُمَّ ضربه على أُم رأَسه الشَّريف المكرَّم، فوقعت الضَّربة على الضَّربة الَّتي ضَرَبهُ عمر بن عبد ود العامري، ثُمَّ أَخذت الضَّربة من مفرق رأَسه إلى موضع السِّجود، فلمَّا أَحسَّ الإِمام عليه السَّلام بتلك الضَّربة لم يتأوه وقال: «فزتُ ورب الكعبة».

واحتسب تلك المصيبة عند ربّه، ووقع على وجههِ وشيبته قائلا: «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله [هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله،]» ثُمَّ صاح

ص: 326


1- في الاصل: (ولا تنم)، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

وقال: «قتلني ابن ملجم، قتلني - اللَّعين - ابن اليهودية ورب الكعبة، أَيِها النَّاس لا يفوتنكم ابن ملجم» وسرى السّم في رأسه وبدنه، وثار جميع من في المسجد في طلب الملعون وماجوا بالسّلاح.

[قال الراوي:] فما كنت أرى إِلّا صفق الأَيدي على الهامات وعلوا الصَّرخات، وكان ابن ملجم لعنه الله حين ضربه خائفا مرعوبا، ثُمَّ ولىّ هارباً وخرج من المسجد، وأَحاط النَّاس بأَمير المؤمنين وهو في محرابه يشدُّ الضَّربة ويأَخذ التُّراب ويضعه عليها، ثُمَّ تلا قوله تعالى: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى»(1).

ثُمَّ قال علیه السَّلام: «جاء أَمر الله وصدق رسول الله صلَّی الله علیه وآله».

ثُمَّ إِنّهُ لمّا ضربه ذلك الملعون ارتجت الأَرض وماجت البحار والسَّماوات واصطفقت أَبواب الجامع وضجَّت الملائكة في السَّماء وهبّت ريح عاصفة سوداء مظلمة، ونادی جبرائيل بين السَّماء والأَرض بصوتٍ يسمعه كلّ مستيقظ: «تهدمت والله أَركان الهدى وانطمست والله نجوم السَّماء وأَعلام التّقى وانفصمت والله العروة الوثقى قُتل ابن عمّ المصطفی، قُتل الوصيّ المجتبی، قُتل عليّ المرتضى،

ص: 327


1- طه: (أية 55)

قُتل [والله] سيّد الأوصياء، قَتله أشقى الأشقياء».

قال: فلمّا سمعت أُم كلثوم رضوان الله عليها نعي جبرائيل لطمت على وجهها وخدها وشقت جیبها وصاحت: وا أبتاه، واعليّاه، وا محمّداه، واسیّداه، ثُمّ أقبلت على أخويها الحسن والحسين فأيقظتهما، وقالت لهما: لقد قُتل أبوكما فقاما يبكيان.

فقال لها الحسن: يا أُختاه كفّي عن البكاء حتّى نتعرف صحّة الخبر كي لا تشمت بنا الأعداء، فخرجا فإذا النَّاس ينوحون وينادون: وا إماماه، وا أمير المؤمنيناه، قُتل والله إِمام عابد زاهد مجاهد، لم يسجد لصنم قط، كان أشبه النّاس بأخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا سمع الحسنان صرخات النّاس ناديا: یا أَبتاه، واعليّاه، ليت الموت أعدمنا الحياة [وألقيا العمائم من رؤوسهما] فلمّا وصلا الجامع ودخلاه وجدا أبا جعدة ابن هبيرة ومعه جماعة من النّاس وهم يجتهدون أن يقيموا عليّاً في المحراب لأَجل أن يصلّي بالنّاس فلم يطق النّهوض، وتأخَّر عن الصّف، وتقدم الحسن فصلَّی بالنَّاس، وأمير المؤمنين يصلِّي إيماء من جلوس، وهو يمسح الدم عن وجهه وکریمه الشّريف، يميل تارة ويسكن أُخرى، والحسن عليه السلام ينادي: «وا انقطاع ظهراه يعزّ والله عَلَىَّ أن أراك هكذا»، ففتح عينه وقال: «لا تجزع على أَبيك بعد اليوم هذا جدّك محمَّد المصطفى صلَّى الله عليه وآله وجدَّتك خديجة الكبرى وأُمّك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين والحور العين محدقون منتظرون قدوم أَبيك، فطب نفساً وقر عيناً

ص: 328

وكفَّ عن البكاء، فإِنّ الملائكة قد ارتفعت أصواتها إلى السَّماء».

قال: ثُمّ شاع الخبر في جوانب الكوفة، وضجَّ النَّاس، وخرجت المخدرات من خدورهن، ومضَينَ إلى الجامع ينظرن إلى سيّدهن أَمير المؤمنين، فدخل النَّاس الجامع، فوجدوا الحسن عليه السَّلام ورأس أبيه في حجره، وقد غسل الدم وشدَّ الضَّربة وهي تشخب دماً، وقد زاد وجهه بياضاً بصفرة، وهو يرمق السَّماء بطرفه ولسانه يسبح الله [ویوحده] وهو يقول: «أسألك يا ربي بالرفيع الأَعلى»، فنظر الإمام الحسن عليه السَّلام في وجهه فراه مغشياً عليه، فعندها بکی بكاء شديداً وجعل يقبّل وجه أبيه، وما بين عينيه وموضع سجوده، فسقط من دموعه قطرات على وجه أبيه ففتح عينه فرآه باكيا، فقال له: «یا بني يا حسن ما هذا البكاء والجزع فلا جزع على أَبيك بعد اليوم، هذا جَدُّك محمَّد المصطفى صلَّى الله عليه وآله وجدَّتُك خديجة الكبرى وأُمّك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين والحور العين محدقون منتظرون قدوم أَبيك، فطب نفساً وقر عيناً وكفَّ عن البكاء، فإنّ الملائكة الكرام تبكي لبكائك، وأَنت تُقتل بعدي مسموماً مظلوماً، ويُقتل أخوك بالسَّیف مظلوماً، وتلحقان بجدكما وأبيكما وأُمّكما».

فقالا: «یا أَبتِ أَما تعرفنا مَن قتلك، ومَن فعل هذا بك»؟

قال: «قتلني ابن اليهودية، ابن ملجم».

ص: 329

فقال: «يا أباه من أيّ الطّرق نمضي إليه»؟

فقال: «لا يمضي أحد في طلبه، فإنّه سيطلع عليكم من هذا الباب - وأشار بيده إلى باب کندّه -».

قال: ولم يزل السّم يسري في رأسه وبدنه، ثُمّ أغمي عليه ساعة والنَّاس ينتظرون قدوم الملعون من باب کندة، فاشتغل النَّاس بالنظر إلى الباب ويرتقبون قدومه، وقد غصَّ المسجد بهم وهم بين بابكٍ وباكية، فما كان إلّا ساعة وإذا بالصّيحة قد ارتفعت، وزمرة من النّاس قد جاءوا بعدو الله ابن ملجم مكتوفاً هذا يلعنه وهذا يضربه [وهذا يبصق في وجهه].

قال: فوقع النَّاس بعضهم على بعض ينظرون إليه، [وأقبلوا به - لعنه الله - وهم ينهشون لحمه بأسنانهم] ويقولون له: يا عدو الله ماذا فعلت؟ أَهلكت أُمّة محمَّد صلَّى الله عليه وآله، وقتلت خير النَّاس، وإنّه لصامت وبين يديه [رجل يقال له] حذيفة النخعي بيده سيف مشهور، وهو يردّ النّاس عن قتله، وهو يقول: هذا قاتل أمير المؤمنين الإِمام علي بن أبي طالب عليه السَّلام حتّى دخلوا المسجد.

قال الشعبي(1): وكأني أنظر إليه(2) وعيناه قد طارتا في أُمِّ رأسه كأنّهما قطعتا علق،

ص: 330


1- الشعبي: هو عامر بن شراحيل بن عبد، ويقال: عامر بن عبد الله، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي. ولد بالكوفة سنة تسع عشرة، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وقيل غير ذلك، حدّث عن سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زید، وعدي بن حاتم، وأُمّ سلمة، وعائشة، وابن عباس، والحسن بن علي - عليهما السّلام، والحارث الأعور، وكان فقيهاً، وشاعراً وكان معروفاً بولائه لبني أُميّة، وانحرافه عن أهل البيت - عليهم السّلام. توفي سنة 400 ه وقيل: 300 ه وقيل غير ذلك (انظر: موسوعة طبقات الفقهاء 1: 414)
2- يقصد ابن ملجم لعنه الله

وقد وقعت في وجهه ضربة قد هشمت وجهه وأنفه، والدَّم يسيل على لحيته وعلى صدره، وهو ينظر يميناً وشمالاً وعيناه قد طارتا في أُمّ رأسه، وهو أسمر اللّون حسن الوجه، وفي وجهه أثر السّجود، وكان على رأسه شعر أسود منشور على وجهه كأنه الشّيطان الرجيم، فلما حاذاني سمعته يقول:

أَقولُ لنفسي بعد ما كنتُ أَنهما *** وقد كنتُ أسناها وكنتُ أكيدها

أيا نفسُ كفّي من طِلابِكِ واصبري *** ولا تطلبي همّاً عليك يبيدها

فما قبل نُصحي وقد كنتُ ناصحاً *** كنصحِ وليدٍ غابَ عنها وليدُها

[فما طلبَت إلّا عنائِي وشِقوتي *** فيا طولَ مكثي في الجحيمِ بعيدها]

فلما جاؤا به اوقفوه بين يدي أمير المؤمنين عليه السَّلام حيث قالوا له: أمثلك يقتل أمير المؤمنين وإمام المسلمين، وهذا جزاؤه منك حيث(1)2 أَولاك وقرَّبك وأَدناك وآثرك على غيرك، وهل كان بئس الإمام لك حتِى جازيته بهذا یا شقي؟

ص: 331


1- في البحار: (فنظر إليه الامام الحسن عليه السلام وقال له: ((ويلك يا عدو الله أنت قاتل أمير المؤمنين ومثکّلنا إمام المسلمين، هذا جزاؤه منك حيث....)))

فلم يتكلم، بل دمعت عيناه!

فانكبَّ الإِمام الحسن عليه السَّلام على أبيه يقبّله وقال له: «هذا قاتلك يا أباه، قد أَمكن الله منه»، فلم يجبه وكان عليه السَّلام نائما، فكره أن يوقظه من نومهِ، ثُمّ التفت الإمام الحسن عليه السَّلام إلى عدو الله بن ملجم لعنه الله وقال له: «يا عدو الله هذا كان جزاء والدي منك، حيث قربّك، وأدناك، وحباك، وفضّلك على غيرك؟ [هل كان بئس الإمام لك حتّى جازيته بهذا الجزاء]؟ يا أشقى الاشقياء».

فقال له الملعون: يا أبا محمَّد، أفأنت تنقذ مَن في النّار؟ فعند ذلك ضجّت النّاس بالبكاء والنّحيب، وأمرهم الإمام الحسن عليه السَّلام بالسّكوت، ثُمّ التفت إلى الَّذي جاء به وهو حذيفة، فقال له: «كيفَ ظفرتَ بعدو الله وأين لقيته»؟

فقال: يا سيّدي إن حديثي معه لعجيب، وذلك إنّي كنت البارحة نائما في داري وزوجتي إلى جانبي - وهي من غطفان - وأنا راقد وهي مستيقظة، إذ سَمِعَت الزعقة وناعياً ينعى أمير المؤمنين وهو يقول: «تَهدَّمت والله أركان الهدى وانفصمت والله العروة الوثقى وانطمست والله أعلام التُّقى، قُتِلَ ابن عمّ المصطفی، قُتِلَ عليّ المرتضی، قَتَله أشقى الأشقياء».

فأيقظتني وقالت لي: انت نائم وقد قُتِلَ إمامكَ عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام، فانتهبت من كلامها فزعاً مرعوباً وقلت لها: يا ويلك ما هذا الكلام، فضَّ الله

ص: 332

فاك، لعلّ الشّيطان قد ألقي في سمعكِ هذا الكلام، أو حلم ألقاه عليك في المنام، ويلك إنَّ أمير المؤمنين سلام الله عليه ليس لأحدٍ من خلقِ الله عليه تبعة ولا ظلامة، وإنّهُ لليتيم کالأب الرحيم وللأرملة كالزوج العطوف، وبعد ذلك فمن ذا الَّذي يقدر على قتلهِ، وهو الأسد الضّرغام، والبطل الهمام، والفارس القمقام، فأكثرت على الكلام والملام وقالت: إنّي سمعت ما لم تسمع، وعلمت ما لم تعلم.

فقلت لها: وما سمعت، فأخبرتني بالصوت فقالت: سمعتُ ناعياً ينادي بأعلى صوته «تهدمت والله أركان الهدى وانطمست والله أعلام التُّقى، قُتِل ابن عمّ المصطفی، قُتِل عليّ المرتضی، قَتله أشقى الأشقياء»، ثُمّ قالت: ما أظن بيتاً في الكوفة إِلّا وقد دخله هذا الصَّوت.

قال: فبينما أنا وهي في مراجعة الكلام وإذا أنا بضجّة عظيمة، وصيحة كبری وقائل يقول: قُتِلَ أَمير المؤمنين، فحسَّ قلبي بالشّر، فمددتُ يدي إلى سيفي وسللته من غمده وأخذته، ونزلت مسرعاً وفتحت باب داري وخرجت، فلمّا صرت وسط الجّادة نظرت يميناً وشمالاً وإذا بعدو الله يجول فيها يطلب الهرب فلم يجده، وإِذا قد انسدت عليه الطّرقات في وجهه، فلمّا نظرت اليه وهو كذلك رابني أَمره فناديته: يا ويلك من أَنت؟ وما تريد لا أُمَّ لك في وسط هذه الدّرب تمر وتجي؟ فتسمّى بغير اسمه وانتمى إلى غير نسبه، فقلت له: من أَين أَقبلت؟

ص: 333

قال: من منزلي.

قلت والى أين تريد تمضي في هذا الوقت؟

قال: إلى الحيرة.

قلت: ولم لا تقعد حتّى نصلّي مع أمير المؤمنين عليه السَّلام صلاة الغداة وتمضي في حاجتك؟

فقال: أخشى أن أقعد للصلاة فتفوتني حاجتي.

فقلت: يا ويلك إِنّي سمعت صيحة وقائلا يقول: قُتل أمير المؤمنين فهل عندك من ذلك خبر؟

قال: لا علم لي بذلك.

قلت له: ولم لا تمضي [معي] حتّى نتحقق الخبر [وتمضي في حاجتك]؟

فقال: أنا ماضٍ في حاجتي وهي أهم [من ذلك]، فلمّا قال لي ذلك قلت له: يا لكع الرجال حاجتك أحبّ اليك من التّجسس عن أخبار أمير المؤمنين ووليّ الأولياء، إذاً والله - يا لكع الرجال - مالك عند الله من خلاق، وحملت عليه بسيفي فهممت أن أعلوه به فراغ عنّي، فبينما أنا أُخاطبه ويخاطبني اذ هبّت ريح فكشفت عن أزاره، وإذا بسيف يلمع تحت ثيابه كأنه المرأة الصّافية، فلمّا رأيته

ص: 334

قلت: يا ويلك ما هذا السّيف الَّذي تحت ثيابك لعلّك أنت قاتله؟ فأراد أن يقول: لا [فأنطق الله لسانه بالحق] فقال: نعم، فرفعت سيفي وضربته، فرفع سيفه وهمَّ أن يعلوني، فانحرفت عنه وضربته على ساقيه فوقع لحينه، ووقعت عليه وصرخت صرخة شديدة، وأَردت أن آخذ سيفه فمانعني عنه، فخرج أهل الحيرة فأعانوني عليه حتّى أوثقته كتافاً وجئتك به، فها هو بين يديك فاصنع به ما شئت.

قال الإمام الحسن عليه السَّلام: «الحمد لله الَّذي نصرَ وليّه وخذلَ عدوّه»، ثُمّ انكب على أبيه يقبله.

فقال له: «يا أباه، هذا عدوُّ الله وعدوّك قد أمكن الله منه»، فلم يجبه وكان نائِما فكره أن يوقظه من نومه، فرقد ساعة ثُمّ فتح عينيه وهو يقول: «إرفقوا بي يا ملائكة ربّي».

فقال له الإِمام الحسن عليه السَّلام: «هذا عدوُّ الله [وعدوّك] ابن ملجم قد أمكننا الله منه [وقد حضر بين يديك]».

قال: ففتح أمير المؤمنين عليه السَّلام عينيه ونظر إليه وهو مكتوف وسيفه معلق في عنقه، فقال له بضعف وانکسار صوت ورأفة ورحمة: «يا هذا لقد جنيت عظيماً [وارتكبت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً]، أبئس الإمام کنتُ لك حتّى جازيتني بهذا الجزاء]؟ ألم أكن شفيقاً عليك وآثرتك على غيرك [وأحسنت إليك وزدت في

ص: 335

إعطائك؟ ألم يكن يقال لي فيك: كذا وكذا، فخليتُ لك السّبيل ومنحتُك عطائي، وقد كنتُ أعلم أنك قاتلي لا محالة؟ ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك - يا لكع - وعلَّ أن ترجع عن غيك، فغلبت عليك الشّقاوة، فقتلتني يا شقي الأشقياء]».

قال: فدمعت عين ابن ملجم لعنه الله وقال: أفأنت تنقذ مَن في النّار؟

قال له: «صدقت» ثُمّ التفت عليه السَّلام إلى ابنه الحسن عليه السَّلام وقال له: «إرفق بأسيرك، [وارحمه]، وأحسن اليه، [وأشفق عليه] ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أُمِّ رأسه، وقلبه يرجف منك خوفاً ورعباً».

فقال له الإمام الحسن عليه السَّلام: «يا أبت قد قتلك هذا اللّعين وافجعنا فيك والمسلمين، وأنت تأمرنا بالرفقِ به»؟

فقال له: «نعم [یا بني] إنا أهل بيت لا نزداد على المذنب الينا إلّا كرماً [وعفوا]، والشّفقة والرّحمة من شيمتنا [لا من شيمته]، بحقي عليك يا بني أن تطعمه مما تأكل واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدماً ولا تغلّ له يداً، فان أنا متّ فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة أو تحرقه بالنار، ولا تمثل بالرجل، فقد سمعت جدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إياکُم والمُثلة ولو بالكلبِ العقور.

ص: 336

وإن أنا عشت فأنا أولى بحقّي، فإن عفوت، فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلّا عفواً و کرماً»(1).

ولله در الشّاعر حيث يقول:

فللهِ من خطبٍ دهي الدّينَ وقعهُ *** واشفت به شمَّ الرعان(2) على المسرا

أيُقتلُ مصباحُ المساجدِ ساجداً *** إلى الله من سيفِ المرادي فما أجرا

حقيقٌ عليَّ أن يشجَّ کریمه جبان *** فيا لله من وقعةٍ کبری

مقيمٌ لفرضِ الله يُقتلُ ساجداً *** ويخضبُ من قاني الدّم الشّيبةَ الغرا

فلله خطب لا يطاقُ حمولُهُ *** ورزءٌ نفي عنّا التّجلَّدَ والصّبرا

مصابٌ له ناحت ملائكةُ السَّما *** ولا عجباً لو كَوَّرَ الشّمس والبدرا

عدِمتُ حياتي ان سلوتُك حيدراً *** قتيلاً بلا ذنبٍ فذي أَكبد حرّی

سأَبكيكَ في حجرِ الزّكي مسنَّداً *** يعالجُ إذ حلَّ القضاءُ به سکری

وعيناهُ كالغيثِ الهطولِ وإن صحا *** أطالَ ثناءَ الله والحمدَ والشّكرا

يوصّي بنيهِ يا بنيِ تعاونوا *** على البرِ والتقوى ولا تعملوا شرا

ص: 337


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 81/ بحار الانوار - المجلسي 42: 281، باب 127، كيفية شهادته عليه السلام ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه / وفاة أمير المؤمنين عليه السلام - علي البلادي: 130/ الأنوار العلوية - جعفر النقدي: 375. لقد مرت رواية أبو مخنف سابقاً في صفحة (303) الباب الثاني (نعيه لنفسه سلام الله عليه) وهذه تكملة الرواية في مقتله سلام الله عليه
2- الرَّعنُ: الأَنف العظيم من الجبل تراه مُتَقَدِّماً (لسان العرب - ابن منظور 13: 182، مادة - رعن)

وقوموا بمسنونِ الإلهِ وفرضِهِ *** وفي الخطبِ اذ خان العدوَّ بکم صبرا(1)

[رواية محمد بن الحنفية رضوان الله عليه في شهادته سلام الله عليه].

وروي عن محمد ابن الحنفية أنه قال: إِنَّ أي بعد ما ضُرب على مفرِق رأسه، قال: «احملوني إلى موضع مصلّاي في منزلّي»، فحملناه إليه وهو مدنف(2)، والنّاس حوله وهم في حزن عظيم وأسف، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة البكاء.

ثُمّ التفت إليه ابنه الحسين عليه السَّلام وقال: «يا أبتاه - وهو يبكي - مَن لنا بعدك؟ إنّ يومَكَ - على أَهل الإيمان - کيوم رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن أجلك تعلَّمتُ البكاء، يعزُّ والله عَلَىَّ أن أراك هكذا، [یا منكّس الأبطال والفرسان، ومبيد الشّجعان والأقران]»، فناداه أمير المؤمنين عليه السَّلام وقال: «يا أَبا عبد الله أدن منّي يا بنيّ»، فدنا منه وقد قرحت عيناه من البكاء، فمسح دموعه ووضع يده على قلبه وقال له: «یا بنيّ ربط الله على قلبك بالصّبر، وأَجزل لك ولإخوانك(3) عظيم الأجر، فسكّن روعتك واهدأ من بكائِك، فإنّ الله لكم حافظ وولي»، ثُمّ أُدخِلَ إلى حجرته وجلس في محرابه.

ص: 338


1- الأبيات الشعرية لم أجدها في المصادر المتوفرة عندي
2- أدنف المريضُ: ثقل مرضُه (لسان العرب - ابن منظور 9: 107، مادة - دنف)
3- في المقتل: (ولأخيك)

[قال الراوي:] وأقبلت إليه زينب وأم كلثوم رضوان الله عليهن حتّى جلستا معه على فراشه وهما تندبانه وتقولان: يا أبتاه مَن للصّغير حتّى يكبر؟ ومَن للكبير بين الملا؟ يا أبتاه حزننا عليك طويل لا يفنى، وعبرتنا عليك لا ترقأ.

قال: فضجَّ النّاس [من وراء الحجرة] بالبكاء والنّحيب، وفاضت دموع أمير المؤمنين عليه السَّلام عند ذلك وجعل يقلّب طرفه وينظر لأهل بيته وأولاده، ثُمّ دعا الحسن والحسين عليها السَّلام وجعل يحضنهما ويقبلهما، ثُمَّ أُغميَّ عليه ساعة طويلة، وأَفاق، وكذلك كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله يغمي عليه تارة ويفيق أُخرى لأنّه صلَّى الله عليه وآله كان مسموماً(1).

أقول: إنّ نسبةَ الإغماء إلى جناب نبيّ الهدى وإلى خلفائه أئمة الورى ليس هو كإغماء الأنام، بل هو حالة التّجرد عمّا في هذه الدّار إلى النظرِ في عظمة الله العليّ الجبّار وملاحظة منازل القرب في دار القرار، لا زوال العقل منهم وذهاب العلم عنهم، حاشا ثُمّ حاشاهم، إذ هم الحجج البالغة والأنوار الإلهية والنفوس القدسية في الهياكلِ البّشرية، بل هم وجهه الَّذي لا يبلى والذي لا يعتريه التغيّر

ص: 339


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 91 / بحار الأنوار - المجلسي 2: 288، باب 127، كيفية شهادته عليه السلام ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه / منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة - الخوئي 5: 156

والنّقص، وهذه الحادثات الَّتي تصير بهم هي المايزة لهم عن خالقهم وباريهم.

قال: فلما أفاق ناوله الحسن عليه السَّلام قعبا من لبن فشرب منه قليلاً، ثُمّ نحّاه عن فمه وقال: «احملوه إلى أسيركم وارفقوا به إلى حين موتي، وتطعمه مما تأكل وتسقيه مما تشرب حتّى تكون أكرم منه عند الله». فعنّد ذلك حملوا اليه اللّبن وأخبروه بما قال أمير المؤمنين عليه السَّلام في حقه، فاخذ الملعون اللّبن وشربه.

وروي عن محمد بن الحنفية ايضاً قال: بتنا ليلة العشرين من شهرِ رمضان مع أبي وقد نزل السّمّ إلى قدميه، وكان يصلّي تلك اللّيلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصاياه [ويعزينا عن نفسه ويخبرنا بأمره وتبيانه إلى حين طلوع الفجر،] فلمّا أصبح استأذن النّاس عليه فأذن لهم بالدّخول فدخلوا وسلّموا عليه فرد عليهم السَّلام، ثُمّ قال: «أيّها النّاس سلوني قبل أن تفقدوني» (فجعل النّاس يسألونه فقال الحسن عليه السَّلام: «أيّها النّاس)(1) خففوا سؤالكم لمصيبتكم بإمامكم».

قال: فبكى النّاس عند ذلك بكاء شديداً، واشفقوا أن يسألوه تخفيفاً عنه، فقام اليه حجر بن عدي وقال في شانه:

فيا أسفا على المولى التّقيّ *** أبي الأطهارِ حيدرةَ الزّكيّ

قتله کافرٌ رجسٌ زنیمٌ *** لعينٌ فاسقٌ نغل شقيّ

ص: 340


1- بين القوسين لم يرد في المصدر

فيلعن ربُّنا من حادَ عنکم *** ويبرء منكم لعناً وبي

لأنكم بيومِ الحشرِ ذخري *** وأنتم عترةُ الهادي النّبيّ

فلمّا بصر به وسمع شعره قال له: «كيف لي بك إذا دُعيت إلى البراءة منّي، فما عساك أن تقول»؟

فقال: والله يا أَمير المؤمنين لو قطّعت بالسّيوف إربا إرباً، وأُضرِمت لي النّار والقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك.

فقال: «وفّقت لكلِّ خير يا حجر، جزاك الله خيراً عن أهل بيتك».

ثُمّ قال عليه السلام: «هل من شربةٍ مِن لبن»؟ فاتوه بلبن في قعب فأخذه وشربه كلّه، فذكر ابن ملجم وإنّه لم يخلف له شيئا، فقال عليه السَّلام: «...وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا»(1) اعلموا أني شربت الجميع ولم أبق لأسير کم شيئاً من هذا، ألا وإنّه آخر زادي من الدنيا، فبالله عليك يا بني إلّا سقيته مثل ما شربت» فحمل إليه ذلك فشربه.

قال محمد ابن الحنفية رضوان الله عليه: فلمّا كانت ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وأظلم اللّيل، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثُمّ قال: «يا أبا

ص: 341


1- الاحزاب: (38)

محمّد ويا أبا عبد الله كأنّي بكما وقد خرجت عليكما الفتن من بعدي من هنا ومن هنا، فاصبرا حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».

ثُمّ قال: «یا بنی یا أبا عبد الله أنت شهید هذه الأُمّة، فعليك بتقوى الله والصّبر على بلائه».

ثُمّ أُغمي عليه ساعة وأفاق وقال: «هذا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وعمّي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله وكلّهم يقولون عجّل قدومك علينا، فإنّا إليك مشتاقون».

ثُمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم، فقال: «استودعكم الله جميعاً، سدّدكم الله جميعاً، حفظكم الله جميعاً، الله خليفتي عليكم وكفى بالله خليفة».

ثم قال: «وعليكم السَّلام یا رسل ربّي».

ثم قال: «لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ»(1)، «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ»(2) وهو يذكر الله كثيراً، وما زال يذكر الله ويشهد الشّهادتين.

ثُمّ استقبل القبلة وغمض عينيه ومدّ رجليه ويديه وقال: «أشهد أن لا إله إلّا

ص: 342


1- الصافات: آية (61)
2- النحل: آية (128)

الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله».

ثم قضى نحبه صلوات الله عليه(1).

[رواية الأصبغ بن نباته رضوان الله عليه في شهادته سلام الله عليه].

وقال الأصبغ بن نباته: لمّا ضرب ابن ملجم سيّدي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، غدونا نفراً من أصحابنا أنا والحارث و سوید بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا بالباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج الينا الإمام الحسن عليه السلام، فقال: «يقول لكم أبي: انصرفوا لمنازلكم»، فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله فبكيت، فخرج الإمام الحسن عليه السَّلام، فقال: «ألم أقل لكم انصرفوا»؟

فقلت: لا والله يا بن رسول الله لا تتابعني نفسي، ولا تحملني على أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.

قال: وبكيت، فدخل فلم يلبث أن خرج، فقال لي: «أُدخل»، فدخلت عليه فإذا هو مسنّد معصّب الرأس بعمامة صفراء وقد نزف واصفر لون وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة صفراء، فانكببتُ عليه أُقبّله فبكيت.

ص: 343


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 96/ بحار الانوار - المجلسي - 42: 289 / منهاج البراعة - الخوئي 5: 157/ الانوار العلوية - جعفر النقدي: 382

فقال لي: «لا تبكِ یا أصبغ فإنّها والله الجنّة».

[قلت له: جعلت فداك إنّي والله أعلم إنك تصير إلى الجنّة] وإنّما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين، جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وآله، فإنّي لا أری أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا.

قال: «نعم يا أصبغ دعاني رسول الله صلَّى الله عليه وآله يوماً(1)، فقال لي: يا علي انطلق حتّى تأتي مسجدي، ثُمّ تصعد منبري [وقم دون مقامي بمرقاة](2)، ثُمّ تدعو النّاس إليك، فتحمد الله وتثني عليه وتصلّي عّلَىَّ صلاة كثيرة، ثُمّ تقول: أيّها النّاس إنّي رسول رسول الله إليكم وهو يقول [لكم: ألا] إنَّ لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على مَن انتمى إلى غير أبيه، أو ادّعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً أُجرته(3).

فأتيتُ مسجده وصعدت منبره، فلمّا رأتني قريش ومَن كانَ في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت الله وأثنيت عليه وصلّيت على رسول الله صلَّى الله عليه وآله صلاة كثيرة، ثُمّ قلت: معاشر النّاس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم:

ص: 344


1- في الروضة: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عائدا، كما جئت إلى السّاعة)
2- بين المعقوفتين أثبتناه من الروضة
3- في الروضة: (ألا من عق والديه، فلعنة الله عليه. الا من أبق من مواليه، فلعنة الله عليه. ألا من ظلم أجيرا أجرته، فلعنة الله عليه)

ألا إنَّ لعنةَ الله والملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادّعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً اجرته(1).

قال: فلم يتكلم أحد إلّا عمر بن الخطاب فإنّه قال: قد بلغت يا أبا الحسن [ولكنّك] جئت بكلام غير مفسر.

«فقلتُ له: أبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله، فرجعت إلى النّبيّ وأخبرته بالخبر.

فقال: ارجع [إلى مسجدي]، واصعد منبري، فاحمد الله واثني عليها [وصلِّ عَلَىَّ] ثُمّ قل: معاشر النّاس ما كنّا لنجيئكم بشيءٍ إلّا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنّي أبوكم، ألا وإنّي مولاكم، ألا وإنّي أجيركم»(2) (3).

وعن الثمالي، عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السَّلام

ص: 345


1- في الأمالي: (أجره)
2- في الروضة: (يا أبا الحسن، ألا وإني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة الله عليه. الا وإني وأنت موليا هذه الأمة، فعلى من أبق عنا لعنة الله. ألا وأني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا أجرتنا، فلعنة الله عليه. قال: فقل: آمين، فقلت: آمين.)
3- الأمالي - الشيخ المفيد: 351، ح 3/ الأمالي - الطوسي: 122، ح 4/ بشارة المصطفى - الطبري: 399، ح 15/ الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام - شاذان بن جبريل: 131، (باختلاف بسيط)، وعنه في جواهر المطالب للطريحي: 157، وعن أمالي المفيد والطوسي في بحار الانوار للمجلس - 42: 204، باب 127، ح 8

في مرضه الَّذي توفي فيه، فحلَّ عن جراحته، فقلت يا أمير المؤمنين ما جرحك بشيءٍ وما بك من باس، فقال [لي]: «يا حبيب أنا والله مفارقكم السّاعة».

قال: فبكيت عند ذلك، وبكت أُمّ كلثوم رضوان الله عليها وكانت قاعدة عنده.

فقال لها: «ما يبكيك يا بنيّة»؟

فقالت: ذكرت يا أَبتِ إنك تفارقنا السّاعة فبكيت.

فقال لها: «یا بنية لا تبكين فوالله لو ترین ما یری أبوك ما بكيتِ».

قال حبيب: فقلت له: ما ترى يا أمير المؤمنين؟

فقال: «يا حبيب أرى ملائكة السماوات والنّبييّن بعضهم في إثر بعض وقوفاً لي يتلقونني، وهذا أخي محمّد صلّى الله عليه وآله جالس عندي يقول: أقدِم فإنّ أمامك خير مما أنت فيه».

قال: فما خرجت من عنده حتّى توفي(1).

ص: 346


1- الأمالي - الصّدوق: 396، المجلس 52، ح 4 (وفيه تمام الحديث) / روضة الواعظين - الفتال النيسابوري: 137، مجلس في ذكر وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام (وفيه تمام الحديث) / وعن أمالي الصدوق في بحار الانوار 42: 201 (وفيه تمام الحديث) / ينابيع المودة القندوزي 2: 31، باب 53، ح 3 (وفيه تمام الحديث)

[وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن سلام الله عليهما].

وفي أمالي الشّيخ [المفيد]، عن الفجيع العقيلي، قال: حدّثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السَّلام قال: «لمّا حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي، فقال: هذا ما أَوصى به عليّ بن أبي طالب أخو رسول الله وابن عمّه وصاحبه، وأوّل وصيتي أنّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً - (صلّى الله عليه وآله) - رسولُ الله وخيرته، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأنَّ الله باعثٌ مَن في القبورِ، وسائل النّاس عن أعمالهم، وعالم ما في الصّدور.

أُوصيكَ يا حسن وكفى بك وصيّا بما أوصاني به رسول الله صلَّى الله عليه وآله، فإذا كان ذلك يا بنيَّ فالزم بيتك وابك على خطيئتك، ولا تكن الدّنيا أكبر همّك.

وأوصيك يا بنيَّ بالصّلاة عند وقتها، والزَّكاة في أهلها عند محلّها، والصّمت عند الشّبهة، والاقتصاد [في العمل]، والعدل في الرّضا والغّضب، وحسن الجوار، وإكرام الضّيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرّحم، وحبّ المساكين ومجالستهم، والتّواضع فإنّه من أفضلِ العبادة، وقصر الأمل، وذكر الموت، والزّهد في الدّنيا فإنّك رهين الموت(1) وغرض بلاء وصريع سقم(2).

ص: 347


1- في أمالي المفيد: (رهن الموت)
2- في أمالي الطوسي: (واذكر الموت، وازهد في الدنيا فإنك رهین موت، وغرض بلاء، و صريع سقم) / رهین موت: حبيس، مرهون، مأخوذ بالشيء / (وصريع سقم): وصرعه أي طرحه على الأرض. وفي أمالي المفيد: (وطريح سقم): الطَّرِيحُ: مطروح، مُلقّی، مرمِيّ، متروك (لسان العرب - ابن منظور 2: 528)

وأوصيك بخشية الله في سرِّ أمرك وعلانيته(1)، وأنهاك عن التّسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شيء من أمرِ الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شيء من أمر الدّنيا تأنَّ فيه(2) حتّى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التّهمة والمجلس المظنون به السّوء، فإنّ قرين السّوء يغرّ(3) جليسه، وكن لله عاملاً وعن الخنا زاجراً(4) وبالمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً، ووافِ(5) الإخوان في الله، وأحبَّ الصّالح لصلاحه، ودارِ الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك وزايله بأعمالك لئلّا تكون مثله، وإياك والجلوس في الطّرقات، ودع المماراة ومجاورة من لا عقل له ولا علم، واقصد يا بنيَّ في مشيتك(6) واقتصد في عبادتك، وعليك [فيها] بالأمر الدائم [الَّذي تطيقه] والزم الصّمت تسلم، وقدّم لنفسك تغنم، وتعلّم الخير تعلم، وكن لله ذاكراً على كلِّ حال، وارحم من أهلك الصّغير، ووقر [منهم] الكبير، ولا تأكلن طعاماً حتى تتصدق منه قبل أكله، وعليك بالصّوم فإنّه زكاة البدن وجنّة لأهله،

ص: 348


1- في أمالي الطوسي: (علانيتك)
2- في المصدر: (فتأنه)
3- في أمالي المفيد: (يغير)
4- في المصدر: (زجورا)
5- في المصدر: (وواخ)
6- في المصدر: (واقتصد یا بني في معيشتك)

وجاهد نفسك، واحذر جليسك وتجنّب(1) عدوّك، وعليك بمجالس الذّكر، واكثر من الدّعاء فإنّي لم آلك [یا بنيَّ] نصحاً، وهذا فراقٌ بيني وبينك.

وأوصيك بأخيك محمّد خيراً، فإنّه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبّي له، وأمّا أخوك الحسين فهو إبن أُمّك ولا ازيد الوصاية بذلك، والله الخليفة عليكم وإياه أسئل أن يصلحكم وأن يكفَّ الطّغاة البغاة عنکّم، والصّبر الصّبر حتّى ينزل الله الأمر، ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم»(2).

ولله در الشاعر الماهر الحاج هاشم الكعبي(3) حيث يقول:

الحقُّ أنتَ وليسَ حقٌّ لم تكن *** لطريقهِ يا ابن المكارمِ سالكاً

إن كنتَ نفسَ محمّد فمنِ الَّذي *** لمحمّدٍ إن كنتَ أنتَ التّاركا

فسكَتتَ أُناس وهي تجحد أَنّك *** المولى ولم يك ذو جحود ناسکا

ص: 349


1- في المصدر: (واجتنب)
2- الامالي - الشيخ المفيد: 220، المجلس السّادس والعشرون، ح 1/ الأمالي الشيخ الطوسي: 7، المجلس الأول، ح 8، وعنهما في بحار الأنوار للمجلسي-42: 202، باب 127، ح 7 / الفصول المهمة - ابن الصباغ: 620
3- هو: شاعر أهل البيت عليهم السلام الحاج الشيخ هاشم بن حردان الكعبي الدورقي، ولد ونشأ في الدورق مسكن عشائر کعب في الأهواز، ولم نعثر على تاریخ دقیق لولادته، لكنه عاش في القرن الثاني عشر الهجري.، ثُم سكن كربلاء والنجف، توفي سنة 1207 ه، ويعد من فحول الشعراء وفي طليعتهم، له ديوان أكثره في الأئمة عليهم السلام . (انظر: طبقات أعلام الشيعة - الطهراني 12: 624، برقم 84/ أدب الطف - جواد شبر 6: 218)

تركوا الدليل وراءهم وتروّحوا *** يتخبطونَ مفاوزاً ومهالكا(1)

وصية أمير المؤمنين لأبنائه سلام الله عليهم.

المنقول والمروي في كتاب فرحة الغري: أنه لمّا احتضر أمير المؤمنين عليه السَّلام، جمع بنيه حسناً و حسيناً ومحمّد ابن الحنفية والأصاغر من ولده، فوصّاهم وكان في آخر وصيّته: «یا بنيَّ عاشروا النَّاس معاشرة(2) إن غبتم حنّوا اليكم، وإن فقدتّم بكوا عليكم.

يا بنيَّ إنَّ القلوبَ جندٌ(3) مجنَّدة تتحاببُ بالمودةِ(4) وتتناجي بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحسستم من أحدٍ في قلبهِ شيئاً فاحذروه(5) (6)».

الفاجعة الأليمة بوفاة أمير المؤمنين عليه السَّلام ودفنه.

وكانت وفاته صلوات الله عليه ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان کما تقدم

ص: 350


1- الكشكول - الشيخ يوسف البحراني 3: 2008
2- في الامالي: (عشرة)
3- في الامالي: (جنود)
4- في الامالي: (تتلاحظ بالمودة)
5- في الأمالي: (فإذا أحببتم الرّجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرّجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه)
6- لم أجده في كتاب فرحة الغري، بل في الأمالي - الطوسي: 595، مجلس 26، ح 6 / تنبیه الخواطر - ورام المالكي 2: 394/ أعلام الدين - الديلمي: 215 بحار الأنوار - المجلسي 42: 247، الباب 127، ح 50

وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.

[قال الراوي:] فعند ذلك صرخت زینب [بنت عليّ عليه السَّلام] وأُمّ كلثوم وجميع نسائه وشققن الجيوب ولطمن الحدود وارتفعت الصّيحة في القصر، فعلم أهل الكوفة انّ علياً عليه السَّلام قد قُبض، فأقبل الرّجال والنساء يهرعون أفواجاً أفواجا، وصاحوا صيحة واحدة(1)، فارتجّت الكوفة بأهلها، وارتفع البكاء والنحيب، وكثر الضّجيج بالكوفة وقبائلها [ودورها] وجميع أقطارها، فكان [ذلك] کيوم مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلمّا أظلم اللّيل تغير أُفق السّماء وارتجّت الأرض وجميع مَن عليها بكوه، وكنّا نسمع أصواتاً [وتسبيحا] في الهواء، فعلمنا إنّها أصوات الملائكة، فلم نزل كذلك إلى أن طلع الفجر، ثُمّ ارتفعت الأصوات [وسمعنا هاتفاً بصوتٍ يسمعه الحاضرون ولا يرون شخصه، يقول:

بنفسي ومالي ثُمّ أهلي وأسرتي *** فداءٌ لمن أضحى قتيلَ ابنَ ملجمِ

عليٌّ رقي فوقَ الخلائقِ في الوغى *** فهُدَّت به أركانُ بيتِ المحرّمِ

عليٌّ أميرُ المؤمنينَ ومَن بَكت *** لمقتلهِ البطحا وأكنافُ زمزمِ

يكادُ الصَّفا والمشعرانِ كلاهُما *** یُهدّا وبانَ النقصُ في ماءِ زمزمِ

ص: 351


1- في المصدر: (عظيمة)

وأصبحتِ الشّمسُ المنير ضياؤها *** لقتل عليّ لونُها لونُ دلهمِ

وضلَّ له أفقُ السّماءِ كآبةً *** کشقّةِ ثوبٍ لونُها لونُ عندمِ(1)

وناحت عليه الجنُ إذ فُجِعت به *** حنيناً كثكلى نوحِها بترنمِ

وأضحى التقى والخيرِ والحلم والنهي *** وباتَ العلىُ في قبرهِ المتهدمِ

لفقد عليّ خير مَن وطئ الحصى *** أخي العلمِ الهادي النَّبيّ المعظَّمِ]

[قال أبو مخنف لوط بن يحيى الازدي، أخبرنا محمد ابن الحنفية:] إنَّ اللّيلة الَّتي قُتل فيها أمير المؤمنين عليه السَّلام بكت السّماوات والأرض والملائكة والإنس والجن [والشّمس والقمر قد تغير ألوانهما حزناً عليه، وفي تلك اللّيلة] سمعنا في الهواء جلبة عظيمة وتسبيحا وتقدیسا، فعلمنا أنّها أصوات الملائكة، فلم تزل كذلك حتّى بدأ الصَّباح، فارتفعت الأصوات [في الكوفة ما بين بابكٍ وباكية، ونادب ونادبه، والنّاس في الطّرقات يبكون وينوحون]، فخرجنا وإذا بصائح في الهواء وهو يقول:

يا للرجالِ لعظمِ هولِ مصيبةٍ *** قَدَحَت وليسَ مُصابها بالهازلِ

والشَّمس کاسفةٌ لفقدِ إمُامنا *** خيرِ الخلائقِ والإمامِ العادلِ

يا خيرَ مَن ركبَ المطيَّ ومَن مشى *** فوقَ الثّرى من محتفٍ أو ناعلِ

ص: 352


1- العَندَم: شجر أَحمر (لسان العرب - ابن منظور 12: 430)

يا سيّدي ولقد هددتَ قواءنا *** والحقُ أصبحَ خاضعاً للباطلِ

قال محمد ابن الحنفية: ثُمّ أخذنا في جهازه ليلاً، وكان الحسن عليه السَّلام يغسله والحسين عليه السَّلام يصب عليه الماء، وكان عليه السَّلام لا يحتاج إلى من يقلّبه - كما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله -، بل كان يتقلَّب کما یرید الغاسل يميناً وشمالاً، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر.

ثُمّ نادي الحسن عليه السَّلام بأُخته زينب وأُمّ كلثوم وقال: «يا أُختیَّ هلمّا(1) بحنوط جدّی رسول الله صلّى الله عليه وآله»، فبادرت زینب مسرعة فاتته به، فلمّا فتحه فاحت [الدّار] وجميع الكوفة وشوارعها به لشدّة رائحة ذلك الطّيب.

ثُمّ لفوه بخمسة أثواب کما أمره عليه السَّلام في وصيته، ثُمّ وضعوه على السّرير، وتقدم الحسن والحسين عليهما السَّلام إلى السّرير من مؤخره وإذا مقدّمه قد ارتفع ولا يُرى حامله، وكان حاملاه من مقدّمه جبرئیل و میکائیل، فما مرَّ بشيءٍ على وجهِ الأرض إلّا انحنى له ساجداً، وخرج السّرير من ما يلي باب کندّه فحملا مؤخرة وسارا يتبعان مقدّمه.

قال ابن الحنفية: والله لقد نظرت إلى السّرير وانه ليمرّ بالحيطان والنخل

ص: 353


1- في البحار: (يا أختاه هلمي)

فتنحني له خشوعاً، ومضى مستقيماً إلى النجف إلى قبره الآن.

قال: فضجّت الكوفة بمن فيها بالبكاء والنّحيب، وفوج من النساء تتبعه لاطمات حاسرات، فنهاهُنَّ الحسن عليه السَّلام ومنعهن عن البكاء والعويل، وردّهن إلى أماكنهن والحسين عليه السَّلام يقول: «لا حول ولا قوةَ إلّا بالله العلي العظيم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وا أبتاه، وا انقطاع ظهراه، من أجلكَ تعلمتُ البكاء إلى الله المشتكى».

فلمّا انتهينا إلى قبرهِ فإذا مقدم السّرير قد وضِع، فوضع الحسن عليه السَّلام مؤخره، ثُمَّ قام عليه السَّلام وصلّى عليه والجماعة خلفه، فكبّر سبعاً كما أمره به عليه السَّلام(1)

أقول: إنّما أمر سيّدنا أمير المؤمنين ابنه الحسن - عليهما السَّلام - في وصيته بزيادة التكبير في الصّلاة عليه لاختصاص الزّيادة والرّجحان بأهلِ المزيَّة(2) والشّرف دون غيرهم، وسيّدنا وإمامنا أبو الحسن عليه السَّلام هو بحر الكمالات

ص: 354


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 110/ وأوردة المجلسي في بحار الأنوار عن أبو الحسن البكري 42: 293، باب 127، وعنه في منهاج البراعة للخوئي 5: 161، والانوار العلوية لجعفر النقدي: 387
2- المزِيَّةُ: الفضيلة (لسان العرب - ابن منظور 5: 409)

والرفعة وإمام الفضائل والمنعة.(1)

قال الراوي: ثُمّ زحزحنا سريره وكشفنا التّراب وإذا نحن بقبرٍ محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها: «هذا ما ادَّخرهُ له جدّه نوح النّبيّ العبد الصّالح للإمام الطّاهر المطهّر».

فلمّا أرادوا نزوله سمعوا هاتفاً يقول أنزلوه على التّربة الطّاهرة، فلقد اشتاق الحبيب إلى حبيبه، فدهش النّاس عند ذلك و تحيّروا، والحد عليه السَّلام قبل طلوع الفجر.

قالت أم كلثوم رضوان الله عليها: فانشقَّ القبر فلا أدري أفدسَّ(2) سيّدي في الأَرض أَم أُسرى به إلى السّماء، اذ سمعت ناطقاً لنا بالتّعزية أحسن الله لكم العزا في سيّدكم وحجّة الله على خلقه(3).

وروي أنَّ الحسنَ بن عليّ عليه السَّلام وقف على قبرِ أبيه ورثاه فقال :

ص: 355


1- المَنَعةُ: العِزُّ والقُوَّة (لسان العرب - ابن منظور 8: 343)
2- في فرحة الغري: (أغار)
3- مناقب آل ابي طالب - ابن شهر آشوب 2: 172/ فرحة الغري - ابن طاووس: 63، الباب الثاني، ح 11 / الدر النظيم - العاملي: 420، الباب الثاني، في مقتله سلام الله عليه / وعن فرحة الغري في بحار الانوار للمجلسي 42: 216 باب 127، ح 17

أينّ مَن كان لعلمِ *** المصطفى في النّاسِ بابا

أين مَن كان إذا ما *** قحطَ النّاس سحابا

این مَن كان إذا نُوديَّ *** في الحربِ أجابا

أين من كان دُعاه *** مستجاباً ومجابا

وله ايضاً:

خلِّ العيون بما أردنَ *** من البكاءِ على عليّ

لا تقبلنَّ من الخليِّ *** فليسَ قلبُكَ بالخلي

لله أنت اذا الرّجالُ *** تضعضعت وسط الندي

فرَّجتَ كربَتَها ولم *** تكن إلى فشلٍ وعَي

وفي رواية عن الإمام الحسين عليه السَّلام، [في خبر طويل يذكر فيه أنّه] قال لهما في تلك الحال: «أوصيكما بوصيةٍ فلا تظهرا على أمري أحداً»، وأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحاً، وأن يكفّناه(1) فيما يجدان، فإذا غسلاه ووضعاه على ذلك اللّوح، وإذا وجد السّرير يشال مقدمه فیَشیلان مؤخره، وأن يُصلّي الحسن مرة والحسين مرة صلاة إمام.

ففعلا کما رسم فوجد اللّوح وعليه مكتوب: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما

ص: 356


1- في مدينة المعاجز: (يدفناه)

ادّخره نوح النّبيّ لعليّ بن أبي طالب عليه السَّلام الوصيّ»، وأوصى بالكفن(1) في دهليز الدّار موضوعاً فيه حنوط، وقد أضاء نوره على نور النّهار.

[وروي انه] قال الحسين عليه السَّلام وقت الغسل (لأخيه الحسن عليه السَّلام)(2): «أما ترى إلى خفّة أمير المؤمنين عليه السَّلام»؟

فقال الحسن عليه السَّلام: يا أبا عبد الله إن معنا قوماً يعينوننا، فلمّا قضينا صلاة العشاء الآخرة إذ قد شيل مقدم السّرير ولم نزل نتبعه حتّى وردنا الغّري، فأتينا إلى قبر على ما وصف أمير المؤمنين عليه السَّلام ونحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجّة وجلبة، فوضعنا السّرير وصلّينا [على أمير المؤمنين - عليه السَّلام](3) ونزّلنا قبره فأضجعناه في لحده ونضدّنا عليه اللّبن.

[وفي الخبر عن الإمام الصّادق عليه السَّلام فأخذ اللّبنة من عند الرأس بعدما أشرجا عليه اللبن] فإذا ليس في القبر شيء، وإذا بهاتف يهتف ويقول: «أَمير المؤمنين كان عبداً صالحاً فالحقه الله بنبيّه، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء، حتّى لو أن نبياً مات بالمشرق ومات وصيه بالمغرب للحق النّبيّ

ص: 357


1- في المصدر: (وأصابا الكفن)
2- بين القوسين لم يرد في المصدر
3- في الأصل: (عليه) وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر

بالوصيّ»(1).

اعلموا یا أرباب الألباب والفضائل إنّ سيّدَ الثقلين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه هو النّور المنزل على نبيّنا أشرف الرّسل صلّى الله عليه وآله، وهو آية الله الكبرى، وكلمته التّامة الَّتي أشرقت من حضرة الأزل، فلم تزل سر الإله القاهر القادر مع الرّسل، وان لها الظهور الكامل في سائر الدّهور، والتنقل في الصّور الجميلة كيف شاء خالق البشر؛ لأنه إمام الحقّ في الأنام والأيام، ونور العالم وكشّاف الظّلمة في الأنام ونسبته إلى الخلق كنسبة الشّمس في الوجود للموجود في الدّلالة على المعبود بالحقِّ، وإن كان جرمها في مكان واحد من الفلك الرابع، ولأنها مطلّة على الكل، فلا تغيب عنهم عند إشراقها، ولا يحجبون عنها عند طلوعها، فالولي والحجة البالغة كذلك، فإن أقطار العالم مجموعة له ونسبه الأقصى والأدنى اليه بالسّواء، فهي نسبة الدّرهم في يديه.

وأمّا حضوره عند الموتى بعد احتجابه عن الدنيا بالموت، فكما أنّ الخلق لا تحتجب عنه بالجدران وبعد المسافات والتنزيح عنهم، وان كان جسده الطّاهر

ص: 358


1- المزار - الشيخ المفيد: 222، باب النوادر، ح 3 (باختلاف بسيط) / مناقب آل ابي طالب - ابن شهر = = اشوب 2: 172، فصل: فيما ظهر بعد وفاته عليه السلام / مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني 3: 64، ح 729/ بحار الانوار - المجلسي 42: 235

ضمن الضريح؛ لان أولياء الله لا يموتون ولكنّهم يحتجبون(1) لقوله عليه السَّلام: «إنّي ضاعن عن قريب ومنطلق إلى المغيب»(2).

فمن انكر أسرار الرّب الجليل، فعليه في إنكاره إقامة الدّليل، وتبدیل ما نزل به جبرئیل.

ولله درّ من قال:

بواسطة المرأة عاينتَهُ ثانياً *** عَياناً وغيرُ الحقيقةِ ما بدا

وما الوجه إلّا واحدٌ غيرَ أنّهُ *** تعددت المرأة وليسَ تعددا(3)

ومن ذلك انهم أنكروا ما رواه المحدثون من أهل الكوفة، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا حمَل جنازته الطّاهرة الحسن والحسين عليهما السَّلام على السّرير إلى المكان المختلف فيه من نجف الكوفة وجدوا فارساً يتضوّع منه [رائحة] المسك فسلَّم عليهما، ثُمّ قال: للحسن عليه السَّلام «أنَت الحسن بن علي رضيع الوحی

ص: 359


1- انظر: مشارق أنوار اليقين للشيخ رجب البرسی: 153 المخطوط، ولم أجده في المطبوع المتوفر بين أيدينا
2- كفاية الأثر - الخزاز القمي: 214، ضمن خطبته سلام الله عليه المسماة باللؤلؤة / مناقب آل ابي طالب - ابن شهر آشوب 2: 107 / بحار الانوار المجلسي 36: 354، ضمن خطبة اللؤلؤة / مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني 2: 284، ح 618
3- انظر: مشارق أنوار اليقين للشيخ رجب البرسي: 155 المخطوط، ولم أجده في المطبوع المتوفر بين أيدينا، و مشارق الأمان للشيخ رجب البرسي: 228

[والتنزيل]، وفطيم الحكم ذو الشّرف الجّليل(1)، وخليفة أمير المؤمنين وسيّد الوصيين»؟

قال: «نعم».

[قال:] «وهذا الحسين بن أمير المؤمنين وسيّد الوصيين] سبط الرّحمة [ورضيع العصمة] وقرين الحكمة(2) ووالد الائمة»؟

قال: «نعم».

قال: «سلِّماه إليَّ وامضيا في دعة الله».

فقال له الحسن عليه السَّلام: «إنّه أوصى الينا أن لا نسلّمه إلّا لأحد الرّجلين جبرئيل أو الخضر فمن أنت منهما»؟ فكشف النقاب فإذا هو أمير المؤمنين عليه السَّلام.

ثُمّ قال للحسن عليه السَّلام: «یا أبا محمد إنّ أباك لا تموت نفس إلّا ويشهدها أبوك، فمن يشهد جسد أبيك»؟(3).

ص: 360


1- في المصدر: (وفطيم العلم والشرف الجليل)
2- في المصدر: (وربيب الحكمة)
3- مشارق أنور اليقين - الشيخ رجب البرسي: 153 المخطوط، ولم أجده في المطبوع المتوفر بين أيدينا، ومشارق الامان - الشيخ رجب البرسي: 229، وعن المشارق في بحار الانوار للمجلسي 42: 300، باب 127، ومدينة المعاجز للبحراني 3: 60، ح 724، ومنهاج البراعة للخوئي 5: 164، في كيفية دفنه عليه السّلام

وروي عن الحسن بن علي عليهما السَّلام، إنّ أميرَ المؤمنين عليه السَّلام قال له ولأخيه الحسين عليهما السَّلام: «إذا وضعتُماني في الضّريح فصلّيا ركعتين قبل أن تُهيلا التّراب، وانظرا ما يكون»، فلمّا وضعاه في الضّريح المقدس فعلا ما أُمِرا به.

فنظرا فإذا الضّريح مغطى بثوبٍ من سندس، فكشف الحسن عليه السَّلام مما يلي وجه أمير المؤمنين عليه السَّلام، فوجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وآدم وإبراهيم يتحدثون مع أمير المؤمنين عليه السَّلام، وكشف الحسين عليه السَّلام مما يلي رجليه، فوجد الزهراء وحواء و مریم وآسية عليهن السَّلام ينحن على أمير المؤمنين ويندبنه(1).

ولأنّ أمير المؤمنين ليس حقیقته في هذا الجسد المحدث الَّذي ظهر مع رسول الله صلّى الله عليه وآله مؤيداً له أيام حياته لا غير، بل هو كلمة الله الكبرى الَّتي وقعت اليها الإشارة بهذه العبارة: «ما عرفك إلّا الله وأنا»(2) وهو النّور القديم الَّذي يتقلّب في الصّور كيف يشاء الله.

ص: 361


1- مشارق أنور اليقين - الشيخ رجب البرسي: 156 المخطوط، ولم أجده في المطبوع المتوفر بين أيدينا، مشارق الأمان - الشيخ رجب البرسي: 231، وعن المشارق في بحار الانوار للمجلسي- 42: 301، باب 127، ومدينة المعاجز للبحراني 3: 77، ح 741، ومنهاج البراعة للخوئي 5: 164، في كيفية دفنه عليه السّلام
2- انظر: مشارق أنوار اليقين للشيخ رجب البرسي: 172، وحلية الأبرار للسيد هاشم البحراني 2: 17

[القصاص من ابن ملجم وقطام لعنهما الله].

وفي رواية: انه لمّا رجع أولاد أمير المؤمنين عليهم السَّلام وأصحابه إلى الكوفة واجتمعوا لقتل اللّعين ابن ملجم الشّقي المهين، قال عبد الله بن جعفر: اقطعوا يديه ورجليه ولسانه واقتلوه بعد ذلك، وقال ابن الحنفية: اجعلوه غرضا للنشاب واحرقوه بالنّار، وقال آخرون: اصلبوه حياً حتّى يموت.

فقال الحسن عليه السَّلام: «أنا ممتثل فيه ما أمرني به أبي عليه السَّلام أضربه ضربة بالسّيف حتّى يموت بها، وأحرقه بالنّار بعد ذلك».

قال: فأمر الحسن عليه السَّلام أن يأتوا بعدو الله، فجاؤوا به مكتوفاً حتّى أدخلوه إلى الموضع الَّذي ضرب فيه الإمام وسيّد الأنام عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام، والنّاس يلعنونه [ويوبخونه] و هو ساکت لا يتكلم.

فقال الحسن عليه السَّلام: «يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين وإمام المسلمين وأظهرت الفساد في الدّين».

فقال لهما: یا حسن ويا حسين، ما تريدان أن تصنعاه فاصنعاه، ولا تلوما مَن استزلّه الشّيطان فصّده عن السّبيل(1)، ولقد زجرت نفسي فلم تنزجر، ونهيتها فلم

ص: 362


1- في المصدر: (فقال لهما: یا حسن ويا حسين عليكما السلام ما تريدان تصنعان بي قالا له: نريد قتل کما قتلت سیّدنا و مولانا. فقال لهما: اصنع ما شئتما أن تصنعا، ولا تعنفا من استزله الشيطان فصدّه عن السبيل)

تنته، فدعها تذوق وبال أمرها، ولها عذاب شديد، ثُمّ بکی. فقالا له: «يا ويلك ما هذه الرّقّة؟ أينَ كانت حين وضعت قدمك وركبت خطيئتك»؟

فقال ابن ملجم لعنه الله: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(1).

ولقد انقضى الأمر، وإنّما قتلت أباك وحصلت بين يديك، فاصنع ما شئت وخذ بحقك كيف شئت، ثُمّ برك على ركبتيه وقال: يا بن رسول الله الحمد لله الذي أجرى قتلّي على يديك.

فرقَّ له الحسن عليه السَّلام لانَّ قلبه كان رحيماً، فقام وأخذ السّيف بيده وجرَّده من غمده وندبه حتّى لاح الموت في حدّه، ثُمّ ضربه به ضربة أدار بها عنقه، فاشتد زحام الخلق عليه وعلت أصواتهم، فلم يتمكن من فتح باعه، فارتفع السّيف إلى دماغه(2) [فأبرأها]، فانقلب عدو الله على قفاه يخور في دمه.

فقال الحسين لأخيه الحسن: «يا أخي اليس الأب واحد والأُم واحدة ولي نصيب في هذه الضّربة ولي في قتله حق؟ فدعني أضربه ضربة اشفي بها بعض ما أجده».

ص: 363


1- المجادلة: (آية 19)
2- في المصدر: (باعه)

فناوله الحسن عليه السَّلام السّيف، فأخذه الحسين عليه السّلام وهزّه وضربه على الضّربة الَّتي ضربه الحسن، فبلغ إلى طرف أنفه وقطع جانبه الأخر، وتبادروه النّاس بأسيافهم فقطّعوه إرباً إرباً، وعجّل الله بروحه إلى النّار وبئس القرار.

ثُمّ جمعوا جثّته الخبيثة وأخرجوه من المسجد وأحرقوه بالنّار.

وفي رواية أنهم طرحوه في حفيرة وطموه بالتراب، فهو يعوي كعوّي الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة.

[قال الراوي:] ثُمّ أقبلوا إلى قطام الفاسقة الفاجرة، فقطّعوها بالسّيوف إرباً ارباً وأخربوا دارها، ثُمّ أخرجوها إلى ظاهر الكوفة واحرقوها بالنّار، وعجّل الله بروحها إلى النّار وغضب الجبّار(1).

[في رثاه سلام الله عليه].

ولمّا فرغوا من إهلاكهم وقتلهم أقبل الحسنان إلى المنزل، فاستقبلتهم أُمّ كلثوم وأنشأت تقول(2):

م (1) . (2) .

(3) .

ص: 364


1- مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 116/ بحار الأنوار - المجلسي - 42: 297، باب 127/ منهاج البراعة - الخوئي 5: 167/ الأنوار العلوية - جعفر النقدي: 389
2- تنسب هذه الأبيات إلى أبي الأسود الدؤلي، أنظر: مناقب آل أبي طالب - ابن شهر اشوب 3: 97 / بحار الأنوار - المجلسي 42: 298 / الاستیعاب - ابن عبد البر 3: 1132

ألا يا عينُ جودي واسعدينا *** ألا فابكي أمير المؤمنينا

وتبكي أُمَّ كلثومٍ عليه *** بعبرتها وقد رأت [اليقينا ](1)

ألا قل للخوارجِ حيثُ كانوا *** فلا قُرَّت عيونُ الحاسِدينا

وأَبكي خيرَ مَن ركبَ المطايا *** وحثَّ بها وأقرى الظاغنينا

ومن لبس النعال ومن [حذاها](2) *** ومن قرأ المثانيَ والمُبينا

ومن صامَ الهجيرَ وقامَ ليلاً *** وناجي اللهَ خيرَ الخالقينا

إمامٌ صادقٌ برٌ تقيٌ *** فقيةٌ قد حوى علمَا وديناً

شجاعٌ أشوشٌ بطلٌ همامٌ *** ومقدامُ الأساودِ في العرينا

كميٌّ(3) باسلٌ قرمٌ(4) هزبرٌ(5) *** حميٌّ أروعٌ ليثٌ بطينا

فعمروٌ قادَهُ في الأسرِ لمّا *** طغى وسقي ابن ودٍ منه حينا

ومرحبُ قدَّهُ بالسَّيفِ قداً *** وعفَّرَ ذا الخمارِ له الجبينا

وباتَ على الفراشِ يقي أخاهُ *** ولن يعبأ بكيدِ الكافرينا

ويدعو للجماعةِ من عصاهُ *** ويقضي بالفرائض مُستبينا

وكلُّ مناقبِ الخيراتِ فيهِ *** وحبَّ رسولِ ربِّ العالمينا

ص: 365


1- في الأصل: (البنينا) وما بين المعقوفتين أثبتناه من البحار
2- في الأصل: (حفاها) وما بين المعقوفتين أثبتناه من البحار
3- الكَمِيُّ: الشجاع (لسان العرب - ابن منظور 15: 232)
4- القَومُ من الرجال: السيد المعظم (لسان العرب - ابن منظور 12: 473)
5- هزبر: الهِزبرُ: من أَسماء الأَسد (لسان العرب - ابن منظور 5: 263)

مضى بعد النَّبيِّ فَدتهُ نفسي *** أبو حسن وخيرُ الصّالحينا

إذا استقبلت وجه أبي حسينٍ *** رأيتَ البدرَ فاقَ النّاظرينا

وكنّا قبل مقَتلِهِ بخيرٍ *** نرى المولى رسولَ الله فينا

يقيمُ الحقَّ لا يرتابُ فيه *** وينهكَ قطعَ أيديِ السّارقينا

ولیسَ بکاتمٍ علماً لديهِ *** ولم يُخلَق من المتجبرينا

ففي شهرِ الصّيام فجعتمونا *** بخيرِ الخلقِ طرَّاً اجمعينا

مضى بعد النَّبيّ فَدَتهُ نفسي *** أبو حسن وخيرُ النّاسكينا

فلو أنا سُئِلنا المالَ فيه *** بَذَلنا المالَ فيهِ والبنينا

كأنَّ الناسَ إذ فقدوا عليّاً *** غمامٌ(1) جالَ في بلدٍ سنينا

فلا والله لا أنسى علياً *** وحُسنَ صلاتِهِ في الرّاكعينا

لقد عَلِمَت قريشٌ حيث كانت *** بأَنَّكَ خيرُها حَسَباً ودينا

ألا فابلغ معاويةَ ابن حربٍ *** فلا قّرت عيونُ الشّامتينا

وقل للشامتينَ بنا رويداً *** سَيلقى الشامتونَ کما لقينا

قَتلتُم خيرَ مَن رکِبَ المطايا *** وذلَّلَها ومَن رَكِبَ السّفينا

الا فابلغ معاويةَ ابن حربٍ *** بأنَّ بقيةَ الخلفاءِ فينا

قال: فلم يبقَ أحد في المسجدِ إلا بکی لبكائها، وكلّ من كان حاضراً من عدوٍ

ص: 366


1- في البحار: (نعام)

وصديق، ولم أرَ باكياً ولا باكية أكثر من ذلك اليوم(1).

وظهر له عليه السَّلام بعد قتله غرایب سماوية وملکوتية، ولقد بكته السّماء بالدّماء، ولم يرفع حجر ولا مدر إلا وجد تحته دم عبيط حتّى مطلع الفجر من تلك اللّيلة الّتي قتل فيها صلوات الله وسلامه عليه(2).

وفي كتاب شرف النّبوة: إنَّه سمعَ هاتفٌ ينعى أمير المؤمنين عليه السَّلام وهو يقول:

لقد ماتَ خيرُ النّاسِ بعدَ محمّد *** وأكرمهُم فضلاً وأوفاهُمُ عَهدا

وأضرَبُهُم بالسّيفِ في مُهَجِ العدا *** وأصدقُهُم قيلاً وأنجزَهُم وعدا

وروي أن صعصعة بن صوحان رثاه بقوله:

هل خبرَ القبرُ سائليه *** أم قرَّ عيناً بزایریه

أم هل تراهُ أحاط علماً *** بالجسدِ المستكنَّ فيه

لو عَلِمَ القبر مَن يواري *** تاهُ على كلِّ مَن يليه

ص: 367


1- مناقب ال ابي طالب - ابن شهر آشوب 3: 97، باب في أحواله عليه السلام / مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 131 ((باختلاف بسيط)/ بحار الأنوار - المجلسي 42: 298 / الاستيعاب - ابن عبد البر 3: 1132
2- انظر: کامل الزيارات للقمي: 159، الباب 24، ونظم درر السمطين للحنفي: 148، و ينابيع المودة للقندوزي 3: 43، الباب الستون، ح 54

یا موتُ ماذا أردت منّي *** حقَّقتَ ما كنتُ أتقيه

یا موتُ لو تقبلُ افتداءٌ *** لكنتُ بالروحِ افتديه

دهري رماني بفقد خلّي *** أذُمُّ دَهري وأشتكيه(1)

[عقاب أعداءه ومناوئيه]

وفي الكامل: عن عبد الله الأصم، عن عبد الله بن بكر الأرجاني، قال: صحبت أبا عبد الله الصّادق عليه السَّلام في طريق مكة من المدينة، فنزلنا منزلاً يقال له عسفان(2)، ثُمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطَّريق موحش، فقلت له: يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل [ما رأيت في الطريق مثل هذا].

فقال لي: «یا ابن بكر أتدري أيّ جبل هذا»؟

قلت: لا.

قال: «هذا جبل يقال له الكمد، وهو على واد من اودية جهنم، وفيه قتلة (أمير المؤمنين عليه السَّلام و قتلة)(3) أبي عبد الله الحسين عليه السّلام استودعهم الله فيه، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصّديد والحميم، وما يخرج من جبّ

ص: 368


1- لم أجده في الكتاب شرف النبوة، بل أوردة عنه ابن شهر آشوب مناقب آل ابي طالب 3: 97، باب في أحواله عليه السلام / والمجلسي في بحار الانوار 42: 242/ مقتل أمير المؤمنين عليه السلام - حرز الشاطري: 114
2- عُسفان: قرية على مرحلتين من مكة على طريق المدينة (معجم البلدان - الحموي 4: 122)
3- بين القوسين لم يرد في المصدر

الجوى، وما يخرج من الفلق، و [ما يخرج] من آثام، وما يخرج من طينةِ الحبال، وما يخرج من جهنّم، وما يخرج من لظى، وما يخرج من الحطمة، وما يخرج من سقر، [وما يخرج من الحميم]، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السّعير.

وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلّا رأيت يغوث ويعوق وهما يستغيثان إليَّ، وإنّي لأنظر إلى قتلة (جدي علي بن ابي طالب فيه وقتلة جدي الحسين و)(1) أبي وأقول لهما: إنّما فعل هؤلاء ما أسستما، فلم يرحمونا أهل بيت النبوة اذ وليتم (أمرنا)(2)، وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على حقنا، واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رحم الله من يرحمكما، ذوقا وبال ما قدمتما، وما الله بظلام للعبيد، وأشدّهما استكانة الثّاني منهما، فربّما وقفت عليهما ليتسلّی عنّي بعض ما في قلبي، وربّما طويت الجبل الَّذي هما فيه وهو جبل الكمد».

قال: قلت له: جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع؟

قال: «اسمع اصواتهما ينادیان: اخرج علينا نكلّمك فإنّا نتوب، واسمع من الجبل صارخاً يصرخ بي: أجبهما وقل لهما: «...اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ»(3)

ص: 369


1- بين القوسين لم يرد في المصدر
2- بين القوسين لم يرد في المصدر
3- المؤمنون: آية (108)

قال: قلت له: جعلت فداك ومن معهم؟

قال: «كلّ فرعون مجترئ على الله(1) وحكى الله عنه فعاله، وكلّ مَن علَّم العباد الكفر».

فقلت: من هم؟

قال: «نحو بولس الَّذي عَلّم [اليهود] أنّ يدُ الله مغلولة، ونحو نسطور الَّذي علَّم النّصاري أنّ المسيحُ ابن الله، وقال لهم: هم ثلاثة، وقال لهم: الله ثالث ثلاثة ونحو فرعون موسي الَّذي قال: أنا ربّكم الأعلى، ونحو نمرود الَّذي قال: قهرت أهل الأرض وقتلت مَن في السّماء، ومعهم قاتل أمير المؤمنين (ابن ملجم)، وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسين عليهم السَّلام.

فأمّا معاوية وعمر بن الخطاب(2) فما يطمعا في الخلاص من العذاب، ومعهم كلّ مَن نصب لنا العداوة وعدى علينا(3) بلسانه ويده وماله».

قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع هذا كلّه ولا تفزع؟

قال: «يا ابن بكر إنَّ قلوبنا غير قلوب النّاس، لأنّا مطيعون مصفون

ص: 370


1- في المصدر: (عتي على الله)
2- في المصدر: (عمرو بن العاص)
3- في المصدر: (وأعان علينا)

[مصطفون] نری مالا يرى النّاس، ونسمع مالا يسمعون، وإنّ الملائكة تنزل علينا في رحالنا، وتتقلّب على فرشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتاتينا بأخبار ما يحدث في الأرضِ قبل أن يكون، وتصلّي معنا وتدعو لنا، وتلقي علينا أجنحتها، وتتقلّب على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدّواب أن تصل إلينا، وتأتينا ممّا في الأرضين من كلِّ نبات في زمانه، وتسقينا من ماء كلِّ أرض، ونجد ذلك في آنيتنا، وما من یومٍ ولا ساعة ولا وقت صلاة إلّا وتنبّهنا لها، وما من ليلة تأتي علينا إلّا وأخبار كلّ أرض عندنا، وما يحدث فيها، وأخبار الجن وأخبار أهل الهوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلّا أتانا بخبره، وكيف سيرته في الَّذِين قبله، وما من أرض من ست أرضين إلى السّابعة إلّا ونحن نؤتي بخبرهم».

فقلت له: جعلت فداك أين منتهي هذا الجبل؟

قال: «الى الأرض السّابعة(1) وفيها جهنّم على واير من أوديتها عليه حفظة أكثر من نجوم السّماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثرى، وقد وكّل [كلّ] ملك منهم بشيءٍ، وهو مقيم عليه لا يفارقه».

قلت: جعلت فداك اليكم جميعاً يلقون الأخبار؟

ص: 371


1- في المصدر: (السادسة)

قال: «لا إنّما يُلقى إلى صاحب الأمر منّا، وإنا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة على قولنا وأمرت الملائكة الَّذِين يحفظون ناحيته أن يقسروه على قولنا، فإن كان من الجنِ من أهل الخلاف والكفر أوثقته وعذّبته حتّى يصير إلى ما حكمنا به».

قلت: جعلت فداك فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب؟

فقال: «يا ابن بكر فكيف يكون حجة الله على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم، وكيف يكون حجّة على قومٍ غيّب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه، وكيف يكون مؤديا عن الله وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم، وكيف يكون حجّة عليهم وهو محجوب عنهم، وقد حيل بينهم وبينه أن يقوم بأمر ربّه فيهم، والله يقول: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ.....»(1)، يعني به من على الأرض والحجّة من بعدِ النّبيّ صلّى الله عليه وآله يقوم مقام النّبيّ صلّى الله عليه وآله.

وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأُمة والأخذ بحقوق النّاس والقيام بأمر الله والمنصف لبعضهم من بعض، فإذا لم يكن معهم مَن ينفذ قوله، وهو يقول: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ...»(2).

ص: 372


1- سبأ: آية (28)
2- فصلت: آية (53)

فأيّ آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق، وقال تعالى: «وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا...»(1)، فأيّ آية أكبر منا.

والله إنّ بني هاشم وقريشاً لتعرف ما أعطانا الله، ولكن الحسد أهلكهم کما أهلك إبليس، وإنّهم ليأتوننا إذا اضطروا وخافوا على أنفسهم، فيسألونا فنوضح هم فيقولون: نشهد إنّكم أهل العلم، ثُمّ يخرجون فيقولون: ما رأينا أضلّ ممّن اتبع هؤلاء ويقبل مقالتهم».

قلت: جعلت فداك أخبرني عن الحسين عليه السَّلام لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئا؟

قال: «يا بن بکر ما أعظم مسائلك الحسين عليه السَّلام مع أبيه وأمه وأخيه الحسن عليه السَّلام في منزل رسول الله صلّى الله عليه وآله، يحبون(2) کما يحبی ويرزقون کما یرزق، فلو نبش في أيامه لوجد، وأما اليوم فهو حيّ عند ربّه ينظر إلى معسكره، وينظر إلى العرش متی یؤمر أن يحمله، وإنّه لعلى يمين العرش متعلق، يقول: يا رب انجزلي ما وعدتني.

وإنّه لينظر إلى زواره، وهو أعرف بهم وبأسماء آبائهم وبدرجاتهم وبمنزلتهم

ص: 373


1- الزخرف: آية (48)
2- يحبون: يكرمون (لسان العرب - ابن منظور 14: 162)

عند الله من أحدكم بولده وما في رحله، وإنّه ليرى من يبكيّه، فيستغفر له رحمة له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: لو تعلم أيها الباكي ما أعدّ لك لفرحت أكثر مما جزعت، فيستغفر له كلّ مَن سمع بكائه من الملائكة في السّماء وفي الحائر، وينقلب وما عليه من ذنب»(1).

[حديث المسائلة]

وفي حديث المُسائَلة، قال [أبو جعفر عليه السلام]: «فإنّ أوّل من يدعي من ولد آدم للمُسائَلة محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله فيدنيه الله حتّى لا يكون خلق أقرب إلى الله يومئذ منه، فيقول الله عزّ وجل: يا محمّد، هل بلّغك جبرئیل ما أوحيت إليك وأرسلته به إليك من كتابي وحكمتي وعلمي، وهل أوحى ذلك إليك؟

فيقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: نعم يا رب قد بلّغني جبرائیل جميع ما أوحيته إليه، وأرسلته من كتابك وحكمتك وعلمك، وأوحاه إلىَّ.

فيقول الله تعالى لمحمّد صلّى الله عليه وآله: هل بلَّغتَ أُمّتكَ ما بلّغك جبرائیل من كتابي وحكمتي وعلمي؟

فيقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: نعم يا رب قد بلغت أُمّتي ما أُوحيَ إلّي من كتابك [وحكمتك] وعلمك، وجاهدت في سبيلك.

ص: 374


1- رواه بتمامه ابن قولويه القمي في كامل الزيارات 539، باب 108، وعنه في بحار الانوار للمجلسي 25: 372، باب 13، ح 24

فيقول الله عز وجل لمحمّد صلّى الله عليه وآله: فمن يشهد لكَ بذلك؟

فيقول: يا رب أنتَ الشّاهد لي بتبليغ الرّسالة، وملائكتك، والأبرار من أُمّتي وكفى بك شهيداً، فيدعى بالملائكة، فيشهدون لمحمّد صلّى الله عليه وآله بتبليغ الرسالة، ثُمّ يدعى بأُمّة محمّد فیسئلون: هل بلغكم محمّد صلّى الله عليه وآله رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي، وعلمكم ذلك؟ فيشهدون لمحمّد بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم.

فيقول الله عزّ وجل لمحمد صلّى الله عليه وآله: فهل استخلفت في أُمّتك من بعدك [مَن يقوم فيهم بحكمتي وعلمي، ويفسّر لهم كتابي، ويبيّن لهم ما يختلفون فيه من بعدك] حجّة لي، وخليفة في الأرض؟

فيقول محمّد صلّى الله عليه وآله: نعم يا رب، قد خلّفت فيهم وليّك عليّ بن أبي طالب، أخي ووزيري ووصيي وخير أُمّتي، ونصّبته لهم علماً في حياتي، ودعوتهم إلى طاعته، وجعلته خليفتي في أُمّتي إماما تقتدي به الأُمّة(1) بعدي إلى يوم القيامة.

فيدعي بعليّ بن أبي طالب عليه السَّلام فيقال له: هل أوصى اليك محمّد صلَّى الله عليه وآله واستخلفك في أُمّته، ونصبّك علماً لأُمّته في حياته، فهل قمت فيهم من بعده مقامه؟

فيقول له عليّ عليه السَّلام: نعم يا ربّ، [قد] أوصى إلىّ محمّد صلَّى الله عليه

ص: 375


1- في تفسير القمي: (يقتدي به الأئمة)

وآله وخلّفني في أُمّته ونصّبني لهم علماً في حياته، فلمّا قبضت محمّداً صلَّى الله عليه وآله اليك جحدتني أُمّته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني وقدّموا [قدّامي] مَن أخّرت وأخّروا مَن قدّمت، ولم يسمعوا منّي ولم يطيعوا أمري، فقاتلتهم في سبيلك حتّى [قتلوني].

فيقال لعليّ بن أبي طالب عليه السَّلام: هل خلَّفت من بعدك في أُمّة محمّد حجّة وخليفة في الأرض يدعو عبادي إلى ديني وإلى سبيلي؟

فيقول علي عليه السَّلام: «نعم يا ربّ، خلّفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيك، فيدعى بالحسن بن علي فيسأل عما سئل عنه أبوه علي بن ابي طالب.

قال: ثُمّ يدعي بإمام إمام وباهل عامله فيجتمعون بحجتهم فيقبل الله عذرهم ويجب حجتهم(1).

قال: ثُمّ يقول الله عز وجل: «...هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ...»(2)».

قال: ثُمّ انقطع حديث أبي جعفر عليه وعلى آبائه السَّلام(3).

ص: 376


1- في تفسير القمي: (ويجيز حجتهم)
2- المائدة: آية (119)
3- رواه القمي في تفسيره 1: 192، تفسير سورة المائدة: آية (119)، والحديث طويل أخذ المصنف موضع الحاجة منه، وعنه في التفسير الصافي للفيض الكاشاني 2: 102 (باختلاف بسيط وزيادة)، وفي بحار الانوار للمجلسي 7: 280، باب 12، ضمن ح 3

الخاتمة

ص: 377

ص: 378

الخاتمة

الأحاديث والأخبار في مقتل أمير المؤمنين وأمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلوات الله وسلامه عليه كثيرة الاختلاف لا يمكن الجمع بينها، وقد اقتصرنا على ما يناسب المقام عجزاً عن إحصاها ونظمها في سلك الانتظام المشهور.

إنه عليه السَّلام ضرب في اللّيلة التاسعة عشر من شهر الصيام، وقبض ليلة الحادي والعشرون منه، وبه اخبار كثيرة واردة عنهم عليهم السَّلام، وفي بعض الصحاح انه ضرب ليلة الحادية والعشرين وقبض في الثالثة والعشرين.

فاكرم بها من ليالٍ عظام قُبض فيها سيّد الأنام، ونقله إلى حسن جواره والزلفي لديه الملك العلام إلى دار السَّلام وأعلى محل و مقام، في درجات أخيه المصطفی الَّتي لا تماثل ولا تساوي درجات المرسلين والأنبيّاء، ويبقى لشيعته على مدى السّنين والاعوام لبس دمار الاحزان في جميع هذه الاوقات والأيام، لعلهم مع السّادات الهداة الأعلام في خير اجلال واکرام في دار السَّلام ونکفر به المعاصي والآثام.

وأما أيام عمره الشّريف، فالمشهور انه كعمر رسول الله وله ثلاث وستون سنة وعاش بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ثلاثين سنة، وقبض رسول الله

ص: 379

صلّى الله عليه وآله وله أربع وثلاثون سنة، وكانت إمامته ثلاثون سنة فيها اربعة وعشرون سنة ممنوعاً من التصرف من أهل النار، ومنها خمس سنين واشهر ممتحناً بجهاد المنافقين الكفار، وانه عليه السَّلام أوصى بإخفاء قبره خوفا من أعدائه بنو أُمية إلى ان اظهره الامام الصادق عليه السَّلام(1).

ثم إن محمد بن زید الحسني امر بعمارته وعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليها(2)

هذا ما اردنا ان نسطره من اخبار مناقبه ومصائبه، ونعوذ بالله من الزيادة والنقصان والغلط والنسيان والحمد لله رب العالمين وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً، وصلى الله على محمد وآله الطاهرین.

قد وقع الفراغ من تسوید هذا الكتاب الشريف عصر يوم الأربعاء من شهر شوال في يوم الخامس والعشرين منه في السنة الخامسة والتسعون بعد المائتين والاف، على يد الاقل الجاني الراجي عفو ربه السبحاني عبد الله بن محمد علي بن محمد بن عبد الله بن حسين بن أحمد الشويكي البحراني.

عفی الله عنهم أجمعين.

ص: 380


1- انظر ارشاد المفيد 1: 9 - 27
2- انظر فرحة الغري لابن طاووس: 17، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 123

فهرس الآيات الكريمة

ص: 381

ص: 382

السورة الآية رقمها الصفحة

البقرة «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ...» 37 - 60

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» 207 - 98

«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» 191 - 122

«فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» 195 - 123

«وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ 253 - 241

ص: 383

وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ»

آل عمران «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» 71 - 186

«...أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» 144 - 236

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» 144 - 241

المائدة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)» 54 - 55 - 78

ص: 384

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» 55 - 163

«...هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ...» 199 - 378

التوبة «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ...» 25 - 204

«قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» 51 - 318

ابراهیم «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ» 15 - 16 - 287

النحل «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» 128 - 343

مریم «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...» 6 - 285

طه «...فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى...» 88 - 251

«...قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي» 90 - 251

«قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» 91 - 251

«مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً 55 - 328

ص: 385

أُخْرَى»

المؤمنون «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)» (1 - 11) - 72

«...اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ» 108 - 371

النمل «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...» 16 - 285

العنکبوت «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» 45 - 326

لقمان «...وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ...» 34 - 310

السجدة «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ» 18 - 194

الأحزاب «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ...» 10 - 201

ص: 386

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» 57 - 248

«...وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا» 38 - 342

سبأ «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ...» 28 - 373

یس «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» 9 - 97

الصافات «لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ» 61 - 343

فصلت «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ...» 53 - 374

الشوری «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» 23 - 287

الزخرف «وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا...» 48 - 374

الاجقاف «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ...» 9 - 159

الفتح «...مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ...» 29 - 24

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ 29 - 78

ص: 387

مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»

«سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» 29 - 146

المجادلة «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ» 19 - 364

القلم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» 4 - 162، 249

الإنسان «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» 8 - 146

الانسراح «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)» (1 - 4) - 77

ص: 388

المصادر والمراجع

ص: 389

ص: 390

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم

1. اثبات الوصية - المسعودي / الطبعة 3، سنة 2006/ المطبعة: ثامن الائمة - قم / الناشر: مؤسسة انصاریان - قم.

2. الاحتجاج - الطبرسي / تحقيق: محمد باقر الخرسان / طباعة: دار النعمان للطباعة والنشر. النجف الاشرف. 1966

3. احتجاج المخالفين العامة على امامة علي بن ابي طالب عليه السلام - السيد هاشم البحراني / تحقيق: محمد عيسى ال مكباس/ طباعة ونشر- دار زین العابدين لأحياء تراث المعصومين - قم / الطبعة الأولى 2012

4. إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري / مكتبة أهل البيت الاصدار الثاني

5. الأحكام في أصول الاحکام - ابن حزم / المطبعة: مطبعة العاصمة - القاهرة / الناشر: زکریا علي يوسف

6. الاختصاص - الشيخ المفيد تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي / الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / الطبعة: الثانية 1993

ص: 391

7. أدب الطف - جواد شبر / الناشر: دار المرتضى

8. الأربعون حديثا في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام - الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / المطبعة: مطبعة أمير / الطبعة: الأولى 1417

9. الإرشاد - الشيخ المفيد تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لأحياء التراث / الطبعة الثانية 1993 م / طباعة ونشر: دار المفيد للطباعة والنشر - بیروت

10. الأزرية في مدح النبي والوصي والآل صلوات الله عليهم أجمعين - الشيخ كاظم الأزری (و تخميسها للأديب الأريب الشيخ جابر الكاظمي) / الناشر: دار الأضواء - بيروت - لبنان / الطبعة: الأولى / 1989.

11. الاستذكار - ابن عبد البر / تحقيق: سالم محمد عطا محمدعلي معوض / طباعة ونشر: بيروت - لبنان دار الكتب العلمية / الطبعة: الأولى 2000

12. الاستيعاب في معرفة الأصحاب - يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر / تحقیق: علي محمد البجاوي / الناشر: دار الجيل - بيروت - لبنان/ الطبعة: الأولى 1992

13. الإصابة في تميز الصحابة - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني / دراسة وتحقيق

ص: 392

وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض / دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان / الطبعة الأولى 1995 م

14. الأصول الستة عشر - مجموعة من كتب الرواية الأولية في عصر - الائمة المعصومين عليهم السلام / تحقيق: ضياء الدين المحمودي / طباعة ونشر - دار الحديث - قم / الطبعة الأولى 1423

15. الأعلام - خير الدين الزركلي / طباعة ونشر - دار العلم للملايين - لبنان / الطبعة: الخامسة 1980

16. أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرن - سالم النويدري مرکز أوال للدراسات والتوثيق

17. أعلام الدين في صفات المؤمنين - الحسن بن محمد الديلمي / تحقيق ونشر-: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث - قم

18. إعلام الوری بأعلام الهدى - الطبرسي / تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / المطبعة: ستارة - قم / الطبعة: الأولى 1417

19. اعيان الشيعة - محسن الامين العاملي / تحقيق: حسن الامين / نشر: دار التعارف للمطبوعات

20. الاغاني - ابو الفرج الاصفهاني / الناشر: دار احیاء التراث العربي

21. الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - العلامة

ص: 393

الحلي / الناشر: مكتبة الألفين - الكويت 1985

22. الأمالي - الشّيخ المفيد / تحقيق: حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري / الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / الطبعة الثانية 1993

23. الأمالي - الطوسي / تحقیق و طباعة: مؤسسة البعثة - قم / الطبعة الأولى، 1414

24. أمالي السيد المرتضى - الشريف أبي القاسم علي بن الطاهر أبي أحمد الحسين المرتضی / تحقیق: محمد بدر الدين الحلبي / الناشر: منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي / الطبعة: الأولى 1403

25. الامالي - الصدوق / تحقيق وطباعة: مؤسسة البعثة - قم الطبعة الاولى، 1417

26. انساب الاشراف - أحمد بن يحيى المعروف بالبلاذري / تحقيق: الدكتور محمد حمید الله / الناشر: معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالاشتراك مع دار المعارف بمصر / سنة الطبع: 1959 م

27. الانساب - السمعاني / تحقيق: عبد الله عمر البارودي / الناشر: دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت الطبعة: الأولى 1988

28. أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والاحساء والبحرين - الشيخ علي

ص: 394

بن الشيخ حسن البحراني / تحقيق: عبد الكريم البلادي / منشورات مؤسسة الهداية، بيروت - لبنان

29. الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية في أحوال أمير المؤمنين وفضائله ومناقبه وغزواته سلام الله عليه - الشيخ جعفر النقدي / طباعة ونشر: المطبعة الحيدرية، النجف / الطبعة الثانية 1962

30. الأنوار في مولد النبي المختار - ابو الحسن البكري /

31. الانوار في مولد النبي المختار - ابو الحسن البكري / طباعة ونشر-: المكتبة الحيدرية - النجف الاشرف

32. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار - محمدباقر المجلسي / الطبعة الثانية : مؤسسة الوفاء - بيروت 1983

33. البداية والنهاية - ابن كثير / تحقیق وتدقیق وتعلیق: علي شيري / الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت / الطبعة الاولى 1988

34. بشارة المصطفى لشيعة المرتضی - الطبري / تحقيق: محمدکاظم المحمودي / الناشر: العتبة العلوية المقدسة، 2015.

35. تاج العروس من جواهر القاموس محمد مرتضى الزبيدي الحنفي / دراسة وتحقيق: علي شيري / طباعة ونشر: دار الفکر للطباعة والنشر - والتوزيع - بیروت 1994

ص: 395

36. تاج المواليد (المجموعة) - الشيخ الطبرسي / سنة: 1406/ مطبعة: الصدر / الناشر: مكتب آية الله المرعشي - قم.

37. تاريخ الإسلام - الذهبي / تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمری / الطبعة: الأولى 1987 م/ طباعة ونشر: دار الكتاب العربي. بيروت - لبنان

38. تاريخ الأمم والملوك (تاریخ الطبري) - محمد بن جرير الطبري / الناشر: مؤسسة الأعلمي. لبنان/ الطبعة الرابعة 1983

39. تاریخ الخلفاء - عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي / تحقيق: لجنة من الأدباء / المطبعة: مطابع معتوق اخوان - بيروت

40. تاریخ بغداد - الخطيب البغدادي / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان / الطبعة الأولى 1997

41. تاريخ مدينة دمشق - ابن عساکر / تحقيق: علي شيري / طباعة ونشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / سنة الطبع: 1415

42. تاريخ مواليد الأئمة عليه السلام ووفياتهم - الحافظ الشيخ أبي محمد عبد الله بن النصر ابن الخشاب البغدادي / المطبعة: الصدر / الناشر: مكتب آية الله المرعشي النجفي - قم / سنة الطبع: 1406

43. تحف العقول عن آل الرسول صلوات الله وسلامه عليهم - ابن شعبة الحراني / تحقيق: علي اکبر غفاري / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة

ص: 396

لجماعة المدرسین بقم المشرفة / الطبعة: الثانية 1404

44. تذكرة الخواص (بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة) - سبط ابن الجوزي / تحقيق: د. عامر النجار / الناشر: مكتبة الثقافة الدينية / الطبعة 1: 1429

45. تذكرة الخواص المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - سبط ابن الجوزي / تحقيق: الدكتور عامر النجار / الناشر: مكتبة الثقافة الدينية الطبعة: الأولى 1429 ه - 2008 م

46. تذكرة الفقهاء - العلامة الحلي / تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. قم / الطبعة: الأولى 1414

47. تفسير الامام العسكري صلوات الله وسلامه عليه / تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف - قم المقدسة / الطبعة: الأولى 1409

48. تفسير الرازي - الرازي / الطبعة الثالثة

49. تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي / تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي / الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية

50. تفسير القرآن العظيم (تفسیر ابن أبي حاتم) - ابن أبي حاتم الرازي / تحقيق: أسعد محمد الطبيب / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت / سنة الطبع: 2003

ص: 397

51. تفسير القمي - عل بن ابراهيم القمي / المصحح: السيد طيب الجزائري الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر: قم / الطبعة الثالثة / 1404 ه.

52. تفسیر فرات الكوفي - فرات بن إبراهيم الكوفي / تحقيق: محمد الكاظم / الناشر: مؤسسة الطبع والنشر - التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران / الطبعة: الأولى 1990

53. تقريب المعارف - ابو الصلاح الحلبي / تحقيق: فارس تبریزیان الحسون / الناشر: المحقق / 1417

54. تمام نهج البلاغة - تحقیق وتتمیم وتنسيق السيد صادق الموسوي / الناشر مؤسسة الاعلمي - بيروت الطبعة الاولى 1426

55. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر - ورّام بن أبي فراس / المطبعة: حيدري - تهران / الناشر: دار الكتب الإسلامية / الطبعة الثانية

56. جامع البيان عن تأویل آي القرآن - الطبري / تحقيق: تقديم: الشيخ خليل الميس / ضبط وتوثيق وتخریج: صدقي جميل العطار / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / سنة الطبع: 1415 - 1995 م

57. الجامع الصحيح (صحیح مسلم) - مسلم بن الحجاج النيسابوري / الناشر: دار الفكر - بيروت - لبنان.

ص: 398

58. جواهر المطالب في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام - فخر الدين الطريحي / تحقيق: مهدي هوشمند / الناشر: المكتبة التخصصية بأمير المؤمنين علي عليه السلام / الطبعة الأولى 1427

59. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه السلام) - محمد بن احمد الدمشقي الباعوني الشافعي / ت: محمد باقر المحمودي / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الاسلامية / الطبعة 1: 1415 ه.

60. حلية الابرار - السيد هاشم البحراني / تحقيق: غلام رضا / الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - ایران / المطبعة: بهمن / الطبعة: الأولى 1411

61. حلية الاولياء - ابو نعیم الاصفهاني / مصدر الكتاب: موقع الوراق

62. الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي / تحقيق وطباعة: مؤسسة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) - قم / الطبعة 1: 1409

63. الخصال - الشيخ الصدوق / تحقيق: علي اکبر غفاري / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة / سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش

64. الخصائص العلوية على سائر البرية - ابي الفتح النطنزي / تحقيق: علي ال کوثر / الناشر مجمع احياء الثقافة الاسلامية / الطبعة الاولى 1433

ص: 399

65. الدر النظيم - يوسف بن حاتم الشامي العاملي / تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين. ایران

66. الدراية في تخريج أحادیث الهداية - ابن حجر / تحقيق: عبد الله هاشم اليماني / طباعة ونشر: دار المعرفة - بيروت

67. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة - علي خان المدني الشيرازي / تحقيق: محمد صادق بحر العلوم / الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم

68. دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي) / تحقیق وطباعة ونشر-: مؤسسة البعثة - قم / الطبعة: الأولى 1413

69. دلائل الصدق لنهج الحق - محمد حسن المظفر / تحقيق و نشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة: الأولى 1422

70. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة - أحمد بن الحسين البيهقي / تحقيق: الدكتور عبد المعطي قلعجي / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان / الطبعة: الأولى 1985

71. ديوان الأزري الكبير - الشيخ كاظم بن الحاج محمد التميمي البغدادي / تحقیق: شاکر هادي شكر / الناشر: دار التوجيه الإسلامي - بيروت - کویت / الطبعة: الأولى 1980

72. ديوان البوصيري - محمد بن سعيد بن حماد البوصيري / من الانترنت

ص: 400

73. ديوان السيد الحميري / شرحه وضبطه وقدم له: ضياء حسين الأعلمي / منشورات مؤسسة الاعلمي.

74. ديوان الشاعر عدي بن زید العبادي / جمعة وحققه د. عبدالنبي بن عبد الله بن عبد النبي / جامعة الخرطوم

75. دیوان ديك الجين / ت: احمد مطلوب و عبدالله الجبوري / نشر وتوزیع دار الثقافة بيروت لبنان

76. ديوان صفي الدين الحلي / تحقيق: کرم البستاني / طباعة ونشر: دار صادر - بیروت

77. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربی - محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري / الناشر: مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي - القاهرة / سنة الطبع: 1356.

78. الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر - محمد علي بن محمد تقي ال عصفور / ت: محمد عيسى آل مكباس / ال مكباس للطباعة والنشر

79. الذريعة إلى تصانيف الشيعة - اقا بزرك الطهراني / الناشر: دار الأضواء - بيروت - لبنان / الطبعة الثالثة 1983

80. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار - الزمخشري / تحقيق: عبد الأمير مهنا / الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت / الطبعة: الأولى 1992

ص: 401

81. رجال الطوسي - محمد بن الحسن الطوسي / تحقيق: جواد القيومي / طباعة ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرف / الطبعة: الأولى 1415

82. رجال الكشي (أختيار معرفة الرجال) - الشيخ الطوسي / تصحيح وتعليق: میر داماد الأسترابادي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبع: 1404

83. روضة العارفين ونزهة الراغبين في اسامي شيعة أمير المؤمنين عليه السلام - السيد هاشم البحراني / تحقيق: کریم جهاد الحساني / طباعة: دار المتقين / الناشر: مركز الأمير لأحياء التراث الاسلامي / الطبعة الاولى 2011

84. الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع) - ابن أبي الحديد / طباعة ونشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

85. روضة الواعظين - الفتال النيسابوري / تحقيق: محمد مهدي الخرسان / الناشر: منشورات الشريف الرضي - قم

86. الرياض النضرة في مناقب العشرة - المحب الطبري / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان

87. زهر الربيع - السيد نعمة الله الجزائري / الناشر: مركز التحقيقات الكومبيوتري - ایران / الطبعة الاولى 2000

ص: 402

88. سر العالمين وكشف ما في الدارين - أبو حامد الغزالي / مكتبة المصطفى الالكترونية / www.al-mostafa.com

89. سنن الدارقطني - علي بن عمر الدارقطني / تحقيق: مجدي بن منصور سید الشوري / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان/ الطبعة: الأولى 1996

90. السنن الكبرى - أحمد بن الحسين بن علي البيهقي / الناشر: دار الفكر

91. سیر اعلام النبلاء - الذهبي / تحقيق: إشراف وتخریج: شعيب الأرنؤوط / تحقيق: حسين الأسد / الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان / الطبعة التاسعة 1993.

92. السيرة الحلبية - الحلبي / طباعة ونشر: بيروت - دار المعرفة / سنة الطبع: 1400

93. السيرة النبوية - ابن هشام / تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد / المطبعة: المدني - القاهرة / الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده - بمصر / سنة الطبع: 1383 - 1963 م

94. شرح احقاق الحق - السيد المرعشي / تحقيق: السيد شهاب الدين المرعشي - النجفي / تصحيح: إبراهيم الميانجي / الناشر: منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم - ایران

ص: 403

95. شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار - النعمان بن محمد التميمي المغربي / تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي / الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة / الطبعة الثانية 1414

| 96. شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني / المطبعة: باكستان - دار المعارف النعمانية / الناشر: دار المعارف النعمانية/ الطبعة: الأولى 1981.

97. شرح نهج البلاغة - ابن ابی الحدید / تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم / الناشر: دار إحياء الكتب العربيه / الطبعة: الأولى 1959

98. شرح نهج البلاغة - میثم بن علي بن میثم البحراني / تحقيق: عني بتصحيحه عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها / الناشر: مركز النشر - مکتب الاعلام الاسلامي - الحوزة العلمية - قم - ایران / الطبعة: الأولى

99. شرف المصطفى - النيسابوري الحركوشي / الناشر: دار البشائر الإسلامية - مكة الطبعة: الأولى - 1424

100. الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب - الشيخ يوسف البحراني / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / المطبعة : أمير - قم / الطبعة: الأولى 1419

101. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل - الحسكاني / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مجمع إحياء الثقافة الإسلامية / الطبعة: الأولى 1990

ص: 404

102. الصحاح - إسماعيل بن حماد الجوهري / تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار / دار الملايين - بيروت / الطبعة الرابعة 1987

103. صحيح ابن حبان - ابن حبان / تحقیق: شعيب الارنؤوط / الناشر: مؤسسة الرسالة / الطبعة: الثانية 1993

104. صحيح البخاري / الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر - والتوزيع / سنة الطبع: 1401 – 1981 م

105. الصراط المستقیم - علي بن يونس العاملي / تحقيق: محمد الباقر البهبودي / الطبعة: الأولى 1384 / المطبعة: الحيدري / الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية

106. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة - بن حجر الهيتمي المكي / تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف / المطبعة: شركة الطباعة الفنية المتحدة الطبعة: الثانية 1965

107. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع - السخاوي / الناشر: دار الجيل - بيروت الطبعة: الأولى 1992

108. طبقات أعلام الشيعة - اغا بزرك الطهراني / الطبعة الأولى: 2009 / دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر

109. الطبقات الکبری - ابن سعد / طباعة ونشر: دار صادر - بيروت - لبنان

ص: 405

110. عدة الداعي ونجاح الساعي - أحمد بن فهد الحلي تحقيق: تصحيح: احمد الموحدي القمي / الناشر: مكتبة وجداني - قم

111. العقد النضيد والدر الفريد - محمد بن الحسن القمي / تحقیق: علي أوسط الناطقي / طباعة ونشر: دار الحديث - ایران / الطبعة: الأولى 1433

112. علل الشرائع - الصدوق / تحقيق وتقديم: محمد صادق بحر العلوم طباعة ونشر: المكتبة الحيدرية - النجف 1966

113. عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار - يحيي بن الحسن الأسدي الحلي المعروف بابن البطريق / طباعة ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة / الطبعة الأولى: 1407

114. عوالم العلوم والمعارف والاحوال... - الشيخ عبد الله البحراني / تحقيق ونشر: مؤسسة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشریف) - قم / الطبعة: الأولى 1436

115. العين - الفراهيدي / تحقيق: مهدي المخزومي / طباعة ونشر: دار الهجرة/ الطبعة الثانية ، 1409 - ایران

116. الغدير في الكتاب والسنة - الشيخ الاميني / الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان/ الطبعة: الرابعة 1977

ص: 406

117. غرر الحکم و درر الكلم - الامدي / ترتیب وتدقيق: عبدالحسن دهيني / دار الصفوة - بيروت الطبعة الاولى: 1992

118. غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس - عبد الواحد التميمي الآمدي / ترتیب وتدقيق عبدالحسين دهيني / الطبعة الأولى: 1413 / دار الصفوة بيروت - لبنان

119. فرج المهموم - ابن طاووس / المطبعة: أمير - قم / الناشر: منشورات الرضي - قم / سنة الطبع: 1363 ش

120. فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام - السيد عبد الكريم بن طاووس الحسني / تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي / الناشر: مركز الغدير للدراسات الاسلامية / الطبعة الأولى: 1419 ه – 1998 م

121. الفردوس بمأثور الخطاب - شیرویه بن شهردار الديلميّ / تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول / الناشر: دار الکتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1406 ه - 1986 م

122. الفصول المختارة - الشيخ المفيد / تحقيق: السيد علي مير شريفي / طباعة ونشر: دار المفيد / الطبعة الثانية 1993

ص: 407

123. الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة - عليّ بن محمّد أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ / تحقيق: سامي الغريري / المطبعة: سرور / الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر / الطبعة: الأولى 1422.

124. فضائل الصحابة - أحمد بن حنبل / تحقيق: د. وصي الله محمد عباس الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت الطبعة الأولى، 1403 - 1983

125. فضائل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام - احمد بن حنبل / تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي / طباعة ونشر: مؤسسة المحقق الطباطبائي. قم/ الطبعة الثانية 1435

126. الفضائل - شاذان بن جبرائيل / تحقيق: عبد الله الصالحي / طباعة ونشر - العتبة الحسينية المقدسة / الطبعة الأولى: 2015

127. قصص الانبياء - سعيد بن هبة الله الراوندي / تحقيق: غلامرضا عرفانیان / طباعة ونشر: مؤسسة الهادي / الطبعة الأولى 1418

128. الكافي - محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني / صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري / الناشر: دار الكتب الاسلامية - طهران / الطبعة: الثالثة 1383

129. کامل الزیارات - جعفر بن محمد بن قولويه القمي / تحقیق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق / المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي / الناشر: مؤسسة

ص: 408

نشر الفقاهة / الطبعة: الأولى 1417

130. الكامل في التاريخ - ابن الأثير / الناشر: دار صادر للطباعة والنشر - دار بيروت للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1966 م

131. الكامل في ضعفاء الرجال - الجرجاني / تحقيق: الدكتور سهيل زکار / الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / الطبعة: الثالثة 1988.

132. كتاب الأربعين - محمد طاهر القمي الشيرازي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / الطبعة: الأولى 1418 / المطبعة: أمير / الناشر: المحقق

133. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل - الزمخشري / الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم - خلفاء/ 1966

134. کشف الغمة في معرفة الأئمة - علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي / الناشر: دار الأضواء بيروت - لبنان / الطبعة الثانية 1985 م

135. کشف المحجة لثمرة المهجة - ابن طاووس / الناشر: المكتبة الحيدرية - النجف الاشرف/ 1950

136. کشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين - العلامة الحلي / تحقيق: حسين الدرگاهي / الطبعة: الأولى طهران - إيران 1991

ص: 409

137. الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) - الثعلبي / تحقیق: بن عاشور، مراجعة وتدقيق نظير الساعدي / طباعة ونشر: دار إحياء التراث العربي / الطبعة: الأولى 2002

138. الكشكول - الشيخ يوسف البحراني / تحقيق: السيد محمد المعلم / الناشر المكتبة الحيدرية / الطبعة الأولى 1428

139. كفاية الاثر في النص على الأئمة الاثني عشر - الحزاز القمي/ تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني / المطبعة: الخيام - قم / الناشر: انتشارات بیدار / سنة الطبع: 1401

140. كفاية الطالب في مناقب علي بن ابي طالب - محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي / تحقيق: محمد هادي الاميني / طباعة ونشر: دار الاضواء. لبنان / الطبعة الاولى 2009

141. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - المتقي الهندي / تحقيق: ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني / تصحیح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا / الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان / 1989

142. کنز الفوائد - محمد بن علي الكراجكي / تحقيق: عبد الله نعمه / طباعة ونشر: ذوي القربی - قم

143. لسان العرب - ابن منظور / نشر أدب الحوزة. قم - ایران/ 1405

ص: 410

144. لسان الميزان - ابن حجر / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان / الطبعة الثانية 1971

145. المبسوط - السرخسي / الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / 1986

146. مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم

147. مجمع البحرين - فخر الدين الطريحي / تحقيق: السيد احمد الحسيني الناشر: مرتضوي / المطبعة: چاپخانهء طراوت / الطبعة الثانية

148. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - علي بن أبي بكر الهيثمي / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / سنة الطبع: 1988

149. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - أحمد الأردبيلي / تحقيق: مجتبی العراقي، وأخرون / الناشر: مؤسسة النشر - الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

150. المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء - محسن الكاشاني / تحقيق: علي اکبر غفاري / المطبعة: مهر - قم / الطبعة: الثانية

151. مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني / تحقيق: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني / الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - ایران / الطبعة: الأولى 1413

ص: 411

152. مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر - السيد هاشم البحراني / تحقيق: عزة الله المولائي الهمداني / المطبعة: بهمن/ نشر: مؤسسة المعارف الاسلامية / الطبعة: الأولى 1413 ه

153. المزار - الشيخ المفيد تحقيق: السيد محمد باقر الأبطحي / الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / الطبعة: الثانية 1993

154. مستدرك الوسائل - الميرزا حسين النوري / تحقيق وطباعة ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بيروت - لبنان / الطبعة: الأولى 1987.

155. مستدرك سفينة البحار - علي النمازي الشاهرودي / تحقيق: حسن بن علي النمازي / طباعة ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة. 1418

156. المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري / تحقيق: إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي / دار المعرفة - بيروت

157. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - محمد بن جرير الطبري الامامي / تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي/ المطبعة: سلمان الفارسي - قم / الناشر: مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور / الطبعة: الأولى 1415

ص: 412

158. المستصفى في علم الاصول - ابو حامد الغزالي / تحقيق: تصحیح: محمد عبد السلام عبد الشافي / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان / سنة الطبع: 1417 - 1996 م

159. المستطرف في كل فن مستظرف - شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي / ت: د. مفيد محمد قميحة / الناشر: دار الكتب العلمية - بیروت ، الطبعة 1: 1986

160. مسند أبو يعلى الموصلي / تحقيق: حسین سلیم أسد / الناشر: دار المأمون للتراث

161. مسند أحمد بن حنبل / دار صادر - بيروت

162. مشارق أنوار اليقين - الحافظ رجب البرسي / تحقيق: علي عاشور / الطبعة الاولى: مؤسسة الاعلمي - بيروت. 1999

163. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار - علي الطبرسي / تحقيق: مهدي هوشمند / طباعة ونشر: دار الحديث / الطبعة: الأولى

164. مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) - المير جهاني / طباعة ونشر-: مؤسسة التاريخ العربي / سنة الطبع: 2008

165. المصنف ابن أبي شيبة الكوفي / تحقیق وتعليق: سعيد اللحام/ الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / الطبعة: الأولى

ص: 413

1989.

166. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول - محمد بن طلحة الشافعي / تحقیق: ماجد أحمد العطية

167. المعارف - ابن قتيبة الدينوري / تحقيق: د. ثروت عكاشة طباعة ونشر-: مطابع دار المعارف بمصر / الطبعة: الثانية 1969

168. معالم الزلفي في معارف النشأة الأولى والاخرى - السيد هاشم البحراني / تحقيق وتصحيح: مؤسسة احياء الكتب الاسلامية / الناشر: مؤسسة انصاريان للطباعة - قم / الطبعة الأولى 2003

169. معالم العلماء - ابن شهر آشوب / الناشر: قم

170. معاني الاخبار - الصدوق / تحقيق: علي أكبر الغفاري / طباعة ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة سنة 1379

171. المعجم الأوسط - سليمان بن أحمد الطبراني / تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين / طباعة ونشر: دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع / 1995

172. المعجم الكبير - الطبراني / تحقیق: حمدي عبد المجيد السلفي / الناشر: دار احياء التراث العربي / الطبعة الثانية

ص: 414

173. معجم مقاییس اللغة - أحمد بن فارس بن زکریا / بتحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون / طباعة ونشر مكتبة الإعلام الإسلامي - قم 1404

174. معرفة علوم الحديث - الحافظ النيسابوري / تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة وتصحيح السيد معظم حسین / الناشر: منشورات دار الآفاق الحديث - بيروت / الطبعة: الرابعة 1980.

175. المعيار والموازنة - الاسكافي / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / الطبعة: الأولى 1981

176. مقاتل الطالبيين - ابو الفرج الأصفهاني / تقديم وإشراف: کاظم المظفر / الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف / الطبعة: الثانية 1965

177. مقتل أَمير المؤمنين عليه السَّلام - حرز الشاطري / ت: السيد محمود الغريفي / ط 1: ثامن الائمة / الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة بالتعاون مع دار احياء تراث البحرين

178. المقنعة - الشيخ المفيد / تحقيق وطباعة ونشر: مؤسسة النشر - الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة / الطبعة: الثانية 1410.

179. مناقب (الامام) علي بن أبي طالب (علية السلام) - ابن المغازلي / الطبعة الأولى سنة: 1426 / المطبعة: سبحان، انتشارات سبط النبي (صلى الله عليه

ص: 415

واله).

180. المناقب - أحمد بن محمد المكي الخوارزمي / تحقیق: مالك المحمودي / طبع ونشر: مؤسسة النشر - الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة / الطبعة: الثانية 1414

181. مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب / تصحيح وشرح: لجنة من أساتذة النجف الأشرف - طباعة ونشر: المكتبة الحيدرية - النجف الاشرف 1956.

182. مناقب الامام أمير المؤمنين عليه السلام - محمد بن سليمان الكوفي / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة / المطبعة: النهضة الطبعة: الأولى 1412.

183. المناقب المرتضوية (مناقب مرتضوي) (فارسي) - محمد صالح الكشفي الحنفي / تصحیح: کورش منصوري / انتشارات روزنه (ایده قنبربور) / همکاري و ويراستاري: أكرم سلطاني / کتابخانه ملی ایران

184. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك - ابن الجوزي / تحقيق: محمد عبد القادر عطا و مصطفى عبد القادر عطا / راجعه وصححه: نعیم زرزور / الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان / الطبعة الاولى 1992

ص: 416

185. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة - حبيب الله الهاشمي الخوئي / تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي / المطبعة: مطبعة الاسلامية بطهران / الناشر: بنیاد فرهنگ امام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف / الطبعة الرابعة

186. منهاج الكرامة - العلامة الحلي / تحقيق: عبد الرحيم مبارك / المطبعة: الهادي - قم / الناشر: انتشارات تاسوعاء - مشهد/ الطبعة: الأولى

187. موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام / إشراف: العلامة الفقيه جعفر السبحاني / الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام / الطبعة: الأولى 1418

188. مولد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - المنسوب الى أبي عزيز الخطي / طباعة: المكتبة الحيدرية - النجف الاشرف

189. میزان الاعتدال - الذهبي / تحقيق: علي محمد البجاوي / الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت / الطبعة: الأولى

190. نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضی - والبتول والسبطين - الشيخ محمد الزرندي الحنفي / الطبعة الأولى / سنة الطبع 1377 - 1958 م.

191. النهاية في مجرد الفقه والفتاوي - الشيخ الطوسي / الناشر: انتشارات قدس محمدي - قم

ص: 417

192. نهج الإيمان - علي بن يوسف بن جبر / تحقيق: السيد أحمد الحسيني / نشر: مجتمع الامام هادي عليه السلام. مشهد / (الطبعة الأولى) 1418 ه/ طبع: قم

193. نهج البلاغة (وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام) / تحقيق: صبحي الصالح / الطبعة الأولى بيروت 1387 ه - 1967 م

194. نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي / تحقيق: تقديم: السيد رضا الصدر / تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي / الناشر: مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة - قم / سنة الطبع: ذي الحجة 1421 ه

195. الهداية الكبرى - الخصيبي / طباعة ونشر: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر - لبنان / الطبعة الرابعة 1991 م

196. الوافي - الفيض الكاشاني / تحقيق: ضياء الدين الاصفهاني / المطبعة: طباعة أفست نشاط أصفهان / الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة - أصفهان/ الطبعة: الأولى 1406 ه

197. الوافي بالوفيات - الصفدي / تحقيق: أحمد الأرناؤوط ، وتركي مصطفی / طباعة ونشر: دار إحياء التراث. بيروت / سنة الطبع: 1420 - 2000 م

ص: 418

198. وفاة أمير المؤمنين عليه السلام - الشيخ علي نجل محمد آل سيف الخطي / الطبعة الاولى 1412 ه - دار البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع. لبنان.

199. وفاة أمير المؤمنين عليه السَّلام - علي الخطي

200. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خالکان / تحقيق: إحسان عباس / طباعة ونشر: لبنان - دار الثقافة

201. اليقين باختصاص مولانا علي عليه السلام بإمرة المؤمنين - السيد ابن طاووس / تحقيق: الأنصاري / الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) الطبعة: الأولى 1413

202. ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / طباعة ونشر: دار الأسوة للطباعة والنشر / الطبعة: الأولى 1416.

ص: 419

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة التحقيق...9

ترجمة المؤلف:...10

أقوال العلماء فيه:...11

مؤلفاته:...12

وفاته:...13

منهجية التحقيق:...14

ختاماً:...15

الباب الأول أنوار مناقبه صلوات الله وسلامه عليه

الفصل الأول: النور الأول في بيان تولده الأشرف الأقدس وما ظهره له من الكرامات والمعجزات الباهرة والحالات العالية الفاخرة...33

نشأته سلام الله عليه في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله:...71

عمل أبي طالب رضوان الله عليه للولائم بولادته سلام الله عليه:...78

نشأته سلام الله عليه في بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله:...80

في مقتبل عمره الشريف وما ظهرت منه من الكرامات:...83

ص: 420

تحطيمه سلام الله عليه للأصنام:...93

شهادة أبي طالب وخديجة رضوان الله عليهما:...95

حديث الغار ومبيت أمير المؤمنين عليه السَّلام في فراشه:...96

هجرة النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة:...106

هجرة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى المدينة:...112

دخول النّبي صلّى الله عليه و آله المدينة:...123

الفصل الثاني: في ذكر نسبه وانتسابه وبعض مدائحه وكناه وألقابه...130

من ألقابه وكمالات نعوته:

ومن نعوته الشريفة في الزهد والقناعة والتجافي عن دار الغرور...143

أوصافه وصفاته سلام الله عليه:...148

الفصل الثالث: في إمامته وعصمته والنص عليه من الله ورسوله وذكر بعض كراماته وبيان بعض حروبه وشجاعته في زمن الرسول وبعده...156

طرق ثبوت الامامة:...163

امتناع أمير المؤمنین سلام الله عليه مبايعة القوم وظلمهم له:...171

ظلم القوم لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم:...174

في كونه سلام الله عليه أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله:...176

في بيان ثبوت عصمته عليه السّلام:...181

قدم إسلامه وزهده وشجاعته سلام الله عليه:...184

في زهده وصبره عليه السّلام:...195

في شجاعته سلام الله عليه:...199

في ذكر بعض معجزاته وكراماته وما ظهر منه عليه السَّلام من إخباره بالمغيبات...210

ص: 421

من صفاته ومناقبه سلام الله عليه:...224

في بيان زهده عليه السلام:...230

في بيان علمه عليه السَّلام:...233

في بيان ثبوت کونه سلام الله عليه على دين الحق دین النَّبيّ الصَّادق الأمين صلَّى الله عليه وآله وبعض خصائصه الأُخرى:...235

الباب الثاني في أَذكار مصائبه صلوات الله وسلامه عليه

الفصل الأول: فيما جرى له صلوات الله عليه مع من بقي من صحابة النبي صلى الله عليه وآله، وما لقيه منهم بعد مقتل عثمان من طائعِ له، وعاصٍ لأمره وذكر بعض شکاياته وتظلماته...264

اجتماع الأصحاب للبيعة:...264

خطبته عليه السَّلام عند البيعة:...267

سيرته عليه السَّلام في الخلافة:...268

إخباره ابن ملجم بأَنّه سوف يقتله:...273

الحقية الباطنية لأعدائه وما يؤول إليه أمرهم:...278

الفصل الثاني: في ذكر شکاياته وتظلماته ونعيه لنفسه عند أهل بيته وشيعته...298

نعيه لنفسه سلام الله عليه:...300

ص: 422

الفصل الثالث: في ذكر مصرع الإمام وحامي حمى الدين والإسلام، الذي اورث قتله الفظيع رقاب أهل الإيمان الذل والهوان والاهتظام...314

ابن ملجم - لعنه الله - والنهروان...318

رواية المفيد في شهادته سلام الله عليه...321

رواية محمّد بن الحنفية رضوان الله عليه في شهادته سلام الله عليه...338

رواية الأصبغ بن نباته رضوان الله عليه في شهادته سلام الله عليه...344

وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن سلام الله عليهما...348

الفاجعة الأليمة بوفاة أمير المؤمنين عليه السلام ودفنه...351

القصاص من ابن ملجم وقطام لعنهما الله...363

في رثاه سلام الله عليه...365

حديث المُسائّلة...375

الخاتمة...381

فهرس الآيات الكريمة...383

المصادر والمراجع...391

المحتويات...422

ص: 423

ص: 424

ص: 425

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.