معارج العلا في مناقب المرتضى الشیخ محمد صدر العالم العمري الدهلوي الصوفي
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1350 لسنة 2016 م
مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف LC. BP37.4 .U42 2016
المؤلف الشخصي: العمري الدهلوي، محمد بن وجيه الدين، القرن 12 هجريا.
العنوان: معارج العلا في مناقب المرتضى. بیان المسؤولية: تأليف الشيخ الفاضل محمد صدر العالم بن فخرالإسلام بن أبي الرضاء محمد بن وجيه الدين العمري الدهلوي؛ تحقیق وتعلیق وتوثيق؛ السيد نبيل الحسني.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1438 ه = 2016 م.
الوصف المادي: 2 مجلد؛ 24 سم.
سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة محتويات:
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40هجريا - فضائل، احادیث.
مصطلح موضوعي: أحاديث أهل السنة.
مصطلح موضوعي: أحاديث الشيعة.
مصطلح موضوعي: التصوف الإسلامي.
مصطلح موضوعي: الشيعة والتصوف.
مصطلح موضوعي: الوهابية - شبهات.
مصطلح موضوعي: التصوف - دفع مطاعن.
مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1965 م، مقدم.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 1
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1350 لسنة 2016 م
مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف LC. BP37.4 .U42 2016
المؤلف الشخصي: العمري الدهلوي، محمد بن وجيه الدين، القرن 12 هجريا.
العنوان: معارج العلا في مناقب المرتضى. بیان المسؤولية: تأليف الشيخ الفاضل محمد صدر العالم بن فخرالإسلام بن أبي الرضاء محمد بن وجيه الدين العمري الدهلوي؛ تحقیق وتعلیق وتوثيق؛ السيد نبيل الحسني.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1438 ه = 2016 م.
الوصف المادي: 2 مجلد؛ 24 سم.
سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة محتويات:
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40هجريا - فضائل، احادیث.
مصطلح موضوعي: أحاديث أهل السنة.
مصطلح موضوعي: أحاديث الشيعة.
مصطلح موضوعي: التصوف الإسلامي.
مصطلح موضوعي: الشيعة والتصوف.
مصطلح موضوعي: الوهابية - شبهات.
مصطلح موضوعي: التصوف - دفع مطاعن.
مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري حسن، 1965 م، مقدم.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
ص: 2
سلسلة تحقيق المخطوطات (1) معارج العلا في مناقب المرتضى الشیخ محمد صدر العالم العمري الدهلوي الصوفي من أعلام القرن الثاني عشر للهجرة
تحقیق وتعلیق وتوثیق
السید نبیل الحسني
الجزء الأول
إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com
موبایل: 07815016633
ص: 4
مقدمة التحقيق
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدّم والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخیر بریته محمد وآله الطيبين الأخيار.
أما بعد:
تعد المناقبية من بين أهم السمات التي اتسم بها الفكر الإسلامي، فشكلت هويته العقدية، فَحُرم منها رجال وحظي بها رجال آخرون سطّروا بفضائلهم وسيرتهم حياة الإسلام وهويته بين الأمم والحضارات.
ص: 7
وحينما نأتي إلى مناقبية رجل كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) و بیان شطرٍ من فضائله نكون قد أتينا إلى الإسلام كله والسبب في ذلك يعود إلى تأثّر جميع المدارس الإسلامية بهذه الشخصية.
فما من مدرسة من مدارس الإسلام، أو مذهب من مذاهبه، فقهاً وعقيدة، إلا ولعلي (عليه السلام) فيه سهم، فكل اولئك شغلهم علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) واحتاروا في شخصه، ومعرفة نفسه الشريفة التي غمرتها الفضائل وزينتها المناقب، فبين مبهور متحير فيه، وبين جاهدٍ و مجتهد في البحث عن مثلبة واحدة له فلم يجد، فازداد بذاك موالوه ومحبوه حباً، وازداد بذلك مخالفوه ومبغضوه کمداً و نصباً، فنجی من نجی، وهلك من هلك.
ولذا:
مثلما شغلهم شخص علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) شغلتهم مناقبه وفضائله، فبين راوٍ وجامع لها، أو رادٍ لشبهة واهية، أو يائس يرتد إليه طرفه وهو حسير.
من هنا:
لا يمكن للباحث أو القارئ وهو يتجول بين أروقة هذه المدارس أن يغض الطرف عن هذه الفضائل، وطرق اخراجها؛ فضلاً عن ذلك فقد وجد مناوؤه
ص: 8
ومعادوه أن لا مفر من الاحتيال على النصوص حيناً، وتأويلها حيناً، والصاقها بغيره حيناً اخر، بعد أن اصطدموا بإحكام أسانيدها، وتترّسها برجال الصحاح وثقات أهل السنة والجماعة التي يعجز عن اختراقها متبحر في علم الرجال أو متمرس في جرحها وتعديلها، فلم يجدوا حينها غير تجنيب انفسهم الجهد بمعاداته او التماس العذر في مباراته.
فأخذ بعضهم يتتبع اقوال ابن تيمية وابن القيم ويتحسس فيها هنا او هناك ما يدفع عنها شدة مخالفتهما ومعاداتهما لعلي (عليه السلام)(1).
مما يكشف عن أن هذه الشخصية قد جمعت الاسلام كله، وشغلت أهله، وغير أهله، والأمر لا يحتاج إلى إيراد الشواهد على هذه الحقيقة ويكفي في ذلك ما قاله ابن أبي الحديد المعتزلي في هذا الصدد في شرحه لكتاب نهج البلاغة، فيقول:
(أما فضائله (عليه السلام) فقد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معه التعرض لذكرها، والتصدي لتفصيلها، صارت کما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتكل المعتمد: «رأيتني فيما اتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر، الذي
ص: 9
لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت من الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الاخبار عنك إلى علم الناس بك». وما اقول في رجل أقر له اعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت انه استولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في اطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعایب والمثالب له، فلعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة، أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبته عين واحدة، أدركته عيون كثيرة.
وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة وتنتهي اليه كل فرقة، وتتجاذبه کل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها وسابق مضمارها، ومجلي حلبتها، وكل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتضى، وعلى مثاله احتذي)(1).
وعليه: لم تكن المدرسة الصوفية بمعزل عن التأثر بهذه الشخصية، فلقد أدلت بدلوها في بحر فضائله ومناقبه وتأثرت بها أيها تأثر لا سيما مصنف هذا السفر
ص: 10
الموسوم ب (معارج العلا في مناقب المرتضى) الشيخ محمد صدر العالم الذي نال الشرف في جمعه لهذا النزر القليل من بحر فضائله، وأقر عينه بتسطير مناقبه، وطيب أنفاسه بنسمات سيرته؛ فجزاه الله خيراً عن عمله هذا، وحشره مع من يتولى.
ولذا: فلا بد من الإشارة إلى أمور، منها:
إنّ الذي دفعنا لاختيار هذه المخطوطة الموسومة ب (معارج العلا في مناقب المرتضى) جملة أمور، منها:
1- إن كتب المناقب على صنفين، صنف کتبه شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) و موالوه وأتباعه، فقهاً وعقيدة، فاتهموا بالرفض؛ وصنف آخر كتبه أهل السنة والجماعة؛ والصنف الأول لا يمكن أن يحتج بكتاباتهم على أهل الصنف الثاني لأنهم متهمون بالتشيع والرفض، كما أن أهل الصنف الثاني وهم أهل السنة والجماعة لا يحتاجون إلى الاحتجاج بما كتبوه في الإمام علي (عليه السلام) على محبيه ومواليه؛ بل كانت لمحبي علي (عليه السلام) أتم في الاحتجاج على المخالفين لعقيدتهم.
ومن ثم فإن التحديث بها ونشرها بين المسلمين يكون أوفق في إحقاق الحق.
ص: 11
2- إن المدرسة الصوفية لم يرد لها في هذا الحقل المعرفي كتاب مستقل، بل كان هناك ایراد لبعض الفضائل في مصنفات أعلام هذه المدرسة؛ أما احتواؤها على كتاب قد خُصص لهذا الحقل المعرفي فلا يوجد.
ولذا: يعد هذا الكتاب هو الأول في المدرسة الصوفية - بحسب ما توفر لدينا من مصادر - الذي غاص في بحر المناقب والفضائل، وجني ثماره من حقل الإسلام، ومن ثم نكون هنا قد أضفنا بعون الله مادة جديدة وغنية إلى المكتبة الإسلامية بشكل عام، والصوفية بشكل خاص؛ حيث ألحقها مصنف هذا الكتاب في ركب أهل الرواية المناقبية.
لم تكن المدرسة الصوفية بمعزلٍ عن الانتقادات واختلاف التوجهات والآراء حولها؛ فهي كغيرها من المدارس الإسلامية التي واجهت من الداخل والخارج هذه الاعتراضات والموافقات، فبين ناقدٍ من أربابها للدخلاء على المدرسة في افكارهم ورؤاهم، وبين متبرئ مما یری؛ واخر ينتحل منهجاً وطريقة جديدة يتقاسم فيها العنوان ويشاطرها المنهج في حلقات الذكر وغيرها ويخالفها في الغاية والوسيلة.
بل لم يكن حتى لفظ (التصوف) و (الصوفية) بمعزل عن الاختلاف في المعنى لغة واصطلاحاً ونشأة فقد كثرت الأقوال في اشتقاق اللفظة إلى عدد
ص: 12
من الآراء فكان منها:
1- إنه مشتق من (الصوفة) وذلك إن الصوفي في علاقته مع الله كالصوفة المطروحة؛ لاستسلامه الله تعالى.
2- إنه من (الصِفّة) وذلك إن التصوف هو الاتصاف بمحاسن الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة، وترك الرذائل.
3- إنه مشتق من (الصُفة) اي انه يعود بجذوره إلى أهل الصفة وهم مجموعة من صحابة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) غلب عليهم ضعف الحال واتصفوا بالفقر والمسكنة ليس لهم مأوى غير المسجد النبوي، وينفق عليهم من الصدقات.
4- إنه من (الصوف) للبسهم الصوف الخشن.
5- إنه من (الصف) لكونهم في تسابقهم للطاعات كانوا في الصف الأول.
6- إنه مشتق من (الصفاء) فمن اطلق عليه صوفي فقد عوفي من الركوب للدنيا(1).
7- وذهب ابن الجوزي إلى أن التسمية جاءت نسبة إلى (صوفة بن مرة) وهو الذي اشتهر بين العرب بسبب نذر نذرته أمه أن تعلقه بأستار الكعبة(2).
ص: 13
8- في حين قال ابن تيمية: إن النسبة تعود ل (صوفة بن ادين) يعرف بالنسك)(1).
وفي الواقع لم يتم الاعتماد على أي واحد من هذه الاشتقاقات والنسبة في التسمية وفي ذلك يقول القشيري: (وليس يشهد هذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب)(2).
أما اصطلاحاً فالحال لا يختلف عن اللغة في معنى (الصوفية) ونكتفي بإيراد اقوال ثلاثة وهي:
1- قال الجنيد البغدادي: (التصوف، استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني)(3).
2- قال أبو الحسن الشاذلي: (التصوف تدريب النفس على العبودية وردها الأحكام الربوبية)(4).
3- قال أبو عجينة: التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم
ص: 14
ووسطه علم وآخره موهبة)(1).
فهذا حال الاختلاف في الاسم لغة واصطلاحاً؛ حتى إذا جئنا إلى النشأة في ظهور الصوفية والتصوف وجذوره كان الاختلاف أكبر والآراء في ذلك أكثر.
فبين القول برجوع التصوف نشأة وجذوراً إلى عهد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، واتخاذه من القرآن والسنة اصولاً وفروعاً فقهاً وعقيدة، وبين القول برجوعه إلى خليط من الرهبنة البوذية، والكهانة المسيحية، والشعوذة الهندية فنتج عنه تصوف بوذي، وتصوف هندي، ومسيحي و فارسي لهوّة عظيمة وتباين واضح بين القولين.
هذه النسبة والاختلاف في التصوف لم تكن بمعزل عن العلاقة بين التصوف والتشيع لا سيما وأن ثمة عوامل قد ساهمت في إيجاد هذه العلاقة المختلف فيها ايضاً كما هو الحال في كل ما له ارتباط بالصوفية والتصوف.
فبين قائلٍ بأن الصوفية قد جاء بها حكام بني أمية وبني العباس لغرض توظيفها كعقيدة بديلة عن الموالاة والتشيع لآل البيت (عليهم السلام) فكان
ص: 15
لأقطابها کالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبو هاشم الكوفي، ونحوهم خلافات مع أئمة الهدى من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)(1)
ومما يدل عليه ما أخرجه الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي وقد أفرد له باباً خاصاً اسماه: (دخول الصوفية على أبي عبد الله - الصادق - (عليه السلام) واحتجاجهم عليه فيما ينهون عنه من طلب الرزق).
(فقال: عن مسعدة بن صدقة قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله (عليه السلام) فرأى عليه ثياباً بيضاً كأنها غرقئ البيض فقال له: إن هذا اللباس ليس من لباسك، فقال له (عليه السلام):
«اسمع مني وعٍ ما أقول لك فإنه خير لك عاجلا وآجلا إن أنت مت على السنّة والحق ولم تمت على بدعة، أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في زمان مقفر جدب، فأما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجّارها ومؤمنوها لا منافقوها ومسلموها لا كفّارها، فيما أنكرت یا ثوري فوالله إنني لَمَع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت صباح ولا مساء ولله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعاً إلا وضعته».
قال: فأتاه قوم ممن يظهرون الزهد، ويدعون الناس أن يكونوا معهم على
ص: 16
مثل الذي هم عليه من التقشف، فقالوا له: إن صاحبنا حضر عن كلامك، ولم تحضره حججه؛ فقال لهم:
«فهاتوا حججكم».
فقالوا له: إن حججنا من كتاب الله ؛ فقال لهم:
«فأدلوا بها فإنها أحق ما اتبع وعمل به».
فقالوا: يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله):
«وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1).
فمدح فعلهم، وقال في موضع آخر:
«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»(2).
فنحن نكتفي بهذا؛ فقال رجل من الجلساء: إنا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة، ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا
ص: 17
أنتم منها؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
«دعوا عنكم ما لا تنتفعون به، أخبروني أيها النفر، ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل، وهلك من هلك من هذه الأمة؟»
فقالوا له: أو بعضه فأما كله فلا.
فقال لهم:
«فمن هنا أتيتم؛ وكذلك أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأما ما ذكرتم من إخبار الله عز وجل إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحا جائزا، ولم يكونوا نهوا عنه وثوابهم منه على الله عز وجل؛ وذلك أن الله جل وتقدس أمر بخلاف ما عملوا به، فصار أمره ناسخا لفعلهم، وكان نهي الله تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين، لكيلا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم، منهم الضعفة الصغار، والولدان، والشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع، فإن تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعاً، فمن ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«خمس تمرات، أو خمس قرص، أو دنانير، أو دراهم يملكها الإنسان وهو
ص: 18
يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه، ثم الثانية على نفسه وعياله، ثم الثالثة على قرابته الفقراء، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء، ثم الخامسة في سبيل الله وهو أخسّها أجراً».
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق ولم يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار:
«لو أعلمتموني أمره، ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين، يترك صبية صغاراً يتكففون الناس».
ثم قال: حدثني أبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
«أبدأ بمن تعول، الأدنى فالأدني»، ثم هذا ما نطق به الكتاب رداً لقولكم ونهياً عنه مفروضاً من الله العزيز الحكيم، قال:
«وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»(1).
أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثرة على أنفسهم، وسمي من فعل ما تدعون الناس إليه مسرفا، وفي غير آية من كتاب الله يقول:
ص: 19
«إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»(1).
فنهاهم عن الإسراف، ونهاهم عن التقتير، ولكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده، ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله):
«إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه، ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله عز وجل تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في بيته ويقول: رب ارزقني ولا يخرج ولا يطلب الرزق، فيقول الله عز و جل له: عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري، ولكيلا تكون كلا على أهلك، فإن شئت رزقتك، وإن شئت قترت عليك، وأنت غير معذور عندي؛ ورجل رزقه الله مالاً كثيراً فأنفقه ثم أقبل يدعو یا رب ارزقني؛ فيقول الله عزّ وجل: ألم أرزقك رزقاً واسعاً فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك ولم تسردف وقد نهيتك عن الإسراف، ورجل يدعو في قطيعة رحم».
ثم علّم الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) كيف ينفق، وذلك أنه كانت
ص: 20
عنده أوقية من الذهب، فكره أن تبيت عنده فتصدق بها، فأصبح وليس عنده شيء، وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل واغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه، وكان رحيما رقيقا، فأدب الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بأمره فقال:
«وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا»(1).
يقول: إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال . فهذه أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصدقها الكتاب، والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين.
وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوص، فقال: أوصي بالخمس، والخمس كثير فإن الله تعالى قد رضي بالخمس فأوصى بالخمس، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته ولو علم أن الثلث خير له أوصى به، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذر رضي الله عنهما(2)، فأما سلمان
ص: 21
فكان إذا أخذ عطاه رفع منه قوته لسنته حتى يحضر عطاؤه من قابل فقيل له: يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا؟!
فكان جوابه أن قال: مالكم لا ترجون لي البقاء کما خفتم علي الفناء، أما علمتم یا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
وأما أبو ذر فكانت له نویقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، أو نزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور، أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قال ولم يبلغ من أمرهما(1) أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعیالاتهم.
واعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يوما:
ص: 22
«ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن أنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له، وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له، وكل ما يصنع الله عز و جل به فهو خير له».
فليت شعري، هل يحيق فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم؟ أما علمتم أن الله عز وجل قد فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم، ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوء مقعده من النار، ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من الله عز وجل للمؤمنين، فنسخ الرجلان العشرة.
وأخبروني أيضاً عن القضاة أَجَوَرة هم حيث يقضون على الرجل منکم نفقة امرأته إذا قال: إني زاهد وإني لا شيء لي فإن قلتم: جورة ظلمكم أهل الإسلام، وإن قلتم: بل عدول خصمتم أنفسكم، وحيث تردون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث.
أخبروني: لو كان الناس كلهم كالذين تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يتصدق بكفارات الأيمان، والنذور، والصدقات من فرض الزكاة من الذهب، والفضة، والتمر، والزبيب، وسائر ما وجب فيه الزكاة من الإبل، والبقر، والغنم، وغير ذلك؛ إذا كان الأمر كما تقولون، لا
ص: 23
ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا إلا قدمه، وإن كان به خصاصة؟
فبئسما ذهبتم إليه، وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عز وجل، وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل، وردَّکم إياها بجهالتكم، وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي.
وأخبروني: أين أنتم عن سليمان بن داود (عليه السلام) حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه الله جل اسمه ذلك، وكان يقول الحق ويعمل به، ثم لم نجد الله عز وجل عاب عليه ذلك، ولا أحدا من المؤمنين، وداود النبي (عليه السلام) قبله في ملکه وشدة سلطانه ثم يوسف النبي (عليه السلام) حيث قال الملك مصر:
«قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»(1).
فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن وكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم، وكان يقول الحق ويعمل به، فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه، ثم ذو القرنين عبد أحب الله فأحبه الله، وطوى له الأسباب وملَّکه مشارق الأرض ومغاربها وكان يقول الحق ويعمل به؛ ثم لم
ص: 24
نجد أحدا عاب ذلك عليه.
فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عز وجل للمؤمنين، واقتصروا على أمر الله ونهيه، ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به، وردوا العلم إلى أهله، تؤجروا وتعذروا عند الله تبارك وتعالى، وكونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه، وما أحل الله فيه مما حرم فإنه أقرب لكم من الله و أبعد لكم من الجهل، ودعوا الجهالة لأهلها، فإن أهل الجهل كثير، وأهل العلم قليل، وقد قال الله عز وجل: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ»)(1).
وهذا الحديث ينقل لنا صورة دقيقة عن الخلاف بين رجال التصوف وأئمة العترة النبوية عليهم السلام ، وإن هذا الخلاف كان قاعدة لفتاوی علماء الإمامية في بيان حال الصوفية والتصوف وهي كثيرة منها:
1- قال الشيخ المفيد (رحمه الله) في الحلاجية: (والحلاجية ضرب من التصوف، وهم اصحاب الإباحة والقول بالحلول، ولم يكن الحالج يختص بإظهار التشيع، وإن كان ظاهر أمره التصوف، وهم قوم ملحدة، وزنادقة، يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم، ويدعون للحلاج بالأباطيل، ويجرون ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرداشت المعجزات، ومجرى النصاری
ص: 25
في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات)(1).
2- ومن المعاصرين قال المرجع الديني السيد عبد الأعلى السبزواري (رحمه الله) (لا إشكال في نجاسة الغلاة، والخوارج، والنواصب؛ أما المجسمة، والمجبرة، والقائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الاسلام فالقوی عدم - النجاسة - فلا يكون دليلاً على ثبوت الكفر في هذا القسم)(2).
وعلى الرغم من هذه المواقف والاحكام من علماء الطائفة الإمامية ومراجعها إزاء القائلين بوحدة الوجود من الصوفية ومن لم يلتزم منهم بأحكام الاسلام نجد بعض الكتاب من يوهم نفسه بوجود (صلة قائمة بين التصوف والتشيع وتشابه عقدي بينهما ترجع في الأساس إلى تلك الخلايا الباطنية المنتشرة بين طرق الصوفية والمستترة بقناع التصوف حتى بدأ بعضهم يدرس ما يسميه (التصوف السني) وهو السالم من الوقوع في براثن الكيد الباطني وانحرافات الرافضة المتصوفة)(3).
في حين أن هذه الدعوة بدراسة (التصوف السني) ليست دعوة معاصرة قد بدأت مع ما يشهده العالم اليوم من انتشار للمدارس الإسلامية في كل المشارب
ص: 26
ولم يقتصر الأمر على انتشار التشيع أو التصوف وإنما ذلك عائد إلى اعتماد أرباب هذه المذاهب والطوائف والمدارس على استخدام الوسائل الحديثة في نقل المعلومة سواء عبر القنوات الفضائية أو الشبكة العنكبوتية وما ارتبط بها من وسائل اصبحت في يد كل رجل وامرأة.
إن هذه الدعوة في دراسة (التصوف السني) تعود إلى القرن الرابع الهجري وأول من دعى لها الجنيد البغدادی کما ستمر ترجمته لاحقاً، الذي أسس مدرسته الصوفية التي ارتكزت على التمسك بالقرآن والسنّة ونبذ كل ما ليس له علاقة بهما من التصوف الحلولي وغير ذلك مما ادخل عليه من امور مخالفة للشريعة.
ومن هنا نجد مصنف (معارج العلا) الشيخ محمد صدر العالم يبرأ من الرافضة ويدّعي التشيع السني - كما سیمر - ومن ثم فقد تبرأ الطرفان من كليهما، فلا علماء الشيعة يعتقدون بعقائد الصوفية، ولا الصوفية يعتقدون بعقائد الإمامية، إلا أن هناك ثمّة مظاهر مشتركة بين الاثنين، كزيارة الأضرحة، والتبرك بآثار الأولياء، والإكثار من ذكر الصلاة على النبي وآله، ومدائح أهل البيت (عليهم السلام) وغيرها لكنها لا ترتقي إلى الوحدة في الأصول والمدارك، بل ولم تتحد حتى في المقصد الشرعي لهذا المظاهر.
وهذه المظاهر مثلما وجدت في الإسلام وجدت في غيره، فإن ثمّة مظاهر اخرى مشتركة مع الديانات الثلاث ومن ثم لا تدل على وحدة الشريعة والمنهاج.
ص: 27
ومن هنا حاول المصنف تقديم الرؤية الصوفية لما ورد في الأحاديث النبوية من مناقب و فضائل الأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه)، کالخلافة، والوصاية، والمؤاخاة، والحوض، واللواء، والموالاة، وغيرها؛ بل وحتى التشيع الذي أورد فيه المصنف جملة من الأحاديث الشريفة، فله رؤيته الصوفية فيها والتي يتبرء من خلالها من التشيع الذي تُقدّمه المدرسة السنية وتثقف عليه فقدمه بصورة أخرى وهي (التشيع السني).
يحرص مصنّف (معارج العلا) في مقدّمته على بيان عقيدته وما يؤمن به، لا سيما وأنه يدرك أن الحديث عن شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) له تبعاته وضريبته التي لزم دفعها في الدنيا والآخرة، ويكفي بذلك موعضةً ما جرى للحافظ النسائي صاحب السنن بعد تصنيفه لكتاب خصائص علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ويكفيه أيضاً ما لاقاه الحافظ الحاكم النيسابوري في تصنيفه للمستدرك على الصحيحين وما لحقه بعد ذلك من اتهامات بالرفض، وتتبع دقيق لأسانید مستدرکه جرحاً ونقداً ونكارة لكثير من المتون(1).
ص: 28
حتى تمنى البعض أنه لم يقدِم على تصنيف المستدرك، وقال فيه الذهبي: (إمام صدوق لكنه يتشیع ويصحح واهيات)(1).
ويكفيه كذلك ان يرى ما قيل في الحافظ المفسر والمؤرخ الكبير محمد بن جریر الطبري، أبو جعفر صاحب تفسیر (جامع البیان) و (تاریخ الأمم والملوك) المتوفي سنة 310 ه فقد قال فيه ابن حجر العسقلاني:
(ثقة صادق، فيه تشيع يسير، وموالاة لا تضر، وإنما نبز بالتشيع لأنه صحح حدیث غدیر خم، وحكى الذهبي في التذكرة عن الفرغاني أنه لما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث غدیر خم، عمل کتاب الفضائل وتكلم على تصحيح الحديث، قلت(2):
رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جریر فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق)(3).
وغير هؤلاء الكثير ممن لاقوا هذه المواقف من رموز مدرسة السنة والجماعة الذين لم يستثنوا فيها من أحد؛ سواء من كان بمكانة الحافظ النسائي، أو الحاكم
ص: 29
النيسابوري، أو ابن جرير الطبري، أو محمد بن ادریس الشافعي إمام المذهب.
من هنا: نجد أن الشيخ محمد صدر العالم قد أعد العدّة لمثل هذه المواقف التي ستتابع عليه حينما یُقرأ كتابه معارج العلا، فكتب في مقدمة كتابه بعد أن أورد ما رآه من مبشرة في منامه وتشرفه برؤية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه فقال:
(فصرت تلميذا له ومريداً فبعثني حب التلميذ لأستاذه والمريد لشيخه، بل العبد لمولاه والعاشق لعشيقه أن امدحه وأذكر مناقبه العليا وأقرّ أعين المحبين ببيان فضائله الفضلى ومآثره السميا لكي ادخل في زمرة المدّاحين له والمثنين عليه وأُحسب في شيعته المقربين لديه ثم إني ما أردت بكلمة الشيعة الفرقة الرافضة الشنيعة ولكن قصدت بها الأُمة العارفة المحققة الصوفية التي هي شيعته على الحقيقة).
وهنا يحاول المصنف للمعارج أن يستحصل جملة أمور، منها:
1- أن يدفع عن نفسه التهمة بالتشيع - كما أسلفنا - متجنباً بذلك ما وقع السيرة بعض علماء مدرسة السنة والجماعة.
2- أن يقدم تفريقاً بين الشيعة الرافضة، والشيعة التي نصت عليها الأحاديث الشريفة.
ص: 30
3- أن يقدم مفهوماً جديداً للتشيع يرتكز على المعارف الصوفية.
4- إنّ للتشيع منزلة عظيمة قد نصت عليها الأحاديث النبوية الشريفة ومن ثم لا يمكن نكرانها، بل يقتضي - الإيمان بالله واليوم الآخر وأن يأخذ المسلم بها وذلك أن ردّها ردٌّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والردّ عليه ردٌّ على الله تعالى.
ولذا لا بد من تقديم رؤية أخرى للتشيع تمكن هذا القائل أو ذاك بالانتساب إليها إحرازاً لمنزلتها عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله).
وعليه:
لا بد من تقديم الصورة الحقيقية للرفض، أو التشيّع، أو التسنّن؛ كي يتضح للقارئ أين يضع قدمه، وفي أي طريق يسير، وبماذا سيلاقي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، لا سيما وأن المصنف للمعارج قد التجئ إلى رؤيته المرتكزة على فكر مدرسة التصوف.
الرفض لغة هو: (ترك الشيء)(1) وتقول (رفضني فرفضته، رفضت الشيء
ص: 31
أرفضه رفضاً تركته وفرقته)(1).
وقال أبو الصلاح الحلبي (الرفض صفة لشيعة آل محمد (عليهم السلام)، لأنهم رفضوا الباطل، واتبعوا الحق، واخذوا دينهم عن أئمتهم المعصومين ابناء الرسول (صلى الله عليه وآله) عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرائیل، (عليه السلام) عن الله عز وجل)(2).
وأما ما قاله ابن تيمية في أن أصل كلمة الرفض إنما تعود إلى زمن زید بن علي زین العابدین (عليهما السلام) الذي استشهد على يد أئمة ابن تيمية(3) فهو كذب صراح؛ وذلك:
إن لفظ (الرفض والرافضة) يعود إلى زمن وقوع حرب الجمل (عام 36 ه) فقد اطلقه معاوية بن أبي سفيان على شيعة عثمان بن عفان الذين نصبوا العداء لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) و خرجوا لحربه كما يروي نصر بن مزاحم (المتوفي سنة 212 ه)، واليعقوبي (المتوفي سنة 284 ه) وغيرهم؛ وقد ورد ذلك جلياً في کتاب معاوية الذي بعثه إلى عمرو بن العاص وهو في فلسطين، يقول فيه: (أما بعد، فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك فقد سقط إلينا
ص: 32
مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل اذاكرك امراً)(1).
وهي بهذا النص التاريخي، أي مفردة (رافضة) قد سبقت استشهاد زید بن علي (عليه السلام).
أما تداولها في الروايات الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فيكشف عن امور، منها:
1- إن مدلول هذه اللفظة يرشد إلى منزلة ايمانية ورتبة تقوائية.
2- إن الناس كانت تدرك أن هذه المفردة تتلازم مع أتباع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و شیعته كالصحابي الجليل عمار بن یاسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان المحمدي، وغيرهم؛ فقد شهد التاريخ والسِّيرَ أن هؤلاء حينما اتبعوا الحق الذي يدور مع علي (عليه السلام) حيثما دار، وتركوا غير علي (عليه السلام) ورفضوا الإقرار بخلافة غيره کانوا رافضة.
وقد وظّف معاوية هذا المفهوم والمعنى والدلالة لمفردة الرفض في مكانين، الأول في بيان استخدامها اللغوي المراد به الترك فنسبه إلى أهل البصرة التي كانت
ص: 33
تعرف انذاك بأنها عثمانية، فهم شیعته وأنصاره، وتأزروا على الوقوف تحت راية طلحة والزبير، وتطاعنوا بالرماح حتى تجسرت في صدورهم، وتقطعت أيديهم في التنافس في مسك زمام جمل عائشة، وهم يقاتلون الإمام علياً (عليه السلام) وأنصاره من الصحابة البدريين والشجريين كما يروي الحاكم في المستدرك(1).
وأمّا التوظيف الآخر فكان في التنكيل بشيعة علي (عليه السلام) الذين تركوا الإقرار بالباطل، وتمسكوا بالحق وقائده علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ فكانوا رافضة لغيره. واستشهدوا بذلك وامتازوا به على غيرهم من المسلمين.
ومن ثم بدأ وضع الروايات الكثيرة في ذمهم والتي أوردها مصنف معارج العلا وآمن بها - بحسب ما ورد في مصنفه - ولذا قام بالتبرؤ منهم.
وهذه الحقيقة قد ارشد إليها بعض النصوص الشريفة والواردة عن العترة النبوية، أي توظيف معاوية وبنو أمية للمعنى اللغوي المفردة (الرافضة) واکسائه بالمعنى العقدي، فمن دلالة (الترك) إلى دلالة (الخروج من الدين) لهذه الفئة التي رفضت الانقياد للباطل المتجسد بالإقرار لغير علي (عليه السلام) بالإمامة والخلافة فكان هذا التفرد خروجاً على الفئة الباغية، الذي جسّده عمار بن یاسر (رضي الله عنه) بجهاده لهذه الفئة واستشهاده بين يدي أمير المؤمنين علي بن ابي
ص: 34
طالب (عليه الصلاة والسلام).
ولذا:
1- نجد أن الإمام محمداً الباقر (عليه السلام) قد أعاد المعنى لمفردة الرفض وأرجعها إلى أصلها اللغوي والعقدي الذي غيّر مساره أعداء الحق والإسلام وذلك حينما دخل عليه أبو الجارود (عليه الرحمة) وهو يقول له - كما يروي البرقي المتوفي (سنة 74 ه) في المحاسن: (إن فلاناً سمانا باسم قال (عليه السلام):
«وما ذاك الاسم»؟
قال سمانا الرافضة.
فقال أبو جعفر (عليه السلام) وأومأ بيده إلى صدره.
«وانا من الرافضة وهو مني» قالها ثلاثاً)(1).
2- وروی ایضاً بسنده عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك اسم سمینا به استحلت به الولاة دماءنا واموالنا وعذابنا؛ قال:
«وما هو»؟
ص: 35
قال الرافضة؛ فقال أبو جعفر (عليه السلام):
«إن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسی (علیه السلام) فأوحى الله إلى موسى أن ثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد نحلتهم وذلك اسم قد نحلكموه الله»(1).
ونلاحظ في هذا الرواية كيف أن الإمام الباقر (عليه السلام) قد أعاد إلى مفردة الرفض، أو الرافضة معناها اللغوي والعقدي الكاشف عن موقف هذه الجماعة، التي تركت فرعون ورفضت أن تكون تحت رايته وإمامته وذهبوا إلى نبي الله موسى (عليه السلام).
مما أسس إلى فكر سياسي وجهادي قائم على محاربة الطاغوتية والفرعونية وما يعرف اليوم بمصطلح (الدكتاتورية) أو (الاستبدادية)، وقد سارت عليه شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كل زمان ومكان، فرفضت هذه الانواع من الحكم والحكام؛ فكانوا بسبب هذه المواقف الجهادية عند الولاة، والامراء، والخلفاء، والحكام، والسلاطين، محكوماً عليهم بالقتل ومصادرة الأموال، والتعذيب والتهجير، فكان أول من لاقى ذلك من شيعة علي (عليه السلام) الصحاب الجليل أبو ذر الغفاري (رضوان الله عليه) في مواجهته لعثمان بن عفان،
ص: 36
وكعب الأحبار، ومروان بن الحكم، فتم نفيه وتهجيره إلى الربذة.
ثم لتسير شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) على هذا النهج في رفض الظلم، والطاغوتية، والاستبداد في كل زمان، سواء كان ذلك في زمان إمامهم وقائدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، أو في زمان غيره من أئمة الهدى والخير والصلاح؛ فالحال واحدة في جميع هذه الأزمنة إلى يومنا هذا.
ومما يدل عليه ما اخرجه محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (المتوفي سنة 290 ه) بسنده عن بكر بن کرب الصيرفي (رحمه الله)، قال: (سمعت أبا عبد الله - الصادق (عليه السلام) - يقول:
«مالهم ولكم، وما يريدون منكم، وما يعيبونكم، يقولون الرافضة! نعم والله، رفضتم الكذب واتبعتم الحق؛ أما والله أن عندنا ما لا نحتاج إلى أحد، والناس يحتاجون إلينا، أن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخطّه علي بيده صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها كل حلال وحرام»)(1).
ويرشد الحديث الشريف إلى بيان جملة من الأمور، منها:
1- الحصار الاجتماعي الذي فرضه الطواغيت واشياعهم على اتباع العترة النبوية (عليهم السلام).
ص: 37
2- إن، السبب الحقيقي في وصف شيعة آل البيت (عليهم السلام) بالرافضة هو لرفضهم الكذب واتباعهم للحق.
3- کما بيّن (عليه السلام) کيفية مواجهة هذه الحرب بأن الله تعالى أعطاهم ما لم يعط الناس أجمعين، أي علم الحلال والحرام، الذي هو سنام العلوم واشرفها، فضلاً عن تحديده (عليه السلام) بهذه اللفظة لاختصاصهم بشريعة المصطفى (صلى الله علیه و آله).
ومن ثم فمن ادعى العلم بها فهو كاذب لأنه محتاج إليهم فهم أهل القرآن وشرعه، فاحتاجهم الناس وهم لا يحتاجون إلى أحد، وبذا يكون المفتقرون للعلم هم أعداء آل البيت (عليهم السلام) لا العكس کما يتوهم الظالمون.
وعليه:
نجد أن مصنف المعارج الشيخ محمد صدر العالم حينما استعرض الاحادیث الشريفة التي اوردها في مصنفه حول صفات الرافضة قام فتبرأ منهم، وقدم مفهوماً وسياقاً جديداً لمفردة (التشيع) كما هو واضح في كلامه في المقدمة كي يدفع عن نفسه التهمة بالرفض؛ فضلاً عن التنكيل والتعريض بهم.
فكان لزاماً علينا شرعاً ومنهجاً علمياً أن نقدم لهذه المسألة: هذه السطور کي يكون القارئ والباحث على بينة من أمره.
ص: 38
أما رؤية المصنف للتشيع المرتكز على حصره وتحجيمه في المدرسة الصوفية فهو يفتقر إلى الحجة الشرعية والمنهجية العلمية في اثبات الحقائق وهو ما سنعرض له في الفقرة الآتية:
إن دراسة الاحاديث النبوية الشريفة التي تناولت مفردة (الشيعة) والتشيع، وتأصيلها بما قدمه القرآن الكريم من بيان لهذه المفردة، ودلالتها، ومضمونها، ومعناها، لترشد الباحث إلى أن (التشيع) رتبة تقوائية، ومنزلة إيمانية، وفرقة خاصة من الأمة تم انتقاؤها، واجتباؤها، واصطفاؤها من قبل تكّون الأمم، والمجتمعات، والديانات، والمعتقدات، لتسير بذلك جنباً إلى جنب مع الفكر القرآني والنبوي، لا سيما في موضوع النشأة الأولى، وخلق الأنوار الإلهية، ومصدرها الأول الذي اجتباه الله واختاره على علم بالعالمين، فاصطفاه على الخلق اجمعين، وهو حبيبه وسید انبيائه ورسله أبو القاسم محمد (صلى الله عليه وآله).
ومن ثم فكل مطّلع على هذه الأحاديث ودلالاتها ومقاصدها الشرعية لا يمكنه التفلت من رقبتها وتذمیمه بها يوم القيامة، فهو مسؤول عنها لا ريب.
من هنا:
فكُلٌّ يدّعي وصل ليلى، يقوم بتفصيل الأحاديث على مقاييس مشربه العقدي،
ص: 39
ومعطياته الفكرية كما حدث لمصنف معارج العلا، فقد قدم رؤية للتشيع ترتكز على الفكر الصوفي، والعقيدة الصوفية، عله بذاك ينال هذه الرتبة والمنزلة، ويحضَى بما نصت عليه الاحاديث النبوية التي أورد شطراً منها في مصنفه هذا.
ولا يقتصر هذا الأمر عليه فقط، فمن قبله ذهب ابن حجر الهيثمي المكي (المتوفي سنة 994 ه) في الصواعق بعد أن اورد حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن علي امير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً:
«إن خليلي - أي رسول الله (صلى الله عليه وآله) - قال: يا علي إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقحمين، ثم جمع يده إلى عنقه يريهم الإقحام»(1).
فاعقب هذا الحديث قائلاً:
«وشیعته هم أهل السنة»(2).
في حين أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والإمامين الحسن والحسين والأئمة التسعة من ولده (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) هم أعرف بشيعتهم، ومن يكونون، ولا يحتاجون إلى توصيف ابن حجر أو محمد
ص: 40
صدر العالم أو غيرهما، لاسيما وأن العديد من الأحاديث الشريفة والنصوص التاريخية والسيريّة لخير ناطق ومفصح عن هوية الشيعة ورجال التشيع منذ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى يومنا هذا.
ويكفيك من كل ذلك سلمان المحمدي، وابو ذر الغفاري، وعمار بن یاسر (رضوان الله تعالى عليهم)، فهم خير دليل على التفريق بين التشيع والتسنن الأموي؛ أما التسنن المحمدي فهو شخص علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن سار بهديه واقتدى بإمامته وهو كما يأتي:
(السُنّة) بضم الأول وفتح الثاني مع التشديد في اصطلاح المتشرعة على معنيين:
الأول: (قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره بل المطلق من طريقته وهديه (صلى الله عليه وآله) وعند الشيعة الإمامية التابعين لأئمة العترة من أهل البيت عليهم السلام - يضاف إلى الرسول قول أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام وفعلهم وتقريرهم وهديهم لأنهم امتداد رسول الله (صلى الله عليه وآله) و خلفاءه حقاً ووارثوه وهم أئمة يهدون إلى الحق وبه یعدلون، وإنهم أئمة معصومون، لا يقولون ولا يعلمون إلا على التنزيل والتأويل، وهم معدن علم الله وعلم رسوله (صلى الله عليه وآله).
ص: 41
وأما عند الجمهور وعامة المسلمين المعروفين بأهل السنة، يضاف إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) سنة الصحابة وسيرتهم ولا سيما الخلفاء منهم، وإن لهم حق التشريع حسب المصالح المرسلة كما في مسألة التعيين والطلاق البدعي، وتبديل حي على خير العمل ب (الصلاة خير من النوم) وعشرات من نحو هذه التشريعات.
المعنى الثاني: العمل المستحب الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يواظب على العمل به، ويحض المؤمنين عليه، وهو دون الواجب وفوق الندب، کالختان والصلاة بالجماعة، وكتحية المسجد، وفعل النوافل المرتبة ولو يأتي بركعتين منها.
والمراد من السنة التي هي قبل القرآن، هو المعنى الأول)(1).
وقد تظافرت الآيات المباركة في بيان الضرورة الدينية في اتباعها وحجيتها التي تقتضي العصمة، والسنة في اللغة هي الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل فلان من أهل السنة، معناه من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة.(2).
ص: 42
وقال الراغب: سنة النبي (صلى الله عليه وآله) طريقته التي كان يتحراها(1).
وبهذا يتفق معنى السنة في اللغة وعند المتشرعة.
ومن ثم يلزم أن يكون جميع المسلمين هم على السنة التي هي طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) قولاً وفعلاً وتقريراً وإن المخالفة لهذه السنة تعد انحرافاً عنها.
ومن هنا:
فإن مراجعة مصادر الحديث الشريف والسيرة النبوية تكشف عن وجود مخالفات لطريقة النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله وفعله وتقريره في حياته من قبل بعض الصحابة وإن هذه المخالفات كانت بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) أوسع وأكثر، لا سيما وإن كثيراً من المذاهب الإسلامية كان السبب في نشوئها وظهورها واختلافها فيما بينها يعود لاتّباع طرق اخرى اضيفت إلى طريقة النبي (صلى الله عليه وآله).
وذلك ابتداءً من عصر أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة وصولاً إلى أئمة المذاهب الأربعة وانتهاءً بالرأي بالاجتهاد فإن اخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران!! والاستحسان والقياس.
ص: 43
ولعل تتبع هذه المخالفات الصريحة التي جاءت مقابل النصوص الثابتة عنه (صلى الله عليه وآله) ولتخرجنا عن عنوان المقدمة لهذا العمل على تحقيق مخطوط معارج العلا.
ويكفي الباحث النظر إلى صلاة التراويح و تحریم متعة النساء والطلاق البدعي وغيرها من المخالفات لطريقة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهديه، معللين هذه المخالفات بمسمى جديد وهو (سنة الخلفاء الراشدين) وغير الراشدين فجميع الصحابة داخل في هذا التعميم فضلاً عن خلفاء بني أمية وبني العباس الذين حكموا المسلمين قروناً عديدة.
ومن ثم:
يصبح لدى المسلم سنتان وطريقتان، الأولى (سنة النبي (صلى الله عليه وآله) والأخرى (سنة الخلفاء) وهي حقيقة مرّة حاول بعض علماء المسلمين تحليتها ببعض الأعذار.
قال ابن فارس: (ومما كرهه العلماء قول من قال سنة أبي بكر وعمر)(1).
وذلك لأنهم عملوا بآرائهم وطريقتهم مقابل طريقة رسول الله ملتمسين لهم التصويب في هذا النهج بما روي عن معاذ بن جبل حينما قال له رسول الله (صلى
ص: 44
الله عليه وآله):
«بما تقضي»؟
قال بكتاب الله؛ قال (صلى الله عليه وآله):
«فإن لم تجد»؟
قال فبسنة رسوله؛ قال (صلى الله عليه وآله):
«فإن لم تجد»؟
قال: اجتهد رأياً، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«الحمد لله الذي وفق رسوله».
وهذا الحديث وإن كان يخبر عن الالتجاء للرأي بعد التمحص والتدبر في الكتاب والسنة النبوية التي تأتي هنا بمقابل القرآن؛ إلا أن المشكلة هي الالتجاء للرأي مع وجود النص القرآني والنبوي.
بل الأعجب من ذلك منع المطالبة للعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) کما فعل أبو بكر حينها جلس للخلافة و في يومه الأول.
ومن ثم كيف لا يتم إقرار هذه الآراء، والاجتهاد بأنها داخلة ضمن عنوان السنة النبوية على الرغم من وضوح فسادها، وضلالة من عمل بها وفي ذلك يقول
ص: 45
بودجه الشوكاني في بيان معنى السنة وحجيتها وادخال سنة الخلفاء الراشدين في فلكها وعنوانها فضلاً عن إدخال آراء الصحابة ضمن عنوان السنة النبوية فيطرح تساؤلاً ويجيب عليه قائلاً:
(فإن قلت إذا كان ما عملوا فيه بالرأي من سنته - (صلى الله عليه وآله) - يبق لقوله: (سنة الخلفاء الراشدين) ثمرة؟! قلت(1) ثمرته إن من الناس من لم يدرك زمن الخلفاء الراشدين، أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء ولكنه حدث أمر لم يحدث في زمنه ففعله الخلفاء، فأشار بهذا الارشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه أن يتردد إلى بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون.
فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر منهم من الرأي وإن كان من سنته كما تقدم، ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل.
وبالجملة، فكثيراً ما كان ينسب العقل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه، لأنه محل القدوة ومكان الأسوة.
فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث، ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من کلام أهل العلم؛ فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان،
ص: 46
واستغفر الله العظيم)(1).
وهذا القول يحتاج إلى نقاش، فأقول:
1- لقد ادرك الشوكاني من البدء بأن حديث (معاذ بن جبل) حدیث واهٍ، وقد تكلم فيه (أهل العلم) كما أقر بذلك بنفسه ولكنه اجهد نفسه في تبرير الخطأ الذي يسير عليه من انتسب (لأهل السنة) في ادخالهم الآراء والاجتهادات الصادرة عن الخلفاء في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعل طريقتهم في محل الحجية التي تأخذ بعنق المسلم بإزاء حجية سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الرغم من أن طريقتهم كانت مخالفة لطريقته (صلى الله عليه وآله) فما بال المسلم بإدخال الآراء وفتح الباب على مصراعيه للعبث بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنحها الصفة الشرعية بجعلها ضمن عنوان (السنة النبوية).
2- إن قول الشوكاني (وبالجملة، فكثير ما كان ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه، لأنه محل القدوة ومكان الأسوة)، ففيه حق و باطل، فأما الحق منه فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ينسب كثيراً من العقل أو القول إلى فئة محدودة من
ص: 47
الصحابة وهم (أهل بيته وعترته) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ولا سيما الإمام علي (عليه السلام) فقد تظافرت الاحاديث الشريفة عن نسب فعل علي (عليه السلام) وقوله إليه أي: إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكذا حاله (صلى الله عليه وآله) مع فاطمة عليها السلام. والشواهد على ذلك كثيرة جداً وقد زخرت بها كتب المسلمين، ومنها:
1- رده (صلى الله عليه وآله) على مجموعة من أصحابه حينما اعترضوا على فعل علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ونسب هذا الفعل اليه کما يروي الترمذي وابن أبي شيبة الكوفي والحاكم النيسابوري وغيرهم عن عمران بن حصين، قال:
(بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ فمضى - في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه و تعاقد أربعة من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا:
إن لقينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخبرناه بما صنع علي؛ وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وآله)، فقام أحد الأربعة فقال:
یا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه
ص: 48
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والغضب يعرف في وجهه فقال:
«ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي»(1).
والحديث لا يحتاج إلى بيان في نسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعل علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام إليه وإنه منه.
2- وكذا فعل (صلى الله عليه وآله) مع بريرة الأسلمي حينما خرج مع الإمام علي عليه السلام غازياً إلى اليمن مثلما يروي أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة الكوفي والنسائي وغيرهم عن ابن عباس عن بريدة قال:
(غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرت علياً فانتقصته فرأيت وجه رسول الله (صلى الله علیه و آله) يتغير، فقال:
ص: 49
«یا بريدة الست أولى بالمؤمنين من انفسهم»؟
قلت: بلى يا رسول الله، قال:
«من کنت مولاه فعلي مولاه»(1).
3- فضلاً عن تسليمه سورة براءة إلى أبي بكر ثم استدراكه (صلى الله عليه وآله) هذا الأمر ليقطع الطريق بهذه الحكمة النبوية على المنافقين ومرضى القلوب أن ينسبوا افعالهم إلى فعله ويعظموا أناساً لا علاقة لهم بالحكم الشرعي، فبعث خلف أبي بكر واخذ منه سورة براءة واعطاها لعلي عليه الصلاة والسلام وتعجب أبو بكر منه ذلك (ووجد في نفسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني»(2).
وفي لفظ آخر:
«لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي»(3).
ص: 50
وعليه:
لا يؤدي عن النبي (صلى الله عليه وآله) إلا علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) فهو الآخذ بيد من اراد النجاة في الآخرة إلى رضا الله تعالى ورضا رسوله (صلى الله عليه وآله) وهو الدليل إلى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهديه وطريقته.
أما التسنن الذي ينادي به أئمة الطوائف والفرق والمذاهب فهو تسنن الآراء والاجتهادات والاستحسانات التي لم ينزل الله بها من سلطان والتي كانت مقابل سنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهديه.
ومن ثم لا ندري أي سنة كانت تلك التي يدعو إليها مصنف المعارج وإمامه الجنيد البغدادي أهي سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودليلها وترجمانها علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) أم سنة الخلفاء والصحابة وارباب الخلافة والإمارة وزعماء الفرق ورؤساء المذاهب وأئمة الجماعات؟!
كي يتضح لنا لماذا اعرض المصنف للمعارج وغيره عن الرافضة وامامهم علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه)، إن كانوا للسنة حقاً يتبعون؟!
يصرّح المصنف المعارج العلا الشيخ محمد صدر العالم بأنه ينتمي إلى
ص: 51
المدرسة الصوفية البغدادية والتي كان يرأسها ومؤسسها فكراً وعقيدة وطريقة الجنيد البغدادي (المتوفي سنة 297 ه - 910 م) وهو أحد أبرز مشايخ المدرسة الصوفية ككل وإليه يعود الفضل في نسبة المدرسة إلى السنة والجماعة، فلُقّب بإمام الطائفة الصوفية(1).
ترجم له الزركلي (المتوفي 1410 ه) فقال: (الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الحزاز، أبو القاسم: صوفي من العلماء بالدين، مولده ومنشؤه ووفاته ببغداد، أصل ابيه من نهاوند، وكان يعرف بالقواريري ؛ وعرف الجنيد بالخزاز لأنه كان يعمل الخز.
قال أحد معاصریه: ما رأت عيناني مثله، الكَتَبة يحضرون مجلسه لألفاظه والشعراء لفصاحته والمتكلمون لمعانيه؛ وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد.
وقال ابن الأثير في وصفه: (إمام الدنيا في زمانه)(2).
وعدّه العلماء شیخ مذهب التصوف، لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصوناً من العقائد الذميمة، محمي الأساس من شبه الغلاة، سالماً من
ص: 52
كل ما يوجب اعتراض الشرع. من كلامه: (طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به).
له رسائل، منها ما كتبه إلى بعض اخوانه ومنها ما هو في التوحيد والألوهية، والغناء، و مسائل اخرى.
وله (دواء الأرواح) رسالة صغيرة ضمن مجموع في الأزهرية (الرقم 33590) ووقفت في الرباط على جزء يشتمل على نبذ من الوعظ من كلام أبي القاسم الجنيد، رأيته عند حماد بو عياد الموظف في الخزانة العامة بالرباط)(1).
وذكر له حاجي خليفة كتاب (المقصد إلى الله تعالى)(2).
وترجم له اسماعيل باشا البغدادي فقال: (البغدادي أبو القاسم القواريري الزاهد الحنفي مفتي الثقلين توفي سنة 297 ه، من تصانيفة معاني الهمم في الفتاوي، المقصد إلى الله في التصوف)(3).
ونقل عنه القشيري قائلاً: (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من
ص: 53
اقتفى أثر الرسول (صلى الله عليه و آله)(1).
ورواه عنه السلمي (المتوفي سنة 412 ه) بلفظ (واتبع سنته ولزم طريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه)(2).
وقد عده من الطبقة الثانية من طبقات الصوفية متصدراً هذه الطبقة وقد ترجم له قائلاً: (1- أبو القاسم الجنيد، منهم الجنيد أبو القاسم الخزاز، وكان أبوه يبيع الزجاج، فلذلك يقال له القواريري؛ اصله من نهاوند ومولده ومنشؤه بالعراق؛ كذلك سمعت أبا القاسم النصر أباذي يقول وكان فقيهاً، تفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته، وصحب السري القصطي، والحارث المحاسبي، ومحمد بن علي القصاب البغدادي، وغيرهم وهو من أئمة القوم وسادتهم، مقبول على جميع الألسنة)(3).
وبهذا يكون الجنيد البغدادي على المذهب الحنفي وكذا يتبعه مصنف معارج العلا فهو حنفي المذهب صوفي العقيدة.
أما الطرق الصوفية فقد أجمع أهل الطريقة بأن الجنيد البغدادي قد التقت
ص: 54
عنده الطريقة البكرية المنسوبة إلى أبي بكر ابن أبي قحافة، والطريقة العلوية المنسوبة إلى الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه).
ثم تفرعا منه إلى الخلوتية والنقشبندية واستمرت هاتان الطريقتان إلى زمن أحمد الرفاعي وعبد القادر الجيلاني واحمد البدوي وابراهيم الدسوقي الذين عرفوا بالأقطاب في المدرسة الصوفية واصبح لكل واحد منهم طريقة تعرف باسمه، وباتت هذه الطرق هي الرئيسية في المدرسة الوصفية ومن ثم تفرعت عنها طرق عديدة لكنها تعود في أصلها إلى هذه الطرق.
يعد الشيخ محمد صدر العالم من الشخصيات الاسلامية المعروفة في بلاد الهند لاسيما عاصمة البلاد التي تعرف اليوم ب (دلهي)، ومن اعلامها في القرن الثاني عشر للهجرة النبوية.
وقد ترجم له عبد الحي الحسني في نزهة الخواطر فقال: (هو الشيخ الفاضل صدر العالم بن فخر الاسلام بن أبي الرضاء محمد بن وجيه الدين العمري الدهلوي احد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين.
ولادته ونشأته:
ولد ونشأ في (دلهي) في الهند وقرأ العلم على من بها من العلماء واشتغل
ص: 55
بالأذكار والاشغال مدة من الزمان حتى نال العلم والعرفة.
مصنفاته:
له مصنفات عديدة منها (معارج العلا في مناقب المرتضى)(1).
وكان معاصراً لأبرز علماء الهند ومحدثها وهو الشيخ (شاه ولي الله الدهلوي) والذي سنعرض لترجمته لاحقاً، لا سيما وان له ابياتاً قرض بها (معارج العلا في مناقب المرتضی) حينما عرضها عليه محمد صدر العالم کما سیمر في الفقرة الآتية والتي سنتناول فيها الحديث عن مخطوطة معارج العلا في مناقب المرتضی.
ولم يتم تحديد السنة التي مات فيها إلا أن الذي يستفاد من خلال تصريحه في الصفحة (243) من المخطوط أنه فرغ من كتبه عام (1151 ه) ومن ثم فإن وفاته تكون بعد هذا التاريخ، ولكن لا يعلم كم من الوقت.
أما لماذا لقب بالدهلوي فذلك يعود إلى مسقط رأسه في مدينة (دهلي) (والتي سماها البريطانيون بعد احتلالهم للهند ب (دلهي) والتي كانت فيما مضى حاضرة اسلامية تضارع بعمرانها وازدهارها التجاري حواضر الشرق
ص: 56
الشهيرة مثل بغداد والقاهرة ودمشق)(1).
الف: منزلة مخطوط (معارج العلا لدى علماء الإمامية (زاد الله في شرفهم)
اكتسبت مخطوطة معارج العلا منزلة خاصة لدى العلماء والباحثين وذلك لما اكتنزته هذه المخطوطة من عدد كبير من الأحاديث النبوية وذلك بالنظر إلى مصنفات علم الحديث التي اختصت برواية الاحاديث الشريفة في حقل المناقبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والتي سار فيها الشيخ محمد صدر العالم على منهج بعض علماء المسلمين من أهل العامة کالحافظ النسائي في كتابه خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وغيرهم ممن صنف كتاباً مستقلاً في مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو منهج قلّت الكتابة فيه لدى علماء ابناء العامة؛ إذ اقتضت العادة أن يتبع الحفاظ والمصنفون من أبناء العامة والجماعة الاختصار في ذكر مناقبه (عليه السلام) في مصنفاتهم حول الحديث والسيرة وغيرها من الحقول
ص: 57
المعرفية كالرجال والتراجم والتفسير والتاريخ والفقه واللغة والأدب وغيرها.
وهم مع هذا الاختصار کانوا ايضاً إذا جاؤوا على ذكر علي بن أبي طالب (عليه السلام) أردفوه بذكر غيره إن لم يتم ترجيح غيره وتغليبه على ذكر علي (عليه السلام) حتى في مناقبه الفريدة والمنحصرة به والتي عجز غيره من الصحابة والناس اجمعين على الاتيان بواحدة منها، حتى تمنی عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وغيرهما من الصحابة أن يكون لهم واحدة منها فهي خير له من حمر النعم.
من هنا: ظهرت أهمية هذا المخطوط وذلك في جمعه اعداداً كبيرة من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن مناقبية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فکان بدون منازع أكثر المصنفات ذكراً للفضائل العلوية لدى علماء ابناء العامة قديماً وحديثاً لا سيما القرن الثاني عشر الذي شهد نشاطاً ملحوظاً للمدرسة السلفية في الهند.
فضلاً عن ذلك فقد أظهر المصنف موقفه العقدي من علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهذه ميزة أخرى جعلت هذا المخطوط موضع اهتمام العلماء لاسيما علماء الإمامية، وقد صرّح بذلك من اطلع منهم على (معارج العلا)، فكانت
ص: 58
اقوالهم كالآتي:
1- السيد میر حامد حسين النقوي اللكنهوي (المتوفي سنة 1306 ه عليه الرحمة والرضوان) وهو من اکابر علماء الإمامية في الهند وقد اتخذ من (معارج العلا) مصدراً من مصادر كتابه الموسوم ب (عبقات الأنوار في اثبات خلافة الأئمة الأطهار) والذي يعد من أنفس الكتب في العقيدة والحديث التي تناولت موضوع الإمامة.
والظاهر من عنوان الكتاب أنه جاء للرد على الحركة الوهابية ونشاطها في الهند وانتشار کتب إمام السلفية فيها الشيخ ولي الله الدهلوي لا سيما كتابه الموسوم ب (إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء).
وقد قام السيد النقوي (رحمه الله) بنقل مجموعة من الأحاديث من (معارج العلا) في كتابه عبقات الأنوار، منها ما جاء في حديث السفينة، فقال رحمه الله:
(75) رواية محمد صدر العالم:
روى حديث السفينة عن أبي ذر في كتابه (معارج العلا في مناقب المرتضی) تحت الآية الرابعة من الآيات النازلة في فضل أهل البيت عليهم السلام(1).
ص: 59
2- السيد نجم الدين الشريف العسكري (المتوفي سنة 1390 ه) في كتابه الموسوم ب (حديث الثقلين) والذي جمع فيه ما اورده علماء أهل العامة والجماعة من طرق وأسانيد عدة لحديث الثقلين وحديث السفينة، فكان من ضمن تلك المصادر (معارج العلا في مناقب المرتضی) وما ورد فيه من طرق لهذين الحديثين(1).
3- العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (المتوفي سنة 1392 ه) في كتابه الموسوم ب (الغدير) وقد أورده رحمه الله في مواضع عدة من الكتاب لما اشتمله کتاب معارج العلا من أحاديث كثيرة فكان أحد مصادر کتاب الغدير(2).
4- سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد هادي الميلاني (قدس سره) (المتوفي سنة 1395 ه) في كتابه الموسوم ب (قادتنا كيف نعرفهم) فقد جاء فيه قوله:
(معارج العلا في مناقب المرتضی۔ للشيخ محمد صدر العالم من أكابر علاء السنة في القرن الثاني عشر في الهند وكان متعصب في مذهبه، قال في مقدمة الكتاب:
ص: 60
(لأذكر مناقبه - المرتضی - (عليه السلام) - العليا وأقر أعين المحبين، ببيان فضائله الفضلي ومآثره السامية، لكي ادخل في زمرة المدّاحين له، والمثنين عليه، واحسب من شيعته المقربين لديه، ثم اني ما أردت بكلمة الشيعة الفرقة الرافضة الشنيعة ولكن قصدت بها الأمة العارفة المحقة فشرعت في تأليف مختصر، سمی ب (معارج العلا في مناقب المرتضى).
والكتاب - أي معارج العلا - من مصادر کتاب (عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمة الأطهار)، تألیف میر حامد حسين.
ولا يزال کتاب (معارج العلا في مناقب المرتضی) مخطوطاً وعندنا منه نسخة مصورة)(1).
5- المرجع الديني آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدس سره (المتوفي سنة 1411 ه) في كتابه الموسوم ب (شرح احقاق الحق) وقد اعتمده (عليه الرحمة والرضوان) في بيان طرق حدیث (الغدير، الموالاة)(2).
- السيد عبد العزيز الطباطبائي (رحمه الله) (المتوفي سنة 1416 ه) في كتابه
ص: 61
الموسوم ب (أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربية) وجاء فيه:
(معارج العلا في مناقب المرتضی، لمحمد صدر العالم المتصوف الهندي الدهلوي فرغ منه يوم الثلاثاء سابع ربيع الأول سنة 1146 ه)؛ ترجم له عبد الحي في كتابه نزهة الخاطر 6/ 113-115؛ وقال: الشيخ الفاضل صدر العالم بن فخر الإسلام أبو الرضا محمد بن وجيه الدين العمري الدهلوي... له مصنفات عديدة منها: معارج العلا في مناقب المرتضی... وقال الشيخ ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي في التعهيمات الإلهية: انه فضل علياً كرم الله وجهه على سائر الصحابة تفضيلاً كلياً، وقد ارسل الي بتلك الرسالة فقرضته بهذه الابيات....
ثم أورد في نزهة الخاطر، القصيدة بأكملها، وهي جيدة مشتملة على جملة من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ أوله (الحمد لله الذي هدانا برسوله الكريم، ووفقنا لمتابعة حبيبه العظيم، وأتم علينا نعمته ببيعته خلیله القديم)، نسخة في المكتبة الناصرية بالهند في (285) صفحة وعنها مصورة في مكتبة امير المؤمنين العامة في اصفهان)(1).
7- ومن المعاصرين السيد علي الميلاني في كتابه الموسوم (نفحات الازهار في
ص: 62
خلاصة عبقات الانوار) وقد ذكره في مواضع عديدة واستشهد به في مسائل كثيرة وذلك لما اكتنزه کتاب (معارج العلا في مناقب المرتضی) من احادیث نبوية مشفوعة بطرق متعددة، وقد أخرجها كثير من علماء جمهور المسلمين.
من هنا:
تتضح أهمية هذا المخطوط (معارج العلا في مناقب المرتضی) لدى العلماء والباحثين والمحققين والدارسين لا سيما في الحقل العقدي والحديثي.
باء- منهج المصنف في كتابة معارج العلا:
إن قراءة العنوان ومحتوى المخطوط يرشد إلى بعض الأمور، منها:
أولاً: اعتمد المصنف في اختيار هذا العنوان: (معارج العلا في مناقب المرتضی) على الانماط الفكرية التي اعتمدتها المدرسة الصوفية، فلفظ (المعارج) هو من المفردات التي تكشف عن روح هذه المدرسة والكاشفة ايضاً عن ارتكاز هذا الفكر على تهذيب الروح، و تجردها من العوالق؛ لغرض العروج بها والارتقاء إلى الرتب المرموقة، وهذا ما زخرت به ادبیات هذه المدرسة وانماطها الثقافية.
ثانياً: انه اعتمد في بداية كل معراج من معارج العلا الابتداء اولاً بالقرآن الكريم؛ فكان يورد اية من الذكر الحكيم، اختصت بعلي (عليه السلام) ثم يتبعها بالاحاديث النبوية الشريفة الخاصة بعنوان المنقبة، والفضيلة التي جاء بها الوحي
ص: 63
ومن ثم يكون قد قدم بهذا المنهج العلمي هذه المناقب مستنداً في ایرادها على القرآن والسنّة كي يقدم لكل مسلم منصف يرجو الآخرة ويخافها مادة علمية تأخذ بالأعناق إلى جادة الصواب.
ثالثاً: واعتمد المصنف أيضاً في بيان بعض المفاهيم المرتبطة بهذه المناقب على المدرسة الصوفية، وهذا بذاك يكون قد حافظ على هويته الفكرية، ومقدماً في الوقت نفسه هذه المادة الفكرية لمن اراد ان يتعرف على هذه المدرسة الاسلامية.
رابعاً: ولا يخفى على اهل المعرفة العلاقة الوشائجية بين المدرسة الصوفية والامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن ثم ليس من المستغرب تصريحهم بهذه العلاقة لا سيما وان نصف اهل هذه المدرسة هم من أهل الطريقة العلوية وإن اجتمعت مع الطريقة البكرية لدى الجنيد البغدادي.
ومن ثم فلا نبالغ إن قلنا: أن هذا المصنف يعد مفخرة المدرسة الصوفية في کاشفيته عن ارتباطها الروحي بأمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فضلاً عن افتخارها بهذا النتاج الفكري في حقل المناقبية وأثره في إرساء الهوية العقدية.
إن مما يتطلبه المنهج البحثي في التحقيق هو الوقوف على الدوافع التي دفعت
ص: 64
المصنف لكتابة كتابه؛ إذ يفيد ذلك في معرفة اهمية الكتاب وحقله المعرفي الذي تم الخوض فيه، فضلاً عن طبيعة العصر الذي شهده المصنف في كتابة المخطوط.
ومن ثم يقدم صورة عن حاجة المجتمع آنذاك إلى إظهار هذا العلم والحقل المعرفي الذي سلكه المصنف والذي - لا شك - يكون قد عالج فيه جملة من الظواهر الاجتماعية والمرتكزات العقدية لدى ابناء المجتمع مما يشكل عينة لمعالجة مثل هذه الظواهر التي ما عكفت تتجدد في كل زمان ومكان.
وعليه:
فلننظر إلى تلك الدوافع التي كانت وراء تصنيف الشيخ محمد صدر العالم لمعارج العلا في مناقب المرتضى:
1- ذكرنا سابقاً في هذه المقدمة التي افتتحنا بها عملنا في التحقيق ان الشيخ محمد صدر العالم قد افصح عن جملة من الدوافع في مقدمته التي سطر بها معارج العلا فكانت كالآتي:
أ- إقرار عين المحبين.
ب- الدخول في زمرة المادحين للإمام علي (عليه السلام) والمثنين عليه.
ت- الاحتساب بهذا العمل من شيعته المقربين لديه (عليه السلام).
ث- تعريف الناس بأن شيعة علي (عليه السلام) هم الفرقة الصوفية!!
ص: 65
والظاهر أن الدوافع كانت تنطلق من ظهور مشكلة عقدية في مدينة دهلي أو (دلهي) - کما سماها البريطانيون - وهي ظهور الفكر الوهابي وبدأ مرحلة نشره والدعوة إلى اعتماده کفکر عقدي بديل عن عقيدة أهل السنة والجماعة التي وإن كانت هي الاخرى تدعو إلى منابذة الشيعة إلا أنها لم تدعوا إلى قتلهم وإبادتهم کما يدعو أئمة الوهابية وشيخهم ابن تيمية شيخ التكفير لجميع مخالفي عقيدته ونهجه سواء كان المخالف اشعرياً أو معتزلياً أو رافضياً.
فضلاً عن ذلك، فإن أئمة أهل العامة التي تعرّف نفسها بأهل (السنة والجماعة) لم تجاهر بحربها لعلي وفاطمة والحسن والحسين وولده (صلوات الله عليهم اجمعین) وشيعتهم كما يجاهر ابن تيمية وشیعته، فقد تتبّع كل فضيلة ومنقبة لعلي وعترة النبي (صلى الله عليه وآله) فطعن فيها ونفث فيها شبهاته.
من هنا:
فإننا - ومن خلال قراءة عصر المصنف - نجد أن الدافع الحقيقي في كتابة معارج العلا، الذي أضمره الشيخ محمد صدر العالم في نفسه ولم يصرح به لساناً وإنما صرح به فعلاً وعملاً هو مواجهة هذا الفكر المتطرف الذي ظهر في بلاد الهند في القرن الثاني عشر للهجرة النبوية وعلى يد الشيخ (شاه ولي الله الدهلوي) (المتوفي عام 1176 ه).
ص: 66
فقد جاء في ترجمة شاه ولي الله الدهلوي: انه رحل إلى بلاد الحرمين في (عام 1143 ه) وحضر عند مجموعة من مشايخ الحديث وغيره، وتأثر بالشيخ محمد بن شهاب الدين الكردي المدني الشافعي وحضر عنده اکثر دروسه، ثم تأثر بكتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وبقي في مكة والمدينة حولين كاملين، ثم عزم بعدها على العودة إلى بلاد الهند فشد الرحال إلى دلهي عام (1145 ه) ليبدأ فيها بنشر دعوته السلفية والدفاع عن ابن تيمية(1).
وقد بدى ذلك جلياً في رده على رسالة وجهها إليه أحد تلاميذه الشيخ محمد معين التنوي السندي صاحب كتاب دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب، الذي يبدو أنه في الرد على منهج ابن تيمية فاحتاج إلى معرفة رأي شاه ولي الله الدهلوي فيه وكان استفسره في هذه الرسالة عن ابن تيمية وعما يثار عليه من الاعتراضات، فكان مما جاء في هذا الرد انه قال: (وأي شيء ينبغي أن يعتقد فيه فوجب الإنتحار بأمره وإن كنت بمعزل عن مثل ذلك، والذي أعتقده أنا وأحب أن يعتقده جميع المسلمين في علماء الإسلام حملة الكتاب والسنة والفقه والذابين عن عقيدة أهل السنة والحديث أنهم عدول...)(2).
ص: 67
وحينها شرع الشيخ محمد صدر العالم في تأليف معارج العلا، فقد كتب في الصفحة (242) انه انتهى من تأليفه في يوم الثلاثاء سابع ربيع الأول سنة الف ومائة وست واربعين (7/ ربيع الأول/ 1146 ه). ويظهر من خلال هذا القول أنه شرع في تأليف المعارج بعد رجوع شاه ولي الله الدهلوي في عام 1145 ه ومما يدل عليه:
1- إن الشيخ محمد صدر العالم بعد قيامه بكتابة (معارج العلا) قدمه إلى الشيخ شاه ولي الله الدهلوي وهي طريقة تنم عن حكمته في الرد على هذا الفكر الذي أسس على محاربة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشیعته، وكان ذلك في عام (1151 ه) کما يصرح بذلك صدر العالم في صفحة (243) من المخطوط.
2- إنّ الشيخ (شاه ولي الله الدهلوي) قد صرح عن ذلك فقال في التفهیمات الإلهية: (انه - أي الشيخ محمد صدر العالم - فضّل علياً كرم الله وجهه على سائر الصحابة فضلاً كلياً وقد ارسل إلى تلك الرسالة فقرضته بهذه الأبيات) وهذا يدل على انه اراد من كتابة المعارج الرد على الفكر السلفي.
3- ان الشيخ محمد صدر العالم قام بكتابة هذه الابيات في نهاية معارج العلا لينقل بذلك رسالة ضمنية من خلال هذا العمل إلى اتباع ابن تيمية في الهند: ان شيخكم الذي اخذتم عنه فکر ابن تيمية وعقيدته كان هذا رايه في علي
ص: 68
(عليه السلام) وفي كتاب معارج العلا فكان مطلع القصيدة انه قال:
رعاك الله يا صدر الموالي *** وطول الدهر كان لك البقاء
لقد أوتيت في الآباء فخرا *** وبالآباء يرتفع اعلاء..
4- تأثيره في شخصية شاه ولي الله الدهلوي من خلال أمرين الأول: إن الشيخ ولي الله الدهلوي كان (متأثرا بالصوفية شأنه في ذلك شأن كثير من أهل وقته وبلده)(1)؛ فضلاً عن ذلك (فقد أخذ عن ابيه اشغال الطريقة النقشبندية ولبس الخرقة الصوفية، وفي السابعة عشرة من عمره بایعه ابوه واستخلفه على مسنده، وأجازه بأخذ البيعة، قائلاً يده کیدي، ولم يلبث والده ان توفي في السنة نفسها)(2).
ولذا نجد أن المعارج قد احتوت على مفاهيم المدرسة الصوفية في مواضع عدة وتقديمها إلى القارئ بأنها هي الطائفة الحقة التي ارتقت إلى مرتبة شيعة علي ابن أبي طالب (عليه السلام).
والأمر الآخر إنه استطاع أن يستل منه اقراراً بفضل الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وذلك من خلال قرضه لمعارج العلا بأبيات يظهر فيها
ص: 69
الشيخ ولي الله الدهلوي مكانة معارج العلا العلمية، لا سيما وأنه معروف لدى علماء أهل السنة والجماعة في بلاد الهند ب (امام الحديث والسنة)، وأنه حكيم الأمة ومجدد الدين، وعلامة الهند وسید علمائها)(1).
فمن جملة ما جاء في هذه الأبيات التي سنوردها كاملة في الكتاب، أنه قال:
لقد كوشفت ما کوشفت حقا *** وفضل الله ليس له انتهاء
أتاك الثلج والإيقان لما *** رأيت الشق وانكشف اللواء
وإذ ناداك سيدنا علي *** بإكرام وعلم ما يشاء
تؤلف في مناقبه كتابا *** وعند الله في ذاك الجزاء
ومكثر مدحٍ مولانا علي *** مقل لا يرام له وفاء
فما من مشهد إلا وفيه *** له فخر كبير وازدهاء
وغيرها من الأبيات التي يظهر فيها الشيخ ولي الله الدهلوي منزلة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفضله في الإسلام، فضلاً عن إقراره له بالولاية كما جاء في صدر البيت الآتي
ومكثر مدح مولانا عليٍ *** مقل لا يرام له وفاء
ولا يخفى على اهل المعرفة والدراية بالفكر السلفي والتيمي أن مفردة (الولاية) هي مفردة يعاقب عليه أئمة الوهابية ويعدونها من موجبات الردة
ص: 70
والتكفير فلا وإن الولاية للمخلوقين تتقاطع مع مفهوم التوحيد الوهابي وإن نطق به القرآن والسنة كما في قوله تعالى:
«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
وغيرها من الآيات.
وقوله (صلى الله عليه وآله):
«من کنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعادي من عاداه»
ولذا:
نجد الشيخ ولي الله الدهلوي يختم أبياته بالثناء على الشيخين ويدعو مصنف معارج العلا إلى ذلك فيقول:
فأثبت ذاك للشيخين واختر *** من الأوصاف مدحا ما تشاء
وهو ما عرف عنه في دفاعه عن عقيدته الوهابية (فقد كان من ابرز الرادين على الرافضة المتسلطين في بلده، وألف في ذلك كتابيه:
1- قرة العينين في تفضيل الشيخين.
ص: 71
2- إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء.
وبقي الكتاب الثاني معتمد الناس هناك لتميزه)(1).
ومن ثم نجد أن الدافع المضمر في نفس محمد صدر العالم كان مواجهة فكر ابن تيمية الذي بدأ ينتشر على يد شاه ولي الله الدهلوي فبعث إليه بكتابه (معارج العلا في مناقب المرتضی) ولقرب ما بينهما من علاقة في الفكر الصوفي اثنی عليه في کتاب المعارج قبل ایراده للأبيات.
الف- احراز المحقق قبل التحقيق.
لقد اتبعنا منهجاً خاصاً في تحقيق مخطوطة (معارج العلا في مناقب المرتضی) حاولنا من خلاله توجيه رسالة إلى المشتغلين بعلم التحقيق زاد الله في توفيقاتهم، مفادها:
إن التحقيق اليوم بحاجة إلى ادخال مجالات معرفية عدّة تكون مكملة لموضوع المخطوط وتحرز عنوان التحقيق الأعم الذي يأخذ على عاتقه تحرير المعلومة من القيود التي يفرضها المصنف أو عصره أو مشربه العقدي أو الفقهي أو التاريخي أو الرجالي وغيرها من المجالات المعرفية والعلوم الإسلامية ليكون بذاك ثمرة
ص: 72
علمية ومعرفية تسخر لخدمة شريحة أعظم من طلاب العلم والبحث والدراسة.
ولا شك أن هذا المنهج الذي اتبعناه في تحقيق (معارج العلا في مناقب المرتضى) له من الايجابيات التي مر ذكرها وعليه من السلبيات التي منها:
1. الخروج عن النمطية المعتمدة في التحقيق المحصورة في ارجاع نسبة المصنف إلى مصنفه.
2. اثقال الهامش بتعليقات وايضاحات تبعد الباحث عن تتبع الاحالات التحقيقية في تقابل النسخ الخطية التي يراد منها اثبات النسبة إلى المصنف.
3. الاطالة في العمل وتضاعف الجهد على المحقق لاسيما اذا كان هناك نسخ متعددة للمخطوط.
4. ارتفاع نسبة الأجور ومتطلبات الطباعة وغيرها.
إلا أن هذه السلبيات لا تقارن بعدد الايجابيات والثمار التي يحققها المنهج الذي اتبعناه وندعو إليه والذي يمكن اجماله ب (احراز المحقق قبل التحقيق) وتحصيله الكثير من العلوم الإسلامية وتمكنه منها بالقدر الذي يعينه على اكتساب صفة المحقق العلمي.
باء- إن من اسباب النجاح إحراز التوفيق قبل احراز العمل.
لم نكن منذ أن تشرفنا بخدمة العمل في الحرم المطهر لسيد الشهداء الإمام أبي
ص: 73
عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قد خضنا غمار التحقيق الخطي - وإن كنا - قد اتبعنا منهج التحقيق والتحليل للنصوص الشريفة والروايات التاريخية وغيرها فلله الحمد وله المنّة، إلا أننا منذ أن تشرفنا بخدمة مولی الموحدین ونفس الهادي الأمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في تأسيس وإدارة مؤسسة علوم نهج البلاغة، والعمل على جمع التراث الخطي لما يتعلق بشخص أمير المؤمنين (عليه السلام) سواء ما كان منه قد ارتبط بكتاب نهج البلاغة أو بفكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسيرته بنحو عام.
فكان مما أهدي إلى مؤسسة علوم نهج البلاغة مجموعة من النسخ المصورة لعدد من المخطوطات، وحين الإطلاع على عنواناتها ومواصفاتها وقع ناظري على مخطوطة (معارج العلا في مناقب المرتضى) فقمت بتصفحها والنظر في احاديثها العديدة التي أوردها المصنف فوقع في خاطري أن اشرع في تحقيقها وقد احاطت بي حينها رغبة شديدة في ذلك دون معرفة الأسباب وراء هذه الرغبة.
ثم وجدت أن المخطوط فيه آراء واتجاهات عقدية اكتنزتها هذه الاحادیث، فضلاً عن بيان المصنف لآراء المدرسة الصوفية فيما يتعلق بالخصائص العلوية والمناقب المرتضوية.
فأدركت أن العمل سيكون شاقاً ووجدت نفسي أمام خيارين: إما العمل
ص: 74
ضمن منهج التحقيق العلمي ومتطلباته في توثيق الأحاديث والتعليق عليها والنظر في بعض أسانيدها؛ أو اعتماد منهج التغافل وحصر الأمر في اثبات النسبة إلى المصنف والعمل بمهنية على مقتضيات اللفظ ومقابلته، والنص وتقطيعه، والهامش و معقوفاته.
فضلاً عن ذلك، فقد كنت مشغولاً بأحد البحوث في كتاب نهج البلاغة وعلومه الجمة ضمن مجال معرفي مخصص في علم نفس النمو وتفرعاته وكنت قد قطعت منه شطراً.
فاحترت بين أمرين، بين المضي في بحثي أو الانصراف إلى تحقيق (معارج العلا في مناقب المرتضی) فالتجئت حينها إلى الاستعانة بكتاب الله تعالى وذهبت إلى الروضة الحسينية المقدسة واستخرت الله عز وجل على نية ترك تحقيق (معارج العلا) والمضي في اكمال بحثي في كتاب نهج البلاغة، فكانت النتيجة هي قوله تعالى:
«بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(1).
فاقشعر بدني وأيقنت قاطعاً أن العمل على مخطوط (معارج العلا في مناقب المرتضی) مقّدَمٌ على كل عمل، فتوكلت على الله وشرعت فيه في شهر رمضان لعام 1436 ه - 2015 م واستغرق العمل على المخطوط عاماً كاملاً، فلقد
ص: 75
انتهيت من مراجعته النهائية في شهر رمضان لعام 1437 ه - 2016 م فلله الحمد على ما أنعم وله الشكر بما ألهم.
جيم- الصعوبات التي واجهتنا في العمل.
لقد واجهتنا مجموعة من الصعوبات في هذا العمل، وهو أمر لا يفلت منه باحث أو محقق، إلا من سبق له اليسر من الله تعالى. فكان منها:
أولا: تعذر الحصول على النسخة الثانية، وهي من مقتنيات الخزانة الرضوية بمشهد وبخط التعليق واعتذارهم عن تقديم نسخة مصورة عنها والاكتفاء بالاطلاع عليها فقط - مع علمنا - بوجود بعض المصورات هذه النسخة وهي كالآتي:
1- نسخة في مكتبة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) التخصصية في مدينة مشهد المقدسة، وقد زرنا هذه المكتبة الموقرة مرتين ولم نوفق في الحصول على نسخة مصورة عنها، فسبحان مقدر الارزاق.
2- نسخة في مكتبة آية الله العظمى المرحوم السيد هادي الميلاني (قدس سره) وقد سافرت إلى مشهد المقدسة وزرت بيت سماحته هناك ودخلت إلى مكتبته برفقة حفيده السيد حسين الميلاني (دام توفيقه) إلا أنني لم ارزق نسخة مصورة عنها فلله الأمر من قبل ومن بعد.
ص: 76
وهذه النسخة قد كشف عن وجودها سماحته (قدس سره) في كتاب (قادتنا كيف نعرفهم) وقد مرت الاشارة إلى ذلك انفاً في المقدمة، والظاهر أنها عن النسخة التي في الخزانة الرضوية، إذ يبدو أن هذه النسخة هي النسخة اليتيمة في عموم إيران کما اخبرني بذلك بعض أهل الاختصاص بالتراث الخطي.
ثانيا: اعتماد المصنف الشيخ محمد صدر العالم على عدد كبير من المصادر التي تناولت رواية الحديث الشريف، وعند الرجوع إلى هذه المصادر وجدنا الاختلاف بينها في إيراد ألفاظ الأحاديث، ومن ثم تعذر الاشارة إلى هذه الاختلافات الكثرتها، فضلاً عن إرباك القارئ بها.
ثالثا: تعذر الوصول إلى بعض المصادر التي أوردها المصنف مما استلزم وقتاً ليس بالقليل في البحث عن الحديث في بقية المصادر الاخرى.
رابعاً: إيراد المصنف بعض المصطلحات التي يتداولها المتصوفة مما شكل عائقاً في بسط بیانها للافتقار إلى المصادر التي تعيننا على هذه الإحالات والبيان لهذه المصطلحات.
دال- توثيق النصوص الشريفة:
إن الحقل المعرفي الذي شغله مخطوط (معارج العلا في مناقب المرتضی) استلزم توثيقاً لهذه النصوص المناقبية التي أوردها المصنف، فكان عملنا في ذلك، مايلي:
1- إرجاع هذه النصوص إلى مصادرها بحسب التسلسل الذي أورده
ص: 77
المصنف دون التدخل في الأقدم منها، وإنّما اتبعنا طريقته في ايراد هذه المصادر.
2- إرجاع بعض هذه النصوص إلى مضانها الأصلية وتقديم الأقدم منها.
3- قمنا بإرجاع هذه النصوص النبوية الشريفة إلى مواضع جديدة من المصادر الاسلامية لنشارك في ذلك المصنف أجره وتتّبعه لهذه المصادر؛ فضلاً عن إكساب هذه الأحاديث المتانة والمكانة العلمية لها ليتسنی الاعتماد عليها في موارد إيرادها لدى الباحثين والمحققين والقراء.
4- لم نقم بإحالة هذه الأحاديث إلى المنابع والمصادر التي اكتنزتها المدرسة الإمامية على كثرة التصنيف فيها؛ وذلك اتماماً للحجة وإلزاماً لمن خالف مدرسة العترة النبوية المطهرة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
هاء- التعليق على الأحاديث والآراء العقدية التي أوردها المصنف:
إن من بين أهم السمات التي اتسم بها مخطوط معارج العلا هو الحقل العقدي الذي تفرع إلى:
أ- المناقبية في الإسلام.
ب- التأسيس للمذهبية ضمن (التسنن والترفض والتشيع والتصوف).
ت- الفكر الصوفي.
ص: 78
وهذا ما استلزم التعليق في موارد عديدة مما اشتملت عليه معارج العلا، فكانت كالآتي:
1- اشراك بعض الرموز في مناقبية الإمام علي (عليه السلام).
إنّ مما تميزت به مخطوطة (معارج العلا في مناقب المرتضى) إن مصنفها الشيخ محمد صدر العالم قد جمع فيها من الاحاديث التي احتوت على اسماء ورموز إسلامية أخرى كالشيخين أبي بكر وعمر، فأقحمها في مناقب علي عليه الصلاة والسلام أو مع الخلفاء الثلاثة، أو مع بقية الصحابة ؛ ومن ثم استلزم البحث في أسانيد هذه الأحاديث فضلاً عن التعليق عليها.
2- التهجم على الرافضة وذمهم.
إيراده لكثير من الأحاديث في التهجم على الرافضة مما استلزم بحثاً رجالياً لهذه الأسانيد فاتضح أن جميع ما أورده المصنف في الرافضة هو موضوع ومكذوب به على رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم.
3- إقحامه للشبهات العقدية في الكتاب.
إن من المسائل التي احتاجت إلى التعليق هو إيراد المصنف لأفكار تدعو إلى الكراهية المذهبية والشبهات العقدية، ولذا: فقد لزم التعليق عليها وردّها، وإن تطلب ذلك أن تشغل حيزاً من الهامش.
ص: 79
4- الترويج للفكر الصوفي في الكتاب.
استلزم التعليق كذلك على الأفكار الصوفية التي اقحمها المصنف في مناقبية الإمام علي (عليه السلام) وردّها بشواهد صحيحة رويت عن العترة النبوية عليهم السلام في بيان هذه الخصائص والفضائل العلوية.
ياء- صفة المخطوط الذي بين ايدينا:
إن من الألطاف الإلهية التي نحمد الله عليها، أن النسخة التي عملنا عليها هي نسخة مصورة عن النسخة الأم التي خطها المصنف بیده، مما كفانا مؤنة التقابل مع غيرها من النسخ، وهي تحمل من الصفات الآتية:
1- تتكون المخطوطة من (245) صفحة وتحتوي كل صفحة على (15) سطر، ويتضمن كل سطر (8 - 10) کلمة فيكون معدل كلمات الصفحة الواحدة (120-150) مما يعطي تصوراً مقارباً للواقع الحقيقي لحجم المخطوطة وقياسها.
2- نوع الخط هو النسخ وقد ظهرت الكلمات منسقة وواضحة و جميلة.
3- حملت الصفحة الأولى وقفية الكتاب والتي ابتدأها الواقف بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
الحمد لله الواقف على الضمایر والنبات والعاطف على العباد بترغیب الوقوف
ص: 80
والصدقات والصلاة والسلام على أشرف من وقف موقف القربات، محمد (صلى الله عليه وآله) الواقف من لدن ربه على ما غبر وعلى ما هو آت وآله الطيبين الطاهرين الطالعين في أفق الحق والثبات).
ثم يمضي باللغة الفارسية وقفية الكتاب مؤرخاً ذلك في رجب سنة 1436 ه.
4- وحملت الصفحة الثانية مقدمة المصنف التي ابتدأها بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا برسوله الكريم، ووفقنا لمتابعة حبيبه العظيم، وأتم علينا نعمته ببعث خلیله القديم، وجعله حريصاً علينا فهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، واختار له وصياً من أهل بيته متأسي به في خلقه العظيم ...الخ)
5- أما الصفحة الاخيرة فقد خصصها المصنف لتقريض الشيخ شاه ولي الله الدهلوي وقد ابتدأها بقوله:
رعاك الله يا صدر الموالي *** وطول الدهرِ كان لك البقاء
6- جاء في الصفحة (242) والصفحة (243) ما يدل على انها (النسخة الأم) التي نسخها المصنف بيده، فقال:
(هذا اخر ما اردت ذكره في ذلك الكتاب والحمد لله الكريم الوهاب على ما أنعم الفراغ من تأليف هذا المختصر يوم الثلاثاء سابع ربيع الأول سنة الف ومائة
ص: 81
وست واربعين...).
وقال في صفحة 243: (وقع الفراغ من كتبه يوم بنجشنبه، عشر، شهر جماد الأول، سنة الف ومائة وخمسون وواحد) أي: في يوم الخميس، العاشر من شهر جماد الأول، لسنة 1151 للهجرة النبوية، وهذا يدل على أنه استغرق في كتابته خمس سنوات كما هو صريح في قوله (ووقع الفراغ من كتبه).
1- ويكفي في ذاك تصريحه في عرض هذه النسخة التي كتبها بيده على الشيخ (شاه ولي الله الدهلوي) کما مرّ آنفاً، فيقول في الصفحة (244):
(لما طالع العالم الرباني والعارف السبحاني وارث رسول الله الشيخ ولي الله کتاب معارج العلا وانشد أبياتا وأرسل إليّ وهي هذه...). ثم يورد الأبيات.
فضلاً عن ذلك فقد خصص الشيخ محمد صدر العالم مساحة من الصفحة الاخيرة كي يورد فيها الأبيات، وجاءت بنوع الخط نفسه الذي كتب فيه معارج العلا في مناقب المرتضى، وهو النسخ كما هو واضح في الصورة التي سنوردها لاحقاً مما يقطع بأنها النسخة الأم.
ونسأل الله بفضله وفضل رسوله الكريم أن يتقبله منا ويزيدنا من فضله وينفعنا به في آخرتنا ويخلف علينا وعلى والدينا وذريتنا إنه أكرم الاكرمين.
ص: 82
«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(1).
وآخر دعوانا: «أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2).
وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين حجة الله على الخلق أجمعين.
السيد نبيل بن السيد قدور بن السيد حسن الحسني الكربلائي
الأول من شهر رمضان المبارك / سنة 1437 ه ص: 83
نماذج مصورة من المخطوطة المعتمدة في التحقيق
الصورة الأولى من مخطوطة معارج العلا المعتمدة في التحقيق
ص: 84
الصورة الثانية من مخطوطة معارج العلا المعتمدة في التحقيق
ص: 85
الصورة قبل الأخيرة من مخطوطة معارج العلا المعتمدة في التحقيق
ص: 86
الصورة الأخيرة من مخطوطة معارج العلا المعتمدة في التحقيق
ص: 87
ص: 88
الحمد لله الذي هدانا برسوله الكريم، ووفقنا بمتابعة حبيبه العظيم، وأتم علينا نعمته، ببعث خليله القديم، وجعله حريصاً علينا؛ فهو بالمؤمنين رؤف رحیم، واختار له وصيّاً من أهل بيته، متأسّیاً به في خُلُقهِ العظيم الذي كان عينه في حضرت العِلمِ تِلوَ عينه القديم، فصارا بالمَدِینَةِ العالم، ومهطباً للحكم من لدن حکیم علیم، وجعله الله هادياً لكل قوم إلى المنهج القويم صلى الله وسلم عليهما وعلى آلهما برحمته الخصيص والعميم.
وبعد:
فيقول أفقر العباد إلى الله ذي الكرم، محمد صدر العالم:
ص: 89
لَما أنعم الحق عليّ إني رأيت في مبشرة(1)، كأني دخلت في حجرة فيها سرير موضوع، جالسٌ عليه أمير المؤمنين، ويعسوب(2) الموحّدين، ومقتدى العَارفين، أبو الحسن علي ابن أبي طالب كرم الله وجه(3)، فَحيّاني، وطلبني، وأدناني، وأجلَسَني على سريره تلطفاً منه، وتعطفاً منه وتعطفاً(4)، وقالَ لي: تريد أن تتعلم منّي؛ فقلت: یا فَضلاً، وسعادةً لي ان فزت بذلكَ المقصَد الجليل؛ فقال كرم الله وجهَه: علمتك بلا تَعليم، وتَعَلُّمٍ، وجعلتُكَ بحراً، وسأجعلك جعلك(5) بحراً؛ ففرحت بانعامه،
ص: 90
وإحسانه، وسررت بإكرامه، وامتنانه، ووجدت العلوم حاضرة لديّ، والحقایق طالعةً عليّ، والحمد لله رب العالمين، ورأيت في أخرى، كأني دخلت داراً فيها جالس جنابه المعظم کرم الله وجهَه؛ فقلت للحاضرين: بایعوا معه، وإن لم تفعَلوا؛ فالقرآن يذهبَ من أيديكم، وتوجهت إليه؛ لأبايع معَه؛ فَمدَّ إلىّ يده الكريم؛ فأخذتُها، وتمسكت، واعتصمت، وبايعت معَه کما یبایع مع الشيوخ فأرشدني، وأخذ مني المواثيق الجَليلَةَ؛ فصرت تلميذاً له، ومريداً؛ فبعثني حب التلميذ لأستاذه، والمريد(1) لشيخه، بل العبد لمولاه، والعاشق لعشيقه، أن أمدحه؛ وأذكر مناقبه العليا، وأقر أعين المحبين، ببيان فضائله الفضلى، ومآثرهُ السميَا، لكي أدخل في زمرة المدّاحين له، وَالمثنين عليه، وأُحسَب في شيعتِهِ المقربين لديه، ثم إني ما أردت بكلمة الشيعة الفرقة الرافضة(2) الشنيعَة(3)، ولكني قصدت بها الأمة العارفة المحققة الصوفية، التي هي شيعته على الحقيقة(4)؛ فشرعت في تأليف
ص: 91
مختصر مسمی بمعارج العلا في مناقب المرتضىَ؛ أورد فيه ما أطعت عليه من الآيات والذكر الحكيم في فضايل الوصي العليم، وسنن النبي الكريم، في مدایح الحبيب الفخيم(1) واشهدوا معشر المحققين أنّي متأسّي في العقائد والمشاربِ، اللصوفية العلية، أعتقد ما يعتقدون، وأشرب من كأسٍ هُم منه يشربُونَ، ومؤمن بفَضَایل الصَحابة رضوان الله عليهم، ومصدّق لما أعطاهم الله ورسوله من
ص: 92
المنازل، والمقامات عنده، لا أقدح في أحد، ولا أنكر فضيلة واحد منهم(1)، وأفوض أمر منازعتهم، و مجادلتهم فيما بينهم إلى الله تعالى، ولا أذكر أحداً منهم(2)، إلا بخير، وأتيقن أني لو أنفقت كل يوم، مثل أحُد ذهباً، ما بلغتُ مُدّ أحدهم، ولا
ص: 93
نصيفه(1)، وأقول: اللهم إلي محبّ لكَ، ولرسُولكَ، ولأهل بيته، ولمن أحَبَّك، ورسولَكَ، وأهل بيته، وأبغض من أبغضك، ورسُولكَ، وأهل بيته؛ فبحبك أحببت من أحببت، وفيك أبغضت من أبغضت، ولكن لما كان هذا الكتاب
ص: 94
موضوعاً لفضايل الوصيّ(1) المرتضی جردت فيها مناقبه القصوى، وأفردت بالذكر مناصبه العليا، إلا الأحاديث التي وردت فيه كرم الله وجهه مع غيره، فأوردتُها؛ ليكون الكتاب حاوياً لجميع ما في الباب، والله الملهم للصواب، وإليه المتاب، والمآب(2).
ص: 95
ص: 96
المقدمة في ذكر نسبه وإسلامه وهجرته وغيرها (رضي الله عنه)
ص: 97
ص: 98
وأمه فاطمة بنت أسد ابن هَاشم ابن عبد مناف الهاشميّة، وهي أولى هاشميّة ولدت هَاشمياً في الكعبَة المشرفة(1)، أسلمت، وهَاجرت، وتوفيت في حيوة(2) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصَلى علَيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونَزل في قبرهَا کَما أخرج الحَاكم(3) في المستدرك عن علي قال:
لَما ماتت فاطمة بنت أسد بن هَاشم كفّنها رسُولَ اللهَ صلى اللهَ عليه وَسلم في قميصه وصلّى علَيها، فكبّر علَيها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرهَا، فجعل يُومي في نواحي القبر كأنه يوسعه، ويسوى عليهَا، وخرَج من قبرهَا، وعيناه تذرفان(4)، وحَثَا(5) في قبرهَا؛ فلما ذهبَ، قال عمر ابن الخطاب: یَا رسول الله رأيتك فعَلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعَله على أحد؛ فقَال:
ص: 100
«یا عمر هذه المرأة كانت أمي، بعد أمي التي ولدتني، إنَّ أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون المَائدة تجمعنَا على طعَامه؛ فكانت المرأة تفضل منه كل نصيبنَا فأعود فيه، وأن جبرئيل أخبرني عن رَبي: أنّهَا من أهل الجنة، وأخبرني جبرئیل: ان الله تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلون عليهَا»(1).
وكنّاه كرّم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أبا تراب(2)، وكانت
ص: 101
أحبَّ ما ينادی به أليه(1)؛ وهو صهره صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة سيدة نساء العَالمين(2) رضي الله عَنهَا، وأبو السبطين(3) رضي اللهَ عنهمَا وأوَل هاشمي ولد بين هاشميين، وَأول خليفَة من بني هَاشم، وكفى له بذلكَ شرفاً لأنّ بني هَاشم هم المختَارون عند الله، من المختارين من المختارين من المختارين(4).
كما أخرج الحكيم الترمذي، عن جعفر بن محمد(5)، عن أبيه معضلاً(6)، قال:
ص: 102
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَم: «أتاني جبرئيل، فقالَ یا محمد: إنّ الله تَعالى بعثني؛ فطفت شرق الأرض وَغَربَها، وسهلَها وجبلَها، فلم أجد حَيّاً خيراً من العرب، ثم أمرني فطفت في العرَب، فلم أجد حَياً خيراً من مضر، ثم أمرني فطفت في مضر، فلم أجد حَيّاً خيراً من كنانة، ثم أمرني فطفت في كنانة، فلم أجد حَيّاً خيراً من قريش، ثم أمرني فطفت في قريش، فلم أجد حَيّاً خيراً من بني هَاشم، ثم أمرني أختار في أنفسهم فلم أجد فيها نفساً خيراً من نفسكَ»(1).
وأخرج الحَاكمَ(2)، وصححه عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«إنَّ الله تعالى اختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، ومن مضر قریشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى
ص: 103
خیار، فمن أحب العرَب؛ فبحبي أحبَهم، ومن أبغض العربَ؛ فببغضي أبغضهم»(1).
وأخرج الحاكم في الكني، وابن عساکر، وصحح عن عَائشة، قالت: قال رسُول الله صلى الله عليه - وآله(2) - وسلم:
«قال لي جبرئيلَ: قلبت مشارق الارض ومغاربَها؛ فلم أجد رجلاً أفضل من محمد، وَقلبت مشارق الأرضَ ومغَاربَها؛ فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم»(3) أنتهى.
ص: 104
عليه - وآله - وسلم يوم الإثنين، وَأسلمت يوم الثلاثاء(1).
واخرج ابن سعد(2)، عن الحَسن بن زید بن الحَسن، قال: لم يعبد الأوثان قط لصغره، أي: ومن ثم يقال فيه: كرم الله وجَهه(3)، وقال ابن كثير: الظاهر إنَّ أهل بيته صلى الله عليه - وآله - وسَلم آمنوا قبل كل أحدٍ(4)، كذا في الصَواعق المحرقة(5).
وأما الأحاديث الواردة في كونه رضي الله عنه أول إسلاماً؛ فما أخرج الطبراني(6) عن فاطمة الزَهراء، أن النبي صَلى الله عليه - وآله - وسلم قال لَها:
«أمَا ترضين أن زوّجتك أوَل المسلمين أسلاماً، وأعلمهم علماً، فإنكِ سيدة
ص: 106
نسَاء أمتي کما سَادت مريم نسَاء قومَها»(1).
وأخرج أحمد(2)، وَالطبراني عن معقل ابن يَسار قال، قال: رسُول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم لفَاطمة رضي الله عَنها:
«أمَا ترضين اني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علمَا، وأعظَمهم حلما»(3).
وأخرج الخطيبُ في المتفقَ والمفترق عن بريدة(4)، قال، قالَ رسولَ الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:
«زوجتكِ خير أهلي، أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأولهم سلماً»، قاله
ص: 107
لفَاطمة(1).
واخرج الحَاكم(2)، والخطيب(3) عن سلمَان الفارسي، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:
«أول وارد على الحوض، أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب»(4).
وأخرج الحَافظ أبو نعيم(5)، في الخلية، وأبو يعلى الموصلي عن مَعاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه - واله - وسلم:
«يا علي: أخصمكَ بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصَم الناس بسبع، ولا يحاجكَ
ص: 108
فيه أحد من قریش، أنتَ أوَّلهم أيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسَوية، وأعدهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية»(1).
وأخرج أبو نعيم(2) عن أبي سعيد الخدري، قالَ: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسَلم:
«يَا علي سبع خصَال لا يحاجَك فيهِنَّ أحد يوم القيامة: أنت أول المؤمنين بالله أيمَاناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعيَة، واقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة»(3))(4).
ص: 109
وأخرج (الحسن ابن زيد فيمَا رواه الخلفا، والحَاكم في الكني، وَالشيرازي في الألقاب، وابن النجار(1)، عن ابن عَباس، قال: قَال عمر ابن الخطاب: كفوا عن ذکر علي ابن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم في على ثلاثَ خصَال؛ لأن يكون لي وَاحدة منهن أحب إليّ مما طلعَت عليه الشمس، كنت أنا، وأبو بَكر، وأبو عبيدَة بن الجَراح، ونفر من أصحَاب رسُول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم والنبي صلى الله عليه - وآله - وسلم متكيء على عليّ بن أبي طالبَ حتى ضربَ بيَده على منكبه، ثم قال:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسَى، وكذبَ علىّ من زعم إنه يحبني
ص: 110
ويبغضك»؛ ثم قال: «أنّت يا علي أوّل المؤمنين أيانماً، وأولهم إسلاماً»(1).
وأخرج الحَاكم في تاريخه(2)، والديلمي(3) عن ابن عبَاس، قال، قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:
«أوَّل من صَّلیَّ معي عليّ»(4).
وأخرج أبو داود الطَيالسي، وابن أبي شيبَة(5)، وأحمَد(6)، وأبن سَعد، عن علي قال:
«أنا أوَل رجل صلّى مع النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم»(7).
ص: 111
وأخرج الحَاكم(1)، وابن مردوية(2)، عن حبة ابن جرير، قال، قالَ علي:
«عبدت الله مع رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم سبع سنين، قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة»(3).
وَأخرج الطبراني في المعجم الأوسَط عن حبة إن علياً قال:
«اللهم إنكَ تعلم إنه لم يَعبدك أحد، من هذه الأمة قبلي، ولقد عبدتكَ قبل أن يعبدكَ أحد من هذِه الأمة ست سنينَ»(4).
وأخرج ابن مردویه(5)، عن علي قال:
ص: 112
«أنا أوّل من أسلم وأوَّل من صَلّى مَع رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم»(1).
كذا في جمع الجوامع(2) للسيوطي رحمة الله عليه، وهو كرم الله وجهَه، حجة العلماء الربّانيين، وإمَام الشجعانَ المشهورين، ومقتدى الزهَاد، والخطباء المعروفين، جمع القرآن، وَعرضه على رسُول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم(3)، وعرضه عليه أبو الأسوَد الدولي، وَأبو عبد الرحمن السَلمي، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى.
وَلما هَاجر النبيَ صلى الله عليه - وآله - وسلم إلى المَدينة، أمره أن يقيم بعده بمكة أياماً حتى يوَّدي عنه امانتهُ والوَدايع والوصايا التي كانت عندَ النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، ثم يلحقه بأهله؛ ففعَل ذلك(4)، وشهد مع النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم سَائر المشاهد إلاّ تبوك، فإنه صلى الله عليه - وآله - وسلم استخلفه على المدينة، فقَال له حينئذ:
ص: 113
«أنت مني بمنزلة هَارون من موسَى».
وله في جميع المشاهد الآثار المشهورة، وأصَابته يوم أحُد ست عشر ضربة، وأعطاه صَلى الله عليه - وآله - وسلم اللواء في مواطن كثيرة، سَيما يوم خيبر، وأخبر صَلى الله عليه - وآله - وسلم أن الفتح يكون على يَده، كما في الصحيحين، وَحمل يومئذ باب حصنَها على ظهره حتى صَعد المسلمون عليه؛ ففتحُوها، وأنهم جَرُّوه بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً، وفي روَاية أنه تترس ببَاب عند الحصن عن نفسه؛ فلم يزل في يده وَهو يقاتل حتى فتح عليه ثم ألقاه فأراد ثمانية أن يقلبوه فما أستطاعوا كذا في الصَواعق(1).
ص: 114
ص: 115
ص: 116
قالَ الله تَعالى حکَاية عن نبيّه موسى (عليه وعلى نبيّنا السلام) قال:
«قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» إلى قوله «إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا»؛ ذكر الشيخ جلال الدين السيوطي(1) رحمه الله في الدر المنثور: أخرج السّلفي في الطُيوريات(2) عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: لَما نزلت «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي»، کان رسُول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم على جبل، ثم دَعا ربه، وقال: «اللهم أشدد أزري بأخي علي»
ص: 117
فأجابه إلى ذلك(1).
وأخرج ابن مردويةِ(2)، والخطيب، وابن عَساكر عن أسمَاء بنت عمیس، قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بإزاءِ ثبير(3)، وهو يقول:
«اشرق ثبير، اشرق ثبير، اللّهم إني أسألكَ بما سَالك أخي موسى، أن تشرح لي صدري، وأن تيسّر لي أمري، وَأن تحل عقدة من لسَاني يفقه قولي، وأجعل لي وزيرا من أهلي، علياً أخي أشدد به أزري(4) وأشركه في أمري، كي نسبحكَ كثيراً، ونذكركَ كثيرا، انك كنت بنا بصيراً»(5).
وأخرج الشيخان(6) عن سعد بن أبي وَقاص، وأحمد(7)، والبزاز(8) عن أبي سعيد
ص: 118
الخدري، والطبراني(1) عن أسمَاء بنت عمیس، وأم سَلمة، وحبش بن جنادة، وابن عمر وابن عبَاس، وجَابر ابن سمره، وعلي، والبراء بن عَازب، وزيد ابن ارقم أنَّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) خلف عليّ بن أبي طالبَ في غزوة تبوكَ؛ فقال:
«یا رسُول الله تخلفني، والصّبيَان؟».
فقال: «أمَا ترضى أن تكون مني بمنزلة هَارون من موسَى، غير أنه لا نبي بعدي»(2).
وَهذا الحديث متواتر عند السيُوطي (رحمه الله).
ص: 119
وأخرج الطبراني في المعجم الأوسَط(1)، وابن عسَاكر(2)، والخطيبُ(3)، في المتفق وَالمفترق، عن جَابر قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«مكتوبٌ على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسُول الله، علي أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات، والأرض بألفي عَام»(4).
واخرج الرافعي عن علي (عليه السلام)، قال: «قال رسُول الله (صلى الله عليه - وَآله - وسلم): «إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش يا محمد: نعم الأب أبو ابراهيم، ونعم الأخ أخوك علي»(5).
وأخرج الترمذي(6) عن ابن عمر، قال: آخى النبي (صلى الله عليه - وآله -
ص: 120
وسلم) بين أصحابه؛ فجائه عليٌّ تدمع عينَاه؛ فقَالَ: «یَا رسول الله آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني، وبين أحد»؛ فقال (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«أنت أخي في الدنيا، والآخرة»(1).
وأخرج الطبراني عن ابن عمر، قال: قالَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«علي أخي في الدنيَا والآخرة»(2).
وأخرج الخلعي في الخلعيَات(3) عن عليّ قال:
«آخی رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم بين عمر وأبي بكر، وبين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وبين عبد الله بن مسعود وَالزبير بن العَوام،
ص: 121
وبين عبد الرحمن، وَسعد بن مَالك، وبيني وبين نفسه»(1).
وَأخرج ابن عدي عن عمر بن عبد الله بن يَعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده، قال: قَال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعَلي:
«إنما تركتكَ لنفسي، أنت أخي، وَأنا أخوكَ، فإن حَاجك أحدَ؛ فقل أنا عبد الله، وأخو رسوله، لا يدعهَا أحد بعدَك إلاّ كذّاب»(2).
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير(3)، عن أبي أيوبَ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لفاطمة:
ص: 122
«أمَا علمت إن اللهَ (عز وجل) اطَّلع إلى أهل الارض؛ فاختار منهم أباك، فبعثه نبياً، ثم اطَّلع ثانية؛ فاختار بعلكِ، فأوحى إليَّ، فأنكحته، وَأتخذته وصيّاً»(1).
وأخرج الحَاكم(2) عن أبي هريرة، والطبراني، وَالحَاكم، وَالخطيبَ(3)، عن ابن عبَاس قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«أمَا ترضينَ يا فاطمة إن الله عزّ وجلَ أطلع إلى أهل الارض؛ فاختار منهم رجلين، فجعَل أحدهمَا أباك والآخر بعلك»(4).
وأخرَج الطبراني(5) في الكبير، عن أبي سعيد عن سَلمان قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
ص: 123
«إنَّ وَصيِّ، وموضع سري، وخير من أتركُ بعدي، ويُنجز عدتي، ويقضي - دیني عليّ بن أبي طالبَ»(1).
وأخرج ابن أسحَاق وابن جرير(2)، وابن أبي حَاتم، وابن مردوية، وأبو نعيم(3)، وَالبيهقي معاً في الدَلايل، عن علي - عليه السلام -، قال:
«لَما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(4)، قال: «فضقت بذلكَ ذرعاً، وعرفت إني مهمَا أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره؛ فصِمت(5) عليهَا حتى جَاءني جبرئيل، فقالَ: «يا محمد إنّك إن لم تفعَل ما تؤمر به يعذبك ربك؛ فاصنع لي صَاعا(6) من الطعام، واجعَل
ص: 124
عليه رجل شاة، واجعَل لنا عساً من لبن، ثم أجمع لي بني عَبد المطلب حتى أكلمهم، وأبلغ مَا أمرت به»؛ ففعَلت مَا أمرني به، ثم دَعَوتُهم له، وَهم يومئذ أربعُون رجلاً يزيدون رجلاً، أو ينقصونه، فيهم أعمَامه: أبو طالب، وحمزة، وَ العبَاس، وأبو لهب؛ فلَما أجتمعوا إليه دَعاني بالطَعام الذي صنعته لهم، فجئت به، فلمَا وضعته تناول النبي (صَلى الله عليه - وآله - وسلم) حزبة(1) من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقَاها في نواحي الصفحة(2)، ثم قال: «كلوا بسم الله».
فأكل القوم حتى نهلوا(3) عنه مَا نرى إلا آثار أصَابعهم، والله إن كان الرجل الواحد منهم ليَأكل مثل مَا قدمت لجميعهم، ثم قال: «اسق القومَ ياعلي»؛ فجئتهم بذلكَ العس فشربوا منه حتی رووا(4) جميعاً، وأيمُ الله إن كان الرَجل منهم ليشربَ مثله؛ فلمَا أرادَ النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أن يكلمهم، بَدَره(5) أبو لهب إلى الكَلام، فقال: لقد سحركم صَاحبكم؛ فتفرق القوم، ولم يكلمهم
ص: 125
النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم).
فلمَا كان الغَد قال: «يا علي أن هذا الرجل قد سبقني إلى مَا سمعت مِن القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعُد لنَا بمثل الذي صنعتَ بالأمس من الطَعام والشراب، ثم اجمعهم لي»، ففعلت، ثم جمعتهم ثم دَعاني بالطَعام، فقربته، ففعل کما فعل بالأمسِ؛ فأكلوا وشربوا، حتى نهلوا، ثم تكلم النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فقَال: «يا بني عبد المطلب إني وَالله مَا اعلم شاباً في العَرب جاء قومه بأفضَل مما جئتكم به، إنّي جئتكم بخير الدنيا والاخرة، وقد أمرني الله أن ادعوُكم إليه؛ فأيّكم يوازرني على أمري هذَا»؛ فقلت وأنا أحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بَطناً، وأحشهم(1) سَاقاً، أنا يا نبي الله أكون وزیرك عليه فأخذ برقبتي، فقَال: «إنَّ هذا أخي ووصيّي وخليفتِي فيكم فأسمعُوا له وأطيعُوا»؛ فقَام القوم يضحكُون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرَك أن تسمع، وتطيع(2) لعَلي.
ص: 126
وأخرج ابن جرير(1)، عن علي، قال:
«قال رَسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وَقد أمرني اللهَ أن أدعوا إليه؛ فایکم یوازرني على هذا الأمرَ على أن يكون أخي، ووصيّي، وخليفتي فيكم»، قال: فاحجم القَومَ عنَها جميعا وقلت «أنا يا نبي الله أكون وزیرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: هذا أخي ووصيّي وخليفتي فاسمعُوا له واطيعُوا»(2).
ص: 127
وأخرج أحمد(1)، وابن جرير(2)، والضياء، عن علي أنه قيل له: (كيف ورثت ابن عمكَ دون عمكَ؟ فقال:
«جمع رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بني عبد المطلب، وهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق؛ فصنع لهم مدا من طعَام؛ فأكلوا حتى شبعوا، وبقي الطعام كما هو، كأنه لم يمس، ولم يشرب؛ فقال: يا بني عبد المطلب اني بُعُثتُ إليكم خاصة، والى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتكم؛ فأيكم يبايعني على أن يكون أخي، وصاحبي، ووارثي؛ فلم يقم إليه أحد؛ فقمت إليه، وكنت من أصغر القوم، فقَال: أجلس، ثم قال ثلث مرات كل ذلك أقوم إليه؛ فيقول لي: أجلس حتى كان في الثالثة ضربَ بيَده على يدي»، قال: «فلذلك ورثت ابن عمي»)(3).
ص: 128
أعلم أن الأخوة هي: المقارنة الوجودية أولاً، والشهودية ثانياً، والوصَاية هي: التحقق بما تحقق به الموصى علماً، وحالا، ومقاماً، ومعرفة.
والوزارة تحمل مَا تحمله الموزر من الأحمال، والأثقال، والوراثة تحصيل ما حصله المورث لا على سبيل الكسب؛ بل بالمناسبة الإستعدادية، والإفتضائية، والخلافة هي: القيام مقام المستخلف على سبيل البدلية.
أعلم أن للوصاية، والأخوة، وغيرهما من الفضائل المذكورة، حكمة غامضة، وسر عميق في الأصل الوجودي، إتضح بالوجدان الصريح، والذوق الصحيح، وهو إن حضرت الوجُوبَ، والالوهية لما أفاضت بفيضها الاقدس صوراً معلومة في حضرة علمه؛ فأوَلَ مفاض في تلك الحضرة هو: العَين المحمدي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وحقيقته الجَامعة لجميع حقَایق الممكنات، وَأعيانها، ولها البرزخية الكبرى بين حضرة الوجُوب والإمكان؛ ثم استفاضَ بالثبوت العلمي بوساطته (صلى الله عليه - وآله - وسلم) مقترنا به العَين العلوي الجامع لحقائق الأنبياء، والمرسلين، وغيرها؛ ثم أستفاضت الأعيان الأخر، وَكذلك لما أفاضت هذه الحضرة بفيضها المقدس أفاضة وجودية خارجية في الحضرة العماية، كان
ص: 129
السابق بالوجود في تلك الحضرة، الروح المحمدي، وتاليه الروح العلوي، ثم لما أوجد الله الهبَاء؛ فاول ما ظهرت به حقيقة محمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وروحه قبل سایر الحقائق، والأرواح، وكان الرُوح العلوي أقرب الأرواحِ إليه (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؛ فظهرت مقارناً بظهوره، ثم استعيدت، وتوجهت تلكَ الحقيقة المحمدية، والصُورة الجبائية، لإنطبَاق التدلي الأعظم للحق الذي به ميهتدی الخلق، وَإليه يلجأ، وَذلكَ التدلي عبَارة عن تجلي إلهي بحسب جمعية أسمائية في الإسم الرَحيم الهَادي؛ فتجلى الرحيم الهَادي باحديَة جميع الاسمَاء في صورة النور الأعظم، وانطبق على تلكَ الصُورة الهَبائية، فتحقق وتجوهر بهَا، ثم أنبسط ذلكَ النور على من هو اقرب به (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في ذلكَ الهبَاء، ثم وثم، وكان أقربُ الناس إليه في ذلكَ الهبَاء علي ابن ابي طالب (رضي الله عنه)، ولذا صَار جامعاً لحقائق الأنبياء، والمرسلين، وأسرار الأولياء المتقدمين، والمتأخرين، وكان أخاً له (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، ووصياً، وخليفة، ووارثاً، ووزيراً، وولياً للمؤمنين، ومَولى لهم، وممداً لجميع الأنبياء والمرسَلين، والأولياء الأولين والآخرين، بمدده (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الناشئ من ذلكَ النور الأعظم، ويؤيد مَا قلنَا قوله صلى الله عليه - وآله - وسلم:
ص: 130
«يا علي كنت مع الأنبياء سراً، ومعي جهراً»(1).
وقال سيدي، وسندي، وجدي الفرد بالله الصَمد الشيخ ابو الرضَا محمد قدس الله سرّه الأمجد في شرح هذا الحديث: نعم هو من الأولياء السَابقين، وهم الذين يتصرف بمثل روحهم في العَالم قبل أن يتعَلق الروح بالبَدن العنصري تعَلق التصرف، والتدبير؛ فقَال: (وبوبده قصة دشت ارزن)، وَتلكَ قصَة طويلة لم أذكرهَا مخافة الإطالة؛ فمن أراد الاطلاع عليهَا؛ فليطالع الملفوظات القدسية الرضَائية(2) التي ألفتها، ورتبتها، وايضاً، مؤيد للمذكور ما روي في كلماته المأثورة (رضي الله عنه):
«أنا عليّ، وهو عليّ، أنا بكل شيء عليم أنا الذي مفاتيح الغيبَ عندي لا يعلمَها بعدَ محمد غيري، أنا قلب الله، أنا يد الله، أنا جنب الله، أنا اللوح المحفوظ، أنا ذو القرنين، أنا النوع الأول، أنا الابراهِيم الخليل، أنا الموسى الكليم، أنا الأول والآخر والظاهر والباطنَ، أنا روح الأرواح، أنا روح الأشباح، أنا خازن النبوة، أنا
ص: 131
وجه الله، أنا ترجمان وحي الله»(1)، انتهی.
ثم أعلم أنه كان منشاء ذلك التحقيق، أني رأيت في مبشرة(2) كان رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قدم في بلدي، وتوجه إلى الحصن السلطاني؛ فدخل فيه واصحابه (رضي الله عنهم)، كل واحد منهم نزل في دار من له معرفة به ومودة حتى جاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى داري، وجلس على سقف بيتي؛ فصعدت السقف، وقمت وراء ظهره لخدمته؛ فلبث (رضي الله عنه) قليلاً، ثم قام، وقال لي: أنظر إلى السماء؛ فرأيت في كبد سَماء الحقيقة بدراً کاملا تنور به العالم كمال التنور؛ فقال (رضي الله عنه): هذا البدر تمثال الحقيقة المحمدية؛ فاذا البدر أنشق بنصفين نصف بقي على السماء، وكمل بدرة في آن واحد كأنه ما أنشق، وأثقل النصف الثاني؛ فدخل في صدره (رضي الله عنه)، وكنت أنظر إذ كمل بدراً بتدریج قليل؛ فقال (رضي الله عنه): هذا نسبتي مع رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)(3) ثم قال بالتلطف التام، وهكذا
ص: 132
أنسبتك معي؛ فانظر إلى بدري، فرأيت، فإذا بدره أنشق بشقين، قام الشق الواحد في صدره (رضي الله عنه)، وكمل بدرا كإنه ما أنشق، وأنتقل الشق الثاني؛ فدخل في صدري، وقال (رضي الله عنه) بالعطوفة التامة سيكمل شقك أيضاً بدراً، ولكن بالتدريج مرة بعد اخرى؛ ثم جاء (رضي الله عنه)، وقعد في حجري؟ فعانقته، وشرعت، أقول:
أنت سيدي، وإمام، انت حجتي، وبرهاني، أنت إسلامي وإيماني، أنت عرفاني، ووجداني، أنت ذاتي، وصفاتي، أنت حقيقي، ورسمي، أنت أخلاقي، وأسراري، ثم أنكشف على السر الذي حررت، والحمد لله حمداً كثيراً، خالداً مع خلوده،
ص: 133
والحمد لله حمداً لا منتهى له دون علمه، والحمد لله حمداً لا منتهى له دون مشيته، والحمد لله حمداً لا أجر للقاءه الاّ رضاه(1).
وقد صرح الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي (قدس سره) ببعض هذا التحقيق؛ فرأيت أن أذكر كلامه استشهاداً، قال الشيخ في الباب السادس من الفتوحات المكية: إن الله تباركَ وتعَالى لَما أراد بدا ظهور العَالم على حد ما سبق في علمه، أنفصل العالَم من تلك الإرادة المقدَسَة، بضرب من تجليَات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، فحدث الهَباء، وهو بمنزلة طرح البنأ الجص، ليفتح فيه من الأشكَال، والصوَر ما شاء، وهذا هو أوَل موجود في العَالم، ثم إنَه تعالى تجلى بنوره إلى ذلكَ الهبَاء، والعَالم كله فيه بالقوة؛ فقبل منه كل شيء في ذلكَ الهبأ على حسَب قربه من النور؛ كقبول ذوَايا البيت نور السراج فعلى حسَب قربه من ذلكَ النور يشتد ضوءَه، وقبوله، وَلم يكن أحد أقربَ قبولاً إليه من حقيقة محمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فكان أقرب قبولاً من جميع مَا في ذلكَ الهبَاء؛ فكان (صَلی
ص: 134
الله عليه - وآله - وسلم) مبدأ ظهور العَالم، وَأول موجُود.
قال الشيخ محي الدينَ، وكان أقرب النَاس إليه في ذلكَ الهبَاء: علي بن ابي طالب (رضي الله عنه) الجَامِع لأسرار الأنبياء أجمعين، أنتهی ما في اليواقيب، والجواهر نقلا من الفتوحَات(1)، فاحفظ ذلكَ التحقيق تجده نافعاً معيناً في كشف کل فضيلة، ومنقبة مَاضية، وآتية أنشاء اللهَ تعالى، فإنه أصل كل منقبة، والله أعلم.
ص: 135
ص: 136
ص: 137
ص: 138
قال الله تعالى:
«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).
(أخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن علي)(2)، قال: نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في بيته «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» إلى آخر الآية، خرج رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فدخل المسجد، وَجاء
ص: 139
الناسُ يصلون بين راكِع، وسَاجد، وَقايم يصلي؛ فإذا سَائل، فقَالَ: يَا سائل هَل أعطاكَ أحد شيئاً؟ قال: لا، إلاّ ذاكَ الرّاكع، لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أعطاني خاتمه(1).
وأخرج الخطيبُ في المتفق والمفترق(2) عن ابن عباس، قال: تصدق علي بخاتمه، وَهو راكع؛ فقال النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) للسَايل: من أعطاكَ هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، قالَ: وكان في خاتمه مکتوباً: (سُبحان من فخرني بأني له عبد)، ثم كتبَ في خاتمه بعد (الله الملكُ).
وأخرج الطبراني(3)، وابن مردوية، وأبو نعيم(4)، عن أبي رافع، قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وهو نائم، أو يوحى إليه، وإذا حية في جانب البيت؛ فكرهت أن أقتلها، وأوقظه، فاضطجعت بينه، وبين الحية؛ فإن كان
ص: 140
شيء كان في دونه؛ فاستيقظ، وهو يتلوا: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»؛ فقالَ:
«الحمد لله».
فرآني إلى جانبه؛ فقال:
«ما أضجعك ههنا؟»، قلت: لمكان هذه، قال:
«قم إليها فاقتلها».
فقتلتها، فأخذ بيدي، فقال:
«يا أبا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً حق على الله جهادهم؛ فمن لم يستطع جهادهم بيده، فبلسانه؛ فمن لم يستطع بلسانه؛ فبقلبه، وليس وراء ذلك شيء»(1).
قال الله تعالى:
«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(2).
ص: 141
قال في الصواعق أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، قال:
«وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي».
وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله: روى في قوله تعالى «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» أي: عن ولاية علي، وأهل البيت؛ لأن الله أمر نبيه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أن يعرف الخلق إنه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجر إلاّ المودة في القربى، والمعنى أنهم يسألون: هل والوهم حق الموالاة، كما أوصاهم النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أم أضاعوها وأهملوها؟ فتكون المطالبة، والتبعة(1)، انتهى.
وأخرج ابن أبي شيبة(2)، وأحمد(3)، والنسائي(4)، وابن حَبان(5)، والحاكم،
ص: 142
والضياء، عن بريدة، والطبراني(1)، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قالاً: قالَ رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من کنت ولیَّه فعليٌ وليه»(2).
وأخرج أحمد(3) عن عبد الله ابن بريدةِ عن أبيهِ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«لا تقع في علي، فإنه مني، وَأنا منه، وهو وَليكم بعدي»(4).
- وأخرج ابن جرير عن بريدة، قال: بعثنا رسول الله (صلى الله عليه - وآله -
ص: 143
وسلم) في سرية، واستعمل علينَا علياً، فلمَّا جيئنا سألنَا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«كيف رأيتم صحبة صَاحبكم؟».
قالَ: فشكوته أنا، ومَا شکاه غيري، فرفعت رأسي، وكنت رجلاً مكباباً(1)، وكنت إذا حدثت الحديث أكبت، وإذا النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قد أحمر وجهه؛ فقال:
«من کنت وليّه، فعليّ وليّه».
فذهبَ الذي في نفسي عليه؛ فقلت لا أذكره بسوء(2).
أخرج الديلمي(3)، عن بريدة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
ص: 144
«یا بريدة، أن عليا وليكم بعدي؛ فاجب(1) علياً؛ فإنه يفعل ما يؤمر(2)».
وأخرج ابن أبي شيبة(3)، عن عمران ابن حصين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«علي مني، وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي»(4).
ص: 145
وأخرج أحمد(1) عنه(2) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «دعوا علياً، دعوا علياً، إنَّ علياً مني، وَأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي»(3).
وَأخرج الطَيالسي، وَالحسن ابن سفيَان، وأبو نعيم عنه مثله.
وأخرج الترمذي، وقال: حسن غريب(4)، والطبراني(5)، والحاكم(6)، وصححه عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ أن علياً مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي»(7).
ص: 146
وأخرج الخطيب، والرافعي عن علي (كرم الله وجهه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «سألت الله يا علي فيكَ خمسا، فمنعني واحدة، وأعطاني أربعاً، سألت الله أن يجمع عليكَ أمتي؛ فأبى عليّ، وأعطاني فيك أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله من يدي تسبق به الأولين والآخرين، وأعطاني أنك ولي المؤمنين بعدي»(1).
ثم أعلم أنَ حديث الموالاة متواتر عند السيوطي (رحمه الله)، كما ذكره في قطف الأزهار فاردت أن أسوق طرقة.
ص: 147
ليتضح التواتر ؛ فأقول: اخرج أحمد، والحاكم(1)، عن ابن عباس، وابن أبي
ص: 148
شيبة(1)، وأحمد(2)، عنه عن بريدة؛ وأحمد(3)، وابن ماجة(4)، عن البراء؛ والطبراني، عن جرير(5)، وأبو نعيم(6)، عن جندع الأنصاري، وابن قانع، عن حبشي ابن جنادة؛ والترمذي(7)، وقال: حسن غريبَ؛ وَالنسَائي(8)، والطبراني(9)، وَالضيَاء المقدسي، عن أبي الطفيل، عن زید ابن أرقم، أو حذيفة ابن أسيد الغفاري؛ وابن أبي شيبة(10)، والطبراني، عن أبي أيوب، وابن أبي شيبة، وابن أبي عَاصم(11)، والضيَاء، عن سَعد بن أبي وَقاص؛ وَالشيرازي في الألقَاب، عن عمر؛ والطبراني،
ص: 149
عن مالك ابن الحويرث؛ وأبو نعيم في فَضائل الصحَابة، عن يحيى ابن جَعدة، عن زید ابن أرقم، وابن عقدة في كتب الموالاة، عن حبیب ابن بديل ابن وَرقا، وقيس ابن ثابت، وزید ابن شراحيل الأنصاري، وأحمد عن علي، وَثلثة عشر رجلاً؛ وابن أبي شيبة عن جابر ، قالوا: قالَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من کنتَ مولاَه فعلي مولاه».
وأخرج أحمد(1) وابن أبي عاصم في السنة(2)، عن زادان ابن عمر، قال: سمعت علياً في الرحبة، وهو ينشد النَاس «من شهَد رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يوم غدیر خم وهو يقول: ما قال؟»، فقام ثلثَة عشر رجلاً فشهدُوا انهم سمعُوا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يوم غدير خم يقول:
«من کنت مولاه فعلي مولاه»(3).
ص: 150
وأخرج أحمد(1) عن البراء ابن عازب، وزيد ابن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لَما نزل بغدیر خم، أخذ بيد علي (رضي الله عنه)؛ فقال:
«ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟».
قالوا: بلى، قال:
«ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟».
قالوا: بلى، فقال:
«اللهم من کنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».
فلقيه عمر بعد ذلك؛ فقال: هنيئاً لك ابن أبي طالب، أصبحت، وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة(2).
ص: 151
وأخرج الطبراني، عن ابن عمرو(1) بن أبي شيبة، عن أبي هريرة، واثني عشر من الصحابة(2)؛ وأحمد(3)، والطبراني(4)، وَ الضياء عن أبي أيوبَ، وجمع من الصحابة؛ والحاكم(5) عن علي وطلحة؛ وأحمد، والطبراني، وَالضيَاء عن علي وزيد بن أرقمَ، وثلثين رجلاً من الصحابة؛ وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن سعد؛ والخطيب عن أنس، قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من کنت مولاَه؛ فعلي مولاَه، اللّهم وَال من والاه، وعاد من عَاداه».
وَأخرج عبد الله بن أحمد، وأبو يعلى، وابن جریر، والخطيب(6)، والضياء عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، قال: شهدت علياً في الرحبة ينشد الناس: أنشد الله مع من سمع رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يقول يوم غدیر خم:
«من کنت مولاه، فعلي مولاه».
ص: 152
لما قام يشهد؛ فقام اثنی عشر بدرياً، قالوا: لنشهد إنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، يقول يوم غدیر خم:
«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم؟».
فقلنا: بلى، قال:
«فمن کنت مولاه، فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
وأخرج الطبراني(1)، عن عمرو ابن مرة، وزيد ابن أرقم معاً، قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من کنت مولاَه، فعلي مولاه، اللّهم وَالِ من والاَه، وعادِ من عَاداه، وأنصر من نصره، وأعن من أعَانه»(2) (3).
ص: 153
وأخرج الطبراني(1)، والحَاكم(2)، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم، قالَ: قال رسُول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«كأني قد دعيت؛ فأجبت إني تراك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: کتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيفَ تخلفوني فيهمَا؟ فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض(3)، الله مولائي، وَأنا ولي كل مؤمن، من کنت مولاَه فعَلي مولاَه، اللّهم
ص: 154
وَالِ من والاه، وعَادِ من عَاداه»(1).
وأخرج الحَكيم الترمذي، وَالطبراني(2) بسند صحيح، عن أبي الطفيلَ، عن حذيفَة ابن أسيد، قال: قالَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أيها الناس: أنني قد نَبأني اللطيف الخبيرَ أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه مِن قبله، وَإني يوشك أن أدعى؛ فأجبت، وَإني مسؤول، وَأنكم مسئولون؛ فَماذا أنتم قائلونَ؟»، قالوا: نشهَد أنكَ قد بلغت، وَجهدتَ، وَنصحت؛ فقال: «أليسَ تشهَدون أن لاَ إله إلا الله وأشهد أن محمَدا عبده ورَسُوله، وأن جنته حق، وَناره حقَ، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعدَ الموت، وأنَّ السّاعة آتية لا ريبَ فيها، وإن الله يبعث من في القبور؟ يا أيها الناس: إن الله مولائي، وأنا مولى المؤمنين، وَأنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن کنت مولاَه؛ فهذا مولاَه»، یعني علياً، «اللهمّ والّ من والاه، وَعادِ من عَاداه.
يا أيها الناس: إني فرطكم، وَإنکم واردُون على الحوض، حوض أعرض مَا بين
ص: 155
بصري إلى صنعَا، فيه عَدد النجوم قدحان من فضة. أني سائلكم حين تردون على الثقلين؛ فأنظروا كيفَ تخلفوني فيهمَا؟ الثقل الأكبر كتاب الله (عز وجل) سبَب طرفه بيَد الله، وَطرفه بأیدیکم؛ فأستمسكوا به لا تضلوا، ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فأنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضا حتى يردا علىّ الحوض»(1).
وَأخرج احمد(2)، وابن حَبان، وَسمویه، وَالحاكم(3)، والضَياء عن ابن عبَاس، عن بريدة، قال: قَال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «یا بریدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من کنت مولاه فعلي مولاه»(4).
وأخرج ابن أبي شيبة(5)، وابن جریر، وابو نعیم، عن بريدة، قال: مررت مع علي
ص: 156
إلى اليمن؛ فرأيتُ منه جفوَة؛ فلما قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله - وسلم) ذكرت علياً؛ فتنقصتُه، فجعل وجه رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يتغير، فَقال: «يا بريدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»، قلت: بلى يا رسول الله، قال: «من کنت مولاه؛ فعلي مولاه»(1).
واخرج الطبراني(2) عن جرير، قالَ: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من يكن الله ورسوله مولاه، فإن هذا مولاه»، یعني علياً، «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عَاداه؛ اللّهم من أحبه من النّاس، فكن له حبيباً؛ ومن ابغضَه من النَاس، فكن له بغيضاً؛ اللّهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدین الصالحين غيره؛ فاقض فيه بالحسنَى»(3).
وأخرج الطبراني(4) عن حبشي ابن جنادة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«اللهم من کنت مولاه، فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه؛
ص: 157
وأنصر من نصره وأعن من أعانه»(1).
وأخرج الطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعلي:
«اللهم أعنه، وَأعن به، وأرحمه، وأرحم به، وأنصره، وأنصر به، اللّهم وَالِ من والاه، وعاد من عَاداه»(2).
وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة، عن زید ابن أرقم، والبراء ابن عَازبٍ معاً قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ألا إن الله وليي، وَأنا ولي كل مؤمن، من کنتُ مولاه فعلي مولاه»(3).
وأخرج الدار قطني أنك قيل لعمر أنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من
ص: 158
أصحاب النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؛ فقال: إنه مولاي(1).
أخرج الطبراني، وابن عساکر(2)، عن أبي عبيدة بن عمار یاسر، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«أوصي من آمنَ بي، وصَدقني بولاية علي بن أبي طالب؛ فمن تولاه، فقَد تولاني؛ ومن تولاني، فقد تولى الله، ومن أحبَه، فقد أحبني؛ ومن أحبّني، فقد احب الله، ومن أبغضه؛ فقد أبغضني؛ ومن أبغضني، فقد أبغض الله عز وجل»(3).
ص: 159
وأخرج الطبراني عن محمد بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن یاسر، عن أبيه، عن جده عن عمار، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من آمن بي، وصدقني؛ فليتوَل عليّ ابن أبي طالب؛ فان ولاَيتيه ولايتي وولايتي ولاية الله»(1).
وأخرج الطبراني، والحاكم، وصححه(2)، وأبو نعيم في فضائل الصحابة، عن زید ابن أرقم، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من أحبّ أن يحيی حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي؛ فإن ربي عز وجل غرس قضبانها بيده، فليتوَل علي ابن أبي طالب؛ فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضَلالة»(3).
وأخرج مطين، والبَاورد، وابن شاهين، وابن مندرة، بسند روَاه عن زياد بن مطري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من أحبَ أن يحيی
ص: 160
حَياتي، وَيموت ميتي، وَيدخل الجنة التي وَعدني ربي قضبَاناً من قضبَانَها غرسَه بيدِه، وهي جنَة الخلد؛ فليتول علياً، وذريته من بعدِه؛ فإنهم لن يخرجوكم من بَاب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلاَلة»(1).
وأخرج أبو نعيم في الحلية، والرافعي عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«من سره أنّ يحيي حَيَاتي، ويموت مَماتي، ويسكن جنة عَدن غرسَها ربي؛ فليوالي علياً من بعدي، وَليوَال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بَعدي؛ فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبينَ بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي»(2).
ص: 161
أعلم أن الولاَية هي: القرب، والحبّ، والوَلي هو القريب، والحبيب، وولاَية المؤمنين، وموالاَتهم نتيجَة لولاية الله، وموالاَته؛ فهو (كرم الله وَجهَه) ولي اللهَ ومولاَه، والله وليَه ومولاَه، والقرب وجودي وَشهودي، وأن شئت قلتَ ذاتي، وصفاتي، وَالحبُ كذلكَ؛ والقرب الوجودي عبَارة عن القرب المبدأ وجوداً؛ فهو (رضي الله عنه) أقرب الموجودات إلى المبدأ وجوداً سوى محمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؛ لأنه المَفاض الثاني من المبدأ، ومحمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) هو المفَاض الأول، كمَا مر.
والقرب الشهُودي عبَارة عن شهود الصَادر المفاض المبدأ المفيض فيه على ما كان عليه ذاتاً وصفاتاً، والشهودي تابع للوجودي، وَالحب الوجودي هو حب الذات؛ والأصل الفرع، والمظهر حباً ذاتياً مثمراً لوجوُد الفروع، ومنتجاً لثبوت المظهر، ولولاَه ما ظهر مَا ظهر، وحب الصَادر المفَاض المصدر المفيض الموجب لاستتباع الفيض، والأثر وَلولاَه ما صدر عن الغِنى مَا صدر.
وَالحب الشهودي ميل المؤثر إلى شهُود وجهه على مَا هي عليه جمالاً ذاتياً وصفاتياً في مرآة الأثر، وميل الأثر إلى شهود نفس المؤثر فيه على مَا هي عليه، ولولاَه لما كملَ من كمل.
ص: 162
إذا تمهَد هذا، فاعلم أن سَيد الخلق محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أكمل موجود في ذلكَ المعنى، وَعليه خلعت الخاتمية للكمَالين: النبوة والولاَية؛ فهو من حيث إنَه خاتم الرَّسل قبلة لجميع الأنبياء، والرسُل، مَا أخذ نبي، ولاَ رسُول علوم النبوة، والرسَالة، إلا من مشكوته، ومن حيث إنه خاتم الأولياء، كَعبَة الأوليَاء، ما أستفَاد ولي علوم الولايَة إلا من مشكوته، والثاني له في ذلكَ المعنى هو: أخوه الوجُودي والشهودي المفَاض الثاني، وَعليهِ خلعت الخاتمية للولاَية أصَالة انطباعية، أي: انطبعت من محمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في عينه (كرم اللهَ وجهه)، وصَارت كأنَها له أصَالة؛ لشدة الاتصال والاتَّحاد، بل لأنه (كرَم الله وَجهه) هو الظل الأول لمحمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الخاتمية للولاَية أصلية لذلكَ الظل، وَلذا صَار ولياً ومولى لمن هو (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وليه وموليَه، ولما كانت خاتمية الولاَية أصلاً لخاتمية النبوة، أشار إليه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بقوله: «على أصلي»(1).
ص: 163
روَاه الطبراني، والضيَاء عن عبد الله بن جعفر، فهو (كرم الله وَجهه) قبلة لجميع الأوليَاء، مَا أستفاضَ ولي فيوض الولاَية إلاّ من مشکوته(1) حتى إن الرسُل، والأنبياءَ من حيث أنهم أولياء أخذوا من مشکوته؛ فان قيل ينبغي أن لا يكُون وَلي بعد وجود خَاتم الأوليَاء في هذا العَالم، كَما لا يكون نبي بعد وجود خَاتم الأنبياء(2)، قلت: لاَ نسلم؛ لأن المرادَ من خاتمية الولاَية هو المرتبَة الجامعة لجميع كمالات الولاَية، وفيوضَاتهَا، وعلومَها وحقَايقهَا، ويكون خاتم الولاَية كالختم على خزائن
ص: 164
تلك الكَمالات، بحيث لا يصل من يصلَ إلى هذه الكمالات، إلا بوسَاطة هذا الختم، ولا يلزم من ذلكَ أن لا يكون وَلي بعد الخاتم، بل القبل، والبعد في حقه سَواء؛ لأنه هو المفيضَ لتلك الفيوض على الأولين، والآخرين، وأنقطاع النبوة بعدَ خاتم الأنبياء خصوصيَة لا توجد إلا في خاتم الأنبياء دون غيره؛ لأن النبوَة عبارة عن تقنين القوانين الدينيَة، وتبليغ الأحكَام الشرعيَة، وتلكَ الرتبة إذا كملت بوُجود خاتم الرّسُل انقطعت احتياج الخلق عَنها حتى لو وَجد رسُول بعد ذلكَ ما شرع، إلا هذا الشرع بل كان تابعاً له؛ فَما بقي لإرسَال الرّسُل فائدة إلا أن الخلق محتاج؛ لتَعلم تلكَ الشريعة إلى العُلماء الحاملين لهَا؛ فحسب(1).
ص: 165
وَأمّا الولاية: فعَبارة عن التحقق بالمعرفة الذاتية، والصفاتية، والأفعَالية على تفاوت درجَاتَها، وهذه الرتبة لا تنقطع أبداً لا في الدنيا، ولا في الآخرة؛ لأنها هي المرادة من ايجَاد العَالم، والآدم، وَلها المظاهر في كل حين ودهر؛ إلاّ عند أنقراض العَالم، وقيَام السَاعة، غير إنه مَا من مظهر لتلكَ الرتبة إلا هو أخذ من مشكوة خَاتم الأوليَاء علم، أو لم يعلم؛ فكانه (كرَم الله وجهه) بارز ببروزه وظاهرَ بظهوره بتئينٍ لشرائط خاتمية الولاَية، وخواصها من شرائط خاتم الأوليَاء، وخواصه ان يكُون وجوده في الكون العنصري مقارناً لوجود خاتم الرسُل، وبعده، ويكون شريكاً له في مَولده، ومَسكنه، ومجتمعاً به في زمانٍ واحد، وَأخا له نسباً ومواخَاة، كما هو كذلكَ معَه في الحضَرات المتقدمة، وأوَل مؤمن به، ووصيّه، ووزيره، ووارثه، وخليفته بالخلاَفة البَاطنية، ولا تَشترط الخلافَة الظاهرية، بل لا تجامع كاملة غالباً، ويؤيده قوله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) له (كَرم الله وجهه):
ص: 166
«ما كان الله ليجمعَ فيكم الأمرين: النبوة، والخلافة»(1).
وسيأتي الكلام على هذا الحديث مبسُوطاً إن شاء الله تعَالى، وَأول عابد معَه، وأول عارف، وأول مجذوب، وأوَل وَلي، وولياً ومولى لمن هو وليه، ومولاَه، وأعلم الناس بالله، وأولاهم في تلكَ الرتبة، وشاهداً للتنزيل حين أنزل مطلعاً على مطلعه، وهادياً لامته، وحاملا للوائه في الدنيا والآخرة، ومعطىً لما أعطي هو في المواطن، والمشاهد كلّها إلاّ الرسالة، وداخلاً حيث دَخل هو، إلاّ النّبوة التشريعية، وغير ذلك مما سيأتي، والله سبحانه أعلم، وَعلمه أتم.
تنبيه: ومن الأمر المحقق عندنا أن لخاتم الأولياء برازة(2) وظهورَات في الكون إلى قيَام السَاعة، وقد يبرز، ويتجلى بروزاً تاماً، وتجليَة كاملة، حتى يظهر بجميع كمالاَته؛ فتخلع على ذلكَ المظهر خاتميَة الولاَية في زمَانه، ويكون خاتم الأوليَاء في
ص: 167
ذلكَ الزمَان، كما وقعَ لبقية الأيمة (رَضي الله عنهم)، وللشيخ الأكبر ابن العربي (قد سرّه)؛ فإنه أيضاً محق في ذلكَ الدعوى لا نشكَ فيه، وكذلكَ سَيدي، وسندي، وَجَدي الفرد بالله الصَمد الشيخ أبو الرضَا محمد (قدس سره) الأمجد؛ فإنه تجلت فيه الخاتمية عَلى الوجه الأتم الأكمل، وكان، والله بحراً محيطاً جَامعاً لحقَايق الأنبيَاء، والأوليَاء، قل مَا رأى عين الدهر نظيره، وحَار في شهود أطلاق كماله بصيرَة أحاط بجوانبَ الكمال المطلق، وَأطرافه، وَبلغ مبلغاً لا يستطيع لسَان البيَان النطق عن أوصَافه، فاز بقرة عين مَا خطرت على جنَان أنس، ولاَ جان، وَسبح البحرين يلتقيَان بينهمَا برزخ لا يبغيَان كما أثر عنه، أنه قال (رضي الله عنه):
(سبحت بحر الولاَية حتى بلغت منتّها سَاحله الأقصى؛ فرأيت وَرائه بحراً محيطاً لا ساحل له، وبينهما برزخ(1) قائم عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فقال لي تلطفاً: أسبح بحر النبوة أيضاً، قلت: يا رحمة للعَالمين: مَا لي طاقة بذلكَ، وجرأة؛ فقال: أدخل فيَّ فلصقت به، ودخلت فيه، وأتيت البحر؛ فوجدت بحر الولاَية معَ عظمتَه، قطرة من بحر النبوة، وسبحت ذلكَ البحر ما شاء الله).
وسمعت كثيراً من أصحابه (قدس سرّه) نقلوا عنه، أنه قال (رضي الله عنه): (رباني رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) على قلبه، ولا يكُون خاتم
ص: 168
الأولياَء إلا على قلب خَاتم الرسل؛ عليه من الصَلوة أزكَها، ومن التسليمَات أنماهَا، والله بكل شيء عليم).
ص: 169
قوله: «وأعلمهم، وأولاهم»(1) ... الخ.
قالَ الله تعالى:
«وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(2).
أخرج أبو نعيم في الحلية(3) عن علي، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): يا علي، إنَّ الله أمرني أن أدينكَ، وأعلمكَ لتعي، وأنزلتَ هذه الآية، «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»؛ فأنت أذن واعية علمي»(4).
ص: 170
وأخرج هو فيه عنه(1)، قال: قلتُ: يا رسول الله، أوصني، قال: قل: ربي الله، ثم استقم، قلت: ربي الله ومَا توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيبُ، فقال: ليهنئك العلم أبا الحسن، قد شربت العلم شرباً، ونهلته نهلاً(2).
وأخرج الديلمي عن سلمان، قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «أعلم أمتي من بعدي علي ابن أبي طالب»(3).
وأخرج أبو نعيم عن علي أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)
ص: 171
قال: «علي ابن أبي طالب أعلم الناس بالله، والناس حباً، وتعظيماً لأهل لا إله إلا الله»(1)أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال: ج 11، ص 614، وأشار إلى مكان وجوده قائلاً: (أبو نعيم عن علي عليه السلام)؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي-: ج 2، ص 441، وقال: (النعت الرابع والسبعون قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم: «علي أعلم الناس بالله والناس»، قد تقدم ما يدل عليه من كتب أعلام العامة في (ج 2، ص 154، وج 15، ص 398) - من شرح إحقاق الحق - ونستدرك ها هنا عمن لم ننقل عنهم في ما مضى: فمنهم العلامة حسام الدين المروي الحنفي في كتاب آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم: ص 271، نسخة مكتبة السيد الاشكوري، قال: روى أبو نعيم الحافظ الأصبهاني بسنده عن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله والناس حبا وتعظيماً لأهل لا إله إلا الله». ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر، والشيخ أحمد عبد الجواد في جامع الأحاديث: ج 4، ص 567، ط دمشق، قالا: قال النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم: «علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله والناس حباً وتعظيماً لأهل لا إله إلا الله». (أبو نعيم عن علي)(2).
وأخرج ابن عدي عن(3) ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي عيبة(4) علمي».
ص: 172
وأخرج الديلمي عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي باب علمي ومبين لأمتي، ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفه»(1).
وأخرج الطبراني(2) عن ابن أسحاق: أن عليا لما تزوج فاطمة، قال لها النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لقد زوجتك وأنه لأول أصحابي سلماً، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما»(3).
ص: 173
وأخرج أبو نعيم في الحلية، والأزدي، وأبو علي الحسين بن علي البردعي في معجمه، وابن النجار عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«قُسِّمَتِ الحكمة عشرة أجزاء؛ فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءاً واحداً، وعلى أعلم بالواحد منهم»(1).
قال الترمذي(2)، وابن جریر معاً، حدثنا أسماعيل ابن موسی السدي، أنَا محمد بن عمرو الرومي، عن شريكَ، عن سَلمة بن كفيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«أنا دار الحكمة وعلي بابها»(3).
ص: 174
حل قالَ الترمذيّ هذا حديث غريب، وَفي نسخة منكر(1)، وروى بعضهم هذا الحديث، عن شريك، ولم يذكروا فيه الصنَابحي، ولا يعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات، غير شريك(2)، وفي الباب عن ابن عبَاس انتهى.
وقالَ ابن جریر: وهذا خبر عندي صحيح سنده، وَ قد يحب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً، غير صحيح لعلتين. أحدهمَا: أنه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الا من هذا الوجه، والآخر: أن سلمة بن كفيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة.
وَقد وَافق علياً في رواية هذا الخبر عن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)،
ص: 175
غيره حدثني محمد بن اسماعيل الصراري حدثنَا عبد السَّلام بن صَالح الهروي حدثنَا ابو معوية، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عبَاسَ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«أنا مدينة العِلم، وعلي بابَها؛ فمن أراد المدينة فليأتها من بَابها»(1).
حدثني ابراهيم ابن موسی الرازي، وَليس بالفراء حدثنا أبو معويَة بإسناده مثلَه هذا الشيخ لا أعرفه، ولا سمعت منه، غير هذا الحديث أنتهى كلام ابن جبر.
وقد أورد ابن الجوزي في الموضوعَات(2) حديث علي، وابن عبَاس، وأخرج ك(3) حديث ابن عباس، وقال صحيح الإسناد، وروي خط(4) في تاريخه عن يحيی ابن معين، أنه سئل عن حديث ابن عبَاس، فقَال: صحيحَ.
ص: 176
وقال: عد(1) في حديث ابن عبَاس أنه موضوع؛ وقال الحَافظ صَلاح الدين العلائي: قد قالَ ببطلانَه أيضاً الذهبي في الميزان(2)، وَغيره؛ ولم يأتوا في ذلكَ بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعاً بالصَدر(3).
وقالَ الحافظ ابن حجر في لسَانه: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم(4)، أقل أحوالَها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع، وقالَ في الفتوى هذا الحديث أخرجَه في المستدركَ، وقال: أنه صحيح، وَخالفه ابن الجوزي، وذكر في الموضوعَات، وقال: إنّه كذبَ، والصَواب(5) خلاف قولهما معاً، وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة، ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، ولكن هذا هو المعتمد في ذلكَ انتهى.
وقد كنت أجبت بهذا الجواب دهر إلى أن وقفت على تصحيح ابن جریر
ص: 177
لحديث علي في تهذيب الآثار، مع تصحيح حديث ابن عباس فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتفاع الحديث عن رتبة الحسَن إلى مرتبة الصحة، والله تعالى أعلم كذَا في جمع الجوامع للسيُوطي (رحمه الله).
وأخرج ابن المَنادي في خطبة طويلة تركتَها مخافة الإطالة وأخذت منها ما يناسب المقام عن سَعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطبَ علي ابن أبي طالب، فقال:
«ألا وإني وأبرار عترتي، وأهل بيتي أعلم الناس صغًاراً، وأحلم الناس كباراً، معنا راية الحق، من تقدمَها مرق، ومن تخلفَ عنهَا محق(1)، ومن لزم لحق، إنّا أهل الرحمة، وبنا فتح أبواب الحكمة، ويحكم الله حكمنا، ويعلم الله علمنا، ومن صَادق سمعنا، فان تتبعُونا تنجوا، وأن تتولوا يعذبكم الله بأيدينا، بنا فكَ الله ربق(2) الذل من أعناقكم، وبنا يختم لا بكم».
ثم سَاق إلى أن قال:
«وَبالله لقد علمت تأويل الرسالاَت، وأنجاز العدات، وتمام الكلمات»(3).
ص: 178
وأخرج الحَارث ابن وهب، والصَابوني في المائتين، والبيهقي، وروى بعضه الأرز في وَالحاكم عَن خالد بن عرعرة، قال: قال عَلي (رضي الله عنه):
«سلوني عَما شئتم»(1)، الخ.
وأخرج ابن سعد(2)، عن علي، قال:
«سلوني عن كتب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت، أو بنهَار، أم في سهل، أم في جبَل(3).
ص: 179
وأخرج ابن الأنباري في المصَاحف، وابن عبد البر في العلم، عن أبي الطفيل عامر بن وَاثلة، قال: شهدت علي ابن أبي طالب يخطب، فقال في خطبته:
«سلوني؛ فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلىّ يوم القيامة إلاَّ حدثتكم به»(1)، الخ.
وأخرج ابن النجار عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، وَجارية بن قدامة السَعدي إنّهمَا حضرا عليّ ابن أبي طالب يخطب، وهو يقول: «سَلوني قبل أن تفقدوني(2)، فإني لا أسَأل عن شيء دون العرش إلاّ أخبرت عنه»(3).
ص: 180
وأخرج ابن سعد(1)، وأبو نعيم في الحلية، عن علي قال:
«والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيمَا نزلت، وأين نزلت، وَعلى من نزلت، إنّ رَبي وهب لي عقلاً عقولاً، ولساناً طلقاً سؤالاً»(2).
ص: 181
وأخرج ابن سَعد(1) بن محمد بن عمَر بن علي ابن أبي طالب، أنه قيل لعلي: مَالك أكثر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حديثاً؟ فقال:
«إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت أبتدأني»(2).
ص: 182
وأخرج أبو أحمد الفرضني في خبر عن علي قالَ:
«علمني رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ألف بَاب، كل باب يفتح ألف باب»(1).
وذكر صاحب فصل الخطاب (قدسَ سره) بروَاية تاج الإسلام الحدابادي البخاري (رحمه الله) في الأربعين عن عبد الله بن مسعود: (إنّ القرآن أنزل عَلى سبعة أحرف، مَا منهَا حرف إلا له ظهر، وبطن، وأن علي ابن أبي طالب (رضي الله
ص: 183
عنه) عنده منه علم الظاهر، والبَاطن)(1).
وأخرج ابن سعد عن سعيد ابن المسيب، قال: (لم يكن أحد من الصحَابة يقول سلوني إلاّ علي)(2).
لما ثبت أنه (كرم الله وجهه)، أعلم الناس بالله، وبأمر الله، والفضل الكلي منوط بالعلم، لأن كل کمال شعبة للعلم نبوة كانت، أو ولاية صح إنه (عليه السلام) أفضلهم، وأولاهم، وأخبرهم، وأعلاهم؛ ولذا أخرج أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم، والضياء، والروياني عن ابن عبادة، وابن الصامت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «خير رجالكم علي، وَخير شبانکم الحسن وَالحسين، وخير نسَائكم فاطمة»(3).
ص: 184
وأخرج الخطيبُ، عن ابن مسعود، عن علي، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من لم يقل علىّ خير الناس؛ فقد كفر»(1).
وأخرج(2) هو عن جَابر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي خير البشر، فمن أبَي؛ فقد کفر»(3).
وأخرج الطبراني(4) عن وهبَ بن حمزة، قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه -
ص: 185
وآله - وسلم): «لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي، یعني علياً»(1).
وأخرج الديلمي، عن عابس بن رَبيعة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «خير أخوتي علي، وخير أعمامي حمزة»(2).
وأخرج ابن سعد(3)، عن عكرمة مرسلاً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا فاطمة أما إني رأيت أن أنكحتك خير أهلي»(4).
ص: 186
وأخرج الدغولي، وابن عساكر(1) عن زيد بن علي بن الحسين، قال: (سمعت أبي علي بن الحسين، يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: قلت لأبي بكر: يا أبا بکر، من خير الناس بعد رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؟ فقَال لي: أبوك؛ فسَألت أبي علياً؛ فقلت: من خير النَاس بعد رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؟ فقال: أبو بكر(2))(3).
وأخرج ابن الجوزي في الواهيات عن أبي بكر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «كفي وكف علي في العدل سَواء»(4)، وقد مر في الأحاديث
ص: 187
السَابقة أنه (كرَم الله وَجهه) أعدَلهم في الرعية، وأعلمهم بالقضيّة، وسيأتي في الآتيَة إنّه أقضاهم(1).
وأخرج ابن سعد(2)، وابن أبي شيبة(3)، والحاكم، وصححه عن علي، قال: (بعثني رسولُ الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) إلى اليمن، فقُلت یا رسُول الله بعثتني وَأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؛ فضرب بين صدري بيده، ثم قال:
»اللهم إهدِ قلبَه، وثبت لسَانه؛ فو الذي فلق الحبّة ما شكَكت في قضاء بين أثنين»(4).
ص: 188
وَأخرج الخطيب(1)، عن علي، قال: (دَعاني رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؛ ليستعملني عَلى اليمن، فقلت یَا رسول الله: إني شاب حَدث السن، ولا علم ليّ بالقَضاء، فضربَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في صدري مرتين، أو قال: ثلاثاً وهو يقول:
«اللهم اهدِ قلبَه، وثبت ضعف لسَانه».
فكانَّما كل علم عندي، وَحشا قلبي علماً، وفقهَا؛ فما شككتَ في قضاء بين اثنين).
وَأخرج أبو طالبَ علي ابن أحمد الكَاتب في جزء من حديثه، عن ابن عبَاس، قال: ورَدت على عمر بن الخطابَ واردة قام منهَا، وقعَد، وتغير، وتربد، وجمع لها
ص: 189
أصحَاب النبيَ (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فعرضَها عليهم؛ فقال: أشيرُوا عليّ؛ فقالوا جميعاً: يا أمير المؤمنين، أنت المفزع وأنتَ المنزع؛ فغضبَ عمر، وقال: أتقوا الله، وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم؛ فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما عندنا ممَا تسال عنه شيء؛ فقال: أمَا والله إني لأعرف أني تجد لَها، وأين نجد لَها، وأين مفزعهَا؟ فقالوا: كأنكَ تعني ابن أبي طالب؛ فقال عمر: لله هو وهو، وهل طفحت(1) حَرة بمثله و أبر عنه؟ أنهضوا بنا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين أتصير إليه يأتيكَ؟ قال: هيهَات هناكَ شجنة من هاشم، ولحمةَ من الرسول، وأثرة من علم يؤتى لهَا، ولا تأتي في بيته، يؤتي الحكم؛ فأعطفوا نحوه، فألقوه في حَايط له، وهو يقرء: «أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»(2) ويرددَها، ويبكي؛ فقال عمر لشريح: حدّث أبا حَسن بالذي حدثتنا به؛ فقَال شريح: كنت في مجلس الحكم؛ فأتى هذا الرَجل، فذكر أن رجلاً أودعه امرأتين حرّة مهيرة، وأم وَلد وقال له: أنفق عليهمَا حتى أقدم؛ فلما كان في هذه الليلة وضعتَا جميعاً أحديهمَا إبنا، والأخرى بنتاً وكلاهما تدعي الإبن، وتنتقي من البنت من أجل الميراث؛ فقال له: «بم قضیت بینهمَا؟» فقال شريح: لو كان عندي ما أقضي بينهمَا لم آتكم بهَا؛ فأخذ
ص: 190
على نبتَه من الأرض فرفعهَا؛ فقال: «إن القضَا في هذه أيسر - من هذهِ»، ثم دعی بقدح؛ فقال لأحد الأمرأتين: «أحلبي»؛ فحلبَت فوزنه، ثم قال للأخرى: «أحلبي»؛ فحلبت فوزنه فوجَده على النصف من لبن الأولى، فقَال لهَا: «خذي أنت ابنتكَ»، وقال للأولى: «خذي أنت ابنك»، ثم قال لشريح: «أمَا علمت أن لبن الجارية على النصف من لبن الغلام، وأن ميراثَها نصف میراثه، وأن عقلَها نصف عقله، وأن شهَادتَها نصف شهَادتَه، وأن دينَها نصف دينه، هي على النصف من كل شيء»، فأعجب به عمر إعجاباً شديداً، ثم قالَ: يا أبا الحسن لا أبقاني الله لشديدة لست لهَا، ولا في بلد لست فيه(1).
وأخرج ابن سعد(2) عن أبي هريرة، قال: قال عمر ابن الخطاب: علي أقضانا(3).
ص: 191
وأخرج الحاكم عن ابن مسعُود(1)، قال: (أقضى أهل المدينة علي)(2).
وأخرج ابن سعد، عن سعيد ابن المسيب، قال: كان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليسَ لها أبو الحَسن، يعني: علياً(3).
وأخرج ابن عساكر(4) عن ابن مسعود، قال: (أفرض أهل المدينة وأقضاها علي)(5).
ص: 192
ص: 193
ص: 194
قال الله تعالى:
«أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»(1).
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه(2)، وأبو نعيم في المعرفة عن ابن أبي طالبَ، قالَ: («ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طايفة من القرآن»؛ فقال له رجل: مَا نزل فيكَ؟ قال: «أما تقرأ سورة هودا «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»)(3).
ص: 195
أخرج ابن مردوية(1) وابن عساكر(2) عن علي في الآية، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «على بينة من ربه، وأنا شاهد منه»(3).
وأخرج ابن مردوية(4) من وجه آخر عن علي، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «أفمن كان على بينة من ربه أنا، ويَتلوه شاهد منه علي»(5).
وأخرج أبو يعلى(6) عن عائشة، قالت: رأيت النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ألتزم علياً وقبّله ويقول: «بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد»(7).
ص: 196
البينة عند المفسرين البيان والبرهان؛ وعنديَّ الشريعة والشهُود في اللسَان الحضورُ، والروية؛ وَالشاهد هو الحاضر والرائي؛ والشهيد، مبالغة فيه؛ والوحيد مبَالغة في الواحد؛ فمحمَد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) على شريعَة من الله؛ وعَلي (عليه السلام) شاهد لِتلكَ الشريعَة مِن الله، يتلوا محمداً وأن شئيت قلتَ: شاهد من محمد يتلوه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهَا أنا أفسر لكَ حقيقة تلكَ البينَة التي هي الشريعَة؛ لتتضح لك مرتبَة ذلكَ الشاهد، فأقول: أدركَ بالكشفَ الكشيف، والذوق المنيفَ أن الشريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مراتب.
الأولى: شريعَة وجودَته مطلقة حقيقته: وهي عبَارته عن صراط مستقیم ثابت لمحمَد (صلى الله عليه وآله وسلم) بحَب جامعية حقيقته للقابليات كلها، سَواء كانت قابليَة التجرد عن جميع النَسب، والإضافات، أو قابلية الإنصافَ بجميع الأسماء والصّفات والشَيون(1)، والاعتبارات، وجوبية كانت، أو أمكانية؛ فَما من أسمَ إلهي، وشأن وَجوبي إلا هو يسلكَ على تلكَ الشريعَة، ويسير فيهَا وينتشئ
ص: 197
منهَا، ويصَل إلى مظهرَه بهَا، ويأخذ كل طريق عيته تلكَ الشريعة له الإفاضَة الوجوديَة، ومَا يتبعُهَا إلى صُورَه المعلومة الغيبيته، وَيخرج من البطون، والإجمال إلى الظهور، والتفصيل من هذا الطريق؛ فالله عَلى شريعَة محمد، وَأن رَبي علَى صراط مستقیم، ومَا من حقيقَة إمكَانية، وعين ثابتة إلا هي تمشي في تلكَ الشريعة، وتسفر فيهَا بهَا إلى أسم هوَ ربَها الظاهر فيهَا، وتحصَل بهَا ما تستَعد له، وتطلبُه من الوجُود، وما يتبعَه مِن الكمالاَت، وتأخذ كل طريق عينته تلكَ الشريعة لَهَا؛ لتخرج به مِن الحضرة الغيبيَة العلمية إلى الحَضرة الخارجيَة الشهَادية، فالحقایق الامکَانية، والأعيان الثابتة كلَها من سعيدة، وشقيَة، وفاجرة، وَتقيَة على شريعَة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي عَلى صراط مستقيم؛ لأنَ ربَها الآخذ بناصيتهَا على صراط مستقیم، وما من أحد يَصل إلى مبداه، وأصله إلا بالمشي على تلكَ الشريعة حتى أن الكافرينَ الذين كتبَ عليهم الخلودُ في جهَنم، سَالكوا هذه الشريعة، وواصلوا أصلهم، ومبداهم بها، بعد انتقَام المنتقم منهم؛ فيصير العَذاب عليهم عذباء لوصلهم بالاصل مَع كونهم في جهَنم؛ لَما تقرَر هذا، فأعلم إن الشاهد لتلكَ الشريعة بكمالَها المحيط، ووحدتهَا الحقيقية شهُودا يكون هذا الشاهد فيه عين تلكَ الشريعة، وتكون هذهِ الشريعَةِ عينه يسمى بالوحيد الشهيد، والله سبحانه أعلم.
والمرتبَة الثانية: شريعَة نورية مطلقة نسبية، وهي عبَارة عن التَدلي الأعظم
ص: 198
للحق الذِي به يهتدِي الخلق، وَإليه يلجاء، وقد مر ذكرَه في التحقيق السَابق؛ وَلذلكَ التدَلي ظهور، وبهور بوجُود كل نبي، ورَسول في العَالم الشَهادي، وهولاَء الأنبياء، والرسل نُوَّابُ (محمد صلى الله عليه وآله وسلم) في إقامة ذلكَ التدَلي، وتبليغه إلى الخلق حتى ظهر رسولنَا (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكون العنصري؛ فبرز ذلكَ التدلي بصُورة شريعته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي النورية المقيدة، وهي المرتبَة الثالثة لشريعته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي النور العظيم المثالي الذي نزل معه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسد الآفاق، وأمتلا به الحق، وأمتلات السموات والأرضون؛ فما من أحَد يهتدى إلى الحق، وَيحصَل العلوم، وَالمعَارف إلا بهذا النور علم، أو لم يعَلم، وتم لرسولنَا (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بتلكَ الشرایع الثلاث أنه رحمة للعَالمين الأولين، والآخرين، وَالحاضرَ الرائي لذلكَ التدلي الأعظم، وَالنور العظيم بحقایقهمَا، وأسرارهمَا، وحكمهمَا، وأنوارهمَا المتحقق باحكَامهمَا وأطوارهما جميعاً، يسمى شاهداً؛ فتمت لمولانا علي (عليه السلام) رتبة تلكَ الشَهادة أصَابة بالأخبار الإلهي، والإعلام النبوي، وقد يبلغ بعض الأوليَاء المحمديين إلى بعض تلكَ
ص: 199
الرتبة، أو كلهَا نادراً تبعاً، وتطفلاً، والله على كل شيء شهيد(1).
ص: 200
ص: 201
ص: 202
قال الله تعالى: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1).
وأخرج ابن جریر(2)، وابن مردويه(3)، وأبو نعيم في المعرفة(4)، والديلمي، وابن عسَاکر، وابن النجار عن ابن عبَاس، قال: لَما أنزلت «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» وضع رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يده على صدره؛ فقَال: «أنا المنذر، وأومَا بيدهِ إلى منكبَ علي؛ فقال: «أنت الهَادي يا علي، بكَ يهتدي المهتدون مِن بعدي»(5).
ص: 203
وأخرج ابن مردويهه(1)، عن أبي برزة الأسلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ» ووضع يده على صدر نفسه، ثم وضعها على صدر علي، ويقول: «لِكُلِّ قَوْمٍ هَادِ»(2).
وأخرج ابن مردوية، والضياء في المختار عن ابن عبَاس(3) في الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله – سلم): «المنذر أنا، والهادي علي ابن أبي طالب»(4).
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوَايد المسند(5)، وابن أبي حَاتم، والطبراني في الأوسَط(6)، والحاكم وصححه(7)، وابن مردوية، وابن عسَاکر(8)، عن علي ابن أبي طالب في قوله «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»، قال: رسول الله المنذر، وَأنا
ص: 204
الهادي، وَفي لفظ «وَالهادي رجل من بني هَاشم»، يَعني نفسه(1).
إعلَم أن الهداية صفة ذاتية مطلقَة حقيقية للحق سبحَانه الرحمة، والإضلاَل صفة عَارضية نسبيَة كالغضب(2)، وَللهدَاية المطلَقة مراتبَ، أولهَا: هدَاية الأسمَاء
ص: 205
إلى الظهور بصورهَا المَعلومة، ثم هداية الأعيَان إلى البروز بالوجُود الخارجي من العلم إلى العَين، ليتم الكمال الأسمَائي، ثم هدَاية الأرواح إلى التجسَد بالأجسَاد المثالية، وَالتعلق بواسطتهَا بالأجسَام العنصرية، ثم هدَاية الخلق لإكمَال المراتبَ الشهَادية، وإتمام الأمور المَعاشيَة، ثم هداية العبَاد إلى تحصيل النجاة المعَادية، والنعم الأخروية، ثم هدَايتهم للوصُول بالمبدَأ الحق، والأصل المطلق؛ فالهداية
ص: 206
سَارية في جميع المراتب حتى أن عبَاد المضل لهم أيضاً هداية من الهَادي؛ ليحصلوا مرضیَات ربهم، ويصلوا إلى کمال مقتضيَاتهم، فالهدَاية بهذا الوجَه متجليَة في الضلاَلة، وهذا هو الكمال المطلق للهدَاية، والمتحقق من الأوليَاء بذلكَ الکَمال: هو الهَادي لكل قوم، وَالله يَهدي من يشاء إلى صراطِ مستقیم.
وأخرج هو(1) عن أبي سعد، قال: (دخلت على عَليّ، وبين يديه ذهبٌ، فقال: «أنا یعسُوب المؤمنين، وَهذا يعسوبَ المنفقين»، وَقال: «بيَ يلوذ المؤمنين، وَبهذا يلوذ المُنفقون»)(2).
اليعسوبَ: هو أمير النحل، وذكرَها، ثم كثر ذلكَ حتى سموا كل رئیس یعسوباً(3).
وأخرج الطبراني(4) في الكبير عن السيّد الحسَن، قال: قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا أنس أدع لي سيد العرب».
قالت عَائشة: ألست سيد العرَب؟ قال: «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب».
فلما جاء، قال: «يا معشر الأنصَار، ألا أدلكُم على مَا إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا؟ هذا عليّ فأحبوه لحبي، وأكرموه بكرامتي؛ فإن جبرئيل أمرني بالذي
ص: 208
قلت لكم عن الله (عز وجل)»(1).
وروى البيهقي أنه ظهر عليّ من البعَد؛ فقال (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
(«هذا سيد العرَب».
فقالت عَائشة: ألستَ بسيد العرب؟ فقَال: «أنا سيد العَالمين، وهو سيد العرب»)(2).
ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عبَاس بلفظ: «أنا سيد وَلد آدَم، وعلي سید
ص: 209
العرب»، وَقال أنه صحيح، وَلم يخرجاه(1)، كذا في الصَواعق(2).
وأخرج الخطيب(3) عن سلمَان بن کھیل(4) مرسلاً، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا عائشة إذا سركَ أن تنظري إلى سيد العرب؛ فانظري إلى علي ابن أبي طالب». فقالت: يا نبي الله، ألست سيد العَرَب؟ قال: «أنا امَام المسلمين، وسيد المتقين؛ إذا سركِ أن تنظري إلى سيد العَرَب، فانظري إلى علي سَيد العرب»(5).
ص: 210
وأخرج أبو نعيم في الحلية(1) عن علي، قال: قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «مرحباً بسيد المسلمين وَإمام المتقين»(2).
أخرج الباوردي، وابن قانع، وأبو نعيم، والحاكم في المستدرك(3)، عن عبد الله بن أسعد ابن زرارة عن أبيه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«لما عرَج بيَّ إلى السماء أنتهى بيَّ إلى قصر من لؤلؤ، فراشه ذهبَ بتلالأ؛ فأوحى إلىَّ ربي في علي ثلث خصَال: أنّه سيد المسلمين، وإمَام المتقين، وقاید(4) الغر المحجلين»(5).
ص: 211
وَأخرج ابن النجار، عن عبد الله بن أسعد ابن زرارة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم: «فأوحى إليَّ في علي بثلاث: انه سيد المسلمين، وولي المتقين، وقائد الغر المحجلين»(1).
وأخرج الحاكم(2)، عن علي أن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «علي إمَام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله»(3).
ص: 212
وابن شاهين في السنة(1)، عن علي، قال: وَجعت وجعاً فأتيت النبيَّ (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؛ فأنامَني في مَكانه، وقام يصلي، وألقى علىَّ طرف ثوبه، ثم قال: «قد بریتَ(2) یا ابن أبي طالبَ، فلابَاس عليكَ ما سَالت الله ليَّ شيئاً إلاّ سَألت لكَ بمثله، ولا سَالت الله شيئاً إلا أعطانيه، غير إنِّي قيلَ لي: انَه لا نبي بعدَك؛ فقمتُ كإني ما اشتكيتُ»(3).
وأخرج أبو نعيم(4) في فضائل الصحَابة، عن علي، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «قم يا علي؛ فقد بريت مَا سألت الله شيئاً الا أعطاني، وما سألت الله شيئاً إلاّ سَألت لكَ مثله، إلاّ أنه قيل لي: لا نبوة بعدَك»(5).
ص: 214
وأخرَج المَحاملي(1) في أماليه، عن عبد الله بن الحَارث، قالَ: قلت لعَلي ابن أبي طالب: أخبرني بأفضَل منزلتك من رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؛ قال: «نعم، بينا أنا نائم عنده، وهو يصليّ، فلمَا فرغ من صلوته، قالَ: «يَا علي ما سألت الله من الخير إلاّ سألت الله من الخير إلا سألت لكَ مثله، وما استعذت الله من الشر إلاّ استعذت لك مثله»(2).
وأخرج الطبراني في الكبير(3) عن سَلمان، وأبي ذر معاً قالا: قالَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعلي: «أن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق،
ص: 215
والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوبَ الظالمين»(1).
وأخرج أبو نعيم في المعرفة(2)، وابن عساكر عن أبي ليلى(3)، وابن النجار عن ابن عباس إن النبيّ (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «الصديقون ثلاثه: حبيبُ النجار مؤمن آل يس، قال: «أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ»؟ وعلي ابن أبي طالب، وَهو أفضلهم»(4).
ص: 216
وأخرج ابن أبي شيبة(1)، والنسائي في الخصایص(2)، وابن أبي عاصم في السنة(3)، والعقيلي(4)، والحاكم(5)، وأبو نعيم(6)، عن عبادة بن عبد الله، سمعت علياً يقول: «أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولَها بعدي إلاّ كذّاب مفتر، ولقد صليت قبل الناس سَبع سنين»(7).
ص: 217
وأخرج محمد ابن أيوبَ الرازي في جزیه، وَالعقيلي(1) عن سليمَان بن عبد الله، عن مَعاذة العدوية قالت: سمعت علياً وهو يخطب على منبر الكوفة، يقول:
«أنا الصّدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم»(2).
وأخرج الديلمي عن عائشة والطبراني(3)، وابن مردويه(4)، عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «السبق ثلثة: فالسابق إلى موسى يوشع ابن نونَ، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي ابن أبي طالبٍ».
نعت تلازم الحرية عن القيود.
والإمامة: تليق بمن صار مرکزاً لدائرة الوجود ولا کمال فوق أن يعطي الله
ص: 218
لعبد ما أعطى رسوله في المواطن، والمشاهد كلها، مبدأ و معادا؛ يوم المشهود، ويوم الموعود.
والصديقة الكبرى هي: التحقيق بما تحقق به الرسول، والتهيأ لقبول ما نزل عليه بالاستعداد الأزلي في حضرة العلم، والوجود.
والفارقية: نسبة فرق بينه(1) تجمع بالقرانية العلية عند الجمع بين قوسي دايرة الوجود والسابق من سبق الأقران في العالم الإيماني والعرفاني، والإحساني بأكمل الشهود.
ص: 219
ص: 220
ص: 221
ص: 222
قال الله تبارك وتعالى: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ»(1).
أخرج ابن أبي حاتم(2) عن علي قال قال قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في قوله: «وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ»، قال هو علي ابن أبي طالب(3) وأخرج ابن
ص: 223
عساكر(1) عن أبي الحَمراء قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«رأيت ليلة أسري مثبتاً على ساق العرش أني أنا الله لا إله غير خلقت جنة عدن بيدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلي نصرته بعلي»(2).
وأخرج الطبراني عن أبي الحمراء قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لَما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت في سَاق العرش الأيمن لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته»(3).
وأخرج العقيلي(4)، عن جابر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة لا
ص: 224
إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي»(1).
وأخرج الشيخان(2)، عن سهل بن سعد، والطبراني(3)، عن ابن عمر وأبي يعلى وعمران بن حصين والبزار عن ابن عباس: (أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله».
فبات الناس يذكرون ويتحدثون ليلتهم أیِّهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) كلهم يرجوا أن يُعطاها؛ فقال:
«أين علي بن أبي طالب؟».
فقيل: يشتكي عينيه؛ قال: «فأرسلوا إليه».
ص: 225
فأتي به، فبصق رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به، وجمع فأعطاه الراية)(1).
وأخرج ابن أبي شيبة(2)، والبزار(3) بسند حَسن عن علي قال: (سار رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم(4)، إلى خيبر، فلما أتاها بعَث عمر ومعَه الناس إلى مدينتهم أو إلى قصرهم، فقاتلوهم فلم يلبثوا أن أنهزم عمر وأصحابه، فجاء يجبنهم ويجبنونه، فساء رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فقال: «لأبعثن عليهم رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يقاتلهم حتى يفتح الله له، ليس بفرار».
فتطاول النَاس لهَا، ومدوا أعناقهم يرونه انفسهم، ورجَاء ما قال؛ فمکث رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ساعة، فقال: «أين علي؟».
ص: 226
فقالوا: هو أرمد، قال: «أدعوه لي».
فلما أتيتُه فتح عيني ثمّ تفل فيها ثم أعطاني اللّواء فانطلقتُ به سعياً خشية أن يحدث رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فيهم حدثا، أو فيّ، حتى أتيتها فقاتلتهم، فبرز مرحب یر تجز وبرزت له أرتجز کما یرتجز حتى ألتقينا، فقتله الله بيدي، وأنهزم أصحابه فتحصنوا وغلقوا الباب، فأيتنا الباب، فلم أزل أعالجه حتى فتحه الله)(1).
قوله: (فقتله الله بيدي)، إشارة إلى مقام جمع الجمع، أي كان يده (کرم الله وجهه) يد الله في القتل کما کان ید رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ید الله في الرمي يوم بدر، إذ قال الله تعالى: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى»(2).
وأخرج ابن أبي شيبة(3)، عن براء بن عازب قال: (بعث رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) جيشين، على أحدهما علي ابن أبي طالب، وعلى الآخر خالد
ص: 227
ابن الوليد، فقال: إن كان قتال فعلى(1) الناس، فأفتتح علي حصناً فأخذ جارية لنفسه، فكتبَ خالد يستنويه(2) فلما قرأ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الكتب، قال: «ما تقول في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»)(3).
وأخرج الترمذي(4)، عن عائشة قالت: (كانت فاطمة أحب النساء إلى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وزوجها علي أحب الرجال إليه)(5).
ص: 228
وأخرج ابن عساکر، عن عروة(1) قال، قلتَ لعائشة: من كان أحبَ الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؟ قالت: علي ابن أبي طالب، قلت: أي شيء كان سبب خروجك إليه؟ قالت: لم تزوج أبوكَ أمكَ؟! قلت: ذلكَ من قدر الله، قالت: وكان ذلكَ من قدر الله(2).
وأخرج ابن أبي شيبة(3)، عن أبي عبد الله الجدلي قال: قالت لي أم سلمة (رضي الله عنها) يا أبا عبد الله أسب(4) رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فیکم، ثم لا تغيرون؟! قلت: ومن سبَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؟! قالت: يسَب علي ومن يحبّه؟! وقد كان رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يحبَه(5).
ص: 229
وأخرج الترمذي(1) عن أنس قال: كانَ عند النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) طير فقال: «اللَّهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير فجاءه علي يأكل(2) معه»(3).
وأخرج الحسن بن سفيان عن أبي الضحَاك الأنصَاري قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي إن جبرئیل زعم أنه يحبك، قال: وقد بلغت أن يحبني جبرئل؟! قال: نعم، ومن هو خير من جبريل، الله عز وجل يحبك»(4).
ص: 230
وأخرج البيهقي في فضائل الصحابة عن سلمان الفارسي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبة من ياقوت حمراء على يمين العرش، وضربت لأبي إبراهيم قبة من ياقوتة خضراء على يسار العرش، وضربت فيما بيننا لعلي ابن أبي طالب قبة من لؤلؤة بيضاء، فما ظنكم بحبيب بن خليلين»(1).
وأخرج الحاكم في تاريخه، وأبو داود، والبيهقي في فضائل الصحابة، عن حذيفة قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «أتخذني خليلاً کما اتخذ إبراهيم خليلاً فقصري في الجنة وقصر إبراهيم في الجنة متقابلين، وقصر علي ابن أبي طالب بين قصري، وقصر إبراهيم فيا له من حبيبَ بين خليلين»(2).
ص: 231
وأخرج أحمد(1)، والضياء، والضحاك وصححه(2)، عن أبي سعيد الخدري، قال: (اشتكى الناس علياً(3)، فقام رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فينا خطيباً، فقال: «لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأخشى في ذات الله أو في سبيل الله»(4).
وأخرج أبو نعيم(5) في الحلية عنه قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله -
ص: 232
وسلم): «يا أيها الناس لا تشكوا علياً فو الله إنه لأخشى في دين الله»(1).
وأخرج الطبراني(2)، وأبو نعيم في الحلية(3)، عن کعب ابن عجزة قال، قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم: «لا تَسبُوا علياً، فإنه ممسُوس في ذات الله تعالى»(4).
وأخرج ابن عساکر، عن أنس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما من نبي إلا له نظير في أمتي، وأبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظیر موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي ابن أبي طالب نظيري وَمن سره أن ينظر إلى عیسی ابن مریم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري(5)»(6).
ص: 233
اجتمعت الصوفية قدس الله أسرارهم على أن في هذه الأمة المرحومة المحمدية أولياء بعدد الأنبياء وكل ولي على قلب نبي وأكمل الأولياء من كان على قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في نظيره المذكور في الحديث.
وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة مرفوعاً أن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «من سرَه أن ينظر إلى آدَم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وَإلى إبراهيم في خلقه، فلينظر إلى علي ابن أبي طالب»(1).
ص: 234
ص: 235
ص: 236
قال الله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا»(1).
أخرج أحمد، والطبراني(2)، وابن أبي حاتم(3)، والحاكم عن ابن عباس أن هذه الآية لما نزلت قالوا يا رسول الله مَن قرابتكَ هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: «علي وفاطمة وأبناهما»(4).
ص: 237
وأخرج أبو الشيخ وغيره، عن علي (كرم الله وجهه) قال: فينا في أول حم، آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»)(1).
وأخرَج الملاء في سيرته أن النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «إنَّ الله جعل أجري عليكم المودة في القربى، وَإني سائلكم عنهم غدا»(2)، قال الله عز وجَل: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»(3).
ص: 238
أخرج ابن مردویه، والديلمي(1)، عن البراء قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعلي: «قل اللّهم أجعَل لي عندكَ عهداً، وأجعَل لي عندكَ ودا، وأجعَل لي في صدور المؤمنين مودة، فأنزل الله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» قال: فنزلت في عليّ»(2).
وأخرج الطبراني(3) وابن مردوية عن ابن عباس قال: نزلت في علي ابن أبي طالب «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»، قال: محبّة في قلوب المؤمنين)(4).
ص: 239
وَأخرج الحكيم الترمذي(1)، وابن مردوية عن علي، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) عن قوله «سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا»، ما هو؟ قال: «المحبّة في صدور المؤمنين، والملائكة المقربين، يا علي إن الله أعطى المؤمن ثلاثاً المقة(2)، والمحبّة، والحلاوة المهابة في صدور الصالحين»(3).
وأخرج الحافظ السلفي، عن محمد بن الحنفية، أنه قال في تفسير هذه الآية: (لا يبقى مؤمن إلا وفي قلبه ود العَلي وأهل بيته)(4).
وأخرج الخطيب(5)، وابن النجار، والديلمي، عن أنس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «عنوان صحيفة المؤمن حب علي ابن أبي طالب»(6).
ص: 240
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق(1)، عن محمد بن علي، معضلا قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما ثبّتَ الله حبّ علي في قلب مؤمن فزلت به قدم إلاّ ثبت الله قدمه يوم القيامة على الصراط»(2).
وأخرج الطبراني(1) عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده، وعن أم سلمة بسند حسن، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من أحبَ علياً فقد أحبني، وَمن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله»(2).
وأخرج الحاكم(3) عن سلمان قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من أحبَ علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني»(4).
وأخرج الديلمي عن ابن عباس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله -
ص: 242
وسلم) لعلي: «من أحبكَ فبحبي أحبّكَ، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبكَ»(1).
وأخرج عبد الله بن أحمد عن أم سلمة قالت، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعلي: «لا يبغضك مؤمن، ولا يجب منَافق»(2).
وأخرج ابن أبي شيبة(3) عنها قالت، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لا يبغض علياً مؤمن، ولا يحبَه منافق».
وأخرج مسلم(4)، والترمذي، وقال حَسن صحيح(5)، والنسائي(6)، وابن ماجة عن علي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لا يحبك إلا مؤمن
ص: 243
ولا يبغضك إلا منافق»(1).
وأخرج النسائي، والطبراني عن أم سلمة قالت، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن»(2).
وَأخرج الحميدي(3)، وابن أبي شيبة(4)، وأحمد، والعدني، ومسلم(5)، والنسائي(6)، وابن ماجة، وابن حبان(7)، وأبو نعيم، وابن أبي عَاصم(8)، عن علي قال: «وَالذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبي الأمي إليَّ، لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني
ص: 244
إلا منافق»(1).
وأخرج الطبراني، وَالحاكم(2)، وَالخطيبَ(3)، عن عمار بن یَاسر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي طوبى لمن أحبّك وصَدق فيكَ؛ وویل لمن أبغضَك، وكذبَ فيك»(4).
وأخرج تَمام، وابن عساكر(5) عن ابن عبَاس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «حبّ علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب»(6).
ص: 245
وأخرج الطبراني(1)، عن ابن عمر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ألا أرضيكَ يا علي أنت أخي، ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبرئ ذمتي، فمن أحبكَ في حياة مني، فقد قضى نحبه، ومن أحبَك في حيوة منك ختم الله له بالأمن، والإيمان، وَمن أحبكَ بعدِي ولم يركَ، ختم الله له بالأمن والإيمان وأمنه يوم الفزع، ومن مَات يبغضكَ ياعلي مَات ميتة جَاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام»(2).
وأخرج الطبراني في الكبير(3)، والبيهقي في فضائل الصحَابة عن فاطمة الزهراء قالت، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «إنّ الله عز وجل باهی بكم، وغفر لكم عامة، وغفر لعَلي خاصة، وَإني رسول الله إليكم غير مَحاب لقرابتي، هذا جبريل يخبرني: أن السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياته وبعد موته، وإن
ص: 246
الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وَبعد وفاته»(1).
وأخرج أبو بكر الخوارزمي(2)، إنّه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) خرجَ عليهم ووجهه مشرق کدائرة القمر، فساله عبد الرحمنَ بن عوف، فقال:
«بشارة أتتني من ربي في أخي، وابن عمي، وابنتي، بأن الله زوج علياً من فاطمة، وَأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبَا فحملَت رقاقاً، يعني صکاکا بعدَد محبي أهل البيت، وأنشأ تحتَها ملائكة من نور، دفع إلى كل ملك صكا، فإذا استوت القيامةَ بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق، فلاَ يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار؛ فصَار أخي، وابن عمي، وابنتي، فكاكَ رقاب رجَال ونساء من أمتي من النار»(3).
وأخرج ابن سعد، عن رافع مولى عائشة قال، قال رسول الله (صلى الله عليه -
ص: 247
وآله - وسلم): «عادي الله من عادى علياً»(1).
وأخرج العَدني، وأبو يعلى(2)، وسعيد بن منصور، عن سعَد بن وَقاص، وأحمد(3)، والبخاري في تاريخه(4)، وابن سعد، والطبراني، وَالحاكم(5)، عن عمرو ابن شاش، أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «من آذى علياً فقد آذاني»(6).
ص: 248
وأخرج ابن مردوية(1)، عن أنس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من حسد علياً فقد حسدني، ومن حسدني فقد کفر»(2).
وأخرج أحمد(3)، وَالحاكم(4)، وابن عساکر(5)، عن أم سلمة قالت، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من سبَ علياَ فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله»(6).
ص: 249
وأخرج الطبراني(1)، عن ابن عمَر قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من فارق علياً فارقني، ومن فارقني فارق الله»(2).
وأخرج الحاكم(3) عن أبي ذر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «من فارقكَ يا علي فقد فارقني، وَمن فارقني فارق الله»(4).
وأخرج الطبراني(5)، عن عمرو بن شرحبيل قال، دعا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فقال: «أللَّهمَ أنصر من نصر علياً، اللّهم أكرم من أكرم علياً، اللهم أخذل من خذل علياً»(6).
ص: 250
وأخرج الشيرازي في الألقاب، وابن النجار، عن ابن عمر قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «اللَّهمَ اشهَد اللّهم قد بلغت: هذا أخي، وابن عمي، وصهري أبو وَلدي، اللّهم كبّ من عاداه في النَار»(1).
وأخرج الديلمي(2)، عن جَابر قالَ، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ثلاث من كن فيه فليسَ منّي، ولا أنا منه، بغض علي، ونصبَ أهل بيتي، ومَن قال الإيمان كلام»(3).
عاصم(1)، وابن شاهين، وفي السنة، عن علي، قال: دَعاني رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: «يا علي إنّ فيكَ من عیسی مثلاً أبغضتهُ اليهود حتی بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بهَا».
وقال علي: «ألا وأنه يهلكَ فيّ رجلان، محبٌ مطري يطرئني بما ليس في وَمبغض مفتري يحمله شناني على أن بهتني ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكنّي أعمل بكتاب الله وسنّة نبيه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ما استطعتُ، فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحبتم وأكرهتم، وَمَا أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله إنما الطاعة في المعروف»(2).
وروى ابن جریر صدره المرفوع، وأخرج ابن منیع بسند رُوَاته ثقات عن أبي
ص: 252
حجيفة، قال: سمعت عليّاً يقول على المنبر: «هلك فيَّ رجلان، محب غال، ومبغض غال»(1) (2).
وأخرج ابن أبي عاصم في السنّة(3)، وابن شاهين، عن علي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «سيأتي بعدي قوم هم نبز يقال لهم الرافضة، إن لقيتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون»!
قلت: يا نبي الله ما العلامة فيهم؟ قال: «يفرطونك ما ليس فيك، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم»(4).
ص: 253
ص: 254
وأخرج ابن أبي شيبة(1) وغيره عن علي، قال:
«اللَّهم العن كل مبغض لنا؛ قال: وكل محب لنا غال»(2).
وأخرج ابن أبي عاصم(3)، وخشیش عن علي، قال:
«يحبني قوم يدخلهم حبي النار، ويبغضني قوم يدخلهم بغضي النار»(4).
ص: 255
ص: 256
ص: 257
ص: 258
قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(1).
أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي(2)، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن هذه الآية لما نزلت، قال (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعلي:
«هو أنت وَشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضيين مرضيين، وأتي عدوك غضاباً مقمحين، فقال: من عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك»(3) (4).
ص: 259
وأخرج الدارقطني(1)، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «یا أبا الحسن، أما أنت وشيعتكَ في الجنة، وأنّ قوماً يزعمون أنّهم محبوكَ، يضفرون الإسلام ثم يلفظونه، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية، لهم نبز، يقال لهم الرافضة؛ فإن أدركتهم فقاتلهم، فإنهم مشرکون».
قال الدارقطني: وهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة.
ثم أخرج عن أم سَلمة رضي الله عنها، قالت: (كانت ليلتي، وكان النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) عندي، فأتته فاطمة فتبعَها علي رضي الله عنهما، فقال له النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي أنت وأصحابك في الجنّة، وأنت وشيعتك في الجنة، إلا ممن يزعم أنه من يحبك أقوام يضفرون بالإسلام ثم يلفظونه، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فجاهدهم فإنّهم مشركون».
قال يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال:
ص: 260
«لا يشهَدون جمعة، ولا جماعة، ويطعنون على السَّلَف»(1) (2).
وأخرج أحمد في المناقب إنه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال لعلي: «أما ترضى أنك معي في الجنة، والحسن والحسين وذرياتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرياتنا، وأشياعنا عن أيماننا وشمائلنا»(3).
ص: 261
وأخرج الطبراني(1) أنه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال لعلي: «أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وذرياتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا»(2).
وأخرج الديلمي(3) أنه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «يا علي إن الله قد غفر لك، ولذريتك، ولولدكَ، ولأهلكَ، ولشيعتكَ، ولمحبي شيعتك، فأبشر؛ فإنك الأنزع البطين»(4).
وأخرج الطبراني(5)، أنّ علياً أتي يوم بصرة بذهبٍ وفضةٍ، فقال: «أبيضي - واصفري، وغري غيري، غري أهل الشام غراً، إذا ظهروا عليك» فشق قوله ذلك على الناس، فذكر ذلك له فأذن في الناس فدخلوا عليه فقال: إنّ خليلي (صلى الله
ص: 262
عليه - وآله - وسلم) قال: «يا علي إنكَ ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليك عدوكَ غضابا مقمحين؛ ثم جمع علي يده إلى عنقه يريهم الإقحام»(1).
ثم اعلم أن شيعته (عليه السلام) هم الصوفية العلية،(2) المتبعون له في الأعمال والأذكار، المقتدون به في الأخلاق والأفكار، الآخذون من مشکوة ولائه المعارف والأسرار، المقتبسون من نور عرفانه الأنوار، كما يدل عليه، وكما أخرج الدينوري، وابن عساکر،(3) عن المدايني، قال نظر علي ابن أبي طالب إلى قوم ببابه؛ فقال لقنبر:
ص: 263
«یا قنبر من هؤلاء؟» قال: هؤلاء شيعَتك، قال: «ومالي لا أرى فيهم سيماء الشيعة؟» قال: وما سيماء الشيعة؟ قال:
«خمص البطون من الطوي، يبس الشفاه من الظماء، عيش العيون من البكاء»(1).
وأخرج صاحب المطالب العالية، عن علي كرم الله وجهه، أنه مر على جمع فأسرعوا إليه قياماً، فقال: «من القوم؟» فقالوا: من شيعتكَ يا أمير المؤمنين؛ فقال لهم: خيراً، ثم قال: «يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبّتنا؟» فامسكوا حياءً؛ فقال من معه: نسألك بالذي أكرمكم أهل البيت، وخصكم وجباکم، لما أنبأتنا بصفة شيعتكم؟ فقال:
«شيعتنا هم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل، الناطقون بالصواب، مأكولهم القوت، وملبوسهم الاقتصار، ومشيتهم التواضع، نجعوا لله بطاعته، وخضعوا إليه بعبادته، مضوا غاضين أباصرهم عما حرم الله عليهم، رامتين أسماعهم على العلم بربهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرجاء، رضاء عن الله تعالى بالقضاء، فلولا الآجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إلى لقاء الله، والثواب، وخوفا من أليم العقاب، عظم الخالق في أنفسهم، وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن
ص: 264
رآها فهم على أرائكها متكئون، وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون، صبروا أياماً قليلة، فأعقبتهم راحة طويلة، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وطلبتهم فأعجزوها.
أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن ترتيلا، يعظون أنفسهم بأمثاله، ويستشفون لدائهم بدوائه تارة، وتارة يفترشون جباههم واكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، يمجدون جبارا عظيما، ويجارون إليه جل جلاله في فكاك رقابهم، هذا ليلهم.
فأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء، براء هم خوف بارئهم، فهم كالقداح تحسبهم مرض، أو قد خولطوا، وما هم بذلك، بل خامرهم من عظمة ربهم، وشدة سلطانه، ما طاشت له قلوبهم، وذهلت منه عقولهم، فإذا استفاقوا من ذلك، بادروا إلى الله تعالى بالأعمال الزاكية، لا يرضون له بالقليل، ولا يستكثرون له الجزيل، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، ترى لأحدهم قوة في دين، وخير في لين، وإمانا في يقين، وحرصا على علم، وفهما في فقه، وعلما في حلم، و کیسا في قصد، وقصدا في غناء، وتحملا في فاقة، وصبرا في شفقة، وخشوعا في عبادة، ورحمة لمجهود، وإعطاء في حق، ورفقا في كسب، وطلبا في حلال، ونشاطا في هدي، واعتصاما في شهوة، لا يغره ما جهله، ولا يدع احصاء ما عمله، يستبطي
ص: 265
نفسه في العمل، وهو من صالح عمله على وجل، يصبح وشغله الذكر، ويمسي - وهمه الشكر، يبيت حذرا من سنة الغفلة، ويصبح فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة، ورغبته فيما يبقى، وزهادته فيما يفنى، قد قرن العلم بالعمل، والعلم بالحلم، دایما نشاطه، بعيد أكسله، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقعا أجله، عاشقا قلبه، شاکرا ربه، مانعا نفسه، محرزا دینه، کاظما غيظه، آمنا منه جاره، سهلا أمره، معد وما كبره، بيناً صبره، كثيراً ذكره، لا يعمل شيئا من الخير رياء، ولا يتركه حياءً، أولئك شيعتنا وأحبتنا، ومنا ومعنا ألا، ها، شوقا إليهم».
فصاح بعض من معه، وهو همام بن عباد بن خیثم، وكان من المتعبدين، فصاح صيحة فوقع مغشيا عليه، فحر کوه فإذا هو فارق الدنيا؛ فغسله وصلى عليه أمير المؤمنين و من معه(1).
ص: 266
ص: 267
ص: 268
ص: 269
فتامل وفقك الله لطاعته، وأدام عليك من سوابغ حمايته، هذه الأوصاف الجليلة الرفيعة الباهرة الكاملة المنيعة، تعلم إنها لا توجد إلا في أكابر العارفين
ص: 270
الأئمة الوارثين فهؤلاء هم شيعة علي وأهل بيته؛ وكيف يزعم محبة قوم من لم يتخلق قط بخلق من أخلاقهم، ولا عمل في عمره بقول من أقوالهم، ولا تأسّى في دهره بفعل من أفعالهم، ولا تأهل الفهم شيء من أحوالهم، ليست هذه محبة في الحقيقة، بل بغض عند أئمة الشريعة والطريقة، فإن حقيقة المحبة طاعة المحبوب، وإيثار محابه ومرضاته على محاب النفس ومرضاتها، والتأدب بآدابه وأخلاقه.
ومن ثم قال علي كرم الله وجهه: (لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر)(1)،
ص: 271
لأنهما ضدان وهما لا يجتمعان كذا في الصواعق(1).
وأخرج الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي ابن أبي طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً»(2).
وأخرج الديلمي(3) عن عمار بن ياسر عن أبي أيوب قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس واديا غيره، فاسلك مع علي، ودَع النَاس، إنّه لن يدلكَ على ردي، وَلن يخرجكَ من الهُدی»(4)
ص: 272
وَأخرج الطبراني،(1) والحَاكم،(2) والرافعي عن عمران بن حصين، وَالشيرازي في الألقَاب، والطبراني، والحاكم عن ابن مسعُود، أن رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «النظر إلى عَلي عبَادة»؛ إسنَاده حسن(3).
وأخرَج ابن عسَاكر(4)، عن عَایشة قالت، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «النظر إلى وجه علي عبَادة»(5).
ص: 273
وأخرج الخليل، والديلمي(1)، عن عائشة قالت، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ذكرُ علي عبَادة»(2).
وفي هذا الحديث لنَا بشارة عظيمة، لما زَيَّنا ذلكَ الكتبَ بذكره الجميل، ومدحه الجزيل (عليه السلام)، اللّهم تقبل مني، انَك أنت السميع العَليم.
ص: 274
ص: 275
ص: 276
أخرج أبو نعيم في الحلية(1) عن ابن عبَاس قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):
«ما أنزل الله تعالى آية فيها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاَّ وعلي رأسها وأميرها».
ص: 277
قال أبو نعيم لم نكتبه مرفوعاً إلا من حديث ابن أبي خيثمَة والناس رووه موقوفاً(1).
وأخرج الطبراني(2)، وابن حَاتم عن ابن عبَاس قال: (مَا انزل الله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعلي أميرهَا وشريفهَا، ولقد عاتب الله أصحَاب محمد في غير مكان، وَما ذكر علياً إلاّ بخير)(3).
ص: 278
وَأخرج ابن عسَاكر(1) عنه، قال: (مَا نزل في أحَد من كتاب الله، مَا نزلَ في علي)(2).
وأخرج عنه(3) أيضاً، قال: نزلت في علي ثلثماية(4) آية؛ وقال الله تعالى «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(5)، قال في مداركَ التنزيل نزلت جواباً لقول العباس رضي الله عنه حينَ أسر وطفق علي رضي الله عنه يوبخه بقتال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وقطيعة الرحم تذكر مسَاوينا وتدع محاسننا، فقيلَ: أولكم المَحاسن؟ فقَال: نعمّر المسجد، وَنسقي الحاج، وَنفكَ
ص: 279
العَاني؛ وقيل: أفتخر العبَاس بالسقاية، وَشيبَة بالعمارة، وعلي رضي الله عنه بالإسلام والجهَاد؛ فصَدق الله تعالى علياً(1).
وأخرج ابن قانع، وابن مندة، وابن عدي(2)، وَالطبراني(3)، وابن عساکر(4)، عن شراحيل بن مرة قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «أبشر يَا علي حياتكَ وموتكَ معي»(5).
وَأخرج ابن سَعد عن محمد بن أسَامة ابن زيد، عن أبيه قال، قال رَسول الله
ص: 280
(صلى الله عليه - وآله - وسلم) لعلي: «أشبه خلقي خلقك، وأشبَه خلقكَ خلقي، فأنت مني، وَمن شجرتي»(1).
وأخرج الخطيب(2)، عن علي قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «أشبَهت خَلقِي وخُلُقي، وَأنت من شجرتي التي أنا منهَا».
وأخرج ابن أبي شيبَة، وأحمد(3)، وَالترمذي وقال حسن صحیح(4) غریب،
ص: 281
والنسائي(1)، وابن ماجة، وابن أبي عَاصم(2)، والبغوي، وَالبارودي، وابن قانِع، والطبراني(3)، وَ الضيَاء، عن حبشي ابن جنادة السلولي قال، قال رسُول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي مني، وأنا من علي، ولا يؤدي عنّي إلاّ أنا، أو علي»(4).
وأخرج الحاكم(5)، عن جَابر قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي، الناس من شجر شتي، وأنا وأنت من شجرة واحدة»(6).
ص: 282
واخرج الخطيب(1)، عن البراء، وابن مردوية(2)، والديلمي(3) عن ابن عبَاس، أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «علي مني بمنزلة رأسي من بدَني»(4).
وَأخرج العقيلي(5)، عن ابن عبَاس قال، قالَ رسول الله صلى الله عليه - وآله - وَسلم: «يا أم سلمة إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى»(6).
ص: 283
وأخرج الديلمي(1)، عن عمر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لو أن السماوات والأرضَ موضوعَات في كفة، وإيمان علي في كفة، لرجح إيمان علي»(2).
وأخرج الحاكم(3)، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لمبأذرة(4) علي لعمرو بن عبدودّ أفضَل من أعمَال أمتي إلى يوم القيامة»(5).
ص: 284
وأخرج الحاكم وصحَحَه(1)، عن أم سلمة قالت، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي مع القرآن، وَالقرآن مع علي لن يفترقا حتى یردا عليّ الحوض»(2).
وأخرج أبو يعلى(3)، والضيَاء، عن أبي سعيد الخدرِي قال، قالَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وَسلم): «الحق مع ذا الحق، مع ذا، يعني علياً»(4).
ص: 285
وأخرج الطبراني(1)، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، إنَّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بعَث علياً، فلمَا قدم قال له: «الله ورسُوله وجبرئیلُ عنك راضون»(2).
وأخرج ابن عساکر(3) إنَّ رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «إنَّ الملائكَة صلت عليّ، وعَلى علي سَبع سنين، قبل أن يسلم بشر»(4).
وأخرج أبو نعيم في الحليَة(5)، عن عمار بن یَاسر قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي إنَّ الله تعالى قد زينكَ بزينة لم يزين العبَاد بزينة أحب إلى الله تعالى منهَا، هي زينة الأبرار عند الله الزهد في الدنيَا فجعَلك لا تنال من الدنيَا شيئا، ولا ترى الدنيَا منكَ شيئا، ووهَب لكَ حب المسكين فجعَلت
ص: 286
ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بكَ إماماَ»(1).
وأخرج الخطيب(2)، عن ابن عبَاس قال، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي إنَّكَ عبقريّهم»(3).
وَأخرج ابن مردويه(1)، والديلمي(2)، عن سلمَان قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي ابن أبي طالب ينجز عُداتي، ويقضي ديني»(3).
وأخرَج الديلمي(4)، عن أبي سعيد قال، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي أنت تغسل جثتي، وتؤدي ديني، وتواريني في حفرتي، وَنفي بذمتي، وَأنت صَاحب لوائي في الدنيَا والآخرة»(5).
وأخرج أحمد(6)، وابن أبي الدنيا في الأضَاحي، وابن جَرير وصححه، عن حبيش قال: (کَان علي ابن أبي طالبَ يضحي بكبش عن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وبكبش عن نفسه؛ قلنا له: يا أمير المؤمنين تضحي عن رسول
ص: 288
الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «أمرني رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه(1) أبداً»)(2).
وأخرج أحمد، وابن خزيمة وأبو عوانة، وَالدار قطني في الأفراد عن أبي بكر أنَّ النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحجج بعد هذا العَام مشركَ، ويطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلاَّ نفس مسلمة؛ من کَان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) مدة فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسُوله.
فسار بها ثلثا، ثم قال لعلي: «ألحقه فرد على أبي بكر وتلقاها أنتَ»، ففعل؛ فلما قدم أبو بكر بکی، قال: (یَا رسول الله حدث فيَّ شيء)؟ قالَ: «ما حَدث فيكَ إلاّ
ص: 289
خيراً، ولكن أُمِرتُ أن لاَ يبلغها إلاَ أنا، أو رجل مني»(1).
وَأخرج عبد الله ابن أحمد(2)، وابن جرير، عن علي: أن النبيّ (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، حين بعثه ببراءة قال: «يَا نبي الله، إني لَست باللسن، ولا بالخطيب؟ قال: لابدّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بهَا أنت قال: فإن كان لابد فسأذهب أنَا».
قال: إنّطلق، فإن الله يثبت لسانك، ويهدي قلبك، ثم وضع يده على فمه وقال: «إنّطلق فاقرأهَا على النَاس»؛ وقال: «إن النَاس سيقاضون إليكَ فإذَا أتاكَ الخصمَان فلا تقضين لواحد حتى تسمَع كلام الأخر فإنَه أجدر أن تعلم الحق»(3).
وأخرج ابن عسَاکر(4)، عن ابن عبَاس، قال: (مشيت وعمر بن الخطابَ في بعض أزقة المدينة، فقال: يا ابن عبَاسَ أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولوه
ص: 290
أموركم؟ فقلتَ: والله ما أستصغره رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، إذ أختاره لسورة براءة يقرأها على أهل مكة؛ فقال لي: الصَواب تقول، سمعت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يقول لعَلي ابن أبي طالب: «من أحبكَ أحبني، وَمن أحبني أحب الله، ومن أحبَ الله أدخله الجنة»)(1).
وأخرج أبو عمر الزاهد في فواید، عن علي قال: دَخلت على نبي الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وَهو مريض فإذا رأسه في حجر رجل أحسن ما رأيتُ من الخلق والنبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) نایم، فَلما دخلت عليه، فقلتُ أدنوا؟ قال الرجل: أدن من ابن عمكَ فأنت أحق به مني؛ فدنوت منهمَا، فقَام الرجل وجلست مکَانه، ووضعت رأس النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في حجري كَمَا كان في حجر الرجل، فمكثت سَاعة.
ثم أن النبيَ (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أستيقَظ فقَال: «أين الرَجل الذي
ص: 291
كان رأسي في حجره»؟ فقلت: لَما دخلت عليكَ دعَاني، ثم قالَ: أدن إلى ابن عمكَ؛ فأنت أحق به مِني، ثم قام فجلست مکَانه، فقال:»؟ قلت: لا بأبي وَأمي؛ قال: «ذلكَ جبرئيل، كان يحدثني حتى خف عني وجعي ونمت ورأسي في حجره»(1).
وأخرج الطبراني(1)، عن أم سلمة قالَت، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لاَ ينبغي لَأحد أن يجتنب في هذا المسجد إلا أنا، أو علي»(2).
وأخرج أحمد(3)، وَالضيَاء، والحاكم(4)، عن زید ابن أرقم، والخطيبَ(5)، عن جابر، أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «سدوا هذه الأبواب كلها إلا باب علي».
وأخرج أحمد(6) والضيَاء عن زید ابن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «أما إني أمرت بسد هذه الأبوابَ، غير باب علي، فقال فيه قائلكم، وَإني والله مَا سددت شيئاً ولاَ فتحتُه، ولكن أمرت بشيء فابتعته»(7).
ص: 293
وأخرج البزار(1)، عَن علي (عليه السلام)، قال: (أخذ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بیدي، فقال: «إنَّ موسی سَأل رَبه أن يطهر مسجدَه بهارون، وإني سألت ربي أن يطهر مسجدي بكَ، وبذريتكَ»؛ ثم أرسَل إلى أبي بكر: أن سد بابكَ؛ فأسترجع، ثم قال: سمع وَطاعة، فسد بَابه؛ ثم أرسل إلى عمر؛ ثم أرسل إلى العبَاس بمثل ذلك؛ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما أنا سددت بأبوابكم وفتحت بَاب علي، ولكن الله فتح بَابَ علي وسد أبوابكم»(2).
وأخرج أيضا(3)، عن علي قال، (قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «إنطلق فمرهم فليسددوا أبوابهم»، فانطلقت فقلت لهم ففعلوا إلاّ حمزة؛ فقلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلوا إلاّ حمزة؛ فقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «قل لحمزة فليتحول بابه»، فقلت: إنَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمرك أن تُحَول بابك، فحوله، فرجعت إليه وهو قائم
ص: 294
يصلي، فقال: إرجع إلى بيتك)(1).
وأخرج ابن جرير، عن الحارث ابن مالك، قال: خرجت إلى مكة فلقیت سعد بن مالك فقلت له: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: قد شهدت له أربعاً لأن تكون لي إحداهن أحب إليَّ من الدنيا أُعمر فيها ما عمّر نوح؛ إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوما وليلة، ثم قال لعلي: «إلحقّ أبا بكر فخذها منه فبلغها»، فرد، على أبي بكر، فرجع أبو بكر، قال: يا رسول الله، صلى الله عليك، هل نزل فيَّ شيء؟ قال: «لا، إلا خبر، إنَّه لا يبلغ عني، إلا أنا أو رجل مني» أو قال: «من أهل بيتي».
قال: وكنا مع رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فنودي فينا ليلاً، ليخرج من في المسجد إلاّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) و آل علي؛ فخرجنا نحن، فلما أصبحنا أتى العباس رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: أخرجت أعمامك وأصحابك وأسكنت هذا الغلام؟! قال: «ما أنا ولأسكان هذا الغلام، إنَّ الله هو أمر به».
والثالثة: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بعث عمر، وسعد
ص: 295
إلى خيبر، فخرج سعد، ورجع عمر، فقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لأعطين الراية غداً، رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، في ثناء كثير أخشى أن أخطیَّ في بعضه.
والرابعة : يوم غدیر خم، قام رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، ثم قال: «أيّها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ ثلاث مرات، قالوا: بلى؛ قال: «أدنُ يا علي»، فرفع يده، ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: «من کنت مولاه، فعلي مولاه»، ثلاث مرات.
قال والخامسة من مناقبه: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، غدا على ناقته الحمراء، وخلف علياً فشبب بذلك قريش عليه، وقالوا إنّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) إستثقله، وكره صحبته ، فبلغ ذلك علياً، فجاء حتى أخذ بغرز الناقة، وقال: «یا رسول الله لأتبعنك؛ أو قال: إنّي لتابعك، زعمت قريش أنك إنما خلفتني أنك أستقلتني، وكرهت صحبتي، وبکی علي»؛ فنادی رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في الناس فاجتمعوا عليه، فقال: «أيها الناس ما منكم من أحداً إلا وله حامة(1) أما ترضى ابن أبي طالب أنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، فقال علي: «رضيت عن الله وعن رسوله»(2).
ص: 296
إعلم أن في سد الأبواب غير باب علي (كرم الله وجهه)، إشارة وبشارة له (عليه السلام)، بأن باب أفاضته المعارف والأسرار، وإيصاله الحقائق والأنوار إلى قلوب الأولياء والأوصياء، مفتوح أبدا في الدنيا والأخرة، لا ينسد في حين من الدهر؛ هذا هو السبب لإنتساب أكثر طرق أهل الله إليه (كرم الله وجهه) والحمد لله على ذلك.
فلذلك كانت هذه الكنية أحب الكنى إليه لأنه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) کناه بها(1).
وأخرج الطبراني(2)، عن أبي الطفيل، قال جاء النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وعلي نائم في التراب، فقال: «إنَّ أحق أسمائك أبو تراب».
وأخرج أحمد في المناقب، والبوصيري ورواته ثقات(3)، عن علي، قال: (طلبني رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فوجدني في جدول نائماً، فقال: «قم ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب»، فرأني كأني وجدت في نفسي من ذلك، فقال: «قم والله لأرضينك، وأنت أخي، وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرأ عن ذمتي، ومن مات في عهدك فقد كبر الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت؛ ومن يبغضك مات ميتة الجاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام»(4).
ص: 298
قال بعض أهل التحقيق من أرباب التصوف: إنَّ في هذا الإسم إشارات دقيقة، ومعاني بليغة، تدل على کمال رتبته، ونهاية فضيلته (کرم الله وجهه)، وهي إنّ التراب أشارة إلى وجود أهل التوحيد، الذين فنوا عن ذواتهم، فالحاصل أنه (کرم الله وجهه)، أصل ومقتدى، وأمام ومرجع، لطائفة الفقراء وأرباب الفناء، وأهل الكمال؛ ولذلك تنتهي سلاسل مشايخ الطريقة إلى ذاته الشریف (عليه السلام)، وقد نظم ذلك المعنى مقتدى الأخبار وصاحب الأسرار والأنوار جمال الدین خواجة محمد الباقي قدس سره في بعض كلماته، فرأيت أن أذكر هذا التنظيم تیمناً نظم:
(من حاصل این خطاب کويم *** مضمون ابو تراب كويم
خاكاند جماعتى که مردند *** هستی بخدای خود سپردند
از سطوت نور در شکسته *** در آب بقا فرو نشسته
کردی نبپشت يا ازيشان *** دردی کف پای خود جه امکان
سر حلقه خاكيان على بود *** سر سلسله جهان على بود
زان بحر دو بحربند بکشود *** يكسو خس وحبيب وداود
معروف سري جنيد بغداد *** کزوی طرف كثيره بكشاد
يكسوی دگر لطيفه پاك *** مستور بزیر پرده خاك
سبطين رسول وزين عباد *** پس باقر وصادق نکوزاد
ص: 299
این سلسله از طلای نابست *** این خانه تمام آفتاب است
معنی ابو تراب این است *** تفسير اشارت اينچنين است)(1)
وعندي لذلك الاسم تحقیق رشيق، وهو إنَّ للأرض مناسبة ذاتية بالمرتبة الذاتية المطلقة، في أمور لا توجد في غيرها، منها كونها مبدأ معاد، أو محشراً للأجسام الأنسية، قال الله تعالى منها:
ص: 300
«مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى»(1).
ومنها كونها مع بسطتها وتجبيتها شاملة محيطة على تشخيصات المواليد الثلاثة، مع كونها مندرجة فيها أندراجاً لا يوجد لها فيها اثر، وفي الإنسان جزاءً أرضي لا يوجد في العرش، وفيه هيئة وحدانية بحسب ذلك الجزاء لا يوجد في العالم الكبير، وهو إذا ترقی وعرج بحسب روحانیته و عینیته إلى المراقي العالية والمعارج القاصية حتى ينتهي ذلك العروج والترقي إلى الأحدية المجردة، يتنزل ويهبط بحسب هذا الجزاء الأرضي إلى المرتبة السفلى التي لا أسفل منها، فتحصل له أحاطة بالمراتب كلها والمواطن جلها؛ وهيئة وحدانية مطلقة تناسب الهوية المطلقة، وتلك الإحاطة والهيئة خصوصية للإنسان لا تجد في العرش ولا في العالم الكبير، وهي من بركات الجزاء الأرضي؛ ولما كان هادينا ومولانا علي (عليه السلام) أكمل فرد في تلك التربة سماه رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): أبا تراب، وقال: «إنَّ أحق أسمائك أبا تراب».
وفي ذلك المعنى يقول مؤلف الكتاب(2):
(خاك دارد نسبتی با ذات پاك *** تو جمال ذات بين در مشت خاك
ص: 301
عرش وكرسي آسمانهاترا نبود *** آنچه اندر جسم خاکی رو نمود
مقصدند از هر دو کون این خاکمان *** مطلب انداز عالمين اين خاكيان
هر چه اندر عالمست از نيك وبه *** وانچه برونست بي احصا وحد
جمله اندر آدم خاکی نمود *** علت غائى افلاكي نمود
چون على سلطان اهل خاك بود *** همسران صاحب لولاك بود
اصل خاك وخاكيان آمد على *** برتر از افلاكيان آمد على
پس أحق نامهايش از رسول *** بو تراب آمد زهى عز وقبول
حق محب شاه اهل خاك شد *** چتر سلطانيش نه افلاك شد
عارفا این نظم اندر مدح او *** من نگویم خدا گويد بگو)(1)
والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفی.
ص: 302
وأخرج الطبراني(1)، وابن عدى عن جابر، والخطيب(2) عن ابن عباس ان النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال: «إنّ الله عز وجل، جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإنّ الله جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب»(3).
وأخرج الخطيب(4)، عن أنس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيمة»، يعني علياً(5).
وأخرج الديلمي، عنه قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «یا علي أنت تبين لأمتي ما أختلفوا فيه من بعدي»(6).
ص: 303
وأخرج النسائي، والخطيب، وابن عساکر(1)، عنه، قال: كنت قاعداً عند النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فغشيه الوحي، فلما أسرى عنه، قال: «يا أنس، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش»؟ قال: «إنّ الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي»(2).
وأخرج أبو حاتم، وأحمد، عن أنس، قال: (جاء أبو بكر، وعمر، يخطبان فاطمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسكت ولم يرجع إليها شيئاً فانطلقا إلى علي (كرم الله وجهه) فأمر انه بطلب ذلك؛ قال علي: فنبهاني لأمر، فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: تزوجني فاطمة؟ قال: «وعندك شيء؟» قلت: فرسي و درعي، فقال: «أما فرسك فلا بد لك منها، وأما درعك فبعها»، فبعتها بأربعمائة وثمانين، فجئت بها، فوضعها في حجره،
ص: 304
فقبض منها قبضة، فقال إلى بلال: «أبتع لنا بها طيباً» وأمرهم أن يجهزوها، فجعل لها سریر مشروط، ووسادة من آدم حشوها ليف، وقال لعلي: «إذا أتتك فلا تحدث حتى آتيك».
فجاءت مع أم أيمن، فقعدت في جانب وأنا في جانب، وجاء رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: «ههنا لأخي»؟ قالت أم أيمن: أخوك وقد زوجته بنتك؟! قال: «نعم»، ودخل (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فقال الفاطمة: «أتني بماء»، فقامت إلى قعب في البيت فأتت فيه بماء، فأخذه ومج فيه، ثم قال لها: «تقدمي»، فتقدمت، فنضح بين يديها، وعلى راسها، وقال: «اللّهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم».
ثم قال لها: «أدبري» فأدبرت فصبه بين كتفيها، ثم فعل مثل ذلك بعلي، ثم قال: «أدخل بأهلك، بسم الله والبركة».
وفي رواية أخرى قال (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «جمع الله شملكا، وأغر جدکما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيرا طيباً».
قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب(1).
ص: 305
وأخرج ابن جرير وصححه، والدولابي(1) في الذرية الطاهرة، عن علي قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فأبي رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) عليهما؛ فقال عمر: أنت لها يا علي، قال: ما لي من شيء إلاّ درعي، وجملي، وسيفي، فتعرض علي ذات يوم لرسول الله (صلى الله عليه - واله - سلم) فقال: «يا علي هل لك من شيء؟» قال: «جملي و درعي أرهنهما»، فزوجني رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فاطمة، فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، فدخل عليها رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: «لم تبكين يا فاطمة؟ والله لقد أنكحتك أكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأقدمهم سلماً». وفي لفظ «وأولهم سلماً»)(2).
الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) إذا غضب لم يجر(1)، أحد أن يكلمه إلاّ علي(2).
وأخرج الترمذي(3)، عن جَابر، قال: دَعا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) عليا يوم الطايف(4) فأنتجاه، فقَالَ الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه!! فقالَ رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما انتجيتَه ولكن الله انتجاه»(5).
وأخرج الترمذي(6)، عن أم عطيَة، قالت: بَعث رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) جيشاً فيهم علي، قالت: فسَمعت رسول الله (صلى الله عليه - وآله
ص: 307
- وسلم) وهو رافع يديه، يقول: «اللّهم لا تمتني حتى تريني علياً».
وأخرج الديلمي، عن علي، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يوم الخندق: «اللّهم إنَّكَ أخذت مني عبيدة ابن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلبَ يوم أحد، وَهذا علي، فلا تدعني فردا وأنت خير الوارثين»(1).
وأخرج النسَائي(2)، عن علي رضي الله عليه، قال: «كانت لي منزلة من رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لم تكن لأحد من الخلايق، أتيه بأعلى سحر فأقول السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح انصرفت إلى أهلي، وإلا دخلت عليه»(3).
لما أنزلت هذه الآية «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1)، جمع النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) من أهل بيته، فإجتمَع ثلاَثون فأكلوا وشربُوا، فقال لهم: «من يضمن عني ديني، وَمواعيدِي، ويكون معيَ في الجنة، ويكونَ خليفتي في أهلِي»؟ فقال: رجل لم يسمه شريك يا رسول الله، أنت كنت بحراً من القوم بهذا؟ ثم قال للآخر، فعرض ذلكَ على أهل بيته واحداً واحداً، فقال علي أنا)(2).
ص: 309
ص: 310
وأخرج ابن أبي شيبَة(1)، وأحمد(2)، وَأبو يعلى(3)، والحاكم(4)، وابن جریر وَصَححَه، والخطيبَ(5)، عن علي، قال: (إنطلقت أنا والنبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حتى أتينَا الكعبة، فقال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، «إجلس» وصعد على منكبي، فذهبت لأخوض بهِ، فرأى مِني ضعفاً، فنزل وَجلس لي نبي الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: «أصعَد على منكبي»، فصَعدت على منكبه، فنَهض بي، فإنه يخيَل إليَّ أني لو شيئتُ لنلت أفق السَماء،
ص: 311
حتى صعَدت على البيت، وَعليه تمثال صفر أو نحاس، فجعَلت أزَوله عن يمينه وَعن شماله، وَبين يديه وَمن خلفه، ورسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يقول: «هيه هيَه» فأنا أعَالجه حتى إذا استمكن منه، قالَ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «إقذف به»، فقذفت به وأنكسر كمَا تنكسر القوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) نستبق حتى توارينا البيُوتَ، خشيَة أن يلقَانا أحد من النَاس، فلم يرفع علينا بعده)(1).
وأخرج ابن سَعد(2)، عن محمد ابن سیرین، قال: تنبئتُ أن علياً أبطأ عن بيعَة أبي بكر، فقال: أكرهت أمارتي؟ فقال: «لا، ولكن آليت بيمين أن لا أتردی بردای إلا على الصلوة حتى أجمع القرآن»، قال: إنَّه كتَبه على تنزيل، قال: محمَد فلوا أصبت ذلكَ الكتاب، كان فيه علم؛ قال ابن عوف: فسَألت عكرمة عن ذلكَ فلم يعرفه(3).
ص: 312
وأخرج الطبراني(1)، عن جابر بن سمرة، قالَ: (لمَا سَأل أهل قبا النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أن يبني لهم مسجداً، قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ليقم بعضکم فیرکب الناقة»، فقام أبو بكر فرَكبها وحركها فلم تنبعث، فقام عمَر فرکبَ فحركها فلم تنبعث، فرجعَ فقعَد، فقام علي فلمَا وضَع رجله في غرر الركاب وثبت به، قال رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «يا علي أرخ زمَامَها، وأبغوا على مدارهَا فإنّهَا مأمورة»(2).
وأخرج البزار(3)، وأبو بكر العَاقولي في فوائده، وَالحاكم(4) وَقال صحيح الاسنَاد، وابن مردوية(5)، عن عبد الله بن بكير الغنوي، عن حکیم بن جبر، عن
ص: 313
الحسن بن سَعد مولى علي، عن علي: «إنَّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أراد أن يغزوا غزاة له، فدعا جعفرا فأمره أن يتخلف على المدينة، فقالَ: لا أتخلَف بعدَك يا رسول الله أبداً، فدعَاني رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فعزم عليَّ لما تخلفت، قبل أن أتكلم، فبكيت، فقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما يبكيك يا علي»؟ قلتُ: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحدة، تقول قریش غداً ما أسرع مَا تخلف عن ابن عمه وَخذله، ويبكيني خصلة أخرى، كنت أريد أن أتعرض للجهَاد في سبيل الله، لأن الله يقول: «وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا»(1)، فكنت أريد أن أتعرض للأجر، ويبكيني خصلة أخرى كنت أريد أن أتعرض لفضل الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «أما قولكَ تقول قریش مَا أسرع ما تخلف عن ابن عمه وَخذله فإن لكَ فيَّ أسوة، قالوا سَاحر وَكَاهن وَكذاب؛ وَأمَا قولك تعرض للأجر من الله، أمَا ترضى ان تكون مني بمنزلة هَارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأما قولكَ أتعرض لفضل الله فهذان بهاران من فلفل جَاءنَا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة، حتَى يؤتيكم الله من فضله فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بكَ».
قال البزار: والبهاران وزنهمَا ثلثمائة رطل بالبغدادي(2).
ص: 314
وأخرج ابن عساکر(1)، عن أبي ذر، قال: (لما كان أول يوم في البيعة لعثمان، أجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد، وَجاء علي ابن أبي طالب فخطب خطبَة ذكر فيهَا مناقب الشيخين وَعثمان(2)، ثم قال:
«أنشدكم الله، هل تعلمون معَاشر المهَاجرين والأنصَار، أن جبرئيل أتی النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: يَا محمد لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى الا علي، فهَل تعلمون هذا كان لغيري؟
أناشدكم الله، هل تعلمون أن جبرئیلَ نزل على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فقال: يَا محمد إن الله يأمرك أن تحب علياً، وتحب من يحبَهُ، قالوا: اللّهم نعَم؛
قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه - وآله -
ص: 315
وسلم)، قال: لَما أسري به إلى السمَاء السَابعة، رفعت إلىّ رفارف من نور، ثم رفعت إلىَّ حجب من نور، فأوحي إلى النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أشياء، فلما رجع من عنده، نادى مناد من وراء الحجب: يا محمد نعم الأب أبوك أبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي؛ هل تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا؟ فقال عبد الرحمن بن عوف من بينهم: سمعتها من رسول الله (صلى الله عليه - اله - وسلم) وإلاّ صمتا.
تعلمون أنّ أحداً كان يدخل المسجد غيري جنباً؟ قالوا: اللّهم نعم.
هل تعلمون أني كنت إذا قاتلت عن يمين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قاتلت الملائكة عن يساره؟ قالوا: اللّهم نعم.
فهل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أنّت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي.
وهل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان آخى بين الحسن والحسين فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يا حسن مرتين؛ فقالت فاطمة: یا رسول الله إنّ الحسين لأصغر منه وأضعف رکنا منه؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا ترضين أن أقول أنا: هي يا حسن، ويقول جبرئيل: هي يا حسين فهل لخلق مثل هذه المنزلة؟ نحن صابرون ليقضي -
ص: 316
الله أمرا كان مفعولاً»(1).
وأخرج العقيلي، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت علياً يقول: «بايع الناس لأبي بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس کفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبایعا عثمان أذن أسمع وأطيع، أن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلا في الصلاح ولا يعرفونه، كلنا فيه شرع سواء، وأيمَّ الله لو شاء أن أتكلم، ثم لا يستطيع عربيهم، ولا أعجميهم، ولا المعاهد منهم، ولا المشرك، رد خصلة منها لفعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً أفيكم أحد، آخی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري؟ قالوا: اللّهم لا؛ ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً أفيكم أحد، له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء؟ قالوا: اللّهم لا،
قال: أفيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر ذو الجناحين الموشى بالجوهر، يطير
ص: 317
بهما في الجنة حيث يشاء؟ قالوا: اللّهم لا، قال: أفيكم أحد له مثل سبطي الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللّهم لا، قال: أفيكم أحد له مثل زوجتي فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالوا: اللّهم لا؛ قال: أفيكم أحد كان أقتل لمشركي قريش، عند كل شدة تنزل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مني؟ قالوا: اللّهم لا؛
قال: أفيكم أحد كان أعظم غناء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين اضطجعت على فراشه، ووقيته بنفسي، وبذلت له، (منحته) دمي؟ قالوا: اللّهم لا، قال: أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري، وغير فاطمة؟ قالوا: اللّهم لا، قال: أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر، وسم في الغائب، غيري؟ قالوا: اللّهم لا، قال: أكان أحد مطهراً في كتب الله غيري، حين سد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب المهاجرين، وفتح بابي، فقام اليه عماه حمزة والعباس، فقالا: یا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما أنَا فتحت بابَه ولا سددت أبوابكم، بل الله فتح بابه وَسد أبوابكم؟ قالوا: اللّهم لا،
قال: أفيكم أحد تمم الله نوره من السماء غيري حيث قال: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»، قالوا: اللّهم لا، قال أفيكم أحد ناجاه رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) اثنتي عشرة مرة غيري، حيث قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ
ص: 318
الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً»؟ قالوا: اللّهم لا، قال أفيكم أحد تولى غمض رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) غيري؟ قالوا: اللّهم لا قال أفيكم أحد آخر عهده برسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حينَ وضعه في حفرته غيري؟ قالوا: اللّهم لا(1).
والضيَاء(1)، عن علي، قال: لما نزلت هذه الآية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً»(2) قال لي رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «ما تری دینار»؟ قلت: لا يطيقونه، قال: «فنصف دينار»؟ قلت: لا يطيقونه، قال: «فكم قلتُ شعيرَة»؟ قال: «إنَّكَ لو هديت» فنزلت: «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ»(3) فبيَّ خففَ الله عن هذه الأمة(4).
وأخرج سعيد ابن منصور، وابن أبي شيبَة(5)، وابن راهويه، وعبد ابن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حَاتم، وابن مردوية(6)، وَالحاكم(7)، عن علي، قال: (إنَّ في كتب الله آية لم يعمل بهَا احد بعدي آية النجوی و كان لي دينَار فبعته بعشرة درَاهم
ص: 320
فكتبَت: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» ثم نسخت، فلم يعمل بهَا أحد؛ فنزلت: «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ»، فنزلت في الآخر)(1)، الآية.
وأخرج ابن سعد(2)، عن جَابر ابن عبد الله، إنَّ كعبَ الاحبَار قدم زمن عمر، فقَال وَنحن جلوس عند عمر يا أمير المؤمنين ما كان آخر مَا تكَلم به رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؟ فقالَ عمر: سَل علياً؛ فقال: أين هو؟ قال: هو هذا؛ فَسأله فقال علي: «أسندته إلى ظهري(3)؛ فوضع رأسه على منكبي(4)، وقال:
ص: 321
«الصَلاة الصلوة» ؛ فقال كعبَ: كذلك(1) عهد الأنبيَاء، وبه أمروا، وعليه يبعثون، قال: فمَن غسله یا امیر المؤمنين؟ قال: سَل علياً؛ فسأله(2)؛ قال: «كنت أغسله وكان العباس جالساً، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء»(3).
وأخرج أيضاً(4) عن علي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه: «أدعوا لي أخي» فدعي له علي، فقال: «أدن مني»، فدنوت منه، فأستند إلىَّ فلم يزل مستنداً إلىّ وأنه يكلمني حتى أن بعض ریق رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ليصيبني، ثم نزل برسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وثقل في حجري، فصحت: یا عباس أدركني فإني هالك؛ فجاء العباس فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه)(5).
ص: 322
وأخرج(1) أيضا عن علي بن حسين، قال: قبض رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وراسه في حجر علي(2).
وأخرج عن أبي غطفان(3)، قال: سألت ابن عباس، أرأيت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو إلى صدر علي، قلت، قال: عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين سحري ونحري؛ فقال ابن عباس: أتعقل؟! والله لتوفي رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وأنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسله، وأخي الفضل ابن عباس، وأبيَّ (أبي) أن يحضر؛ وقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) كان يأمرنا أن نستتر فكان عنده الستر(4).
ص: 323
وأخرج هو(1)، والبزار(2)، عن علي، قال: «وصاني النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى عورتي أحد إلاّ طمست عيناه؛ قال علي: فإن الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر، هما معصبا العين) قال علي: فما تناولت عضواً إلاّ كأنها نقله معي ثلاثون رجلاً حتى فرغت من غسله»(3).
لي قولا ما أحب أن لي به ما في الدنيا»(1).
وأخرج الطيالسي(2)، وابن أبي شيبة(3)، وأحمد(4) وأبو داوود(5)، والترمذي، والمروزي، وابن الجار، وداود، وأبو يعلى(6)، وابن جرير، والبيهقي(7)، والضياء، عن علي، قال: «یا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنَّ عمك الشيخ الضال(8)
ص: 325
قد مات»؛ فقال: «أنطلق فواره، ثم لا تحدثني شيئاً حتى تأتني» فواريته ثم أتيته فأمرني فاغتسلت، ثم دعالي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما على الأرض من شيء)(1).
أبن مندة عن عبد الله ابن عباس، قال، سمعت عمر بن الخطاب يقول: كفوا عن ذكر علي ابن أبي طالب، فلقد رأيت من رسول الله (صلى الله عليه - واله - وسلم) فيه خصالاً لأن يكون لي واحدة منهن في آل الخطاب أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس).
كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فانتهيت إلى باب أم سلمة وعلي واقف على الباب فقلنا أردنا رسول الله (صلى الله عليه - واله - وسلم)، فقال: (يخرج إليكم) فخرج رسول الله (صلى الله عليه - واله - وسلم) فشرنا إليه، فاتکا على علي بن ،بي طالب، ثم ضرب بيده على منكبه، ثم قال: «إنَّك مخاصم تخصم، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسوة، وأرافهم بالرعية، وأعظمهم مزية، وأنت
ص: 326
عاضدي، وغاسلي، ودافني، والمتقدم إلى كل شديدة و كريهة، ولن ترجع بعدي کافرة، وأنت تتقدمني بلواء الحمد، وتزود عن حوضي».
ثم قال ابن عباس من نّفسه(1): ولقد فاز علي، فصهر رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، وبسبطه في العشيرة، وبذلاً للاعون، وعلما بالتنزيل، وفقهاً بالتأويل، ومثلاً للأقران(2).
عن شاذان الفضلي، ثنا أبو طالب عبد الله بن محمد بن عبد الله الكاتب بعكبر، ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن غیاث الخراساني، ثنا أحمد بن عامر بن سلیم الطائي، ثنا علي بن موسى الرضا، حدثني أبي موسى، حدثني أبي جعفر، حدثني أبي محمد، حدثني أبي علي، حدثني أبي الحسين، حدثني أبي علي بن ابي طالب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا علي إني سألت ربي
ص: 327
أن أشق علي الأرض وأنفض التراب عن رأسي وأنت معي فأعطاني؛
وأما الثانية أن يوفقني عند كفة الميزان وأنت معي فأعطاني، وأما الثالثة فسألته أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر عليه المفلحون الفائزون بالجنة فأعطاني، وأما الرابعة فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني، وأما الخامسة فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني، فالحمد لله الذي من به علي»(1).
وبهذا الإسناد عن علي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) «لولاك يا علي ما عرف المؤمنون من بعدي»(2).
وأخرج بهذا الإسناد عن علي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - آله - وسلم): «یا علي ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة فقام رجل من الأنصار»، فقال : بأبي وأمي، فمن هم؟ قال: «أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرت، وعمي حمزة على ناقتي الغضباء، وأخي علي على ناقة من نوق
ص: 328
الجنة، بيده لواء الحمد، ينادي لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فيقول الآدميون ما هذا إلاّ لملك مقرب، أو نبي مرسل، أو حامل عرش!! فيجيبهم ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين، هذا الصديق الأكبر علي ابن أبي طالب»(1).
وللحديث الآخر شاهد من حديث ابن عباس، وللحديث الأول شاهد من حديث أبي سعيد، وله شاهد عن خلف بن المبارك، حدثنا شريك عن أبي أسحاق، عن الحارث، عن علي، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «أعطيت في علي خمس خصال لم يعطها نبي في أحد قبلي، اما خصلته الاولى فانه يقضي دیني ويواري عورتي واما الثانية فانه الزايد على حوضي واما الثالثة فانه مشکاة لي في طريق الحشر يوم القيامة واما الرابعة فان لواي معه يوم القيامة وتحته ادم وما ولد اما الخامسة فاني لا اخشى ان يكون زانيا بعد احصان ولا كافراً بعد ایمان»
وأخرج الطبراني(2) في الأوسط، عن علي، قال: «إني أزود(3) عن حوض رسول
ص: 329
الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بيدي هاتين القصيرتين الكفار والمنافقين، كما يزود السقاة غربية الأبل عن حياضهم»(1).
وأخرج في الكبير(2)، عن جابر ابن سمرة، قال، قالوا: يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: «من يحسن أن يحملها إلاَّ من حملها في الدنيا علي ابن أبي طالب»(3).
وأخرج ابن عساکر(4)، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «لعلي إنَّنا نأتي يوم القيامة فيدفع إلي لواء الحمد، فأدفعه إليك،
ص: 330
وأنت تزود الناس عن حوضي»(1).
وأخرج الطبراني(2) في الأوسط، عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم): «علي ابن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة»(3).
سنح في خاطري أن أذكر حقيقة اللواء والحوض المذكورين، فأقدم على ذلك ذکر مشهد شهدته قبل ذلك بسنين؛ أعلم أني كنت مشتغلاً بالصلاة على النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بعد صلاة المغرب فحصلت لي غيبة قليلة، فلما وصلت إلى كلمة حامل لواء الحمد المذكور في خلال الصلاة المتلوة، أنكشف لي فضاء واسع لا تدرك جوانبه، ورأيت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)
ص: 331
بعين البصيرة جالسا بمواجهتي، يبتسم في وجهي وبيده لواء من نور، تحته الأنبياء والمرسلون والأولياء المتقدمون والمتاخرون، تنور هذا الفضاء بنور ذلك اللواء، وانبسط نوره على الخلائق كلها، فنظرت إلى طوله ورأيت طرفه الأعلى خارجاً من العرش، وطرفه الأسفل خارجا من الأرض السفلى.
ثم عمقت النظر فرأيت هذا اللواء ساريا فيَّ، وفي الموجودات كلها، أمتلات به السموات والأرضون وما بينهما وما تحت الثرى، وأمتلا العرش والكرسي وما فوقهما، فتحيرت في عظمته، وتفكرت في حقيقته، واستمدت من رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في أدراك كنهه، فمنحني الله سبحانه بفضائله (صلى الله عليه - واله - سلم) شهود حقيقة اللواء فشهدت أن الحقيقة المحمدية المطلقة لها أربعة مجال(1) في المواطن الأخروي.
المجلى الأول: لواء الحمد.
لا يخفى أنَّ الحمد عند المحققين عبارة عن أظهار صفات الكمال، ولما كانت حقيقة محمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) جامعة لشيونات(2) الكمال، مبادة لها مظهرة، لصفات الجمال والجلال، كان الحمد أعلى شأنا له، أكمل صفة وأقوى لازما، وكان (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حامداً وأحمداً ومحمداً ومحموداً؛
ص: 332
حامداً بلسانه الكريم الخاص به (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في المراتب كلها، وأحمداً بألسنته جميع الموجودات، علمية كانت أو عينية، غيبية أو شهادية، ومحمداً ومحموداً من الله والخلايق، لأنه ما من أحد يحمد أحداً إلا وذلك الحمد راجع إلى حقيقته (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الجامعة المطلقة السارية في الكل الظاهرة بصور الكل، ولما كانت العوالم کالمرائي المتقابلة، ما من صورة في أحديتها إلاّ لها ظهور في الأخرى، ولو بوجه من الوجوه، إلا أنَّ الصورة تختلف باختلاف الموطن، ظهرت صورة صفته الكاملة الجامعة المظهرة لصفت الكمال الاهي في المراتب كلها، وجوداً وشهوداً ومعرفة، وقولاً نفسياً وجنانياً(1) ولسانياً بصورة لواء الحمد في المواطن الأخروي، عند جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، الإظهار إنفراده (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكمال المطلق المستور على الخلايق، واشتهاره بذلك في الكل، والعرب يضع اللواء موضع الشهرة، ولما كانت الحقيقية المحمدية بصفتها الكاملة الجامعة سارية في الموجودات كلها، كان ذلك اللواء أيضا ساريا في المكونات كلها، وكان آدم ومن دونه تحته مؤمنا كان أو کافرا، مخلصا كان أم منافقا، بل الموجودات بأسرها ممتلية به مستضيئة بنوره، ولما
ص: 333
كان مولانا وهادينا وسيدنا وإمامنا علي (عليه السلام) ظلا أولياً لحقيقة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، متحققاً بصفته الكاملة الجامعة المطلقة التي هي عبارة عن الحمد المطلق، كان حرياً لحمل ذلك اللواء إلى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) تارة كما جاء في الأحاديث الصحيحة المستفيضة، أنَّه (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال بيدي لواء الحمد ولا فحر).
وقال: (أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم ومن دونه؛ لأن اللواء لواءه، وهو (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حامله على الحقيقة أصالة، وتارة يسند إلى مولانا علي (عليه السلام) لأنه نائبه في ذلك الحمل، وهو كرم الله وجهه سبق الأولين والآخرين، يحمل هذا اللواء والحمد لله على سابغ نعايه، وكامل الائه، والصلاة والسلام على محمد واله وأحبائه.
المجلى الثاني: المقام المحمود
وهو مقام الشفاعة الكبرى للأولين والآخرين، ترکت تحقيق ذلك المقام لعدم تعلق غرضنا به في ذلك الكتاب، وأن تیسر - فسأ ذكره أن شاء الله تعالى في كتب أخر، مع أنه ظاهر للمعارف اللبيب المتأمل في كلامنا.
المجلى الثالث الحوض الكوثر.
أعلم أن الرسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) معرفة خاصة وشهود خاص، وهو شهود الحقيقة المطلقة في الحقائق كلها، الذي به يدرك حقایق
ص: 334
الأشياء على ما هي عليها، وله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بذلك الشهود أطلاع محقق على أحكام الأعيان وخواصها، الذي عليه تفرعت شريعته، وبه أسست لمثله، ولذا كانت تلك الشريعة الملة في الدرجة القصوى من الكمال، التي لا يتصور فوقها رتبة في التشريع، فتمت به دار النبوة والرسالة، وكملت وختمت، فشريعته (صلى الله عليه وآله وسلم) مطابقة لجميع الحقائق والأعيان، موافقة لأحكامها كلها، موصلة لها إلى كمالاتها المندمجة فيها، مرضية لأربابها منها رضاء کاملا، وصورة تلك الشريعة والملة في المواطن الأخروي هي الحوض الكوثر، ولما كانت الشريعة مشتملة على كثرة الأحكام من الأوامر والنواهي، الأعمال والأخلاق والأذكار والأشغال سمیت صورته بالكوثر المشتق من الكثرة، وكانت کیزانه بعدد تلك الاحكام، وهي کنجوم السماء، بل أكثر منها من الذهب والفضة، أباريق الذهب صور الأحكام والأسرار والحقائق الباطنة، فيسقون منها أهل الأحوال وأصحاب الأسرار وأرباب الولاية الباطنة؛ وأكواب الفضة صورة الأحكام والأعمال والأخلاق الظاهرة، فيسقون منها أهل الطاعات الظاهرة، والأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة، ولذا يَغِّتُ(1) في ذلك الحوض
ص: 335
میزابان(1)، يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب والآخر من ورق، فيسقي كل مؤمن من کوزه و میز ابه، والبعض يسقون من کوزتين أكثر على حسب تمسكهم بالأحكام والاسرار المذكورة، حتى أن الكمال الجامعين للظاهر والباطن المتحققين بجميع حقائق الشريعة المقدسة، يسقون من جميع الكيزان والأباريق، يتلذذون بالكل ويتنعمون بالجميع، وماء هذا الحوض هو صورة الشهود المطلق للحقيقة المطلقة السارية، في جميع الحقائق، فمن شرب منه لا يظمأ أبداً، لأن الظماء والعطش دون ذلك شعر فيسقي، ثم بالماء الزلال فلا عطش لأحد في الوصال، وساقي هذا الحوض على الحقيقة والأصالة رسول الله (صلى الله عليه - واله - وسلم)، و مولانا علي (عليه السلام)، لما كان أول متحقق بالشهود المطلق المذكور بعده (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، مظهراً كاملاً للکمالات المحمدية، وهادياً لأمته، مفیض الحقائق والعلوم عليه، كان ساقياً من حوضه، مزوداً عنها بنیابته (صلى الله عليه - واله - سلم) فيأخذ الكوز من يده (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بیده (کرم الله وجهه) يسقي المؤمنين.
ثم أعلم أن العلماء العاملين معلمي الشريعة لطلابها، والأولياء الكاملين المكملين، مفيضي - الحقائق والأسرار، والمعارف والأنوار على المستفيضين والمسترشدین، لهم أيضا شركة في تلك السقاية، فيأخذون الأكواب والأباريق من
ص: 336
يده (کرم الله وجهه) بأيديهم ويسقون تلاميذهم ومريديهم على تفاوت المراتب والدرجات(1)؛ ثم لا يخفى أن في الحوض تقييد بالنسبة إلى اللواء، وكذلك في حقيقته بالنسبة إلى حقيقته، فإن حقيقة اللواء غاية مطلقة الأطلاق، ولذا تكون الأولون والأخرون المؤمنون والكافرون تحت في ظله، وحقيقة الحوض مقيدة بالنسبة إليها ولذا لا يسقى منه إلاّ ممن تابع للشريعة معتصم بها، دون الكافرين والمنافقين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، ووصیه الأمين وآليهما أجمعين.
المجلى الرابع: الوسيلة.
وسیجیئ تحقيقها فيما بعد إن شاء الله تعالى بفضله، ومنه بقية المعراج الثامن.
عن علي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي أن لك كنزاً في الجنة، وأنك ذو قرنيها فلا تتبعن نظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الثانية»(1).
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات، وأبو نعيم في فضائل الصحابة(2)، وابن عساکر(3)، عن عمر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل»(4).
وأخرج ابن سعد، والطبراني(5)، عن عمرو بن الحمق، إنّ رسول الله (صلى
ص: 338
الله عليه وآله وسلم)، قال: «يا عمر وهل أريك دابة الجنة تأكل الطعام، وتشرب
ص: 339
الشراب، وتمشي في الأسواق، هذا دابة الجنة، وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام»(1).
وأخرج الحاكم في تاريخه، والبيهقي في فضائل الصحابة(2)، والديلمي(3)، عن أنس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي: «بن أبي طالب يزهر في الجنة، ككوكب الصبح لأهل الدنيا»(4).
وأخرج البزار(5)، وأبو يعلى(6)، والحاكم(7)، وأبو الشيخ، والخطيب، وابن
ص: 340
النجار، عن علي، قال: «بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيدي ونحن نمشي، في بعض سكك المدينة، فمررنا بحديقة، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة».
قال: «لك في الجنة أحسن منها، حتى مررنا بسبع حدایق، كل ذلك أقول ما أحسنها، ويقول لك في الجنة أحسن منها، فلما خلاله الطريق أعتنقني ثم أجهش باکیا.
قلت: «یا رسول الله ما يبكيك؟» قال: «ضغاين في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعدي»، قلت: «یا رسول الله في سلامة من ديني؟» قال: «في سلامة من دينك»(1).
الصحابة(1)، عن علي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا ترضى يا علي إذا أجمع الله الناس في صعيد واحد، حفاة عراة مشاة، قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعي إبراهيم فيکسي ثوبين أبيضين، يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر لي مبعث من الجنة إلى حوضي، وحوضي أعرض ممابين بصري، وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ، ثم أكسی ثوبين أبيضين، فتقوم معي ولا أدعى لخير إلا دعيت إليه»، قلت بلى)(2).
واخرج الدارقطني عن علي قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّ أول خلق الله يكسي يوم القيامة إبراهيم، فیکسی ثوبين أبيضين، ثم يقام عن يمين العرش، ثم أدعى فاکسی ثوبين أخضرين، ثم أقام عن يساره، ثم تدعى أنت يا علي؛ فتكسي ثوبين أخضرين، ثم تقام عن يميني، أفما ترضى أن تدعي إذا دعيت، وتكسي إذا کسیت وأن تشفع اذا شفعت»(3).
ص: 342
وأخرج أيضاً(1) إنَّ علياً قال للسنة الذين جعل عمر الأمر شوری بینهم كلاماً طويلاً من جملته: «أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي أنت قسيم النار يوم القيامة»، غيري؟ قالوا: اللّهم لا»(2).
معناه ما رواه غيره(3) عن علي المرتضى أنه (صلى الله عليه واله سلم) قال له: «أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي، وهذا لك»(4).
ص: 343
ص: 344
وروي ابن السماك أن أبا بكر قال له علي (رضي الله عنهما)، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «لا يجوز أحد الصراط إلاَّ من كتب له علي الجواز»(1).
وأخرج ابن عساکر(2)، عن الاملج بن عبد الله الكندي قال، سمعت زید بن علي، وعبد الله بن الحسن، وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد الله بن الحسن، يذكرون تسمية من شهد مع علي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كلهم ذكره عن آبائه؛ وعن من أدركه من أهله، وسمعته أيضاً من غيرهم، فذكرهم وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، وكان رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال له:
«یا عمرو أتحب أن أُريكَ آية الجنة؟» قال: نعم يا رسول الله، فمر علي، فقَال: «هذا وقومه آية الجنَة».
فلمَا قتل عثمان وَبايع النَاس عليا ألزمه، فكان معَه حتى أصيبَ، ثم كتب معوية في طلبه، وَبعث من يأتيه به، قال: الأجلح فحدثني عمران بن سعيد
ص: 345
البجلي، عن رفاعة بن شدَاد البجلي، وكان مواخيَأ لعمرو بن الحمق، أنه خرَج معَه حين طلبَ، فقال لي: يا رفاعة أن القوم قاتلي، أن رَسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أخبرني أن الجن والإنس تشترك في دمي وقالَ لي: «یَا عمرو أن أمنكَ رجل على دمه فلا تقتُله فتلقى الله بوجه غادر»، قال رفاعة: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخليل، فودعته وواثبته حية فلسعته وادر کوه فاحتزوا رأسه، فكان أول رَأس أهدي في الإسلام(1).
ص: 346
مقدمة التحقيق...7
أولاً: لماذا اخترنا معارج العلا؟...11
ثانياً: المدرسة الصوفية في الإسلام:...12
ثالثاً: علاقة التصوف بالتشيع لآل البيت (عليهم السلام)...15
رابعاً: التشيع بين الرفض والتسنن...28
خامساً: حقيقة الرفض والرافضة ولماذا يتبرأ منهم المصنف؟!...31
سادساً: الشيعة والتشيع...39
سابعاً: السنة والتسنن:...41
ثامناً: مدرسة الجنيد البغدادي التي ينتمي إليها المصنف...51
تاسعاً: ترجمة مصنف معارج العلا الشيخ محمد صدر العالم...55
عاشراً: مخطوطة معارج العلا (نبذة تعريفية):...57
حادي عشر: قراءة في الدوافع التي دعت الشيخ محمد صدر العالم إلى كتابة (معارج العلا)...64
الثاني عشر: منهجنا في التحقيق وعملنا في اخراج المعارج...72
ص: 347
بسم الله الرحمن الرحيم...89
المقدمة...99
في ذكر نسبه واسلامه وهجرته وغيرها (رضي الله عنه)...99
أولاً: نسبه (عليه السلام)...99
ثانياً: كنيته (عليه السلام)...101
ثالثاً: إسلامه (عليه السلام)...105
فيها ورد أنّه (رضي الله عنه) أوَّل عابد يعبد مع رسول الله...111
المعراج الأول
في أنه (رضي الله عنه) أخو رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، ووصيه، ووزيره، ووراثه، وخليفته، والمختار عند الله:...117
أولاً: أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)...117
ثانياً: في أنه وصی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خلیفته...122
تفسير خطير أدى إليه الذوق الصَحيحَ:...129
تحقيق أنيق...129
المعراج الثاني
في أنه كرم الله وجهه: (ولي المؤمنين، وَمولاهم، وأعلمهم، وأولاهم، وأعدهم، وأقضاهم)...139
أولاً: ولي المؤمنين ومولاهم...139
1- إيضاح التواتر في حديث الموالاة...148
2- تفريع في وجوب توليه (كرم الله وجهه)...159
ص: 348
3- حقایق کشفية في دلایل سمعته...162
ثانياً: في أنه عليه السلام أعلمهم وأولاهم...170
تمهيد:...184
ثالثاً: في أنه (عليه السلام) أقضى المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعدلهم...188
المعراج الثالث
في أنه (عليه السلام) شاهد و شهید و وحید...195
معرفة بهية في منقبة علية...197
المعراج الرابع
في أنَّه (عليه السلام) هادي لكل قوم، ويعسوب المؤمنين، وَسيد العرب والمسلمينَ، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ومعطي ما أعطى رسول رب العالمين، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والسابق إلى حجة الله في العالمين (صلى الله عليه و آله و سلم) أبد الآبدين...203
أولاً: في أنه عليه السلام الهادي لكل قوم...203
معرفة منيفة:...205
ثانياً: في أنه عليه السلام يعسوب المؤمنين...20
ثالثاً: في أنه عليه السلام سيد العرب...208
رابعاً: في أنه عليه السلام سيد المسلمين وإمام المتقين...211
خامساً: إنّ الله معطيه ما أعطى رسوله إلاّ النبوة...213
ص: 349
سادساً: في أنه الصديق الأكبر، والفاروق الأعظم...215
سابعاً: في أنه عليه السلام السابق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله...218
حقایق علية السيادة...218
المعراج الخامس
في أنه (عليه السلام) مولى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ومؤيّده ومحبه و محبوبه ومحب الله وحبيبه واخشى في ذاته و ممسوس فيها ونظير النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) و نظير الأنبياء عليهم السلام...223
أولاً: في أنه مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناصره و مؤيده...223
ثانياً: في أنه محبه و محبوبه...225
ثالثاً: في أنه أحب الخلق عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)...230
رابعاً: في أنه أخشى في ذات الله...232
فائدة...234
المعراج السادس
في وجوب مودته وفضل محبته وأحبائه وذم عداوته وأعدائه...237
أولاً: في وجوب مودته وفضل محبته...237
ثانياً: في ذم عداوته عليه السلام...241
تتمة في النهي عن الإفراط والتفريط في محبته کرم الله وجهه...251
المعراج السابع
في فضل شیعته وأتباعه:...259
ص: 350
المعراج الثامن
فيما بقي من مناقبه الشريفة الواردة في الكتاب والسنة جمعتهَا علقة عجلان وَعقيلة أصل وأفنان...277
أولاً: ما نزلت آية فيها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلا وعلي رأسها وأميرها...277
ثانياً: في أنه شبيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) في خَلقه وخُلقه وأنه لا يؤدي عنه إلا علي عليه السلام، وأنها من شجرة واحدة...280
ثالثا: في أنه من لحم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و دمه، وبيان منزلة إيمانه...283
رابعاً: في أنه مع القرآن، وأنه مع الحق...285
خامساً: في أنه يقضي دين النبي (صلى الله عليه وآله)، ويضحي عنه، وصاحب لوائه...287
سادساً: في أنه المخصوص بتبليغ سورة براءة...289
سابعاً: تناوبه مع جبرائيل في وضع رأس النبي صلی الله علیه و آله وسلم في حجريهما...291
ثامناً: في سد الأبواب التي في المسجد النبوي وترك باب علي...292
إشارة وبشارة...297
تاسعاً: في سبب تكنيه بأبي تراب...297
عاشراً: إنَّ الله جعل ذرية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في صلبه وأنه المبيّن للأمة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم...303
حادي عشر: في تزويجه من فاطمة (عليهما السلام)...304
ثاني عشر: في بيان بعض ما ورد بالأحاديث في منزلته عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم...306
ص: 351
ثالث عشر: منزلة آية وأنذر عشيرتك الأقربين...308
رابع عشر: في تكسير الأصنام قبل الهجرة النبوية...311
خامس عشر: في أن المدينة لا تصلح إلا بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم أو بعلي علیه السلام...313
سادس عشر: في مناشدته علیه السلام لإصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في يوم البيعة لعثمان...315
سادس عشر: في نزل آية النجوی و اختصاصها به في التخفيف عن هذه الأمة...319
سابع عشر: في تغسیل رسول الله صلى الله عليه وآله وتكفينه...321
ثامن عشر: في وفاة أبي طالب عليه الرحمة والرضوان وقيام الإمام علي علیه السلام بتغسيله ودفنه...324
تاسع عشر: بعض مناقبه التي رواها عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله...326
عشرون: فيما ورد من الأحاديث الشريفة في ذكر مناقبه في الآخرة في حمل اللواء والساقي على الحوض، وأنه الصدّيق الأكبر...327
حقيقة اللواء والحوض عند المصنف...331
الحادي والعشرون: في أنه عليه السلام دابة الجنة وأن له فيها كنزاً...337
الثاني والعشرون: إنَّه عليه السلام يزهر في الجنة ككوكب الصبح، وله فيها سبع حدائق...340
الثالث والعشرون: إنَّه عليه السلام يدعي إذا دعي النبي صلی الله علیه و آله وسلم يوم القيامة...341
الرابع والعشرون: إنه عليه السلام قسیم النار والجنة...343
الخامس والعشرون: إنّه عليه السلام آیة الجنة...345
المحتويات:...347
ص: 352