رسالة في حكم الخلل الواقع في الصلاة، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي العسكري قدس سره

هویة الکتاب

مرکز تراث سامراء

الكتاب: رسالة في حكم الخلل الواقع في الصلاة، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي العسكري قدس سره .

المؤلف: الفقيه المحقّق الشيخ آقا رضا بن محمد هادي الهمداني قدس سره .

الناشر: مركز تراث سامراء.

المطبعة: دار الكفيل.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1440ه- / 2019م.

رقم الإصدار: 36.

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2019م

ISBN:

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامرّاء.

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرکز تراث سامراء

الكتاب: رسالة في حكم الخلل الواقع في الصلاة، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي العسكري قدس سره .

المؤلف: الفقيه المحقّق الشيخ آقا رضا بن محمد هادي الهمداني قدس سره .

الناشر: مركز تراث سامراء.

المطبعة: دار الكفيل.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1440ه- / 2019م.

رقم الإصدار: 36.

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2019م

ISBN:

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامرّاء.

ص: 2

رِسَالَة في حُکْمِ الخَلَلِ

الوَاقِعْ في الصَّلَاة

تَقْرِيراً لِبَحْث آيَة اللهِ المُجَدِّد السَّيِّد مُحمَّد حَسَن الشِّيَرازي العَسْكَرِي قدس سره ت 1312ه-

بِقَلَم الفَقِيْهِ المُحَقِّق الشَّيْخ آقارِضَابِنْ مُحمَّد هَادِي الهَمَدَانِيّ قدس سره ت 1322ه-

تَحقِيْق مَرْكَزْ تُراث سَامِرّاء

ص: 3

ص: 4

مُقَدِّمَةُ المَرْكَزْ

ص: 5

ص: 6

مقدّمة المرکز

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

وبعد..

لقد ساقنا التوفيق للعثور على هذه الدرّة النفيسة التي غفلت عنها العيون، ولم تُذكر ضمن مصنّفات الشيخ المحقّق الهمداني قدس سره،تنت، ولم تتعرض لها كتب الفهارس والموسوعات المختصّة بالمخطوطات سوى ما ذُكر في فهرس التراث للسيّد الجلالي (1) دون الإشارة إلى أن الرسالة من إفادات السيّد المجدّد، وما زاد في نفاستها أنها لأعظم علمين من أعلام حوزتي النجف وسامراء، وهما السيّد المجدّد الشيرازي والمحقّق آقا رضا الهمداني.

فبعد أن كان كلٌّ منهما زميلَي درسٍ تحت منبر الشيخ الأعظم (2)، وجد المحقّق الهمداني ضالّته بالسيّد المجدّد الشيرازي، فهو امتداد للمنهج العلمي الرصين الذي أرسى الشيخ الأعظم أُسسه.

فكلا العلمين - الشيخ الأعظم والسيد المجدّد - امتازا بالهيمنة على المطالب العلميّة والقدرة على الابتكار ، مع عمق الفكرة وجودة الذهن، والشجاعة في مناقشة الآراء العلميّة وبذل الجهد في لملمة أطراف المسألة، والبحث عن أبرز الأقوال فيها إلى أن تنقّح وتتّضح معالمها، وقد كُتبت هذه الرسالة في النجف الأشرف كما يظهر من التأريخ

ص: 7


1- الجلالي، فهرس التراث: ج 2 ص 243.
2- السيد النقوي، أقرب المجازات: ص 306

المثبّت عليها بيد المصنّف في سنة 1287ه- أي بعد وفاة الشيخ الأعظم بست سنوات وقبل هجرة السيّد المجدّد الشيرازي إلى سامراء بأربع سنوات.

وقد استمرت علاقة المحقّق الهمداني بالسيد المجدّد، فبعد التتلمذ عليه في النجف الأشرف التحق به إلى سامراء المقدّسة وقضى هناك (سنين طوالاً) على حدّ تعبير الشيخ آقا بزرك الطهراني ، ومما يلفت النظر هو أن المحقّق الهمداني - بعد أن قضى عقدين كاملين في النجف الأشرف وهي فترة كافية خصوصاً للعباقرة من أمثال شيخنا الهمداني وقد أثبت قدرته العلمية بتأليف كتابه الشهير (مصباح الفقيه) فقد أتم كتاب الرهن منه سنة (1291ه-) أي قبل هجرة السيّد المجدّد إلى سامراء - شدّ رحاله إلى سامراء ملتحقاً بالسيد المجدّد، فما هو المبرّر بعد ذلك لحاجته للهجرة والتحاقه بالسيد وحضور أبحاثه في سامراء؟

وبظني أن هذا الأمر يكشف عن عظيم منزلة السيّد المجدّد في نفوس تلامذته و عن همتهم العالية ورغبتهم بطلب العلم والمعرفة.

وكيف كان فقد اتفقت المصادر (1) على أنّ المحقّق الهمداني غادر سامراء في مطلع سنة 1300 ه- فيكون من المظنون انه هاجر إليها بحدود سنة (1292 أو 1293) هجرية، وقد ألّف كتاب الطهارة من مصباحه في سامراء في جوار مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام (2)، إلى أن خُتمت حياة كِلا العلمين في سامراء العسكريين عليهما السلام ، فأما السيّد المجدّد فقد دُفن في النجف الأشرف بوصية منه، وأما المحقّق الهمداني فقد فاز بالدفن عند رجلي الإمام الهادي علیه السلام .

بِسامراءَ غِبت وليسَ بِدعاً ٭٭٭ فَفيها قَبلكَ المهديُّ غَابا

وقد أولى المركز أهمية قصوى لإحياء تراث حوزة سامراء المشرّفة، وبما أن غرّة المجد

ص: 8


1- ينظر: مصباح الفقيه: ج 1، حياة المحقّق الهمداني.
2- ينظر: مصباح الفقيه: ج 1 ص 387.

ودرّة التاج لها هو تراث السيّد المجدّد وأعيان تلامذته، فلذا أعطينا هذا الأمر أولوية وأهمية وبذلنا الجهد؛ لأجل إلفات النظر إلى عظيم منزلتهم وسابق فضلهم والتنبيه الى ما قدّموه إلى المعاهد والحوزات العلمية من نتاج وعطاء سيبقى أبدَ الدهر محطّ إعجابٍ وإكبار العلماء وأهل الفضل.

وفي الختام أقدّم شكري ووافر تقديري لجميع الأخوة الأعزّاء من كادر المركز على ما بذلوه من جهد، وخصوصاً كادر شعبة التحقيق، وكذا الشكر والتقدير لمكتبة الإمام الحكيم العامة والعاملين فيها على تعاونهم الدائم.

نسأل المولى جلّ شأنه بحقّ الإمامين العسكريين الغريبين المظلومين عليهما السلام أن يتفضل علينا وعلى جميع من ساهم بنشر هذا الأثر بالقبول والتوفيق للمزيد من العطاء وأن يجعل لنا بكل حرف نوراً إنّه سميع الدعاء.

الأقل كريم مسير

النجف الأشرف

28 صفر الخير 1440ه-

ذكرى وفاة النبي الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم

ووفاة الشيخ الهمداني قدس سره

ص: 9

ص: 10

مُقَدِّمَةُ التَحْقِيق

ص: 11

ص: 12

مقدّمة التحقيق

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

وبعد..

فهذه لمحات من حياة المحقّق الشيخ آقا رضا الهمداني.

وسنتناول بإيجاز النقاط التالية:

1- علاقة المحقّق الهمداني بأستاذه المجدّد.

2- الهجرة إلى مدينة سامراء المشرّفة.

3- تأليف بعض أجزاء مصباح الفقيه في سامراء

4- الرجوع مرّة أخرى إلى سامراء.

توطئة

لقد تعرّضت مصادر متعددة لحياة الشيخ قدس سره وخصوصاً تلك التي سطّرها يراع المعاصرين له وبعض تلامذته، أمثال السيّد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل (1) والسيد محسن الأمين في الأعيان (2)، والشيخ آقا بزرك الطهراني في الطبقات (3).

ولكن ما أحبّ أن أعرضه على قلة مصادره، هو وجوده المبارك في سامراء، وهي الحلقة التي لم يسلط الضوء عليها كما ينبغي وبقيت في ذاكرة المعاصرين له إلى أن أسدل عليها النسيان الستار.

ص: 13


1- حسن الصدر، تكملة أمل الآمل: ج 3 ص 59.
2- محسن الأمين، أعيان الشيعة: ج 7 ص 19.
3- الطهراني، نقباء البشر: ج 2 ص 776.

وهذا الأمر ليس مختصّاً بالمترجم (طاب ثراه) بل يعمّ أغلب أو جميع من سكن تلك الديار المقدّسة وساهم برفع الغربة والوحشة عن الإمامين العسكريين علیهما السلام.

وكان نتيجة ذلك أن عاشوا هم تلك الغربة بدلاً عن أئمّتهم علیهم السلام، ودفعوا ضريبة ذلك أن عفيت آثارهم، وخفيت أخبارهم، حتى أن أعظمهم فضلاً، وأجلّهم قدراً السيّد المجدّد الشيرازي قدس سره قد ناله النصيب الأكبر من ذلك، فهذا قبره لا يزال مهجوراً، وبيته (1) في سامراء -والذي كان ملاذاً للمؤمنين وفيه كان يلقي دروسه لطلاب العلم- قد غُصب وتم التجاوز عليه، ومؤلفاته لم ترَ النور، بل ولم تعرف حتى وصل الأمر إلى أن نسب البعض تقريراته إلى غيره مع وضوح القرائن الداخلية والخارجية على أنّها من تقريرات السيّد المجدّد.

وأمّا مكتبته الشخصية - الغنيّة بالمخطوطات والتي كانت النواة لمكتبة مدرسته العلمية (2) المسماة بالمدرسة الجعفرية - فقد عبثت بها الأيادي الآثمة، وتفرقت أيادي سبأ (3) وكأنّ ذلك من سنن سامراء منذ أن كانت والى يومنا هذا، فإن من يعيش فيها لا بدَّ له من غيبة؛ ولذا كنا ولا نزال نحاول تسليط الضوء على تلك الحقبة المهمة من حياة أولئك الأفذاذ الذين سكنوا الناحية المقدسة وشاركوا أئمة الهدى علیهم السلام المحنة، ورفعوا عن ديارهم الوحشة والغربة.

ص: 14


1- وقد حدثّني بعض علماء مشهد المعروفين أنّ المرجع الشيخ محمد علي الآراكي حينما زار سامراء قصد بيت السيّد المجدّد وانحنى مقبّلاً أعتاب بابه وقال: هكذا ينبغي أن تكرّم المرجعية العليا.
2- ينظر: الطهراني، الذريعة: ج 6 ص 404.
3- وزاد البعض في الطين بلّةً فادعى مصرّاً على أنّ السيّد المجدّد ليس له حتى إجازة في الرواية مع أنّه المجيز بالرواية لكل من 1- الشيخ محمد تقي الشيرازي. 2- السيّد محمد الفشاركي. 3- الشيخ محمد باقر الاصطهباناتي. 4 - الشيخ فضل الله النوري. 5- السيّد إسماعيل الصدر الكاظمي. 6- الشيخ آقا رضا الهمداني. 7- الشيخ عباس بن علي آل كاشف الغطاء. 8- وولده الميرزا آقا علي الشيرازي، والسيد المجدّد بدوره يروي عن شيخه الأعظم الأنصاري، كما أنّه يروي أيضاً عن أستاذه السيّد حسن المدرس. ينظر: المرعشي النجفي، الإجازة الكبيرة: ص 424، ص 420، ص 108، ص 420، ص 405، ص 100، ص 427، ص 67، ص 236؛ محمد مهدي الإصفهاني، أحسن الوديعة: ص 132.

علاقة المحقّق الهمداني بأستاذه السيّد المجدّد

يبدو أنّ العلاقة بدأت من حين حضورهما جميعاً تحت منبر الشيخ الأعظم، فقد هاجر (1) المحقّق الهمداني إلى النجف الأشرف حوالي سنة 1270ه- فتكون مدة استفادته من محضر الشيخ الأعظم (المتوفي سنة 1281 ه-) حوالي عشر سنوات، وفي تلك الفترة كان اسم السيّد المجدّد يتكرر كثيراً في الأوساط العلمية ببركة الإشادة المتكررة من أستاذه الشيخ الأعظم وإن سبقه بذلك الشيخ صاحب الجواهر قدس سره. ثم بعد وفاة الشيخ الأعظم اختصّ شيخنا المترجم بالسيد المجدّد الشيرازي أسوة ببقية من كان يلوذ بالشيخ الأعظم أمثال الملا محمد كاظم الخراساني (صاحب الكفاية)، والسيد محمد الفشاركي الأصفهاني، والسيد إسماعيل الصدر وغيرهم من الأفذاذ الذين وجدوا بالسيد المجدّد بغيتهم وشفاء غليل صدورهم، وتُعد هذه الرسالة الشريفة من ثمرات ذلك الحضور المبارك لدرس السيّد المجدّد، فهي مؤرخة بسنة 1287ه-.

الهجرة الى الناحية المقدسة

وبعد انتقال السيّد محمد حسن الشيرازي من النجف إلى سامراء المشرّفة، واتّخاذها عاصمة لحوزته المباركة وذلك في سنة 1291ه-، التحق به الخواصّ من تلامذته وكان من بينهم شيخنا المترجم وقد اصطحب معه ابن أخته الشيخ علي بن نصر الله الهمداني (2) ويمكن معرفة فترة هجرته إلى سامراء بملاحظة أمرين:

الأول: هو اتّفاق المصادر (3) التي ترجمت له على أنّه غادر سامراء في مطلع القرن الرابع عشر أي في أوائل سنة 1300ه-.

والثاني: هو تصريح الشيخ آقا بزرك الطهراني بأنّه مكث في سامراء (سنين طوالاً) حيث قال: (هاجر إلى سامراء فلازم درس السيّد المجدّد الشيرازي سنين طوالاً، وكان

ص: 15


1- محمد أمين، مرآة الشرق: ص 710؛ وينظر: العلّامة النقوي، أقرب المجازات: ص 306.
2- السبحاني، موسوعة الطبقات: ج 14 ق 1 ص 455.
3- ينظر: المحقّق الهمداني، مصباح الفقيه: ج 1 مقدمة التحقيق ص 17، الإجازة الكبيرة: ص 414.

يكتب تقريراته، داوم على ذلك مدة مديدة إلى أن اشتهر أمره بين العلماء والأفاضل وبرز بين زملائه بروزاً ظاهراً، وعدّ من أعاظم تلاميذ السيّد المجدّد وأبرعهم في الفقه وأطلعهم في الأصول، و عاد إلى النجف في حياة أستاذه).

فبملاحظة هذين الأمرين يظهر أنّه التحق بأستاذه المجدّد سنة 1292 ه- أو 1293ه- حتى يصدق عليه تعبير الشيخ الطهراني السالف الذكر .

تأليف بعض أجزاء مصباح الفقيه في سامراء

بدأ المصنف تأليف كتابه الشهير "مصباح الفقيه" في مدينة النجف الأشرف كما يظهر ذلك في آخر كتاب الرهن (1) حيث صرح بأنّه قد فرغ عن تسويده في يوم الخميس من شهر جمادى الآخرة في سنة 1291ه- ولكن سيأتي من المصنّف في مقدمة هذه الرسالة أن كتاب الرهن قد أنهاه قبل سنة 1287ه-، ولذلك يظهر من البعض أن كتاب الرهن ليس من كتب مصباح الفقيه (2) وكيفما كان فقد أكمل الركن الثالث من كتاب الطهارة (3) في مدينة سامراء حيث أنهاه في يوم الأحد رابع جمادى الثانية من سنة 1299 ه- ومن المعلوم أنّه كان يسكن في تلك الفترة بسامراء ومنه يعرف أن ما ورد في ترجمته من أنَّه: اشتغل في زمانه - أي زمان المجدّد - بالتدريس والتصنيف(4) يشمل مرحلة وجوده في النجف وسامراء على حد سواء وان كان يظهر من البعض انه اشتغل بالتصنيف والتدريس حين العودة إلى النجف الأشرف.

ص: 16


1- المحقّق الهمداني، مصباح الفقيه: ج 6 ص 387.
2- ينظر: محمد أمين، مرآة الشرق: ج 1 ص 117؛ حيث أفرد كتاب الرهن بالذكر على حدة بعد أن ذكر كتاب مصباح الفقيه. ينظر: الذريعة: ج 21 ص 115؛ معارف الرجال: ج 1 ص 324.
3- المحقّق الهمداني، مصباح الفقيه: ج 6 ص 387.
4- العلّامة النقوي، أقرب المجازات: ص 306؛ حسن الصدر، تكملة أمل الآمل: ج 3 ص 59.

العودة إلى سامراء في نهاية سنة 1321ه_

بعد أن قضى شيخنا المحقّق حوالي (20) سنة مبتعداً عن سامراء، ساقه القدر للعودة إليها مرة أخرى، ولكن هذه المرة لتكون هي مثواه الأخير ومقره الأبدي فقد أصيب بالمرض ونصحه الأطباء بالانتقال من النجف فقصد الناحية المقدسة مدينة العسكريين علیهما السلام والتي يصفها الإمام الهادي علیه السلام بأنها: (طيب هوائها وعذوبة مائها وقلة دائها) وهو ما كان يحتاج إليه شيخنا المحقّق قدس سره ومن جهة أخرى هي كما يصفها السيّد حسن الصدر: (مجمع العلماء والفضلاء بل هي العلم اليوم أروح فيها من النجف بواسطة وجود المولى الحجة الميرزا محمد تقي الشيرازي دام بقاؤه وحرسه الله تعالى وحماه) (1) .

وينقل السيّد النقوي انه: ( أبتُلي رحمه الله في أواخر أيام حياته بمرض السلّ ولم يُجده العلاج فذهب إلى سامراء لتبديل الهواء، وبقي هناك عدة أشهر حتى تُوفيّ في صبيحة الأحد الثامن والعشرين (2) من شهر صفر سنة 1322 ه- ودفن في الرواق المطهر بسامراء في الجهة الشرقية منه تجاه قبر الطاهرة حكيمة خاتون في الصَفّة الأخيرة التي لها شباك على زاوية الصحن الشريف العسكري) (3).

ولما كان في حياته المباركة مواسياً لأئمّة الهدى علیهم السلام في الناحية المقدسة يعيش معهم الغربة ويساهم برفع الوحشة عن ديارهم تشرف مرة أخرى وهو ميت بأن يشاركهم هدم قبورهم المباركة فقد اختفى أيُّ معلم يدل على قبره الشريف بعد التفجير الآثم (4)

ص: 17


1- حسن الصدر، تكملة أمل الآمل: ج 6 ص 426.
2- في الإجازة الكبيرة: ص 414، يذهب الى أنه توفي في 22 صفر.
3- أقرب المجازات: ص307، وينظر: الدرر البهية ج 1 ص 374؛ معارف الرجال: ج 1 ص 324.
4- قام إرهابيون نواصب يرتدون زي الشرطة العراقية، بتفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري علیهما السلام، وذلك بتاريخ: 23/ محرم الحرام/ 1428 - الموافق 22 فبراير 2006. وكان للخبر وقع الصاعقة على المسلمين في العراق وغيره، وكادت أن تقع الفتنة بين أبناء البلد والدين الواحد لولا لطف الله تعالى وحكمة المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الأشرف، حيث سارع مراجع الدين في النجف الأشرف إلى الدعوة إلى ضبط النفس، وعدم الانجرار وراء فتنة طائفية. وأصدروا بيانات استنكروا فيها الجريمة، ودعوا الناس إلى ضبط النفس. وجاء في بيان المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله): (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ سورة التوبة: 32. إن الكلمات قاصرة عن إدانة هذه الجريمة النكراء، التي قصد التكفيريون من ورائها إيقاع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي، ليتيح لهم ذلك الوصول إلى أهدافهم الخبيثة. إن الحكومة العراقية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة في وقف مسلسل الأعمال الإجرامية التي تستهدف الأماكن المقدسة، وإذا كانت أجهزتها الأمنية عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة، فإن المؤمنين قادرون على ذلك بعون الله تبارك وتعالى. إننا إذ نعزي إمامنا صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف بهذا المصاب الجلل نعلن الحداد العام لذلك سبعة أيام، وندعو المؤمنين ليعبروا خلالها بالأساليب السلمية، عن احتجاجهم وإدانتهم لانتهاك الحرمات واستباحة المقدسات، مؤكدين على الجميع وهم يعيشون حال الصدمة والمأساة للجريمة المروعة، أنْ لا يبلغ بهم ذلك مبلغاً يجرّهم إلى اتخاذ ما يؤدي إلى ما يريده الأعداء من فتنة طائفية، طالما عملوا على إدخال العراق في أتونها. 23/ محرم الحرام/ 1427ه-.

الذي طال المرقد المطهر، وكان لنا سعي حثيث لتعيين قبره الشريف ولمسنا قبولاً طيباً وغيرةً من الأمانة العامة للعتبة العسكرية المقدسة على تحقيق هذا الأمر، وقد أوشك ذلك السعي أن يثمر والحمد لله أولاً وآخراً.

التعريف بالرسالة ووصف النسخة الخطية

لم تذكر هذه الرسالة بالكتب والموسوعات المعنية بالمخطوطات - كما أسلفنا في مقدمة المركز - سوى إشارة بسيطة في بعضها ولو لا ما خطّه الشيخ الهمداني بقلمه المبارك على صفحاتها الأولى قائلاً: (تفصيل ما في هذا المجلد من مباحث الخلل كتبتها أوقات حضوري مجلس سيد مشائخنا السيّد الأجلّ الآقا ميرزا محمد حسن الشيرازي دام ظله العالي...)، لم يكن لنهتدي لمعرفة مؤلفها ولبقيت مجهولة أسوة بباقي تراث أعلام سامراء.

والمتن المعتمد للرسالة هو كتاب الشرائع للمحقق الحلّي كما هو المتعارف في ذلك الزمن قبل ان تتصدر العروة الوثقى للسيد اليزدي المشهد الفقهي.

ص: 18

وصف النسخة

وهي نسخة فريدة، موجودة في مكتبة الإمام السيد محسن الحكيم برقم (1136-1) وقد كتبت بخط المصنف بخط التعليق وعناوين موضوعاته بخط الثلث وتقع في اربع وثمانين صفحة، والصفحة قياس (15سم × 20سم)، وعدد الأسطر في كل صفحة بمعدل عشرين سطراً. وتشمل على بعض السقط والطمس ولكنها في الجملة جيدة.

عملنا في التحقيق

1- قمنا بتقطيع النص وفق المعايير الفنية مع إضافة بعض العناوين الجانبية ووضعها بين معقوفين.

2- تخريج الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال الفقهاء والأصوليين وكلمات اللُغويين.

3- قام المصنف في بعض الموارد بتذكير ما حقّه التأنيث أو بالعكس ولم نعمل على تغييره إلا في موارد تقتضي ذلك.

وفي الختام أجدّد شكري وتقديري لجميع الأخوة الأعزّاء ممّن ساهم في إخراج هذا الأثر النفيس، وأخصُّ منهم بالذكر الأخوة في شعبة التحقيق وهما الشيخ أياد حميد الطائي والشيخ جعفر الفتلاوي والمقوّم اللّغوي الشيخ عقيل الدراجي والأخ العزيز محمود نادر الفياض الذي قام بإدخال البيانات والمعلومات والى جميع من أسهم بتقديم ملاحظة أو مشورة وخصوصاً مَن لا يرغب بذكر اسمه تواضعاً منه وإمعاناً في

إخلاص النيّة.

مركز تراث سامراء

ص: 19

الصورة

صورة الصفحة الأولی من المخطوطة

ص: 20

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة

ص: 21

ص: 22

مُقَدَّمَةُ المُصَنّف

ص: 23

ص: 24

مقدمة المصنف:

تفصيل ما في هذا المجلد: جملة من مباحث الخلل كتبتها أوقات حضوري مجلس سيد مشايخنا السيّد الأجل الآقا ميرزا محمد حسن الشيرازي (دام ظله العالي).

ومنها: رسالة مستقلة في مسألة الصلاة في الثوب المشتبه (1).

ومنها: كتاب الرهن كتبتها في تلك الأوقات الشريفة،.

ومنها: كتاب الصوم من مصنفات شيخ مشايخنا المرتضى قدس سره

ومنها: مسألة مستقلة كتبتها في حكم من اشترى أمة نسيئة ولم ينقد ثمنها فأعتقها وتزوجها فمات ولم يخلف سواها.

وأنا العبد الفاني محمد رضا الهمداني

كتاب مسطور في رقٍّ منشور (2)، قد تحلّى نور إفاضات سيد مشايخنا - أدام الله أيام إفاضاته - حلية السؤدد السؤّد (3) بيد أحقر الخلائق محمد رضا الهمداني.

كرر النظر، وأوسع الجهد، فأنّه لقد جفَّ القلم، بما هو كان، وأنَّ كل تأمّل ونظر لفي شأن، فلعمري على من التقطه - لو ضاع - أنْ يرده إلى مؤلفه، [قال تعالى:] (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (4) .

تحريراً في شهر جمادى الثانية سنة 1287ه-

ص: 25


1- صرح في مصباح الفقيه: ج 10 ص 250، بأنها من إفادات السيد المجدد الشيرازي. ينظر: أقرب المجازات: ص 306؛ مرآة الشرق: ج 1 ص 711؛ معارف الرجال: ج 1 ص 324.
2- استعارة تخييلية.
3- كذا في الأصل، والأنسب: (سُودَ).
4- سورة النساء: 58.

ص: 26

رِسَالَةُ فِي حُكْمِ الخَلَلِ الوَاقِعْ فِي الصَّلَاة

اشارة

ص: 27

ص: 28

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

ولنقدم - قبل الخوض في المقصود - مقدمة وهو البحث عن وجوب معرفة ماهية العبادات، وأحكامها، وحكم ما يعرضها من الطوارئ.

فنقول: لا ريب أنَّ المسائل الفرعية، ليست مما يكون معرفتها من حيث هي مطلوبة للشارع كالمقام، بل مطلوبيتها إنما هي للعمل (1) ولو قلنا بوجوبها النفسي؛ إذْ لا منافاة بين كون الشيء واجباً نفسياً وكون الغاية شيئاً آخر.

ثمَّ إِنَّ وجوب العلم بالمسائل في الجملة مما لا إشكال فيه، وإنما الكلام في أنَّه واجب نفسي كما نسب إلى بعضٍ (2)، أو غيري كما هو المشهور (3)؟

وعلى فرض كونه غيرياً، هل هي مقدمة شرعية للعبادات كالوضوء للصلاة أو مقدمة عقلية، بمعنى: أنَّ العقل يحكم بوجوبه؛ لأجل توقف امتثال الأوامر والنواهي

ص: 29


1- ينظر: العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: ج 1 ص13.
2- الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج 2 ص 110، مبحث مكان المصلي.
3- يُنظر: الشهيد الثاني، المسالك: ج 1 ص 240؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج1 ص 272؛ نهاية الأحكام: ج 1 ص 473؛ السيد العاملي، مدارك الأحكام: ج 3 ص 342؛ الطباطبائي، رياض المسائل: ج 3 ص 382؛ النراقي، مستند الشيعة: ج 5 ص 82؛ البهبهاني، المصابيح: ج 7 ص 231؛ النجفي، الجواهر: ج 9 ص300؛ الشيخ عبد الكريم الحائري، كتاب الصلاة: ص 198؛ بل أدعى عليه الإجماع في: المعتبر: ج 2 ص 169؛ الذكرى: ج 3 ص 310.

عليه؟

وما يظهر للمتأمل – بعد إمعان النظر - اندفاع توهم كونه واجباً شرعياً - نفسياً كان أو مقدمياً - ؛ لعدم مساعدة دليل عليه، بل الظاهر أنَّ وجوبه ليس إلّا لحكم العقل بوجوب إطاعة المولى وامتثال أوامره ونواهيه، وهي متوقفة على معرفة ماهيات موضوعات الأحكام وأحكام تلك الماهيات، وما يعرضها من الطوارئ مما ينافيها.

فاللازم تشخيص مقدار ما يحكم العقل بوجوبه؛ لأجل توقف الإطاعة عليه وأنها لا تحصل بدونه. فالتكلّم حينئذٍ في أنَّ الإطاعة هل يتوقف حصولها على معرفة تلك الأشياء مفصّلاً - مع اطمئنانه حال الفعل بسلامة المأتي به عن طروء المنافي-، أم يكفي في تحققها مجرد

إتيانه بداعي الأمر بأي وجه تحقق في الخارج؟ فهنا:

مسائلُ ثلاث

الأولى:

في وجوب معرفة ماهية العبادة، وعدم كفاية إتيانها في ضمن المحتملات في تحقق الإطاعة.

وهذه المسألة مبنية على عدم تجويز التكرار في العبادات، بل مطلق الاحتياط فيها ولو بإتيان شيء محتمل الجزئية مع التمكن من المعرفة التفصيلية، وأما على القول بالجواز - كما هو الظاهر - فالمتجه عدم الوجوب.

الثانية:

وجوب معرفة أحكامها من الوجوب والندب.

وهذا إن قلنا بوجوب قصد الوجه في تحقق الإطاعة، وإلّا فالوجه العدم.

ص: 30

الثالثة:

اشارة

في البحث عن الطوارئ، والتكلّم فيه تارة في وجوب معرفة حكم الطوارئ، وأخرى في وجوب تحصيل الاطمئنان حال الفعل بسلامته عن طريان المنافي له، والتجنّب عن مظانّ المنافيات، والجزم بأنَّ المأتي به هو المطلوب الواقعي.

[الكلام في القسم الأخير من المسألة الثالثة]

ولنتكلم أولاً في القسم الأخير: وهو وجوب تحصيل الاطمئنان حال الفعل بتمكن المکلف عن إيجاد المأمور به في ضمن هذا الفرد الذي اختاره؛ لأجل امتثال الأمر. ولا يخفى أنَّ الكلام في هذا المقام فيما لو تمكن المكلّف عن تحصيل الاطمئنان ورفع التردد، وأما لو لم يتمكن من تحصيله فلا إشكال في عدم اعتباره، كما لو اشتغل بالحج وهو لا يعلم أنه يتم العمل على الوجه الصحيح؛ لاحتمال طروء الموت في البين أو بليّة أخرى لا يقتدر على دفعها احتمالاً قوياً كما في بعض الأحيان.

فمورد الكلام مثل ما لو صلى في مكان يحتمل أو يظن عروض المزاحم للصلاة في ذلك المكان في البين مع تمكنه عن إتيان الصلاة في مكان آخر خالٍ عن المزاحم قطعاً، وكان قاصداً لإعادتها لو طرأ المفسد.

واختياره لهذا الفرد لغرض عقلائي كزيادة الثواب أو السهولة عليه وغيرهما من الأغراض الصحيحة.

وقيد (القصد) لإخراج صورةِ [ما لو] لم يكن قاصداً لإتيان الفعل على كل تقدير، بل يقصد الإتيان بواحد من المحتملات، فإنْ طابق الواقع فهو، وإلا فيتركه. ومعلوم أنَّ الالتزام بعدم تحقق الإطاعة - في هذا الفرض - غير مستلزم للالتزام بعدم تحققها فيما لو كان قاصداً لإتيان جميع المحتملات غير جازم حين الفعل بأنَّ هذا هو المطلوب الواقعي كما لا يخفى.

وأما اعتبار قيد (الآخر) فلدفع ما قد يتوهم من أنَّ هذا الشخص الآتي بهذا الفرد

ص: 31

المشكوك مع تمكنه عن إتيان فرد متيقن الفردية لاعبٌ بأمر المولى، فلا يتحقق الإطاعة بفعله.

والحاصل: أنه يشترط في العبادة الجزم أو يصح مع الترديد أيضاً لو أتى بالمأمور به بداعي الأمر؟

والذي يظهر من كلمات العلماء - رضوان الله عليهم - تسالمهم على اشتراطه، والجزم (1) في صحة العبادة، وبطلانها مع الترديد (2). وظاهرهم عدم استنادهم في هذا الشرط إلى أمر شرعي، بل مستندهم توقف الإطاعة عليه.

فعلى هذا نقول: إنَّ مقتضى الإنصاف أنَّ العقل لا يحكم إلا بوجوب إتيان المأمور به بداعي الأمر، وإنَّ الإطاعة في نظر العقلاء ليست إلّا هذا، وإنها تتحقق بمجرد إتيان الفعل؛ امتثالاً لأمر المولى سواءً كان جازماً حين الفعل بأنه عين المأمور به، أم متردداً ولكنه قاصدٌ على (3) إتيانه بعد ذلك على فرض التخلف وعدم السلامة عن عروض الطوارئ.

وبالجملة، لا فرق في نظر العرف في تحقق الإطاعة بين إتيان المأمور به بداعي الأمر مع علم العبد مفصلاً بكونه مأموراً به وبسلامته عن الطوارئ، وبين إتيانه في ضمن عدة أشياء يعلم بأنَّ أحدها لا بعينه هو المأمور به، وكذا بين أنْ يأتي بشيء بداعي الأمر متردداً في كونه هو المأمور به بانياً على تفتيش حاله بعد الفراغ، فإنْ اتفق مصادفته للواقع فهو، وإلا فيأتي بما يطابق المطلوب.

نعم، يمكن أنْ يقال: إنَّ الإطاعة ليست مجرد إتيان الفعل بداعي الأمر، بل الإطاعة

ص: 32


1- كذا في الأصل والصحيح: (اشتراط الجزم).
2- ينظر: المحقّق الكركي، جامع المقاصد : ج 1 ص 507، ج 2 ص 226؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج 1 ص 347؛ البهبهاني، مجمع الفائدة: ج 5 ص 164؛ المحقّق الهمداني، مصباح الفقيه: ج 2 ص 160.
3- كذا في الأصل والأنسب: (الى).

عبارة عن تحصيل غرض المولى، وحكم العقلاء بحصول الإطاعة بمجرد إتيان الفعل بداعي الأمر في أوامر الموالي بالنسبة إلى عبيدهم إنّما هو لأجل معلومية الغرض عندهم في هذه الموارد غالباً، وإلّا فلو علم في مورد أنَّ غرض المولى من الأمر شيء آخر وراء نفس المأمور به ولا يعلم بحصوله لا يحكم بحصول الإطاعة بمجرد إتيان الفعل بداعي الأمر، بل يحكم بالعدم.

وعلى هذا لو شك في أنَّ غرض المولى هل هو مجرد إيجاد المأمور به، أو إتيانه على كيفية مخصوصة؟ يجب بحكم العقل الاحتياط؛ إذْ بدونه لا يقطع بالإطاعة.

إذا عرفت ذلك؛ علمت أنه يمكن أنْ يقال : لعلَّ غرض الشارع تعلَّق بإيجاد المأمور به على سبيل الجزم لا متردداً؛ وعلى هذا فيشكّ في الامتثال ويجب الاحتياط، وليس الشك في كون الشيء شرطاً في حصول الإطاعة من قبيل الشك في الأجزاء والشرائط المعتبرة في المكلف به حتى يقال فيه بالبراءة - إنْ قلنا بها فيها -؛ إذْ بينهما فرق بيّن، كما حققناه في محله (1).

هذا، ولكنَّ الإنصاف أنه لا يبقى الشكّ - بعد التأمل - في أنَّه لو تعلّق غرض الشارع بامتثال أوامره على نحوٍ خاص لا مجرد إتيان المأمور به بداعي أمره كما أنَّ الإطاعة العُرفية كذلك؛ لوجب عليه البيان.

وامتناعُ إدراجه تحت الطلب المتعلّق بالمأمور به في عرض سائر الأجزاء والشرائط، غيرُ موجبٍ للامتناع مطلقاً، ولو في ضمن أمر آخر.

مع أنه يمكن دعوى القطع من ملاحظة الأخبار المتكاثرة المتظافرة (2) التي يستفاد منها كيفية الإطاعة؛ بأنها تتحقق بإتيان المأمور به خالصاً لوجه الله الكريم بداعي أمره، ولا شبهة أنَّ هذا المعنى موجود فيما نحن فيه؛ لأنَّ المفروض أنه أتى بالفعل بداعي أمر الله تعالى متقرباً إليه متمحضاً له، غاية الأمر عدم جزمه حال الفعل أنَّ هذا هو المأمور

ص: 33


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 1 ص 386.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 1 ص 59 .

به أو ما يأتيه فيما بعد، وهذا غيرُ موجب لانتفاء الإخلاص وقصد التقرّب، وإلا للزم الالتزام بسقوط الواجب رأساً مع التعذّر عن الامتثال التفصيلي وعدم جواز الاحتياط في العبادات أصلاً؛ ضرورة اعتبار قصد التقرّب في صحة العبادة مطلقاً، وهذا بيّنُ الفساد.

وبما ذكرنا؛ ظهر أنَّ الأقوى صحة عبادة من لم يعلم أحكام الطوارئ مع بنائه على إيجاد فعل صحيح، فيقصد من أول الأمر أنه لو لم يعرض العارض في البين فهو، وإلا فيعالجهُ بنحو من الأنحاء حتى يقطع بفراغ الذمة.

توضيحه: أنَّ الجاهل بأحكام الطوارئ من الشكوك والشبهات والنقائص والزيادات الطارئة في أثناء العبادات كالصلاة وغيرها حال إرادة فعلها، إما أنه مطمئن بعدم عروض شيء مما يجهل حكمه في الأثناء؛ لاستفادته من عادته حيث استقرت على إتمامها من دون طروء شيء منها، وإما لا؟

وعلى الأول: لو أتمَّ الصلاة من دون طروء مفسد؛ قد تمت صلاته بلا تأمل؛ إذْ قد عرفت أنَّ المعرفة ليست شرطاً للعبادة فتكون مقدمةً شرعيةً كالوضوء، بل إنما وجبت للتمكّن عن امتثال المأمور به، والمفروض أنه أتى به قاصداً جازماً متقرباً به إلى الله تعالى، فلا وجه للفساد كما لا يخفى.

[تصوّر كيفية الإقدام مع عدم الاطمئنان بطروء المفسد]

[وعلى الثاني]: وأما إذا لم يكن مطمئناً، بل يحتمل عروضها في البين احتمالاً معتنى به عند العقلاء، ومع ذلك أقدم على الفعل فهذا يتصور على قسمين:

أحدهما: أنْ يقصد الاكتفاء بالفرد الذي يأتي به سواء اختل المأمور به بمفسد في البين أم لا، فهذا الشخص غير قاصد للامتثال على كل تقدير، بل قاصد للامتثال على فرض تحقق المأمور به في ضمن هذا الفرد بانٍ على تركه في صورة التخلّف. والظاهر أنَّ صدق الإطاعة والانقياد عُرفاً في الواجبات على هذا الفرض لا يخلو

ص: 34

عن تأمل؛ لكون القصد فيها مشوباً بالتجرّي.

وهذا بخلاف المستحبات؛ حيث لا تجرّي فيها، نظير ما لو أتى بواحد من المحتملات بقصد أنه إنْ كان هذا هو المستحب الواقعي فهو، وإلّا فتارك له. ولا شبهة أنَّ الآتي به في هذه الصورة مستحق للثواب ومطيع لأمر مولاه؛ لما عرفت غير مرة أنَّ الإطاعة إيجاد الفعل لله تعالى متقربا به إليه، وهذا المعنى موجود في هذا الفرض؛ إذ المفروض انطباقه مع الواقع.

وهذا التقريب وإنْ أمكن أنْ يقال بمثله في الواجبات أيضاً، ولكنَّ الإنصاف أنَّ اختلاط التجرّي في البين موجبٌ للتردّد في صدق الإطاعة؛ لكونه بمنزلة الآتي بالفعل من دون قصد الامتثال، فتأمّل.

وأما القسم الآخر: فهو أنْ يكون بانياً على إيجاد المأمور به على وجه طلبه الشارع، وذلك: إما بأنْ يريد إتمام الصلاة التي اشتغل بها على أي تقديرٍ، بإرادة أنه إنْ لم يعرض في البين شيءٌ يوجب الشك فهو، وإلا فيفتّش عن حاله ويسأل عنه أهل الذكر، فإنْ تبين كونه مفسداً يعيد، وإلا فيمضي عليه.

أو بإرادة إعادتها إلى ما شاء الله حتى يصلي صلاة يقطع بصحتها، وقد عرفت فيما سبق (1) أنَّ كلامنا في هذا المقام في كل مورد لا يكون لاعباً بأمر المولى، بل يكون بناؤه على التكرار لأجل غرض عقلائي مثل السهولة عليه وصعوبة الاستعلام وغير ذلك.

وإما بأنْ يريد قطعها في حال عروض شيء من الطوارئ حتى يصلي صلاة خالية مما يحتمل كونه مفسداً.

والظاهر صحة العبادة على هذه التقادير كلها؛ لما عرفت مراراً من تحقق ما هو المناط في صدق الإطاعة والانقياد.

نعم، لو كان عالماً بحرمة القطع وكان بانياً عليه، يشكل صدق الإطاعة في هذه

ص: 35


1- تقدم: ص 31.

الصورة؛ لما عرفت في الوجه المتقدم لنفي الصدق في القسم الأول، وما ذكرنا من عدم اعتبار الجزم في تحقق الإطاعة، وإنْ كان مقتضى التحقيق ويشهد عليه النظر الدقيق.

لكنَّ الإنصاف: أنَّ الالتزام به والجري عليه والإفتاء على طبقه – بعد ملاحظة أنَّ اعتبار الجزم عند العلماء (رضوان الله عليهم) من المسلّمات، وأنهم مُفتون ببطلان عبادة المتردد من غير نكير - في غاية الإشكال، فالاحتياط مما لا ينبغي تركه خصوصاً لو كان متردداً من أول الأمر.

لا يقال: إنَّ الإجماع منعقد على اعتبار الجزم في العبادات فكيف تدّعي الصحة بدونه وتظنّ أنها مقتضى التحقيق؟

لأنّا نقول: -بعد تسليم الإجماع - إنَّ مدركه توهّمهم عدم تحقق الإطاعة بدونه كما يظهر من استدلالاتهم، وقد أومأنا إليه فيما سبق، ونحن بعد ما عرفنا فساد المبنى و علمنا أنَّ الإطاعة تتحقق بدونه عرفاً وشرعاً، فلا ينبغي لنا الركون إليه.

مع أنَّ انعقاد الإجماع غير معلوم، بل معلوم العدم؛ لأنَّ منهم من يظهر من كلماته الالتزام بصحة عمل المحتاط وأنه لا يجب تحصيل المعرفة التفصيلية في مقام الامتثال، بل لا يبعد شيوع الالتزام المذكور بين المتأخرين في غير ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العمل فراجع كلماتهم (1)، وتأمل. والله العالم.

ص: 36


1- الشهيد الثاني، روض الجنان: ج 1 ص88؛ النجفي، الجواهر: ج 1 ص 300.

«الفصل الأول:» في بيان أحكام «الخلل الواقع في الصلاة»

«الفصل الأول:» في بيان أحكام «الخلل الواقع في الصلاة» (1)

الخلل يطلق على معانٍ عديدة، ومنها الفُرجة بين الشيئين، والفساد في الأمر، والوهن في الشيء، والنقص، والترك، والاضطراب، وعدم الانتظام، والتغيّر (2)، وغير ذلك.

والظاهر أنَّ استعماله في كثير منها على سبيل التجوّز أو لتحقّق الجامع الذي هو الموضوع له في الحقيقة في ضمنه.

والذي يظهر أنَّ إرادة الفُرجة في المقام غير مستقيمة؛ لأنَّ الإخلال كما يكون في الأثناء، فكذلك قد يكون في الابتداء والانتهاء كالإخلال بالتكبير والسلام. وكذا إرادة الفساد؛ لأنَّ الإخلال بالأشياء الآتية كترك جزء عمداً أو سهواً أو زيادته كذلك ليس فساداً أصلاً، بل قد يكون مفسداً وقد لا يكون مفسداً - ولو عرفاً- كزيادة شيء سهواً، فإطلاق الفساد وإرادة المفسد -مع أنه مسامحة- غير مطّرد.

وهكذا إرادة النقص والترك؛ إذ الإخلال كما أنه يتحقق بالنقيصة كذلك يتحقق بالزيادة أيضاً، كما سيتضح إن شاء الله تعالى.

ولكنْ يمكن الذبّ عنه بأنَّ مرجعه إلى ترك ما هو شرط في الصلاة أعني: عدم زيادة هذا الشيء؛ إذ لا يتحقق الإخلال بزيادته لو لم يكن عدمه شرطاً.

نعم، يشكل إرادة هذا المعنى نظراً إلى عدّ الشكوك من الخلل؛ إذْ من المعلوم أنَّ الشك في الركعات أو الأجزاء ليس نقصاً أو تركاً في الصلاة، وإنّما هو وصف يعرض المصلي قد يوجب الفساد، لا لأجل كونه مفسداً بنفسه، بل لأجل تحيّر المصلي؛ حيث لا يعلم أنه صلى ركعة أو ركعتين حتى يبني عليها صلاته، فاعتبار العلم أو الظن إنّما هو لإراءة الواقع من دون مدخليته في ذات المأمور حتى يوجب انتفاؤه، فقد شرط في المأمور به، فطروء الشك موجب لتحيّر المصلي بحيث لا يقدر على إتمام الصلاة على

ص: 37


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج 1 ص 86.
2- الجوهري: الصحاح: ج 4 ص 1687؛ الطريحي، مجمع البحرين: ج 5 ص 365.

وجه تعلق الأمر بها بحيث يقطع بفراغ ذمته، لا أنه يُحدِثُ نقصاناً في المأمور به.

وهذا هو السُّر في التزام مَن (1) التزم بعدم جواز إبطال الصلاة وقطعها بمجرد طريان الشك، بل لا بدَّ من التروّي حتى يتحقق الفعل الكثير بسبب ذلك، ویستند الإبطال إليه، وقد لا يوجب الفساد أيضاً، ومما ذكرنا ظهر وجه آخر لعدم استقامة إرادة الفساد فيما نحن فيه.

وأما الاضطراب وعدم الانتظام والتغيّر وغير ذلك، فالظاهر أنَّ كلاً منها ليس معنى حقيقياً مبايناً للآخر بل الكل من أقسام الوهن.

ومن جميع ما ذكرنا تبيّن: أنَّ المناسب بالمقام إرادة الوهن كما لا يخفى.

(وهو) - أي الخلل - إما أنْ يكون مسبباً (عن عمدٍ) من عمد الشيء (2) وعمد إليه إذا قصده وأوجده عن التفات فمعنى إيقاع الخلل عمداً إيجاده ملتفتاً إلى كونه مخلاً بالصلاة، وإلّا فليس متعمداً في إيقاع الخلل وإنْ كان ملتفتاً إلى نفس الفعل وعنوانه، فهو عامد في أصل الفعل وعنوانه - ككونه تشهّداً أو سلاماً - دون كونه مخلاً بالصلاة ما لم يلتفت إليه.

(أو سهوٍ) قد يطلق السهو (3) ويراد به زوال الصورة المعلومة عن المدرِكة مع بقائها في الخزانة، بحيث يرتفع بأدنى التفاتٍ، فيكون في مقابل النسيان، وهو زوال الصورة مطلقاً بحيث يحتاج الالتفات إليها إلى كسب جديد.

وقد يطلق على الأعمّ (4) وهذا هو المراد هنا؛ ولذا لم يتعرض لذكر النسيان مع أنه

ص: 38


1- ينظر: الشهيد الثاني، المسالك: ج 1 ص 42؛ البحراني، الحدائق: ج 9 ص209؛ البهبهاني، المصابيح: ج 9 ص 321.
2- الخليل، العين: ج 2 ص 57.
3- ينظر: الجوهري، الصحاح: ج 6 ص 2386؛ الطريحي، مجمع البحرين: ج 1 ص 239؛ الزبيدي، تاج العروس: ج 19 ص 555.
4- ينظر: الجوهري، الصحاح: ج 6 ص 2386؛ الزبيدي، تاج العروس: ج 19 ص 555.

يترتب عليه الأحكام الآتية؛ كما سيتضح إن شاء الله تعالى.

(أو شكٍ) وهو تردد الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحان لأحدهما (1) وهو بالجر عطف على سابقتها.

وحاصل المعنى: أنَّ الوهن العارض للصلاة:

إما أنْ يكون ناشئاً عن إهمال ما يعتبر في الصلاة عن عمد سواء كان ذلك بفعل ما يعتبر تركه أو ترك ما يعتبر فعله.

وإما أنْ يكون ناشئاً عن إهمال ما يعتبر فيها عن سهو، فيتحقق بسبب ذلك وهن في الصلاة.

وإما أنْ يكون ناشئاً عن شكٍ.

[وجه التفرقة بين الوهن الناشئ عن شكٍّ والوهن الناشئ عن عمدٍ أو سهوٍ]

ولا يخفى عليك أنَّ الوهن الناشئ عن شكِ في الصلاة ليس كالوهن الناشئ عن أخويه؛ لأنَّ الوهن الناشئ عنهما متعلّق بذات الصلاة من حيث هي، وهذا بخلاف الوهن الناشئ عن الشك؛ إذ الشك - وجوداً وعدماً - ليس معتبراً في الصلاة حتى يوهنها إخلاله، بل الوهن عرض لها بملاحظة المصلي؛ حيث إنها خرجت عن قابلية الإتمام على وجه يقطع المصلي بكونها هو المطلوب الواقعي، فهي في حدِّ ذاتها وإنْ لم تكن موهونة إلا أنها صارت موهونة من حيث الفائدة وكونها سبباً لإسقاط الأمر.

وبما ذكرنا من التوجيه ظهر فساد ما قيل (2): من أنه بالرفع عطف على الخبر؛ نظراً إلى أنَّ الشك ليس منشأ للخلل الحاصل في الصلاة، بل هو عينه وليس وراءه خلل ناشئ عنه؛ إذْ قد عرفت أنَّ الشك سبب للوهن كما أنَّ العمد والسهو كذلك فلا وقع لما ذكره وجهاً لهذا التكلّف.

ص: 39


1- ينظر: أبو الهلال العسكري، الفروق اللغوية: ص 264.
2- ينظر: العاملي، مفتاح الكرامة: ج 9 ص 268 .

نعم، لو أراد من الخلل غير ما ذكرنا كان لما التزمه وجه في الجملة، وإنْ كان لا يخلو أيضاً عن تأمل، ولكنك قد عرفت عدم استقامة غيره من المعاني.

هذا، مع أنَّ سوق العبارة يأبى عن الرفع كما يشهد به الطبع السليم.

وظهر أيضاً أنَّ ما ذكره الشهيد الثاني قدس سره في شرحه على اللمعة من: (أنَّ المراد بالخلل الواقع عن عمدٍ وسهوٍ، تركُ شيء من أفعالها، وبالواقع عن شكِ، النقصُ الحاصل للصلاة بنفس الشك) (1) ، لا يخلو عن تأمل.

[وجه التأمل]

أما أولاً: فلاختصاص الخلل في الأولين بالترك، مع أنك قد عرفت أنَّ الزيادة أيضاً قد تكون منشأ له، اللهمَّ [إلا] أنْ يعمَّ ترك الفعل بحيث يشمل الزيادة بالتقريب المتقدم.

وثانياً: فلتفسيره الخلل في الأولين بالترك وفي الثالث بالنقص، وقد عرفت أنهما معنیان متغايران فلا يجوز إرادتهما من استعمال واحد.

اللهمَّ إلا أنْ يقال: إنَّ المستعمل هو الجامع بينهما؛ إما لكونه الموضوع له حقيقة، وإما بعموم المجاز.

وثالثاً: فلما عرفت من أنَّ الشك غير موجب للنقص في ماهية الصلاة أصلاً وإنما يوجب وهناً فيها من حيث ترتب الفائدة عليها.

اللهمَّ إلا أنْ يراد من النقص في الصلاة هذا المعنى بنحو من المسامحة فتأمّل.

[حكم الخلل العمدي]

أما حكم الخلل الواقع في الصلاة الناشئ عن العمد فهو (إنَّ منْ أخلَّ بشيء) جزءًا كان أو شرطاً فعلاً أو تركاً (من واجبات الصلاة)، أي: من الأجزاء الملتئمة التي اعتبرها الشارع - بنحو من الاعتبار - وجعلها شيئاً وحدانياً، أو من الشرائط التي

ص: 40


1- الشهيد الثاني، الروضة البهية: ج 1 ص 696؛ الترحيني، الزبدة الفقهية: ج 2 ص 369.

اعتبرها الشارع في تحقق الالتئام (عامداً فقد أبطل صلاته) (1).

[المراد من الإبطال والصحيح في الصلاة]

والمراد بالإبطال نفي الإجزاء وعدم إسقاط القضاء، لا عدم إيجاد المطلوب الواقعي على ما هو عليه.

كما أنَّ المراد بالصحيح ما كان مسقطاً للقضاء، لا ما كان موافقاً للمطلوب الواقعي. وإلا لزم إطلاق الإبطال على من أخلَّ بشيء من المذكورات سهواً أيضاً؛ ضرورة انعدام الكل بانعدام جزئه أو شرطه مع أنّا نقول بالصحة في كثير من موارده فالمراد بالصحة ليس إلا إجزاءه عن الواقع وإسقاط القضاء بسببه.

وكيف كان، فالحكم المذكور مما لا إشكال فيه بحسب الظاهر؛ لأنَّ الطلب تعلَّق بالكل وهو ينتفي بانتفاء جزئه أو شرطه، والاكتفاءُ ببعض الأجزاء بدلاً عن الكل في صورة العمد ترخيصٌ من الأمر بالترك، وهو يناقض إلزامه بإيجاد المجموع من حيث المجموع فلا يتحقق بإيجاد البعض امتثال الأمر الذي تعلق بالكل فيجب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه بمقتضى الأمر؛ لحكم العقل بوجوب الإطاعة، والمفروض أنه لم يتحقق بعدُ؛ لكون المطلوب هو الكل دون البعض.

نعم، قد يتخيّل إمكان اكتفاء الآمر بالبعض فيما لو كان من قبيل تعدد المطلوب على بعض التقادير كما سنوضحه إن شاء الله تعالى، ولكنه يتوقف على دلالة دليل عليه ومع ذلك لا يخلو تصديقه عن تأمل.

وكيف كان، فلا إشكال ولا تأمل في أنَّ مقتضى الأصل الأوّلي البطلان ولو في حال السهو كما هو قضية الاعتبار والاشتراط، فإثبات الصحة في بعض المقامات التي نحكم فيها بالصحة إنّما هو لأجل دليل خارجي خاص كما في كثير من صور السهو والنسيان وبعض صور الجهل حيث دلَّ الدليل على الاكتفاء في هذه الصور وهذا بخلاف الفساد؛

ص: 41


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج 2 ص 183.

فإنه مطابق للأصل فلا يحتاج إثباته إلى دليل، بل يكفي فيه عدم ثبوت دليل الإجزاء. و من ذلك ظهر ضعف ما استند [إليه] بعضُ الأجلّة من: أنَّ ترك الجزء منهي عنه وهو يقتضي فساد العبادة (1)، وكذا التمسّك بالإجماع على فساد[عمل] من أخلّ بشيء من الأجزاء أو الشرائط عمداً؛ لأنَّ الفساد مستند إلى انتفاء المقتضي لا وجود المانع(2). وقد علم مما سبق أنّه لا يتفاوت في حكم العقل ببطلان الصلاة بإخلال واجب أصلاً (شرطاً كان ما أخلَّ به) كالوضوء والاستقبال أو( جزء اً منها) كالركوع والسجود، (أو كيفيةً) كالجهر والإخفات، (أو تركاً) (3) كالاستدبار والتكلّم والفعل الكثير ومرجع الأخيرين إلى الأولين كما لا يخفى.

وكذا قد تبيّن أنَّ مقتضى القاعدة الأولية الحكم ببطلان الصلاة بإخلال واجبٍ مطلقاً عمداً كان أو سهواً أو جهلاً أو نسياناً (4).

نعم، قد أشرنا إلى أنه ورد في بعض المقامات دليل خاص يدلّ على الإجزاء كما في كثير من صور النسيان بحيث انقلب الأصل فصار الصحة فيها أصلاً ثانوياً حاكماً على القاعدة المذكورة وبعض صور الجهل كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.

ف (لو فعل المصلي ما يجب تركه، أو ترك ما يجب فعله جهلاً بوجوبه) (5) قاصراً كان أم مقصراً فقد أبطل صلاته؛ إذْ لم يدلّ دليل على الإجزاء في شيءٍ منها عدا ما استثني - وسنذكره - فيجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه، هذا مضافاً

ص: 42


1- ينظر: البهبهاني، الحاشية على المدارك: ج 3 ص 254.
2- فالتعليل بالذاتي الصالح للعلّية أولى من التعليل بالعرضي. (المقرر قدس سره).
3- المحقّق الحلي، شرائع الاسلام: ج 1 ص 135.
4- وقد نقل عليه الإجماع في المسائل الرسّية (رسائل الشريف المرتضى): ج 2 ص 383؛ العاملي، مفتاح الكرامة: ج 10 ص 622.
5- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج 1 ص 135.

إلى دعوى الإجماع عليه من غير واحد كما صرح به بعض الأفاضل (1).

نعم، قد نسب إلى بعضٍ، (2) توهّم الصحة والإجزاء بفعل الناقص؛ لمكان الأمر العقلي؛ حيث إنَّ العقل يلزمهُ بإتيان الناقص حال كونه جاهلاً بكونه ناقصاً، فبفعله يتحقق امتثال هذا الأمر، وبعده لا يبقى محل للأمر بإتيان ما نقص عن الكل؛ لكونه مرتبطاً بما أتى به.

وفيه: أنّ حكم العقل بالإتيان؛ لأجل تخيله أنَّ هذا هو المأمور به الذي طلبه المولى بقوله: (صلِّ)، لا أنه يحرز لهذا الناقص من حيث هو مصلحة ويحكم لأجلها بوجوب الإتيان؛ فإلزامه ليس إلا لأجل حكمه بوجوب إطاعة المولى وتخيله أنَّ هذا هو الواجب، فحكمه من باب الإرشاد لا أنَّ له فيما نحن فيه بخصوصه حكماً، بل الأمر منه غير معقول بالنسبة إلى الناقص بعد حكمه بأنَّ الكل ينتفي بانتفاء الجزء، وأنَّ المأمور به لا يتحقق إلا بإتيان جميع أجزاء المأمور به وشرائطه، غاية الأمر حكمه بالمعذورية حين الجهل.

وأما توهّم اعتبار الجزئية والشرطية في حال العلم بالوجوب، فمدفوع:

أما أولاً: فبأنه تصويب باطل عند أهل الحق.

وثانياً: أنه مستلزم للدور الظاهر كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.

هذا تمام الكلام في نفي الإجزاء المستلزم لوجوب الإعادة والقضاء.

ص: 43


1- المحقق الحلي، المعتبر: ج 2 ص 377؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج 7 ص 7.
2- ينظر: المحقّق القمي، القوانين: ج 3 ص 11.

[الكلام في استحقاق الجاهل المقصر العقاب]

وأما الكلام في استحقاق الجاهل المقصر العقاب، فالمشهور - على ما نسب اليهم شيخ مشايخنا قدس سره في مبحث أصل البراءة عند التعرّض لعدم جواز إجراء الأصل قبل الفحص - على أنه يترتّب على مخالفة الواقع دون ترك التعلّم (1) .

وقد خالف في ذلك صاحب المدارك (2) وفاقاً لشيخه المحقّق الأردبيلي -قدّس سرّهما - حيث زعما أنه على ترك التعلم؛ لِقُبْح تكليف الغافل. وفيه (3): أنَّ هذا قول بترتب العقاب على ترك المقدمة دون ذي المقدمة وقد تبيّن في محلّه (4) أَنَّه غير معقول.

اللهمَّ [إلا] أنْ يدّعى كون التعلّم واجباً نفسياً، ولكن يدفعه ما سبق في صدر المبحث من أنَّ التأمل في الأدلة يقضي بأنَّ وجوب تحصيل المسائل الفرعية ليس إلا لأجل العمل، بخلاف الاعتقاديات.

قال الشيخ قدس سره: (ويمكن توجيه كلامه بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدمة حين ترك المقدمة، فإنَّ منْ شرب العصير العنبي غير ملتفت حين الشرب إلى احتمال كونه حراماً، يقبح توجه النهي إليه في هذا الزمان لغفلته، وإنما يعاقب على النهي الموجه إليه قبل ذلك حين التفت إلى أنَّ في الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها إلا بعد معرفتها، فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضائه إلى مخالفة تلك التكاليف. ففي زمان الارتكاب لا تكليف لانقطاع التكاليف حين ترك المقدمة وهي المعرفة، ونظيره مَنْ ترك قطع المسافة

ص: 44


1- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص 281.
2- الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج 2 ص 110؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 2 ص 344، 345، ج 3 ص 219؛ وفيه أن عبارة المدارك هكذا: إن الجاهل بالحكم عامد، لأن العلم ليس شرطاً للتكليف وهو مشكل لقبح تكليف الغافل.
3- المعترِض هو المحقّق جمال الدين الخوانساري في حاشيته على الروضة: ص 345.
4- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص 418.

في آخر أزمنة الإمكان؛ حيث إنه يستحق أن يعاقب عليه؛ لإفضائه إلى ترك أفعال الحج في أيامها، ولا يتوقف استحقاق عقابه على حضور أيام الحج وأفعاله، وحينئذٍ فإنْ أراد المشهور توجه النهي إلى الغافل حين غفلته فلا ريب في قبحه. وإنْ أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة وان لم يتوجه إليه نهي وقت المخالفة.

فإنْ أرادوا أن الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها لعدم تحقق معصية.

ففيه: أنه لا وجه لترقّب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع؛ لأجل ترك المقدمة، مضافاً إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهماً لا يصيب زيداً ولا يقتله إلا بعد مدة بمجرد الرمي. فإنْ أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعدُ من المخالفة فهو حسن لا محيص عنه.

هذا، ولكن بعض كلماتهم (1) ظاهرة في الوجه الأول(2). انتهى موضع الحاجة.

أقول: وما ذكره قدس سره بظاهره مشكل؛ لكونه بمنزلة القصاص قبل الجناية، بل الظاهر - عند التأمل - ما يظهر من كلمات المشهور وهو أنَّ الاستحقاق إنّما هو في زمان المخالفة لا قبلها، وكما أنَّ ترك التعلم موجب لمخالفة الواقع وقت العمل فكذلك مستلزم لاستحقاق العقاب، فلا حاجة في ترتّب العقاب في ذلك الزمان إلى نهي منجّز فعلي كما لا يخفى.

وأما ما استشهد به قدس سره من حسن المؤاخذة عند العقلاء.

ففيه: أنَّ المؤاخذة على نفس القتل قبل تحقّقه غيرُ مسلَّم استحسانها عند العقلاء من حيث صدور القتل منه، ولو سلّم فلأجل عنوان آخر، والمؤاخذة بمنزلة المؤاخذة على التجرّي لو قلنا بجوازها كما هو الظاهر؛ لكون ما نحن فيه بمنزلته في كونه مخالفة حكمية كما لا يخفى.

ص: 45


1- العاملي، مفتاح الكرامة: ج 2 ص 160، 198.
2- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص 418.

[منْ موارد إجزاء عمل الجاهل في ظرف الجهل]

وأما الموارد التي دلَّ الدليل على إجزاء عمل الجاهل فيها، فمنها ما أشار إليه المصنّف قدس سره بقوله: (إلّا الجهر والإخفات في موضعهما) (1) أي: جهرَ في صلاة أوجب الشارع الإخفات فيها وأخفتَ فيما أوجب الجهر فيها، وهذا الاستثناء بحسب الظاهر مما لا ريب فيه في الجملة، بل أدعي الإجماع عليه (2) من غير فرق بين الجاهل القاصر والمقصر، كما أنهما معذوران في القصر والإتمام أيضاً إجماعاً على ما نسب اليهم(3).

ويدلّ على معذورية الجاهل في المقام - مضافاً إلى عدم ظهور الخلاف(4)- بعضُ الأخبار الصحيحة مثل:

ما (5) عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال: أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فان فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته»(6) ، وهي صريحة في المطلوب، كما لا يخفى.

ص: 46


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج 1 ص 135؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 4 ص 212.
2- البهبهاني، المصابيح: ج 7 ص 380. وحكي ذلك عن التذكرة في مفتاح الكرامة:ج7 ص188.
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 303؛ الشهيد الأول، البيان: ص238؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: ج 4 ص 14.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج 7 ص 7؛ السبزواري، الذخيرة (ط. ق): ج 1 ق 2 ص 350. وحكي عن المنتهى والحدائق في مفتاح الكرامة: ج 7 ص188.
5- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (هكذا وجدته في الوسائل، وفي المدارك ذكر في المقام: ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الإجهار فيه أو خافت فيما لا ينبغي الإخفات فيه؟ قال: إن فعل ذلك متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة وان فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه. منه) أي: من المجدّد الشيرازي قدس سره.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 227؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 162،ح 635، الاستبصار: ج 1 ص 313،ح 1163.

وليس الجاهل معذوراً عند الأصحاب إلّا في هاتين المسألتين على ما نسب إليهم (1)، وقد شاع النسبة اليهم فيما بين المحصلين بحيث صارت من المسلّمات عندهم.

وأما معذورية جاهل الغصبية وأمثالها بمعنى: صحة صلاته في مكان مغصوب - مثلاً - حال الجهل بالموضوع فليس مما نحن فيه؛ لأنَّ كلامنا فيما أُعتبر في ماهية الصلاة من حيث الجزئية والشرطية، لا في الشرائط المنتزعة عن تكاليف نفسية خارجية؛ لأنَّ الشرطية حينئذٍ تدور مدار هذا التكليف وجوداً وعدماً فالشرطية مرتفعة حال عدم توجّه ذلك التكليف، لا أنَّ الشرطية محقَقَةٌ ولكنَّ الجاهل معذور، فافهم.

وكيف كان، فليُعلم أنَّ مراد الأصحاب من المعذورية هو المعذورية من حيث الإعادة والقضاء، لا من حيث المؤاخذة في حق الجاهل المقصر، كما صرح به سيد مشايخنا - دام مجده العالي - في مجلس البحث (2)، وكذا يظهر من شيخ مشايخنا قدس سره في مبحث أصل البراءة (3)، وقد صرّح به أيضاً بعض أفاضل عصرنا (4).

ويدلُّ على ذلك: - مضافاً إلى عدم معقولية التفكيك بين الموارد من هذه الجهة؛ حيث إِنَّ الاستحقاق حكم عقلي غير قابل للتخصيص - أنهم ليسوا إلا في مقام بيان استثناء الجاهل في هاتين المسألتين عما حكموا به من كونه مثل العالم مطلقاً في بطلان عمله بالإخلال بالواجب، فالحكم باستحقاق الجاهل للعقاب باقٍ على حاله في المسألتين كما هو واضح.

ص: 47


1- ينظر: النراقي، مستند الشيعة: ج 5 ص 161؛ الطباطبائي، رياض المسائل: ج 4 ص 213.
2- ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 4 ص 270.
3- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص 437.
4- عبد الكريم الحائري، كتاب الصلاة: ص 194، 323.

[إشكال المشهور وتوضيحه ومناقشته]

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: إنَّ هنا إشكالاً مشهوراً (1) وهو: أنه كيف يعقل اكتفاء الشارع بغير المطلوب بدلاً عن المطلوب في التعبّديات مع أنَّ الظاهر من الخبر الشريف أنَّ الناقص أيضاً عبادة كالتام الصحيح حيث قال علیه السلام: «وقد تمت صلاته»(2) ، ومعلوم أنَّ كونه عبادة يتوقف على الأمر وهو ممتنع وجوده متوجهاً إلى الغافل، والالتزام بالأمر العقلي فقد عرفت حاله وأنَّه بمعزل عن التحقيق وإنْ ذكره بعض الأفاضل (3)، وهذا كما ترى كله ينافي استحقاق العقاب على مخالفة الواقع كما هو ظاهر المشهور، فكيف التوفيق؟

وتوضيح الإشكال بتقريب: في أنَّ الجاهل الآتي بالجهر في موضع الإخفات، إما أنْ يكون مكلفاً في الواقع بالجهر ومأموراً به كذلك، وإما لا (4) .

وعلى الأول: فإما أنْ يكون الإخفات أيضاً باقياً على مصلحته الواقعية فيكون مأموراً بإيجاده كسائر التكاليف المجهولة غير المقيّدة بالعلم والجهل، وإما لا.

وعلى الثاني: فإما أنْ يقال: بأنَّ الأمر بالإخفات باقٍ في هذه الصورة ولا يغيره الجهل كسائر التكاليف.

وإما أنْ يقال: بانتفائه في صورة الجهل؛ لاشتراطه بالعلم، كما أنَّ الأمر بالجهر أيضاً منتفٍ في حقه؛ لعدم قابليته لتوجّه الخطاب إليه (5) .

ص: 48


1- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص 437؛ الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي:ج2 ص 200 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 277، ح 1003؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 162، 635، الاستبصار: ج1 ص 313، ح 1163.
3- ينظر: المحقّق القمي، القوانين: ج 3 ص 11.
4- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 2 ص 200 - 209.
5- المصدر السابق: ج 2 ص 204.

والحاصل: أنَّ في المقام صوراً أربعاً:

إحداها: كون الجهر والإخفات كليهما مأموراً بهما.

ثانيتها: انتفاء الأمر في كليهما.

ثالثتها: كون الجهر مأموراً به دون الإخفات.

رابعتها: عكس الثالثة.

ومعلوم أنَّ الالتزام بكل منها مشكل خصوصاً على مذاق المشهور (1):

أما الأولى: فلاجتماع الأمر بشيئين متضادّين، وهو قبيح؛ لامتناع الإطاعة.

وأما الثانية: فلمنافاتها لظاهر الدليل الدال على صحة الصلاة وكونها عبادة؛ لأنها متوقفة على الأمر والمفروض انتفاؤه مضافاً إلى لزوم الدور والتصويب كما أشرنا إليه سابقاً من أنَّ اشتراط الواقع بالعلم مستلزم للدور والتصويب فراجع (2).

هذا كله، مع منافاته لظاهر المشهور؛ حيث إنهم ملتزمون بالعقاب على الظاهر، وهو غير معقول على هذا الفرض؛ حيث إنَّ الإخفات كالجهر غير مأمور به بالفرض، فعلى أيّ شيء يترتب العقاب؟ وعلى هذا الفرض يترتب مفاسد أُخر لا حاجة إلى ذكرها.

وأما الثالثة: فيرد عليها جميع ما أورد على سابقتها عدا الإيراد الأول.

وأما الرابعة: فيرد عليها ما أوردناه أولاً على الصورة الثانية، مضافاً إلى عدم معقولية الإسقاط في التعبديات بفعل غير مطلوب؛ لأنَّ قصد التقرّب (3)فيها مما لا بدَّ منه، ولا يتحقق بفعل ما لم يتعلق به طلب أصلاً.

وهذا بخلاف التوصليات (4)؛ حيث إنَّ نفس المأمور به فيها مقصود، ويتحقق

ص: 49


1- البحراني، الحدائق: ج 8 ص 142؛ العاملي، مفتاح الكرامة: ج 7 ص188.
2- تقدم: ص 43.
3- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 2 ص 330.
4- المصدر السابق: ج 2 ص 328، ج 3 ص 317.

المقصود بإيجاده كيفما اتفق (1) ولو على وجه محرم ولا يبقى بعدُ مورد الطلب؛ لحصول المطلوب.

وبما ذكرنا في توضيح الإشكال: ظهر لك أنْ لا وجه للإلتزام بمنع تعلُّق التكليف الفعلي بالإخفات في المثال المذكور، وكذا التكليف بالقصر إلا على العالم بالحكم، فلا يثمر ذلك للتفصّي عن الإشكال؛ إذْ قد عرفت أنها إحدى الصور التي صرحنا بامتناعها.

وأما الالتزام بكون الجهل عذراً عن تنجز الواقع إما بدعوى أنَّ الشارع جعله عذراً في خصوص المقام بخلاف سائر التكاليف، وإما بدعوى كونه عذراً عقلياً مانعاً عن التوجّه كما يظهر من المحكي عن صاحب المدارك وشيخه المحقّق الأردبيلي (قدّس سرّهما) (2)، ولا يلزم على هذا تصويب ولا دور كما لا يخفى.

فغيرُ مجدٍ أيضاً على مذاق المشهور القائلين بترتّب العقاب على نفس الواقع؛ لقبح العقاب مع وجود العذر (3).

نعم، يثمر لو قلنا بأنَّ التّعلم واجب نفسي وأنَّ العقاب إنما يترتب على تركه دون الواقع (4) .

وأما شبهةُ امتناع كون المأتي به عبادة؛ لتوقّفها على قصد التقرّب المتوقف على الأمر مع أنَّ الرواية السابقة، وكذا كلمات العلماء (رضوان الله عليهم) صريحة في كون الصلاة صحيحة مجزية عن الواقع فمندفعةٌ: بأنه يكفي في حصول التقرّب إيجاد الشيء بداعي المحبوبية مع كونه محبوباً في الواقع، ولا يتوقف حصوله على صدور أمر لفظي من

ص: 50


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 2 ص 305، 306.
2- الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج1 ص 342، ج2 ص 110؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام:ج3 ص219؛ البهبهاني، المصابيح: ج6 ص 12.
3- البهبهاني، المصابيح: ج 6 ص 165؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج 2 ص 125.
4- الاردبيلي، مجمع الفائدة: ج 2 ص 110.

المولى.

ولذا لو علم العبد بالمحبوبية وخالفه يعدُّ عاصياً عند العقلاء وإنْ لم يظفر بطلب لفظي من المولى.

وحينئذٍ فنقول: إنه ليس من المحال أنْ يكون فاقدُ بعض الأجزاء واجداً لمرتبة من المصلحة الملزمة المقتضية لكونه محبوباً عند الشارع، ولكنَّها تتأكّد تلك المحبوبية في واجد الكلّ فيكون ذلك أشدَّ محبوبية، ولذا طلبه ولم يطلب الناقص، فإذا فرض امتناع توجّه الأمر بالكامل إليه لغفلته، فلا مانع من تحقق إطاعة الناقص بفعله بداعي المحبوبية لما عرفت من كفايته في تحققها.

وقصده إيجاد الفعل بداعي الأمر غيرُ مزاحم لهذا القصد، بل محصّل له؛ لأنَّ كون الشيء مأموراً به حقيقة أخصّ من كونه محبوباً، فبقصد إيجاد الأخصّ لأجل كونه مأموراً به يتحقق قصد الإيجاد بداعي المحبوبية، وهذا ظاهر لا سترة فيه.

نعم، توجّه الأمر إليه بالناقص من قبل المولى - كالكامل - حال غفلته ممتنع؛ إذْ لا يعقل أنْ يقال: أيها الجاهل بوجوب الإخفات صلِّ جهراً كما لا يخفى.

ولكنَّه لا داعي للمولى بأمره لو فرض إمكانه أيضاً؛ حيث إنه يأتي بالناقص زاعماً أنه هو المأمور به، فيأتي بمقصود المولى من دون حاجة إلى أمره، فإنشاؤه الطلب منه لغوٌ على أيّ تقدير (1).

ص: 51


1- ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 2 ص 203؛ حيث قال قدس سره في وجه عدم المعقولية واللغوية: (... نعم قد يشكل إمكان الوجه الأخير في حدّ نفسه، نظراً إلى أنّه إذا فرض كون العمل الناقص من أفراد الفعل المأمور به - وصدقه عليه كصدقه على سائر أفراده وكونه مشتملاً على المصلحة الحاصلة بغيره من الأفراد - فلا بدّ أن يكون مشمولاً للأمر كسائر الأفراد إذا لم يكن هناك مانع من شموله له، ولا يعرف مانع في محلّ الفرض، فيبطل الوجه المذكور. ويمكن دفعه بإبداء المانع منه في المقام، وتوضيحه: أن المفروض فرديّة ذلك العمل الناقص للفعل المأمور به ومساواته لسائر الأفراد بملاحظة حال الجهل لا مطلقاً، فحينئذ لو فرض ورود الأمر به لا بدّ أن يكون موضوعه متقيّدا بالجهل، بأن يقال: أيّها الجاهل بالنجاسة أو بكون الجلد من الميتة صلّ مع النجاسة أو مع جلد الميتة، ومن المعلوم أنّه بمجرّد ذلك الخطاب یصیر عالما فيخرج عن موضوع الخطاب فيكون عبثاً، وهذا هو الوجه فيما حقّقنا في محلّه من عدم إمكان الأمر بالناقص في صورة نسيان المكلّف لبعض الأجزاء والشرائط، ولو أخذ موضوع الخطاب مطلقاً فهو ليس خطاب هذا الشخص، فلزوم العبث مانع من الأمر مع قيام المقتضي له. هذا لو أريد وروده بخطاب مستقلّ بالنسبة إلى الجاهل. وأمّا لو أريد دخوله في الأمر المطلق المتعلّق بسائر الأفراد - أيضا - فيلزم منه استعمال الطلب في المعنيين التعييني والتخييري: أمّا التعييني فهو بالنسبة إلى غير الجاهل لفرض إرادته منه وأنّ المتعين في حقّه إنّما هو العمل الكامل. وأمّا التخييري فهو بالنسبة إلى الجاهل، حيث إنّه مخيّر حينئذٍ بين العمل الناقص والتامّ، إذ المفروض عدم تعيّن الناقص في حقّه، بل غاية الأمر مساواته له. وأيضا ذلك الخطاب مطلق وهو مع إطلاقه ليس خطاباً للجاهل ومع تقيده بالجهل ليس خطاباً للعالم، فلا يمكن دخول كليهما فيه، بل لا بدّ من إطلاقه حتّى يكون مختصّاً بالعالم، أو من تقييده حتّى يكون مختصّاً بالجاهل).

وإذا عرفت ذلك فنقول: إنا نستكشف من ظهور الرواية (1)، وفتاوى الأصحاب (2) كون الجهر والإخفات وكذا مسألة القصر والإتمام في حقّ الجاهل من هذا القبيل. وليس علينا الالتزام بالصحة لو أخلّ بهذه الأوصاف متعمداً؛ إذْ ليس من المحال أنْ تتقيد المصلحة في الناقص بصدوره لا باعتقاد كونه ناقصاً.

وبعبارة أخرى: يمكن أنْ يكون الإخلالُ عن عمدٍ مزاحماً لمصلحة الناقص، فافهم.

والأولى أنْ يقال - في دفع الإشكال بحيث يوافق مذهب المشهور بعد دعوى كون الناقص محبوباً بالتقريب السابق -: إنَّ الأمر الأوّلي قد انقطع حين ترك التعلّم؛ لعدم القدرة على الامتثال بعدُ، فيقبح توجّه الخطاب اليه بعد الامتناع، وقد عرفت فيما سبق أنَّ ترك المقدمة سبب لمخالفة المأمور به المقتضية لاستحقاق العقاب، فبترك التعلّم أوجد سبب استحقاق العقاب على ترك الفعل في زمانه، وصيّر الامتثال المقتضي لنفي الاستحقاق ممتنعاً، ولأجل ذلك صار خطابه بالفعل قبيحاً، فارتفع الخطاب بسبب إيجاد سبب المخالفة، هذا على ما قوّينا سابقاً من أنَّ الاستحقاق إنما يتحقق في زمان

ص: 52


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 162 ح 635؛ الاستبصار: ج 1 ص 313 ح 1163.
2- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 4 ص 212.

المخالفة.

وأما على ما قوّاه الشيخ قدس سره (1)، من أنَّ الاستحقاق من أول زمان إيجاد السبب وأنَّ المعصية تتحقق حين حصول أسباب المخالفة فالانقطاع بنفس العصيان لا بإيجاد السبب، وعلى أي تقدير، فالعقاب على ترك الواقع لا ترك التعلّم، وهذا عين مذهب المشهور.

وحينئذٍ نقول: لا منافاة بين تحقق العصيان بترك الكامل في زمان إيجاد الناقص، وكون الناقص محبوباً بمقتضى مصلحته الذاتية المستكشفة عن الرواية المتقدمة (2) الدالة على الإجزاء، فيتدارك به مصلحة المأمور به الواقعي، ويسقط الأمر بالقضاء بعد التنبّه بسبب التدارك؛ إذ المتدارَك لا يعقل تداركه ثانياً .

إنْ قلت: ما ذكرت من التوجيه إنما يصحّح استحقاق العقاب لو لم ينتبه إلى آخر الوقت المضروب للفعل حتى يتحقق عصيان المأمور به بتركه في وقته المضروب له فيكون اكتفاء الشارع بالناقص ترخيصاً لترك القضاء بعد الالتفات، وأما لو التفت إلى حكم المسألة بعد إتيان الناقص قبل مضي الوقت، فكيف يعقل إستحقاق العقاب مع ترخيص الشارع بالترك وتصريحه بالإكتفاء بالناقص مع أنه متمكن عن الإمتثال ولم يتحقق منه معصية بعدُ؟

قلت: يمكن أنْ يلتزم بأنَّ المطلوب إيجاد الصلاة المتكيفة بالكيفية الخاصة - أعني: الإخفات في المثال المتقدم في الوقت المضروب لها - مقيدةً بكونها قبل فعلها جهراً، فكما أنَّ عصيانها يتحقق بخروج الوقت، كذلك يتحقق بإيجادها جهراً.

وبما ذكرنا من التنظير بخروج الوقت ظهر اندفاع توهّم لزوم الالتزام بكونها واجباً مشروطاً بالنسبة إلى هذا الشرط، فلا يصحّ العقاب عليه حال فقد شرطه؛ لأنَّ القيدَ

ص: 53


1- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص 419.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 162 ح 635.

قيدٌ للمطلوب لا للطلب، فكما أنَّ الطلب ليس مقيّداً بعدم خروج الوقت فكذلك فيما نحن فيه.

هذا، ولكنَّ الإنصاف أنَّ الالتزام المذكور لا يخلو عن بعدٍ، والأَولى أنْ يقال - فيما نحن فيه وفي غيره من الموارد التي نحكم بالصحة كالإخلال ببعض الأجزاء والشرائط نسياناً كترك الذكر في السجود مثلاً - : إنَّ للصلاة العارية عن هذا الشيء في حال النسيان مصلحة مُلزمة – مع قطع النظر عن هذا الشيء- وليست مصلحتها مقيّدة بانضمام هذا الجزء إلى سائر الأجزاء غير المنسية .

نعم، تتأكد المصلحة بالانضمام؛ لكونه جزءًا واقعياً، فلا بدَّ أنْ يكون له مدخلية في المصلحة في حال النسيان أيضاً ولو بتأكّدها، وإلا لزم أنْ يكون جزئيته مقيّدة بحال الذكر، وهذا خلاف الفرض، بل خلاف الواقع في المثال المذكور؛ لما ثبت في محله أنه شرط واقعي لا علمي (1).

وحينئذٍ فنقول: لو أتى بالناقص فقد أدرك مصلحته، وقد فات عنه مصلحة ذلك الجزء، بحيث لا يتمكن من تحصيلها بعد ذلك؛ إذْ ليس الجزء بنفسه ذات (2) مصلحة ملزمة مستقلاً، بل مصلحته مقيّدة بحصوله في ضمن هذا المجموع، وبعد تحقق المجموع مُعرّاة عن ذلك لا يبقى محل لإيجاد هذا الجزء حتى يدرك مصلحته.

والحاصل: أنَّ مصلحة الصلاة غير مقيّدة باشتمالها على هذا الجزء في حال النسيان، بل مصلحة الجزء مقيّدة بكونه في الصلاة، فإذا تمت الصلاة بدون ذلك الجزء، يمتنع إدراك مصلحته بعد ذلك؛ لفوت محله.

إذا عرفت ذلك فنقول: امتناع إدراك مصلحة الجهر بفعل الصلاة عارية عن هذه

ص: 54


1- ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 2 ص 231؛ حيث قال قدس سره: (ويتّجه عليه: أنّ الطلب المتعلّق بالكلّ طلب بسيط، وليس له جزء أصلاً لا خارجاً ولا ذهناً حتى ينحلّ إلى أوامر متعدّدة، وهذا الطلب البسيط إنّما تعلّق بالكلّ الّذي هو عبارة عن تمام الأجزاء - فله تعلّقٌ بكلّ جزء).
2- كذا في الأصل، والصحيح: (ذا).

الكيفية الذي صار سبباً لفوت المحل لمّا كان مستنداً إلى تقصير المكلف بترك التعلم، لا يقبح العقاب عليه كسائر التكاليف المجهولة.

إنْ قلت: بناءً على ما ذكرت يلزم أنْ يكون فعل الناقص - في الفرض المذكور - علةً لعصيان الأمر الأول؛ حيث إنَّ المخالفة تحصل بفعله، وبسببه يخرج المكلف عن التمكّن عن امتثال الأمر الأول، فهو إما علة تامة للعصيان، وإما جزءٌ أخير للعلة، ومعلوم أنَّ ما هو سبب للعصيان مبغوض للشارع لا محالة، فكيف يعقل أنْ يكون إطاعة؟!

قلت: ليس من المحال أنْ يكون شيء محبوباً من حيث الذات ومبغوضاً بالعرض وبالعكس، فلو أتى به العبد فقد أتى بمحبوب المولى.

نعم، من المحال أنْ يتعلق من المولى طلب بالفعل والترك لأجل هاتين الحيثيتين، بل لا بدَّ حال الطلب أنْ يلاحظ أحبّ الأمرين من الفعل والترك فيطلبه حتى يتمكن العبد من إطاعته، ومن البيّن أنَّ امتناع تعلق الأمر بالفعل لأجل مزاحمة الجهة الأخرى لا يوجب صيرورة ذات الفعل مبغوضاً ؛ ويكفينا لإثبات المطلوب محبوبيته الذاتية.

مع أنه قد يقال: -كما أنه عن بعض (1) - بإمكان تعلّق الطلب لكليهما على سبيل الترتّب أيضاً.

وما يتوهم: من أنَّ تعلّق الطلب بتركه لأجل المبغوضية العرضية يوجب امتناع قصد التقرب به، فممنوعٌ حال عدم التفاته إلى ذلك النهي كما هو المفروض، بل قد عرفت عن بعضٍ (2) إمكان القصد في حال الالتفات أيضاً؛ إذْ بعد تسليم إمكان الطلب على سبيل الترتب، فاللازم إطاعة الأمر الثاني بعد البناء على مخالفة الأمر الأول كما في الصلاة في المسجد في سعة الوقت مع الأمر بالإزالة مضيّقاً؛ حيث إنَّ الصلاة تصير منهياً عنها بالعرض، فإذا بنى على مخالفة الأمر المتعلق بالإزالة، يتوّجه الأمر بالصلاة؛

ص: 55


1- ينظر: المحقّق القمي، القوانين: ج 1 ص 243.
2- ينظر: المحقّق القمي، القوانين: ج 1 ص 243.

لزوال المزاحم العرضي بالعصيان، وهذا الكلام وإنْ كان لا يخلو عن تأملٍ، إلا أنه فيما نحن فيه – لأجل عدم تنجز النهي- في غاية المتانة، فافهم.

تفريعٌ

هل يصحّ صلاة الجاهل بالحكم فيما نحن فيه حال كونه متردداً حال الصلاة كالجاهل الغافل أم لا؟ وجهان مبنيان على ما يستفاد من الصحيحة المتقدمة، فلا بدَّ من التكلم فيه حتى يظهر حقيقة الحال.

فنقول: قال علیه السلام: «أيُّ ذلك - أي: الجهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه والإخفاء فيما لا ينبغي الإخفاء- فعل متعمداً فقد نقض صلاته» (1).

واللازم - أولاً - ملاحظة أنه هل يصدق على المتردد أنه فعل ذلك لا عن عمد حتى لا ينقص صلاته أم لا؟

والتأمل في بعض موارد واستعمالات لفظ المتعمّد، مثل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً) (2)، ومثل: من قتل مسلماً متعمداً فعليه القصاص (3). حيث يصدق على المتردد حال القتل أنه عامد في هذا الفعل، يعطي صحة السلب فيما نحن فيه أيضاً.

ص: 56


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 344، ح 1003؛ الطوسي، التهذيب: ج2 ص 162، ح 635؛ الاستبصار: ج 1 ص 313، ح 1163.
2- سورة النساء: 93.
3- لم يرد هذا الحديث بهذا اللّفظ في المصادر الحديثية، نعم روى الشيخ قدس سره عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: كل من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمد فعليه القود». التهذيب: ج 10 ص 162.

والتحقيق

أنه إنْ قلنا: بأنَّ لفظ (متعمداً) قيد للفعل الواقع في المحل الذي لا ينبغي وقوعه في ذلك المحل باعتبار وقوعه في ذلك المحل بمعنى: أنْ يكون نفس الإيقاع الخاص مقصوداً يصحّ سلب القصد عن فعله بهذه الخصوصية؛ إذْ ليس قاصدا لإيجاد الجهر في صلاة يعتبر فيها الإخفات من حيث إنه يعتبر فيها الإخفات؛ لأنه لا يدري اعتبار الإخفات فيها فكيف يقصده؟

وإنْ قلنا: بأنه قيد للفعل الواقع في هذا المحل من حيث إنه فعل واقع فيه لا باعتبار وقوعه فيه، بل باعتبار نفس الفعل الواقع، فيكون حاصل المعنى: أنه تبطل صلاة مَنْ جهر متعمداً فيما يعتبر فيه الإخفات يعني: كان مختاراً في أصل فعله وقاصداً له كما هو المستفاد من المثال المتقدم؛ إذ الظاهر مِن (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً) يعني مختاراً في القتل فلا شبهة في البطلان؛ لأنَّ المتردد يكون مختاراً في كلا الطرفين، واختياره أحد الطرفين مسبوق بالعزم والإرادة التي هي بمعنى العمد، فأوجد الجهر عن عمد في مقام لا ينبغي الجهر فيه، وإرادة هذا المعنى لعله أظهر، بعد ملاحظة أنَّ المتردد ملتفت إلى الفعل، وأنه بانٍ على مخالفة المطلوب - على فرض كونه مخالفاً لما يأتيه خصوصاً بعد شهادة المقام عليه -؛ لأنَّ الصالح للمعذورية هو الجهلُ حال الغفلة، لا حال التردد؛ إذ المتردد ليس معذوراً عند العقل والعقلاء.

وقوله علیه السلام: «أو لا يدري» (1) لا يصلح لأنْ يكون قرينة على إرادة المعنى الأول بقرينة المقابلة؛ لإمكان دعوى انصرافه إلى الغافل دون المتردد، كما هو المحمل في كثير من الأخبار.

وإنْ أبيت إلا عن ظهوره في مطلق الجاهل الشامل للمتردد كالغافل - على ما هو مقتضى وضعه- يمكن أيضاً منع دلالته على صحة عمل المتردد؛ إذْ غاية مدلولها عدم

ص: 57


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 344، ح 1003.

طروء الفساد من جهة الجهر والإخفات حال الجهل، ولا يقتضي ذلك عدم طروء الفساد أيضاً لأجل أمر آخر معتبر في تحقق الإطاعة وهو الجزم بالامتثال؛ إذْ قد عرفت في صدر المبحث أنَّ الجزم بإتيان المأمور به معتبر في تحقق الإطاعة في الواجبات؛ حيث إنَّ إرادة الاكتفاء بأحد المحتملين لا ينفكّ عن التجرّي، وما هو ملازم له لا يتحقق الإطاعة بفعله (1).

إنْ قلت: الجاهل إما غافل عن جهله أو ملتفت. والملتفت لا محالة يكون متردداً، وإلا لم يكن جاهلاً؛ فالتردد من مقومات هذا القسم ولا ينفكّ عنه.

وإذا حكم الشارع بصحة عبادة الجاهل مطلقاً يكشف ذلك عن اكتفائه في مقام الإطاعة بما يأتي به ولو مع التردد؛ لأنَّ الحكم بصحة عبادة الجاهل المتردد -مع كون التردد منشأً للفساد، ولا يعقل انفكاكه عنه - قبيحٌ في الغاية.

قلت: ما ذكرت إنما يتم لو كان الحكم محمولاً على الأفراد، كأنْ قال: عبادة الجاهل صحيحة مطلقاً - غافلاً كان أو متردداً-، وأما لو كان موضوع الحكم هي الجهة لا الفرد، فلا قبح، والصحيحة المتقدمة لا تدلُّ على أزيد من ذلك. فمقتضاها أنه لا شيء على الجاهل المتردد من حيث كونه جاهلاً. وأما من حيث كونه متردداً فليس الصحيحة متعرّضة لحاله، وهذا ظاهر.

إنْ قلت: الحكم بالصحة فيما لو كانت هذه الجهة لازمة في الوجود لجهة أخرى موجبة للفساد أيضاً قبيح.

قلت: لو لم تتحقق هذه الجهة في الخارج إلا وهي مقارنة للجهة الموجبة للفساد، كان الحكم كما ذكرت؛ لعدم الفائدة. وأما لو لم يكن كذلك فلا قبح؛ لحصول الفائدة في مورد الانفكاك.

ص: 58


1- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: هذه المسطورات مما ظفر أقل الطلبة محمد رضا الهمداني من مطاوي كلمات سيد مشايخنا أدام الله أيام .... فلو ضاع ... من التقطه... تحريراً في شهر جمادى 1287ه-.

والحاصل: أنَّ شمول الحكم للجاهل الغافل كافٍ في الإفادة وخروج الكلام عن اللغوية.

وإنْ شئت توضيحه: فاختبر من نفسك، هل ترى استهجاناً عرفياً وقبحاً لأجل الإهمال في قول المفتي لو أفتى بأنَّ الجهر الناشئ عن الجهل في صلاة الظهر غير مبطل، مع استقرار مذهبه على اعتبار الجزم مطلقاً حتى في حال الجهل؟ نعم، لو انحصر المورد بالمتردد لكان قبيحاً. فتحصَّل مما ذكرنا: أنَّ الأقوى اختصاص الحكم بالجاهل الغافل دون المتردد.

فرعان

الأول: هل الحكم المذكور مختص بالقراءة في الركعتين الأوليين، أو يعمُّ الثالثة والرابعة أيضاً؟ وجهان:

من أنَّ اتصاف الصلاة بكونها جهرية أو إخفاتية بملاحظة اعتبار الوصفين فيهما. ومن صدق اتصاف الوصف المذكور على غير الأوليين أيضاً ...(1) نرفع اليد عن عمومها.

نعم، لو كانت (ما)...(2) عن الصلاة لكان دعوى الانصراف متجهاً؛ حيث إنَّ المتعارف اتصاف الصلاة بكونها جهرية أو إخفاتية بملاحظة ذلك، وأما إذا قلنا بأنه عبارة عن ...(3) .

الثاني: هل الحكم المذكور مختص بما لو كان اعتبار الوصفين شرعاً في نفس الصلاة من حيث هي صلاة أو يشمل ما لو كان الاعتبار لأمر خارج كوجوب الإخفات عند خوف الضرر من اللصّ مثلاً في الصلاة الجهرية؟ وجهان:

ص: 59


1- كلمات لم نتمكن من تشخيصها؛ لتضرر نسخة الأصل.
2- كلمات لم نتمكن من تشخيصها؛ لتضرر نسخة الأصل.
3- كلمات لم نتمكن من تشخيصها؛ لتضرر نسخة الأصل.

من إطلاق الرواية. ومن ظهور قوله علیه السلام: «جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغى الإخفاء فيه» (1) في معذورية من جهر في صلاةٍ يعتبر فيها الإخفات من حیث هي لأجل عنوان آخر متصادق معها في الوجود موجب لاعتبار هذا الوصف لأجل هذا العنوان لا لأجل كونها صلاة.

أقواهما الثاني، بل هو المتعين، بل الحكم بالمعذورية في القسم الأول أيضاً على عمومه لا يخلو عن تأمل.

توضيحه: أنَّ وجوب الإخفات في الصلاة مثلاً تارةً: بملاحظة نفس الصلاة من حيث هي، فيكون اعتباره لأجل إدراك مصلحة في ذاتها كالظهرين كما أنَّ وجوب الجهر في الغداة والعشائين بملاحظة ذاتها من حيث هي.

وأخرى: لأجل مراعاة حال الغير كما في صلاة المأموم؛ فإنَّ وجوب الإخفات على المأموم في صلاة المغرب مثلاً ليس لأجل كونها صلاة المغرب، بل لأجل احترام الإمام، أو لمراعاة حال المأمومين الأُخر وغير ذلك، مما هو خارج عن ماهية صلاته.

والفرق بين هذا القسم وسابقه - بعد اشتراكهما في كون الوصف معتبراً في الصلاة من حيث هي - أنّ اعتباره في الأول بملاحظة نفسها، وفي الثاني بملاحظة أمر آخر خارج عنها.

وثالثة: أنْ يكون وجوب الوصف في الصلاة لا لأجل كونها صلاة، بل لأجل عنوان آخر متصادق معها في الوجود، كوجوب الإخفات عند خوف اللصّ، وسماع الأجنبي صوت المرأة إنْ قلنا بحرمته.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنه لا خفاء في منع انصراف الرواية عن القسم الآخر، بل صدقها؛ إذْ يصدق على صلاة الصبح - ولو حال الخوف - أنَّها صلاة ينبغي الجهر فيها، ويصحّ أنْ يقال: إنها ليست مما ينبغي الإخفاء فيها؛ فوجوب الإخفات فيها ليس لأجل

ص: 60


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 6 ص 86.

كونها صلاة، بل لأجل أنَّ إظهار الصوت في هذه المقامات من المحرمات الشرعية، ولمّا كانت الصلاة الجهرية محققة لهذا العنوان المحرّم أُلغي اعتبار الجهر فيها فهي في حدِّ ذاتها مما ينبغي الإجهار فيها، ولكن عرض عارض صار سبباً لإلغاء الشرط.

والحاصل: أنَّ منع الانصراف، بل الصدق في هذا القسم ضروري كما أنَّ صدقها على القسم الأول بديهي، ولكن شمولها للقسم الثاني لا يخلو عن تأمل؛ لأنَّ الوصف وإنْ كان معتبراً في الصلاة في هذا القسم وأنه يصدق أنَّها صلاة لا ينبغي الإجهار فيها، إلا أنه يمكن دعوى الانصراف إلى القسم الأول، إما لكونه المجعول أولاً وبالذات، فالمعتبر في الاتصاف هي ذات الصلاة بهذه الملاحظة، وإما لكونه فرداً متعارفاً، و لا عموم حتى يصدق على كل فرد؛ لأنَّ كلمة (ما) عبارة عن فردٍ ما، لا عن كل فرد؛ إذْ ليس مراد السائل المسألة عن حال رجل جهر في كل مورد، كما لا يخفى.

وعلى هذا، فصدق الرواية على هذا القسم مبني على كونه فرداً شائعاً حتى لا ينصرف الكلام إلى غيره، وقد عرفت إمكان منعه.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ المنع لا يخلو عن تأمل؛ إذْ ليس الائتمام أمراً عزيزاً حتى ينصرف الإطلاق عنه، بل هو أيضاً فردٌ شائعٌ ووقوع الاشتباه فيه من جهة حكم القراءة فيكون تفصيل الإمام علیه السلام يفيد العموم ... (1) .

ثم إنَّ الوجه في القسم الثاني - الذي ظهر أنه ليس مشمولاً للأخبار - هل هو بطلان الصلاة أو الصحة؟

الظاهر أنه إنْ قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي في مصداق واحد وأنَّ المأمور به هي نفس القراءة وأنَّ المنهي عنه هو الإقدام على ما لا يأمن معه من الضرر، فالمأتي به لأجل كونه جزءًا من الصلاة مأمورٌ به، وباعتبار كونه مصداقاً للعنوان المحرم منهيٌ عنه، ولا يزاحم إحدى الجهتين والأخرى صحةُ الصلاة، غاية الأمر أنه فعل في ضمنه محرماً

ص: 61


1- كلمة أو أكثر لم نتمكن من تشخيصها؛ لتضرر نسخة الأصل.

كالنظر إلى الأجنبية، فكما أنه لا يوجب بطلان الصلاة، كذلك فيما نحن فيه.

وأما إنْ قلنا بامتناع الاجتماع، أو قلنا بأنَّ المقام ليس من قبيل الاجتماع المصطلح أعني: ما يكون متعلق كل من الأمر والنهي عنواناً مستقلاً تصادقا في شخص واحد باعتبارين، بل تعلّق النهي بعنوان إظهار الصوت، فهذا ينافي كون الجهر بخصوصه مأموراً به، أو كون القراءة مطلقاً مأموراً بها سواء اتصفت بالجهر أم بالإخفات ولا تتوهم أنَّ هذا الفرض من قبيل الاجتماع؛ حيث إنَّ القراءة وإظهار الصوت كل منهما عنوان مستقل؛ لأنَّ الجهر والإخفات من مقومات القراءة كالاستقامة والانحناء للخط فلا يعقل اتصافهما بحكمين مختلفين، بل متماثلين أيضاً، فلا إشكال ولا تأمل في وجوب الحكم بعدم مطلوبيّة هذا الفرد أعني: إيجادها جهراً بل الواجب حينئذٍ هي القراءة الإخفاتية، فيشكل الأمر؛ ضرورة بطلان الجزء المأتي به في القسم الثاني مطلقاً، وفساده في القسم الأول في حال الالتفات دون الغفلة؛ لأنَّ تنجّز النهي الموجب للفساد فرع التنبّه والالتفات كالصلاة في مكان مغصوب فالأمر والنهي في هذا القسم من قبيل المتزاحمين، بخلاف الأول؛ حيث إنَّ النهي كاشف فيه عن عدم مطلوبيّة هذا الفرد رأساً وكون الطلب مقيداً بالنسبة إليه، وحينئذٍ فهل يوجب فساد ذلك الجزء بطلان نفس الصلاة أم لا؟

فيه تفصيل: وهو أنه لو أتى به غافلاً عن كونه منهياً عنه لجهله بحكمه تصحّ صلاته على القول بالاجتماع؛ لما عرفت من عدم تنجّز النهي عليه، وعدم فساد الجزء حتى يتسرّى فساده إلى فعل الصلاة.

وأما على القول الآخر - الذي ظهر لك فساد ذلك الجزء فيه مطلقاً - فإنْ قلنا: بشمول «لا تعاد الصلاة» (1) لمثل ذلك الإخلال فلا إشكال أيضاً في صحة صلاته.

ص: 62


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 225،ح 991؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 152، ح597.

وإنْ قلنا بعدم شموله له وأنَّ الجاهل كالعامد مطلقاً، فحكمه يظهر من التفصيل فيما لو أتى به عن عمد، وهو أنه لو أتى بذلك الجزء المنهي عنه متعمداً واكتفى به ولم يُعده [صحيحاً] في محله فقد أبطل صلاته من حيث النقيصة؛ لأنَّه ترك الجزء المأمور به متعمداً، وأما صدق الزيادة على الجزء المأتي به، ففيه تأمل، بل منع.

نعم، يصدق تحريف الفرض وتبديله عليه لو كان بانياً من أول الأمر على الاكتفاء بذلك بدلاً عن المطلوب الواقعي، وأما لو أعاده صحيحاً في محلّه وكان بانياً من أول الأمر على إيجاد الجزء الفاسد أولاً بعنوان الجزئية تشريعاً ثم إيجاده صحيحاً فحينئذٍ لا إشكال ولا تأمل في بطلان صلاته؛ لأنَّه يصدق أنه: «زاد في صلاته متعمداً»(1).

[اعتبار السنخية بين المزيد والمزيد عليه]

وتوهّم: توقف صدق الزيادة على الجزء المأتي به على كونه مماثلاً لأجزاء الصلاة ذاتاً و صفة؛ لأنَّ زيادة الإحسان ليس إلا الإحسان، وكذا زيادة كل شيء لا بدَّ أنْ تكون من جنس ذلك الشيء، وفيما نحن فيه لمّا كان وصف الإخفات - مثلاً - معتبراً فيما هو جزء للصلاة، فإتيان القراءة بدون ذلك الوصف لا يعدّ زيادة في أجزاء الصلاة، ولذلك أفتى بعض (2) بأنه لو سجد متعمداً على غير ما يصح السجود لم يُبطل الصلاة؛ لعدم صدق الزيادة.

مدفوعٌ: بأنَّ الزيادة في كل شيء بحسبه، فالزيادة في البسائط ليست إلا من جنس المزيد عليه، وهي في المركبات تتحقق بإدخال جزء في الأجزاء المعتبرة فيها مثلا: المعجون الفلاني أجزاؤه ثلاثة، فانضمام شيء آخر إليها عند تركيبها منها يعدُّ زيادة في أجزائه، فالسنخية المعتبرة في صدق الزيادة في الأجزاء ليست إلا بملاحظة عنوان الجزئية لا بالنسبة إلى ذات الأجزاء.

ص: 63


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 8 ص 231.
2- ينظر: النراقي، عوائد الأيام: ج 2 ص 587.

نعم، لو أسند الزيادة إلى واحد من الأجزاء أو إلى مجموعها بملاحظة ذاتها من حيث هي معتبرة في هذا المعجون لا إلى عنوان الجزء، لكان اللازم موافقة الزائد للمزيد عليه بحسب الذات؛ لرجوعه إلى القسم الأول، أعني: ما إذا استندت الزيادة إلى شيء بسيط.

هذا حال المركب الخارجي.

وأما المركب الاعتباري كالصلاة فالزيادة فيها كالمزيد عليه إنما يكون باعتبار المعتبر وإيجاد شيء زائداً على ما اعتبر بعنوان الجزئية، ولا يتوقف صدق زيادة عنوان الجزء إلّا على هذا المقدار من الموافقة أعني: موافقة المزيد والمزيد عليه، في الجزئية.

نعم، تتوقف زيادة جزء خاص على تكراره بخصوصه بقصد الجزئية وليس ذلك معتبراً في عبادية الأدلة، بل المعتبر إنما هو مطلق الزيادة في الصلاة لا تكرار ذات الأجزاء بعنوان الجزئية.

ومن العجب ما حكي عن بعض الأعلام (1)في هذا المقام من النقض بما لو قرأ البناءُ في أثناء البِناءِ شيئاً من الشعر أو القرآن مثلاً بقصد الجزئية لذلك البناء، فكما أنَّ قصده غير موجب لصيرورته زيادة في البناء كذلك فيما نحن فيه؛ لأنَّ الشيء غير المماثل اجنبي لا يعد زيادة كالشعر في البِناء.

وأنت خبير بما في هذا الإيراد، بعد ما عرفت، من أنَّ زيادة كل شيءٍ بحسبه وأن الزيادة في المركبات الخارجية إنما هي بإضافة جزء خارجي إلى أجزائه وإنْ لم يكن من هذه الأجزاء، وهذا بخلاف الأمور الاعتبارية؛ فعدم صيرورة الشعر موجباً لصدق الزيادة في البناء غير مستلزم لعدم الصدق في الصلاة أيضاً لو قرأ فيها بقصد الجزئية، وهذا ظاهر لا سترة فيه.

وكيف كان، فلا إشكال في صدق الزيادة على السجود المذكور أيضاً خصوصاً لو قلنا بأن وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه واجب آخر غير ماهية السجود كما لا

ص: 64


1- النراقي، مستند الشيعة: ج 7 ص 82.

يخفى.

نعم، يمكن أنْ يقال: إنَّ قصد الجزئية من العالم بالفساد، الباني على إعادته ثانياً صحيحاً حال كونه ملتفتاً إلى عدم كونه مأموراً به، مع كونه في مقام إطاعة المولى و امتثال أوامره غير معقول، فتأمّل. هذا كله فيما لو كان بانياً من ألاول على إعادته ثانياً. وأما لو لم يقصد من أول الأمر إلا إيجاده مرة بعنوان الجزئية، ثم بدا له بعد ذلك أنْ يعيده ثانياً بقصد الجزئية أيضاً، فأوجده بذلك العنوان، فحينئذٍ نقول: إنْ كان إيجاده الجزء في المرة الأولى على وجه اعتبره الشارع بحيث أسقط الأمر المتعلق بذلك الجزء، فإيجاده ثانياً بقصد الجزئية زيادة مبطلة لصلاته مطلقاً سواءً كان موافقاً للمأتي به أولاً في الجهات المعتبرة فيه أم لا.

وإنْ أوجده في المرتبة الأولى فاسداً والمفروض أنه لم يكن قاصداً من أول الأمر على تکراره ثم بدا له أنْ يعيده بعد ذلك على نحو صحيح فهل تتحقق بذلك الزيادة وأنه ينصرف إليه إطلاق أنه زاد في صلاته أم لا؟

فيه إشكال؛ لأنَّ المأتي به في المرتبة الأولى غير متصف بالزيادة حال إيجاده؛ لما عرفت فيما سبق من أنَّ إيجاد الجزء فاسداً مع الاكتفاء به لا يعدّ زيادة في العرف، والفساد الناشئ عنه إنّما هو من جهة النقيصة.

نعم، قد يتصف بتحريف الفرض مع قصد البدلية، وليست هذه الجهة محل كلامنا. والحاصل: أنَّ هذا الجزء قبل تكراره، لا يعد زيادة.

نعم، بعد الإعادة تتحقق زيادة في المكتوبة، ومعلوم أنَّ الجزء المأتي به ثانياً لمّا كان متصفاً بوصف الصحة وكونه مطابقاً للمأمور به لا يتصف بكونه زيادة، بل هو واقع في محله؛ فالمتصف بالزيادة هو الجزء الأول لا غير، ولكن عَرَضَ له وصف الزيادة بعد إتيان ذلك الجزء ثانياً، فالآتي به لمّا لم يكن بانياً على إعادته ثانياً لم يقصد الزيادة بفعله ذلك، فهو غير متعمد في الزيادة.

ومن هذا القبيل ما لو أتى ببعض الأفعال رياءً ثم بدا له فأوجده على نحو صحیح.

ص: 65

وأما الأغلاط التي يستبق إليها اللسان ثم يعيدها على نحو صحيح، فليس من هذا القبيل؛ لعدم القصد إلى إتيانها فاسداً أولاً، بل لم يقصد من أول الأمر إلا إيجاد الفرد الصحيح فجرى على لسانه ما لا يقصده فهو فعل غير اختياري صدر لا عن قصد، فلا يتصف بالزيادة أصلاً ولو بعد إيجاد الصحيح منه؛ لما عرفت من أنَّ تحقق الزيادة يتوقف على قصد الجزئية، ومن البيّن أنه لم يقصد جزئية هذا، فما قصد جزئيته لم يتحقق بعد ما لم يأت بالفرد الصحيح، وما أتى به لم يقصد جزئيته، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإنَّ الجزء الفاسد يتصف بالزيادة، ولكن بعد إيجاد الفرد الصحيح فيلحقه وصف الزيادة بعد حدوثه، وحينئذٍ:

إنْ قلنا: بأنَّ الظاهر من إسناد الفعل إلى الفاعل المختار أنْ يكون صادراً عن اختياره یخرج هذا القسم عن منصرف الأخبار؛ لما عرفت من أنه لم يقصد الزيادة، ومعلوم أنَّ من يدّعي هذا الاستظهار يعتبر أنْ يكون عنوان الفعل صادراً عن اختياره، لا ما يكون معنوناً بهذا العنوان، فلا يكفي اختيارية ذات المتّصف، بل المعتبر صدور الوصف عن الاختيار.

وإنْ منعنا ذلك الظهور وقلنا: بأنه يكفي صحة الإسناد في انصراف الإطلاق إليه، لا يتفاوت الحال بين الأقسام في شمول اللَّفظ، ولعلَّ هذا هو الأقوى، خصوصاً في هذا المورد؛ حيث إنَّ حمله على الزيادة العمدية مستلزمٌ للغوية الكلام؛ لما أشرنا سابقاً من أنَّ قصد الجزئية مع إرادة الزيادة لا يكاد يعقل، وعلى فرض المعقولية والوقوع فرد (1) نادر لا يحسن صرف الكلام إليه، كما لا يخفى، وكيف كان، فالظاهر أنَّه لا إشكال في صدق الزيادة فيما نحن فيه.

نعم، حكى سيد مشايخنا - أدام الله أيام إفاضاته (2) عن شيخه المرتضى – قدّس الله نفسه

ص: 66


1- كذا في الأصل، ولعل الأنسب: (ففرد).
2- هو السيّد المجدّد الشيرازي، كما يظهر مما ذكره المقرر قدس سره في أول صفحة من الكتاب واصفاً أياه ب- (سيد مشايخنا)، ويؤكده قوله: (عن شيخه المرتضى) وهو العلّامة الأنصاري.

الزكية- أنه قال في بعض تحقيقاته: (أنه لو رفع اليد عن الجزء الذي أتى به أولاً لغرض ديني كالفضيلة أو دنيوي كالاستعجال أو لكون الجزء الأول فاسداً كما لو أتى به رياءً ثم بدا له أنْ يعيده، فرفْعُ اليد عن المأتي به لا يُعدُّ زيادةً عرفاً ولا يتحقق بفعله ثانياً زيادة فى الصلاة) (1).

وهذا الذي ذكره في المقام بظاهره منافٍ لما حققه في مبحث أصل البراءة من رسائله في بيان أحكام صور زيادة الجزء، حيث قال: (الثالث: أنْ يأتي بالزائد بدلاً عن المزيد بعد رفع اليد عنه إما اقتراحاً كما لو قرأ سورة ثم بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ وقرأ سورة أخرى لغرض ديني كالفضيلة أو دنيوي كالاستعجال، وإما لإيقاع الأول على وجه فاسد بفقد بعض الشروط كأن يأتي ببعض الأجزاء رياءً أو مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها ثم يبدو له في إعادته على وجه صحيح. أما الزيادة على الوجه الأول فلا إشكال في فساد العبادة إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء لأنَّ ما أتى به وقصد الإمتثال به - وهو المجموع المشتمل على الزيادة – غير مأمور به، وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة، لم يقصد الامتثال به، وأما الأخيران فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما) (2). انتهى موضع الحاجة من كلامه.

وأما وجه التنافي: فواضح؛ حيث إنَّ ظاهر هذا الكلام، بل صريحه تسليم صدق الزيادة عليه، فهو بظاهره موافق لما ذكرنا، إلا أنَّ الظاهر منه أنَّه قدس سره التزم بكون الثاني زائداً، وقد عرفت أنه لا وجه لهذا الالتزام، بل الظاهر أنَّ إيجاده ثانياً على وجه صحيح موجبٌ للحوق وصف الزيادة بالأول، ولا يتصف الثاني بالزيادة بعد كونه مأموراً وموافقاً لأمره.

وتوهم: أنَّ إيجاد الجزء أولاً شاغل لمحلّه وليس ثانياً مأموراً به في غير ذلك المحل

ص: 67


1- ينظر: العلّامة الأنصاري، أحكام الخلل في الصلاة: ص333.
2- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج 2 ص371.

فيتصف بالزيادة نظير ما لو أتي أولاً على وجه صحيح، فما يأتي به ثانياً ولو كان صحيحاً صورة زيادةٌ كما عرفت فيما سبق.

مدفوعٌ: بأنَّ المفروض رفع اليد عما أتى به أولاً وإيجاده ثانياً بقصد إيقاعه في محله الذي تعلق الأمر بإيقاعه فيه، ومعلوم أنَّ مثل هذه الأمور الاعتبارية منوطة باعتبار المعتبر، فرفع اليد عن الأول معناه: اتصال الجزء الثاني بما قبل الجزء الأول وإسقاط الجزء الأول من البين، ولا تقس هذا على ما لو أتى بالجزء أولاً على وجه صحيح؛ حيث إنَّ صحته موجبة لإسقاط أمره فلا يؤثر رفع اليد في شيء بعد امتثال الأمر وسقوطه؛ ضرورة عدم سببية رفع اليد لصدور أمر آخر مغاير للأمر الذي تحقق إمتثاله، وسببيته لعود الأمر الأول أوضح فساداً كما لا يخفى، فالجزء المأتي به ثانياً زائد مطلقاً؛ لعدم تعلق الأمر به فافهم.

أقول: قد عرفت أنه لا إشكال في صدق الزيادة في المقام، وأما ما ذكره الشيخ قدس سره من قضية رفع اليد في كلامه الأول فالظاهر أنَّه لا ينكر أصل وقوع زيادة في أثناء الصلاة، بل إنما ينكر صدق هذا الكلام عليه أعني قوله علیه السلام: «زاد في صلاته» التفاتاً، إلا (1) أنَّ كلمة (في) ليست على حقيقتها، بل بمعنى: (على)؛ لكون مدخولها مزيداً عليه لا ظرفاً للزيادة فمعناه: من زاد على صلاته، والمراد من الصلاة أجزاؤها، لا الهيئة الملتئمة من حيث هي؛ ضرورة أنَّ المراد بالخبر الشريف بيان حكم الزيادات المتعارفة مثل أنَّ للصلاة عشرة أجزاء مثلاً فأتى بها أحد عشر جزءًا، لا أنْ يصلي مكرراً، وقد عرفت فيما سبق (2) أَنَّ السنخية بين المزيد والمزيد عليه معتبرة في صدق الزيادة.

فالحاصل أنَّ المراد من الرواية: مَنْ زاد على أجزاء الصلاة جزءًا، ومن المعلوم أنه بعد رفع اليد عن هذا الجزء الفاسد وإيجاد بدله في مكان الجزء الفاسد لم يوجد بصلاة

ص: 68


1- كذا في الأصل، والصحيح: (الى).
2- تقدم: ص 63.

ذات أحد عشر جزءًا وإنما أتى بالصلاة العشرة أجزاء؛ لأنَّ الزائد قد فات وارتحل من البين وخرج عن كونه في عرض سائر الأجزاء حتى يوجب زيادتها فصار أجنبياً عنها بالقصد. ولا تقس هذا بما لو أقحم زيادةً في البين ثم رفع اليد عنها وقَصَدَ انضمام لاحقها بسابقها فكما أنه لا يؤثر القصد هنالك في شيء فكذلك هنا؛ لأنَّ الجزء الموجود زائداً، يستحيلُ أنْ ينقلب عما وجد عليه، وهذا بخلاف ما نحن فيه؛ حيث إنه حال جزئيته غيرُ متصف بالزيادة، وحال زيادته غير متصف بالجزئية.

إنْ قلت: إنه قد وجد جزء ويستحيل أنْ ينقلب عما وجد عليه، فهو باق على جزئيته في الزمان الثاني، وجزئيته في هذا الزمان مساوق لزيادته. قلت: أولاً: بالنقض بالمركبات الخارجية، كالبِناء حيث يمكن إخراج بعض الأجزاء منها.

وثانياً: بالحل، بأنَّ المحال ارتفاعُ جزئيته حال وجوده، لا جزئيته مطلقاً، وبعبارة أخرى: إخراج الجزء عن الجزئية ليس محالاً، بل المحال انقلاب جزئيته حال حدوثه، وقد عرفت أنَّ جزئيته حال حدوثه غير مستلزم لصدق الزيادة، بل المستلزم له استمرار الجزئية إلى زمان حدوث ما يأتي به ثانياً.

إنْ قلت: قد ذكرت أنه يمكن إخراج الجزء عن الجزئية، فنحن نخرج هذا الجزء الزائد من بين الأجزاء فبتبعه الوصف، فلم يبقَ بعد ذلك من الصلاة إلّا العشرة الأجزاء المعتبرة.

قلت: حدوثه زائداً كافٍ في الصدق المذكور، واستمراره على وصف الجزئية غيرُ مؤثرٍ في ذلك مثلاً لو أتى بالزائد بعد خمسة أجزاء، صدق حال حدوثه أنه زاد على الخمسة، ورفْعُ اليد عنه بعد ذلك لا يوجب رفع الصدق المذكور؛ إذْ غاية ما في الباب أنه يصدق عليه بعد ذلك أنه: زاد على أجزاء صلاته ثم الغى الزائد ورفع اليد عنها، فالصدق المذكور - الذي هو موضوع الدليل - مما لا محيص عنه.

ومما ذكرنا ظهر فساد قياس ما لو أتى بالجزء الفاسد ثانياً ثم رفع اليد عنه على ما

ص: 69

نحن فيه، كما لا يخفى.

وأما وجه القول الثاني أعني: صدق القضية المذكورة بعد رفع اليد عنه؛ فلمنع ما ذكر.

ودعوى أنَّ تعديةَ الفعل بالحرف غير المناسب له قرينةُ التضمين على ما ذكر في محله (1) ، فالمراد منها: مَنْ أدخلَ في صلاته زيادةً، لا من زاد على أجزاء الصلاة، ومن البيّن أنه يصدق فيما نحن فيه أنه أدخل في صلاته زيادة وأوجد في أثنائها إياها، فكلمة (في) باقية على الظرفية وليس التصرّف الأول أولى من هذا التصرّف، بل لا يبعد أولوية ذلك وأظهريته، مع أنَّه يمكن الالتزام بالصدق على ذلك التقريب أيضاً؛ بدعوى انصرافها إليه بنحو من المسامحة. وكيف كان، فالأقوى صدق القضية المذكورة على ما نحن فيه. هذا تمام الكلام في صغرى المسألة.

ص: 70


1- ينظر: الرضي، شرح الكافية: ج 5 ص 150؛ مغني اللبيب: ج 2 ص 181 - 182؛ الجامي، الفوائد الضيائية: ج 2 ص 646.

[حكم الزيادة في الصلاة]

وأما حكمها فيتوقف على ملاحظة أخبار الزيادة، والجمع بين متنافياتها ظاهراً، فنقول:

روي عن أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله علیه السلام: من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (1). وقال علیه السلام: «من لم يقصر في السفر لم تجز صلاته» (2).

وقال عبد الله بن الحسن عن أبي الحسن علیه السلام: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة، إذا زدت عليها، فإذا زدت فعليك الإعادة، وكذلك السعي» (3).

وهذه الأخبار الشريفة تدل على أنَّ الزيادة مطلقاً مبطلة للصلاة إلّا أنّها مخصصة في حال السهو ب-«لا تعاد» (4) وأمثاله، وكذا الرواية الثانية بالنسبة إلى حال الجهل أيضاً بعد خروج الوقت على ما هو مقتضى الأخبار المخصّصة، ولكنه غير ضائر لما نحن بصدده؛ لعدم دخوله في المستثنى قطعاً فيشمله الإطلاق بعد تسليم كونه زيادة.

هذا، ولكنّ الإنصاف أنَّ التمسك بالرواية الثانية (5) لإبطال مطلق الزيادة لا يخلو عن تأمل بل الاستشهاد بها على خلاف المقصود لا يخلو عن وجه؛ بدعوى ظهور الفريضة فيما جرى عليه اصطلاحهم علیهم السلام من إطلاق الفرض على خصوص الأركان، كما يدل عليه بعض الأخبار المصرحة بأنَّ القراءة سنة (6)، وما يشابهها سنة، والركوع فريضة أو إطلاقه على الركعتين الأوليين، كما يشهد به بعض الأخبار الأُخر (7).

ص: 71


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 2 ص 194، 764، الاستبصار: ج1 ص 376، ح1429 .
2- الصدوق، الخصال: ص 604.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 5 ص 151، ح 498، الاستبصار: ج 2 ص 217.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 225، ح 991.
5- كذا في الأصل، والصحيح: (بالرواية الثالثة).
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 225، ح 991.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 6 ص 87. أبواب القراءة في الصلاة ب27 ح1، ح 5 .

وعلى أي تقدير، لا تتحقق الزيادة على الفريضة إلا بزيادة ركعة؛ لما عرفت فيما سبق (1) من أنَّ السنخية معتبرة في صدق الزيادة، فإناطة البطلان في كلامه علیه السلام وجعله علّة له تدلُّ على أنَّ مطلق الزيادة غير مبطلة، وإلا لوجب الاستناد إلى أسبق العلل.

فالزيادة المبطلة بمقتضى ظاهر الرواية إنما هي زيادة الركوع من حيث كونه فريضة، أو زيادة الركعتين لأجل كونها زيادة على فرض الله تعالى الواجب إهمالها في السفر، وعلى أي تقدير، تدلُّ على أنَّ زيادة القراءة غير مبطلة.

اللهمَّ إلّا أنْ يقال: إنَّ استناد الإبطال إلى فرض الله تعالى لأجل نكتة وهي كونها علّة تامة مطلقاً، بخلاف سائر الزيادات فإنَّ علّيتها إنما هي في صورة الإلتفات دون السهو، فلا تَنافي بينها وبين الروايتين السابقتين.

وكيف كان، فلا يخفى أظهرية الروايتين السابقتين، ووهن الاستظهار المذكور وعدم صلاحيته ليقيّد المطلقات، فالأقوى في المسألة بطلان الصلاة.

وقد يتوهم في المقام منع انصراف الرواية إلى ما لَحِقَه وصفُ الزيادة، بل المتبادر منها ما حدث زائداً فلا تشمل ما نحن فيه.

وفيه: منع التبادر، بل الإطلاقُ بعد تقييده ب-«لا تعاد» (2) وأمثاله في حال السهو والنسيان شاملٌ لكل ما صدق عليه لفظ الزيادة العمدية من دون فرق بين أنْ يجعله زائدا بعد حدوثه، أو يوجده زائداً من أول الأمر.

هذا. ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا - أعني: في سببية مطلق الزيادة للبطلان- بين زيادة الأجزاء الواجبة والمستحبة؛ لعموم الدليل.

وتوهّمُ أنَّ اعتبار السنخية في صدق الزيادة موجب للتفكيك – بزعم أنَّ المستحبات ليست أجزاءً للصلاة، وإنما هي معتبرة في كمالها - واضحُ الفساد؛ لكونها جزءً للفرد

ص: 72


1- تقدم: ص 63.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 225.

الكامل كما لا يخفى، وصدق الزيادة في صلاة أتى في كل ركعة منها بقنوت بقصد الجزئية ولو على سبيل الاستحباب بديهيٌ، فالحكم بالبطلان كما هو ظاهر إطلاقات الأصحاب (1) قويٌ. وحكم الجاهل بالحكم حكم العامد كما بينّا في صدر المبحث فراجع.

[حكم ما يأتي به المصلي الجاهل أو الغافل من المستحبات في غير محلّه]

وما ربما يأتي به المصلي الجاهل أو الغافل من المستحبات في غير محلّه - كالتكبير حال الهوي وغير ذلك- فليس من الزيادة في شيء غالباً؛ حيث إنَّ غرضه غالباً امتثال الأمر المتعلّق بمستحب واقعي ويوجده باعتقاد أنه هو ذلك الجزء، مثلاً يعلم في المثال المذكور أنَّ ذِكرَ التكبير قبل الركوع مستحبٌ، ولكن لا يدري أنَّ محلَّه في حال القيام، فيأتي به حال الهوي زعماً منه أنه هو المحل، وقد عرفت فيما سبق أنَّ ذلك ليس زيادة، بل [من] قبيل التبديل؛ لأنه غيّر محلّه وأوجده في غير محلّه، ولا يوجب ذلك بطلان الصلاة في المستحبات؛ لعدم مساعدة الدليل عليه.

نعم، لو أتى به بعد ذكره أولاً في محلّه أو بعد البناء على تركه في محلّه ثم أتى بذلك الفاسد بقصد كونه جزءًا مغايراً لذلك الجزء تتحقق الزيادة كما لا يخفى.

[في تشخيص الكلام المبطل للصلاة]

ثم إنّا لو لم نلتزم بصدق الزيادة في بعض هذه المقامات المذكورة أو قلنا بعدم سببية مطلق الزيادة للبطلان، بل السبب إنّما هو زيادة الركعة - كما يظهر من بعض (2)-، فهل يبطل الصلاة لأجل كونه كلاماً غير سائغ أم لا؟

ص: 73


1- ينظر: الطوسي: المبسوط: ج 1 ص 173؛ المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136، المعتبر: ج2 ص376؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج7 ص7؛ الشهيد الأول، الذكرى: ج 3 ص 409؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 4 ص 211، 212؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص 497.
2- ينظر: الاردبيلي، مجمع الفائدة: ج3 ص 87؛ الشهيد الثاني، المقاصد العليّة : ج12 ص 300.

والمحكيّ عن العلّامة (1) وبعض آخر (2) في مسألة عدم جواز ذكر لفظ (آمين) في أثناء الصلاة، دعوى انعقاد الإجماع على أنَّ كل كلام محرم فهو مبطل للصلاة، فلو تمّ الإجماع (3) يدلّ على بطلانها بزيادة الجزء عمداً؛ لكونها تشريعاً محرماً، وكذا لو أوجد الجزء رياءً أو غناء سواءً كان ما أوجده أولاً كذلك أم ثانياً؛ إذ المناط صدق الحرمة.

ثم إنه لو انحصر الدليل على ذلك لوجب الاقتصار على صورة العمد والالتفات؛ إذْ لا نهي في غيرها منجزاً بحيث يصير منشأً لبطلان الصلاة؛ لأنَّ التكليف فرع العلم، فتأمّل.

ولكنْ ينبغي أن يصرف (الكلام) إلى -غير القرآن - المحرّم (4)؛ لأنَّ القرآن غير متبادر من (الكلام) في كلماتهم، بل المنصرف إنّما هو كلام الآدميين. وقد يستظهر من بعض الأخبار، كون الكلام مطلقاً منافياً للصلاة - ولو كان ذكراً أو دعاءً غير سائغ - لا لعمومات مبطلية الكلام في حال العمد مثل «من تكلّم في صلاته متعمداً فعليه إعادة الصلاة» (5)؛ لإمكان دعوى انصرافه إلى كلام الآدميين، بل لما دلَّ على استثناء الدعاء والمناجاة عن الكلام المفسد، مثل قوله علیه السلام: «كلّما ناجيت به ربك في

ص: 74


1- العلّامة الحلي، نهاية الأحكام: ج1 ص 465؛ البهبهاني، المصابيح: ج7 ص244.
2- السيّد المرتضى، الانتصار: ص 144؛ الطوسي، الخلاف: ج1 ص334؛ ابن زهرة، الغنية: ج1 ص81؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص372؛ العاملي، مفتاح الكرامة: ج8 ص18.
3- إشارة الى عدم تمامية الإجماع بما نقل عن ابن الجنيد (الجواز في ذلك) في الذكرى: ج3 ص274، 275، والدروس: ج1 ص95. ( ج9 من موسوعة الشهيد الأول). وما مال إليه في المعتبر: ج2 ص186 على ما في المصابيح: ج7 ص244، والمدارك: ج3 ص372. واختيار المقدّس الأردبيلي: ج2 ص 234، 236. ومذهب صاحب جامع المقاصد: ج2 ص249. وتنظّر صاحب المدارك: ج3 ص373. وحيادية «الكثير من العلماء كابن أبي عقيل والجعفي في الفاخر وأبي الصلاح - قدهم-» على ما في الذكرى: ج3 ص276. ( ج9 من موسوعة الشهيد الأول). ينظر: الآبي، كشف الرموز: ج1 ص156.
4- كذا في الأصل، والمناسب: (أن يصرف الكلام المحرَّم إلى غير القرآن).
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص232، ح1029.

الصلاة فليس بكلام»(1).

ومثل قوله علیه السلام في مرسلة حمّاد: «كلّما كلمت به في صلاة الفريضة، فلا بأس، وليس بکلام» (2).

وصحيحة الحلبي: «كلّما ذكرت الله و النبي صلی الله علیه و آله و سلم فهو من الصلاة» (3).

بتقريب: استفادة عموم مبطلية الكلام من هذه الأخبار، وكونها أمراً مسلّما مفروغاً عنه، فليقصر في الخارج عنه ما يدلّ الدليل عليه وهو ليس إلا السائغ منها؛ لانصراف ما ذكر في الأخبار إليها.

وهذا الاستظهار وإن [كان] لا يخلو عن نظر، إلا أنه بعد اعتضاده بنقل الإجماع المتقدم لا يبعد نهوضه لإثبات المطلوب فيما عدا القرآن؛ لبُعد شمول الكلام له.

فالإنصاف أنَّ الالتزامَ ببطلان الصلاة بذكر كل (كلام محرَّم) دعاءً كان أو مناجاة - فيما عدا القرآن - لا يخلو عن قوة.

وأما القرآن المحرَّم، ففيه إشكال؛ لعدم انصراف الكلام إليه ولو بالتقريب المستفاد من الأخبار المتقدمة كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في هذا المقام.

ص: 75


1- المصدر السابق: ج1 ص 208، ح 938.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج7 ص 264. أبواب قواطع الصلاة ب13 ح3.
3- الكليني، الكافي: ج3 ص 337 ح6. الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 316 ح1293.

[مسألة القصر والإتمام]

ولنتبعه بذكر مسألة القصر والإتمام؛ إذْ بعد إيراد مقدماتها في هذا المقام لا يخلو التعرّض لحالها عن وجه، وقد ذكرنا أنهم صرحوا بمعذورية الجاهل في هذه المسألة (1) أيضاً ومستندهم في ذلك الأخبار الواردة في الباب وهي وإنْ كانت مختلفة من حيث المفهوم إلا أنَّ جميعها تقتضي ذلك، كما لا يخفى على المتأمل فيها، ولنوردها حتى تتضح حقيقة الحال فنقول:

إنَّ منها: مصححة عيص بن القاسم - وقد وردت بعدة طرق (2) عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلى وهو مسافر فأتمَّ الصلاة؟ قال: إن كان في وقت فليعد، وإنْ كان الوقت قد مضى فلا».

ومنها: ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات؟ قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (3)، ورواه الصدوق - على ما وجدته في الوسائل- بإسناده عن أبي بصير نحوه (4).

ومنها: ما عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «سمعته يقول: إذا أتيتَ بلدةً فأزمعتَ المقام عشرة أيام فأتِم الصلاةَ، وإن تركه رجلٌ جاهلاً فليس عليه إعادة» (5).

ص: 76


1- النجفي، الجواهر: ج14 ص 348؛ النراقي، مستند الشيعة: ج 8 ص 322.
2- الكليني، الكافي: ج3 ص 435 ح6؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج3 ص 169 ح372، الاستبصار: ج1 ص241 ح860.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج3 ص169 ح373، ص 225 ح 570، الاستبصار: ج1 ص241 ح 861.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص281 ح 1275؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 8 ص506 ح1.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 3 ص 221 ح 552 .

ومنها: ما عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: «قلنا لأبي جعفر علیه السلام: رجل صلى في السفر أربعاً أيعيد أم لا؟ قال: إن كان قُرأت عليه آية التقصير (1) وفسرت له فصلى أربعاً أعاد، وإن لم يكن قُرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه»(2) ، ورواه الصدوق قدس سره بإسناده عن زرارة ومحمد بن مسلم مثله (3)، ورواه العياشي في تفسيره بإسناده عنهما مثله، وزاد «والصلاة في السفر الفريضة ركعتان، كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير ترکها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في السفر والحضر ثلاث ركعات» (4)، هذه جملة من الأخبار لا بدَّ من ملاحظة النسبة بينها، وليعلم:

أولاً: أنَّ الظاهر كونها مسوقة لبيان حكم الجاهل والناسي، والسؤال إنّما هو عن حكمهما كما هو صريح أكثرها، لا عن حكم العالم العامد الباني على المخالفة، فلا ينبغي إدراجه تحتها، ثم يلاحظ النسبة بينها.

و[ثانياً]: القابل لإرادة الشمول منها ليس إلا رواية عيص، فإنْ أبيت إلا عن دعوى شمولها له، فالخطب فيها سهل؛ لكونها أعمّ مطلقاً من الجميع على وجه، مع أنه لو قلنا بأعميّتها من وجه أيضاً لا يؤثر في شيء؛ لثبوت مورد الافتراق في غير هذا المورد كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.

فنقول: إنه لا معارضة بينها في حكم الناسي؛ إذ المتعرّض لحكمه دالّ على وجوب الإعادة عليه في الوقت، ونفيها في خارجه، والدالة على نفي الإعادة مطلقاً فإنما هي مخصوصة بالجاهل؛ لتصريح رواية المنصور بأنه إن تركه جاهلاً فليس عليه إعادة، وظهور رواية زرارة، ومحمد بن مسلم أيضاً في ذلك؛ إذ الظاهر أنَّ التعبير بقراءة الآية وعدمها كناية عن العلم بحكم المسألة وجهله بها، مع أنَّا لو قلنا بإدراج الناسي فيها

ص: 77


1- سورة النساء: 101.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج3 ص 226، 571.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 435 ح 1265 باب الصلاة في السفر.
4- محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1 ص 436.

فلا شبهة أنه ممن قرأت عليه الآية يعني: ممن سمع بهذا الحكم لا ممن لم يسمع، ومعلوم أنَّ خصوصية سماع لفظ الآية وتفسيرها لا موضوعية لها، بل المقصود أنه إنْ علم هذا الحكم أو سمعه بحيث يشمل بعد النسيان أيضاً، فمقتضى عمومها لزوم الإعادة على الناسي، ولا بدَّ حينئذٍ من تقييدها بخصوص رواية أبي بصير التي سأل فيها عن حكم الناسي، وكذا لا معارضة بينها بالنسبة إلى حكم الجاهل في خارج الوقت كما لا يخفى.

فالمعارضة إنما هي في مفادها بالنسبة إلى حكم الجاهل في الوقت؛ حيث إنّ الرواية الأولى دلّت على وجوب الإعادة فيه، والروايات الأُخر المتعرضة لحال الجاهل دلّت على عدمها مطلقاً.

فحينئذٍ إِنْ قلنا: بظهور لفظ (الإعادة) في تكرار الصلاة في خصوص الوقت لا في خارجه - كما هو كذلك في عرف المتشرعة - فلا شبهة في أخصيّتها من الرواية الأولى، فاللازم حينئذٍ تخصيصها بها، فيكون حكم لزوم الاعادة في الوقت مخصوصاً بغير الجاهل.

وإنْ منعنا الظهور المذكور بالنسبة إلى استعمالاتهم عليهم السلام وقلنا باعميّتها من الوقت وخارجه - كما أنه ليس ببعيد - فالنسبة بينهما عمومٌ من وجه؛ لأعميّة الرواية الأولى من حيث الموضوع؛ لاشتماله على غير الجاهل والروايات الأخيرة من حيث المحمول؛ لشمولها على نفي الإعادة في خارج الوقت. فلا بدَّ فيها من الرجوع إلى المرجحات الخارجية، ولعلَّ العمل بالأخيرة أرجح، بل هو المتعين ولو لم نقل بكونها أظهر دلالةً وأشهر روايةً؛ لذهاب المشهور إليه (1)، بل أدعي الإجماع عليه (2) ، هذا كله مما لا إشكال

ص: 78


1- الشهيد الأول، الذكرى: ج4 ص 205؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص700؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج4 ص472؛ البهبهاني، حاشية المدارك: ج3 ص 436، العاملي، مفتاح الكرامة: ج10 ص617.
2- ينظر: رسائل الشريف المرتضى: ج2 ص383، 384؛ العلّامة الحلي، التذكرة: ج4 ص 205، 206؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج 2 ص 700.

فیه.

إلا أنه يعارض هذه الأخبار بأسرها روايةُ عبيد الله بن علي الحلبي قال: «قلت لأبي عبد الله علیه السلام: صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر؟ قال: أعد» (1)، ولكن هذه الرواية مجملة من حيث حال الراوي؛ لاحتمال كونه ناسياً وقد تذكر في الوقت، أو عالماً وقد تعمد في ذلك، فليست نصّاً في المعارضة بل ولا ظاهرة. فتأمّل (2)

ولو سُلّم معارضتها فلا تقاوم تلك الروايات الكثيرة المعتضدة بالشهرة، وعمل الطائفة، كما لا يخفى.

ص: 79


1- الطوسي، تهذيب الإحكام: ج2 ص 14ح 33.
2- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (وجه التأمل: إنَّ ترك الإستفصال يفيد العموم).

مسألة: (لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب)

مسألة: (لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب) (1).

بل ولا في مطلق المحمول المغصوب مع علمه بالغصب؛ لانَّ حركاتها التي هي جزء منها كالقيام والقعود والركوع والسجود منهي عنها؛ لكونها تصرّفاً في المغصوب فلا يكون جزءًا للعبادة، كما تحقق في محله.

قال صاحب المدارك في شرح كلام المصنّف في هذه المسألة: (لا خلاف في تحريم الثوب المغصوب في الصلاة وغيرها، وإنما الكلام في بطلان الصلاة بذلك ونصّ (2) العلّامة ومنْ تأخر عنه (3) على أنه لا فرق في الثوب بين كونه ساتراً للعورة، أو غير ساتر، حتی أنَّ الشهيد قال (4) في البيان: «ولا يجوز في الثوب المغصوب ولو خيطاً، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب».

واحتجوا عليه: بأنَّ الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها؛ لأنها تصرّف في المغصوب والنهي عن الحركة نهي عن القيام والقعود والسجود، وهو جزء للصلاة فيفسد؛ لأنَّ النهي في العبادة يقتضي الفساد، فتكون الصلاة فاسدة لفساد جزئها (5). وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده إلى مالكه، فإذا افتقر إلى فعل كثير، كان مضاداً للصلاة؛ والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فيفسد.

ویتوجه على الأول: أنَّ النهي إنما يتوجه إلى التصرف في المغصوب الذي هو لبسه واستدامته، وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات، أعني: القيام والقعود والسجود، فلا يكون النهي متناولاً لجزء الصلاة، ولا لشرطها، ومع ارتفاع النهي ينتفي البطلان.

ص: 80


1- العبارة في الشرائع: ج1 ص83 ، هكذا: (الثوب المغصوب لا يجوز الصلاة فيه).
2- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج1 ص 229.
3- منهم: الشهيد الأول، الدروس: ص26، البيان: ص118؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج2 ص 78.
4- الشهيد الأول، البيان: ص 118.
5- المحقق الكركي، جامع المقاصد: ج2 ص 89؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص 124-547 .

وعلى الثاني: ما بينّاه مراراً، من أنَّ الأمر بالشيء إنما يقتضي النهي عن الضدّ العام الذي هو نفس الترك أو الكفّ، لا الأضداد الخاصة الوجودية (1). والمعتمَد ما اختاره المصنّف في المعتبر من بطلان الصلاة إن كان الثوب ساتراً للعورة؛

لتوجه النهي إلى شرط العبادة فيفسد، ويبطل المشروط؛ لفواته.

وكذا إذا قام فوقه أو سجد عليه؛ لأنَّ جزء الصلاة يكون منهياً عنه -وهو القيام والقعود- حيث إنَّ نفس الكون منهي عنه.

وأما لو لم يكن كذلك لم يبطل؛ لتوجّه النهي إلى أمر خارج عن العبادة)(2). انتهى.

أقول: ما ذكره قدس سره لا يخلو عن التأمل:

أما أولاً: أنَّ ما أورد على الدليل الأول بأنَّ التصرف في المغصوب لبسه واستدامته وهو أمر خارج عن الحركات.

ففيه: أنَّ التصرف ليس منحصراً فيهما، بل كل تحريكٍ وتقليبٍ ووضعٍ مغايرٍ لما كان عليه تصرف آخر مغاير للتصرف الأول محرّمٌ، بل الاستدامة هي فعل واحد إذا قيس كل جزء منها بالنسبة إلى أجزاء الزمان يكون كل جزء منها فعلاً محرماً مغايراً للفعل الأول، وكيف، ولو لم يكن المحرم إلا اللبس واستدامته للزم أنْ لا يكون أخذه واندراسه وغير ذلك من الأوضاع والتقليبات محرماً، ومن المعلوم خلافه.

والحاصل: أنه لا إشكال في أنَّ مطلق تحريك المغصوب محرّم ولو لم يحصل لبس أصلاً: فلو اتحدَ ذلك التحريك مع جزء من أجزاء الصلاة بحيث تحقّق بفعل ذلك الجزء هذه الحركة يخرج هذا الجزء عن كونه مأموراً به فلا يتحقق به امتثال قطعاً فيبطل أصلُ الصلاة.

نعم، لو لم يتحقق التحريك والتصرّف بالفعل المعتبر في قوام الصلاة بل كان أمراً

ص: 81


1- الروزدري، تقريرات المجدد الشيرازي: ج 2 ص 97.
2- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 3 ص 181.

خارجياً - كأن لبس ثوباً مغصوباً في أثناء الصلاة في حال القيام أو القعود أو غير ذلك من الأحوال ثم نزعه وانتقل إلى حالة أخرى - لا يوجب ذلك بطلان الصلاة؛ لما ذكره من تعلّق النهي بأمر خارج (1).

وهذا بخلاف ما لو كان المغصوب معه في حال انتقاله من حال إلى حال بحيث تحرَّك المغصوب بحركته، ولا يخفى عليك أنَّ تحريك المغصوب الذي قلنا بكونه سبباً لبطلان الصلاة - من حيث كونه تصرّفاً فيه - أعمّ من أنْ يتعلق بنفسه ذاتاً أو بها بواسطة شيء آخر كأنْ كان المغصوب ملفوفاً بخرقة مع المصلي فيشمل الحركة العرضية؛ ضرورة صدق التصرف عليها، كما لو غصب صاحبُ السفينة متاعاً موضوعة فيها وذهب بها عن محلّه، لا شكّ في صدق الغصب وكونه متصرفاً في المغصوب فافهم.

هذا كله إذا قلنا بأنَّ الحركات من أجزاء الصلاة، وأما لو قلنا بأنَّ المعتبر فيها ليس إلا ماهية الركوع والسجود والقيام والقعود - بحيث يكون المطلوب في ضمن الكل هي هذه الهيئات لا غير، والهوي إنما يكون مقدمة لهذه الأمور، وليس جزءًا لها حتى يكون عبادة، كما احتمله بعض (2) - فاللازم الالتزام بالصحة في كثير من الموارد؛ لأنَّ حرمة المقدمة لا توجب بطلان ذيها.

وثانياً: أنَّ ظاهر ما أورده على الدليل الثاني تسليم الدلالة على فرض اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص.

وفيه: أنه أخصّ من المدعى، فلا يصلح لأن يكون دليلاً عليه، مع أنَّ المقدمية والتوقّف مطلقاً حتى بالنسبة إلى الضد العام أيضاً محل تأمل بل منع، كما قرر في محله (3) .

ص: 82


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 3 ص 182.
2- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: ج 9 ص 276.
3- ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج2 ص121. (مسألة المرة والتكرار).

وثالثاً: أنَّ اعتماده (1) على ما اختاره المصنّف في المعتبر (2) من التفصيل بين الساتر وغيره، في غير محله بحسب الظاهر؛ إذ الظاهر أنَّ شرط الصلاة إنّما هو نفس التستّر - بحيث لا يكون مكشوف العورة - لا لبس الساتر، فالشرط حاصل ولو بفعل محرم، فهو نظير طهارة الثوب والبدن من الخبث حيث إنه يحصل باستعمال ماء مغصوب.

فالإنصاف: أنَّ التفصيل المذكور مما لا وجه له بل الوجه ما ذكرنا من أنه لو تحرك المغصوب بحركات الصلاة لفسدت الصلاة، وإلا فلا. ثم إنه قد ذكر بعض المحقّقين من متأخري المتأخرين في حاشيته - على ما نقلناه عن المدارك-: (أنه لا شكّ في أنَّ الحركات منهي عنها؛ لكونها في ملك الغير بغير إذن صاحبه، ويكون المتصرف مشغول الذمة في أجرته، وعوض ما تلف من الحركات، أو تفاوت القيمة بسببها، ولا شك في أنَّه يجب المنع عن الحركات من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (3).

أقول: الظاهر أنَّ غرضه إثبات أصل المدعى ردّاً على الشارح، ولكنني لم اتحصَّل مقصوده من إدراج وجوب الأمر بالمعروف في ذلك الدليل؛ لانَّ غرضه إن كان وجوبه على الغير فلا ربط بصحة صلاته وفسادها، وإنْ كان غرضه وجوبه على نفسه بأنْ ينهى المصلي نفسه عن هذا المنكر في أثناء الصلاة متشبثا بفحوى أدلته؟

ففيه: أنَّ نهيه إياه عن هذا المنكر لا يوجب بطلان الصلاة؛ إذْ لا يحتاج إلى قول ولا فعل خارجي، قليلاً كان أو كثيراً.

وإنْ كان مراده من النهي عن المنكر وجوب تحميل النفس على إيصال المغصوب إلى صاحبه وهو منافٍ للصلاة فيقتضي كونها منهياً عنها؟

ص: 83


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 182.
2- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 92.
3- البهبهاني، حاشية المدارك: ج2 ص 369 - 370.

ففيه: أنه يرجع إلى الدليل الثاني الذي قد عرفت الجواب عنه، فلا وجه لإيراده بهذه العبارة، ولا حاجة إلى تلك المقدمة.

وإنْ كان مراده من النهي عن المنكر وجوب ترك الحركة وحرمة فعلها، وكان مقصوده إثبات تعلّق النهي بها في قبال صاحب المدارك قدس سره حيث إنه أنكر كونها منهياً عنها من حيث هي (1).

ففيه: أنه قد أثبت في صدر كلامه حرمته وكونه منهياً عنه، فلا حاجة إلى التطويل، فافهم.

[لا يجوز الصلاة في المكان المغصوب]

كذا لا يجوز الصلاة في المكان المغصوب ممن علم بالغصبية؛ لما ذكرنا في اللباس من أنَّ حركاتها من القيام والقعود والسجود بتمامها تصرّف في المغصوب، بل مطلق كونها على صفة كذائية والاستقرار المعتبر فيها كلها منهي عنها، فلا يصحّ أن تكون عبادة، وقد صرح بذلك صاحب المدارك قدس سره وإنْ خالف في مسألة اللّباس حيث قال: (أجمع العلماء كافة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار، وأطبق علماؤنا على بطلانها أيضاً؛ لأنَّ الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض، فلا يكون مأموراً بها؛ ضرورة استحالة كون الشيء الواحد مأموراً به ومنهياً عنه، وخالف في ذلك أكثر العامة، وحكموا بصحتها؛ بناءً على جواز كون الشيء الواحد مأموراً به ومنهياً عنه، واستدلوا عليه بأن السيّد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص، ثم خاطه في ذلك المكان، فإنه يكون مطيعاً عاصياً؛ لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون.

وجوابه: أنَّ المأمور به في هذا المثال غير المنهي عنه؛ إذ المأمور به الخياطة، والمنهي عنه الكون، وأحدهما غير الآخر، بخلاف الصلاة الواقعة في المكان المغصوب، فإنَّ متعلّق

ص: 84


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 3 ص 218.

الأمر والنهي فيها واحد وهو الحركات والسكنات المخصوصة.

فإنْ قلت: الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة، فإذا تعلق به النهي، اجتمع الواجب والحرام في الشيء الواحد وهو الذي انكرتموه.

قلت: هذا الاجتماع (1) إنما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة لا الخياطة، ووجوبه على تقدير تسليمه إنّما هو من باب المقدمة، والغرض من المقدمة التوصل إلى الواجب (2) وإنْ كانت منهياً عنها، كما في سلوك الطريق المغصوب إلى الميقات عند وجوب الحج، فتأمّل (3).

ومن هنا يظهر رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة في المكان المغصوب، كما قطع

ص: 85


1- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (قوله: هذا الاجتماع). مسامحة في التعبير؛ لأنَّ المقصود استحالة اجتماع الأمر والنهي، ومقصوده أنَّ تعلّق النهي بالمقدمة مستلزم لعدم كونها مأموراً بها، بل المأمور به مصداق آخر، فالمأتي به غير مطابق للمأمور به وهذا معنى الفساد، ولهذا أشرنا فيما سبق الى أنَّ سر صحة الأمر عدم انحصار المقدمة في المحرم وإلا يستحيل كون ذيها مطلوباً فافهم. منه).
2- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (ولعلَّه سقط من لفظ الكتاب ما لو دلَّت هذه المقدمة أعني قولنا: وهو يحصل بإيجادها). ولكن عند مراجعة مصدرها - أعني مدارك الأحكام: ج 3 ص 217- لم نجد سقطاً في ألفاظها.
3- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (أمر الشارح في كلامه بالتأمل: لعلّه للإشارة الى الفرق بين المقدمتين حيث إنَّ الأولى مجتمعة مع ذيها في الوجود الخارجي بخلاف سلوك الطريق فإنها مترتبة في الخارج فيمكن أن يقال: إنَّ تجويز حرمة الكون ومطلوبية الخياطة التي لا تتحقق إلا به لا يعقل إلا على فرض تجويز الاجتماع وهذا بخلاف السلوك والحج كما لا يخفى، مع إمكان أن يقال: إنَّ الخياطة التي هو فعل الخياط ويكون متعلقاً للأمر والنهي ليست إلا حركات اليد على نحو خاص بحيث يحصل بسببها هيئة خاصة تكون هذه الهيئة غاية للطلب، ومعلوم أنَّ الهيئة ليست متعلقة للأمر بل المتعلق له إنّما هو فعل المكلف والهيئة قسيم له والفعل في المقام منحصر في الحركات الخاصة وهي محرمة؛ لكونها تصرفاً في المغصوب. ويدفع هذا الإشكال: بأنَّ المطلوب إحداث الهيئة وإيجادها في الخارج لا نفس الهيئة، فحركات اليد لا تكون إلا مقدمة للإيجاد - كما أنَّ اتصال أجزاء الثوب بعضها ببعض بإدخال الخيط أيضاً مقدمة - لتحصيل المأمور به، فإيجاد الثوب مخيطاً فعلٌ توليدي من هذه الأفعال. ويكون متعلقاً للأمر، ومطلوبيته لا ينافي مبغوضية هذه الأفعال لو لم تنحصر المقدمة كما لا يخفى. منه).

به في المعتبر؛ لأنَّ الكون ليس جزءًا منها، ولا شرطاً فيها، فلا يؤثر تعلّق النهي في فسادها) (1). انتهى.

أقول: ولقد أجاد فيما أفاد قدس سره من حرمة الحركات والسكنات المقتضية لبطلان الصلاة؛ لاتحادها مع أجزائها في الوجود، فيستحيل أن تكون تلك الأجزاء مأموراً بها حتى يصح كونها جزءًا للعبادة، إلا أنه بظاهره منافٍ لما اختاره في اللباس من عدم كونها محرمة (2). فتأمّل (3).

وأما استظهاره رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة في المكان المغصوب، لا يخلو عن تأمل؛ لعدم انحصار المحرّم في شغل المكان المغصوب، بل كل تصرف تعلّق بنفس المكان الممكلوك للغير أو فضائه - الذي يتبع المكان في الملك ويكون محكوماً بحكم الملكية كنفس المكان - لو صدر عدواناً من دون طيب نفس مالكه، يكون محرماً بلا تأمل وإشكال.

فحينئذٍ نقول: إنَّ الكون وإن لم يكن جزءًا للوضوء، إلا أنَّ الغسل والمسح كنفْس الكون منهي عنه؛ لأنَّ الغسل عبارة عن إجراء الماء على البشرة، والمسح المعتبر في الوضوء عبارة عن إيصال البلة باليد المبلول إلى البشرة بإمرارها عليها، وكلٌ من

ص: 86


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 217.
2- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 182، قوله قدس سره: (ويتوجه على الأول... العبارة).
3- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (وجه التأمل: انتفاء المنافاة بين المقامين؛ إذْ لا شبهة في أنَّ التصرف في المكان يتحقق بالكون فيه، ومعلوم أنَّ كل فرد من الحركات والسكنات نحو من الكون فيكون محرماً، وهذا بخلاف اللباس فإنه قد التزم فيه بأنَّ المنهي عنه ليس إلا لبسه واستدامة لبسه، ومن المعلوم أنَّ الحركة ليست لبساً ولا استدامة له وتوهّم أنَّ الكون في اللباس أيضاً حال الكون في المكان محرم فلا يصحّ أن يكون جزء للعبادة، مدفوع: بأنَّ نفس الكون - من حيث هو- ليس محرماً، بل المحرم فعل آخر يصدر عنه حال صدور هذا الكون عنه مثلاً القيام في المكان المغصوب بنفسه حرام. وأما القيام في اللباس فليس محرماً من حيث هو، بل المحرم إنما هو استدامة اللبس واستمرار الغصب أيضاً... فليس ذلك... كالنظر إلى الأجنبية حال القيام، فافهم. منه).

الإجراء والإيصال باليد تصرف في فضاء الغير مع أنَّ المسح مع قطع النظر عن كونه تصرّفاً في فضاء المكان قد يكون تصرّفاً في نفس المكان أيضاً؛ لأنَّ إمرار اليد على الرجل قد يكون على نحو الاعتماد على الرجل المعتمدة على المكان وهو تصرف فيه؛ ولهذا نحكم بفساد المسح في النعل المغصوب في الصورة المفروضة.

نعم، لو لم تكن الرِجل معتمدة على النعل، أو كانت لكن المسح لم يكن على نحو الاعتماد بل كان مجرد المماسة، لاتجه القول بالصحة، كما أنه نلتزم ببطلان الصلاة فيما لو بسط في مكان مباح فرشاً مغصوباً تحت فرش مباح وصلى على الفرش المباح؛ لصدق التصرف بإحداث ثقله عليه، بل الحكم كذلك إذا كان في مكان المصلي من سطحه الأول الى تخوم الأرض شيئاً مغصوباً ولو كان قطعة خزف ولكن بشرط أنْ يكون المصلي معتمداً عليه في كونه على المكان، والمناط في كونه معتمداً عليه وعدمه أن يكون إخراجه من مكانه سبباً لتحرّك المصلي وخروجه عن الاستقرار الثابت له أولاً قبل الإخراج، فافهم.

نعم، يمكن أن يلتزم في الاعتماد الحاصل بإمرار اليد والتصرّف الحاصل في الفضاء بإجراء الماء خصوصاً لو لم يكن باستعانة اليد بل جرى الماء بنفسه بعد صبّه على اليد وأمثالهما كوضع اليد على حائط الغير والنفس في فضائه، إلى غير ذلك بعدم كونها محرمة؛ لأنَّ دليل الحرمة إما نقل أو عقل، وصدقهما على هذا النحو من التصرفات ممنوع.

أما النقل؛ فلانصرافه إلى غيرها ولو كان الدليل عاماً بالوضع لصحة سلب التصرُّف عرفاً عن المذكورات، وإنْ لم يصح ذلك في نظر العقل، ومعلوم أنَّ صدق العموم فرع كون المورد مصداقاً له عرفاً.

وأما العقل؛ فلأن حكمه بالحرمة إنما هو لأجل اندراج التصرّف تحت عنوان الظلم وإلا فليس له في نفسه - مع قطع النظر عن كونه ظلماً - عنوانٌ مستقلٌ يوجب حرمته، وحينئذٍ فاتصافه فرع صدق عنوان الظلم عليه، ومن البيّن ألّا يتحققَ الظلمُ أصلاً بأمثال هذه التصرفات.

ص: 87

هذا، ولكن يمكن أن يلتزم في المسح بعدم حرمته أصلاً، بل المحرّم إنّما هو مقدماته بأنْ يقال: إنَّ المسح المعتبر في الوضوء إنّما هو عبارة عن مماسة الممسوح باليد المبلول، كما يظهر من بعض (1) ، وعلى هذا، فليس المسح المعتبر تصرّفاً، بل هو إمرار اليد، وهو مقدمة للماسّة كما لا يخفى، وكذا الغسل في بعض الصور بأنْ يقال: بأنه عبارة عن استيلاء الماء على البشرة من دون توقف على الجري أصلاً كما صرّح به شيخ مشايخنا قدس سره في أول مبحث الجبيرة من كتابه (2)، فكما يحصل ذلك بإستيلاء الماء كذلك يحصل بإبقاء الماء المستولي بعد إستيلائه، فلو فرض وضع يده في ماء مباح على ملك مغصوب، ثم قصد الغسل بقصد كونه جزءًا للوضوء، لم يكن غسله محرَّماً؛ لعدم كونه تصرّفاً في فضاء الغير.

اللهمَّ إلا أنْ يقال: إنَّ إبقاء الماء على البدن أيضاً نحو من التصرف، وكيف كان، فالظاهر بطلان الوضوء في المكان المغصوب إنْ قلنا بحرمة هذا النحو من التصرفات.

نعم، قد يتوهم أنَّ المطلوب النفسي في الوضوء ليس الغسلات والمسحات، بل المطلوب النفسي هو فعل توليدي يتحصّل من هذه الأفعال وهو إيجاد البلّة في الَمحالّ المعتبرة وهو يحصل بالغسلات والمسحات، وحرمة هذه الأفعال غير منافٍ لبقائها على المطلوبية لو لم تنحصر المقدمة، كما لا ينافي مطلوبية التطهير في الخبث مع كون الماء مغصوباً، وإنما لم نقل في المقام بأنَّ المطلوب الحقيقي والفعل المتولّد حصول الطهارة، أو النظافة، أو إزالة الحدث، بل قلنا بأنه إيجاد البلّة؛ لأنَّ الطهارة والنظافة من قبيل الكيفّيات، لا الأفعال؛ حتى تكون متعلقة للأمر، وأما إزالة الحدث، فهي وإنْ كانت فعلاً إلّا أنها لا تحصل إلا بقصد التقرّب، فما لم يكن الغسل جائزاً، كيف يقصد به التقرّب حتى تتحصّل الإزالة؟ فليتأمل.

ص: 88


1- ينظر: النجفي، الجواهر: ج 8 ص 288.
2- العلّامة الأنصاري، كتاب الطهارة: ج2 ص 360.

تنبيه

لو حبس في مكان مغصوب، يصلي كما يصلي في غيره؛ لأنه مضطر في الوقوف فيه، ولا يتحقق بأفعال الصلاة تصرّفٌ زائدٌ على أصل الوقوف؛ إذْ لا فرق بين القيام والقعود والركوع والسجود، وحركة الشفة وسكونها من حيث إنَّ كل واحد منها تصرّف واحد، وقد أبيح له ذلك لأجل الاضطرار، وتبدل فرد بفرد آخر من التصرف غير ضائر حيث لم يكن ذلك الفرد أضرَّ بحال المغصوب منه؛ إذْ ليس التبدّل تصرّفاً زائداً؛ ولهذا لا يلتزمون بجواز ترك القراءة فيما لو صلى حال الخروج من المكان المغصوب عند ضيق الوقت، مع أن حركة الشفة - التي لا تتحقق القراءة إلا بها - تصرّف في فضاء الغير، إلا أنها ليست تصرّفاً زائداً على أصل الخروج، وهو غير منهي عنه، بل مأمور به.

وأما عدم كونه تصرّفاً زائداً؛ فلأنَّ الشخص الخارج لا بدَّ له من حالات وكيفيات، التي لا ينفك الإنسان عنها، وكل آنات حركة الشفة واللسان واليد- إذا قيست بنفسها - كيفية من الكيفيات، وفرد واحد من التصرف.

وأما إظهار الصوت، فهو ليس تصرّفاً في فضاء الغير، وإنّما هو تصرف في الهواء، وليس الهواء كالفضاء مملوكاً، ولهذا يجوز للإنسان إحداث الريح في ملكه بحيث يتجاوز عن (1) فضاء الغير.

ومما ذكرنا ظهر بطلان الأذان وقراءة القرآن في المكان المغصوب، ما لم يضطر إلى الوقوف فيه، وأما لو اضطر إليه، فلا محذور فيه؛ لعدم كونه الا تصرّفاً واحداً وهو غير منهي عنه في حال الإضطرار فلا ينافي اتحاده مع العبادة.

هذا تمام الكلام في ما لو صلى في المغصوب - لباساً كان أو مكاناً - عالماً بالغصبية.

ص: 89


1- كذا في الأصل، ولعل الأنسب: (الى).

[الجهل بغصبية الثوب أو المكان الذي يصلي فيه]

وأما (لو جهل غصبيَّة الثوب الذي يصلي فيه) (1) أو المكان، فلا إعادة عليه؛ لعدم توجّه النهي الفعلي الموجب لبطلان العبادة، فيبقى الأمر بالصلاة سليماً عن المزاحم، ويتحقق امتثاله بفعلها أولاً، فلا مجال للإعادة.

وتوهّم منافاة المبغوضية الواقعية للأمر بها فلا يكون مأموراً بها حينئذ أصلاً حتى يتحقق الامتثال بالفعل.

مدفوعٌ: بأنَّ الممتنع إنّما هو البعث والتحريك الفعليان إلى شيئين متضادين أو متناقضين وطلبهما معاً في زمان واحد.

وأما المحبوبيّة والمبغوضيّة اللَّتان هما مقتضيتان للطلب، فلا مانع من اجتماعهما في شيء واحد من جهتين، فحينئذٍ لا بدَّ أنْ يلاحظ الآمر ما هو أقوى مصلحة من الفعل والترك في نظره فيطلبه، مثلاً الحركة في المكان المغصوب حيث هي حركة مبغوضة من حيث كونها تصرّفاً في المغصوب، ومحبوبة من حيث كونها من أفعال الصلاة، فحينئذٍ إنْ كانت مبغوضيتها أشدُّ ومفسدتها أكد من مصلحة فعلها، فعلى الشارع أنْ ينهى عنها في مقام الطلب، وإنْ كان الأمر بالعكس، فعليه أنْ يأمر بها في مقام التكليف.

هذا إذا كان كل من الفعل والترك قابلاً لتعلّق التكليف به ولم يكن مانعاً عن توجهه إلا مزاحمة الآخر بحيث لو أمكن البعث إليهما لطلبهما معاً، وأما لو لم يكن أحدهما قابلاً لتعلّق التكليف به، كما إذا كان غافلا عن الغصبية أو عن الصلاة، فالمنجّز عليه حينئذٍ إنّما هو التكليف بالآخر القابل لتوجّه الخطاب إليه ولو كان غير القابل أهم في حدِّ ذاته؛ لأنَّ فوته عن هذا الشخص غير الملتفت خالٍ عن المفسدة؛ إذْ صدوره عنه حينئذٍ ليس إلا كصدوره من البهائم غير متَّصف بالحسن و القبح، وهذا بخلاف الجهة التي التفت إليها، فأنها متصفة بالحسن و القبح فيتبعها الأمر والنهي، فتأمّل.

ص: 90


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص 135.

ولا يخفى عليك أنَّ جواز تعلّق الأمر بالفعل إنّما هو في كل صورة لم يستلزم صدور الفعل عنه – من حيث كونه صادراً عنه - محذوراً بحيث يعاقب عليه؛ إذْ كما يقبح طلب الفعل والترك معاً، كذلك يقبح طلب الفعل مع عقابه عليه، فعلى هذا، يفارق مسألتنا مسألة الجاهل بالحكم إذا كان عن تقصير؛ لما ذكرنا سابقاً من أنه معاقب على ما يعاقب عليه العامد.

[حكم ناسي الغصبية حكم الجاهل]

وحكم الناسي مطلقاً حكم الجاهل، فناسي الحكم كجاهله غير معذور إن كان مقصراً، وناسي الموضوع كجاهله معذور مطلقاً غافلاً كان أو متردداً، قاصراً أو مقصراً بأنْ لم يتفحّص عن حاله مع علمه بأنه لو تفحّص عن حاله لظهر له ما هو عليه؛ لعدم وجوب الفحص في الموضوعات.

هذا إذا كان مقتضى تكليفه الظاهري إباحة التصرّف، وأما لو كان استصحاب الغصبية محكّماً مثلاً فلا مجال للتأمّل في بطلان الصلاة، كما لا يخفى.

والحاصل: أنَّ المناط في قبح طلب الفعل وامتناعه من الشارع الحكيم إنّما هو محبوبية تركه منه فعلاً، ومبغوضية الفعل في الحال بحيث يعاقب عليه من غير فرق بين توجه النهي الفعلي عليه، أو انقطاعه عنه بالعصيان، فإذا قلنا بعدم معذورية الجاهل والناسي وكونه معاقباً على الترك، فلا يعقل طلب الفعل منه، وذلك إنّما هو في الجهل بالحكم ونسيانه إذا كان عن تقصير.

وأما كون الناسي المقصر كالجاهل، فوجهه واضح؛ لأنَّ ما يدلُّ على وجوب التعلُّم بعينه يدلُّ على وجوب تحفّظ ما تعلّمه، وعدم جواز إنسائه، كما لا يخفى.

وأما الجهل بالموضوع، وكذا نسيانه، فلا يترتب عليه عقاب ولو نشأ عن عدم الفحص والتحفظ؛ لعدم وجوبهما في الموضوعات فلا يتفاوت القاصر والمقصر في صحة عبادتهما.

ص: 91

هذا، ولكن يمكن أن يلتزم بترتب العقاب في بعض الصور مما كان مستنداً إلى تقصير المكلف خصوصاً في نسيان الموضوع كأنْ كان له ديون كثيرة ولم يتحفظها حتى نسيها، أو تحمّل نفسه على إنسائها، أو ألقى صحيفته التي أثبتها فيها في البحر حتى ينساها ويأخذ بالمتيقن بعد ذلك، ومن المعلوم أنه لو لم يكن الحفظ واجباً في هذه الموارد وكان تعمّد الإنساء جائزاً شرعاً بحيث لم يجب الاحتياط بعد ذلك لكان ذلك حيلة شرعية على إبطال الحقوق وأكل أموال الناس من غير معصية، ومن المقطوع عدم ترخيص الشارع في ذلك. ولازمه وجوب الاحتياط وترتّب العقاب على مخالفة الواقع، نظير الشبهة المحصورة.

إنْ قلت: لزوم الاحتياط إنّما هو فيما لو علم المكلّف بوقوعه إجمالاً في محذور المخالفة في تلك الواقعة، أو الوقائع العديدة التي يبتلى بها، وأما لو لم يعلم بذلك، فلا مانع من إجراء البراءة في حق هذا الشخص، وعلمه بوقوع بعض الأشخاص في بعض الوقائع في محذور المخالفة، لا يصلُح لأنْ يكون مانعاً عنها في حقه، كما في سائر الموارد.

قلت: ترخيص الشارع في الرجوع إلى البراءة في أمثال هذه المقامات مما فيه غلبة الوقوع في محذور المخالفة نوعاً منافٍ لجعل الأحكام لهذه الموضوعات من حيث هي؛ ولهذا حكموا بوجوب الفحص في مسألة الزكاة، والشك في الاستطاعة، مع أن استلزامه كثير، أما إبطال الحقوق في نفسه محذور أشد من مخالفة الواقع، ومقتضاه عدم جعل البراءة طريقاً ولو بعد الفحص أو مع تعذره، بل جعل الاحتياط مرجّحاً في مورد الشك، ويكون ذلك موجباً للضبط والثبت، وعدم تضييع الحقوق.

وعلى هذا فمقتضى هذا الكلام بطلان الصلاة في المغصوب المنسية غصبيته عن تفريط ولو لم يتحفظه بارتكازه في ذهنه، أو ثبته في مكان وكان ممن ينسى غالباً في صورة عدم التحفّظ، وكذا الجاهل - إن كان كذلك-؛ لما ذكرنا من حسن ترتّب العقاب على فعله، وعدم ثبوت ترخيص الشارع في الرجوع إلى البراءة، بل عدم جوازه، فعلى هذا لا يكون فعله مأموراً به حتى يتحقق به الامتثال. فافهم وتأمل.

ص: 92

[الجهل بنجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود]

[الجهل بنجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود](1)

وكذا لا إعادة عليه لو جهل (نجاسة الثوب أو البدن) أو جهل نجاسة (موضع السجود فلا إعادة) (2)؛ لا لما دلّ من الأخبار بصحة صلاة من جهل بالنجاسة حال الاشتغال بها وعدم وجوب الإعادة لو علم بها بعد الصلاة؛ لاختصاصها بالثوب والبدن - ولو فرض فيها إطلاق بحيث يمكن إرادة ما نحن فيه منها لأمكن الالتزام بانصرافها أيضاً إلى خصوص الثوب والبدن؛ بحكم التبادر-، بل لما دلّ على عدم لزوم الإعادة إلّا من خمسة.

ويمكن أنْ يخدش: بإجمال لفظ الطّهور، واحتمال إرادة الطهارة الخبثية منها أيضاً، بل لعلَّ إرادة الأعم أنسب بمعناه اللغوي، فلا وجه لتخصيصها بخصوص الطهارة الحدثية. وعلى هذا فهي على خلاف المقصود أدلّ.

وقد يجاب: بأنَّ الطهور وإنْ كان مجملاً في حدِّ ذاته بمعنى: أنه لا يُعلم أنه مستعمل شرعاً في خصوص الطهارة الحدثية أو الأعمّ، إلا أنَّ الأمر دائر بين ارتكاب التخصيص أو التخصّص، ولا ريب أنَّ التخصّص أولى من التخصيص، وبأصالة عدم التخصيص يرتفع إجمال اللَّفظ في مقام العمل؛ إذْ قد تبيّن أنَّ نجاسة الثوب والبدن حال الجهل بها لا توجب إعادة الصلاة، فيجب أنْ تخصّص بها ما دلَّ على وجوب إعادة الصلاة مطلقاً. وهذا بخلاف ما لو خصّصنا الطهور بالطهارة الحدثية، فلا يلزم تخصيص أصلاً، وقد تحقق في محله (3) أنها توجب حمل المجمل على خصوص المتيقن منه في مثل هذا المقام. فتأمّل.

ص: 93


1- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (لم يتعرض سيد مشايخنا دام ظله لبيان هذه المسألة تعويلاً على ما أفاده من مبحث النجاسات من كتاب الطهارة) ، والجدير بالذكر أن كتاب الطهارة سيصدر قريباً إن شاء الله تعالى بتحقيق مركز تراث سامراء.
2- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج 1 ص 135.
3- العلّامة الأنصاري، مطارح الأنظار: ج2 ص 144؛ الروزدري، تقريرات المجدد الشيرازي: ج1 ص 175 وما بعدها.

مع أنَّ الإنصاف أنه يمكن دعوى انصرافه إلى خصوص هذا المعنى حين إطلاقه في كلمات الشارع؛ لشيوع استعماله في خصوصها في كلماته. فتأمل

ويمكن أن يستدلّ على الصحة فيما لو سجد سجدة واحدة على الموضع النجس جهلاً؛ بفحوى ما دلّ على صحة صلاة من ترك سجدة واحدة سهواً، فإذا لم يوجب تركها رأساً بطلان الصلاة، فعدم إيجاب فقد الوصف أولى بذلك، ثم يتم الاستدلال فيما زاد على السجدة الواحدة بالإجماع المركب. فتأمّل (1).

ص: 94


1- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (وجه التأمل: منع الأولوية خصوصاً بعد ملاحظة وجوب تدارك أصل السجدة بعد إتمام الصلاة، وهذا بخلاف ما نحن فيه. منه).

(فروعٌ) ثلاثةٌ

(فروعٌ) (1) ثلاثةٌ

الأول منها: أنه (إذا توضأ المكلف بماءٍ مغصوب، مع العلم بالغصبية، وصلى، أعاد الطهارة والصلاة)؛ لما عرفت فيما سبق من امتناع اجتماع الأمر والنهي الفعليين في متعلّق واحد، فلا يصير المنهي عنه فعلاً عبادة، وهذا المحذور إنّما هو مع العلم بها. وأما (لو جهل) (2) حال الطهارة بالغصبية سواءٌ علم بها قبل الصلاة أم لا فتوضأ بالماء المغصوب وصلى، فلا محذور فيه؛ لعدم توجه النهي الفعلي إليه المانع عن كونها عبادة كما مر تحقيقه في غصبية الثوب والمكان (3) فعلى هذا، (لم يعدْ إحداهما) (4).

وأما لو علم بها في أثناء الطهارة فلو كان إتمامها موقوفاً على التصرّف في نفس الماء ولو بإجراء ما جرى على اليد -مثلاً- بعد صبّه فيها حال الجهل إلى ما لم يجرِ من المحل لا تصحُّ الطهارة ويعيدها؛ لأنَّ عين الماء - ولو يسيراً - ملكٌ للغير وإنْ لم يتصف بالمالية لقلّته، نظير حبة الحنطة فلا يجوز التصرّف فيه من دون طيب نفس مالكها.

وأما لو لم يكن الإتمام موقوفاً على التصرّف في الماء، بل يتم بمباشرة اليد المبلولة كما في المسح - مثلاً - فالمتجه صحتها؛ لأنَّ التصرّف في اليد المبلولة بماء الغير لا يعدُّ تصرّفاً في ماء الغير، بل الماء صار تالفاً حينئذٍ، ألا ترى أنَّه لو صبّ ماء الغير على الأرض فما دام شيء منه باقياً عليها - ولو قطرة واحدة - يصدق عليه أنَّه ملك الغير ولا يعدُّ ما بقي تالفاً حقيقةً ما دام باقياً وإنْ كان متصفاً بالضياع والتلف بملاحظة مدى قابليته للانتفاع به، وأما لو ابتلعته الأرض بحيث لم يبقَ منه شيءٌ لا تتصف البلّة الباقية على وجهها بكونها ملكاً للغير، بل يعدّ الماء تالفاً حقيقة بتمامها فلا يكون التصرّف في ملك

ص: 95


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص 136.
2- المصدر نفسه.
3- ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج3 ص18. يراجع: مبحث مكان المصلي ولباس المصلي.
4- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج 1 ص 136.

الأرض بعد ذلك تصرّفاً في ملك الغير ويصحُّ السَّلب عنه حقيقة، فكذلك ما نحن فيه.

الفرع الثاني منها: أنه (إذا لم يعلم ان الجلد الذي يصلي فيه ميتة وصلى فيه ثم علم انه الميتة لم يعد الصلاة إذا كان في يد مسلم أو شراه في سوق المسلمين) (1).

وليعلم أولاً : إنَّ كونه ميتة موافق للأصل فمتى شك في كونه مذكى أو ميتة ولم يكن على التذكية أمارة شرعية فاللازم الاجتناب وعدم لبسه في الصلاة؛ لأنَّ الميتة: ما لم يذكَّ شرعاً وهو أمر عدمي يُحرَز بالأصل، لا ما مات حتْف الأنف حتى تعارض أصالةُ عدم التذكية بأصالة عدم موته حتْف الأنف.

ويستفاد ذلك من الأخبار أيضاً؛ حيث ورد في كثير منها الأمر بالاجتناب ما لم يعلم تذكيته كمسألة الصيد المرمي الذي لم يعلم استناد موته إلى الرمي أو إلى سبب آخر؛ وغير ذلك من الموارد.

وحينئذٍ فاللازم على المصلي أنْ يحرز أنَّ ما يصلي فيه إنّما يكون مذكّى إما بالعلم أو بأمارة شرعية تقوم مقامه ولا يكفيه مجرد الشكّ كما يظهر من بعضٍ كصاحب المدارك (2). ومن الأمارات المعتبرة شرعاً يد المسلمين وسوقهم، والظاهر أنَّه يلحق به كل ما فيه أمارة استعمال المسلمين لرواية السفرة الملتقطة التي فيها لحم مطبوخ (3)، والظاهر أنَّ اعتبار اليد إنّما هو لأجل كونها أمارة للتذكية وطريقاً لإحرازها، وكذا اعتبار السوق لأجل كونه أمارة للإسلام - الذي هو أمارة للتذكية - وليس اعتبارهما على نحو الموضوعية كما لا يخفى على من لاحظ أدلتها.

وعلى هذا فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة ونفي الإجزاء عند انكشاف الخطأ كما هو الشأن في جميع الطرق الظاهرية التي اعتبرت من باب محض الطريقية وغلبة إراءتها إلى

ص: 96


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص 136.
2- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 158. وينظر: المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 78.
3- البرقي، المحاسن: ج2 ص 239؛ الكليني، الكافي: ج6 ص 297ح2.

الواقع، إلا أنْ يرد دليل على الصحة واكتفاء الآمر بالمأتي به حين النظر عن الواقع في تلك الحالة إما لاشتماله على المصلحة الواقعية، أو لأجل أمر آخر كما قد تقدم شطرٌ من تصويره في مسألة الجهر والإخفات.

إذا عرفت ذلك فنقول: إنَّ سببيّة انسحاب الميتة لبطلان الصلاة؛ إما لأجل نجاستها، أو لأجل كونها بنفسها عنواناً مستقلاً موجباً للبطلان.

وعلى أي تقدير، لو انسحبها المصلي جهلاً لا تجب عليه الإعادة، أما من جهة النجاسة؛ فلما مرّ من الأخبار المتكفلة لبيان معذورية الجاهل بالنجاسة وهي بإطلاقها شاملة لما نحن فيه.

وأما من الجهة الثانية؛ فللرواية الحاصرة في أنه: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»، وليست الميتة إحداها، وإنما لم نستدل بها لحكم الجهة الأولى؛ لإجمال لفظ الطهور فيها من حيث احتمال إرادة الخبثية منها أيضاً كما أشرنا إليه سابقاً، فتأمّل.

وبما ذكرنا ظهر أنَّ ما ذكره صاحب المدارك في هذا المقام حيث قال: (وإنما لم يجب عليه الإعادة لأنه صلى صلاة مأموراً بها، والامتثال يقتضي الإجزاء) (1) ، ليس على ما ينبغي؛ لأنَّ فقد الشرط موجب لعدم إتيان ما هو المأمور به واقعاً فلا يتحقق الامتثال حتى يقتضي الإجزاء، نعم لو دلَّ دليل على الإجزاء واكتفاء الشارع بفعل ذلك الفاقد لوجب توجيهه بالتقرّبات المتقدمة.

فمقتضی القاعدة عدم الإجزاء الا فيما ثبت بالدليل إجزاؤه، وقد ظهر أيضاً أنَّ مقتضى أصالة عدم التذكية أنه لا يجوز لبس الجلد المشتبه في الصلاة لو لم يقم على تذكيته أمارة معتبرة شرعاً.

ص: 97


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج 4 ص 213.

(فإن أخذه من غير مسلم أو وجده مطروحاً) (1) على الأرض وليس فيه أمارة استعمال المسلم وصلى فيه (أعاد) الصلاة؛ لانتفاء شرط الصحة وخروج الجهل بالحكم الشرعي عن مورد الرواية الحاصرة.

اللهمَّ إلا أنْ يقال: إنَّ بطلان الصلاة إنما يتسبب عن استصحاب الميتة لا عن مخالفة الحكم الظاهري وهي مجهولة في الفرض، وقد تقدم أنَّ الجاهل بها لا يعيد، ولعلَّ هذا الوجه لا يخلو عن قوة (2) والله العالم.

الفرع الثالث منها: أنه (إذا لم يعلم أنه من جنس ما يُصلّى فيه وصلَّى فيه أعاد) (3) الصلاة.

قال صاحب المدارك: (هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. واستدلَّ عليه في المنتهى: (بأن الصلاة مشروطة بستر العورة بما يصلى فيه. والشكُّ في الشرط يقتضي الشك في المشروط) (4). ويمكن المناقشة فيه بالمنع من ذلك لاحتمال أنْ يكون الشرط ستر العورة بما لا يعلم تعلق النهي به، ولو كان الملبوس غير ساتر كالخاتم ونحوه فأولى بالجواز) (5) انتهى كلامه رُفع مقامه.

وأورد عليه الوحيد البهبهاني قدس سره بقوله: (فيه: إنَّ هذا الاحتمال إنّما هو إذا كان الثابت من الشارع أنَّ الشرط كما ذكره، وأما إذا كان الثابت منه المنع عن الميتة، وعن كل شيء حرام أكله، وعن الحرير المحض فمقتضاها هو ما ذكره الأصحاب؛ لأنَّ لفظ الميتة وحرام الأكل والحرير المحض أسامٍ لما هو في نفس الأمر ميتة وحرامٌ وحرير محض من

ص: 98


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136.
2- في قوته تأمل. (المقرر قدس سره).
3- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج4 ص236.
5- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج4 ص214.

غير تقييد بالعلم وعدمه على حسب ما مرّ التحقيق في باب لباس المصلي) (1).

وأشار بقوله: (ما مرَّ) إلى تعليقته على كلامه في هذا المبحث بعد نقل كلام العلّامة: (ويمكن أنْ يقال: إنَّ الشرط ستر العورة والنهي إنما تعلّق بالصلاة في غير المأكول فلا يثبت إلا مع العلم بكون الساتر كذلك، ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «كل شيء يكون منه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام بعينه» (2)(3). - حيث قال: (إنَّ هذه التفرقة غير واضحة بحسب الدليل مع أنَّ رواية ابن بكير التي هي الأصل في هذا الباب إنما تضمنت فساد الصلاة في حرام الأكل، وربما يظهر منها أنَّ المنع في الأخبار الأخر عن الصلاة فيه كناية عن فسادها، ويؤيده كلام الفقهاء بل فهمهم أيضاً، فعلى هذا القول إنَّ المعلومية والمشكوكية أمران خارجان عن مفهوم حرام الأكل، وفساد الصلاة إنما تعلق بمفهومه فإذا صلى فيما يحتمل كونه حرام الأكل فالفساد محتمل قطعاً والصحة مشكوك فيها جزماً كما ذكره العلّامة رحمه الله، فيبقى المكلف تحت العهدة؛ لعدم ثبوت الامتثال وتحقّقه، وأما الصحيحة المؤيدة فظهور شمولها لما نحن فيه لا يخلو عن تأمل؛ ولذا جعله رحمه الله من المؤيد، وكذا شمول ما ورد من عدم التكليف عند عدم العلم فتدبر) (4) انتهى.

أقول: وهذا الذي ذكره العلّامة قدس سره، ووافقه المحشّي قدس سره، بزيادة توضيح وتحقيق، إنّما هو في غاية المتانة والإتقان، إلا أنه إنما يصلح لكونه دليلاً على عدم جواز الدخول في الصلاة ما لم يعلم بأنَّ الساتر وغيره من اللباس من جنس ما يصلى فيه، بل يجب إحراز كونه من جنس ما يصلى فيه؛ لكونه شرطاً واقعياً للصلاة، وكذا ما ذكره الشارح إنّما هو

ص: 99


1- البهبهاني، حاشية المدارك: ج3 ص77.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج9 ص79 ، 337؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج3 ص216، ح1002.
3- هذا الكلام لصاحب المدارك: ج3 ص167. أشرنا له؛ دفعاً لما قد يتوهم.
4- البهبهاني، حاشية المدارك: ج 2 ص 353.

لبيان جواز الدخول في الصلاة ما لم يعلم بكونه من غير المأكول، وهذه المسألة مغايرة لظاهر ما ذكره المصنّف في هذا المقام؛ إذ الظاهر أنَّ هذا الفرع مسوق لبيّان أنَّه لو صلى فيما لا يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه يجب عليه إعادة الصلاة.

والحاصل أنَّ هنا مسألتين:

إحداهما: أنه هل يجوز إيقاع الصلاة اختياراً متعمداً فيما لا يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه أم لا؟

ثانيتهما: أنه بعد ما صلى فيما لا يعلم هل يجب عليه الإعادة أم لا؟

وظاهر عبارة المصنف في هذا المقام بيان حكم المسألة الثانية (1) ، وما ذكره الشارح إنّما هو دليل لبيان حكم المسألة الأولى (2).

نعم، يحتمل أنْ يكون مرادُ المصنف قدس سره حكم المسألة الأولى، فمقصوده من كلامه قدس سره أنَّه لو صلى من لا يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه ملتفتاً حال الصلاة إلى كونه مشتبه الحال لا تصحُّ صلاته، فتجب عليه الإعادة. ويؤيّد إرادة هذا المعنى بُعْدُ التزامه ببطلان الصلاة في مثل هذه الموارد.

[عدم الإجزاء هو الأقوى حكماً للمسألة الأولى (صورة العمد والاختيار)]

وكيف كان، فإنْ كان مراده بيان حكم المسألة الأولى فالأقوى فيه ما ذكره من عدم الإجزاء، وفاقاً لما نسبه إلى قطع الأصحاب (3). والدليل عليه ما ذكره العلّامة (4)، وحققه

ص: 100


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136، الثالث من الفروع.
2- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج4 ص213.
3- الطوسي، الخلاف: ج1 ص192، المبسوط: ج1 ص82؛ ابن سعيد، الجامع للشرائع: ص 65؛ العلّامة الحلي، القواعد: ج1 ص27؛ المحقّق الكركي، جامع المقاصد: ج 1 ص 86.
4- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج1 ص 229.

المحقّق المحشي (1)، لا ما ذهب إليه صاحب المدارك (2).

وقد كتبنا سابقاً لبيان حكم هذه المسألة بتفاصيلها [رسالةً] منفردةً من أرادها فليراجعها (3).

وأما المسألة الثانية فعدم وجوب الإعادة فيها لا يخلو عن قوّة لعموم «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» (4)، واحتمالُ معارضتها ببعض ظواهر بعض تلك الأدلة الدالة على فساد الصلاة في غير المأكول مما اشتمل على لفظ (الإعادة) وما يشابهه فيما يتراءى بحسب الظاهر كونه مناقضاً للرواية النافية للإعادة إلا من الخمسة مضعفٌ بما مرَّ تفصيله في تلك الرسالة.

وحاصله: أنها وإنْ كانت في بادئ النظر كذلك، إلا أنَّ دقيق النظر يشهد بكونها مسوقة لبيان شرطية عدم الزيادة كما يشهد بذلك تتبّع موارد بیان قواطع الصلاة وموانعها؛ حيث عبّر في مقام بيان شرطية العدم بأنَّ الشيء الفلاني يفسد الصلاة أو ينقضها، أو غير ذلك مما هو كلفظ (الإعادة) في ظهوره في المنافاة مع أنها ليست إلا مسوقة لبيان الشرطية، فعلى هذا لا يلاحظ النسبة بينها وبين «لا تعاد»؛ لكونه حاكماً على الأدلة المثبتة للشرطية والجزئية كما لا يخفى.

ثم إنَّه لو سلَّم التعارض، فالظاهر أنَّ العمل بعموم «لا تعاد» أرجح في مورد الاجتماع - أعني: صورة النسيان والجهل - من الأخذ بالأدلة الدالة على وجوب الإعادة في هذه الصورة بإطلاقها؛ لأنَّ العموم أظهر في الشمول من الإطلاق خصوصاً في مثل المقام؛ حيث إنَّ العام مسوق لبيان القاعدة الكلية فلا يرفع اليد عنها إلا بمخصص قويٌ، فكيف الشأن في المقام، الذي قد عرفت قوة احتمال كونه محكوماً وضعف احتمال

ص: 101


1- البهبهاني، حاشية المدارك: ج2 ص370.
2- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص182.
3- المحقّق الهمداني، الوجيزة. (مخطوط).
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 225 ح991.

معارضته.

فلا تنفع دعوى كون المعارض أقل فرداً فيجب الأخذ به في مقام التعارض؛ لأنَّ تعين الأخذ بما هو أقل فرداً إنّما هو لكونه موجباً للأظهرية، وقد عرفت أنها في المقام من المنع بمكان فكيف يقدم؟

مضافاً إلى وهنه؛ لورود التخصيص عليه في بعض موارد الاجتماع -وهو صورة الجهل - لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام: عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال علیه السلام: إنْ كان لم يعلم فلا» (1)، فهذه الرواية تدل بالفحوى على عدم بطلان الصلاة في جزء غير المأكول مطلقاً لو وقعت فيه جهلاً؛ إذْ بعد دلالتها على عدم البطلان في العذرة مع أنَّ منشأ البطلان فيها من جهتين، يدل بالأولوية على عدم البطلان فيما ليس فيها إلا جهة واحدة كشعر السنور ولعابه وغير ذلك، وهذه الرواية كما أنها مضعِفة لإطلاق ما دلّ على وجوب الإعادة، كذلك تؤيد مضمون «لا تعاد»؛ لكشفها عن عدم ورود تخصيص عليه فيقدم على المعارض ولو في غير مورد تلك الرواية المخصصة وهي صورة النسيان. وكيف كان، فالأقوى في المسألة عدم وجوب الإعادة في صورة السهو والنسيان والله العالم.

ص: 102


1- الكليني، الكافي: ج3 ص404، ج2 ص406 ح11؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص359، ح1478 ، الاستبصار: ج1 ص180، 630.

[المقصد الثاني: فيمن أخلَّ بشيء سهواً]

وأما المقصد الثاني فهو الإخلال الصادر عن السهو والنسيان والمراد به ما يعمّ النسيان كما عرفت في صدر المبحث أنَّ السهو في هذا الباب في كلماتهم أعمّ من النسيان (1)، ولا يخفى عليك أنَّ السهو والنسيان كما أنهما متعلقان بالموضوع، كذا قد يتعلقان بالحكم، إلا أنك قد عرفت فيما سبق أنَّ ناسي الحكم كجاهله غير معذور.

نعم، لو لم يكن عن تقصير لم يكن معاقباً عليه، وأما صحة الفعل ومضيه في نظر الشارع فيتوقف على دليل وهو مفقود في المقام إلا في الجملة، بل الأدلة المثبتة لاعتبار الأجزاء والشرائط تعطي العدم. وكذلك السهو في الحكم.

وأما السّهو المتعلّق بالموضوع من الأجزاء والشرائط بالمعنى الأعمّ فهو المقصود بالذكر في هذا المقصد.

وليعلم أولاً: أنه لا فرق في الإخلال المسبّب عن النسيان بين أنْ يكون الإخلال مقارناً للجهل بالحكم أو العلم به، فمن لم يعلم بوجوب السورة وكان بانياً على قراءتها للاحتياط أو يقصد الاستحباب فنساها كمن نساها مع العلم بوجوبها فلا شيء عليه في كل مورد يُحكم بصحة فعل الناسي، وهذا بحسب الظاهر مما لا إشكال فيه إذا كان النسيان معه علّة للترك؛ لإطلاق الأدلة، إنما الإشكال في كل مورد لم يكن عازماً على الفعل وتركه في محلّه من غير التفات وشعور إليه وكان بحيث لو التفت إليه لاحتمل إتيانه، فحينئذٍ يصحّ استناد الترك إلى كل واحد من العلّتين؛ لجواز اجتماع العلل في التروك.

والظاهر أنَّه ليس في الأدلة ما يدل على ثبوت الحكم في صورة انحصار سبب الترك بالنسيان فمقتضى إطلاقها إسراء الحكم إلى كل مورد يصح استناد الترك إلى النسيان سواء صادف ذلك سبباً آخر أم لم يصادف.

ص: 103


1- تقدم: ص39.

اللهمَّ إلا أنْ يقال: أنْ ليس المدار على مجرد صحة الاستناد، بل اللازم هو الصدق العرفي وكونه مسبّباً عن النسيان في نظر العرف بحيث يكون منصرفاً للأدلة، وكونه كذلك محل تأمل، بل منع؛ حيث إنهم لا يسندون الترك إلا إلى أسبق العلل وهو عدم العزم، لا النسيان.

هذا، ولكنَّ الإنصاف أنَّ حكم العرف في المقام غير مُنقّح، بل لا يبعد دعوى استنادهم في امتثال المقام إلى السبب الأخير المقارن للترك فيكون ذلك عندهم نظير الجزء الأخير من العلة التامة في الوجوديات. وكيف كان، فللتوقف في المقام مجال.

ثم إنك قد عرفت فيما سبق أنَّ مقتضى القاعدة الأولية بطلان العبادة بترك شيء من الأجزاء المعتبرة فيها إلا أنْ يدل دليل على الصحة، فإنْ أخلَّ بشيء - أي تركه- فلا يخلو الحال إما أنه تذكّر في الأثناء قبل تجاوز محلّه بحيث يمكن إيجاد الفائت بعد التذكّر على نحو يكون جزء للعمل، وإما أنه لم يتذكر كذلك.

وعلى فرض التذكّر: إما أنه أتى بالفائت بعد الإلتفات، أو لم يأت به ومضى في صلاته، فمقتضى الأصل على فرض الترك مطلقاً سواءٌ تذكر أم لم يتذكر بطلان العمل. وأما لو أتى به بعد الإلتفات، فإنْ أعاد ما أوجده أولاً قبل ذلك في غير محله - كمن قرأ السورة أولاً ثم التفت إلى ترك الحمد فقرأها ثم أعاد السورة - فمقتضى الأصل الأوّلي صحة العمل؛ إذْ لا محذور حينئذٍ إلّا زيادة الجزء وقد تحقق - في محلّه (1) - أنَّ الأصل في الزيادة عدم الإخلال.

نعم، ورد الدليل في خصوص الصلاة أنَّ الزيادة فيها مبطلة، فلا بدَّ من التأمّل في مقدار دلالة الدليل، وأنه هل يعمّ لمثل المقام أم لا؟ وقد مضى شطرٌ من الكلام فيه فيما سبق وسنوضحه إن شاء الله تعالى.

ولسنا في هذا المقام في معرض تنقيحه؛ لأنَّ المقصود حينئذٍ هو التكلّم في الأصل

ص: 104


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج2 ص81.

الأوّلي بحيث يرجع إليه في الموارد المشكوكة، وأما لو لم يُعد السورة واقتصر على ما قرأه أولاً.

ففيه: محذور خلاف الترتيب فيما يكون الترتيب فيه معتبراً - كالصلاة - فهذا أيضاً يرجع إلى القسم الأول؛ لأنه ترك شيئاً معتبراً فيه، فالأصل فيه البطلان.

هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل الأوّلي.

ولكنْ في المقام أصلٌ ثانوي مستفاد من الأدلة مثل قوله علیه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة»، حيث تدلُّ على أنه لا تعاد الصلاة لأجل الإخلال بغير الخمسة سهواً وهذا حاكم على إطلاق الأدلة المثبتة لاعتبار الأجزاء والشرائط الشاملة بإطلاقها لحالتي العمد والسهو فيختصّ اعتبارها - بمقتضى هذا الدليل - بصورة العمد بمعنى: أنَّ تركها سهواً في غير الخمسة مغتفر عند الشارع.

ثم إنَّه لا بدَّ في هذا المقام من معرفة أمرين:

الأول: أنه لا إشكال في أنَّ اتصاف كون ترك الجزء عن سهو يتوقف على عدم التفاته إلى ذلك الجزء في الأثناء في محل يتمكن من إيجاده بحيث يكون جزءًا للصلاة، وإلا فهو تارك له عن اختيار.

وحينئذٍ نقول: إنه قد يقال: إنَّ مقتضى القاعدة أنه لو نسي جزءًا في محلّه الموظف المقرر له شرعاً ودخل في جزءٍ آخر - أيَّ جزءٍ كان- فقد تجاوز محلّه فلا يتمكن من إيجاد المنسي بعد دخوله في جزءٍ آخر؛ لاستحالة إعادة الفائت.

نعم، لو ورد دليل على بقاء محله إلى موضع خاص مثلاً كما إذا ورد أنه لو نسيت الآية الأولى من الحمد فاقرأها متى تذكرت ما لم تدخل في الركوع، يكون من التنزيلات الشرعية، فيدلُّ هذا الدليل على أنَّ الشارع نزّل قبل الركوع مطلقاً منزلة الجزء الأول المتعقب للتكبير مثلاً الذي كان هو المحل الموظّف أولاً لقراءة الحمد، فعلى هذا فالمتبع في الحكم ببقاء المحل إنما هو مفاد أدلة التنزيل، وإلّا فمقتضى القاعدة هو التعدّي مطلقاً.

ص: 105

وقد يقال: إنَّ الأصل والقاعدة يقتضي تمكَّنه من إيجاد الفائت مطلقاً ما دام في أثناء الصلاة بمعنى: أنه متى تذكر في الأثناء أنه ترك شيئاً، له أن يرفع اليد عما أتى من الأجزاء ويقرأ الفائت ثم ما بعده، ولا يصدق بعد ذلك أنه ترك الجزء الفلاني في صلاته، غاية الأمر صدْقُ الزيادة بالنسبة إلى تلك الأجزاء، لو لم نقل بتأثير رفع اليد في نفي الصدق المذكور، ولا محذور فيه ما لم يدل دليل على بطلان الصلاة بذلك، كما في الأركان، فمتى دخل في ركن فقد فات محل الأجزاء السابقة بحكم الشارع لا بمقتضى الأصل، والذي يظهر بعد التأمّل أنه يصدق بمجرد الدخول في فعل آخر – الذي كان محله بعد هذا الجزء- أنه نسي الجزء الفلاني، وتمكنه عن رفع اليد عما أتى في غير محله، وإتيانه الجزء بعد التفاته غير موجب لنفي الصدق المذكور مطلقاً؛ ولذا يصحّ أنْ يقال: إنه تدارك للفائت، ولا يصح سلب النسيان مطلقاً.

نعم، لو دلَّ دليل على صحة العمل يصحّ أنْ يقال بعد تمام الفعل: إنه لم يقع خالياً عن هذا الجزء، وهذا غير موجب لنفي صدق النسيان بقول مطلق. وتظهر الثمرة بين الوجهين فيما لو نسي الركوع ودخل في السجدة الأولى؛ حيث إنه قد دلَّ الدليل على أنَّ نسيان الركوع مفسد مطلقاً كما هو مقتضى الأصل الأوّلي.

فلو قلنا: بعدم صدق النسيان إلا بعد التعذّر عن إيجاده باستلزامه محذوراً آخر، وذلك لا يكون إلّا بعد السجدتين؛ لاستلزام التدارك حينئذٍ زيادة الركن، وهذا بخلاف ما لو رجع من السجدة الأولى فليس فيه محذور، ولعلَّ هذا محطّ نظر صاحب المدارك قدس سره حيث يظهر منه أنَّ ما ذهب إليه المشهور من بطلان الصلاة بمجرد الدخول في السجدة مخالف للأصل (1).

وإنْ قلنا: بصدق النسيان بمجرد الترك في المحل الموظَّف والدخول في الجزء المتأخر

ص: 106


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج4 ص 218 - 219.

عنه - بحسب الرتبة - فمقتضى القاعدة ما ذهب إليه المشهور (1)، بل لو قلنا بأنَّ الهوى من أجزاء الصلاة لكان اللازم الالتزام بالبطلان من حيث القاعدة بمجرد التعدّي عن مقدار الركوع، وكيف كان، فقد ورد في المقام أخبارٌ (2) تُغنينا عن البحث في تحقيق المقام وإنْ كان فيما ذكرنا غنىً وكفاية، كما سنوضحه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني: أنَّ قوله علیه السلام: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» (3) هل يعمّ الأثناء بمعنى: أنه لو التفت في أثناء الصلاة إلى ترك الحمد، هل يقتضي ذلك صحتها وعدم وجوب الاستئناف، أم يخصُّ بما بعد الصلاة من غير تعرّض لحال الإخلال بالجزء إذا التفت في أثناء الصلاة فالمتبع في حكمها حينئذٍ إنّما هو الرجوع إلى القواعد أو الأخبار الأُخرْ فلا تصير تلك الرواية أصلاً ثانوياً مطلقاً؟

فنقول: مقتضى الجمود على ظاهر لفظ الإعادة القصر على الثاني؛ لأنها عبارة عن إيجادها ثانياً فلا بدَّ في صحة إطلاق لفظ الإعادة نفياً وإثباتاً من وجود الأصل أولاً بحيث يصحُّ إطلاق الصلاة عليها - ولو بنحو من المسامحة- حتى يقال: إنه لا يجب إعادتها أو يجب.

واحتمالُ إرادة التوسعة في المسامحة بحيث أريد من الصلاة مطلق الاشتغال بها والتلبّس بأجزائها حتى يكون إطلاق الإعادة عليها بهذا النحو من الاعتبار بعيدٌ.

هذا، ولكنَّ الإنصاف أنَّ التتبّع في الأخبار والسبر في كلمات علمائنا الأخيار يوجب الظَّن على إرادة الأعمّ لكثرة دورانها في الأخبار وفي ألسنتهم بهذا المعنى خصوصاً بملاحظة أفهامهم في كثير من المقامات فلاحظ، وتأمل.

وعلى هذا فدعوى ظهورها في المعنى الأعمّ ليس كل البعيد، وعلى هذا فمقتضى

ص: 107


1- النجفي، الجواهر: ج12 ص243.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج4 ص933، ح1 ب10 من أبواب الركوع.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص91 ح 7427.

القاعدة الصحة في كل إخلال سهوي إلا فيما استثني سواء تذكر في الأثناء أم لم يتذكر، ولا ينافيه وجوب تدارك الفائت في بعض المقامات مثل قضاء التشهد بعد الصلاة أو قراءة الحمد بعد الدخول في السورة - لو سلّم صدق النسيان كما هو الظاهر - بعد دلالة الأدلة الخاصة كما لا يخفى.

ما استثني من عموم القاعدة

وقد استثني عن عموم قاعدة الصحة مطلق الإخلال بالأركان، (فإنْ أخلَّ بركنٍ) أي تركه سهواً (أعاد) الصلاة (كمنْ أخلَّ بالقيامِ حتى نوى) (1).

وهذا إنما يستقيم على القول بكون النية جزءًا للصلاة. وأما على القول بكونها شرطاً خارجياً (2) فاعتباره غير ثابت فضلاً عن ركنيّته.

نعم، لو أخلّ به حال التكبير فقد أبطل صلاته للإجماعات المحكية (3) المعتضدة بعدم ظهور الخلاف مضافاً إلى إطلاق أدلة اعتباره (4) فيكون شرطاً مطلقاً، ومقتضاه بطلان المشروط بفقده فيستتبعه بطلان الصلاة فيما إذا كان المشروط ركناً كما لا يخفى.

أو أخلَّ (بالنيَّة حتى كبّر) (5)؛ لأنَّ النية شرط في جميع الأجزاء فلا بدَّ أنْ يكون حاصلاً في كل جزء، ففقده حال التكبير مستلزم لانتفاء التكبير الصحيح الذي هو ركن قطعاً وهو مستلزم لبطلان الصلاة من هذه الجهة.

نعم، لو قلنا بكونها جزءًا لأمكن الالتزام بالبطلان من حيث هي، ولا يخفى عليك أنه لا جدوى للبحث في هذا المقام بناءً على المختار من كفاية مطلق الداعي وعدم

ص: 108


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص 136.
2- ينظر: المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 149.
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج5 ص 25؛ الشهيد الأول، الدروس: ج1 ص88؛ المحقّق الكركي، جامع المقاصد: ج2 ص 234؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص 278.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص12. الباب 2 من أبواب تكبيرة الأحرام والافتتاح.
5- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136 .

وجوب الإخطار؛ حيث إنه لا يتوقف حينئذٍ على وجودٍ سابق واستدامته، بل من التفت إلى تكليفه بالصلاة وصار ذلك سبباً لإيجاد هذه الأركان عن التفاتٍ أجزأه، ولا يحتاج إلى إخطار حتى نبحث عن كونه شرطاً أو جزءًا ركناً أو غير ركن، فحال التكبير عندنا ليس إلّا كحال القيام والقعود وغير ذلك في وجوب اقترانها بالنية الإجمالي (1) فافهم.

أو (بالتكبير حتى قرأ) (2) الحمد بلا خلاف ظاهراً، بل عليه الإجماع كما عن جماعة (3) ويدل عليه روايات:

منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة: «قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ؟ قال: يعيد» (4) .

وفي الصحيح عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: «في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال: لا، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنه لم يكبر» (5).

وبإزاء هذه الروايات، أخبار أُخر (6) دالة بظاهرها على أنَّ الناسي لا يعيد ولكنَّها لا تقاوم هذه الأخبار؛ لإعراض الأصحاب عنها، ومخالفتها لإجماع الأصحاب، بل الأمة. إلا الزهري (7) والأوزاعي (8)

ص: 109


1- الروزردي، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج3 ص316.
2- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136.
3- الشهيد الأول، الذكرى: ج3 ص186؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص278.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص143، ح557، الاستبصار: ج1 ص351، ح1326.
5- الكليني، الكافي: ج3 ص347 ح2؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص143، ح562.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص144، ح565، ح566، الاستبصار: ج1 ص352 ح1330 ص353 ح1334. وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار: بالحمل على الشك دون تيقن الترك.
7- النووي، المجموع: ج3 ص291.
8- ابن قدامة، المغني: ج2 ص383؛ النووي، المجموع: ج3 ص291.

110

على ما في محكيّ الذكرى (1).

ولا يخفى عليك أنَّ بطلان الصلاة لأجل الإخلال بالنية أو التكبير ليس منافياً لقوله علیه السلام: «لا تعاد الصلاة» حتى يقال فيه: بالتخصيص: أما النية؛ فلأن إتيان الأجزاء لا بقصد الصلاة لا تكون صلاة حتى يصدق على تكرارها الإعادة، مثلاً لو كبر أو قرأ الحمد أو سجد لا بقصد الصلاة لا يقال: إنه صلى أو دخل في الصلاة، بل لا يقال: إنه أتى بأجزاء الصلاة أيضاً إلا بنحوٍ من المسامحة البعيدة.

وكيف كان، فلو لم ينوِ وكبّر لم يدخل في الصلاة أصلاً حتى يقال: إنه يجب عليه الإعادة.

وبهذا ظهر وجه ركنية التكبير أيضاً، وعدم كونه مخصصاً للعموم المذكور بل هو متخصّص بالنسبة إليه ؛ لكونه خارجاً عن موضوع ذلك العام حيث إنه لا يتحقق الدخول في الصلاة إلا بإتيان التكبير؛ لما ورد من أنَّ «تحريمها التكبير» (2) ، فلا يدخل فيها إلا بها، ومن البيّن أنَّ الحكم بعدم وجوب الإعادة فرع الإتيان بها أولاً -ولو بنحو من المسامحة- وذلك لا يعقل بالدخول فيها.

والحاصل: أنَّ المدعى اختصاص مورد الرواية الحاصرة بما بعد الدخول فلا يشمل الجزء الذي لا يتحقق الدخول إلا به على نحو اعتبره الشارع، فكون القيام المتحقق في ضمنه مستتبعاً لركنيته في الركنية أيضاً لا ينافي ذلك.

وأما القيام المتصل بالركوع فإنْ قلنا: بأنَّ ركنيته إنّما هو لأجل عدم تحقق الركوع إلا به فلا ينافي ذلك أيضاً الرواية الحاصرة، وإلا فهي مخصّصة به؛ لدليله.

وأعلم: أنه لما لم يتعرض سيد مشايخنا -دام إفاضاته - لبيان هذه التفريعات حق التعرّض فلذا قد أجملنا الكلام واقتصرنا فيها على ما هو المهم مع أنَّ للبسط والنظر فيها

ص: 110


1- الشهيد الأول، الذكرى: ج3 ص187 .
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص 415 - 417. أبواب التسليم ب1 ح1 ، ح 8.

مجالاً، فتأمّل.

أو أخلَّ (بالركوع حتى سجد) (1)؛ لما عرفت من أنَّ الأظهر صدق النسيان بمجرد التعدّي عن المحل الموظّف فيدلُّ عليه الرواية الحاصرة؛ لكونها من جملة تلك الخمسة، فيوجب إعادة الصلاة.

ولكنْ يمكن أنْ يناقش فيها بكون الحكم فيها مهملاً في طرف المستثنى؛ لكونه في مقابل السلب الكلي فيصدق بالإيجاب الجزئي في كل منها، وكون الإطلاق فيها مسوغاً لبيان حكم الخمسة مطلقاً ...(2) محل تأمل، فتأمّل. هذا، مضافاً إلى الأخبار الخاصة:

منها: رواية ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن الباقر علیه السلام: «عن رجل نسي أنْ يركع؟ قال: عليه الإعادة» (3).

ومنها: مصححة رفاعة عن أبي عبد الله قال علیه السلام: «قال: سألته عن رجل ينسى أنْ يركع حتى يسجد ويقوم. قال: يستقبل» (4).

ومنها: رواية اسحق بن عمار: «قال: سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن الرجل ينسى أنْ يركع قال يستقبل حتى يضع كل شيء موضعه» (5) .

واحتمالُ إرادة فعل الركوع من قوله علیه السلام في الروايتين خلافُ المتبادر؛ لأنَّ الظاهر من لفظ (الاستقبال) في المقام هو الاستئناف نظير الإعادة دون مطلق الرجوع إلى الفائت خصوصاً في الرواية الأخيرة؛ لأنَّ الظاهر كون كلمة (حتى) تعليلية فيكون الأمر بالاستقبال؛ لأنَّ توقّعَ كل جزء في موضعه الموظّف له وإرادة خصوص الركوع أو مع ما بعده من كل شيءٍ بعيدٌ، فتأمّل.

ص: 111


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136.
2- كلمة غير واضحة لم نتمكن من قراءتها.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص149، ح584، الاستبصار: ج1 ص 356ح1346.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص148، ح581، الاستبصار: ج1 ص355ح1344.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص149، ح583. الاستبصار: ج 1 ص356ح1347.

وأما حملُها على كونها غاية للاستقبال فتكون بمنزلة قولك: (فليرجع إلى المحل الذي يقع بالإتيان به كلُ شيءٍ في موضعه) فخلافُ الظاهر، كما يشهد به الطبع المستقيم. هذا كله، مع أنّ حمله على ذلك مستلزم لتخصيص الأكثر؛ لاختصاص الحكم - لوسلّم- بما قبل الدخول في السجدة الثانية.

إلا أنْ يقال: إنَّ قبل السجود وحال السجود وبعده كل منها عنوان واحد خصّص الحكم المذكور بالنسبة إلى ما بعده وهو عنوان واحد، وكونه أكثر أفراداً غير ضائر بعد فرض كون الخارج عنواناً واحداً كما في قولك: (أكرم العلماء إلا فسّاقهم)، فتأمّل.

وكيف كان، فالأقوى في المسألة - بناءً على ما اخترناه من صدق النسيان بمجرد الخروج عن المحل الموظف له - وجوب الإعادة بمجرد الدخول في السجدة، وقد عرفت أنه هو الذي يقتضيه الأصل والقاعدة بعد تسليم صدق الترك والنسيان.

فما ذهب إليه صاحب المدارك من عدم البطلان، ووجوب تدّارك الفائت ما لم يدخل في السجدة الثانية (1) تعويلاً على القاعدة زعماً منه: أنه لا يلزم من ذلك محذورٌ إلّا زيادة سجدة واحدة ولا ضير فيه إذا وقعت سهواً [لا وجه له].

نعم، لو لم نقل بصدق الترك إلا على الوجه الثاني لكان لما ذكر قدس سره وجه.

ويمكن أنْ يستدل على مذهبه بمفهوم قوله علیه السلام في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» (2).

وتقريب الاستدلال بها: أنَّ الظاهر من قوله علیه السلام : «وقد سجد سجدتين... الخ»، أَنَّه بيان للركعة في كلامه علیه السلام فيكون المراد منه ترك الركوع، ولوروده في مقام التحديد يدلُّ بمفهومه على انتفاء الحكم عند انتفاء القيد.

ص: 112


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج4 ص 218.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 148 ح580، الاستبصار: ج1 ص 355 ح1343.

وفيه: ضعف الظهور فلا يصلح لتقييد المطلقات خصوصاً بعد اعتضادها بعمل المشهور ومخالفة المفهوم المذكور لفتوى الأصحاب، ولذا ذكر بعض المحقّقين من المحشّين على المدارك أنَّ التفصيل الذي ارتضاه مخالف للإجماع، فالأقوى ما عليه المشهور (1).

ولكن الإنصاف أنَّ الاحتياط في مثل المقام بالإتمام أولاً ثم الإعادة، مما لا ينبغي تركه بناءً على مذهبنا من جواز الاحتياط ولو مع التمكّن من المعرفة التفصيلية. وأما بناءً على اعتبار تحصيل الجزم حال الفعل ووجوب معرفة الوجه فالاحتياط في خلاف ذلك، بل لا يبعد كونه معيناً كما لا يخفى.

[الأقوال الأخرى في المسألة]

ثم إنَّ في المسألة أقوالاً أُخر (2) أشار المصنّف إلى بعضها بقوله:

(وقيل: يُسْقِط الزائد ويأتي بالفائت ويبني) (3)؛ لرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام: في رجل شكَّ بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال: يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع، فإن استيقن فلْيلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام، فإنْ كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليتم الصلاة بركعة وسجدتين ولا شيء عليه» (4).

وفي الصحيح عن العيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسي

ص: 113


1- البهبهاني، حاشية المدارك: ج3 ص278 -279.
2- ينظر: الطوسي، النهاية: ص88، المبسوط: ج1 ص 119؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: ج2 ص363؛ النجفي، الجواهر: ج12 ص432.
3- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136.
4- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص228 ح1006؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص149ح 585، الاستبصار: ج1 ص356 ح1348.

ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع؟ قال: يقوم فيركع فيسجد سجدتي السهو» (1).

وفيه: أنَّ الرواية الثانية لا دلالة فيها على المدعى أصلاً، وأما الرواية الأولى وإنْ كانت ظاهرة في المطلوب، إلا أنها - مع قطع النظر عن كونها مرمية بالجهالة ومُضعّفة باشتمال ذيلها على ما لم يقل به أحد - (2)لا تكافئ الأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة القديمة والحديثة كما قيل (3)، وعلى فرض التكافؤ أيضاً فالمرجع الأصل المتقدم وهو بطلان الصلاة بترك الخمسة مطلقاً.

(وقيل (4): يختص هذا الحكم بالأخيرتين، ولو كان في الأوليين استأنف) (5) .

ومستنده - على ما قيل - هو الجمع بين الروايات (6)، وضعفه ظاهر بعد منع التكافؤ (7) وعدم الشاهد في البين كما لا يخفى، ونُسب إلى بعضٍ أقوالٌ أخر مُضعّفة جدًا لا داعي للتعرّض إليها (8).

ص: 114


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 149ح 586.
2- البهبهاني، حاشية المدارك: ج3 ص 279.
3- ينظر: المحقق القمي، مناهج الأحكام: ص285 ؛ عبد الكريم الحائري، كتاب الصلاة: ص237.
4- الطوسي، المبسوط: ج1 ص161 ح175؛ المحقّق الحلي، الجمل والعقود (الرسائل العشر): ص186 - 188 - 311؛ العلّامة الحلي، المختلف: ج2 ص363.
5- المحقق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص136.
6- الكليني، الكافي: ج3 ص348 الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 345؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص 177.
7- البهبهاني، حاشية المدارك: ج3 ص279.
8- ينظر: الطوسي، الاستبصار: ج1 ص356؛ العلّامة الحلي، المختلف: ج2 ص363؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج4 ص219 ، 220؛ المحقّق الحلي، الجمل والعقود (الرسائل العشر): ص186، 188. وقد ذكر في كتاب مجموعة فتاوى ابن الجنيد: ص 77 هكذا: (مسألة 2: المشهور انّه إذا ترك السجدة ناسيا ولم يذكر حتّى يركع بعدها فإنّه يقضي السجدة بعد التسليم، ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى وأتباعهم (الى ان قال): وقال ابن الجنيد: واليقين بتركه إحدى السجدتين أهون من اليقين بتركه الركوع، فإن أيقن بتركه إيّاها بعد ركوعه في الثالثة لها سجدها قبل سلامه، والاحتياط إن كان في الأوليين الإعادة إن كان في الوقت، (الى ان قال): احتجّ - يعني ابن الجنيد - بما رواه ابن أبي يعفور في الصحيح عن الصادق علیه السلام قال: إذا نسي الرجل سجدة وأيقن انّه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم. والجواب: إنّا نحمله على الذكر قبل الركوع. المختلف: ج2 ص372- 373).

(وكذا) في وجوب الإعادة (لو زاد في الصلاة ركعة، أو ركوعاً، أو سجدتين أعاد عمداً و سهواً) (1).

[الأصل الثانوي هو بطلان الصلاة بمطلق الزيادة، ومناقشته]

وينبغي التنبيه أولاً على حكم مطلق الزيادة: من أنَّ مقتضى الأصل هل هو بطلان الصلاة بها مطلقاً إلا فيما خرج أو بالعكس؟

وقد أشبعنا الكلام فيها فيما سبق وقوينا ظهور الأخبار الواردة في الباب في دلالتها على البطلان بمطلق الزيادة ركناً كانت أو غير ركن واجباً أو مستحباً وقلنا إنَّ هذا أصل ثانوي وارد على الأصل الأوّلي الذي مقتضاه عدم الإخلال بشيءٍ من الزيادة، فعلى هذا يتوقف الحكم بالصحة في بعض الموارد كزيادة غير الأركان سهواً على دلالة دليلٍ.

هذا، ولكنَّ الإنصاف أنَّ تأسيس هذا الأصل على هذا النحو من العموم بتلك الأخبار بدعوى ظهورها في هذا المعنى لا يخلو عن تأمل، بل منع، وقد أشرنا إلى بعض المناقشات الواردة عليها فيما سبق وسنوضحها في هذا المقام ونستتبعها ببعض أُخر حتى يتبيّن وجه منع الظهور إن شاء الله تعالى.

فنقول: إنَّ ما يمكن أنْ يُستدل به على بطلان الصلاة بمطلق الزيادة أخبار:

منها: قوله علیه السلام: «مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة» (2).

ص: 115


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص87.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص194 ح764، الاستبصار: ج1 ص376 ح1429.

ومنها: قوله علیه السلام: «من لم يقصر في السفر لم تجز صلاته لأنه زاد في فرض الله عز و جل» (1).

ومنها: قوله علیه السلام: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها فإذا زدت فعليك الإعادة وكذا السعي» (2) .

وتقريب الاستدلال فيها ظاهر.

وأما المناقشة فيها:

أولاً: فهي أنَّ الزيادة على الشيء لا تصدق إلا إذا كان المزيد من جنس المزيد عليه كما حقّقنا الكلام فيه سابقاً (3) ، ولا إشكال في أنَّ الركعة التامّة تتّصف باسم الصلاة بخلاف الأجزاء، بل قد يقال: إنه يظهر من التتبع في الأخبار أنَّ الأصل في الصلاة إنّما هو الركعة بمعنى: أنَّ الركعة صلاة، وكيف كان، فمعنى: «من زاد في صلاته» أو «على صلاته» أي: زاد صلاة على صلاته أو في أثنائها وبعد التعذّر عن حمله على صلاة مستقلة منفصلة لا ربط لها بالمزيد عليه يتعين الحمل على زيادة الركعة التي هي صلاة أيضاً، وإنْ أبيت إلّا عن كونها مجازاً في الركعة.

فنقول: إنه أقرب المجازات؛ حيث إنَّ الصلاة تنقسم أولاً: إلى الركعات ثم الأجزاء مع أنَّ إطلاق الصلاة على الأجزاء بعيد غاية البعد، وتقدير لفظ الأجزاء خلاف الأصل، والظاهر أنَّ ارتكاب التجوّز أولى.

وثانياً: أنَّ حملها على العموم مستلزم للتخصيص بالنسبة إلى كثير من الموارد بل أكثرها؛ ضرورة خروج الزيادة السهوية في غير الأركان مطلقاً، وهي أكثر موارد

ص: 116


1- الصدوق، الخصال: ج9 ص409.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج5 ص151 ح498، الاستبصار: ج2 ص217 ح747، ص239 ح831.
3- تقدم: ص63.

الابتلاء؛ لأنَّ الزيادة العمدية أعني: ما كان ملتفتاً حال إتيان الفعل إلى كونه زائداً صدوره ممن كان في مقام الامتثال - على فرض تسليم إمكانها لو وقعت - ففي غاية الندرة، فلم يبق إلا الزيادة الجهلية والسهوية، ومعلوم أنَّ القسم الأول في حدِّ ذاته وإنْ كان كثيراً إلا أنه بالنسبة إلى القسم الثاني أقلُ قليلٍ.

وثالثاً: فبأنَّ الظاهر من الروايات، اختصاصه بصورة العمد؛ لأنَّ إسناد الفعل إلى الفاعل المختار ظاهر في صدوره عن اختيار، وأما ما ذكرنا سابقاً من منع هذا الظهور فهو إنما يكون بالنسبة إلى نفس عنوان الفعل، وأما بالنسبة إلى نفس المعنون أعني: إتيان الجزء الزائد - مع قطع النظر عن وصف الزيادة - فلا.

فمعنى كونه عامداً في إتيان الجزء الزائد أنه أتى به ملتفتاً إلى أنه جزء من الصلاة مغايرٌ للأجزاء السابقة التي أتى بها قبل هذا الجزء، فزيادة الركعة عمداً عبارة عن إتيانها بعد الأربعة - مثلاً - بقصد الجزئية، وكذا زيادة الركعة أو السجدة أو غير ذلك عمداً عبارة عن إتيان كل منها زائداً على ما اعتبر في أصل الصلاة بقصد كونه جزءًا في الصلاة زائداً على تلك الأجزاء أعني: مغايراً لها و لا حاجة حينئذٍ في الصدق المذكور على هذا النحو إلى الالتفات إلى عنوان كونه زائداً، وهذا المعنى هو المراد من عبائر العلماء (1) في مثل تلك الموارد أعني: موارد إطلاق لفظ العمد على فعل شيءٍ أو تركه، كما أنَّ ما ورد في الأخبار في هذه المقامات أيضاً كذلك؛ ضرورة أنَّ حمله على المعنى الأول مستلزم لخلوها عن المورد أو ندرتها كما ذكرنا سابقاً. وكيف كان، فهذه الأخبار بعد تسليم شمولها لمطلق زيادة الأجزاء فإنما هي مخصوصة بصورة العمد، ويؤيّد هذا المعنى ما ذكرنا سابقاً من أنَّ التعميم بحيث يشمل السهو مستلزم لتخصيص الأكثر.

هذا كله، مع قطع النظر عمّا في الرواية الثانية، بل وكذا الثالثة من القرائن الخاصة

ص: 117


1- النجفي، الجواهر: ج10 ص164.

على اختصاصها بصورة العمد، بل وبزيادة الركعة لا غير؛ حيث إنَّ الظاهر من الرواية الثانية أنها مسوقة في مقام الردّ على العامّة العمياء الذين يُتمون الصلاة في السفر تعمداً إعراضاً عمّا وصل اليهم عن أئمتنا علیهم السلام من وجوب القصر، ولا بدَّ فيها من حملها على صورة العمد لا غير؛ لما ذكرنا سابقاً من صحة صلاة الجاهل في هذه المسألة وكذا الناسي، ومعلوم أنَّ ارتكاب التقييد فيها بصورة العمد –خصوصاً بعد دعوى ظهورها في حدّ ذاتها في هذا المعنى - أولى من ارتكاب التخصيص - خصوصاً مثل هذا التخصيص الذي هو تخصيص للأكثر - مع أنّ ورود التخصيص عليها مستلزم لكون العلّة أيضاً مخصّصة، وهو بعيد.

ثم لا يخفى عليك أنَّ الاستدلال بهذه الرواية إنّما هو لأجلّ عموم لأجل عموم العلّة، وحينئذٍ نقول: - بعد تسليم ظهورها في التعميم بحيث يشمل السهو، والإغماض عما ذكرنا من ظهورها في العمد - إِنَّ هذه الرواية لا تدلّ إلا على أنَّ زيادة فرض الله تعالى في الصلاة مبطلة لها.

والظاهر من فرض الله تعالى إما مجموع الركعتين التي هي عبارة عن تمام الصلاة. وإما عبارة عن الركوع والسجود؛ لما ورد في بعض الأخبار من أنَّ القراءة سنة والتشهد سُنة والركوع فريضة والسجود فريضة (1).

وقد بيّنا فيما سبق (2) أنَّ صدق الزيادة يتوقف على كون المزيد والمزيد عليه من جنس واحد، فهذه الرواية تدلُّ على أنَّ زيادة الفرض مبطلة لا غير، بل يمكن الاستدلال بها لعدم سببية مطلق الزيادة للبطلان؛ إذْ لولاه لوجب الاستناد إليه؛ لكونه أسبق العلل؛ ضرورة وجود زيادات أُخر قبل الوصول إلى حدِّ الركوع أو إتمام الركعة، فهذه الرواية على خلاف المطلوب أدلّ، فافهم، وتأمل.

ص: 118


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص152.
2- تقدم: ص63.

وأما الرواية الثالثة ففيها: -مع قطع النظر عما ذكرنا من ظهور لفظ «زاد في صلاته» في زيادة الركعة اختياراً - أنَّ حملها على العموم غير مستقيم؛ حيث إنهم ذكروا أنَّ زيادة الطواف سهواً غير مبطلة، بل لا بدَّ من تكميلها بإسبوعين فيتحقق بذلك طوافان أحدهما واجبٌ والآخر مستحبٌ (1).

وكيف كان، فلا توجب الزيادةُ سهواً بطلان الطواف عند المشهور (2) وإنْ اختلفوا بعد إكماله باسبوعين، أنَّ الواجب هل هو الأول أو الثاني؟، وعلى هذا فالمراد من المشبّه هو الزيادة العمدية في الطواف، فلا بدَّ أنْ يكون المشبه به أيضاً كذلك؛ قضية لظاهر التشبيه.

واحتمال إرادة المقيد في المشبه والمطلق في المشبه به خلاف الظاهر، كما إنَّ احتمال إرادة المطلق في كليهما ثم الالتزام بورود التخصيص على المشبّه بالنسبة إلى حال السهو - في مثل المقام - في غاية البعد، خصوصاً بعد ملاحظة كون الخارج أغلب الأفراد.

ويؤيّدُ ما ذكرنا من ظهور لفظ «زاد في صلاته» في زيادة الركعة، جعلها في هذه الرواية مشبهاً بها، ومعلوم أنَّ مقتضى ظاهر التشبيه كون وجه الشبه في المشبه به واضحاً عند المخاطب، ولا شبهة أنَّ زيادة مطلق الأجزاء - بحيث تشمل مثل القنوت والتشهد وغير ذلك من الأجزاء الواجبة أو المستحبة - سببیّتُها لإبطال الصلاة مطلقاً - عمداً كان أو سهواً - ليس من الواضحات عند كل أحد؛ كما هو قضية ظاهر التشبيه، وهذا بخلاف زيادة الركعة أو الركوع عمداً، فإنَّ كونها كذلك ليس أمراً مستبعداً. وقد يتمسّك للأصل المذكور بقوله علیه السلام: «إذا استيقن أنه زاد في صلاته لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا» (3).

ص: 119


1- الطباطبائي، رياض المسائل: ج7 ص36.
2- النجفي، الجواهر: ج19 ص364.
3- الكليني، الكافي: ج3 ص354 ح2 ؛ الطوسي، التهذيب: ج2 ص194 ح763، الاستبصار: ج1 ص376 ح 1428.

وفيه: -مع قطع النظر عما ذكرنا مراراً من ظهور هذا الكلام، بعد عدم إمكان حمله على زيادة نفس الصلاة التامّة: في زيادة الركعة - إنَّه لا يمكن في خصوص هذه الرواية إرادة مطلق الزيادة؛ لاستلزامه تخصيص الأكثر؛ لأنها مختصّة بالزيادة السهوية، ومعلوم أنَّ الزيادات التي لا تبطل الصلاة لأجلها أضعاف ما تبطل بها، فهذه قرينة أخرى على عدم إرادة مطلق الزيادة منها، بل المراد منها إما زيادة الأركان، أو خصوص زيادة الركعة.

[حكم ما لو زاد في صلاته ركعةً عمداً]

وكيف كان، ف-(لو زاد في صلاته ركعة أعاد سهواً) كانت الزيادة أو (عمداً) (1)؛ للأخبار المتقدمة بناءً على ما ذكرنا من ظهور كثير منها في زيادة الركعة، ودلالتها على بطلان الصلاة بالزيادة العمدية ظاهرة ولو لم نقل باختصاصها بزيادة الركعة، بل قلنا بدلالتها على مبطلية مطلق الزيادة أو خصوص الأركان؛ ضرورة عدم انفكاك زيادة الركعة عنها كما لا يخفى.

[حكم ما لو زاد في صلاته ركعةً سهواً]

وأما السّهوية منها ففي نهوض الأخبار المتقدمة لإثبات المطلوب نظرٌ؛ لما ثبت من أنَّ ناسي التشهد والسّلام لو لم يتذكر ما دام متمكناً عن إتيانها جزءًا للصلاة أعني: قبل إيجاد فعل المنافي فقد صحّت صلاته.

وحينئذٍ نقول: إنَّه لا إشكال في صدق النسيان في المقام؛ لما عرفت من أنَّ مطلق التجاوز عن المحل موجب للصدق، مع أنه لو قلنا بالمعنى الآخر الذي تقدم فيما سبق لصدق أيضاً ذلك؛ بعد صدق فوت محل التدارك.

ص: 120


1- المحقّق الحلي، شرائع الإسلام: ج1 ص87. وفيه: (لو زاد في الصلاة ركعة أو ركوعاً أو سجدتين أعاد سهواً).

ولا يخفى عليك أنه لا يتفاوت الحال في صدق السهو بين أنْ لا يلتفت بالتشهد في محله أصلاً أو التفتَ ولكن غفل عن محلّه واعتقد أنه بعد الركعة التي سيجدها بعد ذلك، كما أنه لا إشكال في تفويت محل التدارك بالدخول في الركوع؛ لكونه كسائر المبطلات، نظير الحدث في أنَّ المكلف لا يكون بعد ذلك متمكناً عن تدّارك المنسي بإيجاده جزءًا للصلاة الذي نسيه فيها؛ لاستلزام وجوده العدم، وكل ما كان كذلك فهو

ممتنع.

توضيحه: أنه لو كان متمكناً عن إيجاد التشهد والسلام بعد ذلك، فأوجدهما، للزم أنْ لا يخرج عن الصلاة إلا بذلك، ولازم ذلك إيقاع المنافي أعني: الحدث أو زيادة الركوع في الأثناء، ومن المعلوم أنهما لو وقعا في الأثناء لم يكن متمكناً عن إيجادهما بعد ذلك بحيث يكونان جزءاً، وإلّا لم يكن منافياً للصلاة.

وكيف كان، لا يكون المصلي بعد الدخول في الركوع الخامسة متمكناً عن إتيان التشهد، بحيث يكون من أجزاء تلك الصلاة، وبعد ما دلَّ الدليل على عدم بطلان الصلاة بترك التشهد نسياناً ما لم يتذكر قبل فعل المنافي، نحكم بصحة هذه الصلاة وخروجه عنها بمجرد الدخول في الركوع.

وتوهّمُ أنَّ الخروج عن الصلاة يتوقف على إيجاد المنافي أعني: فعل الركوع وقبله لم يكن خارجاً، فكما أنَّ به يتحقق الخروج، كذلك به تتحقق زيادة الركوع في الصلاة، فكما أنَّ الأول مقتضٍ للصحة، كذلك الثاني موجب للفساد ظاهرُ الاندفاع؛ لاستلزامه أنْ لا يوجد للحكم المذكور مصداق في الخارج أصلاً؛ إذْ لا يعقل تفويت محل التشهد والسّلام إلا بإيجاد شيء يكون منافياً ولا أقل من الجلوس الممتد الذي ينمحي به صورة الصلاة، أو السكوت الطويل ولا خفاء في جريان الكلام المذكور بالنسبة إلى جميع المنافيات من دون خصوصية للركوع، فلازمه خلوّ الحكم المذكور عن المورد، وذلك باطل قطعاً.

وحلّه أنْ يقال: إِنَّ الزيادة المبطلة إنما هي إذا وقعت في أثناء الصلاة بحيث صارت

ص: 121

مانعة عن إيجاد الباقي جزءًا لتلك الصلاة بحيث تكون الصلاة ملتئمة عن الأجزاء المعتبرة فيها، فهي إنما تمنع عن اتصال الأجزاء الباقية فبها تخرج تلك الأجزاء عن صلاحية الاتصال، لا أنَّ الأجزاء السابقة تخرج بسببها عن الجزئية؛ لعدم معقولية انقلاب الشيء عما وجد عليه، وهذه الأجزاء قد وجدت مطابقة للأمر بها.

نعم، يمكن أنْ نفرض اعتبار الشيء في المركّب الاعتباري بشرط عدم التكرار فيكون التكرار سبباً لعدم تحقق الامتثال ولو بالنسبة الى هذا الجزء، ولكنه يتوقف على دلالة دليل على كونه كذلك، وهو مفقود، خصوصاً إذا وقع التكرار بعد الفراغ عن تمام الأجزاء، ولذا لا يبطل الصلاة بتكرار السلام المخرج، وكذا لو أتى بغيره من الأجزاء السابقة بعد الإتمام، وبعد ما ثبت أنَّ الزيادة لا تضرّ بالأجزاء السابقة، فلو فرض كون

الأجزاء السابقة تمام المركب لا يعقل طروء الفساد بالنسبة إليها كما لا يخفى.

وبعد ما دلَّ الدَّليل على عدم كون إخلال التشهد والسلام منافياً للصلاة، يكشف ذلك عن عدم كونهما جزءًا حال النسيان، فجزئيتهما مقصورة بصورة الالتفات، وبإيجاد المنافي يتحقق موضوع النسيان الكاشف عن كون الصلاة في حقّه هو فاقد التشهد والتسليم لا واجدهما، فلا يعقل أنْ تكون هذه الزيادة سبباً لخروج الأجزاء السابقة عن جزئيتها، وبعد إيقاع الزيادة يعلم بعدم كون التشهد والتسليم جزءًا لصلاته، وبإتيانها سقط الأمر المتعلق بها، ولم يبقَ بعد اتيان الأجزاء أمرٌ بالمركب حتى يحتاج إلى الإعادة، فتأمّل.

ص: 122

[حكومة أخبار بطلان الصلاة على قاعدة صحة الصلاة]

فتلخَّص مما ذكرنا: أنَّ مقتضى القاعدة صحةُ الصلاة، وعدم كون الركعة الخامسة مثلاً سبباً لبطلانها في حال السهو، إلا أنَّ الأخبار الواردة في المقام حاكمة على تلك القاعدة وقاضية بالبطلان عمداً كانت الزيادة أو سهواً مثل:

قوله علیه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (1).

وقوله علیه السلام: «إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً» (2) . وغير ذلك من الأخبار المتقدمة.

وقد عرفت دعوى ظهورها في زيادة الركعة، ولو سلّم شمولها لمطلق الزيادة أو خصوص الأركان فما نحن فيه من أظهر أفرادها كما لا يخفى.

ولكن، هذا الكلام إنما يتم في الزيادة العمدية، وأما الزيادة السهوية فقد عرفت الإشكال فيها من جهة صدق الزيادة عليها حقيقة، فلو سُلّم ظهور قوله علیه السلام: «إذا استيقن أنه زاد» في خصوص زيادة الركعة - كما استظهرناه - لاتجه الاستدلال بها فيما نحن فيه؛ لانحصار موردها - كما أشرنا إليه سابقاً - بهذا المورد فيتعين الحمل عليه ولو لم تصدق الزيادة عليها حقيقة.

وأما لو لم يسْلم ذلك، بل قيل: بشمولها لمطلق الزيادة السهوية، أو خصوص الأركان منها، لأشكلَ الاستدلالُ بها في المقام؛ لما مرَّ فيما سبق بما لا مزيد عليه (3).

ص: 123


1- الكليني، الكافي: ج3 ص354 ح5؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص194 ح764، الاستبصار: ج1 ص376 ح1429.
2- الكليني، الكافي: ج3 ص355ح2.
3- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (هذا إذا كان لفظ الرواية كما نقلناها - وهكذا رواها في الوسائل في أبواب الركوع - و لكنه نقلها في ابواب الخلل هكذا: (إذا استيقن أنه زاد في صلاة المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً)، وعلى هذا فلا وقع للمناقشة فيها على الاستدلال للمطلوب كما لا يخفى. منه). ينظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص 319 ابواب الركوع باب14 ح1، ح8.

نعم، يدلُّ على بطلان الصلاة بزيادة الركعة سهواً مطلقاً خصوص قوله علیه السلام: «عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال: إنْ استيقن أنه صلى خمساً أو ستاً فليُعد» (1).

[بطلان الصلاة بزيادة الركعة فيما لو لم يجلس عقيبها بمقدار التشهد]

وذهب جماعة إلى أنه تبطل الصلاة بزيادة الركعة لو لم يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهد، وإلا فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه (2)؛ استناداً إلى الأخبار المستفيضة (3): منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال: «سألته عن رجل صلى خمساً؟ فقال: إنْ كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته» (4).

وعن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل استيقن بعد ما صلى الظهر أنه صلى خمساً؟ فقال: وكيف استيقن؟ قلت: علم. قال: إنْ كان علم أنه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فيكونان ركعتين نافلة ولا شيء عليه» (5) .

وخبر جميل بن درّاج عن الصادق علیه السلام قال: «في رجل صلى خمساً؟ أنه ان كان جلس في الرابعة بقدر التشهد فعبادته جائزة» (6) .

ورواية محمد بن مسلم: «سألته عن رجل صلى الظهر خمسا؟ قال: إنْ كان لا يدري

ص: 124


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص352 ح1461.
2- الطوسي، الاستبصار: ج1 ص377 ذيل الحديث: 1431، المبسوط: ج1 ص177؛ وكذا، ما حكي عن ابن الجنيد في المختلف: ج2 ص 393.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 8 ص 231 - 234 . باب بطلان الفريضة بزيادة ركعة فصاعداً ولو سهواً إلا أن يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد أو يشكّ جلس أم لا .
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص194 ح 766، الاستبصار: ج1 ص377 ح1431.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص194 ح765، الاستبصار: ج1 ص377 ح1430.
6- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 229 ح 1016.

جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهد ثم يصلي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ويضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة» (1).

ولا يخفى عليك أنَّ ما ذهب اليه الجماعة لقويّ متين؛ نظراً إلى ظاهر هذه الأخبار على ما يتراءى في بادئ النظر؛ لكونها أخص مما دلّ على مطلق البطلان.

وما أُورد عليهم من أنَّ هذه موافقة لمذهب أبي حنيفة، فترجح الأخبار المطلقة عليها (2) - بعد الإغماض عن أنَّ صدور تلك الأخبار لعلَّه قبل زمان أبي حنيفة لكونها منسوبة إلى الباقر علیه السلام، والظاهر أنَّ مذهب أبي حنيفة اشتهر في عصر الصادق علیه السلام (3) - غير وارد؛ لما تقرّر من أنَّ الرجوع إلى المرجحات إنّما هو في غير العام والخاص المطلقين، وأما فيهما فيُخصَّص العام مطلقاً بعد فرض اعتبار سند الخاص.

مع إمكان أنْ يقال: إنَّ العمل بهذه الأخبار أرجح، خصوصاً بعد الخدشة في دلالة الأخبار الأوّلة (4) من حيث الشمول لصورة النسيان لاشتمالها على مرجحات أُخر.

وتوهّم كونها شاذةً وقد أعرض الأصحاب عنها (5).

مدفوعٌ؛ لأنَّ جماعة كثيرة أفتوا على مضمونها (6) ، وتردد الآخرون في المسألة من جهتها (7)،

ص: 125


1- المصدر السابق: ج1 ص229 ح 1017.
2- الطوسي، الخلاف: ج1 ص453؛ المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص380.
3- شهادة الباقر علیه السلام 114 ه- على رواية الكليني، وشهادة الصادق علیه السلام 148ه-، أما حياة أبي حنيفة 80-150 ه-، أي ممتدة بين حياتيهما المقدستين، ولكن الظاهر أنَّ ظهور طريقته الفقهية التي أشتقّ منها المذهب الحنفي كانت بعد وفاة شيخه حماد بن سليمان سنة 120ه-، - أي بعد استشهاد الإمام الباقر في حياة الإمام الصادق عليهما السلام - على يد تلميذه أبي يوسف.
4- أي المطلقة. يذكر: أنَّ المناسب الأوّلات؛ لأنَّ الأوّلة تأتي للمفرد المؤنث. راجع لسان العرب: ج 11 ص 716 مادة (وال).
5- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 378.
6- الطوسي، الاستبصار: ج1 ص377. ذيل الحديث 143؛ الحلي، السرائر: ج1 ص247.
7- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 380.

بل القول بها مشهور بين الأصحاب (1) كما يظهر للمتتبع.

[الأقوى ما ذهب إليه الآخرون، والمقصود بالجلوس هو ما يتضمن التشهد]

هذا ولكن الإنصاف أنَّ الأقوى ما ذهب إليه الآخرون (2)، وقد نسب إلى الشهرة (3)؛ وذلك لقوة احتمال إرادة نفس فعل التشهد من الأخبار لا مجرد الجلوس من حيث هو، ولذا قيل: إنه لا تنافي بين الأخبار؛ إذْ لا ريب في أنَّه لو زاد بعد التشهد ركعة لا يبطل صلاته لوقوعها في خارج الصلاة، والمراد من التشهد أعمّ من السلام كما هو الشائع في الأخبار، ويبعد إرادة مطلق الجلوس من حيث هو - لا الجلوس المعهود -المتعارف ندرة وقوعه في الخارج غاية الندرة؛ إذْ قلّما يجلس الإنسان في أثناء الصلاة فارغاً غير مشغول بها، فلا يليق أن يهتم بها هذا النحو من الاهتمام، وهذا بخلاف الجلوس المتعارف المعهود أعني: في حال التشهد والسلام فإنه ليس أمراً نادر الوقوع.

وأما استبعاد زيادة الركعة بعد إيجاد التشهد والسلام فإنه في غير محلّه؛ إذْ كثيراً ما يتشهد ثم يتخيل وقوعهما في غير المحل، فيرفع اليد عنهما ويضيف إليهما ركعة أخرى، ثم يتبين تماميتها قبل فعل الركعة ووقوعها زائدة، وغير ذلك مما يتفق كثيراً، هذا كله مع أنَّ إناطة الصحة على أمر اتفاقي لا ربط له بالصلاة بعيد.

وأما الجلوس الذي يتحقق في ضمنه التشهد وإنْ أمكن أنْ يلتزم بكونه جزءًا للصلاة لا شرطاً للتشهد، إلا إنه منوط بالقصد ومعه لا ينفك فعل التشهد عنه غالباً.

والحاصل: أنَّ المراد من الجلوس في الروايات هو الجلوس المعهود المتعارف الذي يتحقق التشهد في ضمنه لا مطلق الجلوس؛ وإرادة هذا المعنى منها - في مثل المقام- شائعة في الأخبار، بل في ألسنة المتشرّعة بحيث لا يبعد دعوى كونها من المجازات الراجحة

ص: 126


1- العلّامة الحلي، المختلف: ج2 ص394، محكي المختلف عن ابن الجنيد: ج2 ص393.
2- الشهيد الأول، الذكرى: ج4 ص33؛ الشهيد الثاني، المسالك: ج1 ص286.
3- الشهيد الأول، الدروس: ج1 ص 205؛ البحراني، الحدائق: ج9 ص 113، 117.

التي لا تحتاج إلى قرينة خارجية، بل يستفاد منها كون الاستعمال شائعاً متعارفاً كما في مصحّحة الفضيل: «في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فيقوم قبل أن يجلس بينها؟ قال: فليجلس ما لم يركع وقد تمت صلاته» (1).

ومصحّحة ابن أبي يعفور: «عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال: إنْ كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس» (2) .

ومصحّحة سليمان بن خالد: «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولَيَين؟ فقال: إن ذكر قبل أنْ يركع فليجلس» (3).

وفي التوقيع المروي في الاحتجاج: «وأما الحديث الآخر: فانه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير» (4) .

وفي موثقة سماعة: «سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعتين ركعة من صلاة فريضة؟ فقال: إن كان إماماً عدلاً فليصل أخرى وينصرف ويجعلها تطوعاً وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو يصلي ركعة أخرى معه ويجلس قدر ما يقول أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، ثم يتم صلاته معه على ما استطاع فإنَّ التقية واسعة وليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله تعالى» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار، ولعلّك بعد التأمل فيها تطمئنُ بأنَّ ما ذكرنا هو المراد منها، وفاقاً لما فهمه المشهور (6) .

ص: 127


1- الكليني، الكافي: ج3 ص356 ح2 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 345ح 1431.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 159 ح 624 . (مخرّجة على الزيادة).
3- المصدر السابق: ج2 ص 158 ح 618، الاستبصار: ج1 ص362 ح 1374.
4- الطبرسي، الاحتجاج: ج2 ص256.
5- الكليني، الكافي: ج3 ص380 ح 7؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج3 ص51 ح 177.
6- النجفي، الجواهر: ج12 ص 286.

نعم، تصديق ما ذكرنا بالنسبة إلى الرواية الأولى والثالثة منها لا يخلو عن خفاء؛ لأنَّ التعبير عن نفس الفعل بالمكان المقدر به وإنْ كان شائعاً مثل قولك: وقفت عند فلان بقدر أكل الطعام أو شرب الماء، وأردت منه الإخبار عن نفس الأكل والشرب ولكنه خلاف الظاهر، فلا يساغ إليه إلا لدليلٍ، إلا أنَّ ما ذكرنا من القرائن من بعد إرادة معناه الحقيقي يهوّن الأمر، وكيف كان، فما ارتكبهُ المشهور من التأويل لا يخلو عن قوة.

وإنْ أبيت إلا عن ظهورها فيما اختاره الجماعة فنقول:

إنَّه بعد قوة احتمال ما ذكرنا من التأويل لا يجوز الاعتماد عليها وتخصيص العمومات المعتضدة بالشهرة بها؛ إذْ ربَّ عام يقدم على الخاص؛ لأنَّ تقديم الخاص إنّما هو لكونه أظهر في الدلالة من العام فتكون قرينة لصرفه عن ظاهره، وهو في المقام فافهم.

ولعلَّ وجه ما ذكره العلماء وجهاً لترجيح العمومات على هذه الأخبار (1) من كونها موافقة لمذهب العامة بملاحظة ما ذكرنا من ضعف الظهور بحيث لا يصلح للتخصيص فلا بدَّ أنْ يرجع فيها إلى المرجحات كالمتباينين.

هذا كله مع إمكان أنْ يقال: إنَّ هذه الأخبار بظاهرها لا ينطبق على مذهب المشهور ولا على ما ذهب إليه الجماعة فيجب تأويلها بوجه من الوجوه.

توضيحه: أنَّ هذه الأخبار ما عدا الأخيرة منها بظاهرها دلَّت على أنه إنْ جلس عقيب الرابعة فقد تمت صلاته مع أنه يجب عليه قضاء التشهد بعد الالتفات بلا تأمل وإشكال. وكونها في مقام بيان تكليف السائل ينافي الإهمال من هذه الجهة مع أنه صُرح في بعض منها بأنه لا شيء عليه وقد عرفت أنه عليه قضاء التشهد بناء على مذهبهم بل سجدتين للسهو، فهذه قرينة أخرى على أنَّ المراد من الجلوس هو الجلوس المعهود المتعارف أعني: جلوس التشهد وهو لا ينفك عن التشهد غالباً.

وبهذا ظهر لك أنه لا يلزم علينا الالتزام بأنَّ الجلوس أستعمل وأريد منه التشهد

ص: 128


1- الطوسي، الخلاف: مسألة 196، كتاب الصلاة.

فيكون من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم.

بل يمكن أنْ يقال: بأنه استعمل في معناه الحقيقي، إلا أنه لما كان الجلوس المعهود ملازماً للتشهد عادةً فيكون أمارة عليه، فهذا طريقُ إحرازٍ للتشهد، فيكون مناط الحكم نفس التشهد، وتعليقه بحسب الظاهر على نفس الجلوس؛ لكونه طريقاً له بحسب العادة.

وأما الرواية الأخيرة فهي على مذهب المشهور أوفق؛ لأنها تدلُّ بمفهومها على أنه إن علم أنه جلس في الرابعة أو لم يجلس، لا يجلس ولا يتشهد.

وهذا إنما يستقيم على مذهب المشهور بأنْ أريد من قوله علیه السلام: «إنْ كان لا يدري أنه جلس أم لم يجلس»، أنه تشهد أم لم يتشهد؛ لأنه إنْ علم أنه تشهد فقد تمَّ صلاته ولا حاجة له إلى الجلوس، وإنْ علم بأنه لم يتشهد فهو (1) أيضاً كذلك، لبطلان صلاته؛ إذ المفروض تنبهّه بعد الركعة الخامسة لا في حال القيام قبل الركوع حتى يكون حكمه الجلوس والتشهد كما يفصح عن ذلك قوله علیه السلام: «ثم يصلي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ويضيفها إلى الخامسة» (2)، وعلى هذا فقد زِيد (3) في صلاته ركعة وعليه الإعادة لا الجلوس والتشهد.

وأما على مذهب الجماعة (4) فالمتعين هو الجلوس والتشهد في الصورة الأولى أعني: ان علم بأنه جلس؛ لأن مفروضهم عدم إتيان التشهد حال الجلوس فيجب عليه الإتيان حال التنبه والالتفات، وهذا مناف لمفهوم الرواية.

اللهمَّ إلا أنْ يقال: إنَّ توجيهها على وفق مذهب المشهور منافٍ لمنطوق الرواية؛ لأنَّ مقتضاها وجوب الجلوس والتشهد بعد الركعة الخامسة في حال الشك في قراءة التشهد

ص: 129


1- في الأصل: (فهوان)، والظاهر أنَّ (ان) زائدة فحذفناها.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص349 ح1017.
3- كذا في الأصل، ولعل الأنسب: (زاد).
4- ينظر: عبد الكريم الحائري، كتاب الصلاة: ص 75.

وهذا منافٍ لما ثبت من عدم الاعتداد بالشك بعد تجاوز المحل.

وحملها على الاستحباب لحكمة إحراز الواقع خلاف ظاهر القضية وهذا ليس بأولى من رفع اليد عن المفهوم والحكم بخلوها عنه؛ بل العكس أولى؛ إذ المفهوم لا يعارض المنطوق.

ولكنَّ الإنصاف أنَّ الشأن وإنْ كان كما ذكر لو كان ظهور المنطوق قوياً إلا أنَّ ظهور هذه القضية في الوجوب ليس بهذه المثابة من القوة، بل لا يبعد دعوى كون الشرطية أظهر في الدلالة على المفهوم من الجملة الفعلية على الوجوب، ولعلَّ المتعين خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا من القرائن هو حمل الرواية على ما يطابق مذهب المشهور، وعلى هذا فيجب حمل القضية على الاستحباب.

هذا كله مع إمكان منع صدق التجاوز عن المحل في المقام بدعوى أنْ يقال: إنَّ محل التشهد والتسليم ليس عقيب الرابعة من حيث هو، بل هو في آخر الصلاة فمتى كان مشغولاً بالصلاة غير خارج عنها فمحلهما باقٍ، والشك فيها معتبر فيجب التدارك.

ولكن يرد على هذا الادّعاء - مع ما فيه من الضعف -: أنَّ هذا لا يستقيم في مورد الرواية؛ لأنَّ بقاء المحل مستلزم لوقوع زيادة الركعة الخامسة في أثناء الصلاة؛ لأنَّ المشكوك في حكم المعدوم بحكم الأصل، ومقتضاه بطلان الصلاة على مذهبهم.

ولا يمكن دعوى أنَّ مورد الرواية هو الالتفات حال القيام قبل ركوع الخامسة؛ لما ذكرنا سابقاً من أنَّ قوله رضی الله عنه: ثم يصلي وهو جالس (1) إلى آخر الرواية، قرينة على أنَّ المفروض تمامية الركعة الخامسة. هذا تمام الكلام في هذا المقام والله العالم بحقائق الأحكام.

ولكنه لا يخفى عليك أنَّ الاحتياط في مثل المقام بالإتمام على وفق مذهب الجماعة ثم الإعادة مما لا ينبغي تركه بناء على المختار من عدم لزوم تحصيل المعرفة التفصيلية

ص: 130


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 8 ص233 ح7.

والجزم حال الفعل.

وربما يتمسك بهذه الأخبار لنفي وجوب السلام بالتقريب المتقدم من إرادة نفس التشهد من الجلوس في الروايات.

ويرد عليه: شيوع استعمال التشهد في الأخبار في الأعم من التسليم، فلا يعارض هذه الروايات؛ لما دلَّ على وجوب التسليم.

فالشأن إنّما هو في إثبات أصل وجوب التسليم بالأدلة الدالة عليه، وأما بعد ذلك فلا وقع لهذا الكلام، ولو فرض تسليم ظهورها في الجملة فليس بحيث تعارض تلك الأدلة على فرض تماميتها ولا يتضح ما ذكرنا حق الاتضاح إلا بعد تنقيح حكم التسليم، وتحقيق مؤديات الأدلة الواردة فيه. فنقول:

الكلام في وجوب التسليم في الصلاة

إنَّ مبحث التسليم وإنْ كان خارجاً عن المقام إلا أنَّ كونه من المهمات في الفقه ألجأنا إلى التعرّض له، والكفاية فيه بأدنى مناسبة.

وقد اختلفت كلمات الأصحاب في هذا الباب بحيث لا يكاد ينطبق بعضها على بعض (1)، وإنْ تكلّف بعض المحقّقين من متأخري المتأخرين (2) في توجيه كلمات قدماء أصحابنا، على نحو يرجع بعضها إلى بعض على وجه وجيه، إلا أنَّه خال عن المحصّل؛

أما أولاً: فلعدم حصول الوثوق بكون ما ذكره من التوجيه مراداً لهم من عبائرهم.

وثانياً: فلعدم حصول الاطمئنان بكون الوجوب في الجملة إجماعياً ولو عند قدماء الأصحاب بل المظنون، ولعلَّ المقطوع خلافه.

ص: 131


1- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج1 ص 295.
2- النجفي، الجواهر: ج10 ص280؛ الخوانساري، جامع المدارك: ص 349.

[مقتضى الأصل عند الشك في وجوب التسليم]

وكيف كان، فالأولى التشبّث بالأخبار الواردة في الباب بعد تأمين الأصل الذي هو المرجع عند الشك لو فرض إجمال الأخبار وعدم صلاحيتها لإثبات المدعى.

فنقول: لا شبهة في أنَّ مقتضى الأصل الأوّلي عند الشك في وجوب السلام مستقلاً، أو لكونه جزءًا من الصلاة - على الاختلاف الذي سنبينه إن شاء الله تعالى- هو البراءة.

أما بناءً على الأول: فواضح.

وعلى الثاني: فعلى المختار من جريانها في الشك في الجزئية كما تقرر في محله (1) ولا يعارضها قاعدة الاشتغال؛ لورود أصل البراءة عليها كما لا يخفى.

وقد يتوهم حكومة أصول أُخر جارية في المقام مانعة عن إجراء البراءة مثل استصحاب معنى الإحرامية والحبس الحاصل من تكبيرة الإحرام التي هي سبب لحرمة منافيات الصلاة من الكلام وغيره، واستصحاب حكم الصلاة ومنافياتها واستصحاب عدم إيجاد المخرج وغير ذلك.

ومعنى الإحرامية والحبس على ماهو ظاهر مراد المتوهم: هي الحالة الحادثة للمصلي بسبب التكبيرة المنافية لإيقاع الحدث وغيره من المنافيات.

بدعوى أنَّه تحدث للمصلي حالة حضور وتوجّه يضادها إيقاع المنافيات، وأما أفعال الصلاة فهي أفعال معتبرة إيقاعها في تلك الحالة، وهذه المنافيات يفسد تلك الأفعال ما دام المصلي على هذه الحالة سواءٌ وقعت في أثناء الأفعال، أو بعد الفراغ عنها وقبل الخروج عن تلك حالة، وذلك نظير ما لو كان الوقوف بحضرة السلطان وعرْض الحاجات، وإنجاحه لها مشروطاً عنده بعدم الضحك لديه ما دمت في مجلسه، فكما أنَّ الضحك بحضرته - ولو بعد عرض الحاجات - يفسد مكالماته السابقة، كذلك فيما نحن فيه، فبالتكبيرة يحدث حالة الحضور، ولا ندري أنه ارتفعت تلك الحالة بأداء

ص: 132


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج4 ص 15، 17.

التشهد أو لا ترتفع إلا بعد التسليم، فيستصحب الحالة.

وفيه: -بعد تسليم الدعوى - أنه شكٌ في اقتضاء المقتضي ولا مسرح للاستصحاب فيه على المختار، كما قررناه في محلّه (1).

وأما الاستصحابات الأُخر، فشيءٌ منها أيضاً لا ينهض لإثبات وجوب التسليم إلا بناءً على اعتبار الأصول المثبتة، ولا نقول به.

ويمكن تقريب بعضها بحيث لا يكون أصلاً مثبتاً كاستصحاب حكم القواطع والمنافيات بالتقريب المتقدم، إلا أنك قد عرفت [أنّه] لا يجدي أيضاً؛ لكون الشك فيه في اقتضاء المقتضي. هذا ما تقتضيه الأصول العملية.

[الأدلة على وجوب التسليم]

وأما الأدلة: فقد يتمسّك للوجوب بقوله تعالى: (وسلموا تسليماً)

وأما الأدلة: فقد يتمسّك للوجوب بقوله تعالى: (وسلموا تسليماً) (2).

وتقريب الاستدلال: أنَّ الأمر للوجوب، ولا يجب في غير الصلاة بالإجماع، فيجب فيها قطعاً (3).

وضعْفه ظاهر (4)، مع أنه ينافيه ما ورد في بعض الأخبار من أنَّ: التسليم سنّة (5) ، وقد

ص: 133


1- ينظر: العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج3 ص 47 - 48.
2- سورة الأحزاب: 56 .
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج5 ص 198. نعم، قال في المختلف: ج2 ص 175: (والذي اخترناه نحن في منتهى المطلب المذهب الأول - أي: وجوب التسليم - وفي التحرير وغيره المذهب الثاني- أي: استحباب التسليم - وهو الأقوى عندي).
4- المقداد السيوري، كنز العرفان: ج1 ص143؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص 343.
5- لم نعثر على خبر بلفظه فيما راجعناه من المصادر، لكن الذي وجدناه قوله علیه السلام: «التشهد سنّة». الحر العاملي، وسائل الشيعة : ج 6 ص 401. نعم، نسب الى الأصحاب قولهم في كتبهم الفقهية: (التسليم سنة). ينظر: الطوسي، المبسوط: ج1 ص116؛ ابن حمزة، الوسيلة: ص96.

فسّرت السنّة بما لم يدل الكتاب على وجوبها (1) من أجزاء الصلاة.

وقد يتمسك بالأخبار المستفيضة (2)، بل لا يبعد دعوى كون مضمونها قطعي الصدور (3) .

منها: ما عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن القداح عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: افتتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» (4) .

و [منها ما عن] محمد بن علي بن الحسين قال: «قال أمير المؤمنين علیه السلام: افتتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» (5)، ورواه الشيخ أيضاً مرسلاً على ما في الوسائل (6).

وفي العلل وعيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام قال: «إنما جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدلها تكبيراً أو تسليماً أو ضرباً آخر؛ لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام أولاً بالتسليم» (7) .

وعن علي بن أحمد مسنداً عن المفضل بن عمر قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال: لأنه تحليل الصلاة ... الخ» (8).

ص: 134


1- النراقي، مستند الشيعة: ج5 ص323.
2- البحراني، الحدائق: ج8 ص 484.
3- ينظر: العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج5 ص 199 - 200 .
4- الكليني، الكافي: ج3 ص 69 ح2 .
5- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص23 ح68 .
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص 417 .
7- الصدوق، علل الشرائع: ج1 ص262 . ب 182، عيون أخبار الرضا علیه السلام: ج2 ص 115.
8- الصدوق، علل الشرائع: ج2 ص359 ب77 .

وفي عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام – في كتاب إلى المأمون - قال: «تحليل الصلاة التسليم» (1).

وفي معاني الأخبار مسنداً عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال: التسليم علامة الأمن، وتحليل الصلاة. قلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم واردٌ أمنوا شرَّه وكانوا إذا ردوا عليه أمِنَ شرَّهم، وإنْ لم يسلِّم عليهم لم يأمنوه، وإنْ لم يردوا على المسلِّم لم يأمنهم، وذلك خُلُق في العرب، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليل الكلام وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها» (2). وغير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في المقام (3).

ولكنْ ما أوردها من الأخبار - مطابِقة بعضها لبعض مفهوماً، ومتقاربة لفظاً، بل متحدة في كثير منها -: هذه الفقرة (4) التي نحن بصدد إثباتها، فهذه الأخبار الكثيرة - مع قطع النظر عن كون أكثرها معتبرة مُسندة - مما لا ينبغي أنْ يرتاب فيها من حيث السند، كيف، ولو بُني على طرح مثل هذه الأخبار بكثرتها قلَّما يوجد مدركٌ يمكن أنْ يعتمد إليه في الفقه؟ فتبقى الأحكام الفرعية بكثرتها خالية عن المدرك، فما عن المحقّق الأردبيلي (5) وأتباعه (6) من التشكيك في الروايات وتضعيفها بالإرسال مما لا وجه له، ولعله لم يظفر على بعض هذه الروايات، وهو عجیب (7).

ص: 135


1- الصدوق، عيون أخبار الرضا علیه السلام: ج2 ص 131.
2- الصدوق، معاني الأخبار: ص175 ح1.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص 415، 419. أبواب التسليم ب1.
4- أي: وتحليلها التسليم.
5- الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج2 ص282. وسبقهم الى التشكيك العلّامة في المختلف: ج2 ص 178.
6- السيد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص433.
7- لاحظ: الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج 5 ص 9، لتعرف قلّة المصادر المتوفرة في زمان المقدّس الأردبيلي، فلا عجب لعدم اطلاعه على بعض الروايات.

وكيف كان، فالتكلّم في دلالتها مما لا وقع له.

نعم، قد يناقش في دلالتها على وجوب التسليم بمناقشات هيّنة، واحتمالات ضعيفة، فلا بدَّ من أنْ نقرّب الاستدلال بها، ثم نتبعه بذكر بعض تلك المناقشات التي لا بأس بذكرها.

[تقريب الاستدلال بالروايات على وجوب التسليم، ومناقشته]

فنقول: ظاهرُ قوله علیه السلام: «تحليلها التسليم» الانحصارُ، فلا يجوز إيجاد شيء من المنافيات ولا أقل من الفصل الطويل إلا بعد ذلك، وحيثما لا يمكن ترك المنافيات مطلقاً، فيجب إيجاد المحلل صوناً للصلاة عن الفساد، كما يدل على هذا المعنى – أعني: كونه حافظاً للصلاة عن طروء الفساد - بعضُ الأخبار المتقدمة، هذا مع قطع النظر عن دلالتها على أنَّ التحليل مما يتوقف عليه الصلاة كالتحريم، وهما جزءان معتبران فيها، وبعد استفادة انحصار هذا الجزء بالتسليم، يعلم وجوبه، كما لا يخفى، وأما دلالتها على الانحصار فواضح (1) . نعم، قد يتأمل في وجه الظهور (2).

ويمكن أنْ يقال: إنه لأجل كونها مسوقة لبيان أنَّ التحليل بأي شيء يحصل؟ فكأنَّ المخاطب يعلم بأنَّ للصلاة تحريماً وتحليلاً، فيبيّن الإمام علیه السلام له ما يتحقق به التحريم والتحليل المعتبران في الصلاة، فلو حصل التحريم بغير التكبير، والتحليل بغير التسليم، لوجب على الإمام علیه السلام بيانه (3)؛ لكونه في هذا المقام فيقبح إهماله.

ص: 136


1- ينظر: المحقّق الهمداني، مصباح الفقيه: ج13 ص230؛ حيث قال قدس سره: (فإنَّ من لم يكن ذهنه مشوباً بالشبهات يرى هذه الأخبار كالنص في أنَّ لماهية الصلاة تحريماً وتحليلاً، وأنَّ تحريمها هو التكبير الذي يتحقق به الدخول في الصلاة لا غير، وتحليلها هو التسليم الذي يتحقق به الخروج لا غير).
2- ينظر: العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: ج2 ص 178.
3- ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج3 ص 338؛ حيث قال قدس سره: (نعم هنا شيء آخر:... فنقول: إنّ سكوته حينئذٍ عن الأمر الآخر وعدم تعقيب الأمر الأوّل به يفيد كون ذات الفعل تمام المقصود؛ لأنّ السكوت في مقام البيان يفيد الحصر - أعني حصر المقصود في المذكور... ووجه كون ذلك أقوى من الإطلاق اللفظي: أنّ هذا الحصر المستفاد منه إنّما هو من الظهورات الحالية التي هي أقوى الظهورات حتى الظهورات الناشئة عن الوضع كما لا يخفى، فهو من الأدلّة الاجتهادية، بخلاف إطلاق المطلق، فإنّ مفاده ليس من الظهورات أصلا، فكيف بكونه مساوياً لما ذكر أو أقوى، بل الأخذ به إنّما هو من باب التعبّد العقلي المبنيّ على قبح التكليف بلا بيان).

ويمكن أنْ يستفاد الحصر من تعليق الحكم على الطبيعة من حيث هي باعتبار وجودها الخارجي أعني: الطبيعة الموجودة من حيث هي طبيعة موجودة فيتسرى الحكم منها إلى جميع الأفراد الموجودة فيكون معناها: أنَّ طبيعة التحليل الموجودة في الخارج هو التسليم، فمفاده: أنه لا يتحقق تحليل في الخارج إلا بالتسليم، وهذا بخلاف ما لو قال: التحليل تسليم، أو التسليم تحليل؛ لأن المشار إليه باللام الجنسي هي مطلق الطبيعة التي لا ينافيها الإهمال؛ لأنها هي التي وضع اللَّفظ بإزائها، فالمراد منها هي مداليل الألفاظ من حيث هي، وهي مهملة كما تقرر في محله (1) .

وأما المعهود من المصدر المضاف، فإنما هي الطبيعة المطلقة (2)، فمتى حكم عليها بشيء بحسب وجودها الخارجي فلا بدَّ أنْ تتسرّى في جميع أفرادها؛ وإلا فليس الحكم معلقاً على الطبيعة المطلقة الموجودة مطلقاً، بل لها باعتبار بعض وجوداتها، وهذا خلاف الظاهر في مثل المقام - مثلاً - قولنا: (ضربُ الأمير شديدٌ)، يدلُّ على أنه متى صدر منه الضرب يتّصفُ بالشدة، فيستفاد (3) منه الانحصار (4)، وهذا بخلاف قولنا: (الضربُ الصادر من الأمير شديدٌ)، فإنه يصدق على فرض كون فرد منه في الخارج كذلك، فلا

ص: 137


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج1 ص124، ج4 ص 344، 345.
2- الجرجاني، المقتصد في شرح الإيضاح: ج1 ص 584،582 .
3- في الاستفادة تأمل، ينظر: شرح الرضي: ج3 ص 12، 13؛ الفوائد الضيائية: ج2 ص251.
4- ينظر: المحقّق الهمداني، مصباح الفقيه: ج13 ص231؛ قال قدس سره- تقريرا لدليل المحقّق الحلي في المعتبر: ج2 ص233 - : (فيكون المبتدأ حينئذٍ ظاهرا في الإطلاق فيمتنع أن يكون خبره أخصَّ منه؛ إذ الحكم لازم لموضوعه، واللازم يجب أن يكون مساوياً لملزومه أو أعمَّ...).

ينافيه الإهمال؛ لأنَّ الموضوع له الذي هو المشار إليه باللام هو مطلق الطبيعة الصادق على الجنس، والفرد الواحد منه، والمتعدد.

وبما ذكرنا ظهر أنَّ ما ذكره بعضٌ (1) معترضاً على سيد مشايخنا - أدام الله إفاضاته - حيث قوّى (2) هذا الوجه: من أنَّ الحكم المدعى لا يصحُّ أنْ يتعلق على الطبائع من حيث هي، وإنما يتعلّق عليها بملاحظة وجوداتها الخارجية، وهي بتلك الملاحظة مهملة، ولذا اعترضنا على المحقّق القمي قدس سره حيث قال: (إنَّ المفرد المحلّى باللام وإنْ لم يدل على الاستغراق بحسب الوضع إلا أنَّ ثبوت الحكم للماهية يقتضي سريانها إلى جميع مراتبها وتعيّناتها، إستغراقياً أو بدلياً) (3) ليس بشيء؛ لما ظهر لك من الفرق بين المصدر المضاف والمفرد المحلّى بدعوى ظهور الأول في الطبيعة المطلقة، والثاني في مطلق الطبيعة.

فلازم الأول: الإطلاق في جميع وجوداتها بمقتضى ظاهر القضية.

ولازم الثاني: الإهمال، إلا إذا انضمّ إليه قرينة من الخارج كدليل الحكمة وما شابهه. فإنْ كنت ولا بدَّ من منع ظهورها في العموم فلتمنع الصغرى، وإلّا فبعد تسليم أنَّ المصدر المضاف ظاهر في إرادة الطبيعة من حيث هي لا ما هو الملحوظ في نظر الواضع حال وضعه - أعني: (اللابشرط المقسمي) - فلا محيص عن الالتزام بالعموم، فيجب حينئذٍ أنْ يثبت الحكم لجميع الأفراد؛ لاستحالة تخلّف الحكم عن موضوعه؛ لكونه علةً تامةً لثبوت الحكم، فما ذكره بعض المثبتين في تقريب الاستدلال بالرواية من: أنَّ الخبر يجب أنْ يكون مساوياً للمبتدأ في الصدق أو أعمّ منه فيثبت المطلوب (4) فهو في محله.

ص: 138


1- ينظر: محمد حسن الاشتياني، بحر الفوائد: ج3 ص99.
2- أي: السيّد المجدّد قدس سره في التقريرات: ج3 ص30.
3- المحقّق القمي، القوانين: ج1 ص 486.
4- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 233.

وأما اعتراض بعض المحقّقين عليه: (بأنَّ الخبر كما أنه يصحُّ أنْ يكون مساوياً أو أعمّ، كذلك يصحُّ أنْ يكون أعمّ من وجه أو أخص مطلقاً)(1)، وتمثيله ب-(زيد قائم) بزعم أنَّ القيام أعمّ من زيد من وجه لأنه يوجد في غيره، كما أنَّ زيد قد يوجد منفكاً عن صفة القيام فعجيبٌ؛ ضرورة فرض الإهمال في أمثال هذه القضايا في الموضوع، وإثبات المحمول له في الجملة فهو في الحقيقة إثباتُ الحكم لبعض الأفراد أو الأحوال -الذي هو الموضوع- لا تمام الأفراد أو الأحوال.

وأما لو كان الموضوع عاماً فلا يعقل ما ذكر؛ لامتناع تخلّف اللازم عن ملزومه، والأثر عن مؤثره، فافهم وتأمل.

ثم أنه قد يناقش في أصل الاستدلال - بعد تسليم استفادة الانحصار من الرواية- بأنه لا دليل على أنَّ كل صلاة تتوقف على التحليل، وأنه لا ينحلّ إلا به، فمِنَ الجائز انحصار المحلّل في التسليم، وانحلال الصلاة بنفسها بعض الأوقات؛ لارتفاع مقتضى التحريم الثابت بالتكبيرة.

توضيح ذلك: إنَّ تمامية الاستدلال فرع إثبات أنَّ التحريم الثابت بالتكبيرة مما يقتضي الدوام والاستمرار في حدِّ ذاته لولا الرافع، فحينئذٍ يتوقف رفعه على إيجاد محلل. وأما لو أحتمل أنْ ينقضي بعد مضي مقدار من الزمان، كما لو فرض أنْ يكون مقتضى التكبيرة تحريمُ المنافيات من أول الاشتغال بأفعال الصلاة إلى أنْ يمضي بعد الفراغ منها مقدار من الزمان يتحقق به الفصل الطويل، فعلى هذا الفرض يتخير المصلي بعد إتمام الأجزاء بين إيجاد المحلل وبين الصبر الى أنْ ينقضي مقدار اقتضاء المقتضي، فتنحلّ الصلاة بنفسها من دون محلل.

وتندفع المناقشة: بظهور الرواية في أنَّ التحليل كالتحريم مما لا تنفكّ الصلاة عنه،

ص: 139


1- المحقّق الكركي، جامع المقاصد: ج2 ص324.

وأنه معتبر فيه مطلقاً فلا مجال لهذا الوهم، كما لا يخفى (1).

وقد يستدلّ على الوجوب - مضافا إلى ما ذكرنا - من أنه: (لو لم يجب التسليم لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام، والتالي باطل. فالمقدم مثله، والملازمة ظاهرة) (2).

وأجيب عنه: (بالمنع من الملازمة، فإن فعل الركعتين بقصد الإتمام يقتضي الزيادة في الصلاة، والبطلان بذلك لا لعدم التسليم) (3).

قال صاحب المدارك: (وفيه نظر؛ إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب أنَّ آخر أفعال الصلاة التشهد فلا يضرّ فعل المنافي بعده، كما صرح به الشيخ في الاستبصار وابن إدريس في مسألة من زاد في صلاته ركعة بعد التشهد حيث اعترفا بعدم بطلان الصلاة بذلك بناء على استحباب التسليم، وحينئذٍ يقوى الإشكال في الفرق بين هذه المسألة ومسألة الإتمام.

ص: 140


1- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (ويمكن تقريب الاستدلال بهذه الروايات بوجه آخر من غير حاجة الى استفادة الحصر كما صرّح به المحقّق البهبهاني في حاشيته على المدارك وقال في تقريب الاستدلال: (لو لم يكن - أي التسليم - واجباً لكان الخروج عن واجبات الصلاة يتحقّق بالتشهد والصلاة، لا بالتسليم؛ إذْ لا يبقى شيء حراماً على المكلف بعدهما حتى يكون التسليم محللاً له ورافعاً حرمته. واستحباب السلام بعد الخروج عن الواجبات لا يقتضي كونه محللاً لشيء حرام، بل ينافيه لأن بقاء التحريم وعدم بقائه متنافيان؛ إذْ بعد التشهد والصلاة تحل جميع منافيات الصلاة قطعاً فكيف يتصور وقوع التحليل بالتسليم في وجه من الوجوه ومعلوم قطعاً أن التحليل حقيقة في رفع الحرام، والحرام والحلال متضادان متنافيان بالبديهة، ألا ترى انه بعد التسليم يستحب أن يكون المكلّف على هيئة الصلاة مستقبلاً القبلة طاهراً من الحدث والخبث غير متكلم ولا آتٍ بشيء من منافيات الصلاة فالبقاء على حال الصلاة بعنوان الاستحباب يكون بعد التسليم قطعاً ولا محلّل بعد ذلك ولا بعد الصلاة بعد التسليم عند القائل باستحبابه في ارتفاع الحرمة وحصول الحليّة وتحصيل الحاصل من المحالات بالبديهة. وبالجملة القول باستحباب التسليم يقتضي ما ذكرناه). انتهى ما أردنا نقله من كلامه. منه). البهبهاني، حاشية المدارك: ج3 ص 105.
2- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 235.
3- المحقّق الكركي، جامع المقاصد: ج2 ص 325.

ويمكن أنْ يقال: إنَّ صلاة المسافر إنما تبطل بالإتمام إذا أوقعها المكلف أو شيئاً من أفعالها الواجبة على ذلك الوجه لا مع تجدده بعد الفراغ من الأفعال) (1). انتهى.

أقول: مقتضى القاعدة بطلان الصلاة بالإتمام ولو لم نقل بكون التسليم واجباً؛ لأنَّ القائل بالاستحباب أيضاً يقول: إنه جزء مستحب من الصلاة، فمقتضاه وقوع إلزام في الأثناء؛ إذْ ليس المدار في كونه في الأثناء: بقاء الجزء الواجب، بل المناط عدم الخروج من الصلاة، وهذا المعنى موجود قبل التسليم، إلا أنْ يبني على ترك التسليم والاقتصار على الفرد الفاقد عن هذا (2) الجزء لا الفرد الكامل المشتمل عليه، فعلى هذا لا يتحقق الخروج من الصلاة إلا بالتسليم، أو بالبناء على الاقتصار على الفاقد، فإتمام الصلاة مع عدم قصد الاقتصار موجب لتحقق الزيادة، فتفسد الصلاة لأجلها.

نعم، لو قصد الخروج وبنى على ترك التسليم لم يتحقق بفعله زيادة في الصلاة؛ لأنَّ الزائد إنما وقع خارجاً عنها، ولم يعلم من القائلين بالاستحباب (3) القول بالبطلان في هذه الصورة.

ولا يرد عليهم عموم قوله علیه السلام: «من أتمَّ في السفر لم تجز صلاته» (4)؛ لأنه معلل بالزيادة، فيدور الحكم مدار تحققها، وقد تبين في محله أنَّ خصوصية العلة موجبة لتخصيص الحكم (5)، كما في قولك: (لا تأكل الرمان لأنه حامض)، فتأمّل (6).

ص: 141


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 434.
2- كذا في الأصل، ولعل الأنسب: (الاقتصار على الفرد الفاقد لهذا...).
3- العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج 5 ص 201 ؛ الشهيد الأول، الذكرى: ج3 ص428. «الثامن التسليم».
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج8 ص 508 باب 18، «والموجود في الرواية هو من لم يقصر...».
5- العلّامة الأنصاري، فرائد الأصول: ج1 ص 260.
6- قال المقرر قدس سره في هامش المخطوطة: (إشارة إلى أن أخصّية العلّة أول الكلام ورفع اليد عن العموم موقوف على إثبات الأخصية من دليل آخر بكون دلالتها عليه أظهر من دلالة هذه الرواية على العموم، وهو ممنوع فافهم. منه).

نعم، يبقى سؤال: الفرق بين هذه المسألة ومسألة: (من زاد في صلاته ركعة بحالها) فيجب عليهم القول بالبطلان ههنا أيضاً، ويشكل ما ذكرنا من التوجيه بعد الغضّ عن كونه مقتضياً للتفصيل في المسألة، مع أنَّ الظاهر أنَّهم لا يلتزمون به [ف-]إنَّ مقتضاه بطلان الصلاة بإيجاد مطلق المنافيات قبل التسليم، إلا أن ينوي الخروج بالتشهد وهذا بحسب الظاهر منافٍ لمذهبهم ولا أظن أحداً منهم يلتزم بذلك.

إنْ قيل: إنَّ إيجاد فعل المنافي بعد التشهد مما يتعين به امتثال المطلوب في ضمن الفرد الفاقد؛ ضرورة خروج هذا الجزء عن صلاحية الإلحاق، وقد أمتثل الأمر الواجب، فلم يبق أمر عقيب الامتثال.

قيل: فما الفرق بين فعل الزيادة وسائر المنافيات حتى يوجب ذلك بطلان الصلاة في الأول دون الثاني، فتأمّل.

وأما ما ذكره صاحب المدارك بقوله: (ويمكن) (1).

ففيه: - مع أنَّ الظاهر أنَّهم لا يلتزمون بالتفصيل بين ما لو بنى من أول الأمر أو في الأثناء على الإتمام وبين ما لو سهى بعد التشهد فأتمها سهواً- أنَّ ما ذكره إنما يتم لو قلنا بأنَّ هذا القصد مؤثر في الإبطال بدعوى إنَّ ما قصد الامتثال به - أعني: الإتمام - لم يكن مأمورا به، وما هو المأمور به - أعني: القصر - لم يقصد امتثاله، وعلى هذا فمسألة العدول فيما لو التفت في الأثناء مخالف للقاعدة، وإنما سير إليه لأجل الدليل الخاص. وأما لو لم نقل بكونه مؤثرا في الإبطال بدعوى أنَّه إنما قصد الإتمام لأجل تخيله أنه هو المأمور به في الواقع فهو في الحقيقة لم يقصد إلا امتثال الأمر الواقعي المنجّز في حقه، غاية الأمر أنه أخطأ في أنَّ متعلق الأمر هو الإتمام دون القصر، وهذا غير مضر في تحقق الامتثال بعد كون المأتي به مطابقاً للمأمور به، فيسقط التكليف عن ذمته؛ إذْ لا يعتبر في الإطاعة إلا إيجاد المأمور به بداعي الأمر الواقعي، وهو موجود في المقام، وخطأه في

ص: 142


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 434.

انطباق المصاديق على الطبيعة غير مناف لذلك؛ بعد إيجاد نفس الطبيعة.

نعم، لو قصد امتثال الأمر المتعلق بالتمام بخصوصه على سبيل التقييد لاتجه ما ذكر، ولكن لا يخفى أنَّ هذا مجرد فرض؛ إذ المصلي حال الصلاة لا يقصد إلا امتثال الأمر الواقعي، لا الأمر المتعلق بالشيء الخاص المتصف بكونه كذا وكذا على سبيل التقييد، وعلى هذا فمسألة العدول على طبق القاعدة، لا خلافها.

وكيف كان، فالظاهر أنَّ الاستدلال المذكور لا يخلو عن وجه. وأما المناقشات المتوهمة في المقام فدفعها مما لا خفاء فيه، فتأمّل.

وقد يستدل على الوجوب بما يدلّ على أنَّ الانصراف من الصلاة يحصل بالتسليم دون سائر الأذكار مثل: ما في صحيحة الحلبي عن الصادق علیه السلام: «كل ما ذكرت الله عزّ و جلّ والنبي صلی الله علیه و آله و سلم فهو من الصلاة، فإنْ قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (1).

ورواية أبي كهمس عنه علیه السلام: «أنه سأله عن السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصرافٌ هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف» (2)، وغير ذلك من الروايات التي بهذا المضمون (3).

تقريب الاستدلال بهذه الروايات: أنها تدل [على] أنَّ الجزء الأخير الذي يتحقق به الفراغ والانصراف من الصلاة هو قوله علیه السلام: «السلام علينا»، وأما قبله فكلما يوجد من الاذكار فهو من الصلاة، ولازمه بقاء المصلي قبله في أثناء الصلاة.

ويرد عليه: أنَّ الاستدلال بها إنما يتم لو قلنا بوجوب الانصراف، وعدم تمامية الصلاة بدونه وهو قابل للمنع لو لم ينعقد الإجماع على خلافه، مضافاً إلى منع دلالة

ص: 143


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 316ح1293.
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 229 ح 1014؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص316ح1292.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص426. أبواب التسليم ب4.

بعض الروايات كصحيحة الحلبي على انحصار الانصراف في قولنا: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)؛ لأنَّ دلالتها مبتنية على استفادة المفهوم من الشرطية، وهي قابلة للمنع؛ بدعوى ظهورها في كونها مسوقة لبيان عدم حصول الانصراف والخروج من الصلاة بذكر الله تعالى والنبي صلی الله علیه و آله و سلم، وليست مسوقة لبيان أنَّ الانصراف بأيّ شيء يحصل، فليست القضية ناظرة إلى هذه الجهة حتى تؤخذ بقيودها، فهي بمنزلة قول القائل: لا يخرج المصلي من الصلاة بالاذكار، ويخرج بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أنْ يقال: إنَّ المراد بذكر الله تعالى والنبي صلی الله علیه و آله و سلم خصوص التشهد ومسنوناتها - وإنْ كان بعيداً - أو مطلق الذكر، فيكون الكلام مسوقاً لبيان جواز إتيان كل ذكر في أثناء الصلاة وعدم تنافيها للصلاة.

وعلى فرض استفادة المفهوم، فهو إنما يكون بالنسبة إلى سائر الأذكار لا مطلق الأشياء حتى يشمل سائر المنافيات. وكيف كان، فاستفادة الوجوب من الروايات محل تأمل.

وقد يستدل على وجوب التسليم برواية أبي بصير «قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل أنْ يتشهد رعف؟ قال: فليخرج وليغسل أنفه ثم يرجع فليتم صلاته، فإنّ آخر الصلاة التسليم» (1).

وقد يناقش فيه: بأنه لا يدل على كونه واجباً؛ لإمكان أنْ يكون جزءًا مستحباً.

وفيه: أنه خلاف الظاهر؛ لأنَّ الظاهر من الإضافة كونه آخراً لنفس الطبيعة الواجبة، فلو لم يكن واجباً لكان جزءًا للفرد الكامل، لا للطبيعة كما لا يخفى.

وأما الخدشة فيها بأنه لا يَعلمُ بمضمونه قائلاً من الأصحاب.

ففيه أولاً: أنه قابل للتقييد بما إذا لم يتحقق بسبب الغسل فعل كثير.

ص: 144


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص320 ح 1307، الاستبصار: ج1 ص 345ح1302.

وثانياً: أنه لا يوجب طرح الرواية بالمرة كما ثبت في محله (1).

ومما يدلُّ على الوجوب أيضاً ما في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد؟ قال علیه السلام: يسلّم من خلفه ويمضي في حاجته إنْ أحب» (2).

وتقريب الاستدلال بها ظاهر؛ لأنَّ الجملة الفعلية ظاهرة في الوجوب.

[و]في مثل هذه الرواية في الدلالة على الوجوب - من حيث اشتمالها على الأمر بالتسليم أو الجملة الفعلية الظاهرة في الوجوب - أخبارٌ كثيرة وهي مشتملة على الصحاح:

منها: ما رواه سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين؟ فقال: إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة، حتى إذا فرغ فليسلّم وليسجد سجدتي السهو» (3) .

ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما» (4).

ومنها: ما في آخر رواية عمار عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «ويسلّم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته» (5) .

ومنها: رواية عبد الكريم، عن أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله علیه السلام: إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (6) .

ص: 145


1- قوله: (بالمرة)، ينظر: الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج4 ص311 وما بعدها.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 349 ح 1445.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 158 ح 618، الاستبصار: ج1 ص362 ح1374.
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 185 ح 738.
5- المصدر السابق: ج2 ص354ح 1466.
6- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص191؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص421. أبواب التشهد ب 2 ح12.

والأخبار الواردة بهذه المضامين في غاية الكثرة يظهر لمن راجعها ولا مجال لذكرها وفيما ذكرناها غنى وكفاية.

ومما يمكن الاستدلال به للوجوب أيضاً ما دلَّ على اعتباره في صلاة الاحتياط (1) وبعض النوافل (2)؛ إذ الظاهر أنَّه لا قائل بالفرق.

ويؤيد الوجوب دعوى الإجماع (3) ، ودلالة الأخبار على وجوب إيقاع صلاة الاحتياط (4)، وقضاء الأجزاء المنسية بعد التسليم (5) ، وكذا مواظبة الأئمة عليهم السلام والأمة بذكره واهتمامهم به (6) ، بخلاف غيره من المستحبات، إلى غير ذلك من المؤيدات (7)، والأدلة بحيث يكاد يوجب القطع بالوجوب.

ص: 146


1- السيّد المرتضى، الانتصار: ص156. ابن زهرة، الغنية: ج1 ص112 . العلّامة الحلي، المختلف: ج2 ص 385؛ المقداد السيوري، التنقيح الرائع: ج1 ص259؛ الحلبي، الكافي في الفقه: ص 149. الشهيد الأول، الذكرى: ج3 ص 428؛ السيّد العاملي، مدارك الحكام: ج4 ص266؛ الشهيد الثاني، روض الجنان: ج2 ص561؛ العاملي، مفتاح الكرامة: ج9 ص500 .
2- الطوسي، المبسوط: ج1 ص194؛ الشهيد الأول، الذكرى: ج4 ص 136؛ البهبهاني، المصابيح: ج8 ص161. حكاه عن التهذيب: ج2 ص 138 ح 496.
3- العلّامة الحلي، المختلف: ج2 ص 178؛ الشهيد الأول، الذكرى : ج3 ص 352.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج 8 ص 214 - 215 ب9 .
5- المصدر السابق: ج8 ص 244 - 245 ب 26 .
6- المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص233؛ العلّامة الحلي، منتهى المطلب: ج 5 ص 199 .
7- ينظر: المفيد، المقنعة: ص 147؛ الطوسي، المبسوط: ج1 ص 179؛ رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): ص36، 37؛ الحلبي، الكافي في الفقه: ص119؛ سلّار، المراسم: ص90؛ المحقّق الحلي، المعتبر: ج2 ص 381؛ وهو مذهب ابن الجنيد حكي عنه في المختلف : ج2 ص 431 ؛ ابن سعيد، الجامع للشرائع: ص 84؛ المحقّق الحلي، الشرائع: ص167؛ العلّامة الحلي، المختلف: ج2 ص372؛ الشهيد الأول، الذكرى : ج3 ص422 .

[حجة النافین لوجوب التسلیم، و مناقشتها]

حجةُ النافين - بعد الأصل - طوائفٌ من الأخبار أكثرها قاصرة الدلالة على مطلوبهم، بل على خلافه أدلّ، والدّال منها قابل للتوجيه القريب.

فلا يكافئ ما تقدم من الأدلة كالأصل المثبت به لنفي الوجوب وعلى فرض التكافؤ من حيث الظهور والاعتبار، فليرجح ما دلَّ على الوجوب وعدم الخروج من الصلاة الا بالتسليم؛ لكونه مخالفاً لمذهب العامة (1).

وعمدة أدلتهم: بعضُ ما دلَّ على مضي الصلاة، وعدم إبطلالها بإيقاع المنافي كالحدث والنوم قبل التسليم.

مثل رواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن قال علیه السلام: «إنَّ من أحدث بعد ما قال: أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، لا يعيد الصلاة» (2).

وفيه: أنَّ مقتضاه أنْ لا يضرّ المنافي قبل الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله و سلم أيضاً، مع أنَّ وجوبه مسلّم، فلا بدَّ من تقييد الرواية بما لا ينافي ذلك، كأنْ يقال: إنَّ ذكر الشهادتين كناية عن التشهد التام وهو في عرفهم أعمّ من السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

كما يشهد به أخبار الباب (3) على ما أدّعاه بعضٌ حيث ادّعى: (أَنَّ السلام في إطلاقات الأئمة علیهم السلام منصرفٌ إلى السلام الأخير - أعني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وأنَّ السلام علينا من تتمة التشهّد) (4).

وكيف كان، فلا بدَّ من التوجيه في مثل هذه الروايات؛ لأنها لا تكافئ ما تقدم من

ص: 147


1- الصنعاني، بدائع الصنائع: ج1 ص 194؛ ابن قدامة، المغني: ج1 ص 623؛ النووي، المجموع: ج3 ص481.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 354ح 1467، ج1 ص 205 ح596 ، وفيه سلمان بدل سليمان، الاستبصار: ج1 ص401 ح1531.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص162، أبواب التسليم.
4- البهبهاني، المصابيح: ج8 ص194، 195.

الأدلة كما لا يخفى.

هذا كله - مع أنه لو تمّ - لا يدل على نفي الوجوب، بل غاية مؤداها نفي الجزئية في حال السهو، وعدمُ إخلال المنافيات سهواً قبل السلام لا ينفي إلا جزئيته في هذه الحالة، وهي أخصّ من المدعى، إلا أنْ يتم بعدم القول بالفصل في إثبات تمام المطلوب - أعني: نفي كونه جزءًا واجباً مطلقاً حتى في حال العمد أيضاً- ومع ذلك لا يثبت نفي الوجوب المطلق.

وأما الإجماع المدعى في المقام ففيه مناقشة؛ لأنَّ المنافيات الحادثة سهواً فما لا يرتفع به الطهارة كالتكلّم لو وقع في أثناء الصلاة لا يُخِل أصلاً.

وأما القسم الأول فقد نسب إلى بعضٍ القول به (1) .

وأما الأخبار الكثيرة الدالة بظاهرها على جواز الانصراف بعد التشهد مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله علیه السلام: «أنه قال إذا استويت جالسا فقل: أشهد أنْ لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ثم تنصرف» (2) .

وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام: «قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فإنْ كان مستعجلاً في أمر يخاف أنْ يفوته فسلم وانصَرَفَ أجزأه» (3).

وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام: وقد سأله عن المأموم يطول الإمام فيعرض له الحاجة؟ «فقال: يتشهد وينصرف ويدع الإمام» (4).

ص: 148


1- السيد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 435؛ النجفي، الجواهر: ج10 ص218 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 101 ح 379، الاستبصار: ج1 ص 342ح1289.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص317 ح 1298.
4- الحميري، قرب الاسناد: ص95؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 349 ح 1446. وفيه: «يتشهد هو».

ومصححة محمد بن مسلم: «قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: التشهد في الصلاة؟ قال: مرتين. قال: قلت: وكيف مرتين؟ قال: إذا استويت جالساً فقل: أشهد أنْ لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ثم تنصرف» (1).

ففيها: أنَّ المراد من الانصراف بقرينة الأخبار المتقدمة مثل قوله علیه السلام في رواية أبي کهمس حين سأله عن: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف» (2) هو السلام (3).

وأما دعوى (4) ظهورها في حدِّ نفسها في ذلك - بدعوى دلالتها على وجوب الانصراف، وحيث لا واجب بعد التشهد غير التسليم فليحمل على إرادة التسليم، وغير ذلك من القرائن - فهي قابلة للمنع ولو ورد بصيغة الأمر أيضاً؛ لكونه في مقام توهم الحظر، فيفهم منها الجواز، لا الوجوب، ويضعف الاستدلال بهذه الصحيحة من جهة أخرى وهو الأمر بالتسليم في ذيلها، ثم التعبير بكونه مجزياً الظاهر في كونه أقل ما يلزم إتيانه وهي قرينة أخرى، مع قطع النظر عن ظاهر الأمر، وحملها على الإجزاء من المرتبة الكاملة بالمرتبة الناقصة من الأفراد المستحبة خلافُ الظاهر. وأما قوله علیه السلام في صدر الرواية: «قد مضت صلاته» فالمراد به مضي معظم الأجزاء بقرينة ذيلها، كما ذكره بعضٌ (5) .

مع إمكان أنْ يقال: بأنَّ السلام وإنْ كان جزءًا من الصلاة إلا أنه ليس في عرض سائر الأجزاء، بل هو بمنزلة التوديع، فهو بحسب مصلحته الذاتية خارج عن الصلاة،

ص: 149


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص101 ح 379، الاستبصار: ج1 ص342ح1289.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص316 ح 148، باب كيفية الصلاة وصفاتها.
3- الطباطبائي، الرياض: ج1 ص171.
4- البهبهاني، المصابيح: ج8 ص 186 - 187.
5- ينظر: البهبهاني، المصابيح: ج8 ص192.

ومن حيث كونه مما يتحقق به الخروج جزء بمعنى: أنَّ الإخلال به بتركه مفسدٌ للصلاة، فيصحّ نفي الجزئية عنه بتلك الملاحظة بمعنى: أنه ليس من الأجزاء المعتبرة في الصلاة من حيث هي صلاة ومناجاة مع الخالق، فمعنى قد مضت صلاته: انقضت المناجاة، فلينصرف بذكر السلام الذي هو بمنزلة التوديع.

وعلى هذا أنه لوهن (1) الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر روايتها في الفقيه: يسلّم وينصرف ويدع الإمام» (2).

وكذا يضعف الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم؛ حيث إنَّ المراد من الانصراف فيها - بقرينة السؤال وكونها مسوقة لبيان كيفية التشهد - هو الانصراف من التشهد لا الخروج من الصلاة، فلا ينافيه بقاء جزءٍ آخر من الصلاة.

وهذا الحمل وإنْ كان في حدِّ ذاته خلاف ظاهر لفظ (الانصراف)، إلا أَنَّ سَوْقَ الرواية وكيفية سؤال الراوي مما يوجب ظهوره في هذا المعنى؛ إذ الظاهر من قوله علیه السلام: «مرتين» يعني التشهدين لا الشهادتين، والمتبادر من التشهد في عرف الشارع والمتشرعة هو هذا الجزء المعهود من الصلاة أعني: ما يعتبر في الصلاة قبل التسليم.

و احتمال: صيرورته كذلك في زماننا، لا في زمن الشارع.

يدفعه: صدر الرواية، مع قطع النظر عن شهادة الأخبار المتكاثرة المتضافرة بذلك. وعلى هذا فليكن المراد من الصلاة هي الصلاة الرباعية التي يعتبر فيها التشهدان. وعلى هذا، فسؤال الراوي ثانياً إنّما هو عن كيفية التشهد المعتبر في الصلاة مرتين. لا عن كيفية المرتين؛ لأنَّ هذا مما لا يحتاج إلى السؤال مع العلم بكيفية أصل التشهد.

وعلى هذا، فلا بدَّ من أنْ يكون المراد من الانصراف هو الخروج عن التشهد؛ إذْ لا يستقيم حينئذٍ إرادة الخروج من الصلاة؛ لأنَّ التشهد الأول يقع في أثنائها يقيناً.

ص: 150


1- كذا في الأصل، ولعل المراد: (وعلى هذا يُو هنُ ...).
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص401 ح 1192، باب استحباب جلوس الإمام.

هذا، مع إمكان أنْ يقال: إنه لو أريد من المرتين نفس الشهادتين مرتين أيضاً لكان ظاهراً في هذا المعنى؛ لعدم كونها مسوقة إلّا لبيان ذلك، فتأمل.

وهذه الطائفة من الأخبار - على فرض ظهورها فيما أدّعوه - يجب تقييدها بالأدلة المتقدمة، كما أنها تتقيّد الأدلة الدالة على وجوب الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

و مما استدلَّ به بعضٌ (1) لنفي وجوب التسليم: موثقة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي الحسن علیه السلام: صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت فنسيت أنْ أسلم عليهم، فقالوا: ما سلمت علينا؟ فقال علیه السلام: ألم تسلم وأنت جالس؟ قلت: بلى. قال: فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت: السلام عليكم» (2)، هكذا نقْلُ الرواية في بعض النسخ التي رأيناها، ولكنَّ الظاهر أنَّ قوله: «ولو نسيت» مصحّف وأصله: «و لو شئت»، كما نقل سيد مشايخنا عن بعض الكتب المعتبرة (3).

وكيف كان، فاستدلال بعضٍ (4) بهذه الرواية لنفي الوجوب عجيبٌ؛ إذْ لا إشكال في ظهورها في وجوب التسليم في الجملة؛ لانَّ الظاهر أنَّ كلمة «بلى» تصديق لما بعد النفي، فكأنه قال: (بلى سلّمتُ)، نظير قوله تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى) (5) .

ومقتضى استفصال الإمام علیه السلام ثبوتُ البأس على ترك التسليم رأساً، وظاهرُه الوجوب، وعلى هذا فالسلام المنسيّ هو (السلام على الجماعة)، لا (السلام علينا).

ص: 151


1- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 430 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 348 ح1442.
3- الحميري، قرب الإسناد: ص 309 ح1206، أحاديث متفرقة.
4- السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص430.
5- سورة الأعراف: 172 .

واحتمال كونها تصديقاً للنفي مع أنه خلاف الظاهر (1) كما صرحوا به في محلّه (2) غيرُ ملائمٍ لهذا المقام؛ حيث إنه علیه السلام نفى البأس عنه، وهو غير مناسب للاستفصال، فهذه الرواية من أقوى أدلة المثبتين، بل لعلّ فيه - بمقتضى استفصال الإمام علیه السلام بقوله: «ولو نسيت» أنَّ... - إشعار ... السلام في التشهد...(3) مشعرة بأنَّ السلام في الجملة داخل في التشهد.

ويعيّن إجمالها الأخبارُ الأخر في خصوص «السلام علينا» فهذه الرواية - كبعض الروايات الأُخر - قرينةٌ على بعض التوجيهات التي أشرنا إليها وسنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وقد يستدل النّافون (4) بالأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بإيقاع المنافي قبل التسليم:

مثل قوله في صحيح زرارة عن الباقر علیه السلام: «فسأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أنْ يسلم؟ قال: تمت صلاته وإنْ كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في

ص: 152


1- ينظر: الزمخشري، الكشاف: (قوله: (ألستُ بربكم قالوا بلى شهِدنا) من باب التمثيل والتخييل، ومعنی ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا: بلى أنت ربنا، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك. وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وفي كلام العرب...). الطيبي، فتوح الغيب:ج 6 ص 647 .
2- الكافية: 54. شرح الرضي: ج 6- 7 ص 197 - 199. الفوائد الضيائية: ج2 ص731.
3- كلمة أو كلمات في الأصل مطموسة لم نهتد الى قراءتهما، والأمر سهل؛ إذْ أنَّ مراده واضح.
4- المفيد، المقنعة: ص 114؛ الطوسي، النهاية: ج1 ص 504 ، الاستبصار: ج1 ص 345 ب198 ح1، 2؛ الحلي، السرائر: ج1 ص243؛ العلّامة الحلي، التذكرة: ج3 ص 243، تحرير الأحكام: ج1 ص 259، المختلف: ج2 ص 174؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: ج2 ص 278؛ السيّد العاملي، مدارك الأحكام: ج3 ص 431 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة: ج7 ص 498 ؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: ج4 ص 127؛ ابن فهد، المهذب: ج1 ص 99.

نفسه وقام فقد تمت صلاته» (1).

وحسنة الحلبي: «إذا التفتَّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً وإنْ كنت قد تشهدت فلا تُعدْ» (2) .

وموثقة غالب بن عثمان: «سأله عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل أنْ يسلّم؟ قال: تمت صلاته وإنْ كان رعافاً غسله ثم رجع فسلّم» (3). وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام: «في الرجل يحدث بعد أنْ يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أنْ يتشهد؟ قال: ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد وإنْ شاء ففي بيته وإنْ شاء حيث شاء قعد فتشهد ثم سلّم، وإنْ كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (4).

وخبر ابن الجهم عن أبي الحسن علیه السلام: «عن رجل صلى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة؟ فقال: إنْ كان قال: أشهد أن لا اله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله فلا يعد، وإنْ كان لم يتشهد قبل أنْ يُحدث فليعدْ» (5).

ويرد على الاستدلال بها: - بعد الإغماض عن سند بعضها، وكونها موافقة للعامة على ما حكي عنهم (6)، وعدم صلاحيتها لمعارضة ما تقدم من الأدلة، وعدم كون بعضها معمولاً بها، وعدم اشتمال بعضها على ذكر الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلا بالتوجيه

ص: 153


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 320 ح 1306، الاستبصار: ج1 ص 345 ح 1301.
2- الطوسي، الاستبصار: ج1 ص 405 ح 1547، تهذيب الأحكام: ج2 ص322 ح1322.
3- المصدر السابق: ج2 ص 319 ح 1304.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج6 ص 410 . أبواب التشهد ب 13 ح1 .
5- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 354 ح 1467، ج1 ص 205 ح 596 ، الاستبصار: ج1 ص 401 ح 1531.
6- البهبهاني، المصابيح: ج 8 ص 198.

الذي لا ...(1) عن إرادة الأعمّ منه ومن التسليم الأول كما أشرنا إليه، وسنشير إليه أيضاً عن قريب إنْ شاء الله تعالى، ودلالة ذيل كثير منها كصحيحتي زرارة وموثقة غالب على وجوب التسليم؛ حيث إنَّ الصحيحة الأولى تدلّ على كونه معتبراً في الصلاة وأنَّ به يتم الصلاة، والصحيحة الثانية أيضاً كذلك من جهة اقترانه بقوله: «فيتشهد»، وأما الموثقة فلحكمه فيها بالرجوع ثم التسليم إنْ كان الحادث رعافاً فهذه قرينة على كون الفقرة الأولى صادرة عن تقية؛ حيث إنَّ مذهبهم (2) على ما حكي (3) - أنَّ الحدث كالتسليم مما يتحقق به الخروج، وأما حكم الرعاف فليس على جهة التقية مع أنَّ مخالفتهم فيه غير معلومة، والحكم بالرجوع والتسليم على وفق القاعدة.

ويدلُّ على وجوبه وكونه جزءًا - كما يشهد بذلك الأخبار الكثيرة الواردة في مسألة الرعاف (4) حيث أمر فيها بالغسل والبناء على صلاته، نعم، لا بدَّ من تقييد الجميع بما إذا لم يتحقق بالغسل فعلٌ كثيرٌ منافٍ للصلاة - أنَّ التشهد في عرفهم كثيراً ما يطلق على الأعمّ من التسليم الأول الذي به يتحقق الانصراف، أعني: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيكون المراد من التسليم في إطلاقاتهم: (السلام عليكم ورحمة الله)، كما هو المتعارف أيضاً في محاوراتهم، ويشهد لذلك تتبع النصوص (5) وكتب الأساطين من الأصحاب.

قال في الجواهر حاكياً عن الذكرى: (إنَّ الشيخ في جميع كتبه جعل التسليم الذي هو خبر التحليل السلام عليكم وأنَّ السلام علينا قاطع للصلاة وليس تسليما.

ص: 154


1- كلمة في الأصل لم نتمكن من قرائتها، ولعلّها في قوة (يخلو) والمراد واضح؛ مما تقدم.
2- وهو مذهب الحنفية. ينظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان: ج5 ص 180، 181؛ الشهيد الأول، الذكرى: ج3 ص 349 .
3- البهبهاني، المصابيح: ج 8 ص 198، 199.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج1 ص 250.
5- المصدر السابق: ج6 ص 415. أبواب التسليم ب1 ح1 ، 8، 10 .

ثم قال: (وقال فيها أيضاً والمدارك ما حاصله: المعروف بين الخاصة والعامة الصيغة الثانية من التسليم يعلم ذلك من تتبع الأحاديث والتصانيف حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبة ثم يقال ويسلم قلت ويؤيده تصفح النصوص وكتب الأساطين من قدماء الأصحاب المشرف للفقيه على القطع باندراج الصيغة الأولى في التشهد واختصاص اسم التسليم بالصيغة الثانية فينصرف حينئذٍ إطلاق هذه النصوص إلى ما تعارف فعله في التشهد الذي يُطال فيه عادة) (1) انتهى.

أقول: والسّرُّ في ذلك - أعني: إطلاق التشهد على الأعمّ وانصرافه إليه مع كونه خارجاً عنه عندنا حقيقة - كونه جزءًا للتشهد عند العامة فيذكرونه في التشهد الأول أيضاً، ونُسب (2) اليهم الاختلاف في أنَّ الأفضل هل هو تقديمه على الشهادتين أو تأخيره عنهما، فعلى هذا جرى الاصطلاح على مذهبهم.

وأما الأخبار الكاشفة عن ذلك فمثل ما في آخِر خبر أبي بصير الوارد لبيان كيفية التشهد - بعد ما ذكر كيفية الشهادتين وما يتعلق بهما من التحيات والصلاة على النبي - ثم قل: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله السلام على جبرائيل وميكائيل والملائكة المقربين، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبيّ بعده، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم تسلم» (3) ، وغير ذلك مما يقف عليه المتأمل المتتبع.

ثم لا يخفى عليك لو سلّم دلالة هذه الأخبار على ما ذكروه، فهذه إنما ينفي كونه جزءًا للصلاة، وأما وجوبه في خارج الصلاة كما ذهب إليه جماعة (4) من العلماء فلا.

ثمَّ إنه قد ظهر من جميع ما ذكرنا أنه لا إشكال في رجحان القول بوجوب التسليم

ص: 155


1- النجفي، الجواهر: ج10 ص299.
2- الشافعي، الرسالة: ص 268، رقم 738.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ص 100 ح 141، باب كيفية الصلاة وصفاتها.
4- العاملي، مفتاح الكرامة: ج7 ص 497.

في الجملة.

نعم، لو أراد المثبتون إثبات وجوب التسليم الأخير على ما قيل: من أنَّ محل النزاع إنّما هو ذلك دون (السلام علينا) فإنه عندهم من تتمة التشهد ولا نزاع في وجوبه فالحق مع المنكرين؛ إذْ لا دليل يقتضي وجوب ما عدا ما به يتحقق الانصراف وهو السلام علينا كما دلَّ عليه بعض الأخبار المتقدمة أو السلام عليكم على سبيل التخيير كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.

[حكم الصلاة مع الجهل بنجاسة الثوب أو البدن]

(ولو جهل) المصلي (نجاسة الثوب) أي الثوب الذي يصلي فيه (أو البدن) فعلم بعد الصلاة بسبقها عليها، ففيها أقوال:

الإعادة مطلقاً: نسب إلى ظاهر بعض (1) وان لم يتحقق القول به صريحاً عن أحد لا محصلاً ولا محكياً.

والتفصيل: بين الوقت وخارجه فيعيد في الأول دون الثاني.

وكذا [التفصيل]: بين من شك ولم يتفحص وبين غيره، فيعيد الأول دون غيره.

وعدم الإعادة مطلقاً: وهذا هو الأقوى؛ لا لدعوى اختصاص شرطيتها بحال الذكر ومنع إطلاق أدلتها بحيث يعمّ حال الجهل؛ لما تقرر في محله من ضعف هذا المبنى، وأنَّ الأصل والقاعدة في كل شيء ثبت شرطيته أو جزئيته بدليل اعتباره في ماهية المشروط مطلقاً من غير فرق بين أنْ يكون الدليل الدال عليه بلفظ الشرط والجزء أو بلفظ الأمر والنهي كما لو ورد: (اقرأ السورة في صلاتك) أو (لا تصلِّ في ...) (2) أو (أعدْ صلاتك) إلى غير ذلك من التعبيرات الواردة في النصوص لبيان الشرطية والجزئية.

فما يتوهم: أنه لو كان دليل اعتبار شيء بلفظ الأمر أو النهي عن تركه مثلا يختصّ

ص: 156


1- الطوسي، المبسوط: ج1 ص38؛ القمي، مناهج الأحكام: ص 120.
2- مثلاً: (لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر)، كما في الوسائل: ج 5 ص 153، باب كراهة الصلاة...

بحال الذكر لقبح تكليف الغافل.

مدفوعٌ: بأنَّ ذلك إنّما هو فيما لو كان التكليف بذلك الشيء نفسياً مثل قولك: (صلّ ولا تغصب)؛ حيث يستفاد الشرطية من النهي لأجل المزاحمة لا التكاليف الغيرية التي لا ترتب على مخالفتها إلا ترك ذلك الغير الذي لأجله أمر بهذا، فإن الأمر به على هذا التقدير ليس إلا للإرشاد إلى اعتباره في ماهية ذلك الغير، فيكون عبارة أخرى عن التعبير بكونه شرطاً أو جزء، فالتفرقة بين التعبيرين مما لا وجه له.

نعم، لو كان الدليل لبيّاً كالإجماع ونحوه امكن القول بذلك على إشكال وتأمل.

خلافاً لشيخ مشايخنا طاب ثراه حيث إنه قدس سره أحال اختصاص الشرطية والجزئية بحال التذكر مطلقاً في غير الصورة المذكورة، وتحقيق المقام يطلب مما حققه في مبحث أصل البراءة من الأصول (1).

وكيف كان، فقد ظهر أنَّ المناط في نفي الإعادة مطلقاً ليس ما ذكر؛ بل للأخبار المستفيضة الدالة بإطلاقها على الحكم مطلقاً:

منها: صحيحة عبد الرحمن: «سأل الصادق علیه السلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ فقال: إنْ كان لم يعلم فلا يعيد».

وخبر أبي بصير: «سأله أيضاً عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أودم حتى فرغ من صلاته ثم علم؟ قال: مضت صلاته ولا شيء عليه» (2) .

وخبر ابن سنان: «سأله أيضاً عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إنْ كان علم أنه أصاب ثوبه الجنابة قبل أنْ يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أنْ يعيد ما صلى فيه

ص: 157


1- ينظر: العلّامة الأنصاري، الرسائل: ج2 ص 395.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص 359 ح1487.

وإنْ كان لم يعلم فليس عليه إعادة (1) ... الحديث» (2) .

وقول الباقر علیه السلام- في صحيح الجعفي -: «في الدم يكون في الثوب إنْ كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وإنْ كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته وإنْ لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته» (3).

وفي صحيح بن مسلم: «إنْ رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإنْ أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول» (4) . إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة.

وظهور هذه الأخبار، بل صراحتها - ولو بملاحظة المجموع وضمّ القرائن الداخلية والخارجية إليها في عدم وجوب الإعادة ولو في الوقت- مما لا يقبل الإنكار.

ولا يعارضها:

صحيح وهب بن عبد ربه عن الصادق علیه السلام: «في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم» (5) .

وخبر أبي بصير عنه علیه السلام أيضاً: «سألته عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (6)؛ لانتفاء المكافأة سنداً وعدداً وعملاً ودلالةً ومتناً.

ص: 158


1- الكليني، الكافي: ج3 ص 405 ح6 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص360 ح 1489، الاستبصار: ج1 ص181 ح634.
2- ذُكر في الوسائل: في هامش المخطوط ما نصه: (قوله: وان كان لم يعلم به فليس عليه إعادة. ساقط في موضع من التهذيب منه قدس سره) .
3- الكليني، الكافي: ج3 ص 406 ح 9 .
4- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج 1 ص 255 ح 739، الاستبصار: ج1 ص 175 ح 610 .
5- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج3 ص476 ح 8 باب40 . نقله عن الطوسي إلا أن الموجود في التهذيب: ج2 ص360، قوله علیه السلام: «لا يعيد».
6- المصدر السابق: ج1 ص181 ح 635، ج2 ص360 ح1491.

أما الأوّلان (1) فواضح؛ لأنَّ الأخبار الأوّلة من الكثرة والاستفاضة بمكان يقرب أنْ يكون متواتراً بالمعنى.

وأما عملاً فواضح أيضاً؛ لأنَّ الجُلّ، بل الكلَّ (2) عاملون بها وإنْ خصّصها بعضهم (3) ببعض أفراده للجمع بينها وبين غيرها من الأدلة، ومن المعلوم المقرّر أنَّ العمل الذي يكون مرجحاً للرواية إنّما هو الاستناد إليها في الجملة، بحيث لا يكون من الشواذ التي لا يعرفها جميع الأصحاب، لا العمل بعمومها أو إطلاقها. وهذا المعنى محقّق في المقام، فيكون من المشهور الذي لا ريب فيه، وقد أشرنا بالأخذ به عند المعارضة.

هذا كله إذا لم يمكن الجمع بينهما بمقتضى الظهور العرفي كما في المتباينين والعامّين من وجه في غالب مواردها، وإلا فالجمع بحسب الدلالة مقدم كما في النص والظاهر أو الظاهر والأظهر، فحينئذٍ لا نلاحظ المرجحات السندية. هذا كله مقرر في الأصول، فراجع (4).

وأما معرفة أنَّ ما نحن فيه من القسم الأول دون الثاني، فيظهر من التكلّم في دلالتها.

فنقول: أما الخبران المتعارضان، فغاية مفادهما - بعد تسليم دلالتها- وجوب الإعادة على من لم يعلم بالنجاسة حال الصلاة ثم يعلم بها بعد الصلاة، وإطلاقها شامل للعلم بها في الوقت وخارجه.

ودعوى ظهور لفظ الإعادة في الوقت دون خارجه (5).

ص: 159


1- المصدر السابق: ج2 ص202 ح792، الاستبصار: ج1 ص182 ح639 .
2- يُنظر: العاملي، مفتاح الكرامة: ج1 ص 223 .
3- الشهيد الأول، الذكرى: ج1 ص141.
4- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج4 ص 355 .
5- إشارة الى مخالفة جمع منهم: الشيخ في الاستبصار والعلّامة في التحرير والتبصرة وغيرهم. راجع: العاملي، مفتاح الكرامة: ج1 ص524 .

يدفعها: أنَّ هذا اصطلاح خاص حادثٌ لا اعتداد به، فلا تحمل الرواية عليه. هذا، مع أنَّ هذه اللفظة وردت في كلا الطرفين فلا تصلح شاهداً للجمع بدعوى صيرورتها بذلك أخصّ مطلقاً فيخصص به تلك، وهذا ظاهر.

ودعوى إرادة الخارج منها يقيناً بقرينة الإجماع - كدعوى خروج الخارج عن هذين الخبرين أيضاً بالإجماع - مما لا يرجع إلى محصّل؛ إذ المدار في باب التعارض على تنافي الظاهرين عرفاً.

وكون الحكم في بعض مصاديق كل من الدليلين المتنافيين يقيناً لا يوجب انقلاب النسبة ما لم يؤثر في ظهور اللفظ من حيث المستعمل فيه، مثلا لو دلَّ دليل على وجوب إكرام العلماء، ودلَّ دليل آخر على حرمة إكرامهم، فلا شبهة في وجوب الرجوع إلى المرجحات، من دون فرق بين أنْ لم يعلم من الخارج شيء أم علم أنه لا يجب إكرام فسّاق العلماء، بدليل خارجي مثل الإجماع وغيره، فلا يصح أنْ يقال: إنه يخصّص (لا تكرم العلماء)، ب-(اكرم العلماء) بعد تخصّصهم (1) بغير الفساق بقرينة الإجماع؛ لما أشرنا إليه من أنَّ المدار في تعارض الدليلين إنّما هو بالنظر إلى ما يستفاد منها عرفاً، لا أنه يلاحظ المراد منها بعد [تعيينه](2) من الخارج.

نعم، يتمشّى ما ذكر في المخصّصات المتصلة مثل الشرط والوصف والاستثناء وغير ذلك؛ ووجهه أنه لا ينعقد للكلام ظهور إلا بعد تمامها، وهذا خلاف القرائن المنفصلة مثل العقل والإجماع، ووجه تقديم الخاص على العام المنفصل؛ لا لأجل عدم انعقاد الظهور، بل لأجل أنَّ الظهورين لا يتزاحمان عرفاً.

وكذلك يتمشّى ذلك - أيضاً - فيما إذا كان الشاهد من الطرفين، كما إذا علم في مثل: (أكرم العلماء) و (أهِن العلماء) أنَّ توهين عدولهم ليس واجباً كما أنَّ إكرام فسّاقهم أيضاً

ص: 160


1- كذا في الأصل، ولعل المناسب: (تخصيصهم).
2- في الأصل كلمة غير واضحة وما أثبتناه لعلّه الأوفق.

ليس بواجب، فيتوصل إلى الجمع بينهما بحمل الأول على إكرام العدول والثاني على إهانة الفسّاق؛ لا لأجل عدم انعقاد الظهور، بل للعلم بعدم حجية كل من الظاهرين في بعض مفادهما، فيبقى ظهور الآخر بالنسبة إليه سليماً عن المعارض؛ لأنَّ العام المُخصَّص حجة فيما بقي، فتأمّل. فلا يقاس على ما نحن فيه.

وحاصل الكلام: أنَّ الإجماع على عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت لا يعين استعمال لفظ الرواية في الإعادة في الوقت خاصة.

ثم إنه بعد تسليم صلاحيته لذلك نقول أيضاً: إنه ليس كل عام صالحاً للتخصيص، بل ربما يقع التعارض بينهما فيرجع إلى المرجحات، كما إذا كان الحكم مما يعمّ به البلوى وكانت الأفراد المخصّصة ظاهرة الفردية لذلك العام، فإنَّ من المعلوم أنَّ إطلاقَ الحكم في الفرض - مع كونه في محل الحاجة بلا نصب قرينة معينة للمراد- قبيحٌ.

واحتمال وجود قرينة حالية أو مقالية - مع أنَّ الأصل يدفعه- ينفيه كثرة الروايات؛ إذ المستبعد جداً إحالة فهم السائل في جميع هذه الموارد الخارجية على القرائن الخارجية، ففي هذه الموارد لا يقبل الإطلاق للتقييد ولا العام للتخصيص، ولا سيما إذا كان زمان صدور الخاص متأخراً عن العام تأخراً فاحشاً، وهذا واضح لمن تأمل!

وبإزاء هذا التوهّم المذكور - أعني: كون الخبرين أخصّ مطلقاً- توهّمٌ آخر لا يخلو عن وجه وهو دعوى أنَّ الخبرين يعمّ الناسي؛ لصدق عدم العلم حال الصلاة - وإنْ علم بها سابقاً - وهذا بخلاف الأخبار الأوّلة فأنها مخصوصة بمن لم يعلم بها قبل الصلاة، أو في أثنائها، فلا يعمّ الناسي؛ لأنه علم بها قبل الصلاة في الجملة.

ودعوى إرادة استمرار علمه إلى أنْ يصلي، تقييدٌ في الرواية بلا دليل، فتكون أخصّ مطلقاً، إلا أنْ يدعى الخصوصية في الخبرين أيضاً بالنسبة إلى الوقت -كما ذكرنا- فيقع التعارض بينهما في مادة الاجتماع ويرجع إلى المرجحات، وقد عرفت أنَّ الترجيح للطائفة الأولى. هذا كله بعد تسليم دلالة الروايتين على ما أدعي، وإلا فقد يمنع أصل الدلالة:

ص: 161

أما الأولى منهما؛ فلاحتمال عود الضمير إلى أصل الجنابة لا إصابة ثوبه، فتكون خارجة عما نحن فيه؛ لأنَّ الحكم بالإعادة ثابت لكل من رأى الجنابة في ثوبه المختص به لأجل نفس الجنابة لا لأجل النجاسة المجهولة، مع أنه من المحتمل أيضاً سقوط (لا) عن قوله (يعيد) بقرينة الشرطية؛ لأنها - على هذا التقدير - لا بدَّ من [دلالة] شرطها على إرادة بيان حكم الفرد الخفي، فيكون من قبيل: (نِعْمَ العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه) وهذا - مع بعده في حدِّ ذاته - ركيك في الرواية، كما لا يخفى على من له ذوق سلیم.

وأما الثانية؛ فلقوة احتمال كون قوله علیه السلام «علم أو لم يعلم» إستفصالا عن مورد السؤال وتشقيقاً لموضوع الحكم، فيكون الحكم المذكور في المنطوق لأحد شقّي المسألة، وأما الشقّ الآخر فيستفاد حكمه من المفهوم، ولو لم يحمل الكلام على ما ذكر لَلغى ذِكرُ الشرط كما لا يخفى؛ ضرورة كونه مستدركا؛ لاستقلال العقل بكون العلم شرطاً في التكليف، وهذه الاحتمالات وإنْ كانت قابلة للمناقشة والتأمل، إلّا أنها مما يوهَن لأجلها الروايات فيتقوّى بسببها المعارض كما لا يخفى.

ثم إنه بعد فرض تعارض الروايات وتكافؤها فالمرجع عموم «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة».

اللهمَّ إلا أنْ يناقش فيها بإجمال لفظ الطهور بدعوى عدم معلومية اختصاصه بالطهارة الحدثية، وإمكان إرادة الأعم منها في الرواية، فليتأمل.

وقد ظهر بما ذكرنا ضعف التفصيل في المسألة بين الوقت وخارجه من وجوه. وأما التفصيل بين المتردد في النجاسة التارك للفحص وبين غيره فمستنده روایات قاصرة عن إثبات المدعى من وجوه كما سنوضحه إن شاء الله تعالى:

منها: رواية الصيقل عن أبي عبد الله علیه السلام: «قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلى فلما اصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة؟ قال: الحمد لله الذي لم يدعْ شيئاً إلا وقد جعل له حداً، إنْ كان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه وإنْ كان حين قام

ص: 162

لم ينظر فعليه الإعادة» (1) .

أقول: وهذه الرواية يمكن تنزيلها على ما لو كان الثوب من أطراف الشبهة المحصورة، ويشهد لهذا الحمل ظاهر إصابته الجنابة؛ حيث إنها ظاهرة في الجنابة لا عن اختيار، وهذه الجنابة - غالباً - لا تتحقق إلا في النوم وما أشبهه، ومن المعلوم أنه لو انتبه المكلف عن نومته بعد علمه بإصابة الجنابة لا يجوز له أنْ يصلي في شيء مما عليه من الأثواب إذا احتمل نجاسته إلا بعد الفحص؛ لا لأنَّ الشك أثره ذلك، بل لعلمه إجمالاً بنجاسة بعضها.

وأما الفحص فليس منشأً لصحة الصلاة في أطراف الشبهة، بل أثره إخراج الطرف عن كونه طرفاً، فإنه بعد الفحص: إما يقطع بعدم نجاسة هذا الثوب الخاص الذي يصلي فيه، أو يقف بسببه على نجاسة موضع من بعض أثوابه الأخر بحيث يزول معه العلم الإجمالي وينحلّ إلى العلم التفصيلي والشكوك البدوية، فلا يبقى أثره الذي هو وجوب الاجتناب كما تقرر في محله (2).

ومنها: رواية ميسر «آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، أما إنك لو كنت غسلته انت لم يكن عليك شيء» (3).

وفي الاستدلال بهذه الرواية - مع قطع النظر عن ضعف سندها كسابقتها- نظر ظاهر؛ لخروج موردها عما نحن فيه؛ لكون نجاسة اللباس فيها معلومة، ومعلوم أنه لا يرفع اليد عن هذا اليقين إلا بيقين مثله، أو لقيام طريق شرعي منزل منزلة العلم.

فالحكم بصحة الصلاة - على تقدير غسله - ليس لأجل حصول الفحص من حيث إنه فحص؛ ضرورة عدم إفادة الفحص في المقام أبداً، بل صحته حينئذٍ إنّما هو لأجل

ص: 163


1- الكليني، الكافي: ج3 ص406 ح7؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص202 ح791، الاستبصار: ج1 ص182 ح640.
2- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج4 ص 86 .
3- الكليني، الكافي: ج3 ص53 ح2 ؛ الطوسي، التهذيب: ج1 ص 225 ح726.

حصول الوثوق له بالطهارة إذا كان بنفسه المباشر حيث يرى من نفسه أنه لم يتسامح في الإزالة.

ولا ينافيه انكشاف خطئه وكونه جهلاً مركباً؛ إذ المدار في صحة الصلاة على كونه طاهراً له في مرحلة الظاهر على ما هو المختار فتكون هذه الرواية مؤيدة لما هو المختار كما لا يخفى.

وأما أمره بالإعادة في غسل الجارية؛ فلعدم حصول الاطمئنان - غالباً - بفعلها، فيبطل صلاته لاستصحاب النجاسة، سواءٌ علم بعد ذلك بقاء النجاسة أم شك في ذلك.

نعم، لو لم يلتفت إليها حال الصلاة بحيث تحقق منه قصد القربة فصلى فيه ثم تبين كونه طاهرا في الواقع صحّت صلاته.

وأما لو لم يعلم بالطهارة بل علم بقاء النجاسة أو شك فيها فيندرج في مسألة الناسي، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

نعم، ينافي مقتضاها أصالة الصحة في فعل الجارية، ولكن جريانها في مثل المقام بحيث نحرز بها عنوان الغسل الصحيح على إطلاقه محل إشكال، كما تقرر في الأصول (1) .

وكيف كان، فهذه الرواية على تقدير صحتها لا ارتباط لها بالمقام، فلاحظ.

وربما يتوهم: إمكان تطبيقها على ما نحن فيه لو التزم المفصّل ببطلان الصلاة لو ترك الفحص مطلقاً حتى بالنسبة إلى الغافل والمعتقد بالخلاف.

ولكن يدفعه: -مضافا إلى أنَّ الظاهر عدم التزامهم بذلك - أنَّ الرواية على هذا التقدير لو كانت صحيحة السند صريحة الدلالة، لم تكن صالحة لتقييد المطلقات الواردة في مقام الحاجة؛ لما أشرنا - فيما تقدم - من أنَّ إخراج الأفراد الشائعة المتعارفة عن مثل هذه العمومات مشكل جداً، كيف مع أنَّ هذا التفصيل مستلزم لتخصيصها بالأفراد

ص: 164


1- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج1 ص342، ج3 ص 75.

النادرة بالإضافة إلى ما عداها فتبصّر.

ومنها: رواية ابن مسلم عن الصادق علیه السلام: «أنه ذكر المني فشدده وجعله أشدّ من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك. وكذلك البول»(1) .

وفي الاستدلال بهذه الرواية أيضاً نظر؛ لأنَّ الشرطية واردة مورد الغالب مثل قوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ الَّلاتِي في حُجُورِكُم) (2)، ومن المعلوم عدم ظهورها في الانتفاء عند الانتفاء في مثل هذه الموارد، ومما يؤيد كونها واردة مورد الغالب ذكرها عقيب الشرطية الأولى؛ إذ الظاهر من مثلها كون الشرطية الثانية تصريحا بالمفهوم المستفاد من الشرطية الأولى فكأنه قال: إنْ رأيت المني قبل الصلاة أو في أثنائها فأعد، وإلا فلا.

ولكنه قد يعبّر عن المفهوم بما هو أخصّ منه؛ لكون المصرح به من أفراده الغالبة، إلا أنَّ العرف لا يقتصرون بخصوص في موضع الحكم، بل يأخذون بعموم المفهوم؛ ووجهه واضح.

ثم إنَّ هذه الروايات بعد الإغضاء عن دلالتها وسندها معارضة بما يستفاد من صحيحة (3) زرارة من أنَّ فائدة الفحص منحصرة في إزالة الشك والريبة الواقعة في النفس لا غير، وأنَّ علة نفي الإعادة كونه متطهراً في مرحلة الظاهر من دون مدخلية للفحص في ذلك، وإلى بعض ما ذكرنا أشار شيخ مشايخنا قدس سره في طهارته بعد نقله الأخبار المتقدمة مستنداً للقول بالتفصيل المذكور بقوله: (إلّا أنَّ ما هو صريح من هذه الأخبار غير نقية السند وما هو نقي السند غير صريحة، بل ولا ظاهرة، ومع ذلك

ص: 165


1- الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 161 ح758؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص 252 ح 730 ، ج2 ص 223 ح 880 .
2- سورة النساء: 23.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص 421 ح 1335، الاستبصار: ج1 ص183 ح 641 .

فهي معارضة بما يظهر من صحيحة زرارة الطويلة من عدم وجوب الفحص إذا شك في إصابة النجاسة وانحصار ثمرة النظر والفحص بذهاب الشك العارض للإنسان الموجب لعدم حضور القلب في العبادة من جهة تشوش البال، فلو كان له ثمرة في الإعادة وعدمها عند انكشاف الحال كان التنبيه عليه مناسباً، بل كان الأولى بالنظر إرشاداً لئلا يقع في كلفة الإعادة كما أمر بالاستبراء لئلا يقع في إعادة الوضوء والغسل وغسل الثوب عن البلل المشتبه الخارج بعد البول والمني، وأيضاً فتعليلُ عدم الإعادة في الصحيحة المذكورة بقوله علیه السلام: «لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت» إلى آخر ما ذكره، ظاهرٌ في انحصار علة عدم الإعادة بإيقاع العمل على ظن التكليف الظاهري من غير مدخلية للفحص والنظر في ذلك.

والحاصل: أنَّ الظهور المستفاد من الروايات المتقدمة مع ضعفها ومعارضتها بما عرفت لا ينهض لتقييد إطلاقات الأخبار) (1) انتهى كلامه -رفع مقامه-.

وما أفاده قدس سره في غاية القوة والمتانة، إلّا أنك قد عرفت أنه لا شيء من الأخبار صريحٌ في المدعى، بل ولا ظاهرٌ ظهوراً معتداً به، وما ذكره في صدر مقاله محل تأمل، كما يشعر به ذيل كلامه. فلاحظ، وتأمل، فظهر بحمد الله أنَّ الأقوى في المسألة عدم الإعادة مطلقاً. هذا كله إذا لم يعلم الجاهل بالنجاسة إلّا بعد الفراغ عن الصلاة.

[حكم مالو لو علم بالنجاسة أثناء الصلاة]

وأما لو علم بها وهو في الأثناء فالمتّجه - على المختار من معذورية الجاهل مطلقاً (2) -أنه إنْ أمكنه الإزالة بالتطهير ونحوه، ولو بإلقاء الثوب إنْ كان عليه ثوب آخر أو الاستبدال وستر العورة بغيره في صورة الانحصار من دون اشتغاله بشيء من أجزاء الصلاة على الأظهر أو حصول مبطل أزال أو استبدل، ولو تعذّر الإزالة والاستبدال

ص: 166


1- العلّامة الأنصاري، كتاب الطهارة: ج 5 ص 278 ، 279 .
2- الروزدري، تقريرات المجدّد الشيرازي: ج 4 ص 270.

الا بالمبطل أبطل الصلاة من غير فرق بين إنْ علم سبقها عليها أو عروضها في الأثناء قبل العلم أو حال العلم.

أما الأخير فمما لا إشكال فيه، بل لا خلاف - على ما نُقل - (1) ؛ للأخبار المستفيضة الواردة في دم الرعاف (2) الناصّة على عدم كونه قاطعاً للصلاة، مضافاً إلى الحسنة السابقة الآمرة بالطرح، وصحيح زرارة المشتمل على التعليل بأنه «لعلَّه شيء أُوقع عليك» (3).

هذا كله بعد الغض عما سنذكره وجهاً لسابقيه، فإنَّ مقتضاه عموم الحكم لجميع الصور كما لا يخفى.

وأما الصورتان السابقتان؛ فلما تقدم من الأخبار الدالة على معذورية الجاهل وأنَّ المعتبر في الصلاة إحراز الطهارة الظاهرية بالطرق الشرعية ولو بالاستصحاب.

فحينئذٍ نقول: لا شكَّ ولا شبهة أنَّ ما هو شرط للصلاة شرط لأبعاضها، وكذا ما جعل عذرا في الكل فهو عذر بالنسبة إلى البعض؛ إذ الكل ليس إلّا عبارة عن مجموع الأبعاض.

ولا ندّعي امتناع الانفكاك بينهما أصلاً ومطلقاً وأنَّ بينهما تلازماً عقلياً حتى يتوجّه علينا المنع، بل التفكيكُ بلا دليل شرعي تعبّدي معتبرٍ متعذرٌ؛ ألا ترى أنه لو علم أنَّ الانحراف عن القبلة في تمام الصلاة جهلاً بالموضوع مغتفرٌ - مثلاً - فهل يشكُّ أحدٌ في صحة صلاته لو وقع الانحراف في بعض أجزاء الصلاة؟

وكذا الثوب المجهول نجاسته لو طرحه عن نفسه قبل إكمال الصلاة من دون علمه بالنجاسة ثم علم بأنه كان نجساً في أثناء الصلاة أو بعدها فهل يشكُّ أحد بعد علمه بصحة صلاته - لو كانت بتمامها واقعة في هذا الثوب - في أنَّ هذه الصلاة التي لم يقع

ص: 167


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص160، باب كيفية الصلاة وصفاتها.
2- الكليني، الكافي: ج3 ص 59 ح 8؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص259 ص753.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص421.

فيه الا بعض أجزائها صحيحة؟ ألا ترى أنهم يتمسّكون بكفاية الظن في إجزاء الصلاة بما دلَّ على كفايتها في عدد الركعات؟

والغرض من إطالة الكلام وفرض المسألة فيما إذا تذكر للنجاسة بعد طرحه الثوب النجس عن نفسه؛ حتى تمتاز جهة الكلام وأنَّ المقصود أولاً إثبات اتصاف الأجزاء السابقة على حال التذكر بالصحة، ومن المعلوم عدم مدخلية اشتمال الثوب - حال التذكر وعدمه - في سراية الفساد إلى الأجزاء السابقة، وإنْ قلنا بفساد الصلاة في الصورة الأولى لأجل فساد الجزء الواقع آن التذكر، أو لأجل عدم قابلية ضمّ الأجزاء اللاحقة إلى السابقة بحيث يكون مجموعها واجدة لشرط الصحة.

إلا أنَّ ذلك لا يقتضي فساد الأجزاء السابقة من حيث هي، فلا يتفاوت الحال من هذه الجهة بين أنْ يتذكر حال انسحاب النجاسة أو بعد طرحه .

ولا نعني امتناع الفرق بينهما عقلاً؛ إذْ من الممكن عقلاً أنْ يعتبر الشارع في صحة الأجزاء وصفاً انتزاعیاً وهو أنْ لا يتعقبها التذكر حال الانسحاب، ومن المعلوم أنَّ الحكم بوقوع هذا الممكن يتوقف على دليل تعبدّي معتبر صريح الدلالة، بحيث يرفع به اليد عن ظواهر الأدلة الدالة على أنَّ الجهل عذر، من دون فرق بين بعض الأجزاء ومجموعها، تذكر عقيب الفعل أم لا.

وكيف كان، فمقتضى القاعدة الأولية تحقّق التلازم بين صحة الأجزاء السابقة وبين القول بمعذورية الجاهل، ويدلُّ عليه: الأولوية القطعية، وفحوى الأخبار المتقدمة. وبما ذكرنا من التقريب ظهر ضعف ما صدر عن بعض (1) من منع الأولوية والفحوى بعدم القطع بذلك، وعدم استفادته من ظواهر الأخبار بحيث يكون من الظنون المعتبرة.

ص: 168


1- ينظر: الآخوند الخراساني: الكفاية (بحث قاعدة الفراغ والتجاوز)، ولا يخفى أن كتاب الكفاية طُبع سنة 1320ه-، بينما كتبت هذه الرسالة (مباحث الخلل) سنة 1287ه-، فلاحظ .

ومنشأ توهمه: ملاحظة مجموع هذه الصلاة التي تذكر في بعض أكوانها المنسحبة للنجاسة ومقايستها إلى ما لم يتذكر أصلاً، ومن المعلوم أنَّ المنع على هذا التقدير في محله، ولكنّك قد عرفت أنَّ المقصود إثبات صحة الجزء الواقع من حيث هو، لا إثبات صحة مجموع الصلاة بالأولوية. هذا كله بالنسبة إلى صحة الأجزاء السابقة على العلم.

وأما صحة الصلاة بملاحظة الأجزاء اللاحقة التي يوجدها بعد الإزالة ففي غاية الوضوح؛ إذْ لا مقتضي للفساد حينئذٍ بعد فرض صحة ما عداها من الأجزاء.

وأما صحتها بالنظر إلى حال التذكّر قبل حصول الإزالة فوجهها:

أولاً: أنَّ جعل الحكم الظاهري شرطاً لشيء يستلزم المعذورية حال تبدّل التكليف، مثلاً لو أعتبر في صحة الصلاة وقوعها إلى القبلة المظنونة، لو تبدّل الظن في أثناء الصلاة يجب عليه أنْ ينحرف إلى القبلة المظنونة.

ثانياً: ويلغو اعتبار شرطية القبلة بالنسبة إلى زمان الانحراف؛ لأنه تكليف بغير المقدور.

ويمكن المناقشة فيه: بأنَّ الممتنع إيجاد هذا الجزء مقارناً للشرط إذا أوجب اقترانه بهذه الأجزاء المتشخصة الموجودة الخارجية، وأما إذا أوجب إيجاده مقارنا للشرط مطلقاً من دون تقييده بكونه متصلاً بالأجزاء الموجودة فلا؛ إذْ من الممكن إعادة الصلاة في المثال وإيقاع تمام أجزاء الصلاة مواجها للقبلة المظنونة، فيؤول(1) الأمر بين تقييد اعتبار الشرط بالنسبة إلى تمام الأجزاء - في غير الفرض - أو تقييد كفاية الحكم الظاهري بغير هذه الصورة، وتقديم كل منهما يحتاج إلى دليل.

ودعوى أنَّ الكون الذي يشتغل بالإزالة ولا يصدر عنه فعل من أفعال الصلاة، خارج عن الصلاة فلا يضرّه فقد الشرط؛ يكذبه:

[أولاً]: عدم جواز تلويث النجاسة حينئذٍ بغيرها، وكذا سائر المنافيات من

ص: 169


1- كذا في الأصل، ولعله: (فيدور).

الاستدبار والحدث وغيرها، فتأمّل.

وثانياً: أنه بعد إحراز صحة الأجزاء السابقة ليس حاله إلّا كمن علم بوقوع النجاسة عليه في أثناء الصلاة ملتفتاً بها حال وقوعها؛ إذ المانع عن الصحة إنّما هو تلبّس المصلي بالنجس حال إيجاد الأجزاء لا وصف الحدوث من حيث إنه حدوث.

فعلى هذا يصحُّ التمسّك للصحة في المقام بأخبار الرُعاف (1) وغيرها مما دلَّ على أنَّ حدوث النجاسة في الأثناء ليست من القواطع كالحدث بل عليه أنْ يمضي في صلاته ما لم يستلزم الإزالة منافياً للصلاة؛ لأنها تدلُّ على عدم طروء الفساد في الصلاة لأجل هذا الزمان المتشاغل فيه بالإزالة وبعد إلغاء الفارق بدعوى القطع بعدم مدخلية وصف الحدوث من حيث هو في الحكم وكون تذكّر الثوب نجساً بعد القطع بصحة الأجزاء السابقة واقعاً لاشتمالها على شرطها الواقعي وهو كونه متطهراً في مرحلة الظاهر ليس الا كالعلم بحدوث النجاسة الذي ثبت عدم إخلاله بالصلاة يثبت المطلوب. فلاحظ، وتأمل!

هذا كله مضافاً إلى استفادة التفصيل المتقدم في المقام المصرّح به في كلام الأصحاب (2) من حسن أبي مسلم (3): «قلت له: الدم يكون في الثوب وأنا في الصلاة؟ قال: إنْ رأيته وعليك ثوب غيره فأطرحه وصلِّ وإنْ لم يكن عليك غيره فأمض في صلاتك ولا إعادة عليك، ما لم يزد على مقدار الدرهم، وما كان اقل من ذلك فليس من بشيء رأيته أو لم تره وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه» (4).

ص: 170


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج1 ص260، 268 ب 7 ح 6 .
2- البحراني، الحدائق: ج5 ص 439؛ النجفي، الجواهر: ج6 ص 225 .
3- كذا في الأصل، والصحيح: محمد بن مسلم.
4- الكليني، الكافي: ج3 ص 59 ؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: ج1 ص 249 ح757، شرائط لباس المصلي؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص 254، باب تطهير الثياب.

توضيح الاستفادة: أنَّ ظاهر صدر الرواية - بقرينة ذيلها المسوق لبيان حكم الناسي كما هو الظاهر منه - كونه مسوقاً لبيان تكليف الجاهل الذي لم يعلم بها قبل الصلاة ورآها في أثنائها كما هو مفروض مسألتنا، وقد حكم الإمام علیه السلام بوجوب طرح الثوب وإتمام الصلاة إن كان عليه ثوب آخر، ومن المعلوم أنَّ الأمر بالطرح؛ ليس لأجل خصوصية في الطرح، بل لأجل أنه يتحقق به الإزالة وأنه أيسر الأسباب غالباً.

كما أنَّ تقييده بما إذا كان عليه ثوب آخر إنّما هو لمراعاة شرط آخر في الصلاة وهو ستر العورة، واختصاصه بالذكر أيضاً؛ لأجل عدم التمكّن من ذلك غالباً إلا بتعدد اللّباس، فالخصوصيات في مثل هذه الموارد ذكرُها إنّما هو للغلبة لا لمدخلية في الحكم.

فمحصّل مفاده: إنه إنْ أمكن إزالة النجاسة مع بقائه مستور العورة فيجب عليه ذلك ويمضي في صلاته، ومعلوم أنَّ الحكم بالمضي إنّما هو فيما لا يستلزم الإزالة فعلاً منافياً للصلاة كالطرح ونحوه مما لا يعدّ فعلاً كثيراً.

وكيف كان، فهذه الفقرة يستفاد من منطوقها جزء مطلوبنا الذي نحن بصدد إثباته فعلاً وهو وجوب الإزالة مع إمكانها والمضي في صلاته، ومن مفهومها -بعد تقييده بالإجماع وغيره على عدم جواز المضي مع النجس- الجزء الآخر من المطلوب، وهو البطلان عند التعذّر، ولا ينافيه قوله علیه السلام بعدها: «وإنْ لم يكن عليك ثوب آخر فأمض في صلاتك» بعد تقييده بقوله علیه السلام: «ما لم يزد على مقدار الدرهم»، نعم، قد ينافيه بناء على ما عن الشيخ من روايته بزيادة (الواو) قبل قوله: «ما لم يزد» وحذف «وما كان أقل من ذلك» (1) .

ولكن في الجواهر - بعد بيانه المنافاة كما ذكرنا - قال: (لكنْ مع كون الكليني أضبط يرفع اتفاق الأصحاب ظاهراً، بل واقعاً كما اعترف به في الحدائق على عدم جواز المضي في الصلاة بالنجس فيكون مطروحاً، لا ينافي الاستدلال بصدره على الشقّ الأول،

ص: 171


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص254، باب تطهير الثياب. حكاه في الجواهر: ج6 ص 225.

فدعوى سقوط الاستدلال به من بعض متأخري الأصحاب لِما في متنه من هذا الاضطراب بمعزل عن الصواب) (1) انتهى.

[مخالفة بعض المحققين ومناقشة مستنده]

والعجب من بعض (2) من وافقنا في معذورية الجاهل مطلقاً إنْ علم بالنجاسة بعد الصلاة حيث إنه خالفنا في الصورة الأولى من الصور الثلاث التي يعلم بها في أثنائها وهي ما لو علم في أثناء الصلاة سبقها عليها استناداً إلى بعض الروايات:

منها: صحيحة ابن مسلم: «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن انت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك، وكذلك البول» (3).

ومنها: صحيحة أبي بصير: «في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال: عليه أنْ يبتدئ الصلاة» (4) .

ومنها: خبر ابن سنان: «إنْ رأيت في ثوبك دماً وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك فإن انصرفت فاغسله، فإن كنت رأيته قبل أن تصلي ولم تغسله ثم رأيته بعد وانت في صلاتك فانصرف واغسله وأعد صلاتك» (5).

وفي الاستدلال بها ما لا يخفى؛ لأنَّ (6) الصحيحة الأولى فصدرها- وهو مورد

ص: 172


1- النجفي، الجواهر: ج6 ص 225.
2- السيّد المجاهد، مفاتيح الأصول: ص531.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: ج1 ص252 ح730، ج2 ص223 ح880.
4- الكليني، الكافي: ج3 ص405 ح6؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ج2 ص360 ح 1489، الاستبصار: ج1 ص181 ح 634.
5- ينظر: الحلي، مستطرفات السرائر: ص81 ح13؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: ج3 ص 483. أبواب النجاسات ب 44 ح3.
6- كذا في الأصل، والمناسب: (أمّا).

الحكم بوجوب الإعادة - ظاهرٌ في إرادة حكم مَنْ صلى مع الجنابة جاهلاً بالحكم أو ناسياً للموضوع أو متعمداً؛ إذ الحكم بالإعادة إنْ رآه قبل الصلاة لا يعقل إلا بإيجاده الصلاة بعد الرؤية مع النجاسة إما عمداً أو غفلة عن الحكم أو الموضوع.

فالسياق يشهد بكون المراد من المعطوف - أيضاً - مثل ما أريد من المعطوف عليه فيكون معناه إنْ رأى النجاسة قبل وصلى معها أو رآها في الأثناء وأتمها فعليه الإعادة وإن رآها بعد الفراغ من صلاته فلا شيء عليه.

ويؤيد هذا المعنى: أنَّ الظاهر من إعادة الصلاة إعادة تمام الصلاة لا بعضها، وإلا لكان التعبير بلفظ (الاستئناف) أنسب كما ورد في غير واحد من الروايات.

وأما خبر أبي بصير فظاهره بيان حكم الناسي بعد حصول العلم بها ابتداءً في أثناء الصلاة، بل المراد تذكّره لها في أثناء الصلاة.

ويؤيده، بل يدلُّ عليه تذكير الضمير حيث جعل متعلّق العلم الثوب لا الجنابة كما لا يخفى على المتأمل، وعلى تقدير شمولها للجاهل أيضاً تخصّص بما تقدم.

وإنْ أبيت إلا عن إرادة خصوص الجاهل من هاتين الروايتين أو عدم إمكان التخصيص بالناسي فلا مناص عن تقييدهما بمن تعذّر في حقه الإزالة بشهادة الحسن المتقدم، خصوصاً مع كون التعذّر من الأفراد الغالبة، كما أنَّ به وبغيره من الأدلة والإجماع أيضاً يقيّد بعض المطلقات الدالة على وجوب المضي، وإنْ لم تخلُ دلالتها عن تأمل.

وأما صحيحة ابن سنان فهو دليل على المختار لا على مذهبه، وإنما تركنا الاستشهاد بها؛ لما قيل: (من عدم القائل بما فيه من الغسل عقيب الانصراف) (1).

وهذا وإنْ لم يكن منافياً، إلا أنه موهن ولا يمكن تنزيله على الأقل من الدرهم؛ لمنافاته لما في ذيله.

ص: 173


1- البحراني، الحدائق الناضرة: ج5 ص431.

ولعلَّ المستدلَّ استشهد بهذه الرواية لخصوص حكم الناسي لا الجاهل وإنْ كان عنوانه أعمّ. وكيف كان، فقد عرفت ضعف التفصيل المتقدم وضعف دليله(1) .

ص: 174


1- الى هنا تنتهي النسخة الخطية.

المَصادِرُ والمَراجِع

ص: 175

ص: 176

المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم، كتاب الله المجيد.

2- نهج البلاغة، المختار من كلام أمير المؤمنين علیه السلام.

3- الآخوند، محمد كاظم الخراساني (ت1328ه-).

كفاية الأصول، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، مطبعة مهر - قم 1409ه-.

4- الأردبيلي، أحمد (ت993ه-).

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، تحقيق: مجتبى العراقي وعلي الاشتهاري، نشر: جماعة المدرسين - قم 1403ه- .

5- الإسترابادي، رضي الدين (ت686 ه-).

- شرح الرضي على الكافية، تحقيق: یوسف حسن عمر ، نشر: مؤسسة الصادق - طهران 1395ه-.

6- الأصفهاني، السيد محمد مهدي الموسوي الكاظمي (ت 1391ه-).

- أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة، تحقيق: مؤسسة تراث الشيعة، قدم له وعلق عليه: العلّامة السيد عبد الستار الحسني.

7- الأنصاري، مرتضى بن محمد أمين (ت 1281ه-).

- فرائد الأصول، تحقيق ونشر: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مطبعة: باقري - قم 1419ه-.

- كتاب الطهارة، الطبعة الثالثة، نشر: مجمع الفكر الإسلامي-قم، مطبعة خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله و سلم - قم 1428ه-.

ص: 177

- كتاب الصلاة، الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، مطبعة باقري، قم 1415ه-.

8- البحراني، يوسف (ت1186ه-).

- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، تحقيق: محمد تقي الإيرواني، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي-قم.

9- البهبهاني، محمد باقر بن محمد أكمل (ت1206ه-).

- حاشية على مدارك الأحكام، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم، مطبعة ستاره - قم 1419ه-.

- مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، تحقيق وطباعة ونشر: مؤسسة المحقّق البهبهاني - قم 1424ه-.

10- الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت 1104ه-).

- وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق: عبد الرحيم الشيرازي، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.

11- الحلبي، أبو الصلاح (ت 447ه-).

- الكافي في الفقه، تحقيق: رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام العامة - اصفهان 1403ه-.

12- الروزدري، علي (ت 1290ه-).

- تقريرات المجدّد الشيرازي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم 1415 ه-.

13- الزمخشري، محمود بن عمر (ت538ه-).

- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1385ه-.

14- ابن زهرة، حمزة بن علي (585ه-).

- غنية النزوع الى علمي الأصول والفروع، تحقيق: إبراهيم البهادري، مطبعة

ص: 178

اعتماد، قم 1417ه-.

15- سلّار، حمزة بن عبد العزيز (ت 448ه-).

- المراسم العلوية في الأحكام النبوية، تحقيق: محسن الأميني، مطبعة أمير، قم 1414ه-.

16- الشهيد الأول، محمد بن مكي(ت786ه-).

- الدروس الشرعية في فقه الإمامية، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي- قم 1412ه- .

- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، نشر مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم 1419ه-.

- البيان، تحقيق ونشر: محمد الحسون، مطبعة صدر - قم 1412ه-.

17- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي (ت 965ه-).

- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات القرآنية، الناشر: بوستان کتاب - قم 1422.

- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، تحقيق ونشر: جامعة النجف الدينية، مطبعة: أمير 1410ه-.

- المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية، تحقيق: محمد الحسون، طباعة ونشر: مركز انتشارات دفتر تبلیغات إسلامي - مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي - قم 1420ه-.

18- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ت 381ه-).

- علل الشرائع، منشورات المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف 1385ه-.

- عيون أخبار الرضا علیه السلام، طباعة ونشر: مؤسسة الأعلمي بيروت 1404ه-.

- من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر غفاري، طباعة ونشر: جماعة المدرسين- قم.

- معاني الأخبار، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر.

- المقنع، تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام، مطبعة اعتماد - قم 1415ه-.

ص: 179

- الخصال، تحقيق: علي أكبر الغفاري، طباعة ونشر: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة 1403ه-.

19- الطباطبائي، السيّد علي بن محمد علي(ت 1231ه-).

- رياض المسائل، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1412ه-.

20- المجاهد، السيّد محمد بن علي (ت 1242ه-).

- مفاتيح الأصول (حجرية).

21- الطبرسي، أحمد بن علي بن أبي طالب(ت548ه-).

- الاحتجاج، تحقيق: محمد باقر الخرسان، طباعة ونشر: دار النعمان- النجف 1386 ه- - 1966م.

22- الطوسي، محمد بن الحسن (ت 460 ه-).

- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الطبعة الرابعة، تحقيق: حسن الخرسان، نشر: دار الكتب الإسلامية، قم 1363ه-.

- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، الطبعة الرابعة، تحقيق: حسن الخرسان، نشر: دار الكتب الإسلامية، قم 1365ه-.

- الخلاف، تحقيق: جماعة من المحقّقین، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم 1417ه-.

- المبسوط في فقه الأمامية، صححه: محمد تقي الكشفي، نشر: المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية، المطبعة الحيدرية - طهران 1387ه- .

- النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، نشر: قدس محمدي -قم.

23- العاملي، محمد جواد(ت1226ه-).

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، تحقيق: محمد باقر الخالصي، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1419ه-، من ج 1 الى ج 12 فقط.

- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، الطبعة الثانية، تحقيق: محمد باقر الخالصي، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1432ه-، من ج 13 - 24 .

ص: 180

24- العاملي، محمد علي (ت 1009ه-).

- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، مطبعة مهر - قم 1410ه-.

25- العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف (ت726ه-).

- إرشاد الأذهان الى أحكام الإيمان، تحقيق: فارس الحسون، طبع: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1410ه- .

- تذكرة الفقهاء (الطبعة القديمة) تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم، مطبعة مهر - قم 1414ه-.

- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم 1413ه-.

- منتهى المطلب في تحقيق المذهب، تحقيق ونشر: مجمع البحوث الإسلامية 1412ه-.

- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: ذي القعدة 1413، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

- تحرير الأحكام، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، سنة الطبع: 1420، المطبعة: اعتماد - قم، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق، ملاحظات: توزيع: مكتبة التوحيد – قم – إيران.

- تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، تقديم: الشيخ حسين الأعلمي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني.

26- العياشي، محمد بن مسعود (ت320ه-).

- التفسير، تحقيق: هاشم الرسولي، نشر: المكتبة العلمية الإسلامية طهران، بلا.

27- الفاضل الآبي، الحسن بن أبي طالب (القرن السابع الهجري).

- كشف الرموز في شرح المختصر النافع، تحقيق: علي الاشتهاري، حسين اليزدي،

ص: 181

نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم 1410ه-.

28 - المقداد السيوري، المقداد بن عبد الله السيوري (ت 826ه-) .

- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، تحقيق: عبد اللطيف الحسيني، نشر: مكتبة المرعشي النجفي، مطبعة الخيام 1404ه-.

- كنز العرفان في فقه القرآن، المكتبة الرضوية، مطبعة حيدري- طهران 1384ه-.

29- الفاضل الهندي، محمد بن الحسن (ت 1137ه-).

- كشف اللثام عن قواعد الأحكام، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1416ه-.

30- ابن فهد الحلي، احمد بن محمد (ت 841ه-).

- المهذب البارع في شرح المختصر النافع، تحقيق: مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1407ه-.

31- ابن قدامة، عبد الله (ت 620 ه-).

- المغني، نشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع – بيروت – لبنان.

32- القمي، الميرزا أبو القاسم بن محمد حسن الشفتي(1231ه-).

- قوانين الأصول (حجرية).

- مناهج الأحكام، مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1420ه-.

33- الكاشاني، أبو بكر بن مسعود(ت587ه-).

- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، المكتبة الحبيبية - باكستان 1409ه-.

34- الكركي، المحقّق الشيخ علي بن الحسين (ت 940ه-).

جامع المقاصد في شرح القواعد، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لأحياء التراث -قم 1408ه-.

35- الكليني، محمد بن يعقوب (ت329ه-).

الكافي، تحقيق: علي اكبر غفاري، طباعة ونشر: دار الكتب الإسلامية - طهران 1388ه-.

36- الحلي، المحقّق الشيخ جعفر بن الحسن(676ه-).

ص: 182

- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، نشر: انتشارات استقلال - طهران، الطبعة الثانية، مطبعة أمير - قم 1409 ه-.

- المعتبر في شرح المختصر، نشر: مؤسسة سيد الشهداء علیه السلام- قم، مطبعة مدرسة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام- قم 1363 ه- ش.

- الرسائل التسع (منها الجمل والعقود) تحقيق: رضا الإستادي، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي قم المقدسة 1413ه-.

37- المرتضى، علي بن الحسين (ت 436 ه-).

الانتصار، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي - قم 1415ه-.

- رسائل الشريف المرتضى، تقديم: السيّد أحمد الحسيني، إعداد: السيّد مهدي الرجائي سنة الطبع: ه-، المطبعة: مطبعة سيد الشهداء - قم، الناشر: دار القرآن الكريم، قم.

38- المفيد، محمد بن محمد (ت413ه-).

- المقنعة، الطبعة الثانية، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1410ه-.

39- ابن منظور، محمد بن کرم (ت707ه-).

- لسان العرب، طباعة ونشر: ادب الحوزة - قم 1405ه-.

40- النجفي، محمد حسن (ت1266ه-).

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الطبعة الثانية، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، نشر: دار الكتب الإسلامية، مطبعة خورشيد - طهران 1365 ه- ش.

41- النراقي، أحمد بن محمد مهدي (ت 1245ه-).

- مستند الشيعة في أحكام الشريعة، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - مشهد 1415ه-.

- عوائد الأيام، تحقيق ونشر: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قم 1417ه-.

42- النووي، محيي الدين بن شرف(676 ه-).

- المجموع، دار الفكر - بيروت.

ص: 183

43- ابن هشام الأنصاري، عبد الله (ت 761ه-).

مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم 1404ه-.

44- الهمداني، المحقّق الشيخ محمد رضا بن محمد هادي الهمداني (ت 1322ه-).

- مصباح الفقيه، نشر مكتبة الصدر.

- الوجيزة، مخطوط.

45- الجلالي، محمد رضا.

- فهرس التراث، الطبعة: الأولى 1422ه-.

46- الفراهيدي، الخليل بن أحمد(ت 170ه-).

كتاب العين، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 140ه-، المطبعة: الناشر: مؤسسة دار الهجرة - ايران قم.

47- الزبيدي، مرتضى (ت 1205ه-).

تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، سنة الطبع: 1414 - 1994م، المطبعة: دار الفكر - بيروت، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت.

48- الطريحي، الشيخ فخر الدين (ت 1085 ه-).

مجمع البحرين ومطلع النيرين، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: شهریور ماه 1362ش، المطبعة: چاپخانهء طراوت، الناشر: مرتضوي.

49- لجوهري، إسماعيل بن حماد ا (ت 393ه-).

تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع : 1407 - 1987 م، المطبعة: الناشر: دار العلم للملايين - بيروت - لبنان ملاحظات: الطبعة الأولى 1376 - 1956 م – القاهرة.

50- الحائري، المحقّق الشيخ عبد الكريم (ت 1355 ه-).

- كتاب الصلاة، سنة الطبع: 1362 ش، المطبعة: دفتر تبليغات إسلامي، الناشر: مرکز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي – قم – إيران.

ص: 184

51- الخوانساري، المحقّق السيّد احمد (ت 1405 ه-).

- جامع المدارك، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1405 ه- - 1364 ش.

52- الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد (ت 471 ه-).

-المقتصد في شرح الإيضاح، تحقيق: د. كاظم المرجان.

53- الحلي، ابن فهد (ت841ه-).

المهذب البارع، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، سنة الطبع: غرة رجب المرجب 1407ه-، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

54- أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت 681 ه-) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.

55- الشافعي، محمد بن إدريس (ت 204ه-).

كتاب الرسالة، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، الناشر: المكتبة العلمية – بيروت - لبنان.

56- النقوي، السيّد علي نقي (ت1408ه-).

أقرب المجازات إلى مشايخ الإجازات، تقديم: السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي، أعده ووضع فهارسه: مركز إحياء التراث التابع لدار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة، المطبعة: دار الكفيل - العراق - كربلاء المقدسة، الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.

57- الإمامي الخوئي، الشيخ صدر الإسلام محمد أمين(ت1367ه-).

مرآة الشرق، إشراف: السيد محمود المرعشي النجفي، تصحيح وتقديم: علي الصدرائي الخوئي، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

ص: 185

ص: 186

فهرس الموضوعات

مقدمّة التحقيق ... 13

توطئة ... 13

علاقة المحقّق الهمداني بأستاذه السيّد المجدّد ... 15

الهجرة الى الناحية المقدسة ... 15

تأليف بعض أجزاء مصباح الفقيه في سامراء ... 16

العودة إلى سامراء في نهاية سنة 1321ه- ... 17

التعريف بالرسالة ووصف النسخة الخطية ... 18

وصف النسخة ... 19

عملنا في التحقيق ... 19

مقدمة المصنف : ... 25

مسائلُ ثلاث ... 30

الأولى: ... 30

الثانية: ... 30

الثالثة: ... 31

[الكلام في القسم الأخير من المسألة الثالثة ] ... 31

[تصوّر كيفية الإقدام مع عدم الاطمئنان بطروء المفسد] ... 34

«الفصل الأول:» في بيان أحكام «الخلل الواقع في الصلاة» ... 37

[وجه التفرقة بين الوهن الناشئ عن شكٍّ والوهن الناشئ عن عمدٍ أو سهوٍ] ... 39

[وجه التأمل] ... 40

ص: 187

[حكم الخلل العمدي] ... 40

[المراد من الإبطال والصحيح في الصلاة] ... 41

[الكلام في استحقاق الجاهل المقصر العقاب] ... 44

[منْ موارد إجزاء عمل الجاهل في ظرف الجهل] ... 46

[إشكال المشهور وتوضيحه ومناقشته] ... 48

والحاصل: أنَّ في المقام صوراً أربعاً: ... 49

تفريعٌ ... 56

والتحقيق ... 57

فرعان ... 59

[اعتبار السنخية بين المزيد والمزيد عليه] ... 63

[حكم الزيادة في الصلاة] ... 71

[حكم ما يأتي به المصلي الجاهل أو الغافل من المستحبات في غير محلّه] ... 73

[في تشخيص الكلام المبطل للصلاة] ... 73

[مسألة القصر والإتمام] ... 76

مسألة: (لا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب) ... 80

[لا يجوز الصلاة في المكان المغصوب] ... 84

تنبیه ... 89

[الجهل بغصبية الثوب أو المكان الذي يصلي فيه] ... 90

[حكم ناسي الغصبية حكم الجاهل] ... 91

[الجهل بنجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود] ... 93

(فروعٌ) ثلاثةٌ ... 95

والحاصل أنَّ هنا مسألتين: ... 100

[عدم الإجزاء هو الأقوى حكماً للمسألة الأولى (صورة العمد والاختيار)] ... 100

ص: 188

[المقصد الثاني: فيمن أخلَّ بشيء سهواً] ... 103

ثم إنَّه لا بدَّ في هذا المقام من معرفة أمرين: ... 105

ما استثني من عموم القاعدة ... 108

[الأقوال الأخرى في المسألة] ... 113

[الأصل الثانوي هو بطلان الصلاة بمطلق الزيادة، ومناقشته] ... 115

وأما المناقشة فيها: ... 116

[حكم ما لو زاد في صلاته ركعةً عمداً] ... 120

[حكم ما لو زاد في صلاته ركعة سهواً] ... 120

[حكومة أخبار بطلان الصلاة على قاعدة صحة الصلاة] ... 123

[بطلان الصلاة بزيادة الركعة فيما لو لم يجلس عقيبها بمقدار التشهد] ... 124

[الأقوى ما ذهب إليه الآخرون، والمقصود بالجلوس هو ما يتضمن التشهد] ... 126

الكلام في وجوب التسليم في الصلاة ... 131

[مقتضى الأصل عند الشك في وجوب التسليم] ... 132

[الأدلة على وجوب التسليم] ... 133

وأما الأدلة: فقد يتمسّك للوجوب بقوله تعالى: ﴿وسلموا تسليماً) ... 133

[تقريب الاستدلال بالروايات على وجوب التسليم، ومناقشته] ... 136

[حجة النافين لوجوب التسليم، ومناقشتها] ... 147

[حكم الصلاة مع الجهل بنجاسة الثوب أو البدن] ... 156

[حكم مالو لو علم بالنجاسة أثناء الصلاة] ... 166

[مخالفة بعض المحققين ومناقشة مستنده] ... 172

المصادر والمراجع ... 177

ص: 189

ص: 190

إصدارات مركز تراث سامراء

1. کتاب «معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر»، للميرزا حسين النوري قدس سره (طبع لأول مرة).

2. كتاب «مقدمة الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، للشيخ آقا بزرك الطهراني قدس سره، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

3. كتاب «رسائل من إفادات المجدّد الشيرازي قدس سره»، تحقيق الشيخ مسلم الرضائي (طبع لأول مرة).

4. کتاب «رسالة في أحكام الجبائر»، بقلم السيّد محمد الساروي قدس سره تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي قدس سره، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

5. كتاب «مآثر الكبراء في تاريخ سامراء»، للشيخ ذبیح الله المحلاتي رحمه الله (طبع لأول مرة).

6. كتاب «مجموعة رجالية وتاريخية»، للشيخ آقا بزرك الطهراني قدس سره (طبع لأول مرة).

7. كتاب «الإمام علي الهادي علیه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات» للشيخ علي الكوراني، تحقيق مركز تراث سامراء.

8. کتاب «سامراء في الأرشيف الوثائقي العثماني»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

9. كتاب «سامراء في السالنامات العثمانية»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

10. كتاب «سامراء في لغة العرب»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

11. كتاب «سامراء في مجلة سومر»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

12. كتاب «قوافي الولاء من الكاظمية إلى سامراء»، للأستاذ عبد الكريم الدباغ (طبع لأول مرة).

13. كتاب «زيارة أئمة سامراء علیهم السلام»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

14. كتيب «دليل معرض فاجعة سامراء»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

15. كتيب «مناقب أئمة سامراء علیهم السلام من طرق العامة»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

16. كتيب «نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيّد علي السيستاني دام ظله للشباب المؤمن»، من إعداد مركز تراث سامراء.

17. كتيب «نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيّد علي السيستاني دام ظله للمقاتلين في ساحات

ص: 191

الجهاد»، من إعداد مركز تراث سامراء.

18. كتيب «قبسات من حياة أئمة سامراء علیهم السلام»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

19. كتيب «تعريفي بمركز تراث سامراء»، من إعداد المركز (طبع لأول مرة).

20. رسالة في «حكم الخلل الواقع في الصلاة» وهو الكتاب الذي بين يديك.

الكتب التي ستصدر قريباً

1-رسالة حدوث العالم، تأليف آية الله الشيخ محمد باقر الاصطهباناتي قدس سره.

2-دليل الزائر .

3-ببلوغرافيا (ما كتب في حوزة سامراء).

الكتب التي هي قيد التحقيق

1 - كتاب الطهارة، تأليف السيّد إبراهيم الدامغاني قدس سره تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي قدس سره.

2- رسالة مقدمة الواجب، تأليف السيّد هاشم بحر العلوم قدس سره، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي قدس سره.

3- رسالة في عصمة الحجج، تأليف السيّد علي الحسيني الميبدي قدس سره.

4- مآثر الكبراء ج 5، تأليف العلَّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره.

5- مآثر الكبراء ج6، تأليف العلَّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي قدس سره.

6- نكت الرجال على كتاب منتهى المقال، تأليف آية الله السيّد صدر الدين الصدر قدس سره.

7- البيع، تأليف آية الله السيّد إبراهيم الدامغاني قدس سره، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي قدس سره.

8- نزهة الخواطر في بعض ما تركه الأوائل للأواخر، تأليف العلّامة إمام الحرمين محمد بن عبد الوهاب.

9- شرح اللمعتين، تأليف آية الله الشيخ عباس كاشف الغطاء قدس سره تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيّد محمد حسن الشيرازي قدس سره .

10- علماء تتلمذوا في سامراء.

11- مقررات مؤتمر عن الإمام الهادي علیه السلام.

12- أعلام سامراء.

ص: 192

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.