جابر بن يزيد الجعفي رضوان الله عليه

هوية الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

(الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد )

سورة إبراهيم آية رقم 1

جابر بن يزيد الجعفي رضوان الله عليه

و مقامات آل محمد

صلوات الله و سلامه عليهم

بقلم

أحمد مصطفى يعقوب

(كاتب كويتي)

قدم له

سماحة العلامة الحجة

الميرزا كمال الدين الحائري دام عزه

الكويت

الطبعة الأولى 2010

مركز الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

ت: 99864994

ص: 1

ثمن هذا الكتاب

الدعاء للمؤلف وقراءة الفاتحة على روح جده المرحوم الحاج عبد الحميد عبد الرضا حسن المطوع و على روح جدته العلوية المرحومة الحاجة أم حسن المطوع

و أرواح المؤمنين و المؤمنات تسبقها الصلوات على محمد و آل محمد .

ملاحظة: يوزع الكتاب توزيعاً خيرياً

فلا يجوز بيعه أو المتاجرة به

www.al-milani.com

www.alameli.net

www.ansarweb.net

www.14masom.com

ص: 2

ملاحظات هامه

1 - يوزع هذا الكتاب توزيعاً خيرياً فلا يجوز بيعه أو المتاجرة به.

2 - حقوق الطبع غير محفوظة بشرط عدم تغيير أي شيء في محتوى الكتاب و اسم المؤلف.

3- نستقبل الكتب و السيديات و النشرات و المصاحف الزائدة عن حاجتكم للتعريف بمذهب أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم في الدول الافريقية و الآسيوية و الأوروبية. اتصل يصلك المندوب: 99864994

ص: 3

حديث الكساء الشريف

حديث الكساء الشريف نقلا عن كتاب عوالم العلوم للشيخ عبدالله بن نور الله البحراني بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عَليّهَا السَّلامُ بِنْتِ رَسُول الله (صلى الله عليه و سلم) قالَ: سَمِعْتُ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي رَسولُ اللهِ (صلى الله عليه و سلم) فِي بَعْضِ الأَيَّامِ فَقال : السَّلامُ عَلَيْكَ يا فَاطِمَة، فقلتُ: عَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: إِنِّي لأَجدُ في بَدَني ضُعْفاً، فقلتُ لَهُ أُعِيدُكَ بِاللهِ يا أَبَتاهُ مِنَ الضُّعْفِ، فَقالَ: يا فاطمة آتيني بالكِساءِ اليَماني، فغطيني به، فَآتَيْتُهُ بِالكِساءِ اليَمَانِي، فَغَطَّيْتُهُ بِهِ، وَ صِرْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَ إِذا وَجْهُهُ يَتَلَالاً وَك َأَنَّهُ الْبَدْرُ فِي لَيْلَةٍ تَمَامِهِ وَ كَمالِهِ، فَمَا كانَتْ إِلا سَاعَةً و إِذا بِوَلَدِيَ الحَسَن لَهِ قَدْ أَقْبَلَ وَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ يا أُمَّاهُ، فَقُلْتُ: وَ عَلَيْكَ السَّلامُ يا ولدي وَ يا قَرَّةَ عَيْني وَ ثَمَرَةٍ فَؤادي، فقال يا أماه إني أَشَمُّ عِندَكَ رائحة طيبة، كأنها رائحَةَ جَدَي رَسولِ اللهِ فقلتُ نَعَمْ إِنَّ جَدَّكَ تَحْتَ الكِساء، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ نَحْوَ الكِساء و قالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يا جَدَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَأْذَنُ لي أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ تَحْتَ الكِساء؟ فَقالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا ولدي ويا صاحبَ حَوْضي، قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَدَخَلَ مَعَهُ تَحْتَ الكِساءِ، فَما كانَتْ إِلا سَاعَة وَ إِذا بولديَ الحُسَيْنِ إلا ساعَة وَ إذا بولديَ الحُسَيْنِ هِ قَدْ أَقْبَلَ وَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا أُمَّاهُ، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا ولدي وَيا قُرَّةَ عَيْني وَثَمَرَةَ فُؤادي، فَقال يا أُمَاهُ إِنِّي أَشَمُّ عِنْدَكِ رائِحَة طَيِّبَةً، كأَنَّها رَائِحَةُ جَدَي رَسول الله، فقلتُ نَعَمْ إِنَّ جَدَّكَ وَ أَخاكَ تَحْتَ الكِساءِ، فَدَنى الحُسَيْنُ لا نَحْوَ الكساء و قالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَن اختارَهُ الله أَتَأَذَنُ لِي أَنْ أَكُونَ مَعَكُما تَحْتَ الكِساء؟ فَقالَ: وَ عَلَيْكَ السَّلامُ يا ولدي و يا شافِعَ أُمَّتِي، قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَدَخَلَ مَعَهُما تَحْتَ الكِساءُ، فَأَقبَلَ عِنْدَ ذلِكَ أَبو الحسن علي بن أبي طالب و قال: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بِنْتَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و سلم، فَقُلْتُ: وَ عَلَيْكَ السَّلامُ يا أبا الحَسَن وَ يا أمير المؤمنين، فقال يا فاطمة إنِّي أَشَمُّ عِنْدَكَ رَائِحَة طَيِّبَةً، كأَنَّها رَائِحَةُ أَخي و ابن عَمَّي رَسولِ اللهِ، فقلتُ نَعَمْ هَا هُوَ مَعَ وَ لَدَيْكَ تَحْتَ الكِساءِ، فَأَقْبَلَ عَليُّ نَحْوَ لم الكساء و قالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ الله أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَكُونَ مَعَكُم تَحْتَ الكِساءِ؟ فَقَالَ: وَ عَلَيْكَ السَّلامُ يَا أَخِي وَ يا وَصيِّي وَ خَليفَتِي وَ صاحِبَ لِوائي، قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَدَخَلَ علي الام تَحتَ الكِساء، ثُمَّ أَتَيْتُ نَحْوَ الكِساءِ، وَ قُلتُ: السّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَتاهُ، يا رسولَ الله أَتَأْذَنُ لي أَنْ أَكُونَ مَعَكُمْ تَحْتَ الكِساءِ؟ قَالَ: وَ عَلَيْكِ السَّلَامُ يَا ابْنَتِي وَ يَا بِضْعَتِي قَدْ أَذِنْتُ لَكِ فَدَخَلْتُ تَحْتَ الكِساءِ، فَلَمَا اكتَمَلنا جميعاً تَحْتَ الكِساءِ أَخَذَ أَبي رَسولُ الله صلى الله عليه و سلم بِطَرَفَي الكِساءِ، فَأَوْمَا بيَدِهِ اليُمْنى إلى السَّمَاءِ وَ قَالَ: اللهم إنَّ هؤلاء أَهْلُ بَيْتِي وَ خاصتي و حامتي لحمُهُمْ لحمي وَ دَمُهُمْ دَمي يُؤلمني ما يُؤْلِهُمْ و يُحزنني ما يُحْزِنَهُمْ، أَنا حَرْبٌ مِنْ حارَبَهُمْ ، وسلِمٌ مِنْ سالَهُمْ، وَعَدُوٌّ مِنْ عاداهُمْ وَ مُحِبٌ مِنْ أَحَبَّهُمْ، إِنَّهُمْ مِنِي وَ أَنا مِنْهُمْ، فَاجْعَل صَلَواتِكَ وَ بَرَكاتِكَ وَ رَحْمَتَكَ وَ غُفْرَانَكَ و رضوانَكَ عَلَيَّ وَ عَلَيْهِمْ، وَ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرُهُمْ تطهيرا . فَقالَ الله عَزَّوَجَلَ يا مَلائِكَتِي وَ يا سُكَانَ سَماواتي، إني ما خَلَقْتُ سَمَاءً مَبْنِيَّة وَلا أَرضاً مَدْحِيَّةٍ ولا قَمَراَ منيراً ولا شَمْساً مُضيئة وَ لا فَلَكاً يدور وَ لا بَحْراً يَجْرِي، وَ لا فلكاً يَسْرِي إلا في مَحَبَّةِ هَؤلاءِ الخَمْسَةِ الذين هُمْ تَحْتَ الكِساءِ فَقالَ الأمينُ جبرائيل: يا رَبِّ وَمَنْ تَحْتَ الكِساءِ فَقالَ عَزَّوَجَلَّ: هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسالَةِ هُمْ فاطمة و أبوها وَ بَعْلُها وَ بَنوها فَقالَ جبرائيل: يا رَبِّ أَتَأَذَنْ لي أَنْ أَهْبط إلى الأرض لأكونَ مَعَهُمْ سادسا؟ فقالَ الله: نَعَمْ، قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَهَبَطَ الأَمينُ جبرائيلُ وَ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَ يَخْصُّكَ بِالتَّحِيَّةِ وَ الإِكْرامِ، وَ يَقولُ لَكَ، وَ عِزَّتِي وَ جَلالي، إِنِّي مَا خَلَقْتَ سَمَاءَ مَبْنِيَّةَ وَ لَا أَرضاً مُضِيَئَة وَ لا فَلَكا يدور وَ لا بَحْراً يَجْرِي، وَلا فلكاً يَسري إلا لأجلِكُمْ وَ مَحَبَّتِكُمْ وَ قَدْ أَذِنَ لِي أَنْ أَدْخَلَ مَعَكُمْ، فَهَلْ تَأْذَنُ لِي يَا رَسُولَ الله؟ فَقالَ رَسولُ الله: وَ عَلَيْكَ السَّلامُ يا أَمِينَ وَحْيِ الله ، إِنَّهُ نَعَمْ قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَدَخَلَ جِبْرَائِيلُ مَعَنا تَحْتَ الكِساءِ، فَقالَ لأَبِي إِنَّ الله قَدْ أَوْحِي إِلَيْكُمْ يَقولُ: إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، فَقَالَ عَلِيُّ لأبي يا رَسول الله أَخْبِرْني ما لِجُلُوسِنا هذا تَحْتَ الكِساء من الفَضْلِ عِنْدَ الله، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم و الذي بَعَثَنِي بالحَقِ نَبِيَا وَ اصْطَفاني بالرِّسالَةِ نَجِيَا ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا في مَحْفَلِ مِنْ مَحافِلِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ فِيهِ جَمْعُ مِنْ شيعَتِنا وَ مُحِبِّينَا، وَ فِيهُمْ مَهْمُومٌ إِلا وَ فَرَّجَ الله هَمَّهُ، وَ لا مَعْمُومٌ إِلا وَ كَشَفَ اللهُ غَمَّهُ، وَ لَا طَالِبُ حَاجَةٍ إِلَّا وَ قَضَى اللَّهُ حَاجَتَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ هم: إذا والله فَرْنَا وَ سَعِدْنَا وَ كَذَلِكَ شَيْعَتْنَا فَازُوا وَ سَعِدُوا فِي الدُّنْيا وَ الآخِرَةِ، وَ رَبِّ الكعبة).

ص: 4

إهداء

إلى مكسورة الضلع إلى الشهيدة الصديقة الطاهرة المعصومة المظلومة فاطمة الزهراء صلوات الله و سلامه عليها و إلى ولدها

الشهيد محسن اسلام راجياً منكم انقاذي من عذاب القبر و وحشته و ظلمته.

خادمكم

أحمد مصطفى يعقوب

www.zalaal.net

www.alhadi.org

ص: 5

الزيارة الجامعة الكبيرة

السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَ مَوْضِعَ الرِّسالَةِ، وَ مُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ، وَ مَهْبِطَ الْوَحْيِ، وَ مَعْدِنَ الرَّحْمَةِ، وَ خَزَانَ الْعِلْمِ، وَ مُنْتَهَى الْعِلْمِ، وَ أصُول الْكَرَمِ، وَ قادَةَ الأُمَمِ، وَ أَوْلِياءَ النِّعَمِ، وَ عَناصِرَ الأَبْرارِ، وَ دَعَائِمَ الأَخْيَارِ، وَ سَاسَةَ الْعِبَادِ، وَ أَرْكَانَ الْبِلادِ، وَ أَبْوابَ الإيمانِ، وَ أُمَنَاءَ الرَّحْمَنِ، وَ سُلَالَةَ النَّبِيِّينَ وَ صَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ، وَ عِشْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعالَمينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدى، وَ مَصابيح الدُّجى، وَ أَعْلامِ التُّقى، وَ ذَوِى النُّهى، وَ أُولى الحجي، وَ كَهْفِ الْوَرى، وَ وَرَثَةِ الأَنْبِياءِ، وَ الْمَثَلِ الأَعْلَى ، وَ الدَّعْوَةِ الْحُسْنى، وَ حُجَج اللهِ عَلى أَهْلِ الدُّنْيا وَ الآخِرَةِ وَ الأُولى وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلى مَحالٌ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَ مَسَاكِن بَرَكَةِ اللهِ، وَ مَعادِن حِكْمَةِ اللهِ، وَ حَفَظَةٍ سِرُّ اللهَ، وَ حَمَلَة كِتابَ اللهِ، وَ أَوصياء نَبيَّ اللهِ، وَ ذُرِّيَّةِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكاتُهُ السَّلَامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ، وَ الأَدِلاءِ عَلَى مَرْضاتِ اللهِ، وَ الْمُسْتَقِرِّينَ فى أَمْرِ اللهِ، وَ التَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، وَ الْمُخْلِصِينَ فِى تَوْحِيدِ اللهِ، وَ الْمُظْهِرِينَ لأَمْرِ اللهِ وَ نَهْيِهِ، وَ عِبادِهِ الْمُكْرَمِينَ الَّذِينَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَى الأَئِمَّةِ الدُّعاةَ، وَ الْقادَةِ الْهُدَاةِ وَ السَّادَةِ الْوُلاةِ، وَ الدَّادَةِ الْحَماةِ، وَ أَهْل الذِّكْرِ وَ أُولِي الأَمْرِ، وَ بَقِيَّةِ اللهِ وَ خِيَرَتِهِ وَ حِزْبِهِ وَ عَيْبَةٍ عِلْمِهِ وَ حُجَّتِهِ وَ صِراطِهِ وَ نُورِهِ وَ بُرْهانِهِ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَمَا شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَ شَهِدَتْ لَهُ مَلَائِكَتُهُ وَ أُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ، لا إلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ، وَ رَسُولُهُ الْمُرْتَضى، أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكُمُ الأَئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ الْمَعْصُومُونَ الْمُكَرَّمُونَ الْمُقَرَّبُونَ الْمُتَّقُونَ الصَّادِقُونَ الْمُصْطَفَوْنَ الْمُطِيعُونَ للهِ، الْقَوَّامُونَ بِأَمْرِهِ، الْعامِلُونَ بإرادَتِهِ، الْفائِزُونَ بكَرامَتِهِ، اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ، وَ ارْتَضاكُمْ لِغَيْبهِ، وَ اخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ، وَ اجتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ، وَ أَعَزَّكُمْ بِهُداهُ، وَ خَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ، وَ انْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ، وَ أَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ، وَ رَضِيَكُمْ خُلَفَاءَ فِي أَرْضِهِ، وَ حُجَجاً عَلَى بَرِيَّتِهِ، وَ أَنْصاراً لِدِينِهِ، وَ حَفَظَةً لِسَرِّهِ، وَ خَزَنَةً لِعِلْمِهِ، وَ مُسْتَوْدَعا لِحِكْمَتِهِ، وَ تَراحِمَةً لِوَحْيِهِ، وَ أَرْكَانَا لِتَوْحِيدِهِ، وَ شُهَداءَ عَلى خَلْقِهِ، وَ أَعْلاماً لِعِبَادِهِ، وَ مَناراً في بلادِهِ، وَ أَدلاء على صراطِهِ، عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ، وَ آمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنَ، وَ طَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ، وَ أَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَكُمْ تَطْهيراً، فَعَظَمْتُمْ جَلالَهُ، وَ أَكْبَرْتُمْ شَأنَهُ، وَ مَجَدْتُمْ كَرَمَهُ، وَ أَدَمْتُمْ ذِكرَهُ، وَ وَكَدْتُمْ ميثَاقَهُ، وَ أَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طَاعَتِهِ، وَ نَصَحْتُمْ لَهُ فِى السِّرِّ وَ الْعَلانِيَةِ، وَ دَعَوْتُمْ إِلى سَبيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِى مَرْضاتِهِ، صَبَرْتُمْ عَلى ما أَصابَكُمْ فِي جَنَّبِهِ، وَ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَ أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَيْتُم عَن الْمُنْكَرِ، وَ جاهَدْتُمْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ، وَ بَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ، وَ أَقَمْتُمْ حُدُودَهُ، وَ نَشَرْتُمْ شَرابِعَ أَحْكامِهِ، وَ سَنَنتُمْ سُنَتَهُ، وَ صِرْتُمْ فِي ذلِكَ مِنْهُ إِلَى الرّضا، وَ سَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضَاءَ، وَ صَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى، فَالرّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ، وَ اللازم لَكُمْ لاحِقِّ، وَ الْمُقَصْرُ فى حَقَّكُمْ زَاهِقٌ، وَ الْحَقُّ مَعَكُمْ وَ فِيكُمْ وَ مِنْكُمْ وَ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ أَهْلُهُ وَ مَعْدِنَهُ، وَ مِيراثُ النُّبُوَّةِ عِندَكُمْ، وَ إِيابُ الْخَلْقِ إِلَيْكُمْ، وَ حِسَابُهُمْ عَلَيْكُمْ، وَ فَصَلُ الْخِطَابِ عِندَكُمْ، وَ آيَاتُ اللهِ لَدَيْكُمْ، وَ عَرَائِمُهُ فِيكُمْ، وَ نُورُهُ وَ بُرْهانُهُ عِنْدَكُمْ، وَ أَمْرُهُ إِلَيْكُمْ مَنْ و الاكُمْ فَقَدْ وَ إِلَى اللهَ، وَ مَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عَادَى اللهَ، وَ مَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ، وَ مَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ اللهَ، وَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ، أَنْتُمُ الْسَبِيلَ الأَعْظَمُ وَ الصِّراطُ الأَقْوَمُ، وَ شُهَداءُ دارِ الْفَناءِ، وَ شُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ، وَ الرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ، وَ الآيَةُ الْمَخْزُونَةُ، وَ الأَمَانَةُ الْمَحفُوظَةُ، وَ الْبابَ الْمُبْتَلَى بِهِ النَّاسُ، مَنْ أَتاكُمْ فَقَدْ نَجا، وَ مَنْ لَمْ يَأْتِكُمْ فَقَدْ هَلَكَ، إِلَى اللهِ تَدْعُونَ، وَ عَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَ بِهِ تُؤْمِنُونَ، وَ لَهُ تُسَلِّمُونَ، وَ بِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَ إِلى سَبِيلِهِ تُرْشِدُونَ، وَ بِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ، سَعِدَ وَ اللهِ مَنْ والاكُمْ، وَ هَلَكَ مَنْ عَادَاكُمْ، وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ، وَ ضَلَّ مَنْ فَارَقَكُمْ، وَ فازَ مَنْ تَمَسَّكَ بكُمْ، وَ أَمِنَ مَنْ لجَأَ إِلَيْكُمْ، وَ سَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ، وَ هُدِيَ مَن اعْتَصَمَ بِكُمْ، مَن اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأواهُ، وَ مَنْ خَالَفَكُمْ فَالنَّارُ مَثْواهُ، وَ مَنْ جَحَدَكُمْ كَافِرٌ، وَ مَنْ حَارَبَكُمْ مُشْرِكٌ، وَ مَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ فَهُوَ فِى أَسْفَل دَرَكَ مِنَ الْجَحِيمَ، أَشْهَدُ أَنَّ هذا سابقٌ لَكُم فيما مضى، و جارٍ لَكُمْ فيما بَقِيَ، وَ أَنَّ أَرْواحَكُمْ وَ نُورَكُمْ وَطينَتَكُمْ واحِدَةٌ، طابَتْ وَ طَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْض خَلَقَكُمُ اللهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ حَتَّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، وَ جَعَلَ صَلَواتِنا عَلَيْكُمْ وَ ما خَصَّنا بهِ مِنْ و لايَتِكُمْ طيباً لخلقنا ، وَ طَهَارَةً لأَنْفُسنا، وَ تَزْكِيَةً لَنا، وَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِنا، فَكُنا عِنْدَهُ مُسَلَّمينَ بِفَضْلِكُمْ، وَ مَعْرُوفِينَ بتصديقِنَا إِيَّاكُمْ، فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ أَشْرَفَ مَحَلَّ الْمُكَرَّمِينَ، وَ أَعْلَى مَنازِلِ الْمُقَرَّبِينَ، وَ أَرْفَعَ دَرَجَاتِ الْمُرْسَلِينَ، حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ لاحَقِّ، وَ لا يَفُوقُهُ ،فَائِقٌ، وَ لا يَسْبَقُهُ ،سابقٌ، وَ لا يَطْمَعُ فى إدْراكِهِ طامعٌ، حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَ لا نَبِيٍّ مُرْسَلٌ، وَ لَا صَديقٌ وَ لَا شَهِيدٌ، وَ لَا عالمٌ وَ لا جَاهِلٌ، وَ لا دَنِيٍّ وَ لا ،فاضل، وَ لا مُؤْمِنٌ صالِحٍ، وَ لا فاجرٌ طَالِحٍ، وَ لا جَبَّارٌ عَنيدٌ ، وَ لا شَيْطَانٌ مَريدٌ، وَ لا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهِيدٌ إِلا عَرَّفَهُمْ جَلَالَةَ أَمْرِكُمْ، وَ عَظَمَ خَطَرَكُمْ، وَ كَبَرَ شَانِكُمْ وَ تَمامَ نُورِكُمْ، وَ صَدْقَ مَقاعِدِكُمْ، وَ ثَباتَ مَقامِكُمْ، وَ شَرَفَ مَعَلَّكُمْ وَ مَنزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ، وَ كَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ، وَ خاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ، وَ قُرْبَ مَنْزلَتِكُمْ مِنْهُ، بأبى أَنْتُمْ وَ أُمّي وَ نَفْسي وَ أَهْلِى وَ مالى وَ أُسرَتى أُشْهدُ اللهَ وَ أَشْهَدُكُمْ أَنّى مُؤْمِنٌ بكُم وَ بما آمَنْتُمْ بهِ، كافِرٌ بَعَدُوكُم وَ بِمَا كَفَرْتُمْ بهِ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَانِكُمْ وَ بِضَلالَةٍ مَنْ خَالَفَكُمْ، مُوال لَكُمْ وَ لأَوْلِيائِكُمْ، مُبْغِضٌ لأعْدائِكُمْ وَمُعَادٍ لَهُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سالَكُمْ، وَ حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ مُبْطِلُ ما أَبْطَلْتُمْ، مُطيع لَكُمْ، عارفُ بحَقِّكُمْ، مُقرِّ بِفَضْلِكُمْ، مُحْتَمِلٌ لِعِلمِكُمْ ، مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ، مُعترف بكُمْ، مُؤْمِنٌ بايابكُمْ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ، مُنْتَظِرُ لَأَمْرِكُمْ، مُرْتَقِبُ لِدَوْلَتِكُمْ، آخذ بِقَوْلِكُمْ، عامل بِأَمْرِكُمْ، مُسْتَجِيرٌ بِكُمْ، زَائِرٌ لَكُمْ، عَائِدٌ بِكُمْ لائِذُ بِقَبُورِكُمْ، مُسْتَشْفَعَ إِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ، وَ مُتَقَرِّبٌ بِكُمْ إِلَيْهِ، وَ مُقَدِّمُكُمْ أَمامَ طَلِبَتى وَ حَوائِجِي وَ إِرَادَتى فى كُلَّ أَحْوالي وَ أُمُورى مُؤْمِنٌ بِسَرَكُمْ وَ عَلَانِيَتِكُمْ وَ شَاهِدِكُمْ وَ عَائِبِكُمْ وَ أَوَّلِكُمْ وَ آخِرِكُمْ، وَ مُفَوِّضٌ فِي ذلِكَ كُلِّهِ إِلَيْكُمْ وَ مُسَلِّمٌ فِيهِ مَعَكُمْ، وَ قَلبي لَكُمْ مُسَلِّمٌ، وَ رَأيِي لَكُمْ تَبَعٌ، وَ نُصِرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتَّى يُحْيِيَ اللهُ تَعَالَى دِينَهُ بِكُمْ، وَ يَرُدَّكُمْ في أَيَّامِهِ، وَ يُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ، وَ يُمَكِّنكُمْ فى أَرْضِهِ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوكُمْ آمَنْتُ بِكُمْ وَ تَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أَوَّلَكُمْ، وَ بَرِثْتُ إِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَ مِنَ الْجِبَتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ الشَّياطينِ وَ حِزْبِهِمُ الظَّالِمِينَ لَكُمُ، وَ الجاحدين لحقكُمْ، وَ المارقينَ مِنْ و لايَتِكُمْ، وَ الْعَاصِبَينَ لَأَرْثِكُمُ وَ الشَّاكِينَ فيكُمُ وَ الْمُنْحَرِفينَ عَنْكُمْ، وَ مِنْ كُلِّ وَ لَيجَة دُونَكُمْ وَ كُلَّ مُطَاع سِواكُمْ، وَ مِنَ الأَئِمَّةِ الَّذينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، فَثَبَّتَنِي اللهُ أَبَداً ما حَييتُ عَلَى مُوالاتِكُمْ وَ مَحَبَّتِكُمْ وَ دِينِكُمْ، وَ وَفَّقَنى لِطاعَتِكُمْ، وَ رَزَقَنى شَفاعَتَكُمْ، وَ جَعَلَني مِنْ خِيار مواليكُمْ التّابعينَ لِمَا دَعَوْتُمْ إِلَيْهِ، وَ جَعَلَنِى مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثَارَكُمْ، وَ يَسْلُكُ سَبِيلَكُمْ، وَ يَهْتَدى بِهُداكُمْ وَ يُحْشَرُ فِى زُمْرَتِكُمْ، وَ يَكرُ فى رَجْعَتِكُمْ، وَ يُمَلكُ فِى دَوْلَتِكُمْ، وَ يُشَرَّفُ فى عاقِبَتِكُمْ، وَ يُمَكِّنُ في أَيَّامِكُمْ، وَ تَقِرُّ عَيْنُهُ غَداً برُؤْيَتِكُمْ، بأبى أَنْتُمْ وَ أُمّى وَ نَفْسي وَ أَهْلي وَ مالى مَنْ أَرَادَ اللهَ بَدَأَ بكُمْ، وَ مَنْ وَحْدَهُ قَبلَ عَنْكُمْ، وَ مَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ، مَوالى لا أُحْصى ثَنَائَكُمْ وَ لا أَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحَ كُنْهَكُمْ وَ مِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ وَ أَنتُمْ نُورُ الأَخْيَارِ وَ هُداةُ الأَبْرَارِ وَ حُجَجُ الْجَبَّارِ، بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَ بِكُمْ يَخْتِمُ، وَ بِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَ بِكُمْ يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، و َبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَ بِكُمْ يَكشِفُ الضُّرَّ، وَ عِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ، وَ هَبَطَتْ بِهِ مَلَائِكَتُهُ وَ إِلَى جَدكُمْ بِعِثَ الروح الأمينُ.

ص: 6

كلمة سماحة العلامة الحجة

الميرزا كمال الدين الحائري دام عزه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي انفعلت فوارة الإمكان بالقاء كلمته وَ حَيَتْ مَواتُ أرض القابليات بالماء النازل من سحاب مشيئته و تفصصت حقائق الأشياء في عالم أمره و ذرّ محبته و تنفست صعداء وجودات أرض الجرز بخروجها من غيبه إلى شهادته و تمحصت بعد أن تمخضت هيولى المواد بتكليف شرع وجوديته.

و صلى الله على أول من ذاق طعم الوجود و باكورة إبداع صنع المعبود و السرّ الذي طوق به الطريق المسدود و الغاية من الخلق بعد محبته أن يعرف به الودود فأقامه في سائر عوالمه من الغيب و الشهود مقامه بلا قيد أو حدود، و آله الآيات الباهرة و الدلائل الظاهرة و النجوم الزاهرة و البحار الزاخرة و الحلل الناضرة الذين أذابهم في صفاته و أحلهم محل مشيئته و نعوتاته و أقرهم شهداء على خلقه في أراضيه و سائر سماواته و جعلهم فيما بينها سبباً متصلا لمدده و فيوضاته و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و بعد فإن حديث أهل بيت العصمة عليهم السلام صعب مستصعب و خشن مخشوشن كما و رد عنهم صلوات الله و سلامه عليهم فلا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي (صلی الله علیه و آله و سلم و عجل فرجهم) مرسل أو مؤمن إمتحن الله عزوجل قلبه و نحن مع شخصية اختصت لمثل هذه الأحاديث الصعبة و الأخبار العظيمة الغريبة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام و هذه الشخصية التي حملت الأثقال من الأحاديث التي تكل من حملها الجبال فكان حرياً أن لا تلق إلا على من يتحملها و لا يكل من حملها فكان هو هذه الشخصية أعني جابر بن يزيد الجعفي رضوان الله عليه الذي ارتقى عاشر الدرجات فأصبح سلمان زمانه في أسرار المقامات و الممتحن في تحمل المهمات فكان له الفضل الكبير في تقليب الطين الحقيقية و تخليص القيم الإنسانية و النفس الناطقة القدسية من نوازعها الظلمانية فألقى كل ثقله في بيان معرفة من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله فأوصل إلينا

ص: 7

العلوم الإلهية التي استخلصت بالخوارق التي حدّث بها و رواها للممتحنين شيعة سيد الوصيين هذا مع منع المعصومين إياه من ذكر أغلبها الضعف القابليات من اعتوارها و تزاحم الماهيات من إستيعابها حتى ضاق صدره بها و أمره إمامه علام بأن يحفر حفيرة في الفلاة و يتحدث بها و يفرغ ما شاء من صدره و ما ذلك إلا لشدة مشابهته لصفة مؤثرة و ذوبانه في الوجود حول مبدأه فلذا تجد كراماته و فضائله لا تكاد تحصى من علم البلايا و المنايا و إطلاعه على ملكوت السماوات و الأرض مع و طيّ الأرض و فهم لغات الحيوان و غيرها مما وجه إليه عيون الحسّاد و لفت إليه نظر الأنداد ناهيك عن أخباره التي جلبت إليه خلاف النقاد و شكوك ضعاف الأواني الناقصة من العباد فلا مرسى لعلوم سفن النجاة عليهم السلام إلا للكملين من الأشهاد . و لا نقول فيه إلا ما قال فيه إمامه و إمامنا الصادق للام كما سيأتي لما شك فيه أحد أصحاب الإمام من كثرة ما يدعون عليه فأجابه الإمام علم رحم الله جابر كان يصدق علينا» (الرواية)(1).

و هذا الكتاب أظهر حقاً طالما هضم و أحيى ذكراً نيراً قد طمر فلله درّ المصنف فلقد أثلج قلوب أهل البيت عليهم السلام في إحياء ذكره و إصعاد نجمه و نشر سيرة أصحابهم الناشرين بفضائلهم و الرادين عنهم و الناقلين علومهم و وفقه لمرضاته و جزاه الله عن أهل بيت العصمة عليهم السلام خير الجزاء و ما كان منه ذلك إلا لكونه ممن امتحن الله عزوجل قلبه في تحمّل أخبارهم و أمدد في اتساع إناءه بالتزود من آثارهم. فسلام على جابر إنه كان من المتقين الواصلين و وفقنا الله تعالى في اقتفاء خطاه و النيل مما حباه و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

كمال الدين بن علي الحائري

ص: 8


1- ستأتي إن شاء الله في الكتاب.

مقدمة لا بد منها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الكائنات أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

أما بعد، فإن التاريخ الشيعي يزخر بالشخصيات الإسلامية التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لما في دراسة سيرتها من فوائد عقائدية و تاريخية و فقهية و غيرها، و في بحثنا المتواضع هذا نتناول شخصية مظلومة مهضومة مضطهدة مجاهدة صابرة في سبيل نصرة آل محمد عليهم السلام و ذكر مقاماتهم و رواية علاماتهم، فإتهمت بالغلو و الجنون و الكذب و لوحقت من قبل السلطات الفاجرة، و هي شخصية جابر بن يزيد الجعفي الذي عرف من مقامات أهل البيت عليهم السلام ما عرف.

و في هذا الكتاب نتناول مقتطفات من الروايات التي ذكرها جابر الله بعد أن نذكر نسبه و علاقته بالأئمة عليهم السلام، و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا القليل بأحسن القبول ببركة الصلاة على محمد و آل محمد، و نلتمس أخي القاريء منك العذر إن كان في هذا الكتاب أي خطأ أو نقص أو خلل سواء كان مطبعي أو نحوي و العذر عند كرام الناس مقبول، هذا و صلى الله على محمد و آل محمد و نسألكم الدعاء جزيتم خيراً.

خادمكم / أحمد مصطفى يعقوب

الكويت في 2010/7/1

للتواصل مع المؤلف عبر ال- MSN

Tanwerq8@hotmail.com

العنوان البريدي للمؤلف :

الكويت - مشرف - ص.ب 2046 - الرمز البريدي 40171

ص: 9

جابر بن يزيد رضي

هو جابر بن يزيد، أبو عبدالله، وقيل: أبو محمد الجعفي عربي قديم، نسبه: ابن الحرث بن عبد يغوث بن كعب بن الحرث بن معاوية ابن وائل بن مرار بن جعفي، لقي أبا جعفر و أبا عبد الله عليهما السلام و مات في أيامه سنة ثمانو عشرين و مائة (1)

و في رجال الكشي عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله السلام عن أحاديث جابر، فقال: ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط (2).

و قد يظن القاريء للوهلة الأولى أنه كان يختلق الأحاديث، لكن يجب علينا أن ندقق في قراءة تاريخ و تراجم رجال الشيعة رضي الله عنهم، فكثير منهم اتهم بالغلو لروايته روايات لا تحتملها عقول البعض، أو يرد من المعصوم ذم لهم لحفظ الشيعة من القتل كما ذمّ كبار تلامذته كزرارة و محمد بن مسلم و المفضل بن عمر و غيرهم ليقيهم من مطاردة السلطات الجائرة لهم، فقد كانت الأوضاع صعبة للغاية يتم فيها اعتقال و قتل و تشريد كل من كان قريباً من الأئمة عليهم السلام، لذلك فقد ضحى هؤلاء في سبيل أن تصلنا روايات الأئمة عليهم السلام و أقوالهم و حكمهم فعلينا أن نتلقاها بعين الرضا و بصدر رحب لا أن يجلس الرجل على أريكته و ينكر ما لا يتوافق مع عقله القاصر من مقامات الأئمة عليهم السلام و غيرها.

و يقول السيد الخوئي في معجم رجال الحديث ج 4 ، ص 344 ، في تعليقه على هذه الرواية: و أما قول الصادق علام في موثقة زرارة بإبن بكير ما

ص: 10


1- أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث ج 4، الطبعة الخامسة 1992 ص 336-337، ترجمة رقم 2033.
2- الطوسي محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى 1427، ص 169، ترجمة رقم 3354،75.

رأيته عند أبي إلا مرة واحدة و ما دخل علي قط فلا بد من حمله على نحو من التورية إذ لو كان جابر لم يكن يدخل عليه سلام الله عليه و كان هو بمرأى من الناس لكان هذا كافياً في تكذيبه و عدم تصديقه، فكيف اختلفوا في أحاديثه حتى احتاج زياد إلى سؤال الإمام علم عن أحاديثه على أن عدم دخوله على الإمام لم لا ينافي صدقه في أحاديثه لاحتمال أنه كان يلاقي الإمام لام في غير داره فيأخذ منه العلوم و الأحكام و يرويها، إذن لا تكون الموثقة معارضة للصحبة الدالة على صدقه في الأحاديث المؤيدة بما تقدم من الروايات الدالة على جلالته و مدحه و أنه كان عنده من أسرار أهل البيت سلام الله عليهم كما يؤيد ذلك ما رواه الصفار فى بصائر الدرجات فى الحديث 4 من الباب 13 من الجزء 2 من أن الصادق م أراه ملكوت السماوات و الأرض، ثم إن النجاشي ذكر أنه قل ما يورد عنه شيء في الحلال و الحرام و هذا منه غريب فإن الروايات عنه في الكتب الأربعة كثيرة رواها المشايخ و لعله قدس الله نفسه يريد بذلك أن أكثر رواياته لا يعتنى بها لأنه رواها الضعفاء ... الخ كلامه رحمه الله.

إذاً فالسيد رحمه الله يصرح أن جابر الله عنده من أسرار أهل البيت عليهم السلام و أن الصادق لا أراه ملكوت السماوات و الأرض، لكن التساؤل هنا: هل يتم طرح مقامات أهل البيت عليهم السلام على المنابر و الفضائيات و الكتب أم يجب أن يكون التركيز على فروع الدين و اهمال العقيدة كما هو الحال في عصرنا هذا؟ و هل نغوص في عمق الروايات لنحضى من الأسرار بالكأس المعلى أم نقف على القشور؟

و يشير رحمه الله أن الإمام عام أراه ملكوت السماوات و الأرض فيا ترى هل يبقى عند أصحاب العقول غير المسلمة لمقامات أهل البيت عليهم

ص: 11

السلام أدنى شك أن أهل البيت عليهم السلام يسيطرون على ملكوت السماوات و الأرض؟

- و الرواية التي ذكرها الشيخ الصفار و الله: عن عثمان بن زيد عن جابر بن أبي جعفر ام قال: سألته عن قول الله عزوجل «و كذلك نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَات وَ الأَرْضِ» (سورة الأنعام آية 75)، قال: فكنت مطرقاً إلى الأرض فرفع يده إلى فوق ثم قال لي: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فنظرت إلى السقف قد انفجر حتى خلص بصري إلى نور ساطع حار بصري دونه، قال ثم قال لي: رأى إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض هكذا. ثم قال لي: أطرق، فأطرقت، ثم قال لي: ارفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا السقف على حاله، قال: ثم أخذ بيدي و قام و أخرجني من البيت الذي كنت فيه و أدخلني بيتاً آخر فخلع ثيابه التي كانت عليه و لبس ثياباً غيرها، ثم قال لي: غض بصرك فغضضت بصري، و قال لي: لا تفتح عينك، فلبثت ساعة، ثم قال لي: أتدري أين أنت؟ قلت: لا جعلت فداك، فقال لي: أنت في الظلمة التي سلكها ذو القرنين، فقلت له: جعلت فداك أتأذن لي أن أفتح عيني؟ فقال لي: افتح فإنك لا ترى شيئاً، ففتحت عيني فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها موضع قدمي، ثم صار قليلا و وقف فقال لي: هل تدري أين أنت؟ قلت: لا، قال أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر علام، و خرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر، فسلكنا فيه فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه و مساكنه و أهله، ثم خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأول و الثاني، حتى وردنا خمسة عوالم، قال: ثم قال لي: هذه ملكوت الأرض و لم يرها إبراهيم، و إنما رأى ملكوت السماوات و هي اثنا عشر عالماً (1)، كل عالم كهيئة ما رأيت كلما مضى منا إمام سكن أحد هذه

ص: 12


1- لاحظ أسرار العدد 12 فالأئمة 12 و نقباء بني إسرائيل 12 و عدد الشهور 12 و الإسرار حول العدد 12 كثيرة.

العوالم حتي يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه، قال: ثم قال: غض بصرك، فغضضت بصري، ثم أخذ بيدي. فإذا نحن بالبيت الذي خرجنا منه، فنزع تلك الثياب التي كانت عليه، و عدنا إلى مجلسنا فقلت: جعلت فداك كم مضى من النهار؟ قال: ثلاث ساعات. (1).

فأسرار آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم عجيبة و ينبغي علينا إبرازها في و سائل الإعلام و دراستها و قد حرص العلماء على تدوين الروايات الدالة على أسرار أهل البيت عليهم السلام، و قد أفرد الصفار رضوان الله عليه في بصائره باباً كاملاً يتناول فيه الروايات التي تشير إلى أن أمرهم سر مستسر فراجع.

و قد كان جابر رضوان الله عليه يذكر مقامات أهل البيت عليهم السلام حتى إتهمه الناس بالجنون لأن عقولهم لا تحتمل مثل هذه المقامات، ففي رجال الكشي عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد حين قتل الوليد فإذا الناس مجتمعون قال: فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خز حمراء، و إذا هو يقول: حدثني وصي الأوصياء و وارث علم الأنبياء محمد بن علي عليهما السلام، قال: فقال الناس: جن جابر جن جابر (2).

كما اتهم رضوان الله عليه بالكذب فعن زياد بن أبي الحلال قال: اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي، فقلت لهم: أسأل أبا عبدالله ام، فلما دخلت ابتدأني فقال: رحم الله جابر الجعفي كان يصدق علينا، لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا (3).

ص: 13


1- الصفار، محمد بن الحسن بصائر الدرجات في مناقب آل محمد ، منشورات طليعة النور، قم، الطبعة الأولى 1384 ، ج 8 ، باب 13 في الأئمة أنهم يسيرون في الأرض من شاؤوا من أصحابهم بالقدرة التي أعطاهم الله ص 527-528، ح4.
2- الطوسي، نفس المصدر، ص 169، ح337.
3- المصدر السابق، ص 169، ح336.

و كل من كان يذكر مقامات أهل البيت عليهم السلام يدفع ضريبة اعتقاده هذا بأن يتهم بالغلو و الكفر و الكذب و الجنون، و قائمة الأسماء التي طالها هذا الإتهام طويلة و عريضة منهم جابر بن يزيد و صاحب مدينة المعاجز و الحافظ رجب البرسي و الشيخ الأوحد الإحسائي و السيد كاظم الرشتي و السيد الخميني رضي الله عنهم جميعاً و غيرهم الكثير الكثير، و ما زالت القائمة مستمرة يسجل فيها كل من يذكر مقامات أهل البيت عليهم السلام لأن الجهلة لا يحتملون مثل هذه الروايات و يريدون قياس جميع الروايات بعقولهم القاصرة لذلك يحاولون الطعن في كل تفسير يعتمد على روايات أهل البيت عليهم السلام كما حاولوا الطعن في تفسير القمي رضوان الله عليه كما اتهم أمثالهم في السابق جابر في تفسيره، لذلك كان أئمتنا صلوات الله و سلامه عليهم يحثون شيعتهم على عدم بث مقامات أهل البيت عليهم السلام لضعفاء العقول و عدم حرمان أهل المعرفة منها، فعن المفضل بن عمر الجعفي قال: سألت أبا عبدالله عن تفسير جابر، فقال: لا تحدث به السفلة فيذيعونه، أما تقرأ في كتاب الله عز وجل فَإِذَا نُقرَ فِي النَّاقُورِ﴾ (سورة المدثر، آية رقم (8)، إن منا إماماً متستراً، فإذا أراد الله إظهار أمره نكت في قلبه فظهر فقام بأمر الله (1).

عن عبد الله بن جبلة الكناني وعن ذريع المحاربي قال: سألت أبا عبدالله لام عن جابر الجعفي و ما روى فلم يجبني، و أظنه قال: سألته بجمع فلم، يجبني، فسألته الثالثة فقال لي: يا ذريع دع ذكر جابر فإن السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنعوا أو قال: أذاعوا (2).

ص: 14


1- الطوسي، المصدر السابق، ص 169 -170، حدیث 338.
2- الطوسي، المصدر السابق، ص 170، ح 340.

و الذين ينكرون المقامات يظنون أنهم من أهل التحقيق و الحداثة و يستخدمون عبارات منمقة مثل تنقيح التراث و كأنهم أعقل و أفهم من المفيد و الصدوق و المجلسي و غيرهم، إلا أنهم لا يعلمون أو ربما يعلمون خطورة هذا الإنكار إلا أن مثل هذه الروايات لا تخدم مصالحهم و توجهاتهم فإياك أن تشك في مقاماتهم و تحكم عقلك القاصر و تظن أنك تستطيع إدراك شأن من شؤون الإمام علم، فعن جابر بن يزيد قال: قال أبو جعفر علام: يا جابر حديثنا صعب مستصعب أمرد ذكوان و عر أجرد لا يحتمله و الله إلا نبي (صلی الله علیه و آله و سلم و عجل فرجهم) مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن ممتحن، فإذا ورد عليك يا جابر شيء من أمرنا فلان له قلبك فاحمد الله و إن أنكرته فرده إلينا أهل البيت و لا تقل كيف جاء هذا أو كيف كان و كيف هو ؟ فإن هذا و الله الشرك بالله العظيم (1).

و قد كان رضوان الله عليه يتعلم أسرار آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم منذ أن كان صغيراً، فعن عمرو بن شمر عن جابر قال: دخلت على أبى جعفر علام و أنا شاب فقال: من أنت؟ قلت من أهل الكوفة، قال: ممن؟ قلت من جعفي، قال: من أقدمك إلى ها هنا؟ قلت: طلب العلم قال : ممن؟ قلت : منك (2) ، قال : فإذا سألك أحد من أين أنت فقل: من أهل ،المدينة قال: قلت أسألك قبل كل شيء عن هذا ، أيحل لي أن أكذب؟ قال: ليس هذا بكذب من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج قال: و دفع إلي كتاباً و قال لي: إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي و لعنة آبائي، و إذا أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي

ص: 15


1- الطوسي، المصدر السابق، ص 170 - 171، ح341.
2- فهم عليهم السلام المنهل العذب و غيرهم سراب.

و لعنة آبائي، ثم دفع إلي كتاباً آخر ثم قال: وهاك هذا فإن حدثت بشيء منه أبداً فعليك لعنتي و لعنة آبائي (1).

ثم صار رضوان الله تعالى عليه عالماً بمقامات محمد و آله صلوات الله و سلامه عليهم و حاملا أسرارهم لشربه من المنهل العذب حتى صار لا يحتمل من حلاوتها إلا بثه و هذا دأب المؤمن الذي يريد أن يشاركه الناس الحلاوة التي توجد في صدور من يتلذذ بمقاماتهم و مناقبهم و فضائلهم. و كان يشتكي للإمام لا لوعة الكتمان و عدم تحمله كتم هذه المقامات فعن أبي جميلة المفضل بن صالح عن جابر بن يزيد الجعفي قال: حدثني أبو جعفر السلام بسبعين ألف حديث لم أحدث بها أحد قط ولا أحدث بها أحداً أبدا، قال جابر: فقلت لأبي جعفر م: جعلت فداك إنك ق-د حملتني و قراً عظيماً بما حدثتني به من سركم الذي لا أحدث به أحداً، فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون، قال: يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجنان، فاحفر حفيرة ودل رأسك فيها، ثم قل: حدثني محمد بن علي بكذا و كذا (2).

و قد تحمل جابر رضوان الله عليه ما يلاقيه كل مؤمن مسلم بمقامات آل محمد عليهم السلام من الناس و ملاحقات النواصب و السلطة له، فعن علي بن عبد الله قال: خرج جابر ذات يوم و على رأسه قوصرة راكباً قصبة حتى مر على سكك الكوفة فجعل الناس يقولون: جن جابر جن جابر فلبثنا بعد ذلك أياماً فإذا كتاب هشام قد جاء بحمله إليه، قال: فسأل عنه الأمير فشهدوا عنده أنه قد اختلط، و كتب بذلك إلى هشام فلم يتعرض له، ثم رجع إلى ما كان من حاله الأول (3).

ص: 16


1- الطوسي، المصدر السابق، ص 170 ، ح 339 .
2- الطوسي، المصدر السابق، ص 171، ح 343.
3- الطوسي، المصدر السابق، ص 171، ح 344.

و هكذا كان رضوان الله عليه يستخدم التقية كما استخدمها علي بن يقطين رضوان الله عليه بأمر الإمام الكاظم علام و استخدمها عمار بن ياسر رضوان الله عليه ونزلت فيه آية تصرح بجواز استخدام التقية، و كذلك إقرار النبي (صلی الله علیه و آله و سلم و عجل فرجهم) يا الله الفعلة عمار بن ياسر رضوان الله عليه و يبدو أن جابر رضوان الله عليه كان عنده شيء من علم المنايا و البلايا مما أفاض عليه أئمة الحق عليهم، السلام فعن عمرو بن شمر قال: جاء قوم إلى جابر الجعفي فسألوه أن يعينهم في بناء مسجدهم، قال: ما كنت بالذي أعين في بناء شيء يقع منه رجل مؤمن فيموت فخرجوا من عنده و هم يبخلونه و يكذبونه، فلما كان من الغد أتموا الدراهم و وضعوا أيديهم في البناء، فلما كان عند العصر زلت قدم البناء فوقع فمات (1).

و كان رضوان الله تعالى عليه له من الأسرار ما كان من العجائب، فعن عمرو بن شمر قال: جاء العلاء ابن يزيد رجل من جعفي قال: خرجت مع جابر لما طلبه هشام حتى انتهى إلى السواد، فقال فبينما نحن قعود و راع قريب منا إذ لفتت نعجة من شياهه إلى حمل، فضحك جابر، فقلت له: ما يضحكك يا أبا محمد؟ قال: إن هذه النعجة دعت حملها فلم يجيء، فقالت له: تنح عن ذلك الموضع فإن الذئب عام الأول أخذ أخاك منه (2)، فقلت لأعلمن حقية هذا أو كذبه، فجئت إلى الراعي فقلت له : يا راعي أتبيعني هذا الحمل؟ قال: فقال : لا، فقلت : ولم؟ قال: لأن أمه أفره شاة في الغنم وأغزرها درة وكان الذئب أخذ حملاً لها عند عام الأول من ذلك الموضع، فما رجع لبنها حتى وضعت هذا فدرت، فقلت: صدق ثم أقبلت فلما صرت على جسر الكوفة نظر إلى رجل معه خاتم ياقوت، فقال له: يا فلان خاتمك

ص: 17


1- الطوسي، المصدر السابق، ص 171 172، ح 345.
2- أي من هذا الموضع.

هذا البراق أرنيه، قال: فخلعه فأعطاه، فلما صار في يده رمى به في الفرات، قال الآخر: ما صنع، قال: تحب أن تأخذه؟ قال: نعم، قال: فقال بيده إلى الماء، فأقبل الماء يعلو بعضه على بعض حتى إذا قرب تناوله و أخذه.

و روي عن سفيان الثوري أنه قال: جابر الجعفي صدوق في الحديث إلا أنه كان يتشيع و حكي عنه أنه قال: ما رأيت أورع بالحديث من جابر (1).

فهو بإعترافهم ورع إلا أن تهمته الوحيدة حبه لآل محمد، و لا غرابة في معرفته منطق الحيوانات و أن تكون له عجائب و غرائب و كرامات لشدة حبه لآل مح- محمد عليه و اله .

و عن عروة بن موسى قال: كنت جالساً مع أبي مريم الحناط و جابر عنده جالس، فقام أبو مريم فجاء بدورق (2) من ماء بئر مبارك بن عكرمة فقال له جابر: و يحك يا أبا مريم كأني بك قد استغنيت عن هذه البئر و اغترفت من ها هنا من ماء الفرات، فقال له أبو مريم: ما ألوم الناس أن يسمونا كذابين و كان مولى لجعفر اعلام - كيف يجيء ماء الفرات إلى ها هنا ؟ قال: ويحك أنه يحفرها هنا نهر أوله عذاب على الناس و آخره رحمة يجيء فيه ماء الفرات، فتخرج المرأة الضعيفة و الصبي يغترف منه و يجعل له أبواب في بني رواس و في بني موهبة و عند بئر بني كندة و في بني فزارة حتى تتغامس فيه الصبيان، قال علي: إنه قد كان ذلك و إن الذي حدث علي عروة بعلانية أنه قد سمع بهذا الحديث قبل أن يكون (3).

و قد اتهم رضوان الله تعالى عليه بالغلو و كان الناس لا يصدقون كلامه .

ص: 18


1- الطوسي، المصدر السابق، ص 172، ح 346.
2- لعل الصواب الدردق و في الصحاح الدردق: مكيال للشراب.
3- الطوسي، المصدر السابق، ص 173 – 174، ح 338.

•من روايات جابر رضوان الله عليه:

عن جابر عن أبي جعفر عام قال: إذا أحب الله عبداً نظر إليه فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاثة بواحدة إما ،صداع، و إما حمى، و إما رمد (1).

و عن جابر عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: الناس اثنان واحد أراح وآخر استراح، فأما الذي استراح فالمؤمن إذا مات استراح من الدنيا و بلائها، و أما الذي أراح فالكافر إذا مات أراح الشجر و الدواب و كثيراً من الناس (2).

و قد ورد عنهم عليهم السلام أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر، فالمؤمن يؤمن أن الدنيا دار فناء و الآخرة دار بقاء.

عن جابر عن أبي جعفر سلام قال: قام إلى أمير المؤمنين علام رجل بالبصرة، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان؟ قال: الإخوان صنفان إخوان الثقة و إخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم الكف و الجناح و الأهل ،و المال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فإبذل له مالك و بدنك وصاف

من صافاه و عاد من عاداه، و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن، و اعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر، و أما إخوان المكاشرة فإنك

تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان (3).

ص: 19


1- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، الخصال، مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الأولى،1990، باب الواحد، ص 13، ح45.
2- الصدوق، المصدر السابق، ص 38 - 39، ح 21، باب الاثنين.
3- الصدوق، المصدر السابق باب الاثنين، ص 49 ، ح 56 .

لذلك علينا أن نهذب أنفسنا و أخلاقنا و تعاملنا مع إخواننا فإن تفرقنا و تمزقنا و تشتتنا يمزق قلب الإمام صاحب العصر و الزمان عج و يؤذيه، فهل نقبل بإيذاء قلب إمام زماننا؟ و هل نمر على هذه الروايات مرور الكرام أم نقوم بتطبيقها في مجتمعنا بعد إصلاحنا لأنفسنا أولاً؟

عن جابر بن يزيد الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله يقول لعقيل: إني لأحبك يا عقيل حبين حباً لك و حباً لحب أبي طالب لك (1).

عن جابر عن أبي جعفر سلام قال: لما دعا نوح علم ربه عزوجل أتاه إبليس لعنه الله فقال: يا نوح إن لك عندي يداً أريد أن أكافيك عليها، فقال:نوح: و الله إني لبغيض إلي أن يكون لك عندي يد فما هي؟ قال: بلى دعوت الله على قومك فأغرقتهم فلم يبق أحد أغويه، فأنا مستريح حتى ينشأ قرن آخر فأغويهم، فقال له نوح لم: ما الذي تريد أن تكافئني به؟ قال له: اذكرني في ثلاثة مواطن فإني أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحديهن اذكرني إذا غضبت و اذكرني إذا حكمت بين اثنين و اذكرني إذا كنت مع إمرأة خالياً ليس محكماً أحد (2).

عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ام قال : قال رسول الله : الحاج ثلاثة فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و وقاه الله عذاب النار ، و أما الذي يليه فرجل غفر له ما تقدم من ذنبه ويستأنف العمل فيما بقي من عمره، وأما الذي يليه فرجل حفظ في أهله و ماله (3).

ص: 20


1- الصدوق، المصدر السابق، باب الاثنين، ص76 ، ح120.
2- الصدوق، المصدر السابق، ص 132 ، باب الثلاثة، ح140.
3- الصدوق، المصدر السابق، باب الثلاثة، ص 147، ح 177.

عن جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: خطبنا علي بن أبي طالب علم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن قدام منبركم هذا أربعة رهط من أصحاب محمد منهم أنس بن مالك (1) و البراء بن عازب و الأشعث بن قيس الكندي و خالد بن يزيد البجلي ثم أقبل على أنس فقال: يا أنس إن كنت سمعت رسول الله يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة، و أما أنت يا أشعث فإن كنت سمعت رسول الله له يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله حتى يذهب بكريمتيك ((2) ، و أما أنت يا خالد بن يزيد فإن كنت سمعت رسول الله لا يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله إلا ميتة الجاهلية، و أما أنت يا براء بن عازب فإن كنت سمعت رسول الله له يقول من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم و ال من و الاه و عاد من عاداه، ثم لم تشهد لي اليوم بالولاية فلا أماتك الله إلا حيث هاجرت منه، قال جابر بن عبدالله الأنصاري: و الله لقد رأيت أنس بن مالك و قد ابتلى ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره، و لقد رأيت الأشعث بن قيس و قد ذهبت كريمتاه، و هو يقول: الحمد لله الذي جعل دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي بالعمى في الدنيا و لم يدع علي بالعذاب

ص: 21


1- يختلف مفهوم الصحابي في مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن مفهومه في مدرسة المخالفين، فالصحابي عند العامة هو كل من رأى النبي الله أما في مدرسة أهل البيت عليهم السلام فالصحابة هم الذين لم يغيروا و لم يبدلوا و لم ينقلبوا على أعقابهم بعد رسول الله له و هم الذين اتبعوا الخليفة الشرعي لرسول الله علي بن أبي طالب علم و ولده.
2- يعني عينيك.

في الآخرة و أعذب (1)، و أما خالد بن يزيد فإنه مات فأراد أهله أن يدفنوه و حفر له في منزله فدفن فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل و الإبل فعقرتها على باب منزله، فمات ميتة جاهلية، و أما البراء بن عازب فإنه و لاه معاوية اليمن فمات بها و منها كان هاجر (2).

- أقول: هذا مصير كل من يحاول طمس فضائل و مناقب و مقامات أهل البيت عليهم السلام و يعاديهم.

عن جابر عن أبي جعفر علام عن علي بن الحسين السلام قال: قال رسول الله: حبي و حب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة عند الوفاة، و في القبر و عند النشور و عند الكتاب و عند الحساب و عند الميزان و عند الصراط (3).

عن جابر الجعفي عن أبي جعفر علم قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب علم عند منصرفه عن وقعة النهروان و هو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي، قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود، قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عزوجل إذا بعث نبياً أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده و أن يعهد إليهم فيه عهداً يحتذي عليه و يعمل به في أمته من بعده و أن الله عزوجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء و يمتحنهم بعد وفاتهم فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء؟

ص: 22


1- هذا ظنه .
2- الصدوق، المصدر السابق، باب الأربعة ص219 - 220، ح 44.
3- الصدوق، المصدر السابق باب السبعة، ص 360، ح 49.

و كم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟ و إلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟ فقال له علي: و الله الذي لا إله غيره الذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى لا لئن أخبرتك بحق عما تسأل به لتقرن به (1)؟ قال: نعم، قال: و الذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى علام لئن أجبتك لتسلمن؟ قال: نعم، فقال له علي لم: إن الله عزوجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم و أوصياء بعد وفاتهم و يصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء، ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء عليهم السلام في سبعة مواطن ليبلو صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء، و قد أكمل لهم السعادة، قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المومنين و أخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟ و كم امتحنك بعد وفاته من مرة؟ و إلى ما يصير آخر أمرك؟ فأخذ علي علام بيده و قال انهض بنا انبئك بذلك فقام إليه جماعة من أصحابه، فقالوا: يا أمير المؤمنين انبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم (2)، قالوا: و لم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم، فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك فو الله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك و إنا لنعلم أن الله لا يبعث

ص: 23


1- يجب علينا أن نستغل بعض المواقف التي يطرح فيها المخالفون الأسئلة لدعوتهم لمذهب الحق.
2- كان أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم يتحسرون على شيعتهم و على عدم تحملهم مقامات أهل البيت عليهم السلام، و قد كان أمير المؤمنين علام يزفر الزفرات على ذلك، و قد ذكر السيد هاشم البحراني قدس سره في تفسيره الرائع (البرهان) في الخاتمة روايات تدل على ضرورة التسليم لأهل البيت عليهم السلام.

بعد نبينا صلى الله عليه و سلم نبياً سواه و أن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا، فجلس علي علام و أقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني في حياة نبينا محمد ال في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بنعمة الله له مطيعاً، قال: و فيم و فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: أما أولهن فإن الله عزوجل أوحى إلى نبينا لله و حمله الرسالة و أنا أحدث أهل بيتي سناً أخدمه في بيته و أسعى في قضاء بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب و كبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أنه رسول الله، فامتنعوا من ذلك و أنكروه عليه و هجروه و نابذوه و اعتزلوه و اجتنبوه و سائر الناس مقصين له و مخالفين عليه قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم و تدركه عقولهم، فأجبت رسول الله وحدي إلى ما دعا إليه مسرعاً مطيعاً موقناً، لم يتخالجني في ذلك شك، فمكثنا بذلك ثلاث حجج و ما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد الرسول الله الله بما أتاه الله غيري و غير ابنة خويلد رحمها الله (1)، صلى الله عليه و سلم و قد فعل ثم أقبل علامة على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال: و أما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تخيل الآراء و تعمل الحيل في قتل النبي و حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة و إبليس الملعون حاضر في صورة أعور،ثقيف، فلم تزل ضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي له و هو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، و إذا قتلوه منعت قريش رجالها و لم تسلمها فيمضي دمه هدراً، فهبط جبرئيل

ص: 24


1- كثير من روايات أهل العامة تدل على أن علياً لما كان يصلي مع الرسول الله و خديجة 7 سنوات مما يفند مقولة أهل العامة أن الخليفة الأول هو أول من أسلم.

(علیه السلام) على النبي الله فأنبأه بذلك و أخبره بالليلة التي يجتمعون فيها و الساعة التي يأتون فراشه فيها، و أمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار فأخبرني رسول الله الله بالخبر و أمرني أن أضطجع في مضجعه و أقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل، دونه، فمضى علام لوجهه و اضطجعت في مضجعه و أقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم و عجل فرجهم)، فلما استوى بي و بهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله، و الناس ثم أقبل السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال علام: و أما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة و ابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش (1)، فأنهضني رسول الله له مع صاحبي رضي الله عنهما و قد فعل و أنا أحدث أصحابي سنا و أقلهم للحرب، تجربة، فقتل الله عزوجل بيدي وليداً و شيبة، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم و سوى من أسرت و كان مني أكثر مما كان من أصحابي و استشهد عمي في ذلك رحمة الله عليه، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلي يا أمير المؤمنين، فقال علي علام: و أما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم و قد استحاشوا من يليهم من قبائل العرب و قريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر، فهبط جبرئيل ام على النبي الله فأنبأه بذلك فذهب النبي الله و عسكر بأصحابه في سد أحد، و أقبل المشركون إلينا فحملوا إلينا حملة رجل واحد و استشهد من المسلمين من استشهد و كان ممن بقي من الهزيمة (2) و بقيت مع رسول الله ،

ص: 25


1- عجباً (أين أبا بكر و عمر و عثمان !!؟؟).
2- كثير من رموز أهل العامة هربوا من هذه المعركة، فأين بطولتهم المزعومة.

و مضى المهاجرون و الأنصار إلى منازلهم من المدينة كل يقول: قتل النبي و قتل أصحابه ثم ضرب الله عزوجل وجوه المشركين و قد جرحت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم نيفاً و سبعين جرحة منها هذه و هذه ثم ألقى (السلام عليه و اله و سلم)رداءه و أمر يده على جراحاته و كان مني في ذلك ما على الله عزوجل ثوابه إن شاء الله، ثم إلتفت علم إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال لا و أما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشاً و العرب تجمعت وعقدت بينها عقداً و ميثاقاً لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله لي و تقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب ثم أقبلت بحدها و حديدها حتى أناخت علينا بالمدينة و اثقة بأنفسها فيما توجهت له فهبط جبرئيل علام على النبي الله فأنبأه بذلك فخندق على نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا ترى في أنفسها القوة و فينا الضعف ترعد و تبرق، و رسول الله لا يدعوها إلى الله عزوجل و يناشدها بالقرابة و الرحم فتأبى و لا يزيدها ذلك إلا عتوا و فارسها و فارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود يهدر كالبعير المغتلم (1) يدعو إلى البراز و يرتجز و يخطر برمحه مرة و بسيفه مرة لا يقدم عليه مقدم و لا يطمع فيه طامع و لا حمية تهيجه و لا بصيرة تشجعه فأنهضني إليه رسول الله له و عممني بيده و أعطاني سيفه هذا، و ضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه و نساء أهل المدينة بواك إشفاقاً علي من ابن عبد ود، فقتله الله عزوجل بيدي، و العرب لا تعد لها فارساً غيره و ضربني هذه الضربة - و أومأ- بيده إلى هامته فهزم الله قريشاً و العرب بذلك و بما كان مني فيهم من النكاية، ثم إلتفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال علام: و أما السادسة يا أخا

ص: 26


1- اغتلم البعير: هاج من شهوة الضراب.

اليهود فإنا وردنا مع رسول الله و الدليل اهل المدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود و فرسانها من قريش و غيرها، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل و الرجال و السلاح و هم في أمنع دار و أكثر عدد كل ينادي و يدعو و يبادر إلى القتال فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا احمرت الحدق و دعيت إلى النزال و أهمت كل امريء نفسه، و التفت بعض أصحابي إلى بعض و كل يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول الله له إلى دارهم فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته و لا يثبت لي فارس إلا طحنته ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسدداً عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها و أسبي من أجد من نسائها حتى أفتتحها وحدي ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده، ثم إلتفت علسلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال علام: و أما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم و يدعوهم إلى الله عزوجل آخراً كما دعاهم أولاً فكتب إليهم كتاباً يحذرهم فيه و ينذرهم عذاب الله و يعدهم الصفح و يمنيهم مغفرة ربهم و نسخ لهم في آخر سورة براءة ليقرأها عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلاً فوجهه به (1) فأتاه جبرئيل علم فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فأنبأني رسول الله له بذلك و وجهني بكتابه و رسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة و أهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا و لو قدر أن يضع على كل جبل مني إرباً لفعل و لو أن يبذل في ذلك نفسه و أهله و ولده و ماله، فبلغتهم

ص: 27


1- هو الأول، فإذا كان لا يصلح لتبليغ سورة فكيف يصلح لخلافة الأمة؟

رسالة النبي ليلة و قرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد و الوعيد و يبدي لي البغضاء و يظهر الشحناء من رجالهم و نسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال السلام: يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيها ربي عزوجل مع نبيه فوجدني فيها كلها بمنه مطيعاً، ليس لأحد فيها مثل الذي لي و لو شئت لوصفت ذلك و لكن الله عزوجل نهى عن التزكية فقالوا: يا أمير المؤمنين: صدقت و الله لقد أعطاك الله عزوجل الفضيلة بالقرابة من نبينا، و أسعدك بأن جعلك أخاه تنزل منه بمنزلة هارون من موسى و فضلك بالمواقف التي باشرتها و الأهوال التي ركبتها و ذخر لك الذي ذكرت و أكثر منه مما لم تذكره و مما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا الله و من شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عزوجل به بعد نبينا فاحتملته و صرت فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علماً منا به و ظهوراً منا عليه إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه، فقال سلام: يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني بعد وفاة نبيه في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنه و نعمته صبوراً.

و أما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد أنس به أو اعتمد عليه أو استنيم (1) إليه أو أتقرب به غير رسول الله هو رياني صغيرا وبوأني كبيراً و كفاني العيلة و جبرني من اليتم و أغناني عن الطلب و وقاني المكسب و عال لي النفس و الولد و الأهل هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى

ص: 28


1- أسكن.

معالي الحق عند الله عزوجل فنزل بي من وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه و لا يضبط نفسه و لا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد أذهب الجزع صبره و أذهله عقله و حال بينه و بين الفهم و الإفهام و القول و الإسماع، و سائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر وبين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم، و حملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت و الاشتغال بما أمرني به من تجهيزه و تغسيله و تحنيطه و تكفينه و الصلاة عليه و وضعه في حفرته و جمع كتاب الله و عهده إلى خلقه لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة و لا هائج زفرة و لا لاذع حرقة و لا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عزوجل و لرسوله الله علي و بلغت منه الذي أمرني به و احتملته صابراً محتسباً، ثم إلتفت للام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال للام: و أما الثانية يا أخا اليهود فإن رسول الله أمرني في حياته على جميع أمته و أخذ على جميع من حضره منهم البيعة و السمع و الطاعة لأمري، و أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله أمره إذا حضرته و الأمير على من حضرني منهم إذا فارقته لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي الله و لا بعد وفاته، ثم أمر رسول الله الله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي (صلی الله علیه و آله و سلم و عجل فرجهم) أحداً من أفناء العرب و لا من الأوس و الخزرج و غيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه و منازعته و لا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قدر وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، و لا من المهاجرين و الأنصار و المسلمين و غيرهم و المؤلفة قلوبهم و المنافقين

ص: 29

لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئاً ما أكرهه و لا يدفعني دافع من الولاية و القيام بأمر رعيته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامه لا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه و تقدم في ذلك أشد التقدم و أوعز فيه أبلغ الإيعاز و أكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي الله إلا برجال من بعث أسامة بن زيد و أهل عسكره قد تركوا مراكزهم و أخلوا مواضعهم و خالفوا أمر رسول الله فيما أنهضهم له و أمرهم به و تقدم إليهم من ملازمة أميرهم و السير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره و أقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها الله عزوجل لي و لرسوله الله في أعناقهم فحلوها، و عهد عاهدوا الله و رسوله فنكثوه و عقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم و اختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي فعلوا ذلك و أنا برسول الله مشغول و بتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها و أحق ما بدىء به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية و فاجع المصيبة و فقد من لا خلف منه إلا الله تبارك و تعالى فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها و سرعة اتصالها، ثم التفت للسلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال لام: و أما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم و عجل فرجهم) كان يلقاني معتذراً في كل أيامه و يلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي و نقض بيعتي و يسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيامه، ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لي عفواً هنيئاً من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه و قرب عهد

ص: 30

بالجاهلية حدثاً في طلب حقي بمنازعة (1) لعل فلاناً يقول فيها نعم و فلاناً يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، و جماعة من أصحاب محمد و أعرفهم بالنصح لله و لرسوله و لكتابه و دينه الإسلام يأتوني عوداً و بدءاً و علانية و سرا فيدعوني إلى أخذ حقي و يبدلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إلي بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويداً و صبراً قليلاً لعل الله يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة و لا إراقة الدماء، فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي الله و طمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كل قوم منا أمير و ما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر، فلما دنت وفاة القائم (2) و انقضت أيامه صير الأمر بعده لصاحبه (3) فكانت هذه أخت أختها و محلها مني مثل محلها و أخذا مني ما جعله الله لي، فاجتمع إلي من أصحاب محمد ممن مضى و ممن بقي ممن أخره الله من اجتمع فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأول صبراً و احتساباً و يقيناً و إشفاقاً من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله باللين مرة و بالشدة أخرى و بالنذر مرة و بالسيف أخرى حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر و الفرار و الشبع و الري و اللباس و الوطاء و الدثار، و نحن أهل بيت محمد صلى الله عليه و سلم لا سقوف لبيوتنا و لا أبواب و لا ستور إلا الجرائد و ما أشبهها و لا و طاء لنا و لا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد

ص: 31


1- و هذا رد على سؤال أهل العامة عن سبب عدم قيام أمير المؤمنين علام بقتل من أخذ منه الخلافة، فالسبب الأول هو عدم احداث الفتن خصوصا مع وجود أخطار داخلية و خارجية تحيط بالإسلام، و السبب الثاني عدم وجود من ينصره و قلتهم و قلة إما كناتهم.
2- و هذا رد على سؤال أهل العامة عن سبب عدم قيام أمير المؤمنين علام بقتل من أخذ منه الخلافة، فالسبب الأول هو عدم احداث الفتن خصوصا مع وجود أخطار داخلية و خارجية تحيط بالإسلام، و السبب الثاني عدم وجود من ينصره و قلتهم و قلة إما كناتهم.
3- العجيب أنهم يعتقدون بشرعية وصية الأول للثاني و لا يعتقدون بشرعية وصية الرسول ل لعلي السلام.

في الصلاة أكثرنا و نطوي الليالي و الأيام عامتنا، و ربما أتانا الشيء مما أفاءه الله علينا و صيره لنا خاصة دون غيرنا و نحن على ما و صفت من حالنا فيؤثر به رسول الله الا الله و أرباب النعم و الأموال تألفاً منه لهم، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله له و لم يحملها على الخطة التي لا خلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني و في أمري على إحدى منزلتين إما متبع مقاتل و إما مقتول إن لم يتبع الجميع، و إما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، و قد علم الله أني منه بمنزلة هارون من موسى يحل به في مخالفتي و الإمساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون و ترك طاعته و رأيت تجرع الغصص و رد أنفاس الصعداء و لزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضي بما أحب أزيد لي حظي و أرفق بالعاصبة التي و صفت أمرهم و كان أمر الله قدراً مقدوراً و لم أتق هذه الحالة يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكني أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله الا الله و من بحضرتك منهم بأني كنت أكثر عدداً و أعز عشيرة و أمنع رجالاً و أطوع أمراً و أوضح حجة و أكثر في هذا الدين مناقب و آثاراً لسوابقي و قرابتي و وراثتي فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها و البيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها و قد قبض محمد الله و إن ولاية الأمة في يده و في بيته، لا في يد الأولى تناولوها و لا في بيوتهم، و لأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال ثم إلتفت للسلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال السلام: و أما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري و ينظرني في غوامضها

ص: 32

فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحداً و لا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري و لا يطمع في الأمر بعد سواي، فلما أن أتته منيته على فجأة بلا مرض كان مثله و لا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه لم أشك أني قد استرجعت حقي (1) في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها و العاقبة التي كنت ألتمسها و إن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، و أفضل ما أملت، و كان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوماً أنا سادسهم، و لم يستوني بواحد منهم و لا ذكر لي حالا في وراثة الرسول و لا قرابة و لا صهر و لا نسب، و لا لواحد منهم مثل سابقه من سوابقي و لا أثر من آثاري و صيرها شورى بيننا و صير ابنه فيها حاكماً علينا و أمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره، و كفى بالصبر على هذا يا أخا اليهود صبراً، فمكث القوم أيامهم كلها كل يخطب لنفسه و أنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي و أيامهم و آثاري و آثارهم و أوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه إستحقاقي لها دونهم و ذكرتهم عهد رسول الله إليهم و تأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم، دعاهم حب الإمارة و بسط الأيدي و الألسن في الأمر و النهي و الركون إلى الدنيا و الإقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم، فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه و صائر إليه التمس مني شرطاً أن أصيرها له بعدي فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء و الحمل على كتاب الله عزوجل و وصية الرسول و إعطاء

ص: 33


1- قال العلامة المجلسي (ره) أمثال هذا الكلام إنما صدر عنه لم بناء على ظاهر الأمر مع قطع النظر عما كان يعلمه بأخبار الله و رسوله من استيلاء هؤلاء الأشقياء و حاصل الكلام أن حق المقام كان يقتضي أن لا يشك في ذلك كما قيل في قوله تعالى و لا ريب فيه.

كل إمريء منهم ما جعله الله له و منعه ما لم يجعل الله له أزالها عني إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها، و ابن عفان رجل لم يستو به و بواحد ممن حضره حال قط فضلا عمن دونهم، لا ببدر التي هي سنام فخرهم و لا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله و من اختصه معه من أهل بيته عليهم السلام ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم و نكصوا على أعقابهم و أحال بعضهم على بعض كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه (1) و تبرؤوا منه و مشى إلى أصحابه خاصة و سائر أصحاب رسول الله لي عامة يستقيلهم من بيعته و يتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه يا أخا اليهود أكبر من أختها وأفظع و أحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ و صفه و لا يحد وقته، و لم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمضى و أبلغ منها، و لقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان و الوثوب عليه و أخذ حقي و يؤتيني صفقته و بيعته على الموت تحت رايتي أو يرد الله عزوجل علي حقي، فوالله يا أخا اليهود ما منعني منها إلا الذي منعني من أختيها، قبلها، و رأيت الإبقاء على من بقى من الطائفة أبهج لي و آنس لقلبي من فنائها، و علمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى و من غاب من أصحاب محمد له أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى، و لقد كنت عاهدت الله عزوجل و رسوله الله أنا و عمي حمزة و أخي جعفر و ابن عمي عبيدة على أمر و فينا به لله عزوجل و لرسوله فتقدمني أصحابي و تخلفت بعدهم لما أراد

ص: 34


1- كانت عائشة تلقبه ب- ( نعثل) و تكفره و تطالب الناس بقتله بقولها: اقتلوا نعثلا فقد كفر.

الله عزوجل فأنزل الله فينا منَ الْمُؤمنينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا (سورة الأحزاب: آية رقم (23)، حمزة و جعفر و عبيدة و أنا و الله المنتظر يا أخا اليهود و ما بدلت تبديلا، و ما سكتني عن ابن عفان و حثني على الإمساك عنه إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله و خلعه فضلا عن الأقارب و أنا في عزلة، فصبرت حتى كان ذلك لم أنطق فيه بحرف من (لا) و لا (نعم) ثم أتاني القوم و أنا علم الله كاره لمعرفتي بما تطامعوا به من اعتقال الأموال و المرح في الأرض و علمهم بأن تلك ليست لهم عندي و شديد عادة منتزعة، فلما لم يجدوا عندي تعللوا الأعاليل ثم التفت للام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال علام: و أما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني (1) و ثبوا بالمرأة علي و أنا ولي أمرها و الوصي عليها، فحملوها على الجمل و شدوها على الرحال و أقبلوا بها تخبط الفيافي و تقطع البراري و تنبح عليها كلاب الحوأب و تظهر لهم علامات الندم في كل ساعة و عند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي الله حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم طويلة لحاهم (2) قليلة عقولهم عازبة آراؤهم و هم جيران بدو و وراد بحر فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم، و يرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محله المكروه ممن إن كففت لم يرجع و لم يعقل، و إن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالإعذار و الإنذار، و دعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، و القوم الذين حملوها على

ص: 35


1- أي الأموال و المناصب.
2- ما زال أتباعهم كذلك.

الوفاء ببيعتهم لي، و الترك لنقضهم عهد الله عزوجل في، و أعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، و ناظرت بعضهم فرجع و ذكرت فذكر، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلاً و تمادياً و غياً، فلما أبوا هي ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة، و بهم الهزيمة، و لهم الحسرة و فيهم الفناء و القتل، و حملت نفسي على التي لم أجد منها بدا، و لم يسعني إذ فعلت ذلك و أظهرته آخراً مثل الذي و سعني منه أولاً من الإغضاء و الإمساك و رأيتني إن أمسكت كنت معيناً لهم عليَّ بإمساكي على ما صاروا إليه و طمعوا فيه من تناول الأطراف و سفك الدماء و قتل الرعية و تحكيم النساء النواقص العقول و الحظوظ على كل حال كعادة بني الأصفر (1) مضى من ملوك سبأ و الأمم الخالية، فأصير إلى ما كرهت أولاً و آخراً و قد أهملت المرأة و جندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، و لم أهجم على الأمر إلا بعدما قدمت و أخرت و تأنيت و راجعت و أرسلت و سافرت و أعذرت و أنذرت و أعطيت القوم كل شيء يلتمسوه بعد أن عرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه، فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها فبلغ بي و لهم ما أراد و كان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيداً، ثم إلتفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال علام: و أما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم الحكمين و محاربة ابن آكلة الأكباد و هو طليق معاند لله عزوجل و لرسوله و المؤمنين منذ بعث الله محمداً إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته و بيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم و في ثلاثة مواطن بعده، و أبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين و جعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي و يجدد لي

ص: 36


1- يعني أهل الروم.

بيعته كلما أتاني، و أعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك و تعالى قد رد إلي حقي و أقر في معدنه و انقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعاً و في أمانة حملناها حاكماً، كر على العاصي بن العاص فإستماله فمال إليه ثم أقبل به بعد أن أطمعه، مصر، و حرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه در هماً، و حرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم و يطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه و من خالفه، ناواه، ثم توجه إلي ناكثاً علينا مغيراً في البلاد شرقاً و غرباً و يميناً و شمالاً، و الأنباء تأتيني و الأخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه منها و في الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا لوجدت عند الله عزوجل في توليته لي مخرجاً، و أصبت لنفسي في ذلك عذراً فأعملت الرأي في ذلك و شاورت من أثق بنصيحته لله عزوجل و لرسوله لله ولي و للمؤمنين فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي ينهاني عن توليته و يحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، و لم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا، فوجهت إليه أخا بجيلة مرة و أخا الأشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا و تابع هواه فيما أرضاه، فلما لم أره أن يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تمادياً شاورت من معي من أصحاب محمد عل الله البدريين و الذين ارتضى الله عزوجل أمرهم و رضي عنهم بعد بيعتهم و غيرهم من صلحاء المسلمين و التابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه و محاربته و منعه مما زالت يده، و إني نهضت إليه بأصحابي أنفذ إليه من كل موضع كتبي و أوجه إليه رسلي أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه و الدخول فيما فيه الناس معي فكتب يتحكم علي و يتمنى علي الأماني و يشترط علي شروطاً لا يرضاها الله عزوجل و رسوله و لا المسلمون، و يشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواماً من أصحاب محمد الهلال الأبراراً فيهم عمار بن ياسر و أين مثل عمار؟

ص: 37

و الله لقد رأيتنا مع النبي الله و ما يعد منا خمسة إلا كان سادسهم و لا أربعة إلا كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم و يصلبهم و انتحل دم ،عثمان، و لعمرو الله ما ألب على عثمان و لا جمع الناس على قتله إلا هو و أشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن، فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه و بغيه بحمير عقول لهم و لا بصائر، فموه لهم أمرا فاتبعوه و أعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه، فناجزناهم و حاكمناهم إلى الله عزوجل بعد الإعذار و الإنذار، فلما لم يزده ذلك إلا تمادياً و بغياً لقيناه بعادة الله التي عدوناه من النصر على أعدائه و عدونا وراية رسول الله بأيدينا، لم يزل الله تبارك و تعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، و هو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله في كل مواطن، فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه و قلب رايته لا يدري كيف يحتال فإستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف و رفعها على الأعلام و الدعاء إلى ما فيها و قال: إن ابن أبي طالب و حزبه أهل بصائر و رحمة و تقيا و قد دعوك إلى كتاب الله أولاً و هم مجيبوك إليه آخراً فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره، فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه فمالت إلى المصاحف قلوب و من بقي من أصحابي بعد فناء أخيارهم و جهدهم في جهاد أعداء الله و أعدائهم على بصائرهم وظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته و أقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر و من ابن العاص معه و أنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي و لم يطيعوا أمري و أبو إلا إجابته كرهت أم هويت، شئت أم أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بإبن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند، برمته فجهدت - علم الله جهدي و لم أدع غلة في

ص: 38

نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني و رأيي أن يفعلوا و راودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفلم فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ و أومأ بيده إلى الأشتر و عصبة من أهل بيتي فوالله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان و أومأ بيده إلى الحسن و الحسين فينقطع نسل رسول الله و ذريته من أمته و مخافة أن يقتل هذا و هذا - و أومأ بيده إلى عبدالله بن جعفر و محمد بن الحنفية رضي الله عنهما- فإني أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عزوجل فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمور و تخيروا الأحكام و الآراء و تركوا المصاحف و ما دعوا إليه من حكم القرآن و ما كنت أحكم في دين الله أحداً إذا كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه و لا امتراء فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلاً من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضي رأيه و عقله و أثق بنصيحته و مودته و دينه، و أقبلت لا أسمي أحداً إلا امتنع منه ابن هند و لا أدعوه إلى شيء من الحق إلا أدبر عنه، و اقبل ابن هند يسمونا عسفاً و ما ذاك إلا بإتباع أصحابي له على ذلك فلما أبوا إلا غلبتي على التحكم تبرأت إلى الله عزوجل منهم و فوضت ذلك إليهم فقلدوه امرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض و غربها و أظهر المخدوع عليها ندماً، ثم أقبل السلام على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال السلام: و أما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله الله كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوماً من أصحابي يصومون النهار و يقومون الليل و يتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي و محاربتهم إياي من الدين مروق السهم من الرمية، فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعني بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجاً

ص: 39

إلا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يبايع من أخطأ و أن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه و قتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا و طاعته لنا في الخطأ، و أحل لنا بذلك قتله و سفك دمه، فتجمعوا على ذلك و خرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى أصواتهم: لا حكم إلا لله، ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة و أخرى بحروراء و أخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقاً حتى عبرت دجلة، فلم تمر بمسلم إلا امتحنته، فمن تابعها استحبته و من خالفها قتلته، فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عزوجل الرجوع إليه فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عزوجل فقتل الله هذه و هذه و كانوا يا أخا اليهود - لولا ما فعلوا لكانوا ركناً قوياً و سداً منيعاً، فأبى الله إلا ما صاروا إليه، ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة و وجهت رسلي تترى (1) و كانوا من جلة أصحابي و أهل التعبد منهم و الزهد في الدنيا فأبت إلا اتباع اختيها و الاحتذاء على مثالهما و أسرعت في قتل من خالفها من المسلمين و تتابعت الأخبار بفعلهم، فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة، أوجه السفراء النصحاء و أطلب العتبى بجهدي (2) بهذا مرة و بهذا مرة و أومأ بيده إلى الأشتر و الأحنف بن قيس و سعيد بن قيس الأرحبي و الأشعث بن قيس الكندي لما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله -يا أخا اليهود - عن آخرهم و هم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم، مخبر، فإستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى له ثدي كثدي المرأة، ثم التفت السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فقال سلام: قد و فيت سبعاً و سبعاً يا أخا اليهود، و بقيت الأخرى و أوشك بها فكان قد.

فبكى أصحاب علي علام و بكى رأس اليهود و قالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا، بالأخرى، فقال: الأخرى أن تخضب هذه و أومأ بيده إلى لحيته-

ص: 40


1- يعني واحدا بعد واحد.
2- الرجوع من الإساءة إلى المسرة.

من هذه و أومأ- بيده إلى هامته قال و ارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة و البكاء حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعاً و أسلم رأس اليهود على يدي علي لا من ساعته و لم يزل مقيماً حتى قتل أمير المؤمنين علام و أخذ ابن ملجم -لعنه الله بين يديه فقال له يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإني رأيت في الكتب التي أنزلت على موسى لم أن هذا أعظم عند الله عزوجل جرماً من ابن آدم قاتل أخيه و من القدار عاقر ناقة ثمود (1).

أقول و العجيب أن البخاري يروي روايات في (صحيحه) و في اسنادها عمران بن حطان الشاعر الذي مدح ابن ملجم لعنه الله، فهل البخاري ناصبي أم أنه محب لأهل البيت عليهم السلام؟

عن جابر بن يزيد عن محمد ابن علي الباقر عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال علي علام: كان لي من رسول الله له عشر خصال ما يسرني بإحديهن ما طلعت عليه الشمس و ما غربت، فقال له بعض أصحابه بينها لنا يا علي قال علام: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: يا علي أنت الوصي، و أنت الوزير و أنت الخليفة في الأهل و المال، و وليك وليي و عدوك عدوي و أنت سيد المسلمين من بعدي و أنت أخي و أنت أقرب الخلائق مني في الموقف و أنت صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة (2). عن جابر عن أبي جعفر قال: إن عبداً مكث في النار سبعين خريفاً و الخريف سبعون سنة- ثم إنه سأل الله عزوجل بحق محمد و أهل بيته إلا رحمتني فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل علم أن اهبط إلى عبدي فأخرجه، قال: يا رب و كيف لي بالهبوط إلى النار؟ قال: إني قد أمرتها أن تكون عليك برداً و سلاماً، قال: يا رب فما علمي بموضعه؟ قال:

ص: 41


1- الصدوق، المصدر السابق باب السبعة ص 364 - 382 ، ح58 .
2- الصدوق، المصدر السابق باب العشرة ص 429، ح8.

إنه في جب من سجين، قال: فهبط في النار و هو معقول على و جهه فأخرجه، فقال عزوجل: يا عبد كم لبثت تناشدني في النار؟ فقال: ما أحصي يا رب فقال: أما و عزتي لولا ما سألتني به لأطلت هوانك في النار و لكنه حتم على نفسي أن لا يسألني عبد بحق محمد و أهل بيته إلا غفرت له ما كان بيني و بينه و قد غفرت لك اليوم (1)الصدوق، المصدر السابق أبواب السبعين و ما فوقه، ص 584، ح9. (2).

عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر للام قال: جاء رجل إلى عليا و هو علي منبو فقال: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلم بما سمعت عن عمار بن ياسر ويرويه عن رسول الله؟ فقال: اتقوا الله و لا تقولوا على عمار إلا ما قاله -حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال له: تكلم قال: سمعت عمارا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: أنا أقاتل على التنزيل و علي يقاتل على التأويل، فقال علام: صدق عمار و رب الكعبة إن هذه عندي لفي ألف كلمة تتبع كل كلمة ألف كلمة (3). فللقرآن ظاهر و باطن و ظاهر ظاهر و باطن باطن إلى سبعين و هم عليهم السلام يعلمون كل القرآن الذي فيه تبيان كل شيء، فما من شيء يجهله آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم.

• جابر رضوان الله عليه في رعاية الأئمة و حفظهم:

عن النعمان بن بشير قال: زاملت جابر بن يزيد الجعفي إلى الحج، فلما خرجنا إلى المدينة ذهب إلى أبي جعفر الباقر علم فودعه ثم خرجنا فما زلنا حتى نزلنا الأخيرجة (4)، فلما صلينا الأولى و رحلنا و استوينا في المحمل إذا دخل رجل طوال آدم شديد الأدمة و معه كتاب طينه رطب من محمد بن علي الباقر لام إلى جابر بن يزيد الجعفي، فتناوله جابر

ص: 42


1-
2-
3- الصدوق، المصدر السابق، باب ما بعد الألف، ص 650، ح48.
4- اسم موضع في طريق مكة إلى المدينة.

و أخذه و قبله (1)، ثم قال: متى عهدك بسيدي قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ قال: بعد الصلاة الساعة، قال: ففك الكتاب و أقبل يقرأه و يقطب وجهه فما ضحك و لا تبسم حتى و افينا الكوفة و قد كان قبل ذلك يضحك و يتبسم و يحدث، فلما نزلنا الكوفة دخل البيت فأبطأ ساعة ثم خرج علينا قد علق الكتاب في عنقه و ركب القصب و دار في أزقة الكوفة و هو يقول منصور بن جمهور أمير غير مأمور، و نحو هذا من الكلام، و أقبل يدور في أزقة الكوفة و الناس يقولون: جن جابر جن جابر، فلما كان بعد ثلاثة أيام و رد كتاب هشام ابن عبد الملك على يوسف بن عثمان بأن انظر رجلا من جعف يقال له: جابر بن يزيد فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه، فلما قرأ يوسف بن عثمان الكتاب التفت إلى جلسائه فقال: من جابر بن يزيد؟ فقد أتاني من أمير المؤمنين يأمرني بضرب عنقه و أن ابعث إليه برأسه؟ فقالوا: أصلح الله الأمير هذا رجل علامة صاحب حديث و ورع و زهد و أنه جن و خولط في عقله و ها هو ذا في الرحبة يلعب مع الصبيان فكتب إلى هشام بن عبدالملك: أنك كتبت إلي في أمر هذا الرجل الجعفي و أنه جن؟ فكتب إليه: دعه، قال: فما مضت الأيام حتى جاء منصور بن جمهور فقتل يوسف بن عثمان فصنع ما صنع (2).

فأهل البيت عليهم السلام يحرسون و يرعون من يهتم بمقاماتهم و أسرارهم.

• مكانة جابر رضوان الله عليه

عن عبدالله بن الفضل الهاشمي قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد لا إذ دخل المفضل بن عمر، فلما بصر به ضحك إليه، ثم قال:

ص: 43


1- اسم موضع في طريق مكة إلى المدينة.
2- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الإختصاص، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، 1982 ، ص 67-68 .

إلي يا مفضل فوربي إني لأحبك و أحب من يحبك، يا مفضل لو عرف جميع أصحابي ما تعرف ما اختلف اثنان فقال له المفضل يا ابن رسول الله لقد حسبت أن أكون قد أنزلت فوق منزلتي، فقال علام: بل أنزلت المنزلة التي أنزلك الله بها، فقال: يا ابن رسول الله فما منزلة جابر بن يزيد منكم؟ قال: منزلة سلمان من رسول الله، قال: فما منزلة داود بن كثير الرقي منكم؟ قال: منزلة المقداد من رسول الله، قال: ثم أقبل علي فقال: يا عبدالله بن الفضل إن الله تبارك و تعالى خلقنا من نور عظمته و صنعنا برحمته و خلق أرواحكم منا، فنحن نحن إليكم و أنتم تحنون إلينا، و الله لو جهد أهل المشرق و المغرب أن يزيدوا في شيعتنا رجلا أو ينقصوا منهم رجلا ما قدروا على ذلك، و أنهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشائرهم و أنسابهم، يا عبد الله بن الفضل و لو شئت لأريتك اسمك في صحيفتنا، قال: ثم دعا بصحيفة فنشرها فوجدتها بيضاء ليس فيها أثر الكتابة، فقلت: يا بن رسول الله ما أرى فيها أثر الكتابة، قال: فمسح يده عليها فوجدتها مكتوبة و وجدت في أسفلها اسمي فسجدت لله شكراً (1).

• جابر يرى معجزة من معاجز الإمام السلام:

عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر ام قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة، فقال: يا جابر ما عندنا درهم قال: فلم ألبث أن دخل عليه الكميت، فقال له: جعلت فداك أرأيت أن تأذن لي في أن أنشدك قصيدة؟ قال: أنشد، فأنشده، قصيدة، فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فدفعها إلى الكميت، فقال له: جعلت فداك أرأيت أن أنشدك أخرى؟ فقال: أنشد، فأنشده أخرى، فقال: يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليه، فقال: جعلت فداك

ص: 44


1- المفيد المصدر السابق، ص 216-217.

أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك الثالثة؟ فقال له: أنشد فأنشده، فقال: يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فإدفعها إلى الكميت، فقال له الكميت: و الله ما امتدحتكم لغرض دنيا أطلبه منكم و ما أردت بذلك إلا صلة رسول و ما أوجبه الله لكم علي من الحق، قال: فدعا له أبو جعفر علام ثم قال: يا غلام ردها مكانها، قال جابر: فوجدت في نفسي، و قلت: قال لي ليس عندي درهم و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم؟ فقال: يا جابر قم فادخل ذلك البيت، قال: فقمت و دخلت البيت فلم أجد فيه شيئاً فخرجت إليه، فقال لي: يا جابر ما سترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم، ثم أخذ بيدي فأدخلني البيت فضرب برجله فإذا شبيه بعنق البعير قد خرج من ذهب فقال: يا جابر انظر إلى هذا و لا تخبر به أحداً إلا ممن تثق به من إخوانك، إن الله قد أقدرنا على ما نريد فلو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها (1).

فالسماوات و الأرض و العوالم كلها تحت تصرف آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم، و تشير هذه الرواية إلى افاضاتهم صلوات الله و سلامه عليهم على من أحيى أمرهم عليهم السلام سواء بالقصائد أو الكتب أو الخطب، جعلنا الله و إياكم من الذين يسعون لنشر ثراث أهل البيت عليهم السلام عبر نشر الكتب و مواقع الانترنت و الخ.

و عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر علم قال: إن الله أخذ ميثاق شيعتنا من صلب آدم فنحن نعرف بذلك حب المحب و إن أظهر خلاف ذلك بلسانه و نعرف بغض المبغض و إن أظهر حبنا أهل البيت (2).

فليس كل من ادعى محبتهم عليهم السلام ينطبق عليه لقب المحب لهم عليهم السلام، بل يجب على من يدعي محبتهم أن يتبرأ من أعداء أهل

ص: 45


1- المفيد، المصدر السابق، ص 272.
2- المفيد، المصدر السابق، ص 278.

البيت و أن يوالي أهل البيت عليهم السلام موالاة حقيقية بإتباع سيرتهم و نهجهم لا سيرة آل أمية و علماء البلاط الأموي أو البلاط العباسي، فحب أهل البيت عليهم السلام ليس مجرد كلمة أو شعور إنما ينبغي أن يترجم إلى تطبيق عملي بالولاية و البراءة.

• أهل البيت عليهم السلام و لغة الحيوانات:

عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر اعلام قال: بينا علي بن الحسين علام مع أصحابه إذ أقبل ظبي من الصحراء حتى قام حذاه و حمحم فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية؟ قال: تقول إن فلاناً القرشي أخذ خشفها بالأمس و أنها لم ترضعه من أمس شيئاً، فبعث إليه علي بن الحسين علام أرسل إلي بالخشف فبعث به فلما رأته حمحمت و ضربت بيديها، ثم رضع عنها، فوهبه علي بن الحسين علام لها و كلمها بكلام نحو كلامها فتحمحمت و ضربت بيديها و انطلقت و الخشف معها، فقالوا له يا

ابن رسول الله ما الذي قالت؟ فقال: دعت الله لكم و جزتكم خيراً (1).

و الروايات في البحار و الكافي الشريف و بصائر الدرجات و كتب أخرى تبين لنا أن الحجة مع الخلق و قبل الخلق و بعد الخلق و الحجة يكون على جميع الوجودات من إنس و جن و حيوانات و جمادات و ملائكة في جميع العوالم فلا غرابة أنهم يعرفون لغة الحيوانات و يخاطبون الحجر و الشجر و المدر والخ. و من أراد الإستزادة فعليه بمراجعة كتاب مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني قدس سره و كتب أخرى كثيرة.

•المشرق و المغرب في ليلة:

عن جابر بن يزيد قال: كنت يوماً عند أبي جعفر علام جالساً، فإلتفت إلي فقال: يا جابر أما لك حمار تركبه فتقطع ما بين المشرق و المغرب في

ص: 46


1- المفيد، المصدر السابق، ص299.

ليلة؟ فقلت له: لا، فقال: إني لأعرف رجلاً بالمدينة له حمار يركبه فيأتي المشرق و المغرب في ليلة (1).

عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر ام قال: يا جابر ألك حمار يسير بك فيبلغ بك من المشرق إلى المغرب في يوم واحد؟ فقلت: جعلت فداك يا أبا جعفر و أنى لي هذا؟ فقال أبو جعفر اعلام: ذاك أمير المؤمنين علام ألم تسمع قول رسول الله في علي: و الله لتبلغن الأسباب و الله لتركبن السحاب (2).

• جابر رضوان الله عليه يتعلم التبري من أعداء الله:

وَ قَالَ الَّذِينَ اتَّبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ وَ مَا هُم بخَارجين من النَّارِ﴾ (3)، ثم قال أبو جعفر علام: هم و الله يا جابر أئمة الظلمة و أشياعهم (4).

فيجب أن يكون الموالي على يقين أن اتباع المذاهب الأخرى لن يقبل الله تعالى لهم عملا، فمهما صاموا و صلوا و حجوا و رتلوا القرآن فكل ذلك سراب و غير مقبول، و الروايات حول هذا الأمر مستفيضة و متواترة.

و عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر السلام قال: قال رسول الله : الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها و محرمة على الأمم حتى يدخلها شيعتنا أهل البيت (5).

و له رضوان الله تعالى عليه روايات كثيرة في الإختصاص للشيخ المفيد و علل الشرايع للصدوق و الخصال و في الكافي و من لا يحضره الفقيه و الإستبصار و تهذيب الأحكام و غيرها من الكتب التي لم نذكرها للإختصار.

ص: 47


1- المفيد المصدر السابق، ص 315.
2- المفيد، المصدر السابق، ص317.
3- سورة البقرة آية رقم 167.
4- المفيد، المصدر السابق، ص334.
5- المفيد، المصدر السابق، ص 356.

الخاتمة

في الختام علينا أن نتساءل: ما الذي استفدناه من سيرة جابر بن يزيد الجعفي رضوان الله عليه؟ الجواب أننا نجد في الروايات أن أهل البيت عليهم السلام أمرونا بالإهتمام بالحديث، ففي منية المريد قال له: تذاكروا و تلاقوا و تحدثوا فإن الحديث هو جلاء القلوب، إن القلوب لترين كما يرين السيف و جلاؤها الحديث.

لكننا نتساءل: أي الأحاديث التي لها تأثير في القلوب؟ الجواب من دعوات الراوندي عن أبي جعفر: إن حديثنا يحيي القلوب، و قال: منفعته في الدين أشد على الشياطين من عبادة سبعين ألف عابد.

فروايات أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم و ذكر مقاماتهم تزيد قلوبنا نورا و إيمانا، و قد ورد في رجال الكشي عن علي بن حنظلة عن أبي عبد الله سلام قال: اعرفوا منازل الناس منا على قدر رواياتهم عنا.

فلا غرابة أننا رأينا في هذا البحث ما لجابر رضوان الله عليه من كرامات لتعلقه بمقامات أهل البيت عليهم السلام، فعلينا أن نملأ بيوتنا من تراث أهل البيت عليهم السلام عبر الإهتمام بإقتناء الكتب المهمة كتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني و تفسير القمي و تفسير العياشي و تفسير نور الثقلين و الكافي و بصائر الدراجات و علل الشرايع و معاني الأخبار و غيرها من المصادر المهمة التي عانى رجالاتها ملاحقة السلطات التي تنصب العداء لأهل البيت عليهم السلام و إتهام بعض ضعاف القلوب و العقول لهم بالغلو و الكذب، حتى و صلتنا روايات آل محمد، فعلينا على أقل تقدير و اهتمام أن نقتني هذه الكتب و المصادر و نتدارسها مع أولادنا وبناتنا، هذا و نسألكم الدعاء في الصلوات و الخلوات و الصلاة و السلام على محمد و آل الهداة.

خادمكم / أحمد مصطفى يعقوب

الكويت في 2010/7/15

للتواصل مع المؤلف عبر ال- MSN

Tanwerq8@hotmail.com

العنوان البريدي للمؤلف

الكويت - مشرف - ص.ب 2046 - الرمز البريدي 40171

ص: 48

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.