اعلام نهج البلاغة

هوية الکتاب

اعلام نهج البلاغة

للمحقق علي بن ناصر السرخسي

مِنْ أَعْلَامِ الْقَرْنِ السَّادِس

ضَبَطَ نَصَّهُ وَحَقَّقَ مَتْنَهُ

الشيخ عزيز الله العطاردي

مؤسسة الطباعة والنشر

وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي

محرر رقمي: روح الله قاسمي

ص: 1

اشارة

مرکز خراسان الثقافي

4

مؤسسة الطباعة والنشر

وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي

نشر عطارد

اعلام نهج البلاغة

للمحققّ علي بن ناصر السرخسي

المحقق: الشيخ عزيز الله العطاردي

الطبعة الاولى: 1415 ه - . ق، العدد: العدد: 1000 نسخة

التوزيع: طهران / میدان حسن آباد/ شارع استخر / بناية رقم 3

الهاتف: 672606 و 675882 و 671459 / ص. ب: 18515/1311

ص: 2

الصورة

صورة من نسخة المكتبة الاهلية في كلكته

ص: 3

الصورة

صورة من نسخةٍ مكتبة رضا برامپور من بلاد الهند

ص: 4

مقدمة المحقق:

بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي هدانا الى مناهج الايمان والاسلام وأرشدنا الى معالم الحلال والحرام وبين لنا السنن والاحكام والصلوة والسلام على نبينا نبي الرحمة وعلى آله أهل البلاغة والفصاحة.

اما بعد: فان كتاب «نهج البلاغة» مجموع انتخبه الشريف أبو الحسن

محمد بن الحسين الموسوي المعروف بالسيد الرضي - رضوان الله عليه - من كلام الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وجعله ثلاثة أبواب:

الرسائل - الخطب - والحكم في الآداب والمواعظ.

هذا الكتاب الشريف أشرف الكتب بعد كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وآله - وهو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، وأفضل الكلام وأفصحه وأنفعه وأرفعه، وهذا واضح لمن تأمل في الكتاب وتفكر في ألفاظه ومعانيه.

نهج البلاغة كتاب جامع للمعارف الالهية والاسرار النبوية والأحكام الاسلامية والقواعد السياسية يستفيد منه الحكيم الالهي والفقيه الرباني والواعظ الصمداني والمصلح السياسي. وفيه آداب الحرب، وتنظيم العساكر والجيوش. وردت فيه مواعظ شافية للمتعظين وآداب للعارفين وترغيب للعابدين، وتحذير

ص: 5

للمنافقين، وتخويف للامراء والسلاطين. وارشادهم للقسط في الحكم وبسط العدل للمسلمين. وكظم الغيظ والعفو عن المجرمين.

من نظر في «نهج البلاغة» وتعمق في خطبه ورسائله يرى نفسه مع خطيب وأمير الهي تارة يتكلم في التوحيد. ويبحث عن اسرار الكائنات و يكشف غوامض المسائل ويشرح مكنون العلم، وتارة يتكلم عن النبوة وصفات الانبياء - عليهم السلام - والاولياء. وأخرى يتكلم عن العباد والزهاد وصفات المتقين، وآونة عن فنون الحرب والجهاد الاعداء في الغزوات ومقارعة الابطال ومصارعة الشجعان، وحيناً يعظ الناس ويحذرهم من الدنيا وزينتها، ويرغبهم بالآخرة ونعيمها.

كلمات العلماء حول النهج

قال الراوندي: كنت قديماً شرحت الخطبة الاولى من «نهج البلاغة»

بالاطناب وكشفت بيان جميع ما فيها من أنواع العلوم التي أوما اليها بالاسباب وهو كلام عند أهل الفطنة و النظر دون كلام الله وكلام رسوله وفوق كلام البشر.

واضحة مناره، مشرقة آثاره ولا يستبعد في هذا الدهر ان يلتبس شيء

مشكلاته على من يقتبس، أما من الفاظه الغرائب او معانيه العجائب فعزمت الى شرح جميع الكتاب مستعيناً بالله على وجه الصواب، وان استخرج مكنونه واستكشف مخزونه.

قال الكيذري: «نهج البلاغة» نطفة من بحار علومه الغزيرة، ودرة من جواهر اصدافه الجمة الغفيرة، وقطرة من قطرات غيثه المدرار وكوكبٌ من كواكب فلكه الدوار، ولعمري انه الكتاب الذي لا يدانيه في كمال الفضل كتاب، وطالب مثله في الكتب كالعنزي لا يرجى له اياب، وهو محجر عيون

ص: 6

العلم، وفي خلال الكتب كالبدرين في النجوم الفاظه علوية علوية ومعانيه قدسية نبويه، وهو عديم المثل والنظير.

قال ابن أبي الحديد: وأما الفصاحة، فهو - عليه السلام - إمام الفصحاء وسيد البلغاء وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة.

قال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الاصلع

ففاضت ثم فاضت.

قال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزاً لايزيده الانفاق الاسعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب وقال علي بن ناصر السرخسي:

لله درّك يا نهج البلاغة من *** نهج نجا من مهاوي الغي سالكه أودعت زهر نجوم ضل منكرها *** وحاد من جدد غيا مسالكه

لأنت درُّ ويالله ناظمه *** لأنت نضرٌ ويالله سابکه

قال الشيخ عبد الحسين الأميني - رضوان الله عليه - : «نهج البلاغة» كان يهتم بحفظه حملة العلم والحديث في العصور المتقادمة حتى اليوم، ويتبركون بذلك كحفظ القرآن الشريف وعد من حفظته في قرب عهد المؤلف، القاضي جمال الدين محمد بن الحسين بن محمد القاساني، فانه كان يكتب «نهج البلاغة» من حفظه، وكذا حفظه ابو عبد الله الفارقي المتوفي سنة 564.

قال الشيخ آغا بزرگ الطهراني قدس الله روحه: «نهج البلاغة» هو كالشمس الطالعة في رائعة النهار في الظهور وعلو الشأن والقدر وارتفاع المحل، قد جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحداً، لا تخفي على أحدٍ، فيقبح من العاقل البصير سئوال، ما الشمس الطالعة و هي مما يقتبس من اشراق نورها كافة الكائنات في البر والبحر.

ص: 7

كذلك «النهج» قد طبقت شهرته الشرق والغرب، ونثر خبره في اوساط الخافقين ويتنور من تعليمات «النهج» جميع افراد البشر لصدوره عن باب معدن الوحي الالهي، فهو تلو القرآن الكريم في التبليغ والتعليم وفيه دواء كل عليل وسقيم، ودستور للعمل بموجبات سعادة الدنيا وسيادة دار النعيم وقد قيل فيه:

نهج البلاغة نهج العلم والعمل *** فاسلکه يا ساح تبلغ غاية الامل

قال السيد عبد الزهراء الحسيني: كنت مولعاً بكتاب «نهج البلاغة» منذ حداثة سني، أجعله سمير وحدتي وأنيس وحشتي، أستظهر فصولاً من خطبه وأحفظ قطعاً من رسائله، وألتقط دُررا من حكمه، وكان هذا الولع يتضاعف كلما اتسعت مداركي، وتضاعف معلوماتي، ومن أجل ذلك أنخت عن كل ما يتعلق به وما كتب حوله.

قال صبحي صالح: لا بد لدارس «نهج البلاغة» أن يلم بهذه الوقائع التاريخية ولو من خلال لمحة خاطفة عجلى ليعرف السرّ في غروب شمس الخلافة الراشدة بين المسلمين الأولين الذين استروحوا شذا النبوة ونعموا بظلالها الوارفة، واستتاروا بما يلوح من أضوائها الباقية.

لا بد لدارس «النهج» ان يلم بهذه الحقائق ليرى رأي العين كيف تحولت هذه الخلافة الراشدة الى ملك عضوض، وكيف اشعلت من أجلها الحروب الطاحنة، وأثخنت الامة في سبيلها بالجراح الدامية، وأُصيب مقتلها بمصرع امام الهدى علي كرم الله وجهه.

ثم لا بد لدارس «النهج» ان يكون لنفسه صورةً حقيقة عن تلك الحقبة من تاريخ المسلمين ليستنبط البواعث النفسيه التي حملت علياً على الاكثار في خطبة من النقد والتعويض والعتاب والتقريع والتذمر والشكوى، فقد عاندته الايام، وعجت خلافته عجيجاً بالاحداث الجريرة وخابت آماله في تحقيق الاصلاح.

ص: 8

قال الهادي كاشف الغطاء: إن «نهج البلاغة» من كلام مولانا أمير المؤمنين وامام الموحدين باب مدينة العلم علي بن ابي طالب - عليه السلام - من اعظم الكتب الاسلامية شائاً، وارفعها قدراً، وأجمعها محاسن وأعلالها منازل، نور لمن استضاء به، ونجاة لمن تمسك بعراه وبرهان لمن اعتمده ولب لمن تدبره أقواله فصل وأحكامه عدل حاجة العالم والمتعلم، وبغية الراغب والزاهد وبلغة السائس والمسوس، ومنية المحارب والمسالم، والجندي والقائد.

فيه من الكلام في التوحيد والعدل ومكارم الشيم ومحاسن الاخلاق والترغيب والترهيب والوعظ والتحذير وحقوق الراعي والرعية واصول المدنية الحقة، وما ينقع الغلة ويزيل العلة، لم تعرف المباحث الكلامية إلّا منه، ولم يكن الّا عيالاً عليه، فهو قدوة فطاحلها وامام افضلها.

قال محمد محي الدين نهج البلاغة هو الكتاب الذي جمع بين دفتيه عيون البلاغة وفنونها، وتهيئات به للناظر فيه اسباب الفصاحة، ودنا منه قطافها، اذ كان من كلام أفصح الخلق بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - منطقاً وأشدّهم اقتداراً، وأبرعهم حجة، وأملكهم لغة.

يدبرها كيف شاء الحكيم الذي تصدر الحكمة عن بيانه، والخطيب الذي يملأ القلب سحر لسانه العالم الذي تهيأ له من خلاط الرسول وكتابة الوحي، والكفاح عن الدين بسيفه ولسانه منذ حداثته ما لم يتهيأ لأحد سواه.

قال الاستاذ امتياز علي خان العرشي: يعد كتاب «نهج البلاغة» من خطب سيدنا علي بن أبي طالب ورسائله وحكمه، ومما يضاعف الكتاب اهمية ان علي بن أبي طالب كان على بلاغته المبتكرة أحد الخلفاء الراشدين، او اماماً معصوماً عند طائفة من المسلمين.

قال الشيخ محمد عبده: فقد أوفى لي حكم القدر بالاطلاع على كتاب «نهج البلاغة» مصادفة بلا تعمد أصبته على تغير حال، وتبلبل بال، وتزاحم

ص: 9

أشغال، وعطلة من أعمال، فحسبته تسلية وحيلة للتخلية، فتصفحت بعض صفحاته، وتأملت جملاً من عباراته من مواضع مختلفات ومواضع متفرقات، فكان يخيل لي في كل مقام أنَّ حروباً شبت، وغارات شنت، وأن للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة، وأن للأوهام عرامة، وللريب عارةٍ، وأن جحافل الخطابة وكتاب الدراية في عقود النظام، وصفوف الانتظام، تنافح بالصفيح الابلج والقويم الاملج.

انّ مدبر تلك الدولة، وباصل تلك الصولة، هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضعٍ، أحس بتغير المشاهد، وتحول المعاهد، فتارةً كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواحاً عالية في حلل من العبارات الزاهية.

طوراً كانت تتكشف لي الجمل عن وجودٍ باسرة وأنياب كاشرة. وأرواحٌ في اشباه النمور ومخالب النسور، قد تحفزت للوثاب، ثم انقضت للاختلاف، فحلّت القلوب عن هواها وأخذت الخواطر دون مرماها، واغتلت فاسد الاهواء وباطل الآراء.

أحياناً كنت أشهد أن عقلا نورانياً، لا يشبه جسدانياً، فصل عن المواكب الالهي، وأتصل بالروح الانساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، وسما به إلى الملكوت الاعلى ونما به إلى مشهد النور الاجلي، وسكن به إلى عمار جانب التقديس به استخلاصه من شوائب التلبيس.

آناتٍ كأني اسمع خطيبا ينادي بأعلياء الحكمة، وأولياء أمر الامة، يعرفهم مواضع مواقع الصواب، ويبرهم مواقع الارتياب، يحذرهم مزالق الاضطراب، ويرشدهم إلى دقائق السياسة ويهديهم طرق الكياسة، ويرتفع بهم الى منصفات الرئاسة، ويسعدهم شرف التدبير ويشرف بهم على حسن المصير.

ص: 10

ذلك الكتاب الجليل، هو جملة ما اختاره السيد الشريف الرضي - رحمه الله - من كلام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، جمع متفرقه وسماه هذا الاسم نهج البلاغة ولا أعلم اسماً أليق بالدلالة على معناه منه، وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه، ولا ان آتي بشيء في بيان مزيته فوق ما أتى به صاحب الاختيار.

أقول: كلمات الباحثين عن «نهج البلاغة» في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية.

* * *

مواضيع نهج البلاغة

إنَّ أمير المؤمنين - عليه السلام - ذكر في خطبه ورسائله وعهوده ما تحتاجه الامة الاسلامية في أمر دينهم ودنياهم، وما يرشدهم إلى السعادة الابدية ويهديهم الى الفوز في الدنيا والآخرة ويجنبهم عن إرتكاب الذنوب والآثام، ويحذرهم عن المعاصي والشهوات والحرام. جاء في الخطب والرسائل، أبواب التوحيد والنبوة وصفات الانبياء والتعليم والارشاد والنصح والنقد والتعريض، والتقريع والزهد في الدنيا، وتعريف صفات الانبياء والاشقياء والمنافقين والجهاد مع الكفار وآداب الحروب والإنذار والتخويف والتحذير من الفتن.

ثم المناظرة والسياسات والابتهال والدعاء. والشكوى والتضرع والوصف والدقة، والمناقب والفضائل والبلدان وخصوصياتها والوصايا والمواعظ، والترغيب والترهيب والعدل والاحسان والترحم والشفقة.

ثم الخراج والاموال والجنود والعساكر وحقوق الرعية وحقوق الراعي وحقوق الفقراء على الاغنياء وحقوق أهل البيت والوصية والوراثة والهجرة

ص: 11

والوحي والعلم والعلماء والطاووس والنملة والخفاش والبعوض والصحابة والصلوة والحج والاسلام والتقوى.

اجازات نهج البلاغة

قد روى كتاب «النهج» عدة من العلماء عن السيد الرضيّ - رضوان الله عليه - ، وكان المؤلف يقرأه علي تلامذته، ونحن نذكر هنا أسماء الرواة الذين جاء ذكرهم في شروح «نهج البلاغة» ومعاجم الشيوخ، ورجال الحديث.

1 - السيدة النقية بنت السيد الشريف المرتضى عن عمها الشريف الرضي، قال عبد الرحيم البغدادي المعروف بابن الاخوة: قالت بنت المرتضى قرأ عليّ عمّي «نهج البلاغة».

2 - أبو منصور العكبري، قرأ «نهج البلاغة» علي السيد الرضيّ وروى عنه قال الراوندي: أخبرنا أبو نصر الغاري عن أبي منصور العكبري عن الرضى.

3 - عبد الكريم بن محمد الديباجي المعروف بسبط بشر الحافي احد رواة «نهج البلاغة» قال: قرأ علي السيد الرضي «النهج» وسمعته منه، قال الراوندي: أخبرنا ابن الاخوة عن ابي الفصل النافلي عنه عن السيد الرضي.

4 - محمد بن علي الحلواني روى كتاب «النهج» عن الرضي قال الراوندي: أخبرنا السيد أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد بن معبد الحسيني عن الحلواني عن الشريف الرضي.

5 - شيخ الطائفة أبو جعفر بن الحسن الطوسي روى «نهج البلاغة» عن الشريف الرضي قال الراوندي: أخبرنا أبو جعفر بن علي بن محسن الحلبي

ص: 12

عن الطوسي عن الرضي (1).

6 - محمد بن همّام البغدادي من تلامذة السيد الرضي روى «نهج

البلاغة» عن استاذه روى أبو الحسن علي بن زيد البيهقي بطريقه عنه. 7 - جعفر بن محمد الطرشتي الرازي الفقيه المحدث روى «نهج البلاغة» عن السيد الرضي روى البيهقي عن أبيه عن الحسن بن يعقوب عن جعفر بن محمد عن الشريف الرضي قال أبو الحسن البيهقي في شرحه على «النهج»، وقد رأيت اجازة الشيخ جعفر بخطه عند أبي وخط الشيخ جعفر شاهدلي (2).

8 - محمد بن علي بن أحمد بن بندار روى عنه أبو عبدالله الحسين كتاب «النهج» في سنة 499.

9 - علي بن فضل الله الحسيني روى عنه كتاب «النهج» علي بن محمد بن حسين المتطبب في سنة 589.

10 - نجيب الدين يحيى بن أحمد الحلي روى عنه السيد عز الدين حسن بن علي المعروف بإبن ابرز سنة 741.

11 - الحسن بن يوسف جمال الدين المعروف بالعلامة الحلي أجاز رواية «النهج» في سنة 723، وهو من شراح النهج.

12 - فخر الدين محمد بن الحسن الحلي روى عنه ابن مظاهر «نهج

البلاغة» في سنة 741.

13 - محمد بن الحسين بن أبي الرضا العلوي روى عنه جمال الدين بن أبي المعالي كتاب «نهج البلاغة» في سنة 730.

14 - محمد بن مكي الشهيد الاول روى عنه ابن نجدة كتاب «نهج ة

ص: 13


1- شرح الراوندي
2- معارج نهج البلاغة

البلاغة» في سنة 770.

15 - علي بن محمد البياضي مؤلف الصراط المستقيم، روى عنه ناصر بن ابراهيم الاحساوي «كتاب نهج البلاغة» في سنة 852.

16 - الشيخ علي الكركي المحقق روى عنه المولى حسين الاسترآبادي والشيخ ابراهيم كتاب «النهج» في سنة 907.

17 - الشيخ الشهيد زين الدين العاملي روى عنه الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي كتاب نهج البلاغة في سنة 941.

18 - الشيخ حسن بن زين الدين العاملي روى عنه تلامذته كتاب «النهج»

19 - الشيخ محمد تقي المجلسي روى عنه ولده المجلسي محمد باقر كتاب «نهج البلاغة» في سنة 1062.

20 - الشيخ بن عبد الكريم روى عنه محمد هادي الشولستاني كتاب «النهج» في سنة 1080.

21 - أحمد بن نعمة الله بن خاتون روى عنه المولى عبدالله التستري المتوفي سنة 988 (1).

شبهات حول النهج:

وردت شبهاتٌ حول نهج البلاغة ومطاويه من قبل جماعةٍ من العلماء قديماً وحديثاً، وهذه الشبهات صدرت منهم عن العصبية وعدم الاطلاع عن حقيقة الأمر، ونحن نذكر هنا كلمات المخالفين وعقائدهم حول «النهج».

أول من فتح باب الاعتراض وشك في انتساب خطب «النهج» الى أمير

ص: 14


1- الغدير 193/4.

المؤمنين - عليه السلام - هو ابن خلكان في كتاب «وفيات الاعيان» واخطأ أيضاً في نسبة الكتاب الى السيد المرتضى وتبعه في ذلك الذهبي وابن حجر وغيرهما.

قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى: وقد اختلف الناس في كتاب «نهج البلاغة» المجموع من كلام الامام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هل هو جمعه أم جمع اخيه الرضي، وقد قيل انه ليس من كلام عليٌ، وإنما الذي جمعه نسبه اليه هو الذي وضعه والله اعلم.

هذا كلام ابن خلكان فيعلم منه بالصراحة انه ما رأى «النهج» وكذا ساير مؤلفات السيد الرضي، لأن من عرف حياة السيد الرضي وآثاره علم أن «نهج البلاغة» من تأليفاته لا تأليف أخيه المرتضى، لان السيد الرضي في موارد كثيرة من «نهج البلاغة»، يقول في ترجمة بعض الكلمات، قال الرضي كذا وهذا واضح لمن يعرف «نهج البلاغة».

يظهر من كلام ابن خلكان أنه لم يقطع بان «نهج البلاغة» لم يكن من كلام علي وانما نسبه الى قيل. ومعلومٌ ان هذا ليس معتقده، وفي آخر كلامه خلص نفسه وقال: والله أعلم، يعني هذا الكتاب ورد مورد اختلاف، والله يعلم حقيقة الأمر.

قال الذهبي: علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى المعتزلي صاحب التصانيف مات سنة 430 عن ثمانين سنة، وهو المتهم بوضع كتاب «نهج البلاغة»، وله مشاركة قوية في العلوم. ومن طالع كتابه نهج البلاغة جزم بانه مكذوبٌ على أمير المؤمنين - رضي الله عنه.

يظهر أيضا من كلمات الذهبي انه لم يراجع «نهج البلاغة» والّا لم ينسبه لم الى السيد المرتضى، والاعجب من الذهبي كيف أتهم المرتضى - رضوان الله عليه - وكذا أخوه الرضي في كلام ابن حجر يكون متهماً بوضع «نهج

ص: 15

البلاغة»، ونسبته إلى الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - ولو طالعا ««نهج البلاغة»، وتعمقا فيه لما صدر منها هذا الافتراء على الشريفين المرتضى والرضي. وهما - رضوان الله عليهما - في مقام عالٍ من القداسة والديانة والعلم والفضيلة.

نعم! أن الذهبي رأى في نهج البلاغة بعض الكلمات التي القاها أمير المؤمنين - عليه السلام - على أصحابه مثل الخطبة الشقشقية و أمثالها، ورأى أن هذه الالفاظ مخالفة لما يعتقده فلهذه حمل على السيد المرتضى - رضوان الله عليه - بانه وضع هذه الخطبة ونسبها الى أمير المؤمنين، ونحن نذكر هنا اسناد الخطبة الشقشقية في الكتب التي ألفت قبل الرضي مؤلف «نهج البلاغة»:

1 - إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي المتوفي سنة 283، ذكر هذه الخطبة في كتاب «الغارات».

2 - عبدالله بن محمود الكعبي البلخي المعتزلي المتوفي سنة 319، وذكر الخطبة في كتابه.

3 - أبو على محمد بن عبد الوهاب الجبائي البصري المتوفي سنة 303، روى هذه الخطبة.

4 - محمد بن عبد الرحمان أبو جعفر بن قبة الرازي المتكلم الشيعي تلميذ أبي القاسم البلخي روى في كتابه الخطبة الشقيقة.

5 - أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي المشهور بالشيخ الصدوق المتوفي سنة 381، روى هذه الخطبة في كتابه «معاني الاخبار وعلل الشرايع».

6 - أبو عبدالله محمد بن النعمان استاذ السيد الرضي النعمان استاذ السيد الرضي روى هذه الخطبة في كتاب «الارشاد».

قال ابن أبي الحديد في شرحه على «النهج»: حدثني شيخي أبوالخير

ص: 16

مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة قال: قرأت على الشيخ ابي محمد عبدالله بن أحمد المعروف بأبن الخشاب، وكان صاحب دعابةٍ وهزل قال فقلت له: أتقول انها منحولة، فقال لا والله، واني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مصدق.

قال فقلت له: إنّ كثيراً من الناس يقولون انها من كلام الرضي - رحمه الله تعالى - فقال: أنّى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الاسلوب. وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر.

ثم قال: والله وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت، قبل أن يخلق النقيب ابو أحمد والد الرضي.

قال الاستاذ العرشي: إنّ أكثر الخطب عرضة للنقد والايراد في «نهج البلاغة» هي الخطبة المعروفة بالشقشقية ذكر فيها أمير المؤمنين تاريخ الخلافة، وشكا بأن أولي الامر أعرضوا عنه، مع أنه أحق الناس بالخلافة.

لكنه اصطبر على هذا العدوان حتى أصر عليه الناس مرةٌ رابعةٌ، بان يتحمل اعباء الخلافة، بيد أنه خالفه بعض الناس بعد البيعة ونشبت الحرب بين المسلمين، فلو لم يكن أنصاره، ولو لم يأمر الله بنصرة المظلوم لطوى كشحه عن الخلافة.

فظهر بما نقلناه، أن هذه الخطبة نقلها الحفاظ والمحدثون في كتبهم قبل أن يولد الرضي، وكذلك سائر الخطب والرسائل، ومن أراد الاطلاع فليراجع مصادر نهج البلاغة للعلامة السيد عبد الزهراء الحسيني، واستناد نهج البلاغة للاستاذ امتياز علي العرشي الهندي - رحمه الله.

ص: 17

علم الغيب في نهج البلاغة:

قال المعترض: ان في «نهج البلاغة» كلمات تدل على ان صاحبه يعلم الغيب، ويخبر عن الحوادث قبل وقوعها كغرق البصرة وخرابها، وظهور الاتراك والمغول، وغلبة معاوية وبني امية على البلاد وولاية الحجاج الثقفي على العراق وغيرها.

علم الغيب والاخبار عن الحوادث الآتية مختص بالله تعالى ولا يعلم الغيب إلا هو، ولما كان في «نهج البلاغة» عبارات تتضمن علم الغيب، فمعلوم أن هذا الكتاب مصنوع منسوب الى الامام علي بن أبي طالب.

فتقول في جواب المعترض: قد جاء في القرآن العظيم، في موارد كثيرة ذكر الغيب، قال الله تعالى: «الذين يؤمنون بالغيب»، وقال: «عالم الغيب»، وقال: «عالم الغيب والشهادة»، وقال: «أعنده علم الغيب فهو يرى»، وقال: «و لله غيب السموات والارض» وقال: «وعنده مفاتح الغيب» وغيرها من

الآيات الشريفة.

قال في سورة الجن: ولا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول»، يظهر من هذه الآية الشريفة ان الله تعالى يطلع رسوله عن الغيب هذا عيسى بن مريم - سلام الله عليه - كما جاء في القرآن يقول «أنْبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم»، أليس هذا علم الغيب.

قال نبينا محمد - صلى الله عليه وآله - لبنته فاطمة: أنت أول من تلحق بي وقال: أمتي يختلفون بعدي، وقال لأمير المؤمنين - عليه السلام: تقاتل من بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين، وقال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية

وآخر شرابك ضياح من لبن، وكذا أخبر بشهادة الحسين عليه السلام.

الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - كان مع النبي - صلى

ص: 18

الله عليه وآله - في صغره وكبره، قال: إن النبي علمني ألف باب من العلم، وقال رسول الله أنا مدينة العلم وعليٌ بابها، وقال أمير المؤمنين أن النبي دعاني عند موته وأخبرني عن الحوادث التي تظهر في امته، ولذلك يقول، سلوني قبل أن تفقدوني، فظهر بما ذكرنا بطلان قول المعترض.

السجع في نهج البلاغة:

قال المعترض: إن في «النهج» اصطلاحات أدبية وكلمات مستحدثة ما كانت العرب تعرفها في عصر الامام علي بن أبي طالب، وإنما ظهرت هذه

الاصطلاحات في العصر العباسي، عند اختلاط العرب بسائر الملل.

هذه الشبهة صدرت منه بدافع العصبية العمياء والجهل المتراكم، ولو أنه راجع القرآن المجيد وخطب النبي - صلى الله عليه وآله - ما تكلم بهذه الكلمات، نعم التعصب والعناد يوردان الانسان موارد الهلكة ويخرجه عن طريق الحق والصواب.

قال رسول الله في كلماته: إن الاعمار تفنى، والاجسام تبلى، والايام تطوى، والليل والنهار يتطاردان تطارد البريد يقربان كل بعيد ويخلقان كل جديدٍ وأيضاً قال: أن لكل شيء حساباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، وان على كل شيء رقيباً.

قال قسّ بن ساعدة الانصاري: أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات، ومن مات فات وكل ما هو آت آت ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر وبحار تزخر وجبال مرساة وأرض مدحاة ونهار مجراة هذا مختصر من الكثير التي رويت في كتب الاخبار والسيرة، فظهر فساد قول المعترض وبطلان رأيه في «النهج».

ص: 19

الاصطلاحات في نهج البلاغة:

قال المعترض: إن في «نهج البلاغة» اصطلاحاتٍ فلسفية وأصولية وكلامية وهذه الاصطلاحات ظهرت في القرن الثاني، ولم يعرفها الناس في عصر علي، وما كانت هذه الالفاظ مصطلحة، حتى يتكلم بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

هذه الشبهة وردت عن المستشرقين والمتجددين المقلدين عنهم، وهؤلاء قوم لا يعرفون الاسلام، ولا يعرفون الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - ، ولو بحثوا في حياة الامام علي وسيرته لما وقعوا في الاشتباه، ولم يتكلموا بالباطل، ولم يقولوا غير الحق، فضلوا عن سواء السبيل.

أما جواب المعترض فنقول: هذا القرآن المجيد جاء فيه لفظ الحكيم والحكمة قال الله: «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً»، وقال: «ولقد آتينا لقمان الحكمة»، وقال: «إن الله عليمٌ حكيمٌ»، وصف الله تعالى بالعلم والحكمة اليس هذه اللفظة من اصطلاحات الفلاسفة؟

والجواب الثاني ان أمير المؤمنين - عليه السلام - كان مبتكرا في العلوم والمعارف الاسلامية وهو الذي ابتكر علم النحو وعلّم أصولها، ولم تعرف العرب علم النحو، وهو الذي اخترع تاريخ الاسلام وأسس الدفاتر وديوان الخراج والاموال، وعلم منه الناس القضاء والاحكام وغيرها.

التقسيمات في نهج البلاغة:

قال المعترض: إنّ في «النهج» تقسيمات لبعض الفضائل والرذائل مثلاً جاء في النهج: الناس على أربعة اصناف أو قال: من أعطى اربعاً لم يحرم اربعاً، وقال: الناس ثلاثة، وقال يا بني احفظ عنّي اربعاً واربعة، وكذا قال

ص: 20

الايمان على اربع دعائم والصبر على أربع شعبٍ وغيرها.

هذه الشبهة أيضاً قد وردت من قبل المستشرقين وتبعهم في ذلك جماعة من المتجددين الذين لا بصيرة لهم في معارف الدين، ويقولون ان هذه التقسيمات ما كانت مصطلحة في زمن علي وما يعرفها العرب، وإنما ظهرت في القرن الثاني والثالث.

هذه الشبهة غير واردة وبطلانها واضح لمن تأمل في الاخبار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وآله - ، قال رسول الله: ستة أشياء حسنة ولكنّها من ستة أحسن، وقال: ثلاث كفارات وثلاث درجات وثلاث منجيات وثلاث مهلكات.

قال ايضاً: معشر المسلمين إياكم والزنا فان فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، قال: أخلاء ابن آدم ثلاث واحد يتبعه الى قبض روحه والثاني الى قبره والثالث الى محشره، ومن راجع خصال الشيخ الصدوق يجد فيه أمثال هذه الروايات.

فاذا ثبتت هذه الروايات لرسول الله - صلى الله عليه وآله - في التقسيمات، وكذلك ثبت للامام أمير المؤمنين سلام الله عليه، لانه كان مع رسول الله واخذ منه العلوم والمعارف الالهية وباب مدينة علمه، فليس في هذا الباب شك لمن تدبر في حياته وسيرته.

الطاووس في نهج البلاغة:

قال المعترض: إن في «نهج البلاغة» جاء ذكر الطاووس ووصفه و خصوصياته، لا شك أن الطاووس ما كان يعيش في الحجاز، فمن اين رأى علي بن أبي طالب - عليه السلام - الطاووس حتى يصفه بهذه الصفات ويعرفه

ص: 21

بهذه الدقة في خلقته ولونه ولقاحه وسائر ما يختص به، كأنه عاش مع الطاووس أياماً كثيرةً.

هذه الشبهة أيضاً كسائر الشبهات واهية يدل على جهل قائلها، نحن نسأل عن المعترض ونقول: جاء في القرآن العظيم ذكر الفيل، أكان يعيش هذا الحيوان في الحجاز أو يعرفها العرب حتى يذكر في القرآن قال الله تعالى: «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل».

نعم جاء أبرهة ملك الحبشة لغزو مكة وأهلها، وكان في مقدمة جيشه فيلاً عظيماً ورآه أهل مكة فصار عندهم عام الفيل مبدأ للتاريخ وأرّخوا الحوادث من هذه السنة، وقالوا ولد فلان بعد عام الفيل، أو وقع حرب في ناحية كذا بعد عام الفيل.

اليس في وسعنا أن نقول في جواب المعترض، من أين تقول انّ الامام علي بن أبي طالب لم ير هذا الحيوان في مدة عمره انّ أمير المؤمنين - عليه السلام - سافر الى اليمن والعراق، وكذا بعض بلاد الحجاز ورأى فيها هذا الحيوان، ويمكن أيضاً ان يكون الطاووس عند بعض أهل مكة والمدينة.

لان الطاووس طائرٌ جميلٌ ظريفٌ، يحبه الناس لظرافته وألوانه، ومشيه ويحفظونه في منازلهم وحدائقهم، قال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة: يمكن ان رأى أمير المؤمنين - عليه السلام - الطاووس في العراق لأن الهدايا توصل اليه من البلدان المختلفة.

ثم انَّ ذكر الطاووس جاء في الشعر، ولو أن العرب لم يره كيف ورد ذكره في أشعارهم، وهذا رؤبة بن العجاج الشاعر المعروف يقول:

كما استوى بيض النعام الاملاس *** مثل الدمى تصويرهن اطواس

ص: 22

الزهد في نهج البلاغة:

قال المعترض: ان في «النهج» جاءت كلمات في الزهد وترك الدنيا کخطابه - عليه السلام - لنوف البكالي وهمّام وشريح القاضي وموارد اخرى ذكرت في خطبه ورسائله وهذا الزهد المفرط لم يكن له سابقه في الاسلام، فمن هذه الكلمات نعلم انها ليست للامام علي بن أبي طالب.

هذه الشبهة من أوهن الشبهات التي وردت في «نهج البلاغة» والرد عليها، لان من راجع كلمات الامام علي - عليه السلام - وتفكر في معانيها علم ان المقصود من الزهد وترك الدنيا في «النهج» هو عدم المحبة للدنيا والركون اليها ونسيان الآخرة واتباع هوى النفس والميل الى الشهوات واتخاذ الاموال من الحرام.

إن أمير المؤمنين - سلام الله عليه - كان يرشد عماله وامراء جنده بالعدالة وأن لا يظلموا الناس ولا يأخذوا أموالهم وان لا يبنوا دوراً وقصوراً رفيعة، ويكون معيشتهم ولباسهم مثل أوساط الناس لان الامراء والعمال اذا كانوا كذلك صلح الناس.

هذا شريح القاضي المعروف بالكوفة اشترى داراً وسيعة فأحضره أمير المؤمنين ووبخه باشترائه الدار وبذل الدينار الكثير، لان قاضي المسلمين لا بد أن يكون معيشته ومسكنه وملبسه متوسطة، حتى يقبل الناس قضائه وقوله.

كتب أمير المؤمنين - سلام الله عليه - الى عثمان بن حنيف عامله بالبصرة وقال له: سمعت انّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى وليمة، فأسرعت اليها تنقل اليك الجفان وتستطاب لك الالوان، وما اظن انك دعيت الى طعام قوم عائلهم محفو وغنيهم مدعو.

يقول الامام - عليه السلام - انك عاملى ووكيلي في البصرة، ولا بد أن

ص: 23

تعمل فيهم بسيرة الصالحين، ولا تكون عوناً وصديقاً لاهل الثروة والدنيا وتطرد الفقراء والمساكين عن حولك، هذا مما لا يليق بحكام المسلمين وامرائهم. قال العلاء بن زياد الحارثي لامير المؤمنين: ان اخي عاصم بن زياد قد ترك الدنيا ولبس الخشن وترك أهله وعياله وأولاده ولزم المسجد واشتغل بالعبادة.

قال أمير المؤمنين: عليّ به، فلما حضر عنده قال عليه السلام: يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت اهلك وولدك اترى الله أحل لك الطيبات، وهو يكره ان تأخذها قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك.

قال: ويحك! اني لست كأنت ان الله تعالى فرض على ائمة العدل أن

يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيغ بالفقير فقره، فظهر من هذه الكلمات ان الاستفادة من الطيبات في المأكل والملبس والمسكن مباح، ولكن ائمة المسلمين وحكامهم يعيشون كأدنى الرعية.

الشارح

هو السيد السند صدر الملة والدين ملك السادة والنقباء في القرن السادس علي بن ناصر الحسيني السرخسي - رضوان الله عليه - ، كان من اعاظم العلماء وأكابر المتكلمين، كما يظهر من رسالة فخر الدين الرازي اليه. من الاسف ما وجدنا له ترجمة في المصادر التي بأيدينا وما ندري انه - رحمه الله - في أي ارضٍ، ولد وفي اي مكان توفي، ولا نعلم ايضاً تاريخ ولادته ووفاته، والظاهر انه كان مقيماً بسرخس من بلاد خراسان، وله رئاسة وزعامة كما هو ظاهر من القابه.

كان من اهل الفضل والادب والعلم والكلام والحكمة، كما هو ظاهر من

ص: 24

شرحه على «النهج»، وكان له عناية وعلاقة بهذا الكتاب، وعنده عدة من الشروح مثل شرح الامام الوبري وشرح قطب الدين الراوندي وشرح قطب الدين الكيذري وقد اشرنا الى ذلك في التعليقات.

كان غرضه - رضوان الله عليه - من تحرير هذا الشرح شرح مشكلات «النهج البلاغة» وتفسير معضلاته، وحل معقداته وتوضيح بعض كلمات الامام امير المؤمنين - عليه السلام - في التوحيد والامامة، وخلق السماء والارض والملائكة والشبهات الواردة عن طريق المخالفين.

ثم ان فخر الدين الرازي نسبه في رسالته الى سرخس ونيسابور، يحتمل انه ولد في نيسابور واخذ العلم عن مشائخها، ثم ذهب الى سرخس وسكن بها، ويمكن انه ولد بسرخس ثم رحل الى نيسابور لطلب العلم، ثم قطن بها وصار

منسوباً اليه.

الكنتوري وعلي بن ناصر:

قال الكنتوري في «كشف الحجب»: ان علي بن ناصر اول شارحٍ لنهج البلاغة، وكان معاصراً للشريف الرضي مؤلف «نهج البلاغة»، ثم شاع ذلك واشتهر بين المؤلفين والمحققين والباحثين عن «النهج» ونقلوا عنه في كتبهم وآثارهم.

الظاهر ان الكنتوري لم ير هذا الكتاب، لانه لو يراه لوجد في الصفحة الاولى ان الشارح نقل عن الوبري والوبري هذا كان من اعيان القرن السادس، وكان معاصراً لعلي بن زيد البيهقي شارح «نهج البلاغة».

قال البيهقي في شرحه: وممن سمعت خبره وعاينت اثره ولم اره الامام احمد بن محمد الوبري الخوارزمي، وكذا نقل عن قطب الدين الراوندي وقطب الدين محمد بن الحسين الكيذري، كما ترى القارون في مطاوي هذا الشرح.

ص: 25

اظن ان مدير مكتبة رضا برامفور من بلاد الهند كان يكتب اسماء الكتب المخطوطة، ويرسل الى مؤلف «كشف الحجب»، وهو يثبتها في كتابه اعتماداً عليه والخطأ نشأ من مدير مكتبة رضا، لانه رأى في هذا الكتاب عبارة قال: السيد المصنف زيد عزه وعلوه فزعم ان المقصود من المصنف السيد الرضي، ولو تأمل في العبارات والالفاظ لعلم ان المقصود منه، هو الشارح.

رسالة فخر الدين الرازي الى السرخسي:

كتب - رضي الله عنه - الى السيد الكبير صدر الدين علي بن ناصر السرخسي النيسابوري رحمه الله.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

رأيت في السفر الخامس من التوراة ان الله سبحانه وتعالى قال لموسى عليه السلام: يا موسى أحبب ربك بكل قلبك، وانا أخبر سيدي وسندي ومولاي الصدر الاجلّ المبجل السيد السند، الطاهر الظاهر، التقي النقي صدر الملة والدين وشمس الاسلام والمسلمين، ملك السادات، افتخار العترة الطاهرة، قدوة المحققين في العالم.

خصه الله من السعادات القدسية والكرامات العلوية بأكمل درجاتها وافضل غاياتها بأني أحبه من صميم قلبي وأُحب أني أُحبه وأبغض ان لا أُحبه، وكيف لا وقد دلت البراهين اليقينية على انه لا يجوز أن يكون كل محبوب محبوباً لغيره، والالزام الدور والتسلسل.

بل لا بد من الانتهاء الى ما لا يكون محبوباً لذاته، ومطلوباً لماهيته وحقيقته، واحق الاشياء بان يكون كذلك الكمال، فدل بهذا البرهان على ان الكمال محبوب لذاته والكمال اللايق بالنفس البشرية والفطرة الانسانية، هو

ص: 26

العلم الناجح والعمل الصالح.

قال الخليل: رب هب لي حكماً والحقني بالصالحين، الحكمة العالية، ومن تحصيل الاستعداد في جوهر النفس الناطقة المطهرة لقبول هاتين الصفتين والاستكمال بهاتين السعادتين، الا اذا كانت النفس مشرقة الجوهر، طاهرة الطينة عالية العنصر علوية الغريزة ولا اقول كلاماً على سبيل التجزيف والتحريف.

ثم أدعي اني وجدت نفسه النفيسة موصوفة بهذه الصفات، واصلة الى درجات الكمالات الى اقصى الغايات وابلغ النهايات والشعور بالكمال، من حيث انه كمالٌ يوجب جمالاً تقبل الزوال والانحلال، فلهذا السبب الاصلي والموجب الجوهري، حصلت هذه المحبة الروحانية والعلاقة النفسانية.

مثل هذه المحبة لا يضعف اركانهم ولا ينهدم بنيانها، بسبب تباعد الاجساد

واضطراب احوال عالم الكون والفساد، فان السبب اذا كان مبرأ عن قبول التغيرات مبعداً عن اوضار عالم الجسمانيات، كان المسبب من الباقيات الصالحات، وهذا باب فيه اطناب لارباب الالباب.

اقول: لقد فضل الله تعالى عليّ بالدخول في ديار الهند مرتين، والحضور في معركة الطائفتين المتقابلتين وقويت موجبات الآفات وعظمت اسباب المخافات، وكنت غافلاً عن كيفية استدادها والتيامها غير واقف على استكمالها وانتظامها.

الا ان الله تعالى برحمته التي لا يتوقف سطوع نورها على حيل المتحالين اجتهاد الطالبين، عصمني من تلك المحنة العظيمة والآفات الجسيمة، وانا الآن ساكن في خطة هرات افاض الله عليها انواع الخيرات، ولقد ارشدتهم الى دلائل التنزيه والتوحيد.

فقبلوها ولم يتمردوا عن الانقياد لها، ولو لم يكن الا هذه النعمة العظيمة

ص: 27

والمنحة الجسيمة من الله في حق هذا الفقير الكسير، لما قدر على الوفاء بشكرها وذكرها، والحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور.

من جملة المكتوبات التي الفق تلفيقها وتنميقها في هذه الاسفار المتوالية المتواترة «شرح عيون الحكمة» للشيخ الرئيس اعلى الله درجته، ولقد ارسلت منها نسخة الى تلك الحضرة الشماء رفع الله اعلام مواليها الى عنان السماء.

حامل هذه الرقعة الشيخ الامام ركن الدين سيد العلماء حرس الله قدره، رجلٌ حسن السيرة، مرضي الطريقة، بعيد عن الموذيات، محترز عن السيئات، طراز ملك الخيرات الفوز بخدمته والاستعداد بالوصول الى بساط حضرته وفي الكلام كثرة، ولكن في الطبع اللطيف ملالة، ويختم الكلام بالحمد لله الذي لا نهاية له والشكر الذي لا غاية له لذي الجلال والاكرام.

الحمد لله على نعمة الاسلام والصلوة على محمد وعلى آله في الليالي والايام.

كان قد كتب على ظهر الكتاب هذا الفصل:

لقد كنت اردت أن اكتب هذا الكتاب (1) بخطي وان أُبالغ في تصحيحه وتنميقه حتى لا تتضاعف الزحمة لسبب اختلال الكلام، الا ان الشيخ نحيفٌ، والنسخ ضعيفٌ، وليس مع العجز تكليف وكان لي واحد من الاصدقاء الموصوفين بالصدق والصفا المحترزين عن الريبة والرياء.

يقال له يحيى بن شافعي المزدقاني، وكان قد كتب لنفسه هذه النسخة، وزعم انه سعی في تصحيحها وتسديدها، فأخذتها معه وارسلتها الى تلك الحضرة التي هي منشأ الخيرات ومنبع السعادات وارجو من الله ان تقع من تلك، الحضرة بعين القبول.ة.

ص: 28


1- يعني به شرح عيون الحكمة.

لقد صنفت تفسيراً كبيراً لعله يبلغ الفاً وخمسمائة جزء، واكثر، وتيسرت مباحث علوية ودقائق يقينية وحقيقية في تفسير تلك الآيات والسور قريبة من المعاني والحقائق مبرأة عن اوضار السور ولئن ايد الله التوفيق والتسديد، فلعلي اقدر ان ارسل شيئاً من تلك المجلدات ليضاف اليّ بأسبق من أنواع الابرامات، والله ولي لكل الخيرات.

رسالة صدر الدين في جوابه:

أجاب السيد صدر الدين علي بن ناصر الحسيني وقال:

لا زالت عين الله تعالى على عالي صدر مولانا ولي النعم فخر الملة والدين، حجة الاسلام والمسلمين، علامة العصر، ملك العلماء، محيي العلوم، افتخار العالم، وصرف عنه عين الله، وساق اليه وفود الاقبال وزف اليه من منحه ما تحسر دونه مطامح الابصار، ويقصر عنه مطامع الآمال.

تكفل عن طلبة العلم احسان جزائه شرح كتاب «عيون الحكمة»، فكم قد فجر منه عيوناً لطف مواردها، تقسى غلة الصادين في بيداء الحيرة برد زلالها ونتف فوائدها تذكي مشكاة الهداية للخابطين في ظلماء الضلالة بذبالها.

فإن قلت انها تقر عيون الناظرين لعين الانصاف، فما جسرت ولا شططت، وإن قلت انها تسخن عيون المائلين الى الانحراف، فلا حقاً جهدت ولا لفظت، وفيما خصص مولانا أدام الله علاه عبده بإهداء هذا الكتاب اليه مشفوعاً بكتابه الكريم.

الذي هو عنوان الحكم وبنيان الكرم، انعام يعي شقاشق الفصحاء، عن شکره وینسی دقائق البلغاء في عذره.

لقد لفظ البحر الخضم بدرةً *** اليّ َغدت تزهو على نخب الدر

فلم يبق قدر للدراري عندها *** ولكن تخطي هامها شرفاً قدري

ص: 29

لمولاي فخر الدين عندي النعم *** لأيسرها قد خاف ذرعي بالشكر

فكم خطة عمياء عني فرجت *** بتبيينه الحربي على ساطع الفجر

اخو الخاطر الوداد لم تبق عقدة *** من العلم الا حلها هو بالفكر

هذا ولو لا لهج الدهر الخؤن لضرب الاسداد بين الطالب والمراد، وشعف الزمن الحزون بقطع الامراد دون المرتاد والمراد، لامتطيت ولو غارت الشمال، واختطبت ولو حافاً على النعال، ابتداراً الى حضرة قد عكفت جنود الملأ الأعلى ووقف عليها وفود الآيات الكبرى.

ففيها الفوز بالحسنى ونبل سعادات الاولى والاخرى، والرقى الى الدرجة القصوى، وثم مراتع العلم ما هولة معمورة ومراتع الفضل مطلولة ممطورة، ولكن العوائق الضرورية لا يخفى على الرأي العالي المولوي، قد قصت قوادم هوائي و ... حوافي منابي، فتخيل ما شئت من تحسر وتلهف وتصور ما شئت من تحنن وتاسف.

وصرت كبار الجو قص جناحه *** یری حسرات كلما طار طائر

يرى طائرات الجو يخفق حوله *** ويذكر اذ ريش الجناحين وافر

فالعبد وان قصرت يداه عن اختراف مخارف محاوراته، والاعتراف من مغارف مباحثاته، فهو دائماً مقتبس من انوار مصنفاته ما عسى يتحلى به للفكر المرام وملتمس من بحار مؤلفاته ما عسى يتحلى به في النظر الافهام.

والله المأمول في تسهيل ادراك تلك الخدمة، وهو المسئول به في تحويل تلك النعمة في اقرب الاوقات على احسن الحالات، والهيآت انه على ما يشا قدير وبالاجابة جدير.

وجدت رسالة فخر الدين الرازي الى صدر الدين علي بن ناصر في مجموعة خطية عتيقة محفوظة في مكتبة جامعة طهران، راجع فهرس المكتبة ج 4 ص 705.

ص: 30

نسخ الكتاب:

عندي نسختان مصورتان من اعلام «نهج البلاغة» تأليف صدر الدين ملك السادة و النقباء علي بن ناصر الحسيني السرخسي - رضوان الله عليه.

أحدهما من نسخة في المكتبة الوطنية بكلكته من بلاد الهند، وعدد أوراقها 154، وفي كل صفحة 25 سطراً بقطع متوسط كتبها يحيى بن أحمد بن علي الروشي في ضحوة نهار الاحد في شهر ذي الحجة الحرام سنة ست وسبعين والف 1076.

الثاني من نسخة في مكتبة رضا علي خان نواب رامفور من بلاد الهند أيضاً عدد اوراقها 139، وفي كل صفحة 18 سطراً بقطع صغير وخط متوسط.

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.

خادم العلم والدين عزيز الله العطاردي

طهران - يوم الجمعة 15 شعبان من سنة 1414

يوم ميلاد الامام المهدي عليه السلام الموافق 1372/11/8

ص: 31

ص: 32

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اللهم اُعن.

الحمد لله الذي نجانا من مهاوي الغي وظلماته، وهدانا سبيل الحقّ بآیات آياته، الواحد الذي ضلّت عقول العقلاء ذوي الحقائق الباهرة في تعريف ذاته وكلّت الفصحاء ذوي الشقاشق الهادرة عن تقرير صفاته، قصت قوادم التفكر في معرفته والى حلق (1) الى غاياته، وأرمض جواد الخاطر في طلب إدراكه بسعة خطواته، وحسرت أبصار البصائر دون استشراف سبحاته، المبدع الذي استبدّ في ابداع ملائكته وسمواته، المحسن في ترتيب عناصر العالم وما حوى من مخلوقاته.

بعث النبييّن مبشرّين ومنذرين بكتبه وبيّناته، وأوعد عباده ووعدهم بنيرانه وجنّاته، وأفاض عليهم نعمه، وحذّرهم نقماته، وميزّ الانسان عن ساير الحيوانات بنطقه، وأحسن هيئاته وأنشاء من ضئضى العرب نبياً جعل فصاحة كتابه من معجزاته، وقرن للابتلاء بين متشابهاته ومحكماته، وجعل صنوه عليّاً مستودع أسرار نبيّه وتبيانه، ومحدع (2) نفائس درر کلماته، ودعا النبي - صلى الله

ص: 33


1- كذا.
2- كذا.

عليه وآله - بموالاته على موالاته، ومعاداته على معاداته، وعلى كلامه مسحة من الهام الله إيّاه في نفثاته، و «نهج البلاغة» يشهد له بأعلى درجاته.

قال السيد الأجل المصنف زيد علوّه وقلت في عنفوان عمري:

لله درّك يا نهج البلاغة من *** نهج نجا من مهاوي الغيّ سالكه

أودعت زهر نجوم ضلّ منكرها *** وحاد عن جدد غيّاً مسالكه

لأنت درّ ویالله ناظمه *** وأنت نضر و يالله سابکه

دعاني ولوعي مع ضيق رباعي الى شرح مشكلاته، وحداني حرصي عليه مع ضيق رباعي الى كشف معضلاته والاعراض عن التعرّض لجليّاته وسميته «اعلام نهج البلاغة»، للاهتداء بها في متاهاته، والله أستعين في اتمامه وحل

معقداته، وأساله أن يصليّ على خير خلقه محمد وآله بأفضل صلواته.

ص: 34

باب المختار من خطب أمير المؤمنين - عليه السلام - وكلامه

(الخطبة - 1)

قالَ عَلَيهِ السّلام في الخُطبة الأولى: لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌ مَحْدُودٌ وَلا نَعْتٌ مَوجُودٌ، وَلا وَقت مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ.

قال الامام الوبري: معناه لا نهاية لكونه مختصاً بصفات ذاته لأنّه قديم، فكما لا بدّ من أن يكون قديماً لم يزل فلا يزال لا بدّ أن يختصّ بصفات ذاته.

قوله عليه السلام: لا نَعْتٌ مَوْجُودٌ.

المراد به ولا منعوت لأنّ قولنا: موجود، فلا بدّ من صرفه الى منعوت أو ذي نعت على تقدير حذف المضاف، فمعناه لا مثل له في ما يختصّ به من صفات ذاته.

قال السيد المصنف زيد علّوه: أقول إن صفة الشيء، انما تطلب وتذكر لمعرفة الشيء وتعريفه، كمن لا يعرف الانسان، فيقول لك صف لي الانسان لأعرفه، فلا بدّ لك من أن تذكر له الأوصاف الخاصّة بالانسان في تعريفه، وتلك الأوصاف تكون متناهية ومحدودة، لا محالة، فيكون لها حدّ محدود، ولو ذكرت أوصافاً لم يحصل لك بها معرفة الانسان، إستقام له أن يقول لك لم

ص: 35

تصف الانسان وليس لله تعالى صفة لو اقتصر على ذكرها حصلت بها معرفة الله تعالى على ما هو به من حقيقته وذاته، وماهيته وأية صفة ذكرت، ولم تضيع بها طلبت صفة اخرى، وهلم جرا.

فلا يكون لصفته حدّ محدود، فلا يمكن أن يعين في تعريفه صفة، فيكون منتفية بالضرورة، لأنّ ما سوى الله تعالى لا يثبت في الذهن إلّا بالوصف المعرّف، ثبوت الله تعالى بالدليل لا بالوصف ولا يمكن أيضاً أن يعرف تلك الصفة بنعت لانتقالها، ولا يمكن أيضاً أن يصف بتلك الصفة المنفية في وقت والى أجل يثبت تلك الصفة في ذلك الوقت ينتهي الى ذلك الأجل.

قالَ فيها عَلَيهِ السَّلام: وكمالُ الإخلاصِ لَهُ نَفْيُ الصّفاتِ عَنْهُ، لِشَهادَةِ كُلّ صِفَةٍ أَنَّها غَيْرُ الْمَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَف اللهُ سُبْحانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ تَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّاهُ فَقَدْ جَهِلَهُ.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علّوة: قد قلنا فيها قبل أنّ الصفة تطلب لتعريف الشيء، فلا بدّ من أن يكون غير الموصوف ليصح التعريف بها، لأنها لو كانت نفس الموصوف ... التعريف تعرف الشيء بنفسه، وذلك لغو وخطأ، وقد اكّد - عليه السلام - بهذا المعنى بقوله: لشهادة كلّ صفة إنها غير الموصوف الى اخره، وها هنا دقيقة لا بدّ من معرفتها، وهي أنّ الصفات تستعمل على عدّة وجوه، فانه يقال: لكلّ هيئة قارة متمكنة في ذات الشيء، كالالوان والأشكال صفة، ويقال أيضاً للمعاني السلبية صفات، كما يقال: واجب الوجود لذاته، أي الذي لا علّة لوجوده والواجد بذاته، أي لا شريك له، ويقال للمعاني الاضافية أيضاً: صفات كالعالمية والقادريّة وغيرهما، فانّ كون الشيء عالماً أو قادراً ليس شيئاً وراء ذاته بل معناه مجرّد اتصاله ونسبة له الى أشياء خارجة عن ذاته.

ص: 36

كأنّ هذه المعاني التي ليست هيأتٍ متمكنة في ذات الشيء، وليست غيرها ليست صفات حقيقية أو في المعاني السلبية، فهذا ظاهر وكذلك الاضافة، لأنّ كونك في يمين أو شمال ليس صفة وهيئة متمكنة في ذلك، والصفات الحقيقية هي التي تعرف بها حقايق الأشياء وماهياتها، وقد بيّنا انّ ما يعرف به الشيء، يجب أن يكون غير ذلك الشيء، والى هذا أشار - عليه السلام - بنفي الصفات، واذا تقرر هذا صدر ما في كلامه معلوماً.

ثمّ قال عَلَيهِ السَّلام: وَمَنْ أشارَ إلَيهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قالَ فِيْمَ؟ فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ عَلامَ؟ فَقَدْ أَخْلى مِنْهُ.

المراد من كلّ هذه الكلمات نفي الجهة والمكان عن ذات الله سبحانه، لأنّ الجهة منتهى الاشارة ومن كان في منتهى الاشارة يكون لا محالة محدوداً في حدّ لا يتجاوزه وكلّ محدود يكون معدوداً، لأنّه يحيط به حدود كثيرة وأقطار مختلفة، ومن قال في ماذا هو، فقد جعل له مكاناً يتضمّنه، واذا قال على ماذا هو فقد جعله عالياً على مكان، واذا جعله عالياً على مكان، فقد جعل ما تحته خالياً عنه.

ثم قال عليه السّلام: كائِنٌ لا عَنْ حَدَثٍ، مَوْجُودٌ لا عَنْ عَدَمٍ، مع كُلّ شَيْءٍ لا بِمُفَارَنَةٍ، وَغَيْرُ كُلّ شَيْءٌ لا بِمُزايَلَةٍ.

المراد بالاول اثبات القدم، ونفي الحدوث، وسبق العدم.

قوله عليه السلام: مَعَ كُلَّ شَيْءٍ: يعني لا يعرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وذلك لا حاطته بكلّ شيء علماً لا بالمقارنة الحسية.

قُوله عَليه السّلام: وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ إِلا بِمُزايَلَةٍ.

يحتمل معنيين أحدهما: إنه اذا كان مع كلّ شيءٍ لا يكون مزايلاً عنه، وإن كان غيره، والثاني انه لم يكن قبل شيئاً، فخلع صورته ومعناه، واكتسب

صورة اخرى، أي حقيقة اخرى، وزائل الحقيقة الأولى مثل الهواء اذا صار ماء،

ص: 37

فانه صار غير الهواء بمزايلة الصورة الهوائية وملامسة الصورة المائية.

ثم قالَ عَلَيهِ السّلام: وَلا هَمامَةِ نَفْسٍ أَضْطَرَبَ فيها.

يعني ليس له قوة يهمّ بشيءٌ ثم يردّد في ذلك كما يعرض للانسان من قوته المفكّرة والمتخيلة من الاضطراب والتردّد في الأمور.

ثُمّ قال عَلَيهِ السّلام: أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَ لَاءَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا وَ غَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَ أَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَ انْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَ أَحْنَائِهَا: ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَ شَقَّ الْأَرْجَاءِ وَ سَكَائِكَ الْهَوَاءِ.

فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَ الزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَ سَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَ قَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ وَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ.

أحال الاشياء: أي أرادها لاوقاتها، كلّ يدور مع الوقت اللايق به، ولاءم: أي جمع، وغرز غرائزها: أي عيّن طبايعها والزمها اشباحها: أي الزم الطبايع لاشخاصها.

وقوله عليه السّلام: عارِفاً بقرائِنُها وأحنائِها.

الأحناء: الجوانب، والمعنى أنه تعالى يعرف، ما يقارنها وما يجانبها، والأجواء: جمع جو، والمراد بسكائك الهواء فرجه. فَأَجْرى فيها ماءً متلاطماً تيّاره، يعني أجاز في فرج الهواء بحراً يتلاطم موجه.

حَمَلَهُ عَلى متن الرّيحٍ.

الضمير في حمله للبحر، يعني حمل الله البحر على متن الريح لتمسكه في الهواء ولا تميل الى السفل، والعاصفة الشديدة الهبوب، والزعزع: الريح التي تزعزع الاشياء، أي تحرّكها، والقاصفة: الكاسرة.

فَأَمَرَهَا بِردّهِ وَسَلَّطها عَلَى شِدّه. أي على جملته او على عدوه، وقرنها الى

ص: 38

حدّه، يعني جعل عمل الريح في البحر الى الحدّ الذي منع، فلا يقدر ان تفرق البحر وتجريه في المجاري المختلفة.

الهواءُ من تَحْتِها فَتيقٌ.

أي مفتوق من تحت الريح.

والبحرُ مِنْ فَوْقِها دفيقٌ.

بمعنى مدفوق، ويقال: ماء دافق بمعنى مدفوق، ولا يقال دفق الماء.

ثم قال عَليه السّلام: ثُمَّ أَنشَأَ سُبحَانَهُ رِيْحاً أَعْتَقَمَ مَهَبَّها.

أي جعل مهبها مختلفاً ملتوياً، يعني مختلفاً.

ثم قال عليه السلام: وَأَدامَ مَرَبَّها.

أي مجمّعها، يعني اذا هبّت هبّت متّصلة على نسق غير منفصل بعضها عن بعض.

ثم قالَ عليه السّلام: فَأَمَرَها بِنَصْفِيقِ آلماء الزَّخَارِ.

التصفيق: الضرب الذي يسمع له صوت، وتصفيق الشراب، أن تحوّله من إناء إلى اناء، والمراد منه تصفيته والريح يصفّي الماء، لانها اذا نحّت عنه الغبار والاقذار.

ثم قالَ عليه السّلام: تُرَدُّ اوّلَهُ على آخِرِه، وَسَاجِیَهُ عَلى مآئِرِه.

أي ساكنه على متحركه.

قالَ عَلَيه السّلام: فَمَخَضْتُه مَخْضَ السّقاءِ.

أي حركته الريح، والسّقاء: الوعاء من الجلدِ للّبن والماء.

قال عليه السَّلام: حَتّى عُبابُهُ، وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكامُهُ، فَرَفَعَهُ في هَواءٍ مُنْفَتِقِ، وَجَوَ مُنْفَهِقٍ، فَسَوّى مِنْهُ سَبْعَ سَمواتٍ، جَعَلَ سُفَلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفَاً، وعُلياهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكَاً مَرْفُوعاً، بِغَيرِ عَمَدٍ

ص: 39

يَدْعَمُها، وَلَا دِمَارِ يَنْتَظِمُها.

العباب: معظم الماء وكثرته، وعَبَّ عُبابُهُ: أي كثر وعظم، والركامة: المتراكم، والضمير في رفعه للبحر. فسوّى منه سبع سموات، یعنی خلق السموات من الماء، بعد ما حملته الريح وصفّته، وعملت به الاعمال المذكورة من قبل.

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلام: جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مُوْجاً مَكْفُوفاً.

يعني خلق السماء السفلى من موج البحر، فكفّه عن الحركة والميل الى السفل والسمك الرفع، والسمك ها هنا بمعنى المسموك، ودعم الشيء: أي جعل له دعامة، والدسار واحد الدسر وهي خيوط يشد بها الواح السفينة.

قالَ عَلَيه السّلام: وَأَجْرى فيها سِراجاً مُستَطيراً.

يعني به الشمس، واستطارتها: حركتها السريعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَسَقْفٌ مائِرٍ، وَرَقيمٍ سائِرٍ.

الماء المتحرك يحيىء ويذهب، والرقيم: الكتاب.

قال السيد الاجل المصنّف زيد علّوه: ولعلّه أراد به الفلك، لأنّ الله تعالى لمّا جعل حركة الفلك واتصالات الكواكب أسباباً لتجدّد الحوادث في العالم السفلائي، كان ذلك كالكتاب المرقوم، ولذلك وصفهُ بالسير.

قالّ عليه السلام في وَصْفِ المَلائِكَةِ - عَلَيْهُم السّلام - : فَمَلاهُنَّ أطْواراً.

أي أجناساً مختلفة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَتَلفِّعُونَ تَحْتَه بِأجْنِحَتِهِمْ.

أي متلخفون بأجنحتهم تحت العرش.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا يتوهَّمونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِیرِ.

يعني لا يقدرون له صورة في أوهامهم، ويعتقدون انّ ربهم على تلك

ص: 40

الصورة.

قالَ عَلَيهِ السلام: وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيهِ بِالنَّظائِرِ.

أي لا يعتقدون له مثلاً، فيشيرون إليه بأنّه نظير هذا.

قالَ عَلَيهِ السّلام فيها في صِفَةِ خَلْقِ آدَمَ: تُربَةٌ سَنَّها بالماء حَتَّى خَلَصَتْ.

ويُروى خضلت: أي رقّقها وملّسها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَلاطَها بِالْبِلَّةِ حتّى لَزبَتْ.

لاط الحوض بالطّين: أي ملطه به وطيّنه، ولزبت: أي يبست.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: صَوْرَةٌ ذَاتَ أحْيَاء وَوُصُولٍ.

الاحناء: الجوانب، والمراد بالوصول المفاصل المتصل بعض الاعضاء ببعض عندها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَاصْلدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ.

أي صلّبها حتّى جفّت وصَوتت والصلصال: الطين اليابس الذي يصلصل، وهو غير مطبوخ.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ثُمَّ نَفَخَ فِيها مِنْ رُوْحِهِ فَمَثُلَتْ إنساناً.

هذا على سبيل المجاز، ولان النفخ من الله سبحانه تعالى لا يكون الا الإفاضة والاعطاء، ولما كان العلم وإدراك الاشياء بواسطة الروح والعلم منسوب الى الله تعالى، فنسبت آلته الى ذاته بطريق المجاز، ولأنّ الروح أشرف الاشياء الموجودة في الانسان، وأعزّها ومن عادة الملوك إضافة الاشياء الشريفة العزيزة الى أنفسهم، فالله تعالى أضاف الروح الى ذاته اجراء الكلام على منوال التعارف، ولهذا نظاير كثيرة في القرآن، فمثلت إنساناً: أي انتصبت قائمة.

قالَ عليه السّلام: وَجَوَارحَ يَخْتَدِمُها.

أي يتّخذها خوادم.

ص: 41

قال عليه السلام: مَعْجُوناً بِطینَة الألوانِ المُخْتَلِفَةِ، وَالأشباهُ المُؤْتَلِفَةِ، وَالأضْدَادِ المُتعادِيَةِ وَالأَخْلاطِ المُتباينة.

المراد بالألوان الاشياء الموجودة، ولا شكّ في أنّ الانسان خلق من اشياء مختلفة، ونعني بالاشياء المؤتلفة: أنّ الله تعالى خلق لكلّ عضو من اعضاء الانسان غذاءً يشبهه ويأتلف به، والاضداد المتعادية: هي الأركان، والاخلاط المتباينة: هي الاخلاط الأربعة التي لا يخلو الانسان عنها، وطبع كلّ واحد يباين طبع الآخر.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: واسْتَادَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَدِيْعَتَهُ لَدَيْهِمْ.

يعني طلب الله تعالى منهم اداء وديعته، وهي ما عهد إليهم أن يسجدوا لآدم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيْسَ وَقَبِيلَهُ، اعتَرَنْهُمُ الحَمِيَّةُ.

القبيل: الجماعة من ثلاثة فصاعداً من قوم شتّى من العرب والروم والزنج، فيجوز انّ الله تعالى خلق شياطين مختلفة كانوا قبيل ابليس، واعترتهم:

أي غشيتهم، ويقال: حميت عن كذا حمية ومحمية: اذا أنفت منه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَاسْتَوهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالٍ، فَأَعْطَاهُ اللهُ النَّظِرَةَ.

إنما انظره الله تعالى لاستحقاقه بسخط الله ليعذّبه في الآخرة وعذاب الآخرة أشد، او ليزداد بسخط ربه بفعل بعد ذلك.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: فَاغْتَرَّةُ ابْليْسَ نَفاسَةً عَلَيْهِ بِدارِ الْمُقامِ.

أغترّه إياه على غرّة: أي غفلة، ويقال: نفس عليه الشيء: اذا لم تره تستأهله.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: فَباعَ اليَقِينَ بِشكَّهِ، وَالعَزيمةَ بِوَهنِهِ.

يقينه: علمه عداوة الشيطان، بقوله تعالى: انّ الشيطان لكما عدو مبين، وشكّه: ظنّه أن الشيطان صادق في قوله: «اني لك ناصح» قال تعالى:

ص: 42

«وقاسمها اني لكما لمن الناصحين»، والعزيمة: الجدّ في الامر والقطع عليه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحانَهُ لَهُ فِي نَوْبَتِهِ، وَلَقَاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِه.

يعني وعد الله تعالى قبول توبته وكلمة رحمته: إشارة الى قوله تعالى:

«فتلقّی آدم من ربه كلمات» وهنّ قوله عليه السلام، «ربنا ظلمنا أنفسنا».

قالَ عَلَيهِ السّلام: واجْتالَهُمْ الشَّيَاطِينَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وفي بعض النسخ إختالَتْهم بِالحِاء.

إجتالتهم: أي اعترتهم، وان كانت الرواية بالحاء صحيحة، فالوجه فيها ان يكون احتال بمعنى حال عن العهد واحتال به: بمعنى حوّله، فها هنا أسقط الحرف الجار وأوصل الفعل.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لِيَسْتَادُوهُم ميثاق فِطْرَتِهِ.

أي ليغلبوا منهم اداء فألزمهم من ميثاق خلق الله، وهو قوله جلّ و عزّ:

وما خلقت الجنّ والانس إلّا ليعبدون.

قالَ عَلَيهِ السّلام: رُسُلٌ لا تُفَصِّرُ بِهِمْ قِلّهُ عَدَدِهِمْ.

معناه لا يعجزهم من قولهم: قصرت عن الشيء قصوراً: أي عجزت عنهم ولم أبلغه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ. أي موسعاته و فرايضه.

قال عليه السلام: بَيْنَ مأخُوذٍ مِيَثاقُ عِلْمِهِ، وَمُوسَّعٍ عَلَى العِبادِ في جَهْلِهِ.

يعني الفرايض والنوافل.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَبَيْنَ واجِبٍ لِوَقْتِهِ، وَزايل في مُسْتَقْبَلِهِ.

يعني العبادات المؤَقتة المفروضة في أوقات معينة.

ص: 43

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَبَيْنَ مَقْبُولٍ في أدْناهُ، وَمُوَسّعٍ في أَقْصَاهُ.

يعني قراءة سور القرآن وآياته، والصدقة.

قالَ عَلَيهِ السلام: ويَالهُونَ إلَيهِ.

أي يفزعون اليه، وأصله وله، ولذلك قال: بعده ولوه الحمام.

(الخطبة - 2)

قال عليه السلام في خطبةٍ بعد انصرافه من صفّين:

واسْتِسْلاماً لِعزَتِهِ أي انقياداً.

قالَ عليهِ السّلام: وَلا يَئِلُ مَنْ عاداهُ.

أي لا يلجأ، يعنى لا يجد ملجأ.

قالَ عَلَيهِ السّلام: مُعْتَقَداً مُصَاضُها.

المصاص: خالِصُ كُلّ شيء.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَإنّها عَزِيمَةُ الإيمانِ.

عزيمة كلّ شيء محكمه والمقطوع به.

قالَ عَليه السّلام: وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ.

أي مطردته، والدحور: الطرد والاقصاء.

قالَ عَليهِ السّلام: وَالْعَلَمِ المَاثُورِ.

يعني ما علّمه الله تعالى من أحوال من قبله وأسرارهم.

قالَ عليه السّلام: إزاحَةً لِلشَّبِهاتِ.

أي إبعاداً وإذهاباً لها.

قالَ عليهِ السّلام: وَتَزَعْزَعَتْ سَواري اليَقينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ.

تزعزعت: تنحّت والسواري: جمع سارية وهي الاسطوانة والنجر: الاصل والحسب.

ص: 44

قالَ عَليهِ السّلام: فانْهَارَتْ دَعائِمُهُ.

أي انهدمت أعمدته.

قالَ عَليه السّلام: وَعَفَتْ شُرُكُهُ.

الشُّرُك: جمع الشراك، وهو معظم الطريق.

قالَ عَليهِ السّلام في آل النبي - صَلَّى الله عليه وآله - : هُمْ مَوْضِعُ سِره، وَلَجَأَ أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ، وَمَؤئِلُ حِكَمِهِ.

اللّجأ: الملتجأ، العيبة: ما يجعل فيه الثياب، والموئل: الملجأ و المراد بالحكم: الحكمة و الولاية.

(الخطبة - 3 وهي المعروفة بالشقشقية)

قالَ فيها عَلَيهِ السلام: أما وَاللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَها فلانّ، وَأَنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلّي مِنْها مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِر عَنِّي السَّيْلُ، وَلَا يَرْقَ إلَىَّ الطَّيْرُ؛ فَسَدَلْتُ دُونَها ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْها كَشْحاً.

تقمَصها: لبسها، وقطب كلّ شيء: ما تدور عليه، كقطب الفلك، وقطب الرحى: حديدة تدور عليها الرّحى، ثم ذكر بعد مداه و ارتفاع قدره و علوّ رتبته، وامتناع جانبه عن أن يلحقه مبار و فخار بقوله: ينحدر عنّي السّيل ولا يرقى اليّ الطير، لأنّ السيل لا يستقر على البقاع العالي ولا يعجز الطير عن الترقي إلا العلوّ البالغ الى أقصى درجات العلوّ كالسماء مثلاً، فسدلت: أي أرخيت، وطويت عنها كشحاً: أي أعرضت عنها، والكشح: ما بين الخاصرة، والضلع الخلف.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وطَفِقْتُ أرْتَإي بَيْنَ أنْ أصول بيدٍ جَذّاءَ، اوْ أصْبِرَ عَلى طَخْيَةٍ عَمْباءٌ، يَهْرَمُ فيها الكبيرُ وَبَشِيبُ فيها الصَّغيرُ، وَيَكْدَحُ فيها مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.

ص: 45

طفق يفعل كذا: أي جعل يفعل، وأرتاي: أي أدبر واجيل رأيي، بين أن أحمل بيد جذّاء: أي مقطوعة، يريد به قلة الناصر، وبين أن أصبر على طخية عمياء: أي ظلمة مظلمة.

يقال: ما في السماء طخيةٌ: أي شيء من السحاب، وانما توصف الظلمة بالعمياء للمبالغة، لأنه لا يبصر فيها شيء، وهذا من اطلاق اسم المسبّب على السبب بطريق المجاز، والهرم يكون بعد الشيب والشيب بعد الكهولة، والمراد طول زمان تلك الطخية وامتداده، ويكدح أي يسعى ويدأب حتى يلقي ربّه، ولم يعط حقه.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هاتا أحْجى.

أي أحرى.

قالَ عَليه السلام: فأدلى بِها إلى.

يعنى دفعها اليه يقال: أدلى بماله الى الحاكم: أي دفعها اليه. ثم تمثّل فقال عليه السلام:

شَتّانَ ما يَوْمِي عَلى كُورِها *** ويَوْمُ حَيّانَ أخي جابِرِ

يقال: شتّان ما عمرو وأخوه أي بعد ما بينها، قال الأصمعي: لا يقال شتّان ما بينهما، فقيل له: ما تقول في قول الشاعر:

شتّان ما بين البزيدين في الندى *** یزید سليم والاغر بن حاتم

يعني يزيد بن اسيد السلمي، ويزيد بن حاتم المهلبي، فقال: هذا الشعر ليس بججة انما هو مولّد، والحجة قول الأعشى: وهو شتّان ما يومي على كورها، ويوم حيّان الى آخره، وشتّان مصروف عن شتت، فالفتحة التي في النون هي الفتحة التي كانت في التاء لتدلّ على أنه مصروف عن الفعل الماضي، وكذلك سرعان وشكّان، مصروف من سرع وشك.

ص: 46

تقول: وشكّان ذا خروجاً وسرعان ذا خروجاً، وشتّان يعمل عمل الفعل، وإن كان اسماً ومعناه بعد ما بين يومي على كورها ويوم حيّان، ويجوز أن يكون فاصلة ويومي فاعل شتّان ويوم حيان معطوفاً عليه، والمعنى يعد يومي ويوم حيّان كلّ واحد عن الآخر.

انما عنی به - عليه السلام - حاله مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - وبغيرها بعده والبيت للاعشى و معناه ما ابعد ما بين يومين مرا علىّ يوم ركبت ناقتي وقاسيت مشقة السفر، ويوم استقر بي المكان عند حيّان في خفض عيش ودعة وكرامة وجائزة يمدحه، ويشكره وحيّان كان وحيان كان من سادات بنى حنيفة، وروي أنه عتب على الأعشى، لأنه نسبه الى أخيه مع استغنائه بشرفه عن ذكر أخيه، فاعتذر الأعشى بان القافية ساقته الى ذلك، فلم يعتذر. قال عليه السّلام: فَيا عَجَباً هُوَ يَسْتَقیْلها في حَياتِهِ! إِذْ عَقَدَها لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

بينا: فعلى من البين، اشبعت الفتحة فصارت ألفاً تقول: بينا نحن نرقبه أتانا، وتقدير هذا الكلام بين اوقات نحن نرقبه أتانا بين أوقات رقبتنا إياه، والاستقالة: طلب فسخ ما شرع فيه تقول: استقلته البيع فأقالني إياه، كان الأول يقول: أقيلوني اذ لست بخيركم.

قالَ عَليه السّلام: مَا تَشَطَّرا اضَرْعَيْها.

شطر الشيء: نصفه وفي المثل أحلب حلباً لك شطره، وللناقة خلفان قادمان وآخر إن كلّ خلفين شطر.

قالَ عَليه السّلام: فَصَيَّرها في حَوْزَةٍ خَشْنَاء.

الحوزة: الناحية.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَصاحِبُها كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ اشْنَق لها خَرَمَ،

ص: 47

وَإِنْ أَسْلَسَ لَها تَقَحَّمَ.

الصعبة: الناقة التي لم تذلّل، قال السيد الرضي - رضي الله عنه - : يريد بذلك أنه اذا شدد عليها في جذب الزّمام، وهي تنازعه رأسها خرم انفها، وإن ارخى لها شيئاً مع صعوبتها، تقحّمت به: علم بمثلها.

يقال: اشنق الناقة، إذا جذب رأسها بالزَمام فرفعه، وشنقها أيضاً، ذكر ذلك ابن السكّيت في «إصلاح المنطق»، وانما قال عليه السلام: أشنق لها، ولم يقل أشنقها أنّه جعله في مقابلة قوله عليه السلام: «أسلس لها» فكأنّه - عليه السلام - أراد موازنة الكلام، ومعنى ما قال عليه السلام: ان رفع لها رأسها بالزمام، يعني أمسكه عليها.

قالَ عليهِ السّلام: فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللهِ بِخَيْطٍ وَشِماسٍ، وَتَلُوُّنٍ وَاعْتِراضٍ. فني: أي ابتلى، ولعمر الله: معناه أحلف ببقاء الله، ودوامه من قولهم: عمر الرجل بالكسر عمراً، وعمراً: أي عاش زماناً طويلاً، والمراد بالخبط: السير على غير جادّة، والاعتراض أيضاً عدول عن الجادّة، وذهاب في عرض الطريق، والشماس: منع الفرس ظهره.

قالَ عَليه السّلام: جَعَلَها فَي جَماعةٍ زَعَمَ أنّي أحَدُهُمُ.

الجماعة: طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان و عليّ - عليه السلام - ، وهم أصحاب الشورى.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فباللهِ وَ للشَّورى.

اللاَم في لله مفتوحة لأنّها لام التعجّب، والشورى: المشورة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لكِنّي أسْفَفْتُ إِذْ أَسَفّوا.

أسفّ الطاير إذا دنى من الأرض في طيرانه.

قالَ عليهِ السّلام: فَصَغى رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِةٍ، وَمالَ الآخَرُ

ص: 48

لَصِهْرِه، مَعَ هَنٍ وَهَنٍ.

صغي: أي مال، يعني صغى سعد لحقده، ومال عبد الرحمن الى عثمان لمصاهرة بينهما، وهي أنّ عبد الرحمن كان زوج أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وامّها أروى بنت كريز كانت امّ عثمان، وقال عمر للناس: كونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فقال العباس - رضي الله عنه - لعليّ - عليه السلام - : ذهب الأمر منا.

فقال علي عليه السلام: إني أعلم ذلك، ولكنّي أدخل معهم في الشورى لأنّ عمر قد استاهلني الآن للامامة، وكان من قبل يقول إنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: إنّ النبوة والامامة لا يجتمعان في بيت، وإني لأدخل في ذلك ليظهر انه كذب نفسه بما روى أوّلاً، وهن: على وزن أخ كلمة كناية، ومعناه شيء أو أصله هنو.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: نَافِجاً حِضْنَيهِ، بَيْنَ نَثيْلِهِ وَمُعْتَلَفِةٍ.

يقال: نفج ثدي المرأة قميصها، أي رفعه والحضن: ما دون الابط إلى الكشح، والنثيل: الرّوث.

قالَ عَلَيهِ السّلام: يَخْضِمُونَ مال اللهِ تعالى.

الخضم: الأكل بجميع الفم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: إلى انْتَكَثَ عَلَيهِ فَتْلُهُ، وَاجْهَزَ عَلَيهِ عَمَلُهُ.

إنتكث: إنتقض، ويقال: أجهز على الجريح، اذا أسرع قتله.

قالَ عَليه السّلام: فما راعَني إلّا والناسُ إِلَيّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّى لَقَدْ وُطىء الحَسَنانِ، وَشُقَّ عِطافي مُجْتَمِعِيْنَ حَوْلِي كَرَبيْضَةِ الْغَنَمِ.

أي فما خوفني إلّا والناس متوجهون إليّ ارتعالاً، كعرف الضّبع بعضهم في أثر بعض ينثالون: أي ينصبون، والعطاف الردا والربيضة: مأوى الغنم،

ص: 49

يعني أنّ الناس أحاطوا بي كما تحيط الربيضة بالغنم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرى.

نكثت: نقضت العهد طايفة بايعوه، ومرقت من مرق السهم من الرميّة، أي خرج من الجانب الآخر، ومنه سمّيت الخوارج مارقة، وفسق آخرون: أي

خرجوا عن دينهم بعداوته.

قال عليه السلام: وَلَكنَّهُمْ حَلِیَتِ الدُّنْيا في أَعْيُنِهِمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُها.

حليت: زينت، وراقهم: أعجبهم، والزبرج: الزّينة.

قالَ عَليه السّلام:اَما وَالَّذى فَلَقَ الْحَبَّةَ، وبَرَءَ النَّسَمَةَ، لَولا حُضُور الْحاضِرِ، وَ قیامُ الْحُجَّةِ بِوجُودِ النّاصِرِ، وَ ما اَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَماءِ اَنْ لا یُقارّوا عَلى کِظَّةِ ظالِم، وَ لا سَغَبِ مَظْلوم، لاَلْقَیْتُ حَبْلَها عَلى غارِبِها، وَلَسَقیتُ آخِرَها بِکَأسِ اَوَّلِها، وَلاَلْفَیْتُمْ دُنْیاکُمْ هذِهِ اَزْهَدَ عِنْدى مِنْ عَفْطَةِ عَنْز.

فلق: شقَ، وبَرء: خلق، والنسمة: النفس.

قوله عليه السلام: لولا حضور الحاضر يعني به أن قعودي في أوّل الأمر كان لقلّة الأنصار، واليوم هم حاضرون فلا عذر لي في التقاعد، لقيام الحجة، على أن لا تقارّوا: أي لا تصبروا على امتلاء الظالم من مال الحرام، وجوع المظلوم، والكظّة: شيء يعتري من كثرة الأكل.

الغارب: مقدم السنام والمراد بالقاء الحبل عليه ترك التعرّض لها، والأصل فيه أن يلقي حطام البعير على غاربه، ويسرح حتّى يرعى كما يشاء.

قوله عليه السلام: لسقيت آخرها: يعني لقعدت عنها، وأعرضت عن التعرّض لها اليوم كما فعلت في أوّل الأمر، وأزهد: أي أقل والعفطة: نثرة الضّان بأنوفها.

ص: 50

قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين! لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت حذف جواب لو لكونه مفهوماً، وأطرد الشيء، اذا تُبع بعضه بعضاً، وأفضى اليّ فلان بسرّه، وأفضى: خرج إلى الفضاء.

فقَالَ عَلَيْهِ السّلام: تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ، ثُمَّ فَرَّتْ.

الشقشقة: شيء كالمرة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وهدر البعير: إذا

ردّد صوته في حنجرته.

(الخطبة - 4)

قالَ عَليه السّلام في خُطْبَةٍ أُخْرى: وتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ العَلياء، وَبِنا انْفَجَرْتُمْ عَنِ السّرَارِ. وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الواعِيَّةَ، وَكَيْفَ يُراعى النَّبأةَ منْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ. تسنّمتم: أي علوتم و السّرار: الليلة الآخر من الشهر، والمراد، إذا اخرجتم من الظّلمات وهو مأخوذ من انفجار الصبح، وقر أصم، والواعية: الصارخة، والنبأة: الصوت الخفيّ، والصيحة: الصوت العظيم، وإنّما قال ذلك لأنّ الحواس لا تدرك إلّا ضعف الأشد، ومراده من هذه الكلام إنّ من لم

مع يعرف حقّي بالدلائل الصادعة، من قرابتي وقربتي من رسول الله - صلّى الله عليه وآله - ، ولمّا سمعوا منه في شأني في المشاهد المختلفة وبكمال علمي ورجحاني على غيري، فلا يؤثر فيه شيء آخر.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: رُبِطَ جَنانٌ لَمْ يُفارِقْهُ الخَفَقَانُ.

ربط: شدّ، وهذا دعاء منه بتقوية قلب لا يزال يخفق ويضطرب من الخوف، لأنّ الربط يمنع من الحركة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَأتُوسَّمَكُمْ بِحِلْيَةِ المُغْترّينَ.

أي أتفرّس منكم.

ص: 51

قالَ عَليه السّلام: سَتَرَني عَنْكُمْ جَلْبَابُ الدِّينِ، وَبَصَّرَنِيْكُمْ صِدْقُ النِّيَّة.

يعني منعني ديني أن اُريكم آثار قوتي وشجاعتي، والجلباب: الملحفة والمراد لباس الدّين، وبصّرنيكم: أي عرّفني حالكم صفاء عقيدتي، ونور باطني.

قالَ عَليه السلام: أَقَمْتُ لَكُمْ عَلى سُنَنِ الْحَقِّ فِي جَوادِّ المَضَلَةِ، حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَليلٌ، وتَحْتَفِرُونَ وَلَا تُمِیهونَ.

يعني ثبت على طريق الحقّ، حين وقعتم في طرق الضلال، والجادة: معظم الطريق، والمضلّة: موضع الضلالة، حيث تلتقون من الحيرة ولا دليل لكم، وتحتفرون ولا تبلغون الماء.

قالَ عَلَيهِ السّلام: اليَومَ أَنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْاءَ ذاتَ الْبَيَانِ.

يعني الأدلّة التي كان لا يذكرها، ولا يظهرها لهم من قبل، والعجماء: البهيمة سمّيت عجماء لأنها لا تتكلم والحجة ما لم يتكلّم بها ولم تظهر فهي عجماء، فاذا نطق بها من يعلمها صارت ذات بیان وذات البيان: نصب على الحال أو صفة للعجماء.

قالَ عَليه السّلام: عَزَبَ رَايُّ امْرِىءٍ نَخَلَّفَ عَيْنِي.

عزب: بعد ومن تخلف، فلا يكون له رأي لأنه يقع في الضلال.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لَمْ يوجِسْ مُوسَى خِيفَةً عَلى نَفْسِهِ.

أوجس: أضمر.

قالَ عَلَيهِ السّلام: اليومَ تَوَافَقْنَا على سَبِيلِ الحقِّ والباطِلِ، مَنْ وَثِقَ بِمَا لَمْ يَظْمَأ.

يعني بعضنا على الحقّ موقف، وبعضنا على الباطل، ومن وثق بالحقّ وتيقّن أنه ينجيه ويوصله الى الفوز العظيم، قويّ النفس سرور القلب في الدنيا

ص: 52

التي دار البليّات والأحزان، كمن كان في مفازة لا ماء معه، ولكنه يشمّ أنه عن قريب يصل الى الماء، فان وثوقه بوجدان الماء يقوّي نفسه، وتخيّل حصول الماء يرفع عطشه.

(الخطبة - 5)

قال عليه السّلام في خُطبةٍ أخرى: وَعَرِّجُوا عَنْ طَريقِ المُنافَرَةِ.

أي ميلوا عن طريق المحاكمة في الحسب.

قال عليه السّلام: أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَناحٍ، أوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ.

أراد نفسه وأنّه لا ناصر له، يعني من نهض لأمر ويكون له أنصار فانه يصل الى مطلوبه ومن لم يكن كذلك، فاذا استسلم وانقاد لمن له القوة والغلبة يريح نفسه من التعب والأذى.

قال عَلَيهِ السّلام: ماءٌ،آجِنٌ، وَلقْمَةٌ يَغُصُّ بها آكِلُها، ومُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إيناعِها كالزّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.

الآجن: الماء المتغير اللّون والطعم، يريد به التباس أمره وتشوّشه، وقلة الأنصار والأولياء، وفقد الصفا من الأحباء، وإنّ من طلب الامر لغير وقته، واجتني الثمرة قبل وقت ادراكها ونضجها لا تنجح طلبه، ولا يصل مجتني تلك الثمرة الى ما هو المقصود المنتفع به منها، كمن زرع في أرض غيره، فان لصاحب الأرض أن يمنعه عن تربيته ذلك الزرع وسقيه، ومن حاضر في أمر ولم يتم له ذلك الامر كان كمن شجى بلقمة لا يقدر على ابتلاعها إلى المعدة الّتي أُعدّت لها.

قالَ: هَيْهات بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي.

بعد الشدة الصغيرة والعظيمة، أراد بذلك تأكيد عدم خوفه وحذره من الموت.

ص: 53

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَلِ انْدَمَجْتُ عَلى مَكْنُونِ عِلْمٍ، لَوْ بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرابَ الأَرْشِيَةِ في الطِّوي البَعيدَةِ.

أندمج في الشيء: أي دخل فيه واستتر به، ويعني به هاهنا انطويت، والأرشية: جمع الرّشا، وهو الحبل، والطويّ: المطوية، ومعنى الكلام إنّي لو اظهرت لكم مكنون علمي لم تحتملوه، والبست عقايدكم كما يأتي في بعض كلماته بعد هذا حيث قال:

لَوْ شِئْتُ أنْ أُخْبِر كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَمَخْرَجَهُ، وَمَوْلِجِه، وجميع شَأنِهَ لَفَعَلْتُ، ولكنْ أخافُ أن تكفُروا فىّ برَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وَسَلّم.

(الخطبة - 6)

قال عليه السلام في كلامٍ، لما اشير إليه بأن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال:

وَ اللَّهِ لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا.

اللدم: أن يضرب الصايد بالحجر جحر الضبع، فيحسبه صيداً، فتخرج حتى تصاد وراصدها: أي مترقبها.

(الخطبة - 7)

قال عليه السّلام: اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاكاً وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً.

أراد ائمة الضلال، وملاك الأمر، ومالكه ما يقوم به، والاشراك يحتمل معنيين أن يكون جمع شريك مثل شريف وأشراف، والثاني أن يكون جمع شرك بمعني الحبالة.

ص: 54

قال عَلَيهِ السّلام: وَدَبَّ وَدَرَجَ في حُجُورِهِمْ.

الدّبيب: على وجه الأرض أعلى من المشي، ودرج: أي مشى ومضى لسبیله.

(الخطبة - 8)

قالَ عَلَيْهِ السّلام في كَلامِ يَعْني به الزبير: وأدّعَى الوَلِيجَةَ.

يعني بها دخوله في البيعة خوفاً واكراها، فلا يسمع ذلك إلّا ببيّئة، وهو المراد بقوله: فليأت عليها بأمر يعرف.

(الخطبة - 9)

قالَ عَليه السّلام في كلامٍ آخَر: وَقَدْ أَرْعَدُوا وَابْرَقُوا مَعَ هَذَيْنِ الأَمْرَينِ الْفَشَلُ، وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقعَ، وَلَا نُسبلُ حَتى نُمْطِرَ.

يقال أرعد وأبرق: إذا تهدّد وأوعد، والفشل: الجبن، ثم نفى ذلك عن نفسه، وذكر أنّه لا يرعد قبل الايقاع بالعدوّ، وإن فعله يتقدّم على قوله، لأنّ القول إذا تقدّم فربّما لا يوافقه الفعل، أمّا اذا سبق الفعل القول، فالقول لا يكون إلّا صادقاً.

(الخطبة - 10)

فقالَ عليه السّلام في خُطبَةٍ أخرى: وَ إِنَّ بَصِيرَتِي لَمَعِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَ لَا لُبِّسَ عَلَيَّ. وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ .

البصيرة: الحجة والاستبصار في الشيء، ما لبست على نفسي: يعني ما

خدعت نفسي، وما عرفتها في ارتكاب الخطايا بالتأويلات والشبهات، ولا

ص: 55

يخدعني بها غيري.

أيم الله: أصله أيمن الله، والأيمن جمع اليمين، بمعنى القسم، وقيل أيمن الله اسم وضع للقسم، هكذا بضمّ الميم والنون وألفه ألف وصل عند النحويين، ولم يجيء في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها، قد يدخل عليه اللام لتأكيد الإبتداء.

تقول ليمن الله فيذهب الالف في الوصل، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير ليمن الله قسمي، وربّما حذفوا منه النون فقالوا أيم الله، الأفرطنّ: لأملانّ، والماتح: المستقي، والمعنى لأهيّئنْ لهم حرباً لا يستطيعون مبارزتي، وأنا أقهرهم واریهم شجاعتي في الحرب، وأقتلهم، فلا يصدرون عنها ولا يعودون إليها.

(الخطبة - 11)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كلامٍ لابنه محمد بن الحَنَفيَة يَومَ الجَمَل: عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ، أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ، تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ.

العضّ على الناجذ: كناية عن الصبر، ويقال: وتدت الوتد: أي أثبتّها في الأرض، وقدمك مفعول تد.

قالَ عَلَيهِ السّلام: إرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ.

إنّما أمر بذلك لأنّ المحارب اذا أقصى القوم ببصره وقصده، لا بدّ له من خرق صف القوم، وقتلهم حتّى يصل الى أقصاهم.

(الخطبة - 12)

قال عليه السّلام في كَلامٍ لَهُ لَمّا ظَفَرَ بِأَصْحَابِ الجَمَل: لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعَفُ

ص: 56

بِهِمُ الزَّمَانُ.

يعني من دخل في الوجود بعدنا وكانت عقيدته عقيدتنا، وكان هواه هوانا ويسرّه ما يسرّنا فإنّه يكون كمن شهد عسكرنا ونصرنا.

(الخطبة - 13)

قالَ عَلَيهِ السّلام في ذَمِّ أهلِ البَصْرَةِ: وَأتْباعَ البَهِيمَةِ.

يعني بها الجمل.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَخْلافُكُمْ دِقَاقٌ، وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ، وَدِيَنكُمْ نِفاقٌ، وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ.

كلّ ما كان دقيقاً لا يعتمد على ثباته، لأنه يبطل وينتقض بأدن سبب، والشقاق: الخلاف والعناد يعني انكم مصرون على الشقاق كما يصرّ على حفظ العهد، ودينكم: يحتمل معنيين، أحدهما أنّ مذهبكم ومعتقدكم النفاق والثاني أنّ دينكم شيء ظاهر لا يوافق باطنكم، وما تظهرون منه رياء ونفاقاً والزّعاق: الشديد الملوحة.

قال عليه السّلام: الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ. كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ.

يعني المقيم بينكم إذا خالطكم، ورضى بأعمالكم، ويتخلّق بأخلاقكم يكون رهين ذنبه ومن فارقكم وخرج من بينكم، فقد تداركه الله رحمته، وتشبيهه مسجدهم بجؤجؤ سفينه إشارة الى أنه لا يبقى منه إلا قليل أثر وطلل.

(الخطبة - 15)

قالَ عَليه السّلام في كلامٍ في ماردّه على المسلمين من قطائع عثمان، ما يعني أعطاه عثمان مقاطعة من النخيل والأرضين والكروم:

ص: 57

مَنْ ضاقَ عَلَيهِ العَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ.

يعني من لا يبسط في العدل بل يحتاط، ويتحرّج ولا يجازف، فالأولى أن يفعل ذلك في الجور.

(الخطبة - 16)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ لمّا بُويعَ بِالمَدِينَةِ: ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ.

الذمة: العهد، ورهينة: يعني مرهونة، والزعيم: الكفيل يريد به صدق مقاله وإنجاز مواعيده، صرحت أي كشفت، ويجوز أن يكون معنى انكشفت، لأنّ التصريح لازم ومتعدّ، وفي المثل: صرح الحق عن محضه، أي انكشف،

والمثلات: العقوبات، وحجزه: منعه، والتقحّم: الوقوع في المهلكة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ.

يعني ابتليت منكم ما ابتلى به النبي من قومه يوم بعثه الله.

قالَ عَليه السلام: لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ.

البلبلة: وسواس الصدر والمعنى لتوسوسنّ ولتغربلُنْ من غربلة الدقيق: أي لتنخلنّ، والسوط الخلط، والمسواط: ما يحرك به القدر ليختلط ما فيها، ويجوز أن يكون مراده بالبلبلة التحريك والخلط لأنه يقال: تبلبلت الألسن، أي اختلطت، وهذا أشد مناسبة لما بعده، والمراد أنّ أحوالكم تغير وتبدّل عمّا هي عليه الآن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَ لَيُقَصِّرَنَّ

ص: 58

سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا.

يعني به قوماً قصروا في أوّل الأمر في نصره ومتابعته، ثم نصروه واتبعوه، وأنّ قوماً سبقوا إلى بيعته، ثم نكثوا وقصروا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاللهِ ما كَتَمْتُ وَسْمَةً إِلَيَّ.

يعني شيئاً قليلاً،، ويروى وشمة: أي كلمة، ويقال: ما أصابتنا العام وشمة: أى قطرة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلِئِنْ أَمِرَ الْباطِلُ.

أي كثر يقال: أمر له، اذا كثر.

(الخطبة - 17)

قال عَلَيهِ السَّلام: اليَمينُ والشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّريقُ الوُسْطَى هِيَ الْجادَّةُ.

يعني من حاد عن الطريق المستقيم الى اليمين والشمال، يعني في الضلال.

(الخطبة - 18)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ في صِفَةِ مَنْ يَتَصدّى لِلحُكْمِ بَيْنَ الأمّة، وَلَيْسَ لِذلِكَ بِأهلٍ: رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الْأُمَّةِ عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ.

قمش: أي جمع، وموضع: مسرع، يقال: وضع البعير اذا اسرع، وأوضعه

راكبه غارّ: بمعنى غرّ: أي جاهل ويروى عار من قولهم: عار الفرس، اذا انفلت وذهب، والأغباش: جمع غبش، وهو ظلمة آخر الليل، والهدنة: الاسم

من الهادئة، بمعنى المصالحة، وأصلها هدن يهدن هدوناً، أي سكن.

قالَ عَلَيهِ السّلام: قَدْ سَمَّاه أَشباه النَّاسِ عَالِماً.

ص: 59

يعني بأشباه الناس قوماً يشبهون الناس بصورهم، وليس فيهم من المعاني الانسانية شيء.

قالَ عليه السّلام: بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ.

أي أصبح.

قالَ عَليه السّلام: عاشٍ رَكَّابُ عَشَواتٍ.

عاش: من العشي، والعشوة: أن تركب أمراً على غير بيان.

قالَ عَلَيهِ السّلام: يُدْرِي الرَّوايات إذْراءَ الرّيحِ الْهَشِيمَ.

يقال: ذرت الريح التراب وأذرته لغة: يعني يروي الروايات كذباً وافتراء ولا يفكر في العواقب.

قالَ عَلَيهِ السلام: وتَعِجُّ مِنْه المَواريثُ.

العج: رفع الصوت: أي تشتكي برفع الصوت.

(الخطبة - 20)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطبَةٍ اُخرى: لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ.

الجزع: نقيض الصبر والوهل: الفزع.

(الخطبة - 21)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخْرى: تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا.

يعني اذا تخلّف بعض الرفقاء عن أصحابه في طريق وراحلته مثقلة، فلا بدّ له من إلقاء بعض الأثقال والأمتعة ليلحق أصحابه، وإلّا هلك بقصد سبع أو عدوّ إياه، وإنّما أراد بالتخفيف نقص حبّ الدنيا والمال، ونقص الشهوات عن النفس للّحوق بمن سبق من السعداء.

ص: 60

(الخطبة - 22)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ خَطَبَها عِنْدَ ذِكْر أصحابِ الجَمَلِ: ألاَ

وإنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَرَ حِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ.

ذمر، أي حثّ، والجلب والاجلاب: الذين يجلبون الابل والغنم للبيع، والمراد ها هنا أتباعه وأشياعه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَلَا جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصْفاً.

النصف والنصفة: الانصاف.

قالَ عَليه السّلام: يَرْتَضِعُونَ أمّاً قَدْ فَظَمَتْ، وَيُحْبُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِينَتْ.

يعني يجعلون قتل عثمان، وطلب ثاره ذريعة الى ما لا يصلون اليه، ويريد بإحياء الميتة إنّ أهل الجاهلية كانوا يأخذون البريء بذنب المجرم.

قالَ عَليه السّلام: يا خَيْبَةَ الدّاعي! مَنْ دَعَا وَإلى ما أَجِيبَ.

يريد معاوية وأهل الشام، ومن دعا وإلى ما اجيب: إستفهام على سبيل التعجّب.

قالَ: هَبِلَتْهُم الهَبُولُ.

أي هبلتهم الثكول.

(الخطبة - 23)

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةٌ.

الغفيرة: الكثرة والزيادة.

قال عليه السلام: كَالْفالِجِ الْباسِرِ.

ص: 61

أي الفائز المقامر ... ولسان الصدق يجعله الله للمرء، لسان الصدق: الثناء والذّكر الحسن.

(الخطبة - 24)

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَخَابَطَ الغَيَّ،، مِنْ إذْهانٍ ولا إيهانٍ.

يعني يلازم الغيّ في الخبط كان الغيّ يخبط أيضاً، لأنّ الخبط (1) ... من

غير توقّ وعلى غير طريق، والادهان: المداهنة.

قالَ عليهِ السّلام: وَقُومُوا يا عَصَبَهُ بِكُم.

أي بما ربطه بكم، يعني أوامر الله ونواهيه.

(الخطبة - 25)

قالَ عَليهِ السّلام في خُطْبَةٍ اُخرى: ما هِيَ إلّا الكُوفَة أقبِضُهَا وَ أبسُطُهَا، إِنْ لَمْ تَكُوني إلّا أنتِ تَهُبَّ أَعاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللهُ.

يجوز أن يكون ضمير الولاية وأن يكون ضمير الكوفة، والأعاصير: جمع أعصار، وهي ريح ينشر الغبار ويرتفع إلى السماء كالعمود، والمراد بهبوبها نهوض أهل الكوفة الى نصره، فقبّحك الله: أي نحاك.

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يا عَمْرُ وإِنَّني *** عَلى وَضَرِ مِنْ ذا الاناء قَليلٍ

الإناء: شجر حسن المنظر مرّ الطعم، والوضر: ما يشمه الانسان من ريح يجده من طعام فاسد والمراد ان لم يبق لي من الولاية الّا الكوفة.

قالَ عليه السّلام: سَيُدالُونَ مِنْكُمْ.

يقال: فلان اديل من عدوه: اذا غلب عدوه وقهره.

ص: 62


1- كذا في الاصل.

قالَ عَليهِ السّلام: اَللّهمَّ مُثْ قُلُوبَهُمْ كَما يُماتُ المِلْحُ فِي الماءِ.

أمئته: أي ذبته فيه وأذبته.

قالَ عليهِ السّلام: لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ.

هنالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أتاكَ مِنْهُمْ *** فوارِسُ مِثلُ أَرْميةِ الحَميمِ

بنو فراس بن غنم قبيلة شجعان رماة، والأرمية: جمع رميَ، وهو السحابة العظيم القدر، الشديد الوقع من سحائب الصيف، أو الخريف والحميم، المطر الذي يجيء في شدّة الحرّ.

(الخطبة - 26)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ اُخرى: وَتَأكُلُونَ الجَشْبَ.

الجشب طعام غليظ خشن، ويقال: الذي لا ادم معه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَصَبَرْت عَلى أَخْذِ الكَظَمِ.

يقال: أخذ بكظمه: أي بمخرج نفسه.

(الخطبة - 27)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخرى:وَ دُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَ الْقَمَاءَةِ وَ ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ وَ أُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَ سِيمَ الْخَسْفَ وَ مُنِعَ النَّصَفَ. ديّث: أي ذللّ والصغار والقماء: الذلّ، والاسهاب: ذهاب العقل، يقال: أسهب الرجل على ما لم يسم فاعله، اذا ذهب عقله، واديل الحقّ منه: أي غلبه الحق ويقال: سمته خسفاً: أي أوليته إياه، والنصف الانصاف.

قالَ عَليه السّلام: مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا

ص: 63

فَتَوَاكَلْتُمْ.

عقر الدار: وسطها، والتواكل: أن يكل كلّ أحد أمره الى الآخر.

قالَ عَليه السّلام: فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلُبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَ رُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالاسْتِرْجَاعِ وَ الِاسْتِرْحَامِ.

الحجل: الخلخال، والقُلْب: السوار، والرعاث: جمع رعثة، وهي القرط والاسترجاع أن يقول إنّا لله وإنّا اليه راجعون، والاسترحام: طلب الرحمة.

قالَ عَليه السّلام: ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ.

أي ذوي وفر.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً.

أي بعداً من الخير.

قالَ عَلَيهِ السّلام: قُلْتُمْ هَذِهِ حَمارَّةُ القَيْظِ أَمْهِلْنا يُسَبِّخْ، عَنّا الْحَرُّ.

حمارّة القيظ: حرّه، يسبّخ عنّا الحرّ: يخفف عنا.

قالَ عَلَيهِ السلام: هذِه صَبَارَّةُ القَرِّ.

أي شدة البرد.

قالَ عَليه السّلام: وَجرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهمامِ أنْفاساً.

أي جرع الهمّ نفساً نفساً، وهو نصب على الحال.

(الخطبة - 32)

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ في مَراحٍ وَلا مَغْدىّ.

أي موضع الرواح، وموضع الغدوّ، والمراد أنه لا نصيب له من ذلك.

قال عليه السّلام: بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَ سَاكِتٍ مَكْعُومٍ

ص: 64

وَ دَاعٍ.

النادّ: النافر، والمقموع: الذّليل، والمكعوم: المسدود الفم.

قالَ عليه السلام: فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَ قُرَاضَةِ الْجَلَمِ.

الحثالة: ما تسقط من قشر الشعير والأرز والتمر وكلّ ذي قشارة اذا بقى، وحثالة الدهن ثفلة، فكأنه الرديء، والقرظ: نبات يدبغ به الأديم، والجلم: الذي يجزّ به، وهما الجلمان.

(الخطبة - 33)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ أخرى: أمّا واللهِ إنْ كُنْتُ لَفي سافَتِها، حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذافيرِهَا.

ان في قوله «إن كنت» مخففة من الثقيلة، وتقدير الكلام ان الشأن كنت والساقة: مؤخّر الجيش، حذافير الشيء: أطرافه وأعاليه، والمراد ذُلّت بأسرها.

قالَ عَليه السّلام: إِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِها.

أي مثل مغازي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم.

(الخطبة - 34)

قالَ عَليه السّلام في خُطبة اخرى: يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حِوَارِي فَتَعْمَهُونَ. أي محاورتي فتحارون.

قال عليه السّلام: كَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ، مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي وَ مَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ وَ لَا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ.

ص: 65

الالس: اختلاط العقل، والمألوس المجنون، سجيس الليالي: أي أبداً، يمال بكم: أي يمال الى جانب وأمن بالاعتماد عليكم، ويجوز أن يكون يمال من الإمالة، أي يمال بكم بركن أو عماد والزافرة: عشيرة الرجل وأنصاره.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: لَبِئْسَ لَعَمْرُ الله سَعْرُ نارِ الحَرْبِ.

سعر: جمع سعور، وهو المهيج لنار الحرب.

قالَ عَليه السّلام: وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلَا تَمْتَعِضُونَ.

أي ولا تعضبون.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: غُلِبَ وَ اللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ.

أي الذين يخذل بعضهم بعضاً.

قال عليه السّلام: وَ ايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَ اسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ.

حمس: اشتد واستحرّ: اشتدّ، وانفراج الرأس: مثل لانفصال ولا اتصال بعده، لأنّ الرأس اذا انفصل عن البدن لا يعود اليه ولا يتصل به.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَ يَهْشِمُ عَظْمَهُ وَ يَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ.

يريد المبالغة في الوصف بالعجز وخسّة النفس، فقال: إنّ من مكّن عدوه من نفسه، وبلغ من ضيق العيش وقلة ذات اليد، أي أن يأكل اللحم الذي على عظمه، وإذا لم يبق ذاك كسر عظمه، لیأكل مخّه، وكل ذلك يكون بعد قطع جلده، العظيم العجز وضعيف القلب.

قال عَلَيهِ السّلام: أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ، فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَ تَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَ الْأَقْدَامُ.

ص: 66

أنت خطاب لبعض أصحابه، وذاك إشارة لمن وصف عجزه بتمكين عدوه من نفسه، قبل هذا.

قولِه عَليه السلام: دُونَ أنْ أعطيَ.

ذاك اشارة الى تمكين العدوّ والانقياد له، وفراش الهام: عظام دقاق يلي القحف، وتطيح: أي تسقط.

(الخطبة - 35)

قال عليه السّلام في خطبةٍ اُخرى: وَ إنْ أتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الفادِحِ.

أي الامر المثقل الصعب.

قالَ عَليه السّلام: لَوْ كانَ يُطاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ.

هذا مثل مشهور، وهو أنّ جذيمة الأبرش كان قتل أبا الزباء عمرو بن ضرب، فأرسلت اليه الزبا واستدعته الى نكاحها واضيفت له ذلك بانضمام ملكها الى ملكه واغتر جذيمة بذلك، وعزم على المسير اليها، واستصوب ذلك نصحاؤوه إلّا قصيراً مولاه فانه كان ينهي جذيمة من ذلك، فخالفه جذيمة وسار نحو الزباء، فلمّا قرب من بعد الزباء استقبلته جنودها من بعد الزباء استقبلته جنودها مع الأسلحة وأحاطوا بجذيمة، وقال له قصير: إنصرف فلم يقبل جذيمة قوله، فقال: قصير يطاع لقصير أمرٌ قصار مثلاً.

قالَ عَليه السّلام: وَضَنَّ الزّنْدُ بقَدْحِهِ.

هذا استعارة في عدم الفايدة في قول الناصح اذا لم يقبل.

وتمثّل - عليه السلام - بقول دريد بن الصّمّة، وكان من هوازن غزى أخوه عبدالله بن دريد الصّمّه قوماً، وغنم منهم وساق ابلهم وأقام بمنعرج اللّوى ونهاه دريد عن المقام، وقال: إن القوم سيطلبونك ويتّبعونك، فلجَ وأقام ثم ظعن، ولحقه القوم، فقتلوه وأفلت دريد، فقال:

ص: 67

أمَرْتُكُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللّوَى *** فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحى القَدِ

(الخطبة - 36)

قالَ عَلَيْهِ السّلام في خُطْبَةٍ أخرى: وَبِأَهْضامٍ هَذَا الْغَائِطِ.

الهضم: المطمئنّ من الأرض، والغائط: المطمئنّ الواسع.

قال عليه السّلام: قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدّار، وأحْتَبَلَكُمُ المِقدارُ.

طوّحه: أي حيّزه، وذهب به هاهنا وهاهنا، واحتبله: صاده بالحبالة.

قالَ عليه السّلام: وَأَنْتُم مَعاشِرُ أَخِفّاءُ الْهَامِ، سُفَهَاءُ الأحْلامِ، وَلَمْ آتِ - لا أبالكم - عُرّا.

خفة الهام: عبارة عن النزق والطيش، ولا أبالك: يقال في الذّم والمدح، أمّا في الذّم فمعناه لا أبالك تقرّ عينه بك. وفي المدح فمعناه أنك منفرد ولا يلد أب مثلك، والعرّ: قروح تخرج في مشافر الابل وها هنا استعارة، بمعنى الشر ويروى بجراً، والبحر الشر والأمر العظيم.

(الخطبة - 37)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامٍ آخَرٍ: وَتَطَلَّعْتُ حَيْنَ تَقَبَّعُوا.

يقال تطلّع للشيء: إذا انتظره واستعدّ له، وتتقبّع في الكلام: أي تردّد فيه من عيّ أو حصر.

قال عليه السلام: وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً.

أي سبقاً.

قالَ عَليهِ السّلام: فَنَظَرْتُ في أمري، فَإذا طاعَتي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتي، وَإذا الميثاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْري.

قال بعض الشارحين: يعني طاعتي لله وللرسول سبقت.

ص: 68

قال الامام الوبري: أي طاعتي للخلفاء الذين كانوا قبلي، وقيل طاعتي للرعيّة سبب رعاية حقوقهم وما يجب عليّ سبقت بيعتي، وقالوا: «واذا الميثاق في عنقي لغيري» يعني ميثاق الله، وقيل: صرت تحت أمر غيري.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه، وأقول: إنّ الغالب على ظني أنّ المراد انه كان قبل البيعة بنصّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وجعله إياه وصياً ووليّاً ومولى، في أكثر من مقام وموقف واجب الطاعة، فكانت من هذا الوجه سابقة على بيعته، ويؤكد هذا المعنى قوله - عليه السلام - قبيل هذا في هذه الخطبة: أتراني أكذب على رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - ، والله أنا أوّل من صدقه فلا أكون من كذب عليه، ثم بنى على هذا قوله - عليه السلام: «فنظرت في أمري» ويعني بنفسه كذبه على رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - إنه لا يكذب في إدعائه للامامة والخلافة من قبل رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم.

أمّا كون الميثاق في عنقه لغيره، فلأن رسول الله - صلى الله عليه واله - حين جعله خليفة كان قد أخذ منه ميثاقاً وعهداً على أن يعمل كذا وكذا، فقد جعل الميثاق في عنقه، ولو كانت خلافته إنّما تحققت وتثبتت بعد بيعته لكان هو الذي جعل الميثاق في عنقه، ولو كانت خلافته بالبيعة لا غيره، فاذا الميثاق في عنقه لرسول الله - صلى الله عليه واله - وهو غيره.

(الخطبة - 39)

قالَ عَلَيهِ السّلام مِنْ خُطْبَةٍ أُخْرى: مُنِيتُ بِمَنْ لا يُطِيعُ.

أي ابتليت.

قال عَلَيهِ السّلام: لا أبالَكُمْ.

قد مرّ شرحه قبل هذا، والمراد به الذّم هاهنا.

ص: 69

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَلا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ.

أي تغضبكم.

قال عليه السّلام: فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الجَمَلِ الأَسَرِّ، وَتَنَاقَلْتُمْ تَثاقُلَ النِّضْوِ الأَدْبَرِ. الجرجرة: صوت يردّده البعير في حنجرته، والأسرّ الذي في كركرته شيء يؤلمه، والكركرة: رحى زور البعير والنضو: البعير المهزول.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذائِبٌ.

جنيد: تصغير جند، وقال السيد الأجل الرضي - رحمه الله - : متذايب: مضطرب.

(الخطبة - 41)

قالَ عَليه السّلام في خُطبَةٍ أخْرى: وَقَدْ يَرَى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ.

يعني البصير في الامور الذي يقبلها ظهر البطن.

قالَ عَلَيهِ السّلام: مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ.

أي لا حرج.

(الخطبة - 42)

قال عليه السّلام في خُطْبَةٍ اُخرى: ألا وَإِنَّ الدُّنْيا قَدْ وَلَّت حَذّآءَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْها إِلّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإناءِ.

الحذاء: السريعة ويروى بالجيم، أي قد انقطع خيرها ودرّها، والصّبابة: البقية.

ص: 70

(الخطبة - 43)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامٍ: مَعَ الأَناةِ فَأَرْوِدُوا.

أي أرفقوا.

فَقالَ عَلَيهِ السّلام: فَلَمْ أرَلِي فيه إلّا القِتال أوِ الْكُفْرَ (بِما أَنْزَلَ اللهُ عَلى مُحَمّد - صلى الله عليه وآله وسلّم).

يجوز أن يكون المراد أن النبي - صلى الله عليه واله وسلّم - قال: انّ علياً يقاتل الناكثين، فان لم يقاتل يلزم من ذلك تكذيب النبي - صلى الله عليه وآله - وذلك كفر، ويجوز أن يكون المراد بقوله عليه السلام:

فلم أر لي إلّا القتال: فلم أعتقد إلّا وجوب القتال، كما يقال: إنّ أبا حنيفة يرى كذا أي يعتقد، وذلك لأن القتال في سبيل الله واجب، بقوله تعالى: «وقاتلوا في سبيل الله»، وقوله: «فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحيوة الدنيا بالآخرة»، وغيرهما من الآيات، ومعاوية وحزبه كانوا باغين وناكثين وساعين في الأرض بالفساد، فمن لم يعتقد وجوب قتالهم، يكون كمن لم يعتقده، أنّ مقتضى آيات الله حقّ، وذلك كفر ويؤيد هذا تصريحه به في كلام له يأتي بعد هذا، وهو قوله (1):

فَما وَجَدْتَني يَسَعنُي إلّا قِتالُهُم أوِ الجُحُودُ یا جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى الله عليه وآلِهِ وَسَلّمْ.

قالَ عَليه السّلام: وأَوْجَدَ لِلنَّاسِ مَقالاً.

أي أغضبه.

ص: 71


1- يأتي في الخطبة 53.

(الخطبة - 44)

قال عليه السلام في كلام لمصقلة بن هيبرة حين ابتاع سبي بني ناجية وأدّى بعض الثمن واستمهل في الباقي، فأمهله أمير المؤمنين - عليه السلام - ، فلمّا طالبه بالمال خاس به: أي غدر، فقال عليه السلام:

قَبّحَ الله مَصْقَلةَ.

أى أبعده الله ونحّاه من الخير.

(الخطبة - 45)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أَخْرى: لا تَبْرَحَ مِنْهُ رَحْمَةٌ.

أي لا تزول.

(الخطبة - 46)

قالَ عَلَيهِ السّلام: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ.

أي مشقّته من الوعث، وهو المكان السهل الكثير الدّهش، يغيب فيه الأقدام.

(الخطبة - 48)

قال عليه السّلام في خُطبَةٍ أخرى: الحمد للهِ كُلّما وَقبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ، وَالْحَمدُ اللهِ كُلَّما لَاحَ نَجْمُ وَخَفَقَ.

وقب: دخل، وغَسَق: أظلم، وخفق: غاب.

قال عليه السّلام: وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا المِلْطاطِ حَتى يأتِيَهُمْ أمْري

ص: 72

وَقَدْ رَأَيْتُ أن أفْطَعَ هذِه النُّطْفَةَ.

قال السيد الأجل الرضي - رضي الله عنه - : يعني بالملطاط، السمت الذي أمرهم بلزومه، وهو شاطيء الفرات يعني بالنطفة، ماء الفرات.

(الخطبة - 49)

قال عَلَيهِ السّلام: الحَمدُ لله الذي بَطَنَ خَفِيّاتِ الأمور.

بطن الأمر: أي عرف باطنه.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: لَمْ يُطْلِعِ العُقُولَ عَلى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ.

ذکر شرحه في أوّل الكتاب.

(الخطبة - 51)

قال عليه السّلام في كَلامٍ: ألا وَإِنَّ مُعاوِيَةَ قادَ لُمَةٌ مِنَ الغُواةِ، وَغَمَسَ عَلَيْهِمُ الخَبَرَ.

لُمّةً: أي جماعة، وغمّس عليهم: أي علم أنّي على الحق، لكنّه عمی عليهم، ولبّس يقال: أمر مغمّس: أي مظلم.

(الخطبة - 52)

قال عليه السّلام في خُطْبَةٍ اُخرى: واَدْبَرَتْ حَذَّاء.

أي سريعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَمْ يَبْقَ مِنْها إِلا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الإداوَةِ، أو جُرْعَهُ كَجُرْعَةِ المَقلَةِ، لَوْتَمَزَّزَهَا الصَّدْيانُ لَمْ يَنْفَعُ مِنْها.

السملة: الماء القليل، والمقلة: حصاة القسم التي تلقي في الماء، ليعرف قدر ما يستي كلّ واحد، وذلك عند قلّة الماء في المفاوز وتمزّز أي مصّ ولم

ص: 73

ينقع: أي لم يسكن العطش.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: فَوَاللهِ لَوْ حَنَنتُم حَنِينَ الوُلَّهِ العِجالِ.

العجول من الابل: الناقة الوالّه التي فقدت ولدها.

قال عليه السّلام: وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الحَمامِ، وَجَأَرْتُمْ جُوْارَ مُتَبَتِّلِ الرُّهْبانِ.

الهديل: صوت الحمام والجوار: التضرّع إلى الله، والتبتّل: الانقطاع من الدنيا إلى الله.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لوانمائَتْ قُلُوبُكُم.

أي ذابت.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ما الدُّنْيا باقِيَةٌ.

أى مادامت الدّنيا باقية.

(الخطبة - 53)

قال عليه السّلام في كَلامٍ: فَتَداكوُّا عَلَي تَداکَّ الإِبِلِ الهِيمِ يَوْمَ وِردِها، قَدْ أَرْسَلَها راعِبها وَخَلَعَتْ مثانيها.

أي اجتمعوا عليّ مزدحمين ازدحام الابل العطاش، ومثانيها: حبالها المثناة.

قالَ عليه السلام: فَما وَجَدْتُنِي يَسَعُني إلّا قِتالُهُم، أَوِ الجُحُودُ بِما جاءَ بِهِ مُحَمّدٌ - صلى الله عليه وآله وسَلَّم.

هذا مثل ما سبق من كلامه في هذا المعنى، وهو يدلّ أنّ رسول الله - صلى الله عليه واله سلّم - قد أخبره عن علم الغيب بما يلقي من أهل الشام، وأمره بقتالهم.

ص: 74

(الخطبة - 55)

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَمُضِيّاً على اللَّقَمِ.

اللّقم: وسعة الطريق.

قالَ عَليه السّلام: مُلْقِياً جِرانَهُ.

هو مقدّم عنق البعير.

(الخطبة - 56)

قالَ عَليه السّلام في كلامٍ: أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ، مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ.

يخاطب أهل الكوفة ويعني زياداً وكان عامل أمير المؤمنين - عليه السلام - حين قتل، وفي يديه مال الأهواز فألقى الى معاوية، فلما استولى على الكوفة جمع الناس في المسجد ليأمرهم بلعن عليّ - عليه السلام - ، فخرج حاجبه وأمر الناس بالانصراف فانصرف الناس، وكان قد اصابه الفلج حين خرج حاجبه، وأمر الناس بالانصراف والبلعوم: مجرى الطعام مندحق البطن: أي خارج البطن.

قالَ عَليه السّلام: وُلِدْتُ عَلَى الفِطْرَةِ.

أي خلقت في أوّل حالي على الايمان والهدى، وذلك لأنّ الله تعالى أعطى الانسان العقل في أوّل الفطرة، فلو لم تعرض له أسباب الضلال من خارج لكان مقتضاه معرفة الخالق وتوحيده، ولزوم سبيل الهدى.

ص: 75

(الخطبة - 57)

قال عليه السّلام في كلام كلّم به الخَوارِجَ: أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَ لَا بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ. أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَ جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلی الله علیه وآله - أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ.

الحاصب: الريح الشديدة التي تنشر الحصباء، والآبر: الذي يلقح النخل

ويصلحه.

أما قوله عليه السلام: أبعد إيماني، فلأنه يقال: إنّ الخوارج زعموا أنّه كفر بسبب التحكيم، فقالوا له: إشهد على نفسك بالكفر، وأسلم حتى نبايعك، فأجابهم بهذا.

(الخطبة - 64)

قال عليه السّلام في خُطْبَةٍ أخرى: لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالًا فَيَكُونَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً وَ يَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً.

معناه أنّه تعالى منزّه عن تغير الأحوال والصفات، وحين ما كان موصوفاً بالأولية كان موصوفاً بالآخرية، لأنّه كان موجوداً قبل كلّ موجود، ويكون موجوداً بعد عدم الأشياء كلّها، وهو ظاهر للعقول بالبراهين والأدلة، وباطن عن الحواسّ.

(الخطبة - 65)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامٍ في بَعْضِ أيّامِ صِفّين: اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ وَ تَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ وَ عَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ

ص: 76

عَنِ الْهَامِ وَ أَكْمِلُوا اللَّأْمَةَ وَ قَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا وَ الْحَظُوا الْخَزْرَ وَ اطْعُنُوا الشَّزْرَ وَ نَافِحُوا بِالظُّبَى وَ صِلُوا السُّيُوفَ بِالْخُطَی.

يعني اجعلوا خشية الله شعاركم، وهو اللّباس الداخل، الذي يمسّ الجسد وتجليبوا: أي البسوا والعضّ على النواجذ كناية عن الصبر، فانه أنبي: أي أشدّ تجافياً وتباعداً للسيوف عن الهام، واللامة: الدّرع، وقلقلوا: أي حرّكوا السيوف في أغمادها، كيلا تنشب فيها عند الحاجة الى سلّها، والخزر: النظر بمؤخر العين والشزر: الطعن عن اليمين والشمال، والمنافحة بالظبي: استقبال العدوّ بالسيوف، وصلوا السيوف بالخطى: أي استعملوا السيوف مع كل خطوة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ امْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً، وَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَ الرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ، وَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ.

سجحاً: أي سهلاً ويعني بالسواد الأعظم، الفوج الاكثر، وبالرّواق

المطنّب: مضرب معاوية، وثبج كلّ شيء: وسطه، وثبج الرمل: معظمه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَصَمْداً صَمَداً.

أي قصداً قصداً.

(الخطبة - 68)

قال عليه السّلام: كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ وَ الثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ، كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ0

البكار:

جمع بكر، وهو الفتى من الابل، وعمد البعير: اذا انشدخ داخل

سنامه من الركوب، وظاهره صحيح، ويقال: تداعت الحيطان للخراب وتها دمت، كأن كلّ واحد دعا الاخر الى الخراب، وحيصت: خيطت،

ص: 77

والمنسر: قطعة من الجيش.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَكُمْ وَ أَتْعَسَ جُدُودَكُمْ.

أي أذلكم والضراعة الخضوع والذلّ، والتعس: الهلاك وأصله الكبّ، وهو ضدّ الانتعاش.

(الخطبة - 69)

قال عليه السّلام في سَحَرةِ اليوم الذي ضُرِبَ فِيهِ: مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَ أَنَا فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَ اللَّدَدِ؟

يعني: غلبني النوم، فعرض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - والأود: الاعوجاج، واللّدد: الخصام.

(الخطبة - 70)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامٍ في ذَمِّ أهْلِ العِراقِ: ف فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَ مَاتَ قَيِّمُهَا وَ طَالَ تَأَيُّمُهَا.

الملص: الزلق، وأملصت المرأة بولدها، أي أسقطت وقَيّمها زوجها

وتأيّمت المرأة: أي مكثت زماناً ولم تتزوّج.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً وَ لَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً.

قيل أنّ أهل المدينة كانوا يذمون أمير المؤمنين - عليه السلام - وكان يتأذى منهم، فارتحل من المدينة.

قالَ عَليه السّلام: وَلَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا وَ لَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُم وِعَاءٌ.

ص: 78

اللهجة: اللّسان، ولكنّ المراد هاهنا الكلمة التي تكلّم بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - في خلافته وباقي كلامه يؤيّد ذلك، يعني لو كنت من أهلها، وكنتم تعوون وتقبلون ما أقول لكم، لكلت من كلامي وعلمي لكم كيلاً بلا ثمن، ولكن لا وعاء لكم: أي ليس لكم أذن واعية ولا نفوس قابلة.

(الخطبة - 71)

قالَ عَليه السّلام في خُطْبَةٍ اُخرى: اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ.

أي باسط المبسوطات والمسموكات: المرفوعات، والمراد بالدّاعم ها هنا الحافظ للمسموكات عن السقوط، لأنّ الدّعامة تحفظ الشيء.

قال عليه السّلام:وَ جَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا.

أي خالق القلوب على ما استعدت في أصل الخلقة، لأنّ النفوس الانسانية إنّما تنال من السعادة والشقاوة بحسب استعدادها الجبلّى لذلك.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ.

يعني المظهر للدين بالمعجزات الحقّة والكتاب الحق.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ.

فاضطلع: أي قوى، والضلاعة: القوة، مستوفزاً: أي مستعجلاً، والوفز:

العجلة، غير ناكل: أي غير خائف، عن تقدّم.

ص: 79

(الخطبة - 72)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامٍ لِمَروانَ بِالبَصْرَةِ: إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ.

قيل أن آباء مروان كانوا يهودياً باليمامة، وقيل: إنّما قال ذلك لأنّ اليهود مشهورون بالغدر والسبّة: الاست، وأراد به أنه منافق.

قالَ عَليه السّلام: أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ وَ هُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ.

أراد قلة أيام أمارته والأكبش الاربعة: عبد الملك، وعبد العزيز، ومحمد والد مروان الحمار والحكم.

(الخطبة - 73)

قال عليه السّلام في كَلامِهِ عَلى بَيْعَةِ عُثمانَ: فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ .

أي تنافستم،فيه، فحذف الجار وأوصل الفعل، والزخرف: الذهب ثم يشتبه به كل مموّه مزورة، والمزخرف المزين، والزبرج: الزينة من وشى، أي جوهر.

(الخطبة - 74)

قال عليه السّلام في كَلام في مَقْتَلِ عُثمانَ: أَوَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي، أَوَ مَا وَزَعَ الْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي. أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وَ خَصِيمُ الْمُرْتَابِينَ، وَ عَلَى كِتَابِ

ص: 80

اللَّهِ تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ وَ بِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ.

القرف: الاتهام.

ثم قال عليه السلام: أما منع الجهال سابقتي في الدين، وقرابتي وقربي من رسول الله - صلى الله عليه واله وسلّم، عن تهمتي، ولمّا وعظهم الله بقوله تعالى: ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً» وبغير ذلك من الايات، أبلغ واقوى من لساني.

يقال: حججته بالمثل لتعالجها فأنا حجيج، والمارق: الخارج من الدين، من مرق السهم الرميّة: اذا خرج من الجانب الآخر، ومنه سميت الخوارج مارقة، والخصيم: الخصم.

المراد بعرض الأمثال على كتاب الله إنّ الناس أمثال واشباه، فيعرضون على كتاب الله، فمن وافقت صفته في الاعتقاد والأخلاق والأعمال صفة المؤمنين والصالحين في كتاب الله يعرف بذلك قدره عند الله وقدر جزاء اعماله، وكذلك من كان بخلافهم، وانّما يجازي العباد بما يضمرون في صدورهم ويعتقدونه لا بظاهرهم.

(الخطبة - 75)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ: وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجا.

الحجزة: معقد الازار.

قالَ عَليه السلام: اكْتَسَبَ مَذْخُوراً، وَاجْتَنَبَ مَحْذوراً، رَمى غَرَضاً، وأَحْرَزَ عِوَضاً.

يعني بالمذخور: الثواب لأنّ ثواب العمل الصالح في الدنيا مذخور في الآخرة، ورمى غرضاً: أي القى مقصوداً في الدنيا وطرحه وأحرز عوضه من ثواب الآخرة.

ص: 81

(الخطبة - 76)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلامٍ: أنَّ سعيدَ بن العاص أهْدى هدايا لأهْلِ المدينةِ، وقال لِرَسولِهِ: لا تَعْذُرني الّا عِنْدَ عَلي بنَ أبي طالبٍ - عليه السلام، وَقُلْ لَهُ ما فَضَّلْتُ في الهَدايا أحداً عَلَيْكَ إِلا عُثمانَ أمير المُؤمِنينَ، فقالَ عليٌّ عَلَيهِ السَّلام: لَشَدَ ما نَفَسَتْ عَلى أُميّةَ وَصائِلَها.

ثُمَّ قال عَلَيهِ السَّلام:إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفَوِّقُونَنِي تُرَاثَ مُحَمَّدٍ تَفْوِيقاً وَ اللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الْوِذَامَ التَّرِبَةَ، ويروى نفض القصاب.

تقول: نفست عليه الشيء اذا لم تره يستاهله، والوصايل: جمع وصيلة، وهي ثياب مخطّطة يمانيّة، ليفوقونني: أي يعطونني من المال قليلاً كفواق الناقة، وهو الحلبة الواحدة، والوذام: جمع،وذمة، والحُزّة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.

(الخطبة - 82)

قالَ عَليه السّلام في الخُطبَةِ الغَرّاء: الحَمدُ للهِ الذي عَلا بَحولِهِ،

ودَنا بِطَولِه.

الحول: القوة، والطّول: المنّ، يعني علا كلّ شيء وتعالى عن كل شيء بقوّته، لا ينالها ولا يصل اليها أحد، ودنا من عباده بوصول منه ولطفه اليهم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وكاشِفِ كُلّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ. أَحْمَدُه عَلى عَواطِفِ

کَرَمِهِ، وسَوابِغِ نِعَمِهِ.

ص: 82

الازل: الضيق والجدب، وفي شرح العواطف يترائى لي وجهان، أحدهما أن يجعل أصلها من العطف، لأنّ من أنعم على شخص فقد جعل نعمته نائلة اليه ونعم الله الى عباده والثاني أن يجعل اصلها من عطف عليه يعني اشفق عليه، ويكون العاطفة بمعنى المصدر كالعافية والباقية والكاذبة والواقية، والسابع: الكامل.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَالبَسَكُم الرِّياش، وَاَرْفَعَ لَكُمُ الْمَعاشَ، وَأَحاظ بِكُمُ الاحْصاءَ.

الرياش: الفاخر، والرفغ والرفاغة: السعة والخصب، وأحاط هي هنا، بمعنى حوّط: أي جعل الاحصاء حايطاً حولكم، يعني أحصى أعمالكم.

قالَ عَليه السّلام: وَالرِّفَدِ الرَّوافِغِ.

أي العطايا الواسعة.

قال عليه السلام: في قَرارِ خِبْرَةٍ.

أي مستقر بلوى واختيار.

قالَ عَلَيهِ السّلام:فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا

الرنق: الكدر، والردغة: الماء والطين والوحل الشديد.

قال عليه السّلام: صَيُّورِ الْفَنَاءِ.

صيّور الأمر: آخره الذي يصير اليه. وقال عَليه السّلام: أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ. الضريح: الشق في وسط القبر واللحد في الجانب.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ أَلْجَمَ الْعَرَقُ وَ عَظُمَ الشَّفَقُ.

الجام العرق: كناية عن شدة الخوف وغلبته حتّى يؤدي الى العرق، ومن بلغ خوفه ذلك المبلغ يصير ملجماً: أي لا يقدر أن يتكلم، والشفق: الاسم من الاشفاق، والمراد الخوف.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَمَقْبُوضُونَ احْتِضاراً.

ص: 83

يقال: أحتضره اليمّ ولئن (1) محتضر: أي كثير الافة، والمراد هاهنا قبضهم وموتهم بآفات كثيرة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ عُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ.

أي عمروا مدة الاستعتاب، وهو طلب الرضى.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ كُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ وَ خُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ وَ رَوِيَّةِ الِارْتِيَادِ وَ أَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَ مُضْطَرَبِ الْمَهَلِ ..

سدف الريب: ظلم الشكوك، يعني اذا عاينوا القيمة يرتفع شكوكهم، وخلّوا بمضمار الجياد أي تركوا وامهلوا في مدّة يتمكنون فيها من الاعمال الصالحة واعداد الزاد للآخرة.

والمضمار: مدة تضمير الفرس، وموضعه أيضاً، وتضمير الفرس: أن يعلقه حتى يسمن، ثم تردّده الى القوت وذلك في أربعين يوماً، والمراد بذلك أنّ الدنيا أو مدة العمر كالمضمار ليستعدّ فيها لأمور الآخرة، فاذا فنيت الدنيا، وانقضى العمر فلا يمكن الاستعداد بالعبادة والأعمال الصالحة.

روية الارتياد: التفكر في طلب الكلاء، وأيضاً لم يبق ليأتي المقتبس: أي المستعد الطّالب للكلاء محال في مدة العمر، ولا للتقلب والتصرف بالتؤده امکان.

فقال عليه السّلام: أَرْهَقَتْهُمُ المَنايا.

أي أدركتهم، والمرهق: الذي أدرك ليقتل.

قال عليه السّلام: وَ شَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ.

أي نحاهم وبعدهم عنها اقتطاع الآجال إياهم. .

ص: 84


1- كذا في الاصل.

قال عليه السّلام: فِي أُنُفِ الْأَوَانِ.

أي في أوّل الوقت من الاستيناف، وهو الابتداء.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَعَلَزِ القَلَقِ.

العلز: هلع وخفّة تصيب الانسان يقال: مات فلان علزاً أي: قلقاً وجعاً.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ غُصَصِ الْجَرَضِ.

الجرض: الريق يغصّ به يقال: جرض اذا ابتلع ريقه على همّ وحزن بالجهد.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَتَرَكَبُونَ قِدَّتَهُمْ.

أي طريقتهم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَتَنَكَّبَ المخالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ.

تنكّبه: أي تحبه (1)، وخلجه: أي جذبه، والمراد أنه يحبّ جميع ما يجذبه، عن وضح السبيل: أي عن محجته.

قال عليه السّلام: وَ أَكْمَشَ فِي مَهَلٍ.

أي أسرع في تؤدة من انقضاء عمره وإمهاله.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً.

أي مداوياً معالجاً، والحجيج: الّذي يسر (2) الشجة بالميل ليعالجها.

قالَ عَليه السّلام: حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ.

أستدرج الى كذا: أي أدناه منه بالتدريج، والقرينة: النفس، وانّما أضافه الى الشيطان، كما يضاف الملك الى مالكه. .

ص: 85


1- كذا في الأصل.
2- كذا.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فيها في خَلْقَ الإنْسانِ: شُغُفِ الْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً وَ عَلَقَةً مِحَاقاً.

الشغاف: غلاف القلب، والمراد الاستار المتراكمة بعضها على بعض،

والدهاق: الممتلىء، والمراد بوصف العلقة بالمحاق مفادتها (1) ونقصانها من محاق القمر.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَ خَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ.

يعني مشى من غير شوقٍ، متحيراً لا يبالي ما صنع، والماتح: الذي ينزع الماء، والغرب: الدلو العظيمة.

قالَ عَليه السّلام: كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَ بَدَوَاتِ أَرَبِهِ.

الكدح: السعي والكسب بكدّ يعني يكدح لأجل الدنيا، مستغرقاً في لذّاته، وما يبدو له من حاجاته وأغراضه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَماتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً.

أي غافلاً غير مجرّب.

قال عليه السّلام: دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَ سَنَنِ مِرَاحِهِ.

دهمته: أي فاجأته، الغير البقايا، وهو في الأصل لبقايا الحيض، والسنن: الطريقة.

قال عليه السلام: وَ جَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ.

أي مؤلمة مضيقة عليه من أكربت الدلو اذا شددتها باكربت، وهو الحبل الذي يشدّ في وسط العراج. ل.

ص: 86


1- كذا في الاصل.

قال عَليه السّلام: رَجيعَ وَصَبٍ.

أي ينقل من وصب الى وصب، والرّجيع من الدّواب: ما يرجع من سفر الى سفر، وهو الكال.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَوْ مَحارٍ.

أي مرجع من حار، بمعنى رجع.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ.

أي حينه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: في أُنُفِ الْمَشِيَّةِ.

أي في ابتدائها.

قالَ عَليه السّلام: وَ انْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَ الْمَضِيقِ وَ الرَّوْعِ وَ الزُّهُوقِ.

الحوبة: المكان الواسع، والزهوق: البئر البعيدة القعر.

(الخطبة - 83)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كلام في عَمْرو بن العاص: عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ! يَزْعُمُ لاَِهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِىَّ دُعَابَةً، وَ أَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ، أُعَافِسُ وَ أُمَارِسُ!

يقال: نبغ الرجل، اذا لم يكن له ارث في الشعر، وسميت امّ عمر و نابغة لأنّه لم يكن لها نسب، والدعابة: المزاح، والتلعابة: الكثير اللّعب، والمعافسة: المعالجة وفي الحديث، وعافسنا النساء وكذلك الممارسة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: کَانَ أَکْبَرُ مَکِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سُبَّتَهُ.

روي انّ أمير المؤمنين - عليه السلام - دعا الى البراز في صفين، فبرز اليه عمرو بن العاص فتجاولا، تأمله عمرو وعرف أنه علي - عليه السلام وانه لا طاقة له به، وحمل عليه عليّ - عليه السلام - ليقتله، ألقى نفسه عن فرسه وكشف

ص: 87

استه مواجهاً لعلي - عليه السلام - ، فلما رأى علي - عليه السلام - ذلك غضّ بصره وانصرف عمرو مكشوف العورة، ونجا بتلك المكيدة وقال الشاعر:

ولا خير في رفع الردى بمذلة *** كما ردّها يوماً بسوئته عمرو

قالَ عَلَيهِ السّلام: إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً، وَ يَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْکِ الدِّينِ رَضِيخَةً.

الاتيه: العطية أصلها الاتياء، بمعنى الاعطاء، كالمعطية من الاعطاء، والرضيخة: العطاء اليسير.

(الخطبة - 84)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ اُخرى: وَلَا يَبْأَسُ ساكِنُها.

يقال: بئس فلان بؤسا اذا اشتدّت حاجته.

(الخطبة - 85)

قال عليه السّلام في خُطَبَةٍ أُخْرى: فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ.

المهل: التؤدة، ويجوز أن يكون إسماً من الامهال والاستمهال، وارهاق أجله: اغشاء الاجل اياه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ.

يقال: غبن رأيه نقص، ونظيره سفه نفسه وألم رأسه، وانتصابه على التمييز، وهو من شذوذ تعريف التمييز كقوله، ولا يفزاره الشعر الرقابا (1).

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ اعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ.

ص: 88


1- كذا في الاصل.

89

انها قال ذلك، لانّ المرائي إنّما يطلب في ما يفعل رضى الخلق ويراقب جانبهم، كما يفعل المؤمن المخلص لطلب رضى الله تعالى، ومراقبة جانبه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَلَا تَباغَضُوا فَإِنَّها الحَالِفَةُ.

الضمير في فأنّها للحفظة، والحالقة: الداهية.

(الخطبة - 86)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَة اُخرى: فَاسْتَشْعَرَ الحُزْنَ.

أي جعل الحزن شعاره.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَسَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً.

الجدد: الارض الصلبة، وفي المثل من سلك الجدد امن العثار، والمراد هاهنا المستقيم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَالْمَنارُ مَنْصُوبَةٌ.

المنار: علم الطريق.

قالَ عَليه السلام: ألم أعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الأَكْبَرِ! وَاتَرُكَ فِيكُمْ الثَّقَلَ الأصْغَرَ.

الثقل الاكبر: كتاب الله والاصغر: عترة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَلَا يَتغَلْغَلُ إِلَيْهِ الْفِكْرُ.

التغلغل: السير السريع.

(الخطبة - 87)

قال عَلَيهِ السّلام: إلَّا بَعْدَ أَزْلٍ.

أي ضيق وشدة.

ص: 89

(الخطبة - 90)

شرح خطبة الاشباح: سميت هذه الخطبة الاشباح، لأنه - عليه السلام - ذكر فيها الاشباح أي: الاشخاص، روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر ابن محمد - عليهما السلام - ، أنّه قال:

خطب أمير المؤمنين - عليه السلام - بهذه الخطبة على منبر الكوفة، وذلك أنّ رجلاً أتاه فقال له: يا أمير المؤمنين صف لنا ربنا لنزداد له حبّاً و به معرفة.

فغضب - عليه السلام - ونادى: الصلوة جامعة، فاجتمع الناس حتّى غصّ المسجد بأهله، فصعد المنبر وهو مغضبٌ، متغيّر اللّون وخطب بهذه الخطبة، وان غضبه - عليه السلام - لأنّه عرف ان السائل متعصب.

فَقَالَ عَلَيهِ السّلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَ الْجُمُودُ وَ لَا يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ.

يقال: وفر الشيء وفراً ووفر الشيء وفوراً، والمراد أنّ المنع لا المنع لا يوجب له كثرة، ولا يكديه: أي لا يقلل الاعطاء خيره، ولا يمكن أن يجعل هذا من أكدى الرّجل، اذا قلّ خيره كما قال بعض الشارحين: لأنّه لازم ولا يكديه هاهنا متعدّ.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه: فالوجه عندي أن يجعل أصله من كدت الأرض، اذا أبطأ نباتها، وذلك نوع من قلة الخير، فيكون استعارة حسنة، والمعنى لانّ الأعطاء لا يوجب لخير ابطاء.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: لَا يُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ.

الجور: هو الميل عن القصد، والاعتساف: والتعسّف: الاخذ على غير الطريق.

ص: 90

قال عليه السلام: مَنْ ساواك بِشَيءٍ.

أي سوّاك.

قالَ عَليه السّلام في صِفَةِ السَّماءِ: وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَ لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا وَ وَشَّجَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ أَزْوَاجِهَا.

الرهوة: المكان المرتفع والمنخفض أيضاً، والمعنى أنه سوى السموات من غير أن جعل لها سقفاً من فوق، ومعتمداً من تحت، لاحم صدوع انفراجها: أي الصق بعضها ببعض ونفى انفراجها، ووشّج من الوشيجة، وهي عروق الشجر، ويقال: للقرابة المشتبكة واشجة، والمراد تأليف الأفلاك بعضها الى بعض.

قال عليه السّلام: وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ رائِدةٌ.

الرّصد: القوم الذين يرصدون، أي يرقبون كالحرس، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والنقاب: جمع نقب وهو الطريق في الجبل، وتمور في خرق الهواء رائدة: أي تضطرب وتتحرك جائية وذاهبة.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَ قَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا.

أي في مذاهب طريقهما يقال: درج: أي مضى.

قالَ عَليه السّلام: وَ أَجْرَاهَا عَلَى أَذْلَالِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَ مَسِيرِ سَائِرِهَا وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودِهَا.

يقال: جارية على اذلالة: أي على وجهه وأمور الله جارية على اذلالها: أي على مجاريها وطرقها، والمعنى أنه تعالى سخر الكواكب على الوجه الذي خلقها عليه لا يتغير عنه، بعضها الثوابت، وبعضها السيارة.

فالثوابت لا يسير والسيارة لا يثبت، وصعود الكواكب وهبوطها يعرفان

بأنّ كل كوكب من الكواكب السيارة في الأفلاك خارج المركز، عن مركز

ص: 91

العالم في ضمن فلك آخر كذلك الكواكب مركزه العالم، فاذا فرضنا خطّاً يخرج من مركز العالم ويمرّ بمركز الفلك الخارج المركز الى محيط الفلك الخارج المركز، يكون ذلك أطول الخطوط المفرجة من مركز العالم الى محيط الفلك الخارج المركز.

لو فرضنا خروج هذا الخطّ من مركز العالم على الاستقامة الى الطرف الآخر، حتّى يصل الى محيط الفلك الخارج المركز يكون أقصر الخطوط المخرجة من مركز العالم الى محيط الفلك الخارج المركز، فالنقطة التي هي طرف الخطّ الأطول يقال لها: أوج الكوكب، ويقال لها: البعد الأبعد، لأنّ الكوكب اذا كان هناك يكون في غاية البعد من الأرض.

والنقطة التي في طرف الخطّ الأقصر على محيط الفلك الخارج المركز يقال لها: الحضيض، والبعد الأقرب لأنّ الكوكب اذا كان هناك يكون في غاية القرب من الارض، فما دام الكوكب يتحرك من نقطة البعد الابعد الى البعد الاقرب، فهو هابط ومادام يتحرّك من البعد الاقرب الى البعد الابعد، فهو صاعد.

قال عليه السّلام في صِفَةِ الملائِكَةِ: وَعِمارَةِ الصَّفيحِ الأعْلَى.

وجه كل شيء عريض صفحه (1).

قالَ عَلَيهِ السّلام: في حَظائِرِ القُدْسِ، وَسُتُرات الحُجُبِ.

هي منازل الملائكة، والسترة: ما يستتر به.

قالَ عليه السّلام: وَ وَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا.

الرجيج: الصوت العظيم الهايل، والمراد بالسبحات هاهنا غلبة اشعة .

ص: 92


1- في شرح الراوندي: عريض صفيح.

ذلك النّور، وقوله: وتردع: أي تكف، وخاسئة: سدرة (1) متحيره، فتقف على حدودها: يعني لا يجاوز قوة أبصارها حدود الأعين.

قالَ عَليه السّلام: لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ وَ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ.

يقال: انتحل فلان شعر غيره: اذا دعاه لنفسه، والمراد من باقي الكلام، أنّهم لا يدعون الشركة فيما انفرد الله تعالى بخلقه، وربّما يتخالج في بعض الأوهام انه لم خصص نفي ادعائهم الشركة بما انفرد به.

قال السيد الأجلّ المصنّف زيد علوّه: فأقول وجه التخلص من هذا أن يقال: إن حقيقة الخلق التقدير، فالملائكة لا يقدرون في أنفسهم أن يحدثوا شيئاً مما تفرّد الله تعالى بإحداثة، ولكن يجوز أن يقدروا في أنفسهم اشياءً آخر يفعلونها، كتسبيح الله وغيره ومن عبادات يخصّهم وما من أحد من الملائكة وغيرهم اذا أراد أن يعمل شيئاً إلّا قدره في نفسه أوّلاً، ثم عمله، وفي هذا دليل على أن العباد مختارون في أفعالهم غير مجبورين.

قال عليه السّلام: وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ.

أي الزم قلوبهم من قولهم: أشعر الرجل هماً اذا الزق به، والاخبات:

الخشوع، وكأنه فوق التواضع في معناه.

قال عليه السّلام: لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ وَ لَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ.

الموصرات: المثقلات من الإصرار وهو الذّنب والثقل، لم ترتحلهم، ها هنا بمعنى لم ترحلهم من قولهم: رحل البعير اذا شدّ على ظهره الرحل، والعقبة: النوبة، ومن تدوالته اللّيالي والأيام كان مثل البعير المسخر الذي يشدّ على ظهره .

ص: 93


1- سدر: تحير.

الرحل ويردد في الاسفار، وتنقل من منزل الى منزل.

فنحن في الدنيا كذلك بنقل من النهار الى اللّيل، ومن اللّيل الى النهار، فكان اللّيالي والايام ترتحلنا بعقبها، واذا لم يكن في السموات ليل ولا نهار، لأن تعاقب اللّيل والنهار علينا بسبب طلوع الشمس وغروبها، وهناك لا طلوع لها ولا غروب، فلذلك كانت الملائكة منزهين عن تداول اللّيالي والايام وعن التغيرات التابعة لها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ.

لم تعترك: لم تزدحم، والعقد: موضع العقد والاعتقاد، وهو النفس يعني لم تزدحم، ولم تطرق الظنون على نفوس الملائكة المتيقنة بوجود الخالق ووحدانيته، وغير ذلك.

قال عليه السّلام: مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ وَ فِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ وَ فِي قَتْرَةِ الظَّلَامِ الْأَيْهَمِ.

الدّلح: الثقال بالماء، من دلّح الرجل: اذا مشى بحمله غير الخطو لثقله، وسحابة دلّوح: كثيرة الماء والقترة: الغبار والظّلام الأيهم: الذي لا يهتدي فيه من شدة ظلمته ويقال: للفلاة التي لا يهتدي عليها الماء.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَتَحْتَها ريْحٌ هَفَافَةٌ.

أي ساكنة طيبة.

قال عليه السّلام: وَ وَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ.

يقال: وسلت اليه وسيلة، وتوسلت اليه بوسيلة، والمراد بحقايق الايمان: موجباته ومقتضياته، لانّ الايمان له حقيقة واحدة.

قال عليه السّلام: وَ تَمَكَّنَتْ مِنْ [سُوَيْدَاوَاتِ ] سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ.

الوشيجة: عرق الشجر المتشابكة، والقرابة المشتبكة أيضاً.

قالَ عَليه السّلام: ولَمْ تأسِرْهُم الأطْماعُ، فَيُوثُروا وَشِكَ السَّعْي عَلى

ص: 94

اجْتِهادِهِمْ.

لما كانوا مبرّأين من الأطماع، منزّهين من الشهوات لا يؤثرون السعي السريع، لنيل مطلوب وقضاء شهوة على بذل الوسع في عبادة الله وطلب مرضاته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في صِفَةِ الأرض: كَبَسَ الأرضَ عَلى مَوْرِ أمواجٍ مُستَفْحِلَة.

يقال: كبس البئر: اذا طمّها بالتراب، وكبسوا دار فلان: أي اقتحموا عليها ليغيّروا ما فيها، والمور: الحركة باضطراب، والمستفحلة: العظيمة.

قال عليه السّلام: تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا وَ تَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا.

الاذيّ: أشدّ الموج، وتصطفق: أي تضطرب، وتصطكّ مع صوت الثبج أعلى السنام.

قالَ عَليه السّلام: وَ ذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِياً.

استخذى: خضع وتمعكت الدابة: تمرّغت بالتراب والاصطخاب: الصياح وساجياً: ساكناً.

قالَ عَليه السّلام: وَ سَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَ رَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَ اعْتِلَائِهِ وَ شُمُوخِ أَنْفِهِ وَ سُمُوِّ غُلَوَائِهِ وَ كَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ وَ لَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ مَدْحُوَّةً مَبْسوطَةً.

اللجة: معظم الماء، والتيار الموج، النخوة: العظمة، والمراد هاهنا العظمة، والبأو الكبر، وشموخ الأنف كناية عن التكبر يقال: شمخ بأنفه: اذا تكبر والغلواء: الغلو، وكعمته: أي شدت فمه، والكظّة: الامتلاء، والمراد بكظة جريته: قوة جريه وشدّته، وهمد: أي سكن يقال، همدت النار: اذا

ص: 95

طفئت، والنزق: الخفّة والطيش، والمراد بنزقاته هاهنا نزواته، ليكون مناسباً للسكون، والزيفان: التبختر.

قالَ عَليه السّلام: وَ حَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا وَ فَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَ أَخَادِيدِهَا وَ عَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلَامِيدِهَا وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صيَاخِيدِهَا فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ بِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا وَ تَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا وَ رُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِينَ وَ جَرَاثِيمِهَا.

البذخ: الجبال الشوامخ، وعرنين كلّ شيء: أوّله، وعرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين، والسهب: المتّسع من الأرض، والأخاديد: الشقوق، والجلاميد: الصخور، والشناخيب: رؤوس الجبال، واحدها شنخوب، والصخود: الشديد الصلب، وتغلغل الماء في الشجر: أي تخللها، والجوبة: الفرجة في السحاب، وفي الجبال، وخياشيم الجبال: أنوفها، والجراثيم: الاصول.

قالَ عَلَيهِ السّلام: مْ يَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا.

الجرز: الارض التي لا نبات فيها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ.

نشأت السحابة: ارتفعت.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَ تَبَايُنِ قَزَعِهِ حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ وَ لَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ وَ مُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ وَ دُفَعَ شَآبِيبِهِ. فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْ ءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْضِ النَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ، فَهِيَ

ص: 96

تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَ تَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا وَ حِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا.

اللمع: القطع، و القزع: قطع من السحاب رقيقة الواحد قزعه، وتمخّضت: أي تحركت يقال تمخّض اللبن في المخضة، وتمخّض الجنين في الرّحم، واللجة: معظم الماء، والمراد بكففه قطعة المستديرة، والكفة تعلق على كل ما استدار مثل كفة الميزان وغيره.

الكنهور العظيم من السحاب، والرباب: السحاب الأبيض، والسّح: الصبّ، ومعنى سحّاً متداركاً: أي متوالياً متّصلاً بعضه ببعض، وأسفّ: دنا من الأرض، والهيدب: ما يهدب من السحاب كأنه خيوط وتمريه: أي تستدره، والدرّ: جمع درّه، وهي كثرة المطر وسيلانه والاهاضب: واحدها هضاب، وواحد الهضاب هضب، وهي حلبات القطر بعد القطر.

دفع شابيبه: دفق قطراته العظيمة، والبرك: الصدر، والبواني: أضلاع الصدر والبعاع: الثقل والارض الهامدة: هي التي لا نبات فيها، والازعر: الموضع القليل النبات، وتزدهي: أي تتكبر والضمير في البسته للفظ الارض او الماء الموصولة، أي تزدهي الارض بالشيء الذي البسته السحاب ربط ازاهیرها، وذلك الشيء سطح الارض او روضها، والریط: الملاءة، وشمطت: أي خلطت.

قالَ عَلَيهِ السّلام: اخْتَارَ آدَمَ - علیه السلام - خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ.

الخيرة: الاسم من اختاره، والجبلّة: الخلقة، وكأنها لا تستعمل إلّا في الانسان، وإلّا فآدم لفظ اول المخلوقات.

قال عليه السّلام: وَأَوْعَزَ إلَيهِ.

أي تقدّم.

ص: 97

قالَ عَليه السّلام: مُوافاةً لِسابِقِ عِلْمِهِ.

أي اثباتاً على وفق علمه.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: لِيَبْتَلِيَ مَنْ أراد بِمَيْسُورِها وَمَعْسُورِها.

الميسور والمعسور مصدران.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا.

العقبول: الحلا، وهو جراح صغار يخرج بالشفه من بقايا المرض.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا.

أي حادياً، والاشطان: الحبال والمراير: جمع المرير، وهو الحبل الشديد الفتل، والاقران: الحبال.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ.

يقال: اومضت المرأة اذا سارقت النظر.

قال عليه السّلام: وَ غَيَابَاتُ الْغُيُوبِ وَ مَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ وَ مَصَايِفُ الذَّرِّ وَ مَشَاتِي الْهَوَامِّ وَ رَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِيَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِيَتِهَا وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ وَ نَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا وَ مَا تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا.

غيابة البئر: قعرها، والمراد بغيابات الغيوب: بعيداتها وأقاصيها، وَمصائخ الأسماع: موضع اصاختها، والمصائف: جمع المصيف، وهو الموضع الذي يقام فيها في الصيف، والمشتا: للشتاء، والمولّهات: التي فرقت بينها وبين ولدها، والهمس: الصوت الخفي، ولائج غلف الاكمام: بواطنها.

منقمع الوحوش: مدخلها ومختبأ البعوض: موضع اختفائه، واللّحا:

ص: 98

القشر، والامشاج: ما اختلط من ماء الرجل والمرأة او من العناصر، والناشئة: السحابة المرتفعة، والمتلاحمة، المتداخلة بعضها في بعض، وتسفي: أي تذري، والاعاصير: جمع الاعصار، وهو الريح التي تنشر الغبار، وترتفع الى السماء كالعمودة، وتعفو تمحو.

قالَ عَلَيهِ السّلام: بذرى شناخِيبِ الجِبالِ.

أي رؤوسها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكَارِ.

الديجور: الظلام.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ حَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ.

إنما وصل حضنت بعليه لان الطاير اذا حضن بيضه ضمّه الى نفسه مشتملاً عليه بجناحيه.

قال عليه السّلام: أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ وَ سُبُحَاتُ النُّورِ.

ذرّ: طلع والشارق: الطالع، وشارق النهار: الشمس، وسبحات النور:

أشعته العظيمة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَهَماهِم كُلِّ نَفْسٍ هامَّةٍ.

الهمهمة: ترديد الصوت في الصدور، والمراد بكلّ نفس هامة: كلّ نفس تدبّ وتتحرك.

قالَ عَلَيهِ السّلام: قَرَارَةِ نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَ مُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَ سُلَالَةٍ.

القرار: المستقر، والقرارة: القاع المستدير، والنقاع: الأرض المستوية واشتقاقه من نقع الماء: أي اجتمع، وناشئة كل شيء: اوّله، وسلالة الشيء: ما استل منه.

ص: 99

قالَ عَليه السّلام: وَلَا اعْتَوَرَتُهُ: أي تداولته.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ لَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ.

أي ولا يرفع، والخلة: الفقر.

(الخطبة - 92)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخرى: وَحَوازِبُ الخُطُوبِ.

يقال: حزبه امر: أي اصابه.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَقَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ عَنْ ساق.

أي شمرت قال الشاعر: قد شمرت عن ساق شمري واصل قلصت من قلص الثوب: إذا نقص وقصر.

قالَ عَلَيهِ السّلام: إنّ الفِئَنَ إذا أقْبَلَتْ شَبَّهَتْ، وَإذا أدْبَرَتْ نَبَّهَتْ.

معناه انّ الفتنة اذا وقعت اشتغل كلّ الناس ببليتها، والسعي في دفعها ولا يتفرّغون للبحث عن اسبابها، فتشتبه عليهم، فاذا أدبرت تفرغوا للتفكر في تعرف اسبابها، وتنبهوا لدفعها والتحرز منها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَلَا وَ إِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا وَ خَصَّتْ بَلِيَّتُهَا وَ أَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا وَ أَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا. وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ تَعْذِمُ بِفِيهَا وَ تَخْبِطُ بِيَدِهَا وَ تَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَ تَمْنَعُ دَرَّهَا.

الخطة: الامر العظيم، وملك بني امية كان خطة يعمَّ الناس شرها، وتخص بليّتها أمير المؤمنين وأولاده وأتباعه، ويصيب بلاؤهم من علم شرهم ورفضهم مراسم الدين ونقضهم قواعد الشرع، ومن عمي عن ذلك، ورضي بما

ص: 100

عملوا ولم ينكر عليهم شيئاً سلم، والناب: المسنّة من النوق، والضروس: السيئة الخلق والعذم: العضّ والخبط: الضرب باليد والزبن: الركض بالرجل، والدرّ: اللبن.

قال عليه السلام: تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً وَ قِطَعاً جَاهِلِيَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى وَ لَا عَلَمٌ يُرَى، نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ.

الشوهاء: القبيحة، والقطع: ظلمة آخر الليل، وانما أنّث صفة القطع بالجاهلية لأنه عنى به الظلمة والمنار: علم الطريق، والمراد انهم طمسوا اعلام الهدى، واحيوا من الرسوم الجاهلية، ومحاه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قوله عليه السلام: «نحن أهل البيت منها بمنجاة».

المراد إنّا براء مما يرتكبون على الدين، ومأجور من تبعاته ووخامة عواقبه، ولسنا بدعاة المسلمين الى ذلك.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَيَسْقِيهِمْ بِكَأس مُصبَّرَةٍ.

أي مرة قد ديف فيها الصبر.

(الخطبة - 95)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخرى: وَصَمْتُهُ لِسانٌ.

يقال: السكوت اخو الرضى، يعني انّ الرسول - صلى الله عليه وآله - اذا صمت في حادثة، ولم ينكرها بحكم، بأنه ارتضاها واستحسنها.

ص: 101

(الخطبة - 96)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامِ: مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا.

يقال: سبوا أيدي سبا وأيادي سبا: أي متفرقين، وهما اسمان جعلا واحداً مثل معدى كرب، وهو مصروف لأنّه لا يقع الّا حالاً، هكذا ذكر في الصحاح، وقال: آخرون أيادي سبا بغير تنوين، وهو لا ينصرف.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَ حَمِيَ الضِّرَابُ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا.

حمس: اشتدّ، وانما شبّه - عليه السلام - انفراجهم المرأة عن فرجها أي كشفها عورتها لافتضاحهم بقبح انهزامهم وانخرالهم عن الحرب.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَ خُدُودِهِمْ.

المرواحة في العملين ان تعمل هذا مرة، وهذا مرة، ويقال: راوح بين رجليه: اذا قام على احدهما مرة وعلى الأخرى مرة، والمراد انهم يضعون جباههم على الأرض مرة، وخدودهم مرة خشوعاً لله وتضرعاً.

(الخطبة - 97)

قالَ عَليه السّلام في كلام آخر: وَ حَتَّى يَكُونَ أَعْظَمَكُمْ فِيهَا عَنَاءً أَحْسَنُكُمْ بِاللَّهِ ظَنّاً.

العنا: النفع، والمعنى ان الذي لم ينصركم ولم يسع في دفع الفتنة، يرجو من الله ان يدفعها، ويحسن به الظن فيها.

ص: 102

(الخطبة - 98)

قال عليه السّلام في خُطْبَةٍ أخرى: وَ كَمْ عَسَى الْمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا وَ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لَا يَعْدُوهُ.

يعني كم من طالب غاية يسع في طلبها حتّى يبلغها ذلك ممكن، ولكن من كان له يوم يعدوه: أي أجل معين في حكم الله تعالى، لا يمكن ان يبقى بعد ذلك.

قالَ عَلَيهِ السّلام: عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ لِلْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ.

المساوِرَةُ: المواثبة.

(الخطبة - 99)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخرى: أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً.

أي مظهراً من قوله تعالى: «فاصدع بما تؤمر».

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَخَلَّفَ فِيْنا رايةَ الحَقِّ.

يعني القرآن.

قال عليه السلام: دَلِيلُها مَكيْثُ الكَلامِ، بَطيءُ القِيامِ، سَرِيعُ اذا قامَ. يعني بدليلها رسول الله - صلى الله عليه وآله - لأنه كان الدليل على انّ القرآن كتاب الله وكلامه، وكان - صلى الله عليه وآله - متأنّياً في الكلام غير مستعجل، وكان اذا جلس لأصحابه واجرى احكامه وقضى حوايج الناس لا يعجل قيامه فعل من به ملالة واستثقال الحضور الناس واستماع كلامهم، وكان

ص: 103

اذا قام سريعاً في قيامه، خفيفاً في حركته.

قالَ عَلَيةِ السّلام: فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى يُطْلِعَ اللَّهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَ يَضُمُّ نَشْرَكُمْ، فَلَا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ وَ لَا تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِرٍ فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ وَ تَثْبُتَ الْأُخْرَى وَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً.

الكلام موافق لما اخبر به رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنّه سيظهر من اولاده من يملأ العالم عدلاً ويقهر الظالمين ويهلك القاسطين والنشر: المنتشر فلا تطمعوا في عين مقبل: أي لا تطلبوا الخير إلّا ممن كان مقبلاً من اولادي على اتباع الحق والعلم، مقيماً للطاعة والعبادة، ولا تيأسوا ممن زلّ عن سنن الهدى وارتكب المعاصي، فأنه سيرجع عن ذلك ويتوب الى الله تعالى، وزلّ يزلّ كلاهما مستعملان وزالت تزل قول الفراء، واحدى قائمتيه: أي احدى رجليه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: اذاخَوى نَجمٌ طَلَعَ نَجْمٌ.

خوی: سقط

(الخطبة - 100)

قالَ عَلَيهِ السّلام في أخرى: الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوَّلٍ وَ الْآخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ وَ بِأَوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لَا أَوَّلَ لَهُ وَ بِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لَا آخِرَ لَهُ.

يعني ان كل ما قدر في الذهن انه أوّل الموجودات فهو قبله، لانه لو لم یكن كذلك لما كان قديماً، فبقدمته ثبتت اوليّته، وأيضاً فانّ الابتداء لا بدّ من ان يكون بالنسبه الى شيء هو قبله، وآخريته لبقائه بعد كل شيء لا لشيء آخر.

قال عليه السّلام: أَيُّهَا النَّاسُ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي وَ لَا

ص: 104

يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي وَ لَا تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي.

يجرمنّكم: لا يكسبنكم، والجرم يتعدّى الى مفعولين، وهاهنا حذف - عليه السلام - احد المفعولين لانه اشار بهذا الى قوله تعالى: «وبا قوم لا يجرمنّكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد» وقال الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينه طعنة *** حرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

والشقاق: المخالفة والعداوة، ولا تستهوينكم: أي لا يستهمنكم.

المراد بقوله عليه السلام: ولا تتراموا بالأبصار: ان الانسان اذا سمع من يتكلم بكلام لا يوافقه ولا يرغب في أن يعيه، رمى ببصره الى كل جانب، ومن رغب في كلام لم يرفع بصره عن المتكلم به، وأقبل بكليته عليه.

قال عليه السّلام: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَ فَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ.

الضلّيل: الضال جداً الذي يتبع الضلالة كثيراً، والنعيق: صوت الراعي بغنمه، ويقال: فحص المطر التراب: أي قلّبه، وضواحي البلد ظواهره.

قال عليه السلام: وَ بَدَا مِنَ الْأَيَّامِ كُلُوحُهَا وَ مِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا. تكشر (1) في عبوسها الكدح عبوسها الكدح أكثر من الخدش.

قال عليه السلام: وَ عَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ.

المراد وقوع الحرب والقتال، والقرون هاهنا: جمع قرن، والتفات القرون: مناوشتها ومصارعتها. .

ص: 105


1- كذا في الأصل.

(الخطبة - 101)

قال عليه السّلام في أُخْرى: لِنِقَاشِ الْحِسَابِ.

أي المناقشة، وهي الاستقصاء في الحساب.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَأَلجَهَمهُمُ العَرَقُ.

هذا استعارة يراد بها غاية الخوف والحياء، لانّ من بلغ منه الخوف والحياء مبلغاً يلزمه العرق الكثير، واستعمال اللازم مكان الملزوم في المجاز والاستعارة مشهورة في كلام العرب.

(الخطبة - 103)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أخرى: بيَحْسِرُ الْحَسِيرُ وَ يَقِفُ الْكَسِيرُ، فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ.

يريد حكاية لطف رسول الله - صلى الله عليه وآله - وشفقته على الناس، ورفقه يحسر: أي يتلهّف والحسير: العيى المتخلّف عن الرفقاء، فهو - صلى الله عليه وآله - اذا رأى ذلك أقام عليه ووقف لديه حتّى يلحقه بمقصده.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ اسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا.

استوسقت: اجتمعت، والقياد: حبل يقاد به الدابة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لَأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ.

البقر الشق، والخاصر: الشاكلة.

ص: 106

(الخطبة - 104)

قال عَلَيهِ السّلام في أُخْرى: جَائِلًا خِطَامُهَا قَلِقاً وَضِينُهَا.

يريد بيان ذهاب الدنيا ونفارها، واذا نفر البعير يكون خطامه جائلاً متحركاً، لأنه لا يكون عليه من يمسكه، وكذلك قلق الوضين، والوضين للهودج كالبطان للقتب.

قال عليه السّلام: فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ.

يقال شعر البلد: اذا خلا من الناس، وبلدة شاغرة: اذا لم يمتنع من غارة أحد.

قال عليه السّلام: فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ.

الشفا: الجرف، وجرف الوادي جانبه الذي ينحفر اصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى، والهار: الهاير المنصدع المشرف على التهدم، وزنه فعل قصر عن فاعل كشاك وصات في شايك وصايت.

قالَ عَليه السّلام: فَاللَّهَ اللَّهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لَا يُشْكِي شَجْوَكُمْ.

اي اتّقوا الله في ان تشكوا واحذّركم الله، لا يشكي: اي لا يزيل حزنكم، يقال: أشكيت فلاناً: أعنته عن الشكوى أو أزلت شكواه، والمعنى انه لا يزيل شكوى شجوكم، على اضافة المصدر الى المفعول.

قال عَليه السّلام: وَ إِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا. فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ

السهمان: جمع السهم، بمعنى النصيب، والتصويح: التبييس.

ص: 107

(الخطبة - 105)

قالَ عَليه السّلام في خُطْبَةٍ أُخرى: وَ أَوْضَحُ الْوَلَائِجِ مُشْرِفُ الْمَنَارِ.

قال بعض الشارحين: الولج موضع او كهف تستتر فيه المارَة من مطر أو غيره، والجميع ولج وأولاج هكذا ذكر في «الصحاح»، ولم يوجد الولائج، بمعنى جمع الوليجة.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه: وعندي انّ هذا استعارة من وليجة الرجل، بمعنى بطانته، وخواصه ويمكن ان يقدر الاسلام بطانة وخواص من احكامه اللازمة لزوم خواص الرجل وبطانته اياه وهم تابعون له وأحكام الأسلام لوازمه وتوابعه، ويجوز أيضاً ان يكون الوليجة الاسم من الولوج، في مناهج الدين، والمسالك التي تنشأ من الاسلام، وتولج فيها ونظيرها الشريعة والعقيدة والتميمة، والمنار: العلم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَأَنَارَ عَلَماً لِحابِسٍ.

العلم: ما يهتدي به ومن لا يهتدي في طريق يحبس مركوبه حتّى يهتدي به، فاذا رأى العلم خلّى المركوب.

قال عَلَيْهِ السّلام: وَ أَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ.

كانت للعرب في الجاهلية ذمم تأنفون من نقضها، يعني أنتم على ما كان عليه آباؤكم في الجاهلية.

قال عليه السلام: وَ ايْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ لَجَمَعَكُمُ اللَّهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ .

يعني لو بالغوا في تفريقكم لجمعكم الله في يوم يجزیهم شر الجزاء.

ص: 108

(الخطبة - 106)

قالَ عَليه السّلام في بَعْض أيام صِفَينِ: وَ قَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ وَ انْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ تَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَاةُ.

ويروى الطغام يقال: انحاز القوم: اذا تركوا مركزهم، ويحوزكم: أي يجمعكم متحازين، والطّغام: اوغاد الناس.

قال عليه السلام: لَهَامِيمُ العَرَبِ.

اللهموم: الجواد من الناس والخيل.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ لَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِي.

المراد بالوحاوح: الغصص من الوحوحة، وهي صوت مع بحوحة. قالَ عَلَيهِ السّلام: حَسّاً بِالنِّصَالِ وَ شَجْراً بِالرِّمَاحِ.

الحسّ الاستيصال، وشجره بالرمح: أي طعنه.

(الخطبة - 107)

قالَ عَليه السّلام في خُطْبَةٍ مِنْ خُطَبِ المَلاحِمِ في ذكْر النّبي - صلّى

الله عليه وآله وسلّم - : طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ.

يعني الطبيب الحاذق لا يقتصر على علاج مريض واحد واستعمال دواء مخصوص، بل يعالج كل مريض بعلاج يليق به ويستعمل في كلّ داء دواء يختص به، فالنبي - صلى الله عليه وآله - كان يكلم الناس على قدر عقولهم وبحسب امزجتهم.

قال عليه السّلام: مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وَ أَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ.

يعني كأنكم جماد، وكأنكم أموات من خوف العدو، وكأنكم ارواح مجرّدة

ص: 109

عن الابدان لا تهمّكم امور دينكم ودنياكم، فلا يهتمون بما فيه صلاح من العبادات، وما فيه بقاء أبدانكم من التصرف والتقلب في أمور الدنيا، فان الارواح المجرّدة تكون فارغة عن كلا الامرين.

قالَ عَليه السّلام: فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلَّا ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ، تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الْأَدِيمِ.

الثقالة والثقل: ما سفل ورسب ومن كلّ شيء، والعكم: العدل، والضمير في تعرككم، وما بعده لراية ضلالة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَليَصْدُقْ رائِدٌ أَهْلَهُ.

من امثال العرب، لا يكذب الرائد اهله والرائد: هو الذي يبعثه القوم ليطلب لهم الكلاً، والمراد هاهنا انّ الواعظ للناس انما يعظهم ليشوقهم الى الخير كالرائد، فلا يكذبهم فيما يعظهم.

قال عليه السّلام: فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ وَ قَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ.

يعني ان ربانيكم الذي ذكره قبل كشف لكم الامر والفلق: الشق، والمراد الفرق بين الحقّ والباطل قوله عليه السلام: فلق الخرزه: يريد به ان الخرز اذا نظّمت كانت كلّ خرزة منغلقة ومنفصلة عما يليها، والقرف: القشر والمراد به الايضاح و الكشف والصمغة: اذا قلعت من الشجر تقرفه، وفي المثل تركته على مثل مقرف الصمغة، يعنى اخذت جميع ما عنده.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ.

یعنی عند غلبة قائد راية الضلالة الذي ذكره قبل يقوى الباطل، ويستنره حيث يتوجه اليه.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَهَدَرَ فَنِيقُ الْباطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ.

هدر البعير: أي ردّد صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل، والكظوم:

ص: 110

السكوت، وكظم البعير يكظم كظوماً: اذا أمسك عن الجرة.

قالَ عَلَيهِ السلام: وأوساطُهُ أكّالاً.

أي مأكولة، والاكّال جمع أكل: وهو ما اكل، وفي بعض النسخ أكالاً.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ لُبِسَ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً.

يعني صارت أحكامه مقلوبة مخالفة للحق

(الخطبة - 108)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخْرى: لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَةٍ.

اي لم توحشك الوحدة، فخلقت الخلق لتستأنس بهم.

قال عليه السّلام في وَصْفِ المَلائِكَةِ: وَ لَمْ يَتَشَعَّبْهُمْ رَيْبُ الْمَنُونِ.

اي لم يفرقهم، والريب مارا بكَ من أمر تكرهه، والمنون: المنيّة، والمنّ: القطع، وسميّت المنيّة منوناً لأنّه تقطع مدد الأعمار، والمراد نفي الموت عن الملائكة في الماضي.

قالَ عَليه السّلام: وَ جَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً.

يقال: ادب النوم الى طعامه: أي دعاهم اليه، واسم الطعام مأدبة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ييَتَذَكَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَ مُشْتَبِهَاتِهَا.

يعني لم ينظر الى الوجوه التي كسب منها تلك الاموال وحرامها وحلالها، والمصرّح: هو الذي يعلم أنه حلال وحرام.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ الْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَ يَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ.

يقال: فلان غلق رهنه بما فيه: اذا وقع في امر لا يرجو منه خلاصاً

ص: 111

وغلق الرهن الّا بفتكه الراهن للوقت المشروط، فيستحقه المرتهن، واصحر له: أي ظهر له من أصحر الرجل: اذا خرج الى الصحراء وزهد في الشيء، وزهد عنه: اذا لم يرغب فيه.

قال عَليه السّلام: وَ أُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ.

اذا حشر الخلق تساوى الاول والآخر.

يعني قال عليه السّلام: أَمَادَ السَّمَاءَ وَ فَطَرَهَا وَ أَرَجَّ الْأَرْضَ وَ أَرْجَفَهَا.

أماد: حرّك، وفطر: شق، وارج: حرك، وارجف: زلزل.

قالَ عَليه السّلام: وَ مُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ.

يعني ثياباً من النيران من قوله تعالى: «قطعت لهم ثياب من نار».

قالَ عَليه السّلام: وَ قَصِيفٌ هَائِلٌ.

أي صوت.

قالَ عَليه السّلام في ذكرِ النّبي - صلى الله عليه وآله - : قَدْ حَقَرَ الدُّنيا وَصَغَّرَها، وأهونَ بها وَهَوَّتَها.

أهون بها من الهون والهوان، وهوّنها: أي سهّلها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً.

الرياش: اللباس الفاخر.

(الخطبة - 109)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أخرى: وَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ.

الفطرة: مبدأ الخلق، وهو الاصل الذي يبتني عليه الاشياء، وتحدث بعد ابتداء الخلقة من الاعراض والاخلاق والافعال، وكذلك كلمة الإخلاص، وهي الاقرار بوحدانيّة الله تعالى، واخلاص العقيدة فيها اصل الاسلام ومبدأه، وما يتبعها من مراسم الدين واحكام الشرع مبني عليها.

ص: 112

قالَ عَليه السّلام: فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ وَ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ.

مثراة: مكثرة، ومنسأة: متأخر من النسأ بمعنى التأخير، وأسقط الهمزه ليناسب مثراة.

(الخطبة - 110)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخرى: لا تدومُ حَبْرَتُها.

اي سرورها ونعيمها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ا تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا.

يعني اذا بلغت الغاية وانتهت لا تعدوها، ولا تحاورها بدوامها على حسب أمنية الراغبين فيها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ لَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ إِلَّا هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلَاءٍ.

لم تطلّه: أي لم تمطر عليه، وهتنت مطرت.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ ذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً.

الابهة: العظمة والكبر.

قالَ عَليه السلام: سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ وَ عَيْشُهَا رَنِقٌ.

الدول: جمع دولة، وهي ما يتداول يكون مرة لهذا ومرة الى ذلك، والرنق: الكدر.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ.

الصفيح: الحجر العريض، والأجنان: جمع جنن، وهو القبر.

ص: 113

(الخطبة - 113)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَة أُخرى: وكتابٌ غَيْرُ مُغادِرٍ.

المغادرة: الترك، وهو من قوله تعالى: «ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها».

قالَ عَلَيهِ السّلام: تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَ تَرْفَعَانِ الْعَمَلَ.

هذا من قوله تعالى: اليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه.

قالَ عَليه السّلام: وَشارِبٌ لا يَنْقَعُ.

أي لا تسكن عطشه.

قال عليه السلام: وَ مِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى المَغْبُوط مَرْحُوماً وَ المَرْحُوماً مَغْبُوطَاً.

من تغير احوال الدنيا وتقلبها انك ترى من يغبطه الناس بكثرة ماله ونعمته في الدنيا مرحوماً في الاخرى لكثرة تبعاته، وترى من كان مرحوماً لفقره وقلة ماله، مغبوطاً في الدار الآخرة لكثرة نعيمه وحسن ثوابه.

قال عليه السلام: وَأضْحى فيئَها.

يعني وما أضحى: أي وما اسرع زواله من ضحى الشيء: اذا ظهر والفيء: ما بعد الزوال من الظلّ، لرجوعه من جانب الى جانب.

قال عليه السلام: إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ وَ مَا أُحِلَ لَكُمْ أَكْثَرُ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ.

في مأمورات الله تعالى سعة عظيمة من العبادات المفروضة والنوافل في ساير أعمال البرّ من حيث الكثرة، ومن حيث قيام بعضها ببعض، وقضاء ما يفوت من الفرائض ورفع الجناح عن ترك النوافل، والصدقات، وليست

ص: 114

المنهيات كذلك لأنّ في المحظورات تخريجات ليست في المباحات، وما أمر بأقامته، واما الحلال والحرام، فلا شكّ في انا لو استقرينا اجناسهما وأنواعهما لترجح الحلال على الحرام بكثير.

قال عليه السّلام: قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ، مَعَ أَنَّهُ وَ اللَّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ وَ دَخِلَ الْيَقِينُ حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ وَ كَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ.

یعنی أن الله تعالى ضمن رزقكم وفرض عليكم اعمالاً، وما ضمنه الله تعالى يكون حصوله متيقّناً، ويكون وعده صادقاً، فأنتم شككتم في صول رزقكم اليكم وصار نفسكم مدخولاً فيه: أي معيباً من الدخل وهو العيب، فاشتغلتم بطلب الرزق الموضوع عنكم طلبه، وتركتم المفروض عليكم علمه.

(الخطبة - 114)

قال عليه السّلام في خُطْبَةِ الإستسقاء: قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَ اغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَ هَامَتْ دَوَابُّنَا وَ تَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وَ عَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلَادِهَا.

انصاحت: أي انشقّت من شدة اليبوسة وقوة الحرّ، وثار الغبار عن أرضنا، وعطشت دوابّنا، والهام: أشد العطش والمرابض للغنم، كالمعاطن للابل والعجّ: رفع الصوت.

قالَ عَلَيهِ السّلام: خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ وَ أَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ.

اعتكرت: أي تكررت ويقال: اعتكر الظلام: أي اختلط بعضه على بعض، والحدابير: جمع حدبار، وهو الضامر من النوق التي يبس لحمها من

ص: 115

الهزال، ومخيلة السحاب، خلاقته بالمطر ويقال: سحابة مخيلة، اذا كانت مرجوة المطر، فكنت الرجاء: يعني المرتجى، إلّا انه جعله نفس الرجاء للمبالغة، والمبتئس: الحزين.

قال عليه السّلام: وَ انْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ وَ الرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ وَ النَّبَاتِ الْمُونِقِ سَحّاً وَابِلًا.

المنبعق: المنشق بالمطر والبعاق: السحاب الذي يتصبّب بشدّة، المغدق: المغرور للماء، والسخ: المطر القويّ، وانتصاب سحّاً على التمييز من المنبعق والمغدق.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَللهُمَ سُقْياً مِنْكَ.

اي ارزقنا ونلتمس، والسقيا: اسم من السقي.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ تَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا.

ضواحي الارض: ظواهره.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ععَلَى بَرِيَّتِكَ الْمُرْمِلَةِ.

يقال: أرمل القوم: اذا نقد زادهم.

قالَ عَلَيْهِ السّلام: وَ لَا قَزَعٍ رَبَابُهَا وَ لَا شَفَّانٍ ذِهَابُهَا.

القزع: قطع السحاب الرقيقة، والرّباب: السحاب الأبيض، والشفان: برد يريح في ندوة، وهو من الشفيف، وينصرف هاهنا لانه نكرة و الذهاب: جمع ذهبة، وهي المطر، والتقدير، ولاذت شفان ذهابها، فحذف ذات لعلم السامع به.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ يَحْيَا بِبَرَكَتِهَا الْمُسْنِتُونَ.

يقال: أسنت القوم: اذا أجدبوا قال ابن الزبعري:

عمرو العلى هشم الثريد لقومه *** ورجال مكّة مسنتون عجاف

أصله من السنّة، قلبوا الواو تاء ليفرقوا بينه وبين قولهم: أسنى القوم: اذا

ص: 116

أقاموا سنة في موضع.

(الخطبة - 115)

قالَ عَلَيهِ السّلام في خُطْبَةٍ أُخْرى: غَيْرَ وَاهِنٍ وَ لَا مُعَذِّرٍ.

معذّر يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون بمعنى ولا مقصر، والثاني أن يكون

بمعنى ولا معتذر الّا انّ التاء ادغمت في الذال، ونقلت حركتها الى العين.

قال عَليه السّلام: إذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَ تَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.

الصعيد: وجه الأرض، والجمع صعد وصعدات، مثل طريق وطرق وطرقات، وتلتدمون: أي تضربون، والتدام النساء: ضربهنّ في النياحة.

قالَ عَلَيهِ السلام: مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ وَ أَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ.

مضوْا قدماً: أي متقدمين، والوجيف: ضرب من سير الابل والخيل، وأوجفه: أي حمله على الوجيف، والمحجَة: جادة الطريق.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَمَا وَ اللَّهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلَامُ ثَقِيفٍ الذَّيَّالُ الْمَيَّالُ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَ يُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ، إِيهٍ أَبَا وَذَحَةَ.

أشار - عليه السلام - الى استيلاء الحجّاج لعنه الله على الكوفة، والذّيال: الطويل الذيل، والميال: الذي يميل من التكبر، ويأكل خضرتكم: يعني يأخذ أموالكم، وما تتحملون به ويذيب شحمتكم: أي يفقركم، ويهزلكم وإيه: اسم سمى به الفعل، لأنّ معناه الامر تقول للرجل اذ استزدته من حديث او عمل، إيه بكسر الهاء.

قال ابن السكّيت: فان وصلت نوّنت وقلت: إيه حديثاً أبا وذحة: كنيه الخنفساء، والوذحة ما يتعلق بأذناب الشاء من البعر والخنفساء، تعالجه،

ص: 117

ويروى أبا وذجة قيل: للحجاج لسفكه الدماء وقطعه الأوداج.

ذكر أبو سليمان الخطابي في «غريب الحديث»: ان خنفساء دمّرت به، فقال: قاتل الله أقواماً يزعمون ان هذه من خلق الله، فقيل: ممّ هي قال: من وذح ابليس فلعلّه - عليه السلام - استراد الخنفساء على الحديث.

(الخطبة - 118)

قال عليه السّلام في كلام وكانَ بَعَثَ كَتِيبَةُ إلَى الحَرْبِ ثُمَّ إنّهم أَرْسَلُوا إليه يَطْلبُونَ المَددِ وَقالَ - عَلَيهِ السّلام - لأصحابه: ليذهب إليهِم مِنْكُمْ سَرية، فقالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ: إن سِرْتَ بِنَفْسِكَ سِرنا.

ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى. أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ وَ إِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَى تَدُورُ عَلَيَّ وَ أَنَا بِمَكَانِي فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا وَ اضْطَرَبَ ثِفَالُهَا. هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ الرَّأْيُ السُّوءُ وَ اللَّهِ لَوْ لَا رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ وَ لَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي.

أتقلقل: اتحرك، والجفير كالكنانة، وأوسع منها تدور عليّ وأنا بمكاني: أي حال كوني مستقراً في مكاني استحار: تردّد، والثفال: جلد يبسط رحى اليد ليسقط عليه الدقيق، لعمر الله: معناه أحلف ببقاء الله ودوامه، لو حمّ لي: لو قدر يعني انّ مقامي معكم لرجاء الشهادة عند لقاء العدوّ بكم لو قدر لي لقاء العدو، ولولا هذا الخرجت من بينكم وما طلبتكم قط.

(الخطبة - 120)

قالَ عَليه السّلام في كلام: َوقَدْ قامَ رَجُلٌ مِنْ أَصحابه فَقالَ: نَهَيتَنا عَنِ الحكومةِ ثُمَّ أَمَرْتَنا بها، فَما نَدْرِ أَيُّ الأَمْرَينِ أَرْشَدُ فَصَفَّقَ - عَلَيْهِ السلام - إحْدى يَدَيْهِ عَلَى الأخرى ثُمَّ قال: هذا جزاء مَنْ تَرَكَ العُقْدَةَ.

ص: 118

العقدة: موضع العقد، وهو ما عقد عليه يقال: جرت يده على عقدة: أي على عثم، وهو الجبار العظم المكسور على غير استواء، يعني كنتم في مخالفة أمري واستمراركم على مقتضى هواكم، واغتراركم بمكر أهل الشام وخديعتهم برفع المصاحف على رؤوس الرّماح، والدعاء الى حكم القرآن كالعظم المكسور، اذا انجير على غير استواء فلو ترك كذلك لاختلت الأفعال المتعلّقة بذلك العضو، وعلاج ذلك أن يكسر ثانياً ثم يجبر على استواء، فمن لم يفعل ذلك كان تاركاً للعقدة، وهكذا كان حاله عليه السلام مع أصحابه وتركه إياهم على اعوجاجهم وجاجهم في مخالفة أمره، وإعراضه عن تسويتهم وإصلاحهم.

قال عليه السلام: كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا.

نقش الشوكة: شقّها بالنقاش، وضلعها معها: من قولهم: ضلعك من فلان: أي ميلك وهواك معه، وفي المثل لا ينقش الشوكة بالشوكة، فان ضلعها معها، يضرب للرجل يخاصم آخر فيقول: اجعل بيني وبينك فلاناً أهل يهوى هواه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَ هِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا، وَلَهَ اللِّقَاحِ.

فاحكموا: أي حفظوا ما فيه وجروا على أحكامه، التولية: التفريق بين الأمّ وولدها، واللقاح جمع لقوح: وهي الحلوب، ومن عادة العرب الا تركبوا اللقاح ولا تفرّقوا بينها وبين أولادها، والمرادهنا بيان حرصهم على الجهاد وسرعة إجابتهم الداعي اليه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ.

مرهت عينه: أي فسدت لترك الكحل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ.

أي يسهّل.

ص: 119

(الخطبة - 121)

قالَ عَلَيهِ السّلام في كَلامِ في الخوارِجِ: فَمَنْ نَشَدْناهُ شَهَادَةً.

يقال: نشدت فلاناً أنشده نشداً: اذا قلت له: نشدتك الله: أي سألتك بالله كأنّك ذكرته، تنشد: أي تذكر.

(الخطبة - 122)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام: وَ أَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ.

يقال: فلان رابط الجاش، وربيطه الجأش: أي شديد القلب، كأنّه يربط نفسه عن الفرار وجأش القلب رواحه: اذا اضطرب عند الفزع كان الشجاع يربطه ويمنعه عن الاضطراب.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ رَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلًا.

أى جبناً وخوراً.

(الخطبة - 123)

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَكَانّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُونَ كَشِيْشَ الضِّبَابِ

كشيش الأفعى: صوتها من جلدها لا من فمها، وكذلك الضب.

: قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالْهَلَكَة لِلْمُتَلوّمِ.

التلوّم: الانتظار والتمكّث.

ص: 120

(الخطبة - 124)

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ الْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ.

أي أنعطفوا وأميلوا قدودكم (1) في استعمال أطراف الرماح، فعند ذلك تمور الأسنّة في المطاعن أشدّ، ويجوز أن يكون المراد اجعلوا الالتقاء في اطراف الرماح، يعني اطعنوا الشرر كما قال هذا من قبل ونظير هذا قولهم: فلان اكل في بطنه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ الْمَانِعِينَ الذِّمَارَ.

الذمار: ما وراء الرحل مما يحقّ عليه أن يحميه

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ يَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا

أي جانبها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ وَ آسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِيهِ.

يعني من نصر أخاه بنفسه، ورفع له خصمه عنه، ولم يتكل عليه في دفع قرن نفسه فقد كفى قرن نفسه، لأنه لو لم يفعل ذلك وصار أخوه مغلوباً لاجتماع قرنه عليه وقرن أخيه.

قال عليه السّلام: أَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ.

الهام: الجواد من الناس والخيل، والمراد الخيار والسادة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ.

اي أسلمهم.

كساليبالي

ص: 121


1- كذا في الاصل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُ النَّسِيمُ وَ ضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ وَ يُطِيحُ الْعِظَامَ وَ يُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَ الْأَقْدَامَ وَ حَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ وَ يُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلَائِبُ.

طعن دراك: أي ذي دراك، أي متدارك متتابع يخرج منه النسيم لأنّ الحركة الشديدة يهيّج الريح، ويروى النسيم جمع نسمة، وهي النفس وا ... (1) أي النفس العالي ويطيح: أي يسقط وكذلك ينذر، والمنسر أيضاً قطعة من الجيش، وتقفوها تتبعها والجليب: الذي يجلب: من بلد الى غيره، والمراد بالجلائب: الجيوش.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ حَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ.

قال السيد الأجل الرّضي - رحمه الله - الدعق: الدق: أي تدق الخيول بحوافرها ارضهم، ونواحر ارضهم: متقابلاتها، يقال: منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل. شرح السيد الرضي الى هاهنا.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه: والأعنان: جمع عنن، وهو ما اعترض من الشيء، المسارب: المراعي.

(الخطبة - 125)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في الخوارج: وَ لَا تُؤْخَذَ بِأَكْظَامِهَا.

أي مخارج أنفاسها.

قال عليه السلام: وَ إِنْ نَقَصَهُ وَ كَرَثَهُ.

ص: 122


1- هنا كلمات لا تقرء.

أي غمّه غماً شديداً.

قال عليه السّلام: وَ مُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ.

أي مقرون به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا زَوَافِرَ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا.

زافرة الرجل: أنصاره وعشيرته، وإنّما على الاعتصام يأتي على معنى الالتجاء.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلَبِئْسَ حُشَّاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ، أُفٍّ لَكُمْ لَقِيتُ مِنْكُمْ بَرْحاً.

الحشّ: الايقاد، افّ: يقال لكلّ ما يستقل ويستقذر، وفيه ست لغات، أُفِّ و أُفَّ وأُفُّ وأُفٍ وأُفّاً وأُفٌّ ويقال: أُفّاً وتُفّاً له وتفاً اتباع، ويقال: لقيت منه برحاً: أي شدة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النِّجاء.

أي عند المسارة من النجوى

(الخطبة - 126)

قال عَليهِ السَّلام في كلامٍ: وَ اللَّهِ لَا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ وَ مَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً.

لا أطور به: لا أقرّ به، والسمير: يجوز أن يراد به المسامر، وأن يراد به الدهر، يقال: ما افعله سمير الليالي، أي أبداً، والأول أوضح، وأمّ: قصد: أي قصد نجم الاتصال بنجم، فلنجوم السيارة اتصالات واقترانات.

ص: 123

(الخطبة - 127)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام للخوارج: وَ خَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ وَ الْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ.

النمط: الجماعة من الناس أمر واحد، وفي الحديث: خير هذه الأمة النمط

الأوسط يلحق بهم التالي، ويرجع إليهم الغالي يعني اذا جاوز الحدّ يرجع اليهم آخر الأمر، والسواد الأعظم: العدد الكثير، والمراد اتباع الاجماع من العدد لكثير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَمْ آتِ - لا أَبَالَكُمْ - بُجْراً.

لا أبالك: ولا أم لك، يذكر ان في المدح و الذم اما المدح، فيراد به انك منفرد لا يولد مثلك، وأما الذّم، فمعناه ليس لك من يعينك في أمر يكفيكه والبحر: الشرّ والامر العظيم.

(الخطبة - 128)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في ماكانَ يُخْبِرُ به عَنِ المَلاحِم بالبَصْرَة: يا احنَفُ، كَأنّي بِهِ.

أي بصاحب الزنج، وكان رجلاً من قرية من قرى الرّي يقال لها ورزنين، وكان يزعم أنه من أولاد أمير المؤمنين - عليه السلام - ، شخص الى البحرين، ودعا قوماً اطاعته فاتبعته جماعة، ووقعت بسببه عصبية قتل فيها قوم، فانتقل الى البادية وادعى النبوة.

قال لأصحابه: اني امرت أن أقصد البصرة، فخرج اليها وتبعه قوم من أهلها، وكان أهل البصرة يشترون الزنوج كثيراً ويستعملونهم في حوايجهم

ص: 124

وزراعاتهم، وكان يدسّ إليهم من يخدعهم ويمنّيهم ويدعوهم اليه، حتى اجتمع اليه خلق عظيم من غلمان الزنج.

فمنّاهم ووعدهم ان يقويهم ويملكهم الأموال، ويبسط ايديهم في ما يهوون، ويريدون من أموال الناس وحرمهم وحلف لهم بالأيمان الغلاظ أن لا يغدر بهم ولا يخذلهم، وكان كل غلام أتّصل به أخذ مولاه فحبسه، فلما تمّ له اجتماع الغلمان دعا مواليهم.

فقال: إني أردت أن أضرب اعناقكم لا ساءتكم الى هؤلاء الغلمان استضعفتموهم وحمّلتموهم ما لا يطيقون فكلّمني أصحابي فيكم، فرأيت اطلاقكم، فقالوا: إنّ هؤلاء الغلمان اباق وهم يهربون منك لا يبقون عليك، ولا علينا فخذ منّا مالاً وأطلقهم لنا، فأمر باحضارهم، فاحضروا شطباً، ثم بطح كلّ غلام مولاه، فضربه خمسمائة شطبةٍ، وحلّفهم بطلاق نسائهم الا يعلّموا أحداً بموضعه ولا بعدد أصحابه، وأطلقهم.

ثم جعل يجمع الناس، حتّى اجتمع اليه من كلّ صنف بشر كثير خاصة من الزنج، وخرّب البصرة، واستولى على البلاد، وبنى الحصون والقلاع ونهب الأموال،، وسبى النساء والذراري وابتلى الناس باشد البلاء، وله قصص طويلة، وامتدّ أمره الى ايام المعتمد بن المتوكّل، فبعث أخاه أحمد الموفق في جيش عظيم الى ولايته، فجعل ينقص من أطرافه، ويأخذ من قلاعه ويخرب بلاده ويحرق دياره، ويعطي من خالفه وخذله مالاً كثيراً، حتى قتله، وكان ذلك في المحرّم سنة سبعين ومأتين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ وَ الدُّورِ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَ خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيَلَةِ، مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ وَ لَا يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ. أَنَا كَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا.

شبّه شرفها وبروجها بأجنحة النسور وخراطيم الفيلة، ووصف شجاعتهم

ص: 125

وضراوتهم بالحرب بأنهم لا يندبون قتيلهم، ولا يذكرون فقد غايبهم، ويحسبونه لم يفقد، وكبّه لوجهها: أي صرعه فأكبّ هو على وجهه: اشارته - عليه السلام - الى استحقاره للدنيا واعراضه عنها.

إخباره عن استيلاء صاحب الزنج وخراب البصرة بسببه، واخباره - عليه السلام - عن استيلاء الحجّاج - لعنه الله - وأمثالها، ممّا علمه به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - وافضى به اليه كما قال هو - عليه السلام - في كلامه الذي يأتي بعد هذا.

قال عَلَيهِ السَّلام وَهُوَ يُومي الى وضف الأتراك: كَأَنِّي أَرَاهُمْ قَوْماً كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ [الْمُطْرَقَةُ] الْمُطَرَّقَةُ يَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَ الدِّيبَاجَ وَ يَعْتَقِبُونَ الْخَيْلَ الْعِتَاقَ وَ يَكُونُ هُنَاكَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ.

المجانّ: جمع مجنّ، وهو الترس والمطرقة: التي يطرق بعضها على بعض، أي يلبس ويغشى بعضها على بعض، والسرق: شقق الحرير، ويتعقبون: أي يحتسبون ويربطون واستحرّ القتل وحرّ: أي اشتدّ.

قالَ بَعْضُ أَصْحابِه: لَقَدْ أَعطِيْتَ يا أميرَ المؤمِنينَ عِلْمَ الغَيْبِ! فَضَحِكَ وَقالَ - عَلَيهِ السَّلام - لِلرَّجُلِ وَكانَ كَلبياً: يا أخا كَلْبٍ لَيْسَ هُوَ بِعِلْمٍ غَيْبٍ وَإِنَّما هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ.

يعني تعلّمت من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم.

(الخطبة - 129)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في المَكاييل: عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ وَ عَمَلٌ مَحْفُوظٌ، فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ وَ رُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ.

الا ثوياء: جمع ثوي، وهو الضيف، ومدينون: يجوز أن يكون من دانه، أي

ص: 126

أذلّة واستعبده، ويجوز أن يكون من دانه بمعنى جزاه، ومقتضون: أي متقاضون وأجل منقوص: أي غير متطاول، ودأب في عمله: أي جدّ وتعب، والكدح: السعي والكسب بالكدّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ هَلْ خُلِّفْتُمْ إِلَّا فِي حُثَالَةٍ.

الحثالة: ما يسقط من قشر الشعير والأرز وغيرهما، وكأنّها الرّدى من كلّ شيء.

(الخطبة - 130)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ لأبي ذَرّ لمّا أُخرِجَ إِلَى الرِّبَدَةِ: وَ لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَّ اتَّقَى اللَّهَ، لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً.

هو من قوله تعالى: ومن يتقّ الله يجعل له مخرجاً»، ورتقاً: أي مرتوقة، يعني مشدودة لا فرق فيها، ولما كان الرتق مصدراً لم يظهر فيه التثنية والتأنيث.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَوْ فَرَضْتَ مِنْها لأمِنُوكَ.

أي أعطيتهم شيئاً بها قرضاً.

(الخطبة - 131)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام: أَظْأَرُكُمْ عَلَى الْحَقِّ.

يقال: ظأرت الناقة: اذا عطفتها على ولد غيرها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: هَيْهَاتَ أنْ أطْلِعَ بِكُمْ سَرَارَ العَدْلِ، أو أقِيمَ اعْوِجاجَ الحَقِّ. السرار: آخر ليلة من الشهر، ومشتق من استسرّ القمر أي خفي،

ص: 127

والمعنى أني لا أستاهلكم لأن أُضيء بكم ظلمة العدل، وقد حذف مفعول طلع، وهو القمر مثلاً، ونصب سرار على الظرف، وكذلك المعنى في إقامة إعوجاج الحقّ بهم.

(الخطبة - 132)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ.

يقال: بطنت هذا الأمر: أي عرفت باطنه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَا يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاسِ.

اي كثرتهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَا جَمَعُوا بُوراً.

البور: الهالك والهلكى أيضاً على جمع باير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا مِنْ سَيِّئَةٍ يَسْتَعْتِبُونَ.

اي لا يطلب منهم أن يستغفروا من سيئاتهم ويعتبوا الله تعالى.

قال عَلَيهِ السَّلام: فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ وَ فَازَ عَمَلُهُ.

يعني فمن البس قلبه التقوى، وجعلها سعادة، وبرّز الرجل: فاق، وبرّز الفرس: أي سبق، والمهل: التؤودة، والمراد به العمر، يعني من كان متّقياً كان عمره سابقاً وفائقاً على عمر غيره.

قُوْلُه عَليهِ السَّلام: فَاهتَبِلوا هَبَلَها.

أي اغتنموا شكل التقوى، يعني ثكلت التقوى المتقين، فاغتنموا شكلها وجعلوها شعار قلوبكم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَكُونُوا مِنْها عَلى أوْفازٍ.

الضمير في منها للدنيا، ويقال: نحن على أوفاز: أي على سفر، والأوفاز جمع أفز، وهو العجلة.

ص: 128

(الخطبة - 133)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: َآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الثِّمَارُ الْيَانِعَةُ. كلّ ما يؤكل يقال: اكل، والمراد بكلماته أمره إياها.

قالَ عَليهِ السَّلام: بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.

يقال: للشيء اذا أقام بين قوم ولم يكن دائماً بين أيديهم وأعينهم أقام بين أظهرهم، لأنّ ما يكون وراء الظهر لا يرى، ووجه آخر وهو ان الظهر أعظم أركان البدن واقواها فيذكر ويراد به الشخص يقال: انت ظهري، وبك استظهاري، فيكون معنى بين أظهركم بين أشخاصكم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ نَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ.

أي على أحقادكم، ويريد بذلك ثباتها ودوامها.

(الخطبة - 135)

قال عليه السَّلام في كلامٍ لِلْمُغَيَرَةِ بنِ الأَخْنَسِ: أَبْعَدَ اللهُ نَوَاكَ.

أي نجم مطره والمراد به ابعاد الخير عنه، وأن روي نواك (1) والنوى: الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، وهي مؤنثة لا غير.

(الخطبة - 136)

قالَ عَلَيْهِ السَّلام في كَلامِ: لَمْ نَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً.

أي فجأة بل كانت عن تدبّر وتفكر.

ص: 129

(الخطبة - 137)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في طَلحة والزبير: وَلا جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصَفاً أي إنصافاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ وَ لَا لُبِّسَ عَلَيَّ وَ إِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهَا الْحَمَأُ وَ الْحُمَّةُ وَ الشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ وَ إِنَّ الْأَمْرَ لَوَاضِحٌ وَ قَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ وَ انْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ. وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ وَ لَا يَعُبُّونَ بَعْدَهُ فِي حَسْيٍ.

البصيرة: الاسم عن بصر، أي علم، يقال لفلان في هذا الأمر بصيرة: أي عالم والتلبيس: كتمان عيب الشيء عمّن تريد أن تخدعه، يعني ما خدعت ولا خدعت، ويريد بالفئة الباغية: مخالفيه وأعداءه، والحمى: الحرارة، والحمّة: سمّ العقرب، والمغدقة: الكثيرة من غدقت الماء، أي غدرت.

في بعض النسخ المغدفة بالفاء: أي المظلمة، ويريد بوضوح الأمر وضوح الحق في خلافته، وزاح: ذهب وبعد يعني بعد الباطل عن أصله والمراد غاية بعده وشدة وضوح الحقّ، ولأفرطنّ: أي لاملأنّ، ويريد بالحوض الحرب، ویریيد بالماتح: النازح للماء، والعبّ: شرب الماء من غير مصّ، والحسّي: ما ينشفه الارض من الرمل، فاذا صار الى صلابة امسكته، فتجفر عنه الرمل فيتخرجه، يريد أنه يقتلهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَادِهَا.

العوذ: من النوق الحديثات النتاج، واحدتها عائد، مثل حائل وحول

ص: 130

تقول: هي عائذ بيّنة العوذة، وذلك اذا ولدت في عشرة أيام وخمسة عشر يوماً، ثم هي مطفّل بعدد المطفل الظبيّة معها طفلها، وهي تقريبة العهد بالنتاج، وكذلك لطافة، والجمع مطافل ومطافيل.

قال عليه السّلام: وَأَلَبَّا النَّاسَ عَلَيَّ.

أي جمعاً.

قال عليه السّلام: وَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ. استانیت به: اي انتظرت به وغمط النعمة: أي حقرها.

(الخطبة - 138)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في ذِكْرِ المَلاحِم: يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى.

أي يميل، والمراد يرجّح الهوى على الهدى ويغلبه.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ سَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ، يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وَ تُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَ تُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ وَ يُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ.

يشير الى ظهور المهدي - عليه السلام - ، ويكون هو الوالي من غد الكوفة، يأخذ عمّال الكوفة بما أساؤا في أعمالهم، والأفاليذ: جمع الفلذ وهي قطع الكبد، ولمّا كانت الكبد هي الأصل في افتناء الحيوان وبقائه، يعني بأفلاذها الأشياء العزيزة، ومعظمات ممالك الأرض، وسلماً: أي استسلاماً وانقياداً وانتصابه على التمييز.

قالَ عَليه السّلام: كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَ فَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ، وَ فَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّءُوسِ،

ص: 131

قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ

الضمير في به للوالي الذي ذكره قبلاً.

قال بعض الشارحين (1) عنى به المختار بن ابي عبيد وقيل عنى به

الحجّاج بن يوسف - عليه اللعنة، وقيل: عبد الله بن الزبير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قبل هذا: فَيُرِيكُمْ عَدْلُ السِّيرَةِ وَ يُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ. يردّ هذه الأقوال.

والنعيق: صوت الراعي، والفحص: البحث عن الشيء، ويقال أيضاً: فحص المطر: أي قلّبه، ويصحّ كلا المعنيين هاهنا والضواحي: الظواهر. فعطف: أي كرّ و مال، والضروس الناقة السيئة التي تعضّ حالها.

إنّما شبّه بها لشدة غضبه على اهلها بسوء أعمالهم والفغر: فتح الفم، وفاغرته: جنده، كأنهم فغروا أفواههم ليلتقموا الناس، والفاغرة أيضاً نوع من الطيب، وهو أصول النيلوفر الهندي، والنيلوفر اذا يفتح يكون كأنه فغرفاه، ويكون المراد بالمعنى الأول غلبته واستيلاؤه، وبالمعنى الثاني حسن ذكره وطيبه.

قال عَليهِ السَّلام: حَتَّى تَئُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلَامِهَا.

يعني حتّى يعود اليهم ما ذهب عنهم وبعد من احلامهم، فيجعلوا التقوى شعارهم، ويتَّبعوا ائمة الدين ويسلكوا سبيل الرشاد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ اعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ.

يسنّي: يفتح ويُسهل. .

ص: 132


1- القائل الكيذري نقله في شرحه على نهج البلاغة ج 696/2.

(الخطبة - 139)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ في وَقْتِ الشّورى: حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَ شِيعَةً لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ.

أراد بهم الخوارج وغيرهم ممن زاغ عن المحجة والداعي الامامة بالباطل.

(الخطبة - 141)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلامٍ: وَ يُحِيلُ الْكَلَامُ.

اي يؤثر.

(الخطبة - 142)

قالَ عَلَيْهِ السَّلام في كَلامِ: وَ هُوَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ بِخَيْلٌ.

يعني لا يعطي شيئاً لاجل ذات الله، وانما قال: عن ذات الله، لأنّ البخل في الحقيقة منع المال وصرفه عن السائل أو المستحق، فلهذا يصح أن يقال: بخل عنه: أي منع المال أو صرفه عنه.

(الخطبة - 143)

قال عليه السَّلام في خُطْبَةِ الإسْتِسْقَاءِ: وَبَعْدَ عَجِيج البَهائِمِ وَالوِلدانِ.

العجيج: رفع الصوت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ.

وجم: اشتدّ حزنه.

ص: 133

قال عليه السلام: نافِعَةَ الحَيَا.

أي مسكنة للعطش، والحيا: المطر الذي يحيي الارض.

(الخطبة - 144)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً.

يعني بيّن أنّ المطيع من هو والعاصي من هو.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالعِقابُ بَواءً.

البواء: السواء

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَبَسِيءَ بِهِ.

اي استأنس به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا يَحْفِلُ ما حَرَّقَ.

يقال: حفلته وحفلت به: أي باليت به (1).

(الخطبة - 145)

قال عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: إلَّا وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ.

الحصد: قطع الشيء الرطب.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ الْزَمُوا الْمَهْيَعَ، إِنَّ عَوَازِمَ الْأُمُورِ أَفْضَلُهَا.

المهيع: الطريق المسلوك الواسع، والعوازم: جمع العوزم، وهو العجوز والناقة المسنّة، والمراد بها الامور القديمة.

ص: 134


1- كذا في الاصل.

(الخطبة - 146)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامِ لِعُمَرَ: ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِعَذَا فِيرِه. حذافير الشيء: أعاليه ونواحيه.

(الخطبة - 147)

قالَ عَليهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ كَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلَاتِ.

المحق: الابطال،والمحو والمثلات: العقوبات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ وَ تُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ.

يعني لا يقبل عنده عذر ولا توبة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّهَ وُفِّقَ.

أي من عده نصيحاً.

(الخطبة - 148)

قال عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في ذِكْر أَهْلِ البَصْرَة: لَا يَمُتَّانِ إِلَى اللَّهِ بِحَبْلٍ وَ لَا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ.

لا يمتّان: أي لا يتوسّلان، والضب: الحقد، يعني بهما طلحة والزبير.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَقُدِمَ لَهُمُ الخَبَرُ.

يعني أنه بلغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أمر الفئة الباغية، وروي أنّ أمير المؤمنين - عليه السلام - نادى الزبير يوم الجمل ودعاه، فلما دنا منه قال له - عليه السلام - : أنشدك بالله الذي لا اله إلا هو، والذي انزل

ص: 135

الفرقان على نبيه - صلى الله عله وآله - أما تذكر يوم قال لك رسول الله - صلى الله عليه وآله - يا زبير! أتحبّ عليّاً، فقلت: يا رسول الله ما يمنعني من حبّه وهو ابن خالي فقال لك: أما انك ستخرج عليه يوماً وأنت ظالم له، فقال الزبير: اللهم بلى! قد كان ذلك.

قال أمير المؤمنين - عليه السلام - : فانشدك بالله الذي لا اله إلا هو، أما تذكر يوم جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله - من عند بني عمرو بن عوف وأنت معه، وهو اخذ بيدك، فاستقبلته أنا فسلّم عليّ وضحك في وجهي، وضحكت اليه، فقلت أنه لا يدع ابن ابيطالب زهوة ابداً.

فقال لك النبي - صلى الله عليه وآله - : مهلاً يا زبیر! فلیس به زهو، ولتخرجن عليه يوماً وأنت ظالم له، فقال الزبير: اللهم بلى! ولكن أنسيت، فأما اذ ذكرتني ذلك، فوالله لأنصرفنّ عنك ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك ثم رجع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ اللهِ لا أَكُونَ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ، يَسْمَعُ النَّاعِيَ، وَيَحْضُرُ البَاكِي.

اللّدم: صوت الحجر اذا وقع على الارض، وقد قال في موضع آخر: «والله لا اكون مثل الضبع يسمع اللدم حتى تخرج فتصاده»، والناعي: اللّدم، لانه مقدمات أخذ من ضبع وهلاكها، ويحضر الباكي، يعني تخرج الى الصياد

وتظنّ انه يرحمها ويبكيها، لأنّ من عادة من يصيد الضبع أن يقف على باب وجارها، ويقول: ليست الضبع هاهنا، فاذا سمعت صوته وكانت خائفة اللّدم حسبت صوت الصياد صوت ترحّم ورأفة، فتخرج اليه، كأنها يحضر الباكي.

ص: 136

(الخطبة - 149)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ قَبْلَ مَوْتِهِ: الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ.

المساق: ما يساق اليه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: كَمْ أَظرَدْتُ الأيامَ أبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الأَمْرِ.

طردت الابل ضممتها من نواحيها وأطردتها ومرت بطردتها، والمعنى كم أمرت بضمّ الايام المتفرقة لأبحث عن مكنون هذا الأمر، وهذا استعارة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا. حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ.

خلاكم: أي عداكم وجاوزكم ما لم تشردوا: أي تنفروا، وتتفرقوا، حمّل كل امرىء مجهوده: أي ما بلغه وسعه من قوله تعالى: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها»، وخفف عن الجهلة: لان تخرج الله على العمل بسبب علمهم اكثر من تخريجه على الجهلة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ، وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ [مَهَبِ] مَهَابِّ رِيَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَ عَفَا فِي الْأَرْضِ مَخَطُّهَا. وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً.

يريد بثبات الوطأة: خلاصة ممّا كان فيه وضربه ذاك اللعين، والمزلة: موضع الخطر، فذاك: أي ذاك المراد، وإن تدحض: تزلق، والفيء: ما بعد الزوال من الظلَ واضمحلَّ السحاب: تقشّع، ومتلفقها: منضمّها ومجتمعها، والضمير الغمام لأنها غمامة، وظلّ الغمام يقع على الارض، فاذا اضمحلّت يمحي موضع خطها للظلّ، وانما قال: «جاوركم بدني أيّاماً»، لان مجاورته إياهم إنما

ص: 137

كانت بجسده لا. بنفسه المجاورة للملائكة على العالم العلوي بكليتها المعرضة عن العالم السفلي، ومتاع غروره.

قال عليه السّلام: وَخُفُوتُ إطْراقِي.

الخفوة: سكون الصوت، والاطراق: السكوت.

(الخطبة - 150)

قالَ عَليهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في المَلاحِم: أَلَا وَ إِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ وَ يَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً وَ يُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً وَ يَصْدَعَ شَعْباً وَ يَشْعَبَ صَدْعاً، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ. ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ.

الضمير في ادراكها لطلعة ما لا تعرفون، والمراد بها الفتنة، يعني من يسري فيها سراج منير العالم الذي تابعه واتبع نهجه، ويحذو على مثال الصالحين: أي يقدّر الأمور على مثالهم، ويقفوا آثاره الربق: حبل فيه عدّة عرى يشدّ به اولاد الضان، ويصدع شعباً: اي يشقّ ملئماً، ويلام نشقاً، يعني يفرّق جمع الضلالة و يجمع شتات الهدى، والقائف: الذي يعرف الآثار من أهل الزجر، والشحذ: التحديد، والقين: الحدّاد والمراد ظهور قوم من الصالحين وجدّهم وجدتهم في قراءة القرآن واتباع أحكامه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الْأَجَلُ وَ اسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ وَ اشْتَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ.

اخلولق السحاب: استوى وصار خليقاً للمطر، والمراد قرب الأجل، واستراح قوم الى الفتن: يعني لما طال أمد الفتن اعتاد الناس معها، واستأنسوا

ص: 138

بها، فيقال: اشتالت الناقة ذنبها: اذا رفعت ذنبها للّقاح، يعني هيجوا أسباب الحرب.

(الخطبة - 151)

قال عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ.

أي مطارده.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ احْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ وَ تَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ.

البوائق: الدّواهي، والنقمة: الاسم من الانتقام، والقتام: الغبار والعشوة: أن تركب أمراً على غير بيان.

قالَ عَليه السّلام: وآثارُها كَآثَارِ السَّلامِ.

السلام: الحجارة، واحدها السلمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ.

اي يتواثبون، والمريحة: المنتنة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ وَ الْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ.

الرجفان: الاضطراب الشديد، والقصم: الكسر، والزحف: المشي قدماً.

قال عَلَيهِ السَّلام: يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ.

الكدم: العضّ بأدنى الفم، والعانة: القطيع من حمر الوحش.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا.

المسحل: المبرد، واللّسان الخطيب، والحمار الوحشي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ.

ص: 139

يقال: فلان أوحد أهل زمانه والجمع احدان، مثل اسود وسودان، وأصله وحدان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَرِيئُهَا سَقِيمٌ وَ ظَاعِنُهَا مُقِيمٌ.

يعني من كان بريّاً من اثارة تلك الفتنة في برح وادلى (1)، ومن اراد ان يهرب عنها تيسر له ذلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ وَ خَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ، يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَيْمَانِ وَ بِغُرُورِ الْإِيمَانِ.

مطلول: أي مهدور دمه، يختلون: أي يخدعون بالأيمان الكاذبة، ويفرّون بأن يؤمنوا في الحال، ثُمّ ينكثون أيمانهم بعد ذلك، وينقضون عقد أيمانهم.

(الخطبة - 152)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ. لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ. الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ وَ الْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ وَ السَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ وَ الْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ وَ الْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ.

إنما دلّ خلق الله على وجوده لأنّا لا نشك في وجود موجودات كثيرة، مثل السماء والارض والنبات، والحيوان، وغير ذلك مما لا يحصى، فان كان من جملة هذه الموجودات موجود هو واجب الوجود بذاته بحيث لو جرّدنا النظر اليه وجده واجب الوجود في نفسه، فقد حصل المقصود، وإن لم يكن من جملة الموجودات موجود بهذه الصفة بل يكون كل موجود يلتفت اليه، فوجوده مستفاد من غيره، ووجود ذلك الغير مستفاد آخر ووجود ذلك الآخر من آخر

ص: 140


1- كذا.

هكذا الى غير النهاية.

فيكون كلّ واحد من جملة الموجودات معلولاً في ذاته لعلّه متقدّمة، على وجوده، فيكون جملة الموجودات من حيث هي جملة واحدة معلولة، لأنها حصلت من آحاد معلولة، والجملة الحاصلة من آحاد معلولة، تكون بالضرورة معلولة، وكلّ جملة معلولة فعلتها، إمّا ان تكون مجموع آحادها أو كلّ واحد من آحادها، أو واحداً من آحادها، أو شيئاً خارجاً عن إجلالها، وجملتها فعلية جملة الموجودات من حيث هي جملة ومعلولة.

أما جميعها أو كلّ واحد منها، أو واحد منها أو شيء خارج عنها، ويستحيل أن تكون العلة مجموع الآحاد، لأنّه لو كان كذلك لكانت الجملة واجبة الوجود بذاتها، لأنّ مجموع الآحاد عبارة عن: الجملة من حيث هي جملة، ومحال أن تكون العلة كلّ واحد من الآحاد لأنّ الواحد منها اذا صار علّة للجملة، فقد وجب به وجود الجملة، فلا يتصوّر أن يجب لغيره، ومحال أن تكون العلة واحداً من الجملة، لأن أيّ واحد يفرض علة للجملة، فهو معلول لعلة أخرى متقدمة عليه في الوجود.

فيكون هذا الواحد الذي هو علّة الجملة علّة لوجود نفسه، لأنّه من الجملة وعلته لوجود علته، فيكون متقدماً فيكون متقدماً على وجود نفسه، ووجود علته المتقدم وجودها على وجوده، ومحال أن تكون العلة شيئاً خارجاً عن الجملة، اذا لا يعقل موجود خارج عن جملة الموجودات، اذ لو جاز ذاك لما كانت الجملة جملة بل كانت بعضاً، ونحن فرضناها جملة.

فتبيّن ان جميع الموجودات تستحيل ان تكون حاصلاً من آحاد تكون كلّ واحد منها معلولاً، بل لا بدّ من أن يكون واحد من جملة تلك الآحاد غير معلول البتة، فيكون ذلك الواحد طرفاً لا محالة، لانّه لو كان وسطاً لكان معلولاً، فصح أنّ من جملة الموجودات موجوداً، هو واجب الوجود بذاته، فهذا وجه دلالة

ص: 141

خلق الله تعالى على وجوده.

أما قوله عليه السلام: وبمحدث خلقه على أزليّته: فلا بدّ من بيان خلقه ها هنا.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه فنقول: العالم أجسام، والاجسام لا تخلوا الحوادث، وهذا أمر ظاهر، وما لا يخلو عن الحوادث فهو محدث، فكلّ جسم محدث.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه: وإنما قلنا أنّ كلّ ما يخلوا من الحوادث، فهو محدث لأنّ الحوادث تستحيل أن تكون بلا نهاية، لان كل واحد سبقه عدمه سبقاً أزليّاً، فعدم كلّ واحد من الحوادث تكون ازليّاً، ليحصل لاعدام هذه الحوادث تقارن في الازل، فلو قدر وجود شيء من هذه الحوادث لا يتقارن اعدامها لزم من ذلك كون الشيء موجوداً معدوماً، وهو محال.

فثبت أنها لم تكن بأسرها ثم ابتدأت في الوجود، فصح ان لها نهاية، واذا كانت الحوادث الّتي لا يخلو الجسم عنها متناهية في الوجود لزم أن يكون الجسم أيضاً متناهياً في الوجود، وهو تفسير المحدث، فثبت ان الجسم محدث، فلا بدّ له من محدث، ولو لم يكن ازليّاً لكان حادثاً واحتاج الى محدث، وكذلك الكلام في ذلك المحدث، فيلزم التسلسل، ولا يجوز ان يكون حادثاً، ويوجد بذاته، لانّ ما كان وجوب وجوده لمجرد ذاته، لا يمكن ان يكون إلّا أزليّاً، وإلّا لم يكن وجوده لمجرد ذاته، بل يحتاج الى شيء آخر، وقد ثبت أنه واجب الوجود، فصحّت دلالة حدوث خلقه على ازليته.

أما قوله عليه السلام: وباشتباههم على أن لا شبه له.

قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه: فوجه ذلك أن نقول: أن اشتباه الخلق، إمّا أن يكون من حيث الجنس، كاشتباه الانسان والفرس والحمار والثور بالحيوانية، ومن حيث النوع، كاشتباه زيد وعمرو وبكر، بالانسانية أو

ص: 142

من حيث الفصل، کاشتباه اشخاص الانسان بالناطقة، أو من حيث الاعراض والكيفيات.

لا يجوز أن يكون الله تعالى مشاركاً ومشابهاً لغيره في الجنس والنوع والفصل، لأنّه يلزم من ذلك ان يكون مركباً في ذاته، ومعلولاً، ولا يجوز أن يكون محلاً للأعراض والكيفيات، لأنّ سببها إمّا ان يكون ذاته او غيره، وكلّ واحد منهما محال: لانه يؤدي الى اثنينية وكثرة في ذاته، لانه جهة كونه فاعلاً وسبباً لتلك الصفة في ذاته غير جهة كونه، قابلاً لها اذ كون الشيء فاعلاً لا يفهم منه كونه قابلاً.

فلم يكن الشيء فاعلاً من حيث هو يقبل، ولا قابلاً من حيث هو يفعل، وان كان السبب غير ذاته يلزم هذه الكثرة أيضاً، لأنّ ذلك الغير لا يكون واجباً بذاته بل يكون وجوده من الله إمّا بغير واسطة أو بواسطة، وكونه فاعلاً للعلّة غير كونه قابلاً، فعلى التقديرين جميعاً يلزم أن يكون في ذات الله تعالى جهتان وحيثيتان ذلك محال، اذ هو واحد من جميع الوجوه.

أمّا قوله عليه السلام: لا تستلمه المشاعر، فمعناه لا تدركه الحواسّ، ومعنى لا تستلمه: لا تلمسه، ان سميت الحواس مشاعر، لانها آلات الشعور بالاشياء.

ولا تحجبه السواتر: لانها إنّما تحجب الاجسام والاغراض افتراق الصانع و المصنوع، يعني انما كان الصانع لا تدركه الحواس، ولا تحجبه السواتر، لأنّ ادراك الحواس وحجب السواتر يختصّ بمصنوعاته الّتي لها أجسام، فيجب ان يكون الصانع منزّهاً عن ذلك، وكذلك الحاد والمحدود، لأنه تعالى هو الذي جعل الاشياء محدودة بحدود يحيط بها، وذلك لا يجوز عليه تعالى.

أما قوله عليه السلام: الأحد بلا تأويل عدد.

يعني ليس هو احداً يعدّ به الاشياء، لانّ أصل العدد واحد يبتدأ في عدّ

ص: 143

الاشياء.

الخالق لا بمعنى حركة ونصب: لأنّه لم يحتج في خلق الاشياء الى أن ينتقل الى مكان كلّ مخلوق أو تحريك عضو او آلة غيره.

السميع لا بأداةٍ: يعني بلا أذن، اذ هي أداة السمع.

البصير لا بتفريق آلة: معناه أن آلة الابصار إنّما هي نور العين الذي يتكيف به الهواء المتوسط بين العين وبين الشيء المبصر، وما لم ينتشر ذلك النور في الهواء، فلا يتكيف الهواء به، ولا يحصل الابصار، فهذا معنى تفريق

الالة.

الشاهد لا بمماسّة: يعني أن الله تعالى يحصر كلّ شيء بعلمه، من غير أن يماسّه.

البائن لا بتراخي مسافة: يعني أنّ كل شيء بان عن شيء وبعد عنه، تتراخى عنه المسافة، التي تكون بينه وبين ذلك الشيء، ومباينة الله تعالى للأشياء إنما تكون بالأوصاف التي يختص بها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالْبَاطِن لا بلَطَافَة.

يعني أنّ الاشياء اللّطيفة في غاية اللّطافة لا تدركها الحواس، فتخفى عنها كالهواء الصافي النّقي من الغبار، وما يكدره ويغلظ، فانه لا يدرك بالحواس، و يجوز أن يكون الباطن بمعنى العالم بخفيّات الاشياء وبواطنها، من غير أن ينفذ فيها ويداخلها بلطاقته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ وَ مَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ وَ مَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ.

قال السيد الأجل المصنّف زيد علوّه: قد قلنا في أوّل الكتاب أن وصف الشيء إنما يطلب ويذكر لتعريف الشيء، وتعريف الشيء حقيقة الشيء،

ص: 144

وماهيته إنّما يكون بذكر حدّه، فمن وصف الله تعالى لتعريف حقيقته، فهو يكون حاداً له على أن يحصل له بذلك حدّ، لكن الواصف له على ذلك الوجه يطلب حدّه، وحدّ الشيء يستقيم بذكر أوصافه الذاتية، والأوصاف الذاتية للشيء تكون اجزاء ماهيته وذاته.

فمن أثبت لله تعالى أوصافاً ذاتيةً، فقد جعل ذاته معدودة بتلك الأجزاء، فيلزم من حدّ الشيء تركيبه، والمركّب من الاجزاء يكون معلولاً، لانّ تحقق ذاته إنما يكون باجتماع الاجزاء، والمعلول لا يكون أزليّاً.

قالَ عَليه السّلام: طَلَعَ طَالِعٌ.

یرید به رسول الله - صلى الله عليه وآله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ إِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ.

العرفاء: جمع عريف، وهو النقيب.

قوله عَليه السّلام: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَى آخِرِه.

اشارة على أن نصب الامام واجب على المسلمين، ويجب عليهم معرفة استحقاقه للإمامة، فمن لم يعرف الامام ولم يعرفه الامام كان بمعزل عما قام به لسائر المسلمين من نصب الامام، وكان تاركاً للواجب، فكان آثماً مستحقاً للحرمان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ جِمَاعُ كَرَامَةٍ.

الجماع ما جمع عدداً يقال: الخمر جماع الاثم.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَبَيْنَ حُجَجَهُ، مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَباطِنِ حُكْمٍ.

يعني من علم ظاهر وحكمة باطنه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تُكْشَفُ الظُّلمَاتُ إِلَّا بِمَصابِحِه قَدْ أَحْمى

ص: 145

حِمَاهُ، وَأَرْعَى مَرْعَاهُ.

المصابح: جمع مصبح، وهو مكان الاصباح ووقت الاصباح أيضاً، وأحمى المكان: أي جعله حمى، وأرعى المكان: أي جعله مرعى.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً.

أي طريقاً مستوياً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنْ عَرَائِمِ الله في الذِكْرِ الحَكيم. اي آياته المحكمات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فانَّ المَثَلَ دَليلٌ عَلى شِبهه.

يريد المثل الذي ذكره قبل، واذ الانسان في اشتباه من أمر فذكر له

يتنبه به للشبهة فيرفعها أو يخرج منها.

(الخطبة - 153)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطبَةٍ: وَأَرَزَ المُؤْمِنُونَ.

يقال: أرز فلان: اذا تضام وتقبض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلْيَصْدُقْ رائِدٌ أَهْلَهُ.

الرائد: من يبعثه القبيلة لطلب الكلاً، والمعنى هاهنا اذا سمع الانسان الوعظ من واعظ نصيح، فليتعّظ ولا عن نفسه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلْيَنظُرْ ناظِرٌ أسائِرٌ هُوَ أمْ رَاجِعٌ.

يعني من توجه الى السفر ان يستعدّ أكثر ممّا يستعد عند رجوعه الى بيته، والمراد انّ كل انسان فانه سائر الى الآخرة لا رجع عنها.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ. وَ قَدْ قَالَ الرَّسُولُ

ص: 146

الصَّادِقُ (صلی الله علیه وآله) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَ يُبْغِضُ عَمَلَهُ وَ يُحِبُّ الْعَمَلَ وَ يُبْغِضُ بَدَنَهُ.

وجه التلفيق بين الخبر وبين قوله عليه السلام: انّ حسن ظاهر الانسان دليل حسن عناية الله تعالى وحبّه له، ومن صدق العناية والمحبة ان يجعل باطنه موافقاً لظاهره ويفيض عليه لطفه بتوفيقه للعمل الذي يحبّه، والاجتناب عما يبغضه من الاعمال، وحسنه وقبحه يدلان على عدم عناية الله به وحبّه له.

اللّايق بعدم العناية ان يحرمه لطفه بالتوفيق لما يحبّه من الاعمال، وان يكله الى نفسه ليعمل ما يوافق خبث ظاهره مما يبغضه الله تعالى من الاعمال، ويؤيد هذا المعنى.

قوله عليه السلام: عقيب هذا الخبر، واعلم أنّ لكلّ عمل نباتاً وكلّ نبات لا غنى به عن الماء، والمياه مختلفة، فما طاب سقيه، طاب غرسه وحلت ثمرته، وما خبث سقيه، خبث غرسه وأمرّت ثمرته».

(الخطبة - 154)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في خِلْقَةِ الخَفّاشِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي انْحَسَرَتِ الْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ.

الانحسار: الانكشاف، والمعنى انّ الأوصاف عريت وتعطّلت عن كنه معرفته، وردعت: أي كفّت فلم تجد مساغاً: أي مجرى يسهل نفوذها وجربها فيها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلًا. خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ.

مخلوقات الله تعالى كلّها تعرق بذكر حدودها المشتملة على أوصافها

ص: 147

الذاتيّة، ويلزم من ذلك أن يكون في ذواتها تركيب وكثرة، فلو حصلت معرفة الله تعالى بالتحديد لكان مشابهاً لمخلوقاته، ولو أدركته بتقدير عرض وطول وسمك لكان صورة ممثّلة محسوسة، ومعنى قوله عليه السلام على غير تمثيل، أنه لم يوجد قبل خلقه الاشياء خلق، فخلق الأشياء على مثاله.

قالَ عَلَيهِ السّلام: في سُبُحاتِ إِشْراقِها.

أي قوة اشراقها وغلبته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَبَدَتْ أَوْضاحُ نَهارِها.

الوضح: الضوء والبياض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ.

أي ترتقي بها.

(الخطبة - 155)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في ما يُخاطِبُ به أهلَ البَصْرَةِ: غَلَا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ.

القين: الحدّاد، ومرجله يكون أغلى من سائر المراجل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا.

الارقال: نوع من الخبب والمضمار: المدة الّتي يربط فيها الخيل للسباق والموضع أيضاً.

قال عليه السلام: وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

أي من محكمات ما أمر الله تعالى به، لأنّ كل ما صار محكماً وراسخاً في، طبيعة الانسان بالاعتبار يقال له: خلق.

ص: 148

(الخطبة - 156)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: الزّاجِرُ بِشَوْلِهِ.

الشول: النوق التي جفّ لبنها وارتفع ضرعها، وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، الواحدة شايلة، وهو جمع على غير القياس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَارْتَبَكَ في الهَلَكَاتِ.

ارتبك في الأمر: أي نشب فيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ألاَ وَبِالتَّقوى تُقْطَعُ حُمَةُ الخَطايا.

الحمّة: معظم الحرّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاسْتَحقَّتْ بكُمُ الحَقائِقُ.

يعني اذا ظهرت حقايق اموركم جعلتكم مستحقّين، أي مستوجبين الجزاء أعمالكم، وذلك لأنه عدّى استحقت بالباء، فكان كأنه قال: صيرتكم مستحقين.

(الخطبة - 157)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: أَصْفَيْتُم بِالأمْرِ غَيَر أَهْلِهِ.

يقال: أصفيته بالشيء: اذا أثرته به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَشَارِبِ الصَّبِرِ وَ الْمَقِرِ وَ لِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ وَ دِثَارِ السَّيْفِ، وَ إِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَ زَوَامِلُ الآثَامِ. فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ، ثُمَّ لَا تَذُوقُهَا وَ لَا تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ.

المقرّ: هو المر والصبر أيضاً والشعار: ما ولى الجسد بالثياب، والدثار:

ص: 149

كلّ ما كان من الثياب فوق الشعار، والزاملة: بعير يستظهر به الرحل بحمل متاعه وطعامه عليه.

المراد بقوله عليه السلام: لتنخمنها: خروج الخلافة عن بني عن بني أميه وعدم عودها اليهم، لأن لتنخمنّها، لترمينّ بها كما يرمى بالنخامة، والجديدان: اللّيل والنهار.

(الخطبة - 158)

قال عَلَيْهِ السَّلام في خُطْبَةٍ:وَ إِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ.

أي سكوتاً.

(الخطبة - 159)

قال عَليهِ السَّلام في خُطبَةٍ أخرى: يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ! كَذَبَ وَ الْعَظِيمِ! مَا بَالُهُ لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ، فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ، وَ كُلُ رَجَاءٍ إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ كُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ، يَرْجُو اللَّهَ فِي الْكَبِيرِ وَ يَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لَا يُعْطِي الرَّبَّ.

يعني كلّ ما كان رجاؤه صادقاً محققاً، فهو يعمل عملاً يصل به الى ما پرجوه، فالانسان يرجو من الله الجنة، ويعصيه، وكذلك الخوف، لو كان خوفه محققاً لما ارتكب المعاصي، والمدخول: المعيوب من الدخل، والمعلول: غير الصحيح، وما يرجو الانسان من الله تعالى من اعطاء الجنة ونعيم الأبد أن لا يشبه له لارتفاع قدره الى ما يرجوه من أحد من عباد الله لقلته وحقارته، ومع ذلك ينفق كثيراً من ماله لينال مرجوّه الحقير، ولا يتصدّق بقليل من ماله ليصل الى المرجو الكثير.

ص: 150

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً.

الضمّار: ما لا يرجى من الدّين والوعد وكلّ ما لا يكون منه على نفسه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَقَدْ كانَ في رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وَسَلَّم - كافٍ لَكَ في الأسْوَةِ.

أي في القدوة.

قالَ عَليهِ السَّلام: لِهُزالِهِ وَتَشَدُّبِ لَحْمِهِ.

أي تنحى لحمه عنه، من قولهم شذبت الشجر: أي قطعت وتفرّق من أغصانه، وجذع مشذّب: أي مقشّر.

قالَ عَليهِ السَّلام: فَلَقَدْ كانَ يَعْمَلُ سَفائفَ الخُوصِ بِيَدِهِ.

السفيفة: النسيجة من الخوص، وهو ورق النخل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَكانَ إدامُهُ الجُوع.

يعني يأكل من الخبز شبعه، بل مقدار ما يبقى معه جوعه، والإدام: يؤكل معه الخبز، فاذا كان جوعه ثابتا مع اكله الخبز كان كأنه ادامه، ويجوز أن يكون المعنى أن الآدام مما يرغب فيه عند الاكل، فهو كان وقت الاكل راغباً في الجوع كرغبة غيره في الادام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ ظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا.

الظلال: ما أظلك من سحاب وغيره، فيكون اكنانه يعني بعد (1) في أول النهار في مشرق الشمس، وفي آخر النهار في مغربها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الْأَطْيَبِ الْأَطْهَرِ صلى الله عليه .

ص: 151


1- كذا في الاصل.

وآله و سلّم، فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى

فتأس: أي تعز والأسوة هاهنا: ما يأتسي به الخبرين للتعزي به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَضَمَ الدُّنيا قَضْماً.

القضم: الأكل بأطراف الأسنان، والمراد منه قلة الأكل مع قلة الرغبة، لأنّ من رغب في طعام أكله بجميع أسنانه.

قال عليه السلام: أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً.

هضم: أي أدقّ والكشح: ما بين الخاصرة الى ضلع الخلف، وأخصهم: يجوز أن يكون معناه أضمرهم، ويجوز أن يكون أجوعهم من الخمصة، بمعنى الجوعة، والمراد بكلّ هذا عزوف نفسه عن الدنيا وطلقه إياها عن الالتفات الى نعيمها، والتمتع بطيّباتها.

قال عَلَيهِ السَّلام: لَكَفى بِه شِقاقاً للهِ، ومُحادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ.

الشقاق: الخلاف والعداوة، والمحادّة: المخالفة، ويقال: خالفه الى الأمر: اذا ذهب اليه دونه، وخالفه عن الأمر: اذا صدّ عنه دونه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً.

الرّياش: اللباس الفاخر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ.

زويت: أي قبضت، وجمعت والزخرف: الزينة من كل شيء، والذهب أيضاً، والزلفة: القرية والمنزلة.

(الخطبة - 160)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ.

أسرة الرجل: رهطه، لأنه يتقوّى بهم قال: وشددنا أسرهم: أي ربط

ص: 152

أعضائهم ومفاصلهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَثَمارُها مُتَهَدِّلَةُ.

أي متدلّيه لكثرتها وعظمها.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَدَعْوَةٍ مُتَلافِيَةٍ.

أي متداركة للخطايا.

قال عليه السَّلام: أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ وَ قَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ.

يعني أظهر ما كان يجهله الناس من الشرائع، وقع: أي قهر وأذلّ، والمدخولة: المعيوبة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَغُضُّوا عَنْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا.

أي اخفضوا واطرحوا.

قالَ عليهِ السَّلام: فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ وَ الْمُجِدِّ الْكَادِحِ.

احذروها حذر من هو مشفق على نفسه، وناصح لها واحدّ وجدّ بمعنى واحد، والكدح: السعي بالكد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: والطّرِيقَ جَدَدٌ، وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ.

الجدد: المستوي المستقيم، والقصد: بمعنى القاصد، يقال: وسبيل قاصد: أي مستقيم.

(الخطبة - 161)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ لِبَعْضِ أصحابه وقد سأله كَيْف دَفَعَكُمْ قَوْمُكُمْ عَنْ هذا المَقامِ وَأَنْتُم أَحَقُّ بِها: يا أخا بَنِي أَسَدٍ إِنَّكَ لَقَلِقُ الوَضِينِ، تُرسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ! وَلَكُ بَعْدُ دَمَامَةُ القِهْرِ وَحَقُّ

ص: 153

المَسْألَةِ.

الوضين: للهودج بمنزلة البطان للقتب، ويستعار هذا للمضطرب المتردّد الذي لا يكون له بصارة يرفق بها، والسدد والسداد: الصواب، والقصد من القول والعمل، والمعنى ترسل الكلام في غير الصواب، والدمامة: الحرمة، والصهر: عند بعض يكون من أهل بيت المرأة، وعند بعض من الأحماء والاحنان جميعاً قيل، كان ذلك السائل من أقارب ليلى بنت مسعود بن خالد امرأة أمير المؤمنين - عليه السلام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالأَشَدُّونَ بِرَسولِ اللهِ نَوْطاً.

أي تعليقاً.

قالَ عَليهِ السَّلام: فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ.

الضمير في فإنها للخلافة، والأثرة: اسم من استأثر بالشيء، أي اشتدّ به، والمراد بشحّت: حرصت، فلذلك عداه بعلى لانّ الحرص من لوازم الشحّ، وسخت عنها: أي طابت عنها لانّ من سخا بشيء تطيّب عنه نفسه، قالَ عليه السلام:

وَ دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ.

هذا أوّل بيت لامرىء القيس وتمامه:

وَ لَكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ.

قصّة هذا البيت، أنّ امرىء القيس هرب من ملك العرب واستجار رجلاً من طيء، فاغير على ابل ذلك الرجل، فخرج الرجل على رواحل امرىء القيس في طلب الابل فلمّا رجع وكان امرىء القيس في أمر رواحله اهمّ من امر ابل ذلك الرجل، فقال هذا البيت والحجرات: النواحي، وانتصب حديثاً بفعل مضمر تقديره، ولكن هات حديثاً.

ص: 154

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ جَدَحُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً.

يقال: جدح السويق: أي لتّه،وخلطه والشرب: الحظ من الماء، والمراد هاهنا المشروب، والوبيء: الفاسد بالوباء.

(الخطبة - 162)

قال عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: الحَمْدُ اللهِ خالِقِ العِبادِ، وِساطِحِ المِهادِ، وَمُسِيلِ الوهادِ، وَمُخْصِبُ النِّجادِ.

ساطح المهاد: أي باسط الأرض من قوله تعالى: «ألم نجعل الأرض مهاداً» والوهاد جمع وهدة، وهي المكان المطمئنّ، والنجاد: جمع نجد، وهو ما أرتفع من الأرض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَدَّ الأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهَا مِنْ شَبهَهَا، لا تُقَدِرُهُ الأوْهامُ بالحُدودِ والحَرَكاتِ.

حد الأشياء: بيّن حدودها ليتميّز من أشباهها، لا تقدره: أي لا يقدرّه، فإنّ من شأن الوهم ألّا يدرك إلّا المحسوسات الّتي لها حدود وحركات، فما هو

منزّه عنها، تعجز الأوهام عن إدراكه وتقديره بها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا شَبَحَ فَيَتَفَضَّى، وَلَا مَحْجُوبُ فَيُحْوَى.

الشبح: الشخص، والتقصّي: الاستقصاء، يعني ليس بشخص يطلب أقصاه، أي غاية حدوده، وليس بمحجوب في حجاب فيكون الحجاب حاوياً له، وهو محويّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ وَ لَا كُرُورُ لَفْظَةٍ وَ لَا ازْدِلَافُ رَبْوَةٍ وَ لَا انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ فِي لَيْلٍ دَاجٍ وَ لَا غَسَقٍ سَاجٍ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ وَ تَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ.

شخوص البصر: أن يفتح العين من غير ان تطرف والازدلاف:

ص: 155

التقدم، يعني التقدم الى ربوة والربوة: ما ارتفع من الأرض، والداجي: المظلم، والغسق: ظلمة أوّل اللّيل، والساجي: الساكن الدايم، ويتفيأ: ينقلب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ وَ نِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ وَ تَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ.

ينحله: أي يدعيه والمحددون: الذين يثبتون حدوداً كالمجسمة، لأنّ الحدود من أوصاف المقادير والتاثل: اتخاذ أصل مال، والمراد نفي اتخاذ المساكن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَمْ يَخْلُقِ الأشياءَ مِنْ أصول أزلِيَّةٍ.

يعني به نفي ما يعتقده الفلاسفة من قدم المادة والهيولى.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا تُحِيرُ دُعاءً.

أي لا يخيب

(الخطبة - 163)

قال عَلَيهِ السَّلام في كَلامِهِ لِعُثمانَ: فَلا تَكُونَنَّ لِمَرْوانَ سَيِّقَةً.

السيقة: ما استاقه العدوّ من الدوابّ.

(الخطبة - 164)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في أَوْصَافِ الطُّيورِ وَالطَّاوُوسِ: وَ جَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً وَ نَسَقَهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي الْأَصَابِيغِ.

دفيف الطائر: دنوّه من الأرض، ويقال: نسق الكلام: اذا عطف بعضه على بعض، والمعنى هاهنا انه ضم الى كلّ صبغ صبغاً، يليق به، ويحسن في

عين الناظر.

ص: 156

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَجَناحَ أَشْرَجَ قَصَبَهُ.

يعني جعل على طرفه شيئاً كالسراج.

قالَ عليه السَّلام: كَأَنَّه قِلْعُ دارِيِّ. وَيُروَى فِلْعُ دارِيء عَنجَهُ نُؤتيَّهُ.

القلع: شراع السفينة، والداريّ: العطر، وهو منسوب الى دارين، فرضة بالبحرين فيها سوق كان يحمل اليها مسك من ناحية الهند، وأما الداريء: فهو من درأ علينا اطلع علينا، مفاجأة والدرء ايضاً: الدفع والشراء اذا عطف يدفع الريح عن وجهها والعنج: ضرب من رياضة البعير يجذب الراكب خطامه فيردّه على رجليه والمراد عطف الشراع، لانه اذا كان مطوياً ثم نشره وبسطه النوتىّ، فقد عطف ما كان مطوياً الى نشره وبسطه، والنوتيّ: الملّاح.

قال عَليهِ السَّلام: وَيَمِيسُ بِزَیِفَانِهِ.

والميس والزيفان: التبختر.

قال عليه السّلام: يُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدِّيَكَةِ وَ يَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ.

أفضى الرجل الى المرأة: باشرها، والارّ: الجماع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ.

الضمير في يقف للّدمعة المذكورة، والضَفَة والضِفّة: جانب النهر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: سَوَى الدَّمْعِ المُنْبَجِسِ.

أي المتفجر.

قال عليه السّلام: لَما كانَ ذلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطاعَمَةِ الغُرابِ.

يقال: إنّ الغراب لا يبيض ولا يفرخ بالسفاد بل بالمطاعمة، وهي أن يدخل أحد الغرابين منقاره في منقار الآخر كأنه يرقه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَخالُ قَصَبَهُ مَدارِيَ مِنْ فِضَّةٍ.

المدار: شيء تصلح به الماشطة قرون النساء كالمسلة.

ص: 157

قالَ عَلَيهِ السَّلام: خالِصَ العِقْيانِ وَفِلَذّ الزَّبَرْجَدِ.

العقيان: الذهب الخالص، والفلذة: القطعة من الكبد، واللّحم والمال والفلذ جمعها.

قالَ عَليهِ السّلام: وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ.

تصفح الشيء: نظر في صفحاته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلَاسِيَّةِ.

حمش: أي دقيقه يقال: أحمش الساقين: أي دقيقهما، والخلاسية: الديكة الهندية، وقيل الخراسانية.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ، وَ لَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ.

نجم: أي ظهر وطلع والظنبوب: العظم اليابس في قدم الساق، وصيصية الديك: شوك رجله، والقنزعة: الشعر حوالي الرأس.

قال عليه السَّلام: أَبْيَضُ يَفَقٌ.

أي شديد البياض بإصبعه

قال عليه السّلام: وَبَصيصِ ديباجِهِ.

البصيص: الريق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَقَدْ يَتَحَسَّرُ مِنْ رِيشِهِ.

أي ينكشف ويتعرّى.

قال عليه السّلام: فَبَسْقُطُ تَتْرى.

أي متواتر وتترى فعلى من المواترة وأصله وترى والتاء بدل من الواو كتوبج وتخمه.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَسُبْحانَ مَنْ أدْمَج قَوائِمِ الذَّرَّةِ وَالهَمَجَةِ.

أدمج: أي دَورَ وملس، والهمجة: ذباب صغير كالبعوض.

ص: 158

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَوأى على نَفْسِهِ.

الوأى: الوعد، وتعديته بعلى من قوله تعالى: «ثم كتب على نفسه الرحمة».

قالَ عَلَيهِ السَّلام في صِفَةِ الجَنَّةِ: لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ.

يقال: عزف عن الشيء عزوفاً: اذا زهد فيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَفِي تَعْلِيقِ كَبائِسِ الُؤلُؤ الرَّطبِ في عساليجها.

الكياسة: الغدق، وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب، والعسلج والعسلوج: ما لان واخضرّ من قضبان الشجر والكرم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بِالأَعْسالِ المُصَفَّفَة.

تصفيق الشراب: تحويله من إناء الى إناء ليبقى الصافي.

(الخطبة - 165)

قالَ عَليه السّلام في خُطْبَةٍ: وَ لَا تَكُونُوا كَجُفَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَ لَا عَنِ اللَّهِ يَعْقِلُونَ، كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي أَدَاحٍ يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً وَ يُخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً.

لا يتفقّهون في الدين: أي لا يتعلّمون أحكام الدين، ولا عن الله تعقلون: معنى عقل عن الله: صدر له عن الله عقل وعلم لطفاً من الله تعالى وموهبة وفضلاً والقيض: القشر الأعلى من البيض، وأُدحي النعامة: الموضع الذي يفرغ فيه.

المعنى أنّ جفاة الجاهلية كمثل بيض في أدحي النعامة إن كسرته لا يخلو عن وزر، إن كان البيض للنعامة وقد يكون ذلك البيض للحيّة، فان ترك حتّى تحضنه الحية أخرجت شراً، كذلك حال جهّال الجاهلية الّذين لا يتعلّمون أحكام الدين ممّن يعلمهم، ولا يعلمهم الله بلطفه، إن قتلتهم فلا يعرى قتلهم عن الاثم وإن تركتهم لا ينشأ منهم الا الشرّ والفتنة.

ص: 159

قال عليه السَّلام: عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ، يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَاباً، يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قَارَةٌ وَ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ وَ لَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ وَ لَا حِدَابُ أَرْضٍ، يُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ، ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ وَ يُمَكِّنُ لِقَوْمٍ فِي دِيَارِ قَوْمٍ.

يريد جيش بني أمية وشيعتهم وشرّ يوم لهم: كما يوم هزم مروان الحمار وفرّق جيشه، وكان آخر أيامهم، و القزع: قطع من السحاب رقيقة، والسحاب: الركام المتراكمة، يسيلون من مستثارهم: أي من حيث ازعجوا، والمراد بسيل الجنّتين: ما قال الله تعالى: «فارسلنا عليهم سيل العرم والجنتان» ما قال الله تعالى: «لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال».

القارّة: الاكمه والسّنن: وجه الشيء الذي فيه يتوجه يقال: جاء من الخيل ما لا يرد سننه: أي وجهه والرصّ الصادق الشيء بالشيء ومنه البنيان المرصوص، والحداب: جمع حدب، وهو ما ارتفع من الارض، يذعذعهم الله: أي يفرقهم والمراد بينابيع الارض: المواضع المتفرقة التي يهربون اليها التي ينبع فيها الماء، يأخذ بهم من قوم حقوق قوم: يعني من كان له قتلهم ثار يأخذهم بثاره أو حقّ فيستوفي حقه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ ايْمُ اللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَ التَّمْكِينِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ.

يريد انقراض ملكهم، وانقطاع دولتهم، أليس هذا من عجيب أحواله عليه السلام وغريب أخباره؟ إذ أخبر بوقعتهم التي فيها آخر أمرهم بعد سنين

كثيرة، كما أخبر قبل بتسلّط الحجاج وخراب البصرة بسبب صاحب الزنج.

ص: 160

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الإِعْتِسافِ.

أي الأخذ على غير الطريق.

قال عَليه السّلام: ونَبَدْتُمُ الثِّقْلَ الفادِحَ.

أي الغالب.

(الخطبة - 166)

قال عليه السَّلام في خُطْبَةٍ أُخْرى: إنَّ اللهَ تعالى حَرَّمَ حَراماً غَيْرَ مَجْهُولٍ. يعني كل ما حرّم الله في كتابه أو على لسان نبيه، ليس يخفى علمه على أحد بل فصّل ذلك وبيّن لئلا يبقى للعباد عذر وحجة، ولئلا يوغ لهم أن يقولوا حرّم علينا ما لا نعلمه.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ عَنِ البِقاعِ والبَهائِمِ.

أي عن كلّ أرض وطئتموها وتصرّفتم فيها أو آذيتموها.

(الخطبة - 167)

قالَ عَليهِ السَّلام في كِلام: قَدْ ثارَتْ مَعَهُمْ عَبْدانُكُمْ، وَالتَفَّتْ إلَيْهِمْ أَعْرابُكُم.

العبدان: جمع العبد والتفّت: أي اجتمعت وانضمّت والأعراب: الجهّال.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تُؤْخَذَ الحُقُوقِ مَسْمحَةٌ.

أي سهلة يقال: اسمحت قرونته: أي ذلّت نفسه.

ص: 161

(الخطبة - 168)

قال عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: فَاعْفُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرُ مُلَوَّمَةٍ.

قيل: التلويم: المبالغة في اللّوم، وهذا لا يتّضح معنى الكلام ها هنا.

قال السيد الاجل المصنّف زيد علوّه: وأظنّ أنه - عليه السلام - استعمل هذا اللّفظ بمعنى غير منتظرة وغير بطيئة من تلوّم: أي انتظر وتمكّث، فانه قال: فاعطوه طاعة غير مجعول فيها التلوم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى بَازِرَ الأَمْرُ إِلى غَيْرِكُمْ.

أي ينضمّ.

قال عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ هؤلاء قَدْ تَمَالاًوا عَلى سَخْطَةِ إمارَتي.

أي اجتمعوا وتعاونوا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَنْ تَمَّمُوا عَلى فَيالَةِ هذا الرَّأي.

أي ان امرؤا على ضعف هذا الرأي ووهنه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللهُ عَلَيهِ.

الفيء: الغنيمة والخراج تقول: منه أفاء الله على المسلمين مال الكفار.

(الخطبة - 170)

قال عليه السَّلام في كَلامٍ عِنْدَ عَزْمِهِ عَلى لِقاءِ القَوْمِ بِصِفّينَ: وَجَعَلْتَ سُكّانَهُ سِبْطاً مِنَ المَلائِكَةِ.

أراد بالسبط: القبيلة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ وَ الْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ.

ص: 162

الذمار: ما وراء الرجل ممّا يحق عليه أن يحميه والغائر من الغيرة، وعند نزول الحقايق: يعني اذا حقّ المكروه، وحقّت الشدائد، والحفاظ: الألفة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: العارُ وَرَاءَكُمْ، وَالجَنَّةُ أمامَكُمْ.

أي إن فررتم فالعار وراءكم، وإن ثبتّم وأقدمتم فالجنة أمامكم.

(الخطبة - 171)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُوَارِي عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً وَ لَا أَرْضٌ أَرْضاً.

يعني لا يحجبه سماء يقوم بينه وبين سماء أخرى أن يراها، كما هو حالنا إذا قام بيننا وبين الأجسام حاجز، لان إدراكه للأشياء ليس بآلة وليس هو بجسم.

قال عليه السّلام: ثُمَّ قَالُوا: أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ.

المعنى أنّ من الحقوق ما يجب أخذه واستيفاؤه، ومنها ما لا يجب أخذه بل يجوز تركه أو يندب، وهذا منهم خطأ وغلط، لأنّ الإمامة اذا ثبت حقّها على من يستحقها، ووجب عليه القيام بها، فلا يسعه تركها بوجه من الوجوه إلّا ان يؤدّي ذلك الى خلل كلي يرجع الى الدين والاسلام، كما كان حاله عليه في أول الأمر، وأما حق المال على غيره اذا لم يكن هو محتاجاً اليه فله أن يتركه، وليست الإمامة من ذلك القبيل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً.

يريد أصحاب الجمل وعامله بالبصرة.

ص: 163

كان عثمان بن حنيف صاحب رسول الله - صلى الله عليه وآله - ويقال: قتله صبراً: أي حبسه على القتل حتى قتل، و أخذوا عثمان بن حنيف ونتفوا لحيته، وخلّوا سبيله، فلمّا ورد على أمير المؤمنين - عليه السلام - قال له: فارقتنا شيخاً، ورجعت الينا غلاماً.

(الخطبة - 172)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ لَا يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا.

الخنين: البكاء في الأنف، وزوي عنه: أي قبض وجمع عنه.

(الخطبة - 175)

قالَ عَليهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ وَ لَا يُمْسِي إِلَّا وَ نَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ، فَلَا يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَ مُسْتَزِيداً لَهَا.

الظنون: الرجل السيء الظن، يعني أنه يسوء ظنّه في أسباب رزقه، ومعاشه، فيظنّ أن قلة ماله ونقصان قدره وحرمته من تقصير نفسه، فلا يزال يعيبها ويستقصرها.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ اسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ.

اللأواء: الشدّة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَنْ مَحَلَ به القُرآنُ.

يقال محل به: أي سعى به الى السلطان.

قال عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ.

يعني أنّ لقوة الإنسان في تزكية نفسه واكتساب أسباب السعادة الأبدية والزلفى عند الله نهاية، فينبغي أن يجتهد حتى ينتهي إليها.

ص: 164

قالَ عَلَيهِ السّلام: أنّا شاهِدٌ لَكُمْ وَحَجِيجٌ يَوْمَ القَيامَةِ عَنكُمْ.

يعني أني اقيم الحجة عنكم يوم القيامة إن قبلتم اليوم موعظتي ونصيحتي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ الأخلاقِ.

التهزيع: الكسر، والمراد تبديل الأخلاق والردّ فيها، لأنّ من ترك خلقاً وتخلّق بخلق آخر، فقد كسره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ هَذَا الَلِسَانَ جَمُوحٌ بِصاحِبِهِ.

أي غالب له، ولما عدّاه بالباء كان المعنى ذاهب بصاحبه الى مكان الشر والخطر كالفرس الجموح الّذي لا يملكه راكبه، فربما يلقيه في مهلكة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ وَ يُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ.

يعني لما اعتقد أنّ الحلال ما احلّ الله والحرام ما حرّم الله، فانه لا يحدث من نفسه شيئاً يخالف ذلك ولا يقبل ما أحدثه غيره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ وَ التَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِظَةِ وَ أَتَاهُ التَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ وَ يُنْكِرَ مَا عَرَفَ.

يعني اذا لم ينفعه ابتلاه الله بالبلاء، والتجارب: يكون ذلك لتقصيره في صرف نفسه الى ما فيه صلاحه أو لنقصه من نفسه، والقيامة امامه، فاذا شهد ذلك اليوم يعلم تقصيره في الاعتبار بالتجارب والاتّعاظ بالمواعظ، فعرف ما كان أنكره من المواعظ وأنكر على التقصير ما عرفه الآن، وهو ما فرط منها من التقصير، ويؤيّد هذا قول الله تعالى: «يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف».

قال عَلَيهِ السَّلام: فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَ إِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) كَانَ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ الْخَيْرَ وَ دَعِ الشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ.

ص: 165

القصد: العدل وكل مستو مقيم، يقال له: قاصد، والجواد: القاصد من يبذل ماله ولا مسرف، فشبّه رسول الله - صلى الله عليه وآله - فعل الخير وان لم يكن بذل المال بالجود، وشبّه ترك الشر بترك الاسراف في بذل المال، ترغيباً للمؤمنين في أفعال الخير وأعمال البر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: عِنْدَ بَعْضِ الهَناتِ.

هن: لفظ كناية: أي شيء وأصله هنو، وهنة تأنيثه.

(الخطبة - 176)

قال عليه السَّلام في كَلامِ الحَكَمِيْنِ: فَأَخَذْنَا عَلَيهِما أَن يُجَعْجِعا عِنْدَ القُرآنِ، وَلا يُجاوزاهُ.

أي يقفا من جعجع البعير: اذا ترك واستناخ.

(الخطبة - 177)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ الْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ.

أي المختار وأصله العيمة، وهي خيار المال، يقال: اعتام الرّجل: إذا أخذ العيمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ الْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى.

أسود غربيب: أي شديد السواد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ الْمُخْلِدَ إِلَيْهَا وَ لَا تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا.

يقال أخلد اليه: أي ركن والتنفس: الترفيه والمنافسة: الرغبة في الشيء على وجه المباراة.

قالَ عَليهِ السَّلام: في غَضِّ نِعْمَةٍ.

ص: 166

يجوز أن يكون المراد في خفض رحمة، أي دعه نعمة، ويجوز أن يكون الغضّ: بمعنى الطري.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ.

أي وعملنا وضعف في عقايدكم.

(الخطبة - 178)

قال عَلَيْهِ السَّلام في كَلامِ لِذِعْلَبِ اليَماني: مُرِيدٌ لا بِهِمَّةٍ.

الهمّة: مما يختصّ بالإنسان لأنّها مشتقة من الهمّ، بمعنى القصد والهمّ للإنسان، والله تعالى لا يهمّه شيء وإن أراده.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا يُوصَفُ بِالرّقَةِ.

إنّما قال ذلك لأنّ الرقّة من أوصاف القلب أو من أوصاف من له قلب، والله يتعالى عن ذلك علواً كبيراً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَعْنُوا الوُجُوةَ لِعَظَمَتِهِ، وَتَجِبُ القُلوبُ مِنْ مَخافَتِهِ.

يعني اتخضع من قوله تعالى: «وعنت الوجوه للحيّ القيوم» وتجب: تضطرب.

(الخطبة - 179)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ في ذَمّ أصْحابِه: أَحْمَدُ الله على ما قَضى مِنْ أَمْرٍ، وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ.

الفرق بين قضاء الله وقدره وتقدير أنّ القضاء حكمه الكلّي بما هو سبب الحوادث والتغيرات في العالم مجملاً، وقدره وتقديره تفاصيل ذلك، مثلاً خلق الله تعالى الأفلاك والكواكب وجعلها متحركة بحركات مختلفة، وجعل حركاتها

ص: 167

المختلفة أسباباً مؤثرة في وجود الحوادث والتغيرات في العالم، فهذا حكم كلّي، وهو القضاء، وتحت هذا الكلّي جزئيات هي تفاصيل تلك الحوادث والتغيرات، وهي القدر والتقدير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنْ أَمْهِلْتُمْ خُضْتُمْ، وَإِنْ حُورِنتُمْ خُزْتُمْ.

إن فزعتم خضتم في أمور يلزمكم أن رضوا فيها، وخرتم: ضعفتم وانكسرتم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا أَبَا لِغَيرِكُمْ.

يقال في المدح والذمّ، والمراد هاهنا المدح لغيرهم، يعني هذه الكلمة التي يراد بها المدح لغيركم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا مَحْمَيَّةً تَشْحَذُكُمْ.

المحميّة: الحمية، وشحذت السكين أشحذه شحذاً: أي حدّده.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَو لَيْسَ عَجَباً أنَّ مُعاوِيَةَ يَدْعُوا الجُفاةَ الطَّعَامَ فَيتَّبِعُونَهُ. المراد بالجفاة: الاجلاف الغلاظ القلوب، والطغام: الاوغاد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَنْتُم تَرِيكَةُ الإِسْلامِ.

التريكة: روضة يعلفها الناس فلا يرعونها، والتريكة أيضاً النعام التي يتركها، ويجوز أنه أراد بها التركة التي هي البيضة من الحديد لأنها تشبه بيض النعام، ولذلك سمي بيضة.

(الخطبة - 180)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام لِرَجُل أَرسَلَهُ يَعْلَمُ عِلْمَ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ الْكُوفَةِ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ: أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ.

أي سدّدت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ الشَّيْطَانَ اليَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ.

ص: 168

يقال: استفلّ القوم: اذا رحلوا ومضوا، ولعلّه - عليه السلام - أراد استفلّ بهم: أي مضى بهم، فحذف الجار وأوصل الفعل.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ ارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ.

أي وقوعهم في منكوسين، وهو عبارة عن إصرارهم على الضّلال.

(الخطبة - 181)

قالَ عَليهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلَا عَمَدٍ.

وطّد الشيء ووطّده: أي أثبته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ وَ لَا فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ.

جمع الأرض أرضات، ولكنهم قالوا في جمعها أرضون، فجعلوا الواو والنون عوضاً من حذفهم الألف والتاء وتركوا فتحة الراء على حالها، وتطأطأ القوم: بمعنى طامن: أي سكن، والسفع: الاثافي ويفاعها: أعلاها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ مَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ.

الجلجلة: صوت الرعد.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ لَا يَخْلُقُ بِعِلَاجٍ.

أي بمزاولة.

قالَ عَليهِ السَّلام: فِي حُجُرَاتِ الْقُدُسِ مُرْجَحِنِّينَ.

أرجحن: اهتزّ ومال أيضاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَ أَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ؟ أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَ أَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ.

العمالقة: قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن ارم بن نوح تفرّقوا في البلاد،

ص: 169

وفرعون لقب مصعب ملك مصر، ويقال للعتاة: واختلف في أصحاب الرسّ قال بعضهم: هم قوم شعيب كانوا أصحاب آبار ومواش وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله اليهم شعيباً فآذوه فبيناهم حول الرسّ اذ انهارت، و فخسف بهم و بديارهم وقيل الرسّ: بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار وقيل: كذّبوا نبيّهم ورسوه في بئر: أي دسوه فيها

قال عَليهِ السَّلام: وَضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنْبِهِ، وَأَلصَقَ الأَرْضَ بِجِرَانِهِ.

عسيب الذنب: منبته من الجلد والعظم، هذا عبارة عن شدة اجتهاده في الذبّ عن الدّين لأن الحيوان ذا الذنب إذا لحقه أذى من ورائه من ذباب أو غيره فانه يدفعه بفرع ذنبه، فان اشتد أذاه حرّك جميع الذنب من أصله، والجران: مقدّم عنق البعير من مذبحه إلى منحره، والمراد بالصاق الأرض بجرانه: ثباته في الأمر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ حَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا.

حدوتكم: أي سقتكم، واستوسقت الإبل: اجتمعت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ.

أراد عمار بن ياسر وأبا الهيثم مالك بن التيهان وخزيمة بن ثابت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وآله الذي جعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - شهادته مقام شهادة رجلين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ.

أي ارسلها البريد.

(الخطبة - 182)

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَرِضَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَ سَخَطُهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ.

ص: 170

يعني إن بقي شيء لم يذكر في القرآن، وهو يرضي الله تعالى فرضاه به، هو رضاه بما ذكروا، كذلك سخطه يعني رضاه وسخطه لا يتجدّدان المرضي والمسخوط عليه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ في مِثْلِ ما سَألَ إِلَيهِ الرَّجْعَة مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ. يعني أصبحتم في سوء أعمالكم كالذّين عملوا السوء قبلكم، فلمّا ماتوا ورأو العذاب سألوا الله تعالى أن يرجعهم الى الدنيا ليعملوا صالحاً قال الله: «ربّنا اخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنّا نعمل».

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَيُّها اليَفَنُ الكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزهُ القَتِيرُ.

اليفن: الشيخ المسنّ، ولهزه القتير: أي خالطه الشيب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا.

يقال: غلق الرهن: اذا استحقّه المرتهن، لأنّ الراهن لم يفكه في الوقت المشروط.

(الخطبة - 183)

قالَ عَلَيهِ السَّلام لِلبُرج ابنِ مُسْهِرٍ الطّائي وَقَدْ قالَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ کَلامَه: «لا حُكْمَ إلّا لله» وكانَ مِنَ الخَوارِج: اسْكُتْ، قَبَحَكَ اللَّهُ يَا أَثْرَمُ.

القبح: الطرد والسعيد (1)، والأثرم: الذي سقطت ثنيته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتّى اذا نَعَرَ الباطِلُ.

يقال: نعره العرق: اذا فار منه الدم.

ص: 171


1- كذا في الاصل

(الخطبة - 185)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ يَصِفُ فِيْها المُنافِقِينَ: وَضَرَبَتْ إلى مُحارَبَتِهِ بُطونُ رَواحِلِها.

هذا مثل يضرب في السرعة، وقد يختلف الألفاظ فيه، فتارة يقول: ضرب فلان لكذا آباط ابله، وتارة يقال: اكباد أبله، وتارة يقال: كما قال - عليه السلام - هاهنا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ يَعْمِدُونَكُم بِكُلّ عِمادٍ.

أي يقصدونكم بكل ما يقصد به.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: يَمْشُونَ الخَفَاءَ، وَيَدِبُّونَ الضَّرَّاءَ.

نصب الخفاء: نصب المصادر، كقولهم أرسلها العراك: أي ارسلها عراكاً، ثم أدخل عليه الالف واللام كما قالوا: مررت بهم الجماء الغفير ولم يغيّر الألف و اللام المصدر عن حاله والضراء: الشجر الملتف في الوادي يقال:

، يمشي الضراء، اذا مشى مستخفياً فيما يواري من الشجر، ويقال للرجل اذا احتلّ صاحبه، هو يذب له الضراء ويمشي له الخمراء والخمراء: ما وراءك من شيء.

قال عليه السَّلام: هَوَتُوا الطَّرِيق وَأَضْلَعوا المَضِيقَ، فَهُمْ لمَّةُ الشَّيْطَانِ، وَحُمَةُ النِّيْرانِ.

هينوا الطريق: جعلوه هيناً وسهلوه في زعمهم، وفي بعض النسخ هيبوا بالباء.

قال السيد الأجلّ المصنّف زيد علوّه: ولعلّ هذا أصحّ لأنّ التهيين، بمعنى التهوين بما لم يستعمل، ولكن يمكن أن يقال انه - عليه السلام اشتق التهيين

ص: 172

من ظاهر لفظ الهيّن لا من اصله كقولهم: بسمل وحيقل، ولهذا نظاير كثيرة ومعناه أنهم جعلوا طريقهم الى الآخرة مخوفاً ذاهيبة، واضلعوا: مالوا وعوجوا مضيق طريقهم بحيث لا يمكنهم المضي فيه، واللّمة: الاصحاب من الثلاثة الى العشرة، والحمة: بالتشديد معظم الحرّ.

(الخطبة - 186)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ رَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ.

الهمهمة: ترديد الصوت في الصدر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَناهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ.

أي دارسة متمحية.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلَمْ يُرْسِلُكُمْ هَمَلاً.

الهمل: الابل الّتي تكون بلا راع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا تَحْجُرُه هَبِةٌ عَنْ سَلْبٍ.

لا يمنعه والسلب: المسلوب، والمراد انه لا يمنعه فعل عن فعل آخر، كما لا يمكننا القيام بفعلين في زمان واحد.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلا تُوَلِّهُهُ رَحْمَةٌ عَنْ عِقابٍ.

الولهة: ذهاب العقل والتحير، والمراد لا يشغله لان من شغله أمر عن أمر فذلك لتحيره وعجزه عن القيام بهما معاً.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ لَا يُجِنُّهُ الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ وَ لَا يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ.

یعنی بالبطون والظهور: اعوار الارض وايجادها، وانما نفى بذلك ما يختص بالاجسام ويجوز أن تكون الرواية ولا يجنّه ولا يقطعه بالياء على انهما مصدران،

ص: 173

ويكون المعنى مناسباً لما سبق، يعني يكون باطناً وظاهراً في كلّ الأحوال لا يمنعه أحدهما عن الآخر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَرُبَ فَنَأَى وَ عَلَا فَدَنَا وَ ظَهَرَ فَبَطَنَ وَ بَطَنَ فَعَلَنَ وَ دَانَ وَ لَمْ يُدَنْ. لَمْ يَذْرَأِ الْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ وَ لَا اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلَالٍ.

قرب من كلّ شيء بعلمه ونأى عن ادراك المدركات إياه، وعلا كلّ شيء بجلاله وعظمته وكبريائه، ودنا من كلّ شيء بخلقه وعلمه وقدرته، وظهر وجوده بالدّلايل الساطعة والبراهين القاطعة، وبطن عن أن تعرف حقيقة العقول الدرّاكة وبطن من هذا الوجه، ولكن علن للمستدلّين على ثبوته بمخلوقاته وحسن نظام مبدعاته، ودان: أي أدلّ واستعدّ ولم يخلق الخلق محتاجاً الى ذلك الى حيلة، ولا يلحقه في افعاله كلال يحوجه الى استعانة غيره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا الزِّمَامُ.

يعني بالزمام: المستمسك الذي يحفظ به الانسان نفسه عن ارتكاب المعاصي واقتحام المهاوي، لانّ من ركب بعيراً بلا زمام لم تأمن أن يوقعه في مهلكة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ الْعِشَارِ.

الصّروم: جمع صرم، وهو الجماعة من الابل والعشار جمع عشر أو هي الناقة التي أتت عليها من أتت عليها من يوم أرسل فيها الفحل عشرة اشهر وزال عنها اسم المخاض، وهذا مقتبس من قوله تعالى: «وإذا العشار عطّلت».

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَقاً وَ مَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً.

الرقرق والرقراق: اللامع المتلالىء، والقاع: الارض المستوية، والسلق والمسلق: القاع الصّفصف.

ص: 174

(الخطبة - 187)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: تَقْصِفُها العَواصِفُ.

يقال: صفقته: أي ضربته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَمِنْهُمُ الغَرِقُ الوَبِقُ.

أي الهالك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا.

حفزه: أي دفعه من خلفه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ.

أي قبل اغشايكم الفوت، يقال: رهقه: أي غشيه، وأرهقه: أي أغشاه.

(الخطبة - 188)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه وآله) أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ، وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الْأَبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ فِيهَا الْأَقْدَامُ، نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا. وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله)وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي، فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي.

لم أردّ على الله: أي لم أخالف أمره ولا أمر رسوله، ومن مواساته رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - نومه على فراش رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - حين همّ المشركون بقتله حتى سار الى الغار، ومنها أنه انهزم أصحاب

ص: 175

رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - يوم أُحد ولم يبق في المعركة سوى علي - عليه السلام - والعبّاس، هكذا ومنها أنه عبر الخندق يوم الخندق، وقتل عمرو بن عبد ودّ، ومنها فتح خيبر، ومنها أنّ يوم حنين انهزم أكثر المسلمين وقتل علي - عليه السلام - ذا الخمار صاحب راية المشركين وغير ذلك من المواقف والمشاهد، وسالت نفسه: أي دمه وفي الحديث ما ليس له نفس سائلة فانه لا ينجس الماء اذا مات فيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ، مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ.

الهينمة: الصوت الخفيّ.

(الخطبة - 189)

قالَ عَلَيْهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وَ أَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ.

أي آثره واختاره، ويجوز أن يكون معنى أصفاه أخلصه عن الشوائب التي ينا في زكاء النفس والنّبوة، والخيرة: الاسم من اختاره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَتْأَقَ الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ.

أتاق: ملأ، والماتح: المستقي.

قال عليه السّلام: وَ لَا وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ.

الوعث: المكان السهل الذي يغيب فيه الأقدام، ويكون المشي فيه شاقاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا عَصَلَ فِي عُودِهِ.

أي لا التواء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا وَعَثَ لِفَجِّهِ.

قد ذكر الوعث، والفجّ: الطريق الواسع بين الجبلين.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا.

ص: 176

هو ضمير الاسلام والدّعامه: عماد البيت، وأساخ: أي أدخل وغيب، والسنخ: الاصل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مُعْوِذُ الْمَثَارِ.

أي لا يقدر على تحريكه وإزالته عن مكانه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ.

أي على شدّة، ويجوز أن يكون المراد أنّها استعدت الزوال، لأن من استعدّ للمسير فإنّه يقوم على ساق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ.

أي كفاية.

(الخطبة - 190)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام يُوصي به أصْحابَه: فَإِنَّهَا «كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً».

الكتاب: الفرض، والموقوت: المحدود بالأوقات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ شَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) بِالْحَمَّةِ

الحمّة: العين الحار.

(الخطبة - 191)

قال عليه السلام في كلام: وَ اللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَ لَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَة.

يعني لا أتخذ غافلاً بالكيد ولا غمزاً بالواقعة الشديدة، والغمز: الذي لم

يجرّب الأمور.

ص: 177

(الخطبة - 192)

قال عَلَيهِ السَّلام في كَلامِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَ السُّخْطُ.

يعني إذا ارتكب أحدهما جرماً ورضي به الباقون كانوا مشتركين في ذلك الجرم مجتمعين عليه، وكذلك في السخط للقبائح وإنكارها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: خَارَتْ أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَ السِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ فِي الْأَرْضِ الْخَوَّارَةِ.

خارت: أي صوتت، فانّ الارض تصوّت عند الخسف، والنار أيضاً يصوّت عند انطفائها.

قال بعض الشارحين (1): معنی خارت: انخفضت والخور المنخفض، ولكن هذا يشكل بخوار السكّة، اذ معنى الخوار الصوت، والسكة حديدة يحوث بها الأرض والارض الخوّارة: الليّنة.

(الخطبة - 193)

قالَ عَليهِ السَّلام في كَلامٍ عِندَ دَفْنِ فاطِمَةَ - عَليها السلام - : فَأَحْفِهَا السُّؤالَ.

الإحفاء: الاستقصاء في الكلام، والحفاوة: المبالغة في السئوال.

ص: 178


1- يعني به قطب الدين الكيذري كما جاء في شرحه على النهج ج 973/2.

(الخطبة - 194)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلام:إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ: مَا تَرَكَ، وَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ مَا قَدَّمَ؟ لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ.

يعني يقول الناس لأولاد الميت: ما ترك لكم آباؤكم. وتقول الملائكة: ما أنفق في سبيل الله في حياته وقدّمه لوجه الله عند موته ليكون ذخيرة المنجاته في الآخرة.

يجوز أن يوقف على ما قدم وتبدأ بقوله: الله آباؤكم، على سبيل المدح للمخاطبين.

(الخطبة - 195)

قال عَلَيهِ السَّلام في كَلامِ يُنادي به أَصحابِهِ: وَ أَقِلُّوا الْعُرْجَةَ.

أي التوقف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَ مَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً.

عقبة كؤوداً: أي شاقة المصعد، ومهولة: أي ذات هول، وكان القياس ان يقول هائلة لا انه قال ذلك مبالغة في تكرار الهول فيها، فان الهول يكون متمكناً في الشخص المهول، ويجوز أن يكون قد عدل الهول من الياء في قولهم مكان مهل أو مخوف لتناسب، ومظلعات المحضور دهمتهم، وقطع الامر واقطع: اشتد وحاور الرجل: نزل به امر عظیم، و مطلعات الممثلآت من ضلع يضلع ضلعاً: أي مال.

ص: 179

(الخطبة - 198)

قالَ عَلَيهِ السَّلام بِصفينَ وَقَد رأى الحَسَنَ يَسْرَعُ فِي الْحَرْبِ: امْلِكُوا عَنِّي هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ.

قال السيد الرضي: إملكوا عني هذا الغلام من أعلى الكلام وأفصحه، وهذا البناء كسره وانهار ركنه، وانفس بهذين: أي أظن بهما يعني الحسن والحسين - عليهما السلام.

(الخطبة - 199)

قالَ عَليهِ السَّلام لما اضْطَرَبَ عَلَيهِ أَصْحابُهُ في أمر الحكومَةِ: حَتّى نَهِكَتْكُمْ الْحَرْبُ.

هنا من قولهم نهكت الحمار وأجهدته.

(الخطبة - 200)

وقال عليه السّلام في كلام في أهلِ البَصْرَةِ وَقَدْ دَخَلَ على العلاء بن زياد الحارثي ويعوده: يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ، لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ.

العديّ: تصغير العدو ويقال: هام على وجهه: أي ذهب من العشق، واراد بالخبيث الشيطان.

قال عليه السّلام: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ.

يعني ان يجعلوا لباسهم وطعامهم مما يكسبه الفقراء أو مما يطعمونه، ويتبيّغ: أي هاج به.

ص: 180

(الخطبة - 201)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في جَوابِ من سأله عن أحاديثِ البِدَع: ولَقِفَ عَنْهُ.

لقف الشيء: أي تناوله بسرعة.

(الخطبة - 202)

قالَ عَليهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: یَحْمِلُهَا اَلْأَخْضَرُ اَلْمُثْعَنْجِرُ وَ اَلْقَمْقَامُ اَلْمُسَخَّرُ.

يعني الأخضر: الشجر لأن الماء الكافي يرى اخضر والمثعنجر: المنقب وقيل: الكثير الماء والقمقام: البحر، والضمير في يحملها للسماوات، وإنما جعل البحر حاملاً لها والهواء متوسطة بينهما، لانّ كل شيء يكون فوق شيء وان توسط بينها شيء فانه يقال: هو معمول على ما تحته.

فقال عليه السلام: فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا وَ أَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فِی مُتُونِ أَقْطَارِهَا وَ مَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا فَأَشْهَقَ قِلاَلَهَا وَ أَطَالَ أَنْشَازَهَا وَ جَعَلَهَا لِلْأَرْضِ عِمَاداً وَ أَرَّزَهَا فِیهَا أَوْتَاداً.

أنهد: رفع، واساخ: ادخل والانصاب: جمع المرتفع، وأرزها: أي ادخلها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تُكَرْكِرُهُ الرّياحُ الْقَواصِفُ، وَتَمْحُضُهُ الغَمامُ الّوارِفُ.

الكركرة: تصريف الرياح السحاب، وتمخضه: تحركه والذوارف: من ذرفت عنه: أي سال دمعها.

ص: 181

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: وثاورنه الآمال: أي واثب.

(الخطبة - 205)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ أُخرى: كُلَّمَا نَسَخَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَ لَا ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ.

نسخ: أي كتب، والمراد كلّما جعل الخلق فرقتين جعله في خيرهما. يقال: قارعه فسهمه وأسهم بينهم: أي أقرع، والمراد هاهنا أنه لا يكون في خير الفرقتين الّذي رسول الله - صلى الله عليه وآله - فيها العاهر والفاجر سهم، أي نصيب، كما يروى أنه لم يكن في أسلافه عاهر ولا فاجر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ هَذَّبَهُ التَّمْحِيصُ.

أي التخليص من الشوائب.

(الخطبة - 206)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في دعاء: أَوْ تَتَابَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا.

التتابع: التهافت في الشر.

(الخطبة - 207)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَة: وَ الْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَ أَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ؛ وَ لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ.

التواصف: أن يصف كلّ واحد من القوم شيئاً، وتناصف القوم: أي أنصف بعضهم من نفسه والمعنى أن الناس كلّهم يصفون الحقّ ولكن لا

ص: 182

يتصف بعضهم بعضاً إلّا قليل، ولا يجري لأحد حق إلّا ويجرى لغيره عليه حقّ، ولو وجب عليه ولا يجرى عليه، إلّا ويجرى له على غيره، إلّا الله تعالى.

فان حقّه يجري له على العباد وجوباً عليهم ولا يجري عليه لأحد حقّ واجب إلّا تفضلاً منه وتوسّعاً، كما هو من المزيد أهله وذلك لعدله وجوده وكرمه ومنّه وفضله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ جَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ.

جرت الأمور على أذلالها: أي على مجاريها وطرفها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ.

يقال: اجحف به: أي ذهب به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ كَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ.

يقال: ادغل الابل عن مراتعها: أي ضلّت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في جَوابِ رَجُلٍ كانَ يَكْثُرُ الثَناءُ عَلَيهِ: وَ رُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ.

البلاء: الاختيار بالخير والشر، والمراد هاهنا العطاء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ وَ إِلَيْكُمْ، بِقَبُولِ الولايةِ مِنْ أَجْلِ التَّقِيَةِ فِي حُقوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدائِها لَمْ أَوَّدَّها بَعْد فلا أَسْتَحِقّ بّهذا ثناءً.

في بعض النسخ البقية، ويكون أني إنّما اخرجت نفسي من أجل البقية التي عليَّ من الحقوق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: عِنْدَ أَهلِ البادِرَةِ.

البادرة: الحدة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَلا تُخالِطوني بِالمُصانَعَةِ.

وفي بعض النسخ ولا تخاطبوني، المصانعة: الرشوة.

ص: 183

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تَظُنُّوا بيَ اسْتِثْقَالاً في حَقِّ قِيلَ لي.

يعني لا تظنّوا إني أناذًى بقول الحقّ لي وتثقل عليّ.

(الخطبة - 208)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي.

يقال: استعديت على فلان الأمير فأعداني: أي استعنت به فأعانني عليه، وكفا الاناء واكفأه: أي قلّبه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَآلَمَ مِنْ حَزِّ الشِّفارِ.

الشفرة: السكين العظيم.

(الخطبة - 209)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ لما مَرَّ بطلحة وعَبْدُ الرَّحمنِ بنِ عَتّابِ بن أسَيْدٍ، وَهما قَتِيلانِ يَوْمَ الجَمَلِ: أدْرَكْتُ وَتَرِي مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنافٍ، وَافْلَتَني أعيانُ بَني جُمَحَ، لَقَدْ أَتَلَعُوا أعناقَهُمْ إلى أمْرٍ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوَقِصوا دونَهُ.

الوتر: الذحل، ويريد الزبير وطلحة، الأعنان: جمع وهو صفيحة السماء، واعترض من أقطار: أي استعير هاهنا وأتلعوا: أي مدّوا أعناقهم و أطالوها، وقص الرجل: أي كسر عنقه.

ص: 184

(الخطبة - 212)

قالَ عَليهِ السَّلام في كلامٍ بَعْدَ تلاوَته - الْهَاكُمُ التَكاثُرُ - : وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ، وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ! لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ.

الزور: الزاير، ويجوز أن يكون بمعنى المزور، وما أفظعه: ما أصعبه وأعظمه، ويقال: استخلاه مجلسه: أي ساله أن تخليه، يعنى من مات وأخلى مكانه فهو مذكر قوى للباقين، والتناوش: التناول، يعني أنهم كانوا يطلبون المحال من زيارة المقابر للتكاثر والتفاخر بالأموات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ.

يرتجعون: أي يسألون رجوع أجساد خلت عن أرواحها.

قال عَليهِ السَّلام: لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ.

العشوة: أن تركب أمراً على غير بيان، وضرب في الأرض: أي سار فيها، والغمرة: الشدة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَطَأوُنَ فِي هَامِهِمْ وَ تَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وَ تَرْتَعُونَ فِي مَا لَفَظُوا.

يعني رؤسهم اذا صارت تراباً، ويروى تستنبتون: أي تزرعون وتطلبون النبات في أجسادهم التي صارت تراباً، ويروى تستنتون: أي تتثبتون، وترتعون: أي ناجعون ما رموا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَ سُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ

ص: 185

الْبَرْزَخِ سَبِيلًا.

اسلف غايتكم: أي المتقدمون إلى غايتكم وهي الموت، والفارط: السابق الى الماء، والمقاوم: المقامات حالها على الأصل، والحلبة: خيل تجمع للسباق من كلّ أوب لا تخرج من اصطبل واحد، والسوقة: خلاف الملك والبرزخ: ما بين الدنيا والأخرة الى البعث، وقيل هو القبر.

قال عليه السلام: فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَ ضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ.

الفجوة: الفرجة والمتّسع بين الشيئين والضمار: كلّ ما يكون منه على غير ثقة، ومنه مال ضمار: أي لا يرجى.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لَا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ.

يعني لا يبالون بالزلازل ولا يستمعون الرياح الشديدة الصوت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَصَمَّتْ دِيارُهُم.

أي لا يسمع فيها صوت ويقال: لرجب شهر الله الاصمّ، لأنه لا يسمع فيه صوت القتال وقعقة السلاح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ.

ارتحال الشعر: إنشاؤه من غير تهية، يعني اذا وصفتهم من غير تأمّل حالهم قلت: كأنّهم صرعى عن سبات، والسبات: بطلان الحكمة وأثر الحيات (1).

قال عَلَيْهِ السَّلام: أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً.

يعني إن ماتوا نهاراً أو ليلاً فلا يتبدلان عليهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ. .

ص: 186


1- كذا في الاصل.

المراد بالغايتين غايتا اللّيل والنهار المذكورين بلفظ الجديدين، يعني مدّت للأموات كلّ غاية منهما إلى مباءة: أي منزلها في الآخرة لا تعلم مدّة فوتها ورحالها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: كَلَحَتِ الوُجُوهُ النَّواضِرُ.

الكلوح: تكثر في عبوس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَى وَ تَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ. الأهدام جمع هدم: وهو الثوب البالي، وتكاء دني الشيء وتكاء دني: أي شقّ عليّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَتَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ.

تهكّمت: أي اشتدّ غضبها، والصموت: جمع صمت، وهو الصامت، والمراد قبورهم.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ.

يعني رسخت الهوامّ، وهي المخوفة من الأحناش في أسماعهم، وارتسخ به: أي جعله مرتسخاً، فاستكّت: أي صمت.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا وَ عَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا.

فخسفت: أي غارت وذهبت في الأرض، والذّلاقة: اللسان وحدّته، و همدت النار: أي طفيت والهمده السكته وعاث: أي أفسد، وسمّجها:

قبّحها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ وَ غَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِي.

يعني أنّ صعوبة حالهم تدوم عليهم، والغمرة: الشدّة.

ص: 187

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ.

الأنيق: الحسن المعجب، والترف والترفه: النعمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ.

أي بخلاً وصيانة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ.

أي جعله والنيا (1) حسكة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ.

أي من قرب.

قال عَليهِ السَّلام: فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا يَعْرِفُهُ وَ نَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ.

البثّ: الحزن، والنجي: من (1)، وآنس: أي علم ما كان من حسن حاله بسبب صحتّه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَذَهَلَ مُمَرِّضُهُ.

أي ذهب من يقوم في مرضه.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: أَوْتَعتَدِلُ عَلَى عُقولِ أَهْلِ الدُّنْيا.

أي تستقيم.

(الخطبة - 213)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ بَعْدَ تَلاوَتِهِ - رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله - : وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ العَشْوَة: أي بَعْدَ العِشاء.

قال بعض الشارحين (2): المراد بالعشوة: الربع الأول من اللّيل، ولكنه

ص: 188


1- كذا في الأصل.
2- هو قطب الدين الكيذري والعبارة المنقولة مذكورة في حدائق الحقائق ج 1038/3.

لا يناسب قوله السابق وهو قوله: «وتسمع به بعد الوقرة» والمعنى أنّ الذكر وهو القرآن يجلو القلوب، فيسمع بجلائه بعد الوقرة، وتبصر بعد العشي، وإنما قال بعد العشرة دون العشي لتناسب قوله بعد الوقرة، ولما جاز أن يقال امرأة، فيجوز أن يكون المصدر عشوة بعد العشي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ - عَزَّتْ آلَاؤُهُ - فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ.

وما برح وما زال، والبرهة: المدة الطويلة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ.

أي أسرجوا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يُذَكِّرُونَ بِأيّامِ الله.

أي بوقائعه في الامم الماضية وأيام العرب وحروبهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ أَخَذَ القَصْدَ.

القصد: العدل وقصد السبيل سواؤه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ.

يعني كأنّهم رأوا وعلموا غيوب أهل البرزخ وما بين الدّنيا والآخرة من الموت الى البعث، وقيل البرزخ: القبر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَضَعُفُوا عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ.

أستقل بحمله: أي أطاق حمله والمضى به ونشج الباكي ينشج نشجاً:

إذا غصّ بالبكاء في حلقة من غير انتخاب والنحيب: رفع الصوت بالبكاء، ويعجّون إلى ربّهم: أي يتضرعون اليه رافعين أصواتهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يَسْأَلُونَ مَنْ لَا تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ.

المنادح: المفاوز، يعني لا تمتلي المفاوز من عطاياه حتّى لا يبقى لها منع، والمراد أنّ عطاياه كما لا تتناهى، فحالها أيضاً لا تتناهى.

ص: 189

(الخطبة - 214)

قال عليه السلام في كَلامٍ عِندَ تِلاوته - يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ: أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّةً وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً، لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ.

دحضت الحجة: بطلت والمراد أنّ الانسان المسئول بهذا السئوال أبطل مسئول حجة، وأبرح بنفسه: أي جحدها وأوقعها في الشدّة جهله، ولعله يشير الى قوله تعالى: «وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً».

قالَ عَلَيهِ السّلام: أما مِنْ دائِكَ بُلُولٌ.

أي برؤ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِيَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ.

ضحى الشمس: أي برز لها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يُمِضُّ جَسَدَهُ.

أي يوجعه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ كَيْفَ لَا يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ نِقْمَةٍ وَ قَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ.

البيات: الاسم من تبيت العدوّ، وتورّط: وقع في المهلكة، والمدارج:

المذاهب والمسالك، وانتصاب المدارج على الظرف، والسطوة: القهر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ يَتَغَمَّدُكَ اللهُ بِفَضْلِهِ.

يقال: تغمّدت فلاناً: اذا سترت ما كان منه وغطّيته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْغِطَاتِ وَ آذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ.

أي أظهرت لك الغطات بأحوال الأمم الماضين، ومن يكون فيه معتبر

ص: 190

ومتّعظ لمن يعتبر ويتعظ، وآذنتك على سواء من قوله تعالى: «فقل آذنتكم على سواء»: أي مستوين في الأعلام ولا أخصّ بعضكم.

(الخطبة - 215)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام: وَ اللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً.

السعدان: نبت له شوك، والحسك: هو أفضل مرعى للابل، وفي المثل

مرعى ولا كالسعدان، والمصفّد: الموثّق في الصفد، وهو القيد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا.

أي أوقدها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ رَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ.

الضمير في صبيانه لعقيل، وكان طلبته أن يزيد على حظّه من بيت المال، والأشعث: المغبّر والعظلم بالفارسية: نيل.

قال عليه السلام:هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ.

أي ثكلتك الثكول.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَمُخْتَبِطٌ أَمْ ذُو جِنَّةٍ تَهْجُرُ.

يعني بالمختبط: الخابط، وهو الذي يمشي بلا توق ومعرفة وذلك يقال في الفعل والقول، والمراد هاهنا الخبط في الكلام والجنّة: الجنون، وتهجر: تقول: هجراً: أي فحشاً.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَسْلُبُها جِلْبَ شَعِيرَةٍ.

أي غطاها، ويروى خلب، وهو اللّيف.

ص: 191

(الخطبة - 217)

قال عَلَيهِ السَّلام في خُطبَةٍ: َأَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَ رِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً.

هامدة: أي ساكتة، وراكدة: ساكنة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ الْأَحْجَارَ الْمُسَنَّدَةَ وَ الْقُبُورَ اللَّاطِئَةَ.

المسنّدة: التي اسند بعضها ببعض، واللاطئة: اللاصقة بالأرض.

(الخطبة - 219)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلام: لِلَّهِ بِلَادُ فُلَانٍ؛ فَلَقَدْ قَوَّمَ الْأَوَدَ وَ دَاوَى الْعَمَدَ وَ أَقَامَ السُّنَّةَ وَ خَلَّفَ الْفِتْنَةَ؛ ذَهَبَ نَقِيَّ الثَّوْبِ.

ويروى بلاء فلان فأما بلاد فيمكن أنه اراد بها جمع البلاد: بمعنى الأثر، وأما بلاء فالمراد به فعله الحسن، والأود: العوج، والعمد: أن ينفضخ: أي ينشدخ داخل سنام البعير من الركوب وظاهره صحيح، وأراد بنقاء ثوبه نقاء نفسه، مدح بعض أصحابه بحسن السيرة، وأنه مات قبل الفتنة التي وقعت بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله.

(الخطبة - 220)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ في وَصْفِ بَيْعَتِهِ بِالخَلافَة: وَهَدَجَ إِلَيْها الكَبِيْرُ، وَتَحامَلَ نَحْوَها العَلِيلُ، وَحَسَرَت إليها الكعابُ.

يقال: لمشية الكبير: الهدجان ويقال: تحامل على نفسه: اذا تكلّف الشيء على مشقة، وحسرت: أي كشفت عن وجهها، والكعاب: الجارية

ص: 192

حين يبدو ثديها.

(الخطبة - 221)

قال عليه السّلام في خُطْبَةٍ: وَالحالُ هادِئةٌ.

يعني من نظر إلى حال الدنيا وانقلابها، يعني الاعتبار فانّها تهديه الى سبيل الرشاد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً أَوْ مَرَضاً حَابِساً أَوْ مَوْتاً خَالِساً.

عمراً ناكساً: أي ينكس الرؤوس للكبر والضعف، أو مرضاً حابساً: أي

يحبسكم عن أعمالكم، والخالس: السالب.

قالَ عليه السَّلام: وَمُباعِدُ طِيّاتِكُمْ.

أي مبعد نياتكم.

قال عليه السَّلام: وَ وَاتِرٌ غَيْرُ مَطْلُوبٍ. قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ وَ تَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ وَ أَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ.

يقال: وتره فلان: اذا قتل له قتيلاً، وأعلقتكم: أي معلقكم علقين لها، وتكنّفتكم: أي أحاطت بكم، والغوائل: من قولهم غاله واغتاله، أي أخذه من حيث لا يدري والاقصاد القتل على المكان، والمعابل: جمع المعيلة، وهي نصل عريض طويل.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَاحْتِدامِ عِللِهِ.

أي التهابها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَدُجُّوُ إِطْباقِهِ، وَجُشُوبَةٌ مَذاقِهِ.

يعني بدجو اطباقه: اتساعها وعمومها من قولهم: دجا الاسلام: أي قوي وعمّ وطعام، جشب: أي غليظ خشن.

ص: 193

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ، وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ.

النجّي: من تساره والندى: مجلس القوم ومتحدّثهم.

(الخطبة - 222)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ بذي قار: بَعْدَ العَداوَةِ الوَاغِرَةِ في الصُّدورِ. أى المتوقدة.

(الخطبة - 223)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامِ لِعَبْد الله بنْ زَمْعَة وَهُوَ مِنْ شيعَتِه: وجَلْبُ أَسْيافِهِمْ.

يعني ما جلبته أسيافهم

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَجَناةُ أَيْدِيهِمْ.

أي ما اجتنته أيديهم ويقال: لكلّ ما يجتني جناة.

(الخطبة - 224)

قال عليه السلام في كلام: أهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلى العِصْيانِ، مُضطَلِحُونَ عَلَى الإِدْهانِ فَتاهُمْ عارِمٌ.

الاعتكاف: الاحتباس، والعكوف: الإقبال على الشيء والمواظبة عليه، ومصطلحون: أي متفقون، والادهان المصانعة والملاينة، والعارم: الشرس السيّء الخلق.

قال عليه السَّلام: وَقَارِؤُهُمْ مُماذِقٌ.

أي غير مخلص.

قال عليه السَّلام: وَلَا يَعُولُ غَنِيّهُم فَقيرَهُمْ.

ص: 194

أي لا يقوت

(الخطبة - 225)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ في اخْتِلافَ الناسِ: وَ قَرِيبُ الْقَعْرِ بَعِيدُ السَّبْرِ، وَ مَعْرُوفُ الضَّرِيبَةِ مُنْكَرُ الْجَلِيبَةِ.

يعني يريك ظاهره أنه ليس له باطن يخالف ظاهره، ولا غور له ولكن السبر يعني الامتحان يوجب خلاف ذلك، ويعرفك أنّ باطنه ينطوي على أشياء لا يوقف عليها، والضريبة: الطبيعة والسجية، الجليبة: المجلوبة، والمراد المكتسبة، والمعنى أن تكون سجية الفطرية حسنة، ولكنه اكتسب أخلاقاً ردية.

(الخطبة - 226)

قالَ عَليه السلام في كلام وَهُوَ عَلي غُسْلَ رَسُولِ الله - صلى الله عَلَيهِ وآله - وَتَجْهِيزَهُ: خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ وَ عَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً.

يعني خصصت نفسك أن من وجدك وصحبك يسلو عن غيرك، وهذه

خاصية لا توجد في سواك، وأما عممت به الناس: فهو أنه اذا لم يكن فيهم أحد يقوم مقامك كانوا فيك سواء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاجْعَلْنَا مِنْ بالِكَ.

يقال: ليس هذا من بالي: أي مما أباليه والمراد اجعلنا ممّا تباليه ونكترث له.

(الخطبة - 227)

قال عليه السلام في خُطْبَةٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ

ص: 195

وَ لَا تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ وَ لَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ

الشاهد: الحاضر، ويدخل في هذا المعنى الحواس لانها مالم يحضر الاشياء لا تدركها، والله تعالى منزه عن ان تحضره الحواس بالملاقاة والمماسة والمشاهدة محاضر الناس، ولا تحوي الأجسام والسواتر، إنما تحجب الأجسام، فما لا يكون جسماً يكون مبراء عن ذلك.

قُولهُ عَلَيهِ السَّلام: الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ، وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وُجُودِهِ، وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ.

سبق شرحه في الخطبة التي لها «الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه»، وكذلك قوله - عليه السلام - : «مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته»، مضى شرحه هنالك، وكذلك قوله - عليه السلام - : واحد لا بعدد.

قال عليه السَّلام: نتَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لَا بِمُشَاعَرَةٍ وَ تَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لَا بِمُحَاضَرَةٍ.

يعني أنّ الاذهان يدخل فيها وجود الله تعالى، فالاذهان يتنبّه ويتلقّاه لا بواسطة شعور الحواس، واذا اشتركت الحواس في الشعور بالشيء كان اشتراكها في الشعور مشاعره، فالاذهان يتصور بعض الأشياء بواسطة مشاعرة الحواس، ويتصور بعضها بالأدلة والبراهين.

والمراد بالمرائي: الانفس لانّ المرائي موضع الرؤية، والنفس مرائي

الأشياء: أي موضع رؤيتها بمعنى العلم، ويجوز أن يكون المراد بالمرائي: المواضع التي ترى الأعين، فانها تشهد بوجود الله تعالى وتدلّ عليه لا على سبيل أنه حضر الله تعالى.

قالَ عَلَيهِ السَّلام:لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا وَ بِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا وَ إِلَيْهَا حَاكَمَهَا.

يعني لم تدرك الأوهام حقيقة الله تعالى بل ظهر له وجوده بخلقه إيّاها،

ص: 196

لانّ هذا القدر تدخل في الوهم دون الإحاطة بحقيقة ذاته.

وبها امتنع منها: يعني أنّ الوهم من شانه أن يدرك المحسوسات لا غير فكأنّ الله تعالى ممتنعاً من إدراك الأوهام بسبب اختصاص ادراكها بالمحسوسات، فكأن امتناعه منها بها من هذا الوجه والمراد بقوله: واليها حاكمها: أنّه قال مثلاً للوهم: إن كنت مدركاً لنفسك، فأنت تدركني والوهم لا يدرك نفسه، فكيف يدرك الله تعالى، ويجوز أن يكون المعنى إنّ الله تعالى لو سأل الوهم وقال: هل تدرك حقيقتي؟ فاعترف بعجزه عن ذلك وقال: لا تبلغ قوتي إلا أن أعرف وجودك، فأما معرفة حقيقتك فليست من شأني.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ جَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِينَةً

الأمراس: جمع المرس وجمع المرسة، وهي الحبل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في وَصْفِه عَجِيْبَ خَلْقِ أَنواعِ الحَيوانِ: والحَجَرِ الجامس.

أي الجامد

قالَ عليه السَّلام: مِنْ شَراسِيفِ بَطْنِها.

الشراسيف: أطراف الأضلاع التي يشرو على البطن.

(الخطبة - 228)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةِ التوحيد: مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ وَ لَا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ وَ لَا إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ وَ لَا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَ تَوَهَّمَهُ؛ كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ وَ كُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ.

الكيف: كلّ هيئة قارة في جسم لا يوجب تصوّرها تصوّر شيء خارج عنها غير حاملها ولا قسمة ولا نسبة في أجزاء حاملها، وكلّ هيئة يمكن في ذات شيء فانها تكون وراء ذاته وغيرها، فيلزم منها اثنينية ترفع الوحدة، وأما

ص: 197

نفي التمثيل فتحدّها معنيين: أحدهما التصوير، تصوره محسوسة، وذلك مخصوص بالأجسام، والثاني جعله على مثال المخلوقات وهو تشبيه، وقد سبق تقرير نفيه في الخطبة التي أولها، «الحمد لله الدال على وجوده بخلقه».

قال عليه السلام: من أَشار إليه.

أي ما قصده من أشار اليه، لأنّه يلزم من ذلك تجسّمه وتمكّنه في مكان وجهة، والتوهّم أيضاً منفي عنه تعالى أنّ الوهم لا يدرك إلّا المحسوسات.

معنى قوله عليه السلام: كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ.

إنّ الموجودات سوى الله تعالى إنّما تعرف ذواتها وحقائقها، بحدودها وحدّ الشيء حقيقة وماهيته، فقولنا في تحديد الانسان وتعريفه أنّه حيوان ناطق، معناه أنّ ذات الإنسان وماهيته الحيوان الناطق، وليس للحيوان الناطق معنى وحقيقة غير ذات الإنسان وحقيقته، فاذا عرف الإنسان فانه يكون معروفاً بنفسه لا بشيء خارج عنها، وليس لقائل أن يقول يلزم بما قلت تعريف الشيء بنفسه.

قال السيد الأجل المصنف زيد علوّه: لأني أقول: إنما يلزم تعريف الشيء بنفسه اذا كان للشيء إسمان مترادفان كل واحد منهما يدلّ عليه بالمطابقة، أعنى أن يكون كل واحد منهما موضوعاً بازائه، فعرف أحدهما بالآخر، كما يقال: الانسان هو البشر والبشر هو انسان، فأما الحيوان الناطق فليس اسماً موضوعاً بازاء الانسان دالّاً عليه بالمطابقة، ولا كلّ واحد من الحيوان والناطق بل كلّ واحد منهما موضوع بازاء معنى ليس ذلك المعنى نفس الانسان.

فاذا جمع بينهما وعرف بهما الأنسان كان لمجموعها معنى هو معنى الأنسان وحقيقته غير خارج منه، إذا لم يكن كذلك وكان ذلك المعنى غير معنى الانسان لم يحصل التعريف والمعرفة، وكان كما يقال للإنسان: جسم صهال.

قال السيد الاجل المصنّف زيد علوّه: فمعنى قولنا الإنسان معرّف بنفسه،

ص: 198

أنه اذا ذكر حدّه حصل من حده معنى هو معنى الانسان بعينه، غير خارج عنه، أمّا ذات الله تعالى فلا تعرف إلا بالاستدلال عليها لأنّه تعالى لا يعرف بالحدّ، فلا يكون معروفاً بنفسه كغيره من الموجودات، فيكون كلّ معروف بنفسه مصنوعاً: أي مخلوقاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: كُلّ قائِمٍ في سَواهُ مَعْلُولٌ.

كل شيء يكون غير الشيء الذي يقوم فيه، فانه يكون محلاً له، وكلّ ما حلّ محلاً فانه يكون معلولاً، لأنه اما أن يكون عرضاً أو جسماً وكلاهما معلولان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ وَ الِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ. بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لَا مَشْعَرَ لَهُ وَ بِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لَا ضِدَّ لَهُ وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِينَ لَهُ.

شرح قوله عليه السلام: سبق الأوقات كونه: أنّ الأوقات تابعة للزّمان، وهي من لواحق الزمان ولوازمه، والزّمان مقدار حركة الفلك، والفلك مخلوق الله تعالى، فيكون كونه سابقاً على الفلك، فضلاً عن الزمان والأوقات.

أما سبق وجوده العدم، فلأن كلّ موجود فلا يخلوا إمّا أن يسبق عدمه الوجود أو لا يسبق، فان سبق عدمه الوجود فهو ممكن لذاته، لأن الممكن من ذاته النظر الى مجرد ذاته يقتضي العدم، لأن مجرد ذاته لا يقتضي وجوده، فالممكن لا يستحقّ من ذاته إلّا العدم، ويستحقّ الوجود من غيره وما يستحق الشيء من ذاته، فانه يكون سابقاً على ما يستحقّه من غيره.

فكلّ ممكن يكون عدمه سابقاً على وجوده وان لم يسبق عدمه الوجود، فالضرورة يكون وجوده سابقاً على العدم، لأنّ ارتفاع العدم لزمه ثبوت الوجود.

والله تعالى واجب الوجود لذاته، فيكون الوجود مقتضى ذاته ومستحقاً من ذاته، ومقتضى الذات والمستحق منها سابق على مقتضى غير الذات والمستحق

ص: 199

منه، ولا يلزم من هذا الكلام تطرق جواز العدم إلى ذاته تعالى، لأنّ المقصود من هذا الكلام الامكان عنه تعالى وإثبات الفرق بينه وبين الممكنات.

فهو - عليه السلام - أخذ لازم انتفاء سبق العدم الوجود وهو سبق الوجود العدم، فكان انتفاء سبق العدم الوجود، كما يوجد لازم النقيض بدل النقيض، ويجوز أن يكون المراد أنه لما كان وجوده أزلياً استحال أن يكون العدم المطلق العام أزلياً، فيكون وجوده سابقاً لا محالة وسبق الأزل الابتداء ظاهر لأنّ الازل لا ابتداء له.

قوله عليه السلام: بتشعيره المشاعر: معناه بكلّه الحواس شاعرة، عرف أن علمه وإدراكه ليس بواسطة الحواس لانّ شعور الحواس، لا يتعدّى الاجسام، وبمضادته بين الأمور يعني جعل التضادّ بين شيئين يتعاقبان على موضوع واحد، وبينهما غاية الخلاف، والله تعالى لا موضوع له ولا محل له.

معنى قوله: وبمقارنته بين الأشياء: أنّ المقارنة بين الأشياء إمّا أن تكون في المكان أو في المعنى، ولا مكان له وأما المقارنة في المعنى، فهي المشابهة، وقد بينا معناها.

قال عَلَيهِ السَّلام:لَا يُشْمَلُ بِحَدٍّ وَ لَا يُحْسَبُ بِعَدٍّ وَ إِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَ تُشِيرُ الْآلَاتُ إِلَى نَظَائِرِهَا.

لا يشمل: أي لا يحويه حدود المكان وأقطاره، أو لا يشمله الحدّ المعرف لماهية الشيء ولا يحسب بعدّ: أي لا يقال فيه واحد، اثنان، ثلاثة، ويجوز أن يكون المراد إلّا اثنينية ولا تركيب فيه، فلا يكون العدّ فيه محال.

قَوْلُه عَليه السلام: وَإنّما تَحُدُّ الأدواتُ أَنْفُسَها.

يحتمل وجهين بحسب الوجهين المذكورين في قوله عليه السلام: لا

يُشْمَلُ بِحَدٍّ.

أحدهما وهو تناسب الأول، وهو ان يكون المراد بالأدوات: الآلات التي

ص: 200

يدرك بها الأشياء، فانّ لكل آلة حدّ له في نفسها، من حيث المقدار، فهي تحدّ نفسها لأنّها تدركها.

والثاني وهو تناسب الوجه الثاني يحمل بالأدوات على الألفاظ المستعملة في تحديد الأشياء وتعريفها، فانّ حد الشيء يكون مساوياً له في العموم، والمعنى وإذا كانت حقيقة الحدّ واحدة، كان الحدّ معرفاً لنفسه وحقيقة ذات الله خارجة عن الحدّ، فلا يمكن تعريفها بالحدّ.

المراد بقوله:

وَتُشِيرُ الآلاتُ إلى نَظائِرِها.

لأنّ إشارة الأعضاء وغيرها من الآلات المحسوسة إنما تكون إلى نظائرها من الأجسام المحسوسة، والله تعالى منزه عنها.

قالَ عَلَيهِ السّلام: مَنَعَتْهَا مُنْذُ الْقِدْمَةَ وَ حَمَتْهَا قَدُ الْأَزَلِيَّةَ وَ جَنَّبَتْهَا لَوْلَا التَّكْمِلَةَ.

الضمير للأدوات والآلات وغيرها من المذكورات السابقة ومنذ يقتضي الابتداء، وتنافي القدمة لأنه يقال: منذ كان كذا: أي من الوقت المعين، وقد: لتقريب الماضي من الحال، وقد يدلّ على التردد يقال: زيد قد يعطي وقد يمنع، وهذا ينافي الأزلية، ولولا يمنع الكمال لأنه تدل على كون الشيء معلقاً بغيره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً وَ لَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُوداً.

يعني كلّ مولود فانه يلد، فلمّا لم يلد لم يكن مولوداً، ولو كان مولوداً لكان لوجوده أوّل وابتداء، فيصير محدوداً في وجوده.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَحْوِيهِ فَتُقِلَّهُ أَوْ تُهْوِيَهُ.

يقال: أقل الشيء: اذا قدر أن يحمله، وتهويه: أي تسقطه.

ص: 201

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَيْسَ فِي الْأَشْيَاءِ بِوَالِجٍ وَ لَا عَنْهَا بِخَارِجٍ.

يعني ليس بداخل في الأشياء دخول الأجسام في الأمكنة والاعراض في المحال، وليس بخارج عنها، لأنّه ليس بغايب عن شيء من الموجودات من حيث العلم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَإِنّما كَلامُهُ - سُبحانَهُ - فِعْلٌ مِنْه أَنْشَأَهُ، وَمِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كائناً.

يعني هذا المركّب من الحروف الّتي تتلقّاه الألسن وتعيه الأسماع، هو فعل أنشأه الله تعالى كسائر أفعاله ومخلوقاته.

قال عليه السلام: لَا يُقَالُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ وَ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ فَصْلٌ وَ لَا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ.

يعني كلامه الحقيقي القائم بذاته، وهو علمه الّذي صدر عنه ذلك الكلام الممثل المركب من الحروف لا يقال له كان بعد أن لم يكن، ولا يكون بينها وبينه فصل، يعني لو كان محل الحوادث لكان محدثاً، ولم يكن بين الحوادث وبينه فرق، ولم يكن له عليها فضل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيَتَكَافَاً المُبْتَدِعُ والبَدِيعُ.

أي يتماثل المتبدَع والمبتدِع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَنْشَأَ الأَرْضَ فَأَمْسَكَها مِنْ غَيْرِ اشْتِغالٍ. وأرساها عَلى غَيْرِ قَرَارٍ.

يعني فأمسكها من غير اشتغال بامساكها، وحفظها وأرساها: أي وأثبتها على غير مستقر، لأنّ الأرض مستقرة في وسط العالم متساوية الأقطار المحيطة بها في البعد من السماء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَمْ يَتَكَاءَدْهُ صُنْعُ شَيءٍ مِنْها.

أي لم يشقّ عليه.

ص: 202

(الخطبة - 229)

قالَ عَليهِ السَّلام في خُطْبَةِ المَلاحِم: أَلَا بِأَبِي وَ أُمِّي هُمْ مِنْ عِدَّةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَ فِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ.

أشار الى أحد عشر من أولاده الائمة المعصومين عليهم السلام - من بعده.

قال عليه السلام: وَ اسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ، ذَاكَ حَيْثُ تَكُونُ ضَرْبَةُ السَّيْفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ مِنَ الدِّرْهَمِ مِنْ حِلِّهِ، ذَاكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُعْطَى أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطِي.

يعني باستعمال صغاركم: أنه يستعمل عليكم ويولّي من دونكم قدراً، ويكون ذاك الذي ذكرت إذا صار اكتساب درهم حلال أصعب من احتمال ضربة السيف، فيكون المعطى أعظم أجراً من المعطي، لأنّ مال المعطي غير حلال، وهو يعلم وجهه والمعطى لا يعلم وهو مستحقّ أو لأنّ المعطي ربما يعطي رياء وسمعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَلْقُوا هَذِهِ الْأَزِمَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الْأَثْقَالَ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَ لَا تَصَدَّعُوا عَلَى سُلْطَانِكُمْ فَتَذُمُّوا غِبَّ فِعَالِكُمْ وَ لَا تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ الْفِتْنَةِ وَ أَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا وَ خَلُّوا قَصْدَ السَّبِيلِ لَهَا.

القوا هذه الأزمة: أي اتركوا هذه الفتنة التي جنتها ايديكم، والمراد بالظهور الآمال، وهو استعارة: أي ثقلت الفتنة وعظمت، ولا تصدعوا: أي لا تفرقوا على رأي سلطانكم، ولا تقتحموا: أي لا تدخلوا القحمة: أي المهلكة من الفتنة التي يستقبلكم، من فور نار الفتنة: أي قوة حرارتها، من فارت القدر: أي جاشت وخلوا قصد السبيل لها: أي اتركوا سواء السبيل الذي

ص: 203

يقتصده الفتنة واهربوا منها.

(الخطبة - 230)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: أَعْوَرْتُمْ لَهُ فَسَتَرَكُمْ.

أعور الفارس: إذا ظهر منه موضع علل للضرب، والمراد استحقاق العقوبة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أوحَشُوا ما كانُوا يُوطِئُونَ.

أي يتخذونه وطناً.

(الخطبة - 231)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: فإذا كانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتّى يَحْضُرَهُ المَوْتُ.

يعني إذا تبرأتم من انسان لاعتقاده، فانتظروا حتى تعلموا على أي شيء

يخرج من الدنيا، فانه ربما يكون معتقد الحقّ ويكتم اعتقاده لغرض.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَالهِجْرَةُ عَلَى حَدِّها الأَوَّلِ.

يعني أنّ المسلم اذا كان في دار الكفر ولا يمكنه إظهار الاسلام، يجب أن

يهاجر، كما كان في أول الاسلام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَا يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَرَفَهَا وَ أَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ، وَ لَا يَقَعُ اسْمُ الِاسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَ وَعَاهَا قَلْبُهُ.

يعني من بلغته دعوة النبي - صلى الله عليه وآله وسلّم - ومعجزاته يجب عليه الايمان به والهجرة والخروج من دار الكفر للشفقة في الدين اذا أمكنه ذلك وعد الإمكان لا يكون مستضعفاً حتّى يدخل تحت الاستثناء في قوله تعالى:

ص: 204

«إنّ الذين توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فاولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً» إلّا المستضعفين الاية.

قال عليه السّلام: إِنّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لا يَحْمِلُهُ إِلَّا عَبْدٌ مؤمِنُ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ للإيمانِ.

المراد أمر إمامته وإمامة أولاده المعصومين - عليهم السلام - ، واستصعب عليه الأمر: أي صعب.

قال الأزهري: امتحن قلبه: أي وسعه من محن الأديم، أي مدّه حتّى وسعه، ويقال أيضاً: محن البئر: أي أخرج طينها وترابها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَيُّهَا النَّاسُ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَلَأَنَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الْأَرْضِ، قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا وَ تَذْهَبُ بِأَحْلَامِ قَوْمِهَا.

شغر الكلب: رفع إحدى رجليه ليبول، والبعير اذا ترك خطامه ولم يكن معقولاً وطىء خطامه وذهب حيث شاء.

(الخطبة - 232)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: ما تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيْقِ الأَرْمَاسِ، وَشِدَّةِ الإبلاسِ، وَهَوْلِ المُطَّلَعِ.

الأرماس: جمع رمس، وهو القبر والابلاس: الياس، والمطلع: موضع الاطلاع من اشراف إلى انحدار وفي الحديث: من هول المطلع.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَرَدْمِ الصَّفيحِ.

الردم: السدّ، والصفيح: الحجر العريض.

قالَ عَلَيهِ السلام: وَ أَنْتُمْ وَ السَّاعَةُ فِي قَرَنٍ، وَ كَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ

ص: 205

بِأَشْرَاطِهَا وَ أَزِفَتْ بِأَفْرَاطِهَا

القرن: حبل يقرن به البعير والأشراط: جمع شرط، وهو العلامة، وأزف: أي دنا، والأفراط: جمع فرط، وهو الذي يتقدم الواردة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاخْرَجَتْهُمْ مِنْ حِضْنِها.

الحضن: ما دون الابط إلى الكشح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إلْزَموا الأرْضَ.

أي تأنّوا واسكنوا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تُحَرِّكُوا بِأَيْدِيكُمْ وَ سُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ.

هوى مفعول له والباء في بأيديكم زائدة، يعني لا تحركوا أيديكم وسيوفكم هوى ألسنتكم، ويمنّيها بأن قالت: ياليت لنا كذا.

(الخطبة - 233)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَة: الحَمدُ الله الفاشي في الخَلْقِ حَمْدُهُ.

أي الظاهر على كل لسان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: احْمَدُهُ عَلى نِعَمِهِ التُّؤامِ.

أي المثناه: المكررة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا احْتِذاء لِمِثالِ صانِعٍ حَكيمٍ.

لم يقدر ما خلق على وفق مثال صانع وأصله حذو القذة بالقذة، وهو تقدير كلّ واحدة من ريش السهم على صاحبتها.

قالَ عَليه السّلام: وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ.

أي يسيرون في جهل.

قال عَلَيْهِ السَّلام: وَاسْتَغْلَقَتْ عَلى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ.

الرين: الضلال.

ص: 206

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمُسْتَوْدَعُها حافِظٌ.

أي قلب أودع التقوى: أي شخص، وهو حافظ لصاحب التقوى من الآفات، وفي بعض النسخ ومستودعها بكسر الدال، يعني من استودع نفسه التقوى كان حافظاً لنفسه، وهذا أوضح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَواكِظُوا بجدِّكُمْ عَلَيْها.

أي داوموا.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلَا تَسْتَضِيبُوا بِإِشْراقِها.

الاشراق: جمع الشرق، وهو الشمس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأمْوالَها مَحْرُوبَةٌ.

أي مأخوذة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: ألا وَهِيَ المُتَصَدِّيَة العَنُونُ.

تصدّي: أي تعرض، وعنّ: عرض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالعَنُودُ الصَّدُودُ.

العنود: من النوق الّتي ترعى ناحية، والعاند البعير الذي يحول ويعدل عن الطريق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَحالُها انْتِقالٌ، وَوَظأتُها زِلْزالٌ.

الانتقال: الكذب و التزوير، ووطأتها زلزال: أي من طلبه الدنيا زلزلته، وأزعجته عن مكانه، وعرت أحواله، وفي بعض النسخ زلزل بكسر الزاء، وهو اسم من الزلزلة والزلزال مصدر يقال: زلزل الله الارض زلزالاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أهْلُها على ساق وَسِياقٍ وَلِحاقٍ وَفِراقٍ.

على ساق: أي على شدة، ويجوز أن يكون معناه غير مستقرين ليكون ملائماً للسياق، واللّحاق: مصدر لحقه.

قال عليه السَّلام: وَأَعْيَتْهُمُ المَحاوِلُ، فَمَنْ ناجٍ مَغفورٍ، وَلَحْمٍ

ص: 207

مَجْزُورٍ، وَ شِلْوِ مَذْبوحٍ.

المحاول: جمع محالة، وهي الحيلة وأصلها الواو والناجي: المسرع، والمعقور: المقطوع الرجل والمجزور: المنحور والشلو: العضو من أعضاء اللّحم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَصافِق بكَفَّيهِ، وَمُرْتَفِقٍ بخَدَيْهِ.

المحزون يبكي بخدّيه على مرفقيه يديه.

قال عليه السلام: وَأَقْبَلَتْ الغِبلَةُ.

يقال: قتله غيلة: أي خداعاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَاتّ حَيْنَ مَناص.

قال الأخفش: شبهوا لات بليس، وأضمروا فيها اسم الفاعل قال: ولا يكون لات إلّا مع حين، وقد جاء حذف حين في الشعر قال مازن بن مالك: حنت ولات هنت اني لك مقروع، فحذف الخبر، وهو يؤيّده، ومناص: أي فرار والمعنى ليس وقت تأخر وفرار.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَضَتِ الدُّنْيا لِحالِ بالِها.

رأيت لحال بالها شروحاً وحواشي مختلفة، لم أقع منها على معنى واحد واضح يعقله الخاطر، ويطابق هذا اللّفظ فقال بعضهم: الحال والبال واحد، والبال أخصّ، وقال بعضهم البال: الأمر: أي ذهبت الدنيا بأحوالها أجمع، والمراد اليأس عن تلافي ما فرط، وفي بعض النسخ لحال بالها، وعلى الحاشية من بعض أئمة خوارزم، أي يفعل الدنيا هذه الأفعال ثم مع ذلك يحتال ويتصلف.

يقول السيد المصنّف زيد علوّه: وما أخلد إليه خاطري إن البال هاهنا، وما يراد بقولهم هذا من بالي: أي اباليه واكترث له، فيكون المعنى مضت الدنيا لازمة لحال، كانت كرّث له وتعتاده، وكان ذلك من شأنها، والملخص إنها مضت على وتيرة واحدة من أمرها.

ص: 208

(الخطبة - 234)

قال عليه السّلام في خُطْبَةٍ تسمّى القاصِعَةِ، قيل: إنما سميّت هذه الخُطْبَةِ قاصعة لأنّ القصع رد البعير جرته إلى جوفه وأخراجها الى فمه، فكان هذه الخُطبة تكرر الوعد والوعيد وتردّد الأوامر والنواهي، أو يكون من قصع القملة وهو قتلها، فكأنها تقتل ابليس أو يكون من القصع، بمعنى التصغير والتحقير، فكأنّما صغرت كلّ جبار وكلّ متكبر قد نازع الله رداء الجبرية: أي الكبر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَجَعَلُه في الدُّنْيا مَدْحُوراً.

الدحور: الطرد، والابعاد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيَبْهَر العُقُولَ رُواؤُهُ.

أي يغلب العقول منظره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: طِيبٍ يَأخُذُ الأَنْفاسُ عُرْفَهُ.

العرفة: الريح طيبة كانت أو منتنة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَخَفَّتِ البلْوى فِيهِ عَلَى المَلائِكَةِ.

يعني بلواهم بالسجود لبشر خلق من طين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ما كانَ اللهُ، سَبْحانَهُ، لِيُدْخِلَ الجَنَّةَ بَشَراً بأمرٍ أَخْرَجَ به مِنْها مَلَكاً.

يعني أن ابليس كان ملكاً، فلما كفر اخرج من الجنة، فلو كفر بشر لا يدخل الجنة بكفره، لأنّ ما يكون سبباً للاخراج لا يكون سبباً للادخال.

قال عليه السَّلام: وَما بَيْنَ اللهِ وبينَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوادَةٌ.

أي صلح وميل.

ص: 209

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَ أَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَ أَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَ رَجِلِهِ.

يقال: أعدى فلان فلاناً من خلقه أو من علّته: اذا تعدّى اليه ذلك منه،

واستفزّه: أي استحقه، ورَجل: جمع راجل، كصاحب وصحب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعِيدِ وَ أَغْرَقَ لَكُمْ بِالنَّزْعِ الشَّدِيدِ وَ رَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، فَقَالَ «رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ وَ رَجْماً بِظَنٍّ غَيْرِ مُصِيبٍ صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ وَ إِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ وَ فُرْسَانُ الْكِبْرِ وَ الْجَاهِلِيَّةِ.

فوّق لكم: أي سدّد إليكم وعيده قوله عزّ وجلّ: «الأزيّننّ لهم في الأرض ولأغوينّهم»، وأغرق لكم: أي أغرق في نزع قوسه، والمراد بالمكان القريب، الأرض أوانكم مستعدّون لقبول إغوائه ووسوسته، فيكون قربه من هذا الوجه، وقذفاً بغيب بعيد: يتعلّق بقوله: لازينّن ولاغوينّ لانّ هذا منه قذف بغيب بعيد، ورجم بظنّ غير مصيب، لأنّ من عصمه الله بلطفه وهداه لمظانّ كيد ابليس وأعوانه لا يصدق فيه ظنّه، وقد صدّق ظنه أبناء الحميّة الجاهلية والمتكبّرون على أهل الدين، إذ عووا بإغوائه.

قال عليه السَّلام: حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ لَهُ الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ وَ اسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِيَّةُ مِنْهُ فِيكُمْ فَنَجَمَتِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِيِّ إِلَى الْأَمْرِ الْجَلِيِّ اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَيْكُمْ وَ دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ وَ أَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ وَ أَوْطَئُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ.

يريد بالجامحة: النفس الجامحة، فنجمت الحال: أي طلعت وظهرت من السر الخفي، أي ممّا في القلوب إلى الأفعال الظاهرة، استفحل سلطانه: أي

ص: 210

عظم تسلطه وقهره عليكم، والدّليف: المشي الرويد، ودلفت الكتيبة في الحرب: قدمت وافحمه: أي رمى به وأوقعه في المهلكة، والولجات: المداخل والورطة: الهلاك، وأصلها الأرض المطمئنة الّتي لا طريق فيها، وأوطأوكم: أي حملوكم على أن تخرجوا الجرح المثخن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِينَ وَ عَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِينَ وَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدَّكُمْ وَ لَهُ حِدَّكُمْ.

مناصبين: معادين، ومتألبين: متجمّعين، وحدّكم: شتاتكم وبأسكم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ.

هو من قوله تعالى: «واضربوا منهم كلّ بنان»، والمراد به الأطراف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: في حَوْمَةِ ذُلٍّ.

حومة القتال: معظمه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَنَخَواتِهِ وَنَزَغاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ.

النخوة: الكبر والعظمة والحمية الجاهلية إنما ينشأ من النخوة الّتي مكنها الشيطان في نفس صاحبها، ونزغ الشيطان بينهم: أي أفسد، ونفث الشيطان: أن يلقي في قلب الإنسان شيئاً حتّى يفعله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا تَكُونُوا كَالمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ.

يريد قابيل وقتله أخاه هابيل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مُصارَحَةٌ لله بالمُناصِبَةِ.

يعني اظهار المعاداة وتصريحاً بها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِي ضَلَالَتِهِ ذُلُلًا عَنْ سِيَاقِهِ سُلُساً فِي قِيَادِهِ.

الأعناق والعنق: وهو نوع من سير الفرس والإبل مسبطر، والحندس:

الليلة الشديد الظلمة، عن ساق: أي سوقه، وسلساً: أي لينين منقادين،

ص: 211

والقياد: الحبل الذي يقاد به الدابة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالقَوا الهَجِيئَةَ عَلى رَبِّهم.

الهجينة: الغميرة والعيب يعني يقولون: إنّ الله جعل فلاناً معيوباً لأنّه كان مستحقّاً، لذلك فالله جعله مستوجباً لأن لا يخالط ويتكبر ويترفّع عليه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَسُيُوفُ اعْتِزاءِ الجاهِلِيّةِ.

أي انتسابها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَ لَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً.

يعني اذا انعم الله على بعضكم بنعمة، فلا يجب أن يضادَ من لا نعمة له، ولا من كان عنده فضل من الله تعالى يجب أن يجده من ليس عنده ذلك الفضل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ.

الادعياء: جمع الدعي، وهو الّذي يشبه غير صحيح، ويدعي ما ليس فيه حقّ ولا حظّ والباء في بصفوكم: بمعنى مع، يعني شربتم صفوكم مع كدرهم: أي خلطتم صفو عقايدكم بكدر عقايدهم، والمراد بالصحة، والمرض: الصّلاح والفساد، يعني خلطتم بصالح أعمالكم ما أخذتموه منهم من سيء أعمالهم، وكذلك الحق والباطل.

المقصود من هذا الكلام النهي عن طاعة الذين يدعون الولاية بغير حقّ، وعن مصاحبة الّذين ينتحلون الأنساب، وما ليس لهم أن يدعوه، لأن من كان هذا من شأنه وذاته فلا يبقى شيء وللصحبة أثر في تعدّي الاخلاق والعادات.

قال عليه السّلام: وَأَحْلاسُ العُقُوقِ.

ص: 212

الحلس: للبعير كساء رقيق يكون تحت البرذعة، ويكون عليه دائماً، ویراد بهذه الكلمة الملازمة لأن الحلس يكون لازماً للبعير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَنَثَا في أَسْماعِكُمْ.

أي افشاء، وفي بعض النسخ نثّاء مقصوراً، وهو مثل الثناء إلّا أنه في الخير والشر جميعاً، والنثاء في الخير خاصة ونثوت الخير نثواً: اظهرته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: واسْتَعِيدُوا بِالله مِنْ لَواقِع الكِبْرِ.

أي ممّا يولده الكبر من المقت والبغض في قلوب الناس، ويقال: الرّياح اللّمواقع: التي تلقح إلّا وهي أنفسها لواقع، كأن الرياح انشئت السحاب إذا انمت الأشجار، وفيها خير وصل ذلك اليها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَحَصَهُمْ بِالمَكارِه.

التمحيص: الابتلاء والاختبار، ويروى مخضهم من مخض الرايب: ليخلص منه الزبد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَا وَ السَّخَطْ بِالْمَالِ وَ الْوَلَدِ.

يعني ولا تعتبروا رضى الله وسخطه بإعطائه المال والولد ومنعهما لأنّ كليهما للابتلاء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: كُنُوزَ الذُّهْبانِ، وَمَعَادِنَ العِقْيانِ.

الذهبان: جمع ذهب، كالحربان و الحرب، والعقيان: الذهب الخالص.

قال عليه السلام: وَاضمَحَلَّت الأنباءُ.

أي بطلت أخبار الجنة والنار والوعد والوعيد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا لَزِمَتُ الأسماءُ مَعانِيها.

يعني لو أرسل الله الرسل على وجه لا يشكّ كلّ من رآهم في أوّل الأمر أنّهم صادقون في ما يقولون، وأنّهم مرسلون والطيور والوحوش، معهم وكنوز الدنيا ومعادن الذّهب في أيديهم وتصرّفهم لارتفع الابتلاء والاختبار، والتعبد،

ص: 213

وزالتا عمن يسمّى مؤمناً وكافراً ومتقياً ومطيعاً وعاصياً أسماؤهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًى.

من قنع فان قلبه لا يميل الى المال وعينه لا يلتفت اليه، ومن رأى خصاصتهم: أي فقرهم وشاهد رثاثة حالهم واخلاق ثيابهم، واسترقاعهم أو

سمع بها ناد من ذلك (1).

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً.

يعني لو جعل الله أنبيائه أولي ملك وجنود وذوي خزائن وكنوز لكان الناس يؤمنون بهم، إمّا رهبة من بأسهم وبطشهم أو رغبة في إنعامهم عليهم والاحسان اليهم، لكانت نياتهم في طاعتهم مشتركة بين الله وبين النبي، لأنّ رهبتهم مشتركة بينهما، وكذلك تكون حسناتهم مقتسمة بين الله وبين النبي، لأنّ رغبتهم مشتركة بينها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً.

النتائق: جمع نتيقة، وهي بمعنى المنتوقة: أي نتقت عنها الأحجار: أي

قلعت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ وَ عُيُونٍ وَشِلَةٍ، وَ قُرًى مُنْقَطِعَةٍ، لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَ لَا حَافِرٌ وَ لَا ظِلْفٌ.

دمثة: لينة، ووشلة: قليلة الماء، لا تزكوا: أي لا ينمو بها ابل ولا خيل ولا غنم، إذ لا يكون لها نبات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ع وَ وَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ .

ص: 214


1- كذا في الاصل.

فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ

يقال: ثنى عطفه نحوه: أي توجه اليه والمثابة: الموضع الذي يثاب اليه: أي يرجع والمنتجع: الموضع الذي يطلب به الكلاً، ويجوز أن يكون بمعنى المصدر: أي لانتجاع اسفارهم.

قالَ عَليهِ السَّلام: تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَ مَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ يَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ.

تهوي تسقط، وثمار الأفئدة: الأشياء النفسية التي تحبّها الافئِدة، وكذلك يقال: للولد: ثمرة القلب، السحيقة: البعيدة والمهاوي: المساقط، والفجّ: الطريق الواسع بين الجبلين، والعميقة: البعيدة الغور، والمراد بالمنقطعة: البعيدة عن مواضع العمارة، وراكب البعير اذا أوجعه هز منكبه، ذللاً: منقادين، يهلّلون: يرفعون أصواتهم، يرملون: يهرولون شعثا غبراً: أي لا يتعهدون شعورهم وأبدانهم بالمشط والتنظيف.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ.

التشوية: التقبيح يقال: شاهت الوجوه: أي قبحت وأعفى شعره: تركه حتى كثر وطال.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تَمْحِيصاً بَلِيغاً.

أي ابتلاء واختباراً.

قال عليه السلام: وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ.

المشاعر: معالم النسك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ أَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ.

الأرياف: جمع ريف، وهو أرض فيها زرع وخصب، ومحدقة: أي ذات حدائق، ومغدقة: ذات غدق، وهو المال الكثير.

ص: 215

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَ لَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ.

يعني لو جعل الله بيته في أطيب البقاع وأخصبها وزينه بالجواهر لتوجه الناس اليه راغبين ولقلّ الشك الّذي يعرض للإنسان في تكليفه بالمسير الى البلد الذي لا ماء فيه ولا نبات به ولا زرع وإحتمال المشاق وقطع المسافة البعيدة الشاقة، لأنّ الشكوك إنّما ينشأ في نفوس الناس، اذا كلّفوا بما يخالف هوى أنفسهم ويشق عليها، فهم يطلبون عند ذلك علّة ترخصهم في ترك ما كلّفوا به، والمراد بمعتلج الريب: اعتلاج الريب، وهو منازعة اليقين، ويقال: اعتلجت الأمواج: اذا التطمت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ.

فتحاً: أي مفتوحة واسعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تُساوِرُ قُلُوبَ الرِّجالِ.

أي تواثب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَمَا تُكْدِي أَبَداً وَ لَا تُشْوِي أَحَداً لَا عَالِماً لِعِلْمِهِ وَ لَا مُقِلًّا فِي طِمْرِهِ.

يقال: أكدي الحافر: إذا بلغ موضعاً صلباً لا يمكنه حفره، ويقال: رماه فأشواه: إذا لم يصب المقتل، والمقل: الفقير الطمر: الثوب الخلق، يعني أن مكيدته لا تبق على أحد ولا خلاص منها.

قال عَلَيهِ السَّلام: قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وَ قَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ.

القمع: الضرب بالمقمعة من الحديد وهي كالمحجن تضرب على رأس الفيل، ونجم: أي طلع وظهره، والقدع: الكف يقال: قدمت الفرس: أي كيحه وكففته.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْ ءٍ مِنَ

ص: 216

الْأَشْيَاءِ إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلَاءِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ

تحتمل: أي تتضمن، والتموية: التلبيس، وتليط: تلزق.

قال عليه السلام: تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ وَ يَعَاسِيبِ القَبَائِلِ.

المجداء: الكرام، والنجدأ الشجعان واليعاسيب: جمع يعسوب، وهو مالك النحل ومنه قيل لسيد القوم اليعسوب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنَ المَثُلاتِ.

أي العقوبات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَزَاحَتِ الأَعْداءُ لَهُ عَنْهُمْ.

أي بعدت وزالت أعداوهم عنه لأجل ذلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ الصُّدُورِ.

المنّة: القوة والتضاغن، والتشاجن: التحاقد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تَدَابُرِ النُّفُوسِ وَ تَخَاذُلِ الْأَيْدِي.

التدابر: أن يدير بعضهم عن بعض، والتخاذل: أن يخذل بعضهم بعضاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ وَ الْبَلَاءِ.

التدّبر: التفكير والتمحيص: الابتلاء والاختبار.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً.

الأعباء: الاحمال والاثقال.

قال عليه السلام: اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَ جَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ.

ص: 217

الفراعنة: العتاة، وساموهم: أي أولوهم، والمرار: شجر مرّ اذا اكلت منه الابل قلصت مشافرها، ولم تبرح: لم تزل.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: حَيْثُ كَانَتِ الأَمْلاءُ مُجْتَمِعَةٌ.

الاملاء: ملأ، وهو الجماعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالأَيْدي مُتَرادِفَةً.

أي متعاونة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الْآفَاقِ.

أي يجمعونهم ويخرجونهم عن الريف، أي الخصب الى البوادي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَهَافِي الرِّيحِ.

أي مذاهبها ومهباتها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ.

العالة: الفقراء، جمع عايل، والدبر: أن يخرج سنام البعير فلا يصلح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَا يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا.

يعني ليس ملجأ يدعوهم ليحميهم في ظلّ جناحه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: في بَلاء أَزْلٍ، وَأطباق جَهْلٍ.

الأزل: الضيق والجدب، وطبق الشيء: ما يعلوه فيطبقه، ومطر طبق: أي عام.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ.

الفكه: الطيب النفس المزاح، والأسر البطر أيضاً، وتربع بمكان كذا: أي أقام به وتربع به: أي جعله مقيماً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ تَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ.

تعطّفت: أي وأشفقت، والذرى: الكيف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ.

ص: 218

هذا كناية عن قوتهم وأنّهم لا يستضعفون ولا مغمز ولا مطعن فيهم، وقرع الصفاة: كسرها بالمقراع، وهو كالفأس تكسر به الحجارة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ.

المراد بنفض أيديهم: خروجهم عن الطاعة، لأنّ من ترك شيئاً وألقاه من يده ينفض يده عنه، وحصن الله: الاسلام، وتقول ثلمتم حصن الاسلام برفض أحكامه وإحياء أحكام الجاهلية.

قال عليه السَّلام: وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ الْمُوَالاةِ أَحْزَاباً.

يعني أنكم تهاجروا وأقمتم في دار الحرب، فصرتم أعراباً جفاة، وبعد موالاة أهل الاسلام صرتم احزاباً: يعني الاحزاب الذين تألّبوا على رسول الله - صلى الله عليه وآله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَقُولُونَ النَّارَ وَ لَا الْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِهِ انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ.

يعني الزموا النار ولا تقبلوا العار، ويقال: كفأت الاناء: أي كببته وقلّبته، والانتهاك، من نهكته الحمى: أي أضنّته وأضعفته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَقوارعِهِ وأَيَّامِهِ.

أي شدايده وأيام عقوباته.

قال عليه السلام: أَلَا وَ قَدْ أَمَرَنِيَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَ النَّكْثِ وَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَ أَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ.

فالناكثون: طلحة والزبير وعائشة، ومروان بن الحكم، بايعوا عليّاً - عليه

ص: 219

السلام - ، ونكثوا العهد، وخرجوا إلى البصرة وهيّجوا الفتنة، فقاتلهم أمير المؤمنين - عليه السلام.

القاسط: معاوية وأصحابه والقاسط: الظالم جاهدهم عليّ - عليه السلام - بصفّين.

المارقة: الخوارج قتلهم عليه السلام بالنهروان، والجهاد: استفراغ الوسع في رفع العدوّ وسمّيت الخوارج مارقة: لقول النبي - صلى الله عليه وآله - : «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»: ومرق السهم من الرمية: أي خرج من الجانب الآخر.

داخ الرجل: ذلّ ودوّخته أنا وقيل التدويخ: الإهلاك، وشيطان الردهة: قيل هو ذو الثدية وقيل هو الشيطان من جملة الجنّ الكفار والشيطان: الحية التي لا تشرب الماء إلّا في قلل الجبال، والردهة: نقرة في صخرة يستنقع فيه الماء، وصعق صعقة: أي غشي عليه، وكفيته بصعقة: أي بهلكة، ووجبة القلب: اضطرابه، ورجّة الصدر: تحريكه وزلزلته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَئِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ تَشَذُّراً. أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلَاكِلِ الْعَرَبِ وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ.

يقال: أذن له في الشيء إذناً وأذن له اذناً: أسمع له وأذن علم يقال: أدالنا الله من عدّونا: وأدّلنا على عدونا: أي أنصرنا عليه، والمعنى لأديلنّ للمؤمنين منهم ويتشذر: يتفرق يقال: تفرقوا شذر مذر: أي ذهبوا في كل وجه، والكلكل: الصدر، والمراد بوضع كلاكل العرب: قتل صناديدهم، ونجم: طلع وظهر، والمراد بقرون ربيعة ومضر: رؤوساؤهم، لانّ القرن سلاح الحيوان.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلا خَطْلَةٌ فِي فِعْلٍ.

الخطل: المنطق الفاسد والمراد هاهنا الخطاء في الفعل.

ص: 220

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيَكْتُفُني في فِراشِهِ.

أي يصونني.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ.

الدوي: الصوت الشديد، والقصف: الصوت يقال: رعد قاصف: أي شديد الصوت.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: مُرَفْرِفَةً.

يريد أوراق الشجر المتدلية على رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، يقال: رفرف الطير: اذا حرّك جناحيه يريد أن يقع عليه.

(الخطبة - 235)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كلام لِعَبْدِ الله بن العبّاس - رضي الله عنهُما - وَقَدْ جَاءه برسَالَةٍ مِنْ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ يَسأله فيها الخُرُوجَ إِلَى مَالِهِ بِيَنْبُعَ لِيَقِلَّ هَتْفُ النَّاسِ بِاسْمِهِ لِلْخِلافة بَعْدَ أنْ كانَ سَألَه قَبلُ ذلِكَ مِنْ قَبْلُ:

يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلًا نَاضِحاً بِالْغَرْبِ.

ينبع: من قرى المدينة، والهتف: الصوت والناضح: البعير الّذي يستقي عليه، والغرب: الدلو العظيمة

(الخطبة - 236)

قالَ عَليهِ السَّلام يَحُثُ فِيهِ أصْحابَهُ عَلَى الجِهادِ: وَ اللَّهُ مُسْتَأْدِيكُمْ شُكْرَهُ.

أي طالب منكم أداء شكره.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ مُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ وَ مُمْهِلُكُمْ فِي مِضْمَارٍ مَمْدُودٍ.

ص: 221

يعني ممكنكم في الدّنيا من الأمر والنهي، والتصرّف في الناس، وكلّ ذلك أمر الله تعالى والمضمار: المدة التي تربط فيها الخيل للسباق.

قالَ عَليهِ السَّلام: فَشُدُّوا عُقَدَ الْمَآزِرِ وَ اطْوُوا فُضُولَ الْخَوَاصِرِ.

المراد الجدّ والاجتهاد والشمر للجهاد، والخاصرة: وسط الانسان.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: لا تَجْتَمِعُ عَزيمَةٌ وَوَلِيمَةٌ.

العزيمة: توطين النفس على الأمر وقطع التردّد فيه، والوئيمة: طعام العرس، والمراد أن الجدّ في الأمور والتنعم والترفه لا تجتمعان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَمْحَى الظَّلَمَ لِتَذاكِيرِ الهِمَمِ.

أي وما أمحى الظلم، يعني انّ ظلمة اللّيل تدعوا إلى النوم والاستراحة، و تمحوا ما تذكر الهمم من تحمّل المشاقّ في طلب معظمات الأمور وكفاية المهمات.

(الخطبة - 237)

قال عَلَيهِ السَّلام في كلام إقْتص فيه ذكر ما كانَ منه بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبي - صلى الله عليه وآله - ثُمَّ لِحاقَه بِه:

فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللَّهِ (صلي الله عليه وآله)، فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ.

يعني خرجت من مكة أطأ موطىء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - ، والمراد بأطأ ذكره: إني اذكر ما وصاني به من ألّا اسلك الجادّة خوفاً من قريش، والعرج: منزل في طريق مكة.

ص: 222

(الخطبة - 238)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ: فَاعْمَلُوا وَ أَنْتُمْ فِي نَفَسِ الْبَقَاءِ، وَ الصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَ التَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ، وَ الْمُدْبِرُ يُدْعَى وَ الْمُسِيءُ يُرْجَى.

المراد بنفس البقاء: سعة الحيوة، ومعنى نشر الصحف: أنّ الانسان مادام حيّاً تكون صحيفة أعماله منشورة في يد الملك الّذي يكتب فيها الأعمال، فإذا مات طويت، والتوبة يكون لها مجال في الحياة ومن أدبر عن الطاعة، فهو يدعى إليها، ومن أساء فانه يرجى أن يرجع ويتوب.

قالَ عَليهِ السَّلام: قَبْلَ أَنْ يَخْمُدَ الْعَمَلُ وَ يَنْقَطِعَ الْمَهَلُ.

جمود العمل: انقطاعه كالماء إذا جمد ينقطع جريانه، ويروى قبل أن يخمد، والمعنى ذلك، والمهل؛ التؤودة، والإسم من الإمهال والاستمهال. قالَ عَلَيهِ السَّلام:فَأَخَذَ امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَ أَخَذَ مِنْ حَيٍّ لِمَيِّتٍ.

يعني كلّ من اتعب نفسه في طاعة الله ورضاه، فإنّما يعود نفع ذلك إلى نفسه، وما أخذ من نفسه يمنعها من اتّباع الشهوات واستيفاء اللذات في حياته فهو ينفعه بعد مماته فكان هذا أخذ منه وهو حيّ، وله وهو ميت (1)

(الخطبة - 239)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في خُطْبَةٍ في شَأْنِ الحَكَمين وَذَمَ أَهْلِ الشَّامِ: جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ.

ص: 223


1- كذا في الاصل.

الطغام: أوغاد الناس ويستوي فيه الواحد والجمع، والعرب تكني عن شرار الناس بالعبيد والأقزام: جمع قزم وهم رذال الناس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنْ كُلِّ أَوْبٍ.

أي من كلّ ناحية.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ.

يعني أن ينصب له وليّ يقوم بمصالحه، وتمنع يداه عن التصرف في ماله، لأنّ السفيه يحجر عن ذلك.

قال عَلَيهِ السَّلام: الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ.

يعني الذين استقروا بالمدينة، لأنها دار الهجرة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا يُحِبُّونَ، وَ إِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ.

يعني أنّ أهل الشام اختاروا عمرو بن العاص، وهو يحتال لهم فيما يحبّون، وأنتم اخترتم أبا موسى الاشعري، وليس هذا بسداد، لأنّ أبا موسى شاك أو متهم، فانه كان بالأمس يأمركم بقطع أوتار قسّيكم وإغماد سيوفكم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ.

المراد بالدفع في الصدر: الدفع بمرّة وروي مهل الأيام: أي سكونها، والمهل جمع مهلة، وحوطوا: أي احفظوا والمراد بأقاصي الاسلام: أباعد اهل الدين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَلَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى.

يغزي: يقصد، والصفاة: الحجر الصلب الأملس، ويريد نفسه - تمّ شرح الخطب بتوفيق الله وتيسيره.

ص: 224

باب المختار من كتب أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى أعدائه وأمراء بلاده

(الكتاب - 1)

قال عليه السّلام في كِتاب أهل الكُوفَةِ عِنْدَ مسيره مِن المَدِينَةِ إلَى البَصْرَةِ: جَبْهَةِ الأَنْصارِ وَسَنامِ العَرَبِ.

قال بعض الشارحين (1): الجبهة الجماعة من الناس، وقال: من قال إنّ

كل واحد منهم كالجبهة في الوجه فقد غفل عن اللغة العربية التي فسرناها.

قال السيد الأجلّ المصنّف زيد علوّه: أقول الجبهة هاهنا يجب أن يكون بمعنى جبهة الوجه لأنه - عليه السلام - أخرج هذا الكلام مخرج المدح لأهل الكوفة، وأيّ مدح حصل لهم بأن يقال لهم: أنتم جماعة من الناس، أمّا الجبهة والوجه فانّهما مستعملان بمعنى اصل الشيء ومعظمه، وأمير المؤمنين - عليه السلام - صرّح في صدر الكتاب بلفظ أهل الكوفة، ولفظ أهل الكوفة له وحدة في اللفظ والمعنى.

فيصح أو يحسن أن يقال: أهل الكوفة جبهة الأنصار، لا أنّ كل واحد منهم كالجبهة، فان كان حمل الجبهة على العضو خطأ، فاستعمال السنام أيضاً يكون خطأ لأنّ السنام واحد، ويجب أن يكون الجبهة، بمعنى العضو لتناسب

ص: 225


1- يعني به قطب الدين الراوندي والعبارات المنقولة مذكورة في شرحه على نهج البلاغة ج 1011/3.

السنام، إذ معنى الجماعة لا يناسب السنام والسنام: سنام الابل وسنام الأرض بحرها ووسطها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَكْثِرُ إستعتابَهُ.

يعني اطلب منه أن يرضي الناس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ.

لا يخفى أنّ سعيهما في قتل عثمان كان أبلغ من سعي جميع الناس، والوجيف: ضرب من سير الابل والخيل سريع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلتَهُ غَضَبٍ.

يقال: كان الأمر فلتة: إذا لم يكن من تدبّر، وكان فجأة، وكانت عائشة تقول في أكثر أوقاتها: اقتلوا نعثلاً لعن الله نعثلاً والتعثل: الذكر من الضّباع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ.

أي قدر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاعْلَموا أَنَّ دار الهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِها وَقَلَعُوا بِها.

يحتمل أن يكون المراد بدار الهجرة: الكوفة، ويحتمل ان يكون المدينة، وقلعت بأهلها: أي ازعجتهم وارغبتهم عنها، ومعنى قلعوا بها: أنهم اذا ارتحلوا عنها واطوها (1) وخربت ديارهم فيها، فكأنهم قد أجلوها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ.

أي بيّنت، لأنّ ما يدور على القطب اذا لزم القطب وقام عليه يصير ساكناً ثابتاً. .

ص: 226


1- كذا في الاصل.

(الكتاب - 3)

قال عليه السّلام في نُسْخَةِ كِتابٍ في شَراءٍ دارِ شُرَيْحٍ: فَعَلی مُبَلْبِلِ أجْسامِ الملوك.

أي الذلّ يستأصل أجسام الملوك، وهو من تبلبلت الابل الكلأ: إذا تبعته، ولم تبق منه شيئاً.

(الكتاب - 4)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتابٍ إلَى بَعْضِ أُمَراءِ جَيْشِهِ: وَ إِنْ تَوَافَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ.

يعني أن تطابقت الأمور بتمامها على حمل القوم على الخلاف والمعاداة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَانْهَدْ: أي فَانْهَضَ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَقاعَسَ عَنْكَ: أَي قاصَر.

(الكتاب - 5)

قال عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى الأشعَثِ بنِ قِيسٍ عامل آذربيجان:

وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ؛ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ

يعني جعلك راعياً من هو فوقك، والافتيات: افتعال من الفوت، وهو السبق الى الشيء دون مشورة من يشاور فيه.

ص: 227

(الكتاب - 6)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتابٍ إلَى مُعاوِيَةَ: فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ.

يعني ان الناس اذا بايعوني، لا يبقى لمن كان حاضراً أن يختار غير من وقعت عليه البيعة.

(الكتاب - 7)

قال عَلَيهِ السَّلام في كتاب إليه أيضاً: أمّا بَعْدُ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ وَ رِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ، نَمَّقْتَهَا بِضَلَالِكَ.

الموصلة: العاملة يتّصل بعضها ببعض، وتحبير الكلام: تزيينه وتحسينه، وتنميق الكتاب: تزئينه بالكتابة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَهَجَرَ لاغطاً.

فهجر: من الهجر، وهو الهذيان، واللغط: الصوت والجلبة.

(الكتاب - 8)

قال عَلَيهِ السَّلام في كتابٍ إلى جِرير بنِ عَبْد الله البَجَليّ لَما أرَسلَهُ إلَى مُعاوِيَةَ.

فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ وَ خُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ؛ فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ.

المراد احمله على قطع وجزم من احد الامرين، والحرب المجلية: هي التي تجلي القوم عن أوطانهم، ويجوز أن يكون من أجلوا عن القبيل: اذا انفرجوا عنه، أو سلم مخزية: أي مذلّة مهينة والحرب والسلم يؤنثان، فانبذ اليه

ص: 228

العهد، والمصالحة وأظهر ألّا عهد ولا مصالحة.

(الكتاب - 9)

قالَ عَليه السّلام في كِتاب إلَى مُعاوية: فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَ اجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ وَ فَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِيلَ وَ مَنَعُونَا الْعَذْبَ وَ أَحْلَسُونَا الْخَوْفَ وَ اضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ.

الاجتياح: الإستيصال، وهمّوا: أي قصدوا نزول الهموم بنا، والأفاعيل: الأفعال القبيحة، والمراد بالعذب: العيش الطيب، واحلسونا: أي الزمونا، والجبل الوعر: هو الّذي خرج اليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - من مكة ويجوز أن يكون المراد بالجبل: الوعر الأمر الصعب.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَعَزَمَ اللهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ.

يعني أراد الله تعالى، وقطع لنا على الذبّ عن حوزته، والحوزة: الناحية، وبيضة الملك أيضاً، والضمير في حوزته، يجوز أن يرجع الى الله تعالى على إرادة الاسلام، ويجوز أن يرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ الْأَجْرَ وَ كَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الْأَصْلِ.

مؤمنهم: أبو طالب، وكافرهم: العبّاس وحمزة كانا في أوّل الأمر يذبّان عن رسول الله - صلى الله عليه وآله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ.

يعني خال ممّا نحن فيه من الخوف والبلاء بعهد يمنعه، ويحفظه لأنه عاهد الكفار.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) إِذَا احْمَرَّ

ص: 229

الْبَأْسُ، وَ أَحْجَمَ النَّاسُ.

يعني إذا اشتدّ الحرب ويقال: حجمته عن الشيء فاحجم: أي كففته عنه وكفّ، وهو من النوادر، مثل كببته فاكبّ.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ أَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ.

يريد بهذا نفسه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَا يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا.

أي لا يمتّ ولا يتوسّل.

(الكتاب - 10)

قال عَليهِ السَّلام في كتابٍ إليه أيضاً: وَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلَابِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا.

يعني ليس لك شيء سوى زينة الدّنيا، فكيف تصنع اذا ذهبت عنك، والجلباب: الملحفة، والمراد هاهنا اللباس، وتبهّجت: أي فرحت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ خُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ وَ شَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ.

فاقعس: أي تأخَر، والأهبة العدة، وشمّر هو أمره: أي خف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّكَ متَرَفٌ.

المترف: الّذي أطغته النعمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَشرفٍ باسِقٍ.

أي طويل، والمراد هاهنا الرفعة والعلوّ يقال: بسق فلان على أصحابه: أي علاهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِيُعْلَمَ أَيُّنَا المَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ.

ص: 230

الرّين: الطبع، وران ذنبه على قلبه: أي غلب، وهو أن يتراكم الذنب على الذنب حتى يسوّد القلب.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّكَ وَ خَالِكَ وَ أَخِيكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْرٍ.

جدّه: عتبة أو هند وخاله: الوليد بن عتبة، وأخوه: حنظلة بن أبي سفيان والشدخ كسر الشيء الأجوف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ إِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ، وَ دَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ. زَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِعُثْمَانَ.

المنهاج: الطريق الواضح، يعني تركتم الإسلام طائعين، ودخلتم فيه مكرهين، والثائر: الّذي يطلب الدّم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: تَضِجُّ مِنَ الحَرْبِ.

أي تصوت خوفاً وجزعاً.

قال عليه السَّلام: أَوْ مُبايِعَةٌ حائِدةٌ.

أي عادلة عن الحق.

(الكتاب - 11)

قالَ عَليه السّلام في وصيّة لِجَيش بَعَثَهُ إلى العَدُوِّ: فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ، كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً.

يعني يجب أن يكون معسكركم قدام الأماكن العالية، والشرف: المكان العالي، وسفح الجبل: أسفله، واثناء الشيء: تضاعيفه، وثنى الجبل والوادي: منعطفه، والردء: العون.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: في صَياصِي الجِبالِ.

ص: 231

أي أعاليها.

قالَ عَليهِ السَّلام: فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً، وَ لَا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلَّا غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً.

الكفة: المستديرة، والغرار قلّة النوم، ويقال: ما مضمضت عيني بنوم:

أي مانمت، وتمضمض النّعاس في عينه: أي تحرّك.

(الكتاب - 12)

قال عَليهِ السَّلام في وَصيّتهِ لِمَعْقِلِ بنِ قِيسٍ الرّياحي حَيْنَ أَنْفَذَهُ إلَى الشامِ مُقَدِمَةَ لَهُ: وَ سِرِ الْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ.

المراد بالبردين: الغداة والعشي، والتغوير: القيلولة، وغار النهار: اشتدّ الحرة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ رَفِّهْ فِي السَّيْرِ.

أي سيراً ليّناً.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ.

أي أرح خيلك وابلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ.

يقال: بطحه: أي ألقاه على وجهه، فانبطح، والمعنى إذا علمت انبساط السحر واتّساعه، لانّ المنبطح يبسط على الأرض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ.

يقال: انشب الشيء بالشيء: أي اعلقته به.

قال عَلَيْهِ السَّلام: وَ لَا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ.

أي بعضهم.

ص: 232

(الكتاب - 13)

قال عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلَى أميرينِ مِنْ أَمَرَاءِ جَيْشِهِ: وَعَلَى مَنْ في حَيِّزِكُما.

أي ناحيتكما.

(الكتاب - 14)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في وَصيّةٍ لِعَسْكَرهِ بصِفِّينَ: وَلَا تُصِيبُوا مُعْوِراً، وَلا تُجهِزوا عَلَى جَرِيح.

الاعوار: الريبة، يعني لا تقتلوا إلّا من تعلمون أنه من جملة العدو، وأعور الفارس: اذا بدا فيه موضع خلل للضرب، وأعور لك الصيد: أي أمكنك، وأجهز على الجرح: قتله، والمراد بالإعوار هاهنا هو الأول.

(الكتاب - 15)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في دُعاءٍ كانَ يَدْعُوا به إذالَقَيَ العَدُوَّ مُحارِباً: اللّهُمَّ إلَيْكَ أفْضَتِ القُلُوبُ.

أي أفضت بسرّها اليك يقال: أقضيت إلى فلان بسري: أي مشافهته به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونَ الشَّنَانُ.

أي ظهر مستور العدواة.

ص: 233

(الكتاب - 16)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في ما كانَ يَقُول لِأصحابِهِ عِنْدَ الحَرْبِ: وَ اذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِيِّ وَ الضَّرْبِ الطِّلَحْفِيِّ.

وأذ مروا: أي حثّوا والدعس: الأثر وطريق، دعسي: أي كثير الآثار، وعلى هذا الوجه يكون المراد الطعن الكثير الآثار، والدعس الطعن أيضاً، وضرب طلخف: أي شديد.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: ما أَسْلَمُوا، وَلَكِنِ إسْتَسْلَمُوا.

أي ما اسلموا عن اعتقاد، ولكن انقادوا خوفاً، يريد معاوية وعمرو بن العاص، ومروان بن الحكم وأمثالهم.

(الكتاب - 17)

قال عليه السلام في كتابٍ كتبه إلى مُعاوِيَةَ جَواباً: وَ لَا الْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ.

الطليق: من يؤسر، ثم يمنّ عليه فيطلق، وكان معاوية وابوه من الطلقاء.

قال عليه السّلام: وَ لَا الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ.

الصريح: الخالص النسب واللّصيق: الذي يلصق بنسب قوم ليس منهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ.

يقال: أدغل في الأمر اذا أدخل فيه يخالفه ويفسده.

ص: 234

(الكتاب - 18)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتاب إلَى ابْنِ عَبّاسِ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى البَصْرَةِ: قَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيمٍ وَ غِلْظَتُك عَلَيْهِمْ وَ إِنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلَّا طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ وَ إِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَ لَا إِسْلَامٍ.

تنمّر له: أي تكبر وتغيّر وأوعده، والوغم: الحقد، يعني لم يكن لهم سابقة

حقد لا في الجاهلية ولا في الاسلام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ إِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً وَ قَرَابَةً خَاصَّةً، نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا وَ مَأْزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا.

رحماً ماسة: أي قرابة قريبة، وتلك القرابة كانت حيث الأجداد من البعيدة، كان جدّ تميم بن مرة وجدّ هاشم أخوين وبينهما عدّة أجداد، ومأزورون: معناه موزورون من الوزر، وإنّما قال مأزورون مكان مأجورون، وقد ورد في الحديث مثله: «ارجعن مأزورات غير مأجورات».

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَارْبَعْ أَبَا الْعَبَّاسِ - رَحِمَكَ اللَّهُ - فِيمَا جَرَى عَلَى لِسَانِكَ.

ربع الرجل يربع: اذا وقف وتحبس، ومنه قوله: «اربع على نفسك وأربع على ظلعك»: أي ارفق بنفسك، وكف، كأنّه كان ضرب رجلاً من تميم تعزيراً وتأديباً.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ لَا يَفِيلَنَّ رَأْيِي فِيكَ.

أي ولا يضعفن.

ص: 235

(الكتاب - 23)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامٍ قَبْلَ مَوْتِهِ: أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ.

يعني ألّا تشركوا بالله شيئاً، ولا تضيّعوا كتاب الله وسنة رسوله، وقيل: أراد القرآن والعترة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَا كُنْتُ إِلَّا كَقَارِب وَرَدَ.

قرب: أي سار إلى الماء، وبينه وبين الماء ليلة.

(الكتاب - 24)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في وَصيّةٍ بما يَعمَل في أموالِه كَتَبَهَا بَعْدَ مُنَصرِفِهِ من صِفّينَ:

وأنْ لا يَبِيعَ مِنْ نَخِيلِ هَذِهِ القُرى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أرْضُها غِراساً.

الودي: صغار النخل قوله عليه السلام: حتّى تشكل أرضها غراساً.

قال السيد الرضي - رضي الله عنه - : المراد أنّ الأرض يكثر فيها غراس حتّى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها، فتشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها.

قال السيد المصنّف زيد علوّه: وقيل: يجوز أن يكون له معنى آخر، فان الكسائي قال: أشكل النخل: أي طاب رطبه، وأدرك وما قاله السيد الرضي أقرب الى الصواب، لأنّه - عليه السلام - أسند الاشكال إلى الارض لا إلى

النخل.

ص: 236

(الكتاب - 25)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في وصيّةٍ كانَ يَكْتُبُها لِمَنْ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ: وَلا تَجْتازَنَ عَلَيهِ كارهاً.

أي لا تمرّ على أرض انسان ومواشيه، وهو لمرورك عليها كاره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ.

أي لا تجعل تحيتك لهم بالحصة، من أخدجت السحابة: أي قلّ مطرها. قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَإِنْ أَنْعَم لَكَ مُنْعِمٌ.

أي قال لك: نعم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاصْدَعِ المالَ صَدْعَيْنِ.

أي اجعل المواشي نصفين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنْ إسْتَقالَكَ فَأَقِلْهُ.

أي فان ندم على ما اختار وطلب الإقالة، فأقله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَ لَا هَرِمَةً وَ لَا مَكْسُورَةً وَ لَا مَهْلُوسَةً وَ لَا ذَاتَ عَوَارٍ.

العود: المسنّ من الابل، وهو الّذي جاوزه السن البازل، والهرمة: الكبيرة السنّ، والمكسورة: التي انكسرت احدى قوائمها، والمهلوسة: التي قد هلسها المرض وأذهب لحمها والهلاس: السلّ، والعواز: العيب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا مُجْحِفٍ وَ لَا مُلْغِبٍ وَ لَا مُتْعِبٍ. ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ.

أحجف به: أي ذهب به، والإلغاب: الانصاب، واحدره من حدر

ص: 237

السفينة: إذا أرسلها الى أسفل، ولا يقال احدرها.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَأَوْعِزْ إِلَيهِ.

أي تقدم إليه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا يَمْصُرَ لَبَنُها.

المصر: حلب كلّ ما في الضرع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً وَ لْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَ بَيْنَهَا.

أي لا تتعبتّها بالركوب، وليجعل الركوب بينها مناوبة بالعدل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لْيُرَفِّهْ عَلَى اللَّاغِبِ وَ لْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَ الظَّالِعِ.

يعني سرح اللاعب: أي المعنى، ويتركه ليستريح، وليستان: أي ليعمل الاناة والرفق، والنقب: الذي رقت أخفافه، والظالع: البعير الغامز في مشيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَ الْأَعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا - بِإِذْنِ اللَّهِ - بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ.

النطاف: الماء القليل، والبدن: السمان، جمع بادن، ومنقيات: ذوات نقي، وهو مخّ العظم.

(الكتاب - 26)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في عَهْدٍ لَهُ مِثْلُه وَامَرَهُ وَفي نُسْخَةٍ: وَ أَمَرَهُ أَلَّا يَجْبَهَهُمْ وَ لَا يَعْضَهَهُمْ.

جبههه: أي استقبله بالمكروه، وعضهه: رماه بالبهتان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ الْمَدْفُوعُونَ وَ الْغَارِمُونَ وَ ابْنُ السَّبِيلِ.

المدفوع: الفقرِ، لأنّ كلّ واحد يدفعه عن نفسه، والغارم: الذي عليه الدّين، وابن السبيل: المنقطع به في السفر، وإن كان مؤسراً في بلده.

ص: 238

قال عليه السلام: وَ إِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَ أَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ

الغش: الخيانة، وكلا المصدرين مضافان إلى المفعول والفاعل محذوف.

(الكتاب - 27)

قالَ عَليهِ السَّلام في عَهْده إلى مُحَمَدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عنه - حَيْنَ قَلَّدَهُ مِصْرَ: فَاخْفِضْ لَهُمْ جَناحَكَ.

أي تواضع، وألن لهم جانبك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَ النَّظْرَةِ.

أي احبهم، يأتسي بعضهم ببعض، والمراد التسوية بينهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ.

الطرداء: جمع طريدة، وهي التي تساق فيذهب بها.

قال عَلَيهِ السَّلام: الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ وَ الدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ.

يعني أن الموت آخذكم لا محالة لأنّ من اخذ بناصية، فهو ملزوم لها لأنّ الناصية ملازمة للانسان، فما عقد بها يكون أيضاً لازماً له، والدنيا تطوى خلفكم: يعني أنّ الايام واللّيالي تمضي مستمرة، كلّ ما مضى منها لا يعود

البتّة، فكان طاوياً يطوي كلّ ساقة تمضي علينا من خلفنا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ، وَ أَنْ تُنَافِحَ عَنْ دِينِكَ.

محقوق: أي جدير ألّا تتبع هوى نفسك، ونافحت عن فلان: أي خاصمت عنه، والمنافحة أيضاً مثل المكافحة.

ص: 239

(الكتاب - 28)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتاب إلى مُعاويةَ، وَهُوَ مِنْ مَحاسِنِ كُتبه: فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا.

خبأ: ستر، وطفق يفعل كذا: أي جعل، والبلاء: النعمة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: أو داعى مُسَدِّدِةِ إِلَى النِضَّالِ.

المسدّد: الّذي يقوم انساناً لأمر، والنضال: المرامات، وينظر الى هذا المعنى قول الشاعر:

أُعلمه الرماية كلّ يوم *** فلما اشتدّ ساعده رماني

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَا لِلطُّلَقَاءِ وَ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ.

يريد معاوية وأباه، لأنها أطلقا يوم الفتح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْها.

هذا مثل يضرب لمن يفتخر بقبيلة ليس هو منها، والضمير في منها راجع إلى القداح، وهي السهام، وقد جرى ذكرها حيث قال: وترتيب طبقاتهم، وحنّ: أي خرج له صوت يخالف أصواتها، فعرف المفيض بها: أي الضارب بالقداح أنه ليس منها.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ طَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا.

الضمير في فيها وفي لها للطّبقات.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَ لَا تَرْبَعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ وَ تَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ.

هذا مثل يضرب لمن يقدم على أمر لا يطيقه، ومعناه ارفق بنفسك، ولا

ص: 240

تحمل عليها أكثر مما يطيق، وظلع البعير: غمز في مشيه ويقال: ضقت بالأمر ذرعاً: أي لم يطقه، والقصور العجز عن الشيء.

قالَ عَليه السّلام: وَ إِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ.

التيه: المفازة والذاهب فيها يكون متحيّراً، روّاغ: أي كثير الميل، والقصد: الطريق المستوي المستقيم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتّى إذا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنا.

يعني حمزة.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَذُو الجَناحَيْنِ.

هو جعفر بن أبي طالب.

قالَ عَلَيهِ السلام: وَ لَوْ لَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ.

نهى الله تعالى قوله عزّ وعلا: «فلا تزكّوا أنفسكم»، ويريد لذاكر نفسه، يعني لذكرت فضائل كثيرة، لا تنكرها المؤمنون، ومجّ الشراب من فيه: أي رمی به.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مالَتْ به الرَّمِيَّةُ.

أي الصيد يريد بها الدنيا، يعني دع من أمالته الدنيا اليها أو عن الطريق المستقيم، وطلب مرضاة الله تعالى.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا.

الصنيعة من احسنت اليه واصطنعته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَ لَا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَكَحْنَا وَ أَنْكَحْنَا فِعْلَ الْأَكْفَاءِ.

العادي: القديم منسوب إلى عاد، والطول: المنّ وقوله - عليه السلام - :

ص: 241

فنكحنا: إشارة الى ان رسول الله - صلى الله عليه وآله - تزوج ام حبيبة بنت أبي سفيان، وانكحنا: وزوّج ابنته عثمان بن عفان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ مِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ.

يقال: هو عتبة بن أبي ربيعة، ولما قال: «أنا أسد الله وأسد رسوله»، قال: «أنا اسد الاحلاف»، والمراد بالاحلاف الخلفاء.

قال عليه السَّلام: وَ مِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ.

أراد بسيدا شباب أهل الجنة: الحسن والحسين - عليهما السلام - ، وصبية النار: ولد مروان بن الحكم، كانوا عند إخباره - عليه السلام - صبية، ثم بلغوا واختاروا الكفر، فصاروا أهل النار.

خير النساء: فاطمة - عليها السلام - ، وحمّالة الحطب: عمة معاوية أمّ جميل بنت حرب، كانت تحمل خرمة من الشوكة، فتنثرها باللّيل في طريق رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، وقيل كانت تمشي بالنميمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ جَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ.

أي ما كان فيها سفاح ولا بعد (1) ولا تقصير وقال - عليه السلام - متمثلاً: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.

البيت هو لأبي ذويبب وأوّله:

وعيّرها الواشون إني أحبّها.

والشكاة: الشكاية، وظاهر عنك: أي زائل عنك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَا عَلَى المُسْلِمِ مِنْ عُضاضَةٍ.

أي ذلّة ومنقصة. .

ص: 242


1- كذا في الاصل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَنْقِمُ عَلَيهِ أحداثاً.

أي أنكر عليه أموراً منها أنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله - تصدق بمهروز موضع سوق المدينة على المسلمين، فأقطعها عثمان الحارث بن الحكم، وأقطع قدك مروان وافتتح افريقية، فاخذ الخمس ووهب كلّه لمروان.

قالَ عَليهِ السَّلام: متمثلاً:

وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظَّنَّةَ المُتَنَصِّحُ.

وأول البيت:

وكم سقت في آثاركم من نصيحة.

الظنّة: التهمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبارٍ.

الاستعبار: البكاء، يعني أضحكت كلّ من يسمع منك هذا بعد بكائه على الدين لتصرفك فيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ.

الفيت: وجدت، ونكل عن العدو: أي جبن.

قال عليه السلام: متمثلاً:

فَلَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الْهَيْجَا جَمَلْ.

كان مالك بن زهير يوعد جمل بن بدر فقال حمل البيت وقيل: حمل بن سعدا غير على ابل له في الجاهلية، فاستنقذها وهو يقول:

لبّث قليلاً يلحق الهيجا جمل *** لا بأس بالموت إذا حان الأجل

يروى حمل بالحاء.

قالَ عَليهِ السَّلام: مُرْقِلٌ نَحْوَكَ.

الارقال: ضرب من الخبب.

ص: 243

قالَ عَليه السلام: سَاطِعٍ فَتامُهُمْ.

أي مرتفع غبارهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَ خَالِكَ وَ جَدِّكَ وَ أَهْلِكَ.

اخوه حنظلة بن أبي سفيان، وخاله الوليد بن عتبه، وجدّه عتبه لأن هنداً بنت عتبه اُمّه.

(الكتاب - 29)

قالَ عَليهِ السَّلام في كتاب إلى أهلِ البَصْرَةِ: وَ قَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَ شِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ.

الحبل: العهد، والمراد بأنتشاره انتكاثه، والشقاق: الخلاف والعداوة، ما لم تغبّوا عنه: أي لم تجهلوه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ وَ سَفَهُ الْآرَاءِ الْجَائِرَةِ إِلَى مُنَابَذَتِي.

يعني إن تجاوزت بكم الأمور المهلكة، وسفه الآراء المائلة عن القصد إلى مكاشفتي بالحرب.

(الكتاب - 30)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى مُعاوِيَةَ: وَمَحَجَّةٌ نَهْجَةٌ.

المحجة: الجادة، والنهجة: الواضحة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيُخالِفُها الأنكاسُ.

أي الأرذال، والنكس: الرجل الضعيف.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ َأوْلَجَتْكَ شَراً، وَأَفْحَمَتْكَ

ص: 244

غَیّاً.

اي أوقعتك في وحل الشر، وقحم الأمر قحوماً: رمى بنفسه فيه من غير رؤية.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَوْعَرَتْ عَلَيْكَ المَسالِكَ.

أي جعلت الطرق عليك وعرة صعبة.

(الكتاب - 31)

قال عَلَيهِ السَّلام في وَصيّتهِ للحَسنِ - عليه السلام - كَتَبها بِحاضرة قُنّسريْنَ مُنصِرفاً مِنْ صِفِّينَ: مِنَ الوالد الفانِ المُقِرِّ لِلزَّمانِ.

يعني الفاني الا إنه وقف لقرينة الزمان، والمراد المقر بتغير الزمان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: المُسْتَسْلِم لِلدَّهْرِ.

أي المنقاد للدهر، وما يحدث فيه، والفرق بين الزمان والدهر أنّ الزمان هو مقدار حركة الفلك من جهة انقسامها الى متقدّم ومتأخر، والامور الموجودة إمّا أن يكون فيها تقدم وتأخر كجميع أنواع الحركات والتغيرات، وإما أن لا يكون بل يكون ثابتة مستمرة الوجود.

فالّذي فيه تقدم وتأخر يكون وجوده في زمان لا محالة، ويكون وجود المتقدم منه مطابقاً لزمان وجود المتأخّر منه مطابقاً لزمان آخر، وأمّا الّذي ليس فيه تقدم وتأخر بوجه من الوجوه بل له وجود ثابت مستمر لا يغير فيه البتة، فإنه لا يكون موجوداً في الزمان بل وجوده بعينه كما هو مطابق لكل آن بعد آن على الاتصال.

يقال: لمثل هذا ليس موجوداً في الزمان وإن كان موجوداً مع الزمان، وفرق بين قولنا موجود في الزمان وبين قولنا موجود مع الزمان، فانا موجودون مع أشياء كثيرة ولسنا موجودين فيها، وإذا كان الشيء له من جهة تقدم وتأخر

ص: 245

مثلاً من جهة ما هو ذات وجوهر، فهو من جهة ما لا يقبل تقدماً وتأخراً ليس في زمان وهو من الجهة الأخرى في الزمان.

كل شيء يكون موجوداً مع الزمان، ولن يكن موجوداً فيه، فاذا اعتبرت معيته مع الزمان وأضفت اليه ثباته سميت تلك المعية والاضافة دهراً، فالدهر هو اضافة ثبات الشيء الى الزمان كلّه واعتبار معيته معه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ وَ الِاهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي.

يزعني: يكفني قال الاخفش: سواي اذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل، يكون فيه ثلث لغات، إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعاً، وإن فتحت مُدّدت تقول: مكان سُوي وسِوى وسَواء: أي عدل ووسط فيما بين الفريقين وتقول: مررت برجل سُواك وسِواك وسوائك: أي غيرك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَأَفضَى بِي.

أي أوصلني.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَعَنانِي.

أي اتّبعني.

قال عليه السلام: مُسْتَظْهِراً بِهِ.

أي مستعيناً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالاعْتِصامِ بِحَبْلِهِ.

قيل: هو القرآن، وروي أنّ أعرابياً دخل على رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال: التبس عليّ معنى آية من القرآن، ففسّرها لي وتلا قوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله»، وقال: ما هذا الحبل الذي أمر الله تعالى بالاعتصام به، وكان علي - عليه السلام - إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وآله. فوضع النبي - صلى الله عليه وآله - يده على كتف أمير المؤمنين - عليه السلام - وقال: هذا حبل الله فاعتصموا به.

ص: 246

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَخُضِ الغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ.

الغمرات: الشدائد، والغمرة الرحمة من الناس، والماء جميعاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَكْثِرِ الإستخارَةَ.

أي طلب الخيرة من الله تعالى.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تَذْهَبَنَّ عَنْهَا صَفْحاً.

أي معرضاً يقال: ضربت عنه صفحاً: اذا أعرضت عنه.

قال عليه السلام: لَا يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ.

أي لا يجب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ.

أي كالبعير الذي صار فحلاً غير ذلول لا يطاق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ وَ تَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ.

الخبط: المشي بلا توقّ، والعشواء: الناقة التي في بصرها ضعف، والعشواء: نصب على المصدر على حذف المضاف تقديره تخبط خبط العشواء، والتورّط: الوقوع في الورطة، وهي الهلاك.

قال عَلَيهِ السَّلام: فَارْضَ بهِ رائِداً.

الرائد: من تبعثه القبيلة لطلب الكلاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً.

أي لم اقصر في نصحك، ولم أمنعك منه شيئاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ.

يعني أن أوّليّته بمعنى تقدّمه على جميع الأشياء لا بمعنى أنّ لوجوده أولاً وابتداء.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ تَحْذُوَ عَلَيْهَا.

يعني لتجري على مقاديرها ومنوالها.

ص: 247

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ.

السفر: جمع سافر، كصاحب وصحب، ونبا بهم: أي لم يوافقهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ.

أي مشقته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَجُشُوبَةَ المَطْعَمِ.

طعام جشب: أي غليظ خشن، وهو الّذي لا ادم معه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاسْعَ في كَدْحِكَ.

الكدح: العمل والسعي، والكسب: أي ليكن سعيك كسبك لنفسك لا لغيرك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ إذا أنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ.

القصد: الطريق المستقيم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَا غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ.

أي حسن الطلب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: عَقَبَةً كَؤُوداً.

أي شاقّة صعبة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ وَطِّئِ الْمَنْزِلَ.

أي اجعله وطياً ليناً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ وَ لَا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ.

المراد بالمستعتب: الاسترضاء، والمنصرف: الانصراف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيَحةُ.

أي لم تكشف فضيحتك للنّاس، حيث الفضيحة موجودة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ.

ص: 248

أي أظهرت له حال نفسك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَنَّكَ فِي مَنْزِلَةِ قُلْعَةٍ وَ دَارِ بُلْغَةٍ.

يقال: هذا منزل قلعة: أي ليس بمستوطن، ومجلس قلعه: إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقول مرّة بعد مرّة، ويقال أيضاً: هم على رحلة، والبلغة: ما يتبلغ به: أي يكتفي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وأَنّكَ طِريدُ المَوْتِ.

الطريد: ما يطرد ليذهب به من الصيد وغيره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَيْبْهَرَكَ.

أي يغلبك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنْ إخْلادِ أهْلِ الدُّنْيا إِلَيْها، وتكالُبِهِمْ.

أي من ركوبهم واستنادهم إليها، والتكالب: التواثب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا بَعْضاً.

أي متعوّدة.

قوله عليه السلام: يهرّ بعضها بعضاً، يجوز أن يكون من قولهم: هررته هراً: أي هرهته، وإن كان من هرير الكلب بمعنى صوته ونباحه، فلا بدّ من تقدير حذف جار، أي يهرّ بعضهم على بعض، ثم إيصال الفعل، لانّ الهرير والنباح غير متعديين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَها.

أي ذهبت عقولها من أضللت بعيري: إذا ذهب عنك.

قال عليه السَّلام: وَرَكِبَتْ مَجْهُولَها.

أي دخلت مواضع تجهلها.

قال عليه السلام: سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ! لَيْسَ لَهَا مُسِيمٌ يُسِيمُهَا.

السروح: جمع سرح، وهو قطعة من الماشية، والعاهة: الآفة، ويريد

ص: 249

بالسروح أهل الدنيا والوعث: الرّمل اللّين الذي تغيب فيه القدم، والمسيم: الراعي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: رُويداً يُسْفِرُ الظَّلامُ، كَأَنْ وَرَدَتَ الأَظْعَانُ، يُوشِكَ مِنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ.

رويداً: أي امهلوا وارفقوا يسفر الظّلام أي يكشف، والأظعان: جمع ظعن وهي الابل التي عليها الهوادج، والمعنى نحن مسافرون، وكان قد وردت الأظعان مناهلها وقدمنا منازلنا.

قال عليه السّلام: فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ.

يقال: خفض عليك الأمر: أي هوّن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إلى حَرَبٍ.

الحرب: أخذ المال من الغير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ.

المجمل: من يحسن صنيعه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ إِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ.

الوجيف: السير السريع، يقال: وجفّ البعير، يجفّ وجيفاً وجفته أنا، ومطايا الطمع: مفعول يوجف، وبك: أي بسببك.

قال بعض الشارحين: الإيجاف السير السريع، وهذا مخالف لما في «الصحاح».

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَحْفِظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الوَكَاءِ.

الوكاء: الذي يشد به رأس القربة، وهذا بناء على ما قبله من الوصية بحفظ اللّسان والاحتياط في المنطق، والمراد ما في الوعاء: سرّ الإنسان، وبشدّ الوكاء: شدّ الفم والصمت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالحِرْفَةُ مَعَ العِفَّةِ.

ص: 250

الحرفة: نقصان الحظّ والحرمان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ.

الاهجار: الافحاش في المنطق والخنا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً.

مثاله: إذا أقدم عليك العدو في الحرب فتأنّيت في دفعه، وقتله يكون هذا رفقاً بالنسبة الى العدو وخرقاً بالنسبة إلى نفسك، وان خاطرت وعاجلت في قتل العدوّ وكان هذا خرقاً بالنسبة الى العدوّ ورفقاً بالنسبة الى نفسك، وحاصل المعنى أنّ الرفق في بعض المواضع قد يكون خرقاً، والخرق في بعض المواضع قد يكون رفقاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً وَ الدَّاءُ دَوَاءً.

يعني ربما يهلك الدواء الّذي يرجى منه الصّحة للانسان، وربّما كان الشيء يؤلم ويؤذي دواء مفيداً للصّحة. مثلاً قطع بعض الأعضاء لسلامة البدن وبقاء الحياة، وكثير من الأمراض يكون سبباً لزوال مرض آخر، كما ينحلّ الماليخوليا كثيراً بالبواسير والدوالي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ خُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ.

الظفر بالعدوّ يكون بطريقين، أحدهما القهر والغلبة، والآخر الاحسان إليه، وتسخير العدو بالإحسان إليه احلى من قهره وأحمد في مذهب الكرام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ.

يعني عاشرهم بحسن الخلق والتّوسيع عليهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ.

أي من ترك الطريق المستقيم مال.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ إِيَّاكَ وَ مُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ.

الأفن: ضعف الرأي، والأفن: مصدر قولك افنه الله فهو مأفون: أي

ص: 251

مأفوك، وهو الضعيف العقل والرأي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ.

أي المرأة ريحانة فتشم، فيجب أن يتقصر على التمتّع بها، ولا يمكن من الأمر والنهي والتصرف في الأمور، فان ذلك من شأن القهرمان.

(الكتاب - 32)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى مُعاوِيَةَ: وَ أَرْدَيْتَ جِيلًا مِنَ النَّاسِ.

أي اهلكت صنفاً من الناس.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ عَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ.

أي واعتمدوا على حفظ أحسابهم الجاهلية: أي مفاخر آبائهم في الجاهلية.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِلَّا مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ.

فاء: رجع، والبصيرة: العلم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ هَرَبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ.

أي معاونتك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ عَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ.

أي ملت بهم عن الطريق المستقيم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَجاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيادَكَ.

اي لا تسلّط الشيطان عليك، ونازعه في جذب قيادك، والقياد: الحبل الذي تقاد به الدابة.

ص: 252

(الكتاب - 33)

قال عليه السّلام في كتاب إلى قُثَمِ بنِ العَبّاسِ - رَضِيَ الله عَنْهُما - ، وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى مَكَّةَ: فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ.

فَشِلاً.

العين: الجاسوس والديدبان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً وَ لَا عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلًا.

البطر: الطغيان عند النعمة، والفشل: الخور والجبن

(الكتاب - 35)

قال عليه السّلام في كتابٍ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ العَباسِ - رَضِيَ الله عنهما - بَعْدَ مَقْتَلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرِ - رَضِيَ الله عَنْهُ - بِمِصْرَ: فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً.

يقال: احتسب فلان ابناً له: إذا مات وهو كبير وإن مات صغيراً يقال: افترطه.

(الكتاب - 36)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى عَقْيل بن أبي طالِبَ - رَضِيَ الله عَنْهُ - : قَدْ طَفَّلَتِ الشَّمْسُ لِلْإِيَابِ، فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلَا وَ لَا.

تطفيل الشمس: ميلها للغروب، قوله - عليه السلام - كلا ولا: للمبالغة في بيان قلّة قتالهم.

قال عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى نَجَا جَرِيضاً بَعْدَ مَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ.

ص: 253

جريضاً: أي مغموماً، ويقال: أخذت بمخنقه: أي بموضع خنقه من عنقه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَأْياً بِلَأْيٍ مَا نَجَا.

أي بعد شدة أبطآئي، وما زيادة ابهامية، وانتصب لأياً على المصدر، تقديره لأي لأياً: أي أبطأ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي.

يقال: جزتك الجوازي: أي الأرحام، وقيل: الخصال المحمودة أو المذمومة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ سَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي.

يحتمل أنه كنى به عن نفسه، لأنّ كل رجل يكون ابن امه، ويحتمل أنه عنی به رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، لأنّ فاطمة بنت اسد - رضي الله عنها - ، كانت تربّي رسول الله - صلى الله عليه وآله - في حجر أبي طالب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ رَأيِي قِنالُ المُحِلّينَ.

الذين أحلّوا قتاله - عليه السلام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام:وَ لَا تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ.

لم يقل ولا تحسبني محافظة على حسن الخطاب.

(الكتاب - 38)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى أهلِ مِصْرَ لَمّا وَلّى عَلَيْهُمُ الأَشْتَرَ: فَلَا مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ وَ لَا مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ.

يعني لا يفعل معروف ولا يتناهى عن منكر، وإنما يستراح عليه، لأنّ المؤمن يستريح إلى فعل المعروف ويفرح به.

قال عليه السَّلام: وَشِدَّةِ شَكِيمَنِهِ.

ص: 254

يقال: فلان شديد الشكيمة: إذا كان شديد النفس آنفاً آيباً.

(الكتاب - 40)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتابٍ إلى بَعْضِ عُمّالِهِ: وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ.

أي أظهرت الحرّي فيها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ.

أي قشّرتها، والمعنى أهلكت أشجارها وتركتها فضاء.

(الكتاب - 41)

قال عليه السَّلام في كتاب إلى عَبْدِالله بْنِ العَبّاسِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهما - : وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي.

الشعار: ما مسّ الجسد من الثياب، يعني جعلتك من بطانتي وخاصتي. قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِمُوَاسَاتِي وَ مُوَازَرَتِي.

اي معاونتي بالمال والنفس.

قالَ عَلَيهِ السلام: فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ وَ الْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ.

يقال: كلب فلان: أي اشتد شره، وكلب الشتاء: أي اشتد برده، وحرب: أي اشتد غضبه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ فَتِكَتْ وَ شَغَرَتْ.

فتكت: أي قتلت على غفلة، وشعر الكلب: أي رفع إحدى رجليه ليبول، والمراد هاهنا الإفساد في الأرض.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ.

أي الحملة.

ص: 255

قالَ عَلَيهِ السَّلام: اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ.

الأزلّ: الخفيف الوركين، والكسيرة: المكسورة، والذئب يكون على الدامية المكسورة أجراً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: كَأَنَّكَ - لا أبا لِغَيْرِكَ - حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ.

لا أبا لغيرك: صرف لكلمة المدح عنه الى غيره، ولو قال: أبالك كان مدحاً له، حدرت: أي أرسلت الى اسفل والتراث: الميراث.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ.

أي صلح وميل.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَصَحَ رُوَيْداً.

أي لا تعجل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلاتَ حَيْنَ مَنَاصٍ.

أي ليس وقت تأخر و فرار والمناص: الملجأ، والمفر أيضاً.

(الكتاب - 43)

قال عَليهِ السَّلام في كتابٍ إلى مُصْقَلَةَ بن هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيّ وَهُوَ عامِلُهُ عَلى أَرْدَشِيرِ خُرَّةِ: فِيمَنْ اعْتامَكَ.

أي اختارك، وهو قلبه.

قال عَلَيهِ السَّلام: فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ.

فلق: شقّ، وبرأ خلق، والنسمة: النفس.

(الكتاب - 44)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتابٍ إلى زيادِ بْنِ أَبِيهِ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إليهِ يُريدُ خَدِيعَتَهُ بَاسْتِلْحاقِهِ بِهِ: يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَ يَسْتَفِلُّ

ص: 256

غَرْبَكَ.

أي يطلب زلل لبّك، وفلل حدّ سيفك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَ نَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ.

فلتة: أي فجأة لاعن تدّبر وتردّد، ونزغ الشيطان: أي أفسد، وأغرى، كان أبو سفيان ادعى في عهد عمران زياد ابنه لم يعض له عمر بذلك.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَ النَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ.

الواغل: هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم، وليس منهم، فلا يزال مدفعاً محاجزاً، والنوط المذبذب: هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو ما أشبه ذلك، فهو أبداً يتقلقل: اذا حثّ الراكب ظهره واستعجل سيره.

(الكتاب - 45)

قالَ عَليهِ السَّلام في كِتابٍ إلى عُثمانَ بْنِ حُنَيْفٍ عَامِلُهُ عَلَى البَصْرَةِ: دَعَاكَ إلى مَأدَبَةٍ.

المأدبة: الطّعام المدعو إليه، وروي فكرت عليك الجفان فكرعت، وأكلت أكل ذئب لهم وضبع قرم، كرع في الماء، يكرع كروعاً اذ تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بأناء، وفيه لغة اخرى كرع بالكسر كرعاً، والقرم: شدة شهوة اللّحم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ، فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ.

ص: 257

من تيم وعديّ وأمية وإنما عدّي شحت بعليها، لأنّ الشح يتضمن الحرص.

وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ.

أي نفوس أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (1) وإنما عدّي سخت بعنها لأنّ السخاوة قطاع الرغبة والمحبة عن الشيء المسخوبة والحكم الحاكم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ.

المظانّ: جمع مظنّة، ومظنة: موضعه ومألفه الذي يظنّ كونه فيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ.

القمح: البر.

قالَ عَليه السّلام: وَ يَقُودَنِي جَشَعِي.

الجشع: اشد الحرص.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ *** وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

القدّ: جلد تحرقه العرب في الجدب، ويستفون رماده.

قال عَلَيهِ السَّلام: أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ.

الاسوة: ما يتأسى الحزين للتعزّي به، وجشوبة العيش: غلظته وخشونته.

قالَ عَليهِ السَّلام: أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا.

تقمّمها: أي جمعها النبات في المرعى، تقممتها: اي نشفتها، وتكترش: أي في الكرش. .

ص: 258


1- نقل الشارح هذه العبارات من شرح الراوندي راجع ج 1149/3. طبع الهند.

قالَ عَليه السلام: أَوْ أَتْرَكَ سُدىً.

أي مهملاً.

قال عَلَيهِ السَّلام: أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ.

الاعتساف: الأخذ على غير الطريق، والمتاهة: المحير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالنَّباتاتِ البَدويّة.

الَّذي لا يسقيه إلّا ماء المطر.

قالَ عَليه السلام: وَأنا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وَسَلَّم. - كَالصِّنْوِمِنَ الصِّنْوِ.

إذا خرج نخلتان وثلاث من أصل واحد، وكلّ واحد منها صنو.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ.

يعني معاوية والركس: ردّ الشيء مقلوباً، يعني أنّ الشيطان جعل معاوية

مرتداً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ.

يعني أجهل حتى أنتى الحبّ من المدر، وحبّ الحصيد: حبّ الزرع المحصود، والمراد تطهير الأرض من المنافقين القاسطين المرتدّين في عقايدهم عن الدين الحق المبطلين لأحكام الإسلام.

قال عليه السَّلام: إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا، فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ.

إليك عني: أي ارجعي عني وحبلك على غاربكِ: كلمة كان العرب يطلقون زوجاتهم في الجاهلية بها، والمراد اذهبي حيث شئت، والغارب: ما بين السنام والعنق، واذا ألقى حطام البعير على غاربه، وخلى حيث شاء،

ص: 259

وانسللت: أي خرجت وتخلصت، وأفلت وانفلت بمعنى والحبائل: جمع حبالة، وهي الشبكة، والمداخص: المزالق.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: غَرَرْتِهِمْ بِمَداعِيكِ، وَرُوِيَ بِمَداعِبكِ.

والمداعي: جمع مدعاة، والمداعب: من الدعابة: أي المزاح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ.

الزخرف: في الأصل الذهب، ثم تشبه كلّ مموّه مزوّر والمزخرف: المزين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ وَطَىءَ دَحْضَكِ زَلِقَ.

المكان الدحض: الذي لا تثبت عليه القدم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أُعْزُبي عَنّي.

أي تباعَدي عنّي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا أَسْلَسُ لَكِ.

ولا ألین ولا انقاد لك.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ أَيْمُ اللهِ يَمِيناً.

أنتصب يميناً على المصدر، لأنه في معنى الحلف، كأنه قال: احلف حلفاً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَهُشُّ مَعَها إِلَى القُرْصِ.

أي ترناح.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا.

نضب الماء: غار والمعين: الماء الذي تراه العيون، والمعنى لأبكين حتى استفرغ دموعي كلّها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ.

ص: 260

السائمة: الأنعام التي ترعى بلا راع، والرعيّ: النبات المرعى، والربيض: الغنم أوقاتها المجتمعة في مربضها، والربوض للغنم والبقر كالبروك للابل.

قالَ عَليهِ السَّلام: بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ.

هي التي ارسلت، فترعى ليلاً ونهاراً بلا راع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا.

عركت: دلكت، والغمض: القليل من النوم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ.

الهمهمة: ترديد الصوت في الصدر، وتقشعت: أي انكشفت.

(الكتاب - 47)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في وَصيَّةٍ لِلحَسنِ والحُسَيْنِ - عَلَيْهما السَّلام - لَمّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجِم - لَعَنَهُ الله وَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللاعِنيْنِ - : وَ إِنْ بَغَتْكُمَا وَ لَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا.

يعني ألّا تطلبا الدنيا وان طلبتكما، وزوي: قبض.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَ صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ.

ذات البين: الحال التي بين الرجل وأهله، أو بين الرجلين أو القبيلتين، والذات: النفس، والبين: الوصل، كأنه قال: صلاح نفس الوصل، ويجوز أن يكون ذات تأنيث ذو كقولنا: إمرأة ذات مال.

والبين: يكون بمعنى الظرف والحال، تؤنث وتوصف بذات، وتضاف ذات إلى البين، وتقديره: صلاح حال ذات بينكم: أي الحال التي بينكم.

ص: 261

فَلا تَغِبُّوا أَفْواهَهُمْ.

أي اطعموهم كلّ يوم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا.

يعني حجّوا البيت أو حرّضوا الناس على حجه، حتّى لا يبقى خالياً، فان ترك حجّ البيت لم تناظروا: أي لم تنظروا من النظرة، وهي المهلة، يعني يعجّل عقابكم.

(الكتاب - 48)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتابٍ إلى مُعاوِيَةَ: فَإِنَّ الْبَغْيَ وَ الزُّورَ يُوتِغَانِ الْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ.

الوتغ: الهلاك، وأوتغه الله: أي اهلكه.

قال عليه السَّلام: وَقَدْ رامَ أمراً بِغَيْرِ الحَقِّ فَتَأَوّلُوا عَلَى الله فَأكْذَبَهُمْ.

يعني طلب قوم ولاية أمر بغير حقّ فأوّلوا القرآن، كقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم».

فقالوا: لمن نصبوهم من الأمراء: أنّهم أولو الأمر متحكّمين على الله، فأكذبهم بظلمهم، لأنّ الوالي من قبل الله تعالى لا يكون ظالماً، وتأوّل

وأوّل: بمعنى يروى، فتأوّلوا على الله: أي خلفوا وتحكموا على الله.

في الحديث: من يتألّ على الله يكذبه به، أي من يقسم بالله متحكماً على الله لم يصدقه، وخيّب مأموله.

ص: 262

(الكتاب - 50)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى أمرائِهِ عَلَى الجُيُوشِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَ لَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ.

يعني إذا كان للوالي فضل ونعمة وطول ولم تغيّره فضل ناله من الله، ولا طول خصّ به على رعيته كان ذلك حقاً ثابتاً لله تعالى عليه، يعني يعاشر الناس بعد نيل الفضل والطول.

يعني كان يعاشرهم قبل ذلك بلا تفاوت من التواضع لهم والرفق بهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَلَا وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَنْ لَا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي أمْرِ الحَرْبٍ.

لانّ افشاء السر الذي يتعلّق بأمور الحرب من تعيين وقت المسير اليها، وطريقها ووقتها وموضعها يضرّ الوالي والجيش، ويحدث من ذلك أنواع من الخلل، واستثنا الحكم لأنّ حفظ السر في أحكام الشرع من صاحب الحكم مما لا يضر الرعيّة والجيش، ولا يلزمه أن يشاور الناس في تنفيذ أحكام الشرع وأن يطلعهم على اسرارها.

(الكتاب - 51)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتابه إلى عُمَالِهِ عَلَى الخَراج: لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْيِ وَ الْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ، لَكَانَ فِي ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَا لَا عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ.

يعني لو لم يكن للظلم والعدوان عقاب، وكان في اجتنابهما ثواب عظيم، لما كان الإنسان معذوراً في ترك طلبه من حيث العقل.

ص: 263

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَسُفَرَاءُ الأَئِمَّةِ.

السفير: هو الرّسول، والمصلح بين القوم

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا تَحْسِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ.

أي ولا تقطعوا ويروى ولا تحشموا أي ولا تغضبوا ولا توذوا أحداً بدفعه عن حاجته.

قال عليه السلام: وَ أَبْلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَ عِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجَهْدِنَا.

أبلوا: أي اعطوا من قولهم: أبلاه الله بلاء حسناً: أي أعطاه الله عطاء حسناً، يقال: اصطنع فلان عند فلان صنيعه، وأن نشكره: أي لأن نشكره، ومحلّه النصب على أنه مفعول له.

(الكتاب - 52)

قال عليه السلام في كتاب إلى أُمراء البلاد في الصَّلوة: أَمَّا بَعْدُ، فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِثْلَ مَرْبِضِ الْعَنْزِ، وَ صَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ وَ الشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ.

تفيء: ترجع مقدار موضع ربوض العنز، بيضاء حية: اي لم يبد فيها أصفرار في عضو من النهار: أي في بعض كثير يسار فيها، أي في الشمس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَيَدْفَعُ الحاجُّ.

أي حين يفيض الحاجّ من عرفات، وذلك عند غروب الشمس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلا تَكُونُوا فَتّانِينَ.

أي بأطالة الصلوة، اذا صلّيتم بالناس جماعة، فأما اذا صليتم فرادى فأطيلوها اذا شئتم.

ص: 264

(عهد الاشتر - 53)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في عَهْد كتبه للأشتر النخعي.

الأشتر: الديك، وانما لقب به وصفاته بالشجاعة وتشبيهاً في لقط الرجال في الحرب بالديك في لقط الحبوب.

يقال: أنّ الطرمّاح دخل على معاوية فقال له: قل لابن أبي طالب أني جمعت من العساكر بعدد جاورش الكوفة، وها أنا اقصده، فقال له الطرمّاح: إنّ لعليّ - عليه السلام - ديكاً أشتر يلتقط جميع ذلك، فانكسر معاوية جبوة خراجها: أي أخذ خراجها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَدْ جَرَتْ عَلَيْها دُوَلٌ.

الدول: جمع دولة، وهي ما يتداوله الناس بينهم، مرّة يكون لهذا ومرة لهذا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا يَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ.

أي لا طاقة لك بعقوبته، وحذف النون من يدين للتخفيف وكثرة الاستعمال.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً.

أي لا تفرحنّ، والبادرة الحدة السقطة - الخطا عن الحدّة - والمندوحة: السعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ.

الدغل: الفساد والمنهكة: ما ينشأ منه الضعف، يقال: نهكه المرض: أي أضعفه وأضناه.

ص: 265

قالَ عَليهِ السَّلام: وأُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً.

الابهة والمخيلة: الكبر.

قالَ عَلَيهِ السلام: فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ.

يطامن: يسكن، والطماح مثل الجماح وطمح بصره الى الشيء: ارتفع، وغرب الفرس: حدّته وأول جريه، وغرب كل شيء حدّه.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ يَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ.

أي يرجع اليك بما بعد عنك من عقلك

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يُجْحِفُ بِرِضَى الخاصَّةِ.

أي يذهب، ومنه سيل حجاف: أي يذهب بكلّ شيء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَجِماعُ المُسْلِمِينَ.

وجماع الشيء: جمعه ومعظمه.

قالَ عَلَيهِ السلام: فَلْيَكُنْ صَغُوكَ لَهُم.

أي ميلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَشْنَاهُمْ عِنْدَكَ.

أي أبغضهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وتَغَابَ عَنْ كُلِّ ما لا يَصِحُ لَكَ.

أي تغافل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِثْلُ آصَارِهِمْ.

الآصار: جمع الاصراء، وهو الوزر والثقل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَحْنَى عَلَيْکَ عَطْفاً.

أحنى: أشفق، والعطف: الرحمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَحَفَلاتِكَ.

ص: 266

أي محافلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوکَ وَلاَ يَبْجَحُوکَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ.

يعني أدّبهم واجعلهم مرتاضين على أن لا يمدحوك ولا يسروك بباطل تركته.

وَمُنافَثَةَ الحُكَماءِ.

المنافثة: المجالسة من ثفئة البعير، وهو ما يقع على الأرض من اعضائه اذا استناخ وغلظ، كالركبتين وغيرهما.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَشُعبٌ مِنَ العُرْفِ.

أي المعروف، وهو الأحسان.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا يَتَفاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ.

أي ولا يعظنّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِم.

العطف: الشفقة، ومعنى عطفك هاهنا امهالك من قولهم: عطف العود فانعطف، ويقال للناقة: تعطف على التواء تجعل مائله إليه ومشفقة عليه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إلّا بحيطَتِهِمْ.

الحيطة: التعطف والتحنّن والاخذ بالشفقة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ما يُظْلِعُكَ مِنَ الخُطُوبِ.

يطلعك: يجوز أن يكون من ظلع البعير، وهو غمره في مشيه، ويجوز أن

يكون من ظلعت الأرض بأهلها: أي ضاقت بهم من كثرتهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تَمْحَكُهُ الحُصُومُ.

المحك: اللّجاج يقال: ما حكته فمحكته: أي غلبته باللّجاج، كما يقال: خاصمته فخصمته.

ص: 267

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ.

يعني لا تكون زلاته كثيرة مستمرة والحصر: العيّ، والفيء: الرجوع، يعني أن حكم بباطل ثم عرف الحقّ يرجع إلى الحقّ ولا يفييء به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ.

اي لا يستخفّه مدح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَا يُزِيحُ عِلَّتَهُ.

أي يزيلها ويبعدها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِيَأْمَنَ بِذَلِکَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ.

ويروى اغتياب الرجال، فالاغتيال أن تأخذه من حيث لا يدري، والاغتياب: من الغيبة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ.

المحاباة في الامر: الميل فيه والأثرة: الاسم من الاستنار بالشيء، وهو الاستبداد به، ويروى جماع من قول النبي - صلى الله عليه وآله - : الخمر جماع الاسم والأجماع جمع جمع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ.

أي اطلب وتحرّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَدْوَةٌ لَهُمْ.

أي بعث وحثّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وانْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ.

قال السيد الأجل المصنف زيد علوّه الشرب: النصيب من الماء والبالّة:

ص: 268

كناية عن الماء القليل قدر ما يبلّ به، يقال: لا تبلك عندي بالّة: أي تصيبك مني ندى ولا خير ويجوز أن يراد بالبالّة السحب البالّة والأمطار، وإحالة الأرض: تغيّرها عمّا كانت عليه واغتمرها أي علاها، وأجحف بها: أي أهلكها وذهب بها.

قالَ عَليه السّلام: مِنْ إجْمَامِكَ لَهُمْ.

أي ترفيهك واراحتك

قال عَليهِ السَّلام: مِنْ إعْوازِ أَهْلِها.

الاعواز: الفقر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ثُمَّ لاَ يَکُنِ اخْتِيَارُکَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِکَ وَاسْتِنَامَتِکَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْکَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ.

الفراسة: بالكسر الاسم، من قولك تفرست فيه خيراً، والاستنامة: السكون، والمراد بالرّجال: الأجلاد الكفاة تعرفت ما عند فلان: أي تطلب حتى عرفت، والصّنع: التكلّف والحسن: السمت والطريقة فلا ينبغي للوالي أن يتغيّر بذلك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَتَعَابَيْتَ.

أي تغافلت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ.

أي استوص نفسك، وأوصي واستوصي للنفس، ومفعولا استوص محذوفان، والتقدير: استوص نفسك خيراً، وفي الحديث: «استوصوا بالنساء فانهنّ عوان عندكم خيراً»: أي استوصوا أنفسكم.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ.

يعني المسافر بماله والاضطراب: افتعال من الضرب يقال: ضرب في

ص: 269

الأرض اذا سار والرفق باليد: الانتفاع بعمل اليد، ويروى بيديه، وهو ان يوجر نفسه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ.

وصف التجار بالسلم والصلح على وجه المبالغة، كأنّهم نفس السلم والصلح، أو على تقديرا ولو سلم، والبائقة: الداهية، والغائلة: الشر والحقد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَاحْتِكاراً للمَنافِعِ.

أي محبساً للطعام، نحو الحنطة والشعير والتمر والزبيب وغيره وتحبسونها لأجل غلاء أثمانها.

قال عَلَيهِ السَّلام: فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَةً بَعْدَ نَهْيِکَ إِيَّاهُ فَنَکِّلْ بِهِ.

قارف فلان الخطيئة: أي خالطها والحكرة تربّص الغلا، فنكل: أي أجعله نكالاً وعبرة لغيره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى.

البؤسى: ضدّ النعمى، يعني ذوي البؤسى، والزمنى: جمع زمن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً.

القانع: السائل، والمعترّ: الذي يعرض ولا يسأل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الاِسْلاَمِ.

الصوافي: جمع صافية، وهي أرض الغنيمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بِتَضْيِيعِ التَّافِهَ.

أي الشيء الحقير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تُشْخِصْ هَمَّکَ عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّکَ مِنَ

الكبر لَهُمْ.

يعني لا تغيب همّك عنهم، ولا تمل خدّك من الكبر لهم.

ص: 270

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ، وَتَحْقِرُهُ.

اقتحمته عيني: ازدرته وحقّرته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَفَرِّغْ لاُولَئِکَ ثِقَتَکَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ.

يعني من تثق به من أهل خشية الله تعالى.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بِالاِْعْذَارِ إِلَى اللهِ سُبْحانَهُ.

أي بإقامة العذر.

قالَ عَليه السلام: وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ.

أي الشيوخ الذين بلغوا غاية يرقّ لهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَصَبَّرُوا انْفَسَهُم.

أي حبسوها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: غَيْرَ مُتَتَعْتِع.

التعتعة في الكلام: التردّد فيه من حصر أو عيّ، متعتع روي بكسر التاء وفتحها، فالكسر، من تعتع في الكلام، والفتح، من تعتعت الرجل: أي أقلعته.

قالَ عَليهِ السَّلام: ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ، وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَالاَنَفَ.

الخرق: ضد الرفق، والغيّ: الجهل، ويروى العيّ، وهو العجز، والمراد بالضيق: البخل، والأنف: الانفة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ.

أي استبداد.

قال عليه السلام: فَاحْسِمْ مادَّةَ أُولئِكَ.

أي فاقطع.

قال عليه السَّلام: وَحامَّتِكَ.

ص: 271

أي أقربائك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ.

أي قارب بالصلح ليهتبل الغفلة.

قال عليه السلام: لِمَا اسْتَوْبَلُوا.

أي استقلّوا، واستوبلت البلد: استوخته.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلاَ تَخِيسَنَّ بِعَهْدِکَ.

يقال: خاس بعهده: اذا نكث.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إلى مَنَعَتِهِ.

يقال: فلان في عزّ ومنعة: بالتحريك، وقد يسكن ويقال: المنعة: جمع مانع، مثل كافر وكفرة: أي هو في عزّ ومن يمنعه من عشيرته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلا إدْغال ولا مُدَالَسَةً.

أي فلا إفساد ولا مخادعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْل.

أي لا تعتمد على العدول عن الصواب.

قالَ عَليهِ السَّلام: لا تَسْتَقِيلُ فيها دُنْياكَ.

أي لا تستقيلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنْ أَفْرَطَ عَلَيْكَ.

أي جاوز الحدّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنَّ في الوَكَزَةِ.

الوكزة: مجمع الكف على الذقن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِکَ نَخْوَةُ سُلْطَانِکَ.

أي لا يحمنّ بك ولا يمنعك إن جرى على يدك قتل خطأ من إعطاء الدية.

ص: 272

قال عليه السلام: حُبِّ الإطْراءِ.

أي المدح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِيَمْحَقَ.

أي يهلك ويبطل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا کَانَ مِنْ فِعْلِکَ.

التزيّد في الحديث: الكذب.

قال عَليهِ السَّلام: أو التّساقُطَ فيها.

أي التثبط.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَإِيَّاکَ وَالاِسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْکَ لِغَيْرِکَ.

يريد التحذير عن الاستبداد بما الناس في استحقاقه متساوون، وعن التغابي: أي التغافل عما يغنى به: أي عمّا وجبت عليك عنايتك به، وتعيّنت لها، وترى كلّ عين وجوبها عليك لغيرك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَمْلِكْ حَمِيَّةَ انْفِكَ.

يقال: حميت عن كذا حمية: اذا انفت منه، ويقال: فلان احمى أنفاً

وامنع دماراً.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَغَرْبَ لِسانِكَ.

أي حدّته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بكَفِّ البادِرَةِ.

البادرة: الحدّة والسفطة.

ص: 273

(الكتاب - 55)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتاب إلى مُعاویَةَ: وَ قَدِ ابْتَلَانِي اللَّهُ بِكَ وَ ابْتَلَاكَ بِي، فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ؛ فَعَدَوْتَ عَلَى [طَلَبِ] الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ.

يعني ابتلاني بأن احاربك في مخالفة ما هو واجب عليك، وابتلاك بي كما ابتلى ابليس بآدم وجعل طاعتي واجبة عليك، فعدوت: أي تجاوزت الحد على طلب الدنيا: أي حرصاً على طلب الدنيا، وتجاوزت الحد بأن تأوّلت القرآن متقوياً به في طلب الدنيا، ويريد بذلك قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى» فأوهم معاوية الشاميين أنه يحق عليه أن يطلب دم عثمان والقصاص به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام:وَ أَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ قَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ.

أي جمع عليّ وحرض عالمكم بحالي وفضيلتي، وجاهلكم حثّ من قام بمعاد، أتى من قعد عنها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ نَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ.

أي خذ منه حبلك، والقياد: الحبل الذي يقاد به الدابة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الْأَصْلَ وَ تَقْطَعُ الدَّابِرَ.

القارعة: البلية الشديدة التي تقلع الأصل، ويقطع الدابر: اي العقب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَةٍ.

أي أحلف بالله حلفاً صدقاً، واليمين الفاجرة: المائلة عن الصدق.

قال عَلَيهِ السَّلام: لا أزالُ بِباحَتكَ.

الباحة: ساحة الدار.

ص: 274

(الكتاب - 56)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كَلامِ وَصَى بِهِ شُرَيْحَ بن هاني ءٍ: وَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً.

النزوة: الوثبة، والحفيظة: الغضب والحميّة، والواقم: أشدّ الرد.

(الكتاب - 57)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتابٍ إلَى أَهْلِ الكُوفَةِ: وَ أَنَا أُذَكِّرُ اللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي.

أي أني بالله من أتاه كتابي إلّا أتى على عجلة نحوي.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إسْتَعْتَبَني.

أي طلب مني العتبى، وهي الرجوع.

(الكتاب - 58)

قالَ عَليهِ السَّلام في كتاب إلى أهل الأنصارِ: حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَ حَمِشَتْ.

التهبت غضباً.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: ضَرَّسَتْنا.

التضريس: مبالغة الضرس، وهو العضّ، ويقال: ضرسهم الزمان: أي اشتدّ حربهم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْهَلَكَةِ.

ص: 275

أي نحّاه، ويروى أنقذه الله، وكلاهما بمعنى واحد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ.

الركس: ردّ الشيء مقلوباً، ومن تمادى في الغي وترك القصد، يكون جاعلاً الأمر مقلوباً، فيكون راكساً، وران الطبع والدنس، وران الله على قلبه: أي غلب عليه بالخذلان حتّى سودته الذنوب، والمراد بدائرة السوء: البلية الدائرة عليهم.

(الكتاب - 59)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى الأسود بن قُطْبَةِ والي حُلُوانَ: فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ.

يعني إنّ الذي يَصِلُ إِلَيْكَ من الثواب بسبب حفظ نفسك و الاحتساب للأجر على العدل أفضل مما يصل بسبب عدلك من الأمن والرفاهيّة الى الرعيّة.

(الكتاب - 60)

قال عليه السّلام في كتاب إلى العُمّالِ الَّذِينَ يَطأ الجيش عَمَلَهُمْ:

وَصَرْفِ الشَّدَى.

أي الشر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ إِلَّا مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ لَا يَجِدُ مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ؛ فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ.

المعنى إنّي بريء من معرة يلحقكم الجيش وغير راض بها، إلّا من جوعة المضطر الذي لا يجد إلى سدّ جوعه طريقاً، فمن باشر ظلماً من الجيش، فاجعلوه

ص: 276

نكالاً وعبرة جزاء عن ظلمهم.

فقوله عليه السلام: تناول: مسند الى من بمعنى الواحد، والضمير في ظلمهم يرجع أيضاً الى من بمعنى الجمع.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ أَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ.

يقال: هو نازل بين ظهرانيهم، وبين أظهرهم: أي بينهم.

(الكتاب - 61)

قال عليه السَّلام في كِتابٍ إلى كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلى هِيْتٍ: وَرَأَيٌ مُتَبَّرٌ.

أي مهلك.

قال عليه السلام: لَرَأْيٌ شَعَاعٌ.

أي متفرق.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَلَا سَادَّ تُغْرَةٍ.

أي ثلمة.

(الكتاب - 62)

قال عليه السَّلام في كتابٍ إلى أَهْلِ مصْر مَعَ مالك الأَشْتَرِ لما وَلَاهُ إمارَتَها: وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ.

أي رقيباً وشاهداً، المهيمن: أصله ما آمن لانّ أصل من اءمن بهمزتين ليّنت الثانية، وكذلك في ما آمن ليّنت الثانية، وقلبت ياء الأولى هاء كما قالوا: هرقت وارقت واياك وهياك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ.

ما خوّفنى إلا انصباب الناس.

ص: 277

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى رَأَيْتُ راجِعَةَ النّاسِ.

يعني أهل الردّة.

قال عَليهِ السَّلام: يَدْعُونَ إلى مَحْقٍ دِينِ مُحْمَّدٍ - صَلَّى الله عليه

وآلِه - .

أي ابطاله ومحوه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَوْ كَما يَنفَشَّعُ السَّحابُ.

أي ينكشف ويتفرق.

قال عَليهِ السَّلام: حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اطْمَأَنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ.

زاح الباطل: أي ذهب، وزهق أي اضمحلّ وزال، واطمأنّ: سكن وتنهنه: كفّ: أي الباطل ويقال: نهنهته فتنهنه: أي كلفته فكف.

قالَ عَليهِ السَّلام: إِنِّي وَ اللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً طِلَاعُ الْأَرْضِ مَا بَالَيْتُ وَ لَا اسْتَوْحَشْتُ.

أقسم أنّه لو لقيهم لو لقيهم منفرداً وهم ملأ الأرض لما بالالهم ولا وجد في نفسه وحشة وحزناً من القتل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَعَلى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي.

أي على استبصار وعلم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا وَ عِبَادَهُ خَوَلًا وَ الصَّالِحِينَ حَرْباً وَ الْفَاسِقِينَ حِزْباً؛ فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ وَ جُلِدَ حَدّاً فِي الْإِسْلَامِ، وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ؛ فَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَ تَأْنِيبَكُمْ.

الدول: جمع دولة، وهي يستعمل في المال يقال: صار الفيء دولة بينهم يتداولونه، يكون مرّة لهذا ومرّة لهذا، وخولاً: خدماً، وهذا من الحديث الذي رواه أبوذر حتى أمر عثمان معاوية بأشخاصه اليه من الشام على أغلظ المراكب

ص: 278

وأوعرها، عمله معاوية على شارف من الابل بغير وطاء، وبعث معه دليلاً عنيفاً يعنف عليه السير حتى قدم المدينة.

فلمّا دخل على عثمان قال: لا أنعم الله بك عيناً يا جنيدب، وفي هذه القصة طويل وهي مذكورة في التواريخ.

قال أبوذر: لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهو يقول: اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دغلاً ثم يريح الله العباد منهم.

فقال عثمان لمن بحضرته: أسمعتم هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - فقالوا: ما سمعناه فقال: عثمان ادعوا علي بن أبي طالب عليه السلام - فدعي، فلما جلس قال عثمان: لأبي ذر اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص، فاعاد ابوذر الحديث، فقال عثمان: يا أبا الحسن هل سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم.

فقال - عليه السلام - : لم اسمع هذا ولكن قد صدق أبوذر فقال عثمان: وبماذا صدقته، فقال - عليه السلام - بحديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلّم - : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أحداً أصدق لهجة من أبي ذر - رضي عنه»، فقال جميع من حضر من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - : صدق أبوذر - رضي الله عنه - ، والحرب: العدو والحرب المجتمعه.

الذي شرب الحرام المغيرة بن شعبة لما شرب الخمر في عهد عمرو كان والياً من قبله، فصلّى بالناس سكران وزاد في الركعات، فشهدوا عليه وجلد الحد، وقيل: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان ولي الكوفة من قبل عثمان، فخرج الى صلوة الفجر سكران، فصلّاها أربعة ثم اقبل على الناس وقال: هل ازيدكم.

فقال عتاب بن عيلان الثقفي: لا بارك الله لك أيّ شيء تزيد، ما نرى

ص: 279

الا من أمير المؤمنين إذ يؤمر علينا مثل هذا المفسد، وانهى ذلك الى عثمان فعزله، وأراد الناس ان يقيموا الحدّ، وكان عثمان لا يأذن، فبعث عليّ الحسن

- عليه السلام - حتى دخل المجلس وأقام على الحد.

من لم يسلم قيل: هو عمرو بن العاص، والرضخة: شيء قابل يرمى على سبيل الرشوة إلى من يرضى لامر ويدخل فيه، والرضخ: إعطاء الشيء القليل، والتأليب: الجمع، والتأنيب: اللوم الشديد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَتَنْفَروا بِالْخَسْفِ.

أي بالذلّ والمشقة، ويروى فتقروا: أي تقبلّوا الخسف لأنّ من أقرّ بالشيء فقد قبله.

(الكتاب - 63)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتابٍ إلى أبي مُوسَى الاشْعَريّ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ.

أي قلته لأجل نفسك لا للدّين، ومضرّته عليك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ.

حفّ القوم: استقلوا ونهضوا ويروى حققت يقال: حقّقت الأمر: أي تحققته وتيقنته، وتفشلت: جنبت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَا تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ، وَ حَتَّى تُعْجَلَ عَنْ قِعْدَتِكَ وَ تَحْذَرَ مِنْ لَحَامِكَ.

أي يأتيك ما تكرهه من أمامك ومن خلفك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَا.

والهوينا: تصغير الهون، تأنيث الأهون: أي ما هذه الحالة بالهيئة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ لَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُ

ص: 280

صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا.

الداهية الكبرى: المصيبة والعظيمة الشديدة، وركوب جملها: استعارة للشدّة والصعوبة، لأنّ الجمل إذا ركب كان له ذلك أشد البلاء، لأنّه يقطع به ويمنع عنه العلف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاعْقِلْ عَقْلَكَ.

أي احبس عقلك بالعقال احفظه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ؛ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ.

يعني أن تكفي هذا الأمر ولا يؤبه بك ولا يذكر اسمك، وإنه لحق: أي إنه الذي ذكرته في شأنك حقّ تاتيك، مع محقّ: يعني نفسه.

(الكتاب - 64)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى مُعاوية جواباً: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْأُلْفَةِ وَ الْجَمَاعَةِ.

كتب معاوية إلى علي - عليه السلام - كتاباً يذكر في كون آبائهما جميعاً يداً واحدة وأنّ الفتهم كانت مستمرة، فأجابه بأنّ الأمر كان على ما زعمت قبل أن بعث الله تعالى محمداً - صلّى الله عليه وآله - فلها بعثه الله آمنا به وحسدتموه وكفرتم به واستقمنا على الايمان وما اسلم مسلمكم الا كرهاً يعني ابا سفيان.

ذلك أنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - في غزوة الفتح نزل مرّ الظهران ولقيه العباس بالسقيا، وخرج أبو سفيان من مكة ومعه حكيم بن حزام، وكان العباس يقول: يا صباح قريش! والله لئن بعثها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - في بلادها، فدخل مكة عنوة أنه لهلاك قريش آخر الدهر،

ص: 281

فركب بغلة رسول الله - صلى الله عليه وآله - وقال: اخرج الى الأراك لعلي أرى خطاباً أو صاحب لبن أو داخلاً يدخل مكّة ليخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - فياتونه فيستأمنونه، قال: فوالله إني لأطوف في الاراك التمس ما خرجت له، اذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاً، وقد خرجوا يتجسسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - فقلت: يا ابا حنظلة فقال: يا ابا الفضل نعم! فقال: لبيك فداك أبي وامي، فها وراك.

فقلت: هذا رسول الله قد دلف إليكم بما لا قبل لكم بعشرة آلاف من المسلمين قال: فما تأمرني فقلت: تركب عجز هذه البغلة، فاستأمن لك رسول الله - صلى الله عليه وآله - والله لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك، فاردفني فاركض نحو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - ، فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ونظروا اليّ قالوا: عمّ رسول الله على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وآله - حتى مررت بنار عمر بن الخطاب.

فقال عمر: الحمد لله الذي امكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم اشتدّ نحو رسول الله - صلى الله عليه وآله - وركضت البغلة حتى اقتحمت على باب القبّة وسبقت عمر لا يسبق به الدابة البطيئة كالرجل البطيء، فدخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني أضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله قد أجرته، ثم جلست إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وآله - فأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه اليوم احد دوني.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم - : اذهب فقد أمناه حتى تغدوبه عليّ بالغداة، فرجع به إلى منزله، فلمّا أصبح غدا به على رسول الله - صلى الله عليه وآله - فلمّا رآه قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم

ص: 282

أن لا الله الّا الله فقال: بأبي انت وامي ما أوصلك وأحلمك واكرمك، لقد ظننت أن لو كان الله مع الله غيره لأغنى شيئاً فقال: ويحك يا أبا سفيان ألم يان لك أن تعلم أني رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال: بأبي أنت وامّي، امّا هذه فان في النفس منها شيئاً.

قال العباس - رضي الله عنه - فقلت له: ويلك تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك، فتشهد، قال السيد الأجلّ المصنف زيد علوّه: وأي شيء اظهر من كراهيته للاسلام في هذا الاسلام.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) حِزْباً.

يريد بأنف الاسلام: المهاجرين والأنصار، وهذا دليل آخر على كراهيته في الاسلام حين رأى اكثر من عشرة آلاف رجل حول رسول الله - صلى الله

عليه وآله.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ شَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ وَ نَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ.

شردت: طردت، والمصران: البصرة والكوفة.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ قَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ؛ فَإِنْ كَانَ فِيكَ فِيهِ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ.

كذّب - عليه السلام - معاوية وتلبيسه على الشاميين بأنّ رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال: لا هجرة بعد الفتح، وأنّ معاوية أظهر الاسلام بعد الفتح بستة اشهر واكثر، واسر اخوه يزيد بن أبي سفيان بعد الفتح حين تجمع معه الأحابيش، وحارب خالد بن الوليد في أسفل مكة، فاسترفه: أي اطلب الرفاهية وتانّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ.

ص: 283

أي إنّما بعثني الله للانتقام منك، والحاق العقوبة بك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَإِنْ تَزُرْني وكّما قالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ:

مُسْتَقْبِلِيْنَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُم *** بحاصِبٍ بَيْنَ اغوارٍ وَجُلْمُودٍ

شبّه - عليه السلام - حاله في توجهه اليه بحال قوم مسافرين وقعوا في أرض منخفضة ذوات حجارة مستقبلين لرياح الصيف، اذ الريح في الصيف تكون أشدّ هبوباً، والحاصب: الريح الشديدة التي ينثر الحصباء، والجلمود: الصخر.

قال عليه السَّلام: وَ عِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وَ خَالِكَ وَ أَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ. [فَإِنَّكَ] وَ إِنَّكَ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ الْأَغْلَفُ الْقَلْبِ الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ.

أعضضته: أي جعلته عاضاً وجدّه: عتبه من قبل الأم، وخاله: الوليد

بن عتبه، وأخوه: حنظلة، وما في قوله - عليه السلام - : ما علمت موصولة، يعني وانك والله الذي علمت والمراد جعله من قبيل ما لا يعقل، وقلب اغلف: كأنه في غلاف، فلا يعي شيئاً، والشيء المقارب: هو الوسط بين

الجيّد والرديء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَما أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ.

أي تقول: أني مسلم وفعلك ليس من أفعال المسلمين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَمْ تُماشِها الهُوَيْنا.

الهوينا: هاهنا من الهون، وهو السكينة، والوقار، يمدح السيوف بأنها لم تصاحبها سكينة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ثُمَّ حاكِمِ القَوْمَ إِلَيّ.

أي خاصم.

قال عليه السَّلام: وَأمَّا تِلْكَ الَّتي تُرِيدُ فَإِنَّها خُدْعَةُ الصَّبِي عَنِ اللّبَنِ.

ص: 284

يعني بتلك الخصلة التي كان يطلبها معاوية منه، وكان يطلب اليه أن يتركه والياً على الشام، كما ولّاه عثمان ومن قبله، ثم يبايعه، وقال عليه السلام: أنّها خدعة منه كما يخدع الصبي، اذا فطم، فيعلل بشيء يأكله أو يلعب به.

(الكتاب - 65)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إليه أيضاً: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعُ بِاللَّمْحِ الباصِرِ مِنْ عِنانِ الأمُورِ.

كان معاوية يقول له: لك العراق ولي الشام، فأجابه بهذا، اللمح الباصر: النظر بتحديق شديد، والباصر: بمعنى ذي البصر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ بِادِّعَائِكَ الْأَبَاطِيلَ وَ اقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَ الْأَكَاذِيبِ وَ بِانْتِحَالِكَ مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ وَ ابْتِزَازِكَ لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ دُونَكَ.

المدارج: المذاهب والمسالك، واقحامك: أي بأدخالك النفس في غرور الكذب والانتحال: ادعاء ما ليس لك، وابتزازك: أي استلابك مال الله الذي جعل محروماً عنك، يعني منعت عنه.

قالَ عَليهِ السَّلام: فِراراً مِنَ الحَقِّ، وَجُحوداً لِما هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ، مِمّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُكَ، وَمُلِيءَ بِهِ صَدْرُكَ.

يعني يفعل ما تفعل لأجل الفرار من الحقّ والانكار لما هو الزم لك من لحمك لثباته واستقراره في نفسك، وهو ما سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وآله - يوم غدير خمّ بأن هذا الأمر لي وقوله عليه السلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَ اشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا، فَإِنَّ

ص: 285

الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا

اللبس: الخلط، وأغدفت: ارخت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَ قَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ مِنَ الْقَوْلِ، ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ وَ أَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا مِنْكَ عِلْمٌ وَ لَا حِلْمٌ؛ أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ وَ الْخَابِطِ فِي الدِّيمَاسِ وَ تَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ الْمَرَامِ نَازِحَةِ الْأَعْلَامِ، تَقْصُرُ دُونَهَا الْأَنُوقُ وَ يُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ.

الأفانين: الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه والسلم الصلح، والأساطير: الأباطيل، والحوك: النسج، والدّهاس: المكان السهل اللّين لا يبلغ أن يكون رملاً وليس هو بتراب ولا طين، والخابط: الذي يضرب بيده على الأرض اذا مشى، والديماس: السرب والقبر والمرقبة: الموضع المشرف يعلوه الرقيب، والمرام: المطلب: والنازحة: البعيدة، والأنوق: الرخمة، وهو طير يكون وكره على الأماكن الصعبة من رؤوس الجبال، والعيوق: كوكب أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن، يتلو الثريا لا يتقدمها.

(الكتاب - 67)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتاب إلى قُثَمَ بنِ العَبّاسِ - رضي الله عَنْهُما - وهُوَ عامِلُهُ عَلى مكّةَ - حماها الله تعالى - :

أَمَّا بَعْدُ، أَمَّا بَعْدُ، فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ "وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ" وَ اجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ.

إقامة الحجّ للناس: أن يقوم هو بأفعال الحج ويتبعه الناس فيها، ويتعلّمها من لا تعلّمها وأيام الله: أيام طاعاته وأيام عقوباته في الامم الماضية، والعصران: الغداة والعشي.

ص: 286

(الكتاب - 69)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتابٍ الى الحارِثِ الهَمَداني: وتَمَسَّكُ بِحَبْلِ القُرآنِ وَاسْتَنصِحْهُ.

أي اقبل نصيحته.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَ كُلُّهَا حَائِلٌ.

أي زائل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تَتَمَنَّ المَوْتَ إِلَّا بِشَرْط وَثيقٍ.

يعني: إلّا أن تثق من أعمالك بما هو يكون سبباً لنجاتك وحسن عاقبتك في الآخرة.

قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - : لا يتمن أحدكم الموت، فان كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وأمتني ما كانت الوفات خيراً لي.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَلَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنبالِ القَوْلِ.

العرض: النفس، والغرض: الهدف.

قالَ عَلَيهِ السّلام: وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ المُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ.

أي خيرهم من تقدم نفسه وأهله وماله في الحروب حفظاً للدين ووقاية للمسلمين.

قال علیه السلام: وَ احْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ.

الصاحبة: مصدر صحبة، و یفیل رأیة: أي یضعف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَعارِيضُ الفِتَنِ.

ص: 287

المعاريض: التورية بالشيء عن الشيء.

قال عليه السّلام: إلّا فاصِلاً في سَبِيلِ اللهِ.

أي مهاجراً.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَخادِعْ نَفْسَكَ في العِبادَةِ.

أي اخدعها عن اتباع الشهوات واشغلها بالعبادة بترغّبها وحسن عواقبها وطيب ثمراتها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَخُذْ عَفْوَها.

أي سهّلها، يعني لا تكرهها ولا تضيق عليها، وخذ منها ما تنشط له ويسهل عليها.

(الكتاب - 70)

قال عليه السلام في كتاب إلى سَهلِ بنِ حُنيفٍ، وَهُوَ عامِلُهُ عَلى المَدِينَةِ في قَوْمٍ لَحِقُوا بِمُعاوِيَةَ.

يَتَسلَّلُونَ إلى مُعاوِيَةَ.

أي يذهبون اليه في خفية وسرقة

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَإيضاعُهُمْ إلى العَمى.

أي اسراعهم.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَمُهْطِعُونَ إلَيْها.

أي مسرعون.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَهَرَبُوا إِلَى الأَثَرَةِ.

الاثرة: الإسم من إستأثر بالشيء: اذا استبدّ به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَسُحْقاً.

أي بعداً.

ص: 288

(الكتاب - 71)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتابٍ إلى المُنْذِرِ بْنِ الجارُودِ العَبْدي:

لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ.

المراد به الزّلة والحقارة، لأن جمل الأهل هو الجمل الذي يكون ميراثاً للقبيلة من أبيهم يستعمله كلّ أحد في حاجته، والشسع: واحد شسوع النعل التي يشد الى زمامها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في المنْذِرِ: تفّال في شِراكَيه.

التفل: الرمي بالبزاق، والشراك: السير الذي يكون على ظهر القدم، يعني تتفّل في شراكي نعله: اذا تغير كراهة لهما، يريد بذلك بيان رعونته، ويجوز أن يكون المراد أنه اذا ركب شراكيه الغبار تقل فيهما ليذهب عنها الغبار.

(الكتاب - 73)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كِتاب إلى مُعاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ وَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَ مُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي؛ وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ وَ تُرَاجِعُنِي السُّطُورَ كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلَامُهُ وَ الْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ.

يريد أني أضعف رأيي وأخطأ صدق ظنّي وحسنه في اشتغالي بجواب كتابك، اذ لم أجعل جوابك السكوت، ثم شبه معاوية في ما بطئت منه من الأمور ويراجعه فيها بالكتب بمن استثقل في نومه، فيرى أحلاماً كاذبة وينهضه تثقله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي نَوَازِعُ: تَقْرَعُ الْعَظْمَ،

ص: 289

وَ تَهْلِسُ اللَّحْمَ. وَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ وَ تَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحِكَ.

النوازع: الخصومات في الحقّ، يقال: بينهم نزاعة: أي خصومة في حقّ، ويجوز أن يكون بمعنى القوالع من انتزعت الشيء: اذا قلعته من أصله، والهلس: اللّحس، وهلسه المرض: أي أضناه وأذهب لحمه، وثبّطك: أي بطائك، وتأذن أي: تسمع.

(الكتاب - 77)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في وصيّةٍ لِعَبْدِ الله بن العبّاس - رضي الله عنهما - حَيْنَ بعثه لِلإحْتِجاج على الخَوارجِ:

لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ، تَقُولُ وَ يَقُولُونَ؛ وَ لَكِنْ حَاجِّهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً.

یرید أنّ القرآن محتمل التأويل يمكن أن يفسره كل أحد بوجه من التأويل، فأنت تقول وهم يقولون، ولكن حاجّهم بنصوص رسول الله - صلى الله عليه وآله - لأنه اظهر في إبطال مذهبهم، ومحيصاً: أي معدلاً.

(الكتاب - 78)

قالَ عَلَيهِ السَّلام في كتابٍ إلى أبي مُوسَى الاشْعَري: وَإنّي لأَعْبَدُ.

العبد: الغضب والأنف.

ص: 290

باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام

قال عليه السَّلام: كُنْ فِي الفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لا ظَهْرُ فَيُرْكَبَ، وَلَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ.

أبن اللبون: ولد الناقة اذا استكمل السنتين، ودخل في الثالة لأنّ امّه وضعت ولداً غيره فصار لها لبن، وهو نكرة يعرف بالألف واللام، يعني كن في الفتنة مستضعفاً غير جامع للمال، بحيث لا يطمع فيك لأجل قوتك ولا في مالك لقلته، كابن اللبون، فانه ليس ظهر فيركب ولا لبن فيحلب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ، وَ رَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ، وَ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَه.

أزرى بنفسه: أي تهاون بها من جعل الطمع شعاراً لها، والشعار: من الثياب ما يمسّ الجسد، ومن كشف ضرّه: أي سوء حاله للناس، ذلّ في أعينهم، ومن جعل لسانه أميراً على نفسه بحديث لا يقدر نفسه على ضبط لسانه، حتّى يقول ما يشتهيه، ويؤذي النّاس ما يبق لهم عندهم قدر، وربّما آذوه كما آذاهم، وفيه ما لا يخفى من الهون.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: العَجْرُ افَةُ.

يعني من عجز عن حفظ نفسه ومنعها عن اتباع الشهوات، وعن كسب المال من وجهه، فقد لحقته الافة.

ص: 291

قالَ عَلَيهِ السَّلام: المُسالَمَةُ خَبْءُ العُيُوبِ.

يعني اذا وقعت المصالحة بين الناس تبقى عيوبهم مستورة، لأنّه لا يذكر بعضهم عيب بعض.

قال عليه السَّلام: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى قَوْمٍ أَعَارَتْهُمْ مَحَاسِنَ غَيْرِهِمْ وَ إِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُمْ سَلَبَتْهُمْ مَحَاسِنَ أَنْفُسِهِمْ.

يعني أنّ الانسان إذا غنى قويت نفسه وزكّا عقله، فيحسن من الأفعال ما لم يكن يحسنه من قبل، وكان يحسنه غيره، واذا أدبرت عنهم ضعفت قواهم، وخمدت نارهم، فلا يأتون إلّا بما يذمّ ويستقبح، ويجوز أن يكون المراد أنّ الأغنياء لحرمتهم ووقعهم في عيون الناس، وقلوبهم، ولتعلّق الأطماع بهم يضاف وينسب إليهم الأفعال المحمودة التي لم يفعلوها بل فعلها غيرهم، وفي الفقراء بالخلاف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ما كُلُّ مَفْتُونِ يُعانَبْ.

يعني من أوقع نفسه في فتنة باختياره، فهو يلام ويعاتب، والا فلا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في الأحنَفِ بْنِ قَيْس والزَّبير وَمَنْ تابَعَها: خَذَلوا الحَقَّ وَلَمْ يَنْصُرُوا الباطِلَ.

يعني خالفوه، ولم ينصروا أصحاب الجمل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَنا حَقٌّ فَإِنْ أَعْطِيْناهُ وَإِلّا رَكِبْنا أَعْجَازَ الإبِلِ.

يعني ان منعنا حقنا تحملنا المشقة، وصبرنا عليها.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: مَنْ أَبْطَأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ حَسَبُهُ.

أي من لم يكن أفعاله حسنة، لم ينفعه شرف آبائه.

قالَ عَلَيهِ السّلام: ما أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلَّا ظَهَرَ فِي فَلَتاتِ لِسانِهِ، وَصَفَحاتِ وَجْهِهِ.

أي في سقطات لسانه وما يجرى عليه فجأة من غير رؤية، وصفحة الوجه:

ص: 292

بشرته.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إمْشِ بِدائِكَ ما مَشى بِكَ.

يعني ما لم يقعدك الداء ولم يعجزك عن المشي، فامش وتجلّد لانّ في ذلك إعانة للقوة وتقوية للطبيعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في بيانِ الإيمانِ: فالصَّبْرُ مِنْها عَلى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى

الشَّوْقِ وَالشَّفَقِ وَالزُّهْدِ والتَّرقَب.

يعني أنّ الشوق إلى ما وعد الله الابرار والشفق: الخوف، الترقب: الانتظار.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الفِطْنَةِ، تَبَيَّنَتْ لَهُ الحِكْمَه.

الفطنة: ذكاء الفهم، والمراد بالتبصّر: تعلّم العلوم والتفكر فيها واكتسابها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: عَلى غائِصِ الفَهْمِ، وَغَيْرِ العِلْمِ، وَزُهْرَةِ الحُكْمِ.

الفهم الغائص: هو الّذي يغوص في بحر الحكم، حتى يظفر بدرر المعاني، وغور العلم: عمقه وقعره والزهرة: النضارة والحسن، وزهر النبات، نوره، والمراد بالحكم: الحكمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالكُفْرُ عَلى أَرْبَعِ دَعائِمَ: عَلَى التَّعَمُّقِ، وَالتَّنازُع، وَالزَّيْغِ، وَ الشِّقاقِ.

التعمق في الكلام: التقعر فيه والتعسف، والتنازع: التخاصم، والزيغ:

الميل، والشقاق: المعادات والمخاصمة الشديدة.

قال عَلَيهِ السَّلام: فاعِلُ الخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ.

يعني الخير خير من الخير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيا بِجَمَّاتِها عَلى المُنافِقِ.

أي بجمعتها، والجمّ: الكثير، والجمّة: المكان الذي يجتمع فيه ماؤه.

ص: 293

قالَ عَليهِ السَّلام: احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ، وَ اللَّئِيمِ إِذَا شَبَعَ.

عزة نفس الكريم ما عليه أن يحتمل الأذى، فيستولي عليه حدّة الغضب لانّ الكريم لا يعتاد الجوع، فيغلب على مزاجه الحرارة إذا جاع، واللّئيم: يعتاد الجوع لخسته وبخله، فاذا شبع استولى عليه البطر.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: عَيْبُكَ مَسْتُورٌ ما أَسْعَدَكَ جَدُّكَ.

مساعدة الجد تمنع المر عن فعل القبيح، فيبقى عيبه مستوراً أو لا يذكر عيبه لاقباله ومساعدة جدّة، ألا ترى أنّ الملوك وأكابر الناس لا تذكر عيوبهم وان كثرت وعظمت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَحِيَاءٌ وَتَذَهُّمٌ.

التذمم: الاستنكاف.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: المَرْأَة عَقْرَبٌ حُلْوَة اللّبْسَةِ.

أي اللدغة، والمراد انّ صحبة النساء لذيذة ولكنها مضرة، لان مباشرتهن تنقص مادة الحياة وتحلل الروح.

عَنْ خَبَر ضَرَار: وَاللَّيْلُ أَرْخَى سُدُولَهُ.

السدول: جمع سدل، وهو ما أسيل على الهودج.

مِنْهُ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّليم.

يقال: فلان يتململ على الفراش: ذا لم يستقر من الوجع، والسليم: اللّديغ.

عَنْهُ: إِليكَ عَنِّي، أَبي تَعَرَّضْتِ؟ إِلَيَّ نَشَوَّفْتِ؟ لا حانَ حِيتُكِ.

قوله عليه السلام: اليك يتعلّق بفعل مضمر، وكذلك عنّي، وتقديره: ارجعي عنّي إليك، لانّ من ردّ غيره عن نفسه ويئس المردود منه، يرجع عنه إلى نفسه.

ص: 294

أبي تَعرَّضْتِ: أي أتصدّيت بسسي (1) لتغمزنّ بي الشوق التطلع، ولاحان: أي ولا آن وقتك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام في جَوَابِ الَّذي سَأَلَهُ عَنْ مَسيرِه إلى الشامِ: وَيْحَكَ: لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضاءً لازِماً، وقَدَراً حاتِماً.

الحاتم: الموجب، والمراد القدر الموجب لوجود أفعال العباد جزاء.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ أَمَرَ عِبادَهُ تَخييراً.

أي تفويضاً للخيار اليهم، وجعلهم مخيّرين مختارين، وهذا ابطال للجبر.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَلَمْ يُعْصَ مَغلوباً، ولَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً.

يعني لم يعص مغلوباً عاصيه: أي مجبوراً، ولم يطع مكرهاً مطيعه، وهذا تصريح بنفي الجبر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: خُذِ الحِكْمَةَ أَنَّى كانَتْ فَإِنَّ الحِكْمَةَ تَكُونُ في صَدْرِ المُنافِقِ فَيَخْتَلِجُ فِي صَدْرِهِ.

أنى كانت: أي كيف كانت واين كانت ومتى كانت، ويختلج: يضطرب، ومعنى اضطراب الحكمة في صدر المنافق، أنّ المنافق شأنه الرياء والإظهار باللّسان خلاف ما يضمر في القلب، فلا تستقر الحكمة في صدره على حسب شأنه وعادته.

اذ المعنى أنّ الحكمة تناسب ذكاء النفس وحسن عقيدتها، وهي تنمو بذلك وتستقر وأمّا النفوس الخسيسة القذرة فلا تناسب الحكمة لميلها الى الخبثه، وتمكن الهيآت الرديئة فيها، فالحكمة لا تستقر فيها وتكون مستعدة للزوال.

قال عليه السلام: مَنْ تَرَكَ قَوْلَ «لا أدْري» أصِيبَتْ كَلِمَتُهُ، .

ص: 295


1- كذا في الاصل.

وَيَروى مَقاتِلُهُ.

المراد بالأوّل أنّ من سئل عمّا لا يعلمه، ولم يقل لا أدري بل أجاب بما لا يدري، فانه يكذب ويخطأ فتصير كلمته مصابة، والمراد بالثاني أنّ الانسان ربما كان عالماً بشيء لو سئل عنه فأخبر به لكان في ذلك هلاكه، ولو قال لا أدري لسلم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ.

يعني حكماً مستحدثة، والطرائف: المال المستحدث.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا تَنْتَهِكُوها.

انتهاك الحرمة: تلقيها بما لا يحلّ وهتكها (1) من نهكه المرض: اذا أضناه

وذهب لحمه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام:رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ، وَ عِلْمُهُ مَعَهُ لَا يَنْفَعُهُ.

المراد من تعلّم علماً لا ينفعه، وجهل ما تضره جهله، كمن يشغل بعلم الحساب، والطبّ والنجوم، ويترك علم الشرع واصول الدين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا الْإِنْسَانِ.

النّياط: عرق علق به القلب من الوتين، فاذا قطع مات صاحبه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: نَسِيَ التَّحَفُّظِ.

أي التيغظ، وترك الغفلة.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَإِنْ غالَهُ الخَوْفٌ.

أي غلبه. .

ص: 296


1- كذا في الاصل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: کِظَّتْهُ البِطْنَةُ.

الكظة: بكسر الكاف ما يعترى عن الامتلاء من الطعام يقال: كظه الطعام يكظه وكظني هذا الامر: أي جهدني.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى، بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي وَ إِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي.

المراد أنّ ولايته متوسطة بين رسول الله - صلى الله عليه وآله - وبين من بعده من الائمة والمتوسّط بين الشيئين يلحق به التالي التابع، والغالي: الذي تجاوز الحدّ، فانه يرجع آخر الامر إلى الوسط لانّ الوسط من كل شيء هو العدل، ومن كان على طرفيه فإمّا ان يكون طالباً للوسط فيكون تالياً يصل اليه، ومن جاوز الوسط الى الآخر فانه يكون غالياً.

سمع رجلاً من الحرورية. الحرورية: الخوارج تنسب الى حروراً، وهي قرية أول مجتمعهم بها.

قالَ عَلَيهِ السلام: إلّا الماحِلُ.

المحل: المكر و الكيد.

قال عَليهِ السَّلام: فَرَضُوا الدُّنْيا.

أي قطعوها.

قالَ عَليهِ السَّلام: إلّا أن يَكُونَ عَشَّاراً أو عَريفاً أو شُرْطياً أو صاحِبِ عَرْطَبَةٍ.

العشار من يأخذ عشر مال المارّة أو ياخذ في البلد عشر مال الطارى، والعريف: النقيب، وهو دون الرئيس، والشرط: أعوان الظلمة سمّوا بذلك، لأنّ الشرط العلامة وهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، الواحد شرطة وشرطي، والعرطبة: الطبل الذي يضرب للهو وقيل: البربط.

فاذا علم أنّ الوسط هو العدل فانه نهج اليه، والمراد انّ من يتبعنا يلحق

ص: 297

بنا ويكون من جملتنا، ومن يغلوا في محبتنا فيرجع إلينا اذ لا مرجع له غيرنا، ولعلّه كنى بالنمرقة عن وضع الرأس على ما يرسم، ويجد طاعة وانقياد له لان النمرقة وسادة يوضع الرأس عليها.

قال عليه السَّلام: لا يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ تَعالى إِلَّا مَنْ لا يُصانِعُ، وَلا يُضارِعُ، وَلَا يَتَّبِعُ المَطامِعَ.

المصانعة: الرشوة، والمداهنة، والمضارعة: الخضوع المفرط، وضرع الرجل ضراعة: خضع وذلّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام لَما تُوُفِيَ سَهْلُ بْنِ حنيفٍ: لَوْ أَحبَّنِي جَبَلٌ لَتَهافَتَ.

أي لتساقط قطعة قطعة.

قال السيد الرضي رحمه الله: معنى ذلك أنّ المحبة تغلظ عليه، فتسرع المصائب اليه، ولا يفعل ذلك إلّا بالاتقياء الابرار، والمصطفين الاخيار وهذا مثل قوله - عليه السلام - : «من أحبّنا أهل البيت فليستعد للفقر جلباباً»، وقد تأول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.

قد ذكر له وجوه أحدها: ما قاله أبو عبيد أنّ المراد به من أحبّنا فليعد لفقره يوم القيامة ما تجره من الثواب والقرب الى الله تعالى، ولم يرد به الفقر في الدنيا لأنّا نرى في من يحبّهم، كما في سائر الناس من الغنى والفقر.

قال ابن قتيبة: فيه وجهاً ثانياً، وهو من أحبّنا فليصبر على التقلل من الدنيا والتقنّع فيها.

قال السيد الأجلّ المرتضى - قدس الله روحه - فيه وجهاً ثالثاً: أي من أحبنا فليلزم نفسه وليعدها الى الطاعات، ولتذلّلها على الصبر على ما تكرهه الفقر، هو أن يجر أنف البعير فيلوى عليه حبل يذلّل به الصعب، يقال: فقره إذا فعل به ذلك، والجلباب: الثوب.

ص: 298

قال السيد الأجل المصنّف زيد علوّه: قد لاح لي فيه وجه آخر، وهو أنّ الفقر هاهنا من الفاقرة، وهي الداهية، يقال: فقر الفاقرة: أي كسرت فقار ظهره، والجلباب: الثوب الواقي وتقديره: ألا من أحبنا، فليعد من اجل الفقر الدواهي التي توجهونها اليه اعداء اهل البيت لباساً يقيه منها، لأنّ محب أهلَ البيت يكون دائماً في معرض كيد الأعداء وصرفهم الفواقر اليه، فيجب عليه التحرز من فقرها إياه بجلباب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَقَدْ غَرَّرَ.

أي حمل نفسه على الغرر، وهو الخطر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: قَدْ نَسِينا كُلَّ واعِظ وَواعِظَةٍ، وَرُمِينَا بِكُلِّ جائحة.

المراد بالواعظ: الكلمة التي فيها وعظ، وجائحة: الآفة المهلكة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ.

أي جرى في كل اموره على سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ، وَ غَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ.

لأنّ غيرة المرأة: فيها انكار حكم الله، حيث أحل لكل حرّ أربع حرائر، وغيرة الرجل فيها انكار لما حرّم الله من الشركة في إمرأته والنظر اليها، وغير ذلك.

قال عليه السلام: لَأَنْسُبَنَّ الْإِسْلَامَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي؛ الْإِسْلَامُ هُوَ التَّسْلِيمُ وَ التَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ وَ الْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَ التَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَ الْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ وَ الْأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ.

المراد بقوله لأنسبنّ: لأعرفنّ، لأنّ من أراد تعريف الشيء نسبه إلى أصله ان كان انساناً أو الى بلده او الى خواصه وآثاره ان كان شيئاً آخر، والاسلام الانقياد ولا إنقياد إلّا بالتسليم لأحكام الله تعالى، ولا تسليم إلّا

ص: 299

اذا ارتفع الشكّ في ذات الله تعالى، وكتابه وأحكامه، وهذا هو التصديق، ولا يتحقّق التصديق الا بالإقرار الذي لا يحصل معناه، وحقيقته باللسان بل باداء الاعمال المفروضة المندوبة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: عَجِبْتُ لِلْبَخِیلِ یَسْتَعْجِلُ اَلْفَقْرَ اَلَّذِی مِنْهُ هَرَبَ وَ یَفُوتُهُ اَلْغِنَی اَلَّذِی إِیَّاهُ طَلَبَ.

يعني لا ينفق على نفسه، ولا على عياله، فيكون هو وأهله دائماً في عرى وجوع، كسائر الفقراء فلا تحصل له نفع الغنى وراحته، فكان كأن لم (1) غنى له، لأنّه إذا لم ينفق شيئاً في حاجاته ولذاته، ولا يكون خالياً من تمني قضاء حاجاته واستيفاء لذاته، وانتظار ان تيسر له ذلك من غيره، فلا يكون غنياً عنه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام:تَوَقَّوُا البَردَ فی أوَّلِهِ وتَلَقَّوهُ فی آخِرِهِ؛ فإنّهُ یَفعَلُ فی الأبدانِ کَفِعلِهِ فی الأشجارِ؛ أوَّلُهُ یُحرِقُ وآخِرُهُ یُورِق.

هذا اشارة الى اصل من أصول الطّب، وهو أنّ الانتقال من هواء الى هواء مضادّ له دفعة مضرّ بالابدان، وأوّل البرد يكون في الخريف، والأبدان في الصيف تكون متعودة للهواء الحارّ، فاذا دخل الخريف وبرد الهواء كان الانتقال الى الهواء المضاد، فيجب أن يستدفاً ويتوقّى البرد ويدرج في تعويذ البدن للبرد.

أما في الشتاء فالأبدان تكون متعودة للهواء البارد، فاذا دخل الربيع كان فيه آخر برد الشتاء فلا يكون ... الى الهواء المضادّ، فلا يجب التحرز منه، والمراد بقوله: يحرق: أنه يبئس لأنّ في الاحراق أشد التبئيس والتلقي والاستقبال والاحد وانما شبه فعله في الابدان بفعله في الأشجار لأن في الحيوان .

ص: 300


1- كذا في الاصل.

قوة النبات وزيادة.

قالَ عَليه السّلام: أَنْتُم لَنَا فَرَطُ سابِقٌ.

الفرط: الذي يتقدم الواردة فيهيء لهم الأرسان والدلاء، ويدير الحياض ويستقي لهم.

قالَ عَلَيهِ السّلام: أنتَ المُتَجَرِّمُ عَلَيْها.

أي المدّعي للذنب عليها.

قالَ عَليهِ السَّلام: مَتى اسْتَهْوَنْكَ.

أي متى طلبت هويك: أي سقوطك.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَكَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ، وَمَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ.

أي قمت عليه في مرضه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: الصَّلاةُ قُرْبانُ كُلّ تَقِيٍ.

القربان: ما يتقرّب به الى الله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَجِهادُ المَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ.

يعني حسن صحبة المرأة ببعلها.

قال عَلَيهِ السَّلام لكميل - كُميل تصْغير اكمَل كزهير في تصغير أزهر فأَخْرَجَنى إلى الجبّان فَلَمّا أَصْحَرَ.

الجبّان والجبّانه: الصحراء، وأصحر: خرج الى الصحراء.

قالَ عَلَيهِ السّلام: النّاسُ ثَلاثَةٌ:فَعالِمٌ رَبّانِیٌّ، ومُتَعَلِّمٌ عَلی سَبیلِ نَجاةٍ،وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ کُلِّ ناعِقٍ.

ربّاني: منسوب الى الربّ، وزيادة الألف والنون للمبالغة في النسب، كما يقال: روحاني والمراد به العالم لينجوا في الدنيا من الجهل، وفي الاخرة من العذاب والهمج: ذباب صغير كالبعوض يقع على وجوه الحمر، والرعاع: الاحداث والطغام.

ص: 301

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَعْرِفَةُ العِلْمِ دَيْنٌ يُدانُ اللهُ بِهِ.

أي يطاع.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بلى أُصِيبَ لَقِناً.

أي سريع الفهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: في أَحْنائِهِ.

أي جوانبه، الواحد حِنو.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّدَّةِ.

أي مولعاً.

قالَ عَليهِ السَّلام: أَوْ خائِفاً مَغْمُوراً.

أى مستوراً، من غمره الماء: أي علاه.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ.

أي ادخلهم بغتة على حقيقة البصيرة، وهي الاستبصار في الشيء وجودة العلم به.

قالَ عليه السّلام: إسْتَوَعَرَهُ المُتْرَفونَ.

أي وجدوه، وعراً، والمترفون: المتنعّمون.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسانِهِ.

أي مستور ما لم يتكلّم، فاذا تكلم ظهر حاله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يَخافُ عَلى غَيْرِهِ بِأَدْنى مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَر مِنْ عَمَلِهِ.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَهُوَ بِالقَولِ مُدِلٌ أي واثق ومستظهر.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يُنافِسُ في ما يَفْنى. المنافسة في الشيء: الرغبة فيه على وجه المباراة.

قالَ عَلَيهِ السّلام: يَرَى الغُنْمَ مَغرماً وَالغُرْمَ مَغْنَماً.

ص: 302

يريد انه يرى أداء الزكاة وإعطاء الصدقة وإن كان غنماً في الحقيقة غرامة،

ويرى منع الزكاة والصدقة غنيمة وذلك غرم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إعْتَصِمُوا بِالّذِمَمِ في أَوْتَادِها.

يعني في أحكام العهود وحفظها عن النقض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ مَلَكَ إسْتَأثرَ.

أي استبدّ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كانَتِ الخِيَرَةُ بِيَدِهِ.

الخير معلوم من الاختيار.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: لا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الحُكْم.

أي الحكمة.

قال عَلَيهِ السَّلام: لِلظَّالِمِ الْبَادِي غَداً بِكَفِّهِ عَضَّةٌ.

يريد به الندامة لأنّ النادم يعض كفه.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: مَنْ أبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ.

يعني من جاهر بالجدال في الحقّ، وصحفة كلّ شيء: جانبه.

قال عليه السَّلام: أَتَكُونُ الْخِلافَةُ بِالصَّحابَةِ، وَلا تَكُونُ بِالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَة.

روى له شعر في هذا المعنى وهو:

فَإِنْ كُنْتَ بِالشّوُرى مَلَكْتَ أمُورَهُم *** فَكَيْف بِهذا والمُشِيرونَ غُيَّبُ

وَإِنْ كُنْتَ ِبالقُربَى حَجَجْتَ خَصِيمهم *** فَغَيْرُكَ أولى بالنَّبِي وَأَقْرَبُ

الصحابة: الصحبة، والشورى والمشيرون غيّب: يعني الذين هم أهل الشورى والاشارة من بني هاشم كانوا غيباً، وحججته: غلبته بالحجة، فغيرك أولى: اشارة الى نفسه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَإِنَّ الأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ.

ص: 303

للانسان أجلان أجل طبيعي واجل اخترامي، فالأجل الطبيعي ضروري لا يمكن دفعه لأنّ روح الانسان لا بد لها من ان تفنى لتحلّل الرطوبة الّتي لا يمكن بقاء الروح مع فنائها والاجل الاخترامي غير ضروري لانّه يتعلّق باسباب يمكن دفعها والتحرّز منها، كالقتل والأمراض وغيرها.

المراد هاهنا هو الاجل الضروري، فاذا قضى الله تعالى ان شخصاً يبلغ اجله الضروري فانه (1) ... سائر أسباب الهلاك، فيكون اجله جنة له يتحصّن بها هذا الوجه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: عَطَفَ الضَّرُوسِ عَلى وَلَدِها.

الضروس: الناقة السيئة الخلق الّتي يعضّ حالها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَكْمَشَ في مَهَلٍ.

اکمش: عجل، والمهل: التؤودة.

قال عليه السلام: وَنَظَرَ في كَرَّةِ المَوْئِلِ.

الكرة: الرجعة والمرّة أيضاً، والمراد من كرّة الموئل: الرجوع الى الله تعالى في الآخرة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالحِلْمُ فِدامُ السَّفيه.

القدام: الخرقة التي يشدّ بها المجوسي فمه، والفدام ما يوضع في فم الابريق ليخرج ما فيه صافياً، يعني حلم الحكيم عن السفيه يمنعه عن السفاهة.

قالَ عَليهِ السَّلام: الناطَ مِنْها بِثَلاثٍ.

أي التصق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أهوَنُ في عَيْني مِنْ عِراقَ خِنْزِيرٍ.

العراق: جمع العرق، وهو العظم الذي اخذ من اللّحم. .

ص: 304


1- هنا كلمات لا تقرء.

فصل

تذكر به شيئاً من اختيار كلامه المحتاج الى التفسير.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَإِذا کانَ ذلِکَ، ضَرَبَ یَعْسُوبُ الدِّینِ فَیَجْتَمِعُونَ إِلَیْهِ کَما یَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِیفِ.

يجوز ان يكون المراد أن يذهب في الأرض بمن يتبعه من شيعته وجنده، والقزع: القطع الرقيقة من السحاب بالخريف، وإنّما خص قزع الخريف لانّ سحب الخريف يكون أسرع اجتماعاً لقلة الماء فيه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ لِلخُصُومَةِ قُحّماً.

قال السيد الاجلّ الرضي - قدس الله روحه - في شرح القحمة (1) فتتعرق أموالهم، تعرقت اللّحم وعرقته: أي اخذته من العظم، والمراد بأموالهم مواشيهم للاعشى:

ما يَجْعَلُ الجُدَّ الظَّنُونَ الَّذي *** جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ المَاطِرِ

مِثْلَ الفُراتِيّ اذا ما طَمَا *** يَقْذِفُ بِالبُوصِيَّ وَالماهِرِ

يعني أنّ العاقل ما يجعل حكم بئر لا ماء فيها ولا يصل اليها صوب السحاب الصايح بالرّعد كحكم نهر الفرات، والمراد بالفراتي: الفرات، والنسبة للتأكد كما يقال: والدّهر بالإنسان دواري: أي دوّار ويجوز أن يكون

ص: 305


1- قال الرضي: يريد بالقحم المهالك، لأنه تقحم أصحابها في المهالك والمتالف في الاكثر. ومن ذلك «وقحمة الاعراب» وهو ان تصيبهم السنة فتتعرق الخ.

المراد نهراً منشعباً من الفرات، والبوصي: ضرب من سفن البحر، والماهر:

سلاح الحاذق او السباع، رجعنا إلى سنن الغرض الاول.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: أَوِ المَوْزُوعُ.

وهم الوزعة: وزعه: أي كفه.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَلَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ.

يعني إنك تسفّلت بالجهل، وما ترقّيت بالعلم والنّظر في الدلائل.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَوْقَدْ اسْتَوَتْ قَدَمايَ مِنْ هذِه المَداحِضِ لَغَيَّرْتُ الأَشْياءِ.

المداحض: مواضع الزّلق، والمراد بها بدع المبتدعين، والمراد باستواء قدميه: فراغه من رفضها، وإبطالها.

قالَ عَليهِ السَّلام: في الذكْرِ الحَكِيمِ.

هو اللوح المحفوظ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَرُبِّ مُبْتَلَىّ مَصْنُوعٌ.

أي فعل له صنع حسن.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: في لامِعَةِ العُيُونِ.

يعني في السيرة من العيون، وهذه الإضافة كالإضافة في قولنا، علماء الناس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: في غُبْرِ لَيْلَة دَهْماءَ.

أي بقايا ليلة مظلمة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: بَدَّ القائِلِينَ.

أي غلبهم وفاقهم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ونَقَعَ غَلِيلَ السائِلينَ.

اي سكن حرارة عطشه.

ص: 306

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَصِلُّ وادٍ.

الصلّ: الحيّة التي لا تنفع منها.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَلا يُدلي بحُجَّه حَتَّى يَأتي قاضياً.

أدلي: أي احتجّ بها، يعني لا يبين حجة إلّا في موضعها، فيكون حاكماً فیه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: اذا بَدَهَهُ.

أي فجأه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَنْتَ مَأزُورٌ.

اصله موزور وانّما قال كذلك لقرينة قوله - عليه السلام.

كَما قالَ رَسُول الله - صَلّى الله عَليهِ وآله - : إرْجَعْنَ مأزوراتٍ غَيْرُ مأجوراتٍ.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: و إِنَّهُ قَبْلَكَ وَبَعْدَكَ لَجَلَلٌ.

اي قبل موتك، لأنّا كنا نحذّره، والجلل: الامر العظيم.

قال عَلَيهِ السَّلام في قِصَّةِ أَنَس: فَلوى عَنْ ذلِكَ.

أي صرف وأميل.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: فَضَربَكَ اللَّهُ بِهَا بَيْضَاءَ لامِعَةً.

أي رماك الله بعلّة، وبيضاء: نصب على الحال عن الضمير في بها، ولامعة: أي في غاية البياض تلمع للناظرين.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: رُدُّوا الحَجَر مِنْ حَيْثُ جَاءَ.

اي من قصدك بشر فادفعه بمثل ما قصد به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ.

الجلفة: الهيئة من الجلف، وهو القشر، والمراد بها سنّ القلم.

قال عَلَيهِ السَّلام: وَقَرْمِطْ بَيْنَ الحُروفِ.

ص: 307

أي ادن بعضها من بعض.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّما اخْتَلَفْنا عَنْهُ لا فِيهِ.

أي اختلفنا لأخبار صدرت عنه لا في صدقه ورسالته.

قالَ عَليهِ السَّلام: وَلَا تَسْأَلُ مُتَعَنّتاً.

أي طالباً لزلّة.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: وَإِنَّ العَالِمَ المُتَعَسِّفِ شَبِيهُ بِالجَاهِلِ.

التعسّف: الأخذ على غير الطريق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام لِعَبْدِ الله - بنِ العَبّاس - رَضِيَ الله عَنْهُما - وَقَدْ أَشارَ عَلَيهِ في شِيء لَمْ يُوافِق رَأْيَه:

لَکَ أَنْ تُشِیرَ عَلَیَّ وَأَرَی، فَإِذَا عَصَیْتُکَ فَأَطِعْنِی.

يعني لك ان تعرض على الامر، وأنا أرى رأيي وانظر اليه، فان عصيتك فيه فلا تعصني.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: السُّلطانُ وَزَعَةُ اللهِ في أَرْضِهِ.

قال بعض الشارحين: المراد بالسلطان القهر والقدرة، وهو مصدر فلذلك جعل خبره الجمع والوزعة: جمع وازع، وهو الكاف، فيجوز أن يكون هذا على حذف المضاف، يعني ذو السلطان.

قال السيد الاجل المصنف زيد علوّه: وعندي أنّ له وجهاً آخر أوضح من قبل، وهو أن يقال: لو لم يكن السلطان لما كف الناس عن ارتكاب المعاصي، وانتهاك المحارم إلّا بان يوكّل بكلّ واحد وازع يكفه بالسلطان، يكفي ذلك ويكفّ الجميع، فكان كوزعه كل الناس، فبهذا الاعتبار صح ان يقال: السلطان وزعة الله في أرضه لكمال هيبته وسياسته وقيامه مقام عدة كثيرة من الوازعين ونظيره قوله تعالى:

إنّ إبراهيمَ كانَ أُمَّةً: يعني لكماله في العلم والتّقوى.

ص: 308

قالَ عَليهِ السَّلام: وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ.

أي يبغض، والسمعة: أن يسمع بعمله الذي عمله الله.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ.

الخلّة: الفقر، يعني لا يعرض حاجته على الناس.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لَيّنُ العَرِيكَةِ.

العريكة: الطبيعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: العِلْمُ عِلمانِ: مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ، وَلَا يَنْفَعُ المَسْمُوعُ إِذا لَمْ يَكُنِ المَطْبُوعُ.

يعني عقليّ وشرعيّ، وانما سمي العقلي مطبوعاً لانّ الطبع هو السجية التي جبل الانسان عليها، ولا تخلق بخلق الانسان في طبعه الأصلي عن العقل ومعرفة الله تعالى وتوحيده من العلم العقلي، ولا ينفع الشرعي من كان خالياً عن ذلك، وغيره من العلوم العقلية.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: الأقاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ، وَالسَرائِرُ مَبْلُوَّةٌ.

الأقاويل: اذا سمعت تصير محفوظة، وميّز بين خيرها وشرها، وجيّدها ورديّها والسرائر: لا يميّز بين حسنها وقبحها، وخبثها وطيبها، الّا بالاختيار.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَالنّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ.

أي معيبون من النقيصة، وهي العيب ويقال: ادخل فلان: اذا كان فيه دخل وفساد.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: تَنْكَوُهُ اللَّحْظَةُ، ونَسْتَحِيلُهُ الكَلِمَةُ الوَاحِدَةُ.

أي يتغير بأدنى شيء يقال: نكأ القرحة: اذا قشرتها و أدميتها وتستحيله: بمعنى يحيله كاستجاب، بمعنى أجاب.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: أَطلَعَتِ الوَرِقِ رُؤُوسَها.

أي أظهرت الدراهم رؤوسها: أي ظهر غناه بنائه وعظمه.

ص: 309

قالَ عَلَيهِ السَّلام: فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اسْتِدْراجاً.

أي اخذ على العزّة.

قالَ عَليهِ السَّلام: فَإِنَّ المُعَرِّجَ عَلَى الدُّنْيا لا يَرُوعُهُ مِنْها إِلّا صَرِيفُ أَنْيابِ الحِدْثانِ.

يقال: عرّج على المنزل: اذا حبس مطيته عليه، وأقام، لا يروعه، ولا يخوفه، والصريف: صوت الأسنان، وهذا استعارة من صريف الناب الجمل الهائج.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَأَعْدِلُوا بِها عَنْ ضَراوَةِ عاداتِها.

يعني أميلوها وأصرفوها عن سوء عاداتها يقال: ضرّ الكلب بالصيد ضراوة: أي بعودة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مِنَ الخَرْق: المُعاجَلَةُ قَبْلَ الإمْكانِ.

المراد بالخرق الحمق.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَتاعُ الدُّنيا حُطامٌ مُوبِيءٌ.

الحطام: ما تكسر من اليبس، وموبىء: أي قليل وباء.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: قَلْعَتُها أحْظى مِنْ طُمَأنِينَتِها.

أي رحلتها اكثر خطوة من سكونها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ راقَهُ زِبْرِجُها.

أي أعجبته زينتها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بها.

أي من جعل حبّه لها شعاره: اي لباسه الداخل ويقال: شغفه الحبّ: اي أحرق قلبه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظْمِهِ.

اي بمخرج نفسه.

ص: 310

قال عَلَيهِ السَّلام: مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ.

الابهران: عرقان متّصلان بالقلب.

قالَ عَليه السّلام: وَيَقْتاتُ مِنْها.

أي يطلب القوت.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَإِنْ قِيلَ أَثْرى قِیلَ أكْدَى.

أثرى: كثر ماله، واكدى: قلّ خيره.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: يَوْمٌ فِيهِ يُبْلِسُونَ.

اي يقنطون.

قالَ عَليه السّلام: زِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نَقِمَتِهِ وَحِياشَةً لَهُمْ إلى جَنَّتِهِ.

الذيادة: الطرد، وحشت الصيد حياشة وحوشاً: اذا جئته من حواليه لتصرفه الى الحبالة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَنْ شَذَّ عَنْها.

اي تفرّق.

قالَ عليهِ السَّلام: وَلا تُرِكَ سُدىً.

اي مهملاً.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: بِأدْنى سُهْمَتِهِ.

اي نصيبه.

قال عَلَيهِ السَّلام: وتَبَوَّاْ خَفْضَ الدَّعَةِ.

تبوّأت منزلاً: أي نزلته، يعني لزم راحة الدعة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صاحِبِهِ.

أي المنكر بقلبه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ونَوَّر في قَلْبِهِ اليَقِينَ.

اي اخرج نوره

ص: 311

قالَ عَلَيهِ السَّلام: المَنيَّةُ وَلا الدَّنِيَّةُ.

اي اختر الموت، ولا تختر ما يعيبك.

قالَ عَليه السَّلام: وَالنَّقَلُّلُ وَلا التَّوَسُّلُ.

اي الزم القليل ولا تتوسل الى الاغنياء.

قالَ عَلَيهِ السّلام: مَنْ أَوْماً إلى مُتّفاوتٍ خَذَلَتْهُ الحِيَلُ.

يعني من تمسّك بمتشابه من القرآن متفاوت التأويل لاثبات حقّ أو إبطال باطل، لم تنصره الحيل في ذلك.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: القَلْبُ مُضحَفُ البَصَرِ.

يعني أنّ البصر يقرأ ما في القلب، ثم يظهر في نظر الانسان ما في قلبه، او المعنى أنّ الانسان اذا نظر الى صديقه او عدوه ادرك ببصره وقرأت ما في قلب المنظور اليه من الصداقة والعداوة.

قال عليه السّلام: لا تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ لِسانِكَ عَلى مَنْ أَنْطَقَكَ، وَبَلاغَةَ قَوْلِكَ عَلى مَنْ سَدَّدَكَ.

اى لا تشتم بحدّة لسانك من عملك النطق، ولا تجعل فصاحتك على عملك الصواب، كما قال الشاعر:

أَعَلِّمُهُ الرّمايَةَ كُلَّ يَوْمٍ *** فَلَمَّا اشْتَدَّ ساعِدُهُ رَماني

قالَ عَليهِ السَّلام: وَ الّا سَلا سُلُوَّ الأغْمارِ.

أي الغافلين.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّ الإِسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ العِلِّيینَ.

قيل: المراد بالعلّيين: كتاب يكتب فيه أعمال الأبرار، وعليّون: علم الديوان الأبرار، كأنه نقل اسم الملائكة الّذين يكتبونه أو الابرار الذين تعلو درجتهم الى ديوانهم، لأنّ علّيين جمع علّيّ، فَعّلَ من العلو.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: الْحِلْمُ عَشيرَةَ.

ص: 312

يعني يندفع عدوه بالحلم الناس ما يندفع بعشيرتك.

قال عليه السلام: إِنَّ أَبْصارَ هذهِ الفُحُولِ طَوامِحُ، وَإِنَّ ذلِكَ سَبَبُ هِبابِها.

طمح بصره على الشيء: ارتفع، والهباب: صياح التّيس للسفّاد.

قال عليه السلام: فَمَهْما تَرَكْتُمُوهُ مِنْهما.

قال بعض الشارحين: هذا الضمير قائم مقام المظهر تقديره: تركتم واحداً منها.

قال السيد الاجلّ المصنف زيد علوّه: وأقول الى هذا اوّل هذا الضّمير عائد الى ما الأولى من قوله - عليه السلام - مهما لأنّ أصله ماما الا انّ الألف من ما الاولى قلبت هاء استثقالاً لتكرار المتجانسين ونظيره قوله تعالى: «وقالوا مهما تاتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين» فانّ الضمير في بها عائد الى ما، لانّ تقديره: ايما شي تأتنا به.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ أَخْسَرَ النَّاسِ صَفْقَةٌ.

هذا البائع للمشتري، وهو ضرب أحدهما اليد على يد الآخر.

قال عَلَيهِ السَّلام: اخْبِرْ تَقْلِهِ.

أي جرّب تبغض، لانّ من جرب لا يخلوا عما يكره، والهاء في تقله للاستراحة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: الوِلاياتُ مَضاميرُ الرِّجَالِ.

المضمار: الموضع الذي تضمر فيه الخيل وتضمر الفرس أن يعلفه حتى تسمن، ثم تردّه الى القوت، وذلك في أربعين يوماً، وهذه المدّة تسمى المضمار أيضاً.

قال عَلَيهِ السَّلام: لَكانَ فِنْداً.

الفند: قطعة من الجبل طولاً وقيل: المتفرّد من الجبال.

ص: 313

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لِغالِبِ ابْنِ صَعْصَعَةَ: ذَعْذَعَتْهَا الحُقوقُ.

اي سرقتها.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: ارْتَطَمَ في الرّبا.

ارتطم في الوحل: ارتبك فيه.

قال عَليه السلام: هذِهِ اللّماظَةَ لأهلِها.

اللَماظَةَ: ما يبقى في الفم من الطعام، والمراد الدنيا.

زياده كتبت في عهد السيد الاجل المصنّف زيد علوّه، كتبت كلّها وشرحت وماتحتاج الى شرح.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.

يعني أنّ الدنيا لابتلاء العباد فيها، لتميّز المطيع من العاصي، والمؤمن من الكافر، فهي مخلوقة للاخرة.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ، وَ لَوْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ كَادَتْهُمُ الضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ.

والمرود: هاهنا مفعل من الارواد، وهو الإمهال والإنظار وهذا من أفصح الكلام وأغربه، فكأنه - عليه السلام - شبّه المهلة التي هم فيها بالمهل الذي يجرون فيه الى الغاية، فاذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها.

قَالَ (عليه السلام) فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ: هُمْ وَ اللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ، مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ.

الفلو: المهر، والسباط: الممتدة، والسلاطة: الحدة في اللّسان.

قالَ عَليهِ السَّلام: العين وِكاءُ السَّهِ.

هذه من الاستعارات العجيبة، كأنّه شبّه السه بالوعاء، والعين بالوكاء، فاذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء.

قال السيد الاجل المصنّف الرضي رحمه الله: وهذا القول في الأشهر

ص: 314

الاظهر من كلام النبي - صلى الله عليه وآله - وقد رواه قوم لأمير المؤمنين - عليه السلام - ، وذكر ذلك المبرّد في كتاب «المقتضب» في باب «اللّفظ بالحروف»، وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم: «بمجازات الاثار النبوية».

قال السيد الاجل المصنف زيد علوّه: وأقول: لا يبعد أن المراد بهذه الكلمة، أنّ العين ان لم تضبط ولم تملك فانها تطمح الى أشياء يميل اليها الانسان ويلذّها، فيتبعها ويفرط في تناولها، فيؤدّي ذلك الى النفخ والاسهال، ولذلك يقال لمن يأكل على الشبع: فلان يأكل بالعين، يعني مادام يرى الطعام يأكله. وقد يروى ان واحداً غلبه النوم في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وآله - فانفلتت منه ريح، وضحك الحاضرون، فانكر رسول الله - صلى الله عليه وآله - ضحكهم، وقال - عليه الصلوة والسلام - : «العين وِكاءُ السَّهِ».

قَالَ (عليه السلام) فِي كَلَامٍ لَهُ: وَ وَالٍ وَلِيَّهُمْ وَ یروی وَ وَلِيَّهُمْ وَالٍ، فَأَقَامَ وَ اسْتَقَامَ، وَ یُروی قَامَ وَ اسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ.

جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه الى منحره، والمراد ثبوت الدين ورسوخه.

قال عَلَيهِ السَّلام: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ.

يقال: عضّ الرّجل على ماله: اذا جمعه لنفسه، ولم ينفق منه شيئاً.

قال عَلَيهِ السَّلام: قال الله سُبْحانَهُ: «وَلَا تَنْسَوْا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ» تَنْهَدُ فِيهِ الْأَشْرَارُ وَ تُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَ يُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ.

وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله - عن بيع المضطرين، ينهد: أي

ينهض.

قالَ عَليهِ السَّلام: يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ؛ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَ بَاهِتٌ

ص: 315

مُفْتَرٍ.

هذا مِثْل قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلام: يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلانِ مُحِبٌّ غَالٍ، وَ مُبْغِضٌ قَالٍ.

الاطراء: المبالغة في المدح والقلى: اشدّ البغض.

وسئل - عليه السلام - عن التوحيد والعدل.

فقالَ: التَّوْحِيدُ أَلَّا تَتَوَهَّمَهُ، وَ الْعَدْلُ أَنْ لَا تَتَّهِمَه.

يعني أنّ الوهم اذا توهّمه فانما يتوهّمه على القياس، وبالمحسوسات، وذلك

محال والّا يتهمه: اي لا يتحيّل له عرضاً في أحكامه.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: لا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الحُكْمِ، كَما أَنّهُ لا خَيْرَ في الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.

الحكم: الحكمة.

قال عَليهِ السَّلام في دُعاءٍ إسْتَسْقی بهِ: اَللَّهُمَّ اِسْقِنَا ذُلُلَ اَلسَّحَائِبِ دُونَ صِعَابِهَا.

وهذا من الكلام العجيب الفصاحة، وذلك أنّه - عليه السلام - شبّه السحائب ذوات الرعود والبوارق والرياح والصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها، وتتوقص بركبانها، وشبّه السحاب الخالية من تلك الروابع بالابل الذّلل التي تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة.

قمص الفرس وغيره: اذا ارفع يديه وصرحهما معاً وعجر برجليه: أي ضرب بهما الارض، وتتوقص: اي تنزه.

قِيْل لَهُ عَلَيهِ السَّلام: لَوْ غَيَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ (عليه السلام): الْخِضَابُ زِينَةٌ، وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ.

يريد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلّم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: القَنَاعَةُ مالٌ لا يَنْفَدُ.

ص: 316

قد روي بعضهم هذا الكلام عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلّم.

قالَ عليه السلام لِزِيادَ ابْنِ أبيهِ - وَقَدْ اسْتَخلَفَهُ لِعَبْدِ الله بن العَبّاسِ - رَضِيَ الله عَنْهُما - عَلى فارِسَ وَأَعْمالِها، في كَلامٍ طَوِيْلٍ كانَ دَار بَينهُما نَهاه فيه عَنْ تَقديمِ الخِراجِ:

اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ، وَ احْذَرِ الْعَسْفَ وَ الْحَيْفَ؛ فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلَاءِ، وَ الْحَيْفَ يَدْعُو إِلَى السَّيْف.

قالَ عَلَيْهِ السَّلام: أَشَدُّ الذُّنُوبِ، مَا اسْتَخَفَّ بِهَا صَاحِبُهُ.

العسف: الاخذ على غير الطريق، والحيف: الظلم.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا، حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.

قالَ عَلَيهِ السَّلام: شَرُّ الإخْوانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ.

قال عَلَيهِ السَّلام: اذا احْتَشَمَ المُؤْمِنُ أخاهُ فَقَدْ فَارَقَهُ.

تمّ الكتاب بعون الله وحسن تيسيره وتوفيقه والصّلوة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

ص: 317

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.