تنبیهات حول المبدأ و المعاد

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: مروارید، حسنعلي ، - 1289

عنوان المؤلف واسمه: تنبیهات حول المبدا و المعاد/ حسنعلي مروارید

حالة المحرر: [يحرر ]2

تفاصيل النشر: مشهد: مؤسسة البحوث الإسلامية ، 1418ق . = 1377.

مواصفات المظهر: ص 273

شابک : 964-444-083-88000ریال

مواصفات المظهر: ببليوغرافيا مع ترجمة

موضوع : آفرینش

موضوع : معاد

موضوع : کلام الامامية الشيعية

معرف المضافة: مؤسسة البحوث الإسلامية

تصنيف الكونجرس: BP232/4/م 4ت 9 1377

تصنيف ديوي: 297/42

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 77-6613

ص: 1

اشارة

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

ص: 2

تنبیهات

جول المبد او المعاد

آية الله الميرزا حسنعلی مرواريد

ص: 3

ص: 4

مقدمة

منذ انتقل آية الله الميرزا مهديّ الغروي الأصفهاتي ( 1303 . 1365 ه. ) من النجف الأشرف إلى مدينة مشهد المقدّسة عام 1340 ه. عمل على تكوين نواة بين تلاميذه للاتجاه الذي آمن به في اكتساب المعرفة الإسلامية.

كان الميرزا قد خرج من تجربة معرفية لم يطمئن إليها ، فعكف على النص الإسلامي من خلال القرآن والحديث ، من أجل إنارة العقل والفطرة الصافية. وعمد إلى تخليص قضايا العقل من شوائب الأوهام ، مستعينا على ذلك بتزكية النفس وتقواها ، مقتفيا إلى هدفه خطى المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. ذلك أنّه كان يرى في القرآن والحديث النبع الصافي الذي تستلهم منه المعرفة الأصيلة ، ويلتمس فيه الهدى والنجاة.

وفي ربع القرن الذي سلخه الميرزا في مشهد المقدّسة عقد حلقات درسه ، وألّف ما ألف من كتبه ، جادا في طريقته ، شديدا في نقده ، معنيّا بإيصال ما يهمه إلى تلاميذه.

وكان . . . مع ذلك من أعلام الفقه وفحول الأصول ، وألقى دروسا فيهما مدّة من الزمان ، وحيث كان يرى سد الفراغ في معرفة أصول الدين أهم وألزم ، أضاف إلى جلسات درسه في الفقه والأصول دروسا في معرفة المبدأ والمعاد.

كان له . تلاميذ ، ثم لتلاميذه تلاميذ .. فيهم أعلام بارزون ، وفيهم مؤلفون ، مزيتهم أنهم التزموا المنهج وحافظوا عليه. وحاول بعضهم تنظيم هذا الاتجاه في طرائقه ومضامين معارفه ، واختار له اسم « مدرسة التفكيك » التي يراد بها : العودة إلى النص

ص: 5

ص: 6

الأصيل بعيدا عن الامتزاج والتأويل(1) .

وكتاب « تنبيهات حول المبدأ والمعاد » الذي يقدّمه مجمع البحوث الإسلامية اليوم هو أحد نتاجات هذه المدرسة ، يسلك بطالب المعرفة هذه المحجّة ، ويستدلّ بأصولها على فروعها .

مؤلّفه آية الله الميرزا حسنعلي مرواريد . المتولّد سنة 1329 ه . من علماء مشهد البارزين. وهو ينحدر من أسرة كريمة أنتجت طائفة من العلماء ، منهم والده المرحوم الشيخ محمد رضا ( 1299 . 1338 ه. ) المعروف بالتقى والصلاح. وعمّه الشيخ علي أكبر الذي كان من تلاميذ آية الله محمد كاظم الخراساني. ومن أجداده الخواجة شهاب الدين عبد الله مرواريد الكرماني ( 9920865 ه. ) الذي كان من أدباء عصره ومشاهير الكتاب فيه. وأمّا جدّه لأمه فهو آية الله الشيخ حسنعلي الطهراني . المتوفى سنة 1325 ه . الذي كان من أبرز تلاميذ الميرزا محمد حسن الشيرازي الكبير. (2)

وقد درس المؤلّف على عدّة من العلماء ، منهم الشيخ حسنعلي الأصفهاني. والشيخ

ص: 7


1- ينظر كتاب « مكتب التفكيك » ، تأليف الشيخ محمد رضا الحكيمي. طبع الكتاب عام 1414 ه. في 365 صفحة ، وكان في أصله بحثا نشرته مجلة « كيهان فرهنگی » في عددها الثاني عشر الخاص في اسفند سنة 1371 ه. ش.
2- للاطلاع على تراجم طائفة من أعلام أسرة المؤلّف تنظر هذه المصادر : 1 - أعيان الشيعة : السيّد محسن الأمين العاملي 9 : 185. 2 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : آقا بزرگ الطهراني 4 : 376 ، 377 ، 379. 3 . طبقات أعلام الشيعة - نقباء البشر : آقا بزرگ الطهراني 1 / 1 : 0454 455 ، 1 / 2 : 729، 1 / 4 : 1301 ،7162 ، 1655 . 4 . تاريخ علماء خراسان : میرزا عبد الرحمن المدرّس الأوّل في الآستانة الرضوية 302. ه . فهرست کتابخانه آستان قدس رضوي 5 : 575. 6 - اطلس خطّ : حبيب فضائلي 327 ، 346 ، 408 . 7 . كرامات رضويّة : علي أكبر مروّج الإسلام 1 : 302.301. 8 . الكلام يجرّ الكلام : السيد أحمد الزنجاني 1 : 55 . 56. 9 . گنجینه دانشمندان: محمّد شريف الرازي 272. 10 . منتخب التواريخ : هاشم الخراساني 626 ، 631 ، 700. 11 . هديّة الرّازي إلى الإمام المجدّد الشيرازي : آقا بزرگ الطهرانی 87086 .

هاشم القزويني. بيد أنّ جلّ تتلمذه كان على آية الله الميرزا مهدي الأصفهاني ، إذ لازمه حتى وفاة الميرزا ره (1). وابتدأ بتدريس خارج الفقه بعد سنتين أو ثلاث سنين من وفاة الأستاذ إلى زهاء أربعين سنة ، وألقى خلال هذه السنين دروسا في المعارف ، وتخرّج عليه العديد من العلماء والفضلاء.

وهذا الكتاب الذي نضعه في أيدي القرّاء الأعزاء هو خلاصة من دروس ألقاها المؤلف في دورات متعدّدة ، ثم جعلها في كتاب مستقل استجابة لرغبة ثلة من تلاميذه، ليكون في متناول أيدي الطلبة والدارسين.

وقد عني كتاب « تنبيهات حول المبدأ والمعاد » . كما يدلّ عنوانه . بقضايا المعتقد الإسلامي في التوحيد والصفات ، وفي خلق الروح الإنسانية ، وفي أفعال الإنسان ، وفي المصير والعودة إلى الله تعالى ، وفيما يتصل بهذه القضايا الاعتقادية من فروع وتفصيلات.

إنّ غاية المجمع ، في تقديم هذا الكتاب ، أن يهيّئ للقارئ فرصة جديدة للاطلاع على لون من نتاجات مدرسة التفكيك ، وللوقوف على مقوّماتها وملامح تفكيرها ... والله جل جلاله الهادي إلى السبيل.

مجمع البحوث الإسلامية

ص: 8


1- كان المرحوم الميرزا الأصفهاني من أوائل تلاميذ النائيني ومن المبرزين لديه. ودرس كذلك على السيّد محمّد كاظم اليزدي ، والسيد إسماعيل الصدر. ونهل في السير والسلوك على عدّة من العلماء منهم السيّد أحمد الكربلائي رضوان السيد أحمد الكربلائي رضوان الله عليهم أجمعين.

ص: 9

تنبيهات

حول المبدأ والمعاد

ص: 10

ص: 11

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد ، فهذه جملة من الأمور الاعتقادية المرتبطة بمعرفة الحق المتعال جلّت عظمته ، ومعرفة النفس التي فيها معرفة الربّ ، ومعرفة أنها من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟

اهتدينا إليها بالآيات المباركة، وبما روي عن المعصومين سلام الله عليهم ، إما بالاستضاءة منها في تبيّن الحقائق، والانتباه لوجوه الاستدلال وإقامة البراهين في ما يستقل به العقل ، أو التمسّك بها في ما لا يثبت إلا من طريق الوحي.

كتبتها تذكرة لنفسي ورجاء لانتفاع غيري من طالبي العلم والحكمة. والله المؤيد المعين.

تنبيهات في مبدأ

ضرورة البرهان

لا بد في إثبات كل أمر من حجة وبرهان ، كما تشير إليه الآيات الكريمة التالية :

ص: 12

(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (1) .

( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ )(2) .

( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ)(3) .

( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) (4) .

( فَدَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ )(5)

( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (6).

( وَتِلْكَ حُجَّتُمَا آتَيْناها إِبْرَاهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ) (7) .

وتلك الحجّة والبرهان لا بد من أن تكون حجيتها ذاتيّة أو منتهية إليها ، وإلاّ لزم الدور أو التسلسل الباطلان ، وأن لا يثبت أمر ، فإنّ إثبات صدق القضية في صغرى البرهان المصطلح أو كبراه الذي يتوقف عليه الإنتاج ، إن لم يكن بحجّة ذاتيّة أو منتهية إليها ، فإما أن ينتهي إلى نفس البرهان ويتوقف عليه فهو الدور ، فيتسلسل.

«البرهان » في القرآن الكريم

يظهر من التدبّر في الآيات المتقدمة وغيرها و موارد نزولها أنّ البرهان والحجّة عبارة عن كل ما يوضح الأمر ، ويصح أن يحتج به ، سواء كان مؤلفا من القضايا أم لا ، كالعقل والعلم ، وكالنبي والإمام ، والمعجزة ، ومطلق الآيات التكوينية ، فلا وجه لحمله على البرهان المصطلح بما له من تفصيل الشرائط.

فمتى قام أحد الأمور المذكورة مما يصح إطلاق الحجّة والبرهان بمعناها اللغوي عليه . وإن كان مجازا من باب تسمية الجزء باسم الكلّ ، وتسمية السبب باسم المسبب .

ص: 13


1- النمل 64.
2- الأنبياء 24 .
3- المؤمنون 117.
4- النساء 174.
5- القصص 32.
6- الأنعام 149 .
7- الأنعام 83.

فإنّه يكتفى به عقلا وعرفا ، كما عليه السيرة العقلائية حتى من علماء المنطق والفلسفة ، فإنهم كثيرا ما يعتمدون نانه مجان في إثبات مرامهم على ما يوضح المطلوب ، أي على المنطق الارتكازي ، من دون تكلف النظر إلى مباحث المنطق المصطلح.

الحجّة الذاتية هو العلم والعقل

الحجّة الذاتية التي لا بد من أن ينتهي جميع الحجج والبراهين إليها . بل بها قوامها . هي حقيقة العلم والعقل الذي حقيقته من حقيقة العلم ، كما سيأتي التنبيه عليه.

ومما يشهد على ما ذكرنا احتجاج العقلاء وكذلك الكتاب والسنة بهما في قولهم : ألم تعلم وأ لم تعقل ونحوهما ، فتدبّر .

الإنكار أو التشكيك في حجّيّة العقل من بعض الأخباريين

من العجب خفاء حجيّة العقل على بعض ، كما يظهر من ملاحظة التعبيرات المحكية عنهم. فعن غير واحد من الأخباريين . على ما في رسائل الشيخ الأنصاري ره. عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية غير الضرورية.

وعن بعض الأعاظم ره توضيحا لكلام الشيخ : أنّ مرادهم ليس هو القطع . الذي هو حالة نفسانية بخلاف العلم والعقل . فإنّ الذي قاله الأصوليون وأنكر عليهم الأخباريون القول بأنّ أدلة الأحكام الشرعية أربعة منها العقل ، فأنكروا عليهم تارة بعدم حجّيّة العقل فيها رأسا ، كما يظهر عن بعضهم ، وأخرى بعدم حصول القطع من المقدّمات العقلية ، كما هو ظاهر كلمات بعض آخر (1).

وعن بعض المحدّثين . بعد الإشكال بوقوع الخطاء في العقليات والشرعيّات كليهما . قال : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة باطلة عقلية بالمقدّمة النقليّة ، وقال الشيخ ره : المستفاد من كلامه عدم حجيّة إدراكات العقل في غير المحسوسات وما تكون مباديه قريبة من الإحساس ، إذا لم تتوافق عليه العقول.

ص: 14


1- انظر خاتمة مستدرك الوسائل ، الفائدة الحادية عشرة.

وعن بعضهم في ذيل كلام المحدّث المذكور : وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه. فإن قلت : قد عزلت له العقل عن الحكم في الاصول والفروع ، فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل؟ قلت : أما البديهيات فهي وحده ، وأما النظريات فإن وافقها النقل وحكم بحكمها قدم حكمه على النقل وحده. وأما لو تعارض هو والنقلي فلا شك عندنا في ترجيح النقل وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل(1) .

الجواب عن مقالتهم بذكر بعض الآيات والأحاديث

أقول : كيف تتلاءم هذه التعابير مع ما ورد في القرآن الكريم في شأن العقل وأولي الألباب المفسرة بأولي العقول، من حثّ الناس على التعقل ، والإنكار على ترك التعقل ، وذمّه بقوله تعالى : (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) (2) . والتوعيد بقوله : ( وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) (3)

وما عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : استر شدوا العقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا (4)

وعنه صلی الله علیه و آله و سلم : إنّما يدرك الخير كله بالعقل ، ولا دين لمن لا عقل له (5)

وعن الصادق صلوات الله علیه : حجة الله على العباد النبي ، والحجّة فيما بين العباد وبين الله العقل (6) .

وعن الصادق صلوات الله علیه : العقل دليل المؤمن (7)

وعن أبي الحسن الرضا صلوات الله علیه في خبر ابن السكيت : حيث قال : فما الحجّة على الخلق اليوم؟ قال : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدّقه ، والكاذب فيكذبه (8)

ص: 15


1- رسائل الشيخ الأنصاري : مبحث القطع.
2- يس 62 .
3- یونس 100 .
4- البحار 1 : 96 ، عن كنز الفوائد.
5- تحف العقول 54 ، وعنه البحار 77 : 158.
6- الكافي 1 : 25 .
7- الكافي 1 : 25 .
8- الكافي 1 : 25 ، البحار 1 : 105 .

وعن موسى بن جعفر علیه السلام في وصيّته لهشام : إنّ الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) (1) ... ثم ذمّ الذين لا يعقلون فقال : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (2) . وقال : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ) (3) ... إنّ الله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول ... ولا علم إلاّ ولا علم إلا من عالم ربّاني ، ومعرفة العالم بالعقل (4) .

وفي تفسير الإمام علیه السلام في قصة آدم وحواء : .... فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله إليهم : إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأما من جعلته ممكنا مميزا مختارا فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ... الخبر (5)

وعن أمير المؤمنين صلوات الله علیه : العقول أئمّة الأفكار (6) .

وعنه صلوات الله علیه: العقل شرع من داخل ، والشرع عقل من خارج (7)

وبالجملة : التعبير بأنّه حجة الله وسائر ما ورد في تعظيمه ينافي التشكيك في حجّيّته واحتمال الخطاء في أحكامه ، أو التبعيض فيها بعد فرض إدراك العقل لها. وليس ذلك إلاّ من جهة عدم عرفان حقيقة العقل وأحكامه ، وتوهّم أنّ كل ما يحصله الإنسان ويستنتجه من المقدّمات فهو حكم العقل.

فلا بد من التحقيق في هذين المقامين ، كما أشار إليه ما عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : اعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا ... وإنّما يدرك الحق بمعرفة العقل وجنوده ،

ص: 16


1- الزمر 17 ، 18 .
2- البقرة 170 .
3- الانفال 22 .
4- تحف العقول 383 ، وعنه البحار 1 : 132 ، ورواه في الكافي 1 : 13 بتفاوت.
5- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكرى صلوات الله علیه : 223 ، وعنه البحار 11 : 191.
6- البحار 1 : 96 ، عن كنز الفوائد.
7- مجمع البحرين 5 : 425 .

وبمجانبة الجهل وجنوده (1)

العقل والنفس عند الفلاسفة ، وفي الكتاب والحديث

ينبغي ذكر إجمال مما قاله بعض الحكماء في شأن النفس والعقل وحقيقتهما ، كي يمتاز ما قالوا به في هذا الباب عمّا نطق به الكتاب الكريم والرسول الأكرم والأئمة المعصومون : ، ويظهر أنّ الحقيقة التي ستموها بالعقل أجنبية عن الحقيقة المسمّاة في الروايات . بل وعند العرف أيضا . بالعقل.

فعن غير واحد : أنّ للنفس قوى يشترك فيها النبات ، والحيوان ، والإنسان ، وقوى تختص بالإنسان والقوى المشتركة في الثلاثة أصولها ثلاثة : الغاذية ، والنامية ، والمولّدة.

والقوى المشتركة بين الإنسان والحيوان على قسمين : مدركة ، ومحركة ، والقوى المدركة عشر : خمس في الظاهر ، وخمس في الباطن ، والقوى الظاهرة : الباصرة ، والسامعة ، والذائقة ، واللامسة ، والشامة.

والقوى الباطنة . على ما قاله بعضهم . : أوّلها الحس المشترك ، وهو الذي ترتسم فيه صور الأشياء المحسوسة بالحواس الظاهرة.

والثانية : الخيال ، وهو الذي يحفظ ما يرتسم في الحس المشترك.

والثالثة : الواهمة ، وهي التي تدرك بها المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات.

والمراد بالمعنى ما لا يدرك بالحواس الظاهرة ، كعداوة زيد ، ومحبّة عمرو ، ومحبّة الشاة لولدها ، وعداوة الذئب لها.

والرابعة : الحافظة ، وهي التي تحفظ المعاني الجزئية ، ونسبتها إلى الواهمة كنسبة الخيال إلى الحس المشترك.

والخامسة : المتخيّلة ، وهي التي تركب بين الصور والمعاني ، فتثبت بعضها لبعض ، وتنفي بعضها عن بعض. وعن بعضهم : أنّ محلّ تلك القوى الدماغ.

والقوى المحركة المشتركة بين الإنسان والحيوان تنقسم إلى : باعثة ، وفاعلة

ص: 17


1- علل الشرائع : 113 ؛ وفي المحاسن : 198 ، والخصال : 591 : وإنّما يدرك الفوز

والباعثة هي التي إذا حصلت في الخيال صورة أمر مطلوب حصوله ، أو أمر مطلوب دفعه ، بعثت القوة الفاعلة. ويعبّر عنها في الأوّل (أي في حصول أمر مطلوب حصوله ) بالقوّة الشهويّة ، وفي الثاني ( أي في حصول أمر مطلوب دفعه ) بالقوّة الغضبيّة. والقوّة الفاعلة هى التي تحرّك آلات التحريك نحو العمل.

وعن بعضهم أنّ للنفس الإنسانية قوّتين تختصان بها ، إحداهما ما يعبّر عنه بالعقل العملي ، والثانية ما يعبّر عنه بالعقل النظري. والعقل النظري ما يتهيأ به لحصول المعقولات ، أي المفاهيم الكلية بالفكر والنظر مما ليس من شأنه أن يعمل ، والعقل العملي ما من شأنه أن يعمله بإرادته.

قالوا : ما ترتسم فيه المفاهيم الكلية هي النفس المجرّدة لا البدن ، بخلاف الامور الجزئية ، فعن المشهور أنّ محلها البدن ، كما ذكرنا ( وعن كثير من المتأخرين بل المشهور بينهم أنّها أيضا من شئون النفس وأطوارها ، قال السبزواري في منظومته : النفس في وحدتها كل القوى ) (1)

وقالوا أيضا : العقل له مراتب أربع : العقل الهيولائيّ ، والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل والعقل المستفاد. وتفصيلها أنّ النفس لها مراتب أربع عبّر عنها جميعا بالعقل :

الاولى : ما يسمّى بالعقل الهيولائي ، وهي قوة استعداد انتزاع ماهيات الموجودات على النحو الكلّي.

الثانية : أن تصل إلى مرتبة حصول هذا الاستعداد وفعليّتها فيه ، ويعبّر عن تلك المرتبة بالعقل بالملكة أي حصلت له ملكة ، أي حالة راسخة يقتدر بها على تصوّر المفاهيم الكلية.

الثالثة : أن تحصل لها تلك الامور فعلا ، أي ترتسم فيها فعلا المفاهيم الكليّة بالاستنتاج والنظر ، سواء كانت حاضرة في النفس ، أي مشهودة لها ، أو صارت بعد حصولها في النفس تحصل بأدنى التفات وقال : النفس حينئذ تكون عقلا وعاقلا ومعقولا ، ويعبّر عن النفس في تلك المرتبة بالعقل بالفعل والعقل بعضهم النظري عندهم هو مقام

ص: 18


1- شرح المنظومه 309 .

فعليّة وكمال للنفس في استخراج النظريات عن الضروريات وبعبارة أخرى : إذا وصلت النفس إلى حد حصل لها استخراج النظريات من الضروريات في جميع المطالب أو في كثير منها فإنّه يعبّر عنها بالعقل الفعلي أو بالفعل. وحكم العقل حينئذ ما يحصل له من النتيجة بسبب الاستخراج المذكور.

الرابعة : أن لا تحتاج في حصول تلك الصور الكلية وارتسامها في النفس إلى استنتاج وفكر ونزع وتجريد ، بل تفاض عليها تلك الصور الكلية بواسطة الاتصال بالعقل الفعّال الذي هو مخزن تلك الصور الكلية ، لا بالفكر والتجريد.

هذا خلاصة ما ذكره بعض محققيهم في العقل ، وحاصلها أنّ العقل هو النفس بما لها المراتب الأربع.

فنقول : لا ننكر القوى المودعة في جسد الإنسان الحيّ ، ولا في النفس الإنسانية المعبّر عنها تارة بالنفس وأخرى بالروح ، وأخرى بالقلب . على أحد معنييهما . التي يعبّر عنها ب. « أنا » ، ولا ننكر أيضا القوى المودعة في طبيعة الحيوان ، ولا المودعة في الإنسان ، ولا المراتب الأربع المفروضة فيه.

ولا يهمنا التعرّض لها والتحقيق فيها ، وإقامة الدليل على إثباتها أو نفيها إلا أنّ الذي يهمنا وينبغي التنبيه أنّ حقيقة العقل الذي به تدرك المعقولات ، وحقيقة العلم الذي به تدرك المعلومات ، وبه يحتجّ الكتاب والسنة أجنبيّ عن ذلك كلّه ، وعن حقيقة الإنسان المعبّر عنها بلفظ « أنا » ، وعن المراتب المذكورة لها. بل هو النور المتعالي عن ذلك كلّه.

والنفس وجميع قواها بجميع مراتبها . التي تصل إليها في كمالها . مظلمة محضة في ذاتها ، وفاقدة بذاتها لتلك الحقيقة النورية ، وصيرورتها عالما عاقلا إنما هي بوجدانها لتلك الحقيقة ( أي العلم والعقل ) بما للوجدان من المراتب ، من غير أن تدخل النفس في حالة من الحالات في صقع تلك الحقيقة النورية ، أو تتنزل تلك الحقيقة وتصير من مراتب النفس.

ولا تزال تلك الحقيقة النورية تكون هكذا بالنسبة إلى جميع الحقائق الخارجية

ص: 19

وإلى جميع الصور والمعاني الجزئية والكلية الذهنيّة. حتى بالنسبة إلى النفوس الكاملة العالية.

وإنّ تسمية المراتب الأربع المتقدّمة بالعقل اصطلاح محض ، ولعله مبعد عن نيل حقيقة العقل الواقعي الذي نبّه عليه الكتاب والسنة.

فصل في ذكر بعض ما ورد من الروايات المباركة في : شأن العقل وحقيقته وأحكامه :

عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إنّ الله خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرّب ، فجعل العلم نفسه ، والفهم روحه ، والزهد رأسه ... الخبر (1)

وعن النبي صلی الله علیه وآله و سلم: أنه سئل تما خلق الله عزّ وجلّ العقل؟ قال : ... فإذا بلغ كشف ذلك الستر ، فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم به الفريضة والسنة ، والجيد والردي ، ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت (2).

وعن موسى بن جعفر علیه السلام في وصيّته لهشام : وإنّ ضوء الروح العقل(3) .

وعن أبي عبد الله علیه السلام . في حديث . : العقل منه الفطنة ، والفهم ، والحفظ ، والعلم(4)

وعنه علیه السلام : دعامة الإنسان العقل ، ومن العقل الفطنة ، والفهم ، والحفظ ، والعلم. فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالما ، حافظا ، ذكيّا ، فطنا ، فهما. وبالعقل يكمل ، وهو دليله ، ومبصره ، ومفتاح أمره(5).

وعنه علیه السلام : خلق الله العقل من أربعة أشياء : من العلم ، والقدرة ، والنور ، والمشيئة

ص: 20


1- الخصال 427 .
2- البحار 1 : 99 ، عن علل الشرائع.
3- تحف العقول 396 ، وراجع ص 15 الهامش 4 .
4- الكافي 1 : 25 .
5- البحار 1 : 90 ، عن علل الشرائع.

بالأمر ، فجعله قائما بالعلم ، دائما في الملكوت (1)

ففی هذه الروايات عرّفوا العقل بأنّه من نور ، وأنه نور ، وأنّ مثله في القلب كمثل السراج في وسط البيت. وأنّه خلق من العلم ، وأنّه قائم بالعلم ، وأنّ منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم. ثم عرّفوا العلم بأنه نور ، كما في رواية عنوان البصري : ليس العلم بالتعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه وستأتي روايات أخرى تدلّ على ذلك.

ويظهر منها أنّ : العقل . وكذلك العلم . حقيقة نوريّة مغايرة للقلب والحقيقة النفس الإنسانية المشار إليها بلفظة « أنا » ، لما مر من أنّ صيرورة الإنسان عالما وعاقلا إنّما هى بوجدانه لهذه الحقيقة النورية ، بما له ( أي للوجدان ) من المراتب ، من دون تداخل بينه وبينها في حقيقتهما.

حقيقة العلم هو النور الظاهر بذاته المظهر لغيره

قد مرّ آنفا في بعض الروايات أنّ العقل خلق من العلم ، فينبغي التذكير بهذه الحقيقة ( أي العلم ) ، فنقول :

حيث إنّ العلم هو الكاشف والمظهر ، ولا كاشف ولا مظهر في المخلوقات سواه فلا محالة أن يكون هو المظهر لغيره ولنفسه أيضا.

كما عن صحيفة إدريس : بالحق عرف الحق ، وبالنور اهتدي إلى النور ، وبالشمس ابصرت الشمس وبضوء النار رئيت النار (2) .

ويقرب منه التعريف المشهور للنور بأنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره.

فنقول :

إنّ الإنسان إذا توجّه إلى نفسه يجد أنّ له الشعور بها وبكونها وتحققها ، وإذا توجّه

ص: 21


1- البحار 1 : 98 ، عن الاختصاص.
2- البحار 95 : 466 ، عن نسخة وجدها ابن متويه.

إلى الكائنات الأخر أيضا من الحقائق المشهودة بواسطة الحواس الظاهرة ، أو إلى الأمور المتصوّرة أو المعقولة فإنّه يجد أنّ جملة منها له الفهم والشعور بها وبتحققها وبقضايا واقعة فيها ، وأنّ جملة منها ليست مكشوفة ، ويجد أيضا أنّ جملة منها حصل الكشف لها بعد أن لم تكن مكشوفة ، فيتنبه أنّ ما عدا الأشياء المكشوفة وغير المكشوفة أمر آخر يكون به كشفها وظهورها له.

وبالجملة : أنه يجد حقيقتين وواقعيتين : امورا ليست ظاهرة بذاتها ، وأمرا آخر يكون وراء ذلك كله يكون به ظهور هذه الامور له.

ثم يتنبه إلى أنّ نفسه وكونها . أى وجودها . إنما هي من تلك الامور المكشوفة له ، فيتنبه إلى أنّ نفسه ليست هي الكاشفة بذاتها لها ، وكذلك كونها أي وجودها ، بل الكاشف أمر آخر.

والحاصل أنّه يتنبّه أنّ ما عدا نفسه وما عدا الأشياء المكشوفة له أمر آخر يكون به کشف جميعها ، وهو حقيقة العلم.

تذكرة

ربما يغفل الإنسان عن ذاته ، والغفلة لا تعقل في حقيقة الكشف والشعور .

تذكرة أخرى

عدم شعور الإنسان بنفسه في حال الإغماء وفي بعض أحوال النوم دليل آخر على أنّه ليس من حقيقة العلم والشعور .

تذكرة أخرى

من أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه وذاته ، فلو كان ذاته عين العلم والشعور لم تخف عليه حقيقته وإنّيته. وتوهّم وجود الحجاب مدفوع بأنّ محجوبيّة العلم عن نفسه غلط واضح.

وبالجملة : الغفلة ، والجهل ، والنسيان ، وبعض أحوال النوم ، كل واحد منها دليل على أنّ حقيقة العلم خارجة عن حقيقة الإنسان.

ص: 22

ثم إنّ هذه المباينة والغيريّة لا تزال ثابتة بلغ الإنسان ما بلغ من حدّ الكمال ، قال الله تعالى : ( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) (1) . وقال تعالى : ( وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) (2) .

نظر في تقسيم العلم وتعريفه

يظهر مما ذكرنا أنّ ما يقال ، أو يتصوّر ، أو يعقل ، من الكيفيات والأطوار والأحوال ، وسائر الجواهر والأعراض المفهومة كلّها . نظير الأمور المحسوسة بالحواس الظاهرة . أمور مظلمة يكون ظهورها بغيرها ، وهو العلم الخارج عنها.

فيعلم أنّ تقسيم العلم إلى الحضوري والحصولي، وتعريف العلم الحضوري بحضور الشيء عند العالم والحصولي بحصول الشيء عند النفس ، أو بحصول صورة الشيء عندها ، أو بقبول النفس تلك الصورة ... كله أجنبي عن حقيقة العلم الظاهر بذاته ، فإنّ شيئا منها ليس ظاهرا بذاته، ولا مظهرا لغيره ، بل كلّها ظاهرة بأمر آخر يكون هو العلم بها ، كما يشهد بذلك أنّك لو سألتهم : هل تعلمون حضور الشيء عند النفس أو هل تعلمون الصورة الحاصلة ، أو حصول تلك الصورة عند النفس لقالوا : نعم ، فيقال لهم : بماذا تعلمونها؟ وبم صارت معلومة عندكم؟ فما يعلم به تلك الامور هو العلم ، لا تلك الامور نفسها.

ومنه يعلم حال التصوّر والتصديق اللذين قسم العلم الحصولي إليهما ، وأنّهما من أحوال النفس ، يعلمان بالعلم وليسا بقسمين منه.

ثم إنّهم يمثلون للعلم الحضوري . وهو حضور الشيء عند النفس . بحضور الصورة الذهنية عندها ، وبحضور كل معلول عند علته ، وقد علمت أنّ النفس والصور ، وكل علة ومعلول ، وحضور الصور عند النفس ، وحضور كل معلول عند علته كلها من الامور المكشوفة بالعلم ، وليست هي العلم.

ص: 23


1- النحل 78.
2- الحج 5 .

فصل : في ذكر بعض الروايات الظاهرة في أنّ : العلم هو النور

بمعناه الحقيقى ، أو اللائح منها ذلك ، ولا بد قبل إيرادها من بيان أمرين :

الأول : أنّ ما ذكرناه أو نذكره من الروايات في باب العلم والعقل إنما هي تذكرة من الأئمة : ، أو إرشاد إلى الأمر الظاهر بذاته الذي نجده ولو إجمالا ، فليس التمسك بها من باب التعبد المحض ، بل هي إرشاد إلى الحقائق ، فالدليل على ما ذكرنا هو الوجدان المؤيد بكلام المعصوم علیهم السلام ، بل الدليل هو نفس العلم والعقل المعرفين بذاتهما لذاتهما.

ففي باب العلم نجد أنّ المحسوسات بالحواس الظاهرة أو الباطنة ، من جواهرها وأعراضها ، ومنها أرواحنا أي أنفسنا التي نعبّر عنها بلفظة أنا كلّها أمور مظلمة ، ويكون ظهورها بنور خارج عنها يعبّر عنه بالعلم فنكون بوجداننا إيّاه واستضاءتنا به عالمين ، وبفقداننا إياه جاهلين.

ومنزلة هذا النور بالنسبة إلى تلك الأمور . من جهة . منزلة النور المحسوس بالنسبة إلى سائر المحسوسات ، مع فرق ظاهر بين نور العلم وهذا النور المحسوس ، وهو أن نور العلم ظاهر بذاته ، والنور المحسوس ظاهر لنا بنور العلم ، فالنور بمعناه الحقيقي هو نور العلم ، كما أشرنا إليه سابقا ، وإن كان يطلق لغة وعرفا على النور المحسوس الذي هو من الكيفيات الجسمية أيضا.

ومن وجوه الفرق أنّ النور المحسوس . مثل نور البصر . يبصر ، ونور العلم أجل من ذلك ، بل به البصيرة والبصر. ومنها أنّ النور المحسوس في عرض سائر الجواهر والأعراض ، ونور العلم فوقها لا بالفوقية المكانية.

الثاني : قد يطلق النور على النور المحسوس بحاسة البصر الذي هو من لواحق المادّة ، كنور الشمس وغيرها ، وقد يطلق ويراد به النور الحقيقي الظاهر بذاته الذي به ظهور كل شيء حتى الأنوار المحسوسة ، كما نبهنا عليه ، وقد يطلق على ما هو السبب لوجدان النور الحقيقي ، كالقرآن ، والكتاب ، والنبي والإمام ، فمتى أطلق على القرآن ، أو النبي ، أو الإمام ، فلعله من قبيل تسمية السبب باسم المسبّب ، فليكن على ذكر منك كيلا يختلط عليك الأمر.

ص: 24

فعن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: إنّ الله عزّ وجلّ يجمع العلماء يوم القيامة ويقول لهم : لم أضع نوري وحكمتي في صدوركم إلا وأنا اريد بكم خير الدنيا والآخرة ، اذهبوا فقد غفرت لكم ما كان منكم (1).

وعنه صلی الله علیه و آله و سلم : يقول الله عزّ وجلّ للعلماء يوم القيامة : إنّي لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا واريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ، ولا أبالي (2).

وعن الإمام الباقر صلوات الله عليه : العالم كمن معه شمعة تضيء للناس ... كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة ، فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار ... الخبز (3).

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : يا كميل ، احفظ عنّي ما أقول لك ، الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ... اللهم بلى لا تخلوا الأرض من قائم بحجة ... هجم بهم العلم على حقائق الامور فباشروا روح اليقين... الخبر(4)

وعن أبي جعفر صلوات الله عليه . في حديث طويل . : ثم إنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي ، وهو قول الله عزّ وجلّ : ( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (5) . يقول : أنا هادي السموات والأرض ، مثل العلم الذي أعطيته ، وهو نوري الذي يهتدى به ، مثل المشكاة فيها المصباح ،فالمشكاة قلب محمد صلی الله علیه وآله وسلم، والمصباح النور الذي فيه العلم ... الخبر(6)

وفي حديث عنوان البصري عن الصادق علیه السلام : ليس العلم بالتعلّم ، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه (7)

ص: 25


1- البحار 2 : 16 ، عن علل الشرائع.
2- البحار 2 : 25 ، عن منية المريد.
3- البحار 2 : 4 ، عن تفسير الإمام والاحتجاج.
4- الخصال 186 . وفي نهج البلاغة ، حكمة 147 بتفاوت.
5- النور 35 .
6- صلی الله علیه وآله وسلم
7- البحار 1 : 225 ، عن الشيخ البهائي.

وعن أبي محمّد العسكري صلوات الله علیه قال : قال عليّ بن أبي طالب صلوات الله علیه: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا ، فاخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به ، جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء لأهل جميع العرصات، وعليه حلّة لا يقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثم ينادي مناد : يا عباد الله ! هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمّد صلوات الله عليهم ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان ، فيخرج كلّ من علمه في الدنيا خيرا ، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا ، أو أوضح له عن شبهة (1)

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما سأله الجاثليق فقال : أخبرني عن الله عزّ وجلّ يحمل العرش أم العرش يحمله ؟ فقال أمير المؤمنين علی السلام : الله عزّ وجلّ حامل العرش والسموات والأرض وما فيهما وما بينهما ... إنّ العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة ... وهو العلم الذي حمله الله الحملة ، وذلك نور من عظمته ، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السموات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة ، فكلّ محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته ، لا يستطيع لنفسه ضرّا ، ولا نفعا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا ، فكل شيء محمول ، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا ، والمحيط بهما من شيء ، وهو حياة كل شيء ، ونور كل شيء ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.

قال له : فأخبرني عن الله عزّ وجلّ أين هو؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله علیه : هو هاهنا ، وهاهنا ، وفوق ، وتحت ، ومحيط بنا ، ومعنا ، وهو قوله : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )(2)

فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السر وأخفى ، وذلك قوله تعالى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما

ص: 26


1- البحار 2 : 2 ، عن تفسير الإمام والاحتجاج.
2- المجادلة .

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (1) . فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين العلماء الذين حملهم الله علمه ... وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته؟! (2)

وفي معاني الأخبار عن المفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه عن العرش والكرسي ما هما؟ فقال : العرش في وجه : هو جملة الخلق ، والكرسي وعاؤه ، وفي وجه آخر : هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه ، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه أحدا من أنبيائه ورسله وحججه :(3) .

وعن أبي عبد الله علیه السلام في حديث : والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره (4)

وفي الكافي عن صفوان بن يحيى ، قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا علیه السلام فاستأذنته فأذن لي ، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ، ثم قال : أفتقر أن الله محمول؟ فقال أبو الحسن علیه السلام : كل محمول مفعول به مضاف إلى غيره ، محتاج ، والمحمول اسم نقص في اللفظ ، والحامل فاعل ، وهو في اللفظ مدحة ، وكذلك قول القائل : فوق ، وتحت ، وأعلى ، وأسفل ، وقد قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنِى فَادْعُوهُ بِهَا )(5). ولم يقل في كتبه أنّه المحمول ، بل قال : إنّه الحامل في البر والبحر (6). والممسك السموات والأرض أن تزولا (7). والمحمول ما سوى الله ، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قطّ قال في دعائه : يا محمول. قال أبو قرة : فإنه قال : ( وَيَحْمِلْ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )(8) . وقال : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشِ ) (9) . فقال أبو الحسن صلوات الله علیه: العرش ليس

ص: 27


1- البقرة 255 .
2- الكافي 1 : 129 ، وعنه البحار 58 : 9 .
3- معاني الأخبار 29 ، وعنه البحار 58 : 28.
4- البحار 58: 29 ، عن التوحيد. (5) الأعراف 180.
5- الاعراف 180 .
6- إشارة إلى سورة الأسراء
7- إشارة إلى سورة فاطر 41 .
8- الحاقة 17 .
9- المؤمن 7 .

هو الله ، والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كل شيء ... الخبر (1)

وفي التوحيد عن حنان بن سدير ، قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه عن العرش والكرسي ، فقال : إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ... وقوم وصفوه بيدين فقالوا : ( يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) (2) . وقوم وصفوه بالرجلين فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء ، وقوم وصفوه بالأنامل فقالوا : إنّ محمدا لی الله علیه وآله وسلم قال : إنّي وجدت أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات قال : ( رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (3) . يقول : ربّ المثل الأعلى عما به مثلوه ، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ولا يتوهم ، فذلك المثل الأعلى... الخبر (4)

وفي الكافي عن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه عن العلم ، أهو علم يتعلّمه العالم من أفواه الرجال ، أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه ؟ قال : الأمر أعظم من ذلك وأوجب ، أما سمعت قول الله عزّ وجل : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمَانُ ) (5) . ثم قال : أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية؟ أيقرّون أنّه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان ؟ فقلت : لا أدري . جعلت فداك . ما يقولون فقال لي : بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله الروح التي ذكر في الكتاب ، فلمّا أوحاها إليه علم بها العلم والفهم ، وهي الروح التي يعطيها الله تعالى من شاء ، فاذا أعطاها عبدا علّمه الفهم (6)

حقيقة العقل من حقيقة العلم وهي الكاشفة للحسن والقبح

تنبيهان :

1 . بعد ما عرفت بالوجدان أنّ حقيقة العلم نور خارج عن الأشياء وعن حقيقتنا ،

ص: 28


1- الكافي 1 : 130 ، وعنه البحار 58 : 14.
2- المائدة 64 .
3- الزخرف 82 .
4- التوحيد : 321 ، وعنه البحار 58 : 30 .
5- الشورى 52.
6- الكافي 1 : 273 ، والبحار 25 : 59 ، 62 ، 63 ، عن بصائر الدرجات بأسانيد وعبارات مختلفة يسيرا.

وعن كل ما نتصوّره من معلوماتنا النفسية ، محيط بها جميعا ، ربما نجده فندرك به أنفسنا ومعلوماتنا وسائر الأشياء وربما نفقده فلا ندرك شيئا حتى أنفسنا ، وهو لا يتنزّل عن شموخ مقامه إلى مرتبة نفوسنا ، فضلا عن معلوماتنا النفسيّة ، ولا ترد أنفسنا بكمالها العلمي في صقع ذلك النور ، كما سيأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.

نقول :

إنّ حقيقة العقل أيضا خارجة عن حقيقتنا ، فمتى نجده يكشف لنا به حسن الأشياء وقبحها مثلا.

ومن طرق التنبيه إلى هذه الحقيقة أن يذكر المعلّم الواجد لنور العلم والشعور بأنّ أفعال البشر بعضها حسن ، وبعضها قبيح ، وبعضها ليس لها شيء من هاتين الصفتين ، فإذا عرف الصفتين . أي ظهرتا بنور العلم والفهم . يقال : إنّه عاقل ، وإن لم تظهرا له يقال : إنّه مجنون ، أي مستور عنه عقله ، وهذا أوّل درجة عقل العاقل الذي يصح معه التكليف.

فيذكر بأنّ ما تعرف به هاتان الصفتان هو سنخ نور العلم الذي تظهر به سائر الأمور ، وسائر تلك الأفعال الحسنة والقبيحة ، إلاّ أنّه قبل أن يصير واجدا لهذه الدرجة من نور العلم لا يقال إنّه عاقل ، وبعد وجدانه يقال له عاقل.

2 . يمكن أن يقال : إنّ مرجع التحديد المذكور ومرجع درجات هذا النور إلى تحديد وجدان الواجد لا إلى جعل المراتب لذات ذلك النور. وبعبارة أخرى : مرجع كمال العقل إلى سعة وشدّة في وجدان نور العقل ، لا إلى تفاوت ذات العقل سعة وشدّة.

وبعد وجدان نور العقل ربما يفقده الإنسان لمرض أو شهوة ، إمّا رأسا وإما درجة منه ، كما هو الظاهر لمن تأمل حالات نفسه ، وبهذا الوجدان والفقدان مع عدم النقصان في إنّيته وشخصيته يتنبه أنّه . كما ذكرنا في حقيقة العلم . خارج عن ذات إنّيته.

ونكرّر الكلام فنقول : إنّ العقل هو الحقيقة المعروفة عند كل عاقل ، وإنّه الذي يعرف به الحسن والقبيح والجيد والرديّ ، والفريضة والسنّة ، كما نبهت عليه الرواية النبوية المتقدّم ذكرها : ... حتّى يولد هذا المولود فيبلغ حد الرجال أو حدّ النساء ، فإذا كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم به الفريضة والسنة والجيد والردي ، ألا ومثل

ص: 29

العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت (1)

أقول : هذا هو الذي يعرفه العقلاء ويسمّونه بالعقل ، وبه يميّزون العاقل عن غيره نوعا ، ويعرف كل عاقل أنه صار واجدا له في كبره بعد أن كان فاقدا له في صغره، كما نبهت عليه الرواية المتقدمة ، ويفقده الإنسان أو يجده ضعيفا عند شدّة الغضب أو الشهوة ، وفي منامه ، فيرى في بعض رؤياه أنّه يصدر منه ما لا يصدر من العاقل ، أو من العاقل الكامل. ويفقده أيضا بعد وجدانه فيصير مجنونا ، ويجده بعد فقدانه فيصير عاقلا ، وفي هذه الأحوال يجد أنّ إنّيته وشخصيّته لم تتغيّر عما كانت عليه ، فيتنبه أنّ العقل ليس من مراتب النفس ومرتبة فعليّة بعد القوّة ، بل هو نور مستقل يجده بعد فقدانه ، ويفقده بعد وجدانه متعاقبا.

نعم لا بأس بالتعبير عن وجدان الإنسان لذلك النور بأنّه فعليّة للنفس ، إلاّ أنّها ليست فعليّة حصلت للنفس بالحركة الجوهرية ، وامتنع تنزلها عنها إلى مقام يعبّر عنه بالقوّة ، لما عرفت من أنّه يفقده الإنسان بعد وجدانه إيَّاه ، فهذه الفعليّة والقوّة عبارة عن وجدان نور العلم وفقدانه من دون درك الحقيقته ، كما نبه عليه في ذيل الرواية المتقدمة المرويّة عن الاختصاص : قال الصادق علیه السلام : خلق الله العقل من أربعة أشياء : من العلم ، والقدرة ، والنور ، والمشيئة بالأمر ، فجعله قائما بالعلم ، دائما في الملكوت.(2)

وأظنّ أنّ بعض الأعاظم قال في بيان الرواية : إنّ الشيء إذا وجد أوّل درجة من الشعور يقال : إنّه حيّ ، وهذا الشعور من حيث ظهوره ومظهريته يقال له العلم ، فإذا وجد الحيّ العلم وكماله الآخر . وهو القدرة أي القدرة النفسيّة، والاختيار والحريّة وهو المراد من المشيئة . وظهر له حسن الفعل وقبحه الذاتيان ، المعبّر عنهما بالحسن والقبح الفعليّين ، ووجوب الفعل وحرمته الذاتيان ، المعبّر عنهما بالحسن والقبح الفاعليين . وهو المراد من النور . فإنّه يقال له العاقل. والله العالم.

ولعلّ وجه التعبير عن هذه الدرجة من وجدان العلم . بما له من الكمال المذكور .

ص: 30


1- راجع ص 19 .
2- راجع ص 19.

بالعقل أنه إذا وجدتها النفس صار ذلك منشأ لعقالها عن ارتكاب الأفعال التي يرتكبها الجهال ، كما في النبوي : إنّ العقل عقال من الجهل ، والنفس مثل أخبث الدوابّ ، فإن لم تعقل حارت(1)

فالعقل . كالعلم . ظاهر بذاته للعاقل ، ومغاير حقيقته لحقيقة الإنسان العاقل.

كما يشير إلى مغايرته قوله علیه السلام : ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت.

وقوله علیه السلام: إن ضوء الروح العقل (2)

وقوله علیه السلام : العقل نور في القلب يفرّق به بين الحق والباطل (3) .

وقوله علیه السلام : استر شدوا العقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا (4) .

ويرشد إلى المغايرة إطلاق الرسول والحجّة عليه ، كما في كلام موسى بن جعفر وعلي بن موسى علیهم السلام فيكون هو الرسول ، والإنسان هو المرسل إليه.

هذا بعض الكلام في مغايرته للعاقل ، وأما مغايرته للمعقولات مطلقا فلما ذكرناه من أنّه ظاهر بذاته ومظهر لغيره ، والمعقولات ليست كذلك. والدليل على ما ذكرنا كله نفس العقل المعرّف لنفسه وللعاقل والمعقول.

فمن مجموع ما ذكرنا ظهر أنّ المراد من قول موسى بن جعفر علیه السلام لهشام : يا هشام إنّ الله يقول : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرِى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) (5) يعنى العقل (6) ، أنّ القلب هو الذي له العقل ، لا أنّ القلب هو العقل بعينه ، فإنّه ينافي قوله علیه السلام : مثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت ، وغيره من الروايات المتقدمة.

ص: 31


1- تحف العقول 15 ، وعنه البحار 1 : 117.
2- راجع ص 19.
3- إرشاد القلوب 198.
4- البحار 1 : 96 ، عن كنز الفوائد.
5- ق 37 .
6- راجع ص 15 .

تنبيهات

1 . مما ذكرناه من حقيقة العقل تعرف أنّه

لا وجه لتخصيص العقل بإدراك الكليات

، بل من شانه ادراک الجزئيات أيضا ، كما هو الظاهر من قوله علیه السلام : تعرف به الصادق على الله فتصدقه ، والكاذب فتكذِّبه (1) .

2 . مضى في كلمات موسى بن جعفر علیه السلام : إنّ الله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة (2) ... أقول ظاهر أنّ الحجّة الظاهرة إنّما تعرف وتثبت وبالحجّة الباطنة ، كما نبه عليه الرضا علیه السلام في جواب ابن السكيت : تعرف به الصادق على الله فتصدقه ... ، فيظهر من هذين الخبرين حقيقة ما روي عن النبي أصل ديني (3)...والعقل

3 . لما كان أساس تعليمات الإسلام على التذكير والتذكر بنور العلم صح توصيف القرآن بالنور ، والهدى ، والبصائر ، والبيان ، والتبيان. ولما كانت طريقة تعليمه بحسب العادة التذكير والتذكر بآياته المباركة صح توصيف تلك الآيات وتوصيف النبي صلی الله علیه وآله وسلم . الذي جاء بها . بالذكر ، والتذكرة ، والذكرى ، والمذكّر .

قال الله تعالى :

( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (4)

( هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (5)

( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا ) (6)

( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (7) .

ص: 32


1- راجع ص 14.
2- راجع ص 15
3- مستدرك الوسائل 11 : 173 الباب 4 من أبواب جهاد النفس ، الحديث 8 ، عن عوالي اللآلي وأنوار الحقيقة.
4- المائدة 15 ، 16 .
5- الأعراف 203
6- التغابن 8.
7- الإسراء 9 .

(كَلأَ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ) (1) .

( وهذا ذِكْرٌ مُبارَكَ أَنْزَلْنَاهُ )(2) .

( إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) (3) .

تذكرة

خطاء العاقل لا ينافي عموم حجّيّة العقل

، لأنّه وإن كان عاقلا إلاّ أنّه كثيرا ما يغلب عليه الهوى وسائر الغرائز ، فيعمل أو يحكم على طبقها لا على طبق حكم العقل ، وربما يعمل أو يحكم على طبق الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئا ، بل على طبق القطع الذي ليس إلاّ حالة نفسانية قد تخالف الواقع ، كما يعبّر عنه بالجهل المركب ، فليس الحكم الناشئ عن إحدى هذه الحالات حكم العقل ، وإن كان صادرا من العاقل.

تنبیه

عموم حجيّة العقل الثابت بحكم الكتاب والسنّة من أحد الأدلّة على أنّ عقل العاقل . ولو كان في حال كونه عاقلا . خارج عن حقيقة الإنسان الذي من طبعه الخطاء ولو في حال كونه عاقلا ، فتدبّر .

في بيان حقيقة حكم العقل

قد مرّ أنّ حقيقة العقل هي حقيقة العلم والنور الحقيقي الكاشف للحقائق ، والفرق إنما هو في المتعلق بمعنى أنّ متعلّق العلم إن كان هو الحسن والقبح الذاتيين لماهيّة الأفعال والخصال . ولو مع الإجمال في درجتهما . يعبّر عنه بالعقل.

والمراد بالذاتي ما لا ينفك عن الشيء ولا يعلّل بشيء ، ولا يختص حسنه أو قبحه

ص: 33


1- عبس 11.
2- الأنبياء 50
3- التكوير 27

بزمان دون زمان ، أو عند طائفة دون طائفة ، كحكم العقل بحسن الإحسان وقبح الظلم وسائر محاسن الأخلاق ومساويها ، في الحسن والقبح الفعليّين ، وكحكمه بوجوب الإيمان والتصديق بما ثبت أنّه الله من ومن حججه ، وبوجوب الطاعة والانقياد وحرمة المعصية والتجرّي عند القطع التفصيلي وما يقوم مقامه بالحكم الفعلي الصادر الله ومن حججه ، وبوجوب الاحتياط أو استحبابه في الشبهات الحكميّة أو الموضوعية البدوية أو المقرونة بالعلم الإجمالي ، الراجعة إلى الحسن أو القبح الفاعلي ، وكحكمه بحجية الطرق العقلائية شرعا أيضا إذا جرى الشارع على طبقها وعمل بها أو لم يردع عنها مع عموم البلوى بها ، كخبر الثقة الذي هو طريق عند العقلاء مع الشرائط المذكورة ، وإلا لزم نسبة القبيح إليه ، وغير ذلك مما هو مقرر في أصول الدين والفقه.

وبالجملة : لا ينفك حكم من الأحكام الشرعية : التكليفيّة والوضعيّة ، والقلبية والقالبيّة عن حكم من الأحكام العقلية.

ويعبّر عنه بالحكم لأن كشف الحسن والقبح أو الوجوب والحرمة وسائر الوظائف العقلية باعث ومحرك للعاقل نحو العمل ، كالحكم الصادر من المولى ، وإلا فليس من شأن العقل إلا الكشف .

تنبیه

کشف الامور وإن كان بالعلم والعقل ، إلاّ أنّ العادة . أي سنة الله تعالى . جرت على حصول ذلك لنا بالأسباب ، ومنها التعليم الذي حقيقته التذكير والهداية إليها بنور العلم والعقل ، كما هو ظاهر الآيات المباركات ، وهو من أهم وظائف الأنبياء ، كما روي عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : بالتعليم أرسلت(1) .

وعنه صلی الله علیه وآله وسلم : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (2) .

وعن أمير المؤمنين صلوات الله علیه في علة بعث الأنبياء : ليستأدوهم ميثاق فطرته ،

ص: 34


1- منية المريد 26 ، وعنه البحار 1 : 206.
2- مجمع البيان 5 : 333 ، وعنه البحار 16 : 210 .

ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ، وليثيروا لهم دفائن العقول (1) .

تنبيه في علامات العقل

في الروايات المباركة تعريفات مختلفة أخرى للعقل ، فبعد ملاحظة مجموعها يعرف أنّ جميعها إشارة إلى هذا النور الظاهر بذاته وبآياته لكل عاقل ، إلا أنه لمكان امتناع درك حقيقته أشاروا صلوات الله عليهم في بعض الروايات إليه بذكر أحكامه وما يظهر به ، وفي بعضها بذكر أوصاف واجده ، وفي بعضها بذكر أوصاف فاقده ، وفي آخر بذكر ما يترتب على اتباعه ، وفي آخر أشاروا إلى حقيقته من بعض الجهات ، وفي بعض إلى جهات أخرى ، وهكذا.

قفي الكافي عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال الراوي : قلت له : ما العقل؟ قال : ما عبد به الرحمن ، واكتسب به الجنان ، قال : قلت : فالذي كان في معاوية ؟ فقال : تلك النكراء ، تلك الشيطنة ، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل(2)

وعن رسول الله صلی الله علیه وآله و سلم : قسم العقل على ثلاثة أجزاء ، فمن كانت فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له : حسن المعرفة بالله عزّ وجلّ ، وحسن الطاعة له ، وحسن الصبر على أمره (3) .

وروي أنّ النبي النبي صلی الله علیه و آله و سلم قيل له : ما العقل؟ فقال : العقل العمل بطاعة الله ، وإنّ العمّال بطاعة الله هم العقلاء(4) .

وروي أنه سئل الحسن بن علي صلوات الله عليهما عن العقل فقال : التجرّع للغصة ومداهنة الأعداء (5).

وعن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : يعتبر عقل الرجل في ثلاث : في طول

ص: 35


1- نهج البلاغة : الخطبة الأولى ، وعنه البحار 11 : 60.
2- الكافي 1 : 11 ، والبحار 1 : 116 ، عن معاني الأخبار.
3- البحار 1 : 106 ، عن الخصال.
4- البحار 1 : 131 ، عن روضة الواعظين.
5- البحار 1 : 130 ، عن المحاسن.

لحيته ، وفي نقش خاتمه ، وفي كنيته (1)

وعنه صلوات الله علیه : إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدّثه في خلال حديثك بما لا يكون ، فإن أنكره فهو عاقل ، وإن صدقه فهو أحمق (2) .

وعنه صلوات الله علیه: لا يسلع العاقل من جحر مرتين (3)

وعنه صلوات الله علیه : أفضل طبائع العقل العبادة ، وأوثق الحديث له العلم ، وأجزل حظوظه الحكمة ، وأفضل ذخائره الحسنات(4)

وعنه صلوات الله علیه: كمال العقل في ثلاث : التواضع لله ، وحسن اليقين ، والصمت إلا من خير (5)

و عنه صلوات الله علیه : الجهل في ثلاث : الكبر ، وشدّة المراء ، والجهل بالله ، فأولئك هم الخاسرون (6)

وروی أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مرّ بمجنون فقال : ما له؟ فقيل : إنّه مجنون ، فقال : بل هو مصاب ، إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة. (7)

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : العاقل من رفض الباطل (8)

وعنه صلوات الله عليه : لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه (9) .

وروي أنه قيل له صلوات الله عليه : صف لنا العاقل ، فقال : هو الذي يضع الشيء مواضعه ، قيل له فصف لنا الجاهل ، فقال : قد فعلت (10).

ص: 36


1- البحار 1 : 107 ، عن الخصال.
2- البحار 1 : 131 ، عن الاختصاص.
3- البحار 1 : 132 ، عن الاختصاص.
4- البحار 1 : 131 ، عن الاختصاص.
5- البحار 1 : 131 ، عن الاختصاص.
6- البحار 1 : 131 ، عن الاختصاص.
7- البحار 1 : 131 ، عن روضة الواعظين.
8- البحار 1 : 159 ، عن الدرة الباهرة.
9- نهج البلاغة : الحكم 40 ، وعنه البحار 1 : 159.
10- نهج البلاغة : الحكم : 235 ، وعنه البحار 1 : 160.

وعن أبي عبد الله علیه السلام : يستدلّ بكتاب الرجل على عقله وموضع بصيرته ، وبرسوله على فهمه وفطنته(1)

و عن النبی صلی الله علیه وآله و سلم: صفة العاقل أن يحلم عمّن جهل عليه ، ويتجاوز عمن ظلمه ، ويتواضع لمن هو دونه ، ويسابق من فوقه في طلب البرّ ، وإذا أراد أن يتكلّم تدبّر ، فإن كان خيرا تكلّم فغنم ، وإن كان شرًا سكت فسلم ، وإن عرضت له فتنة استعصم بالله وأمسك يده ولسانه ، وإذا رأى فضيلة انتهز بها ، لا يفارقه الحياء ولا يبدو منه الحرص ، فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل وصفة الجاهل أن يظلم من خالطه ، ويتعدى على من هو دونه ... ، إلى آخر الرواية (2).

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ولا غنى كالعقل ، ولا فقر كالجهل (3) .

وعنه صلوات الله عليه : ذهاب العقل بين الهوى والشهوة (4)

وعنه صلوات الله عليه : من لم يملك شهوته لم يملك عقله (5).

وعنه صلوات الله عليه : ما العاقل إلاّ من عقل عن الله وعمل للدار الآخرة (6)

وفي مجمع البحرين : وفي الحديث : إذا تم العقل نقص الكلام .... وفيه : نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ... وفيه : ليس بين الإيمان وبين الكفر إلا قلة العقل ، وذلك أنّ العبد يرفع رغبته إلى مخلوق ، فلو أخلص نيته الله لأتاه الذي يريد في أسرع من ذلك. وفيه : العقل غطاء ستير ... ماكسب الإنسان أفضل من عقل يهديه إلى هدى ... وفيه : لا نجاة إلاّ بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والتعلم بالعقل يعتقل (7) أي يفهم ويدرك ، وعقل عن الله أي عرف عنه ... ومنه : من عقل عن الله اعتزل عن أهل الدنيا. وفيه : اعقلوا الخبر إذا

ص: 37


1- البحار 1 : 130 ، عن المحاسن.
2- تحف العقول 29 ، وعنه البحار 1 : 129.
3- نهج البلاغة : الحكم 54 ، وعنه البحار 1 : 95.
4- غرر الحكم.
5- غرر الحكم.
6- البحار 77 : 289 ، عن تحف العقول.
7- في الكافي 1 : 17 : والتعلم بالعقل يعتقد.

سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل (1) .

تجرّد نور العلم وعدم تجرد النفس

بالتأمل في ما ذكرنا يظهر في الجملة أنّ المجرّد عن المادّة ولواحقها في المخلوقات هو نور العلم والعقل بما لهما من الكمالات النورية ، بلا تركيب وتحزؤ في ذاتهما ، لا النفس الإنسانيّة المعبّر عنها بالروح في قوله : إنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام(2) . فإنّ الروح بهذا المعنى على ما يظهر من الروايات جزء من المادة اللطيفة التي خلق منها كلّ شيء من العليين والسجين والدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، وما فيهما ، وسميت تلك المادة في الروايات المباركة بالماء.

والظاهر من تلك الروايات أنّ تلك المادة فاقدة بذاتها للحياة والكمالات النورية ، وكانت حياتها وحياة كلّ شيء من أجزائها من الأرواح البشرية والملائكة والحان وغيرها وكمالها لوجدانها تلك الأنوار واستضاء تها بها ، وموتها بفقدانها إياها ، كما سيجيء توضيحه والدليل عليه إن شاء الله تعالى ، فإنّ وجدان الكمال وإن كان كمالا إلا أنه فرق واضح بين صيرورة النفس بذاتها وجوهريتها عين ذلك الكمال ونفسه ، وبين بقائها مغايرة له وحاملة إيَّاه بلا تداخل واتحاد بينهما كتداخل شيء في شيء ، كما يشهد به قوله تعالى : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )(3). بناء على كون المراد من العرش هو العلم ، والعلم أحد معاني العرش كما في الرواية (4) .

قال العلامة المجلسي في البحار : لا يخفى عليك أنّه لم يقم دليل عقليّ على التجرد ولا على الماديّة ، وظواهر الآيات والأخبار تدلّ على تجسّم الروح والنفس ، وإن كان بعضها قابلا للتأويل ، وما استدلوا به على التجرّد لا يدل دلالة صريحة عليه ، وإن كان في بعضها إيماء إليه ، فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرد إفراط وتحكم ،

ص: 38


1- مجمع البحرين 5 : 425 .
2- البحار 61 : 131 ، وسيأتي في ص 111 مصادر كثيرة لهذا الحديث.
3- هود 7.
4- راجع ص 25 ، 26 .

كيف وقد قال به جماعة من علماء الإمامية ونحاريرهم (1). انتهى.

أقول : الكلام المذكور في غاية المتانة ، إلاّ أنّ لنا أدلّة على عدم التجرّد :

الأوّل : أنّنا نجد ذاتنا وإنّيّتنا أنها غير خارجة عن المكان الذي فيه أبداننا ، وأنّنا في هذا المكان ولسنا في مكان آخر ، والمكاني ليس بمجرد.

الثاني : نجد تحرّكنا في المكان ومجيئنا وذهابنا ، والتحرّك في المكان من لوازم المادة.

الثالث : أنا نجد ذاتنا محدودة بحسب الكم ، لوجداننا إيَّاها أنها أصغر ممن لا يحويه مكان كذا ، والمجرد آب عن المعروضية لعرض الكمّ.

الرابع : أنا نجد ذاتنا محلاً لمثل الحزن والسرور ، والخوف والأمن ، والرغبة والرهبة وغير ذلك من الأحداث والأعراض ، والمجرّد آب عن جميع ذلك.

الخامس : أنّ ذاتنا يعرض عليها الكمال والنقص ، فتارة تكمل بالعلم ، وأخرى تنقص بالجهل ، والتغيّر بذلك لا يلائم التجرّد.

السادس : أنّ الإنسان يجد أحيانا نفسه وإنّيته خارجة عن البدن ، تجيء وتذهب وتعرض عليه العوارض وقد حصل ذلك لبعض الأعاظم اختيارا ، ولبعض قهرا ، ويحصل ذلك لكل أحد عند منام البدن ، وكونه ملقى بلا شعور ولا حركة ، وروحه ونفسه ترى حينئذ من أنواع الرؤيا ويعرض عليها ما يعرض من السرور والحزن والأمن والخوف ، وأنواع اللذات وأضدادها.

السابع : الأدلة النقلية من الآيات والروايات المباركة ، كما ستأتي إن شاء الله تعالى.

إلى هنا نختم الكلام في بيان إجمالي عن حقيقة العلم وحجيته ، يشهد به الوجدان ، وتؤيده بل تشهد به الكلمات الواصلة من مجاري الوحي. وكذا في حقيقة العقل وفيهما مباحث جليلة لا مجال فعلا للورود فيها ، وكذا في النفس.

ص: 39


1- البحار 61 : 0104

معرفة النفس ، ومعرفة الله تبارك وتعالى

إذا عرفت ما بيناه لك من أوّل الرسالة إلى هنا فإنّك تصير في الجملة عارفا بنفسك ، وبأنها كسائر الحقائق المبدعة المحسوسة بالحواس الظاهرة والباطنة ، حقيقة ميّتة لا شعور لها بنفسها لنفسها فضلا عن غيرها ، يفاض عليها نور العلم والفهم والقدرة وغيرها من الكمالات لا بنحو فيضان شيء من شيء ، كنور الشمس من الشمس ، والحرارة من النار ، ولا بنحو تطوّر الماء بالزبد والبخار ، والأمواج والسواقي والأنهار ، بل بإيجاد صفة يعبّر عنها بالوجدان ، في القابل لتلك الصفة الذي عبّر عنه في الروايات بالحامل ، بلا تغيّر في ذات المفيض القدوس الذي ليس كمثله شيء. فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون.

وستعرف إن شاء الله . إذا عرفت ربّك بحقيقة المعرفة . أنّك كسائر الأشياء شيء بالغير الذي هو منشئ الشيء لا من شيء ، وقيوم ذاته لا كقيوميّة العلّة لمعلولها المتولد منها ، بل قيوميّة المبدع لما أبدعه لا من شيء ، قيومية لا غنى عنها أقل من آن.

فما يكون عنوان ذاته شيئا بالغير قائما به . أي لا قوام له إلا به . مباين ذاتا لخالقه الذي هو شيء بحقيقة الشيئية قائم بذاته.

إذا عرفت نفسك بذلك استعددت لأن تعرف ربّك بعض المعرفة ، فقد روي : من عرف نفسه فقد عرف ربه(1) . أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه (2) . وروي في معرفة النفس أنّ فيها معرفة الربّ (3). وبه استعددت أيضا لفهم ما ورد عنهم صلوات الله عليهم في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

تنبیه

في أنّ : أشرف المعارف معرفته تعالى ، وفي لزوم التمسّك بالقرآن وحملة علومه :

بعد ما عرفت أنّ الكاشف والحجّة الذاتية هو العلم والعقل نقول :

ص: 40


1- غرر الحكم ، البحار 2 : 32 ، مصابيح الأنوار 1 : 204.
2- روضة الواعظين 20.
3- مصباح الشريعة ، الباب 5.

إنّ أشرف الحقائق وأعظمها وأجلّها الذي ينبغي للعاقل بل يجب بحكم العقل معرفته هو خالق العالم وصانعه ومبدع الحقائق ومنشئها وربها ورازقها ونورها ومفيض العلم والعقل وسائر الكمالات عليها ، كما هو ظاهر .

فمعرفته تعالى بما له من القدس والعظمة ، ومعرفة طريق المعرفة ، ومعرفة أنّ نصيب العقل ( نصيب العاقل من عقله ) من معرفته تعالى ما هو ، من أشرف المعارف والعلوم.

كما ورد عن الصادق علیه السلام : ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة (1).

وفي رواية أخرى : إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الربّ والإقرار له بالربوبية (2) .

وفي صدر تلك الرواية : ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه ثم لا يعرف الله حق معرفته.

وعنهم : : بعضكم أكثر صلاة من بعض ، وبعضكم أكثر حجّا من بعض ، وبعضكم أكثر صدقة من بعض ، وبعضكم أكثر صياما من بعض ، وأفضلكم أفضلكم معرفة (3)

وعن محمد بن سماعة ، قال : سأل بعض أصحابنا الصادق علیه السلام فقال له : أخبرني أي الأعمال أفضل؟ قال : توحيدك لربّك ، قال : فما أعظم الذنوب؟ قال : تشبيهك لخالقك (4).

وعن النبي صلی الله و علیه و آله و سلم : أفضلكم إيمانا أفضلكم معرفة (5) .

وعن فقه الرضا علیه السلام : إنّ أوّل ما افترض الله على عباده وأوجب على خلقه معرفة الوحدانية ، قال الله تبارك وتعالى : و ( ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (6) . ، يقول : ما عرفوا الله حق معرفته (7) .

ص: 41


1- الكافي 3 : 264 ، البحار 82 : 225 .
2- البحار 4 : 55 ، عن كفاية الأثر.
3- البحار 3 : 14 ، عن كتاب صفات الشيعة.
4- البحار 3 : 287 ، عن أمالي الشيخ.
5- البحار 3 : 14 ، عن جامع الأخبار .
6- الأنعام 91 .
7- فقه الرضا 7 65 ، وعنه البحار 3 : 13.

وكذا معرفة ما جاء به الرسول صلی الله علیه و آله و سلم في هذا الباب ، فإنّ بها تعرف حقيّة الدين وحقيقته ، وبها تتم الحجة على الناس ، بل هي من أهم شئون الرسالة ووظائف الرسول ، وما ينبغي أن يتكفله من أمر الأمة ، كي يحفظهم عن الضلالة فيه ، كما عنه صلی الله علیه و آله و سلم : بالتعليم أرسلت (1) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام : أوّل الدين معرفته (2).

فلا ينبغي احتمال أنّ الله تعالى وكل أمر الناس في استكمال المعرفة وتحصيل درجاتها المتعالية . بعد حصول أوّل درجاتها بالعقل والفطرة ، والإيمان بالله وبنبيه . إلى غير النبيّ والائمّة القائمين مقامه صلوات الله عليهم حملة وأنّهم تركوهم محتاجين في هذا الأمر إلى غيرهم ، كلاً ، إلا بمقدار لا بدّ منه عادة في طريق التعلّم علومهم ، كما قال الله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (3)

وليحذر العاقل أن يطلب الهداية إلى الله تعالى وإلى دينه الذي أساسه المعرفة بالله تعالى ، من غير القرآن وحملة علومه ، وأن يسلك في طريق المعرفة به غير طريقهم :.

فعن أمير المؤمنين علیه السلام في رواية شريفة ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : أتاني جبرئيل فقال : يا محمد ، ستكون في أمتك فتنة ، قلت : فما المخرج منها ؟ فقال : كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خبر ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في

غيره أضله الله.

وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، لا تزيفه الأهواء ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق عن الردّ ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء ...

ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم ، هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين

ص: 42


1- منية المريد 26 ، وعنه البحار 1 : 206
2- نهج البلاغة الخطبة الأولى.
3- التوبة 122 .

يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد (1)

کتاب وعن الإمام المجتبى علیه السلام : قيل لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إنّ أمتك ستفتتن ، فسئل : ما المخرج من ذلك؟ فقال : كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، من ابتغى العلم في غيره أضله الله. الخبر (2)

وفي دعاء زين العابدين سلام الله عليه عند ختم القرآن : اللهم اجعلنا ممن يعتصم بحبله ... ويستصبح بمصباحه ، ولا يلتمس الهدى في غيره (3)

وعن رسول الله صلی الله علیه وآله و سلم: إنّ هذا القرآن هو النور المبين ، والحبل المتين ، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا والشفاء الأشفى ، والفضيلة الكبرى ، والسعادة العظمى ، من استضاء به نوره الله ومن عقد به اموره عصمه الله، ومن تمسك به أنقذه الله ، ومن لم يفارق أحكامه أحكامه رفعه الله ، ومن استشفى به شفاه الله ، ومن آثره على ما سواه هداه الله ، ومن طلب الهدى في غيره أضله الله ، ومن جعله شعاره و دثاره أسعده الله ، ومن جعله إمامه الذي يقتدي به ومعوّله الذي ينتهي إليه آواه الله إلى جنات النعيم ، والعيش السليم (4)

نصيب العقل في باب معرفة الله تعالى أن يخرجه عن حدّ النفي والتشبيه

فنقول بحول الله وقوته :

نصيب العاقل وحظه من عقله في باب معرفة الله تعالى بحكم هذه الحجّة الباطنة وتنبيه الحجج الظاهرة أمران :

أحدهما : المعرفة والاعتقاد بوجوده وثبوته تعالى شأنه بما له من الحياة والعلم والقدرة وغيرها من الكمالات في مقابل النفي لوجوده تعالى أو لإحدى تلك الكمالات ، وهذا معنى خروجه عن حد التعطيل والنفي ، وهذا أوّل درجة المعرفة به.

ص: 43


1- البحار 92 : 24 ، عن تفسير العياشي.
2- البحار 92 : 27 ، عن تفسير العياشي.
3- الصحيفة السجادية ، الدعاء 42 .
4- البحار 92 : 31 ، عن تفسير الإمام.

ثانيهما : معرفة أنه تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقين ، وأنه مباين لهم في جميع أوصافهم ومنزّه عنها. ومن شئون معرفة الأمر الثاني المعرفة بأنّه تعالى لا يدرك بالحواس الظاهرة والباطنة ، وبالعقول والعلوم والأفهام وتوهّم القلوب.

وهذا معنى خروجه عن حدّ التشبيه ، فلذلك لا يجوز بحكم العقل التفكر في ذاته ، ولا التكلم فيه بتوصيفه إلاّ بما وصف به نفسه ، ولا تسميته إلاّ بما سمّى به نفسه. قال الله تعالى :

( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ )(1) .

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )(2)

(سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ )(3)

( سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (4) .

( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (5) .

( فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (6)

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (7)

( وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى)(8) .

وعن أبي عبد الله علیه السلام في قوله عزّ وجلّ : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) ، قال علیه السلام : إحاطة الوهم (9) .

ص: 44


1- الأنعام 103
2- الشورى 11.
3- الصافات 180.
4- الزخرف 82 .
5- الأنعام 91 ، الزمر 67 .
6- الأنبياء 22 .
7- الأنعام 68 .
8- النجم 42 .
9- التوحيد 112.

وعن أبي هاشم الجعفري عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته الله هل يوصف ؟ فقال : أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: أما تقرأ قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) ؟ قلت : بلى ، قال : فتعرفون الأبصار ؟ قلت : بلى ، قال : وما هي؟

قلت : أبصار العيون ، فقال : إنّ أوهام القلوب أكبر من أبصار العيون ، فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام (1).

وعن عبد الله علیه السلام أنّه كان يقول : الحمد لله الذي لا يحس ولا يجس ولا يمس ولا يدرك بالحواس الخم ، ولا يقع عليه الوهم ...(2)

وعن أبي عبد الله علیه السلام: من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، إنّ الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه (3)

وعن أبي الحسن الرضا علیه السلام: ... لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وكلّت دونه الأبصار ، وضل فيه تصاريف الصفات... (4)

وفي الدعاء : إلهي ... ولم تجعل للعقول طريقا إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك (5).

وعن أبي عبد الله علیه السلام : من عبد الله بالتوهّم فقد كفر ...(6)

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : الحمد لله الواحد الأحد ... فليست له صفة تنال ، ولا حد يضرب له فيه الأمثال ، كلّ دون صفاته تعبير اللغات (7) ، وضلّ هنالك تصاريف الصفات ، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير ، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب ، وتاهت في أدنى

ص: 45


1- التوحيد 112 ، وفي بعض النسخ : إنّ أوهام القلوب أكثر
2- التوحيد 59 ، وعنه البحار 3 : 298.
3- التوحيد 80 ، وعنه البحار 3 : 299
4- البحار 4 : 263 ، عن علل الشرائع.
5- مناجاة العارفين من المناجاة الخمسة عشرة المرويّة في البحار 94 : 150 عن بعض كتب الأصحاب.
6- التوحيد 220.
7- في البحار : تحبير اللغات ، وفيه : التحبير : التحسين.

أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور ... وسبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ ، ولا غاية منتهى ، ولا آخر يفنى ، سبحانه هو كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته ...(1) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام : من فكر في ذات الله تزندق(2).

و عنه علیه السلام: من تفكر في ذات الله ألحد (3) .

وعن أبي عبد الله علیه السلام : إيّاكم والتفكر في الله ، فإنّ التفكّر في الله لا يزيد إلا تيها (4).

وعن أبي جعفر علیه السلام: دعوا التفكر في الله ، فإنّ التفكّر في الله لا يزيد إلاّ تيها (5).

وعن موسى بن جعفر علیه السلام: إنّ الله أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفّوا عمّا سوى ذلك (6) .

وعن أبي الحسن علیه السلام : من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلّط الله عليه سخط المخلوق . وإنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأتى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والأبصار عن الإحاطة به جلّ عمّا وصفه الواصفون (7)

وعن أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه : ... وما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره (8).

وعن الحسين بن علي علیه السلام : ... ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه، ليس بربّ من طرح تحت البلاغ ... احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ... (9).

ص: 46


1- التوحيد 41 ، وعنه البحار 4 : 269 .
2- البحار 74 : 285 ، وعن تحف العقول.
3- غرر الحكم.
4- التوحيد 457 .
5- التوحيد 457 .
6- الكافي 1 : 102.
7- الكافي 1 : 138.
8- التوحيد 114 .
9- البحار 4 : 301 ، عن تحف العقول.

وعن إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عن الله تبارك وتعالى ، هل يرى في المعاد؟ فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، يا ابن الفضل ، إنّ الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفيّة ، والله خالق الألوان والكيفيّة (1) .

المعرفة بالآيات :

ظهور مصنوعيّة الأشياء ، والتصديق بأنّ لها صانعا

طريق معرفة الأمرين كليهما هي الآيات التكوينية ( وهي جميع الأمور المحسوسة بالحواس الظاهرة والباطنة ) والنظر إليها بنور العلم والعقل ، والتفكر فيها بهما .

فنقول لتوضيح الأمر الأوّل : إنّ العاقل يظهر له بعد التفكر مطلبان :

المطلب الأوّل : أنّ جميع الاشياء المحسوسة بالحواس الظاهرة حقائق مصنوعة مخلوقة محدثة ، كما يشهد عليه اجتماع جميع أوصاف المصنوع المخلوق الذي شاهد صنعه وخلقه وإحداثه منه ومن غيره فيها ، كما يشير إليه ما نقل عن الإمام الصادق صلوات الله عليه في كلامه لابن أبي العوجاء : أمصنوع أنت أو غير مصنوع؟ فقال : بل أنا غير مصنوع ، فقال له : فصف لي : لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟ فبقي مليا لا يحير جوابا ، وولع بخشبة بين يديه وهو يقول : طويل ، عريض ، عمیق ، قصير ، متحرّك ، ساكن ، كل ذلك صفة خلقة. (2)

وصدع به الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم في احتجاجه على الدهرية ، فراجعه جميعه إلى قوله : فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض القوامه (3) وتمامه هو القديم ، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون؟ وما ذا كانت تكون صفته؟ فصمتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهى موجودة في هذا الذي زعموا أنّه قديم (4)

ومقتضى الجملة المعروفة : حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد ، هو مصنوعيّة جميعها.

ص: 47


1- البحار 4 : 31 ، عن أمالي الصدوق .
2- البحار 3 : 46 ، عن التوحيد.
3- كما في المصدر ، وفي البحار : لقوته.
4- البحار 9 : 262 ، عن تفسير الإمام ، عن تفسير الإمام ، والاحتجاج.

ثم إنّ إحداث ماهيات جميعها في أذهاننا وأوهامنا بالقدرة التي أعطانا الله على تصوير ماهيات الأشياء . وبعبارة اخرى : إيجاد صورها عند أنفسنا . هو أيضا من شواهد مصنوعيتها ، أي مصنوعية كل ما يمكن تصوره ، كما نبه عليه الإمام الباقر صلوات الله عليه : كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مثلكم ومردود إليكم (1) .

بداهة أن ليس المراد من الخبر إثبات مصنوعية نفس الصورة الذهنية ، بل المراد إثبات مخلوقية كل ما يمكن تصوّره وتكون الصورة الذهنية حاكية عنه ومثالا له. وبعبارة أخرى : إثبات أن كل ما تشاهده الحواس الظاهرة أو يتصوّر بالحواس الباطنة سنخ المخلوق المصنوع الحادث.

ومتى ظهرت له مصنوعيّة الأشياء جميعها فلا بد له من التصديق والإذعان لمطلب ثان

صانعا وإن لم يعلم من هو ، وما هو ، وفي أي زمان صنعها.

وسنذكر قريبا التنبيه على هذا المطلب الثاني في غير واحدة من الآيات والروايات.

ثم يتذكر بأنّ فيها من بدائع الخلق ولطائف الصنع ودقائق التدبير ووجوه المصالح والحكم والنظم الحاكم فيها آثارا تكشف عن علم صانعها وخالقها وقدرته وقوته وعظمته وحكمته ولطفه ووحدته وسائر كمالاته.

مضافا إلى أنّ بعض هذه المخلوقات كأفراد الإنسان له العلم والمعرفة بالدقائق واللطائف ، والقدرة والاختيار والحكمة والجود والكرم والرحمة وسائر أوصاف الجمال باختلاف درجاتها. فيتذكر بأنها أنوار وكمالات خارجة عن حقيقة ذاته، كما مرّ مرارا ، يجدها تارة فيعلم ويختار وهكذا ، ويفقدها أخرى فيجهل ويعجز كما هو مقتضى ذواتنا.

فهذه آيات أخرى نوريّة لعلم واهبها وقدرته وسائر كمالاته ، كما كانت ذوات المخلوقات آيات ظلمانية مشيرة تكوينا بوصف مصنوعيّتها ومخلوقيتها إليه تعالى وإلى كمالاته.

الآيات والروايات المذكرة بوجود الصانع

وأمّا المطلب الثاني فالقرآن المجيد مشحون بالتنبيه عليه ، نذكر هنا طرفا منها إن

ص: 48


1- كتاب الأربعين للشيخ البهائي 17.

شاء الله تعالى :

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْتابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ. وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيَّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ. أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (1)

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ. وَمِنْ آيَاتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) (2) .

( وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِعاً لِلشَّارِبِينَ. وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ علم شییا

ص: 49


1- النحل 10. 17.
2- الروم 20 . 25 .

إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )(1)

( اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ )(2)

( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (3) .

( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (4) .

( اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ. وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ) (5) .

( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ. خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْواجِ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقَا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إله إلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) (6).

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينِ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (7).

( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ. فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) (8) .

ص: 50


1- النحل 70.65.
2- غافر 61 .
3- غافر 64 .
4- غافر 67 .
5- غافر 81.79
6- الزمر 5 ، 6 .
7- الزمر 5 ، 6 .
8- المؤمنون 18 ، 19.

( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) (1).

( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنَا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ. لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ. سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجُ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ. وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٌّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلَ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) .

إلى غير ذلك من الآيات المباركة ، وأما الروايات فنذكر منها طرفا ينبغي التدبر فيها :

فعن هشام بن الحكم أنّه قال : كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله علیه السلام قال :

ما الدليل على صانع العالم ؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : وجود الأفاعيل التي دلّت على أن صانعا صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أنّ له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده. قال : وما هو؟ قال : هو شيء بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي : شيء إلى إثباته وأنّه شيء بحقيقة الشيئية ، غير أنه لا جسم ولا صورة ، ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا يغيّره الزمان .

قال السائل : فإنا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا ، قال أبو عبد الله علیه السلام : لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا فإنّا لم نكلّف أن نعتقد غير موهوم ، لكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا فهو مخلوق ، ولا بد من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين : إحداهما النفي ، إذ كان النفي هو الإبطال والعدم ، والجهة الثانية : التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بد من إثبات الصانع .

ص: 51


1- يونس 5 ، 6 .
2- پس 33 . 40 .

لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه (1) . إلى أن قال السائل . فقد حدّدته إذ أثبت وجوده ، قال أبو عبد الله علیه السلام: لم أحدّده ولكن أثبته ، إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة.

قال السائل : فله إنّيّة ومائيّة؟ قال : نعم لا يثبت الشيء إلا بإنّية ومائيّة. قال السائل : فله كيفية؟ قال : لا ، لأنّ الكيفية جهة الصفة والإحاطة ، ولكن لا بدّ من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ...(2)

وعن أمير المؤمنين علیه السلام . في صفة خلق أصناف من الحيوان . : ولو فكّروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة ، والبصائر مدخولة . ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر وسوّى له العظم والبشر .

انظروا إلى النملة في صغر جنّتها ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها ، وصبت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى حجرها ، وتعدّها في مستقرها. تجمع في حرّها لبردها ، وفي وردها لصدرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنّان ، ولا يحرمها الديّان ، ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ، ولو فكرت في محاري أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في من الراس عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا.

فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر .

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلّتك الدلالة إلا على أنّ فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كل شيء ، وغامض اختلاف كل حيّ ، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف في خلقه إلاّ سواء ، وكذلك السماء والهواء والرياح والماء.

فانظر إلى الشمس والقمر ، والنبات والشجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل

ص: 52


1- البحار 3 : 29 ، عن الاحتجاج والتوحيد.
2- البحار 10 : 197 عن التوحيد 244 .

والنهار ، وتفجر هذه البحار ، وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرّق هذه اللغات ، والألسن

کتابخانه مجازی المختلفات. فالويل لمن أنكر المقدّر ، وجحد المدبّر ، زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، ولم يلجئوا إلى حجّة فيما ادعوا ولا تحقيق لما .أوعوا وهل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غير جان؟!

وإن شئت قلت في الجرادة ، إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين. وجعل لها السمع الخفيّ ، وفتح لها الفم السويّ ، وجعل لها الحس القوي ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض ، يرهبها الزرّاع في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبّها ولو أجلبوا يجمعهم ، حتى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها. وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعا وكرها ، ويعفر له خدا ووجها ، ويلقي إليه بالطاعة سلما وضعفا ، ويعطي له القيادة رهبة وخوفا فالطير مسخرة لأمره. أحصى عدد الريش منها والنفس ، وأرسى قوائمها على الندى واليبس ، وقدّر أقواتها ، وأحصى أجناسها. فهذا غراب ، وهذا عقاب ، وهذا حمام وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه ، وكفل له برزقه. وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها ، وعدّد قسمها ، فبل الأرض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها (1) .

(2)

6

وعن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( وَمَنْ كانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (2) . قال : فمن لم يدله خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، ودوران الفلك بالشمس والقمر والآيات العجيبات على أنّ وراء ذلك أمرا هو أعظم منه فهو في الآخرة أعمى قال : فهو عمّا لم يعاين أعمى وأضل سبيلا (3).

وروي أن عبدالله الديصاني أتى هشام بن الحكم ... فمضى عبد الله الديصاني حتى أتى باب أبي عبد الله علیه السلام، فاستأذن عليه فأذن له، فلمّا قعد قال له : يا جعفر بن محمد

ص: 53


1- نهج البلاغة الخطبة 185 ، البحار 3 : 26 ، عن الاحتجاج.
2- الإسراء 72.
3- البحار 3 : 28 ، عن الاحتجاج.

دلني على معبودي ، فقال له أبو عبد الله علیه السلام : ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه ، فقال له أصحابه كيف تخبره باسمك؟ قال : لو كنت قلت له : عبد الله كان يقول : من هذا الذي أنت له عبد! فقالوا له : عد إليه فقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك ، فرجع إليه فقال له : يا جعفر دلّني على معبودي ولا تسألني عن ، فقال له أبو عبد الله علیه السلام : اجلس . وإذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها . فقال أبو عبد الله علیه السلام :

ناولني يا غلام البيضة ، فناوله إياها ، فقال له أبو عبد الله : يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، هي على حالها لم يخرج منها مصلح فيخبر عن إصلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها ، لا تدري للذكر خلقت أم للانثى ، ينفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى لها مدبرا؟

قال : فأطرق مليّا ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنك إمام وحجّة من الله على خلقه ، وأنا تائب مما كنت فيه (1)

وفي نهج البلاغة : الحمد لله الذي بطن خفيّات الأمور ، ودلّت عليه أعلام الظهور...

لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود ، تعالى الله عمّا يقول المشبّهون به والجاحدون له علوا كبيرا (2)

وفي احتجاج أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع النصارى ... قال الجاثليق : خبرني عن الله تعالى اين هو اليوم؟ فقال صلوات الله علیه : يا نصراني إنّ الله تعالى يجلّ عن الأين ، ويتعالى عن المكان ، كان فيما لم يزل ولا مكان ، وهو اليوم على ذلك ، لم يتغيّر من حال إلى حال.

فقال : أجل ، أحسنت أيها العالم وأوجزت في الجواب ، فخبرني عن الله أمدرك

ص: 54


1- البحار 4 : 140 ، عن التوحيد.
2- نهج البلاغة : الخطبة 49 .

بالحواس عندك فيسألك المسترشد في طلبه استعمال الحواس، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الأمر كذلك؟ فقال أمير المؤمنين علیه السلام : تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار ، أو تدركه الحواس ، أو يقاس بالناس. والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول الدالة ذوي الاعتبار بما هو منها مشهود ومعقول (1).

وعن الرضا صلوات الله عليه في خطبة : بصنع الله يستدلّ عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته(2) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة : دليله آياته ، ووجوده إثباته (3)

وفي نهج البلاغة : روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : خطب أمير المؤمنين بهذه الخطبة على منبر الكوفة ، وذلك أنّ رجلا أتاه فقال له : يا أمير المؤمنين ، صف لنا ربنا مثلما نراه عيانا لنزداد له حبًا ، وبه معرفة ، فغضب ونادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله ، فصعد المنبر وهو مغضب متغيّر اللون ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ثم قال قال : ... الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذى عليه، من خالق معبود (4) كان قبله ، وأرانا من ملكوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حکمته ، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوته ، ما دلّنا باضطرار قيام الحجّة له على معرفته ، فظهرت البدائع التي أحدثتها (5) آثار صنعته صنعته وأعلام حكمته ، فصار كل ما خلق حجّة له ودليلا عليه ، وإن كان خلقا صامتا فحجّته بالتدبير ناطقة ، ودلالته على المبدع قائمة (6) .

ويناسب هنا التدبّر في ما فصله وبيّنه الإمام الصادق ولسان الله الناطق . على ما رواه عنه مفضّل بن عمر . من الآيات التكوينية حيث قال 7 : علیه السلام... يا مفضّل ، إنّ الجهال

ص: 55


1- البحار 10 : 56 ، عن أمالي الطوسي.
2- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد والعيون.
3- البحار 4 : 253 ، عن الاحتجاج.
4- وفي نسخة : معهود.
5- كذا فيما ضبطه صبحي صالح ، وفي شرح عبده وفيض الإسلام : وظهرت في البدائع التي أحدثها
6- نهج البلاغة : الخطبة 91 .

جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة وقصرت أفهامهم عن تأمّل الصواب والحكمة في ما ذرأ الباري جل قدسه وبرأ من صنوف خلقه في البر والبحر والسهل والوعر ، فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود ... (1) .

تنبيه : في أنّ الله تعالى هو الهادي إلي ذاته وصفاته

إنه تعالى شأنه هو الهادي خلقه إلى جميع ما يحتاجون إليه من أمورهم ، لا هادي سواه ، كما قال الله تعالی:

( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى )(2) .

( سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (3) .

( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ )(4) .

( أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (5) .

( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ) (6) .

( قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ ) (7)

( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (8)

( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالَّا فَهَدى ) (9) .

فهو الهادي إلى ذاته تعالى وإلى كمالاته وصفاته من طريق العقل بخلقه الآيات في الآفاق والأنفس ، ثم بإعطائه نور العقل الذي من شأنه الهداية إليه تعالى بالآيات ، ثم

ص: 56


1- البحار 3 : 59.
2- طه 50 .
3- الأعلى 3.1.
4- النور 35.
5- النمل 63 .
6- النور 40 .
7- یونس 35 .
8- البلد 9 .
9- الضحى 6 ، 7 .

بإراءته تلك الآيات ، ثم بتعريفه بذلك النور مصنوعيّة الآيات ، ثم بتعريفه إيّاها بوصف الآيتية ، كما قال تعالى :

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ )(1)

( اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ )(2) .

( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (3) .

وفي رواية منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إني ناظرت قوما فقلت لهم : إنّ الله أعزّ وأجل وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل العباد يعرفون بالله ، فقال : رحمك الله (4).

تنبيه : في الهداية العامة والخاصة

الهداية من الله تعالى . مضافا إلى بعث الرسل . على قسمين : هداية عامة ، وهداية خاصة بالمؤمنين والمتقين .

والاولى تحصل بوجدان العلم والعقل بإذن الله ، بمقدار يفهم به الجيد والردي ، ويميّز به بين الحق والباطل وبما فطر عليه من معرفة الله ، ووجوب ما فرض عليه عقلا من طاعة الله ، وحرمة معصيته ، واستحباب ما ندب إليه وكراهة ما كرهه في ما أمر به وما نهى عنه .

والثانية تحصل بتكميل فهم ذلك وتسديده من الله تعالى ، وبتفهيم ما يترتب على الطاعة والمعصية من مثوبات الدنيا والآخرة وعقوباتهما ، وبأن يعرفه عظمة الربّ تعالى شأنه الموجب لعرفان عظمة العصيان ، وبأن يعرفه النعم التي أنعم الله بها عليه ، وبتسبيبه تعالى شأنه الأسباب التي تحصل أو تسهل بها الطاعة ، ونحو ذلك.

وهذه توفيقات من الله تعالى للمؤمنين والمتقين ، وإعانة وتأييد من دون أن

ص: 57


1- غافر 13.
2- الشورى 13.
3- القصص 56.
4- الكافي 1 : 86.

توجب جبرا على الطاعة ورفعا للتكليف ، لكون القدرة وكمال الحرية واردة ومسيطرة على هذه كلها ، كما يشهد به الوجدان.

وبترك هذه الهداية من الله تعالى . لأجل إعراضهم وعدم اهتدائهم ، أي عدم قبول ما آتاهم الله

. تحصل الضلالة ، والعمى ، والختم ، والرين ، والغشاوة ، لا محالة.

والظاهر أنّها أيضا . بحسب الغالب . ليست على حدّ يوجب الجهل والعجز الرافعين للتكليف ، بل هي نظير الخذلان وترك الإعانة على الطاعة لا توجب إلاّ صعوبة الطاعة لا عدم إمكانها.

ولو فرض حصولها إلى هذا الحدّ فإنّه يكفي في جواز تعذيبهم عقلا بأشدّ العذاب عدم إيمانهم بالله تعالى شأنه ، أو عصيانهم إيَّاه عند ما هداهم ، مرّة واحدة قبل خروجهم عن الدنيا بلا توبة. وذلك لوضوح اختلاف مراتب استحقاق الذم والعقاب على إهانة واحدة . مثلا . إلى الغير بحسب اختلاف مراتب المهين والمهان في القدر والمنزلة ، كما عليه بناء العقلاء في الجملة ، ويشير إليه ما روي عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم: لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم (1).

فمنه يظهر أنّ المعصية الواحدة من المخلوق الذي لا غاية لمهانته . كما هو ظاهر لمن عرف نفسه بأنّ شيئيّته وكماله بالغير ، والغير خالقه الذي لا نهاية لعظمته ، ولا إحصاء لنعمائه . يستحق بها من التوبيخ والعذاب ما لا يبلغ غايته ، كما ينبه عليه دعاء زين العابدين صلوات الله عليه ( الدعاء السابع والثلاثون من الصحيفة الكاملة ) : ... فأما العاصي أمرك والمواقع نهيك ، فلم تعاجله بنقمتك ، لكي يستبدل بحاله في معصيتك حال الإنابة إلى طاعتك ، ولقد كان يستحق في أوّل ما هم بعصيانك كل ما أعددت لجميع خلقك من عقوبتك. فجميع ما أخرت عنه من العذاب وأبطأت به عليه من سطوات النقمة والعقاب ترك من حقك ، ورضى بدون واجبك...

ونقول لتوضيح الأمر الثاني ، من نصيب العقل في باب معرفة الله : إنّه تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقين ومباين لهم في ذاتهم وأوصافهم ومنزه عنها . وهذه المعرفة هي

ص: 58


1- البحار 74 : 168 ، عن كنز الكراجكي.

العمدة في باب معرفة الله تعالى ، وبها تمتاز المعارف الإلهية الحقة عن غيرها ، وأمّا الأمر الذي أشرنا إليه في بعض التنبيهات السابقة . وهو مصنوعيّة العالم بما فيه ، واحتياج المصنوع إلى الصانع - فإنّه مما لا ينبغي خفاؤه على أحد العقلاء. وقد أتم الله حجّته في ذلك بما مرّ ذكره من الآيات المباركة ونحوها ، كما قال الله تعالى في كتابه : ( أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .(1). وكذا الرسول الأكرم والأئمة المعصومون صلوات الله عليهم ، في ما روي عنهم .

وطريق معرفة هذا الأمر : النظر الدقيق والتفكّر العميق في ذات المخلوق والمصنوع وسنخ حقيقته ، وفي معنى الشيئية بالغير والحقيقة بالغير ، وأنّ الشيء بالغير وإن كان شيئا منشأ للآثار ولكنه ليس بشيء بحقيقة الشيئية ، بل هو محض الفقر والاحتياج في شيئيته وثبوته وبقائه وتأثيره وتأثره إلى الغير. ثم التذكر بأنّ كل ما يدرك حقيقته بإحاطة العقل والعلم ، وبالحواس الظاهرة والباطنة من الجواهر وما يعرضها من الأعراض والحركات بمعناها العام ، التي عرفت أنّها من سنخ المخلوق الواضح احتياجه إلى الخالق ، لو كان الخالق من سنخه وبأوصافه لجرى الحكم المذكور . أي الاحتياج إلى الخالق فيه أيضا ، وهو خلاف حقيقته.

فيحكم العقل أي يظهر به ، أنّ الذي ليس بمخلوق ليس من سنخ المخلوق ولا يشبهه ، ولا يجري فيه ما يجري فيه ، كما سيأتي مزيد بيان له إن شاء الله تعالى.

وأما الآيات والروايات الواردة في أنّه تعالى خارج عن الحدين فمما لا يعدّ ولا يحصى.

أمّا بنحو الإجمال فمنه التكبير الذي أمر الله تعالى به رسوله الأكرم بقوله : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّقِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (2) فصدع به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، على ما في رواية المناقب (3) ، رافعا به صوته مرتين ، فجعله في مفتتح الأذان والإقامة ، وفي مختتمهما ،

ص: 59


1- إبراهيم 10 .
2- المدثر 1 . 3 .
3- البحار 18 : 197 ، عن المناقب .

وفي مفتتح الصلاة ، ومختتمها وأثنائها ، وفي كثير من الأذكار والأدعية الواردة عنه وعن خلفائه صلوات الله عليهم أجمعين ، وفي غير واحد من المواطن ( بعد التذكر بأنّ من المعني به أنّه تعالى أكبر من أن يوصف ، كما في الرواية )(1)

ومنه التسبيحات الواردة في الكتاب والسنّة ، وفي ركوع الصلاة وسجودها ، وفي كثير من الأدعية والأذكار المعني بها تنزيهه تعالى عما لا يليق به ، كما صرح به في رواية هشام قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجل : ( سُبْحانَ اللهِ ) (2) ، ما يعني به؟ :

قال : تنزيهه .(3) ( بعد التذكر بأنّ الله تعالى شيء بحقيقة الشيئية ، مباين لما شيئيته بالغير ، وما ذاته وحقيقته العلم والنور مباين لما حقيقته الجهل والظلمة ، فيكون مسانخته لها ومشابهته إيَّاها واتصافه بها نقصا يجب تنزيهه تعالى عنه ) .

وفي الجمع بين التسبيح والتحميد إشارة إلى خروجه عن حد التعطيل والتشبيه معا.

ومن أراد التفصيل فلا بد له من الرجوع إلى مفصلات الخطب والأدعية وسائر ما ورد عنهم صلوات الله عليهم في هذا الباب ، بعد ردّ متشابهها إلى محكمها ، فقد صرّحوا بهذين الأمرين في عدة روايات ، منها :

ما عن أبي عبد الله علیثه السلام ، قال : الله تعالی، قال : ... فاعلم . رحمك الله . أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعزّ ، فانف عن الله تعالى البطلان والتشبيه ، فلا نفى ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود ، تعالى الله عما يصفه الواصفون ، ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان (4)

وعن عبد الرحمن بن أبي نجران ، قال : سألت أبا جعفر 7 عن التوحيد ، فقلت : أتوهم شيئا؟ فقال : نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل

ص: 60


1- الكافي 1 : 118 ، التوحيد 312.
2- يوسف 108 ، المؤمنون 91 ، النمل 8 ، القصص 68 ، الصافات 159 ، الطور 43 ، الحشر 23 .
3- الكافي 1 : 118 ، التوحيد 312.
4- الكافي 1 : 100.

وخلاف ما يتصوّر في الأوهام ، إنما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود (1)

وفي توحيد المفضّل عن الصادق علیه السلام : إنّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار ، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته. فإن قالوا : فكيف يكلّف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به؟ قيل لهم : إنّما كلّف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه ، وهو أن يوقنوا به، ويقفوا عند أمره ونهيه ، ولم يكلفوا الإحاطة بصفته (2) .

وعن أمير المؤمنين في خطبة خطبها بعد موت النبي صلی الله علیه و آله و سلم : الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده ...(3)

وعن الحسين بن سعيد : سئل أبو جعفر الثاني : يجوز أن يقال الله أنه شيء؟ قال : نعم يخرجه من الحدين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه (4) .

وفي التوحيد في ما عرض عبد العظيم الحسني من دينه على عليّ بن محمد الهادي علیه السلام : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء خارج عن الحدين : حدّ الإبطال وحدّ التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ، ولا عرض ولا جوهر ، بل هو محسم الأجسام ، ومصوّر الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ، ومحدثه (5).

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : بها تجلّى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون. ولا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه ، إذن لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ولكان له وراء إذ وجد له أمام ، ولا لتمس التمام إذ لزمه النقصان ، وإذن لقامت آية

ص: 61


1- الكافي 1 : 82.
2- البحار 3 : 147 .
3- البحار 4 : 221 ، عن التوحيد والأمالي.
4- الكافي 1 : 82.
5- التوحيد 81 ، وعنه البحار 3 : 268 .

المصنوع فيه ، ولتحوّل دليلا بعد أن كان مدلولا عليه ...(1)

وعن أبي عبد الله علیه السلام في حديث : وكلّ ما وقع في الوهم فهو بخلافه (2)

وعن موسى بن جعفر علیه السلام . في حديث . : ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغیر حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلا هو الكبير المتعال (3) .

وفي نهج البلاغة عن نوف البكالي قال : خطبنا أمير المؤمنين علیه السلام بهذه الخطبة : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الأمر ... بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم ... والحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش ، أو سماء أو أرض ، أو جانّ أو إنس ، لا يدرك بوهم ، ولا يقدر بفهم ، ولا يشغله سائل ، ولا ينقصه نائل ، ولا ينظر بعين ، ولا يحدّ بأين ، ولا يوصف بالأزواج ، ولا يخلق بعلاج ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ... فإنّما يدرك بالصفات ذوو الهيئات والأدوات ، ومن ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء. فلا إله إلا هو ، أضاء بنوره كل ظلام ، وأظلم بظلمته كل نور (4) .

وفي العيون عن الرضا علیه السلام . في حديث . : قال السائل : رحمك الله ، فأوجدني كيف هو وأين هو ؟ قال : ويلك ، إنّ الذي ذهبت إليه غلط ، هو أيّن الأين ، وكان ولا أين ، وهو كيف الكيف ، وكان ولا كيف ، فلا يعرف بكيفوفية ، ولا بأينونية ، ولا يدرك بحاسة ، ولا يقاس بشيء ، قال الرجل : فإذن إنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسّة من الحواس ، فقال أبو الحسن علیه السلام : ويلك ، لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنّه ربّنا وأنّه شيء بخلاف الأشياء .... وفيه بعد سطور . قال : فلم لا تدركه حاسة البصر ؟ قال : للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة

ص: 62


1- نهج البلاغة ، الخطبة 186 . قال السيّد الرضي تجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة، وهي مروية عن الرضا 7 أيضا بتفاوت ، انظر العيون 1 : 149 ، وسيأتي مصدر البحار في ص 63 الهامش 3.
2- البحار 3 : 299 ، عن التوحيد.
3- البحار 3 : 327 ، عن التوحيد.
4- نهج البلاغة ، الخطبة 182 ، وعنه البحار 4 : 313.

الأبصار منهم ومن غيرهم ، ثم هو أجلّ من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم ، أو يضبطه عقل. الخبر...(1)

وفي التوحيد عن صفوان بن يحيى ، قال : سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن الرضا علیه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي ، فدخل عليه ، فسأله لي ، فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام ، حتى بلغ سؤاله التوحيد ، فقال أبو قرة : إنّا روينا أنّ الله عز وجل قسم الكلام والرؤية بين اثنين ، فقسّم لموسى علیه السلام الكلام ، ولمحمد علیه السلام الرؤية. فقال أبو الحسن علیه السلام : فمن المبلغ عن : فمن المبلغ عن الله عزّ وجلّ إلى الثقلين الجن والإنس : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (2). ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (3) . ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (4) . أليس محمدا صلی الله علیه و آله و سلم ؟ قال : بلى ، قال : فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء م أنّه جاء من عند الله ، وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله ، ويقول : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شيء ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت به علما ، وهو على صورة البشر ! أما يستحيون! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون يأتي عن الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر(5).

وفي دعاء الصباح الذي رواه أمير المؤمنين عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : يا من دلّ على ذاته بذاته ، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته (6) .

(5)

وفي الدعاء الذي علمه جبرئيل النبي صلی الله علیه و آله و سلم . أورده السيد في المهج (7) نقلا عن كتاب عتيق . : يا فكاك الرقاب من النار وطارد العسر من العسير ، كن شفيعي إليك إذ كنت دليلي عليك.

وعن أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته : وتوحيده تمييزه من خلقه ، وحكم التمييز

ص: 63


1- العيون 1 : 131 ، التوحيد 250 ، وعنهما البحار 3 : 36 .
2- الأنعام : 103 .
3- طه : 110 .
4- الشورى : 11.
5- التوحيد 110 ، وعنه البحار 4 : 36 .
6- البحار 94 : 243 ، عن اختيار السيد ابن باقي.
7- مهج الدعوات 84 ، وعنه البحار 95 : 373 .

بينونة صفة لا بينونة عزلة (1).

وعنه علیه السلام: ... مباين الجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الذوات ... (2)

وعن الرضا صلوات الله عليه : ... فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ،

ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له تذلّل من بعضه ، ولا إيَّاه أراد من توهمه كل معروف بنفسه مصنوع ، وكل قائم في سواه معلول ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا يتغيّر الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدّد بتحديد المحدود ، واحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مباين لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، ... بها تجلّى صانعها للعقول ، وبها احتجب عن الرؤية ... فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه ...(3)

وعن أبي عبد الله علیه السلام : إنّ الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله عزّ وجلّ فهو مخلوق ، والله خالق كل شيء تبارك الذي ليس كمثله شيء(4) .

وعن الصادق علیه السلام في رواية : أما التوحيد فأن لا تحوز على ربّك ما جاز عليك ، وأمّا العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه (5) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام : التوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتهمه (6) .

وعن الباقر علیه السلام : كل ما ميّز تموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود إليكم (7) .

ص: 64


1- مهج الدعوات 84 ، وعنه البحار 95 : 373 .
2- البحار 4 : 222 ، عن التوحيد والعيون.
3- البحار 4 : 228 230 ، عن التوحيد والعيون.
4- البحار 3 : 263 ، عن التوحيد.
5- البحار 264:4 .عن التوحید و معانی الاخبار
6- نهج البلاغة : الحكم 470 .
7- الأربعين للشيخ البهائي 17.

وعنه صلوات الله عليه : تكلّموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فإن قوما تكلّموا في الله فتاهوا حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه (1) .

وعن أبي عبد الله علیه السلام : من نظر في الله كيف : من نظر في الله كيف هو هلك (2).

ومما يدلّ على ما ذكرنا تنبيها على ما حكم به العقل ما ورد في احتجاج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على اليهود ردًا على قولهم : عزير ابن الله : إن كنتم إنّما تريدون بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمهات الأولاد بوطء آبائهم لهنّ فقد كفرتم بالله وشبّهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه ... (3).

ومن أراد التفصيل والزيادة على ذلك فلا بد له من الرجوع إلى مفصلات الخطب والأدعية وسائر ما ورد عنهم صلوات الله عليهم بعد ردّ متشابهها إلى محكمها. فإنّ جميع ذلك بيان لأساس ما جاء به صاحب الشريعة الغرّاء في معرفة الله تعالى من طريق العقل ، وتنزيه له تعالى عمّا تكلّم به كثير من علماء البشر . الذين أخذوا مبادئ علومهم ومعارفهم من غير طريق الوحي . في ذاته القدوس تعالى وصفاته وأفعاله ، وعمّا أثبتوه له تعالى شأنه بالقواعد العقلية التي موضوعاتها المخلوقات والمصنوعات ، قياسا له تعالى بها ويناسب هنا ذكر روايتين رواهما الصدوق . ; . في التوحيد :

إحداهما : ما رواه بسنده عن عكرمة ، قال بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع ابن الأزرق فقال : يا ابن عباس تفتي في النملة والقملة صف لنا إلهك الذي تعبده . فأطرق ابن عباس إعظاما لله عزّ وجلّ ، وكان الحسين بن علي صلوات الله علیه جالسا ناحية فقال : إلي يا ابن الأزرق ، فقال : لست إياك أسأل! فقال ابن عباس : يا ابن الأزرق ! إنّه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم. فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين صلوات الله علیه ، فقال له الحسين صلوات الله علیه : يا نافع إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس ، مائلا

ص: 65


1- البحار 3 : 265 ، عن المحاسن.
2- البحار 3 : 265 ، عن المحاسن.
3- البحار 9 : 258 ، عن تفسير الإمام والاحتجاج.

عن المنهاج ، ظاعنا في الاعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، يا ابن الأزرق! أصف إلهي بما وصف به نفسه ، وأعرفه بما عرف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، فهو قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحد ولا يبعض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الكبير المتعال (1) .

ثانيتهما : ما رواه بسنده عن الحسن بن علي عن أبيه عن جده : ، قال : قام رجل إلى الرضا صلوات الله علیه : قال له : يا ابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا.

فقال الرضا صلوات الله علیه : إنّه من يصف ربّه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس ، مائلا عن المنهاج ، ظاعنا في الاعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، أعرفه بما عرف به نفسه من غير رؤية (2) ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، معروف بغير تشبيه ، ومتدان في بعده لا بنظير ، لا يمثل بخليقته ، ولا يجور في قضيته ، والخلق إلى ما علم منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، لا يعملون خلاف ما علم منهم ولا غيره يريدون ، فهو قريب غير ملتزق ، وبعيد غير متقص ، يحقق ولا يمثل ويوحد ولا يبعض ، يعرف بالآيات ، ويثبت بالعلامات ، فلا إله غيره الكبير المتعال. ثم قال بعد كلام آخر تكلم به : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبيه عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، قال : ما عرف الله من شبهه بخلقه ، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده (3) .

قواعد من مصاديق القياس الممنوع

وهذه أربع قواعد من مصاديق القياس الممنوع في الروايتين المتقدّمتين ، أقام بعضهم أدلة على إثباتها ، وجعلوا الحق المتعال مع ما خلق مصداقا لها :

1. مسألة وجوب السنخية بين العلة والمعلول.

ص: 66


1- التوحيد 79 ، وعنه البحار 4 : 297 .
2- في البحار : روية.
3- التوحيد 47 ، وعنه البحار 3 : 297 .

2 . قولهم : الواحد لا يصدر منه إلا الواحد.

3 . مسألة امتناع انفكاك العلة التامة عن معلولها.

4 . قولهم : بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها.

أمّا المسألة الأولى . لو سلّم كونها قاعدة عقلية لا تقبل التخصيص (1) . فموضوعها ما إذا كانت العلية والفاعلية بالرشح والفيضان بمعناه الحقيقي عن ذات العلة ، أو بتجلّي العلة بذاتها في أطوارها وشئونها ، وأما الحق المتعالي عن أن يتولّد أن يتولّد منه شيء ، أو يتغيّر بفعله ، أو يتطوّر ، وكانت فاعليته بالمشيّة والإبداع لا من شيء ، بلا تغیر أو تطوّر في ذاته . كما في غير واحدة من الروايات .(2) . فلا تجري القاعدة المذكورة فيه.

وكذلك المسألة الثانية موضوعها أيضا ما ذكرنا وأما إذا كانت الخلقة بنحو الإبداع لا من شيء وكان الفاعل لا يشغله شأن عن شأن ، ولا علم شيء عن علم شيء ، ولا خلق شيء عن خلق شيء ، ولا يتغير بفعله ، وليس كمثله شيء ، فلا مانع عقلا من أن يخلق الأشياء المختلفة المتعددة في ساعة واحدة بلا سبق لأحدهما على الآخر ، قال الله تعالى : ( ما خَلْقَكُمْ وَلَا بَعْتُكُمْ إِلأَكَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (3) .

وفي رواية الهروي عن الرضا صلوات الله علیه : ... وكان قادرا أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنّه عزّ وجل خلقها في ستة أيام ، ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء ، فيستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرّة بعد مرة ...(4)

أما المسألة الثالثة فموضوعها ما إذا كان كمال ذات الفاعل . مضافا إلى تماميته في ما به قوام ذاته . كونه فوق التمام ، أي تامّ الفاعلية دائما ، بمعنى أن يكون له الفيض الدائم ، وكان الفيض من سنخ ذات الفاعل منه ، كي يكون قطعه مستندا إلى نقص في ذات الفاعل ، الواجب عقلا تنزيه القديم منه.

ص: 67


1- إشارة إلى ما حكي عن ابن سينا في مباحث العلة من إلهيّات الشفاء : أنّ العلة الفاعلية لا يجب أن تفعل ما يشابهها. وإشارة إلى ما عن أكثر الفلاسفة المشائين من كون الموجودات حقائق متباينة.
2- كما يأتي ذكرها في المسألة الثالثة.
3- لقمان 28 .
4- البحار 3 : 318 ، عن التوحيد والعيون.

وأما إذا لم يكن كذلك ، بل كان فيضه إبداعا لا من شيء ، بحيث لا يكون عدم صدور الفيض منه لنقص في ذاته . كما أن صدوره منه لا يكون فعلية كمال في الذات لم يكن له قبل ذلك . فلا مانع عقلا من التفكيك بينه وبين خلقه. ولذا يكون تعالى شأنه جوادا إن منع وإن أعطى .(1). على أحد الوجهين في معنى هذه الجملة.

وفي الفرض الأخير يكون صدور ذلك منه على نحو الوجوب دائما منافيا للاستيلاء الكامل على طرفي الفعل والترك ، ومحدودية ونقصا يجب تنزيهه تعالى عنهما.

نعم لو وصل إلى حدّ يكون فعله قبيحا فالفاعل الحكيم لا يفعله عن قدرة واختيار ، ولذلك يمجد ، لا لأنّه لا يقدر عليه ، أو يكون ممتنعا بالذات.

وحينئذ نقول : إن كان المراد من العلة التامة في المقام هو الخالق المتعالي بالنسبة إلى ما أبدعه في المخلوق لا من شيء ، بعد وجود المصلحة ، وبعد إرادته التكوينية لما أبدعه خارجا . التي لا تفكيك بينها وبين المراد ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (2) فهو حق ، إلاّ أنّ المقصود في المقام هو المتعالي له القدرة الكاملة والحرّية المطلقة في أن يشاء خلق شيء ويريده لا من شيء ، وأن لا يشاءه ولا يريده ، وكان أحدهما فضلا ، والآخر عدلا ، والمخصص والمرجّح لأحدهما على الآخر رأيه القدوس بلا تغيّر في ذاته ، فإنّ ذلك كمال وفعليّة يجب إثباتهما في الذات الأزلي ، وخلاف ذلك نقص ومحدودية يجب تنزيهه عنهما. ومن هذا شأنه لا مانع عقلا من التفكيك بينه وبين خلقه ولو في برهة من الدهر ، إظهارا لغناه عن الخلق ، وتنزيها لذاته القدوس عما قالوا في شأنه.

والإمكان والقوة ( في مقابل الفعلية ( المنفيان عن الحق المتعالي إنّما يكون في المخلوق الخارج عن ذات الخالق لا في ذاته تعالى.

فقد ظهر مما ذكرنا إمكان التفكيك بين الخالق والمخلوق ) أي وجود الخالق ولا مخلوق ) عقلا ، بل الظاهر من الآيات والروايات المباركات وقوع ذلك.

ص: 68


1- البحار 4 : 172 ، عن الخصال والعيون.
2- یس 82.

الآيات والروايات الدالة على وقوع التفكيك بين الخالق والمخلوق

فمن الآيات قوله تعالى : ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ... ) (1). ونحوه مما يدلّ في الجملة على الحدوث الحقيقي.

ومن الروايات ما يمكن دعوى تواترها معنى ، منها :

ما في نهج البلاغة : الحمد لله خالق العباد ... لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة ... (2).

وعن أمير المؤمنين صلوات الله علیه في الدعاء المعروف الذي علّمه إيّاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : كنت قبل كل شيء ، وكونت كل شيء ، وقدرت على كل شيء ، وابتدعت كل شيء (3)

وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر صلوات الله علیه قال : كان الله ولا شيء غيره... (4)

وعنه صلوات الله علیه في حديث : ولكنه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه ، فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه ... (5)

وفي خبر جابر الجعفي عنه صلوات الله علیه. في حديث . : اخبرك أنّ الله علا ذكره كان ولا شيء غيره . وساق ما يقرب من الحديث المذكور إلى أن قال : ولكن كان الله ولا شيء معه ، فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء (6) .

وفي خبر أبي هاشم الجعفري عن أبي جعفر الثاني صلوات الله علیه في خلقة الأسماء والصفات اللفظية : ... فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله تعالى ذكره ولا خلق ، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ... (7)

وفي مرسلة الاحتجاج عن أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله علیه : ... لم يزل الله موجوداً

ص: 69


1- السجدة 4 .
2- الخطبة 163 .
3- مهج الدعوات 124 ( المعروف بدعاء يستشير ) .
4- البحار 57 : 162 ، عن الكافي.
5- البحار 57 : 96 ، عن الكافي.
6- البحار 57 : 66 ، عن التوحيد.
7- البحار 4 : 153 ، عن الاحتجاج والتوحيد.

ثم كوّن ما أراد ... الخبر (1)

وفي الدعاء المروي عن الجواد صلوات الله علیه في ليالي شهر رمضان : يا ذا الذي كان قبل كل شيء ، ثم كوّن كل شيء (2)

وعن الرضا صلوات الله علیه : ... فمن زعم أنّ الله لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد(3)

وبضميمة قولهم : : خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة (4) ، يثبت المطلوب.

وفي حديث عن ابی عبد الله صلوات الله علیه : ... كان إذ لم يكن شيء ...(5)

وعن الرضا صلوات الله علیه في خطبته : له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق (6)

وفي خطبة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا ... ابتدأ ما ابتدع ابتدأ ما ابتدع ، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق لشيء مما خلق (7).

وعن أمير المؤمنين صلوات الله علیه : الحمد لله الذي لا من شيء كان ، ولا من شيء كوّن ما قد كان ، المستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ... الخطبة (8).

وحمل قولهم صلوات الله عليهم : « كان الله ولا شيء معه » على نفي المعية في الرتبة لا في التحقق والواقعية مخالف لظاهر هذا الكلام، ولما هو كالصريح في الروايات المذكورة وغيرها.

وفي حديث مكالمات عمران الصابي مع الرضا صلوات الله عليه : أخبرني عن الكائن الأوّل وعما خلق. قال صلوات الله علیه : سألت فافهم، أمّا الواحد فلم يزل واحدا ، كائنا ، لا

ص: 70


1- الاحتجاج 2 : 250 ، وعنه البحار 57 : 83.
2- المقنعة للشيخ المفيد 1 : 320 .
3- البحار 4 : 145 ، عن التوحيد.
4- البحار 4 : 145 ، عن التوحيد.
5- البحار 57 : 45 ، عن التوحيد.
6- البحار 4 : 229 ، عن التوحيد والعيون.
7- البحار 4 : 287 ، عن التوحيد.
8- البحار 4 : 221 ، عن التوحيد والعيون.

شيء معه ، بلا حدود ولا أعراض ، ولا يزال كذلك. ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة . إلى أن قال الراوي . قال له عمران : يا سيّدي ألا تخبرني عن صلوات الله علیه : لم يتغيّر عزّ وجلّ بخلق الخلق ولكن الخلق يتغير بتغييره ... الخبر (1) .

أقول : مما ذكرنا من الروايات . مضافا إلى قوله صلوات الله علیه في هذه الرواية : ثم خلق ...

الظاهر في الترتيب الزماني ، وإلى تقريره صلوات الله علیه قول السائل : إذا كان واحدا لا شيء غيره ... الظاهر في الغيرية الحقيقية يظهر أن قوله : « ولا يزال كذلك » راجع إلى قوله : « بلا حدود ولا أعراض » لا إلى مجموع ما تقدّم ، كي يوهم صحة تأويل قولهم صلوات الله عليهم : « كان الله ولا شيء معه » بالمعيّة الرتبية.

وأمّا المسألة الرابعة وهي بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها

: فقد أوضحها صاحب الأسفار بقوله : إنّ العرفاء قد اصطلحوا في إطلاق الوجود المطلق والوجود المقيّد على غير ما اشتهر بين أهل النظر ، فإنّ الوجود المطلق عند العرفاء عبارة عمّا لا يكون محصورا في أمر معيّن محدودا بحدّ خاص ، والوجود المقيد بخلافه ، كالإنسان والفلك والنفس والعقل وذلك الوجود المطلق هو كل الأشياء على وجه أبسط ، وذلك لأنّه فاعل كل وجود مقيّد وكماله ، ومبدأ كل فضيلة أولى بتلك الفضيلة من ذي المبدأ. فمبدأكل الأشياء وفياضها يجب أن يكون هو كل الأشياء على وجه أرفع وأعلى.

فكما أنّ السواد الشديد يوجد فيه جميع الحدود الضعيفة السواديّة التي مراتبها دون مرتبة ذلك السواد الشديد على وجه أبسط ، وكذلك المقدار العظيم يوجد فيه كل المقادير التي دونه من حيث حقيقة مقداريتها ، لا من حيث تعيّناتها العدمية من النهايات والأطراف.

فالخطّ الواحد الذي هو عشرة أذرع مثلا يشمل الذراع من الخط والذراعين منه والتسعة أذرع منه على وجه الجمعية الاتصالية ، وإن لم يشتمل على أطرافها العدمية التي تكون لها عند الانفصال عن ذلك الوجود الجمعي ، وتلك الأطراف العدمية ليست داخلة في الحقيقة الخطية التي هي طول مطلق ، حتى لو فرض وجود خطّ غير متناه لكان أولى

ص: 71


1- البحار 10 : 310 ، عن التوحيد والعيون.

وأليق بأن يكون خطا من هذه الخطوط المحدودة ، وإنما هي داخلة في ماهية هذه المحدودات الناقصة لا من جهة حقيقتها الخطية بل من جهة ما لحقها من النقائص والقصورات ، وكذا الحال في السواد الشديد واشتماله على السوادات التي هي دونه ، وفي الحرارة الشديدة واشتمالها على الحرارات الضعيفة. فهكذا حال أصل الوجود وقياس إحاطة الوجود الجمعي الواجبي الذي لا أتم منه ، بالوجودات المقيدة المحدودة بحدود يدخل فيها أعدام ونقائص خارجة عن حقيقة الوجود المطلق داخلة في الوجود المقيّد (1)

وقال أيضا : اعلم أنّ الواجب الوجود بسيط الحقيقة غاية البساطة ، وكلّ بسيط الحقيقة كذلك فهو كل الأشياء ، فواجب الوجود كل الأشياء لا يخرج عنه شيء من الأشياء (2) .

أقول : المراد بغاية البساطة عدم التركيب الاعتباري ، أي التركيب من وجود وعدم ما سواه ، فهو عبارة أخرى عن أنه كل الوجود.

ومراده من الماهيّات الحدود التي تمتاز وتتشخّص بها كل مرتبة من مراتب الوجود عن غيرها من المراتب ، وظاهر أنّ حقيقة كل حد من مراتب الوجود ليست إلا عدم ما سواها من المراتب ، ولذا قالوا : ليس لها حطّ من الوجود ، وبتعبيرهم الآخر : ما شمت رائحة الوجود.

وأطلقوا الماهيّة أيضا على الوجود المحدود بحد أو حدود عدميّة ، ومعنى كون كل وجود محدود ضوء للوجود الحقيقي وظلاً له . كما سنذكرها . أنّه مرتبة ضعيفة من مراتب الوجود التي يكون الوجودات الإمكانية المحدودة مطوية مندكة فيها ، تشبيها له بالظل الذي هو وجود ضعيف بالنسبة إلى ذي الظل ، وبالضوء من النور الذي هو وجود ضعيف بالنسبة إلى مجموع النور.

ومعنى كونه ظهورا من ظهورات أو تجليا من تجليات ذاته التي هي كل الوجودات

ص: 72


1- الأسفار 6 : 116.
2- الأسفار 2 : 368.

المندك فيه الوجودات الخاصة ، كما سيأتي في كلامه أنّه مرتبة ضعيفة من مراتب يظهر ويتجلّى بها حقيقة الوجود.

وبالجملة : التصريح بأنّه ليس في الدار غيره ديار قرينة واضحة على أن مراده من الوجود الظلي ، ومن الضوء ومن الوجود الممكن ، ومن أعيان الممكنات ، ومن التجلي والمجلي ، والظهور والمظهر ليس شيئا آخر سوی مراتب حقيقة الوجود.

وقال بعض المتأخرين في بيان اعتبارات الماهية : حقيقة الوجود إذا أخذت بشرط أن لا يكون معها شيء الأسماء والصفات فهي المرتبة الأحديّة المستهلكة فيها جميع الأشياء. وإذا أخذت بشرط الأسماء والصفات المرتبة الواحدية المدلولة لاسم الجلالة وهو الله . وإذا أخذت لا بشرط فهى الهوية السارية في كل شيء. والمراد من الأسماء والصفات مفاهيمها ، فإنّ حقائقها حقيقة الوجود ، فيكون اشتراط الشيء بنفسه. انتهى (1)

أقول : المراد بالأخذ اللحاظ والاعتبار.

فمما ذكرنا ظهر أن معنى « بسيط الحقيقة كل الأشياء » أنّ كلّ حقيقة ووجود يكون في غاية البساطة ( أي حتى من جهة التركيب الاعتباري من وجود وعدم غيره من الوجودات ) فهو عبارة أخرى عن حقيقة كلها الوجود ولا وجود غيرها ، فظاهر أنّ كل ما هو هكذا فهو كل الأشياء المفروض أنّ كلّها الوجود ، وهذا من الواضحات من قبيل حمل الشيء على نفسه.

ومعنى أنه ليس بشيء من الأشياء أنّ حقيقة الوجود . التي هي مجموع الوجودات بما لها من المراتب . ليست منحصرة بمرتبة دون مرتبة ، لكون المفروض أنه كل الوجود ، فلا يصح أن يقال أنّ كل الوجود حقيقة هذا الشيء الذي هو مرتبة من مراتب الوجود لا كل الوجود، أو بمعنى أنه ليس بشيء من حدودها ونقائصها ، كما قال به السبزواري في حاشية الأسفار في تفسير هذا الكلام ، وهذا أيضا أمر واضح ولكنّه أشبه بالأحجية واللغز في الكلام.

ص: 73


1- شرح المنظومة للسبزواري : 95 .

وبالجملة : صحة هاتين الجملتين : ( بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها ) بحسب المفهوم لا إشكال فيها ، إنّما الإشكال بل المنع الأكيد في كون جميع ما في دار التحقق مصداقا لهاتين الجملتين ، لكونه مبتنيا على كون ما في عالم الوجود من الخالق والمخلوق حقيقة واحدة ، وهو ممنوع أشدّ المنع.

بل الواقع الذي هو من ضروريات الأديان الإلهية أنّ في دار التحقق حقيقتين :

إحداهما : حقيقة قائمة بذاتها أزليّة أبدية ، وهو الله تعالى شأنه ، الواحد الذي لا ثاني له في حقيقته ، وذاته الأحد أي المنزّه عن التركيب مطلقا ، حتى من التركيب الاعتباري ، أي التركيب من وجود وعدم غيره الذي هو من سنخ هذه الحقيقة. وبعبارة أخرى :

التركيب في حقيقة الإله الذي هو عين العلم وعين القدرة على إبداع الأشياء وإيجادها بمشيئته وإرادته لا من شيء ، أي لا من رشح وإشراق من نفسه ، فإنّه الولادة منه الملازمة للتغيّر بفعله ، ولا من تطوّر وتشون في نفسه ، فإنّه عين التغير في الذات المنزه عنه الذات الأزلي القائم بذاته ، كما صرح به أبو الحسن الرضا صلوات الله علیه : لا الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود (1) ، ولا من مادة أزليّة تكون مشاركة له في التحقق والوجود ، كما صرّح به أمير المؤمنين صلوات الله علیه : لم يخلق الأشياء من أصول أزلية (2) .

فإنّ الخلقة بأحد الوجوه الثلاثة ليست لا من شيء ، لأنّها لو كانت من المادة الأزليّة لكانت من شيء مضافا إلى أنّه عين الشرك ، ولو كانت من نفسه تعالى بأن تكون بالفيضان والرشح أو بالتطور والتشون ففي كلا الفرضين تكون الخلقة من الشيء بحقيقة الشيئية ، وهو الذات الأزلي ، فلا يصح التعبير بأنها لا من شيء كما صرحت به الروايات الكثيرة (3)

الحقيقة الثانية : حقيقة مخلوقة قائمة ذاتها بخالقها وشيء بالغير ، نعني : عنوان كونه بالغير مأخوذ في ذاته ، مبدع لا من شيء ، فاقد ذاته للعلم والقدرة وسائر الكمالات

ص: 74


1- راجع ص 63 .
2- راجع ص 68 .
3- انظر البحار 4 : 161 و 57 : 46 ، 67، 076

النورية ، حادث بالحدوث الحقيقي ، أنشأه الخالق تعالى شأنه بقدرته التي هي عين ذاته ، وبمشيته التي هي فعل له تعالى يظهر به قدرته .

والتطوّر الذي هو عين التغيّر ، والرشح والإشراق الذي حقيقته الولادة ، والمعروضية بالأعراض المختلفة ، والاتصاف بالأوصاف المتضادّة وغير المتضادّة من الطهارة والقذارة ، والطيب والعفونة ، وحسن النظر وقبحه ، والنور والظلمة المحسوستين بالبصر ، والمحسوسيّة بالحواس الظاهرة والباطنة ، وقبول التصوّر بالصور الخارجية والذهنية وغيرها ، كل ذلك في تلك الحقيقة الثانية التي وصفناها لا في الذات الأقدس الربوبي جلّت عظمته.

والمباينة بين الحقيقتين المذكورتين بما لهما من الأوصاف الذاتية المذكورة من الواضحات.

وإطلاق لفظ الوجود على وجوديهما . نظير إطلاق الشيء عليهما . لا يقتضي وحدة الحقيقة والسنخ .

وبالجملة : هاتان الحقيقتان لمكان تباينهما لا يوجب وجود إحداهما محدوديّة الاخرى ولا التركيب الذات ولو اعتبارا .

فشبهة أنّ مقتضى كونه تعالى غير محدود وأنّه لا يخلو منه مكان إنكار وجود الغير وإلا يلزم المزاحمة مندفعة أيضا بما ذكر في دفع شبهة التحديد والتركيب ، وهو أنها تلزم إذا كان الأمران من سنخ واحد وحقيقة واحدة.

ونقرّب اندفاعها بذكر مثالين مرجعهما إلى تنزيه الذات الأقدس عن المحدوديّة والمزاحمة ، لا إلى التشبيه حتى يورد عليه بقوله تعالى : ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثال ) (1) .

الأوّل : لا مزاحمة بين وجود الجسم ( محدودا كان أو فرض غير محدود ) وبين وجود الأعراض من الكمّ ، والكيف ، والوضع ، والإضافة ، وغيرها ، كما لا مزاحمة بين الأعراض أنفسها.

الثاني : وهو ألطف المثالين وأقربهما إلى درك حقيقة الإحاطة من غير لزوم

ص: 75


1- النحل 74

المحدودية للمحيط بوجود المحاط ولا المزاحمة . هو نور العلم الظاهر بذاته المظهر للمعلومات والمحسوسات بالحواس الظاهرة ، جواهرها وأعراضها ، ومنها النور المحسوس بالبصر والظلمة ، وكذا المعقولات والمتصورات ، فإن الصورة الحاصلة في الذهن وحصول الصورة وعرض الإضافة التي اختلفوا في أنّ العلم الحصولي المصطلح في المنطق من أى مقولة من هذه المقولات ، وكذا صفة الحضور . نظير الجواهر والأعراض الخارجيّة . كلّها من المعلومات. وفوق جميعها ، لا بالفوقية المكانية ، نور كما ذكرنا مرارا . يكون علم المخلوق بأي منها . حتى بنفسه . بوجدانه لذلك

النور المظهر لها بقدر ، وجهله بها بفقدانه إيّاه ، وإن لم يجد كيفيتهما ، فمن يجد ما ذكرنا من النور الظاهر بذاته المظهر لما عداه من المعلومات ، ويجد إحاطته بجميعها ظاهرها وباطنها ويجد عدم محدوديّة وجوده بوجودها كيف يجوّز عقلا إنكار حقيقة ووجود آخر مباين لها ومغاير لها بالمغايرة الحقيقية يكون هو الخالق لها المحيط بحقيقتها ظاهرها وباطنها بتوهم لزوم التحديد والتركيب والمزاحمة بينه وبينها لو قلنا بوجود كليهما ، كي يحتاج إلى الالتزام بأنّ كلّ ما في عالم الوجود من سنخ .واحد. فكيف بالالتزام بالوحدة الحقيقية العينية ، وأنّ المغايرة بين الخالق والمخلوق اعتبارية.

تنبيهات فيها فذلكة لما ذكر مراراً :

بعد ما بينا ( لإمكان إحاطة شيء بشيء بظاهره وباطنه مع واقعية كليهما من دون مشابهة ولا تداخل ولا ممازجة بينهما ، ولا محدودية في ذات المحيط مع واقعية المحاط ) من التمثيل بنور العلم الذي وصفه الصادق صلوات الله علیه في رواية حنان بن سدير بالمثل الأعلى (1).

1 . كيف يصح لمن فهم ما ذكرنا دعوى إمكان تنزل الشيء بحقيقة الشيئية ، الذات الأزلي القائم بذاته ، وصيرورته مخلوقا مبدعا لا من شيء ، شيئا بالغير ، حادثا بالحدوث الحقيقي مع أنه خلاف ذاتهما؟

ص: 76


1- راجع ص 27 .

شيء قائم دانه بالغير مع جو

2 . كيف يصح له دعوى إمكان تطوّر الشيء بحقيقة الشيئية القائم بذاته الأزلي بما هو مخلوق مبدع لا من قائم ذاته بالغير مع كونه خلاف ذاتهما؟

3 . كيف يصح له دعوى إمكان صعود الشيء الذي شيئيته بالغير ، المخلوق المبدع لا من شيء الحادث بالحدوث الحقيقي ، ورجوعه وفنائه أي اندكاكه في الشيء بحقيقة الشيئية ، الذات الأزلي القائم بذاته ، مع خلاف ذاتهما؟

4 . كيف يصح له دعوى السنخية بينهما مع أنه خلاف ذاتهما فضلا عن العينية؟

وبالجملة : الذات الربوبي جلّ ثناؤه أجلّ وأقدس من أن يكون مجانسا لأشرف مخلوقاته ، كما صرح به رسوله الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم بقوله : وتنزه عن مجانسة مخلوقاته (1). ومن أن يتطور بأشرفها وأطه-ره-ا ، فضلا أن يتطور بأختها وأخبثها وأقذرها ، وغير ذلك مما لا ينبغى تصوّره ، فضلا عن ذكره بلسان ، أو كتابته بينان ، مما لا بدّ للقائل بوحدة الوجود والموجود من الالتزام به ، كما التزم به القائل المتقدم ذكره بقوله في بعض كلماته :

فكما وفقني الله بفضله ورحمته على الاطلاع على الهلاك السرمدي والبطلان الأزلي للماهيات الإمكانية والأعيان الجوازيّة فكذلك هداني بالبرهان النيّر العرشي إلى صراط مستقيم من كون الموجود والوجود منحصرة في حقيقة واحدة شخصيّة لا شريك له في الموجودية الحقيقية ، ولا ثاني له في العين ، وليس في دار الوجود غيره ديار ، وكل ما يتراءى في عالم الوجود أنّه غير الواجب المعبود فإنّما هو من ظهورات ذاته ، وتجليات صفاته التي هي في الحقيقة عين ذاته ، كما صرّح به لسان العرفاء بقوله : فالمقول عليه سوى الله أو غيره أو المسمّى بالعالم فهو بالنسبة إليه تعالى كالظل للشخص ، فهو ظل الله ... فكل ما ندركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات. فمن حيث هويّة الحق هو وجوده ، ومن حيث اختلاف المعاني والأحوال المفهومة منها المنتزعة عنها بحسب العقل الفكري والقوّة الحسيّة فهو أعيان الممكنات الباطلة الذوات ، فكما لا يزول عنه باختلاف الصور والمعاني اسم الظل كذلك لا يزول عنه اسم العالم وما سوى الحق. وإذا كان الأمر على ما ذكرته فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي ، فهذا حكاية ما ذهب إليه العرفاء .

ص: 77


1- راجع ص 62 .

الإلهيون والأولياء المحققون ... (1).

أقول : قوله : « فالعالم متوهّم » متوهم ومبني إما على كون مراده من الماهيات الحدود ، فإنّ الواقعية للوجود لا للحدود التي ليست واقعيتها إلا أنّها عدم ما سوى المحدود بها من الوجودات ، كما وصف بعضهم الماهيات بأنّها ما شمت رائحة الوجود (2) .

وإما على كون المراد من الماهيّات الوجودات المحدودة بعدم ما سواها من الموجودات ، ووجه كونها باطلة الذوات أنّ التعيّن بهذه الحدود العدمية أمور اعتبارية ، والواقعية إنما هي للوجود الذي ليس إلا وجود الحق المنطوي في هذه الكثرات التي هي بمنزلة الأمواج لبحر الوجود.

ثم إنّ بعض عباراته في كتبه وإن كان موهما أو ظاهرا في الالتزام بالعلية والمعلولية في الوجود ولكنّه صرّح في بعضها بقوله : فما وضعناه أولا بحسب النظر الجليل من أنّ في الوجود علة ومعلولا أدّى أخيرا من جهة السلوك العلمي والنسك العقلي إلى أنّ المسمى بالعلة هو الأصل ، والمعلول شأن من شئونه وطور من أطواره ، ورجعت العلية والإفاضة إلى تطوّر المبدأ بأطواره ، وتجلّيه بأنحاء ظهوراته ، فاستقم في هذا المرام الذي زلّت فيه الأقدام (3)

أقول : هذا التوهّم وأمثاله من الأوهام أوجب الالتزام بما هو مخالف لضروريات الأديان ، ولما يحكم به العقل والفطرة السليمة والوجدان ، وأوجب أيضا ارتكاب التأويلات لنصوص الآيات والروايات الصادرة عن أهل بيت الوحي بما لا يساعده الفهم العرفي العقلائي من الكلام ، والتمسك لإثبات مرامهم الكلام، والتمسك لإثبات مرامهم بالمتشابهات التي دلّت على خلافها المحكمات الكتاب والسنّة ، ومنشأ ذلك كله هو القول بأنّ في دار التحقق ليس إلا حقيقة واحدة وموجود واحد سموه الوجود ، وأنّ ما يرى من الاختلاف والكثرة مراتب و درجات وتطورات لتلك الحقيقة الواحدة.

ص: 78


1- الأسفار 2 : 292 0 294.
2- كابن عربي في الفصوص ، انظر شرح الفصوص 1 : 333 .
3- المشاعر 84 المشعر الثامن ، الأسفار 7 : 300 .

فمن كلام ابن عربي في الفتوحات المكية : فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها (1)

وفي الفص الهودي من فصوص الحكم : وما خلق تراه العين إلا عينه حق.

وقال القيصري في شرحه : أي ليس خلق في الوجود تشاهده العين إلا وعينه وذاته عين الحق الظاهر في تلك الصورة ، فالحق هو المشهود ، والخلق موهوم ، لذلك يسمّى به ، فإنّ الخلق في اللغة الإفك والتقدير(2).

وقال ابن عربي في الفص اليعقوبي : إنّ الممكنات على أصلها من العدم، وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعينها ، فقد علمت من يلتذ ومن يتألم.

وقال القيصري في شرحه : ليس وجود في الخارج إلاّ وجود الحق متلبسا بصور أحوال الممكنات ، فلا يلتذ بتجلياته إلاّ الحق ، ولا يتألم منها سواه (3).

وقال ابن عربي في الفص الهاروني: وكان موسى أعلم بالأمر من هارون ، لأنّه علم ما عبده أصحاب العجل.

وقال القيصري في شرحه : أي علم موسى ما الذي عبده أصحاب العجل في الحقيقة.

وقال ابن عربي أيضا : لعلمه بأن الله قضى أن لا يعبدوا إلا إيَّاه. كما قال : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (4) . وما حكم الله بشيء إلا وقع ، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه.

وقال القيصري : أي كان عتب موسى أخاه هارون لأجل إنكاره عبادة العجل وعدم اتساع قلبه لذلك.

وقال ابن عربي أيضا : فإنّ العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل

ص: 79


1- الفتوحات المكية 2 : 604 .
2- شرح الفصوص 2 : 14 .
3- شرح الفصوص 1 : 448 .
4- الإسراء 23 .

شيء ، فكان موسى يربّي هارون تربية علم (1)

وعن ابن عربي :

عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت بكل ما اعتقدوه

وقال القيصري في شرح الفصوص : كلّ ما يطلق عليه اسم الغير فهو من حيث الوجود والحقيقة عين الحق ، وإن كان من حيث التقيّد والتعيّن مسمّى بالغير(2).

وقال بعضهم : بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها ، أي ليس بشيء من حدودها ونقائصها (3)

وقد صدق صاحب الأسفار جميع ما مرّ عن ابن عربي في المسألة إجمالا بقوله : إنّه لا يجازف في القول كما حكاه عنه المحدّث النوري في ترجمته في المستدرك(4).

وتفصيلا بما مرّ من قوله : إنّ العرفاء قد اصطلحوا في إطلاق الوجود المطلق ... إلى آخر كلامه (5) . وقوله : اعلم أن الواجب الوجود بسيط الحقيقة ... إلى آخر كلامه (6)

وبقوله أيضا : محصل الكلام أنّ جميع الموجودات عند أهل الحقيقة والحكمة الإلهية المتعالية ، عقلا كان أو نفسا أو صورة نوعية ، من مراتب أضواء النور الحقيقي وتجليات الوجود القيومي الإلهي ، وحيث سطح الحق أظلم وانهدم ما ذهب إليه أوهام المحجوبين من أنّ للماهيات الممكنة في ذواتها وجودا ، بل إنّما يظهر أحكامها ولوازمها من مراتب الوجودات التي هي أضواء وأظلال للوجود الحقيقي والنور الأوحدي ، فكما وفقني الله بفضله ورحمته الاطلاع على الهلاك السرمدي والبطلان الأزلي للماهيات الإمكانية والأعيان الجوازية فكذلك هداني بالبرهان النيّر العرشي إلى صراط مستقيم ... إلى آخر ما نقلناه عنه (7)

ص: 80


1- شرح الفصوص 2 : 385.
2- شرح الفصوص 2 : 390 .
3- راجع ص 72 .
4- مستدرك الوسائل 3 : 422 .
5- المتقدم في ص 70.
6- المتقدم في ص 71.
7- في ص 76 .

وبقوله أيضا : فصل في أنّ واجب الوجود تمام الأشياء وكل الموجودات : هذا من الغوامض الإلهية التي يصعب إدراكه إلا على من آتاه الله آتاه الله من لدنه علما وحكمة ، لكن البرهان قائم على أنّ كلّ بسيط الحقيقة كل الأشياء الوجوديّة إلا ما يتعلّق بالنقائص والأعدام ، والواجب تعالى بسيط الحقيقة من جميع الوجوه ، فهو كل الوجود كما أنّ كلّه الوجود (1) .

وعنه أيضا : فإذا ثبت تناهي سلسلة الوجودات من العلل والمعلولات إلى ذات بسيط الحقيقة النورية الوجودية ... وثبت أنّه بذاته فياض وبحقيقته ساطع ... تبين وتحقق أنّ الجميع الموجودات أصلا واحدا وسنخا فاردا هو الحقيقة ، والباقي شئونه ، وهو الذات ، وغيره أسماؤه ونعوته ، وهو الأصل وما سواه أطواره وشئونه ، وهو الوجود ، وما وراءه جهاته وحيثياته. ولا يتوهمن أحد من هذه العبارات أنّ نسبة الممكنات إلى ذات القيوم تعالى تكون نسبة الحلول ، هيهات إنّ الحالية والمحلية تقتضيان الاثنينية في الوجود بين الحال والمحل ، وهاهنا ، أي عند طلوع شمس التحقيق من افق العقل الإنساني المتنوّر بنور الهداية والتوفيق ، ظهر أن لا ثاني في الوجود الواحد الحق ، واضمحلت الكثرة الوهمية، وارتفعت أغاليط الأوهام ، والآن حصحص الحق وسطع نوره النافذ في هياكل الممكنات ، يقذف به على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وللثنويين الويل مما يصفون ، إذ قد انكشف أنّ كلّ ما يقع عليه اسم الوجود بنحو من الأنحاء فليس إلا شأنا من شئون الواحد القيوم ... (2)

وعنه أيضا : قال العارف القيومي جلال الدين الرومي في مثنويه :

ما عدمهاییم هستيها نما تو وجود مطلقی هستی ما

والظاهر اتفاق أكابر الصوفية على ما ذكر في مسألة التوحيد مع اختلاف بينهم في بعض الحيثيات ، كما يظهر لمن تتبع كلماتهم.

أقول : هذه الخطابيات وكذلك تطبيق القاعدة المسلّمة « بسيط الحقيقة كل الأشياء

ص: 81


1- الأسفار 6 : 110 .
2- الأسفار 7 : 300.

وليس بشيء من الأشياء » على الخارج مبتن على القول بأن كل ما في عالم التحقق حقيقة واحدة ، وأن جميع الأشياء أطوار هذه الحقيقة وشئونها وتعيناتها ، وأنّ التوحيد الذي يجب الاعتقاد به هو بهذا المعنى.

وبالجملة : ما تقدّم فهو ممنوع أشدّ المنع ، لما مر من أنّ المباينة وعدم السنخية بين الحق المتعالي القائم بذاته وبين المخلوقات القائمة ذواتها بالغير بحيث كان عنوان القيام بالغير مأخوذا في ذاتها واضحة ، ولا سيما ملاحظة أنّ الأشياء المخلوقة معروضة للعوارض ، وذاته تعالى منزّه عن ذلك ، وملاحظة أنّها حقائق مظلمة ، وذاته الأقدس حقيقة العلم والنور ، فإنّ إدخالها في الذات الأقدس واشتمال الذات الأقدس القائم بذاته المنزه عن المعروضية للعوارض ، الذي حقيقته النور والعلم على ذات المخلوق الموصوف بما ذكرنا نقص لذاته القدّوس ، بل محال ذاتا ، فلا تجري القاعدة المسلّمة المذكورة فيه تعالى مع مخلوقاته ، لا من جهة تخصيص القاعدة والحكم العقلي ، بل من جهة خروجها عنه موضوعا ، كما في القواعد الثلاث المتقدمة.

ما تقدم في الروايات المباركة من قوله صلوات الله علیه : تنزّه عن مجانسة مخلوقاته (1)

وقوله صلوات الله علیه : كنهه تفريق بينه وبين خلقه (2) . وقوله صلوات الله علیه : إنّه ربّ خالق غير مربوب مخلوق (3). وقوله صلوات الله علیه في الدعاء المعروف بدعاء يستشير : أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت المالك وأنا المملوك ، وأنت الربّ وأنا العبد وأنت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت المعطي وأنا السائل ، وأنت الجواد وأنا البخيل (4) . بل من أوّل الدعاء إلى آخره ، وقوله صلوات الله علیه في دعاء يوم عرفة : أنت الذي أنعمت ، أنت الذي أحسنت ... إلى أن قال : ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي ، أنا الذي أخطأت ، أنا الذي أغفلت ... إلى أن قال : أنا الذي وعدت ، وأنا الذي أخلفت (5)

ص: 82


1- راجع ص 62 .
2- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد.
3- البحار 4 : 253 ، عن الاحتجاج.
4- مهج الدعوات 124.
5- البحار 98 : 221

وما شرع من الأقوال والأفعال في الصلاة التي هي معراج المؤمن ..

وما روي بأسانيد صحيحة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأسانيد صحيحة عن رسول الله في معراجه الذي هو من أفضل مقامات القرب والوصول إلى الله تعالى من المكالمات (1) ...

مقتضى جميعها بل مقتضى صحة بعث الرسل وإنزال الكتب والوعد والوعيد ، وخروجها عن اللغوية والعبثية ، ومقتضى حكم العقل والفطرة بل ضرورة الأديان ، وكذا موضوع المزايلة المنفية عنه تعالى في الروايات المغايرة بينه تعالى وبين مخلوقاته حقيقة لا اعتبارا إلاّ أن يحرّف كلم القرآن وما ورد عن خلفاء الرحمن عن مواضعها وتؤوّل متشابهاتها إلى خلاف ما دلّت عليه محكماتها ، كما اتفق ذلك لكثير منهم.

ومما هو كالصريح في رد هذا التوهم قوله تعالى : ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ )(2)

وما روي من قول الإمام الباقر صلوات الله علیه : كل ما ميّز تموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود إليكم .(3). فإنّ تمييز المطلق عن المقيد وتوصيف الباري تعالى شأنه بأنه حقيقة الوجود المطلق عن جميع القيود ، وأنّ البرية هي الوجودات المحدودة بحدود عدمية من دقائق المعاني المنفية عنه تعالى كما في غيره أيضا من الروايات المباركة ، منها :

قول أمير المؤمنين صلوات الله علیه على ما في البحار عن التوحيد والخصال بسندهما عن أبيه المقدام بن شريح الهاني عن ، قال : إنّ أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إنّ الله واحد؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا أعرابي ! أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟! فقال أمير المؤمنين صلوات الله علیه : دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إنّ القول في أنّ الله واحد على

أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله

ص: 83


1- راجع البحار 18 : 282 .
2- الحديد 4 .
3- الأربعين للشيخ البهائي 17.

عز وجل ، ووجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : « واحد » يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : إنه ثالث ثلاثة. وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز ، لأنه تشبيه ، وجلّ ربنا وتعالى عن ذلك. وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : « هو واحد ليس له في الأشياء شبه » ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني أنه لا ينقسم في وجود ، ولا عقل ، ولا وهم. كذلك ربّنا عزّ وجل (1).

فإنه بناء على كون الأمر الواقعي في دار التحقق هي الحقيقة المطلقة المسمّاة بالوجود ، بما له من الإطلاق المنطوي في الوجودات المقيدة ، ومن الوحدة المنطوية في الكثرة من غير حلول ، وكانت مغايرة الحق مع الخلق بالإطلاق والتقييد لا محالة يقع الانقسام بجميع معانيه على تلك الحقيقة ، فتدبر واعتبر.

ومما يجب التنبيه عليه أن وحدة الوجود . مع غمض النظر عن بطلان أدلتها . متفرعة على أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة ، وأنّ ماهيّات الممكنات ليست إلا منتزعة من حدود الوجود. وهذا خلاف ما يقضي به الفطرة السليمة من أنّ الأشياء الخارجيّة حقائق متباينة ، ومتعلّق جعل الجاعل . عزّ اسمه . هو الإنسان بما هو انسان ، والفرس بما هو فرس ، والشجر بما هو شجر ... ، لا وجود الأشياء (2)

تنبیه

عمدة ما استدلّ به من الآيات والروايات للقائلين بوحدة الوجود والموجود :

قوله تعالى : ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (3).

وفيه : أنه مبنی على كون المراد من نورها وجودها وثبوتها وكيانها ، وهو ممنوع

ص: 84


1- البحار 3 : 206 .
2- وفيما حرّره صديقنا الفقيد ، مشاركنا في أبحاثنا ، آية الله ميرزا جواد آغا طهراني 1 في كتابه « عارف و صوفی چه می گویند؟ » تلخيص ما استدلوا به على أصالة الوجود وما يرد عليهم. وأدلتهم مبتنية على مقدمات غير مسلّمة ، أو مصادرة على المطلوب.
3- النور 35 .

أشدّ المنع ، لقوة احتمال كون المراد منه ما به ظهور وجودها بعد وجودها وثبوتها وكيانها.

وقوله تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (1). بدعوى أنه من أجل أنه وجوده وثبوته .

وفيه : عدم انحصار الوجه بذلك ، فإنّ ذاته الأقدس المحيط به وبوجوده وثبوته هو الأقرب.

وقوله تعالى : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةِ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةِ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )(2)

وفيه : أنه مبني على كون الوجه أنّه بوحدته كل الأشياء وليس هو شيئا من الأشياء ، وهو ممنوع ، فإنّ المعيّة تقتضي الغيريّة الحقيقية لا الغيريّة الاعتبارية ، بل هو . كما في ما قبله وما سيجيء من الروايات . على خلاف مطلوبهم أدلّ.

ومنه : ما عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم : خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليه من نوره (3) .

وفيه : أنّه مبني على كون المراد من رش النور ظهوره بالوجود. وهو ممنوع ، فإنّ الخلق بمعناه الحقيقي مساوق للوجود والثبوت ، ولفظة « ثم » ظاهرة في تأخر الرش عنه ، فهو في إرادة تحميل العلم الذي هو حقيقة النور على الخلق المظلم ذاتا . كما هو حقيقة كل مخلوق . أظهر .

ومنه : ما عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم : أنّه فوق كل شيء ، وتحت كل شيء ، قد ملأكل شيء عظمته ، فلم يخل منه أرض ولا سماء ، ولا برّ ولا بحر ، ولا هواء (4).

وعنه صلی الله علیه و آله و سلم: لو أدليتم بحبل على الأرض السفلى لهبط على الله (5) .

وفي الأسفار قال موسى : أقريب أنت فأناجيك ، أم بعيد أنت فأناديك ، فإني أحس حسن صوتك ولا أراك فأين أنت ؟ فقال الله : أنا خلفك ، وأمامك ، وعن يمينك وشمالك

ص: 85


1- ق : 16 .
2- المجادلة : 7.
3- سنن الترمذي 4 : 135 ، وفيه : ثم ألقى عليه من نوره ، وللحديث تتمة.
4- الأسفار 6 : 142 .
5- الأسفار 6 : 142 .

أنا جليس عند من يذكرني ، وأنا يذكرني ، وأنا معه إذ دعاني (1) .

وعن علي صلوات الله عليه : ... وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة ... هو هاهنا ، وهاهنا ، وفوق ، وتحت ، ومحيط بنا ، ومعنا ... (2)

وعنه صلوات الله عليه : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه (3)

وعن موسى بن جعفر صلوات الله عليه في دعائه : وملأ كل شيء نورك (4) . بدعوى أن مصحح تلك : العبارات كونه تعالى وجود تلك الأشياء.

وفيه : أنّها تدل على استيلائه وإحاطة ذاته على جميع الأشياء بما لها من الوجود ، لا على أنه وجودها.

ومنه : ما عن الصادق صلوات الله عليه : ... ليس بين الخالق والمخلوق شيء ... (5)

بدعوى أن نفي الشيء بين الخالق والمخلوق ليس إلا من جهة كونه وجود المخلوق ، فإنّه الذي ليس بينه وبين الماهية شيء.

وفيه : أنّها مبنية على كون المراد من المخلوق الماهية الاعتبارية الاصطلاحية ، وهو ممنوع ، فإنّ المخلوق ومتعلق الجعل البسيط هو الأمر القائم ذاته بخالقه ، وواقعيته وكيانه لا يوجب فصل شيء بينه وبين الخالق القائم عليه وعلى كل شيء ، بل هو على خلاف ما استدلوا به أدلّ.

ومنه : ما في دعاء عرفة : فأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات ، وانكشفت به الظلمات (6).

وفيه : أيضا أنه مبني على كون المراد من النور وإشراق السماوات والأرض به كيانها

ص: 86


1- الأسفار 6 : 142.
2- الكافي 1 : 129 .
3- نقله في الأسفار 1 : 117 ،بتفاوت.
4- جمال الأسبوع.
5- البحار 4 : 161 ، عن التوحيد.
6- البحار 98: 220 .

وتحققها مقيدا ، وهو ممنوع ، كما مرّ ، بل هو على خلافه أدلّ ، كما يظهر بالتأمل .

ومنه : ما في هذا الدعاء : كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ! (1) بدعوى أنّ ظهوره هو وجوده ، وصريحه أن الظهور لك لا لغيرك.

وفيه : إمكان أن يكون المراد أنّ وجود الغير المفتقر إلى الله تعالى ، ليس له بنفسه ظهور حتى يكون هو المظهر له تعالى من أجل أنّه آية له بل ظهور وجود الغير إنّما هو به تعالى ، فهو المظهر لوجود الغير الذي هو آية له تعالى ، والمظهر لنفسه تعالى أيضا من أجل أنه ذو الآية.

ومنه : ما فيه أيضا : تعرّفت إلي في كل شيء ، فرأيتك ظاهرا في كل شيء بدعوى أن كونه ظاهرا في كل شيء من جهة أنه وجود كل شيء.

وفيه : ما مرّ من إمكان كون المراد هنا أيضا ظهور ذي الآية بالآيات الموجودة بحكم العقل ، نظير ما في الحديث : جعل الخلق دليلا عليه فكشف به عن ربوبيته(2).

وفي الحديث المروي عن ثامن الأئمّة صلوات الله عليه : فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى ، لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت ، وفيه من آثاره ما يغنيك (3)

فمع هذا الاحتمال لا يكون دليلا على قولهم.

ومنه : ما عن النبي صلوات الله علیه : أصدق شيء قاله شاعر كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل (4). بدعوى أن بطلانه من جهة أنّه ليس لشيء وجود إلا وجود الحق ، والماهيات امور اعتبارية باطلة.

وفيه : أوّلا : أنّ ظاهر كلامه كما يشهد به قوله :

وكل نعم سيم لا محالة زائل

وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفرّ منها الأنامل

ص: 87


1- البحار 98: 225 ، عن الإقبال.
2- البحار 4 : 253 ، عن الاحتجاج عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه .
3- التوحيد 189 ، العيون 1 : 149 ، البحار 4 : 178 .
4- صحيح البخاري 5 : 53 .

أنه بيان عدم ثبات الدنيا ونعيمها ، وأنها سيبطل ويزول ، كما في قوله :( كُل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ) (1) . فهو أجنبيّ عن مسألة التوحيد.

وثانيا : كون ما خلا الله باطلة الذوات لكونها حادثة قائمة بالغير لا يستلزم كون وجودها وجود الحق ، أي تطوّره بها ، بل لمكان استحالة ذلك عقلا لا يمكن أن يكون مورد تصديق النبي الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم .

ومنه : قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم الذي رواه أمير المؤمنين صلوات الله علیه في دعاء الصباح : يا من دلّ على ذاته بذاته (2). بدعوى أنّ المخلوق دالّ على خالقه. فكونه دالاً بذاته على ذاته ليس إلا من جهة أن وجود المخلوق هو وجود الخالق بعينه مقيدا.

وفيه : أن قوله : « وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته » قرينة على عدم إرادة هذا المعنى ، فالظاهر كونه إشارة إلى معرفة حقيقية من غير طريق الآيات، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

ومنه : قوله صلوات الله عليه : مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة(3)

بدعوى أن نفي المقارنة والمزايلة مع إثبات المعية والغيرية ليس إلا من جهة أنّ غيره لا وجود له إلاّ بالاعتبار.

وفيه : أنّ لفظ المعيّة والغيريّة ظاهر في الغيريّة الحقيقية ، فمعنى نفي المقارنة نفي كونهما في رتبة واحدة ، ومعنى نفي المزايلة نفي البينونة العزلية.

وعمدة ما استدلّ به لذلك من طريق البرهان العقلي

بزعمهم أنّه لو لم نقل بذلك . أي أن ذات الحق وحقيقة الوجود سار إلى مرتبة وجود الأشياء . بل كان لها وجود أيضا ، لزم نقص ذاته تعالى وتحديده بعدم وجود الأشياء ، فكماله واجديّة ذاته لجميع مراتب ثبوت الأشياء ووجودها. فلذا قالوا بأنّ الكثرة منطوية في ذلك الموجود الواحد بالوحدة الشخصية ، وهذا الموجود الواحد سار في جميع الأشياء ، بمعنى كونه عين الكثير من غير

ص: 88


1- القصص 88 .
2- البحار 94 : 243 ، عن اختيار السيد ابن باقي.
3- نهج البلاغة ، الخطبة : 1.

حلول واتحاد ، لأنهما فرع الاثنينية ، وهي خلف. فلذا ليس في الدار غيره ديار ، وفاعليته وخالقيته عندهم ليست إلاّ تجلّيه بالأسماء والصفات، وبالوجودات الخاصة التي هي عين ذاته فهو الذي يرى رؤية العيان.

ويؤوّلون قوله صلوات الله علیه في خطبته : فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى (1) . بأنّه قال ذلك لمن لا يعرف الأشياء بأنّها عين ذاته الظاهرة فيها ، وإلا فلا يدرك أحد شيئا إدراكا بسيطا إلا إيَّاه. كما صرّح به ملا صدرا بأنّ كل ما ندرکه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات ، فمن حيث هويّة الحق هو وجوده (2)

والجواب عنه : أنّ النقص إنّما يلزم إذا كان له شريك في الشيئية الحقيقية القائمة بذاته وحقيقة النور الحقيقي الأزلي الأبدي الذي هو عين الحياة والقدرة وغيرهما من الكمالات بلا تركيب . وأما الشيء الذي شيئيته وواقعيته بالغير القائم ذاته بالغير ، المتحقق بمشيئة الغير ، الحادث بالحدوث الحقيقي ، الفاقد ذاتا للحياة ولجميع الكمالات ، الذي حياته وعلمه وقدرته بواجديته لتلك الأنوار بإذن ربّه وربّها ، ومالكه ومالكها ، وبمشيئته . كما هو حقيقة كل مخلوق . فما هذه حقيقته فهو حقيقة ناقصة فقيرة ذاتا وكمالا ، وكماله تعالى تنزّهه عن تنزله إلى رتبتها ، وتشوّنه وتطوّره بها ، أو رجوعها ووصولها إلى ذاته وفنائها فيه بل محال ذلك ذاتا ، للمباينة الذاتية بينهما .

فتحديده تعالى إنما يلزم إذا كان لغيره وجود من سنخ هذا الوجود الذي هو عين النور الأزلي الأبدي ، أو كان زمان أو مكان خاليا . أي منعزلا . عنه. وأمّا الشيء القائم ذاته به ، المحتاج في كماله وبقائه إليه ، مع إحاطته به ظاهرا وباطنا ، وعدم البينونة بالبينونة العزلية بينه وبينه فليس وجوده موجبا لتحديد ذاته المتعالي عن أوصافه.

توضيح الجواب بعبارة اخرى : يمتنع كون الموجود في دار التحقق حقيقة واحدة وموج-ودا واحدا ، بل الموجود سنخان متباينان ، وحقيقتان مختلفتان :

أحد السنخين : المتحقق بذاته المستقل في ذاته ، الشيء بحقيقة الشيئية والواقعية

ص: 89


1- البحار 4 : 288 ، عن التوحيد.
2- راجع ص 76 .

والنور الحقيقي الأزلي الأبدي ، أحدي الذات ، عين جميع الكمالات من العلم والحي-اة والقدرة ونحوها ، بلا تركيب فيه ولا شبيه له ، ولا ثاني ولا عدل.

والثاني : سنخ آخر غير السنخ المذكور ، أي شيء بالغير ، قائم ذاته بذلك الغير ، وما هو كذلك مباين لما هو شيء بذاته وقائم بنفسه.

إنّه شيء صار شيئا بالغير لا من شيء ، وحيث إنّه لا من شيء فهو غير مترشّح ولا متنزّل عن ذلك الغير ولا عن شيء آخر ، وحيث إنّه لم يكن ثم كان فهو حادث بالحدوث الحقيقى ، وما هو كذلك مباين للذات الأزلي .

وحيث إنّه مظلم ذاتا فهو يتنوّر بنور العلم تارة ، ويرجع إلى ما كان عليه من الظلمة الذاتية أخرى ، ثم يتنور ، وهكذا.

ويظهر ما ذكرنا من ملاحظة أن من أشرف هذا السنخ الثاني : الذات الإنساني ، فإنّا نجد أنفسنا أنّها كذلك ، ننام فلا نشعر بشيء حتى في المنام ثم نستيقظ ، يغشى علينا ثم نفيق ، ننسى ما كنا عالمين به ثم نذكر فيكون علمنا إنّما هو بوجداننا نور العلم ، وجهلنا بفقداننا إياه ، وإن لم نعرف كيفيّة هذا الوجدان والفقدان. وظاهر أنّ ما هو مظلم ذاتا مباين لما هو نور ذاتا. ثم إنّ الكثرة والاختلاف والتركيب والمعروضية للعوارض المحسوسة بالحواس الظاهرة والباطنة إنما هي في هذا السنخ الثاني ، وظاهر أن ما هو كذلك مباين لما أحديّ الذات ، فيظهر أنّ ما هو من السنخ الثاني يمتنع دخوله في صقع الأمر الأوّل مهما بلغ من العلم والكمال ، ولا يمكن أن يكون مشابها له أيضا.

وقد مرّ ما عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في دعاء الصباح : وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته (1) .

وعن أبي جعفر صلوات الله عليه : إنّ الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكل ما وقع عليه اسم « شيء » ما خلا الله عزّ وجلّ فهو مخلوق (2) .

وعن عليّ صلوات الله عليه : ... توحيده تمييزه عن خلقه ، وحكم التمييز بينونة

ص: 90


1- راجع ص 87 .
2- البحار 3 : 263 ، عن التوحيد.

صفة لا بينونة عزلة ، إنّه ربّ خالق غير مربوب مخلوق ... (1)

وعنه أيضا صلوات الله عليه : مباين لجميع ما أحدث في الصفات (2)

وعنه أيضا صلوات الله عليه : ... وما زال ليس كمثله شيء عن صفة المخلوقين متعاليا ، وانحسرت الأبصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا ، وبالذات التى لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا ...(3)

وعن الصادق صلوات الله عليه : من شبّه الله بخلقه فهو مشرك ، إنّ الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وكلّ ما وقع في الوهم فهو بخلافه (4)

وعن ثامن الائمة صلوات الله عليه : ... فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إياه وحد من اكتنهه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا به صدّق من نهاه ، ولا صمد صمده من أشار إليه ، ولا إياه عنى من شبهه ... فقد جهل الله من استوصفه ... فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه. الخبر (5)

وفي البحار عن أمالي الشيخ مسندا عن محمد بن سماعة ، قال : سأل بعض أصحابنا الصادق 7 فقال له : أخبرني أي الأعمال أفضل ؟ قال : توحيدك لربّك ، قال : فما أعظم الذنوب؟ قال : تشبيهك لخالقك (6). وعن التوحيد مسندا عن البزنطي عن محمد بن حكيم ، قال : وصفت لأبي إبراهيم 7 قول هشام الجواليقي وحكيت له قول هشام بن الحكم أنّه جسم ، فقال : أيّ فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو بصورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (7)

ص: 91


1- البحار 4 : 253 ، عن الاحتجاج.
2- البحار 4 : 222 ، عن التوحيد.
3- البحار 4 : 275 ، عن التوحيد.
4- البحار 3 : 299 ، عن التوحيد.
5- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد والعيون.
6- البحار 3 : 8 .
7- البحار 3 : 303 ، عن التوحيد.

تنبیه

ليس فعله تعالى وفاعليته بالرشح والفيضان من ذاته القدوس ، ولا بالتطوّر والتشوّن ذاتا المسمّى اصطلاحا بالتجلّي الذاتي ، فإنّهما من التغير المنفي عنه تعالى عقلا ، كما نبه عليه ثامن الأئمة صلوات الله عليه بقوله : لا يتغير الله بانغيار المخلوق ... (1) .

مضافا إلى أن الأوّل منهما من الولادة المنفية عنه عقلا.

كلام في التجلّي والمكاشفة

ما ورد من نسبة التجلّي إليه تعالى في القرآن الكريم (2) ، وكلمات المعصومين (3) ليس بمعنى تجلي الوجود المطلق ذاتا بمفهوم الأسماء والصفات ، كالعالم والقادر ونحوهما ، أو تجليه بالوجودات المقيدة خارجا ، كما زعموا ، فإنّ التجلي على أنحاء : الأوّل : تحلى الشيء وظهوره حسّا بعد خفائه ، كتجلّي الشمس أي ظهورها من الافق.

الثاني : تجلّي العلة بمعلولها الذي يتولد ويترشح منها ، كتجلي الشمس بنورها المنتشر في الفضاء وعلى وجه الأرض.

الثالث : تجلي الحقيقة الواحدة بأطوارها ، كتجلي الماء تارة بصورة البحار ، وأخرى بصورة الموج ونحو ذلك. وكتجلي مادّة عالم الأجسام بما لها من الخصوصيات التي جعل الله فيها بصورة الأصناف المخلوقة منها. وربّما يمثل له بتجلي حقيقة الوجود بالوجودات والأكوان الخاصة ، كما هو مقال الموسومين بالشامخين من الصوفية.

الرابع : تجلي الصانع بمصنوعاته ، وبما أبدع وعمل فيها من اللطائف والصور وغيرها ، فإنّ وجوده وعلمه وقدرته وحكمته وسائر كمالاته تتجلى بها ، ويكون ما صنعه وما أبدع فيه آيات له ولكمالاته.

ص: 92


1- راجع الهامش 5 من الصفحة 90 .
2- الأعراف 143.
3- سيأتي بعضها في ص 92 ، 93 .

والثلاثة الاولى بجميع معانيها منفية عن الحق المتعالي ، أما الأوّل فواضح. وأما الثاني فلأنه الولادة المنفية عنه تعالى عقلا وكتابا وسنة ، كما ذكرنا وأما الثالث فلأنّ مرجعه إلى التغيّر الذي هو من صفات المصنوع المنزه عنها الذات القدّوس الأزلي الذي ليس بمصنوع. والأمر واضح في المثالين الأولين للمعنى الثالث. وأما في المثال الثالث فللمباينة الواضحة بين سنخ الوجود المبدع لا من شيء وبين الذات الأقدس الذي هو الشيء بحقيقة الشيئية ، والموجود بذاته لا بالغير.

مضافا إلى أنّ الوجود المصنوع . كما مرّ مرارا . مظلم ذاتا ، محتاج في ظهوره إلى العلم الذي هو حقيقة النور . كما هو المشهود بعد التذكر . وتطوّر الشيء بما هو مباين له ذاتا محال . مضافا إلى تنزهه تعالى عن التطور مطلقا ، لكون مرجعه إلى التغير ، ولا أقل من كونه من الانقسام الوهمي الذي أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه في معنى الواحد : لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (1) .

وأشار إليه الإمام الرضا صلوات الله علیه بقوله : ... ويوحد ولا يبغض ... (2)

وأشار إليه أيضا في خطبته : ولا إيّاه وحد من اكتنهه (3).

فكل ما نسب إليه تعالى من التجلي ، كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكَّا )(4)

وفي خطبة النبي صلوات الله علیه : فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى (5)

وفي خطبة الرضا صلوات الله عليه : بها تجلّى صانعها للعقول (6).

وفيها : متجل لا باستهلال رؤية.

وفي نهج البلاغة : فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه (7) .

ص: 93


1- البحار 3 : 207 ، عن التوحيد. وتقدّم الخبر بتمامه في ص 82 ، 83.
2- البحار 3 : 297 ، عن التوحيد.
3- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد.
4- الأعراف : 143 .
5- البحار 4 : 287 ، عن التوحيد.
6- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد والعيون.
7- الخطبة 147 وروي بهذا المضمون عن الصادق 7 كما في البحار 92 : 107 ، عن أسرار الصلاة.

وفي دعاء السمات : وبمجدك الذي تحليت به لموسى كليمك صلوات الله علیه في طور سيناء ، ولإبراهيم صلوات الله علیه خليلك من قبل في مسجد الخيف ، ولإسحاق صفيّك صلوات الله علیه في بئر شيع ، وليعقوب نبيّك صلوات الله علیه في بيت ايل(1) .

فهو إما من القسم الرابع ، كما في نهج البلاغة : بها تجلى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون (2) . وكما في البصائر في رواية عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : إنّ موسى لما أن سأل ربّه ما سأل أمر واحدا من الكروبيين فتجلّى للجبل فجعله دكا (3).

وعن العيون في رواية عن أبي الحسن الرضا صلوات الله عليه : ... فلمّا تجلّى ربّه للجبل بآية من آياته جعله دا وخرّ موسى صعقا ... (4)

وعن التوحيد في حديث طويل عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : فأبدى الله جل ثناؤه بعض آياته وتجلى ربنا تبارك للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخرّ موسى صعقا ... (5).

وإما تجل خاص لقلب المؤمن في شدائده ، وفي صلواته ، وعند قراءة القرآن ، وفي دعواته وسائر عباداته ، وغير ذلك من أحواله في بعض الأحيان ، لطفا منه على عبده المؤمن ، بل قد يتفق للمشرك والكافر أيضا في بعض شدائده وورطاته ، إتماما للحجة عليه ، كما نبه عليه قوله تعالى : ( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (6) . وغير ذلك من الآيات التي يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

وللقائلين بوحدة الوجود والموجود دليل آخر وهي المكاشفة ، وربّما يعبّر عنها بالواقعة ، المفسرة بالامور العينية التي يراها الإنسان بين اليقظة والنوم ، ومرادهم منها كما يظهر من مكاشفات محيى الدين بن عربي على ما في « الفتوحات المكية » (7) واللاهيجي

ص: 94


1- مصباح المتهجد : 375.
2- نهج البلاغة ، الخطبة 186.
3- بصائر الدرجات 69 ، وعنه البحار 13 : 224 .
4- العيون 1 : 201 ، عنه البحار 13 : 218 ، عن العيون والتوحيد والاحتجاج.
5- التوحيد 263 ، وعنه البحار 93 : 135.
6- العنكبوت 65 .
7- الفتوحات المكية 1 : 898 .

فی «شرح گلشن راز » (1) ليست إلا ما يراه النائم في المنام ، أو فيما بينه وبين اليقظة ، ولا اعتبار لهما لا عقلا ولا شرعا ، لاحتمال كونها من أضغاث الأحلام التي منها إلقاءات الشياطين ، ولا سيما إذا كان في أوّل المنام وفي آخره حين تردّ الروح إلى جسدها ومنها ما يحدّث به الإنسان به نفسه في اليقظة فيراه في نومه ، كما يتفق ذلك لبعض كثيرا.

ففي البحار عن الكافي بسنده عن أبي بصير ، قال : قلت : لأبي عبد الله صلوات الله علیه : جعلت فداك ، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد ؟ قال : صدقت ، أمّا الكاذبة المختلفة يراها الرجل في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة ، وإنما هي شيء يخيّل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة لا خير فيها ، وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثین من الليل مع حلول الملائكة . وذلك قبل السحر . فهي صادقة لا تختلف إن شاء الله ، إلا أن يكون جنبا أو يكون على غير طهر أو لم يذكر الله حقيقة ذكره فإنّها تختلف وتبطئ على صاحبها (2).

وفيه عن الدر المنثور عن سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال : العجب من الرؤيا الرجل! إنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال فيكون رؤياه كأخذ باليد ، ويرى الرجل الرؤيا فلا يكون رؤياه شيئا. فقال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين ؟ إن الله يقول : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (3) . فالله يتوفى الأنفس كلها ، فما رأت عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأت إذا ارسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها.

فعجب عمر من قوله (4)

وعنه أيضا عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله صلوات الله علیه : الرؤيا على ثلاثة : منها تخويف من الشيطان لیحزن به ابن آدم ، ومنها أمر يحدّث به نفسه في اليقظة فيرى في

ص: 95


1- مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز : 76 ، 91 ، 96 ، 228 ، 346 ، 370 ، 405، 621 .
2- البحار 61 : 193 ، عن روضة الكافي.
3- الزمر 42 .
4- البحار 61 : 193.

المنام ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة(1)

أقول : وإن كان مقتضى النبوي وروايات أخرى أنّ بعضها جزء من النبوة ، إلاّ أنّها تختص بالمؤمن ، فلا اعتبار بما يراه مثل ابن عربي الذي يعد من رجال الله جماعة منهم الأقطاب ... ومنهم من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل ( الذي أمر بهدم قبر الحسين صلوات الله علیه ، وهدم ما حوله من الدور لعمل المزارع ، ومنع الناس من زيارته ) (2) ... ومنهم الرجبيون وهم أربعون نفسا في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون ، وهم رجال حالهم القيام بعظمة الله ... إلى آخر كلامه (3) .

اقول : الرجبيون هم الذين يحكي ابن عربي عن بعض أوليائهم أنه كان يرى الروافض في كشفه خنازير ، ثم قال : وهي العلامة التي جعل الله في أهل هذا المذهب (4)

انتهى .

ولا اعتبار أيضا بما صدر من مثل اللاهيجي الذي حدث نفسه ولقنها في اليقظة بوحدة الوجود والموجود فرأى في المنام ما يناسبه (5) ، كما في النبوي المتقدم ذكره ، ويحتمل كونه مما أراه الشياطين مناسبا لما اعتقد به ، لتثبته على ما اعتقده من الضلال الذي استحقه هو وأمثاله برجوعهم في الأمر الخطير إلى من لا يجوز الرجوع إليه.

ثم على فرض انكشاف امور غيبيّة في حال اليقظة من طريق العين أو الأذن أو الإلقاء في القلب ولو في حال الذكر أو الخلسة فما الدليل . إذا وقع ذلك لغير المعصوم على أن الملقي ملك أو شيطان؟.

وقد اعترف القيصري بأنّ بعض المشاهدات والإلقاءات واقعي ورحماتي ، وبعضها

ص: 96


1- البحار 61 : 193.
2- راجع : الكامل لابن الأثير 7 : 55 .
3- الفتوحات المكية 1 : 6 ، 8 .
4- الفتوحات المكية 1 : 6 ، 8 .
5- راجع ص 94.

خيالي وشيطاني (1) ، ولذا قال بعضهم : إنّ الحقِّ من المكاشفات ما يصدّقه البرهان العقلي. وقد عرفت حال البراهين التي أقاموها على التوحيد بالمعنى المذكور.

فما هذه حاله كيف يجوز للعاقل أن يستند إليه في مهمات الأمور ؟ ! ( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) (2). كلام لملا صدرا في بيان مقصود العرفاء الشامخين ، أراد به تنزيههم عما قاله جهلة الصوفية ، من إنكار التحقق بالفعل للذات الأحدية المنعوتة عندهم بمقام الأحدية وغيب الغيوب ، وقولهم : المتحقق هي الوجودات المتعينة. أورده في المجلد الثاني من الأسفار : 345. فقال :

وهم وتنبيه : إنّ بعض الجهلة من المتصوفين المقلدين الذين لم يحصلوا طريق العلماء العرفاء ولم يبلغوا مقام العرفان ، توهموا . لضعف عقولهم ووهن عقيدتهم وغلبة سلطان الوهم على نفوسهم . أن لا تحقق بالفعل للذات الأحدية المنعوتة بألسنة العرفاء بمقام الأحدية وغيب الهويّة وغيب الغيوب مجردة عن المظاهر والمجالي ، بل المتحقق هو عالم الصورة وقواها الروحانية والحسية ، والله هو الظاهر المجموع لا بدونه . وهو حقيقة الإنسان الكبير والكتاب المبين الذي هذا الإنسان الصغير أنموذج ونسخة مختصرة عنه . وذلك القول كفر فضيح وزندقة صرفة لا يتفوّه به من له أدنى مرتبة من العلم. ونسبة هذا الأمر إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم افتراء محض وإفك عظيم يتحاشى عنه أسرارهم وضمائرهم. ولا يبعد أن يكون سبب ظن الجهلة بهؤلاء الأكابر إطلاق الوجود تارة على ذات الحق ، وتارة على المطلق الشامل ، وتارة على المعنى العام العقلي ، فإنهم كثيرا ما يطلقون الوجود على المعنى الظلي الكوني ، فيحملونه على مراتب التعينات والوجودات الخاصة فيجري عليه أحكامها ، انتهى.

أقول : تكفيره إياهم بذلك المقال حق ، إلاّ أنّ ما فرق به بين قول الشامخين وقول جهلة الصوفية لا يجدي في إخراج مقال الشامخين عن الفساد عقلا وفطرة ونقلا بالنقل

ص: 97


1- شرح الفصوص 1 : 81 ، 93 .
2- النور 40 .

المتواتر . كما سيأتي . : لأنّ مقال الشامخين الذي ارتضاه في غير واحد من كلامه ، منه ما نقلناه عنه سابقا من أنّ كل ما يقع عليه اسم الوجود بنحو من الأنحاء فليس إلا شأنا من شئون الواحد القيوم.

ومنه : أن جميع الموجودات عند أهل الحقيقة والحكمة المتعالية . عقلا كان أو صورة نوعية . مراتب أضواء النور الحقيقي وتجليات الوجود القيّومي الإلهي.

ومنه : كلامه الآخر الذي أنكر فيه العلية والمعلولية في الوجود.

ومنه : قوله بأنّ فاعليته تعالى بالتجلي ، ومنه قوله بأن ليس في الدار غيره ديار.

ومنه : ارتضاؤه بما قال ابن عربي في الفتوحات والفصوص ، بقوله في شأنه أنه لا يجازف في القول ، وغير ذلك من كلماته.

وبالجملة : لازم ذلك المقال أنّ مراده من أضواء النور الحقيقى هو المراتب الضعيفة من الوجود ، وكذا المراد من الوجود الظلي ، إذ مفروض كلامه أن لا واقعية لشيء سواه.

وهذا مما يخالفه العقل والفطرة والنقل المتواتر معنى.

أما عقلا فلأنّه ( مضافا إلى بطلان الأدلّة التي استدلوا بها على إثبات وحدة الوجود والموجود كما بيناه ) عين التغير المنفى عقلا عن الذات الأزلي ، كما أشار إليه صلوات الله عليه بقوله : لا يتغير الله بانغيار المخلوق(1) .

ولاستلزام القول به صحّة نسبة اللهو والعبث واللعب بنفسه إلى نفسه القدوس ( الذي نزهه عنها بقوله : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (2) . وبقوله : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً )(3) في جميع أفعاله من بعث الرسل وإنزال الكتب وما حوته من البشارة والإنذار ونحوهما. بل لازمه القول بأنّه الفاعل لكل فعل يقع في عالم الوجود وأنّه أيضا المفعول ، كما التزموا بذلك في نفس الإنسان الذي هو آية للعالم الكبير ، في قولهم فيه باتّحاد العقل والعاقل والمعقول.

ص: 98


1- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد والعيون.
2- الأنبياء 16 .
3- المؤمنون 115 .

فهل مقتضى قوله : ليس في الدار غيره ديار غير ما ذكرنا؟.

وأما فطرة فلأنه مخالف للمكاشفة الظاهرة التي تحصل للمؤمن والكافر في البأساء والضراء ، وقد حكم الله تعالى بصحتها في غير واحد من الآيات المباركات ، نحو قوله : ( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (1) . ومخالف أيضا للمكاشفة التي قد تحصل للمؤمن في بعض عباداته ودعواته ، حيث يترنّم فيها بقوله : أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت الربّ وأنا العبد ، وأنت المالك وأنا المملوك ... ، إلى غير ذلك من العبارات الحاكية طبعا أنّ المتكلم بها لا يرى نفسه جلوة من جلوات الحق المتعالي ، بل يراه غيره ، ولذا يتضرع إليه ويستغفر من ذنوبه.

وأمّا نقلا فلأنّ جميع الآيات المباركات . ولا سيّما نحو قوله : ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ) (2). و (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَها ) (3) ، تدلّ بدلالة الاقتضاء على غيريّة المنزل والمنزل إليه وفيه ، بالغيرية الحقيقية لا اعتبارية.

وكذلك الروايات المباركة الصادرة عن المعصومين المستفيضة . بل المتواترة معنى . الدالة على المباينة والمغايرة بمعناها الحقيقي بين الخالق والمخلوق ، والدالة على أنّ المخلوق خلق لا من شيء.

وخصوص قول أمير المؤمنين صلوات الله علیه في جواب الأعرابي الذي سأل عن معنى الواحد أنّه تعالى : لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (4) ، فهل تقسيم حقيقة الوجود إلى مقام الأحدية والواحدية وما دون ذلك خارج عن التقسيم ولو في الوهم كما ذكرنا ؟ وخارج عن قول الرضا صلوات الله عليه في خطبته : يوحّد ولا يبعض (5)وعن قول الإمام الباقر صلوات الله عليه : كلما ميز تموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مثلكم ومردود

ص: 99


1- العنكبوت 65 .
2- المائدة 64 .
3- النساء 56.
4- راجع ص 92 .
5- راجع ص 92 .

إليكم (1)، وغير ذلك مما يطول ذكره ؟

المعرفة الفطرية

وهذه بعض التذكرات الراجعة إلى معرفة الله تعالى ، المعبّر عنها بالمعرفة الفطرية ، والفرق بينها وبين المعرفة بالعقل والآيات ، فنقول :

المعرفة بالآيات مطلقا من طريق العقل ، بما لها من المراتب المتفاوتة . من جهة تفاوت الآيات ، وتفاوت مراتب الإرشاد إليها ، وتفاوت مراتب التدبر والتفكر فيها ، وتفاوت مراتب العقول المطبوعة في أفراد الإنسان كمالا ونقصا ، وتفاوت التأييدات الخاصة من الله تعالى . فإنّها وإن كان يطلق عليها المعرفة حقيقة ، إلا أنّ غاية هذه المعرفة حصول مجرّد التصديق والإيمان بوجود الصانع بما له من الكمالات من دون وجدان ووصول وعيان ، لامتناع الوصول والوجدان العلمي لنا بشيء إلا بإحدى المدارك الظاهرة أو الباطنة ، ومن طريق العلم والعقل وقد عرفت امتناع جميع ذلك بالنسبة إليه تعالى شأنه ، ولكنه أي الامتناع . إنّما كان إذا كان المعرف لذاته العلم .والعقل . وأمّا إذا كان المعرّف بالمعنى اللائق بذاته هو ذاته القدّوس لا العقل ولا العلم فإنّه لا دليل على امتناعه.

وحيث يظهر من الآيات والروايات المتواترة معنى ، ويشهد به الوجدان في بعض الأحيان وقوع تلك المعرفة عن إمكانه ، فلا محالة يكون الوجدان ، أو العرفان ، أو الوصول ، أو العيان . المعبر بها في تلك الروايات المباركة . بالنسبة إليه تعالى بأمر آخر ، لا بالمدارك الظاهرة أو التصور ، أو التوهم ، أو بالعلم والعقل.

أما الوجدان فهو الذي يظهر للإنسان عند البأساء والضراء والشدائد ، وحين الانقطاع عن جميع الأسباب ، فيدعو الربّ تعالى شأنه حينئذ ويتضرع إليه ، من غير إدراك شيء بالمدارك الظاهرة أو الباطنة.

وهذا يحصل للمؤمن والكافر ، وبه يتمّ الله الحجة على جميع خلقه. خلقه. وليس هذا من

ص: 100


1- الأربعين للشيخ البهائي 17.

طريق العقل والاستدلال بالآيات وإن كان العقل حاكما بوجوب التصديق والاعتقاد به عند حصول هذا العرفان والوجدان . بل يحصل هذا الوجدان وهذه المعرفة قهرا وقسرا ، عند الانقطاع عن جميع الأسباب ، وعند الوقوع في المهالك التي يغفل معه عن جميع الآيات وعن إعمال التعقل والتفكر ، وبعبارة اخرى بعد صحو جميع المعلومات الصحيحة ، ومحو جميع الموهومات الباطلة يظهر ويكشف للإنسان سبحات جلال الله ، كما هو محتمل الرواية المنسوبة إلى كميل بن زياد ، قال لأمير المؤمنين صلوات الله علیه : ما الحقيقة؟ فقال علي صلوات الله علیه : ما لك والحقيقة؟ قال : أولست صاحب سرك؟ قال : بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح مني ، قال كميل : أو مثلك يخيب سائلا؟! فقال علي صلوات الله علیه: الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال : زدني بيانا ، فقال صلوات الله علیه : محو الموهوم ، وصحو المعلوم. الحديث (1).

وقد أرشد إلى هذه الحقيقة وهذا الوجدان ، واحتج بها على الكفار والمشركين بالشرك الجلي أو الشرك الخفي في آيات مباركة من القرآن العظيم :

( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (2)

( وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلأَكُلُّ خَتَارٍ كَفُورٍ )(3)

( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً. وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً ) (4)

(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جَاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا

ص: 101


1- روضات الجنّات للخوانساريّ 6 : 62 ، عن رجال النيسابوري.
2- العنكبوت 65 .
3- لقمان 32 .
4- الإسراء 66 ، 67.

اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْنَا مِنْ هذِهِ لَتَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ ) (1) .

( قُلْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبِ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ) (2).

( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْتَرُونَ. ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )(3) .

( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ) (4) .

( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرَّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةَ مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) (5).

( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (6) .

( فَإِذا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْفَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (7) .

وبالتأمل فيها يندفع احتمال كون تلك الحالة من آثار الاعتقاد بالتوحيد الثابت بالعقل والآيات ، فإنّ مورد تلك الآيات هم المشركون بالشرك الجلي أيضا لا المعتقدون بالتوحيد فقط.

وحيث إنّ الآيات المتقدمة واضحة الدلالة على ما ذكرنا نكتفي في الروايات بذكر

ص: 102


1- یونس 22 ، 23 .
2- الأنعام 63 ، 64 .
3- النحل 53 . 55 .
4- الأنعام 41.40 .
5- الزمر 8.
6- يونس 12 .
7- الزمر 49 .

حديث يغنينا علوّ مضمونه عن التكلم في سنده ، وهو ما رواه الصدوق في التوحيد بسنده عن محمد بن القاسم الجرجاني المفسّر ، قال : حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد ، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيّار . وكانا من الشيعة الإمامية . عن أبويهما عن الحسن ابن علي بن محمد : في قول الله عزّ وجلّ : الله الرحمن الرحيم ، فقال : الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من دونه ، وتقطع الأسباب من جميع من سواه ، يقول : بسم الله ، أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له ، المغيث إذا استغيث والمجيب إذا دعى ، وهو ما قال رجل للصادق صلوات الله علیه : يا ابن رسول الله دلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر على المجادلون وحيّروني ، فقال له : يا عبد الله ! هل ركبت سفينة قط ؟ قال : نعم ، قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ، ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم ، قال : فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك ؟ قال : نعم. قال الصادق صلوات الله علیه: فذلك الشيء هو الله القادر على

الإنجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث.

... وقام رجل إلى علي بن الحسين صلوات الله علیه: فقال : أخبرني ما معنى بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال علي بن الحسين صلوات الله علیه: حدثني أبي عن أخيه عن أمير المؤمنين : : أنّ رجلا قام إليه فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرني عن بسم الله الرحمن الرحيم ما معناه؟

فقال : إنّ قولك : « الله » ، أعظم اسم من أسماء الله تعالى ، وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمّى به غير الله ، ولم يتسم به مخلوق .

فقال الرجل : فما تفسير قول : « الله » ، قال : هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه وتقطّع الأسباب من كل من سواه ، وذلك أنّ كل مترتّس في الدنيا ومتعظم فيها ، وإن عظم غناه وطغيانه ، وكثرت حوائج من دونه إليه ، فإنّهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم ، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته ، حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه .

أما تسمع الله عز وجل يقول : ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ

ص: 103

غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ) (1) . فقال الله جل جلاله لعباده : أيّها الفقراء إلى رحمتي إنّي قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال ، وذلّة العبودية في كل وقت ، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه ، وترجون تمامه ، وبلوغ غايته ، فإنّي إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم ، وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم ، فأنا أحق من سئل ، وأولى من تضرع إليه.

فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم : بسم الله الرحمن الرحيم ، أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا ، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، خفّف علينا الدّين ، وجعله سهلا خفيفا ، وهو يرحمنا بتميزنا عن أعاديه ...(2)

التجلّي الخاص منه تعالى في قلوب المؤمنين

نظير ما ذكرنا من المعرفة والتجلّي الخاص من الله تعالى في البأساء والضراء تحلّ منه تعالى أحيانا في قلوب المؤمنين عند قراءة القرآن وفي بعض عباداتهم وتوجّهاتهم إليه تعالى شأنه، يترتب عليه من لذة الانس والمناجاة مع ربّ العالمين ما لا يقدّر قدره ، ويكون أنموذجا لمراتب عالية منها تحصل للأولياء في الدنيا والآخرة ، كرامة من الله رفيع الدرجات فوق كراماته المادية التي أعدّها لأهل الجنّة. وقد تكون تلك اللذة مقرونة بالبكاء والتضرّع.

ولهذه المعرفة والتجلي مراتب كثيرة ، تارة من جهة شدّة الوجدان وضعفه ، وأخرى من جهة ما يجده العبد كمالات الرب تعالى شأنه وأوصافه التي هي عين ذاته ، فتارة يتجلّى في قلب الداعي المتضرع بوصف الرحمة والرأفة ، فيزيد في رجائه ، وأخرى بوصف كبريائه وعظمته وجبروته وكمال عدله فيزيد في خوفه ، وتارة بكلا الوصفين ،

ص: 104


1- الأنعام 41.40 .
2- التوحيد 230 ، وعنه البحار 92 : 233.

وأخرى بأنه أقرب إليه من حبل الوريد ، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأنّه يعلم السر وأخفى فيزيد في استحيائه وتضرّعه إليه ، وهكذا. كما ربما يلوح من قول الصادق صلوات الله عليه : إنّ أمر الله كله عجیب إلا أنه قد احتج عليكم بما قد عرفكم من نفسه (1)

ومن قول زين العابدين صلوات الله عليه : الحمد لله على ما عرفنا من نفسه وألهمنا من شكره (2). بناء على إرادة التبعيض من لفظة « من » ، كما يظهر من الخبرين الآتيين ، لا التبيين.

وفي التوحيد باسناده عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا صلوات الله علیه ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : لميا أسرى بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه جبرئيل قط ، فكشف لي فأراني الله من نور عظمته ما أحبّ (3) . وفيه عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمّد صلوات الله علیه : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع صلوات الله علیه يا أبا يوسف ، جل سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى.

قال : وسألته : هل رأى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ربّه ؟ فقال إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ (4) .

وفي التوحيد عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله علیه فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربّا لم أره ، قال : وكيف رأيته؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (5) .

وفيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله 7 : قال : قلت له : أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال : نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت : متى؟ قال :

ص: 105


1- الكافي 1 : 86.
2- الدعاء الأول من الصحيفة.
3- البحار 4 : 38 ، عن التوحيد.
4- البحار 4 : 43 ، عن التوحيد.
5- البحار 4 : 44 ، عن التوحيد.

حين قال لهم : « ألست بربكم قالوا بلى » ، ثم سكت ساعة ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك ، فأحدّث بهذا عنك؟ فقال : لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ، ثم قدّر أن ذلك تشبيه وكفر . وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبّهون والملحدون (1)

وفي مناجاة علي والأئمة من ولده صلوات الله عليهم في شهر شعبان : وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعز قدسك (2).

وفي دعاء عرفة للحسين بن علي صلوات الله عليهما : إلهي تردّدي في الآثار يوجب بعد المزار ، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك ... إلهي هذا ذلّي ظاهر بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ، منك أطلب الوصول إليك ، وبك أستدلّ عليك. فاهدني بنورك إليك ... إلهي حققني بحقائق أهل القرب ، واسلك بي مسلك أهل الجذب ... أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتى لم يحبّوا سواك ولم يلجئوا إلى غيرك ، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم ، ماذا وجد من فقدك؟! وما الذي فقد من وجدك ؟! لقد خاب من رضي دونك بدلا ، ولقد خسر من بغى عنك متحوّلا ... يا أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين ... أنت الذاكر قبل الذاكرين ، وأنت البادئ بالإحسان قبل توجّه العابدين ، إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك ، واجذبني بمنك حتى أقبل إليك (3).

فإنّه تعالى قد يتجلّى بصفة الرحمة ، وقد يتجلّى بصفة القهر ، وهكذا ، وتختلف حالات العبد باختلاف تلك التجليات.

وستجيء الروايات الكثيرة الدالّة على ما ذكرنا ، وفي بعضها التعبير عن هذا

ص: 106


1- البحار 4 : 44 ، عن التوحيد.
2- البحار 94 : 99 ، عن الإقبال.
3- البحار 98 : 225 ، عن بعض نسخ الإقبال.

الوجدان وهذه المعرفة بالمعاينة.

کتابجا بیجاری ويمكن الاستشهاد في هذا المقام بما روي عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه في الخطبة المروية عن الاحتجاج : هو بالدليل عليه ، والمؤدّي بالمعرفة إليه .(1) . فالفقرة الاولى إشارة إلى المعرفة بالآيات ، والثانية إلى معرفته بذاته تعالى.

تنبیه

تلك الخصوصيات من التجلّي على قلوب المؤمنين كما ذكرنا . إنّما تحصل في بعض الأحيان من غير اختيار ، كما أنّها تحصل للمؤمن والكافر عند الشدائد في بعض الأحيان أيضا ، وبها تتم حجّته على جميع خلقه ، كما مر .

ويناسب هنا ذكر روايتين :

فعن تحف العقول في رواية سدير عن الصادق صلوات الله عليه : تعرفه وتعلم علمه وتعرف نفسك به ، ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك ، وتعلم أنّ ما فيه له وبه ، كما قالوا ليوسف : أإنّك لأنت يوسف؟ قال : أنا يوسف وهذا أخي ، فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره ، ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب ... الخبر(2) .

وفي التوحيد عن أبي عبد الله صلوات الله عليه : من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك ، لأنّ الحجاب والمثال والصورة غيره ، وإنّما هو واحد موحد ، فكيف يوحّد من زعم أنه عرفه بغيره ، ، إنما عرف الله من عرفه بالله ، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شيء ... (3)

خالق الأشياء لا من شيء ولعلّ دون هذه المرتبة من المعرفة والوجدان الظاهر معرفة ووجدان يعبّر عنه بروح الإيمان لا يخلو منه المؤمن غالبا إلاّ في حال المعصية ، فإنّه يسلب عنه حينئذ ثم يعود ،

ص: 107


1- البحار 4 : 253 ، عن الاحتجاج.
2- تحف العقول 328.
3- التوحيد 192 ، وعنه البحار 4 : 161 .

كما دلّت عليه الروايات (1) .

وأضعف من هذه المرتبة ظهورا ما فطر كل إنسان عليه ، يعبّر عنه . لثبوته أو لغير ذلك . بالصبغة ، يظهره المؤمن بإيمانه ، ويكفر به الكافر ويسترده بجحوده .

وربّما يغفل عنه الإنسان بسبب التلقينات المضلة والمعاصي وإن كان موجودا ثابتا فيه ، ولعله المشار إليه بقوله تعالى : ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) (2)

وقوله تعالى : ( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةَ ) (3).

وقوله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: كل مولود يولد على الفطرة .(4)كما في رواية زرارة عن أبي جعفر صلوات الله عليه : يعني المعرفة بأنّ الله عزّ وجل خالقه (5)

وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم في قول الله عزّ وجل : ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) ، قال : فطرهم جميعا على التوحيد (6)

ورواية محمّد الحلبي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه مثله (7) .

ورواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله 7 ، قال : قلت : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) ؟ قال : التوحيد (8)

وستأتي روايات أخرى في ذلك إن شاء الله تعالى.

ص: 108


1- البحار 69 : 175 ( باب السكينة وروح الإيمان ) .
2- الروم 30 .
3- البقرة 138.
4- الكافي 2 : 13.
5- نفسه.
6- الكافي 2 : 12 .
7- الكافي 2 : 13.
8- الكافي 2 : 12.

تنبیه

أثر مفطوريتهم على معرفة الله تعالى وتوحيده . وقد دلّت عليها الروايات المتقدّمة . إنّما يظهر بعد هداية الله تعالى إيَّاهم ببعث الرسل والأنبياء واستيدائهم الميثاق الذي واثقهم به في العوالم السابقة ونسوه ، كما في الخطبة المباركة : وابتعث فيهم رسله ليست دوهم ميثاق فطرته ، ويذگروهم منسي نعمته (1) . ولا سيما إذا أخذوا بالبأساء والضرّاء ، وأما قبل ذلك فهم على الضلال وعلى نسيان العهد والميثاق ما لم يذكروا بما فطروا عليه ، كما تدل عليه رواية العياشي عن أبي عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم في آية : ( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) (2) . قال : كان هذا قبل بعث نوح ، كانوا أمة واحدة ، فبدا الله فأرسل الرسل قبل بعث نوح ، قيل : أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟ قال : بل كانوا ضلا لا ، لا مؤمنين ، ولا كافرين ، ولا مشركين (3) .

وفي رواية أخرى قال : وذلك أنّه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته. وذلك أنّ قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل ، فسار فيهم بالتقية والكتمان ، فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لم يبق على الأرض معهم إلا من هو سلف ، ولحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله ، فبدا الله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ... قلت : أفضلالا كانوا قبل النبيين أم على هدى؟ قال صلوات الله علیه لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله ، ولم يكونوا ليهتدوا حتى الله ، أما تسمع يقول إبراهيم صلوات الله علیه : ( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) (4) . أي ناسيا للميثاق (5).

وعن العلل عنه صلوات الله علیه : إنّ الله عزّ وجلّ خلق الناس على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ، ثم ابتعث الله الرسل إليهم يدعونهم إلى الإيمان

ص: 109


1- نهج البلاغة : الخطبة 1 .
2- البقرة 213 .
3- تفسير العياشي 1 : 104 ، تفسير البرهان 1 : 210 .
4- الأنعام 77 .
5- تفسير العياشي 1 : 104 ، تفسير البرهان 1 : 210 .

بالله حجة الله عليهم ، فمنهم من هداه الله ، ومنهم من ، ومنهم من لم يهده (1) .

اقول : الظاهر أن قوله : فمنهم من هداه الله ... ، الهدايات الخاصة.

منشأ المعرفة الفطرية

منشأ هذا العرفان المفطور عليه كل إنسان من آدم ومن بعده من أولاده وأولاد أولاده إلى يوم القيامة ، ومبدؤه ، هو : معرفة ذاته تعالى شأنه بذاته ووجدان العبد إياه وجدانا لائقا بذاته القدّوس حصلت لكل إنسان في عوالم سابقة واقعة قبل خلقة أبدانهم من أجزاء التراب ، المعبّر عنها في الروايات المباركات بالذرّ ، لكون بدن الإنسان فيها من جهة الصغر كالذرّ أو أصغر ، المشار إليها بقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (2) . وقبل ذلك في عالم الأرواح والأظلّة والأشباح ، المخلوقة قبل الأبدان الذرية.

وبالجملة : عرّفهم نفسه في تلك النشآت مرارا معرفة جليّة عبّر عنها بالرؤية ، المفسّرة بقولهم : لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، بل رأته القلوب بحقائق الإيمان ، فأثبتها في قلوبهم وأنساهم الرؤية.

وهذه المعرفة من الله تعالى التي ليس للعباد فيها صنع هي المحققة لموضوع العهد والميثاق الذي أشار إليه . على ما في بعض الروايات . بقوله تعالى :

( وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (3) .

( وَما وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ )(4) .

ص: 110


1- تفسير البرهان 3 : 263 .
2- الأعراف 172 ، 173.
3- الحديد 8.
4- الأعراف 102.

( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) (1)

( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (2) .

( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) (3)

( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ )(4)

( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) (5)

( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ) (6)

( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً )(7)

المفسرة بما يرجع إلى ما ذكرنا ، فراجع تفسير البرهان ونور الثقلين ، والصافي والقمي ، والعياشي.

أخذ الميثاق في عالم الأظلّة وعالم الذرّ

يظهر من مجموع روايات كثيرة بعد ضمّ بعضها إلى بعض أنّه تعالى خلق الأرواح قبل الأبدان ، وعبّر عنها بالأظلة والأشباح أيضا ، وأوجدهم الحياة والعقل ، ثم عرّفهم نفسه وكذا رسله وحججه . وهم أرواح . وأخذ منهم العهد والميثاق على ربوبيته ، وعلى نبوّة الرسول وخلافة الائمة الاثني عشر وولايتهم صلوات الله عليهم ، بعد إراءتهم إياهم إراءة حقيقية.

ثم بعد برهة من الزمان . قبل أن يخلق جسد آدم من التراب ، الخلق المعروف الذي أسجد له الملائكة بعد نفخ الروح فيه . خلق لكل روح بدنا ذريّا من التراب يخصها ، ثم تعلّقت الأرواح بتلك الأبدان ، ثم جدد التعريف وأخذ الميثاق ، ثم خلق جسد آدم الخلق

ص: 111


1- آل عمران 83.
2- الأنعام 110 .
3- الأعراف 101 .
4- الأنعام 28.
5- النجم 56 .
6- الجن 16 .
7- الدهر 1 .

المعروف المذكور آنفا المنطوي فيه بدنه الذري وجعل الأبدان الذريّة من ولده في صلبه ، ثم أخرجها من صلبه وأوجدها الروح والحياة ، ثم جدّد التعريف وأخذ الميثاق عنها مرة أخرى.

وبالجملة اختلاف الخصوصيات المذكورة في بعض الروايات إنّما هو لتعدد المواقف ، فلا وجه لما عن بعض المتأخرين لتضعيف الروايات على كثرتها من جهة اختلافها في الخصوصيات.

تنبيه

من فوائد التعريف وأخذ الميثاق مرّة بعد مرّة ، التأكيد في إتمام الحجة ، كما أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم البيعة من أصحابه مرتين. مضافا إلى أنّ كل تعريف من الله ، وكل طاعة أو عصيان من العبد موضوع لاستحقاق المدح والثواب ، أو الذمّ والعقاب ، فإذا لم تحصل للعبد الطاعة واقعا وطوعا في شيء منها كانت الحجة الله تعالى عليه في تبعيده عن رحمته أتم. وإنما يكشف عن ذلك يوم القيامة الذي هو يوم الجزاء ، وإن لم يظهر ذلك لنا في الدنيا ، كما أشار إليه في قوله تعالى : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ... ) (1) .

مضافا إلى أنّ العصيان الصادر عنهم في تلك النشآت . حيث إنّ الله لم يجعل لهم بعض الدواعي الموجودة في دار الدنيا . أوجب لاستحقاق الذم والعقاب ، فتكون الحجّة عليهم من هذه الجهة أيضا أتم ، كما تؤمئ إليه الآية المباركة ، وسيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى.

الأدلة النقلية على سبق خلقة الأرواح وأخذ الميثاق

ومما يدلّ على سبق خلقة الأرواح روايات كثيرة نقلت في الكافي ، ومعاني الأخبار ، وعلل الشرائع وبصائر الدرجات ، والاختصاص عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعن

ص: 112


1- الأعراف 172 ، 173 .

أمير المؤمنين ، والإمام الباقر والصادق صلوات الله عليهم.

منها : أن الأرواح خلقت قبل الأبدان بألفي عام ثم أسكنت الهواء.

ومنها : أنّ الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثم عرضهم علينا.

ومنها : أنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، ثم عرض علينا المحبّ من المبغض.

ومنها : خلق أرواح الشيعة قبل أبدانهم بألفي عام.

ومنها : قوله صلوات الله علیه : ما تقول في الأرواح أنّها جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف؟ قال [ الراوي ] : فقلت : إنّا نقول ذلك ، قال صلوات الله علیه : فإنّه كذلك ، إن الله عزّ وجل أخذ على العباد ميثاقهم وهم أظلة قبل الميثاق ... الخبر.

ومنها : أنّ الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هاهنا ، وما تناكر منها اختلف هاهنا ، والميثاق هو في هذا الحجر الأسود ... الخبر.

ومنها : أنّ الله تعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلّة قبل الميلاد ، فما تعارف من الأرواح ائتلف ، وما تناكر منها اختلف.

وغير ذلك من الروايات ، أوردها المجلسي ره ، لا بد لمن أراد التحقيق من الرجوع إليها (1) .

ويدلّ على ما ذكرنا . مضافا إلى ما مرّ . رواية العياشي عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر صلوات الله علیه : أرأيت حين أخذ الله الميثاق على الذرّ في صلب آدم فعرضهم على نفسه ، كانت معاينة منهم له ؟ قال : نعم يا زرارة وهم ذرّ بين يديه ، وأخذ عليهم بذلك الميثاق بالربوبية له ولمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم بالنبوة. ثم كفّل لهم بالأرزاق ، وأنساهم رؤيته ، وأثبت في قلوبهم معرفته ، فلا بد من أن يخرج الله إلى الدنيا كل من أخذ عليه الميثاق ، فمن جحد ما أخذ عليه الميثاق لمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم لم ينفعه اقراره لربّه بالميثاق ، ومن لم يجحد ميثاق محمّد صلی الله علیه و آله و سلم نفعه الميثاق لربه (2).

ص: 113


1- يلاحظ البحار 61 : 131 .
2- تفسير العياشي 1 : 181 ، وعنه البحار 5 : 254.

ورواية زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : وسألته عن قول الله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ) ... قال : أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذرّ ، فعرفهم وأراهم نفسه ، ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه ... الخبر (1)

ورواية علي بن معمر عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله عليه عن قول الله عزّ وجلّ : ( هذا نَذِيرٌ مِنَ النَّذْرِ الْأُولى ) (2) ، قال : إن الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذرّ الأوّل فأقامهم صفوفا ( قدامه ) (3) : بعث الله محمدا صلی الله علیه و آله و سلم ، فآمن به قوم وأنكره قوم ، فقال الله : ( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) ، يعني به محمّدا حيث دعاهم إلى الله عزّ وجلّ في الذرّ الأوّل (4)

ورواية الحسين بن نعيم الصحاف قال : سألت الصادق صلوات الله عليه عن قوله : ( فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) (5) . فقال : عرف الله عزّ وجلّ إيمانهم بولايتنا ، وكفرهم بتركها يوم أخذ عليهم الميثاق وهم ذرّ في صلب آدم (6)

ورواية جابر قال : سمعت أبا جعفر صلوات الله عليه يقول في هذه الآية : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً )(7). يعني من جرى فيه شيء من شرك الشيطان . ( عَلَى الطَّرِيقَةِ ) يعني: على الولاية ، في الأصل عند الأظلة ، حين أخذ الله ميثاق بني آدم ( لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً ) آدم ( لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ) يعني : لكنا وضعنا أظلّتهم في الماء الفرات العذب (8) .

قال العلامة المجلسي ره : وحاصل الخبر أنّ المراد بالآية أنهم لو كانوا أقروا في عالم الظلال والأرواح بالولاية الجعلنا أرواحهم في أجساد مخلوقة من الماء العذب ،

ص: 114


1- الكافي 2 : 12 ، البحار 5 : 258 ، عن تفسير العياشي.
2- النجم 56 .
3- ما بين القوسين موجود في البحار وليس في تفسير القمي.
4- البحار 5 : 234 ، عن تفسير القمي.
5- التغابن : 2 .
6- البحار 5 : 234 ، عن تفسير القمي.
7- الجن : 16 .
8- البحار 5 : 234 ، عن تفسير القمي.

فمنشأ اختلاف الطينة هو التكليف الأوّل في عالم الأرواح عند الميثاق (1)

وعن كنز الفوائد عن عبد الله بن حماد عن سماعة ، قال : سماعة ، قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله علیه يقول في قول الله عزّ وجلّ : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً ) : يعني :

لو استقاموا على الولاية في الأصل عند الأظلة حين أخذ الله الميثاق على ذرية آدم ، لاسقيناهم ماء غدقا ، يعني لأسقيناهم من الماء الفرات العذب (2) .

ورواية يحيي الحلبي عن ابن سنان قال : قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : أوّل من سبق من الرسل إلى بلي » رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وذلك أنّه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسرى به إلى السماء : تقدّم يا محمّد صلی الله علیه و آله و سلم فقد وطئت موطأ لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل. ولو لا أنّ روحه ونفسه كان من ذلك المكان لما قدر ذلك المكان لما قدر أن يبلغه ، فكان الله

من عزّ وجلّ كما قال الله : ( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) (3) أي بل أدنى . فلمّا خرج الأمر من الله وقع إلى أوليائه : ، فقال الصادق صلوات الله علیه : كان الميثاق مأخوذا عليهم الله بالربوبية ، ولرسوله بالنبوة ، ولأمير المؤمنين والائمّة : بالإمامة ، فقال : ألست بربكم ، ومحمّد صلی الله علیه و آله و سلم وأمير المؤمنين والأئمة الهادون أئمّتكم؟ فقالوا : بلى شهدنا ، ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ، أي لئلا تقولوا يوم القيامة ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذا غَافِلِينَ ) (4).

ورواية داود الرّقى عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لما أراد الله أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه ، ثم قال لهم : من ربّكم؟ فأوّل من نطق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين ، فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدّين ، ثم قال للملائكة هؤلاء حملة ديني وعلمي وامنائي في خلقي ، وهم المسئولون . ثم قال لبني آدم : أقروا الله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية ، فقالوا : نعم ربنا أقررنا ، فقال الله جل جلاله للملائكة : اشهدوا ، فقالت الملائكة : شهدنا على أن لا

ص: 115


1- البحار 5 : 235 .
2- البحار 24 : 28.
3- النجم 9 .
4- البحار 5 : 236 ، عن تفسير القمي.

يقولوا غدا : إنّا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا : إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذريّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون يا داود ، ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق (1)

وعن كشف الغمّة عن كتاب دلائل الحميري عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت عند أبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، فسأله محمّد بن صالح الأرمني عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى ) قال أبو محمد صلوات الله عليه : ثبتت المعرفة ونسوا ذلك الموقف ، وسيذكرونه ، ولو لا ذلك لم أحد من خالقه ولا من رازقه ، قال أبو هاشم : فجعلت أتعجب من نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه وجزيل ما حمله ، فأقبل أبو محمّد صلوات الله عليه عليّ ، فقال : الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم وأعظم ، ما ظنّك بقوم من عرفهم عرف الله ، ومن أنكرهم أنكر الله ، فلا مؤمن إلا وهو بهم مصدق وبمعرفتهم موقن؟(2)

وعن تفسير العياشي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهما ، قالا : إن الله أظلة ، فأرسل رسوله محمدا صلی الله علیه و آله و سلم ، فمنهم من آمن به ومنهم من كذبه ، ثم بعثه في الخلق الآخر خلق الخلق وهي فآمن به من كان آمن به في الأظلة ، وجحده من جحد به يومئذ ، فقال : ( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ )(3)

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى هبط إلى الأرض في ظلل من الملائكة على آدم وهو بواد يقال له الرّوحاء ، وهو واد بين الطائف ومكة ، قال : فمسح على ظهر آدم ثم صرخ بذرّيته وهم ذرّ ، قال : فخرجوا كما يخرج النحل من كورها، فاجتمعوا على شفير الوادي ، فقال الله لآدم : انظر ، ماذا ترى؟ فقال آدم: أرى ذرّا كثيرا على شفير الوادي. فقال الله : يا آدم ، هؤلاء ذريتك ، أخرجتهم من ظهرك لآخذ عليهم الميثاق لي بالربوبية ، ومحمّد صلی الله علیه و آله و سلم بالنبوّة ، كما آخذه عليهم في السماء. قال آدم : يا ربّ وكيف وسعتهم ظهري ؟ قال الله : يا آدم ، بلطف صنيعي ونافذ

ص: 116


1- البحار 5 : 244 ، عن علل الشرائع.
2- البحار 5 : 260 .
3- يونس 74 . البحار 5 : 259 .

قدرتي . قال آدم: فما تريد منهم في الميثاق ؟ قال الله : أن لا يشركوا بي شيئا ... الخبر (1)

قال المجلسي ره : هبط إلى الأرض أي هبط ونزل وحيه وأمره مع طوائف كثيرة من الملائكة. شبههم بالظلل في وفورهم وكثرتهم وتراكمهم. والظلل جمع الظلة وهي ما أظلّك من سحاب ونحوه ، وهذا مثل قوله تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْعَمامِ وَالْمَلائِكَةُ ) (2) . والمسح كناية عن شمول اللطف والرحمة ، انتهى(3).

وفي دعاء يوم الغدير : اللهم إني أسألك بأنّ لك الحمد وحدك لا شريك لك ... كما كان من شأنك أن تفضّلت عليّ بأن جعلتني من أهل إجابتك ، وأهل دينك وأهل دعوتك ، ووفّقتني لذلك في مبتدأ خلقي تفضلا منك وكرما وجودا ... إلى أن جدّدت ذلك العهد لي تحديدا بعد تجديدك خلقي وكنت نسيا منسيا ساهيا غافلا (4) .

ورواية الحسن بن الجهم ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا صلوات الله عليه يقول : قال أبو جعفر صلوات الله عليه : إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ... فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله عز وجل ملكين خلاقين ... ويكتبان الميثاق بين عينيه ، فإذا أكمل الله الأجل بعث الله ملكا فزجره زجرة فيخرج وقد نسي الميثاق ... (5)

ورواية الأصبغ بن نباتة عن عليّ صلوات الله عليه ، قال : أتاه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين

الله أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلّم أحدا من ولد آدم قبل موسى؟ فقال علي صلوات الله عليه : قد كلم الله جميع خلقه : برهم وفاجرهم ، وردّوا عليه الجواب. فثقل ذلك على ابن الكوّاء ولم يعرفه فقال له : كيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له : أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) ، فقد أسمعهم كلامه وردّوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله . يا ابن الكواء . : ( قالوا بلى ) ، فقال لهم : إنّي أنا الله لا إله إلا أنا ، وأنا

ص: 117


1- البحار 5 : 259 ، عن تفسير العياشي 2 : 218 / 73.
2- البقرة 210 .
3- البحار 5 : 259.
4- البحار 98: 298 ، عن الإقبال.
5- البحار 60 : 344 ، عن الكافي.

الرحمن ، فأقروا له بالطاعة والربوبية. وميّز الرسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم ، فأقروا له بذلك في الميثاق ، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك : شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين (1)

ورواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : كيف أجابوا وهم ذرّ؟ قال : جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه . يعني في الميثاق(2) .

قال العلامة المجلسي ره : أي تعلقت الأرواح بتلك الذرّ فجعل فيهم العقل وآلة السمع وآلة النطق ، حتى فهموا الخطاب وأجابوا وهم ذرّ (3)... انتهى.

وفي رواية عبد الله الفضل الهاشمي ، قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : لأيّ علة جعل الله الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلى في أرفع محل ؟ فقال صلوات الله علیه إنّ الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوّها متى ما تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزّ وجلّ ، فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدّر لها في ابتداء التقدير ، نظرا لها ورحمة بها ، وأحوج بعضها إلى بعض ، وعلّق بعضها على بعض ، ورفع بعضها على بعض ، ورفع بعضها فوق بعض درجات ، وكفى بعضها ببعض ، وبعث إليهم رسله ، واتخذ عليهم ججه مبشرين ومنذرين ، يأمرون بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالأنواع التي تعبّدهم بها ، ونصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الآجل ، ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ، ليرغبهم بذلك في الخير ويزهدهم في الشرّ ، وليذلّهم بطلب المعاش والمكاسب ، فيعلموا بذلك أنّهم بها مربوبون ، وعباد مخلوقون ، ويقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الأبد وجنة الخلد ، ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق. ثم قال صلوات الله علیه : يا ابن الفضل إنّ الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم .أنفسهم. ألا ترى أنّك لا ترى فيهم إلا محبا للعلوّ على غيره ، حتى إنّه يكون منهم من قد نزع إلى دعوى الربوبية ، ومنهم من نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها ،

ص: 118


1- البحار 5 : 258 ، عن العياشي .
2- البحار 5 : 257 ، عن العياشي .
3- البحار 5 : 257 .

ومنهم من نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها. وذلك مع ما يرون في أنفسهم من النقص ، والعجز ، والضعف والمهانة ، والحاجة ، والآلام ، والمناوبة عليهم ، والموت الغالب لهم والقاهر الجميعهم يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى لا يفعل لعباده إلا الأصلح لهم ، ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون(1) .

ومما يدلّ على ما ذكرنا روايات عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وابن مسكان عن زرارة عن أبي ، وابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، والبزنطي عن رفاعة عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وعمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه(2) .

قال العلامة المجلسي . ره . في باب الطينة والميثاق من بحار الأنوار ، بعد كلام الشيخ المفيد . ره . وما خطر بباله الشريف من الإشكال في المسألة : طرح ظواهر الآيات والأخبار المستفيضة بأمثال تلك الدلائل الضعيفة والوجوه السخيفة جرأة على الله وعلى أئمّة الدين. ولو تأملت فيما يدعوهم إلى ذلك من دلائلهم وما يرد عليها من الاعتراضات الواردة لعرفت أنّ بأمثالها لا يمكن الاجتراء على طرح خبر واحد ، فكيف يمكن طرح تلك الأخبار الكثيرة الموافقة لظاهر الآية الكريمة ، بها وبأمثالها؟! وسيأتي الأخبار الدالة على تقدّم خلق الأرواح على الأجساد في كتاب السماء والعالم ، وسنتكلم عليها ، (3) انتهى.

أقول : ولا ينافي ذلك جلالة الشيخ المفيد ره ، بل صدور مثل ذلك من مثله ثم كشف خلافه إنّما هو من الأدلة على أن من قامت الحجة القطعية على وجوب عصمته ينحصر في الرسول والإمام المنصوب بشخصه من قبل الله تعالى شأنه. ويحكى عنه ره نظير ذلك ، وهو حكمه بدفن حامل مع حملها. .

وقال أيضا في باب آخر في خلق الأرواح قبل الأجساد : اعلم أن ما تقدّم

ص: 119


1- البحار 61 : 133 ، عن علل الشرائع.
2- البحار 3 : 278 . 280.
3- البحار 5 : 267 .

من الأخبار المعتبرة في هذا الباب ، وما أسلفناه في أبواب خلق الرسول والأئمة : . وهي قريبة من التواتر . دلت على تقادم خلق الأرواح على الأجساد وما ذكروه من الأدلة على حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مدخولة ، لا يمكن ردّ تلك الروايات لأجلها (1).

أقول : وفي باب حدوث العالم (2) ، وباب تاريخ ولادة أمير المؤمنين صلوات الله علیه (3) ، وغير ذلك أيضا روايات كثيرة تدل عليه.

وفي باب علة استلام الحجر من كتاب الحجّ (4) ، وباب خلقة الأئمة : ، وباب ، وباب خلقة الأئمّة : ، وباب أخذ ميثاقهم من كتاب الإمامة (5)، وأبواب أحوال آدم من كتاب النبوة (6) ، وباب تسمية الجمعة (7) ، وباب تسمية أمير المؤمنين صلوات الله علیه (8) ، ورواية تحاكم محمّد بن الحنيفة وزين العابدين صلوات الله عليه إلى الحجر الأسود(9) ، وغير ذلك أخبار مناسبة لذلك ، رواها كثير من ثقات الأصحاب وفقهائهم ، فلا مجال للريب في صحة أسانيدها ، كما يظهر من ملاحظتها ، وعن طريق العامة أيضا روايات بمضمونها أوردها في البحار.

وروايات الفريقين متفقة على ثبوت عالم الذرّ وسبق خلقة الإنسان ، ولا وجه لرفع اليد عنها أو التأويل فيها بعد عدم الاختلاف في رواياتنا في ثبوت ذلك العالم.

ويؤيّد المطلب وجود الاختلاف فيه بين علماء العامة أيضا ، فلو كان الأئمّة صلوات الله عليهم مخالفين للقول بثبوته لصدر عنهم ما يدل على خلافه ، كيف والروايات متفقة ظاهرة الدلالة عليه ، غير قابلة للتأويل والتوجيه ، إلا أن يلتزم بأنهم صلوات الله عليهم

ص: 120


1- البحار 61 : 141.
2- البحار 57 .
3- البحار 35 .
4- البحار 99 : 216 .
5- البحار 25 .
6- البحار 11 .
7- البحار 58 : 386 ، عن الكافي.
8- الكافي 1 : 412 .
9- البحار 46 : 111 ، عن الاحتجاج والبصائر والاختصاص.

لم يكونوا في مقام الهداية والتعليم ، بل كانوا في مقام الإلغاز الموجب للضلالة ، جلّت ساحة قدسهم عن ذلك.

وعمدة ما أوقع بعض الأكابر في التشكيك فيه بل الإنكار شبهات أثارها بعض المذاهب الفلسفية ومقالاتهم في كيفية الخلقة ، وإلا فمن أمعن النظر في ما ورد عن الأئمّة صلوات الله عليهم في كيفية الخلقة لم يبق له أية شبهة في إمكان ما دلّت عليه الروايات المذكورة ، ويمنعه ذلك عن ردّ رواية واحدة ، فضلا عن ردّ جميعها ، بما لكثير منها من صحة السند ووضوح الدلالة ، كما مرّ. وستجيء خلاصة منها بعد ذكر الإشكالات والجواب عنها ، إن شاء الله تعالى.

ثبوت الطاعة والعصيان قبل هذه الدنيا

يظهر من بعض الروايات أنّه تعالى ابتلاهم أيضا واختبرهم في مبتدأ الخلق قبل ابتلائهم في هذه الدنيا ، بأن أجج نارا فأمرهم بدخولها ، فدخل فيها قوم وصارت عليهم بردا وسلاما ، ولم يدخلها آخرون ، فرتب الله تعالى على تلك الطاعة والعصيان آثارا في طينتهم وفطرتهم توجب التوفيق والخذلان في الدنيا.

ففي رواية زرارة عن أبي جعفر صلوات الله عليه : لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، فقال : إنّ الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي. وقال : كن ماء ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي. ثم أمرهما فامتزجا. فمن ذلك صار يلد المؤمن كافرا ، والكافر مؤمنا. ثم أخذ طين آدم من أديم الأرض فعركه عركا شديدا ، فإذا هم في الذرّ يدبّون ، فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام، وقال لأصحاب النار : إلى النار ولا أبالي . ثم أمر نارا فاسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها ، فقال : كوني بردا وسلاما ، فكانت بردا وسلاما ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فهابوها ، فثم ثبتت الطاعة والمعصية

ص: 121

فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء. ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء (1)

وفي تفسير قوله تعالى : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (2) عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ما يقرب منه (3).

وفي رواية اخرى عن زرارة : أنّ رجلا سأل أبا جعفر صلوات الله عليه عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...) فقال وأبوه يسمع : حدّثني أبي أنّ الله عزّ وجلّ أخذ قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم صلوات الله علیه ، فصبّ عليها الماء العذب الفرات ، فتركها أربعين صباحا ، فلما اختمرت الطينة أخذها تبارك وتعالى ، فعركها عركا شديدا ... فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله ، فأمرهم جميعا أن يقعوا في النار ، فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا وسلاما ، وأبي أصحاب الشمال أن يدخلوها(4).

وفي رواية محمّد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ الله عزّ وجل لما أراد أن يخلق آدم صلوات الله علیه أرسل الماء على الطين ، ثم قبض قبضة فعركها ، ثم فرقها فرقتين بيده ، ثم ذرأهم فإذا هم يدبّون ، ثم رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن يدخلوها ، فذهبوا إليها فهابوها فلم يدخلوها ، ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها ، فأمر الله جل وعزّ النار فكانت عليهم بردا وسلاما . فلما رأى ذلك أهل الشمال قالوا : ربنا أقلنا ، فأقالهم ، ثم قال لهم : ادخلوها ، فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها ، فأعادهم طينا ، وخلق منها آدم وقال أبو عبد الله صلوات الله علیه: فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، قال : فيرون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أوّل من دخل تلك النار

ص: 122


1- البحار 5 : 252 ، عن المحاسن. الظاهر أن المراد من عدم الاستطاعة أن كل واحد من أصحاب اليمين وأصحاب الشمال لا يستطيع أن يغير ما جعل الله في فطرته من دواعي الخير والشر. وقد أثبتنا في بعض التنبيهات أنّ بعد إفاضة القدرة على منع ترتب المقتضي على المقتضي ، لا توجب الدواعي إلاّ سهولة العمل وصعوبته ، لا العجز المنافي للتكليف.
2- الأنعام 28.
3- البحار 5 : 256 ، عن تفسير العياشي.
4- الكافي 2 : 7 ، وفي البحار 5 : 257 عن العياشي عن زرارة أنّ رجلا سأل أبا عبد الله صلوات الله علیه ... الخبر.

M

فذلك قوله جل وعزّ : ( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) (1)

ويمكن استظهار وجه التسمية بأصحاب اليمين وأصحاب الشمال مما في رواية إبراهيم عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إن الله عزّ وجلّ لما أراد أن يخلق آدم صلوات الله علیه بعث جبرئيل في أوّل ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة ، فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، وأخذ من كل سماء تربة ، وقبض قبضة اخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى ، فأمر الله عزّ وجلّ كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه ، والقبضة الأخرى بشماله ، ففلق الطين فلقتين ، فذرا من الأرض ذروا ، ومن السماوات ذروا ، فقال الذي بيمينه : منك الرسل والأنبياء ، والأوصياء ، والصديقون ، والمؤمنون ، والسعداء ، ومن أريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال. وقال للذي بشماله : منك الجبّارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته ، فوجب لهم ما قال كما قال.

ثم إنّ الطينتين خلطتا جميعا فذلك قول الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ) (2) ، فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته ، والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير. وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى من كل : خير وتباعد عنه ، وقال الله عزّ وجل : ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ ) (3) ، فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر ، والميت الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن. فالحي المؤمن ، والميت الكافر ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ) (4) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر ، وكان حياته حين فرق الله عزّ وجلّ بينهما بكلمته. كذلك يخرج الله عزّ وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور ، وذلك قوله

ص: 123


1- الزخرف 81 . الكافي 2 : 7 .
2- الأنعام 95 .
3- الأنعام 95 .
4- الأنعام : 122 .

عزّ وجل : ( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (1) .

أقول : الظاهر أنّ هذا الفعل من الله تعالى كان قبل التكليف بدخولهم في النار بتوسط كلمته التي يتصوّر منها اليمين والشمال ويمكن أن يكون وجه التسمية شيئا آخر ، لما في بعض الروايات : وكلتا يديه يمين(2) .

وفي رواية ابن اذينة عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كنا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا فقلنا : فيه حدة ، فقال : من علامة المؤمن أن تكون فيه حدّة ، قال : فقلنا له : إنّ عامة أصحابنا فيهم حدّة ، فقال : إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم ، أمر أصحاب اليمين . وأنتم هم . أن يدخلوا النار فدخلوها ، فأصابهم وهج ، فالحدّة من ذلك الوهج ، وأمر أصحاب الشمال . وهم مخالفوهم . أن يدخلوا النار فلم يفعلوا ، فمن ثم لهم سمت ، ولهم وقار (3) .

عدم رجوع المعرفة الفطرية إلى المعرفة بالآيات

في رواية زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه قوله : فعرفهم وأراهم صنعه ، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربّه ... (4) . لعل المراد من قوله صلوات الله علیه : « أراهم صنعه » أي أراهم معرفته التي هي صنعه تعالى. فلا دلالة فيه على أن هذه المعرفة كانت من طريق الآيات والمصنوعات بأنّ كل مصنوع لا بدّ له من صانع. فما عن بعض من إرجاع المعرفة الفطرية إلى مجرّد المفطورية على الإقرار بالصانع من باب حكم العقل ممنوع ، لأنّ نتيجة الاستدلال بالآيات . كما مرّ . إثبات وجود صانع جامع للكمالات ، منزّه عما لا يليق به على النحو الكلي ، وأما وجدانه من غير تصور ولا محال استدلال على وجه يدعوه ويأنس به ويتضرّع إليه ، ويجده قريبا سميعا بصيرا قادرا رءوفا رحيما ، كما هو ظاهر لمن وجده في البأساء والضراء فلا يقتضى الاستدلال ذلك.

ص: 124


1- يس : 70 . البحار 67 : 87 ، عن الكافي.
2- البحار 5 : 237 ، عن تفسير القمي.
3- البحار 5 : 241 ، عن علل الشرائع.
4- راجع ص 113 . ولفظ الرواية . كما في الكافي . : ... وأراهم نفسه ... ، وعليه فلا وجه للتوهم المذكور.

وبينهما فرق ظاهر ، ففي الأوّل يعلم بالآثار أنّ له مولى عالما قادرا رءوفا رحيما ، وفي الثاني يصل إليه ويخاطبه ويأنس به ، وإن لم يره ببصره ولم يعلم له كيفية.

كما هو ظاهر قوله صلوات الله علیه : ولولا ذلك لم يعرف أحد من خالقه ولا من رازقه (1).

و مما يظهر منه أنّه ليس من جهة الاستدلال العقلي ولا من جهة أنس الذهن : تحليه تعالى بالوحدانية على قلوب المشركين ، كما دلّت عليه الآيات المتقدّمة ، فإنّه خلاف ما أنسوا به من الشرك كما مرّ .

تنبيه وتفريع

ثبوت هذه الحقيقة . أي المعرفة الوجدانية التي فطر الناس عليها . أوجب سهولة الأمر على الأنبياء في إتمام الحجة على المهم في مقام الدعوة إلى الله وإلى توحيده. ولعله ملاك قتل المشركين بمجرد الدعوة إلى الله تعالى وإلى توحيده ، وإظهار الشرك منهم ، وملاك صحة إيمان الأطفال بمجرد بلوغهم وإن لم يكونوا على حد يصلح الاستدلال العقلي لهم ، وصحة إيمان النساء والرجال الذين لا يتيسر لهم الاستدلال من طريق العقل ، كما قامت عليه السيرة.

والحاصل أنّه لا يحتاج. في صحة الإيمان بالله تعالى وبتوحيده لو آمنوا ، وفي ثبوت الكفر بترك الإيمان . إلى سبق الاستدلال العقلي العاجز عنه كثير من الناس.

نعم ، حكم العقل والاستدلال به مؤكّد للحجة على الكفار ، وقاطع آخر للاعتذار ، ولو أظهر أحد الشك أو شك واقعا لأجل خفاء هذه الفطرة بسبب من الأسباب فإنّه هو الذي يحتاج إلى الاستدلال العقلي من طريق العقل. وإلا فالأصل الأصيل الذي يكتفى به في عرفان الربّ تعالى شأنه والإيمان به المعرفة الفطرية.

ص: 125


1- راجع ص 115.

ظهور المعرفة الفطرية في حال الانقطاع عن غيره تعالى

الذي دعانا إلى إثبات تقدّم خلقة الأرواح بالروايات المباركات . وإن لم نكن في هذا المقام . تأييد الروايات المشتملة على فطريّة المعرفة بالله وسنذكر الإشكالات التي أوردوها عليها والجواب عنها إن شاء الله تعالى.

وخلاصة ما ذكرناه أنّ مفطورية كل إنسان على معرفته تعالى وتوحيده ، وظهور هذه الفطرة في البأساء والضراء وفي بعض الحالات التي ينقطع فيها عن التوجّه إلى غيره تعالى ، في الصلاة وفي غيرها من العبادات تما يشهد به الوجدان ، وتدلّ عليه الروايات المتواترة التي تقدم ذكر بعضها ، وهي من إحدى الحجج ، كما قال الرضا صلوات الله عليه في خطبته : وبالفطرة تثبت حجّته (1) وأشار إليه قوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (2)

أقول : لو سألت من اتفق له تلك المكاشفة . ولو في دقيقة . إلى من التجأت وإلى من تضرّعت؟ إلى شيء أم لا ؟ ليقولن : إلى شيء لا كالأشياء.

إلى حتى أم إلى ميت؟ ليقولن : إلى حي.

إلى قادر أم إلى عاجز؟ ليقولن : إلى قادر.

إلى سميع بصير أم إلى غير سميع بصير؟ ليقولن إلى سميع بصير.

إلى قريب أم إلى بعيد ؟ ليقولن إلى قريب كل ذلك بلا شبيه ونظير.

ويشعر بما ذكرنا لفظة الله في قوله تعالى : ليقولنّ الله الدال على كونه تعالى مفزعا لجميع المخلوقين في عين تحيّر قلوبهم في شأنه ، لمستوريته عن حواسهم وانقطاعهم عن درك ماهيته ، لكونه الفرد الذي لا نظير له.

وهذا معنى كونه تعالى واحدا ، ومعناه بالفارسية ( بي همتا ) ، كما صرّح به أمير المؤمنين صلوات الله عليه في بعض الروايات المتقدمة في جواب الأعرابي حيث سأله

ص: 126


1- البحار 4 : 228 ، عن التوحيد والعيون.
2- العنكبوت 61 .

عن الواحد : هو واحد ، ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا (1) .

وبالجملة : هذه الحالة انموذج من لقائه ووصله وزيارته ورؤيته ومشاهدته تعالى ، كما ورد التعبير بذلك كله في الروايات المباركات.

ففى دعاء الحسين صلوات الله علیه في يوم عرفة : إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك ، واجذبني بمنك حتى أقبل عليك (2)

وفي مناجاة المريدين المنسوبة إلى السيد السجّاد صلوات الله علیه : ولقاؤك قرّة عيني ، ووصلك منى نفسي (3) .

وفي التوحيد عن على صلوات الله عليه في تفسير قد قامت الصلاة : أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ، ودرك المنى ، والوصول إلى الله عزّ وجل ، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه(4).

وفيه أيضا : جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال : هل رأيت ربّك حين عبدته؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربّا لم أره . قال : وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (5)

وفي رواية أبي بصير قول الصادق صلوات الله علیه : وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت : متى؟ قال : حين قال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، ثم قال : إنّ المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ... وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ... الخبر(6).

وعن سيد الساجدين صلوات الله علیه : في مناجاة المحبّين : اللهم اجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك ... وأهلته لعبادتك ، وهيمت قلبه لإرادتك ، واجتبيته لمشاهدتك (7) .

ويجد من وجده من لذة المؤانسة وحلاوة المناجاة ما لا يقدر قدره ، كما ورد في

ص: 127


1- البحار 3 : 207 ، عن التوحيد والخصال.
2- الإقبال 350 . البحار 98 : 227 عن بعض نسخ الإقبال.
3- البحار 94 : 148 ، عن بعض كتب الأصحاب.
4- البحار 84 : 134 ، عن معاني الأخبار والتوحيد.
5- البحار 4 : 44 ، وتقدم الخبر بتمامه في ص 102.
6- البحار 4 : 44 ، وتقدم الخبر بتمامه في ص 102.
7- البحار 94 : 148 ، عن بعض كتب الأصحاب.

الدعاء : يا من أذاق أحبّاءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين (1) .

تنبيه لا بدّ منه جدا

مما يظهر للإنسان في تلك المكاشفة التي صرّح بها في الآيات المتقدمة مباينته لمن يتوجه إليه ، ومغايرته بلا عزلة ، لا الوحدة التي يزعمها الصوفية حتى أكابرهم المسمّون بالشامخين ، كيف وهو يرى نفسه سائلا ، عاجزا ، ذليلا ، مسيئا ، مقصرا. ويرى محبوبه الذي يسأله ويتضرع إليه قادرا ، قاهرا ، منزّها ، غفورا ، وهكذا.

وما في كلماتهم ومن يحذو حذوهم في هذا المقال من دعوى الفناء في الله ، إن كان المراد هو نفي الإنيّة والميز واقعا ، كما في فناء القطرة واستهلاكها في البحر عند وصولها إليه ، فهذا . مضافا إلى امتناعه ذاتا ، لما مرّ من المباينة التامة بين المخلوق الحادث واقعا لا من شيء الذي حقيقته الشيئية بالغير والظلمة ، وبين الذات الأزلي الأبدي ، القائم بذاته ، الشيء بحقيقة الشيئية ، والنور المحض . مخالف لما نجده من أنفسنا في حال المكاشفة الحاصلة لنا في بعض عباداتنا وفي حال البأساء والضراء المذكورة في غير واحدة من الآيات والروايات المباركات المتقدم ذكرها ، ولا أثر منه في كلام المعصومين الذين هم أعرف الخلق بالله تعالى شأنه ، بل التعبيرات المروية عنهم صريحة في المباينة والغيرية الحقيقية. وكذلك لفظ الوصول واللقاء وأمثالهما ظاهر في وصول الحبيب إلى حبيبه ولقائه إيّاه لا الاندكاك والاستهلاك والفناء فيه.

وإن كان المراد هو الاعتقاد ورؤية نفسه أنها كذلك . كما هو ظاهر كلمات بعضهم . فمرجعه إلى اعتقاد أنّ حقيقته ليست إلاّ الوجود الحق المتعيّن. ووجه عروض تلك الحالة على الإنسان ليس إلاّ غمض العين عن تعيّن نفسه وسائر التعينات ، وعطف توجهه إلى صرف الوجود الذي توهموا أنّه الحق المتعالي ، وهذا معلول التلقينات الباطلة التي لا حقيقة لها أصلا ، وليست مكاشفاتهم إلا تحلّي ذلك الاعتقاد وتلك الحالة عند اشتغالهم بالذكر ، وفي مناماتهم التي يسمونها بالواقعة ، وظاهر أنّ المنام بعضه أضغاث أحلام ، ولذا

ص: 128


1- البحار 98 : 226 ، عن الإقبال ( دعاء يوم عرفة ) .

لا يعتمدون هم أنفسهم عليها ، ويعرضونها على البرهان بزعمهم ، ولذا لا حجية لها بوجه من الوجوه ، والاعتناء بها من تسويلات الشيطان.

الاشكالات الواردة في ثبوت عالم الذرّ والجواب عنها

استشكل في القول بأخذ الميثاق عن البشر في عالم الذرّ بوجوه ، مرجع بعضها إلى استحالة عالم الذرّ عقلا ، وبعضها الآخر إلى نفي الدليل على إثباته.

أمّا الأول فمنها : أنّ أخذ الميثاق لا يتم إلا بكون المأخوذ عليهم الميثاق أولي تمييز وعقل ، ولو كانوا كذلك لذكروه ، لا سيما مع عظم الموقف ، كما أنّ أهل القيامة يذكرون مواقفهم في الدنيا . كما دلّت عليه بعض الآيات المباركات . مع أنّ العهد فيها أطول منه هناك.

وفيه : أنّه لا دليل على امتناع النسيان هناك ( والله على كل شيء قدير ) ، وفي رواية زرارة عن أبي عبد الله صلوات الله علیه: فأنساهم المعاينة (1) ، وفي روايات عنه عن أبي جعفر 7 : ونسوا الموقف ( وفي نسخة : الوقت ) (2) ، وأنساهم رؤيته (3)، وأنسوا ذلك الميثاق وسيذكرونه بعد (4).

وتدلّ عليه أيضا رواية الحسن بن الجهم ، ورواية أبي هاشم الجعفري المتقدمتان (5) ، ورواية ابن مسكان (6)

وكما أنّ الإنسان لا يتذكر في نومه . مع أنّه حي يرى الرؤيا . شيئا من العالم الذي كان فيه طول عمره ، فلا مانع عقلا من أن يكون الأمر هنا كذلك.

ومنها : أن فائدة أخذ الميثاق إتمام الحجة ، كما دلّت عليه الآية الشريفة والروايات

ص: 129


1- البحار 5 : 223 ، عن المحاسن.
2- البحار 5 : 243 ، عن علل الشرائع.
3- البحار 243:5 ، عن علل الشرایع .
4- البحار 5 : 257 ، عن تفسير العياشي.
5- راجع ص 115 ، 116 .
6- البحار 5 : 237 .

المباركات ، والحجّة إنما تتم عليهم إذا وقع إنكارهم في حال الالتفات إلى العهد الذي عاهدوه ، وإقرارهم الذي أقروا به ، فإنّ العهد والإقرار المنسيّ لا يحتج به ، ومن المعلوم أنّ بني آدم لا يلتفتون إلى الميثاق المذكور ، فكيف تتم الحجة عليهم؟! .

وفيه : أنّ إتمام الحجة يحصل بثبوت المعرفة في قلوبهم ولو كانوا ناسين للموقف ، كما دلّت عليه الآية المباركة ، فليس متوقفا على التوجه إلى خصوصية الموقف بعد ثبوت نتيجته في فطرة الإنسان. فالمنكر للربّ مكابر لفطرته التي فطر عليها من التوجه إلى الله تعالى قهرا ، لا سيما مع تجلّي هذه الفطرة بوضوح في مواقع الشدة والانقطاع من الأسباب ، كما دلّت عليه الآيات المتقدمة (1) .

آخرهم.

ومنها : أنّه لا يعقل اتساع ظهر آدم على صغره لتلك الذرّات التي هي بعدد بني آدم من أولهم إلى

وفيه : أنّه مع فرض صغر الذرّات جدّا وعظم جثة آدم على ما تشهد به بعض الروايات . لا مانع عقلا

من اجتماعها في صلبه.

ومنها : أنّ ال-ق-ول ب-وج-ود ع-الم ال-ذر م-لازم للتصديق بالتناسخ . وهو تعلّق الأرواح بأبدان اخر مغايرة

للأبدان الأولى . وهو باطل.

وفيه : أنّ التناسخ الذي قام الإجماع بل ضرورة الدين على بطلانه هو القول بأنّ الذي يجزى الإنسان به عبارة عن تعلّق نفوس السعداء والأشقياء ، أو الأشقياء فقط . على اختلاف بين القائلين . بأبدان غير أبدانهم في هذه النشأة ، فبعضهم جوّز انتقال النفس بعد الموت من بدن إلى بدن انسان آخر ، وهو النسخ ، وبعضهم جوز الانتقال إلى بدن حيوان غير الإنسان ، وهو المسخ ، بل إلى النبات ، وهو الفسخ أو الجماد ، وهو الرسخ. ولا معاد إلا ذلك. وهذا هو الذي قامت ضرورة الدين على خلافه.

والأدلّة التي أقاموها على البطلان . على فرض تماميتها . إنّما تدلّ على بطلان تعلّق نفس الإنسان ببدن آخر غير بدنه ، ولا تدلّ على بطلان تعلقه ببدن واحد مع اختلاف حالاته من حيث الصغر والكبر والأعراض والحدود.

ص: 130

والآيات والروايات المتواترة معنى دالّة على وقوع المسخ في الامم السابقة ، وبعضها يدلّ على وقوعه في هذه الأمّة أيضا (1) .

ومنها : ما أقام ملا صدرا من الاستدلال على امتناع تعلّق الروح ثانيا بالبدن مطلقا ، بعد خروجها عن البدن ، ولو بهذا البدن الذي تعلقت به أولا ، وحاصله :

أنّ تعلق النفس ثانيا ولو بهذا البدن الذي كان تعلّقها به أولا بعد صيرورتها كاملة ومجردة عن هذا التعلق تخصص بلا مخصص ، وليس التخصص بلا مخصص في الامور الطبيعية ، فإنّ الامور الطبيعية والحوادث الكونية كلها مرهونة بالمصالح ، والغايات الحكمية والاستعدادات ، والفوائد ، والمناسبات العقلية. وليست التعلقات الطبيعية والذاتية كالتعلقات الإرادية الواقعة من الإنسان لأجل مصلحة وداعية جزافية أو عادية ، كمن توجّه ثانيا إلى خرابة عاش فيها مدة وكانت معمورة ، ويريد تعميرها طلبا لما يتذكره من التلذذات والتنعمات التي وقعت منه فيها على سبيل المجازفة الشهوية ، من غير فائدة فكرية وغاية عقلية وملاحظة مصلحة رآها وحكمة كذلك ، فإنّ شيئا من هذه الامور لا يجري في الأسباب الذاتية للغايات الطبيعية.

ومنشأ حدوث النفس وتعلقها هو الحركة الذاتية الاستكمالية لمادة ما في الصور الجوهرية على سبيل الترقي من الأدنى إلى الأعلى حتى يقع انتهاء الأكوان الصورية إلى النفس وما بعدها. وبعبارة اخرى : هي المناسبة التامة والاستعداد الكامل المخصص لها بهذه النفس الكذائية دون غيرها.

فبعد أن تتحرك النفس في ذاتها وجوهرها من المرتبة الأدنى إلى الأعلى وتمزقت هذه الشبكة وصارت ترابا ورمادا ، وطار طائرها السماوي وحمامها القدسي إلى عالم الملكوت ، وخلص من هذا المضيق ، فأي مناسبة ذاتية واستعداد للأجزاء الترابية بالنفس المجردة؟ وأي تعلق لها ثانيا بالتراب وإن فرض مجتمع الأجزاء؟ ولو كان كذلك لكان كل تراب ورماد ذا نفس ، لاشتراك الجميع في الترابية والرمادية (2) .

ص: 131


1- انظر ص 248 .
2- الأسفار 9 : 205.

وفيه : أنّ هذه الخطابة مبتنية على ما بناه من الحركة الجوهرية ، وعلى أنّ النفس جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ، بمعنى أنها تحدث بحدوث البدن ثم تتحرك بجوهرها إلى جانب الكمال حتى تتجرّد عن المادة وعن الجسمانية بمعناها الحقيقي وهذا المبنى لم يقم عليه برهان عقلي ، وإنّما هي فرضية فرضها ، بل تدفعها روايات كثيرة دالة على سبق خلقة الأرواح على الأجساد. بضميمة ما دلّ على أنّ روح البشر الذي هو حقيقته ، وكذلك الملك والجن . كسائر الأجسام . كلّها مخلوقة من جوهر واحد ستمى بالماء. والفرق باللطافة والكثافة ، والرقة والغلظة ، وسائر الأعراض.

ويقرب منه ما في تفسير الميزان حيث قال : وكيف الطريق إلى أنّ ذرّة من ذرّات بدن زيد . وهو الجزء الذرّي الذي انتقل من صلب آدم من طريقة نطفته إلى ابنه ثم إلى ابن ابنه حتى انتهى إلى زيد . هو زيد بعينه ، ولهإدراك زيد وعقله وضميره وسمعه وبصره، وهو الذي يتوجه إليه التكليف وتتمّ له الحجة ، وتحمل عليه العهود والمواثيق ، ويقع عليه الثواب والعقاب.

وقد صح بالحجة القاطعة من طريق العقل والنقل أنّ إنسانية الإنسان بنفسه التي هي أمر وراء المادة ، حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي ، وقد تقدم شطر من البحث فيها.

على أنّه قد ثبت بالبحث القطعي أنّ هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية ، ومنها التصديق بأنّ له ربّا يملكه ويدبّر أمره ، تحصل للإنسان بعد حصول التصورات ، والجميع ينتهي إلى الإحساسات الظاهرة والباطنة وهي تتوقف على وجود التركيب الدنيوي المادّي. فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق بأنّ له ربّا هو القائم برفع حاجته ... إلى أن قال . بعد ذكر وجوه أخر من هذا القبيل . : لكن الذي أحال هذا المعنى ( أي عالم الذرّ ) هو استلزامه وجود الإنسان بماله من الشخصية الدنيوية مرتين في الدنيا ، واحدة بعد أخرى ، المستلزم لكون الشيء غير نفسه بتعدد شخصيته (1).

وفيه : أنّ هذه الاستبعادات مبتنية على كون شخصية الإنسان متكوّنة في هذا العالم ، وكون النفس جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ، وهو أحد المسالك في باب الروح ، وفي

ص: 132


1- تفسير الميزان 8: 315 .

قباله مسلك القائلين بسبق الأرواح على الأجساد ، مع القول بقدمها زمانا ( وهو قول افلاطون ومن تبعه ). وفي قبال المسلكين ما يظهر من الروايات المباركات من سبقها على الأجساد مع القول بحدوثها زمانا.

وفي جواب قوله أنّه يلزم منه تعدد شخصية الإنسان نقول : إنّ شخص الإنسان عبارة عن روحه وبدنه الواجد لها ، وليست شخصيته إلا ذلك ، وأمّا عقله وشعوره فهو من مواهب الله تعالى ، خارج عن ذاته ، قد يعطيه إياه ، وقد يسلبه عنه ، فإذا سلب عنه المعرفة والعقل والشعور فليس معناه انتفاء شخصيته بل يكون حاله كحاله وهو نائم ( فيما إذا لا يرى الرؤيا ولا يدرك في المنام شيئا ) ، فإنّ الإنسان في تلك الحال موجود بشخصيته ، إلا أنه سلب عنه الإدراك ، فلا يلتفت إلى شيء ولو إلى وجوده ، وكذا إذا عرضت له حالات من الإغماء ونحوه.

وفي محل الكلام نقول : لو كان الأمر على ما هو ظاهر من الروايات فأي إشكال يلزم على القول بثبوت عالم الذرّ ، كما هو صريح الروايات؟

وهو أنّ الله خلق بدن زيد . مثلا . في عالم الذرّ في نهاية الصغر بصورة خاصة ، وتعلق به الروح الخاص ، ووهبه العقل والمعرفة بحيث أدرك نفسه وعرفها بالمخلوقية والحدوث ، وعرف ربه بوضوح وعاينه بما له من المعنى المناسب له . وهو ظهور ذاته تبارك وتعالى بنفسه لعبده بلا كيف ، لا بالتصور ، ولا بمعنى الفناء الذي يقولون به . فأقر به ، وأخذ عليه العهد والميثاق ، وبقي أثر هذه المعرفة والمعاينة في روحه ، ثم سلب عنه العقل والشعور وانتقلت الذرّة إلى الأصلاب والأرحام ، ثم في هذه النشأة ينتقل ذلك البدن المشبه بالذرّ من صلب الأب إلى رحم الام ، وينمو بالتغذية والتربية ، ويسير سيره المشهود ، ويعطيه العقل والشعور ، وقد نسي مواقفة السابقة ، كما أنّ الإنسان في حال الرؤيا ينسى مواقفه في اليقظة ، فكأنّها لم تكن أصلا وكما أنّه كثيرا ما ينسى ما رآه في المنام مع وحدته الشخصية في كلتا الحالتين.

نعم لو كان المبني هو القول بالحركة الجوهرية ، وأنّ النفس جسمانية الحدوث وروحانية البقاء تحدث بحدوث البدن ثم تتحرك إلى جانب الكمال حتى تتجرد عن

ص: 133

المادية للزم الإشكال.

ولكنه . كما مر . فرضية محضة تدفعها الروايات الكثيرة الدالة على سبق خلقة الأرواح على الأجساد والروايات الدالة على أنّ جميع المخلوقات مخلوقة من مادة واحدة مسمّاة بالماء ، وقول الرضا صلوات الله عليه الدالّ على اختلاف المخلوقات بالأعراض والحدود المختلفة الظاهر في الحدّ بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي في مقابل الرسم ، فيدل على أنّ الصور النوعية عرضية لا جوهرية ، كما تشهد عليه الآيات الدالة على مسخ بعض الامم السابقة بالقردة والخنازير ، وصيرورة النار بردا وسلاما على إبراهيم ، وكذلك الآيات والروايات الواردة في معجزات الرسول الأكرم والأئمّة : ، منها صيرورة الصورة المحضة أسدا ، وصيرورة الملك الذي لقم الميثاق الحجر الأسود ، وصيرورة بعض خلفاء بني مروان بصورة الوزغة ، وغير ذلك من الروايات المتواترة بالتواتر الإجمالي.

وقد حرّر في محله أنّ الأدلة التي استدل بها على تجرد الروح عن المادة وعوارضها ، وعلى جوهرية الصور النوعية كلها مدخولة.

ومحصل الكلام أنّ كيفية بدء خلق الإنسان مما ليس للعقل إليه سبيل ، ولا يمكن استكشافها مما نرى في هذه النشأة خلق الإنسان ، أو له خلق سابق وحالات سابقة على هذه من انعقاد النطفة فيها ، هل هي . النشأة وهذه النطفة ، فروحه الذي هو حقيقته كان مخلوقا قبل جسده ، وأصل جسده الذي كان محفوظ-ا مشخصا في جميع حالاته كان مخلوقا قبل النطفة ، ولا يمكن للإنسان مع عجزه المشهود القول القاطع فيه ، بل الطريق منحصر في إخبار الخالق عزّ وجلّ وحملة وحيه. وقد مرّ جملة منه.

فتحصل مما ذكرنا أنّه لا مانع عقلا من سبق عالم الذرّ ، وسبق خلقة الأرواح على الأجساد. فمع ورود رواية عن أهل البيت : على ثبوته لا يجوز للعالم الملتزم بمكتب الوحي ردّه ، فكيف بما إذا قامت الروايات المتواترة معنى أو إجمالا ، مع صحة السند ووضوح الدلالة المؤيدة بالآية المباركة.

وأما الثاني ، أي الإشكال على مقام الإثبات والاستدلال :

ص: 134

فمنه : أنه لو كانت الذرّية مأخوذة من ظهر آدم كما هو ظاهر الروايات لقال الله تعالى : وإذ أخذ ربك من آدم من ظهره ذريته ، ولم يقل من بني آدم من ظهورهم ذريتهم.

وفيه : أنّ إخراج الذرّية من ظهور بني آدم كما هو ظاهر الآية . لعلّه إشارة إلى أنّ الله تعالى أظهر علمه بأن الشخص الفلاني يتولد منه فلان ، ومن ذلك الفلان فلان آخر ، فعلى الترتيب الذي علم دخولهم في عالم التوالد والتناسل أخرجهم وميّز بعضهم من بعض ، وأشهدهم على ربوبيته ، وأقروا له بذلك. وأما أنّه أخرج كل تلك الذرّية من صلب آدم فيكفي في الدلالة عليه قوله : من بني آدم ، فإن فرض بني آدم فرض إخراجهم من صلب آدم.

فتحصل منه منه أنّ الله أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ، ثم أولادهم من أصلابهم ، ثم أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم حتى ينتهي إلى آخرهم ، نظير ما يجري عليه الأمر في عالم التوالد والتناسل. ولو سلم أنه ليس في لفظ الآية ما يدل على ثبوته ولا ما يدل على بطلانه نقول : إنّ الأخبار المتواترة قد دلّت عليه ، فثبت إخراج الذرّية من ظهور بني آدم بالقرآن ، وثبت إخراجها من ظهر آدم بالأخبار ، ولا منافاة بينهما .

ومنه : أنّ إفادة الآية المباركة الإخبار عن أمر سابق . كما هو الوجه في الاستدلال بها . إنما هو بمقتضى كلمة « إذ » والفعل الماضي : « أخذ » و « أشهد » ، ولكن ربما يستعمل الماضي ويراد به المستقبل لتحقق وقوعه ، كما في قوله تعالى : ( وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ... قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) .(1) . وربما يستعمل ويراد به الإخبار عن السنة المستمرة فيما مضى وما يأتي.

فيحتمل أن يكون المراد من الآية هو المعنى الأخير ، أي إنّ السنة المستمرة فيما مضى ويأتي كذا ، بأن يحمل الإشهاد والإقرار على المعنى المجازي، بأن يقال : إنّ الله يخرج نطف بني آدم من أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ، وينشئها خلقا سويا ، و

ص: 135


1- المائدة : 116 ، 119 .

يجعل فيهم آثار صنعه صنعه وحكمته وقدرته ، ويمكنهم في الدنيا من معرفة دلائله فيكون ذلك بمنزلة إشهادهم على ربوبيته وأخذ الإقرار منهم عليها.

وبعبارة أخرى : إنّهم يشهدون ويقولون بلسان الحال : بلی ، نظیر قوله تعالى : ( فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ انْتِهَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنا طَائِعِينَ ) (1) ، وكما يقول القائل : جوارحي تشهد بنعمك.

أو يحملان على معناهما الحقيقي ولكن يقال بأنّ المراد من ذرّيَّة بني آدم خصوص أولاد المشركين ممن أكمل عقولهم وأرسل إليهم الأنبياء ، فآمنوا بهم وأقروا بالربوبية الله تعالى. وهو الذي نسبه الطبرسي إلى الجبائي والقاضي (2)

أو يقال : إنّ المراد جماعة من ذرية بني آدم ، وهو خصوص قوم خلقهم الله وأشهدهم على أنفسهم بعد أن أكمل عقولهم وأجابوه ب « بلى » ، وهم اليوم يذكرونه ولا يغفلون عنه ، ولا يكون ذلك عاما في جميع العقلاء.

وفيه : أن جميع ما ذكر مخالف لظاهر الآية المباركة من جهة ظهورها في إخراج جميع العقلاء من ذرية بني آدم ، لا خصوص المؤمنين بالأنبياء ، ولا خصوص من لهم آباء مشركون ، كما أنّ المناسب لإرادة السنة المستمرة التعبير بالفعل المضارع ، نظير قوله : ( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً )(3) ، و ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) (4) ، ونحوهما ، ولا يناسبه التعبير بالفعل الماضى . مضافا إلى أنه طرح للروايات الكثيرة.

ومنه : أن ما استظهر من الآية المباركة ومن الروايات المباركات معارض لقوله تعالى : ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دافِقٍي ) (5) ، و ( أَلَمْ تَخْلُقُكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ) (6) ، وأمثالهما من الآيات ، فلو كان مخلوقا قبل ذلك فلا يكون مخلوقا من ماء

ص: 136


1- فصلت 11.
2- مجمع البيان 2 : 498 .
3- الروم 24 .
4- الرعد 39 .
5- الطارق 5 ، 6 .
6- المرسلات 20 .

دافق.

کتابط عن مجاني الضياء وفيه : أنه بملاحظة قوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (1) ، وقوله تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ) (2)، الصريحين في الترتيب الزماني يظهر أن خلق الإنسان من النطفة لا ينفي كونه مسبوقا بخلقة اخرى ، منتقلا من صلب إلى رحم ، ومن رحم إلى صلب حتى يستقر في صلب أبيه الذي يتولد منه بصورة النطفة ، كما نشهد بذلك للمعصومين : بقولنا : أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة(3) .

ويدلّ على ما ذكرنا قول أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه في دعاء يوم عرفة : فابتدعت خلقي من مني يمنى وأسكنتني في ظلمات ثلاث ... الدعاء. فإنّ الخلق المبتدع من المني هو الخلق المنشأ من الأغذية ، وهو لا ينافي خلقا آخر له من قبل ذلك من التراب المخلوقة منه الأبدان الذرية. كما يظهر من مجموع كلامه صلوات الله علیه ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، خلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم من الأيام الماضية والقرون الخالية ، ولم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني ، وفيه أنشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمك ، فابتدعت خلقي من مني يمنى ... الدعاء (4) ، فإنّه كالصريح في الترتيب والتأخر الزماني ، وحمله على الرتبي . كما عن بعض . كما ترى.

ص: 137


1- المؤمنون 12 ، 13 ، 14 .
2- الزمر 6 .
3- انظر البحار 100 : 187 ، 203 ، مفاتيح الجنان 329 في زيارة النبي 9 و 331 في زيارة أئمّة البقيع : ، و 431 في زيارة الحسين المعروفة ب « زيارة وارث » .
4- الإقبال 340 ، البحار 98 : 216 .

تنبيه : استغناء نور العلم في كشفه عن وجود المعلوم

من كمال نور العلم أنه لا يحتاج في كاشفيته إلى وجود المعلوم

، بل إنّه يكشف الامور الماضية والمستقبلة والتقديريات مع أنّه لا وجود لها في زمان الحال ، وكذا يكشف العدم المضاف في ظرف واقعيته ، ويكشف العدم المضاف في ظرف واقعية نقيضه ، وهو الوجود المضاف مع أنّه لا واقعية له بوجه ، وإلا فإنّه يلزم اجتماع النقيضين ، ولذا يخبر بالخبر الصادق عن نقيض الوجود في ظرف الوجود في قولنا : هذا ونقيضه لا يجتمعان ، مععدم الواقعية لنقيض الوجود الخاص في ظرف هذا الوجود الخاص.

وكذا يكشف العدم المطلق مع أنّه لا واقعية له بوجه من الوجوه في ظرف الوجود.

وذلك كله لاستغناء العلم في كاشفيته عن وجود المعلوم. وبعبارة أخرى : إنّه كاشف عن الواقعيات موجودة كانت أو معدومة ، وجودا أو عدما ، مضافا أو مطلقا ، ولذا يخبر عنها وبها بما لها من الواقعية.

وحصول ذلك لنا في مورد أو موارد دائر مدار إذن الحق المتعالي في وجداننا مراتب العلم.

وأما ذاته تعالى فحيث إنّه عين العلم فهو لا يزال كذلك ، أي علمه بالشيء قبل تحققه كعلمه به بعده.

ففي التوحيد بسنده عن ابن مسكان عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله علیه يقول : لم يزل الله عزّ وجل ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور . قال : قلت : فلم يزل الله متكلما ؟ قال : إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزلية ، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلم (1) .

قوله صلوات الله علیه : « وقع العلم على المعلوم » أي وقع العلم على ما كان كاشفا عنه قبل وجوده.

ص: 138


1- التوحيد 139 ، وعنه البحار 4 : 71 .

ومنه تظهر قوة احتمال كون المراد من رواية أخرى في التوحيد بسنده عن حماد بن عيسى قال : قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه فقلت : لم يزل الله يعلم؟ قال : أتي يكون يعلم ولا معلوم؟! قال : قلت : فلم يزل الله يسمع؟ قال : أتي يكون ذلك ولا مسموع ؟ ! قال : قلت : فلم يزل يبصر ؟! قال : أتي يكون ذلك ولا مبصر؟! قال : ثم قال : لم يزل الله عليما سميعا بصيرا ، ذات علامة سميعة بصيرة (1) ، . كما أشار إليه العلامة المجلسي ره . : السؤال عن العلم بوجود الشيء وحضوره ، بأن يكون المعلوم حاضرا موجودا ، مع أنه لم يوجد بعد ، فنفى ، كما يؤيّده أنّه . صلوات الله علیه . أثبت كونه تعالى متصفا بالعلم أزلا مع أنّه لا وجود للمعلوم ولا حضور.

وكذلك الكلام في السمع والبصر بعد وضوح كون المراد بالنسبة إليه تعالى العلم بالمسموعات والمبصرات بذاته لا بالآلة. وحاصله أن المراد من أنه إن كان أنّه يسمع الصوت الموجود خارجا فظاهر أنه منفي بانتفاء الموضوع ، كما دلت عليه الرواية ، وقوله : ( وَلَمَّا يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ ... ) (2) . ومفهوم قوله تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ) (3) وإن كان المراد العلم بالصوت قبل تحقق الصوت فهو ثابت ، كما دلّ عليه ذيل الرواية ، وكذا رواية أبي بصير.

ومما يدلّ على المطلب ما أورده العلامة المجلسي . ره . في باب العلم وكيفيته من الآيات والروايات في المجلد الثاني من بحار الأنوار (4).

منها قوله تعالى : ( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ )

(5)

وقوله تعالى : ( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدادُ ) (6)

ص: 139


1- التوحيد 139 ، وعنه البحار 4 : 72 .
2- آل عمران 142 .
3- الأنفال 23 .
4- من الطبعة الحجرية ، ويقابله في الطبعة الجديدة 4 : 74 .
5- البقرة 255 .
6- الرعد8 .

وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ) (1)

وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ) (2) .

وفي التوحيد بسنده عن الحسين بن بشار عن ثامن الأئمة صلوات الله عليه ، قال : سألته أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ، أولا يعلم إلا ما يكون؟

فقال : إنّ الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3) ، وقال لأهل النار : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (4) ، فقد علم الله عز وجل أنه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه (5).

تنبیه

قد علمت فيما مضى أنّ حقيقة العلم نور مغاير لذواتنا ولجميع المعلومات بالحواس الظاهرة والمتصورات والموهومات والمعقولات. وصيرورتنا عالمين بالشيء إنّما هو بوجداننا ذلك النور الظاهر بذاته المظهر لغيره ، واستضاءتنا به ، فنحن محتاجون في ظهور الأشياء بل في ظهور أنفسنا . إلى ذلك النور ، وأما الله تعالى فحيث إنّ ذاته عين العلم فلا يحتاج في ذاته وكمالاته إلى صفة زائدة على ذاته ، وهذا معنى قول العلماء بنفي الصفات الزائدة عنه تعالى ، أي لا يكون ذاته مركبا من أجزاء ومعان ، فإنّ المركب يحتاج كل جزء منه في قوامه إلى الجزء الآخر ، والذات الازلي منزّه عن ذلك الاحتياج أيضا.

من الكمالات : القدرة

وهي الاستيلاء والسلطنة على طرفي فعل الشيء وتركه ، بحيث إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، وهي كمال فوق القوة ، وإن كان قد يطلق لفظها عليها ، فإنّ المنصرف من

ص: 140


1- الحجر 24 .
2- لقمان 34 .
3- الجاثية 29 .
4- الأنعام 28 .
5- التوحيد 136 ، وعنه البحار 4 : 78 .

القوة هو التمكن من فعل الشيء ، ويقابله الضعف ، ومن القدرة التمكن من فعل الشيء وتركه ، ويقابله العجز ، يقال للجدار مثلا إنّه يقوى على حمل السقف ، ولا يقال إنّه يقدر عليه إلا تنزيلا.

تنبیه

قد مرّ في بيان حقيقة العلم أنّه نور خارج عن حقيقة المخلوقات في عين إحاطته بها ظاهرها وباطنها دائما ، وأنّ صيرورتها عالمة وشاعرة بشيء . حتّى بذاتها . إنما هي بوجدانها إيّاه واستضاءتها به وتحملها له بتحميل الله تعالى . كما يظهر من قوله صلوات الله علیه في الماء الذي هو مادة جميع المخلوقات : إنّ الله عزّ وجلّ حمل دينه وعلمه الماء (1) . من غير تغيّر في ذات العلم ولا تركيب بينها وبينه ، بل التغير فيها لا فيه ، فتارة تجده وتستضيء به فتعلم وأخرى تفقده من غير تجاف فتجهل ، كما هو مقتضى ذواتنا ، ونحن نجد هذا الوجدان والفقدان في أنفسنا وإن لم نعرف حقيقة العلم ولا كيفية وجداننا إيّاه.

والظاهر أنّ القدرة من كمال هذا النور ، كما يؤيّده أنّ الإنسان ربما يكون عالما بشيء مع عدم القدرة عليه ، ولا يكون قادرا عليه إلا أن يكون عالما به ، ويلوح كونهما حقيقة واحدة من قوله صلوات الله علیه : العرش ليس هو الله ، والعرش اسم علم وقدرة (2) ، فتدبر ، والله العالم .

وصيرورة الإنسان قادرا على شيء إنّما هو بوجدانه إيَّاها بالنسبة إلى ذلك الشيء وعجزه بفقدانه . كما مرّ في العلم . وإنّا نجد من أنفسنا هذا الوجدان والفقدان وإن لم نعرف حقيقة القدرة ولا كيفية وجداننا إياها.

وأما في الله تعالى فإنها عين العلم ، وكذلك سائر الكمالات كلها عين ذاته بلا تركيب ومما استدل به لنفي التركيب في ذاته تعالى : أنّ التركيب انضمام الشيء بالشيء الآخر ، والمركب متقوم بأجزائه محتاج كل جزء منه إلى انضمامه إلى الجزء الآخر ، وهذا

ص: 141


1- البحار 57 : 95 ، عن الكافي.
2- راجع ص 27 .

الانضمام الذي يحتاج المركب إليه صفة حادثة ، كما يظهر ذلك من إمكان زواله. وهذه الصفة لا تخلو إما أن تكون ذاتية للمركب أي ملازمة له ذاتا ، فملازم الحادث ذاتا حادث ، أو عارضة فيحتاج عروضها إلى علة ، لبداهة عدم إمكان حدوث شيء بلا علة ، والعلة إن كانت أمرا بسيطا أي غير مركب فينبغي أن يكون هو الأصل الأزلي الذي يحتاج المركب إليه ، لا المركب المحتاج ، وإن كانت أمرا مركبا فينقل الكلام المذكور إليه.

وعن العيون بسنده عن محمد بن عيسى ، عن محمّد بن عرفة قال : قلت للرضا صلوات الله علیه : خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة ؟ فقال : لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة ، لأنّك إذا قلت : خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء ، وهذا شرك ... بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة (1) .

تنبيه

القدرة إنما تتعلّق بشيء ممكن في ذاته

دون الممتنع ، كالجمع بين النقيضين ، وليس ذلك نقصا فيها ، بل النقص في المتعلق وهو امتناعه ذاتا ، وهذا هو المراد من رواية ابن أذينة عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : قيل لأمير المؤمنين صلوات الله علیه : هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة ، من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال : إن الله تعالى لا ينسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون(2).

وفي روايات أخر أوردها في البحار (3) جوابان آخران مرجعهما إلى بيان أنّ ما يمكن في مورد السؤال أمران : أحدهما أن يصغر الكبير أو يكبّر البيضة ، والثاني انطباع صورة الكبير في عدسة العين ، أو إحاطة الشعاع الذي قاعدته في العدسة على الكبير، على أحد القولين في كيفية الإبصار ، وأنّ الله تعالى قادر عليهما جميعا ، وعدم التصريح

ص: 142


1- البحار 4 : 136 ، عن العيون.
2- البحار 4 : 143 ، عن التوحيد.
3- البحار 4 : 143.

فيهما بعدم تعلق القدرة بالمحال . كما صرّح به أمير المؤمنين صلوات الله علیه في الرواية المتقدمة وبينه الإمام الصادق صلوات الله علیه لعمر بن أذينة لعلّه إمّا لكون السائل معاندا ، فيتشبّث بقوله : الذي سألتني لا يكون لإثبات قصور القدرة وعجزه تعالى أو لكونه قاصر الفهم فيتوهم ذلك من كلام الإمام صلوات الله علیه

تنبیه

القدرة بالمعني المذكور كمال وجودي نجده في بعض الأحيان بالنسبة إلى بعض الأفعال ، ولا بد من إثباتها بلا حد في الحق المتعالي بالنسبة إلى جميع الأفعال ، كما هو المصرح به في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) في مقابل الاضطرار إلى أحد طرفي الفعل والترك الذي هو نقص وعجز ومحدودية ، يجب عقلا تنزّهه تعالى عنه.

أدلّة القائلين بالجبر والجواب عنها

هنا وهم لا بدّ من التعرض له والجواب عنه ، وهو أن القدرة بالمعنى المذكور مما لا يمكن الالتزام به لا في الخالق ولا في المخلوق ، فإنّه ما لم يكن لأحد طرفي فعل الشيء وتركه مرجّح يكون ترجيحه على الطرف الآخر ترجيحا بلا مرجّح ، وهو محال ، ووجه استحالته أنّ الشيء الذي يريد أن يفعله الفاعل ولم يفعله بعد ، نسبته إلى طرفي الفعل والترك سيّان ، فإن كان لأحدهما مرجّح فيه تتمّ فاعلية الفاعل فيقع لا محالة ، وإلا لم يمكن وجوده ، لعدم تمامية العلة ، فيكون وجوده مع عدم تمامية العلة من قبيل وجود المعلول بلا علّة.

توضيحه : أنّ مقتضى تعريف القادر بأنّ الذي له السلطنة على طرفي الفعل والترك ، إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، تعليق الفعل على المشيئة ، والمشيئة إن كانت حادثة فلا بدّ لها . كما في سائر الحوادث . من العلة ولا بد للعلة من كونها أمرا ذاتيا أزليا أو منتهيا إليه ، وإلا لزم التسلسل. ولذا جعل بعضهم المشيئة في الله تعالى العلم بالأصلح ، وفي المخلوق الشوق الأكيد المنتهية علله إلى مشيئة الله الأزلية ، بل قال إنّ نسبة فعل كل

ص: 143

فاعل إلى الله تعالى . الذي هو علة العلل . أولى من نسبته إلى الفاعل بالمباشرة ، وبعض أنهاها في العباد إلى سعادتهم وشقاوتهم الذاتية ، والذاتي لا يعلل ، وقال : إنّ الله لم يجعل السعيد سعيدا ، والشقي شقيا وإنما أوجدهما ، وبهذا يرفع استناده إليه تعالى.

والجواب عنه . مضافا إلى بطلان تفسير المشيئة بالعلم بالأصلح ، فإنّ المشيئة صفة الفعل ، والعلم صفة الذات ، ولذا يصح القول بأن الله لم يشأه ولا يصح القول بأنه لم يعلم إلا بعناية (1).

ومضافا إلى بطلان تفسيرها في المخلوق بالشوق الأكيد . لما نجد من أنفسنا أنا وإن كنا مشتاقين إلى عمل غاية الاشتياق ، فإنّه لا يصدر منا إلا بالعزم لنا الوارد على جميع العلل التكوينية والشهوات والأشواق ، وفاعله النفس بما لها من القدرة التي أعطاها الله إياها وإليها ينتهي فعلها ، كما قال المحقق الطوسي : والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا (2) ومضافا إلى بطلان ذاتية السعادة والشقاوة في الإنسان . : .

أنّ المرجّح أي العلة الفاعلية لمشيئة الفاعل ، سواء تعلق بالفعل أو الترك ، هو ذات الفاعل بما له من القدرة ، كما يشهد بذلك أنه ربما لا يكون لأحد الفعلين من جهة الخاصيّة والصلاح والفساد ، والحسن والقبح والسهولة والصعوبة ، وغيرها مزيّة على الفعل الآخر ، ومع ذلك لا نجد لأنفسنا نقصا في التمكن على كل من الفعلين ، كما ربما لا يكون لفعل الشيء في الجهات المذكورة مزيّة على تركه . وفي هذا الفرض أيضا لا نجد لأنفسنا نقصا في التمكن من الفعل والترك ، وفي الاستيلاء عليهما ، بل ولا توقفا في العمل. وفي صورة وجود المزيّة أيضا نجد أنّه لا تأثير لوجودها في مالكيتنا وتمكننا على كل من الطرفين ، ولكن لوجود العقل الكاشف عن الحسن والقبح ، والعلم بالمصلحة والمفسدة ووجود كمال الحكمة فينا لا نفعل المرجوح مع كمال القدرة على فعله ، فنسبة سلطنة القادر تكوينا على طرفي الفعل والترك في جميع الصور متساوية ، والمرجح لكل منها هو

ص: 144


1- في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : المشيئة محدثة. وفي رواية بكير بن أعين عنه صلوات الله علیه : العلم ليس هو المشيئة ... الخبر ، التوحيد 146 ، البحار 5 : 122 .
2- كشف المراد 308 .

المشيئة والعزم منّا ، وفاعل المشيئة نفس القادر بما له من صفة القدرة ، فمن كمال القادر على شيء أنه لا يحتاج في ترجيح فعله أو تركه على الطرف الآخر إلى غير مشيئتة.

وبعبارة أخرى فيها توضيح للمطلب : أنّ العلة الغائيّة من المصلحة والحسن والسهولة وامتثال أمر المولى وغيرها في أحد الطرفين وعلم الفاعل بها لا توجب عجزه وقصور قدرته وتمكنه تكوينا من الطرف الآخر ، ولا نفي صحة نسبة وجود الفعل أو عدمه على نحو الحقيقة إلى مشيئة الفاعل ، وإلى فاعل المشيئة الذي هو نفس الإنسان بما له من القدرة والسلطنة ، وإنما توجب رجحانه العقلي واستحقاق المدح والشكر أو الذم على فعله أو ترکه ، بل أحيانا استحقاق الثواب أو عقاب المولى ، ووجود الداعي تكوينا في نفس الفاعل وإعطاء الله القدرة إيّاه وسيلة لامتحانه .واختباره والحاصل أنّ العلة الفاعلية هو نفس الفاعل بما له من القدرة ، ومشيئته وإرادته وعزمه فقط ، وإليها تنتهي جميع أفعاله المقدورة ، وإليها تنسب حقيقة لا إلى الدواعي وموجدها.

بل ظهر مما ذكرنا أنّه لا بدّ له في القدرة والسلطنة من ثبوت المشيئة له ، لما ذكرنا من أنّ نسبة القدرة إلى فعل الشيء وتركه على السواء ، فلا بد لظهورها وتعلقها بأحدهما من مخصص ، فلو كان المخصص غير الفاعل القادر ثبت له الاحتياج في صدور الفعل عنه إلى ذلك الغير ، أو كونه مسلوب القدرة ، وهذا خلف ، بخلاف ما لو كان المخصص مشيئته ، وفاعل المشيئة نفسه ، وهذا هو الغنى والكمال والقدرة ، ونحن نجد هذا الغناء الذي هو عطاء من الله تعالى بالنسبة إلى بعض الأفعال ، وهو ثابت له تعالى بالنسبة إلى جميع الأشياء لكونه كمالا ، كما يشير إليه مثل قوله تعالى : ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (1) ( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) (2) ، وقولهم : : ما شاء ربّي كان وما لم يشأ لم يكن (3) ، يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء أحد غيره (4) .

وبالتأمل في ما ذكرنا تندفع شبهات أوردوها في المقام ، نذكرها ونذكر غيرها

ص: 145


1- آل عمران 74 .
2- آل عمران 73 .
3- البحار 101 : 299 ، عن مصباح المتهجد.
4- الكافي 2 : 549.

واجواب عنها :

منها : أنّ جميع الموجودات . سوى الله تعالى . ومنها البشر وأفعاله الاختيارية من الممكنات ، ولا يصلح لجعل الممكن وإيجاده إلاّ واجب الوجود ، فلا بد من استناد أفعال العباد إليه .

والجواب : إنّ الجعل والإيجاد الذي لا يصلح لأحد سوى الله تعالى هو الجعل والإيجاد بذات الفاعل ، وإيجاد البشر للفعل الاختياري ليس بذاته ، بل بالقدرة التي أعطاها الله إيَّاه. فالقبائح الصادرة عنه اختيارا ليست مجعولة له تعالى ولا مستندة إليه.

وقد مرّ عن المحقق الطوسي . ره . أنّ الضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا. وفي الرواية : ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر (1) .

نعم ، حيث إنّ الإنسان كسائر الممكنات مجعول ومخلوق له تعالى شأنه، وجميع كمالاته من العلم والقدرة وغيرهما عطاء من الله تعالى أعطاها الله إيّاه ليطيعه بها لا ليعصيه ، وأعطاه الله العقل أيضا ليعرف به وجوب الطاعة ، وأكده وأرشد إليه بأمره بها ، وهيّأ له أسبابها ، ووعده جزيل الثواب عليها .. يظهر بها صحة القول بأنّ الله تعالى أولى بحسنات العبد منه ، والعبد أولى بسيئاته منه تعالى ، وإن كان كل من الطاعة والمعصية مستندة إلى العبد ، وفعلا منه حقيقة وصادرا عنه بقدرته ومشيئته لا من الله تعالى ، ولا ينافي ذلك كون العبد ذا قدرة ومشيئة بمشيئة الله تعالى ، فتدبر جيدا كي لا يختلط عليك الأمر .

فعن العياشي عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن صلوات الله علیه قال : قال الله تبارك وتعالى : ابن آدم! بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء وتقول ، وبقوتي أدّيت إلي فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذاك أتي أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ، وذاك أتي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون (2) .

ص: 146


1- البحار 3 : 293 ، عن العيون.
2- البحار 5 : 56 .

وعن قرب الإسناد عن ابن حكيم عن البزنطي ، قال : قلت للرضا صلوات الله علیه: إنّ أصحابنا بعضهم يقول بالجبر وبعضهم يقول بالاستطاعة ، فقال لى : اكتب : قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبقوّتي أديت إلى فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا قويا ، ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذاك أني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني ، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، فقد نظمت لك كل شيء تريد (1).

وعن تفسير علي بن إبراهيم بسنده عن السكوني عن جعفر عن أبيه صلوات الله عليهما ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : ... إن الله يقول : يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبقوتي وعصمتي وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي ، وأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بذنبك منّي ، الخير منّي إليك بما أوليتك به ، والشرّ منّي إليك بما جنيت جزاء (2)

قال المجلسي . ره . : قوله تعالى : بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء ، أي شئت أن أجعلك شائيا مختارا ، وأردت أن أجعلك مريدا ، فجعلتك كذلك.

ومنها : أنّ الله تعالى كان عالما بكل شيء ، ومنه أفعال العباد ، فيجب أن تقع أفعالهم على طبق علمه وإلا لزم جهله.

والجواب : إنّه تعالى كما علم وقوع المعاصي والطاعات من العباد ، علم قدرتهم فيها وأنهم يفعلونها بها ، والعلم كاشف لها على ما هي عليه ، وهذا معنى قول المحقق الطوسي : والعلم تابع (3). وفي رواية الكافي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : إنّ الله لم يجبر أحدا على معصيته ، ولا أراد إرادة حتم الكفر من أحد ، ولكن حين كفر كان في إرادة الله أن يكفر ، وهم في إرادة الله وفي علمه أن لا يصيروا إلى شيء من الخير ... (4)

ص: 147


1- البحار 5 : 57 ، عن قرب الإسناد والتوحيد والعيون.
2- البحار 5 : 93 .
3- كشف المراد 230 .
4- الكافي 1 : 162 .

ومنها : أنّ علمه فعليّ وعلّيّ ، فإنّ علمه عين ذاته التي حيث ذاتها العلية لكل شيء ، فيجب أن يكون علمه أيضا علة لكل شيء ومنه أفعال العباد ، فيجب وقوعها.

والجواب : منع كون ذاته تعالى علة لأفعال العباد الاختيارية ، بل العلة مشيئة العبد القادر عليها بالقدرة التی أعطاها الله إياه.

ومنها : أنّ الشيء ما لم يوجد . ( بالفتح ) أي ما لم يكن موجودا . لم يوجد ( بالكسر ) ، وحيث إنّه لا وجود حقيقي للممكنات في ذواتها فلا إيجاد لها حقيقة ، فيكون الإيجاد مطلقا . حتى لأفعال العباد . له تعالى شأنه .

والجواب : يظهر مما مرّ من أنّ الإيجاد المخصوص بالله تعالى هو الإيجاد بذاته، وإيجاد العباد ليس بذواتهم ، بل بالقدرة التي أعطاها الله إياهم.

ومنها : أنّ أفعالنا معلولة لإرادتنا ، والإرادة غير اختيارية ، ولا يجوز العقاب على أمر غير اختياري.

والجواب : إنّ الإشكال إنّما يرد لو كانت الإرادة بمعنى الشوق الأكيد ، وكانت هي بهذا المعنى العلّة الفاعلية أو الجزء الأخير منها للفعل ، والأمر ليس كذلك . كما مرّ . بل الإرادة هو العزم الوارد على الشوق المتأخر عنه ، وهو العلة الفاعلية ، والشوق ليس إلا المقتضي والداعي ، ولا بأس بانتهائه إلى الله ، بل هو مما يمتحن الله به العباد.

ومنها : أنّ الاختيار . أي اختيار الفعل الذي هو علة لوجود الفعل يكون حادثا ، ولا بد له من محدث ، ومحدثه إن كان باختيار آخر منا فيتسلسل الاختيار فينا ، وإن لم يكن باختيار منا بل بالغير فنحن مجبورون في كل فعل على الاختيار الخاص ، ولا بدّ من انتهاء اختيارنا إلى الاختيار الأزلي فيلزم الاضطرار في الفعل ، ولذا قال بعضهم : نحن مضطرون بصورة الاختيار.

والجواب : إنّ اختيارنا لكل فعل . بمعنى عزمنا عليه . نحن محدثوه بالقدرة التي أعطانا الله إياها ، وإلينا ينتهي ، وإلا لزم أن يكون اختيارنا هذا باختيار آخر ، فإنّ الفعل الاختياري الصادر منا في الخارج هو الذي لا بد أن يكون بالاختيار ، وأمّا نفس الاختيار بمعنى العزم عليه فإنّه لا يحتاج إلى اختيار وعزم آخر.

ص: 148

ومنها : أنّ الفعل تابع للإرادة ، والإرادة ناشئة عن ذاتنا وطينتنا ، وهي لم تفوّض إلينا بل مستندة إلى الله تعالى ، ولازمه الجبر والاضطرار في الفعل. وعن بعض الأعاظم لدفع إشكال استنادها إلى الله : أنّ الذاتي لا يعلل ، فلم يجعل الله السعيد سعيدا والشقي شقيا بل أوجدهما.

والجواب : إنّ السعادة والشقاوة من المقتضي والداعى ، وذاتنا وطينتنا بنفسها أيضا في سلسلة المقتضيات ، والعلة الفاعلية هي ذاتنا بالقدرة الحقيقية الواردة على جميع المقتضيات ، والقدرة تنافي الجبر.

ومنها : ما قالوا من أنّ المشيئة والإرادة الأزلية تعلّقتا بكل شيء ومنه الأفعال ، فيلزم الجبر.

والجواب : إنّ المشيئة والإرادة من صفات الفعل فلا تكونان أزليتين ، وهما تعلّقتا بأفعالنا الاختيارية ، أي بأن يكون صدور الأفعال منّا باختيارنا ، والله تعالى عالم بالعلم الذاتي ، والعلم كاشف عن الواقع ، فلا يلزم الجبر.

ومنها : ما قالوا من أنّ الحبّ للشيء حبّ لآثاره ولوازمه ، والله تعالى أحبّ نفسه ورضي بها ، فأحبّ آثارها ولوازمها ، وهي كل ما يتحقق ، ومنه أفعالنا .

والجواب : إنّه بعد تحقق الفعل عن العبد باختياره وبالقدرة التي ملّكها الله تعالى إيَّاه لا يكون ذلك الفعل من لوازم الحق تعالى شأنه ، ومع نهيه تعالى عن إيقاعه وإيعاده كيف يصح القول بأنّه أحبه ورضي به؟! ففي سورة الزمر : ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (1)

ومنها : أنّ الاختيار بالداعي اضطرار ، وعن بعض أنّ كل مختار غير الواجب الأول مضطر في اختياره ومجبور في أفعاله (2).

والجواب : إنّه كذلك لو لا أن تفاض عليه القدرة بعد تحقق الداعي ، وأما بعد ورود القدرة عليه . كما هو المحقق في الأفعال الاختيارية ، وهي الحجة البالغة . فلا .

ص: 149


1- الزمر 7 .
2- الأسفار 6 : 312.

ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا ) (1) ، وفي تفسير أهل البيت : : لو شاء الله أن يجعل كلهم مؤمنين معصومين حتى كان لا يعصيه أحد لما كان يحتاج إلى جنّة ولا إلى نار ، ولكنه أمرهم ونهاهم وامتحنهم وأعطاهم ما به عليهم الحجة من الآلة والاستطاعة ليستحقوا الثواب والعقاب(2)

ومنها : لو كان العبد فاعلا للإيمان لما وجب عليه الشكر عليه ، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله.

والجواب : إنّ الشكر على تعريفه تعالى إياه نفسه وتمكينه على الإيمان وتوفيقه له.

ومنها : الأدلة السمعية من الآيات والروايات ، منها الآيات الكريمة :

( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (3)

( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (4)

( اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (5)

( وَلَوْ شَاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا ) (6)

( وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ )(7)

( وَلَوْ شَاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ ) (8) .

( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (9).

( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا

ص: 150


1- الأنعام 107 .
2- مجمع البيان 2 : 346 .
3- الصافات 96 .
4- الرعد 16 .
5- الزمر 62 .
6- الأنعام 107.
7- البقرة 253 .
8- الأنعام 137.
9- فاطر 3 .

مُؤْمِنِينَ. وَمَا كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ ) (1) .

(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ ) (2) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرْ ) (3)

( كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (4)

( وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (5)

وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (6) .

ورواية الكليني بسنده عن حريز بن عبد الله وعبد الله مسكان ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه أنّه قال : لا يكون بن شيء في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع : بمشيئة ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب أنه وأجل ، فمن زعم يقدر على نقض واحدة فقد كفر (7).

ورواية الصدوق بسنده عن حمدان بن سليمان ، قال : كتبت إلى الرضا صلوات الله علیه أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة هی أم غير مخلوقة؟ فكتب صلوات الله علیه : أفعال العباد مقدّرة في علم الله عزّ وجلّ قبل خلق العباد بألفي عام (8)

وروايته أيضا بسنده عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي : ، قال سمعت أبي علي بن أبي طالب صلوات الله علیه يقول : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض ، وفضائل ، ومعاص ، فأما الفرائض فبأمر الله تعالى ، وبرضى الله وبقضاء الله ، وتقديره ، ومشيته ، وعلمه . وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله ، وبقضاء الله ، وبقدر الله ،

ص: 151


1- یونس 99 ، 100 .
2- الحشره .
3- القمر 52 ، 53 .
4- المدثر 31 .
5- الدهر : 30.
6- التكوير : 29 .
7- الكافي ره : 149 ، البحار 5 : 121 ، عن المحاسن بسنده عن أبي جعفر .. وفيه وفي البحار بدل « نقض » : « نقص ».
8- العيون 1 : 136 ، وعنه البحار 5 : 29 .

وبمشيئته وبعلمه. وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله ، وبقدر الله ، وبمشيئته وبعلمه ، ثم يعاقب عليها (1)

وفي التوحيد بإسناده إلى أبي محمّد العسكري عن أبيه عن جده : قال : قال الرضا صلوات الله علیه في ما يصف به الربّ : لا يجوز في قضيّته ، الخلق إلى ما علم منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، ولا يعملون خلاف ما علم منهم ، ولا غيره يريدون ... (2)

والجواب : عن الآية الاولى يظهر بملاحظة صدرها : ( فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ. فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُونَ. قَالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ. وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (3).

قال الطبرسي ره في المجمع : أي وخلق ما عملتم من الأصنام. فكيف تدّعون عبادته وتعبدون معمولكم؟! وهذا كما يقال : فلان يعمل الحصير ، وهذا الباب من عمل فلان النجار ... فليس لأهل الجبر تعلق بهذه الآية في الدلالة على أن الله سبحانه خالق لأفعال العباد ، لأنّ من المعلوم أن الكفار لم يعبدوا نحتهم الذي هو فعلهم ، وإنما كانوا يعبدون الأصنام التي هي الأجسام ، وقوله : « ما تنحتون » هو ما يعملون ، في المعني. على أنّ الآية على التقريع للكفار والإزراء عليهم بقبيح فعلهم ، ولو كان معناه : والله خلقكم وخلق عبادتكم ، لكانت الآية إلى أن تكون عذرا لهم أقرب من أن تكون لوما وتهجينا ، ولكان لهم أن يقولوا : ولم توتخنا على عبادتها والله تعالى هو الفاعل لذلك؟! فتكون الحجّة لهم لا عليهم. ولأنّه قد أضاف العمل إليهم بقوله : تعملون ، فكيف يكون مضافا إلى الله تعالى؟! وهذا تناقض ، ولما لزمتهم الحجة(4). انتهى كلامه .ره .

أقول : ومنه يظهر الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى : ( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ

ص: 152


1- التوحيد 370 . البحار 5 : 29 عنه وعن العيون والخصال.
2- التوحيد 47 ، وعنه في البحار 5 : 101 .
3- الصافات 96091.
4- مجمع البيان 4 : 450 .

عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (1) ، فإنّه أيضا منصرف عن أعمال العباد ، ولا سيما بعد ملاحظة قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (2) ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) (3) ( خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَشا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَا ذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (4) .

وأمّا الآيات والروايات الدالة على أنّ الهداية والإيمان وسائر الأعمال بمشيئة الله وإرادته وقضائه فالجواب أنّ حكم العقل بنفي الجبر في الأعمال المقدورة للبشر ، وما دلّ من الآيات والروايات المذكورة لهذا الحكم العقلي والروايات المفسّرة لهذه الآيات . كما ستجيء جملة منها . قرينة قطعية على أنّ المراد من مشيئة الله تعالى وإرادته وتقديره وقضائه في الأفعال الاختيارية للبشر ليس بمعناها في غيرها ، وسيجيء توضيحها وبيان المراد منها.

الأدلة النقلية على نفي الجبر

في البحار عن العيون ... وقال الرضا صلوات الله عليه في روايته عن آبائه عن الحسين بن علي : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين صلوات الله علیه ، فقال : أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال له أمير المؤمنين صلوات الله علیه : أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء ء من الله وقدر ، فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ، فقال : مهلا يا شيخ ، لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم يكن على مسيء لائمة ، ولا لمحسن محمدة ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب ، والمذنب أولى بالإحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان

ص: 153


1- الزمر 62 .
2- النحل 17 .
3- النحل 20 .
4- لقمان 10 ، 11 .

وخصماء الرحمن ، وقدرية هذه الامة ومحوسها. يا شيخ ، إن الله عزّ وجلّ كلّف تخييرا ، ونهى تحذيرا ،وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

فنهض الشيخ وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرج بطاعته یوم النجاة من الرحمن غفرانا

إلى آخر الأبيات. (1).

وفيه عن الاحتجاج : روي عن علي بن محمد العسكري صلوات الله علیه : في رسالته إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتفويض أنّه قال : روي عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه : أنّه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر؟

فقال له أمير المؤمنين : نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدره ، فقال الرجل : عند الله أحتسب عنائي ، والله ما أرى لي من الأجر شيئا.

فقال علي صلوات الله علیه: بلى فقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم ذاهبون ، وعلى منصرفكم وأنتم منقلبون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين.

فقال الرجل : وكيف لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا ، وعنهما كان مسيرنا؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله علیه : لعلّك أردت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهى ، وما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولا كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المذنب ، ولا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن ، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان ، وجنود الشيطان ، وخصماء الرحمن ، وشهداء الزور والبهتان ، وأهل العمى والطغيان ، هم قدريّة هذه الأمة ومحوسها ، إنّ الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل هزلا ، ولم ينزل القرآن عبثا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

ص: 154


1- البحار 5 : 13 ، عن العيون.

قال : ثم تلا عليهم : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (1)

قال فنهض الرجل مسرورا وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته یوم النشور من الرحمن رضوانا

إلى آخر الأبيات (2)

أقول : وجه عدم الملامة على المسيء وعدم المحمدة على المحسن إذا كان العبد مجبورا واضح ، ولعل وجه عدم كون المذنب أولى بالذنب من المحسن وعدم كون المحسن أولى بالمدح من المذنب كونهما متساويين في عدم استناد الإحسان والإساءة إليهما.

وأما قوله في الرواية الاولى : لكان المحسن أولى ... فلا يبعد كونه مصحفا ، وإن وجهه العلامة بوجوه ذكر بعضها في البحار ، وبعضها في المرآة ، فراجع (3)

و عن اعتقادات الصدوق : وسئل الصادق صلوات الله علیه عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) (4)، قال : مستطيعون للأخذ بما أمروا به ، والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا وقال أبو جعفر: في التوراة مکتوب مسطور : يا موسى إني خلقتك واصطفيتك وقوّيتك ، وأمرتك بطاعتي ، ونهيتك عن معصيتي ، المنة عليك في إطاعتك ، ولي الحجة عليك في معصيتك (5) .

وعن الاحتجاج من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله صلوات الله علیه عن مسائل كثيرة : قال : أخبرني عن الله عزّ وجل كيف لم يخلق الخلق كلّهم مطيعين موحّدين ، وكان على ذلك قادرا؟

قال صلوات الله علیه : لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب ، لأنّ الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم تكن جنّة ولا نار ، ولكن خلق خلقه فأمر هم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، واحتج عليهم

ص: 155


1- الإسراء ، 23 .
2- البحار 5 : 95 .
3- البحار 5 : 14 ، مرآة العقول 2 : 175 .
4- القلم 43 .
5- البحار 5 : 9 .

C

برسله ، وقطع عذرهم بكتبه ، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ، ويستوجبون بطاعتهم له الثواب ، وبمعصيتهم إياه العقاب .

قال : فالعمل الصالح من العبد هو فعله ، والعمل الشرّ من العبد هو فعله؟ قال صلوات الله علیه :

العمل الصالح العبد يفعله ، والله أمره ، والعمل الشرّ العبد يفعله والله عنه نهاه . قال : أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟ قال صلوات الله علیه : نعم ولكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها على الشر الذي نهاه عنه.

قال : فإلى العبد من الأمر شيء؟ قال صلوات الله علیه : ما نهاه الله عن شيء إلا وقد علم أنه يطيق تركه ، ولا أمره بشيء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله ، لأنه ليس من صفته الجور ، والعبث ، والظلم ، وتكليف العباد ما لا يطيقون .

قال : فمن خلقه الله كافرا أيستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة؟ قال صلوات الله علیه : إنّ الله خلق خلقه جميعا مسلمين ، أمرهم ونهاهم ، والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد ، ولم يخلق العبد حين خلقه كافرا ، إنّه إنّما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من بلغ وقتا لزمته الحجة من الله ، فعرض عليه الحق فجحده ، فبإنكاره الحق صار كافرا.

قال : فيجوز أن يقدر على العبد الشرّ ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله ويعذبه عليه؟

قال صلوات الله علیه : إنّه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدّر على العبد الشرّ ويريده منه ، ثم يأمره بما يعلم أنّه لا يستطيع أخذه ... الخبر(1) .

وعن التوحيد مسندا عن صباح الحذاء عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : سأله زرارة وأنا حاضر فقال : أفرأيت ما افترض الله علينا في كتابه وما نهانا عنه جعلنا مستطيعين لما افترض علينا ، مستطيعين لما نهانا عنه ؟ فقال : نعم (2).

وعن الطرائف : روى جماعة من علماء الإسلام عن نبيّهم صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال : لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا ، قيل : ومن القدرية يا رسول الله ؟ فقال : قوم يزعمون أنّ

ص: 156


1- البحار 5 : 18.
2- البحار 5 : 34 .

الله قدر عليهم المعاصي وعذبهم عليها (1)

وعنه أيضا : روى صاحب الفائق وغيره من علماء الإسلام عن محمّد بن علي المكي بإسناده قال : إنّ رجلا قدم على النبي صلی الله علیه و آله و سلم فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أخبرني بأعجب شيء رأيت ، فقال : رأيت قوما ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم ، فإذا قيل لهم : لم تفعلون ذلك؟ قالوا : قضاء الله تعالى علينا وقدره ، فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : سيكون من أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم ، أولئك مجوس أمتي (2).

وروى صاحب الفائق وغيره عن جابر بن عبد الله عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم : يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي ويقولون : إنّ الله تعالى قد قدّرها عليهم ، الرادّ عليهم كشاهر سيفه في سبيل الله (3) .

وعنه أيضا : روي أن رجلا سأل جعفر بن محمد الصادق صلوات الله علیه عن القضاء والقدر ، فقال : ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه ، وما لم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله. يقول الله للعبد : لم عصيت؟ لم فسقت؟ لم شربت الخمر؟ لم زنيت؟ فهذا فعل العبد ولا يقول له : لم مرضت ؟ لم قصرت؟ لم ابيضضت؟ لم اسوددت؟ لأنّه من فعل الله تعالى (4) .

وعن كنز الفوائد للكراجكي عن أيوب بن نوح عن الرضا عن آبائه : ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : خمسة لا تطفأ نيرانهم ، ولا تموت أبدانهم : رجل أشرك ، ورجل عق والديه ، ورجل سعى بأخيه إلى السلطان فقتله ورجل قتل نفسا بغير نفس ، ورجل أذنب وحمل ذنبه على الله عزّ وجل (5) .

وفي البحار أيضا عن رسالة أبي الحسن الثالث صلوات الله عليه في الردّ على أهل الجبر والتفويض : ... فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطاء فهو قول من زعم أن الله جل

ص: 157


1- البحار 5 : 47 .
2- البحار 5 : 47 .
3- البحار 5 : 47 .
4- البحار 5 : 59 .
5- البحار 5 : 60 .

وعزّ أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها. ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ، وردّ عليه قوله : ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (1) كتابة المجازي الغبار ، وقوله : ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلامِ لِلْعَبِيدِ ) (2) ، وقوله : ( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (3) ، مع أي كثيرة في ذكر هذا. فمن زعم أنّه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وقد ظلمه في عقوبته ، ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر بإجماع الأمة (4) .

وفيه عن الطرائف : حكي أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري ، وإلى عمرو بن عبيد ، وإلى واصل بن عطاء ، وإلى عامر الشعبي ، أن يذكروا ما عندهم وما وصل إليهم في القضاء والقدر ، فكتب إليه الحسن البصري : إنّ أحسن ما انتهى إلي ما سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله علیه أنّه قال : أتظنّ أنّ الذي نهاك دهاك؟! وإنّما دهاك أسفلك وأعلاك ، والله بريء من ذاك. وكتب إليه عمرو بن عبيد : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله علیه : لو كان الزور في الأصل محتوما لكان المزوّر في القصاص مظلوما. وكتب إليه واصل بن عطا : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله علیه : أيدلك على الطريق ويأخذ عليك المضيق ؟! وكتب إليه الشعبي : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله علیه : كل ما استغفرت الله منه فهو منك ، وكل ما حمدت الله عليه فهو منه. فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج ووقف عليها قال : لقد أخذوها من عين صافية (5)

وعن التوحيد ومعاني الأخبار بإسناد رفعه إلى الصادق صلوات الله علیه أنّه سأله رجل فقال له : إنّ أساس الدين التوحيد والعدل، وعلمه كثير لا بدّ لعاقل منه ، فاذكر ما يسهل الوقوف

ص: 158


1- الكهف : 49 .
2- الحج 10.
3- يونس 44 .
4- البحار 5 : 71 عن تحف العقول ، البحار 5 : 22 عن الاحتجاج.
5- البحار 5: 58 .

عليه ويتهيأ حفظه ، فقال صلوات الله علیه : أمّا التوحيد فأن لا تجوز على ربّك ما جاز عليك ، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لا مك عليه (1) .

وعن العيون . في حديث . عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمّد : : من زعم أنّ الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلوا وراءه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا (2).

ويدلّ على نفي الجبر . مضافا إلى ما مر من الروايات الصريحة وستجيء جملة أخرى منها . ما أشير إليه إجمالا في الروايات المتقدمة وغيرها ، ونبه عليه العلامة السيد عبد الله شبر ره في بعض مؤلّفاته أخذا من الروايات. ومنها رسالة أبي الحسن الثالث صلوات الله علیه ، أوردها المجلسي ره في البحار (3) :أنه يلزم من القول به مخالفة الكتاب العزيز ونصوصه والآيات المتظافرة فيه الدالّة على إسناد الأفعال إلينا ، كالآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) (4) . ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ) (5) ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ ) (6) ( ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةَ أَنْعَمَها عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) .(7) . ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ) (8) . ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) (9) . ( وَجَاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ) (10) .( كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )(11) . ( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ

ص: 159


1- البحار 5 : 16 .
2- البحار 5 : 11 ، وسائل الشيعة 24 : 69 . الباب 28 من أبواب الذبائح ، الحديث 9 .
3- راجع : ص 159 .
4- ص : 27 ، : 27 ، مریم37 .
5- البقرة 79.
6- الأنعام 116 ، يونس 66 ، النجم 23 ، 28.
7- الأنفال 53.
8- المائدة 30.
9- النساء 123.
10- يوسف 18 .
11- الطور 21 .

لی )(1)

وكذا ما ورد في القرآن من مدح المؤمن على إيمانه ، وذمّ الكافر على كفره ، ووعده بالثواب والطاعة ، وإبعاده بالعقاب على المعصية ، كقوله : ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ )(2) . ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3). ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها ) (4) .

إلى أن قال : وكذلك الآيات الدالّة على أنّ أفعال الله تعالى منزّهة عن أن تكون مثل أفعال المخلوقين من التفاوت والاختلافات والظلم ، كقوله : ( ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )(5) . ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) (6) ، والكفر والظلم ليس بحسن ، وقوله تعالى : ( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُما إِلا بِالْحَقِ ) (7) والكفر ليس بحق ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) (8) .

وكذا الآيات الدالة على ذمّ العباد على الكفر والمعاصي ، كقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ) (9) ، وكيف يجوز على زعمهم أن يقول الله : أن يقول الله : لم تفعلون مع أنّهم ما فعلوا ؟ ويقول : ( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ )(10) ، و ( لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )(11) . ولنعم ما قال الصاحب بن عباد : كيف يأمر بالإيمان ولم يرده ، وينهي عن الكفر وقد أراده ، ويعاقب على الباطل وقد قدّره ، وكيف يصرف عن الإيمان ثم يقول : ( فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )(12)

ص: 160


1- إبراهيم 22 .
2- المؤمن 17 .
3- الجاثية 28.
4- الانعام 160 .
5- الملك 3 .
6- السجدة 7 .
7- الحجر 85.
8- النساء 40 .
9- البقرة 28 .
10- آل عمران 71 .
11- آل عمران 99.
12- یونس : 32 ، الزمر 6 .

ويخلق فيهم الكفر ثم يقول : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ ) ، ويخلق فيهم لبس الحق بالباطل ... ثم يقول : ( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ) ، و ( لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... ) إلى آخر ما نقله عنه. (1)

معاني القضاء والقدر

يطلق القضاء في اللغة على معان استشهد عليها بشواهد من القرآن : أحدها : الأمر والإيجاب والحكم مولويا ، كقوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (2) ، وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِ ) (3) .

الثاني : الإعلام والإخبار ، كقوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ ) (4) .

الثالث : الفراغ من الأمر ، كقوله تعالى حكاية عن يوسف : ( قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) (5) .

وقيل : يطلق أيضا على الخلق ، ومثل له بقوله تعالى : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) (6)

والقدر أيضا يطلق على معان :

أحدها : وضع الأشياء في مواضعها من غير زيادة ونقصان ، وتقدير خصوصياتها تكوينا ، كقوله تعالى : ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) .(7) . ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (8)

الثاني : بيان تلك الأوضاع والخصوصيات المقدرة على النحو المتحقق في الخارج ، والإخبار عنها وكتابتها في اللوح مثلا ، كقوله تعالى : ( إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ

ص: 161


1- حق اليقين للسيّد شبر 62 .
2- الإسراء 23 .
3- المؤمن 20 .
4- الإسراء : 4 .
5- يوسف 41 .
6- فصلت 12.
7- فصلت 10 .
8- القمر 49.

الْغَابِرِينَ ) (1)

وقيل : جاء بمعنى الخلق أيضا ، ومثل له بقوله تعالى : ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتها ) (2) .

فتأمّل.

فنقول : لا إشكال في تعلّق القضاء والقدر بجميع معانيها بغير الأفعال الاختيارية ، إنما الإشكال في تعلّقها بتلك الأفعال ، فمن أراد أنّ الله حكم عليها وألزم بها مولويا ، بأن أمر ببعضها ونهى عن بعضها فهو معنی صحیح دلّ عليه الكتاب والسنة والعقل. وكذا إن أراد أنّه بيّن تلك الأحكام وبيّن مقاديرها ومراتبها بحسب الفرض والنفل ، وبحسب الحسن والقبح ، وكذا لو أراد أنه أعلم وكتب وبيّن أنهم سيفعلونها.

وكذا لا بأس بتعلّق التقدير والقضاء التكويني بأسبابها ومقدماتها وبالدواعي إلى وجودها أو عدمها ، وبالقدرة على فعلها وتركها ، فإنّه وإن كانت المقدمات والمقتضيات والدواعى مخلوقة الله تعالى ، وكانت القدرة المفاضة منه تعالى على العبد بقدر . كما عن الاحتجاج بعد ذكر الخبر المتقدم : وروي أن الرجل قال : فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين ؟ فقال : الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، كل ذلك قضاء الله في أفعالنا ، وقدره لأعمالنا ، أما غير ذلك فلا تظنّه فإنّ الظن له محبط للأعمال. فقال : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرّج الله عنك (3) . إلا أن تلك القدرة المفاضة عليه تجعل العمل المقدور له فعله ومنتهيا إليه ، لا إلى معطى القدرة الذي أعطاها إيّاه ليصرفها في طاعته ، وأعملها العبد بسوء اختياره في معصيته.

والإنسان وإن كان لا يعمل عملا إلاّ بالداعي ، ولكن القدرة المفاضة عليه بعد وجود الداعي توجب نسبة العمل على نحو الحقيقة إليه لا إلى الداعي.

ويظهر ذلك كمال الظهور إذا كان الداعي إلى الطرفين كليهما موجودا ، وكان اختيار

ص: 162


1- النمل 57 .
2- فصلت 10.
3- البحار 5 : 96 .

أحدهما أي ترجيح أحد الداعيين على الآخر بيد الفاعل ، فإنّ مقتضى قدرة القادر أن لا يحتاج في سلطنته على ترجيح أحد طرفي المقدور ، أي وجوده وعدمه . متساويين كانا من جهة الداعي أم لا . إلى مرجّح آخر سوى مشيئه التي هي فعل له ، وإلا لزم الخلف ، أي أن لا يكون قادرا ، والالتزام به مخالف للوجدان وضرورة الأديان.

تنبیه

قال العلامة الحلّي . ره . ما حاصله : إنّ أبا الحسن الأشعري وأتباعه لما لزمهم القول بالجبر إنكار ما علم بالضرورة ثبوته ، وهو الفرق بين الحركات الاختيارية والحركات الجمادية وما شابه ذلك ذهب إلى إثبات الكسب للعبد ، فقال : الله تعالى موجد الفعل ، والعبد يكتسب ، واضطرب كلامهم في معنى الكسب ، فعن بعضهم أنّ للعبد اختيار الفعل أو عدمه ، والله يخلق الفعل عند اختيار العبد إيّاه. وعن بعضهم أن أصل الفعل من الله ووصف كونه طاعة أو معصية من العبد. وبعبارة أخرى : إنّ الله يخلق الفعل من غير أن يكون للعبد فيه أثر النسبة ، لكن العبد يؤثر في وصف كون الفعل طاعة أو معصية. وعن بعضهم أنّ هذا الكسب غير معقول ولا معلوم مع أنه صادر من العبد.

وأجاب عن الأول بأنّ الاختيار فعل من الأفعال ، فإذا جاز صدوره عن العبد فليجز صدور أصل الفعل منه ، وأي حاجة إلى هذا التمحل تصحيحا للقول بأنّ الظلم والجور والقبائح بأسرها من الله تعالى؟!

وعن الثاني بأنّ الطاعة والمعصية المستندتين بإقرار القائل إلى العبد هل هو نفس الفعل أو أمر زائد عليه؟ فإن كان نفس الفعل فهو صادر من الله . على قوله . لا من العبد ، وإن كان أمرا زائدا عليه فهو من العبد ، فإذا جاز صدوره من العبد فليجز صدور أصل الفعل منه كما قلنا في الجواب عن الأول.

على أنّ كون الفعل طاعة عبارة عن كونه موافقا لأمر الشارع ، وهو شيء يرجع إلى الفعل ، إن كان مطابقا لأمر الشارع كان طاعة ، وإلا فلا ، وحينئذ لا يكون الفعل مستندا إلى العبد ، لا في ذات الفعل على قولكم ، ولا في وصف كونه طاعة ، لأن المطابقة ليست من فعل العبد.

ص: 163

فعل العبد.

وعن الثالث بأنّ ما لا يعقل لا دليل عليه .(1) . والحمد الله .

وأما المشيئة والإرادة فحقيقتهما كما في التقدير والقضاء . على ما يظهر من بعض الروايات ويصدقه الوجدان أنها هي الأفعال الصادرة عن الفاعل القادر الملتفت ، المتقدمة على ما يصدر منه في الخارج ، إما تقدّما رتبيًا فقط ، كما في الأفعال الصادرة عنه متعاقبة ، مثل الكلمات المحسوسة المضبوطة المقدّرة ، الصادرة عن الخطيب العالم البليغ الماهر في التكلم ، فإنّ كل كلمة صدرت منه وإن كانت مسبوقة بمشيئة المتكلم وإرادته و تقديره وقضائه ، لأنه لو لم يشأها ولم يردها لم تصدر منه ، ولو لم يقدرها لم تتقدر بقدر معين ، ولو لم تكن بقضاء وعزم وجزم منه لم تتحقق ولم تمض في الخارج، إلاّ أنّها لسرعة نفوذها ووقوعها تتداخل ، بل تكون جميعها فانية في الفعل الخارجى الصادر منه ، ولذا لا يتميز ولا يتأخر إحداها عن الاخرى ، بل لا يتأخر متعلقها وهو الفعل الخارجي أيضا عنها زمانا ، بحيث لا يرى في الخارج إلاّ المتكلم والكلام الصادر منه.

وإمّا تقدّما زمانيا أيضا ، بحيث يظهر ويتميز إحداها عن الأخرى ، وعن الفعل الصادر منه ، وذلك فيما إذا تعلقت المشيئة والإرادة بالفعل المتأخر زمانا. مثلا في الذهاب من مكان إلى مكان آخر نتصور أولا ونهتم بأصل هذا الذهاب ، ويعبّر عن هذا بالذكر الأوّل ، وبالمشيئة. فإذا ثبتنا على هذه الفكرة وهذا الذكر يعبّر عنها بالإرادة. ثم نقدّر الذهاب بأنّه في أي زمان ، ومن أيّ طريق ، وبأي وسيلة ، ويعبّر عنه بالتقدير. ثم نعزم على العمل ، ويعبّر عن هذا العزم بالقضاء. فإذا تمت تلك الامور نشرع في العمل ، ويعبّر عن هذا الشروع بالإمضاء أي الإجراء في الخارج.

والظاهر من الروايات ثبوت هذه الامور الله تعالى وصدورها عنه على الترتيب المذكور ، ولكن لا بنحو ثبوتها وصدورها منّا ، بل هو كتابة وثبت إجمالي ثم تفصيلي في لوح ووعاء مخصوص لا نعرف حقيقته ولا كيفية كتابته ، إلا أن مقتضى الدليل العقلى والنقلي أنه كسائر أفعاله لا يوجب تغييرا في ذاته تعالى شأنه.

ص: 164


1- نهج الحق للعلامة الحلّيّ : 125.

فعن التوحيد بسنده عن المعلى بن محمّد ، قال : سئل العالم صلوات الله علیه : كيف علم الله؟ قال : علم وشاء ، وأراد

وقدّر ، وقضی وامضى ، فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد ، فبعلمه كانت المشيئة ، وبمشيئته

كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء. فالعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء. فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء. فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ... إلى آخر الخبر بتفصيله ، أورده العلامة المجلسي ره في البحار في باب القضاء والقدر (1) .

ولعل المراد بالإمضاء هو إيجاده في الخارج ، فعليه ما لم يتحقق الشيء في الخارج يجري فيه البداء ، كما ورد في الرواية : الدعاء يردّ القضاء وقد أبرم إبراما (2)

وفي المحاسن بسنده عن يونس عن الرضا صلوات الله علیه قال : قلت : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقضى ؟ فقال : لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى ، قال : قلت : فما معنى شاء؟ قال : ابتداء الفعل ، قلت : فما معنى أراد ؟ قال : الثبوت عليه ، قلت : فما معنى قدّر ؟ قال : تقدير الشيء من طوله وعرضه ، قلت : فما معنى قضى؟ قال : إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له (3) .

قال المجلسيّ : ابتداء الفعل ، أي أوّل الكتابة في اللوح ، أو أوّل ما يحصل من جانب الفاعل ويصدر عنه مما يؤدّي إلى وجود المعلول.

أقول : لعلّ المراد بقوله إذا قضى أمضاه : القضاء المقارن للإمضاء ، أي الإيجاد أو المراد مسبوقية

الإمضاء بالقضاء.

وفي المحاسن بسنده عن محمد بن إسحاق ، قال : قال أبو الحسن صلوات الله علیه ليونس مولى علي بن يقطين : يا يونس! لا تتكلم بالقدر ، قال : إنّي لا أتكلم بالقدر ، ولكن أقول لا يكون إلا ما أراد الله وشاء وقضى وقدر فقال : ليس هكذا أقول ولكن أقول : لا يكون إلاّ

ص: 165


1- البحار 5 : 102 .
2- البحار 62 : 228.
3- المحاسن 244 ، وعنه البحار 5 : 122 ، وعبارة صدر الحديث متفاوتة فيهما ، والمتن موافق للمحاسن.

ما شاء الله وأراد ، وقدّر ، وقضى ، ثم قال : أتدري ما المشيئة ؟ فقال : لا ، فقال : همه بالشيء ، أو تدري ما أراد ؟ قال : لا ، قال : إتمامه على المشيئة ، فقال : أو تدري ما قدّر ؟ قال : لا ، قال : هو الهندسة من من الطول والعرض والبقاء. ثم قال : إنّ الله إذا شاء شيئا أراده ، وإذا أراده قدّره ، وإذا قدّره قضاه ، وإذا قضاه أمضاه ... إلى آخر الخبر (1).

وعن تفسير علي بن إبراهيم ، بسنده عن يونس ، عن الرضا صلوات الله عليه ما يقرب منه ، وفيه : إنّ المشيئة الذكر الأوّل ، والإرادة العزيمة على ما شاء ، والتقدير وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء ، والقضاء إقامة العين (2) .

وعن الدرّة الباهرة : قال الرضا صلوات الله عليه : المشيئة الاهتمام بالشيء ، والإرادة إتمام ذلك الشيء (3) .

وفي المحاسن بسنده عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبد الله صلوات الله علیه : إن الله إذا أراد شيئا قدره ، فإذا قدره قضاه ، فإذا قضاه أمضاه (4) .

وفيه أيضا مسندا عن حريز بن عبد الله صلوات الله علیه بن مسكان ، قالا : قال أبو جعفر صلوات الله علیه : لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع : بمشيئة ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب وأجل ، فمن زعم أنّه يقدر على نقص واحدة منهن فقد كفر (5)

تنبیه

إنّ تعلق مشيئة الله تعالى وإرادته وتقديره وقضائه بعملنا ليس بتعلقها بذات العمل الصادر منا بقدرتنا ، لأنّه بعد فرض كون العمل بمشيئة العبد الصادرة عن قدرته التي أعطاها الله إياه تكون هي العلة المستقلة له ، فيلزم من تعلق مشيئة الله أيضا به توارد

ص: 166


1- المحاسن 244 ، وعنه البحار 5 : 122 .
2- البحار 5 : 116 .
3- البحار 5 : 126 .
4- المحاسن 244 ، وعنه البحار 5 : 121.
5- المحاسن 244 ، وعنه البحار 5 : 121.

العلتين المستقلتين على معلول واحد ، فلو كان الله تعالى أيضا مشيئة في فعله ذلك .كما يظهر من بعض الآيات والروايات المتقدمة وغيرها . فلا محالة يكون متعلقها مقدمات ذلك الفعل وأسبابه والدواعي إليه ، وحدود القدرة المفاضة إليه ، والمعونة والخذلان فيه.

ويكون المراد من تلك الروايات نفي التفويض لا إثبات الجبر ، كما يشهد عليه . مضافا إلى ما مر . أنّها نزلت وصدرت عن الله تعالى شأنه ، وعن رسوله وخلفائه الذين من ضروريات دينهم نفي الجبر ، فكيف يحتمل العاقل المنصف أنهم أرادوا بها إثباته مضافا إلى ما ورد منهم في تفسير ها وبيان المراد منها.

هذا بعض الكلام في نفى الجبر في أفعال العباد.

وأمّا التفويض فهو أيضا مما دلّت الأدلة العقلية والنقلية على نفيه في أفعالنا ، ولعل الدليل النقلي بل العقلي . بعد معرفة الإنسان نفسه . عليه أكثر ، والمؤمن إلى التذكر به والتوجه إليه . دفعا للوقوع في الشرك ولتوهم الاستقلال وغير هما من المفاسد . أحوج.

ومما يدلّ عليه عقلا : أنّ حقيقة الإنسان كسائر الموجودات شيء قائم بالغير ، أي لا قوام له إلا بالله تعالى ، فهو في كل آن محتاج في شيئيته وبقائه إليه تعالى ، وهو بعد الوجود والتكوّن فاقد بذاته لجميع الكمالات من الحياة والشعور والفهم والعقل والقدرة وغيرها ، ومحتاج . في وجدانه لها وفي بقائها له في كل آن أيضا . إليه تعالى شأنه.

مضافا إلى أن تمكنه من الأفعال الخارجية إنّما هو بالآلات البدنية وبالأسباب ، وهي كلها في وجودها وتهيئها للإنسان محتاجة إليه تعالى ، وأيضا للإنسان دواع كثيرة ، وكل واحدة منها يجرّ الإنسان إلى العمل بمقتضاه ، فمع هذه الفاقة والحاجة في جميع شئونه إليه تعالى كيف يجوز له الاعتقاد بالتفويض في أفعاله؟!

ويدلّ عليه . مضافا إلى الآيات والروايات المتقدم بعضها الدالة على تعلق الأمور مطلقا على مشيئة الله آيات اخر يظهر منها ذلك.

( وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ )(1)

( وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُردِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ

ص: 167


1- هود 34 .

قُلُوبُهُمْ ) (1).

( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) (2) .

( وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُريدُ ) (3) .

( يُرِيدُ اللهُ أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ) (4) .

( وَما كانَ لِنَفْسِ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) (5) .

( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (6) .

وعدة روايات مصرحة بنفي الجبر ونفي التفويض كليهما ، وفي عدة منها أن لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، أو منزلة بين المنزلتين.

والجمع بينهما بتخصيص نفي الجبر بالأفعال الاختيارية ، ونفي التفويض بغيرها ، وكذا بتخصيص نفي الجبر في الأفعال بالجبر التكويني ونفى التفويض بالتشريعي باطل.

ومما يشهد عليه أن هذين المعنيين ليس في إدراكهما وتحمّلهما إشكال وغموض يناسبه ما الأئمة عن صلوات الله عليهم في توصيف تلك المسألة من أنّها لا يعلمها إلا العالم أو من علمه ، كما في رواية الكافي بسنده عن صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله صلوات الله علیه (7) . أو أنها بحر عميق ، كما في رواية التوحيد بسنده عن عبد الملك بن عنترة الشيباني عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه (8) . أو قوله : لو أجبتك فيه لكفرت ، كما في رواية ابن صلوات الله علیه سنان عن مهزم عن أبي عبد الله صلوات الله علیه (9) . أو ما عن فقه الرضا : أروي عن العالم صلوات الله علیه أنّه قال : منزلة بين منزلتين في المعاصى وسائر الأشياء ، فالله جل وعزّ الفاعل لها

ص: 168


1- المائدة 41 .
2- الأنعام 125 .
3- البقرة 253 .
4- آل عمران 176.
5- یونس 100 .
6- القصص 56.
7- الكافي 1 : 159.
8- التوحيد : 365 .
9- البحار 5: 53 ، عن التوحيد .

والقاضي والمقدّر والمدبّر (1) ، ونحو ذلك.

وإنّما الإشكال والغموض في إدراك المعنى الظاهر من الرواية ، وهو كون متعلق نفي الجبر والتفويض كليهما هو خصوص الأفعال الاختيارية ، لاكون متعلق أحدهما شيئا ، ومتعلق الآخر شيئا آخر. ولعل وجه الاكتفاء في بعض الروايات بالتشريعي ضعف السائل عن إدراك المطلب ، أو كونه مناسبا لفهم العموم ، كما في رسالة أبي الحسن الثالث صلوات الله علیه(2) ، فإنّ الذي يناسبه فهم الجميع هو نفي التفويض من جهة التشريع.

نفي الجبر والتفويض ، وإثبات الأمر بين الأمرين

هنا روايات عن الائمة المعصومين : يظهر منها المراد من الأمر بين الأمرين (3).

وحاصل ما يظهر من أكثر أخبار الباب ويوافقه العقل السليم ويجده الإنسان من نفسه : نفي الجبر في الأفعال ، بمعنى نفي كونها من فعل الله تعالى أجراها بيد العبد ، وحصولها بقدرة الله من غير مدخلية لقدرة العبد وإرادته ، ونفي التفويض أيضا فيها ، بمعنى نفي القول بأن الله خلق العباد وأقدرهم على أعمالهم ، وفوّض إليهم اختيارها على وفق مشيئتهم من غير أن يكون الله تعالى فيها صنع ، وأن الواقع الحق أمر بين الأمرين ، وهو أنّ لهدايته تعالى ولتوفيقاته . ومنها الدواعي . مدخلا في أفعالهم وطاعاتهم من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء وسلب القدرة عليها ، كما أنّ للخذلان وترك النصرة وإيكالها إلى أنفسهم مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات ، من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء وسلب القدرة عليها ، ومن دون أن تصح نسبتها إلى الله تعالى.

وذلك أنّ الإنسان يجد بعقله أنّ المولى إذا أمر عبده بشيء يقدر عليه ، وأعلمه بذلك ، ووعده على فعله شيئا من الثواب ، وأوعده على تركه شيئا من العقاب ، واكتفى في تكليفه إيّاه بهذا المقدار من التكليف ، والوعد والوعيد ، لم يكن ملوما عقلا وعقلاء لو

ص: 169


1- البحار 5 : 54.
2- البحار 5 : 68 .
3- راجع التوحيد : 361 ، البحار 5 : 16، 17، 40 .

عاقبه على تركه ، ولا ينسبه العقل إلى الظلم ، ولا يقول : إنّه أجبره على ترك الفعل ، كما أنّه لو زاد في ألطافه ومننه بتواتر بعث من يحثه على الطاعة ويرغبه فيها ويحذره من تركها ، فأطاع بقدرته واختياره ، لا يقول العاقل : إنّه أجبره على الفعل ، كما أنّه لا يرى بأسا لو فعل تلك الألطاف إلى بعض عبيده وتركها بالنسبة إلى آخرين لعلّل لا يصل إليها علمنا.

وبالجملة : القول بهذا الأمر الثالث لا يوجب نسبة الظلم إلى الله تعالى ، بأن يقال : أجبرهم على

المعاصي وعذبهم عليها ، كما قال به المجبرة ، ولا استقلال العباد واستغناءهم في حركاتهم وسكناتهم عن الله ونسبة الوهن إليه تعالى وعزله عن ملكه كما قال به المفوّضة.

وبه يصح التكليف وبعث الرسل والوعد والوعيد والثواب والعقاب والشكر على الإيمان والطاعة الله والاستعانة به وطلب التوفيق منه ، والخوف من الخذلان ومن العقاب ، وغير ذلك مما ورد في القرآن المجيد وفي كلام المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وبدونه يلزم الظلم والعبث ولغوية جميع ما ذكرنا.

ومنه يظهر أنّ نفي التفويض من أجل أن مبادي الفعل ومقدماته الخارجية والداخلية وغيرها من العلل التكوينية حتى القدرة كلها من الله تعالى ، والعبد قبل العمل ومع العمل حدوثا وبقاء من أوله إلى آخره محتاج إليه تعالى ، والقدرة على كل عمل إنما تفاض على العبد قبل ذلك بالقبلية الرتبية .

ونفي في الجبر من أجل أنّ القدرة واردة على جميع تلك المبادي والعلل والدواعي وحاكمة عليها ، وأنه بإفاضتها تصير نسبة العبد إلى الفعل والترك من جهة السلطنة عليهما على السواء ، ويكون المرجح والعلة لكل واحد من الفعل والترك المتساوية نسبتهما إلى الفاعل هو مشيئته ، والمشيئة منتهية إلى نفس الفاعل القادر ، فهو المخصص والمرجّح لأحد المتساويين على الآخر من جهة السلطنة ، ولا يحتاج في ترجيح أحدهما على الآخر وفي تمامية العلة له إلى غيره ، وإلى غير مشيئته ، والمشيئة فعله الصادر منه بعد تمام المقدمات ، وبعد تمام الدواعي ،

فهو الفاعل للفعل لا خالق المقدمات ، وموجد الدواعي ومفيض القدرة ، وبه تتم الحجة.

ص: 170

تنبيه

توضيح آخر للأمر بين الأمرين ، ولمعنى المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء في الأفعال الاختيارية ، وإن كان لا يخلو من تكرار لما مر .

فأقول : المشيئة المعبر عنها ب « خواست » أو « خواستن » المتعلقة بفعل شيء أو تركه ، وكذا الإرادة تطلق على معنيين :

أحدهما : ما يعبّر عنه بالفارسية : « خواستن از غير أنجام دادن کاری را ، یا انجام ندادن وترك آن را » ومنه الحكم المولوي بفعل شيء أو تركه ، سواء كان بصيغة الأمر أو النهي أو بغير هما من ن الألفاظ الدالة على البعث أو الزجر. وظاهر أنّه لا يخلوا هذا الحكم الصادر عن الحاكم العالم الملتفت من التقدير في ذات الحكم من جهة الإيجاب والندب ، وفي متعلقه وموضوعه من الأجزاء والشروط ، ولا يخلو أيضا من العزيمة عليه المعبّر عنها بالقضاء ، فإنّه إن لم يعزم عليه لم يقض به.

ثانيهما : هم الفاعل وعزمه على فعل شيء أو تركه ، الفاني فيما يصدر عنه الفعل أو الترك في زمان صدورهما ، فإنّ الإنسان يجد من نفسه أن كل فعل أو ترك اختياري يتحقق منه مسبوق بهذا الهم المعبّر عنه بالمشيئة ، ويجد أيضا كونها ملازمة للتقدير والعزيمة ، ويجد أيضا أنّ سبقها وتقدّمها على العمل لشدة نفوذها وسرعتها رتبي لا زماني. ويصح التعبير عنها بالمشيئة والتقدير والقضاء التكويني ، وتسمية القسم الأول بالتشريعي. ثم إنّه قد يهتم الإنسان تكوينا بفعل شيء أو تركه بعد حين وزمان ، وهذا أيضا لا يخلو من التقدير والعزم عليه قبل بلوغ ذلك الزمان. وربما يعلم همه ذلك غيره ويعلم زمانه وأجله وعزمه ، وربما يكتبه في لوح ونحوه ، ويترتب غالبا على مشيئته وتقديره وقضائه الشروع في إيجاد مقدمات ذلك الفعل أو الترك.

وقد مرّ أنّ مقتضى المدارك القطعيّة أنّ الله تعالى قبل إيجاد المخلوقات المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء بالنسبة إليها ، وأنه كتبها في كتاب وأثبتها في أوعية لا نعرف حقيقتها ولا كيفية الإثبات فيها. نعم الثابت عقلا ونقلا أنه تعالى لا يتغير بصدور تلك

ص: 171

الأفعال منه.

ثم إنّه لا إشكال فيما لا يكون متعلق مشيئته تعالى الأفعال الصادرة عن غيره بقدرته التی أعطاها إيّاه إنما الإشكال فيما لو كانت المشيئة وأخواتها مرتبطة بأفعال الغير ، وأنه ما معنى هذه فيها.

فنقول : قد أشرنا إلى أنّ متعلق مشيئة الله تعالى التكوينية في مورد الفرض . وهو الفعل أو الترك الصادر عن العبد بقدرته واختياره . لا يمكن أن يكون نفس هذا الفعل أو الترك بعينه ، وإلاّ لزم الخلف. وإنما الممكن تعلقها بمقدماته وأسبابه والدواعي التي لا توجب جبر العبد ، ولذا لا بأس بأن يقال إنّ الله شاء أن يشاء العبد ذلك الفعل أو الترك بقدرته ومشيئته ، كما عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه في الاستغفار عند المنام : وشئته إذ شئت أن أشاءه ، وأردته إذ أردت أن أريده (1) ، فإنّ مرجعه إلى مشيئته تعالى أن يكون العبد متصفا بأنّه الذي يشاء ما شاء بقدرته ، كما صرح به بقوله صلوات الله علیه : لم تدخلني فيه جبرا ولم تحملني عليه قهرا وواضح أن الالتزام بالمشيئة بهذا لمعنى لا يستلزم الجبر .

نعم حيث إنّ الفعل الصادر من العبد يكون متعلقا لأمره تعالى ونهيه المولوتين ويصير لذلك متصفا بوصف الطاعة أو المعصية ، ويكون أيضا موضوعا لحكمه بالثواب والعقاب عليه ، وكل منها أي الأمر والنهي والثواب والعقاب بقدر معين ، فالمشيئة والإرادة والقدر والقضاء منه تعالى يكون بأحد هذه المعاني ، لا التكويني أو غيره الذي يوجب الجبر وسلب القدرة عن العبد ، كما تدلّ عليه رواية يزيد بن عمير (2) بن معاوية : قال : دخلت على علي بن موسى الرضا صلوات الله علیه بمرو ، فقلت له : يا ابن رسول ، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد صلوات الله علیه أنّه قال : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، فما معناه؟ فقال: من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أن الله عزّ وجلّ فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه : فقد قال بالتفويض. فالقائل

ص: 172


1- رواه العلامة النوري . . . في الصحيفة العلوية : 69 ، ودار السلام 3 : 135 عن مفاتيح النجاة للمحقق السبزواري.
2- كما في البحار ، وفي العيون : زيد بن عمير.

بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك. فقلت له : يا ابن رسول الله ، فما أمر بين أمرين؟ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه فقلت له : فهل الله عزّ وجلّ مشيئة وإرادة في ذلك؟ فقال : أما الطاعات فإرادة الله ومشيئته فيها الأمر بها ، والرضا لها ، والمعاونة عليها. وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها ، والخذلان عليها قلت : فلله عزّ وجلّ فيها القضاء؟ قال : نعم ، ما من فعل يفعله العباد من خير وشر إلا والله فيه قضاء. قلت : فما معنى هذا القضاء؟ قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة (1) .

وما في البحار عن الكراجكي في كنز الفوائد ، قال الصادق صلوات الله علیه لزرارة بن أعين : يا زرارة! أعطيك جملة في القضاء والقدر؟ قال : نعم جعلت فداك ، قال : إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ، ولم يسألهم عما قضى عليهم(2) .

وفيه أيضا عن الاحتجاج عن علي بن محمد العسكري صلوات الله علیه في رسالته إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتفويض أنّه قال : روي عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه أنّه سأله رجل بعد انصرافه من الشام : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين : نعم يا شيخ إلى أن قال : فقال أمير المؤمنين صلوات الله علیه : لعلك أردت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي ... إلى آخر الخبر (3) ، الذي ذكرناه في الأدلة النقلية على نفي الجبر (4)

وفيه أيضا عن الاحتجاج : وروي أنّ الرجل قال : فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال : الأمر بالطاعة ، والنهي عن المعصية ، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية ، والمعونة على القربة إليه ، والخذلان لمن عصاه ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا ، وقدره لأعمالنا ، أمّا غير ذلك

ص: 173


1- البحار 5 : 11 ، عن العيون.
2- البحار 5 : 60 .
3- البحار 5 : 95 .
4- راجع ص 152.

فلا تظنه ، فإنّ الظنّ له محبط للأعمال. فقال الرجل : فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك(1) .

ومنها يظهر معنى ما في البحار عن التوحيد في خبر الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن صلوات الله علیه : إنّ الله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء. أو ما رأيت أنّ الله نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك؟! ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله ، وأمر إبراهيم بذبح ابنه وشاء أن لا يذبحه ، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله عزّ وجل (2) .

ويظهر أيضا أنّ الإذن في قوله صلوات الله علیه في رواية الاحتجاج عن علي بن محمد العسكري (3) عن موسى بن جعفر : : ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذنه (4) ، بمعنى التخلية بينهم وبين العمل وعدم منعهم عنه تكوينا لا الترخيص فيه ولا الجبر فيه أيضا.

وما في البحار عن معاني الأخبار بسنده عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله صلوات الله علیه : شاء وأراد ولم يحبّ ولم يرض . قلت : كيف؟ قال : شاء أن لا يكون شيء إلاّ بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحبّ أن يقال له : ثالث ثلاثة ، ولم يرض لعباده الكفر (5) .

الظاهر أنّ المراد منه أيضا إمكان الجمع بين مشيئته وجود شيء وبين عدم الحبّ له وعدم الرضا به ، فإنّ القول بأنّه ثالث ثلاثة وكذا الكفر به تعالى الصادران عن المخلوق بسوء اختياره مما لا يحبّه الله ولا يرضى به ،ومع ذلك صح القول القول بأنّهما بمشيئة الله ، حيث إنّه لو لم يشأ هما من أحد . لكونهما مما يمتحن به العبد . لمنع من وقوعهما ، فالمشيئة هنا أيضا بمعنى التخلية بين العبد وبين ما يفعله بسوء اختياره الذي يعلمه الله ،

ص: 174


1- البحار 5 : 96 .
2- البحار 5 : 101.
3- كما في البحار ، لكن في الاحتجاج : عن الحسن بن علي بن محمد العسكري.
4- الاحتجاج 2 : 158 ، البحار 5 : 26 .
5- البحار ، 5 : 89 ، عن معاني الأخبار 170 . ورواه الكليني في الكافي 1 : 151 بسنده عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله صلوات الله علیه .

من دون أن يرخصه فيه أو يجبره عليه.

تنبيه

في معنيين آخرين للتفويض لا ارتباط لهما بأفعال العباد تكوينا :

أحدهما تفويض أمر الخلق والرزق بيد الأئمّة صلوات الله عليهم ، وهو أيضا منفي بحسب الأدلة المعتبرة. ثانيهما : تفويض أمر الدين إليهم ، وهو في الجملة مثبت لهم بحسب الروايات، لكن له حدودا نبينها إن شاء الله تعالى.

أمّا الأوّل فممّا يدلّ عليه ما في البحار عن العيون بسنده عن يزيد بن عمير بن معاوية الشامي ، قال : دخلت على على بن موسى الرضا صلوات الله علیه بمرو فقلت له : يا ابن رسول الله ، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد صلوات الله علیه أنّه قال : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين امرين ، فما معناه؟ فقال: من زعم أنّ الله يفعل أفعالنا ثم يعذِّبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أن الله عزّ وجلّ فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ... إلى آخر الخبر (1)

وفيه عن العيون أيضا عن ياسر الخادم ، قال : قلت للرضا صلوات الله علیه : ما تقول في التفويض؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيه صلی الله علیه و سلم أمر دينه فقال : ( ما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (2). فأما الخلق والرزق فلا. ثم قال صلی الله علیه و آله و سلم إنّ الله عزّ وجلّ خالق كل شيء وهو يقول : ( اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(3) .

وفيه عن الاحتجاج عن علي بن أحمد الدلال القمى ، قال : اختلف جماعة من الشيعة في أنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى الائمة : أن يخلقوا ويرزقوا ، فقال قوم: هذا

ص: 175


1- تقدم في ص : 171.
2- الحشر 7.
3- الروم 40 ، والحديث في البحار 25 : 328.

محال لا يجوز على الله عزّ وجل ، لأنّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ. وقال آخرون بل الله عزّ وجلّ أقدر الأئمة على ذلك وفوّض إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا. فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه ، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلّمت وأجابت إلى قوله ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق ، لأنّه ليس بجسم ولا حال في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فأمّا الأئمة : فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقهم (1) .

وفيه عن الصدوق في الاعتقادات : وروي عن زرارة أنّه قال : قلت للصادق صلوات الله علیه : إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إن الله تبارك وتعالى خلق محمدا وعليا صلوات الله عليهما ففوّض إليهما فخلقا ورزقا ، وأمانا وأحييا ، فقال صلوات الله علیه : كذب عدوّ الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد : ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ )(2) فانصرفت إلى الرجل ، فأخبرته ، فكأنّي ألقمته حجرا ، أو قال : فكأنما خرس(3) .

نعم ، مقتضى الروايات الصادرة عنهم صلوات الله عليهم أنّ الله تعالى أقدرهم على ما يريدون وسخر لهم كل شيء. منها ما عن تفسير القمي في سورة القمر أنّ جبرئيل قال لرسول الله صلی الله و آله و سلم : يا محمد! إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك : إنّي قد أمرت كل شيء بطاعتك (4) .

وعن البصائر بسنده عن جابر عن الباقر صلوات الله عليه . في حديث . : إنّ الله

ص: 176


1- البحار 25 : 329 .
2- الرعد 16 .
3- البحار 25 : 343.
4- تفسير القمي 2 : 341 ، البحار 17 : 352.

أقدرنا على ما نريد ، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها (1)

وعن المناقب عن زرارة عن الصادق عن آبائه عن الحسين صلوات الله عليهم . في حديث . : والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا (2) .

وعن مدينة المعاجز عن الصادق صلوات الله عليه في رواية مفصلة : سبحان الذي سخر للإمام كل شيء ، وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله خلقه (3).

في وعن الصحيفة السجادية : الحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق . إلى أن قال . : وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق ، فكل خليقته منقادة لنا بقدرته ، وصائرة إلى طاعتنا بعزته (4)

ويؤيد ذلك ما ظهر منهم بالنقل المتواتر إجمالا من المعجزات ، كما في المناقب ومدينة المعاجز وإثبات الهداة وغيرها ، بعد إمكان إفاضة القدرة على الخلق والرزق عموما عليهم صلوات الله عليهم ، بل على من دونهم في المنزلة عند الله تبارك وتعالى ، كما يظهر من رواية المحاسن بسنده عن العلاء عن خالد الصيقل عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : إنّ الله فوّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين ، فلما رأى أنّ الأشياء قد انقادت له قال : من مثلي ؟! فأرسل الله إليه نويرة من النار ، قلت : وما النويرة؟ قال : نار مثل الأنملة فاستقبلها يجميع ما خلق فتخيّل (5) لذلك حتى وصلت إلى نفسه لما أن دخله العجب (6) .

أقول : المراد من التفويض في الرواية هو الإقدار لا التفويض المنفي في قوله : لا جبر ولا تفويض ، فتدبر. وكما أفاض علينا القدرة على امور يسيرة من دون تفويض في أفعالنا الاختيارية ،

ص: 177


1- بصائر الدرجات 376 ، البحار 46: 239 .
2- البحار 44 : 183.
3- مدينة المعاجز : 412 ، المعجز الثاني عشر ومائتان من معاجز الإمام الصادق صلوات الله علیه.
4- الدعاء الأول.
5- كما في الوسائل ، وفي المحاسن : فتخبّل ، وفي البحار : : فتحلّت.
6- المحاسن 123 ، الوسائل 1 : 102 . الباب 23 من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث 11 ، البحار 72 : 317.

والفرق في تفاوت مراتب وجدان القدرة.

هذا ، ولكن ثبوت القدرة : على الخلق والرزق لا يلازم تفويض أمرهما إليهم : ، وإعمالهم القدرة فيها ، كما هو واضح. وبالجملة : لا منافاة بين الأدلة الدالة على قدرة الأئمة : بإقدار الله تعالى على الخلق والرزق وبين ما دلّ على أن الخلق والرزق الله تعالى وحده ، كما يظهر بالتأمل.

وأما التفويض إليهم صلوات الله عليهم في أمر الدين فيدلّ عليه غير واحد من الروايات ، أورد عدة منها المجلسي . ره . في المجلد السابع من البحار (1) . وإنّما الإشكال في موضوعه وحدوده.

فنقول . بعد وضوح بطلان القول به على نحو العموم بأن يحللوا ما شاءوا ويحرموا ما شاءوا مطلقا من غير وحي وإلهام من الله تعالى ، أو يغيّروا ما أوحى الله إليهم بآرائهم ، كما يظهر لمن تتبع أحوال النبي صلی الله علیه و آله و سلم وما وصل إلينا منه ومن أوصيائه ، وأنه كان ينتظر الوحي ، بل لا يقول به عاقل . : إنّ الذي يظهر من مجموع الروايات المباركات أنّ الأحكام الصادرة منهم لبيان وظائف الناس على قسمين :

القسم الأوّل : أحكام فرضها الله تعالى ، وكان شأن النبي والأئمة : إبلاغها ، إما بنحو كلي أو بصورة الحكم الجزئي الذي يشمله الحكم الكلي الصادر من الله تعالى. ويعبّر عن تلك الأحكام بالفريضة أو بفرض الله ، وهذا يعمّ الواجبات والمحرمات ، بل وغير هما ، فإنّ كل حكم شرعه الله تعالى وعيّنه . تكليفيا كان أو وضعيا . فهو فريضة منه تعالى وإن كان الشائع استعمالها في الواجبات.

القسم الثاني : أحكام فوّض أمرها إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وجعل له الولاية عليها ، وهذا على ثلاثة أقسام كلها من شئون الولاية التشريعية التي جعلها الله للنبي صلی الله علیه و آله و سلم. بلا إشكال . وللأئمة : أيضا طبق ظاهر بعض الروايات ، كما سيأتي ، وهذه الأقسام هي :

الأول : تشريع الحكم الدائم. وموضوعه ما لم يشرع الله فيه حكما ، فإنّه الذي فوّض أمره إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وعبّر عنه تارة بالسنّة ، واخرى بفرض النبي ، وهذا ثابت

ص: 178


1- البحار 25 : 328. 346.

للنبي ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثاني : تشريع الحكم الموقت المصالح .وقتية. وهذا ثابت للنبي صلی الله علیه و آله و سلم ، كما في نهيه صلی الله علیه و آله و سلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية في بعض الغزوات (1).وظاهر بعض الروايات ثبوته للأئمة : أيضا ، كما روي في جعل علي صلوات الله علیه الزكاة على الخيل العتاق (2) .

وإيجاب الإمام الجواد صلوات الله علیه الخمس على عدة من أصحابه في بعض أموالهم الزكوية (3) ، على إشكال في أنّ هذا قسم مستقل أو مندرج في القسم الآتي ، ولعلّه الأقرب.

الثالث : الأوامر والنواهي أو ما يؤدي مؤداهما الصادرة منهم من غير تصريح بالوجوب أو التحريم على العموم أو الخصوص. وهذا من شئون ولايتهم تشريعا على كيفية التبليغ ، وإعمال اللحن ، والمعاريض ، والتورية من غير كذب ، وإبراز الحكم الغير الإلزامي بصورة الإلزام تربية أو تقية. وهذا ثابت للنبي والائمة : بلا إشكال.

أما الدليل على التفويض إجمالا فكثير، منها ما عن البصائر بسنده عن محمد بن الحسن الميثمي ، عن أبيه عن أبي عبد الله صلوات اله علیه قال : سمعته يقول : إنّ الله أدب رسوله حتى قومه على ما أراد ثم فوّض إليه فقال : ( ما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (4) ، فما فوّض الله إلى رسول فقد فوّضه إلينا (5) .

وعنه بسنده عن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله صلوات الله علیه يقولان : إنّ الله فوّض إلى نبيّه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ، ثم تلا هذه الآية :

( ما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (6) .

وعنه عن نوادر محمد بن سنان قال : قال أبو عبد الله صلوات الله علیه : لا والله ما فوّض الله إلى أحد من خلقه إلاّ إلى الرسول وإلى الأئمة : فقال : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِ

ص: 179


1- الوسائل 24 : 117 ، الباب 4 من أبواب الأطعمة المحرّمة.
2- الوسائل 9 : 77 ، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ.
3- الوسائل 9 : 501 ، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 5.
4- الحشر 7 .
5- البحار 25 : 332 .
6- البحار 25 : 332 .

لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) (1) ، وهي جارية في الأوصياء (2) .

والروايات بهذا المضمون كثيرة يأتي بعضها إن شاء الله تعالى ، ولكن لم يتعرض في شيء منها ما الذي یشاءون إلا في بعضها ، نذكره إن شاء الله تعالى.

والدليل على ثبوت القسم الأوّل من القسم الثاني : منه ما ورد من أنّه صلوات الله علیه حرم كل مسكر ، كصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله صلوات الله علیه في حديث ، قال : حرّم الله الخمر بعينها ، وحرّم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المسكر من كل شراب ، فأجاز الله له ذلك(3) .

وروايته الأخرى عن أبي جعفر صلوات الله علیه قال : سألته عن النبيذ ، فقال : حرّم الله الخمر بعينها ، وحرم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من الأشربة كل مسكر (4) .

ويدل عليه أيضا رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه (5)

ومنه ما ورد من أنه صلی الله علیه و آله و سلم حرم كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير (6).

ومنه ما ورد في إرث الجدّ من أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أطعمه السدس استحبابا إذا كان الوارث الأب دون الولد وأورثه السدس وجوبا وجعله كأحد الإخوة وجعل الجدّة كأحد الأخوات إذا لم يكن وارث من الطبقة الأولى (7).

ومنه ما ورد في دية العين ودية النفس ودية الأنف ، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : وضع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دية العين ودية النفس ودية الأنف ، وحرّم النبيذ وكل مسكر ، فقال له رجل : فوضع هذا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من غیر أن يكون جاء فيه شيء؟ قال : نعم ليعلم من يطيع الرسول ومن يعصيه (8) .

ص: 180


1- النساء 105.
2- البحار 25 : 334 .
3- الوسائل 25 : 325 ، 326 ، الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة ، الحديث 2 ، 6 .
4- الوسائل 25 : 325 ، 326 ، الباب 15 من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث 2 ، 6 ، 4 .
5- الوسائل 25 : 325 ، 326 ، الباب 15 من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث 2 ، 6 ، 4 .
6- الوسائل 24 : 113 ، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة.
7- الوسائل 26 : 136 ، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين.
8- البحار 25 : 332 ، عن بصائر الدرجات.

ومنه ما ورد في النوافل اليومية ، وصوم شعبان ، وصوم ثلاثة أيام في كل شهر (1) .

ومنه ما ورد من أنه صلی الله علیه و آله و سلم حرّم المدينة (2) .

ومنه إشهاد شهيدين في النكاح استحبابا (3).

ومنه غسل الميت (4).

ومنه ما ورد في الحجّ من أنّ الطواف فريضة ، والرمي سنة (5).

ومنه ما ورد في الصلاة من أن بعض أجزائها وشرائطها فريضة ، وبعضها سنة.

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه قال : لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة والركوع ، والسجود. ثم قال صلوات الله علیه : القراءة سنّة ، والتكبير سنّة ، ولا تنقض السنّة الفريضة (6) .

ومنه ما ورد من أنّ الله فرض على العباد عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة ، وليس فيهن وهم ، فزاد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سبعا وفيهنّ الوهم وليس فيهن قراءة (7) .

وموضوع سنة الرسول ما ليس فيه حكم من الله تعالى ، أو ورد ولكن لا على سبيل الإلزام والإيجاب. وذلك مثل القصر في السفر ، فإنّ ظاهر الآية المباركة : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (8) الرخصة لا الإيجاب ، ولكن رسول الله صلی الله علیو آله و سلم عزم عليه وجعله بمنزلة الهدية ، فأوجبه ، وجعل ردّه بمنزلة ردّ الهدية ، كما ربما يظهر من رواية السكوني ، ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وكذا من رواية زرارة و

ص: 181


1- الوسائل 4 : 45 ، الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث 2 ، الوسائل 10 : 487 ، الباب 28 من أبواب الصوم المندوب ، الحديث 5 .
2- البحار 17 : 18 ، عن الاختصاص والبصائر.
3- الوسائل 21 : 65 ، الباب 31 من أبواب المتعة.
4- الوسائل 3 : 375 ، الباب 18 من أبواب التيمم.
5- الوسائل 11 : 233 ، الباب 2 من أبواب أقسام الحج ، الحديث 29 ، الوسائل 13 : 485 ، الباب 8 من أبواب السعي 2 الحديث 1 .
6- الوسائل 5 : 470 ، الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث 14.
7- الوسائل : 187 ، الباب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
8- النساء : 101 .

محمد بن مسلم عن أبي جعفر صلوات الله علیه (1).

ويلوح من الروايتين الأوليين ، ورواية يحيى بن أبي العلاء ، ورواية العيص بن القاسم (2) ، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، ورواية الحلبي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه (3) : أنّ وجوب الإفطار في السفر أيضا من هذا القبيل.

وأما ما ورد فيه حكم إلزامي من الله تعالى فليس للنبي الحكم بخلافه ، كما أنّه ليس للإمام الحكم بخلاف ما حكم به الله أو حكم به رسوله على سبيل الإلزام. ويدل عليه ما رواه الصدوق في العيون بسنده عن أحمد بن الحسن الميثمي عن الرضا صلوات الله عليه (4) . ورواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله صلوات الله علیه (5) . ورواية عبدالله بن سنان عنه أيضا (6) . وما دلّ على وجوب طرح ما خالف الكتاب (7).

نعم ، ربما يكون الأمر أو النهي من الرسول صلی الله علیه و آله و سلم غير إلزامي بحسب الواقع ، وإن كان ظاهر الأمر الإلزام . ولا بأس به كما ثبت في محله . وتكون رخصة الإمام كاشفة عن عدم كونه إلزاميا ، أو كاشفا عن كون الإلزام موقتا بوقت خاص ، كنهي الرسول صلی الله علیه و آله و سلم عن أكل الحمر الأهلية في بعض الغزوات (8)

وأما القسم الثاني أو الثالث ، وهو التفويض في كيفية التعليم والتبليغ وبيان الأحكام وفي الحكم على الناس على حسب ما تقتضيه المصالح ، إمّا من جهة تربيتهم بما فيهم من اختلاف الأوصاف والأحوال والعقول ، وإما من جهة حفظ دمائهم ودماء الشيعة ، فهو مقام رفيع أعطاه الله نبيه صلی الله علیه و آله و سلم بعد ما أكمل عقله ، وهو جار في الأئمة : بلا إشكال

ص: 182


1- الوسائل 8 : 517 ، الباب 22 من أبواب من صلاة المسافر.
2- الوسائل 10 : 175 ، الباب 1 من أبواب من يصح من يصح منه الصوم ، الحديث 5 ، و 7 .
3- الوسائل 10 : 179 ، الباب 2 من أبواب من يصح منه الصوم ، الحديث 2 ، و 3 .
4- العيون 2 : 20 ، الوسائل 27 : 113 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 21 ، البحار 2 : 233 ، وستأتي الرواية في ص : 190.
5- الآتية في ص 183.
6- البحار 25 : 340.
7- راجع الوسائل 27 : 106 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، البحار 2 : 242 .
8- تقدّم في ص 178.

كما هو مقتضى حكم العقل بلزوم وجوده في من بيده تربية الناس وسياستهم من قبل الله تعالى.

وقد دلّت عليه الروايات المتواترة ، أوردها في الكافي والبحار في أبواب مختلفة منها : باب أنّه جرى لهم من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (1)

وهذا القسم الثالث أيضا مورد الروايات المستفيضة الدالة على أنّ كلمة آل محمد صلوات الله عليهم تنصرف إلى سبعين وجها لهم من جميعها المخرج ، كرواية داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله علیه و آله و سلم يقول : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب (2).

ورواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه أنّه قال : حديث تدريه خير من ألف ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا ، وإنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج (3).

ورواية علي بن أبي حمزة ، قال : دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله صلوات الله علیه ، فبينا نحن قعود إذ تكلم أبو عبد الله صلوات الله علیه بحرف ، فقلت أنا في نفسي : هذا مما أحمله إلى الشيعة ، هذا والله حديث لم أسمع مثله قط. قال : فنظر في وجهي ، ثم قال : إنّي لأتكلم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجها ، إن شئت أخذت كذا ، وإن شئت أخذت كذا (4) .

ورواية أبي الصباح عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : إنّي لاحدث الناس على سبعين وجها لي في كل وجه منها المخرج (5)

ورواية الأحول عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا ، إنّ كلامنا لتنصرف على سبعين وجها (6)

ص: 183


1- الكافي 1 : 265 ، البحار 25 : 352 .
2- البحار 2 : 183 ، عن معاني الأخبار .
3- البحار 2 : 184 ، عن معاني الأخبار.
4- البحار 2 : 198 ، 199 عن بصائر الدرجات.
5- البحار 2 : 198 ، 199 عن بصائر الدرجات.
6- البحار 2 : 198 ، 199 عن بصائر الدرجات.

ورواية أبي بصير ، بصير ، عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : قيل له وأنا عنده : إنّ سالم بن أبي حفصة يروي عنك أنك تتكلم على سبعين وجها لك من كلها المخرج ، فقال : ما يريد سالم مني؟! أيريد أن أجيء بالملائكة ، فو الله ما جاء بهم النبيون ، ولقد قال إبراهيم إني سقيم، والله ما كان سقيما وما كذب ، ولقد قال إبراهيم : بل فعله كبير هذا ، وما فعله كبير هم هذا وما كذب ، ولقد قال يوسف : أيتها العير إنّكم لسارقون ، والله ما كانوا سرقوا وما كذب (1)

ورواية عبد الأعلى ، قال : سأل عليّ بن حنظلة أبا عبد الله صلوات الله علیه عن مسألة وأنا حاضر فأجابه فيها ، فقال له علي : فإن كان كذا وكذا ، فأجابه بوجه آخر حتى أجابه بأربعة أوجه ، فقال علي بن حنظلة : يا أبا محمد! هذا باب قد أحكمناه ، فسمعه أبو عبد الله صلوات الله علیه فقال له : لا تقل هكذا يا أبا الحسن فإنّك رجل ورع ، إنّ من الأشياء أشياء مضيّقة ليس تجري إلاّ على وجه واحد ، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلا حدّ واحد حين تزول الشمس ، ومن الأشياء موسعة تجري على وجوه كثيرة ، وهذا منها ، والله إنّ له عندي لسبعين وجها (2).

ومن الواضح أن ليس المراد منها ما توهمه بعض المنحرفين فتحا لباب التأويل في الروايات المباركات ، تثبيتا لأوهامهم الفاسدة من أن الكلمة الصادرة عنهم وجوه مختلفة ومعان متعددة.

بل المراد أنّ الكلمة التي يريدون أن يتكلموا بها في بيان حكم من الأحكام مثلا لهم أن يغيروها إلى وجوه وصور مختلفة كل منها مشتمل على معنى غير المعنى الآخر ، لهم من جميعها المخرج. وموضوعها . كما أشار إليه الإمام الصادق صلوات الله علیه في رواية عبد الأعلى المتقدمة . هو الأحكام الموسّعة ، ويظهر ذلك من ملاحظة ما قاله الإمام صلوات الله علیه في رواية عبد الله بن

ص: 184


1- البحار 2 : 206 عن تفسير العياشي ، والبحار 2 : 209 عن رجال الكشي ، عن أبي عبد الله 7 ، بتفاوت يسير.
2- البحار 2 : 243 ، عن المحاسن ، البحار 2 : 197 ، عن الاختصاص والبصائر ، بتفاوت يسير.

زرارة في وجه الاختلاف بين ما أمر به زرارة وما أمر به أبا بصير في عدد ركعات مجموع الفرائض والنوافل اليومية وفي عقد الإمام بالحج والعمرة.

ففي رجال الكشي عن عبد الله بن زرارة ، قال : قال لي أبو عبد الله صلوات الله علیه : اقرأ مني على والدك السلام وقل له : إنّي أعيبك دفاعا منّي عنك ، فإنّ الناس والعدوّ يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه ، لإدخال الأذى في من نحبه ونقربه ، ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عبناه نحن فإنّما أعيبك لأنّك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا ... فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك.

يقول الله جل وعزّ : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) (1) . هذا التنزيل من عند الله صالحة ، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ ، والحمد لله . فافهم المثل يرحمك الله فإنّك والله أحب الناس إلي ، وأحبّ أصحاب أبي حيا وميتا. فإنّك أفضل سفن البحر القمقام الزاخر ، وإنّ من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثم يغصبها وأهلها.

ورحمة الله عليك حيا ورحمة الله ورضوانه عليك ميتا. ولقد أدّى إلى ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين ، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي وأمرتك به وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ ، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق. ولو أذن لنا لعلمتم أنّ الحق في الذي أمرناكم ، فردّوا إلينا الأمر ، وسلّموا لنا ، واصبروا لأحكامنا وارضوا بها.

والذي فرّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه ، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها ، فإن شاء فرّق بينها لتسلم ، ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها وخوف

ص: 185


1- الكهف 79.

عدوها في آثار ما يأذن الله ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده.

عليكم بالتسليم والردّ إلينا وانتظار أمرنا وأمركم وفرجنا وفرجكم . فلو قد قام قائمنا وتكلم متكلمنا ثم استأنف بكم تعليم القرآن وشرائع الدين والأحكام والفرائض كما أنزله الله على محمد صلی الله علیه و آله و سلم لأنكر أهل البصائر فيكم ذلك اليوم إنكارا ، ثم لم تستقيموا على دين الله وطريقته إلا من تحت حد السيف فوق رقابكم. إنّ الناس بعد نبي الله صلی الله علیه و آله و سلم ركب الله به سنة من كان قبلكم ، فغيّروا وبدلوا وزادوا في دين الله ونقصوا منه ، فما من شيء عليه الناس اليوم إلا وهو منحرف عمّا نزل به الوحي من عند الله.

فأجب . رحمك الله . من حيث تدعى إلى حيث تدعى حتى يأتي من يستأنف بكم دين الله استينافا. وعليك بالصلاة الستة والأربعين ، وعليك بالحج أن تهل بالإفراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به وقلبت الحج عمرة أحللت إلى يوم التروية ، ثم استأنف الإهلال بالحج مفردا إلى منى ، وتشهد المنافع بعرفات والمزدلفة ، فكذلك حجّ رسول الله ،صلی الله علیه و آله و سلم ، وهكذا أمر أصحابه أن يفعلوا ، أن يفسخوا ما أهلوا به ويقلبوا الحج عمرة.

وإنّما أقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على إحرامه ليسوق الذي ساق معه ، فإنّ السائق قارن ، والقارن لا يحل حتى يبلغ هديه محله ، ومحله المنحر بمنى ، فإذا بلغ أحلّ. فهذا الذي أمرناك به حجّ التمتع ، فالزم ذلك ولا يضيقن صدرك . والذي أتاك به أبو بصير من صلاة إحدى وخمسين والإهلال بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، وما أمرناه به من أن يهلّ بالتمتع فلذلك عندنا معان وتصاريف لذلك ما يسعنا ويسعكم ، ولا يخالف شيء منه الحق ولا يضاده ، والحمد لله رب العالمين (1).

فإنّ الظاهرمن هذه الرواية أنّ ما أمر به أبو عبد الله صلوات الله علیه زرارة هو الذي أمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أصحابه الذين لم يكونوا مقيمين في الحرم ومن حاضري المسجد الحرام . كما عبّر عنهم في الكتاب الكريم . فأمرهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالإهلال بالحجّ مع نية الفسخ عند قدوم مكة ، والذي أمر به أبا بصير هو التمتع بالعمرة إلى الحج ، كما عليه الفتوى. ولعله كان

ص: 186


1- رجال الكشي : 138 ، البحار 2 : 246 .

في الواقع توسعة وتخييرا ، لكنّهم صلوات الله عليهم أمروا الشيعة عند بعدهم عن الحرم بخصوص التمتع بالعمرة إلى الحج ، لمصالح معلومة لهم صلوات الله عليهم.

ويظهر ذلك أيضا من رواية أحمد بن الحسن الميثمي أنّه سأل الرضا صلوات الله عليه وقد اجتمع عنده قوم أصحابه ، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في الشيء الواحد ، فقال صلوات الله علیه : إنّ الله حرّم حراما وأحلّ حلالا ، وفرض فرائض ، فما جاء في تحليل ما حرم الله أو في تحريم ما أحل الله ، أو دفع فريضة

كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك ، فذلك ما لا الأخذ به ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يكن ليحرّم ما أحل الله ولا ليحلّل ما حرم الله ، ولا يغيّر فرائض الله وأحكامه ، كان في ذلك كله متبعا مسلّما مؤدّيا عن الله ، وذلك قول الله : ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلا ما يُوحَى إِلَي ) (1) . فكان صلوات الله علیه متبعا لله ، مؤدّيا عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة.

قلت : فإنه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول الله تما ليس في الكتاب وهو في السنة ثم يرد خلافه ، فقال : كذلك قد نهى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن أشياء هي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي الله ، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض الله ، فوافق في ذلك أمره أمر الله ، فما جاء في النهي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك ، وكذلك فيما أمر لأنا لا نرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم إلاّ لعلة خوف ضرورة . فأما أن نستحل ما حرم رسول الله أو نحرّم ما استحل رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم فلا يكون ذلك أبدا ، لأنّا تابعون لرسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم ، مسلّمون له ، كما كان رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم تابعا لأمر ربه مسلّما له ، وقال الله عزّ وجل : ( ما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (2)

وإن رسول الله نهى عن أشياء ليس نهي حرام بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ، ثم رخص في ذلك للمعلول وغير المعلول ، فما كان عن رسول الله نهي إعافة او أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال

ص: 187


1- الإنعام 50 ، یونس 15 .
2- الحشر 7.

الرخصة فيه.

إذا ورد عليكم عنا فيه الخبران باتفاق ، يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره ، وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيهما شئت الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيهما شئت وأحببت ، موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والردّ إليه وإلينا. وكان تارك ذلك من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مشركا بالله العظيم.

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله صلی اله علیه و آله و سلم ، فما كان في السنة موجودا منهيًا عنه نهي حرام ومأمورا به عن رسول الله أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله صلی اله علیه و آله و سلم وأمره. وما كان في السنة نهي نهي إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الله الأخذ بهما جميعا بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله . وما وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا (1) .

ومن هذا القبيل الواجبات التخييرية التي للإمام أن يأمر بواحد شخصا ، ويأمر بالآخر شخصا آخر ، من غير تصريح بالتخيير ، ومنه المستحبات والمكروهات المختلفة درجات الاستحباب والكراهة فيها ، باختلاف وجود بعض الأجزاء والشرائط وعدمه في متعلقاتها ، وباختلاف أحوال موضوعاتها بحسب الزمان والمكان وأحوال المكلف المقتضي لاختلاف التعبيرات الظاهرة في الوجوب ، من غير تصريح بأنه من الله أو من الرسول ، أو بأنه حكم مولوي من الإمام إحياء للسنة ، أو الظاهرة في التحريم ، من غير تصريح بأنه من الله أو من الرسول ، أو أنّه حكم مولوي إماتة لما كرهه الله ورسوله.

وربما يكون إخفاء الحكم الواقعي للتقية من العدوّ خوفا منه على الراوي أو على

ص: 188


1- عيون أخبار الرضا (ع) 2 : 20 ، الوسائل 27 : 113 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 21.

جمع من الشيعة. وربما يكون نفس الاختلاف في الحكم مصلحة لجملة من الشيعة صيانة لهم من سطوات سلاطين الجور الخائفين من تشكل الشيعة واجتماعهم على أمر واحد.

وبالجملة : إنّ أكثر موارد الاختلاف هو الموسعات التي يجوز لولي الأمر الاختلاف في كيفية الأمر والنهي إلزاميا أو غير إلزامي ، وفي جميع ذلك يجب إطاعة ولي الأمر في ما ظاهره الإلزام من الإمام ، ولو فرض عدم الله الإلزام من ومن رسوله واقعا .

ولا بأس بإخفاء الحكم الواقعي الموسع على السائل عن السائل إذا كان فيه المصلحة ، كما ذكرنا ، ولذا ورد في غير واحد من الروايات أنّ عليكم السؤال وليس الجواب واجبا علينا ، كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر صلوات الله علیه في قول الله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (1) ، من هم؟ قال : نحن ، قلت : علينا أن نسألكم؟ قال : نعم ، قلت : عليكم أن تجيبونا؟ قال : ذاك إلينا (2)

على أن منشأ الجهل كثيرا قصور فهم المستمع عن معاريض الكلام الصادر من الإمام.

ويحتمل جريان ما ذكرنا أيضا في الروايات المختلفة الواردة في علاج المتعارضين ، حيث إنّ مقتضى بعضها التخيير في الأخذ بأيهما شئت إذا كان راوي كليهما ثقة ، ومقتضى روايات أخرى الأمر بالأخذ بما فيه المزيّة من أنّها أيضا موضوع لتلك الروايات التي موضوعها الموسعات التي للإمام الولاية في كيفية الأمر بها والنهي عنها ، فإنّه وإن كان المشهور تقييد المطلق المذكور بما إذا لم يكن في أحدهما المزيّة على الآخر ، إلا أن مقتضى قبح تأخير البيان في الأحكام الإلزامية عن وقت الحاجة مؤيّد لما ذكرنا ، فيحمل ما دلّ على الأخذ بما فيه المزيّة على لاستحباب.

ص: 189


1- النحل 43 .
2- الكافي 1 : 164 / 6 ، الوسائل 27 : 66 ، الباب 7 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 12.

تنبيه في مسألة البداء

من الأمور المهمة التي يجب الاعتقاد بها جواز البداء الله تعالى شأنه، ويدلّ عليه من الآيات المباركات :

قوله تعالى : ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُنْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (1)

( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قَالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَعَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) (2) .

( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) (3) .

( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (4)

ومن الروايات ما عن الكافي بسنده عن زرارة عن أحدهما صلی الله علیه و آله و سلم ، قال : ما عبد الله عزّ وجل بشيء مثل البداء (5) .

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : ما عظم الله عزّ وجل بمثل البداء (6) .

وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : ما بعث الله عزّ وجلّ نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار له بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأنّ الله يقدّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء (7) .

وعن مرازم بن حكيم ، قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله علیه يقول : ما تنبأ نبي قطّ حتى يقر الله تعالى بخمس خصال : بالبداء ، والمشيئة ، والسجود ، والعبودية ، والطاعة (8)

وعن الريان بن الصلت ، قال : سمعت الرضا صلوات الله علیه يقول : ما بعث الله نبيا قط إلا

ص: 190


1- الرعد 38 ، 39.
2- المائدة 64 .
3- فاطر 1 .
4- الروم 4 .
5- الكافي 1 : 146 ، باب البداء ، البحار 4 : 107.
6- الكافي 1 : 146 ، باب البداء ، البحار 4 : 107.
7- الكافي 1 : 146 ، باب البداء ، البحار 4 : 107.
8- الكافي 1 : 146 ، باب البداء ، البحار 4 : 107 .

بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء (1) .

وعن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله علیه يقول : لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه (2).

وسيظهر وضوح الدليل عقلا ونقلا على الحكم المذكور إن شاء الله تعالى.

فنقول : البداء لغة : الظهور ، المعبّر عنه بالفارسية ب « پیدایش » ، فعن القاموس : بدا له في الأمر بدوّا وبداءة : نشأ له فيه رأي. وفي المنجد : بدا له في أمر : خطر له فيه رأي. وعن الصراح : بدو بضمتين : پیدایش.

فمنها يظهر أنّ البداء بمعنى حدوث الرأي لا الظهور في مقابل الخفاء.

ثم إنّ البداء وحدوث الرأي وتحدّده في الخارج قد يكون منشؤه الجهل ، كما هو الغالب في المخلوق ، وقد يكون منشؤه كمال القدرة والاختيار وعدم انحصار المصلحة فيما رآه أولا ، مع العلم الكامل بما كان وما يكون ووجوه المصلحة فيهما.

والظاهر أنّ المراد منه في الآيات والروايات المباركات أنّ الله تعالى وإن خلق الأشياء بمشيئته وإرادته ، وقدرها إلى يوم القيامة بل قضى بها وكتبها ، ولكنه مع ذلك لم يفرغ من الأمر ، بل له الرأي والمشيئة في المحو والإثبات ، والزيادة والنقص ، والتقديم والتأخير ، والتغيير والتبديل ، وأنّها ليست عن جهل ، بل عن علم بما كان كما كان ، وبما يكون كما يكون .

ففي الكافي بسنده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : ما بدا الله في شيء إلا كان في علمه قبل أن یبدو له (3) .

وعن داود بن فرقد ، عن عمرو بن عثمان الجهني، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : إن الله لم يبد له من جهل (4) .

وعن منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه : هل يكون اليوم شيء لم يكن

ص: 191


1- الكافي 1 : 146 ، باب البداء.
2- الكافي 1 : 146 ، باب البداء.
3- الكافي 1 : 146 ، باب البداء.
4- الكافي 1 : 146 ، باب البداء.

في علم الله بالأمس؟ قال : لا ، من قال هذا فأخزاه الله ، قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن يوم القيامة أليس في علم الله ؟ قال : بلى قبل أن يخلق الخلق (1)

وعن يونس ، عن جهم بن أبي جهمة ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : إن الله جل وعزّ أخبر محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بما كان منذ كانت الدنيا ، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا ، وأخبره بالمحتوم من ذلك ، واستثنى عليه فيما سواه (2) .

وفي البحار عن إكمال الدين عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : من زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرءوا منه (3).

وفيه عن التوحيد ، بسنده عن إسحاق عمن سمعه ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) لم يعنوا أنّه هكذا ، ولكنهم قالوا قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جلّ جلاله تكذيبا لقولهم : ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قَالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) ، ألم تسمع الله عزّ وجلّ يقول : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكتاب ) (4)

وعن تفسير العياشي ، قال أبو حمزة : قلت لأبي جعفر صلوات الله علیه : إن عليا كان يقول : إلى السبعين بلاء ، وبعد السبعين رخاء ، فقد مضت السبعون ولم يروا رخاء ، فقال لي أبو جعفر صلوات الله علیه : يا ثابت ، كان الله قد وقت هذا الأمر في السبعين ، فلما قتل الحسين صلوات الله علیه اشتد غضب الله على أهل الأرض ، فأخره إلى أربعين ومائة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر (5) ، فأخره الله ولم يجعل لذلك عندنا وقتا ، ثم قال : ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (6).

وعنه أيضا عن حمران قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ

ص: 192


1- الكافي 1 : 146 ، باب البداء
2- الكافي 1 : 146 ، باب البداء
3- البحار 4 : 111 .
4- التوحيد : 167 ، البحار 4 : 104 .
5- (كما في تفسير العياشي 2 : 218 ، وفي البحار : السر ).
6- البحار 4 : 120 .

وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) ، فقال : يا حمران! إنّه إذا كان ليلة القدر ونزلت الملائكة الكتبة إلى سماء الدنيا ، فيكتبون ما يقضى في تلك السنة من أمر ، فإذا أراد الله أن يقدّم شيئا أو يؤخّره أو ينقص منه أو يزيد أمر الملك فمحا ما شاء ، ثم أثبت الذي أراد. قال : فقلت له عند ذلك : فكل شيء يكون فهو عند الله في كتاب؟ قال : نعم ، فقلت : يكون كذا وكذا ثم كذا وكذا حتى ينتهي إلى آخره؟ قال : نعم ، قلت : أيّ شيء يكون بيده بعده؟ قال : سبحان الله ثم يحدث الله أيضا ما شاء الله تبارك وتعالى (1)

وعن العيون بإسناده عن الحسن بن محمد النوفلي في مكالمة سليمان المروزي في أمر البداء ، قال صلوات الله علیه : ما أنكرت من البداء يا سليمان والله عزّ وجلّ يقول : ( أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ) (2) ، ويقول عزّ وجلٌ : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَوُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) (3) ، ويقول : ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (4) ، ويقول : ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) (5)، ويقول : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينِ ) (6) ، ويقول عزّ وجلّ : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ )(7) ويقول عزّ وجلّ : ( وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ ) (8) .

قال سليمان : هل رويت فيه عن آبائك شيئا؟ قال : نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله صلی الله علیه أنّه قال : إنّ لله عزّ وجلّ علمين : علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البداء ، وعلما علمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبينا يعلمونه ، قال سليمان : أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال : قول الله عز وجل

ص: 193


1- البحار 4 : 119.
2- مريم 67 .
3- الروم 27 .
4- البقرة 117 .
5- فاطر 1.
6- السجدة 7 .
7- التوبة 106 .
8- فاطر 11 .

لنبيه صلی الله علیه و آله و سلم : ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ) (1) ، أراد إهلاكهم ثم بدا لله تعالى وقال : ( وَذَكَرْ فَإِنَّ الذِّكْرِى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (2) . قال سليمان : زدني جعلت فداك ، قال الرضا صلوات الله علیه : لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : إِنَّ الله عزّ وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أتي متوفّيه إلى كذا وكذا ، فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير وقال : رب أجلني حتى يشبّ طفلي وأقضي أمري ، فأوحى الله عزّ وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أتي قد أنسأت أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة ، فقال ذلك النبي : يا ربّ إنّك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحي الله عزّ وجلّ إليه : إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك ، والله لا يسأل عما يفعل.

ثم التفت إلى سليمان فقال : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب ، قال : أعوذ بالله من ذلك ، وما قالت اليهود ؟ قال : قالت اليهود : يد الله مغلولة ، يعنون أنّ الله قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا ، فقال عزّ وجلّ : غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا الخبر (3) .

وعن روضة الكافي وتفسير القمي بإسنادهما عن أبي عبيدة قال : سألت أبا جعفر صلوات الله علیه عن قول الله عزّ ذكره ( الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) ، قال : يا أبا عبيدة إنّ لهذا لتأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من ( آل محمد )(4) : ، إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لما هاجر إلى المدينة وقد ظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام ، وكتب إلى ملك فارس كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام. فأما ملك الروم فإنّه عظم كتاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وأكرم رسوله . وأما ملك فارس فإنّه مزق كتابه واستخف برسول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم صلی الله علیه و آله و سلم .

وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم، وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس ، وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس. فلما غلب ملك

ص: 194


1- الذاريات 54 .
2- الذاريات 55 .
3- العيون 1 : 180 ، البحار 4 : 95 .
4- كما في الروضة ، وفي تفسير القمي : الأئمة.

فارس ملك الروم ( بكى لذلك ) (1) المسلمون واغتمّوا به ، فأنزل الله قرآنا :

( الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) يعني غلبتها فارس ( فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) وهي الشامات وما حولها ( وَهُمْ ) يعني فارس ( مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ) الروم ( سَيَغْلِبُونَ ) يعني يغلبهم المسلمون ( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) . قوله : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ) أن يأمر (وَمِنْ بَعْدُ ) أن يقضي بما يشاء. قوله : ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ) .

قلت : أليس الله عزّ وجلّ يقول : في بضع سنين ، وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله ، وفي إمارة أبي بكر ، وإنّما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر ، فقال : ألم أقل لك إنّ لهذا تأويلا وتفسيرا ، والقرآن يا أبا عبيدة . ناسخ ومنسوخ ، أما تسمع قوله : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) ، يعني إليه المشيئة في القول أن يؤخر ما قدّم ويقدّم ما أخر ، إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ )(2)

وعن الخرائج قال أبو هاشم : سأل محمد بن صالح أبا محمد صلوات الله علیه عن قوله تعالى : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) ، فقال : له الأمر من قبل أن يأمر به ، وله الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء ... الخبر (3).

وعن العياشي عن فضيل بن يسار عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : إنّ الله كتب كتابا فيه ما كان وما هو كائن ، فوضعه بين يديه ، فما شاء منه قدّم ، وما شاء أخر ، وما شاء منه محا ، وما شاء منه أثبت ، وما شاء منه كان ، وما لم يشأ منه لم لم يكن (4) .

وعن زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه قال : كان علي بن الحسين يقول : لو لا آية من كتاب الله لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة ، فقلت : أية آية؟ قال : قول الله : ( يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُنْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )(5) .

ص: 195


1- كما في البحار ، وفي تفسير القمّيّ : كره لذلك ، وفي الروضة : كره لذلك.
2- تفسير القمّيّ 2 : 152 وعنه البحار 4 : 100 ، روضة الكافي 269 وعنه تفسير البرهان 3 : 258.
3- البحار 4 : 115 ، ورواه في تفسير البرهان 3 : 258 عن ثاقب المناقب.
4- البحار 4 : 119 ، عن تفسير العياشي.
5- البحار 4 : 118 ، عن تفسير العياشي.

توضيح الأمر في البداء يتوقف على بيان أمور

الأول : أنّ الله تعالى عالم أزلا بجميع الأنواع الممكنة من المخلوقات بأطوارها وكيفياتها المتضادة وغير المتضادة بما لها من الكثرة ، بل إنّها لا تناهي لها ، وهو تعالى عالم بنقائضها وتقديراتها قبل وجود شيء منها. وكذا قادر أزلا على إيجادها على الوجه الممكن من الإيجاد قبل وجود شيء منها أيضا.

وهذا معنى كونه تعالى عالما ولا معلوم وقادرا بلا مقدور ، كما هو المصرح به في الروايات المباركات. فليس علمه وقدرته عبارة عن الإضافة الاشراقية للوجود إليها ، كما قيل ، حتى في زمان وجود المعلوم والمقدور ، فكيف بما قبله ، بل العلم عبارة عن النور الذي تكشف به المعلومات قبل كونها وبعده. والقدرة عبارة عن السلطنة على إيجادها وعدمه، وعلى أن يفعل وأن لا يفعل ، أوجدها أو لم يوجدها. وهذان كما في سائر كمالاته عين ذاته تعالى ، لهما الفعلية ، أي الواقعية كذاته ، أوجد شيئا أو لم يوجد.

الثاني : أن فعله وخلقته تعالى شيئا ليس برشح وفيضان من ذاته القدوس ، فإنه الولادة المنزّه ذاته عنها ، ولا بتطوّر وتشوّن لذاته بالأطوار والشئون ، فإنه التغير المنزه ذاته تعالى عنه أيضا ، فلا اقتضاء في ذاته يكون هو المرجح ، أي العلة لخلق شيء دون الآخر يوجب محدودية القدرة من هذه الجهة.

الثالث : أن ما عداه من العوالم لم يخلق من اصول أزلية ، وليس مسبوقا بمثال احتذاه صرح به في ، غير واحد من الخطب وغيرها أمير المؤمنين والأئمة : ، بل جميعها بما لها المادّة والصور النوعية والتقدير والنظم وسائر الأعراض إبداع منه تعالى ، خلقت لا من شيء. فلا محدودية من هذه الجهة أيضا.

الرابع : أن العلة الغائية التي تخرج بها الأفعال عن العبث واللغوية ، وعن كونها غير مناسبة لصفة الحكمة في ذاته القدوس من جهة الحسن والقبح العقليين ، والمصلحة والمفسدة فيها . بعد وضوح عدم تأثيرها في قدرته تعالى وسلطنته تكوينا عليها . لا تنحصر في شيء واحد منها تكون هي المخصص والمرجّح العقلي له دون غيره ، بل تكون في كثير منها ، بل يكون الحسن والمصلحة في كثير منها على السواء. ودعوى

ص: 196

حصرها في العالم الموجود دون غيره مجازفة. وفيما يكون المرجح العقلي في فعلين مثلا على السواء يكون المرجح في فعل أحدهما منحصرا بالمشيئة ، ويفعله الحكيم بمشيئته بلا تأمل ، لكونه محصلا للغرض. فلا محدودية لذاته الحكيم من جهة حكمته توجب عليه خلقة هذا العالم الموجود دون غيره.

فتحصل مما ذكرنا أنّ الذات القدوس له الإطلاق والحرية وعدم المحدودية في قدرته تكوينا مع عدم تناهي مقدوراته الممكن إيجادها ، وفي حكمته أي في قدرته بحسب حكم العقل أيضا بحسب الغالب لعدم انحصار ما فيه المصلحة والحسن في شيء معين من مقدوراته.

بل المخصص تكوينا وعقلا لإيجاده بعضها دون غيره منحصر في مشيئته وأمره فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

وظهر مما ذكرنا أنّه لا بد للقادر من المشيئة كي تكون هي المرجح والعلة تكوينا للشيء ، وإلا لزم الترجيح بلا مرجّح الذي مرجعه إلى وجود المعلول بلا علة. فإنّ نسبة الذات القادر وقدرته لو لا مشيئته إلى مقدوراته على سواء. فإن كان ذاته لو لا مشيئته كافيا في وجود المقدور لزم وجود جميعها ، وإلا لزم عدم وجود شيء منها ، فلا مخصص للشيء الموجد إلاّ مشيئة ، والمشيئة فعله.

وإنّما أطلنا الكلام في المقام لدفع بعض الأوهام الصادرة من بعض الأقلام ، الموجب لتوهم وجوب خلقة هذا العالم وتعيّنه عليه تعالى شأنه. فنقول : ربّنا لك الحمد كما استحمدت به على أهله الذين خلقتهم له. اللهم ربنا لك الحمد كما رضيت به لنفسك وقضيت به على عبادك.

ثم إنّه تعالى بعد ما خلق الخلق تكون قدرته وبسط يده على إبقائه وإفنائه وتبديله وتغيير ما قدر فيه زيادة ونقصا وتقديما وتأخيرا نظير قدرته على إيجاده وإحداثه ، لا ملزم له على إبقاء شيء منه ، لا تكوينا لسعة قدرته وعدم تناهي مقدوراته الممكنة ، ولا بحكم العقل إلاّ ما يقبح عقلا كالظلم ونظيره من القبائح العقلية. التي منها خلف الوعد المنجز دون المشروط بشيء كما يشير إليه قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ

ص: 197

بِعَهْدِكُمْ )(1) ، ودون خلف الوعيد ، كما يشير إليه قوله تعالى ( يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ) (2) . وإلا فيما يكون فيه الحزازة مما لا يليق بكرمه تعالى ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةَ أَنْعَمَها عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ا بِأَنْفُسِهِمْ ) (3) ، ونحو ذلك مما هو أعلم بمواضعه بل هو العالم دوننا.

وبالجملة : أنّ محرّد مشيئته وإرادته وتقديره بل وقضائه بشيء لا يوجب عليه تنفيذه وإمضاءه ، بل له تغييره بأيسر الدعاء وأيسر الطاعة وأيسر المعصية ، وبقول ما شاء الله وأمثال ذلك من الأفعال والأذكار.

فمن كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة لعلي بن بابويه بسنده عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : كان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن ينصره إلى خمس عشرة ليلة ، فأخبر بذلك قومه فقالوا : والله إذا كان ليفعلن وليفعلنّ ، فأخره الله إلى خمس عشرة سنة. وكان فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس عشرة سنة ، فأخبر بذلك النبي قومه فقالوا : ما شاء الله ، فعجّله الله لهم في خمس عشرة ليلة (4)

و عرفان العبد هذا الكمال له تعالى يفتح عليه باب الرجاء ، والخوف ، والدعاء ، والإنابة ، والمواظبة على الطاعة ، وترك المعصية ، والتوبة ، وابتغاء الوسيلة ، والاجتهاد في العبادة، والتضرع إليه تعالى شأنه ، وصلة الأرحام والصدقة وغيرها.

تنبیه

الأدلة الدالة على الحثّ على الخصال المذكورة آنفا ونحوها في القرآن المجيد وفيما وصل إلينا من الأئمة الهداة . صلوات الله عليهم قولا وعملا ، كل واحد منها دليل على ثبوت البداء له تعالى شأنه.

ففي الكافي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : ادع ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه ، إن عند الله

ص: 198


1- البقرة 40 .
2- آل عمران 129 ، المائدة 18 ، الفتح 14 .
3- الأنفال 53.
4- البحار 4 : 112

منزلة لا تنال إلاّ بمسألة (1) .

وفيه عنه صلوات الله علیه : إنّ الدعاء يردّ القضاء وقد نزل من السماء وقد أبرم إبراما (2) .

وفيه عن أبي الحسن موسى صلوات الله علیه : عليكم بالدعاء فإنّ الدعاء لله والطلب إلى الله يردّ القضاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلاّ إمضاؤه. فإذا دعى الله عزّ وجلّ وسئل صرف البلاء صرفة (3).

وفيه بسنده عن عمر بن يزيد ، قال : سمعت أبا الحسن صلوات الله علیه يقول : إن الدعاء يردّ ما قدر وما لم يقدر قلت : وما قدّر عرفته ، فما لم يقدّر ؟ قال : حتى لا يكون (4)

ومما ذكرنا يظهر وجه الإصرار في الكتاب والسنة على تعليق الامور بمشيئة الله ، وترتب الثواب على القول بها وإظهار الاعتراف بها.

تنبیه

في البحار عن كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : ما بدا الله بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابنی (5) .

وفيه عن إعلام الورى وإرشاد المفيد مسندا عن علي بن جعفر ، قال : كنت حاضرا أبا الحسن صلوات الله علیه لما توفّي ابنه محمّد ، فقال للحسن : أحدث الله شكرا فقد أحدث فيك أمرا (6) .

أقول : ليس المراد البداء في أمر الإمامة ، لضرورة الروايات ، بل لعله في رفع الاختلاف والفتنة التي تترتب على بقائهما بعد رحلة الإمامين صلوات الله علیهما .

ص: 199


1- الكافي 2 : 466 .
2- الكافي 2 : 469 .
3- الكافي 2 : 469 .
4- الكافي 2 : 469 .
5- البحار 4 : 122 ، 269:47 .
6- البحار 50 : 244 .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

تنبيهات في المعاد

المعاد على ثلاثة معان : المعنى المصدري . أي العود . وهو الرجوع ، ومكان العود ، وزمانه. ومورد الكلام هو المعنى الأول. والمراد منه هنا : عود الإنسان بعد موته حيا الجزاء أعماله التي ارتكبها في دار الدنيا باختياره.

الدليل العقلي والنقلي على ثبوت المعاد

المعاد أمر ثابت عقلا ونقلا ، يجب الاعتقاد به.

أما العقل فلأنّ الإنسان يجد بحسه وعيانه أن من الناس قوما يؤمنون بالله ورسوله ويطيعونهما ، ويعملون الصالحات ويحسنون إلى العباد ، ومنهم قوم يكفرون بالله ويعصونه ويصرفون أعمارهم في الجناية والظلم. وكثيرا ما يكون الكافر والعاصي والظالم في سعة من المال ، وصحّة في البدن ، وأمن من الخوف ، وأمثال ذلك من نعم الله ، والمؤمن المطيع مظلوما مقهورا في أيدي الظلمة ، أو في ضيق من المعيشة ، وعلل في

ص: 200

الجسم ونحو ذلك ، وقلّ من يخلو منهما. والجميع يموتون على ما كانوا عليه من الحالتين ، فلو لم تكن بعد هذه الحياة دار يجزون فيها بأعمالهم ويقتص فيها من الجاني ، ويجبر كسر المظلوم كان ذلك منافيا لعدل الخالق الذي وصف نفسه بالعدل ونفي الظلم.

وتوهم عدم الحاجة إلى المعاد فيما إذا كان المؤمن المطيع في السعة ، والكافر أو العاصي في الضيق في هذه الدنيا ، ، مدفوع بأنّ المشهود أنّ الجزاء كثيرا ما لا يعطى ، وإن أعطي فإنّه لا يستوفى.

وأيضا كان منافيا لحكمة الخالق الذي وصف نفسه بالحكمة ، ووصف عمله بالتنزه عن العبث. وقد نبه على هذين الحكمين في القرآن العظيم بقوله تعالي :

( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (1) .

( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ)(2) .

( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (3) .

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْيَاهُمْ وَمَماتُهُمْ سَاءَ ما يَحْكُمُونَ. وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتَجْرَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (4)

( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (5)

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ )(6) .

( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ) (7) .

ص: 201


1- السجدة 18.
2- القلم 35 .
3- ص 28 .
4- الجاثية 21 ، 22 .
5- الزلزلة 8 .6 .
6- المؤمنون 115 .
7- طه 15 .

( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ... فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ )(1)

وأما النقل فالكتاب العزيز . مضافا إلى ما ذكرناه وما نذكره ، وكذلك الروايات المباركات . مشحون بالبشارة والإنذار ، وبذكر الجنّة والنار وما اعدّ فيهما للأبرار والفجّار ، فهو من ضروري دين الإسلام بل ضروري جميع الأديان الإلهية.

المعاد الروحاني والجسماني

المعاد الروحاني عبارة عن بقاء الأرواح بعد مفارقة الأبدان منعمة أو معذبة ، والأبدان تبلى وتفنى ولا عود لها. والجسماني عبارة عن أنّ الله تعالى شأنه يعيد الأبدان بعد موتها وتفرّق أجزائها ، ويؤلّف بينها على هيئتها الأولى ، أو مع تغيير في بعض العوارض ، فتتعلّق بها الأرواح ، كما في هذه الدنيا ، ويعذب أو ينعم كل إنسان بجسمه الواجد للروح ، وإن شئت قلت : الروحاني والجسماني معا.

فعن العلامة في شرح الياقوت : اتفق المسلمون على إعادة الأجساد ، خلافا للفلاسفة (2).

وعن الفخر الرازي في نهاية العقول : إجماع الأنبياء على إثبات المعاد البدي (3) .

وعن المحقق الدوائي في شرح العقائد العضدية : والمعاد . أي الجسماني ، فإنّه المتبادر من إطلاق الشرع ، إذ هو الذي يجب الاعتقاد به ويكفر من أنكره . حق بإجماع أهل الملل الثلاث ، وشهادة نصوص القرآن في المواضع المتعدّدة بحيث لا يقبل التأويل ...

وعنه أيضا : قال الإمام : الإنصاف أنّه لا يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي 9 وبين إنكار الحشر الجسماني (4)

ص: 202


1- إبراهيم 42 ، 47 .
2- أنوار الملكوت 191.
3- راجع البحار 7 : 48 ، 50 .
4- راجع البحار 7 : 48 ، 50 .

وعن أبي علي الشيخ الرئيس أنّه . مع إنكاره الدليل العقليّ على المعاد الجسماني . اعترف بثبوته من طريق الشرع ، حيث قال في كتاب النجاة والشفاء : وقد بسطت الشريعة الحقة التي أتانا بها سيدنا ومولانا محمد صلی الله علیه و آله و سلم حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن ... (1).

ثم المراد من المعاد الجسماني . كما ذكرنا . هو عود البدن بما له من المادّة المشخّصة التي بها قوام الجسمية الموجودة قبل الموت بعينه ، وإن كانت الصورة العرضية جديدة ، كما سيأتي في الرواية تمثيل الإمام صلوات الله علیه لذلك باللبنة إذا كسرت واعيدت ثانية بصورة اللبنة ، فهو هو من جهة المادّة والجسمية ، وغيره من حيث الصورة العرضية.

الآيات والروايات الدالّة على المعاد الجسماني

المعنى المذكور للمعاد الجسماني هو الظاهر من الآيات بل صريح بعضها ، وكذا الروايات المتواترة.

أما الآيات فمنها قوله تعالى : ( قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلى حِينٍ. قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) (2)

( مِنْها خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى )(3) .

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) (4)

( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ. لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) (5)

ص: 203


1- راجع البحار 7 : 48 ، 50 .
2- الأعراف 24 ، 25 .
3- طه 55 .
4- الروم 25 .
5- النمل 67 ، 68 .

( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (1) .

( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )(2)

( أَإِذَا مِمَّا وَكُنَّا تُراباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ. قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ )(3).

( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (4) .

( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكْرٍ . حُشَعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَحْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ )(5) .

( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَتَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (6) .

( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ. وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (7) .

( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ. يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ) (8)

( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقِ

ص: 204


1- الحج 7 .
2- یس 78، 79 .
3- الصافات 19.16.
4- فصلت 19. 21.
5- القمر 8.6.
6- يس 51 ، 52.
7- الزمر 68 ، 69 .
8- ق 44.42 .

جَدِيدٍ. أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالصَّلالِ الْبَعِيدِ ) (1)

( أَإِذَا مِنْها وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجُعٌ بَعِيدٌ. قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ )(2).

( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ حَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعَامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهُ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتِى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً واعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكِيمٌ ) (3) .

( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ. فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتِى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (4) .

وأما الروايات فلا تحصى كثرة ، نكتفي بذكر عدة منها :

في الاحتجاج : أنّه قال الزنديق للصادق صلوات الله علیه : أتى له بالبعث والبدن قد بلي ، والأعضاء قد تفرّقت؟! فعضو في بلدة تأكله سباعها ، وعضو باخرى تمزقه هو أمها ، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط !

قال : إنّ الذي أنشأه من غير شيء وصوّره على غير مثال كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه.

قال : أوضح لي ذلك.

قال : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء

ص: 205


1- سبا : 7، 8 .
2- ق : 3، 4 .
3- البقرة 259 ، 260 .
4- البقرة 72 ، 73 .

في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ، فما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حين البعث مطرت الأرض ، فتربوا الأرض ثم تمخض مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كل قالب ( إلى قالبه ) (1)، فينتقل بإذن الله تعالى إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا ... (2) .

وعن أمالي الشيخ مسندا عن حفص بن غياث ، قال : كنت عند سيّد الجعافرة جعفر بن محمد صلوات الله علیه لميا أقدمه المنصور ، فأتاه ابن أبي العوجاء وكان ملحدا فقال : ما تقول في هذه الآية (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرها ) (3) ، هب هذه الجلود عصت فعذِّبت ، فما ذنب الغير ؟ قال أبو عبد الله صلوات الله علیه : ويحك هي هي وهي غيرها. قال : أعقلني هذا القول ، فقال له : أرأيت لو أنّ رجلا عمد إلى لبنة فكسرها ثمّ صبّ عليها الماء ، وجبلها ثم ردها إلى هيئتها الاولى ألم تكن هي هي وهي غيرها؟ فقال : بلى أمتع الله بك(4).

أقول : الظاهر أنّ المراد أنها هي هي من جهة المادة ، وغيرها من جهة الصورة ، فعليه تكون الرواية صريحة في أنّ المعذَّب ليس هو الصورة المحضة ، وإلا فلا يكون هي هي حقيقة.

وعن أمالي الصدوق مسندا عن جميل عن جعفر بن محمّد صلوات الله علیه ، قال : إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء أربعين صباحا ، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم (5) .

ص: 206


1- ما بين القوسين ليس في البحار.
2- الاحتجاج 2 : 97 ، وعنه البحار 7 : 37 .
3- النساء : 56 .
4- البحار 7 : 39 عن الأمالي و 7 : 38 عن الاحتجاج بتفاوت يسير.
5- البحار 7 : 33 .

وعن تفسير علي بن إبراهيم بسنده الصحيح عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا ، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم. وقال : أتى جبرئيل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فأخذه فأخرجه إلى البقيع ، فانتهى به إلى قبر فصوّت بصاحبه فقال : قم بإذن الله فخرج رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول : الحمد الله والله أكبر ، فقال جبرئيل : عد بإذن الله. ثم انتهى به إلى قبر آخر فقال : قم بإذن الله فخرج منه رجل مسودّ الوجه وهو يقول : يا حسرتاه يا ثبوراه ثم قال له جبرئيل : عد إلى ما كنت فيه بإذن الله . فقال : يا محمّد هكذا يحشرون يوم القيامة ، والمؤمنون يقولون هذا القول ، وهؤلاء يقولون ما ترى(1) .

وفي لآلي الأخبار عن عليّ بن الحسين صلوات الله علیه ، قال : فنبتت أجساد الخلائق كما تنبت البقل ، فتتدانى أجزاؤهم التى صارت ترابا بعضها إلى بعض بقدرة العزيز الحميد ، حتى إنه لو دفن في قبر واحد ألف ميّت وصار لحومهم وأجسادهم وعظامهم النخرة ترابا مختلطة بعضها في بعض لم يختلط تراب ميت بميت آخر (2) .

وفي الكافي بسنده عن عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : سئل عن الميت يبلى جسده؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنّها لا تبلى ، تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة (3)

وما ورد في تفسير قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ )(4) ، وهي عدّة روايات منها : خبر زرارة ، قال : سألت أبا جعفر صلوات الله علیه عن قول الله عزّ وجلّ : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) قال : تبدّل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ الناس من الحساب ، فقال له قائل : إنّهم لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب ، قال : إنّ الله خلق ابن آدم أجوف ، فلا بد له من الطعام والشراب ، أهم أشدّ شغلا يومئذ أم من في النار؟ فقد

ص: 207


1- تفسير القمّي 2 : 253 ، وعنه البحار 7 : 39.
2- لآلي الأخبار 5 : 60.
3- الكافي 3 : 251 ، البحار 7 : 43 .
4- إبراهيم 48 .

استغاثوا ، والله يقول : ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُعَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ ) (1).

أقول : فسّر قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) بوجوه :

منها : تبديلها عند خروج الناس من قبور هم يوم القيامة بما يمكن أكله كالخبز النقى يأكلون منها حتى يفرغوا من الحساب.

ومنها : صيرورتها كما دحيت أوّل مرة ، ليس عليها جبال ولا .نبات وقد دلّت على هذا عدة من

الروايات أوردها في تفسير البرهان ونور الثقلين.

ومنها : تبديلها بأرض اخرى يخلقها بعد استقرار أهل الجنة في الجنان ، وأهل النار في النيران ، ويخلق عليها خلقا آخر.

دلت عليه رواية محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر صلوات الله علیه يقول : لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ، ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض ، فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه ، ثم خلق الله عزّ وجلّ آدم أبا البشر وخلق ذريته منه. ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها ، ولا خلت النار من أرواح الكفار والعصاة منذ خلقها عزّ وجل. لعلكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة وصيّر الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنّة ، وصيّر أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار أنّ الله تبارك وتعالى لا يعبد في بلاده ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ، بلى والله ليخلقن خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ، ويخلق لهم أرضا تحملهم ، وسماء تظلّهم ، أليس الله عزّ وجلّ يقول : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ) ، وقد قال الله عزّ وجل : ( أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (2).

أقول : وأما تبديل الأرض بالصورة الجسمية المصطلحة . أي الصورة المجرّدة عن المادة كما عن بعض . فليس عليه دليل ، بل صريح بعض الروايات المتقدمة خلافه.

ص: 208


1- الكهف 29 ، البحار 7 : 109 ، عن المحاسن.
2- ق 15 ، البحار 57: 319 عن الخصال.

ومما يدلّ على المعاد الجسماني بمعناه الحقيقي . لا الصورة الجسمية فضلا عن كون ما يرى في القيامة من جازی مبدعات النفس . مضافا إلى ما تقدّم ما رواه في البحار عن التهذيب مسندا عن أبي عبد الله صلوات الله علیه في حديث فضل مسجد السهلة : ... وهو من كوفان ، وفيه ينفخ في الصور ، وإليه المحشر ، ويحشر من جانبه سبعون ألفا يدخلون الجنة (1) .

وعن المحاسن مسندا عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : يخرج شيعتنا من قبورهم على نوق بيض لها أجنحة ، وشرك نعالهم نور يتلألأ ، قد وضعت عنهم الشدائد ... توضع لهم مائدة يأكلون منها والناس في الحساب(2) .

وعن الأمالي للصدوق مسندا عن الصادق عن أبيه صلوات الله علیه أنّ علي بن ابي طالب صلوات الله علیه قال : لا تنشق الأرض عن أحد يوم القيامة إلاّ وملكان آخذان بضبعه يقولان : أجب ربّ العزة (3) .

وعن تفسير فرات بن إبراهيم عن الحسين بن سعيد مسندا عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال . وعنده نفر من أصحابه وفيهم عليّ بن أبي طالب صلوات الله علیه . : إنّ الله تعالى إذا بعث الناس يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم ، بياض وجوههم كبياض الثلج ، عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن ، وعليهم نعال من ذهب شراكها . والله . من نور يتلألأ ، فيؤتون بنوق من نور عليها رحال الذهب قد وشّحت بالزبرجد والياقوت ، أزمة نوقهم سلاسل الذهب ، فيركبونها حتى ينتهوا إلى الجنان ، والناس يحاسبون ويغتمون ويهتمون وهم يأكلون ويشربون. فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله علیه : من هم يا رسول الله ؟ قال : هم شيعتك ، وأنت إمامهم ، وهو قول الله تعالى : ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وفداً ) (4) ، قال : على النجائب (5).

وعنه عن محمد بن عيسى الدهقان مسندا عن أبي سعيد أبي سعيد الخدري :

ص: 209


1- البحار 7 : 116 ، وفي التهذيب 6 : 37 : يدخلون الجنة بغير حساب.
2- المحاسن : 179 ، وعنه البحار 7 : 184.
3- أمالي الصدوق 336 ، وعنه البحار 7 : 106 .
4- مريم 85.
5- البحار 7 : 194 ، عن تفسير الفرات 91.

قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول لعليّ : يا علي أبشر وبشّر فليس على شيعتك حسرة عند الموت ، ولا وحشة في القبور ، ولا حزن يوم النشور ، ولكأتي بهم يخرجون من حدث القبور ينفضون التراب عن رءوسهم ولحاهم يقولون : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ، إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) (1) .

وعنه عن الحسين بن سعيد بسنده عن جابر عن أبي جعفر صلوات الله علیه قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : لقنوا موتاكم « لا إله إلا الله » فإنّها أنيس للمؤمن حين يمرق من قبره. قال لي جبرئيل : يا محمّد لو تراهم حين يمرقون من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم وهذا يقول : لا إله إلا الله والحمد الله ، مبيض وجهه. وهذا يقول : يا حسرتي على ما فرّطت في جنب الله . يعني في ولاية عليّ . مسودّ وجهه(2).

وعن ثواب الأعمال عن أبي جعفر صلوات الله علیه قال : كان فيما ناجى به موسى ربّه أن قال : يا ربّ! ما لمن شيّع جنازة؟ قال : أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيّعونهم من قبورهم إلى محشرهم(3).

وعن تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر صلوات الله علیه في قوله : ( يا وَيْلَنَا مَنْ بَعَتَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) (4) : فإِنّ القوم كانوا في القبور ، فلما قاموا حسبوا أنهم كانوا نياما قالوا : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟ قالت الملائكة : ( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (5) .

وعن كتاب فضائل الشيعة للصدوق بسنده عن أبي بصير عن الصادق عن آبائه : قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : يا علي أنا أوّل من ينفض التراب عن رأسه وأنت معي ، ثم سائر الخلق ... الخبر (6)

ص: 210


1- فاطر 34 . البحار 7 : 198 عن تفسير الفرات 128 .
2- البحار 7 : 200 ، عن تفسير الفرات 140 .
3- البحار 7 : 208 ، عن ثواب الأعمال.
4- يس 52 .
5- تفسير القمّيّ 2 : 216 ، وعنه البحار 7 : 103.
6- البحار 7 : 179.

وعن تفسير علي بن إبراهيم قال : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر صلوات الله علیه : في قوله : ( أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ) (1) ، يقول : أي في خلق جديد. وأما قوله : ( فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) ، فالساهرة الأرض ، كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم واستووا على الأرض (2).

فصل : حقيقة الإنسان وما خلق منه

لا بد لإدراك حقيقة المعاد ، ورفع ما أوجب صرف الآيات المباركة والروايات الواصلة عن أهل البيت

العصمة : عن ظواهرها بل عن نصوصها الدالة على المعاد الجسماني بمعناه الحقيقي ، من البحث عن حقيقة المعاد . بضم الميم . وهو الإنسان ، ومبدئه الذي خلق منه.

ولا بد أيضا قبل الورود في البحث من بيان أمر هو كالقاعدة في أمثال المقام.

وهو : أنّه لا ريب في وجوب الرجوع إلى أقوال المعصومين : فيما لا حكم قطعيًا للعقل فيه ، فإنه مقتضى عصمتهم : .

ومن المعلوم أنّ مبدأ خلقة العالم عموما وخلقة الإنسان خصوصا ، وما يرجع إليه بعد الموت والشئون المربوطة بهاتين الجهتين ، ليست من الأمور التي يحكم العقل فيها بحكم قاطع ، ولا يجوز الاعتماد فيها على مقدمات ظنّيّة، فإنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا.

فالطريق الوحيد . بحكم العقل . هو اتباع من قام الدليل على عصمته ، فلا بد فيها من الرجوع إلى الآيات الكريمة والروايات المروية عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم ، والأخذ بنصوصها وكذا ظواهرها ، ما لم تقم قرينة قطعية على خلافها.

فإذا كانت الرواية المروية في الباب . ولو بلحاظ ضمّ بعضها إلى بعض . موجبة للقطع أو الاطمئنان صدورا ودلالة فلا إشكال ، ولا يجوز رفع اليد عنها وتأويل ظواهرها

ص: 211


1- النازعات 10 .
2- البحار 7 : 107 ، عن تفسير القمي 2 : 403 .

. فضلا عن نصوصها . بمجرّد مخالفتها لبعض الامور الظنّية أو ما دونها.

وإذا فرضنا أن الروايات لم تصل إلى الحد المذكور ، فلا أقل من كون المستفاد منها فرضيّة محتملة تشهد عليها تلك الروايات ، ولا يجوز ردّها أو تأويلها ، بعد أن كان المفروض عدم قيام دليل قطعي على خلافها.

وبعد هذا يقع الكلام في حقيقة المعاد . وهو الإنسان . وفي حقيقة العالم بأجمعه ، على ما هو المستفاد من الروايات المأثورة عن المعصومين : في تنبيهات نذكرها إن شاء الله تعالى.

التنبيه الأول : المادة الأصليّة للعالم جوهر مسمّى بالماء

إنّ الذي يظهر من الروايات . كما مرّ . أنّ جميع المخلوقات من الدنيا والآخرة وما فيهما ومنه الإنسان روحه وبدنه ، والملائكة والجانّ ، والجنّة والنار وما فيهما ، بل البرزخ وما فيه ، كلّها . سوى الأنوار المجردة ، أي العلم والعقل والقدرة . أجزاء جوهرة أي مادة واحدة سميت بالماء ، وفي بعض الروايات بالهواء والنور. وتفسيرها بالوجود كما ترى.

وقد مرّ أيضا أنّ اختلاف تلك الأجزاء إنّما هو باللطافة والكثافة والرقة والغلظة وغيرها من الأعراض. فعليه تكون الصور النوعية كلّها عرضيّة ، وبه يرتفع اشكال تبديل نوع بنوع آخر ، كما في الأمم السالفة من مسخ أفراد الإنسان بالقردة والخنازير ، على ما نطقت به الآيات المباركة ، وبسائر المسوخ فيها ، وفي الأمة المرحومة أيضا بصورة الوزغ أو الكلب أو غيرها كما في غير واحد من الروايات(1).

وقد مرّ أن تلك المادة الواحدة حادثة بالحدوث الحقيقي ، أي مبدعة لا من شيء.

وقد ذكرنا الدليل عليه من غير واحد من الروايات الواصلة عن المعصومين : ، وسيجيء بعضها إن شاء الله تعالى.

أما كون المخلوقات من مادة واحدة فممّا يدلّ عليه : رواية الكافي بسنده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن داود عن محمّد بن عطية ، قال : جاء إلى أبي جعفر صلوات الله علیه

ص: 212


1- انظر ص 256 ، 258.

رجل من أهل الشام من علمائهم ، فقال : يا أبا جعفر ! جئت أسألك عن مسألة قد أعيت عليّ أن أجد أحدا يفسّرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر ، فقال له أبو جعفر : ما ذاك؟ قال : فإنّي أسألك عن أوّل ما خلق الله من خلقه ، فإنّ بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح . فقال أبو جعفر صلوات الله علیه : ما قالوا شيئا ، أخبرك أنّ الله تبارك : وتعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزّه ، وذلك قوله : ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ )(1) الصافات 180. (2) وكان الخالق قبل المخلوق. ولو كان أوّل ما خلق الله الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه ، ولكنه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه ، فجعل نسب كل شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ، ثم سلّط الريح على الماء ، فشققت الريح متن الماء حتّى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صدع ، ولا ثقب ، ولا صعود ، ولا هبوط ، ولا شجرة ، ثم طواها فوضعها فوق الماء ، ثم خلق الله النار من الماء الماء ... الخبر(3).

وفي العلل بسنده عن محمد بن سنان ، عن عبد الله سنان ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : سألته أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ ، قال : إنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ ما خلق منه كلّ شيء ، قلت : جعلت فداك وما هو ؟ قال : الماء ، إنّ الله تبارك وتعالى خلق الماء بحرين، أحدهما عذب والآخر ملح. فلما خلقهما نظر إلى العذب فقال : يا بحر ! فقال : لبيك وسعديك ، قال : فيك بركتي ورحمتي ، ومنك أخلق أهل طاعتي وجنتي. ثم نظر إلى الآخر فقال : يا بحر ! فلم يجب ، فأعاد عليه ثلاث مرّات : يا بحر ! فلم يجب ، فقال : عليك لعنتي ، ومنك أخلق أهل معصيتي ومن أسكنته ناري ، ثم أمر هما أن يمتزجا فامتزجا ، قال : فمن ثم يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن(4) .

ص: 213


1-
2-
3- روضة الكافي 94 / 67 ، البحار 57 : 96 ، ورواه في ص 66 بتفاوت عن توحيد الصدوق بسنده عن جابر الجعفي ، إلى قوله : وهو الماء.
4- علل الشرائع 1 : 83 ، البحار 5 : 240.

نعم في بعض الروايات : أنّ أوّل ما خلق الله نور النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أو نوره مع أنوار الأئمّة : (1). ويمكن حملها على الخلقة التفصيلية بعد خلقة الماء ، وبهذا الاعتبار يكون الماء مادّة المخلوقات ، ويكون نوره وروحه المقدّسة وأرواح الأئمّة التي هي من نوره أوّل المخلوقات ، كما عن العيون بسنده عن أبي الصلت الهروي ، عن الرضا صلوات الله علیه عن آبائه ، عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، قال : إنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا ، فأنطقها بتوحيده وتحميده ... الخبر (2)

وأما اختلاف الأشياء بالأعراض فممّا يدلّ عليه قول أبي الحسن الرضا صلوات الله علیه . في جواب عمران الصابي حيث قال : أخبرني عن الكائن الأوّل . سألت فافهم ، أمّا الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ، ولا يزال كذلك ، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة ... واعلم أنّ الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير ، وكان الذي خلق خلقين اثنين : التقدير والمقدر ، وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق ، فجعل أحدهما يدرك بالآخر ، وجعلهما مدركين بنفسهما ... الخبر (3)

أقول : لعلّ المراد من التقدير عرض الكمّ الذي هو لازم للمادة ، ومن المقدّر نفس المادة ذات الأبعاد الثلاثة.

التنبيه الثاني : المادّة الأصلية فاقدة للعلم والحياة

تلك المادة مع وجودها . أي تكوّنها بالله تعالى شأنه . فاقدة بذاتها لنور الحياة والعلم والقدرة وسائر الكمالات النورية. وصيرورتها حيّة عالمة إنّما هى بوجدانها ذلك النور ، كما أنّ موتها بفقدها إياه. وإنا نجد ذلك الوجدان والفقدان في أنفسنا كل يوم وليلة باليقظة والمنام ، مع كوننا موجودين في كلتا الحالتين.

وقد تقدّم هذا المبحث مفصلا في بعض التنبيهات السابقة.

ص: 214


1- كما في البحار 57 : 168 . 176 .
2- العيون 1 : 262 ، البحار 57: 58 .
3- البحار 57 : 47 ، 52 ، عن العيون والتوحيد.

ومما ذكرنا يظهر قوّة احتمال كون المراد من قوله تعالى : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) (1). بناء على كون المراد من العرش هو نور العلم ، كما أحد هو معاني العرش على ما يظهر من بعض الروايات (2) . أنّه لم يكن بعد خلقة الماء موجود يكون حاملا لنور الحياة والعلم سوى تلك المادة الواحدة بما لها من البساطة ، أي قبل التعين بصورة أرض أو سماء أو غير هما من المخلوقات.

ويدلّ عليه ما رواه في الكافي بسنده عن داود الرقّي قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه عن قول الله عز وجل : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ، فقال صلوات الله علیه : ... إن الله حمّل دينه وعلمه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر ، فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم : من ربّكم ؟ فأوّل من نطق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأمير المؤمنين والأئمّة : فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين ... (3)

ويصلح كل جزء من تلك المادّة لتحميل نور الحياة والعلم والقدرة إيّاه ، ولعرض المطالب والتكاليف المناسبة له عليه ، ولأخذ العهد والميثاق منه ، ولصدور الطاعة والعصيان عنه سواء تعين بصورة خاصة أو بعروض عرض عليه أم لم يتعيّن ، بل هو دائر مدار مشيئة الله تعالى. وما يشاهد من العلل والأسباب العاديّة ، فإنّها سنة أجراها الله بقدرته واختياره ، وله تبديلها بأخرى ، كما تشهد عليه شهادة الأيدي والأرجل والجلود والأمكنة وغيرها يوم القيامة بما يكتسب الإنسان بها وفيها من الطاعة والعصيان ، على ما نطقت به الآيات المباركة (4) ، والروايات الواردة عن السادة الأطياب صلوات الله عليهم(5) ، وشهادة الحيوان والنبات والجماد على نبوّة نبينا صلی الله علیه و آله و سلم (6) ، وأذكار أصناف من الحيوانات (7) ، وظاهر قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ

ص: 215


1- هود : 7 .
2- البحار 55 : الباب 1 ، وتقدّم بعض رواياته في ص 26.
3- الكافي 1 : 132 ، البحار 57 : 95 .
4- النور : 24 ، يس : 65 ، فصلت : 20 .
5- البحار 7 : 306 ، الباب 16 .
6- البحار 17 : الباب 2، 4، 5.
7- راجع كلمه طيبة للنوري : 286 .

سبِيحَهُمْ ) (1)، ولا موجب لحمله على خصوص التسبيح التسبيح التكويني.

ويظهر من رواية ابن سنان المتقدمة عرض التكليف في الجملة على الماء قبل تعيين أجزائه بصورة المخلوقات ، فراجع .

التنبيه الثالث : انشعاب تلك المادة إلى : عليين وسجين

يظهر من جملة من الروايات المباركة أنّ الله تعالى جعل المادة التي خلق جميع الأشياء منها على قسمين أحدهما : العذب الفرات ، والثاني الملح الأجاج ، وخلق الطينة الطيبة من الأوّل ، والطينة المنتنة من الثاني ، وسمى الأوّل علّيين الذي خلق منه بعد ذلك أرواح المؤمنين وأبدانهم وما يناسبهم من الجنّة ونعيمها ، وسمى القسم الثاني سجين الذي خلق منه أرواح الكفار وأبدانهم وما يناسبهم من النار وما فيها.

ويظهر من بعضها أنّ الماء كلّه كان عذبا ، ثمّ عرضت الملوحة على بعض أجزائه. كما في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : كان الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه وكان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا يجري ، ولم يكن غير الماء خلق ، والماء يومئذ عذب فرات ... الخبر(2) .

ولعلّ منشأ التقسيم المذكور مسبوقيته بعرض ربوبيته تعالى شأنه على الماء بما له من الأجزاء قبل تمييزها وتجزئتها حسّا ، وإجابة بعضها واستنكاف بعض آخر ، بعد إعطاء العلم والقدرة إيَّاها.

ويمكن أن يكون المنشأ علمه سبحانه بما يصدر من كل جزء من الطاعة والعصيان ، بعد التمييز

والتشخيص ووجدان شرائط التكليف ، كما هو ظاهر رواية الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله سنان ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه . في مقام الردّ على قول العمري القائل بعدم النفع لاستلام الحجر وبطلان حج من فعله . : إنّ الله تبارك وتعالى لما خلق السماوات والأرض خلق بحرين : بحرا عذبا وبحرا أجاجا ... فقال أهل اليسار : لم خلقت لنا النار ولم تبيّن لنا ولم تبعث إلينا رسولا ؟ فقال الله عزّ وجلّ لهم : ذلك لعلمي بما

ص: 216


1- الإسراء 44 .
2- البحار 57 : 86 ، عن تفسير العياشي.

أنتم صائرون إليه ، وإني سأبتليكم ، فأمر الله عزّ وجلّ النار فأسعرت ... (1).

ويمكن أيضا أن يقال : إنّ ذلك التقسيم واختلاف الطينة لطف من الله تعالى على أصحاب الطينتين. أمّا بالنسبة إلى من يعلم أنّه يؤمن فلأن جعل أرواحهم وأبدانهم طيبة مقتضية للطاعة مائلة إليها إعانة منه تعالى لأهل الإيمان والطاعة بما جعل فيهم من الاقتضاء والميل الطبيعي إليهما. وأما بالنسبة إلى من يعلم أنّه يكفر بسوء اختیاره فلأن جعل طبيعتهم خبيثة مائلة إلى الكفر والعصيان تخفيف منه تعالى في الاستحقاق العقلي للعقوبة والعذاب ، بما جعل فيهم من الاقتضاء والتمايل إلى المعصية ، فإنّ استحقاق العقوبة على الزنا مثلا ممن له شهوة شديدة ليس كاستحقاق من هو أقل شهوة منه (2).

ويمكن أن يكون المنشأ غير ذلك مما لا نعلمه.

ثم بعد تقسيم المادة على قسمين . كما ذكرنا . خلق الله تعالى أرواح المؤمنين من عليين ، وأرواح الكفار من سجين ، بأن ميّز بين أجزاء تلك المادة بالأعراض والحدود المختلفة وأفاض على كل شخص منها ما شاء من العلم والقدرة ، ثم عرض روح محمّد صلی الله علیه و آله و سلم وأرواح أوصيائه : على سائر الأرواح وكلّفهم بأشخاصهم بالإقرار بربوبيته ونبوّة نبيّه الأكرم وولاية أوليائه المكرمين ، فآمن القسم الأوّل من الأرواح ، وسماهم أصحاب اليمين ، وكفر الآخرون ، وسماهم أصحاب الشمال.

ومما يدلّ على ذلك ما في عدة من الروايات من أنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، رواه في البحار(3) ، عن البصائر بسنده عن إسماعيل بن أبي حمزة عمن حدثه عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وعن سلام بن أبي عمير عن عمارة عن أمير المؤمنين صلوات الله علیه ، وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وعن جابر عن أبي جعفر بن مسلم عن أبي جعفر وعن أبي محمّد المشهدي من آل رجاء البجلي عن أبي عبد الله صلوات الله علیه وعن وعن أبي البلاد عن بعض أصحاب أمير المؤمنين صلوات الله علیه ، وعن صالح بن سهل

ص: 217


1- علل الشرائع 2 : 425 ، البحار 5 : 245 .
2- وبهذا علّل في بعض الروايات كفر تارك الصلاة دون الزاني كرواية مسعدة بن صدقة عن الصادق 7 ، فراجع العلل 2 : 339 .
3- البحار 61 : 131. 138.

عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وعن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله صلوات الله علیه.

وفيه أيضا عن الكافي بسنده عن بكير بن أعين عن أبي جعفر ، وعن معاني الأخبار مسندا عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، وعن رجال الكشي بسنده عن ميمون بن عبدالله عن الصادق عن آبائه : عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

وإشكال الشيخ المفيد . قدس الله نفسه الزكية . عليها من جهة السند بأنّها من أخبار الآحاد وليست مما يقطع بصحته ، ومن جهة الدلالة بدعوى كون المراد منها خلق التقدير في العلم لا خلق ذواتها ، وإلا لزم كون الأرواح قائمة بذواتها غير محتاجة إلى الآلات التي تتعلّق بها ، ولزم أيضا أن نعرف ونذكر ما سلف لنا قبل الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد ، وهذا محال (1)... فانّه مدفوع بأنّ استشكاله . ره . إنما هو في أصل خلقة الإنسان قبل خلق تلك الأجساد المشهودة ، لا في خصوص تلك الجملة ، أعني خلق الأرواح قبل الأجساد. وعلى هذا يرد على ما قال في سند الأخبار أنّه مضافا إلى ما ذكرنا من أنّ هذه الجملة منقولة بطرق عديدة يمكن دعوى أنّه ليس في الأخبار المتواترة ما يبلغ هذا الحدّ من التواتر المعنوي أو الإجمالي ، بحيث يعدّ مضمون تلك الجملة من أحد الأدلة النقلية على سبق الخلقة ، وهذا واضح لمن لاحظ مجموع ما دلّ عليه في الأبواب المتعدّدة ، كما أشرنا إليها سابقا.

وأمّا إيراده على دلالتها فخال عن الإنصاف ، كما لا يخفى على من نظر إليها. وأما المحاذير العقلية فكلّها استبعادات محضة ، إذ لا دليل على امتناع قيام الأرواح بأنفسها ، لا سيما بعد ملاحظة ما ورد في كيفية خلقتها ، ولا دليل أيضا على امتناع النسيان ، خصوصا مع ورود أنّ الذكر من صنعه تعالى ، وأنه أنساهم رؤيته ، كما مرّ في مبحث المعرفة الفطرية.

التنبيه الرابع : عالم الأظلّة والأشباح

قد ورد في عدّة من الروايات التي سنذكرها التعبير بالأظلة والأشباح. ولعل المراد

ص: 218


1- البحار 5 : 266 ، عن المفيد في جواب المسائل السرويّة.

منها هي الأرواح. ووجه التعبير وجود مناسبة بين الروح وبينهما. أمّا الظل فهو الهواء الفاقد للضياء ، لا الصورة المحضة الخالية عن المادّة ، والروح من هذا القبيل ، كما صرّح به في الروايتين المتقدمتين (1).

نعم فرق بين الروح والظل ، وهو أنّ الهواء في الظل المتحرّك يتبدّل ، والروح لا تتبدّل. ولعلّ وجه التعبير بالظل كون الروح جسما رقيقا في قبال الجسد الذي هو جسم غليظ ، بمنزلة الظل بالنسبة إلى الأجسام الغليظة الكثيفة ، أو كونها فاقدة للنور الحقيقي وهو نور العلم والتعبير بالشبح أيضا يمكن أن يكون لبعض هذه الوجوه ففي اللغة : شبح فلان ، أي ظهر ومثل.

وبالجملة لا وجه لحمل الأظلّة والأشباح على الصور المحضة بلا مادّة لطيفة ، ولا على كون المراد منها سوى الأرواح ، بل يظهر من الروايات أنّ المراد منهما الأرواح.

ففي العلل بسنده عن الحسين بن أبي العلاء ، عن حبيب ، قال : حدثنا الثقة عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : إنّ الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلّة قبل الميلاد ، فما تعارف من الأرواح ائتلف ، وما تناكر منها اختلف (2).

وفيه أيضا بسنده عن حبيب ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم ، قال : ما تقول في الأرواح أنها جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف؟ قال : فقلت : إنّا نقول ذلك ، قال : فإنّه كذلك ، إنّ الله عزّ وجلّ أخذ من العباد ميثاقهم وهم أظلّة قبل الميلاد ، وهو قوله عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ... ) (3) ، قال : فمن أقرّ له يومئذ جاءت الالفة هاهنا ، ومن أنكره يومئذ جاء

خلافه هاهنا (4).

ص: 219


1- الأولى ما في معاني الأخبار : 17 عن أبي جعفر صلوات الله علیه: أنّ الروح متحرك كالريح ... الروح مجانس للريح ... الخبر. والثانية ما في البحار 61 : 34 عن الاحتجاج عن الصادق صلوات الله علیه : الروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا ... الروح بمنزلة الريح في الزق ... الخبر
2- علل الشرائع 84 ، وعنه البحار 61 : 139 .
3- الأعراف 172 .
4- علل الشرائع 84 ، وعنه البحار 61 : 139.

وعن الأمالي بسنده عن ابن محبوب ، عن أبي زكريا الموصلي ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جده : ، أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي صلوات الله علیه : أنت الذي احتجّ الله بك في ابتدائه الخلق حيث أقامهم أشباحا فقال لهم : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، قال : ومحمّد رسولي ؟ قالوا : بلى ، قال : وعلي أمير المؤمنين؟ فأبى الخلق جميعا استكبارا وعتوا عن ولايتك إلا نفر قليل ، وهم أقل الأقلين ، وهم ، وهم أصحاب اليمين (1) .

وعن البصائر بسنده عن حذيفة بن أسيد ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ، ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم (2).

وعن تفسير العياشي عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله علیه ، قالا : إن الله خلق الخلق وهي أظلة ، فأرسل رسوله محمدا صلی الله و آله و سلم ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من كذبه ، ثمّ بعثه في الخلق الآخر ، فآمن به من كان آمن به في الأظلة ، وجحده من جحد به يومئذ ، فقال : ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل (3).

وعن الكافي بسنده عن جابر بن يزيد ، قال : قال لي أبو جعفر صلوات الله علیه : يا جابر إنّ الله أوّل ما خلق خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله ، قلت : وما الأشباح؟ قال : ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيدا بروح واحدة وهي روح القدس ، فبه كان يعبد الله القدس ، فيه كان يعبد الله وعترته ، ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء ، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ، ويحجون ويصومون (4)

توضيح الخبر أنهم كسائر أفراد الإنسان في هذه الدنيا أبدان ، واجد كل واحد منهم لروح مشخصة هی جسم رقيق ، وهي حيّة كسائر الأرواح ومؤيّدة بنور مسمّى بروح القدس. وأمّا في عالم الأرواح فليسوا إلا تلك الأرواح الحيّة المؤيدة بذلك النور الواحد

ص: 220


1- البحار 26 : 272 ، عن أمالي الطوسي.
2- البحار 26 : 281 .
3- البحار 5 : 259 .
4- البحار 15 : 25 ، البحار 61 : 142.

لا روح لها سوى تلك الروح الواحدة وحيث إنّها أجسام رقيقة مؤيّدة بالنور الواحد فصح التعبير عنها بأنها أبدان نورانية. قوله : بلا أرواح ... أي من غير أن يكون لكل واحد منها روح مستقلة كالأبدان في الدنيا ، بل جميعها حية بروح واحدة هي روح القدس.

أقول : حمل هذه الروايات وأشباهها على مجرّد الصور وإنكار كونها أرواحا ناطقة مجيبة ، وكذا تأويل سائر الروايات الدالة على سبق الأرواح كما مر عن المفيد . . . مما لا ينبغي للمنصف.

التنبيه الخامس : لكل روح بدن يناسبها

ثم بعد خلق الأرواح بألفي سنة وأخذ العهد والميثاق منها خلق الله تعالى من جزء آخر من المادة المذكورة . بعد جعله ترابا . لكل روح بدنا متناسبا ، أي خلق للروح المخلوقة من عليين ومن العذب الفرات بدنا من عليين ، وللروح المخلوقة من سجين والملح الأجاج بدنا من سجين ، كما تدلّ عليه معتبرة جابر ، قال : سمعت أبا جعفر صلوات الله علیه يقول في هذه الآية : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً ) (1)، يعني من جرى فيه شيء من شرك الشيطان. ( عَلَى الطَّرِيقَةِ ( يعني على الولاية في الأصل عند الأظلة حين أخذ الله ميثاق بني آدم. ( لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً ) : يعني لكنا وضعنا أظلّتهم في الماء الفرات العذب (2).

ثم مزج بين الطينتين فمسح بكل بدن مخلوق من عليين مسحة من سجين ، وبكل بدن مخلوق من سجين مسحة من عليين ، وخلق منهما الأبدان الذرية ، وصار هذا الامتزاج والمسحة موجبا لصدور العصيان من المؤمن والحسنة من الكافر ، وفيه جبر لكسر وقع لأصحاب الشمال في خلقهم من سجّين والملح الأجاج ومزيد محنة لأصحاب اليمين يوجب زيادة أجرهم في الطاعات لوجود مقتضى العصيان فيهم أيضا.

ويستفاد من رواية العلل أنّه لم يفعل بطينة الأئمّة : ما فعل بطينة المؤمنين من

ص: 221


1- الجن : 16 .
2- البحار 5 : 234 ، عن تفسير القمي.

الامتزاج والمسحة (1).

التنبيه السادس : أخذ الميثاق في عالم الذرّ

بعد أن خلق الله تعالى الأبدان الذرية المتعلقة بالأرواح المخلوقة قبلها فلا يبعد أن يكون حياة كل بدن بسبب تعلّق الروح الواجدة لنور الحياة والعلم به ، وموته بانفصال الروح عنه ، كما يمكن أن يكون حياته بوجدانه مستقلا النور المذكور (2). وعلى هذا الاحتمال تكون حياة الأبدان نظير حياة الأرواح المخلوقة قبلها فإنها أيضا بالنور.

وبالجملة بعد صيرورة الأبدان الذرية حية عالمة صالحة للتكليف المناسب لها ، وبعد إسكانها في فضاء الأرض عرّف الله تعالى إيّاهم . ثانيا أو ثالثا . نفسه ونبيه وحججه ، وأخذ من جميعهم الإقرار بربوبيته ورسالة رسوله وولاية أوليائه المنتجبين صلوات الله عليهم. والظاهر أنّ آدم صلوات الله علیه وحوّاء كانا من جملتهم مع البدن الذرّي قبل خلقة الجسد المعهود.

ولعل ذلك العالم هو المراد من الذرّ الأوّل في رواية عليّ بن معمر عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله صلوات الله علیه عن قول الله عزّ وجلّ : ( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) (3) ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق في الذرّ الأوّل فأقامهم صفوفا وبعث الله محمدا صلی الله علیه و آله و سلم ، فآمن به قوم وأنكره قوم فقال الله : هذا نذير من النذر الأولى ، يعني به محمدا صلی الله علیه و آله و سلم حيث دعاهم إلى الله عزّ وجلّ في الذرّ الأوّل (4).

التنبيه السابع : امتحان الناس في عالم الذرّ

يظهر من بعض الروايات أنّ الله ابتلى الخلق في بدء الخلقة قبل ابتلائهم في هذه الدنيا ، بأن أجج نارا فأمرهم بدخولها ، فدخل فيها قوم فصارت عليهم بردا وسلاما ، ولم

ص: 222


1- البحار 5 : 242، 247 .
2- وقد أشرنا سابقا إلى ما يدل على شهادة الجمادات ونطقها الدالة على إمكان إفاضة نور العلم عليها ، فراجع التنبيه الثاني.
3- النجم 56 .
4- تفسير القمي 2 : 340 ، وعنه البحار 5 : 234 .

يدخلها قوم فرتب الله تعالى على تلك الطاعة والعصيان آثارا في طينتهم وأخلاقهم توجب التوفيق والخذلان وشدّة المحنة في دار الدنيا.

ففي رواية زرارة عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق لما اختلف اثنان ، فقال : إن الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذبا أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي ، وقال : كن ماء ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي. ثم امتزجا ، فمن ذلك صار يلد المؤمن كافرا ، والكافر مؤمنا. ثم أخذ طين آدم من أديم الأرض ، فعركه عركا شديدا ، فإذا هم كالذرّ يدبّون ، فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنة بسلام ، وقال لأصحاب النار : إلى النار ، ولا أبالي. ثم أمر نارا فأسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فها بوها. وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها ، فقال : كوني بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فها بوها ، فثم ثبتت الطاعة والمعصية ، فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء (1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم بسنده عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عن آبائه : ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، قال . في خبر طويل . : قال الله تبارك وتعالى للملائكة : ( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ )(2) . قال : وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم ، قال : فاغترف ربنا تبارك وتعالى غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات . وكلتا يديه يمين . فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال : منك أخلق النبيين والمرسلين ، وعبادي الصالحين، والأئمة المهتدين ، والدعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم الدين ، ولا أبالي ولا اسأل عما أفعل وهم يسألون. ثم اغترف غرفة اخرى من الماء المالح الاجاج ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ، ولا أبالي ولا أسأل

ص: 223


1- البحار 5 : 252 ، عن المحاسن. وسبق بيان للحديث في ص 122.
2- الحجر 28 ، 29 .

عما أفعل وهم يسألون. قال : وشرط في ذلك البداء ، ولم يشترط في أصحاب اليمين. ثمّ خلط الماءين جميعا في كفه ، فصلصلهما ، ثم كفأهما قدّام عرشه وهما سلالة من طين ... الخبر(1) . ورواه الصدوق ; في العلل بسند آخر عن جابر مثله(2).

وفي تفسير العياشي عن زرارة : أنّ رجلا سأل أبا عبد الله صلوات الله علیه عن قول الله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (3) . فقال وأبوه يسمع : حدّثني أبي أنّ الله تعالى قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم ، فصبّ عليها الماء العذب الفرات ، فتركها أربعين صباحا ، ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج ، فتركها أربعين صباحا ، فلما اختمرت الطينة أخذها تبارك وتعالى فعركها عركا شديدا، ثمّ هكذا . حكى بسط كفيه . فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله ، فأمرهم جميعا أن يقعوا في النار ، فدخل أصحاب اليمين ، فصارت عليهم بردا وسلاما ، وأبي أصحاب الشمال أن يدخلوها (4).

وفي العلل بسنده عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : كنا عنده فذكرنا رجلا من أصحابنا ، فقلنا فيه حدّة ، فقال : من علامة المؤمن أن تكون فيه حدّة ، قال : فقلنا له : إنّ عامّة أصحابنا فيهم حدّة ، فقال : إن الله تبارك وتعالى في وقت ما ذرأهم أمر أصحاب اليمين . وأنتم هم أن يدخلوا النار ، فدخلوها ، فأصابهم وهج ، فالحدّة من ذلك الوهج وأمر أصحاب الشمال . وهم مخالفوهم . أن يدخلوا النار فلم يفعلوا ، فمن ثم لهم سمت ولهم وقار (5).

والروايات التي تفيد المقصود لا تنحصر فيما أوردناه ، فراجع البحار ج 3 الباب 11 : الدين الحنيف ، والفطرة ، وصبغة الله ، والتعريف في الميثاق . وج 5 الباب 10 : الطينة والميثاق . وج 61 الباب 43 في خلق الأرواح قل الأجساد.

ص: 224


1- تفسير القمّيّ 1 : 36 ، البحار 5 : 237 .
2- علل الشرائع 1 : 104 .
3- الأعراف: 172 ، وفي تعليقة التفسير : هذه إحدى القراءات في الآية ، والقراءة المشهورة : ذرّيتهم ، كما في رواية البحار عن تفسير العياشي.
4- تفسير العياشي 1 : 39 ، البحار 5 : 257 ، ورواه بتفاوت يسير في تفسير البرهان 2 : 46 عن الكافي بسند صحيح عن زرارة أنّ رجلا سأل أبا جعفر صلوات الله علیه .
5- علل الشرائع 85 ، البحار 5 : 241 .

وكيفية السؤال والجواب في عالم الذرّ والأرواح ، وكذا كيفيّة تأثير النار في الطبائع غير معلومة لنا ، لكن أصول المطلب غير الجمعة للإنكار ، ودلالة الروايات على سبق خلقة الأرواح زمانا ووقوع التكليف من الله تعالى وإطاعة بعض المكلفين وعصيان آخرين في الأزمنة السالفة واضحة جدا ، لا سيّما لمن لاحظ مجموع ما ورد عنهم صلوات الله عليهم في مبدأ الخلقة وكيفيتها.

التنبيه الثامن : موقف آدم صلوات الله علیه في عالم الذرّ

يمكن القول بمقتضى جمع الروايات : إنّ الله تعالى بعد ما أخذ العهد والميثاق من الأرواح التي أحياها بنور العلم ، وبعد ما أخذ العهد أيضا من الأبدان الذريّة ذوات الأرواح الواجدة لنور العلم ، خلق بعد ذلك جسد آدم صلوات الله علیه من الطين على ما وصف في الروايات (1). ولا يبعد كون هذا الجسد مشتملا على البدن الذرّي المخلوق قبل ذلك . كما أنّ أبداننا كذلك . فجعل الطين الذي هو مجموع الأبدان الذرية في ظهر آدم عند خلقه بما له من الكبر ، على ما في بعض الروايات(2) . ثم أحياه بنفخ الروح المخلوقة من قبل ، الواجدة لنور الحياة والعلم ، ثم أمر الملائكة بالسجود له. وبعد ما أكل من الشجرة وأخرج من الجنة وهبط إلى الأرض ، أخرج الله تعالى ذريته من ظهره بواد بين مكة وطائف يسمّى بالرّوحاء ، وأخذ منهم العهد والميثاق ، كما أخذه قبل ذلك. وهو الذرّ المتأخر بالنسبة إلى الذرّ المذكور في رواية معمّر المتقدّمة(3) .

ففي البحار عن تفسير العياشي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى هبط إلى الأرض (4) في ظلل من الملائكة على آدم ، وهو بواد يقال له الروحاء ، وهو واد بين الطائف ومكة ، قال : فمسح على ظهر آدم ، ثم صرخ بذریته وهم ذرّ ، قال : فخرجوا كما يخرج النحل من كورها ، فاجتمعوا على شفير الوادي ، ... فقال الله :

ص: 225


1- البحار 11 : 97 .
2- البحار 11 : 97 .
3- في آخر التنبيه السادس.
4- أي نزل وحيه وأمره ، راجع ص 116 ما قاله العلامة المجلسي.

یا آدم هؤلاء ذرّيتك أخرجتهم من ظهرك لأخذ عليهم الميثاق لي بالربوبية ، ولمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم بالنبوة ، كما أخذه عليهم في السماء. قال آدم : كيف وسعتهم ظهري؟ قال الله يا آدم بلطف صنيعي ونافذ قدرتي. قال آدم : يا ربّ! فما تريد منهم في الميثاق ؟ قال الله: أن لا يشركوا بي شيئا ، قال آدم : فمن أطاعك منهم يا رب! فما جزاؤه؟ قال : أسكنه جنّتي ، قال آدم : فمن عصاك فما جزاؤه؟ قال : أسكنه ناري قال آدم : يا ربّ لقد عدلت فيهم ، وليعصينّك أكثر هم إن لم تعصمهم(1).

وعن العلل مسندا عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، قال سمعت أبا جعفر صلوات الله علیه يقول : إن الله عزّ وجلّ لما أخرج ذرية آدم صلوات الله علیه من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية وبالنبوة لكل نبي ، كان أول أخذ عليهم الميثاق ( بالنبوة )(2) نبوّة محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم. ثم قال الله جل جلاله لآدم صلوات الله علیه : انظر ما ذا ترى؟ قال : فنظر آدم إلى ذرّيته وهم ذرّ وقد ملئوا السماء ، فقال آدم : يا رب ما أكثر ذرّيتي ولأمر ما خلقتهم؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال الله عزّ وجلّ : يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ، ويؤمنون برسلي ويتبعونهم الخبر (3).

التنبيه التاسع : دلالة الآيات والأحاديث على عدم تجرد الروح

قد مرّ جملة مما يدلّ من الآيات والروايات المباركات على عدم تجرّد الروح. ويدلّ عليه زائدا على ما سبق قوله تعالى : ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ... ) الآية (4).

وقوله تعالى : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )(4) .

وعن الكافي مسندا عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله عن أبيه 8 قال :

ص: 226


1- البحار 5 : 259 .
2- موجود في البحار وليس في العلل.
3- علل الشرائع 1 : 10 ، البحار 5 : 226 .
4- النحل 70 .

والله ما من عبد من شيعتنا ينام إلا أصعد الله عزّ وجلّ روحه إلى السماء ، فيبارك عليها ، فإن كان قد أتى عليها أجلها جعلها في كنوز رحمته ، وفي رياض جنته ، وفي ظل عرشه. وإن كان أجلها متأخرا بعث بها مع أمنة من الملائكة ليردّوها إلى الجسد الذي خرجت منه لتسكن فيه ... الحديث (1).

وعن مجالس الصدوق بسنده عن أبي جعفر 7 قال : إنّ العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء ، فما رأت الروح في السماء فهو الحق ، وما رأت في الهواء فهو الأضغاث ... الحديث (2) .

وفي رواية : أنّ عمر بن الخطاب قال : العجب من رؤيا الرجل أنّه يبيت فيرى الشيء الذي لم يخطر له على بال ، فيكون رؤياه كأخذ باليد ، ويرى الرجل الرؤيا فلا يكون رؤياه شيئا فقال علي بن أبي طالب صلوات الله علیه : أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله يقول : ( اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَدامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخرى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ، فالله يتوفّى الأنفس كلها ، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء ، فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل ، فكذبت فيها ، فعجب عمر من قوله (3).

وفي المناقب : مما أجاب الرضا صلوات الله علیه بحضرة المأمون صباح بن نصر الهندي وعمران الصابي عن مسائلهما ، قال عمران : العين نور مركّبة أم الروح تبصر الأشياء من منظرها؟ قال صلوات الله علیه : العين شحمة وهو البياض والسواد والنظر للروح . إلى أن قال صلوات الله علیه . : الروح مسكنها في الدماغ ، وشعاعها منبت في الجسد ، بمنزلة الشمس : دارتها في السماء ، وشعاعها منبسط على الأرض ... الخبر(4).

وعن العلل والخصال مسندا عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله صلوات الله علیه

ص: 227


1- البحار 61 : 54 ، عن الكافي وأمالي الصدوق .
2- البحار 61 : 31 .
3- البحار 61 : 193 ، عن الدر المنثور للسيوطى.
4- المناقب 4 : 353 ، البحار 61 : 250 .

عن آبائه : ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، قال : لا ينام ( الرجل ) (1) وهو جنب ، ولا ينام إلا على ظهور ، فإن لم يجد الماء فليتيتم بالصعيد ، فإن روح المؤمن ترفع (2) إلى الله تبارك وتعالى ، فيقبلها ويبارك عليها ، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في كنوز(3) رحمته ، وإن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع أمنائه من ملائكته ، فيردّونها في جسدها(4).

وفي البحار عن معاني الأخبار بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر صلوات الله علیه ، قال . في رواية . : إنّ الروح متحرك كالريح ، وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح ، وإنّما أخرجه على لفظ الريح لأنّ الروح مجانس للريح ... الخبر (5) ، ورواه أيضا عن الكافي (6) والاحتجاج (7).

وعن الاحتجاج عن هشام بن الحكم عن الصادق 7 قال ، في جواب مسائله (8) :

والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا . إلى أن قال : أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال صلوات الله علیه : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى ، فلا حس ولا محسوس ، أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها ... الخبر (9) .

وعن الكافي بسنده عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله صلوات الله علیه : إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومن شاء الله ، فجلس رسول الله ، فجلس رسول الله عن يمينه ، والآخر عن يساره ، فيقول له رسول الله : أما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك ، وأما ما كنت تخاف منه فقد

ص: 228


1- في العلل والخصال : المسلم.
2- في العلل : تروح.
3- في العلل : مكنون.
4- البحار 61 : 31 ، عن العلل والخصال.
5- معاني الأخبار : 17 .
6- الكافي 1 : 133 .
7- الاحتجاج 2 : 57 ، البحار 61 : 28 .
8- البحار 61 : 33 ، وفي المصدر : من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله صلوات الله علیه... ، وهشام بن الحكم غير مذكور فيه ، كما في البحار 6 : 216 .
9- الاحتجاج 2 : 96.

أمنت منه. ثمّ يفتح باب إلى الجنة ، فيقول : هذا منزلك من الجنة ، فإن شئت رددناك إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضة فيقول : لا حاجة لي في الدنيا ، فعند ذلك يبيض لونه ، ويرشح جبينه ، وتقلّص شفتاه ، وتنتشر منخراه وتدمع عينه اليسرى ، فأي هذه العلامات رأيت فاكتف بها. فإذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليه وهي في الجسد ، فتختار الآخرة ، فتغسله فيمن يغسله ، وتقلبه فيمن يقلبه. فإذا أدرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما ، وتلقاه أرواح المؤمنين يسلمون عليه ويبشرونه بما أعد الله له جلّ ثناؤه من النعيم. فإذا وضع في قبره ردّ إليه الروح إلى وركيه ، ثم يسأل عما يعلم ، فإذا جاء بما يعلم فتح له ذلك الباب الذي أراه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فيدخل عليه من نورها ( وضوئها ) وبردها وطيب ريحها ... (1).

وعن الكافي بإسناده عن حبّة العربي ، قال : خرجت مع أمير المؤمنين صلوات الله علیه إلى الظهر ، فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام ، إلى أن قال : ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال لي : يا حبّة ، إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته . قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنّهم لكذلك ؟ قال : نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين (2) يتحادثون. فقلت : أجسام أم أرواح ؟ فقال : أرواح ... الخبر(3).

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنة تعارف وتساءل ... الخبر (4).

وعن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال في رواية : فإذا قبضه الله عزّ وجلّ صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا (5).

وعن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : قلت له : جعلت فداك ، يروون أنّ

ص: 229


1- الكافي 3 : 129 ، البحار 6 : 196.
2- احتبى بالثوب : اشتمل ، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.
3- الكافي 3 : 243 ، البحار 61 : 51.
4- الكافي 3 : 244 ، البحار 61 : 50.
5- الكافي 3 : 245 ، البحار 61 : 50.

أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ! فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله عزّ وجلّ من أن يجعله في حوصلة طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم (1).

وعن قرب الإسناد بسنده عن مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه صلوات الله علیه قال : إن روح آدم لما أمرت أن تدخل فيه كرهته ، فأمرها أن تدخل كرها وتخرج كرها (2).

وفي بصائر الدرجات والكاني وعلل الشرائع روايات متعددة تدلّ على أنّ طينة رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم خلقت من عليين ، وقلوبهم من طينة فوق ذلك ، وخلقت قلوب شيعتهم مما خلق منه أبدانهم (3).

التنبيه العاشر : استقلال الروح

قد ذكرنا سابقا أدلة سبعة على عدم تجرد النفس بالمعنى المصطلح ، وهو التجرّد ع-ن الم-ادة ولواحقها فراجع (4) .

والغرض هنا بيان مطلب آخر يستفاد من الدليل السادس ، وهو : وجدان الإنسان أحيانا نفسه وإنيته يجيء ويذهب خارجا عن البدن ، ويعرضه العوارض ولواحق المادة.

وقد حصل ذلك لبعض الأعاظم اختيارا ولبعض قهرا ، ويحصل ذلك لكل أحد عند منام البدن وكونه ملقى بلا حركة ولا شعور . والروح . وهي النفس . ترى ما ترى من أنواع الرؤيا ويعرضها السرور والحزن والخوف وأنواع اللذات والدليل السابع : الأدلة النقلية من الآيات والروايات المباركات ، وقد مرّ ذكر جملة منها.

فإنه يستفاد منهما . مضافا إلى عدم تجرد النفس بالمعنى المصطلح - تجرّدها عن البدن ، بمعنى أنها غير البدن وغير أجزاء البدن ، بل هى أمر متشخص مستقل له الحركة والذهاب والإياب يدخل في البدن ويخرج منه ، نظير دخول النار أو النور المحسوس في

ص: 230


1- الكافي 3 : 244 ، البحار 61 : 50.
2- البحار 61 : 30 .
3- بصائر الدرجات : 14 ، 19 ، الكافي 2 : 2 ، علل الشرائع 1 : 104 ، وراجع البحار 5 : 225.
4- ص 38 .

الأجسام. وكما أنّ حياة البدن ليست بذاته بل بولوج الروح والنفس فيه ، وموته بخروج الروح عنه ، كذلك حياة الروح ليست بذاتها ، بل بوجدانها نور العلم الذي هو حقيقة الحياة ، وموتها بسلب النور عنها ، أي بفقدانها إيّاه. وإن كان ذلك النور محيطا بها.

التنبيه الحادي عشر : أدلّة القائلين بتجرّد النفس ، والجواب عنها

استدلوا لتجرد النفس بأمور :

منها : أنّ النفس تدرك وتعقل الصور العقلية المشتركة بين كثيرين ، وهي الكليات الصادق كلّ منها على أفراد كثيرة. والكلّي ليس له مقدار معيّن ، ولا وضع معيّن ، ولا أين معيّن ، وإلا لم يكن صادقا على أفراد مختلفة المقدار والوضع والأين ، فهو مجرّد عن جميعها. وحيث إن إدراك النفس إيّاها قيامها بها فتجردها مستلزم لتجرد محلّها ، وإلا لزم أن يكون للكلّي بتبع النفس مقدار معيّن ، ووضع معيّن ، وأين معيّن ، وما هو كذلك لا يكون مشتركا صادقا على كثيرين ، وهو خلف .

وأجيب . على تقدير تسليم تجرد الكلي لإمكان دعوى أنّ الكلّي ليس إلا الجزئي مع قطع النظر عن مشخصاته . بإمكان منع كون علم النفس بالشيء عبارة عن قيام المعلوم بها قياما حلوليا ، كي يلزم من تجرّده تجردها ، بل هو قيام صدوري بالنور المجرّد الخارج عن النفس ، والنفس تدرك ذاتها بذلك النور ، فلا يلزم من تجرده تجردها.

ومنها : أنّ النفس تقدر على الأفعال غير المتناهية ، فإنّ إدراك الكلي إدراك لأفعال غير متناهية ، والإدراك هو فعل النفس ، والقوى الجسمانية وغير المجرد متناهي التأثير.

وأجيب على تقدير تسليم استلزام القدرة على إدراك الكلى القدرة على الأفعال غير المتناهية . بأنّ قدرة النفس إنّما هي بالنور الخارج عن ذاتها ، كما مرّ.

ومنها : أنّ النفس تدرك الأمر البسيط الذي يستحيل عليه القسمة ، كصرف الوجود ، وحيث إن إدراك النفس عبارة عن قيام المعلوم بها قياما حلوليًا فيلزم من بساطة الحال وتجرّده بساطة المحل وتجرّده.

وأجيب أولا : بأنّ النفس تدرك الأمور المركبة أيضا ، ولازم هذا الدليل تركب النفس ، ولا يقول المستدلّ به قطعا ، وثانيا : أنّ إدراك النفس ليس بقيام المعلوم بها قياما

ص: 231

حلوليا ، بل بوجدان النور الخارج عن ذاتها الكاشف عنها وعن معلومها.

تباركانء من

ومنها : أن النفس مجمع صور كل الموجودات والمتقابلات من دون تدافع بينها ، ومورد الميول المتضادة والأمور المتخالفة ، وليس الجسم كذلك.

وأجيب بأنّ الأجسام مختلفة في قبول الخصوصيات والأعراض ، فمن عدم اتصاف سائر الأجسام بما تتصف به النفس لا يلزم خروج النفس عن الجسميّة ، لإمكان اتصافها . مع الجسمية . بخصائص تختص بها ، مضافا إلى إمكان القول بأنّ الصور الذهنية محلّها السيّال العام المحيط بالنفس لا ذات النفس ، بل هي تشاهدها بنور العلم والميول والأهواء المختلفة منشؤها الأجزاء المختلفة المؤلّف منها البدن والزمان والمكان والأمور المقارنة لها ، والنفس تدركها بنور العلم ، فلا يلزم من اختلافها وتضادّها خروج النفس من سنخ الماديات.

ومنها : أنّ القوى الجسمانية تكلّ وتعيي بكثرة الأفعال ، والنفس لا تكل بكثرة الإدراكات ، وليس ذلك إلا لتجرّدها عن أوصاف الجسمانيات.

وأجيب بأنّ إدراك النفس ليس بذاتها بل بالنور الخارج عنها ، كما مرّ .

ومنها : أنّ كمال النفس وهو الفكر موجب لجفاف الدماغ وهزال البدن ، فلو كانت النفس جسما كان كمالها كمال البدن .

وأجيب بأنّ ذلك لا يوجب إلا مغايرة النفس للبدن وتجرّدها عن المواد الكثيفة التي فيه ، ونحن نقول به.

وبالجملة : جميع ما استدلوا به على تجرد النفس ، بمعنى خروجها عن دائرة المحسوسات بالكلية لا يدلّ إلا على وجود شيء مجرّد في ناحية النفس ، وأما أنه هي فلا. وحينئذ لا مانع من أن يقال . كما أشرنا إليه غير مرّة . أنّ المجرّد هو النور القوي القاهر الخارج عن حقيقة النفس ، والخالق المتعالي يعطيه ويفيضه عليها . كما قد يمنعه ويسلبه منها . وقوة النفس وغناها وسائر كمالاتها من جهة هذا النور لا من ذاتها.

وأما الأدلّة النقلية التي تمسكوا بها لإثبات تجرّد النفس بذاتها فقد ذكرها في

ص: 232

الأسفار(1) ، قال : فلنذكر أدلّة سمعية لهذا المطلب حتى يعلم أنّ الشرع والعقل متطابقان في هذه المسألة كما في سائر الحكميّات. وحاشا الشريعة الإلهيّة البيضاء أن تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينيّة الضرورية ، وتبا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنة.

أما الآيات المشيرة إلى تجرد النفس فمنها قوله تعالى . في حق آدم صلوات الله علیه وأولاده . : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (2) .

وفي حق عيسى : ( وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (3) ، وهذه الإضافة تنادي على شرف الروح وكونها عرية عن عالم الأجسام.

وفي حق شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل صلوات الله علیه : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )(4) .

وقوله حكاية عنه : ( وَجَهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) (5) ، ومعلوم أنّ الجسم وقواه ليس شيئا منها بهذه الصفات السنية من رؤية عالم الملكوت ، والإيقان ، والتوجّه بوجه الذات لفاطر السماوات. والحنيفية ، أي الطهارة والقدس.

ومنها قوله تعالى : ( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (6).

ومنها قوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجُ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ )(7).

وقوله تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (8)

ص: 233


1- من هنا إلى قوله : لا يصعد من السماء إلاّ من نزل منها ، عبارة الأسفار 8 السماء إلاّ من نزل منها ، عبارة الأسفار 8 : 304 ، ولبعض الأحاديث مستند آخر نشير إليه في الهامش.
2- الحجر 29 ، ص 72.
3- النساء 171 .
4- الأنعام 75.
5- الأنعام 79.
6- المؤمنون 14 .
7- يس 36 .
8- فاطر 10.

وقوله تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )(1) .

وقوله تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً )(2) .

وفي الحقيقة جميع هذه الآيات المشيرة إلى المعاد وأحوال العباد في النشأة الثانية ، دالة على تجرد النفس لاستحالة إعادة المعدوم ، وانتقال العرض وما في حكمه من القوى المنطبعة.

وأمّا الأحاديث النبوية فمثل قوله صلی الله علیه و آله و سلم : من عرف نفسه فقد عرف ربه (3).

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم : أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه. وقوله : من رآني فقد رأى الحق. وقوله : أنا النذير العريان (4) . وقوله : لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل.

وقوله : أبيت عند ربّي يطعمني ويسقيني.

فهذه الأخبار وأمثالها تدلّ على شرف النفس وقربها من الباري إذا كملت ، وكذا قوله : ربّ أرني الأشياء كما هي. ومعلوم أنّ دعاء النبي صلی الله علیه و آله و سلم مستجاب ، والعلم بالأشياء ذوات السبب كما هي لا يحصل إلا من جهة العلم بسببها وجاعلها ، كما برهن في مقامه ، والمراد بالرؤية هو العلم الشهودي.

وكذلك دعاء إبراهيم الخليل صلوات الله علیه كما حكى الله عنه في قوله : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَؤْتى ) (5) . ورؤية الفعل لا تنفك عن رؤية الفاعل ، وليس في حد الجسم ومشاعره أن يرى ربّ الأرباب ومسبّب الأسباب.

وقوله صلی الله علیه و آله و سلم : قلب المؤمن عرش الله (6).

وقوله : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن (7) .

ومعلوم أن ليس المراد هذا اللحم الصنوبري ، ولا أيضا إصبع الله جارحة جسمانية ،

ص: 234


1- التين 4 .
2- الفجر 27 .
3- البحار 2 : 32 عن مصباح الشريعة ، غرر الحكم 2 : 625.
4- صحيح مسلم 4 : 1788.
5- البقرة 260 .
6- في البحار 58 : 39 : روي أنّ قلب المؤمن عرش الرحمن.
7- في البحار 75 : 48 عن العلل : ... فإنّ القلوب بين إصبعين من أصابع الله ...

بل القلب الحقيقي هو الجوهر النطقي من الإنسان ، والأصبعان هما العقل والنفس الكليان ، أو القوتان : العقلية والنفسية .

وقوله : المؤمن أعظم قدرا عند الله من العرش. ومعلوم أنّ هذه الأعظمية ليست بجسمية ، ولا لقوّة محصورة في عضو من أعضائه.

وقوله : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام (1)

وقول أمير المؤمنين وإمام الموحدين صلوات الله علیه حين سأله حبر من الأحبار : هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره ، وقال : كيف رأيته ، أو كيف الرؤية ؟ فقال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (2) . والرؤية العقلية لا يمكن بقوّة جسمانية.

وقوله في الجواب حين سئل عنه : كيف قلعت باب خيبر ؟ : قلعته بقوّة ربانية ، لا بقوّة جسمانية (3)

وعنه أنه قال : الروح ملك من ملائكة الله ، له سبعون ألف وجه (4)

وقال روحالله المسيح بالنور الشارق من سرادق الملكوت : لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين. وقوله : لا يصعد إلى السماء إلاّ من نزل منها.

أقول : شرافة الإنسان وعظمته وأعظميته وقدرته وقوته ورؤيته الأشياء كما هي ومشاهدته إياها كلّها ورؤيته عالم الملكوت وصيرورته عرش الرحمن إلى غير ذلك مما لا يناسب الجسم والقوى الجسمانية ، كلها بالأنوار الإلهية من العلم والقدرة والقوّة الربانية الخارجة عن ذاته ، كما أنّ رؤيته ربِّه إنّما هي برته لا بذاته ، فلا دلالة في شيء منها على تجرد النفس الحاملة لتلك الأنوار.

فيعرف الإنسان نفسه أنه شيء قائم بالغير ، وأنّ الغير مشيّئه وقيوم ذاته آنا فآنا ، وأنه مباين ذاتا لقيومه الذي هو الشيء بحقيقة الشيئية القائمة بذاته أزلا وأبدا ، وأنه

ص: 235


1- راجع البحار 61 : 131.
2- البحار 4 : 44 ، عن التوحيد.
3- ورد مضمونه في البحار 21 : 26 عن أمالي الصدوق ، والبحار 40 : 318 عن الخرائج.
4- الدر المنثور 200:4 .

حقيقة مظلمة عاجزة ذاتا ، وأنّ كمالاته التي لا تناسب المادية إنّما هي بوجدانه لتلك الأنوار ، من غير أن یصیر منها داخلا في ذاته ، وأنّه في بقائه وبقاء كمالاته محتاج آنا فأنا إلى قيومه ، وأنّ ذاته ونفسه المشار إليها بلفظ « أنا » زمانيّة مكانيّة معروضة للعوارض واللواحق الماديّة والجسمانية ، كما مرّ سابقا ، وسنذكره في التنبيه الآتي إن شاء الله تعالى.

فبعرفان الإنسان نفسه بالصفات المذكورة من الفقر والظلمة والحاجة ، وأنّ ما له من النعم إنّما هو بالغير ... يعرف ربّه بالغنى والقيوميّة وسائر الصفات الكمالية.

وليس رجوعهم إليه تعالى بمعنى فنائهم واندكاكهم فيه ، أو عرفان أنهم شئون لذات واحدة وتطوّرات لحقيقة فاردة ، كما مر في كلمات المستدلّ.

بل لعله بمعنى رجوع العبد إلى محضر مولاه راضيا عنه مرضيّا له ، نظير ما حصل للأنبياء والموسى صلوات الله علیه ولنبينا صلی الله علیه و آله و علیه في مقام الوحي والمكالمة.

فبملاحظة أنّ الله تعالى كلم جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب . كما دلّ عليه قوله تعالى : ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى ) ، المفسّر في الروايات الكثيرة بما ذكر . يظهر صحّة إطلاق الرجوع إليه تعالى على ما يقع لهم من عرض أعمالهم عليه ومن الخطاب منه تعالى لهم ليريهم ما أعدّ لهم من الثواب ، كما أنّ رجوع الكفار والفساق إليه إنّما هو بمعنى توقيفهم في موقف المحاسبة والعتاب عليهم وإراءة ما أعد لهم من جزاء أعمالهم.

قال الله تعالى : ( كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) .

وقال تعالى : ( مَتَاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ) (2)

وقال تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ

ص: 236


1- الأنعام 108 .
2- یونس 70 .

لا يُظْلَمُونَ ) (1).

وقال تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (2)...

ومن مصاديقه ما رواه في البحار عن تفسير القمي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : لا تزول قدما عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن أربع خصال : عمرك في ما أفنيته؟ وجسدك في ما أبليته؟ ومالك من أين كسبته ، وأين وضعته؟ وعن حبنا أهل البيت (3) .

وما رواه فيه عن أمالي الصدوق بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنّه قال لعلي بن أبي طالب صلوات الله علیه : إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي على نجيب من نور ، وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره ، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف ، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله : أين خليفة محمّد رسول الله ؟ فتقول : ها أنا ذا ، قال : فينادي ( المنادي ) : يا علي ! أدخل من أحبّك الجنّة ، ومن عاداك النار ، فأنت قسيم الجنة وأنت قسيم النار(4).

وما رواه الكليني في الكافي مسندا عن أبي عبد الله صلوات الله علیه قال : إنّ الله عزّ وجلّ يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيها بالمعتذر إليهم ، فيقول : وعزتي وجلالي ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم عليّ ، ولترون ما أصنع بكم اليوم بكم اليوم ، فمن زوّد أحدا منكم في دار الدنيا معروفا فخذوا بيده فأدخلوه الجنة ... (5)

وما رواه القمّي بإسناده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في ذيل قوله تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )(6) ، قال : ويؤتى بالمؤمن الغني يوم القيامة إلى الحساب ، يقول الله تبارك وتعالى : عبدي! قال : لبيك يا ربّ ، قال : ألم أجعلك

ص: 237


1- البقرة 281.
2- الفجر 27 . 30.
3- البحار 7 : 259 .
4- البحار 39 : 199 . وما بين القوسين من المصدر ( أمالي الصدوق 295 ).
5- الكافي 2 : 261 ، البحار 7 : 200.
6- الزخرف 67 .

سميعا وبصيرا ، وجعلت لك مالا كثيرا؟ قال : بلى يا ربّ ، قال : فما أعددت للقائي؟ قال : آمنت بك وصدقت رسلك ، وجاهدت في سبيلك. قال : فماذا فعلت فيما آتيتك؟ قال : أنفقت في طاعتك ، قال : ما ذا ورثت في عقبك ؟ قال : خلقتني وخلقتهم ، ورزقتني ورزقتهم ، وكنت قادرا على أن ترزقهم كما رزقتني فوكلت عقبي إليك . فيقول الله عزّ وجلّ : صدقت ، اذهب ، فلو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا. ثم يدعى بالمؤمن الفقير فيقول : يا عبدي ! فيقول : لبيك يا رب ، فيقول : ماذا فعلت؟ فيقول : يا ربّ هديتني لدينك ، وأنعمت عليّ ، وكففت عني ما لو بسطته لخشيت أن يشغلني عمّا خلقتني له. فيقول الله عزّ وجل : صدقت عبدي ، لو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا . ثم يدعى بالكافر الغنيّ ، فيقول : ما أعددت للقائي؟ فيعتل فيقول : ماذا فعلت في ما آتيتك ؟ فيقول : ورّثته عقبي ، فيقول : من خلقك ؟ فيقول : أنت ، فيقول : من خلق عقبك؟ فيقول : أنت ، فيقول : ألم أك قادرا على أن أرزق عقبك كما رزقتك ، فإن قال : « نسيت » هلك ، وإن قال : « لم أدر ما أنت » هلك ، فيقول الله عزّ وجلّ : لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا. ثم يدعى بالكافر الفقير فيقول : يا ابن آدم ما فعلت في ما أمرتك ، فيقول : ابتليتني ببلاء الدنيا حتى أنسيتني ذكرك وشغلتني عمّا خلقتني له ، فيقول : فهلاً دعوتني فأرزقك ، وسألتني فأعطيك ! فإن قال : « يا رب نسيت » هلك ، وإن قال : « لم أدر ما أنت » هلك ، فيقول له : لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا (1) .

وما رواه في البحار عن أمالي الشيخ بسنده عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر صلوات الله علیه عن قول الله عزّ وجل : ( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) (2)، فقال صلوات الله علیه : يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب ، فيكون الله تعالى هو الذي يتولّى حسابه ، لا يطلع على حسابه أحدا من الناس ، فيعرفه ذنوبه ، حتى إذا أقر بسيئاته قال الله عزّ وجلّ للكتبة : بدلوها حسنات وأظهروها للناس. فيقول الناس حينئذ : ما كان لهذا العبد سيئة واحدة! ثم يأمر الله به إلى

ص: 238


1- تفسير القمّيّ 2 : 287 ، البحار 7 : 174.
2- الفرقان 70 .

الجنّة ، فهذا تأويل الآية ، وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة (1).

التنبيه الثاني عشر : الفارق بين الروح والبدن أعراضهما

تحصل مما ذكرنا أنّ أرواح البشر وأبدانهم كليهما من أجزاء المادة المخلوق منها جميع الأشياء ، والفارق بينهما اللطافة والكثافة وغير هما من الأعراض ، فيمكن تغلّظ الأرواح بحيث ترى بالأعين العادية ، كما في الجانّ والملك (2). ويمكن تلطّف الأبدان حتى لا ترى ، ومما يدلّ عليه رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر، ورواية الاحتجاج عن الصادق صلوات الله علیه(3). وما ورد من أنّ الله تعالى خلق قلوب الشيعة أو أرواحهم . على اختلاف التعبير في الروايات . مما خلق منه أبدان الأئمّة : (4).

ثم إنّ كون روح الإنسان جسما لطيفا كالهواء المتحرّك . كما هو المصرّح به في الخبرين المتقدمين . لا ينافي اشتمالها على خصوصيات ماديّة محيّرة للعقول ، نظير اشتمال البدن الذي لا شكّ في جسمانيته على خصائص عجزت الحكماء والأطبّاء الفحول عن إحصائها ودرك حقيقتها ، ولا ينافي أيضا اشتمالها على أمور لا تناسب المادية ، فإنّ ذلك ناشئ من إفاضة نور العلم والقدرة وغير هما . مما ليس من سنخ المادّة وعوارضها ولا جزء منها ، ولا صادرا ومتولّدا عنها . عليها. وهذا هو الفارق بين روح الإنسان وبين غيرها من سائر الأجسام اللطيفة والكثيفة ، وكفى به فارقا وقد مرّ أنّ هذا النور يجده الإنسان إجمالا ، وكذا مغايرته إياه.

وقد مرّ أيضا في مبحث العلم أنّ من طرق التنبيه إلى وجود هذه الحقيقة . أي النور العلمي . وأنّه خارج عن حقيقة الإنسان ولا تصير جزء منها أبدا : فقداننا إياه عند المنام

ص: 239


1- البحار 7 : 261 .
2- يعني يحصل التغلّظ لهما في بعض الأحوال ، كما روي في الاحتجاج 2 : 81 أنه سئل الصادق صلوات الله علیه : كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة ، وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟ قال صلوات الله علیه : غلّظوا لسليمان كما سخروا ، وهم جسم لطيف وغذاؤهم النسيم ....
3- راجع التنبيه السابع.
4- راجع ص 229 ، الهامش 4.

وعند عروض الغشوة بعد وجدانه ، وكذا وجداننا بعد الفقدان ، فإنّ هذا الوجدان والفقدان وتداوم ذلك في جميع أفراد الإنسان ينبهنا على أنّ حقيقة الإنسان مظلمة ميّتة بالذات ، وأنّ حياته وشعوره من أوّل العمر إلى آخره إنّما هی ببركة هذا النور الخارج عن حقيقته ، فعند الوجدان يحصل العلم للإنسان ، وعند الفقدان يجهل أو يحصل له النسيان ، وكل ذلك لا بنحو الممازجة ، ولا البعد والمفارقة.

وبعد وضوح مغايرته لهذا النور نقول : مغايرة سائر الأشياء المعلومة بالحواس الظاهرة لهذا النور أوضح ، فإن كل ما يدرك بالحواس الظاهرة من الجوهر والعرض مظلم ذاتا ، والعلم المظهر له ذاته النور ، ومباينة نوري الذات مظلم الذات ظاهرة.

هذا في المعلومات الخارجية، أي المحسوسات بالحواس الظاهرة ، وأمّا المعلومات النفسية أي المتصوّرات فحالها في كونها ظاهرة بنور خارج عن ذات العالم بها واضحة أيضا لمن عرف نور العلم.

وقد مرّ أنّ الدليل على ما ذكرنا كله هو نفس نور العلم الظاهر بذاته المعرّف لغيره ، ولا بد للمعلم أن يذكر به المتعلم ، ولا طريق له عادة إلا ذلك.

التنبيه الثالث عشر : يمكن لكلّ ذرّة وجدان العلم والإدراك

قد مرّ أيضا أنّ ما ذكرناه جار في كل شيء بل كل ذرّة من ذرّات عالم المادّة ، أي يمكن أن تدرك تلك الذرّة كل أمر يدركه الإنسان ، فإنّ توقف علم الإنسان على سلامة دماغه وبنيته إنما هو من السنن التي أجراها مسبب الأسباب بمشيئته ، وهي وإن لم تتخلّف غالبا وبحسب العادة إلا أنّ له تعالى شأنه إفاضة نور العلم على كل جزء يصدق عليه أنه شيء دون الجزء المجاور له بدون تلك الأسباب ، كما شاء وأذن لكل شيء أن يسبّح بحمده وإن لم يفقه الناس تسبيحه وحمله على خصوص التسبيح التكويني أي بلسان الحال لا موجب له ، كما سبّح الحصى في كف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى سمعه الناس (1) . وتقدّم ذكر الآيات الدالة على شهادة الأيدي والأرجل وغيرها يوم القيامة بما

ص: 240


1- روى في البحار 17 : 377 عن الخرائج عن أنس أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم أخذ كفا من الحصى فسبحن في يده ثمّ صبّهن في يد علي صلوات الله علیه فسبحن في يده ، حتى سمعنا التسبيح في أيديهما ، ثم

فعله الإنسان في الدنيا ، والروايات الدالة على شهادة المكان وأمثالها كثيرة في المعجزات المنقولة عن الأئمة :.

التنبيه الرابع عشر : الإنسان يبقى على جسمانيته

قد ظهر مما سبق أن الإنسان من مبدأ خلقته إلى منتهى ما يصل إليه من الكمال باق على ماديته وجسمانيته ، وعلى فقره واحتياجه في بقاء ذاته وجميع كمالاته المادية والمعنوية إلى الله تعالى ، ولا يدخل في حدّ التجرد المصطلح بأن تصير ذاته مجردة عن المادة ولواحقها فانية في حقيقة الحق المتعالي ، بل هو في حال غناه . باستضاءته من الأنوار الإلهية المنزهة دائما عن لوث المادية . باق على فقره ومحدوديته وماديّته ، كما هو مشهود له كل يوم وليلة غالبا ، فينبغي للمؤمن أن يشكر الله تعالى دائما على نعمائه التي من أعظمها نعمة الوجود . أي الثبوت والكون والحصول ( وقد عبّر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن أوّل النعمة بقوله : أن خلقتني ) . والحياة والعلم والعقل والهدايات العامة والخاصة (1) ، وأن يتضرّع إليه تعالى لتبقى له تلك النعم ولا تسلب منه . لإمكان زوالها في كل آن . ولطلب الزيادة. وهذا مما علمنا الله تعالى بأمره في كل صلاة بقراءة قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) إلى قوله : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ... ) .

التنبيه الخامس عشر : زوال العلم والهداية بالكفر والظلم

من موجبات زوال نعمة العلم والهداية ومن موجبات الحرمان من الزيادة كفرانها بسبب الكفر بالله تعالى وبرسوله ، والتكبّر ، والظلم ، والفسق ، والكذب ، وغير ذلك من المعاصي ، كما قال الله تعالى : ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (2) . ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) (3) . ( وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (4) . ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ

(5)

ص: 241


1- فالعامة إشارة إلى قوله تعالى : إنّا هديناه السبيل إما شاكرا وإمّا كفورا . الدهر 3 ، والخاصة إشارة إلى قوله تعالى : ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين . البقرة 2 ، ويزيد الله الذين اهتدوا هدى . مريم 76 .
2- البقرة 258 ، آل عمران 86 ، المائدة 51 ، التوبة 19 ، 109 ، الصف 7 ، الجمعة 5 .
3- البقرة 264 .
4- المائدة 108 التوبة 24 ، 80 ، الصف 5.
5- صبّهنّ في أيدينا فما سبّحت.

كاذِبٌ كَفَّارٌ ) (1) . ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ .) (2) . كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ )(3).

وبعد زوال النعم المذكورة قد يحصل الطبع والختم على القلب ، كما قال الله تعالى : ( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ) (4) . وقال تعالى : ( كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ) (5) . وقال تعالى : ( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ )(6). وقال تعالى : ( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) (7).

التنبيه السادس عشر : محلّ الأرواح والأبدان الذرّيّة بعد الميثاق وقبل الدنيا

لم يتبيّن لي من الروايات المباركات حال الأبدان الذرّية بعد الإخراج من ظهر آدم وأخذ الميثاق منها في المرّة الأخيرة : هل أعيد جميع أفرادها إلى ظهره ثم جعل في صلب من قدّر الله من أولاده الذكور جملة مقدّرة ، ثم نقلها من صلب إلى رحم ومن رحم إلى صلب حتى انتهى كلّ واحد منها إلى صلب الأب ، فصار بضمّ الأجزاء المتحصلة من الأغذية إليه واقعا في منيه وانتقل منه إلى رحم الأم ، فصار بعد الخلط بمني الأم وتغذيته بدم حيضها بصورة العلقة ثم المضغة إلى أن صار جنّة سوية ؟ وهل الجميع بهذه الكيفيّة وبهذا الترتيب ، أو كان بعضها بترتيب آخر؟

وكذا حال الأرواح التي أخذ منها الميثاق : هل صار جميعها بعد أخذ الميثاق منها ميتة إلا من استثني من أرواح النبي الأكرم والأئمّة صلوات الله عليهم؟ وأين كان مكانها؟

وهل الأرواح التي تنفخ في رأس الأربعة أشهر في أبدان الأجنّة هي تلك الأرواح

ص: 242


1- الزمر 3.
2- المؤمن 28 .
3- آل عمران 86.
4- الأعراف 101.
5- يونس 74 .
6- المؤمن 35 .
7- البقرة 7 .

بعد صيرورتها حية بنور الحياة؟ أو كانت وهي ميّتة كامنة في تلك الأبدان؟ كما هو المحتمل من قوله صلوات الله علیه : وفيها الروح القديمة ، وأنه بها تنت القديمة ، وأنه بها تتحوّل النطفة علقة ومضغة ، فعليه يكون الذي ينفخ فيه في رأس الأربعة أشهر روح الحياة المجردة عن المادّة وأوصافها ، أو كان بعضها من قبيل الأول وبعضها من قبيل آخر؟

نعم في الزيارة : أشهد أنّك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة (1) ، وفي دعاء يوم عرفة لأبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه : خلقتني من التراب ، ثمّ أسكنتني الأصلاب ، آمنا لريب المنون واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم من الأيام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي وإحسانك إلي في دولة أئمّة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك ... (2).

بل في رواية الكافي والعلل بسند هما عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : لما أمر إبراهيم وإسماعيل صلوات الله علیه ببناء البيت وتم بناؤه ... نادى : هلم الحجّ ، فلبّى الناس في أصلاب الرجال : لبّيك داعي الله لبيك داعي الله عزّ وجلّ ، فمن لبّى عشرا يحجّ عشرا ، ومن لبّي خمسا يحجّ خمسا ، ومن لبّي أكثر من ذلك فبعدد ذلك ، ومن لبّى واحدا حجّ واحدا ، ومن لم يلبّ لم يحجّ (3) .

التنبيه السابع عشر : علاقة الروح بالبدن

ظهر مما ذكرنا أنّ الطفل الخارج من بطن أمه مركب من روح مخلوقة قبل الأبدان ، كما في الرواية : خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، ومن بدن مركب من بدن صغير في غاية الصغر متشخص ثابت من أوّل خلقته في الذرّ الأوّل . وكان هو الحافظ للوحدة والشخصية في جميع الأطوار والأزمان. ومن أجزاء متبدّلة ، كما هو المشهود. ودعوى تبدّل أجزاء البدن بأسرها في كل أربعين يوما أو أزيد مجازفة خالية عن الدليل.

وقد أعمل في هذا البدن المركب من اللطائف والدقائق ما حيّر عقول ذوي الألباب.

ص: 243


1- انظر البحار 100 : 187 ، 203 ، مفاتيح الجنان في زيارة الحسين صلوات الله علیه المعروفة ب« زيارة وارث ».
2- الإقبال : 340 ، البحار 98 : 216 .
3- الكافي 4 : 206 ، علل الشرائع : 419 ، الوسائل 11 : 10 . الباب 1 من أبواب الحج ، الحديث 9 .

وجعل ذلك البدن بمنزلة المركب والآلة للروح يعمل بها الأعمال المناسبة لعالم الدنيا ، وفي بعض الأخبار تمثيلهما بالمقعد والأعمى.

وتظهر المغايرة والمباينة بينهما بملاحظة حال النوم ، فإنّه وإن لم يعلم حقيقة العالم الذي هو فيه ، والمرئيات التي يراها فيه ، إلا أنّه لا يشكّ في أنّ الرائي فيه هو نفسه أي شخصه المعبّر عنه بالروح ، كما لا يشكّ أنّ الرائي في اليقظة أيضا هو نفسه وشخصه الوارد في البدن ، ويجد أنّه غير هذا الجسد الملقى على وجه الأرض.

ويحتمل قويًا كون هذا العالم في باطن هذا القضاء الواقع بين الأرض والسماء المسانخ للروح في الجسمية واللطافة ، كما هو ظاهر غير واحد من الروايات المتقدّمة في بعض التنبيهات السابقة. ويمكن تنظيره بالكهرباء والأشعة المخفيّة النافذة في الهواء ، وفي سائر الأجسام اللطيفة والغليظة محجوبة عن الإنسان سوى ما يراه منها. وبالجملة : لم يثبت كون المرئي في النوم صورة محضة كما توهّم ، نظير توهم كون الرائي والمرئي في البرزخ مجرّد صورة بلا مادّة.

فصل: في أحوال الروح في البرزخ

وهو ما بين الموت ويوم القيامة :

لا إشكال في حياة الروح في البرزخ ، ويدلّ عليه من الآيات المباركات :

قوله تعالى : ( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فيما تَرَكْتُ كَلأَ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَلُونَ ) (1) .

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ )(2).

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ

ص: 244


1- المؤمنون 99 ، 100 .
2- البقرة 154 .

يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلِ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) (2)

قال الشيخ البهائي ره : ولا يجوز أن يراد به سوء الحال في الدنيا ، لأنّ كثيرا من الكفار في الدنيا في معيشة طيبة هنيئة غير ضنك ، والمؤمنون بالضدّ ، كما ورد في الحديث : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر(3) ... انتهى.

وقوله تعالى في قوم نوح : ( أغْرِقُوا فَأَدْخِلُوا ناراً ) (4) ، فإنّه لو كان المراد إدخالهم النار يوم القيامة كان المناسب الإتيان ب « تم ».

وقوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (5). فعن أبي عبد الله صلوات الله علیه : ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة ، لأنّ نار القيامة لا تكون غدوا وعشيّا ، ثم قال صلوات الله علیه : ألم تسمع قول الله عزّ وجلّ : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (6) .

وقوله تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُودٍ ) (7) .

وقوله تعالى : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا. لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا )(8).

ص: 245


1- آل عمران 169 . 171.
2- طه 124.
3- الأربعين للبهائي : 259.
4- نوح 25 .
5- المؤمن 46 .
6- البحار 6 : 284 ، 285 عن تفسير القمي.
7- هود : 105 . 108 .
8- مريم : 61 ، 62 .

ويمكن أن يقال . بقرينة الرواية المتقدّمة . كما عن تفسير القمي : إنّ هاتين الآيتين أيضا ناظرتان إلى الجنّة والنار في البرزخ (1)

وقوله تعالى : ( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى ) (2) .

قال السيّد شبّر في تفسيره : وهو حبيب النجار ، ... ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) قال : ذلك بعد موته أو قتله ، بشره الرسل به ، أو حين هموا بقتله فرفع إلى الجنّة حيّا ، ) قال يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) ، تمنّى علمهم بحاله ، ليرغبوا في مثله ... انتهى .

وقوله تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي )(3).

وقوله تعالى : ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم ) (4) ، فإنّ حرف الفاء الدالّ على التعقيب يدلّ على أنّ ذلك كان بعد موته.

وقوله تعالى : ( يُقَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )(5) ، فإنّ الآخرة في مقابل الدنيا شاملة للبرزخ ، كما يشهد عليه مناسبة هذه الآية لما يلقن به الميت عند دفنه.

والروايات من طريق العامة والخاصة في حياة الروح في البرزخ وفي تفسير الآيات المذكورة بها متظافرة ومقتضاها أنّه بعد ما تخرج الروح من البدن ويدخل البدن القبر تردّ روحه من رأسه إلى أوساط بدنه ،فيأتيه الملكان ويسألانه (6) ، وترد عليه الضغطة من قبره ، وإن لم يقبر فمن الهواء (7) . وقلّ من يسلم منها (8).

ص: 246


1- تفسير القمّي 1: 338 ، 2: 52 .
2- یس : 20.
3- الفجر : 27 . 30.
4- الواقعة : 88، 89 .
5- إبراهيم 27 .
6- البحار 6 : 202 الباب .8.
7- البحار 6 : 266 .
8- كما في البحار 6 : 261 ، عن الكافي.

والظاهر أنّ السؤال والضغطة بالنسبة إلى البدن بعد ولوج الروح فيه ، إما على نحو لا يتحرّك معه شيء من أعضائه لانجماد دمه وإن لم أر فيه رواية . والمقصود بيان إمكانه . وإما أن يقعد - كما في رواية . (1) بتصرف في البدن والقبر أو في فضاء القبر ، أو في أعين الناظرين على نحو لا يرى أهل الدنيا ما هو فيه وما يرد عليه ، ونظيره مروي في معجزات الأئمّة : ، ثم يعاد البدن على ما كان جسدا بلا روح. كما ورد في ضغطة القبر أنّه بها تختلف أضلاعه (2) ( أي تتداخل ) وفي بعضها أنّ البدن يذاب من مرزبة الملكين على بعض الكفار (3) ، ويكون سائر أمور البرزخ بعد ذلك غالبا بالنسبة إلى الروح فقط.

وبالجملة فإنّ تما يجب الاعتقاد به بقاء الروح حيا في عالم البرزخ لغير واحدة من الآيات المتقدمة ،

وللروايات المتواترة.

تنبيه وتوضيح

الروح حيث إنّها جسم رقيق كما مرّ الدليل عليه . يمكن أن يكون بقاؤها بعد الموت عبارة عن بقاء شخصها متمثلة ، أي متشكلة بشكل الجسد ، كما هو ظاهر رواية الكافي بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنّة تعارف وتساءل ، فإذا قدمت الروح على الأرواح تقول : دعوها فإنّها قد أفلتت من هول عظيم ، ثم يسألونها ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم : تركته حيا ، ارتجوه ، وإن قالت لهم : قد هلك ، قالوا : هوى ، هوى (4). أقول : وفي رواية أخرى عن أبي بصير

أنّهم في حجرات في الجنة يأكلون ويشربون ...الخبر (5)، وفي رواية أخرى عن أبي بصير عنه صلوات الله علیه أنّها في روضة ، كهيئة الأجساد في الجنة (6). ففي كل

ص: 247


1- البحار 6 : 222 ، عن أمالي الصدوق ..
2- البحار 6 : 224 ، عن تفسير القمّيّ ص 244 عن نهج البلاغة.
3- البحار 6 : 263 ، عن فروع الكافي.
4- البحار 6 : 269 ، 270 عن فروع الكافي.
5- البحار 6 : 269 ، 270 عن فروع الكافي.
6- البحار 6 : 269 ، 270 عن فروع الكافي.

وغير ذلك ، أورد كثيرا منها في

واحدة منها ذكر حالة من حالات الروح تدلّ على جسمانيته.

ويمكن تغلّظها ، كما ورد أنّ أبا بكر رأى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعد وفاته .(1) . وأنّ الحسن ابن علي صلوات الله عليهما أرى بعض أصحابه أمير المؤمنين صلوات الله علیه (2) ، وأنّ بعض أصحاب الأئمّة رأى معاوية بصورة رجل في عنقه سلسلة (3)، ورئي عمر بن سعد بصورة القردة (4) ، وغير ذلك ، أورد كثيرا منها في المجلد الثالث من البحار(5) في باب أحوال البرزخ والقبر وعذابه. فإنّ الروح كالملك ، وقد ورد في رواية الاحتجاج عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إنّ الملك لا تشاهده حواسكم ، لأنه من جنس هذا الهواء(6) ، ويؤيّده ما ورد في رجوع أمير المؤمنين صلوات الله علیه من قليب بدر حاملا للماء (7)

ويمكن تغلّظه ، كما رئي جبرئيل بصورة دحية الكلبي(8) ورئي أيضا في غير واحد من المواطن ، منها : لقوم لوط (9) ، ورآه السامري كما في قوله تعالى : ( بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)(10).

وكالجن حيث روي أنهم غلظوا لسليمان يعملون له ما يشاء (11) ، ورثي أيضا بصورة الثعبان في مسجد الكوفة ، رواه في البحار عن كتاب بشارة المصطفى ، بسنده عن الصدوق عن جابر الجعفي ، عن جعفر بن محمّد صلوات الله علیه (12) . ورواه في إحقاق الحق (13) ، عن

ص: 248


1- البحار 6 : 247 ، عن البصائر.
2- مدينة المعاجز : 207 ، البحار 43: 328 .
3- البحار 6 : 248 ، عن البصائر.
4- البحار 45 : 312 ، عن كتاب التسلّي للنعماني.
5- المجلد السادس من الطبع الجديد.
6- الاحتجاج 1 : 30 ، البحار 56 : 171.
7- البحار 19 : 286 ، عن مناقب ابن شهر آشوب.
8- انظر البحار 45: 233 ، 22: 400 . 307:37 . 12:40 . 172:41 .
9- البحار 12 : 103 ، 160.
10- طه 96 ، البحار 13 : 209 .
11- البحار 14 : 70.
12- البحار 39 : 249 .
13- إحقاق الحق 8: 332 .

العامة بطريقين : أحدهما عن ابن حسنويه في درر بحر المناقب ، يرفعه إلى جعفر بن محمّد صلوات الله علیه ، والآخر عن القوشجي في شرح التجريد ، واللفظ لرواية جابر الجعفي عن جعفر بن محمد صلوات الله علیه ، قال : بينا عليّ بن أبي طالب على منبر الكوفة يخطب إذ أقبل ثعبان من آخر المسجد ، فوثب إليه الناس بنعالهم ، فقال لهم عليّ صلوات الله علیه: مهلا يرحمكم الله فإنّها مأمورة ، فكفّ الناس عنها ، فأقبل الثعبان إلى عليّ صلوات الله علیه حتى وضع فاه على أذن عليّ صلوات الله علیه ، فقال له ما شاء الله أن يقول ، ثمّ إنّ الثعبان نزل وتبعه على صلوات الله علیه ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ألا تخبرنا بمقالة هذا الثعبان؟ فقال : نعم ، إنّه رسول الجن ، قال لي : أنا وصيّ الجن ورسولهم إليك ، يقول الجن : لو أنّ الإنس أحبّوك كحبّنا إيّاك وأطاعوك كإطاعتنا إيّاك لما عذب الله أحدا من الإنس بالنار.

ورثي الشيطان بصورة شيخ كان أوّل من بايع أبا بكر على منبر النبي صلی الله علیه و آله و سلم(1) ، وفي غير ذلك من المواطن. ويمكن بقاء الروح بوجه آخر ، وهو تعلقها ببدن مثالي كتعلقها في الدنيا بالبدن العنصري ، كما هو ظاهر رواية أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله صلوات الله علیه : إنّهم في أبدان كأبدانهم أبي عبد الله صلوات الله علیه : إنّهم في أبدان كأبدانهم (2) ، وفي رواية ابن ظبيان : في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون(3).

نعم لم يثبت كون البدن المثالي مجرد صورة بلا مادّة ، لاحتمال كونه أيضا جسما رقيقا يتعلق به الروح التي لعلّها أرق منه ، كما تتعلّق في الدنيا بهذا البدن المألوف. وفي بعض الأفراد احتمال تعلّق الروح بعد الموت بعض الأحيان ببدنه الذي كان فيه في الدنيا ، كما عن كامل الزيارات بسنده عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : حججت مع أبي عبد الله صلوات الله علیه . إلى أن قال : . فقلت : يا ابن رسول الله ، لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟ فقال : يا ابن بكير ما أعظم مسائلك ! إنّ الحسين صلوات الله علیه مع أبيه وأمه وأخيه

في منزل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ومعه يرزقون ويحبرون ،

ص: 249


1- البحار 28 : 263 ، عن كتاب سليم بن قيس.
2- البحار 6 : 268 ، عن فروع الكافي.
3- البحار 6 : 269 ، عن فروع الكافي.

وإنّه لعن يمين العرش متعلق به يقول : يا رب أنجز لي ما وعدتني ، وإنّه لينظر إلى زوّاره ، وإنّه أعرف بهم وأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار ويقول : أيها الباكي ! لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت ، وإنّه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة (1).

ونسب إلى جماعة منهم الشيخ المفيد . ره . القول بأنّ النبي والأئمة من خلفائه ينقلون بأجسادهم وأرواحهم إلى السماء (2). وفي بعض الروايات أنّ بعض خلفاء بني مروان مسخ جسده بعد الموت وزغا ، وأنّ بنی أمية يمسخون وزغا بعد موتهم(3) وفي بعضها أنّ بعض الكلاب مسخ من الجن والإنس(4) ، ومرّ إمكان ذلك بإلقاء البدن الأصلي الذرّي الباقي بعد موته في مني الكلب ، فينتقل إلى رحم الانثى منه ، فتتعلق به ذلك روح الإنسان ، فيخرج بصورة الكلب مع تغيير في مشاعره ، فيكون هذا مسخا خفيا ، وطرفا من خزيه وعذابه في البرزخ ، دون العذاب الأكبر في القيامة.

ومما ورد في الروايات أنّ في البرزخ جنانا ونيرانا ، إحداهما في المغرب والأخرى في المشرق ، تنعم أو تعذب فيها الأرواح في كل ليلة ، وأنها تردّ بعد طلوع الفجر إلى الأرض ، إما إلى وادي السلام أو إلى برهوت ، وادي حضر موت أو إلى مقابرهم ، وأنها تتلاقى في الهواء(5) وأن عدة منها يستخبرون عن أهاليهم في كل اسبوع أو أقل أو أكثر بصور العصافير ونحوها (6) ، بعد وضوح إمكان ذلك. وظاهرها أنها ليست مجرد صور بلا مادّة فضلا عن كونها من مبدعات النفس ، كما توهّمه بعض المذاهب المنحرفة.

وفي الخبر أيضا أنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران (7) ، وأنّ

ص: 250


1- كامل الزيارات 103 .
2- البحار 27 : 301 ، عن المفيد في كتاب « المقالات ».
3- روضة الكافي 232 ، البحار 6 : 235.
4- البحار 63 : 94 ، عن فروع الكافي.
5- البحار 6 : 90 ، عن فروع الكافي.
6- البحار 6 : 257 ، عن فروع الكافي.
7- البحار 6 : 218 ، 267 ، 41 : 249 ، 78 : 148 .

القبر يوسع لبعض الأموات سبعة أو تسعة أذرع (1) ، أو مدّ بصره (2) ، أو مسيرة شهر ، ونحو ذلك.

ومنشأ عدم إدراك حقيقة هذه الأمور : الجهل بما أودع الله تعالى في الأجسام من الخواص والقوى والعوائق والأشعة والأمواج والأستار الظاهرة والمستورة.

ويناسب هنا ذكر كلام المجلسي . ره . في البحار ، فإنّ فيه ذكرا لبعض ما ذكرنا وزيادة عليه قال : اعلم أنّ الذي ظهر من الآيات الكثيرة والبراهين القاطعة هو أنّ النفس باقية بعد الموت إمّا معذبة إن كان ممن محض الكفر ، أو منعّمة إن كان ممن محض الإيمان ، أو يلهى عنه إن كان من المستضعفين ، وتردّ إليه الحياة إما كاملا أو إلى بعض بدنه ، كما مرّ في بعض الأخبار ، ويسأل بعضهم عن بعض العقائد وبعض الأعمال ، ويثاب ويعاقب بحسب ذلك ، وتضغط أجساد بعضهم ، وإنّما السؤال والضغطة في الأجساد الأصلية ، وقد يرتفعان عن بعض المؤمنين ، كمن لقن ، كما سيأتي ، أو مات في ليلة الجمعة أو يومها أو غير ذلك مما مر ، وسيأتي في تضاعيف أخبار هذا الكتاب. ثم تتعلّق الروح بالأجساد المثالية اللطيفة الشبيهة بأجسام الجن والملائكة ، المضاهية في الصورة للأبدان الأصليّة ، فينعم أو يعذب فيها . ولا يبعد أن تصل إليه الآلام ببعض ما يقع على الأبدان الأصلية لسبق تعلّقه بها ... انتهى (3)

تنبيه : في دفع شبهتين أوردوهما من قديم الأيام في المعاد الجسماني

إحداهما المعروفة بشبهة الآكل والمأكول ، وبيانها بنحو الإجمال أنّه لو اتفق أكل أحد الإنسانين ميتة الآن لأجل المجاعة ونحوها ، وصار جزء منه بسبب الانحلال في معدة الآكل أو بسبب آخر كوصلة جزء من بدن أحدهما ببدن الآخر جزء منه ، فلو كان المعاد في القيامة بالأبدان أيضا فكيف يكون الإعادة ، وكيف الجزاء بدخول أحدهما

ص: 251


1- البحار 6 : 224 ، 262 ، عن تفسير القمي وفروع الكافي.
2- البحار 6 : 196 ، 222 ، 224 ، عن فروع الكافي وأمالي الصدوق وتفسير القمي.
3- البحار 6 : 270 .

الجنّة والآخر النار؟!

هل يعاد مع روح مع روح أحدهما خصوص جزء لم يكن جزء البدن الآخر؟ وهذا لا يكفي للترجيح المذكور ، مع أن الجزء الآخر أيضا جزء من بدنهما ووقعت الطاعة والعصيان بكلا الجزءين منهما.

أو يعاد كل واحد من البدنين مع تعلق كل من الروحين بكل واحد منهما ، ويلزم منه كون كل شخص منهما شخصين ، وهذا لا يمكن الالتزام به جدا.

ويلزم أيضا من تعلق كل واحدة من الروحين ببدن الآخر التناسخ المجمع على بطلانه. وعلى كل حال . كيف تكون مجازاتهما بدخول الجنة أو النار ، كما ذكرنا ؟

وهذا أحد أدلّة المنكرين للمعاد الجسماني ، وهم الملاحدة ، أو المؤوّلين له بأنّ المراد من الجسم هو الصورة الجسميّة الخالية عن المادة ( بتوهم صحة القول بأنّ السرير سرير بصورته لا بخشبه ، مع وضوح بطلانه بأنّ السرير بكلا الأمرين ، بل المادّة وهو الخشب عمدتها ) .

ويمكن دفع الشبهة بأنّ المراد بالإعادة إعادة كل فرد من الإنسان في القيامة بروحه وبدنه الذي شخصيته في الدنيا به ، وبه أطاع الله أو عصاه طول عمره ، وهو البدن الواحد بالوحدة الشخصية الباقي من أوّل خلقته إلى آخر عمره في الدنيا أو البرزخ والقيامة ، لا الأجزاء الحاصلة بالتغذية.

وحيث إنّ لكلّ روح بدنا خصه الله تعالى بها فلا محالة يكون ذلك البدن محفوظا من أن يصير بدنا أصليا لروح أخرى.

ومنه يظهر الجواب عن الإشكال بأنّ البدن الأصلي الصغير غاية الصغر ربما يصير جزء من نطفة تخرج من الأكل ويتشكّل منها ولده ، فيلزم ما ذكر من المحذورات.

ويدفع بأنّ الله تعالى قادر على أن يحفظه من أن يصير جزء من نطفة إنسان آخر ، بل من أن تصير من الأجزاء الفضلية أيضا.

وبالجملة : الذي يتحقق به إعادة الأبدان للجزاء في القيامة . التي دلّت عليها ضرورة الأديان . هو إعادة الأجزاء الأصليّة الباقية من أوّل خلقتها إلى آخرها ، المحفوظ

ص: 252

كل فرد منها من أن يصير بدنا أصليا لفرد آخر من الأرواح ، وهو بمكان من الإمكان. ولا يضر بما ذكرنا الزيادة والنقصان والتبدّل في الأجزاء الفضليّة التي هي بمنزلة الآلات والأدوات ليتمكن الإنسان من الأفعال ويدرك بها اللذائذ والآلام.

ويستفاد ما ذكرنا من الروايات المتقدّمة ، منها ما عن الكافي بسنده عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله صلوات الله علیه ، قال : سئل عن الميت يبلى جسده؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم ، إلا طينته التي خلق منها ، فإنّها لا تبلى ، تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها ، كما خلق أوّل مرّة (1).

أمّا الشبهة الثانية فهي أنّ للنفس في جوهرها قوّة الوصول إلى كمال تستغني به عن المادة ، بأن تصير صورة محضة لا تحتاج في واقعيّتها وفعليّتها إلى عروضها على شيء من المادة ، وفيها أيضا كمال ، وفوق الكمال المذكور ، وهو الورود في نشأة العقول المجردة عن المادة ولواحقها ، فإذا حصل الكمال الذي هو برزخ بين الجسميّة المركّبة من المادة والصورة وبين عالم العقول المجرّدة عنهما يكون عودها ورجوعها القهقرى إلى الجسمية المذكورة رجوعا عن مقام الفعليّة إلى مقام القوّة ، وهو من المحال.

وفيه : أنّ هذه الفكرة ليست إلاّ مجرّد توهم خال عن الحقيقة ، فإنّ حقيقة الإنسان وإن كانت محيّرة

لعقول أعاظم البشر حيث أعمل فيها من الدقائق ولطائف الصنع التي قال الله تعالى في بيان خلقته إياها : (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (2) ، إلا أنّ روح الإنسان . بمقتضى الروايات الواصلة عن أهل بيت الوحي النازل عن خالق الأشياء . جزء من المادة التي خلق جميع الأشياء منها المعبّر عنها مجازا بالماء ، وأنّ بدنه جزء آخر من تلك المادة ، والفرق بينهما . على ما نبهنا عليه في التنبيهات السابقة . إنما هو باللطافة والكثافة ، وبعروض أعراض خاصة على

أحدهما ، وأعراض أخرى على الآخر.

وحياة الروح الحياة التي بها تكون حيوانا وإنسانا . بوجدانها العلم والقدرة بما للوجدان من الدرجات. ونور العلم هو عين نور القدرة وعين سائر الكمالات النورية ، من

ص: 253


1- راجع ص 206.
2- المؤمنون 14 .

غير ممازجة بين الروح وبين تلك الكمالات ، ومن غير أن تصعد الروح وترد في نشأة تلك الكمالات وتدخل فیها وتصير من سنخها ، ومن غير أن تتنزّل تلك الأنوار وتصير من سنخ الروح، لتباين حقيقتهما. وموت الروح بفقدانها لتلك الأنوار .

وحياة البدن بولوج الروح الحية بالأنوار المذكورة فيه ، وموته بخروجها . أي الروح عنه ومفارقتها إياه مفارقة كاملة ، ونومه بخروجها عنه مع بقاء علاقة بينهما . لا نعرف حقيقتها . على ما يظهر من الروايات.

وعود البدن حيّا في القيامة بجمع الأجزاء المتفرّقة المحفوظة عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، والتئامها وتشكلها بالشكل الذي كان عليه في الدنيا ، وتصوّره بصورة قبيحة أو حسنة ، وولوج الروح الحيّة فيه كما كان عليه في الدنيا وحشره للحساب والثواب والعقاب جزاء بما عمل في الدنيا. وكل ذلك بمكان من الإمكان.

وورد في الروايات المعتبرة ما يظهر بالتأمل فيه أنّ الفعليّة التي توهم استحالة الرجوع منها إلى القوّة ، والاستدلال بذلك على استحالة عود الأبدان على ما كانت عليه في الدنيا لا موضوع لها ، ولا أقل من عدم الدليل عليه ، ولا يجوز الاعتقاد بخلاف ما دلّت عليه الروايات.

بل إنّ وقوعها فينا في كلّ يوم وليلة أقوى دليل على إمكانه ، فإنّا . مع ما في أبداننا من الصنائع المحيّرة للعقول . إذا نمنا بخروج الروح الحيّة عن البدن يسلب عن أرواحنا الشعور بنفسها ، فضلا عن غيرها . في النوم الذي لا نرى فيه شيئا من الرؤيا . مع أنّ الروح لم تعدم ، فيظهر أنّ نور العلم حقيقة وراء الأرواح والأبدان.

ص: 254

وقع الفراغ

من تحرير التنبيهات

في الليلة السابعة والعشرين

من شهر رمضان المبارك من السنة

الرابعة عشرة بعد أربعمائة وألف من هجرة

النبي الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم بيد أقلّ العباد حسنعلي مرواريد ،

غفر الله له ولوالديه وما سنح بالبال وجرى على القلم من

استظهار الآيات والأحاديث وغير ذلك إن كان صواباً

فمن الله تبارك وتعالى ، وإن كان خطأ فمن

نفسي ، واستغفر الله منه إنّه غفور رحيم.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى

العظيم. والحمد لله

رب العالمين.

ص: 255

فهرس الآيات المباركة

الفاتحة

الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ... 240

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ...240

البقرة

خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ... 241

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ... 159

أوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ... 197

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ ... 204

فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ... 204

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ 158

بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...192

صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ ... 107

وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ ... 243

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ ... 15

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ ... 116

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ... 108

وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا افْتَتَلُوا ... 149

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ... 26

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما ... 138

وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ... 204

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي ... 204

واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ... 240

وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ...236

آل عمران

لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ... 159

قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ ... 144

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ... 144

وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاواتِ ... 110

كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا ... 241

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... 159

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ ... 197

وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ ... 138

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي ... 244

فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ ... 244

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ ... 244

يُرِيدُ اللهُ أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ ... 167

النساء

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ... 159

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ... 98

فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا ... 180

ص: 256

نَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِ ... 179

مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ... 158

وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إلى مَرْيَمَ ... 232

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ ... 12

المائدة

قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ ... 31

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ... 197

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ... 158

وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ ... 167

إنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ... 27

كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ ... 98

واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ... 241

وَإِذْ قالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ ...134

قالَ اللهُ هذَا يَوْمُ يَنْفَعُ ... 134

الأنعام

وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ... 110.121.139

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابٌ ... 102

بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ ... 103

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ... 186

قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ ... 101

قُل اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِ ... 101

وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ... 43

وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ... 232

لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ... 108

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ... 232

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ ... 12

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... 43.40

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ... 122

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ... 62.43

وَلَوْ شَاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا ... 149

كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ... 235

وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ... 110

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَ ... 158

أَوَمَنْ كَانَ مَيْناً فَأَحْيَيْنَاهُ ... 122

فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ... 167

وَلَوْ شَاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ ... 149

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ... 12

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها ... 159

الاعراف

قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ... 202

قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ ... 202

كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ ... 241

فَما كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ ... 110

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ... 109

فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَل جَعَلَهُ دَكَّا ... 91.92

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ... 231.245.223.218.111.109

أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ... 111

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى ...26

هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدَى ... 31

الانفال

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله ... 15

وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ... 138

ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً ... 197.158

التوبة

واللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ...240

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ...240

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ...240

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ ... 192

ص: 257

واللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

الات فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ...41

يونس

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ ...50

إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ ...50

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعانا ...101

فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ ...227

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ...186

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر...101

فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ ...101

فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ... 159

قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِ ... 55

إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ... 157

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَ ... 158

مَتَاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ... 235

كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ... 241

فما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا ... 241.115

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ...150

وَما كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ... 167

وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ...14

هود

وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ...214.37

وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ ... 166

يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ ...244

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ...244

خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماوات ... 244

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ...244

يوسف

وَجاؤُ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبِ ...158

قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ...160

سُبْحانَ الله 59

الرعد

اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنثى ...138

أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ ...175

قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ...149

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ...189

يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ... 194 ، 191 ، 189 ، 135

ابراهيم

أَفِي اللَّهِ شَكٍّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ ... 58

وما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا ... 159

يُقبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ... 245

وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ...201

فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ ...201

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضِ غَيْرَ 207.206

الحجر

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ ...139

إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ ...222

فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ ...222.23.2

وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما ...159

النحل

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ ...48

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ ...48

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ...48

وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ ...48

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ...48

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ ...152.48

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ...152.48

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...152

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا ...188

وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ...101

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ ...101

ص: 258

لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ...101

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيا ...49

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ...49

وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلَ وَالْأَعْنابِ...49

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل ...49

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ...49

وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ...225.49

فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ...74

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ...22

الإسراء

وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ...160

إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ...31

وَقَضى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ...160.154.78

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ...215

رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ ...100

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ...100

وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى ...52

الكهف

وَإِنْ يَسْتَغِيلُوا يُغَاثُوا بماء كَالْمُهْل...207

وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ...157

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ...184

مریم

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ...158

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ ... 244

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلا سَلاماً ...244

أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ ...192

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ...208

طه

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيها ... 200

رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ...55

مِنْها خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ... 202

بَصُرْتُ بِما لَمْ يَنْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ ...247

وَلا يُحِيطُونَ بهِ عِلماً ...62

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ ... 244

الأنبياء

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُما ... 97

فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا ... 43

أم اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا ...12

وهذا ذِكْرٌ مُبارَكَ أَنْزَلْنَاهُ ...32

الحج

وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ...22

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها ...203

ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ...157

المؤمنون

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ ... 136.49

ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ... 252.232

وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ...49

فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ ...49

سُبْحانَ الله ...59

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ...243

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ...243

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْنَاكُمْ عَبَاً ...200.97

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهَا آخَرَ ...12

النور

اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... 83.24.55

وَمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّهُ لَهُ نُوراً ...96.55

الفرقان

فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ...237

النمل

سُبْحانَ اللهِ ...59

ص: 259

إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ...161

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ ...55

قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ...11

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً ...202

لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ...202

القصص

فَدَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ ... 12

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ... 167.56

سُبْحانَ الله ... 88.59

كُلَّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... 87

العنكبوت

وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ...135

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ ... 125

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ ... 100.98.93

الروم

الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ... 194

فِي بِضْعِ سِنِينَ ... 194

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ... 189

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ... 194

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ... 48

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... 48

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... 48

وَمِنْ آيَاتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... 48

وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ... 135

وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ ... 48

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ ... 202.48

وَهُوَ الَّذِي يَبْدَوُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ... 192

فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ... 107

اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُم ... 174

لقمان

خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْهَا ... 152

هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ... 152

ما خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْتُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ ... 66

وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ ... 100

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ...139

الم سجدة

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ... 68

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ... 159

وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ... 192

أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ... 200

سبأ

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى ... 204

أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ... 204

فاطر

يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ... 192.189

هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ... 149

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ... 232

وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ ... 192

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... 209

يس

وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ... 245

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ... 245

بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي ... 245

وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاها ... 50

وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ ... 50

ليَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ... 50

سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواج ... 232.50

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ... 50

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٌ لَهَا ... 50

وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ... 50

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ ... 50

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ ...203

ص: 260

قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَا ... 209.203

أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ... 14

لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ ... 123

وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ... 203

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ... 203

إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً ... 67

الصافات

أَإِذَا مِنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ... 203

أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ... 203

قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ... 203

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ ... 203

فراغ إلى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ... 151

ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ... 151

فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ... 151

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَرْقُونَ ... 151

قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ... 151

وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ... 151.149

سُبْحانَ اللهِ ... 59

سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا ... 211.43

ص

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ... 158

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ... 200

وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ...232

الزمر

إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ... 241

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَق ... 49

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ ... 49

يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ... 136

فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ... 159

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ... 148

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرَّ دَعَا رَبَّهُ ... 101

فَبَشِّرْ عِبادِ ... 15

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ... 15

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ... 225.94

فَإِذا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ 149.101

وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... 43

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي ... 203

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُور رَبِّها ... 203

غافر

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ... 26

هُوَ الَّذِي يُريكُمْ آيَاتِهِ ... 56

الْيَوْمَ تُجْزِى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ... 159

وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ ... 160

إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ ... 241

مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ... 241

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ... 244

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ... 244

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ ... 49

اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً ... 49

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ ... 49

الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعام ... 49

وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنْكِرُونَ ... 49

فصلت

وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتها 161.160

فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ الَّتِيا طَوْعاً أَوْ ... 135

فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ... 160

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إلَى النَّار ... 203

حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ ... 203

وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ... 203

ص: 261

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ ... 62.43

اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي ... 56

وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا ... 27

الزخرف

الْأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ ... 236

قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ... 122

رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ... 27

سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَب ... 43

الجاثية

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ... 200

وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ... 200

الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ... 159

إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ... 139

الفتح

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ... 197

ق

أَإِذَا مِمَّا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعَ بَعِيدٌ ... 204

قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضِ مِنْهُمْ ... 204

أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ ... 207

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ... 84

إنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ... 30

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ ... 203

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ... 203

يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ... 203

الذاريات

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُوم ... 193

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرِى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ... 193

الطور

كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ... 158

سُبْحانَ الله ... 59

النجم

قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ... 114

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ ... 158

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ ... 158

وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ... 43

هذا نَذِيرٌ مِنَ النذر الأولى ... 221.113.110

القمر

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ... 203

خشعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ... 203

مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاع ...203

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ... 160

وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ... 150

وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرْ ... 150

الواقعة

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ... 245

فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّهُ نَعِيمٍ ... 245

الحديد

وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ... 82

وما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بالله ... 109

المجادلة

ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلَاثَةٍ إِلَّا... 84.25

الحشر

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها ...150

ما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ...186.178.174

سُبْحانَ الله... 59

الصف

وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ... 241

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

ص: 262

الجمعه

وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... 240

التغابن

فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ... 113

فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّور ...31

الملك

ما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَن مِنْ ... 159

القلم

أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ... 200

وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ... 154

الحاقة

وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ ... 26

نوح

أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً ... 244

الجن

وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ...220.113.110

المدثر

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ... 58

قُمْ فَأَنْذِرْ ... 58

وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ... 58

گذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ... 150

الدهر

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ ... 110

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ... 251

وَما تَشاؤُنَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ ... 150

المرسلات

أَلَمْ نَخْلُقُكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ... 135

النازعات

أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ... 210

عبس

كَلأَ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ... 32

التكوير

إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ... 32

وَما تَشاؤُنَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبِّ ...150

الطارق

فَلْيَنظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ... 135

خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دافق ... 135

الأعلى

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ... 55

الفجر

يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ... 245.236.233

ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ... 245

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ... 245.236

وَادْخُلِي جَنَّتِي ... 245.236

البلد

وَهَدَيْنَاهُ التَحْدَيْنِ ... 55

الضحى

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ... 55

التين

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ... 233

الزلزال

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً ... 200

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ... 200

وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ... 200

ص: 263

فهرس الأحاديث

ابتدأتني بنعمتك قبل ان أكون شيئا مذكورا ... 136

ابشر وبشر فليس على شيعتك حسرة عند ... 209

أبيت عند ربّي فيطعمني ... 233

أتظن أن الذي نهاك دهاك ... 157

اجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة ... 152

احاطة الوهم ... 43

احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار ... 45

أحدث الله شكرا فقد أحدث فيك امرا ...198

احفظ عني ما اقول لك ... 24

اخبرك ان الله علا ذكره ... 68

اخرج من ظهر آدم ذريته الى يوم القيامة ... 113

ادع ولا تقل أن الأمر قد فرغ منه ... 197

اذا اراد الله ان يبعث الخلق أمطر السماء ... 205

اذا اردت ان تختبر عقل الرجل ... 35

اذا تم العقل نقص الكلام ...36

اذا حيل بينه وبين الكلام اتاه رسول الله ... 227

اذا كان يوم القيامة وجمع الله ... 172

اذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي ... 236

استر شدوا العقل ترشدوا ... 14

استر شدوا العقل ترشدوا ... 30

اشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة ... 242

اصدق شيء قاله شاعر كلمة لبيد ... 86

اعرفكم بنفسه اعرفكم بربّه ... 233

اعرفكم بنفسه اعرفكم برته ... 39

اعرفوا العقل وجنده ... 15

اعقلوا الخبر إذا سمعتموه ... 36

أفرأيت ما افترض الله علينا ... 155

افضل طبائع العقل العبادة ... 35

افضلكم ايمانا افضلكم معرفة ... 40

افعال العباد مقدّرة في علم الله ... 150

اقرا مني على والدك السلام وقل له : ... 184

الأعمال على ثلاثة احوال : فرائض ... 150

الأمر اعظم من ذلك واوجب ...27

الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية ... 172.161

الا ومثل العقل في القلب ... 30

التجرّع للغصة ومداهنة الأعداء ... 34

التوحيد ... 107

التوحيد ان لا تتوهمه ... 63

الجهل في ثلاث : الكبر ... 35

الحقيقة كشف سبحات ... 100

الحمد لله الذي اختار لنا ... 176

الحمد لله الذي اعجز الأوهام ... 60

الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق ... 61

الحمد لله الذي بطن خفيّات الامور... 53

الحمد لله الذي كان في أوليته ... 69

الحمد لله الذي لا من شيء كان ... 69

الحمد لله الذي لا يحس ولا يجس ... 44

الحمد لله الواحد الأحد ... فليست له ... 44

ص: 264

الحمد لله خالق العباد ... 68

الحمد الله على ما عرفنا من نفسه ... 104

الدعاء يردّ القضاء وقد ابرم ابراما ... 164

الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ... 54

الروح مسكنها في الدماغ ... 226

الروح ملك من ملائكة الله ... 234

الرؤيا على ثلاثة : منها تخويف ... 94

العاقل من رفض الباطل ... 35

العالم كمن معه شمعة تضيء للناس ... 24

العرش في وجه : هو جملة الخلق ... 26

العرش ليس هو الله والعرش اسم علم... 140

العقل العمل بطاعة الله ... 34

العقل دليل المؤمن ... 14

العقل شرع من داخل ... 15

العقل غطاء ستير ...36

العقل منه الفطنة والفهم ... 19

العقل نور في القلب ...30

العقل يعرف به الصادق على الله ... 14

العقول ائمة الأفكار ... 15

العين شحمة وهو البياض والسواد ... 226

الله عز وجل حامل العرش والسموات ... 25

الله هو الذي يتأله إليه ... 102

اللهم اجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك ... 126

اللهم اجعلنا ممن يعتصم بحبله ...42

اللهم اني أسألك بأنّ لك الحمد ... 116

المشية الاهتمام بالشيء ... 165

المشيئة محدثة ... 143

المؤمن اعظم قدرا عند الله من العرش ... 234

إلهي اطلبني برحمتك ... 126

إلهي تردّدي في الآثار ... 105

إلهي ... ولم تجعل للعقول ... 44

اما التوحيد فأن لا تجوز ... 158.63

امّا الكاذبة المختلفة يراها الرجل ... 94

امصنوع انت او غير مصنوع؟ ... 46

إن أساس الدين التوحيد ... 157

ان افضل الفرائض واوجبها ... 40

ان الأبصار لا تدرك الآ ما له لون ... 46

ان الأرواح في صفة الاجساد ... 246.228

ان الجهال جهلوا الأسباب والمعاني ... 55

ان الدعاء يردّ ما قدر وما لم يقدر ... 198

ان الذي انشاه من غير شيء ... 204

ان الروح متحرك كالريح ... 227

ان العباد اذا ناموا خرجت ارواحهم ... 226

ان العقل عقال من الجهل ... 30

ان العقل يعرف الخالق من جهة توجب ... 60

ان القول في ان الله واحد ... 82

ان الله ادب رسوله حتى قومه على ما أراد ... 178

ان الله اذا اراد شيئا قدره ... 165

إنّ الله أقدرنا على ما نريد ... 175

ان الله اعلى واجل واعظم من ان ... 45

ان الله أوّل ما خلق خلق محمدا وعترته ... 219

ان الله تبارك وتعالى اخذ ميثاق العباد ... 218

ان الله تبارك وتعالى بشر ... 15

ان الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ... 89.63

ان الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح ... 117

ان الله تبارك وتعالى فوّض الى نبيه ... 174

ان الله تبارك وتعالى في وقت ما ذراهم ... 123

ان الله تبارك وتعالى لما خلق السماوات ... 215

ان الله تبارك وتعالى لما ذرأ الخلق ... 221.113

ان الله تبارك وتعالى واحد ... 60

ان الله تبارك وتعالى هبط الى ... 224.115

ان الله تعالى اذا بعث الناس يوم القيامة ... 208

ان الله تعالى قبض قبضة من تراب التربة ... 223

ان الله تعالى لا ينسب الى العجز ... 141

ص: 265

ان الله تعالى هو الذي خلق الأجسام ... 175

إن الله تعالى هو العالم بالأشياء ... 139

ان الله تعالى يحيل عن الأين ... 53

ان الله جل وعز اخبر محمّدا (ص) ... 191

ان الله حرم حراما واحل حلالا ... 186

ان الله حمل دينه وعلمه الماء ... 214

ان الله خلق الأرواح قبل الأجساد ... 111.37

ان الله خلق الخلق وهي اظلة ... 219.115

ان الله خلق العقل ... 19

ان الله عز وجل اخذ قبضة من تراب ... 121

إنّ الله عزّ وجلّ أخذ العباد ... 218

ان الله عز وجل حمل دينه وعلمه الماء ... 140

إنّ الله عزّ وجلّ خلق الناس على الفطرة ... 108

ان الله عز وجل لما اخرج ذرية آدم ... 225

ان الله عز وجل لما أراد ان يخلق آدم الماء ... 121

ان الله عز وجل لما اراد ان يخلق آدم بعث ... 121

ان الله عز وجل يجمع العلماء ...24

ان الله عز وجل يقول للعلماء... 24

ان الله عز وجل يلتفت يوم القیامه ... 236

ان الله فوّض الأمر الى ملك ... 176

ان الله فوض الى نبيه امر خلقه ... 178

ان الله كتب كتابا فيه ماكان وما هو كائن ... 194

ان الله لم يبد له من جهل ... 190

ان الله لم يجبر احدا على معصيته ... 146

إن المشيئة الذكر الأوّل ... 165

إن الملك لا تشاهده ... 247

ان النبي صلی الله علیه و آله و سلم اخذ كفا ... 239

ان النطفة تكون في الرحم اربعين يوما ... 116

ان امر الله كله عجیب ... 104

ان أوّل ما افترض الله على عباده ... 40

ان أوّل ما خلق الله عز وجل ارواحنا ... 213

ان اوّل ما خلق الله عز وجل ما خلق منه كل ... 212

ان أوّل ما خلق الله نور النبي ... 213

ان اوهام القلوب اكبر من ابصار العيون ... 44

ان روح آدم لما امرت ان تدخل فيه كرهته ... 229

ان ضوء الروح العقل ... 30

إن قولك : الله ، أعظم اسم من اسماء الله ... 102

ان كنتم انما تريدون بالبنوة ... 64

ان للعرش صفات كثيرة مختلفة ... 27

إنّ الله على الناس حجتين ... 15

ان ارادتين ومشيتين ... 173

ان لهذا لتأويلا لا يعلمه الا الله والراسخون ... 193

ان من وضع دينه على القياس ... 64

ان موسى لما ان سأل ربه ما سأل ... 93

ان هذا القرآن هو النور المبين ... 42

ان هو الا محادثة مؤمن او مؤانسته ... 228

انا النذير العريان ... 233

انا أوّل من ينفض التراب عن راسه وانت ... 209

انا خلفك وإمامك ... 84

انت الخالق وانا المخلوق ... 81

انت الذي احتج الله بك في ابتدائه الخلق ... 219

انت الذي انعمت انت الذي احسنت ... 81

انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ... 182

انّما يدرك الخير كله بالعقل ... 14

إنّه إذا كان ليلة ... 192

انه رب خالق غير مربوب مخلوق ... 81

انه فوق كل شيء وتحت كل شيء ... 84

انه من يصف ربّه بالقياس ... 65

انها في روضة كهيئة الأجساد ... 246

انهم في ابدان كابلانهم ... 248

اتهم في حجرات في الجنّة ... 246

اتي قد امرت كل شيء بطاعتك ... 175

اتي لأتكلم بالحرف الواحد لي فيه سبعون... 182

اني لاحدث الناس على سبعين وجها ... 182

ص: 266

اتي يكون يعلم ولا معلوم؟! ... 138

انها بحر عمیق ... 167

اوكل به ملائكة من ملائكتي ... 209

أوّل الدين معرفته ... 41

أوّل من سبق من الرسل الى ( بلي ) رسول ... 114

اي فحش او خناء اعظم من قول من ... 90

اي في خلق جديد ...210

اياكم والتفكر في ذات الله ... 45

أيدلّك على الطريق ويأخذ عليك المضيق ... 157

بالتعليم ارسلت... 41.33

بالحق عرف الحق... 20

بصنع الله يستدلّ عليه ... 54

بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ... 33

بعضكم اكثر صلاة من بعض ... 40

بل هو مصاب انّما المجنون من ... 35

بمجدك الذي تجليت به لموسى ... 93

بها تجلى صانعها للعقول ... 93.92.60

بينا عليّ بن أبي طالب ... 248

تبدل خبزة نقيّة يأكل الناس منها ... 206

تعرفت إلي في كل شيء ... 86

تعرفه وتعلم علمه ... 106

تكلموا في ما دون العرش ... 64

تنزيهه ... 59

تعرفت إلي في كل شيء ... 86

توحيدك لربك ... 90.40

توحيده تمييزه عن خلقه ... 89

ثبتت المعرفة ونسوا ذلك الوقف ... 115

ثم ان رسول الله وضع العلم ... 24

جعل الخلق دليلا عليه فكشف به عن ربوبيته ... 86

جعل فيهم ما اذا سألهم اجابوه ... 117

جل سيدي ومولاي والمنعم علي ... 104

حان وقت الزيارة والمناجاة ... 126

حجة الله على العباد النبي ... 14

حديث تدريه خير من الف ترويه ... 182

حرم الله الخمر بعينها وحرم رسول الله ... 179

حرّم كل ذي ناب من السباع ... 179

خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ... 234

خلق الله الخلق في ظلمة ... 84

خلق الله العقل من أربعة اشياء : ... 19

خلق الله المشيئة بنفسها ... 69

خلقتني من التراب ثم اسكنتني ... 242

خمسة لا تطفأ نيرانهم ... 156

دعامة الإنسان العقل ... 19

دعوا التفكر في الله ... 45

دلیله آياته ووجوده اثباته ... 54

ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة ... 244

ذهاب العقل بين الهوى والشهوة ... 36

رايت قوما ينكحون أمهاتهم ... 156

رب ارني الأشياء كما هي ... 233

سالت فافهم اما الواحد ... 213.69

سبحان الذي سخر للإمام كل شيء ... 176

سبحان الذي ليس له أوّل مبتدأ ... 45

سبحان الله ... 59

سيكون من امتي أقوام ... 156

شاء واراد ولم يحب ولم يرض ... 173

صفة العاقل ان يحلم عمّن جهل عليه ... 36

عرف الله عز وجل إيمانهم بولايتنا ... 113

علم وشاء وأراد وقدر ... 164

عليكم بالدعاء فان الدعاء الله ... 198

غلظوا لسليمان كما سخروا ... 238

فابتدعت خلقي من منّي يمنى ... 136

فأبدى الله جل ثناؤه بعض آياته ... 93

فاذا بلغ كشف ذلك الستر ... 19

فاذا قبضه الله عزّ وجل صير تلك الروح ... 228

فاذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض ... 46

ص: 267

فارادت الملائكة ان تدفعها عنها بحرابها ... 15

فأسألك بنور وجهك الذي اشرقت به به الأرض ... 85

فاعلم . رحمك الله . أن المذهب الصحيح ... 59

فالله يتوفّى الأنفس كلها ... 226.94

فاما الجبر الذي يلزم من دان به الخطاء ... 156

فاما العاصي امرك ... 57

فان القوم كانوا في القبور ... 209

فانساهم المعاينة ... 128

فأي ظاهر اظهر وأوضح ... 86

فتجلّى لخلقه من غير ان يكون يرى ... 92.88

فتجلّى لهم سبحانه في كتابه ... 92

فطرهم على التوحيد ... 107

فلما تجلّى ربّه للجبل بآية من آياته ... 93

فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ... 90.63

فمعاذ الله ان يكون معه شيء غيره ... 68

فمن المبلغ عن الله عز وجل ... 62

فمن زعم ان الله لم يزل مريدا شائيا ... 69

فمن لم يدله خلق السموات والأرض ... 52

فنبتت اجساد الخلائق كما تنبت البقل ... 206

قال الله تبارك وتعالى : ابن ... 145

قال الله تبارك وتعالى للملائكة : ... 222

قد كلّم الله جميع خلقه ... 116

قسم العقل على ثلاثة اجزاء ... 34

قلب المؤمن بين اصبعين من ... 233

قلب المؤمن عرش الله ... 233

قلعته بقوة ربانية ... 234

كان اذ لم يكن شيء ... 69

كان الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه ... 215

كان الله قد وقت هذا الأمر ... 191

كان الله ولا شيء غيره ... 68

كان في بني اسرائيل نبي وعده الله ... 197

كان هذا قبل بعث نوح ... 108

كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل ... 42

كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خبر ... 41

كذب عدوّ الله ... 175

كل ما استغفرت الله منه فهو منك ... 157

كل ما ميز تموه بأوهامكم ... 63.47

كل محمول مفعول به مضاف الى غيره ... 26

كل مولود يولد على الفطرة ... 107

كمال العقل في ثلاث : ... 35

كنت قبل كل شيء ... 68

کنهه تفریق بینه ... 81

كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده ... 86

لا ، المؤمن اكرم على الله عز وجل ... 229

لا تزول قدما عبد يوم القيامة ... 236

لا تضبطه العقول ... 44

لا تعاد الصلاة الاّ من خمسة : ... 180

لا تقل هكذا يا أبا الحسن فانك رجل ورع ... 183

لا تنشق الأرض عن احد القيامة الأ ... 208

لا تنظروا الى صغر الذنب ... 57

لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين ... 171

لا من قال هذا فقد ... 191

لا نجاة الا بالطاعة ... 36

لا والله ما فوض الله الى احد من خلقه الاّ ... 178

لا يتغيّر الله بانغيار المخلوق ... 97.91.73

لا يجوز في قضيّته ... 151

لا يجوز ان يكون خلق الأشياء بالقدرة ... 141

لا يصعد إلى السماء إلا من ... 234

لا يكون الا ما شاء الله واراد وقدر وقضى ... 164

لا يكون شيء في الأرض ولا في ... 165.150

لا يلسع العاقل من جحر مرتين ... 35

لا ينام الرجل وهو جنب ... 227

لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ... 92

لسان العاقل وراء قلبه ... 35

ص: 268

لعلك اردت قضاء لازما وقدرا حتما ... 172

لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا ... 155

لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ ... 207

لقنوا موتاكم لا إله الا الله ... 209

لم يخلق الأشياء من ... 73

لم يزل الله موجودا ثم كوّن ما اراد ... 68

لم يزل الله جل وعزّ ربّنا والعلم ذاته ... 137

لم يكونوا على هدى ... 108

لما اراد الله ان يخلق الخلق ... 114

لميا اسري بي الى السماء ... 104

لما امر ابراهيم واسماعيل صلوات الله علیه ... 242

لن يلج ملكوت السموات من ... 234

له الأمر من قبل ... 194

لو أجبتك فيه لكفرت ... 167

لو أدليتم بحبل على الأرض ... 84

لو استقاموا على الولاية في الأصل ... 114

لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب ... 154

لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق ... 222.120

لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ... 190

لو كان الزور في الأصل محتوما ... 157

لو لا آية من كتاب الله لحدّثتكم ... 194

له الأمر من قبل ان يامر به ... 194

له معنى الربوبية اذ لا مربوب ... 69

لي مع الله وقت لا يسعني فيه ... 233

ليس العلم بالتعلّم ...24.20

ليس بين الإيمان وبين الكفر ... 36

ليس بين الخالق والمخلوق شيء ... 85

ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ... 61

ليستأدوهم ميثاق فطرته ... 33

ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو منه ... 156

ما اعظم مسائلك ... 248

ما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه ... 40

ما اقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة ... 40

ما العاقل إلا من عقل عن الله ... 36

ما انكرت من البداء يا سليمان ... 192

ما بدا الله بداء اعظم من بداء ... 198

ما بدا الله في شيء الأكان ... 190

ما بعث الله عزّ وجلّ نبيا حتى ... 189

ما بعث الله نبيا قط الا بتحريم الخمر ... 189

ما تصوّر في الأوهام ... 45

ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتى ... 219

ما تنبأ نبي قط حتى يقرّ الله تعالى بخمس ... 189

ما رأيت شيئا الا ورأيت الله قبله ... 85

ما شاء ربي كان ... 144

ما عبد الله عزّ وجلّ بشيء مثل البداء ... 189

ما عبد به الرحمن ... 34

ما عرف الله من شبهه بخلقه 65 ما عظم الله عزّوجل بمثل البداء ... 189

ما قالوا شيئا ، اخبرك ان الله تبارك وتعالى ... 212

ما كسب الإنسان افضل من عقل ...36

ما كنت اعبد ربّا لم اره ... 104

ما يريد سالم مني؟! أيريد ان أجيء ... 183

مباين لجميع ما احدث في الصفات ... 90.63

متجل لا باستهلال روية ... 92

مستطيعون للأخذ بما أمروا به ... 154

مع كل شيء لا بمقارنة ... 87

من ارضى الخالق لم يبال بسخط المخلوقين ... 45

من تفكر في ذات الله الحد ... 45

من رأني فقد رأى الحق ... 233

من زعم الله عز وجل يبدو له في ... 191

من زعم ان الله يجبر عباده ... 158

من زعم ان الله يفعل افعالنا ثم ... 174.171

من زعم انه يعرف الله بحجاب أو صورة ... 106

من شبه الله بخلقه فهو مشرك ... 90.44

ص: 269

من عبد الله بالتوهم فقد كفر ... 44

عرف نفسه فقد عرف ربه ... 233.39

من عقل من الله اعتزل عن اهل الدنيا ... 36

من علامة المؤمن ان تكون فيه حدة ... 223.123

من فكر في ذات الله تزندق ... 45

من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا ... 25

من لم يملك شهوته لم يملك عقله ... 36

من نظر في الله كيف هو هلك ... 64

منزلة بين منزلتين في المعاصي ... 167

مهلا يرحمكم الله فاتها مأمورة ... 248

نعم ... ذلك إلينا ... 188

نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم الا ... 206

نعم غير معقول ولا محدود ... 59

نعم وقد راوه قبل يوم القيامة ... 104

نعم يا زرارة وهم ذرّ بين يديه ... 112

نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ... 152

نعم يخرجه من الحدين ... 60

نوم العاقل افضل من سهر الجاهل ... 36

وابتعث فيهم رسله ... 108

والروح جسم رقيق قد البس قابلا كثيفا ... 227

والعرش هو العلم الذي لا يقدر ... 26

والله ما خلق الله شيئا الاّ ... 176

والله ما من عبد من شيعتنا ينام الاّ ... 226

وان ضوء الروح العقل ... 19

وانحسرت الأبصار عن ان تناله ... 90

وأنر ابصار قلوبنا بضياء نظرها ... 105

وانساهم رؤيته ... 128

وانسوا ذلك الميثاق وسيذكرونه بعد ... 128

وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ... 85

وبالفطرة تثبت حجّته ... 125

وتنزه عن مجانسة مخلوقاته ... 81.76

وتوحيده تمييزه من خلقه ... 62

وجود الأفاعيل التي دلّت ... 50

وذلك أنّه لما انقرض آدم ... 108

وشئته اذا شئت ان اشاءه ... 171

وضع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دية ... 179

وقد راوه قبل يوم القيامة ...126

وقع العلم على المعلوم ... 137

وكان قادرا ان يخلقها في طرفة عين ... 66

وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه ... 61

وكلتا يديه يمين ... 123

ولا اياه وحد من اکتنهه .. 92

ولا غنى كالعقل ... 36

ولا يكونوا آخذين ولا تاركين الا باذنه ... 173

ولقاؤك قرّة عيني ووصلك منى نفسي ... 126

ولكن اقول : لا يكون الاّ ما شاء الله ... 164

ولكنه كان اذ لا شيء غيره ... 68

ولو فكروا في عظيم القدرة ... 51

ولو لا ذلك لم يعرف أحد من خالقه ... 124

وما توهمتم من شيء فتوهموا ... 45

وما زال ليس كمثله شيء ... 90

وملأكل شيء نورك ... 85

ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر ... 145

ونسوا الموقف ( وفي نسخة : الوقت ) ... 128

وهو من كوفان وفيه ينفخ في الصور ... 208

ويؤتى بالمؤمن الغني يوم ... 236

ويحك هي هي وهي غيرها ... 205

ويلك ان الذي ذهبت إليه غلط ... 61

ويلك ما كنت اعبد ربّا لم اره ... 234.126.104

ويوحد ولا يبعض .. 92

هذا حصن مكنون له جلد غليظ ... 53

هل ركبت سفينة قط ... 102

هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله ... 190

هو الدالّ بالدليل عليه ... 106

ص: 270

هو الذي يضع الشيء مواضعه ... 35

هو واحد ليس له في الأشياء شبه ... 126

يؤتى بالمؤمن المذنب ... 237

يا ابن آدم بمشيتي كنت انت الذي ... 146

يا ذا الذي كان قبل كل شيء ... 69

یا فكاك الرقاب من النار... 62

يا من اذاق احبّاءه حلاوة المؤانسة ... 127

يا من دل بذاته على ذاته ... 87.62

يا من يفعل ما يشاء ... 144

يا موسى إني خلقتك واصطفيتك ... 54

يخرج شيعتنا من قبورهم على نوق بيض ... 208

يستدلّ بكتاب الرجل على عقله ... 36

يعتبر عقل الرجل في ثلاث : ... 34

يعني من جرى عليه شرك الشيطان ... 113

يعني من جرى فيه شيء من شرك ... 220.113

يقول الله عزّ وجل للعلماء يوم القيامة ... 24

يكون في آخر الزمان قوم يعملون ...156

ص: 271

فهرس المواضيع

تنبيهات في مبدأ

ضرورة البرهان ... 11

البرهان » في القرآن الكريم... 12

الحجة الذاتيّة هو العلم والعقل...13

الإنكار أو التشكيك في حجّيّة العقل من بعض الأخباريين ... 13

الجواب عن مقالتهم بذكر بعض الآيات والأحاديث... 14

العقل والنفس عند الفلاسفة وفي الكتاب والحديث... 16

بعض ما ورد من الروايات المباركة في شأن العقل وحقيقته وأحكامه... 19

العقل وكذلك العلم حقيقة نورية مغايرة للقلب ولحقيقة النفس الإنسانية ... 20

حقيقة العلم هو النور الظاهر بذاته المظهر لغيره ... 20

نظر في تقسيم العلم وتعريفه ... 22

في ذكر بعض الروايات الظاهرة في أنّ العلم هو النور ... 23

حقيقة العقل من حقيقة العلم وهي الكاشفة للحسن والقبح ... 27

لا وجه لتخصيص العقل بإدراك الكليات... 31

خطاء العاقل لا ينافي عموم حجية العقل... 32

في بيان حقيقة حكم العقل... 32

تنبيه في علامات العقل ... 34

تجرد نور العلم وعدم تجرد النفس... 37

معرفة النفس ومعرفة الله تبارك وتعالى... 39

تنبيه في أنّ : أشرف المعارف معرفته تعالى وفي لزوم التمسّك بالقرآن وحملة علومه ... 39

نصيب العقل في باب معرفة الله تعالى أن يخرجه عن حدّ النفي والتشبيه ... 42

المعرفة بالآيات... 46

الآيات والروايات المذكرة بوجود الصانع ... 48

تنبيه في أنّ الله تعالى هو الهادي إلى ذاته وصفاته ... 55

ص: 272

تنبيه في الهداية العامة والخاصة ... 56

الأمر الثاني . وهي : معرفة أنّه تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقين... 58

COM الآيات والروايات الواردة في أنّه تعالى خارج عن الحدِّين... 58

قواعد من مصاديق القياس الممنوع... 65

المسألة الأولى... 66

المسألة الثانية... 66

المسألة الثالثة ...66

الآيات والروايات الدالة على وقوع التفكيك بين الخالق والمخلوق ... 68

المسألة الرابعة وهى : بسيط الحقيقة كل الأشياء وليس بشيء منها... 70

تنبيهات ... 75

ما استدل به من الآيات والروايات للقائلين بوحدة الوجود والموجود ... 83

عمدة ما استدل به لذلك من طريق البرهان العقلي ... 87

كلام في التجلى والمكاشفة ... 91

المعرفة الفطرية ... 99

التجلّي الخاص منه تعالى في قلوب المؤمنين ... 103

منشأ المعرفة الفطرية ... 109

أخذ الميثاق فى عالم الأظلّة وعالم الذرّ ... 111

الأدلة النقلية على سبق خلقة الأرواح وأخذ الميثاق ... 12

ثبوت الطاعة والعصيان قبل هذه الدنيا... 121

عدم رجوع المعرفة الفطرية الى المعرفة بالآيات... 125

ظهور المعرفة الفطرية في حال الانقطاع عن غيره تعالى ... 126

تنبيه لا بد منه جدا ... 128

الاشكالات الواردة في ثبوت عالم الذرّ والجواب عنها... 129

من كمال نور العلم أنه لا يحتاج في كاشفيته إلى وجود المعلوم ... 139

من الكمالات القدرة... 163

القدرة إنّما تتعلق بشيء ممكن في ذاته ... 143

أدلة القائلين بالجبر والجواب عنها... 144

الأدلّة النقلية على نفي الجبر ... 155

معاني القضاء والقدر... 163

التفويض... 169

نفي الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين ... 171

نفي تفويض أمر الخلق والرزق بيد الأئمة صلوات الله عليهم... 177

ص: 273

إقدار الله تعالى الأئمّة : على ما يريدون... 179

التفويض إليهم صلوات الله عليهم في أمر الدين... 181

جواز البداء لله تعالى شأنه ... 193

معنى البداء... 194

المراد من البداء في الآيات والروايات ... 195

توضيح الأمر في البداء ... 199

تنبيهات في المعاد

الدليل العقلي والنقلي على ثبوت المعاد ... 205

المعاد الروحاني والجسماني ... 207

الآيات والروايات الدالة على المعاد الجسماني... 208

حقيقة الإنسان وما خلق منه... 217

التنبيه الاول : المادة الأصلية للعالم جوهر مسمى بالماء ... 218

التنبيه الثاني : المادة الأصليّة فاقدة للعلم والحياة ... 218

التنبيه الثالث : انشعاب تلك المادة إلى عليين وسجين... 222

التنبيه الرابع : عالم الأظلّة والأشباح ... 225

التنبيه الخامس : لكل روح بدن يناسبها ... 227

التنبيه السادس : أخذ الميثاق في عالم الذرّ... 228

التنبيه السابع : امتحان في عالم الذرّ ... 229

التنبيه الثامن : موقف آدم صلوات الله علیه في عالم الذر ... 231

التنبيه التاسع : دلالة الآيات والأحاديث على عدم تجرّد الروح... 233

التنبيه العاشر : استقلال الروح ... 237

التنبيه الحادي عشر : أدلّة القائلين بتجرد النفس والجواب عنها ... 238

التنبيه الثاني عشر : الفارق بين الروح والبدن أعراضهما ... 246

التنبيه الثالث عشر : يمكن لكل ذرّة وجدان العلم والإدراك ... 248

التنبيه الرابع عشر : الإنسان يبقى على جسمانيته... 248

التنبيه الخامس عشر : زوال العلم والهداية بالكفر والظلم... 249

التنبيه السادس عشر : محل الأرواح والأبدان الذرية بعد الميثاق وقبل الدنيا ... 250

التنبيه السابع عشر : علاقة الروح بالبدن... 251

فصل : في أحوال الروح في البرزخ... 252

تنبيه : في دفع شبهتين أوردوهما من قديم الأيام في المعاد الجسماني... 259

ص: 274

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.