اعلام نهج البلاغة

هوية الکتاب

أعلام نهج البلاغة

تأليف: هاشم مرتضی

إخراج فني: زینب جواد

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة: 1433 ه- / 2012م

محرر رقمي: روح الله قاسمي

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة في رحاب نهج البلاغة

أعلام نهج البلاغة

هاشم مرتضى

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 4

تمهيد

«نهج البلاغة» بحر متلاطم، فيه خير الدنيا والآخرة، وفيه الكفاية لمن أراد الهداية، وهو خير مُعين ومَعين لرواد الحق والحقيقة.

سبق وأن تطرّقنا لموضوعات مختلفة تاريخية وأخلاقية وعقدية تم استنباطها من هذا الكتاب الشريف، وطبعت تحت عنوان «سلسة في رحاب نهج البلاغة» وبقي الكثير منها يحتاج إلى بحث وتنقيب.

ومن الأمور التي وردت الإشارة إليها في نهج البلاغة، ذكر أسماء مجموعة من الأعلام ذكرهم أمير المؤمنين علیه السلام في مقام المدح أو الذم، عدا ذكر بعض الأنبياء علیهم السلام، وقد خصّصنا هذه الحلقة من «سلسلة في رحاب نهج البلاغة» لتسليط الضوء على حياة هؤلاء الأعلام بصورة مختصرة لنتولى الصلحاء منهم ونتبرأ من الأشقياء.

وقدّمنا ذكر الأنبياء والأوصياء علیهم السلام على غيرهم، ثم ذكرنا الباقي بحسب ترتيب حروف الهجاء، ولم نقتصر على من ورد ذكره في كلام أمير المؤمنين علیه السلام، بل أوردنا من ذكرهم الرضي رحمه الله أيضاً في

ص: 5

مفتتح الخطب والكتب والحكم، أو في تعليقاته.

وقد سبقنا إلى هذا العمل، المرحوم الشيخ محمد هادي الأميني، و الأستاذ إبراهيم بابايي، وبما أنّ الأول مختصر ولم يكن متداولاً في الأسواق، والثاني باللغة الفارسية لا ينتفع به العربي، أحببنا تدوين هذه الرسالة مشاركة منّا في تعميم ثقافة نهج البلاغة.

ص: 6

الأنبياء والأوصياء صلی الله علیه و آله و سلم

1 - آدم علیه السلام

آدم علیه السلام أبو البشر، قيل سمّي بهذا الاسم لأنّه خلق من أديم الأرض أي وجهها وظاهرها، أو من الأدمة بمعنى السمرة، وقيل غير ذلك.

وردت قصة آدم علیه السلام في تراث الديانات السماوية أولا تخلو من أساطير لا تمت إلى الواقع بصلة، والعمدة عندنا ما ورد في القرآن الكريم والروايات الصحيحة، فقد ورد ذكره علیه السلام في القرآن (25) مرة، تطرقت إلى مسألة الخلقة، والاصطفاء، وسجود الملائكة، وتعليم الأسماء، واللبث في الجنّة والخروج منها، وقصة هابيل وقابيل.

وبما انّ هذا المختصر لا يسع للإسهاب في جميع ذلك، نقتصر على ما ورد في كلام أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة، حيث أشار علیه السلام إلى قصة نبي الله آدم في عدة موارد نوجزها فيما يلي:

أ - الاصطفاء: قال علیه السلام: «فلمّا مهد أرضه وأنفذ أمره، اختار آدم علیه السلام خيرة من خلقه، وجعله أوّل جبلّته: الخطبة: 90.

ص: 7

ب - الخلقة: قال علیه السلام: «ثمّ جمع سبحانه من حزن (1) الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربةً سنّها بالماء حتّى خلصت، ولاطها (2) بالبلّة حتّى لزبت (3)، فجبل منها صورةً ذات أحناءٍ ووصولٍ، وأعضاءٍ وفصولٍ، أجمدها حتّى استمسكت، وأصلدها حتّى صلصلت (4)، لوقتٍ معدودٍ، وأجلٍ معلومٍ.

ثمّ نفخ فيها من روحه فمثلت إنساناً ذا أذهانٍ يجيلها، وفكرٍ يتصرّف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلّبها، ومعرفةٍ يفرق بها بين الحقّ والباطل، والأذواق والمشامّ، والألوان والأجناس، معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة، من الحرّ والبرد والبلّة والجمود، والمساءة والسّرور».

ثم يشير علیه السلام إلى انّ أحد أسباب خلق آدم علیه السلام من الطين، هو امتحان الملائكة وابتلاؤهم، وإلّا كان بالإمكان خلقه من أنوار تخطف الأبصار، فقال علیه السلام: «ولو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رواؤه (5)، وطيب يأخذ الأنفاس ه.

ص: 8


1- الحزن: ما غلظ من الأرض.
2- لاطها: أي مزجها.
3- لزيت: أي التصقت وثبتت.
4- أصلدها: جعلها صلداً أي صلباً متيناً. وصلصلت: بیست.
5- رواؤه: منظره.

عَرفه (1) لفعل، ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، ولخفّت البلوى فيه على الملائكة. ولكنّ الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزاً بالاختبار لهم ونفياً للاستكبار عنهم، وإبعاداً للخيلاء منهم» الخطبة: 192.

ج - سجود الملائكة: قال علیه السلام: «واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيّته إليهم في الإذعان بالسجود له، والخنوع لتكرمته، فقال عز من قائل: (اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) وقبيله اعترتهم الحميّة، وغلبت عليهم الشقوة، وتعزّزوا بخلقة النار واستوهنوا خلق الصلصال الخطبة: 1.

د. السكن في الجنّة: قال علیه السلام: «ثم أسكن آدم داراً أرغد فيها عيشه، وآمن فيها محلّته» الخطبة: 1.

وقال علیه السلام: «وأسكنه جنّته، وأرغد فيها أكله» الخطبة: 90.

ه- - الهبوط: قال علیه السلام: «وحذّره إبليس وعداوته، فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة الأبرار، فباع اليقين بشكّه، والعزيمة بوهنه، واستبدل بالجذل وجلاً (2)، وبالاغترار ندماً، ثم بسط الله سبحانه له في توبته، ولقّاه كلمة رحمته، ووعده المردّ إلى جنّته، فأهبطه إلى .

ص: 9


1- عَرفه: ريحه.
2- الجذل: الفرح والسرور، والوجل: الخوف.

دار البليّة وتناسل الذرية» الخطبة: 1.

وقال علیه السلام: «وأوعز إليه فيما نهاه عنه، وأعلمه انّ في الاقدام عليه التعرّض لمعصيته، والمخاطرة بمنزلته، فأقدم على ما نهاه عنه موافاة السابق علمه، فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة به على عباده» الخطبة: 90.

ربما يقال انّ هذا النص وغيره من النصوص تدلّ على وقوع المعصية من آدم علیه السلام، وهذا يتنافى مع اعتقاد العصمة المطلقة التي تقول بها الشيعة.

ونقول في الجواب: انّ العمدة في الدليل على العصمة المطلقة، هو حكم العقل بوجوبها ولزومها، حيث انّ الغرض من إرسال الأنبياء إنّما هو هداية الناس وإيصالهم إلى الله تعالى وإلى كمالهم المطلوب، فلا يجوز أن يصدر منهم ما يخالف غرض إرسالهم وبعثته-م ممّا ينفّر الناس ويبعدهم عنهم، ولا شك انّ صدور المعاصي منهم ينفر عنهم ويمنع من استماع قولهم والاهتداء بهديهم، ويكون نقضاً للغرض، وعليه فهم معصومون عصمة مطلقة.

بعد ما ثبت هذا لابدّ من تأويل النصوص الموهمة لصدور المعاصي على ضوئه، وبخصوص قضية نبي الله آدما علیه السلام فقد قيل انّ النهي عن أكل الشجرة كان نهياً تنزيهياً لا تحريمياً، ولذا كان مخالفته كالمخالفة للأولى ولأيّ أمر تنزيهي أو إرشادي آخر ممّا لا يستلزم

ص: 10

العقاب والعذاب.

أما قوله علیه السلام: فباع اليقين بشكه فقد قيل انّه مثل قديم للعرب يضرب لمن عمل عملاً لا يفيده وترك ما ينبغي له أن يفعله أو يراد من اليقين اليقين بعداوة إبليس وبالشك الشك فيها.

أما التوبة فهي بمعنى الندم والرجوع، فكما تصحّ على صدور الذنب، تصحّ أيضاً على ترك المندوب، مضافاً إلى انّ التوبة تحسن أن تقع ممّن لا يعهد في نفسه قبيحاً على سبيل الانقطاع إلى الله والرجوع، ويكون وجه حسنها استحقاق الثواب، أو كونها لطفاً له ولغيره.

هذا هو المشهور عند الإمامية، نعم شذّ عنه بعض المتقدمين والمتأخّرين، فمن المتقدمين الشيخ المفيد رحمه الله حيث قال في أوائل المقالات: وأما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلى غير تعمّد، وممتنع منهم بعدها على كل حال» (1) وقال في تصحيح الاعتقاد: «و العقل يجوّز عليهم ترك المندوب إليه على غير التعمّد للتقصير والعصيان» (2).

ومن المتأخرين الشيخ محمد تقي التستري رحمه الله في كتابه بهج الصباغة حيث وافق الشيخ المفيد، وقال بعد ما ذكر نص كلامه من أوائل المقالات: «وما قاله الصواب، وعليه يحمل أكل آدم من الشجرة .

ص: 11


1- أوائل المقالات: 62 رقم 32
2- تصحيح الاعتقاد 129.

فإنّه لم يكن عن تعمّد لقوله تعالى: (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (1)

هذا وقد قيل انّ آدم علیه السلام عاش تسعمائة وستاً وثلاثين سنة، وتوفي يوم الجمعة لإحدى عشر يوماً خلت من المحرم بعد مرض طال عشرة أيام، ودفن في غار في جبل أبي قبيس فلما أن صار الطوفان أخذ نوح تابوته وحمله معه ودفنه في الغري (2)

2 - إبراهيم علیه السلام

قد اتفق أكثر الباحثين على انّ إبراهيم علیه السلام ولد في القرن العشرين قبل الميلاد، واختلف في مسقط رأسه فقيل أنّه ولد في أور الكلدانييّن، وقيل: مدينة كوثي، وقيل: موضع بين الحلة وبغداد يسمّى البُرص، وقيل في حرّان (3).

ولد علیه السلام في زمن نمرود بن كنعان الذي ساد في زمنه عبادة النيران والأصنام، وتنبأ الكهنة وأصحاب النجوم بولادته وما يحصل على يديه من إزالة الوثنية والشرك، فأمر نمرود بقتل الولدان (4)، ونجى إبراهيم علیه السلام من ذلك بمشيئة الله تعالى.

ص: 12


1- بهج الصباغة 1: 596.
2- راجع البحار للمجلسي 267:11 - 269.
3- راجع دائرة المعارف الإسلامية الكبرى 2: 180.
4- راجع مروج الذهب للمسعودي 44:1.

ورد ذكره علیه السلام في القرآن 69 مرة وفي 25 سورة، وخصّصت سورة باسمه، تتضمن هذه الآيات نبذة مختصرة عن حياته علیه السلام، وتشير إلى نظرته التوحيدية وبراءته من عبادة الكواكب، وإلى اراءته الملكوت، وإلى ابتلائه بكلمات وجعله إماماً، وإلى بناء الكعبة، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى وقصة الفداء وكسر الأصنام وغيرها.

وإلى إبراهيم علیه السلام ينتهي العرب وبنو إسرائيل، حيث انّ العرب تنتهي إلى إسماعيل علیه السلام، وبني إسرائيل إلى إسحاق صلی الله علیه و آله و سلم.

قال المسعودي: وتوفي خليل الله علیه السلام في الشام، وكان عمره إلى أن قبضه الله عزّ و جلّ مائة سنة وخمساً وتسعين سنة، وأنزل الله عليه عشراً من الصحف (1).

ورد ذكره علیه السلام في نهج البلاغة في قصار الحكم رقم 90 حيث قال علیه السلام: «انّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم تلا: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).

3 - موسى

ولد موسى علیه السلام في مصر تحت ظروف صعبة، حيث انّ فرعون

ص: 13


1- مروج الذهب للمسعودي 46:1.

رأى في المنام ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فسأل علماء قومه فقالوا: يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده، فأمر فرعون بقتل كل مولود يولد في تلك السنة، وأمر القوابل أن يفتشن النساء، وخفي عليهنّ حمل موسى علیه السلام إلى أن ولدته أمه خفية، ثم ألقته في اليم، والقصة مشهورة.

ورد ذكر موسى علیه السلام في القرآن (136) مرة في (34) سورة، تحدثت عن حياته وسيرته بالإجمال والتفصيل، وذلك للاعتبار من حالهم وما آل إليه أمرهم، لمشابهات كثيرة بين امتنا الإسلامية وأمة بني إسرائيل كما ورد في الحديث الشريف: «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشرٍ وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم» (1).

تتضمّن الآيات القرآنية موارد مختلفة من حياة موسى علیه السلام يمكن تلخيصها ضمن النقاط التالية: 1 - الولادة والنشأة في بيت فرعون 2 - الهجرة إلى مدين وخدمة شعيب علیه السلام 3 - تبليغ الرسالة والبعثة والمعجزة 4 - الرجوع إلى مصر مع هارون وإنذار فرعون 5 - غرق فرعون وجيشه 6 - ضلال بني إسرائيل بعبادة العجل 7 - التيه 8 - موسى والخضر. .

ص: 14


1- صحيح البخاري:8: 151، صحیح مسلم:8: 57.

عاش موسى علیه السلام (120) سنة، وقبض في ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان (1)، وكان وصيّه يوشع بن نون.

ورد ذكره علیه السلام في نهج البلاغة في الخطبة الرابعة حيث قال أمير المؤمنين علیه السلام: لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال.

وقال علیه السلام في الخطبة 160 في بيان زهد الأنبياء علیهم السلام: «وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) والله ما سأله إلّا خبزاً يأكله، لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل تُرى من شفيف صفاق (2) بطنه لهزاله وتشذّب لحمه (3)

وقال علیه السلام في الخطبة القاصعة رقم 192: «ولقد دخل موسى بن عمران وأخوه هارون علیهما السلام على فرعون، وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصيّ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه، ودوام عزّه، فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلّا ألقي عليهما أساورة من ذهب، إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولبسه.» .

ص: 15


1- البحار للمجلسي 13: 365 ح 6.
2- الصفاق: الجلد الباطن الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن، وشفيفه: رقيقه الذي يستشف ما وراءه.
3- تشذّب اللحم: تفرّقه.

4 - هارون علیه السلام

هارون علیه السلام أخو موسى من أمه وأبيه، بُعث مع أخيه موسى بطلب موسى ذلك ليؤازره ويساعده، فذهب مع أخيه إلى فرعون لإنذاره وبقي معه مسانداً لدعوته.

خلّفه موسى علیه السلام في قومه عند عزمه الذهاب إلى مناجاة ربه، وفي هذه الفترة أضلّ السامري بني إسرائيل حيث تركوا هارون ولم يسمعوا قوله، فغضب لذلك موسى على أخيه ثم عذره، ومات هارون قبل موسى علیه السلام بسنوات ثلاثة - كما قيل - وكان عمره 119 سنة.

5 - داود علیه السلام

ولد داود صلی الله علیه و آله و سلم عام 1033 قبل الميلاد، قيل انّ اسمه بمعنى داوى جرحه بودّ، أو داوى ودّه بالطاعة (1).

قال صاحب الكامل: كان داود بن إيشا من أولاد يهودا، وكان قصيراً أزرق قليل الشعر، فلما قُتل طالوت أتى بنو إسرائيل داود وأعطوه خزائن طالوت وملّكوه عليهم ... فلما ملك جعله الله نبياً ملكاً، وأنزل عليه الزبور وعلّمه صنعة الدروع، وألان له الحديد، وأمر الجبال والطير أن يسبّحن معه إذا سبّح، ولم يعط الله أحداً مثل صوته، كان إذا

ص: 16


1- البحار للمجلسي 14: 2 ح 4.

قرأ الزبور تدنو الوحش حتى يؤخذ بأعناقها، وكان شديد الاجتهاد كثير العبادة والبكاء، وكان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر» (1)

عاش داود علیه السلام مائة سنة، وملك أربعون سنة في فلسطين والأردن، وورد اسمه (16) مرة في القرآن الكريم.

ذكره أمير المؤمنين علیه السلام عند حديثه عن زهد الأنبياء علیهم السلام بقوله: «وإن شئت ثلّثت بداود صاحب المزامير، وقارئ أهل الجنّة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها، ويأكل قرص الشعير من ثمنها» الخطبة 160.

وذكر علیه السلام النوف البكالي انّ داود علیه السلام قام منتصف الليل وقال: «انّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلّا استجيب له إلّا أن يكون عشّاراً أو عريفاً أو شرطياً أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة» قصار الحكم: 99.

6 - عيسى صلی الله علیه و آله و سلم

عيسى بن مريم روح الله وكلمته كما في قوله تعالى: ﴿إإِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) حملت به أمّه بنفخة روحانيّة.

وسمّي بالمسيح لأنّه مسح باليمن والبركة، وقيلِ: لأنّه مسحه

ص: 17


1- البحار للمجلسي 14:14 عن الكامل لابن الأثير 1: 76.

جبرئيل بجناحه وقت ولادته وقيل لأنّه كان يمسح رأس اليتامى لله،:وقيل: لأنّه كان لا يمسح ذا عاهة إلّا أبرأه (1).

اقترنت حياته علیه السلام منذ تكوينه وإلى رفعه نحو السماء بالمعاجز وخوارق العادات فحمله و ولادته معجزة، وتكلّمه في المهد معجزة، وإحياؤه للأموات وشفاؤه للمرضى معجزة، ورفعه إلى السماء معجزة فكأنّ المعجزة تجسّدت فيه ...

قيل انّه مكث في الأرض (53) سنة يدعو الناس ويهديهم، إلى أن وشی به بعض مناوئيه فجاؤوا لأخذه فرفعه الله تعالى إليه وصلبوا غیره، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ النساء: 157.

ورد ذكره في نهج البلاغة في الخطبة رقم 160 عند ذكر زهد الأنبياء حيث قال أمير المؤمنين علیه السلام: «وإن شئت قلت في عيسى بن مريم، فلقد كان يتوسّد الحجر، ويلبس الخشن، وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يُذلّه، دابته رجلاه، وخادمه یداه». .

ص: 18


1- راجع البحار للمجلسي 14: 221.

7 - محمد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم

ورد ذكره صلی الله علیه و آله و سلم في كثير من الخطب، وقد أفردنا له كتاباً بعنوان: «سيرة النبي الأعظم في نهج البلاغة» ضمن هذه السلسلة.

8 - علي بن أبي طالب علیه السلام

أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى نفسه الشريفة في كثير من الخطب و الكتب، وقد أفردنا كتاباً بعنوان «سيرة أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة» ضمن هذه السلسلة.

9 - فاطمة الزهراء علیها السلام

روى أكثر العلماء أنّها سلام الله عليها ولدت في العشرين من جمادى الثاني لسنتين بعد المبعث وقيل في السنة الخامسة.

حملت بها أمّها خديجة بعد أربعين يوماً اعتزل عنها رسول الله بأمر الله تعالى، وولدتها بمساعدة أربعة من نساء الجنّة: سارة، وآسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران، وكلثوم أخت موسی.

سميت بفاطمة لأنّ الله تعالى فطمها وفطم من أحبها النار، وجعل رضاها رضاه وغضبها غضبه، وروي عن أبي عبد الله علیه السلام أنّه قال: لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة والصديقة والمباركة

ص: 19

والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدّثة والزهراء (1).

جرى عليها بعد أبيها خطوب من غصب حقها، والهجوم على دارها، وإسقاط جنينها، وكانت أوّل أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم لحوقاً به كما بشرها بذلك. ماتت إثر الهجوم على دارها ونشوب مسمار الباب في صدرها برفسة عمر، وأوصت أن تدفن ليلاً ولا يحضرها من ظلمها.

واختلفت الأقوال في يوم وفاتها، واستظهر الشيخ عباس القمي رحمه الله أنّها توفيت في الثالث من شهر جمادى الآخرة (2).

ورد ذكرها في نهج البلاغة في الخطبة 202 التي قالها أمير المؤمنين علیه السلام بعد ما فرغ من دفنها وهو يخاطب رسول صلی الله علیه و آله و سلم ويشكو إليه ما جرى عليها، وفي أولها: السلام عليك يا رسول الله عنّى وعن ابنتك النازلة في جوارك ...». كما أشار علیه السلام إليها في جواب معاوية حيث كتب علیه السلام إليه: ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب. الكتاب: 28.

10 - الإمام الحسن علیه السلام

ولد الإمام الحسن علیه السلام في السنة الثالثة للهجرة في ليلة الثلاثاء ليلة النصف من شهر رمضان المبارك على المشهور، وقيل: ولد في السنة الثانية.

ص: 20


1- الخصال للصدوق: 414، عنه البحار للمجلسي 10:43.
2- منتهى الآمال 1: 268

سمّاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالحسن بأمر الله تعالى، وكنيته الشريفة أبو محمد، وألقابه: السيد والسبط والأمين والحجة والبر والنقي والزكي والمجتبى والزاهد (1).

كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يحبّه حباً شديداً، وكان يقول: «من أحبني فلیحبه» روی ابن شهر آشوب عن محمد بن إسحاق: «ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما بلغ الحسن، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس ولقد رأيته في طرق مكة ماشياً، فما من خلق الله أحد رآه إلّا نزل ومشى» (2)

بايعه الناس بعد أمير المؤمنين علیه السلام، ومنذ بيعته بدأ معاوية بدسّ الفتن وإرسال العيون ليفسد الأمر على الإمام علیه السلام، وجرت بينهما مكاتبات ومراسلات انتهت إلى الاستعداد للقتال، ولكن لم يتم الأمر بسبب خيانة قوّاد جيش الإمام وجنده، والتعدّي على الإمام وإرادة قتله ممّا اضطرّ الإمام الحسن علیه السلام لتوقيع المهادنة بينه وبين معاوية ضمن شروط. ولكن معاوية لم يف بتلك الشروط، وفي النهاية دسّ السم إلى الإمام الحسن علیه السلام بيد جعدة زوجة الإمام، وفاضت روحه القدسية إثر ذلك السم في السابع من صفر سنة خمسين للهجرة، وقيل: في الثامن 8

ص: 21


1- منتهى الآمال 1: 419
2- المناقب لابن شهر آشوب 4: 7، عنه البحار 43: 338

والعشرين من ذلك الشهر عن عمر (47) سنة على المشهور.

ورد ذكره علیه السلام في نهج البلاغة الخطبة: 72 في استشفاعه لمروان لما أخذ أسيراً يوم الجمل، وفي الخطبة 207 لما رأى أمير المؤمنين صلی الله علیه و آله و سلم تسرع الإمام الحسن في القتال أيام صفين فقال: «أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني» وفي كتاب 24 عند ما أوصى بما يعمل في أمواله عند منصرفه من صفين، وفي كتاب 31 وهي وصية جامعة كتبها للإمام الحسن صلی الله علیه و آله و سلم فيها خير الدنيا والآخرة، وفي وصية أخرى أوصى بها الحسنين لما ضربه ابن ملجم برقم (47)، وفي قصار الحكم (34) حيث أوصاه بأربعة أشياء، وفي قصار الحكم أيضاً (224) حيث قال له: «لا تدعونّ إلى مبارزة، وإن دُعيت إليها فأجب، فإنّ الداعي باغ والباغي مصروع»، وفي قصار الحكم أيضاً: (404) حيث أوصاه بأن لا يخلّف وراءه شيئاً من الدنيا.

11. الإمام الحسين علیه السلام

ولد الإمام الحسين علیه السلام في الثالث من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة على الأشهر، وأمر الله تعالى جبرئيل أن يهبط إلى الأرض في ألف الملائكة فيهنّئ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالمولود الجديد (1)، وسمّاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأمر من الله تعالى بالحسين.

ص: 22


1- الأمالي للصدوق: 118

كان رسول الله يحبه حباً شديداً حتى أنه قال: «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً» (1).

وتنبّأ صلی الله علیه و آله و سلم عند ولادته باستشهاده مظلوماً طالباً الإصلاح في أمة جدّه بعد ما حصل فيها من الفساد والجور جرّاء حكم بني أمية، فقتل مظلوماً شهيداً مع خاصة ولده وعشيرته وأصحابه في العاشر من محرم الحرام سنة (61) هجرية وعمره علیه السلام (58) سنة.

وردت روايات كثيرة في ثواب البكاء عليه وتعاهد زيارته، كما كان الأئمة علیهم السلام يقيمون مجالس العزاء لأجله ويأمرون الشعراء بإنشاد الشعر والتذكير بمصابه.

ورد ذكره في نهج البلاغة في الخطبة 72، عندما جاء مع أخيه الإمام الحسن علیه السلام استشفاعاً لمروان لما أخذ أسيراً يوم الجمل، وورد أيضاً اسمه الشريف في الخطبة 182 حيث كان أمير المؤمنين علیه السلام يستنهض الجيش لقتال معاوية، فعقد للحسين علیه السلام في عشرة آلاف، كما ورد ذكره في وصية أمير المؤمنين علیه السلام له ولأخيه بما يعمل في أمواله وهي برقم (24) من الكتب والرسائل، وكذلك وصيته علیه السلام لهما برقم (47) عندما ضربه ابن ملجم لعنه الله. .

ص: 23


1- مسند أحمد 4: 172 سنن ابن ماجة،1: 51، سنن الترمذي 5: 324، وقال: حديث حسن.

12. الإمام محمد الباقر علیه السلام

ولد الإمام محمد الباقر علیه السلام في يوم الاثنين في الثالث من شهر صفر، وقيل في رجب سنة (57) للهجرة بالمدينة المنورة، وأمّه فاطمة بنت الإمام الحسن الله، قال عنها الإمام الصادق: «كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن امرأة مثلها» (1).

اسمه الشريف محمد، وكنيته أبو جعفر، وألقابه الباقر والشاكر والهادي، وأشهر ألقابه الباقر حيث لقبه به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في كلامه لجابر بن عبدالله: يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد، يبقر علم الدين بقراً، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام»(2).

توفي علیه السلام على الأشهر في يوم الاثنين السابع من ذي الحجة عام (114) ه- وهو ابن سبع وخمسين سنة أثر سمّ دسّه إليه هشام بن عبد الملك، ودفن بالبقيع عند جدّه وأبيه.

ذكره الشريف الرضي في سند قصار الحكم رقم 83 في ذكر الأمانين الذين كانا في الأرض وهما: الاستغفار ووجود رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

13 الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ولد الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام في السابع عشر من ربيع

ص: 24


1- الدعوات للراوندي: 68 ح 165، عنه البحار 46: 215.
2- الإرشاد للمفيد: 262، عنه البحار 46: 222 ح6.

الأول يوم الاثنين سنة (83) للهجرة، كنيته أبو عبد الله، ومن ألقابه الصابر والفاضل والطاهر والصادق.

وروي في شمائله أنّه علیه السلام ربع القامة، أزهر الوجه، حالك الشعر، جعد، أشمّ الأنف، رقيق البشرة، دقيق المسربة، على خدّه خال أسود.

أمّه فاطمة المكناة بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال في حقها الإمام الصادق علیه السلام: كانت أمّي ممّن آمنت واتقت وأحسنت، والله يحب المحسنين» (1).

ومنه تشعّبت العلوم وتشيّدت أركان المذهب، حتى سمّي باسمه وقيل المذهب الجعفري، وتخرج على يده آلاف العلماء والمحدّثين.

توفي علیه السلام في شهر شوال سنة 148ه- بالعنب المسموم الذي أطعمه المنصور الدوانيقي، وكان عمره الشريف (65) سنة، ودفن بالبقيع عند أبيه وجدّه.

ورد ذكره في نهج البلاغة في سند خطبة الأشباح برقم 90.

***

هذا ما ورد من أسماء الأنبياء والأوصياء في نهج البلاغة، وسنأتي بذكر غيرهم بحسب ترتيب حروف الهجاء. 3

ص: 25


1- الكافي للكليني 1: 393

14 - أبوطالب علیه السلام

أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي.

ولد بمكة عام 535م قبل ولادة النبي صلی الله علیه و آله و سلم بخمس وثلاثين سنة، وقد اختلف في اسمه فقيل: عبد مناف، ويؤيّده ما روي من انّ عبد المطلب قال:

وصّیت من کنیته بطالب *** عبد مناف وهو ذو تجارب (1)

وقيل: عمران، ويؤيّده ما ورد في إحدى زيارات النبي صلی الله علیه و آله و سلم: السلام على عمك عمران أبي طالب (2).

وقيل: انّ اسمه كنيته يؤيّده انّ أمير المؤمنين علیه السلام كتب في بعض رسائله: عليّ بن أبو طالب، وكذلك يؤيده قول الحاكم: «أكثر المتقدّمين على انّ اسمه كنيته» (3).

وهو كفيل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وحاميه في مواطن كثيرة منذ ظهور الدعوة وإلى أن توفاه الله تعالى، كان آخرها وأشدّها شعب أبي طالب حيث أخرج بني هاشم المؤمن والكافر إلى الشعب حماية عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم، إلى أن فرّج الله تلك الشدّة بالبعوضة التي أكلت الصحيفة.

ص: 26


1- البحار للمجلسي 18: 238.
2- البحار للمجلسي 100: 189.
3- راجع الإصابة لابن حجر 7: 196 رقم 10175.

توفي مؤمناً موحداً بمكة في السنة العاشرة من البعثة، قبل الهجرة بثلاث سنين وكان عمره بضع وثمانون سنة، وسمّى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم العام الذي توفي فيه أبو طالب وخديجة بعام الحزن، وقد روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال: «انّ نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلّا خمسة أنوار نور محمد صلی الله علیه و آله و سلم، ونوري، ونور الحسن والحسين، ونور تسعة من ولد الحسين (1).

ورد ذكره في نهج البلاغة في الكتاب رقم 17 كتبه أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية حيث قال: وأما قولك أنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب.

15. أحمد بن قتيبة

لم نعثر على ترجمة لهذا الشخص، غير أنّ اسمه جاء في سند بعض الروايات تارة من دون لقب، وتارة بلقب الهمداني، ولذا قال السيد الخوئي أنهما اثنان: الأول روى عن الحسين بن سعيد، وروى عنه أحمد ابن موسى بن إسحاق التميمي، والثاني روى عن إسحاق بن عمار وروى سعيد بن عبد الله عن بعض أصحابه عنه (2).

ص: 27


1- البحار 69:35
2- معجم رجال الحديث 2: 203 رقم 766 و 767.

وقال ابن أبي الحديد: انّه رجل من رجال الشيعة ومحدّثيهم (1) بينما ذهب الشيخ التستري في القاموس إلى انّ الظاهر عامّيته (2)

ورد اسمه في نهج البلاغة في سند الخطبة رقم 233 عند ذكر اختلاف الناس.

16. أحمد بن يحيى (أبو العباس ثعلب)

هو أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني (أبو العباس ثعلب) إمام الكوفيين في النحو واللغة، ولد سنة مائتين وقيل غير ذلك.

سمع ابن الأعرابي والزبير بن بكار وابن الأنباري وغيرهم وكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا، ثقة بغزارة حفظه (3).

قال: ابتدأت بالنظر في العربية والشعر واللغة في سنة ست عشرة، وحذقت العربية وحفظت كتب الفراء كلّها حتى لم يشذّ عنّي حرف منها ولي خمس وعشرون سنة، وكنت أعنى بالنحو أكثر من عنايتي بغيره، فلما أتقنته أكبيت على الشعر والمعاني والغريب، ولزمت

ص: 28


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 13: 18.
2- قاموس الرجال 1: 557.
3- معجم المطبوعات العربية لسركيس 1: 662.

ابن الأعرابي بضع عشرة سنة (1).

وله مؤلفات كثيرة ذكرت في الفهرست لابن النديم مات سنة 291 ه-، ودفن في جوار داره بقرب باب الشام.

أورده الرضي رحمه الله في ذيل الحكمة رقم 422 في تقوية نسبة قوله علیه السلام «أخبر تقله» إلى عليّ علیه السلام حيث قال: «و ممّا يقوّي أنّه من كلام أمير المؤمنين علیه السلام ما حكاه ثعلب قال: قال حدثنا ابن الأعرابي قال: ...

17 - الأحنف بن قيس

هو الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة ابن النزال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وأمه من بني قراض من باهلة ولدته وهو أحنف (2) الرجل لذا سمّي بالأحنف.

أسلم في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولم يلقه، وقال لقومه عندما دعاهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم للإسلام: «انّه ليدعوكم إلى الإسلام وإلى مكارم الأخلاق، وينهاكم عن ملائمها فأسلموا، وأسلم الأحنف ولم يفد» (3).

ص: 29


1- الفهرست لابن الندیم: 80.
2- الطبقات لابن سعد 7: 93.
3- المعارف لابن قتيبة: 423.

كان من سادات أهل البصرة والتابعين، ومن عقلاء الناس وفصحائهم، عدّه ابن شهر آشوب في معالم العلماء من شعراء أهل البيت علیهم السلام المقلّين، وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام وأصحاب الإمام الحسن علیه السلام (1).

ويحكى من عظمة قدره أنّه إذا دخل المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة لا تبقى حبوة إلّا حلّت إعظاماً له (2).

وذكره ابن داود في رجاله وقال انّه ممدوح (3). وكان يضرب بحلمه المثل (4). قيل انّه شتمه رجل وجعل يتبعه و يشتمه، فلما قرب الحي وقف وقال: يا فتى إن كان قد بقي في قلبك شيء فقله كيلا يسمعك سفهاء الحي فيجيبوك (5).

قال عنه ابن سعد في الطبقات: «كان ثقة مأموناً، قليل الحديث وقد روى عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي ذر» (6).

وقال ابن حبان: «كان من سادات الناس، وعقلاء التابعين وفصحاء أهل البصرة وحكمائهم ممن فتح على يده الفتوح الكثيرة 3

ص: 30


1- راجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي 3: 166.
2- الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي 2: 12.
3- رجال ابن داود: 46 رقم 147.
4- الإصابة لابن حجر 1: 332 رقم 429.
5- شرح النهج لابن أبي الحديد 11: 218
6- الطبقات لابن سعد:7: 93

للمسلمين» (1).

هذا من حيث الخُلُق، أما من حيث الخلقة، فقد وصفه ابن قتيبة في المعارف في أهل العاهات قائلاً:

كان أعور، ويقال ذهبت عينه بسمرقند، ويقال بل ذهبت بالجدري، وكان أحنف الرجل يطأ على وحشيها، متراكب الأسنان، صعل الرأس، مائل،الذقن، خفيف العارضين» (2).

يرى المتصفح لحياته انّ مواقفه كانت متذبذبة، فرغم عدّه من قبل الشيخ الطوسي في أصحاب أمير المؤمنين والإمام الحسن علیهما السلام ورغم كونه ممدوحاً عند ابن داود، لكن نرى انّ صاحب إكمال تهذيب الكمال ينقل عن كتاب المستوفي لابن دحية انّ الأحنف كان في جملة أصحاب سجاح ثم تاب (3) ونراه اشترك في الفتوحات وفتحت على

يده مدن كثيرة.

ونرى بعد ذلك اعتزاله في واقعة الجمل وعدم نصرته لأمير المؤمنين علیه السلام وذكر البلاذري أنّه أرسل إلى على علیه السلام وقال له: إن شئت أتيتك فكمنت معك، وإن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف - أو قال: أربعة آلاف سيف - فاختار اعتزاله فاعتزل 9.

ص: 31


1- مشاهير علماء الأمصار لابن حبان: 142 رقم 641.
2- المعارف لابن قتيبة: 578.
3- إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي: 19 رقم 339.

بناحية وادي السباع (1)، وكان ينبغي له أن لا يعتذر بهذا العذر وينصر أمير المؤمنين علیه السلام.

ثم نراه في حرب صفين ينصر علياً مع قومه، ويقول لابن عباس لما دعاهم إلى نصرة علي علیه السلام: «نعم والله لنجيبنّك ولنخرجنّ معك على العسر واليسر والرضا والكره، نحتسب في ذلك الأجر، ونأمل به من الله العظيم حسن الثواب (2).

ثم يذكر الكشي أنّه جاء إلى معاوية واشترى معاوية منه دينه بخمسين ألف درهم، وأنّه قال لمعاوية لما سأله عن حاجته: «تدر على الناس عطياتهم وأرزاقهم، فإن سألت المدد أتاك منّا رجال سليمة الطاعة، شديدة النكاية» (3) ولكن علّق الشيخ حسن صاحب المعالم على هذا وقال: «ليس لذلك سند يبنى عليه» (4).

ثم نراه في إحدى اجتماعاته مع معاوية يدافع عن عليّ علیه السلام ويقول له لما سمع شامياً سب علياً علیه السلام عنده: «فاتق الله يا معاوية، ودع عنك علياً فقد لقى ربه بأحسن ما عمل به عامل (5). 5

ص: 32


1- أنساب الأشراف للبلاذري: 237.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 3: 187
3- رجال الكشي 1: 304 رقم 145.
4- التحرير الطاووسي: 81 رقم 50.
5- أعيان الشيعة للعاملي 7: 385

نراه لم ينصر الحسين علیه السلام، ولم يخرج مع المختار في الطلب بثاره، بل يقال أنّه كان صديقاً لمصعب بن الزبير (1)، وأنّه بقي إلى زمن مصعب بن الزبير فخرج معه إلى الكوفة (2).

هذا ما وقفنا عليه من حياته، وقد مات عن عمر يناهز التسعين بالكوفة، عام 67ه-، وصلى عليه مصعب ومشى في جنازته بلا رداء، ودفن في الثوية حيث الآن مرقد كميل بن زياد النخعي.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 128 مما كان يخبر به أمير المؤمنين علیه السلام عن الملاحم بالبصرة حيث قال: «يا أحنف كأنّي به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ...» حيث يومئ إلى صاحب الزنج.

18 - الأسود بن قطبة

عدّه السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام، ولكن قال عنه ابن أبي الحديد: «لم أقف إلى الآن على نسب الأسود بن قطبة، وقرأت في كثير من النسخ أنّه حارثي من بني الحارث بن كعب، ولم أتحقق ذلك، والذي يغلب على ظنّي أنه الأسود بن زيد بن قطبة بن غنم الأنصاري من بني عبيد بن عدي. ذكره أبو

ص: 33


1- الطبقات لابن سعد 7: 97
2- المعارف لابن قتيبة: 424.

عمر ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب وقال: انّ موسى بن عقبة عدّه فيمن شهد بدراً» (1).

ذكره ابن ماكولا بكنية أبو مفزِّر وقال: «فهو أبو مفزِّر الأسود بن قطبة، شهد فتح القادسية وما بعدها، وهو رسول سعد إلى عمر بفتح جلولاء، وله أشعار كثيرة ذكره سيف» (2). وفي الإصابة أنّه كان مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر (3).

وقد ذهب السيد مرتضى العسكري إلى أنّه من مختلقات سيف بن عمر التميمي (4).

ورد ذكره في نهج البلاغة في الكتاب رقم 59 حيث كتبه أمير المؤمنين علیه السلام إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان.

19 - الأشعث بن قيس

الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن ثور الكندي، يكنى أبا محمد، وأمه كبيشة بنت يزيد من ولد الحارث بن عمرو بن معاوية.

ص: 34


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 17: 145.
2- إكمال الكمال لابن ماكولا 7: 283
3- الإصابة لابن حجر 1: 340 رقم 456.
4- عبد الله بن سبأ للعسكري 409:2

أسلم في أخريات حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم و وفد إليه في السنة العاشرة في سبعين من كندة، وكان من ملوك كندة (1).

قيل: اسمه معد يكرب، وإنّما لقّب بالأشعث لأنّه كان أشعث الرأس (2).

وقد ارتد بعد رحيل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فحاربه زیاد بن لبید وأخذه أسيراً إلى أبي بكر، فقال له: استبقني لحربك وزوجني أختك ففعل أبو بكر فمنّ عليه وزوّجه أخته أم فروة، فولدت له محمد بن الأشعث (3) ثم شارك في الفتوحات.

وقيل انّ أبا قحافة زوّجه عند قدومه على النبي صلی الله علیه و آله و سلم، لكنّه لم يرتض أن تذهب معه إلى اليمن، فبقت في المدينة، وبعدما أسر الأشعث وأطلق أبو بكر سراحه أرجع له زوجته بالنكاح الأول (4).

وفي زمن عثمان كان عامله على آذربيجان، وأبقاه علي علیه السلام بعد ما أخذ منه مائة ألف درهم كان عثمان أعطاها إياه، فأرجعها إلى بيت مال المسلمين (5).6

ص: 35


1- الإصابة لابن حجر 1: 239 رقم 205.
2- م. ن.
3- الطبقات لابن سعده 10.
4- تهذيب الكمال للمزي 3: 288
5- دعائم الإسلام للقاضي النعمان 1: 296

وكان له أثر كبير في انتقاض الأمر على أمير المؤمنين علیه السلام في قضية التحكيم، وقد قال لعلي علیه السلام: «افعل وإلّا قتلناك بالسيوف التي قتلنا بها عثمان» (1)، وقال ابن أبي الحديد: «كل فساد كان في خلافة علي وكل اضطراب حدث فأصله الأشعث، ولولا محاقته أمير المؤمنين في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب النهروان ولكان أمير المؤمنين ينهض بهم إلى معاوية ويملك الشام» (2).

وذكر ابن أبي الحديد أيضاً أنّه كان ممن يبغض علياً، وقد بايع هو وجرير ضباً بالخلافة (3)، وفي الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام انّ أمير المؤمنين نهى بالكوفة عن الصلاة في مسجد الأشعث بن قيس (4). ومن شؤمه ولؤمه أنّه شارك في دم أمير المؤمنين علیه السلام وابنه محمد شارك في دم الحسين علیه السلام وابنته جعدة شاركت في دم الإمام الحسن علیه السلام كما عن أبي عبدالله علیه السلام (5)، وقال الشيخ عباس القمي: «انّ ما ورد في ذم الأشعث أكثر من أن يذكر، وفي كلمات أمير المؤمنين علیه السلام عبّر عنه بابن الخمارة وعرف النار» (6). 5

ص: 36


1- العمدة لابن البطريق: 330
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 279
3- م. ن 74:4.
4- الكافي للكليني 3: 49 ح 3.
5- م. ن 8: 167 ح 187.
6- الكنى والألقاب 2: 35

مات سنة أربعين بعد مقتل علي علیه السلام بأربعين ليلة وهو ابن ثلاث وستين سنة (1).

ورد ذكره في نهج البلاغة في الكتاب (5) لما كان عامل أمير المؤمنين علیه السلام على آذربيجان ينصحه بحفظ الأمانة وعدم التعدّي على بيت المال، وفي قصار الحكم 282 و 402 عزّاه بابن مات له، وأشار إليه في الخطبة 223 حيث جاء إلى عليّ بملفوفة رشوة ليقضي بعض مآربه فردّه الإمام ونهره.

وأشدّ من كل ذلك قوله في الخطبة 19 لما اعترض عليه الأشعث وهو علیه السلام على المنبر، فقال له: «وما يدريك ما عليّ مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين، حائك ابن حائك، منافق ابن كافر، والله لقد أسرك الكفر مرّة والإسلام أخرى، فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك، وانّ امرأ دلّ على قومه السيف، وساق إليهم الحتف لحري أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد».

قال الرضي رحمه الله: أنّه أسر في الكفر مرة [حينما خرج بطلب ثار أبيه فأسر وفدى نفسه بثلاثة آلاف ابل] وفي الإسلام مرة [أي حينما ارتد وأسر] وأما قوله «دلّ على قومه السيف» فأراد به حديثاً كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة، غرّ فيه قومه ومكر بهم حتى أوقع .

ص: 37


1- تاریخ بغداد للخطيب 1: 210.

بهم خالد، وكان قومه بعد ذلك يسمّونه عرف النار، وهو اسم للغادر عندهم.

20 - أم جميل بنت حرب (حمالة الحطب)

أم جميل هي أروى بنت حرب بن أمية بن عبدشمس أخت أبي سفيان زوجة أبي لهب وعمة معاوية، قيل في وجه تسميتها بحمالة الحطب في القرآن أقوال: منها أنّها كانت تمشي بالنميمة، تقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا كان يسعى بينهم بالنميمة، ومنها أنّها كانت تأتي بالشوك والعصاة فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ومنها أنّها حمالة الخطايا بدليل قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ)، وقول العرب: فلان يحطب على ظهره إذا أساء.

كانت شديدة العناد الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ولشدّة عنادها نزلت في حقها وحق زوجها أبي لهب سورة (تبت) روى الحميري في قرب الإسناد انّ أم جميل امرأة أبي هب أتته [أي أتت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ] حين نزلت سورة تبت ومع النبي صلی الله علیه و آله و سلم أبو بكر بن أبي قحافة فقال: يا رسول الله هذه أم جميل محفظة - أي مغضبة - تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به، فقال: انّها لا تراني فقالت لأبي بكر: أين صاحبك، قال: حيث شاء الله، قالت: لقد جئته ولو أراه لرميته فإنّه هجاني، واللات والعزى إنّي لشاعرة، فقال أبو بكر يا رسول الله لم ترك؟ قال: لا،

ص: 38

ضرب الله بيني وبينها حجاباً (1).

ورد ذكرها في نهج البلاغة الكتاب رقم 28 في جواب معاوية: ومنّا خير نساء العالمين، ومنكم حمّالة الحطب).

21 - امرؤ القيس

امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حُجر آكل المُرار ابن معاوية بن ثور وهو كندة، وأمّه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابن ربيعة التغلبيين. ويكنّى بأبي الحارث وقيل: أبو وهب، ويلقّب بالملك الضّلّيل وذي القروح.

وهو في الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين، وفضّلوه على غيره لأنّه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها، واستحسنتها العرب و اتبعته فيها الشعراء: استيقاف صحبه، والتبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وشبّه النساء بالظباء والبيض، وشبّه الخيل بالعقبان والعصي، وقيّد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين النسيب وبين المعنى (2).

قالوا فيه أنّه كان مثناء لا ذكر له، وغيوراً شديد الغيرة، فإذا ولدت له بنت وأدها، فلما رأى ذلك نساؤه غيّبن أولادهنّ في أحياء

ص: 39


1- قرب الإسناد: 329.
2- طبقات فحول الشعراء للجمحي: 55

العرب، وبلغه ذلك فتتبعهنّ حتى قتلهنّ (1)

مات أثر لبسه حلّة مسمومة أرسلها له الطمّاح، فسقط جلده ولذلك سمّي بذي القروح، ومات في أنقرة ودفن في سفح جبل يقال له عسیب (2).

ورد ذكره في نهج البلاغة قصار الحكم 443 حينما سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن أشعر الشعراء، فقال: «انّ القوم لم يجروا في حلبة تُعرف الغاية عند قصبتها، فإن كان ولابدّ فالملك الضليل» قال الرضي: يريد امرأ القيس.

22 - أمية بن عبد شمس

هو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أصل الشجرة الملعونة في القرآن، قال السيد الشوشتري رحمه الله في إحقاق الحق: روي بطريق علماء أهل البيت وغيرهم انّ بني أمية ليسوا من قريش، فكان لعبد شمس بن عبدمناف عبد رومي يقال به أمية، فنسب إلى عبد شمس، وقيل أمية بن عبد شمس، ونسبت عامة النسابين الغير العارفين بحقائق الأنساب بني أمية إلى قريش، وأصلهم من الروم، وذلك انّ العرب كان من سيرتهم أن يلحق الرجل بنسبه عبده» (3).

ص: 40


1- الشعر والشعراء لابن قتيبة: 63.
2- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 9: 118.
3- إحقاق الحق للشوشتري: 249.

وكذلك قال صاحب إلزام النواصب مفلح بن راشد (ق9) «انّه لم يكن من صلب عبد الشمس بن عبد مناف، وإنّما هو عبد من الروم، فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه، فبنو أمية جميعهم ليسوا من صلب قريش، وإنّما هم ملحقون بهم وتصديق ذلك جواب أمير المؤمنين صلی الله علیه و آله و سلم لمعاوية لما كتب إليه إنّما نحن وأنتم بنو عبد مناف، فكتب في جوابه

علیه السلام: «ليس المهاجر كالطليق وليس الصريح كاللصيق» وهذا شهادة من أمير المؤمنين علي علیه السلام على بني أمية أنّهم لصايق، وليسوا بصحيح النسب إلى عبد مناف، ولم يستطع معاوية إنكار ذلك» (1).

وقال البهائي صاحب الكامل: انّ أمية كان غلاماً رومياً لعبد شمس، فلما ألقاه كيّساً فطناً أعتقه وتبنّاه، فقيل: أمية بن عبد شمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية: زيد بن محمد» (2).

ثم انّ أمية هذا لما كان غلاماً كان يسرق الحاج، فسمّي حارساً (3). وأنّه كان صاحب عهار، يدل عليه قول نفیل بن عبدالعزّى جد عمر حين تنافر إليه حرب بن أمية وعبد المطلب بن هاشم، فتفر عبد المطلب وتعجب من إقدامه عليه وقال: .

ص: 41


1- إلزام النواصب: 179 عنه البحار 31: 544،
2- كامل البهائي 1: 269، عنه البحار 31: 543
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 15: 233 نقلاً عن هشام الكلبي.

أبوك معاهر وأبوه عف *** وذاد الفيل عن بلد الحرام (1)

قالوا: صنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحد من العرب، زوج ابنه أبا عمرو بن أمية امرأته في حياة منه، والمقتيون في الإسلام هم الذين أولدوا نساء آبائهم واستنكحوهنّ من بعد موتهم، وأما أن يتزوّجها في حياته ويبني عليها وهو يراه، فإنّ هذا لم يكن قط، وأمية قد جاوز هذا المعنى، ولم يرض بهذا المقدار حتى نزل عنها له وزوّجها منه (2).

قالوا: كان أمية بالشام فوقع على أمة يهودية من أهل صفورية، فولدت ولداً سمّاه ذكوان، فاستلحقه أمية وسمّاه أبا عمرو، ولذلك قال صلی الله علیه و آله و سلم لعقبة بن أبي معيط [ ابن أبي عمرو ] حين أمر بقتله يوم بدر: «إنّما أنت يهودي من صفورية» (3).

ورد ذكره في الكتاب رقم 17 جواباً عن كتاب معاوية وفيه: ليس أمية كهاشم ... ولا الصريح كاللصيق.

23 - أنس بن مالك

هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام ...

ص: 42


1- النزاع والتخاصم للمقريزي: 47.
2- النزاع والتخاصم للمقريزي: 50.
3- معجم ما استعجم للبكري 3: 837 تنبيه الغافلين لابن كرامة: 106، السيرة الحلبية 2: 442.

الخزرجي النجاري من بني عدي بن النجار، خادم النبي صلی الله علیه و آله و سلم وكان عمره حين قدم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المدينة عشر سنين وقيل غير ذلك، كنيته أبو حمزة.

جاءت به أمّه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين قدم إلى المدينة وقالت له: «هذا أنس غلام يخدمك، فقبله» (1).

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: «ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين انّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن علي علیه السلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة، فمنهم أنس بن مالك ...» (2).

وحديث الطائر المشوي خير شاهد على ذلك، حيث ردّ علياً من الباب ثلاث مرات لما دعا النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يحضر لأكل الطير معه رجل يحبه الله، فجاء علي ثلاث مرات وردّه أنس، وقد برّر موقفه لما أنّبه النبي صلی الله علیه و آله و سلم على صنيعه بأنّه أراد أن يكون رجلاً من قومه.

كان مكثراً في الرواية، وقد ورد عن أبي عبد الله علیه السلام: «ثلاثة كانوا يكذبون على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أبو هريرة، وأنس بن مالك ...) (3).

توفي في قصره قرب البصرة ودفن فيه عام 93 وعمره 103 سنة .

ص: 43


1- الإصابة لابن حجر 1: 275 رقم 277
2- شرح النهج 4: 74.
3- الخصال للصدوق: 190 ح 263.

على أشهر الأقوال (1)، وهو آخر من توفي من الصحابة بالبصرة، وخلف ثمانين ولداً ذكراً وابنتين.

ورد ذكره في قصار الحكم 302 حيث بعثه أمير المؤمنين علیه السلام إلى طلحة والزبير لما جاءا إلى البصرة يذكر هما شيئاً سمعه من رسول الله في معناهما، فلوى عن ذلك فرجع إليه فقال: إنّي نسيت ذلك الأمر، فقال: «إن كنت كاذباً فضربك الله بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة يعني البرص، فأصاب أنساً هذا الداء فيما بعد في وجهه، فكان لا يرى إلا مبرقعاً.

24 - البرج بن مسهر الطائي

هو البرج بن مسهر - بضم الميم وكسر الهاء - بن الجلاس بن وهب بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طي ... شاعر مشهور من شعراء الخوارج (2).

ورد ذكره في الخطبة 184 حيث قال له أمير المؤمنين علیه السلام لما سمع قوله (لا حكم إلا الله): «أسكت قبّحك الله يا أثرم، فوالله لقد ظهر الحق فكنت فيه ضئيلاً شخصك، خفياً صوتك، حتى إذا نعر الباطل نجمت

ص: 44


1- أسد الغابة لابن الأثير:1: 128.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 10: 130

نجوم قرن الماعز والأثرم من سقطت ثناياه.

ويظهر انّ هذا غير الشاعر الجاهلي البرج بن مسهر الطائي المعمّر الذي كان دائم السكر وافتضّ أخته في سكره وذهب إلى الروم من عار الفضيحة، وتنصّر هناك ومات من سكره (1).

25 - بسر بن أرطاة

هو بسر بن أرطاة - وقيل: ابن أبي أرطاة - بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ولد قبل وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم بسنتين.

قال ابن الأثير: «شهد صفين مع معاوية، وكان شديداً على علي وأصحابه، قال أبو عمر: كان يحيى بن معين يقول: لا تصح له صحبة، وكان يقول: هو رجل سوء. وذلك لما ركبه في الإسلام من الأمور العظام، منها ما نقله أهل الأخبار وأهل الحديث أيضاً من ذبحه عبدالرحمن وقثم ابني عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب وهما صغيران بين يدي أمهما، وكان معاوية سيّره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ويأخذ البيعة له، فسار إلى المدينة، ففعل بها أفعالاً شنيعة ... ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها منهم جابر بن عبد الله وأبو أيوب

ص: 45


1- راجع الأغاني 14:14، المحبر للبغدادي: 471، الأعلام للزركلي 16:2

الأنصاري وغيرهما وقتل فيها كثيراً، وأغار على همدان باليمن وسبى نساءهم، فكنّ أوّل مسلمات سبين في الإسلام، وهدم بالمدينة دوراً» (1).

برز لأمير المؤمنين علیه السلام أيام صفين، فضربه الإمام فاستلقى على قفاه وكشف عورته فتركه الإمام (2).

ولما بلغ أمير المؤمنين علیه السلام ما صنع بسر باليمن قال: «اللهم انّ بسراً باع دينه بالدنيا، فاسلبه عقله ولا تبق له من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك فبقى بسر حتى اختلط، فكان يدعو بالسيف، فاتخذ له سيف من خشب فكان يضرب به حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: السيف السيف، فيرفع إليه فيضرب به، فلم يزل ذلك دأبه حتى مات (3).

قال ابن الأثير توفي بالمدينة أيام معاوية، وقيل: توفي بالشام أيام عبد الملك بن مروان، وكان قد حرف آخر عمره (4).

ورد ذكره في الخطبة 25 حينما ورد خبر إغارته على اليمن، فقال علیه السلام: «أنبئت بسراً قد اطلع اليمن ...». .

ص: 46


1- أسد الغابة لابن الأثير 1: 179 - 180.
2- أنظر المناقب لابن شهر آشوب 2: 360 شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 316.
3- الإرشاد للمفيد 1: 321.
4- أسد الغابة لابن الأثير 1: 180.

26 - جابر بن السمين (أخو حيان)

هو جابر بن السمين بن عمرو من بني حنيفة، وكان أخاً لحيان الذي ذكره الأعشى في شعره، وتمثل به أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة الشقشقية حيث قال:

شتان ما يومي على كورها *** ويوم حيّان أخي جابر

روي انّ حيان كان سيداً أفضل من أخيه جابر فلما أضافه إلى جابر غضب وقال: عرفتني بأخي وجعلته أشهر منّي، والله لا نادمتك أبداً، فقال له الأعشى: اضطرتني القافية، فلم يعذره (1).

والمعنى شتان يومي وأنا في الهاجرة والرمضاء أسير على كور هذه الناقة، ويوم حيان وهو في سكرة الشراب ناعم البال مرفه من الأكدار والمشاق (2).

27 - جابر بن عبد الله الأنصاري

هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي العقبي، شهد العقبة مع السبعين وكان أصغرهم، كنيته أبو عبدالله وقيل أبو عبد الرحمن.

ص: 47


1- خزانة الأدب للبغدادي 6: 282
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 167

كان من خلّص أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ومن المنقطعين إلى أهل البيت علیهم السلام كما ذكر ذلك العلامة الحلي نقلاً عن ابن عقدة (1) وبقي إلى أن شهد الإمام الباقر علیه السلام وبلّغه سلام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

وروي عنه أنّه قال: استغفر لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خمساً و عشرين مرّة (2).

وفي رجال ابن داود: عظيم الشأن، قال الصادق علیه السلام: انّه كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وكان منقطعاً إلينا أهل البيت وكان يقعد في مسجد رسول الله وهو معتم بعمامة سوداء. روي انّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم قال له: انّك تلقى الباقر من ولدي فقل له كذا وكذا» (3).

ذكر الشيخ الطوسي رحمه الله في مصباح المتهجّد في يوم الأربعين من صفر: «وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ورضي عنه من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله علیه السلام، فكان أوّل من زاره من الناس» (4).

مات بالمدينة سنة (87) وقد كفّ بصره وهو ابن نيف وتسعين سنة، قيل: كان آخر من مات بالمدينة ممن شهد العقبة، وصلّى عليه وال .

ص: 48


1- خلاصة الأقوال للعلامة الحلي: 93
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 188 رقم 38.
3- رجال ابن داود: 60 رقم 288
4- مصباح المتهجّد: 787.

المدينة أبان بن عثمان.

ورد ذكره في قصار الحكم رقم 362 في قول أمير المؤمنين له: «يا جابر قوام الدين والدنيا بأربعة ...».

28 - جرير بن عبد الله البجلي

جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف ...، يكنّى أبا عمرو وقيل يكنى أبا عبدالله.

قيل: أسلم قبل وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأربعين يوماً (1)، وشكّك ابن حجر في هذا بدليل ما روي عنه من أخبار النبي صلی الله علیه و آله و سلم بموت النجاشي الذي مات قبل السنة العاشرة (2).

قدم على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في مائة وخمسين من قومه وأسلموا، فبعثه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى ذي الكلاع وذي عمرو يدعوهما إلى الإسلام، فأسلما وتوفي النبي صلی الله علیه و آله و سلم وجرير عندهم (3).

كان سيد قومه وجميلاً، حتى قال فيه عمر: جرير يوسف هذه الأمة، شارك في الفتوح وذهبت عينه بهمذان (4).

ص: 49


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 1: 236، أسد الغابة لابن الأثير 1: 260.
2- الإصابة لابن حجر 1: 582
3- الطبقات لابن سعد 265:1، 347
4- المعارف لابن قتيبة: 586

ذكره الشيخ الطوسي فيمن روى عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأمير المؤمنين علیه السلام (1)، وكان والياً لعثمان على همذان، فلما بويع الأمير المؤمنين علیه السلام اكتب إليه ليأخذ البيعة له من أهلها ففعل، وقدم على أمير المؤمنين علیه السلام وسكن الكوفة.

فلما أراد أمير المؤمنين علیه السلام أن يبعث إلى معاوية رسولاً، قال له جرير: ابعثني يا أمير المؤمنين إليه، فإنّه لم يزل لي مستنصحاً وودّاً، آتيه فأدعوه على أن يسلّم لك هذا الأمر ... (2).

فبعثه أمير المؤمنين وتأخّر عند معاوية كثيراً حتى ظن الناس به واتهموه، فكتب إليه أمير المؤمنين علیه السلام يستعجله ويحثّه على حسم الأمر إما البيعة وإما الحرب، فلمّا رجع جرير إلى الكوفة أغلظ له مالك الأشتر، فترك جرير الكوفة ولحق بقرقيسيا مع رجال من قومه وانحرف عن علي علیه السلام. أورده ابن أبي الحديد ضمن من كان يبغض علياً (3)، وقال أيضاً: (و ممّن فارقه علیه السلام حنظلة الكاتب، خرج هو وجرير بن عبدالله البجلي من الكوفة إلى قرقيسيا، وقالا: لا تقيم ببلدة يعاب فيها عثمان (4). .

ص: 50


1- رجال الشيخ الطوسي: 33 59.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 3: 74
3- شرح النهج 4: 74.
4- م. ن 93:4.

وروى ابن أبي الحديد أيضاً عن الحارث بن حصين انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين من نعاله، وقال: احتفظ بهما فإنّ ذهابهما ذهاب دينك، فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما، فلما أرسله عليّ علیه السلام إلى معاوية ذهبت الأخرى، ثم فارق علياً واعتزل الحرب (1).

ونقل أيضاً انّ جريراً والأشعث خرجا إلى جبان الكوفة، فمرّ بهما ضب يعدو وهما في ذم عليّ علیه السلام فنادياه: يا أبا حسل هلم يدك نبايعك بالخلافة، فبلغ علياً علیه السلام قوهما، فقال: أما انّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما ضب (2).

وروي من طرقنا انّ أمير المؤمنين علیه السلام نهى بالكوفة عن الصلاة في مسجد جرير بن عبد الله البجلي (3). وعن علي علیه السلام أنّه قال: انّ بالكوفة مساجد مباركة ومساجد ملعونة ... أما المساجد الملعونة فمسجد الأشعث بن قيس ومسجد جرير بن عبد الله البجلي (4).

لذا قال الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة: «إرسال علي صلی الله علیه و آله و سلم وإن دلّ على مدح أولاً، لكن مفارقته له علیه السلام و لحوقه بمعاوية ثانياً كما هو معلوم مشهور يدفع ذلك المدح» (5). .

ص: 51


1- م. ن 4: 75.
2- م. ن 4: 75.
3- الكافي للكليني 3: 490 ح 3.
4- الأمالي للطوسي: 169 ح 35.
5- راجع أعيان الشيعة للعاملي 4: 71.

قيل: مات بقرقيسيا سنة 51 أو 54 (1)، وقيل توفي بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة (2).

ورد ذكره في الخطبة 43 حينما أشار أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد ما أرسل جريراً، فقال علیه السلام: «انّ استعدادي لحرب أهل الشام وجرير عندهم إغلاق للشام ...».

وفي كتاب 8 حيث كتبه الجرير يستعجله في أمر معاوية.

29 - جرير بن عطية التميمي

هو جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلمة، أبو حزرة التميمي البصري الشاعر المشهور، مدح يزيد بن معاوية و من بعده من الأمويين.

عن أبي عبيدة، عن عثمان التيمي قال: رأيت جريراً وما يضم شفتيه من التسبيح، فقلت: ما ينفعك هذا وأنت تقذف المحصنات فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر انّ الحسنات يذهبن السيئات، وعد من الله حق.

توفي سنة عشر ومائة بعد الفرزدق بشهر (3).

ص: 52


1- تاریخ بغداد للخطيب 1: 201
2- الطبقات لابن سعد 6: 22.
3- تاريخ الإسلام للذهبي 7: 40، سير أعلام النبلاء 4: 590 رقم 227.

ورد ذكره في مقدمة الشريف الرضي ضمن بيت للفرزدق:

«إذا جمعتنا جرير المجامع»

30 - جعدة بن هبيرة المخزومي

جعدة بن هبيرة ابن أخت أمير المؤمنين علیه السلام وصهره، أمه أم هانئ فاخته بنت أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، وأبوه هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.

كان جعدة فارساً شجاعاً فقيهاً، ولي خراسان لأمير المؤمنين علیه السلام وهو من الصحابة الذين أدركوا النبي صلی الله علیه و آله و سلم يوم الفتح مع أمّه أم هانی (1)، قال الشيخ الطوسي: ولد على عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلم وليست له صحبة (2).

وكان الجعدة في قريش شرف عظيم، وكان له لسان وكان من أحب الناس إلى عليّ علیه السلام (3)، ولما نزل علي علیه السلام الكوفة نزل في داره، كما انّه علیه السلام أقامه مكانه ليصلي بالناس ليلة جرحه في شهر رمضان ومن شعره:

ص: 53


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 10: 77
2- رجال الطوسي: 33 رقم 156.
3- وقعة صفين للمنقري: 463.

أنا من بني مخزوم إن كنت سائلاً *** ومن هاشم أميلخیر قبیل

فمن ذا الذي ينوء علي بخاله *** وخالي عليّ ذو الندا وعقيل (1)

ورد ذكره في بداية الخطبة 182 حيث ذكر الرضي رحمه الله انّ أمير المؤمنين علیه السلام خطب على حجارة نصبها له جعدة.

31 - جعفر بن أبي طالب علیه السلام

جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف، شقيق أمير المؤمنين علیه السلام.

كان يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدّثونه، وكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يسمّيه أبا المساكين، روي أنّه كان يقول لأبيه أبي طالب علیه السلام: يا أبة إنّي لأستحي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله.

كان من أوائل المسلمين، ولما رأى أبو طالب النبي صلی الله علیه و آله و سلم يصلي وبجنبه علي قال لجعفر: صل جناح ابن عمك (2)، هاجر إلى الحبشة مع زوجته أسماء بنت عميس في السنة الرابعة من البعثة النبوية، وكان

ص: 54


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان 3: 244.
2- الأمالي للصدوق: 597 ح 825

المتكلّم أمام النجاشي. ولما قدم من الحبشة في السنة السابعة فرح رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بقدومه، وكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد فتح خيبر، فقال: «ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر» (1).

وقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: (أشبهات خَلقي وخُلقي) (2).

وعن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال: أوحى الله عزّوجلّ إلى رسوله صلی الله علیه و آله و سلم: إنّي شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي صلی الله علیه و آله و سلم فأخبره فقال: لو لا انّ الله أخبرك ما أخبرتك، ما شربت خمراً قط لأنّي علمت أن لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لأنّ الكذب ينقص المروءة، وما زنيت قط لأنّي خفت إنّي إذا عملت عمل بي، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنّه لا يضرّ ولا ينفع، قال: فضرب النبي صلی الله علیه و آله و سلم يده على عاتقه فقال: حق الله عزّ وجلّ أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنّة (3).

كان الأمير على جيش المسلمين يوم مؤتة، ولما اشتد القتال عقر فرسه، فكان أوّل من عقر فرسه في الإسلام، وكانت الراية بيده فقاتل حتى قطعت يداه، فأبدله الله تعالى بهما جناحين يطير بهما في الجنّة مع الملائكة، وقتل في جمادى الأول السنة الثامنة للهجرة، وهو ابن إحدى .

ص: 55


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 1: 242، السنن الكبرى للبيهقي 7: 101.
2- مسند أحمد 4: 342، صحيح البخاري 4: 209.
3- الأمالي للصدوق: 133 ح 127.

وأربعين وكانت في جسمه بضع وتسعون طعنة ورمية، وكان أسنّ من علي علیه السلام بعشر سنين، تألّم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لمقتله كثيراً وقال: «على مثل جعفر فلتبك البواكي» (1).

رثاه كعب بن مالك بقوله:

حتى تفرقت الصفوف وجعفر *** حيث التقى وعث الصفوف مجدل

فتغيّر القمر المنیر لفقده *** والشمس قد كسفت و كادت تأفل(2)

ذكره علي علیه السلام في الكتاب رقم 9 كتبه لمعاوية وقال فيه: «وقتل جعفر يوم مؤتة» كما ذكره في كتاب رقم 28 لمعاوية أيضاً وفي مقام المفاخرة: «أو لا ترى انّ قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل: الطيار في الجنّة وذو الجناحين».

32 - جندب بن جنادة (أبو ذر الغفاري)

جندب بن جنادة كنيته أبو ذر، وقد اختلفت المصادر كثيراً في

ص: 56


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 1: 243.
2- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: 9.

اسمه واسم أبيه. أمّه رملة بنت الوقيعة من بني غفار.

أسلم أبو ذر بعد ثلاثة وقيل أربعة، ثم رجع إلى بلاد قومه بعد ما أسلم، فأقام بها ثم قدم على النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعد واقعة الخندق.

قال فيه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «وعی أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم» (1) وقال علي علیه السلام: «وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه،: ثم أوكأ عليه فلم يخرج منه شيئاً» (2).

كان أبوذر يتأله في الجاهلية ويوحد ولا يعبد الأصنام (3)، وكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يبتدئ أباذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب (4)، وقال فيه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: (ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على رجل أصدق ذي لهجة من أبي ذر» (5).

وقال صلی الله علیه و آله و سلم: أمرت بحب أربعة وأخبرني الله تعالى أنّه يحبهم ... علي وأبوذر وسلمان والمقداد بن الأسود (6).

شارك في الفتوحات إلى أن سيّره عثمان الشام لمّا بلغه أنّه يقع فيه، .

ص: 57


1- أسد الغابة لابن الأثير 5: 186.
2- م. ن 5: 186.
3- سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 55
4- م. ن 56:2.
5- م. ن 2: 59، وانظر الطبقات لابن سعد:4 228، والمستدرك للحاكم 3: 342 وغيرها من المصادر الكثيرة.
6- سير أعلام النبلاء للذهبي،2: 61، وانظر مسند أحمد 5: 351.

فبقي هناك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إلى أن خاف منه معاوية، وقال له: يا عدو الله وعدو رسوله، تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع، أما إنّي لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك ولكنّي استأذن فيك (1).

فكتب إلى عثمان في شأنه وذكر له أنّه إن يريد الشام فعليه أن يخرج أباذر منها، فكتب عثمان إلى معاوية يأمره بتسيير أبي ذر على أغلظ مركب وأوعره، فوجّه به مع من سار به الليل والنهار، حمله على شارف ليس عليها إلّا قتب حتى قدم المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد (2).

وجرت محادثات بين عثمان وبين أبي ذر، حتى قال عثمان: «أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذاب، إما أن أضربه أو أحبسه أو أقتله، فإنّه قد خرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام (3).

فنفاه إلى الربذة وبقي هناك إلى أن توفي بها سنة 32 وصلّى عليه عبد الله بن مسعود في جمع من شيعة علي علیه السلام.

وعند ما أراد الخروج إلى الربذة ودّعه أمير المؤمنين علیه السلام قائلاً: يا أبا ذر إنّك غضبت لله فارج من غضبت له، انّ القوم خافوك على .

ص: 58


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 8: 257.
2- م. ن 8: 258
3- م. ن 8: 259.

دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عمّا منعوك، وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حسّداً، ولو انّ السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منه-ا مخرجاً، لا يؤنسنّك إلّا الحق ولا يوحشنّك إلّا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك ولو قرضت منها لأمّنوك الخطبة: 130.

33 - الحارث بن حوط

الحارث بن حوط الليثي، لم نعثر على ترجمة له في كتب الرجال والتراجم، ورد ذكره في نهج البلاغة قصار الحكم رقم 253 حيث شك في قتال البغاة، فجاء إلى علیه السلام وقال له: أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال له علیه السلام: يا حار انّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت، إنّك لم تعرف الحق فتعرف من أباه ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه.

فقال الحارث: فإنّي أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر، فقال علیه السلام: انّ سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل.

34 - الحارث الهمداني

هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن نخلة بن حارث بن

ص: 59

سبع بن صعب بن معاوية الهمداني، المعروف بالحارث الأعور يكنى أبا زهير، كان من خواص أمير المؤمنين علیه السلام وأوليائه، ومحلّ عنايته والتفاته.

كان من أوعية العلم، ومن كبار علماء التابعين، لاسيّما علم الفرائض والحساب، وكان من القرّاء، قرأ على علي وابن مسعود.

لقّبه الذهبي في سير أعلام النبلاء عند ترجمته بالعلامة (1)، وقال في ميزان الاعتدال نقلاً عن أبي بكر بن أبي داود: كان الحارث الأعور أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي.

وحديث الحارث في السنن الأربعة، والنسائي مع تعنّته في الرجال فقد احتج به وقوّى أمره ... أنبأنا محمد بن إدريس قال: كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم، أدركت منهم أربعة وفاتني الحارث فلم أره، وكان يفضل عليهم وكان أحسنهم» (2).

كان رحمه الله متفانياً في حبّ عليّ علیه السلام، جاء ذات ليلة إلى علي علیه السلام فقال له: يا أعور ما جاءك؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين جاء بي والله حبك، قال: فقال: أما أنّى سأحدّثك لشكرها، أما أنّه لا يموت عبد يحبني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يحب، ولا يموت عبد يبغضني فتخرج نفسه حتى يراني حيث يكره (3)..

ص: 60


1- سير أعلام النبلاء 4: 152 رقم 54.
2- ميزان الاعتدال 1: 437 رقم 1627.
3- اختيار معرفة الرجال للطوسي 1: 299 ح 142.

وروي انّ علي بن أبي طالب علیه السلام خطب الناس فقال: من يشتري علماً بدرهم، فاشترى الحارث الأعور صحفاً بدرهم، ثم جاء بها علياً فكتب له علماً كثيراً (1).

وقد اختلفت أقوال علماء الجرح والتعديل عند أهل السنة فيه، فيين موثّق له وبين متهم له، والعمدة في تضعيفه قول تلميذه الشعبي أنّه كذّاب، حيث تناقلته كتب الجرح والتعديل وجعلوه إحدى أدلّتهم في تضعيف الحارث.

ولكن لم يرتض بعض علماء السنة هذا القدح، فانبروا للدفاع عن الحارث، فقال ابن عبد البر: وأظن الشعبي عوقب لقوله في الحرث الهمداني: وكان أحد الكذابين. ولم يبن من الحرث كذب، وإنّما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره، ومن هاهنا والله أعلم كذّبه الشعبي، لأنّ الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر، وإلى أنّه أوّل من أسلم» (2).

وقال الذهبي: «أما قول الشعبي: الحارث كذاب، فمحمول على أنّه عنى بالكذب الخطأ لا التعمّد، وإلّا فلماذا يروي عنه ويعتقده بتعمد الكذب في الدين (3). .

ص: 61


1- الطبقات لابن سعد 6: 168.
2- جامع بيان العلم وفضله 2: 154.
3- سير أعلام النبلاء 4: 152.

ونقل ابن حجر عن ابن شاهين توثيقه عن أحمد بن صالح المصري، وقوله لما سئل عن تكذيب الشعبي له: «لم يكن يكذب في الحديث، إنّما كذبه في رأيه» (1).

وفيه أيضاً بعد نقل اختلاف علماء الجرح والتعديل فيه: «وهذا الشعبي يكذّبه ثم يروي عنه، والظاهر أنّه يكذّب حكاياته لا في الحديث» (2).

فظهر انّ سبب تضعيفه هو ولاؤه لأمير المؤمنين وحبه له لا غير، أي ضعّفه القوم لشدّة إيمانه وقلّة نفاقه، حيث انّ حبّ على علیه السلام علامة الإيمان والبعد من النفاق.

مات رحمه الله سنة 65 بالكوفة، وأوصى أن يصلّي عليه عبد الله بن يزيد الخطمي عامل ابن الزبير على الكوفة.

أورد الرضي رحمه الله في نهج البلاغة الكتاب رقم 69 وقد كتبه أمير المؤمنين للحارث، أوّله: «تمسّك بحبل القرآن وانتصحه ...»

35 - الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل. ظالم فاسق فاجر ولد سنة 41 ه- وقيل غير ذلك، أمّه أم الوليد بن يزيد بن عبدالملك

ص: 62


1- تهذيب التهذيب لابن حجر 2: 127
2- م. ن 2: 127.

وكان لعنه الله قصيراً دمياً نحيفاً، أخفش العينين، معوج الساقين، قصير الساعدين، مجدور الوجه، أصلع الرأس (1)، وكان عبدالملك بن مروان يحبه كثيراً حتى أنّه سمّى ابنه باسمه، وقال في ذلك:

سمّيته الحجاج بالحجاج *** الناصح المكاشف المداجي (2)

كان لعنه الله مثفاراً، كان يمسك الخنفساء حيّة ليشفي بحركتها في الموضع حكاكه. قالوا: ولا يكون صاحب هذا الداء إلّا شانئاً مبغضاً لأهل البيت (3).

ومن شدّة بغضه وعناده لعلي علیه السلام ما ذُكر من أنّه عمل في القصر بالكوفة عملاً، فوجد شيخاً أبيض الرأس واللحية مدفوناً، فقال: أبو تراب والله، وأراد أن يصلبه فكلّمه عنبسة بن سعيد في ذلك وسأله أن لا يفعل، فأمسك (4).

ولي العراق نحو عشرين سنة وتفنّن في القتل والتعذيب، ولما قدم الكوفة خطب الناس وقال: إنّي لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، 9

ص: 63


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 7: 128
2- م. ن 369:19.
3- شرح النهج 7: 279.
4- أنساب الأشراف للبلاذري: 509

كأنّي أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى(1).

و لخبثه ولؤمه قال عنه عمر بن عبد العزيز: لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم (2)، وقال فيه أيضاً: أنّه كان يصلي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاة من غير حقها، وكان لما سوى ذلك أضيع (3)، وقال عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله تعالى حرمة إلّا وقد انتهكها الحجاج (4).

كانت له لعنه الله أساليب في التعذيب و القتل، منها الختم في الأعناق والأيدي حيث ختم في عنق سهل بن سعد وأنس بن مالك وختم في يد جابر بن عبد الله (5).

ومنها نهش الكلاب، قالوا في إبراهيم بن يزيد بن شريك العابد أنّه مات في حبس الحجاج بواسط سنة 93 وكان قد طرح عليه الكلاب لتنهشه (6). ومنها الصلب قالوا في أبي صالح الحنفي ماهان الراوي انّ الحجاج صلبه وقتله (7). .

ص: 64


1- تاریخ دمشق لابن عساکر 12: 127
2- م. ن 12: 185.
3- م. ن 12: 187.
4- تاریخ دمشق 12: 188
5- أسد الغابة لابن الأثير 2: 366.
6- الثقات لابن حبان 4: 7، اكليل المذهب للكرباسي: 565.
7- م. ن 5: 451.

ومنها القتل صبراً فعن هشام بن حسان قال: أحصوا ما قتل الحجاج صبراً مائة ألف وعشرين ألفاً (1).

ومنها الحرق بالنار، فإنّه لما قبض على الأحمر بن سالم الذي هجاه قال له: ما جزاؤك عندي إلّا أن أعذّبك بما اختاره الله لأعدائه من أليم عقابه، فاحرق بالنار (2)

ومنها استخدام مجموعة من أساليب التعذيب في آن واحد، قالوا في حطيط الزيات انّ الحجاج قتله بأنواع العذاب(3).

ومنها البيوت المظلمة والجوع والعطش، قالوا في عبدالرحمن البجلي من عبّاد الكوفة وزهّادها، انّ الحجاج أخذه ليقتله وأدخله بيتاً مظلماً وسدّ الأبواب خمسة عشر يوماً، ثم أمر الباب ففتح ليخرجن به فيدفن، ثم أطلق سراحه لما رآه حياً قائماً يصلي (4).

ومنها السجن المؤبد، فإنّه لما مات عرضت سجونه فوجدوا ثلاثة وثلاثين ألفاً لم يجب على أحد قطع ولا صلب.

وقال الهيثم بن عدي: مات الحجاج وفي سجنه ثمانون ألفاً محبوسون منهم ثلاثون ألف امرأة (5). وقد مرّ يوماً في طريق فسمع .

ص: 65


1- تاریخ دمشق لابن عساكر 12: 184.
2- تاریخ دمشق 7: 351.
3- الثقات لابن حبان 6: 241.
4- م. ن 5: 112.
5- تاریخ دمشق لابن عساكر 12: 184 - 185.

استغاثة، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أهل السجون يقولون: قتلنا الحرّ قال: قولوا لهم: «اخسؤوا فيها ولا تكلّمون» (1).

وقد قتل قنبر مولى أمير المؤمنين علیه السلام، فإنّه قال في يوم: أحب أن أصيب رجلاً من أصحاب أبي تراب فأتقرّب إلى الله بدمه، فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فأتي به، فقال له: أنت قنبر ... فأمر بذبحه (2).

كما قتل سعيد بن جبير رحمه الله حيث خيّره بأيّ نوع من القتل يريد أن يُقتل ... فبسط له نطع فذبحه أمامه (3)، كما أمر بقتل كميل وغيره من الناس، ولم يكتف بالأحياء بل توعّد الأموات وهددهم فقد قال في عبدالله بن مسعود: أما لو أدركته لضربت عنقه. وقال أيضاً: عبدالله بن مسعود رأس المنافقين لو أدركته لأسقيت الأرض من دمه (4).

مات لعنه الله بواسط سنة 95 وعمره المشؤوم 54 سنة.

ذكره أمير المؤمنين في الخطبة 115 حيث قال: «أما والله ليسلّطن عليكم غلام ثقيف الذيّال الميّال (5)، يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم، إيه أبا وذحة» وكذلك ورد اسمه في سند قصار الحكم رقم 363. .

ص: 66


1- م. ن 12: 192.
2- الإرشاد للشيخ المفيد 1: 328
3- الإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي: 198.
4- تاريخ دمشق لابن عساكر 12: 160 - 161.
5- الذّيال التائه، والميّال: الظالم.

36 - حرب بن أمية

حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، كان رئيساً في حروب الفجار، وكان نديماً لعبد المطلب، فتحايل في قتل جار يهودي لعبد المطلب، فلما علم عبد المطلب بذلك نافره وترك منادمته.

وقد جرت محادثة بين الإمام الحسن علیه السلام وبين يزيد بن معاوية يرويها ابن عباس ويقول: جلس الحسن بن علىّ علیه السلام ويزيد بن معاوية ابن أبي سفيان يأكلان من الرطب، فقال يزيد: يا حسن إنّي منذ كنت أبغضك، قال الحسن: اعلم يا يزيد انّ إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماءان، فأورثك ذلك عداوتي، لأنّ الله تعالى يقول: (وَشارِكْهُمْ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ) وشارك الشيطان حرباً عند جماعه فولد له صخر، فلذلك كان يبغض جدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

قال ابن حماد:

کم بين مولود أبوه وأمه *** قد شاركا في حمله الشيطانا

ومطهر لم يجعل الرحمن *** للشيطان في شركٍ به سلطانا (1)

خلّف شجرة سوء: أبو سفيان رأس المعاندين لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وأم جميل حمالة الحطب، مات بالشام بعد حروب الفجار بأشهر (2)،

ص: 67


1- المناقب لابن شهر آشوب 3: 186.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 16.

وقيل مات بالمدينة (1).

ذكره أمير المؤمنين علیه السلام في كتاب رقم 17 في جواب معاوية: ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب.

37 - حرب بن شرحبيل الشبامي

حرب بن شرحبيل الشبامي، ينسب إلى مدينة باليمن أهلها جميعاً من الشيعة، نزل بعضهم الكوفة و استوطنها، منهم حرب بن شرحبيل الذي كان من وجوه قومه.

ورد ذكره في قصار الحكم 313 حينما ورد أمير المؤمنن علیه السلام الكوفة بعد صفين فمرّ بالشباميين فسمع بكاء النساء، وخرج إليه حرب بن شرحبيل، فقال له: أتغلبكم نساؤكم على ما أسمع ... وأقبل يمشي معه وهو علیه السلام راكب، فقال له: ارجع فإنّ مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة للمؤمن.

38 - حسان بن حسان البكري

حسان بن حسان البكري، كان عاملاً لأمير المؤمنين علیه السلام على الأنبار، قتله سفيان بن عوف الغامدي في غارته على هيت والأنبار.

ص: 68


1- لسان العرب لابن منظور 304:1.

وقيل: كان عامل أمير المؤمنين على الأنبار أشرس بن حسان.

روى الثقفي في الغارات عن جندب بن عفيف قال: والله إنّي لفي جند الأنبار مع أشرس بن حسان البكري إذ صبحنا سفيان بن عوف كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا والله، وعلمنا إذ رأيناه-م أنّه ليس لنا بهم طاقة ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا، وأيم الله لقد قاتلناهم فأحسنًا قتالهم والله حتى كرهونا، ثم نزل صاحبنا وهو يتلو قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ثم قال لنا: من كان لا يريد لقاء الله ولا يطب نفساً بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم، فإنّ قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب، ومن أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار، ثم نزل في ثلاثين رجلاً ... واستقدم هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا (1).

وقد أمر معاوية سفيان بن عوف بالاغارة على الأنبار، وكان فيما أمره به وخرّب كل ما مررت به من القرى، واقتل كل من لقيت ممن ليس هو على رأيك، واحرب الأموال (2)، فإنّه شبيه بالقتل وهو أوجع للقلوب (3)

ورد ذكره في الخطبة (27) خطب بها أمير المؤمنين علیه السلام وذكر .

ص: 69


1- الغارات للثقفي 2: 468.
2- حربه: أخذ ماله وتركه بلا شيء.
3- الغارات للثقفي 2: 467.

استشهاد حسان بن حسان، وفيها يشكو أمير المؤمنين علیه السلام عن تخاذل المسلمين.

39 - حمزة بن عبد المطلب

حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء في زمانه وعم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الذي طالما دافع وذبّ عنه، يكنى بأبي عمارة وأبي يعلى، أمّه هالة بنت أهيب بن عبد مناف، وكان أكبر من النبي صلی الله علیه و آله و سلم بسنوات، وكان رضيع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أرضعتها ثويبة مولاة أبي لهب.

وكان سبب إسلامه أنّه لما رجع من الصيد بلغه انّ أبا جهل آذى النبي صلی الله علیه و آله و سلم وشتمه، فجاء حمزة إلى أبي جهل وهو جالس في المسجد الحرام، وضربه فشجّه شجة منكرة، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلّا قد صبات، فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي منه ذلك، أنا أشهد أنّه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وانّ الذي يقول الحق. فلما أسلم حمزة علمت قريش انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد عزّ وامتنع، وانّ حمزة سيمنعه فكفّوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه (1).

كانت له مواقف مشهودة في بدر واُحد، قتله وحشي في غزوة أحد ومُثّل به، ثم انّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم وقف عليه فجعل ينظر إليه منظراً ما كان أوجع لقلبه منه فقال: رحمك الله يا عم لقد كنت وصولاً للرحم

ص: 70


1- أسد الغابة لابن الأثير 2: 47.

فعولاً للخيرات.

ورثاه كعب بن مالك بأبيات منها:

بكت عيني وحق لها بكاها *** وما يغني البكاء ولا العويل

على أسد الإله غداة قالوا *** لحمزة ذاكم الرجل القتيل (1)

وروى الواقدي انّ صفية أخت حمزة لما جاءت حالت الأنصار بينها وبين رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقال: دعوها، فجلست عنده فجعلت إذا بكت يبكي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وإذا نشجت ينشج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وجعلت فاطمة علیها السلام تبكي، فلما بكت بكى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم قال: لن أصاب بمثل حمزة أبداً (2).

وروى الإمام الصادق علیه السلام أنه كانت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلّمته بصخرة (3).

وروي أنّه لما رجع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من اُحد جعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهنّ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: ولكن حمزة بواكي له، قال: ثم نام فاستنبه وهنّ يبكين قال: فهنّ اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة (4)..

ص: 71


1- الإصابة لابن حجر 2: 105
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 15: 17.
3- التمهيد لابن عبدالبر 3: 234
4- مسند أحمد 2: 40.

ورد ذكره في الكتاب رقم (9) من كتب الإمام إلى معاوية وفيه:

وقُتل حمزة يوم أحد وفي كتاب (28) في مقام المفاخرة أمام معاوية « ... حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصّه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه، وفيه أيضاً: «و منّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف».

40 - حيان بن السمين

هو حيان بن السمين بن عمرو من بني حنيفة، كان صاحب حصن باليمامة، ومطاعاً في قومه، يصله كسرى في كل سنة، وكان في رفاهية ونعمة مصوناً من وعثاء السفر لم يكن يسافر أبداً، وكان الأعشى ينادمه وكان أخوه جابر أصغر سناً منه، ويروى انّ حيان عاتب الأعشى في نسبته إلى أخيه، فاعتذر بأنّ الروي اضطرني إلى ذلك فلم يقبل عذره (1).

وذلك في البيت الذي استشهد به أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة الشقشقية من قول الأعشى:

شتان ما يومي على كورها *** ويوم حيان أخي جابر

41 - خالد بن زيد (أبو أيوب الأنصاري)

هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة أبو أيوب الأنصاري

ص: 72


1- البحار للمجلسي 29: 517

النجاري من بني غنم بن مالك بن النجار، غلبت عليه كنيته وأمّه هند بنت سعد بن عمرو بن امرئ القيس.

كان صحابياً جليلاً، شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد، وعليه نزل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في خروجه من بني عمرو بن عوف حين قدم المدينة مهاجراً من مكة، فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة وبنى مساكنه ثم انتقل إلى مسكنه (1).

اخی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بينه وبين مصعب بن عمير، وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر واحتجوا عليه، وقال فيما قال: «اتقوا الله عباد الله في أهل بيت نبيكم، وارددوا إليهم حقهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبيّنا صلی الله علیه و آله و سلم ومجلس بعد مجلس يقول: «أهل بيتي أئمتكم بعدي» ويومئ إلى علي ويقول: «هذا أمير البررة وقاتل الكفرة مخذول من خذله منصور من نصره» فتوبوا إلى الله من ظلمكم إياه انّ الله تواب رحيم، ولا تتولوا عنه مدبرين، ولا تتولّوا عنها معرضين» (2).

كان مع أمير المؤمنين علیه السلام في حروبه، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن أبي صادق قال: قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد جزراً فبعثوها معي، فدخلت إليه فسلّمت عليه وقلت 3.

ص: 73


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 424.
2- الاحتجاج للطبرسي 1: 103.

له: يا أبا أيوب قد كرّمك الله عزّوجلّ بصحبة نبيه صلی الله علیه و آله و سلم ونزوله عليك، فما لي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتلهم هؤلاء مرّة وهؤلاء مرّة، قال: انّ رسول الله عهده إلينا أن نقاتل مع عليّ الناكثين فقد قاتلناهم، وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليه - يعني معاوية وأصحابه - وعهد إلينا أن نقاتل معه المارقين ولم أرهم بعد (1).

وروي عنه أنّه قال في التحكيم: «نحن نرد الأمر إلى أمير المؤمنين، إن قادنا اتبعناه، وإن دعانا أجبناه» (2).

وكان عامل أمير المؤمنين علیه السلام على المدينة، مات بالقسطنطينية من بلاد الروم زمن معاوية سنة (50) أو (51) ودفن هناك، وكان الروم يستصحون بقبره ويستسقون (3).

ورد اسمه في ذيل الخطبة (182) التي خطب بها أمير المؤمنين علیه السلام قبل استشهاده بأيّام يستنهض الناس لقتال معاوية، حيث عقد لأبي أيوب في عشرة آلاف.

42 - خالد بن الوليد

خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي

ص: 74


1- شرح النهج 3: 207، كنز العمال للمتقي 11: 352 ح 31720
2- المعيار والموازنة للاسكافي: 176.
3- الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1606، أسد الغابة لابن الأثير 2: 80.

المخزومي، كنيته أبو سليمان، وأمه لبابة أخت ميمونة زوج النبي صلی الله علیه و آله و سلم أسلم في السنة الثامنة، وكانت له مواقف مشهودة ضد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سيّما في غزوة أحد، حيث كان السبب في انكسار جيش المسلمين واستشهاد حمزة وجرح النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

وكانت له مواقف غير محمودة بعد إسلامه منها قتله جذيمة، والذي تألّم منه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كثيراً وقال: «اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد»، وكانت له مواقف مشؤومة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فشارك عمر في الهجوم على دار أمير المؤمنين علیه السلام، وقتل مالك بن نويرة ظلماً وزنى بامرأته، حتى انّ عمر اعترض عليه وتوعّده، كما أنّه أحرق قوماً آخرين بالنار بتهمة الارتداد، وقد اعترض عمر عليه أيضاً.

لقبوه بسيف الله ونسبوا ذلك إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وقد قال ابن أبي الحديد: «و الصحيح أنّه لقّبه به أبو بكر لقتاله أهل الردة وقتله مسيلمة» (1).

وكان من المنحرفين عن أمير المؤمنين علیه السلام، مات بحمص سنة (21) وقيل (22) ودفن في قرية على ميل من حمص في خلافة عمر، وقيل: توفي بالمدينة (2).

ورد ذكره في شرح الرضي لبعض مفردات الخطبة رقم (19). .

ص: 75


1- شرح النهج 16: 159.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 427.

43 - خباب بن الأرتّ

خباب بن الأرتّ بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد التميمي من المتقدمين في الإسلام، وممن شهد بدراً وما بعدها من الغزوات، وكان ممن عذّب في الله وصبر على دينه، وبقي أثر التعذيب على ظهره طول حياته.

كان مع أمير المؤمنين علیه السلام في قتال البغاة، مات بالكوفة سنة 37 وقيل 39 بعد النهروان، وصلّى عليه أمير المؤمنين علیه السلام وهو أول من دفن بظهر الكوفة، وكان عمره آنذاك 63 سنة وقيل 73 سنة.

ورد ذكره في قصار الحكم رقم 39 حيث قال في حقه أمير المؤمنين علیه السلام: «يرحم الله خباباً، فلقد أسلم راغباً، وه-اجر طائعاً، وعاش مجاهداً».

44 - خديجة بنت خويلد

خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، كانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة.

تزوّجه-ا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهي في الأربعين من العمر، روى الكليني عن أبي عبد الله علیه السلام أنّه قال: «لما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يتزوّج

ص: 76

خديجة بنت خويلد، أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة، فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم انّ ابن أخي هذا - يعني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم - لا يوزن برجل من قريش إلّا رجح به، ولا يقاس به رجل إلّا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلاً من المال فإنّ المال رفد جار وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله، وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل.

ثم سكت أبو طالب، وتكلّم عمّها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر، وكان رجلاً من القسيسين، فقالت خديجة مبتدئة: يا عماه انّك وإن كنت أولى بنفسي منّي في الشهود، فلست أولى بي من نفسي، قد زوّجتك يا محمد نفسي، والمهر علي في مالي، فأمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها وأدخل على أهلك) (1).

وكانت سلام الله عليها أوّل من آمن برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وبذلت لنصرته أموالها، وولدت له فاطمة الزهراء علیها السلام حيث تولّت نساء الجنّة .

ص: 77


1- الكافي للكليني 5: 374 ح 9.

ولادتها بعد ما قاطعت نساء قريش خديجة لزواجها من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

وردت روايات كثيرة في فضلها وكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يحبها كثيراً وما نسيها طول حياته بل كان يذكرها دائماً، وهذا ما أثار حسد عائشة وغيرتها.

قالت عائشة: كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلّا عجوزاً فقد أبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء (1).

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أفضل نساء أهل الجنّة أربعة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ...» (2).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أمرت أن أبشّر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب» (3).

وقال له: «ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة، وكان 3

ص: 78


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1824.
2- المستدرك للحاكم 3: 160 وصححه.
3- مجمع الزوائد للهيثمي 9: 223

رسول الله له يفك من مالها الغارم والعاني ويحمل الكل [أي الضعيف] ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة، وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين - يعني رحلة الشتاء والصيف - كانت طائفة من العير لخديجة وكانت أكثر قريش مالاً، وكان صلی الله علیه و آله و سلم ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها ...» (1).

توفیت سلام الله عليها ولها 64 سنة وستة أشهر، ودفنت في مقبرة الحجون بمكة، وسمى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سنة ووفاتها ووفاة أبي طالب علیهما السلام بعام الحزن. ورد ذكرها في الخطبة القاصعة رقم 192 حيث قال: ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وخديجة وأنا ثالثهما».

45 - خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين)

خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس يكنى أبا عمارة، لقّبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بذي الشهادتين، وجعل شهادته بشهادة رجلين، وذلك لما شهد له عندما خاصمه أعرابي في ناقة باعها له وقال لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «أفأصدق بما جئت به من عند الله ولا أصدقك على هذا الأعرابي» (2).

ص: 79


1- الأمالي للطوسي: 468.
2- الكافي للكليني 7: 401 ح 1.

شهد بدراً وقيل: اُحداً وما بعدها من الغزوات، وكانت راية بني خطمة بيده يوم الفتح، وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام، لازم عليا علیه السلام وكان معه، وعندما بويع لعلي الا أنشد يقول:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا *** أبو حسن ممّا نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس أنّه *** أطب قريشاً بالكتاب والسنن

وقال مخاطباً عائشة يوم الجمل:

أعائش خلّي عن علي و عیبه *** بما ليس فيه إنّما أنت والدة

وصي رسول الله من دون أهله *** وأنت على ما كان من ذاك شاهدة (1)

ومن شعر المنسوب إليه أيضاً:

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاً *** من هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتهم *** وأعلم الناس بالفرقان والسنن (2) .

ص: 80


1- الدرجات الرفيعة للسيد علي خان: 311
2- الإرشاد للمفيد 1: 32، الوافي بالوفيات الصفدي 13: 191.

وكان من الأثني عشر الذين اعترضوا على أبي بكر في خلافته حيث قال: «ألستم تعلمون انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قالوا: بلى، قال فأشهد انّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل وهم الأئمّة الذين يقتدى بهم» وقد قلت ما علمت وما على الرسول إلّا البلاغ المبين) (1).

استشهد سنة 37 في وقعة صفين مع أمير المؤمنين علیه السلام بعد مقتل عمار بن ياسر.

ذكره أمير المؤمنين علیه السلام في آخر خطبة خطبها قبل استشهاده برقم 182 وقال: «أين أخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق، أين عمار وأين ابن التيهان، وأين ذو الشهادتين».

46 - دريد بن الصمة (أخو هوازن)

هو دريد بن الصمة بن الحارث بن معاوية بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن شاعر فارس.

أخرجته هوازن معها - وهو شيخ كبير - في حنين تيمّناً برأيه وبعلمه في الحرب، وقتل في نفس الواقعة مشركاً عن عمر يناهز المائتين قتله ربيعة بن رفيع السلمي، فإنّه لما أنزله من الهودج ظن أنّه امرأة، فإذا هو بشيخ كبير، فضربه بسيفه فلم يصنع شيئاً، فقال له:دريد بئس ما

ص: 81


1- الاحتجاج للطبرسي 1: 102.

سلحتك أمك، خذ سيفى هذا من مؤخر الشجار، ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ، فإنّي كذلك كنت أقتل الرجال (1).

وقيل قتله غيره استشهد أمير المؤمنين علیه السلام بشعره في الخطبة 35 حيث قال علیه السلام: فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى *** فلم تستبينوا النصح إلّا ضحى الغد

47 - ذعلب اليماني

لم نعثر على ترجمة له غير انّ الشيخ الصدوق رحمه الله روى في الأمالي من الأصبغ بن نباتة خبراً يصف فيه ذعلباً - من دون ذكر اليماني - بأنّه ذرب اللسان بليغ في الخطب، شجاع القلب، فلما خطب أمير المؤمنين علیه السلام قال: سلوني قبل أن تفقدوني، قام إليه ذعلب وقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لأخجلنّه اليوم لكم في مسألتي إياه، فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب ... فخرّ ذعلب مغشياً عليه ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبداً (2).

ص: 82


1- تاريخ دمشق لابن عساکر 17: 238
2- الامالي للصدوق: 423.

قال السيد محسن الأمين رحمه الله في أعيان الشيعة: وفي بعض تلك الانقال ما يقتضي سوء الأدب في حق أمير المؤمنين علیه السلام ويدلّ عليه جهله بقدره وهو قوله: لقد ارتقى ...، وهذا يوجب خروجه عن شرط كتبنا، إلّا انّ غشيته وقوله: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت لمثلها أبداً، يمكن أن يكون توبة منه» (1).

ورد ذكره في سند الخطبة رقم 179 التي سأل ذعلب أمير المؤمنين علیه السلام عن رؤية ربه.

48 - الزبير بن العوام

الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشي الأسدي، يكنّى أبا عبدالله أمّه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم. أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان علي علیه السلام والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ولدوا في عام واحد. شهد مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المشاهد كلها، وكانت له مواقف محمودة آنذاك، ولكن لم يستقم عليها، كما تدلّ عليه عاقبته.

قالوا: انّه حواري رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وهو أوّل من سلّ سيفه في الإسلام، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنّة، وكان في الستة الذين انتخبهم

ص: 83


1- أعيان الشيعة 6: 431.

عمر للشورى، ولكن كل هذا لا يجدي نفعاً بعد خروجه على أمير المؤمنين علیه السلام ودخوله في البغاة، وقد نهاه النبي صلی الله علیه و آله و سلم وقال له: «تقاتله وأنت له ظالم» (1)، أي لعلي علیه السلام.

ويظهر من عاقبته أنّ بقاءه بجانب على علیه السلام يوم السقيفة ويوم الشورى، إنّما كان للحمية القبلية ثم انّه ظهر انحرافه عن علي علیه السلام شيئاً فشيئاً بعد ما تسلّم الإمام دفة الحكم وبعد ما بايعه الناس، وذلك ميلاً إلى الدنيا وحباً للجاه والمقام، كما يشير علیه السلام إلى ذلك في الخطبة الشقشقية ويقول في البغاة: «كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها».

وقد أرسل معاوية كتاباً إلى الزبير ولقّبه بأمير المؤمنين ليخدعه، وبالفعل نجح في مخططه فكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان: سلام عليك، أما بعد فإنّي قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، 0.

ص: 84


1- المستدرك للحاكم 3: 366،وصححه الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 515 أسد الغابة لابن الأثير 2: 199، سير أعلام النبلاء للذهبي 1: 59، الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 67، المصنف لعبد الرزاق 1: 241، الإصابة لابن حجر 2: 460.

فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فانّه لا شيء بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهر الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير، أظفر كما الله وخذل مناوئكم».

فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سرّ به، وأعلم به طلحة وأقرأه عليه، فلم يشكّا في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلك على خلاف علىّ علیه السلام (1).

فحب الدنيا: المال والجاه هو الذي غرّر بالزبير، فقد روى داود ابن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: انّ الزبير بن العوام لما قدم البصرة بعث إليّ والى نفر ودخل بيت المال، فإذا هو بصفراء وبيضاء، فقرأ: ﴿وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ) وقال: فهذه لنا وهذا ما وعدنا الله (2).

وذكر الشيخ المفيد رحمه الله انّ طلحة والزبير لما غلبا على بيت مال البصرة احتملا منه شيئاً كثيراً (3).

أرسلت عائشة إلى الزبير - لما فتحوا البصرة - أن اقتل السبابجة فإنّه قد بلغني الذي صنعوا بك. قال: فذبحهم والله الزبير كما يذبح .

ص: 85


1- شرح النهج لابن أبي الحديد:1: 231
2- أنساب الأشراف لبلاذري: 133 رقم 113
3- كتاب الجمل للمفيد: 284.

الغنم، ولي ذلك منهم عبدالله ابنه وهم سبعون رجلاً، وبقت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين، فسار إليهم الزبير في جيش ليلاً، فأوقع بهم وأخذ منهم خمسون أسيراً فقتلهم صبراً.

قال أبو مخنف: فحدثنا الصقعب بن زهير قال: كانت السبابجة القتلى يومئذٍ أربعمائة رجل. قال: فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف أول غدر كان في الإسلام، وكان السبابجة أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبراً (1).

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين علیه السلام: «فقدموا على عاملي بها وخزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبراً وطائفة غدراً، فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلاً واحداً متعمدين لقتله بلا جرم جرّه، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا يد» [ الخطبة 172].

انّ أمير المؤمنين علیه السلام قبل حرب الجمل دعا الزبير، وذكّره بحديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم - كما مرّ - فرجع الزبير وترك القتال إلى أن ظفر به ابن جرموز وقتله في وادي السباع قرب البصرة، وكان ذلك في جمادى الأولى سنة 36 وكان عمره 67 وقيل 66 سنة. 1

ص: 86


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 9: 321

ورجوعه هذا لوحده - وإن كان أخف حالاً من طلحة وغيره الذين قتلوا في المعركة - لا يدلّ على التوبة، إذ تقدّر التوبة بقدر العمل أو الذنب، أي توبة كل عمل بحسبه، فتوبة من ألّب الرجال ودعم الباطل بالمال والسمعة وجميع ما عنده، وكان السبب في غواية جمع كثير، لا تكون بترك ساحة الحرب والعزلة فقط، بل التوبة النصوحة أن يأتي أمام الناس ويسعى لهداية من غرّر بهم ويظهر ندمه وخطأه علانية، وإذا لم يستجب له أحد، كان عليه أن يقف إلى جنب علي صلی الله علیه و آله و سلم ويقاتل معه البغاة، كما فعل الحر بن يزيد الرياحي رحمه الله، حيث اصطفّ مع الحسين علیه السلام بعد توبته.

كيف يحوز في العدل الإلهي أن يذهب الآلاف إلى النار - أي قتلى البغاة - بسبب الاعتماد على الزبير وأمثاله من وجهاء الصحابة، ثم ينجو الزبير من العقاب مع أنّه المؤسّس لهذا الظلم وهذا الانحراف؟! ولم يتكلّم ببنت شفة، ولا ينصح أولئك الغواة.

ورد ذكره في نهج البلاغة في الخطبة رقم 6 و 8 وفيها يشير الإمام إلى ادعاء الزبير بأنّه بايع بيده ولم يبايع بقلبه، والخطبة رقم 31 وفيها يشير إلى أنّ الزبير ألين عريكة من طلحة، والخطبة رقم 137، كما أشار إليه في الخطبة رقم 148 و 172، وذكره أيضاً في الخطبة 205، والكتاب رقم 1 و 54، وفي قصار الحكم رقم 192 و 302 و 404.

ص: 87

49 - زياد بن أبيه

كان يقال له قبل الاستلحاق زياد بن عبيد الثقفي وقيل ان عبيداً كان عبداً وبقي كذلك إلى أن اشتراه زياد وأعتقه، أمّه سمية جارية الحارث بن كلدة وكانت بغياً زنا بها أبو سفيان فولدت زياداً. ولد عام الهجرة وقيل غير ذلك.

ففي الاستيعاب انّ عمر بن الخطاب بعث زياداً في إصلاح فساد وقع في اليمن، فرجع وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلها، فقال عمرو بن العاص: أما والله لو كان هذا الغلام قرشياً لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان بن حرب: والله إنّي لأعرف الذي وضعه في رحم أمه، فقال علي بن أبي طالب: و من هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا، قال: مهلاً يا أبا سفيان ... (1).

قال الذهبي: يقال: انّ أبا سفيان أتى الطائف فسكر فطلب بغياً، فواقع سمية وكانت متزوجة بعبيد، فولدت من جماعه زياداً، فلما رآه معاوية من أفراد الدهر استعطفه وادعاه وقال: نزل من ظهر أبي (2).

كان من نبلاء الرجال رأياً وعقلاً وحزماً ودهاء وفطنة، وكان يضرب به المثل في النبل، وكان كاتباً بليغاً، كتب لأبي موسى الأشعري

ص: 88


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 523
2- م. ن.

زمن امرته على البصرة، وكتب للمغيرة لما كان أميراً على الكوفة، وكتب لابن عباس لما كان والياً بالبصرة. قال الشعبي: ما رأيت أحداً أخطب من زياد (1).

كان معاوية - وربما بإشارة من أبيه - يريد استلحاق زياد ولكن لم تسمح له الظروف، وفي خلافة أمير المؤمنين علیه السلام حاول ذلك مرة أخرى، فكتب أمير المؤمنين علیه السلام إلى زياد كتاباً يحذّره من معاوية - كما سيأتي - وبعد ما استتب الأمر لمعاوية وأصبح بيده العدّة والعدد استحلقه رسمياً بعد مكاتبات واغراءات كثيرة، وذلك في سنة (44) وولاه على البصرة والكوفة، فعبث فيهما وتغيّر عمّا كان عليه، ورجع إلى أصله في النصب والعداء لأمير المؤمنين علیه السلام وولده وشيعته.

روي عن هشام بن محمد عن أبيه قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب، فلما قدم زياد الكوفة والياً عليها أخافه وطلبه زياد فأتى الحسن بن عليّ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله وهدم داره، فكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن عليّ إلى زياد، أما بعد فإنّك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، فهدمت داره وأخذت ماله وعياله فحبستهم، فإذا أتاك كتابي هذا فابن داره واردد عليه عياله وماله، فإنّي .

ص: 89


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 494:3 رقم 112.

قد أجرته فشفّعني فيه».

فكتب زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان وأنت سوقة، كتبت إليّ في فاسق لا يؤويه إلّا مثله، وشرّ من ذلك تولّيه أباك وإياك، وقد علمت أنّك قد آويته إقامة منك على سوء الرأي ورضا منك بذلك، وايم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك، فإنّ أحبّ لحم إلى آكله للحم الذي أنت منه، فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلّا بحبه إياك.

فلما قرأ الحسن علیه السلام الكتاب تبسّم، وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح ... وكتب الحسن إلى زياد: «من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية الولد للفراش وللعاهر الحجر» (1).

وقال زياد الحجر بن عدي: أرأيت ما كنتُ عليه من المحبة والموالاة لعلي؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك بغضة وعداوة، أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك محبة وموالاة» (2). .

ص: 90


1- تاريخ دمشق لابن عساكر 19: 198، شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 194.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 23.

في سير أعلام النبلاء للذهبي: «كان زياد أفتك من الحجاج لمن يخالف هواه ... قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي انّ زياداً يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم فدعا عليه ... وقيل: أنّه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسن، فأصابه حينئذٍ طاعون» (1).

ذكره ابن حبان في الضعفاء وقال: «ظاهر أحواله المعصية» (2) وقال الصفدي: ثم أنّه بعد موت علي صالح وادعاه [أي معاوية ] فصار من شيعته واشتد على شيعة علي» (3)

ومن نصبه وعدائه لعلي علیه السلام وشيعته ما أورده محمد بن حبيب البغدادي في كتاب المحبر حيث قال: وصلب زياد بن أبيه مسلم بن زیمر وعبدالله بن نجى الحضرميين على أبوابهما بالكوفة وكانا شيعيين وذلك بأمر معاوية، وقد عدّهما الحسين بن علي على معاوية في كتابه إليه: ألست صاحب حجر والحضرميين اللذين كتب إليك ابن سمية أنّهما على دين عليّ ورأيه، فكتبت إليه من كان على دين عليّ ورأيه فاقتله ...» (4)

وكان لعنه الله هو السبب في قتل حجر بن عدي، فقد كتب إلى .

ص: 91


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 496
2- ميزان الاعتدال للذهبي 2: 86 رقم 2923.
3- الوافي بالوفيات للصفدي 6:15.
4- المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي: 479.

معاوية: إن كان لك بالعراق حاجة فاكفني حجراً وأصحابه، فأمر بهم معاوية فقتلوا نصفهم بعذراء سنة 51 (1)، وفي لفظ آخر كتب إليه: انّهم خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب، وزروا على الولاة، فخرجوا بذلك من الطاعة ... فلما صاروا بمرج عذراء من دمشق على أميال، أمر معاوية بإيقافهم هناك، ثم وجّه إليهم من يضرب أعناقهم ... (2).

مات لعنه الله سنة 53 وهو ابن 53 أو 56، ودفن بالثوية حيث الآن قبر كميل بن زياد رحمه الله وكان سبب موته دعاء الإمام الحسن علیه السلام كما مرّ، وذكر ابن أعثم الكوفي في الفتوح: وجعل زياد يتتبع شيعة علي بن أبي طالب فيقتلهم تحت كل حجر ومدر حتى قتل منهم خلقاً كثيراً، وجعل يقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم، وجعل أيضاً يغري بهم معاوية، فقتل منهم معاوية جماعة، وفيمن قتل منهم حجر بن عدي الكندي وأصحابه، وبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: اللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالاً عاجلاً إنّك على كل شيء قدیر. فخرج به خراج في إبهام يده وفشا ذلك في يده اليمنى حتى ثقلت يده، فاستشار الناس في قطعها فلم يشيروا عليه بذلك، واشتد به الأمر ولقي من يده جهداً شديداً، ثم مات بعد ذلك» (3). .

ص: 92


1- الوافي بالوفيات للصفدي 247:11.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 230.
3- الفتوح لابن أعثم الكوفي 4: 316.

ورد اسمه في الكتاب رقم 20 يهدّده أمير المؤمنين علیه السلام بالعقوبة إذا خان الأمانة، وذلك لما كان خليفة ابن عباس على البصرة، وكتاب 44 لما كتب إليه معاوية يريد استلحاقه، وقصار الحكم 464.

50 - سعيد بن العاص

سعيد بن العاص بن أمية. ولد عام الهجرة، وقيل في السنة الأولى، كان أحد أشراف قريش ممن جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، وكان فيه أيضاً تجبّر وغلظة وشدّة سلطان (1).

شارك في الفتوح أيام عثمان، واستعمله على الكوفة، فقدمها وهو شاب مترف فأضرّ بأهلها، فوليها خمس سنين إلّا شهراً، ثم قام عليه أهلها وطردوه، وقال فيما قال: إنّما هذا السواد بستان لقريش (2)، وفي لفظ: إنّما هذا السواد بستان لاغيلمة من قريش (3). فبدأ الخلاف بينه وبين الكوفيين إلى أن تم إقصاؤه من الكوفة، فأبدله عثمان بأبي موسى الأشعري.

ولما رجع إلى المدينة لازم عثمان ودافع عنه، ففي الطبقات:

ص: 93


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 621 رقم 987.
2- تاريخ الطبري 3: 365
3- الطبقات لابن سعد 5: 32

لم يزل سعيد بن العاص حين رجع عن الكوفة بالمدينة حتى وثب الناس بعثمان فحصروه، فلم يزل سعيد معه في الدار يلزمه لم يفارقه ويقاتل دونه» (1).

ولما استخلف أمير المؤمنين علیه السلام اعتزل سعيد ولم يشارك في الحروب أيام الجمل وصفين، وكان معاوية عاتبه على تخلّفه عنه في حروبه، فاعتذر ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها (2).

توفي زمن معاوية سنة 59 بقصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع ورد اسمه في عنوان الخطبة (76)

51 - سعيد بن مالك

لم أعثر على ترجمة له، غير ما ذكر تحت اسم: سعيد بن مالك بن بحدل بن أنيف بن دلجة الكلبي، ولي إمرة قنسرين والجزيرة في أيام يزيد بن معاوية (3)، وكان شريفاً مطاعاً في قومه (4)، وكان أخوه حسان بن مالك شدّ الخلافة لمروان (5).

ص: 94


1- م. ن 34:5
2- الإصابة لابن حجر:3: 91
3- تاریخ دمشق لابن عساکر 21: 291
4- تاريخ الإسلام للذهبي 5: 121
5- تاج العروس للزبيدي 44:14.

فربما يكون هو المعني من سعيد بن مالك الذي ورد اسمه في قصار الحكم 253، الذي اعتزل مع عبد الله بن عمر عن

أمير المؤمنين علیه السلام.

52 - سعيد بن نمران

سعید بن نمران بن نمر الهمداني ثم الناعطي، أدرك من حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم أعواماً. شهد اليرموك وسار إلى العراق مدداً لأهل القادسية. كان كاتباً لعلي (1).

كان من أصحاب حجر بن عدي، وسيّره زياد مع حجر إلى الشام، فأراد معاوية قتله مع حجر فشفع فيه حمزة بن مالك الهمداني فخلّى سبيله (2). ثم ذهب إلى جرجان وسكنها واختط دوراً وضياعاً في قصبة جرجان في درب همدان، وتسمّى ضياعه شعب همدان (3).

لما قدم علي علیه السلام الكوفة ولى سعيد بن نمران ثم عزله (4)، ثم ولاه على جَنَد - ولاية باليمن - وكان معه عبيد الله بن عباس على صنعاء، فاشتدا على شيعة عثمان وطردا قوماً منهم، فكاتبوا معاوية فأرسل

ص: 95


1- م. ن 316:2
2- أسد الغابة لابن الأثير 2: 316.
3- تاريخ جرجان للسهمي: 215.
4- أخبار القضاة لابن حيان 2: 396.

معاوية بسر بن أبي ارطاة إليهم وقال له: «ثم امض إلى صنعاء فإنّ لنا بها شيعة فانصرهم واستعن بهم على عمال علي وأصحابه فقد أتاني كتابهم، واقتل كل من كان في طاعة علي إذا امتنع من بيعتنا، وخذ ما وجدت لهم من مال» (1)

فانهزم سعيد بن نمران وجاء إلى الكوفة، فعاتبه علي علیه السلام على عدم القتال، فقال سعيد: قد والله قاتلت ولكن ابن عباس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر فقلت: انّ ابن عمك لا يرضى منّي ومنك بدون الجد في قتالهم قال: لا والله ما لنا بهم طاقة ولا يدان فقمت في الناس فحمدت الله ثم قلت: يا أهل اليمن من كان في طاعتنا وعلى بيعة أمير المؤمنين علیه السلام فإليّ إليّ، فأجابني منهم عصابة، فاستقدمت بهم فقاتلت قتالاً ضعيفاً، وتفرّق الناس عنّي وانصرفت (2).

ثم بقي سعيد حيّاً إلى أن ولّاه مصعب بن الزبير القضاء على الكوفة (3)، ولمدة ثلاث سنين (4) لكن في الإصابة انّ مصعب أراد أن يوليه القضاء، فمنعه أخوه وكتب إليه أنّه من أصحاب عليّ (5). مات 2

ص: 96


1- أنساب الأشراف للبلاذري: 453.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 15
3- تاريخ خليفة بن خياط: 206.
4- أخبار القضاة لابن حيان 2: 397
5- الإصابة لابن حجر:3 212

حدود سنة سبعين.

ورد ذكره في خطبة 25 خطبها علیه السلام بعد ما غلب بسر على اليمن.

53 - سعيد بن يحيى الأموي

سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي. له كتاب المغازي، نقلوا عنه الكثير ووثقوه وقالوا ربما يخطأ. يكنى بأبي عثمان. مات في النصف من ذي القعدة سنة 249 ه- ببغداد ودفن في مقبرة باب البردان (1).

نقل الشريف الرضي عن كتابه في المغازي كتاب أمير المؤمنين إلى أبي موسى الأشعري برقم 78 وفيه: «انّ الناس قد تغيّر كثير منهم عن كثير من حظهم فمالوا مع الدنيا ...»

54 - سفيان بن عوف (أخو غامد)

سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي من قبيلة غامد من اليمن، قال الحاكم: كان به بأس ونجدة وسخاء، كان معاوية يعظم أمره (2).

ص: 97


1- تاريخ بغداد للخطيب 9: 93 رقم 4670، الجرح والتعديل للرازي 74:4 رقم 314.
2- المستدرك للحاكم 3: 446.

شهد فتح الشام، وولاه معاوية على الصوائف، واختلفوا في صحبته فأثبتها الحاكم في المستدرك ونفاها آخرون.

هو الذي أغار على الأنبار بأمر معاوية، قال: دعاني معاوية فقال: إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات حتى تمرّ بهيت فتقطعها، فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم وإلّا فامض حتى تغير على الأنبار ... فاقتل من لقيته ممّن ليس هو على مثل رأيك واخرب كلّ ما مررت به من القرى واحرب الأموال فإنّ حَرَب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب» (1).

ففعل ما أمر به وقتل عامل أمير المؤمنين علیه السلام وسلب ونهب بحيث تألّم من ذلك أمير المؤمنين علیه السلام كثيراً وقال فيما قال: «فلو انّ امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً» وبالمقابل فرح لذلك معاوية كثيراً وقال لسفيان بن عوف: كنت عند ظنّي بك، لا تنزل في بلد من بلداني إلّا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره، وإن أحببت توليته ولّيتك، وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني» (2).

مات لعنه الله شاتياً بالروم سنة (52) أو (54)، ولمّا بلغ معاوية وفاته تألّم كثيراً وكتب إلى أمصار المسلمين وأجناد العرب ينعاه لهم 7

ص: 98


1- الغارات للثقفي 2: 464، شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 85.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 87

فبكي عليه في كل مسجد، وكان معاوية إذا رأى في الصوائف خللاً قال: واسفياناه ولا سفيان لي (1).

ذكره أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة 27 لما هجم على الأنبار، وفيها يستنهض الناس لدفعه ويشكو من ضعف جنده وتخاذلهم حتى أصبحوا يغار عليهم ولا يغيرون، ويُغزون ولا يغزون.

55 - سلمان الفارسي

اختلف في اسمه فقیل روزبه بن خشبوذان وقيل: ماهویه وقيل: بهبود بن درخشان، وقيل غير ذلك. كنيته: أبو عبد الله، وقيل: أبو البينات وأبو المرشد، وسمّاه أمير المؤمنين علیه السلام سلسل، ويقال له: سلمان الخير و سلمان المحمدي. وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان ابن الإسلام، أنا من بني آدم (2).

وكان من أهل فارس من رامهرمز، وقيل أنّه من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ.

كان رحمه الله من المعمرين، وكان وصي وصي عيسى علیه السلام، وقيل: انّ لقاءه بعيسى علیه السلام مشهور في الأخبار.

ص: 99


1- تاريخ دمشق لابن عساكر 21: 351.
2- نفس الرحمن في فضائل سلمان للمحدث النوري: 63 - 64.

وكان رحمه الله ممن ضرب في الأرض لطلب الحجة، فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم، ومن فقيه إلى فقيه، ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار منتظراً لقيام القائم سيد الأولين والآخرين محمد صلی الله علیه و آله و سلم (1)

ما سجد قط لمطلع الشمس وإنّما كان يسجد لله عزّوجلّ، وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية، وكان أبواه يظنان أنّه إنّما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فيه: «انّ سلمان ما كان مجوسياً، ولكنّه كان مظهراً للشرك مبطناً للإيمان (2).

اختلف في وقت إسلامه وكيفيته، والأرجح أنّه أسلم في جمادى الأولى وفي السنة الأولى.

وفي شرح النهج لابن أبي الحديد انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم اشتراه من أربابه وهم قوم يهود بدراهم، وعلى أن يغرس لهم من النخيل كذا وكذا (3).

روي انّ سلمان لما قدم المدينة أتى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بهدية على طبق فوضعها بين يديه فقال: ما هذا يا سلمان قال: صدقة عليك وعلى أصحابك، قال: إنّي لا آكل الصدقة، فرفعها ثم جاء من الغد بمثلها فوضعها بين يديه فقال: ما هذا؟ قال: هدية لك، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .

ص: 100


1- نفس الرحمن: 75 عن كمال الدين للصدوق 1: 161.
2- م ن: 75، عن الاختصاص للمفيد: 222
3- م. ن: 128 عن شرح النهج 18: 34.

لأصحابه: كلوا. قال: لمن أنت؟ قال: لقوم، قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك، قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم، ويقوم عليها سلمان حتى تطعم، قال: ففعلوا، قال: فجاء النبي صلی الله علیه و آله و سلم فغرس فغرس النخل كلّه إلّا نخلة واحدة غرسها عمر، وأطعم نخله من سنته سنته إلّا تلك النخلة، قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: من غرسها؟ قالوا عمر، فغرسها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من يده فحملها من عامها (1).

وردت روايات كثيرة في فضله، فعن أبي جعفر علیه السلام أنّه ذكر عنده سلمان الفارسي، فقال أبو جعفر علیه السلام: مه، لا تقولوا سلمان الفارسي، ولكن قولوا سلمان المحمدي، ذلك رجل منّا أهل البيت (2).

وفي الاختصاص للمفيد قال: بلغنا انّ سلمان الفارسي رضی الله عنه دخل مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ذات يوم، فعظّموه وقدّموه وصدّروه إجلالاً لحقّه وإعظاماً لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله، فدخل عمر فنظر إليه فقال: من هذا العجمي المتصدّر فيما بين العرب؟ فصعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المنبر فخطب فقال: انّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود .

ص: 101


1- المستدرك للحاكم 2: 16 وصححه، مجمع الزوائد للهيثم 9: 337 وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، وفيه: «فنزعها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم غرسها فحملت من عامها».
2- اختيار معرفة الرجال للطوسي: 54 رقم 26.

إلّا بالتقوى، سلمان بحر لا ينزف وكنز لا ينفد سلمان منّا أهل البيت سلسل يمنح الحكمة ويؤتى البرهان (1).

وعن ابن نباتة قال: سألت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن سلمان الفارسي رحمه الله وقلت: ما تقول فيه؟ فقال: ما أقول في رجل خلق من طينتنا، وروحه مقرونة بروحنا، خصّه الله تبارك وتعالى من العلوم بأولها وآخرها وظاهرها وباطنها وسرّها وعلانيتها، ولقد حضرت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وسلمان بين يديه، فدخل أعرابي فنحّاه عن مكانه وجلس فيه، فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى درّ العرق بين عينيه واحمرتا عيناه، ثم قال: يا أعرابي أتنحّي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء، ويحبه رسوله في الأرض، يا أعرابي سلمان منّي، من جفاه فقد جفاني، ومن آذاه فقد آذاني، ومن باعده فقد باعدني ومن قرّبه فقد قرّبني، يا أعرابي لا تغلظنّ في سلمان فإنّ الله تبارك وتعالى قد أمرني أن أطلعه على علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ...» (2)

وهو من الذين تشتاق إليهم الجنّة، وكان له أثر مشهود في غزوة الخندق حيث أشار بحفر الخندق، وكان له أثر كبير في انتصار المسلمين وكان من الذين اعترض على أبي بكر بعد استخلافه.

اختلف في تاريخ وفاته فقيل سنة 36 للهجرة ودفن بالمدائن في 1

ص: 102


1- نفس الرحمن: 160 عن الاختصاص: 341.
2- نفس الرحمن 187 وصححه عن الاختصاص: 221

خلافة أمير المؤمنين علیه السلام، وقيل سنه 34 في خلافة عثمان (1)، وقال النباطي في الصراط المستقيم: «جاء في الأخبار الحسان انّ علياً علیه السلام تولّى أمر سلمان» (2).

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 68 كتبه أمير المؤمنين علیه السلام إلى سلمان وفيه التزهيد بالدنيا.

56 - سهل بن حُنيف الأنصاري

سهل بن حُنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة الأوسي الأنصاري يكنّى بأبي سعيد وأبي عبد الله وأبي ثابت وأبي الوليد. أمّه هند بنت رافع بن عميس بن معاوية.

كان ذا علم وعقل ورياسة وفضل، قال الفضل بن شاذان: انّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام ومن الباقين على منهاج نبيهم من غير تغيير ولا تبديل. وعدّه البرقي مع أخيه عثمان من شرطة الخميس، وروى ما يدلّ على أنّهم من أهل الجنّة.

قال الإمام الصادق علیه السلام: سهل بن حنيف كان من النقباء نقباء نبي الله الاثني عشر، وما سبقه أحد من قريش ولا من الناس بمنقبة ...

ص: 103


1- نفس الرحمن: 630، نقلاً عن عدة مصادر.
2- م. ن: 621، عن الصراط المستقيم 1: 205.

ولما مات جزع أمير المؤمنين علیه السلام عليه جزعاً شديداً (1). قال ابن داود: ثقة جيّد الحديث نقىّ الرواية (2).

روي أنّه كان في بدء الإسلام أول سنة الهجرة يكسر أصنام قومه ليلاً ويحملها إلى امرأة من الأنصار لا زوج لها ويقول لها: احتطبي هذه، وكان علي علیه السلام يذكر ذلك عن سهل بعد موته متعجباً به (3).

شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وثبت يوم اُحد وكان بايعه يومئذٍ على الموت، فثبت معه حين انكشف الناس عنه وجعل ينضح بالليل يومئذٍ عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: نبلوا سهلاً فإنّه سهل (4).

وبعد مؤامرة السقيفة كان من الاثني عشر الذين اعترضوا على أبي بكر وقال: «يا معشر قريش اشهدوا عليّ انّي أشهد على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وقد رأيته في هذا المكان - يعني الروضة - وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب وهو يقول: أيها الناس هذا علي إمامكم من بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي، وقاضي ديني ومنجز وعدي، وأوّل من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلّف عنه .

ص: 104


1- راجع أعيان الشيعة للعاملي 7: 321
2- رجال ابن داود 107
3- أعيان الشيعة للعاملي 7: 321
4- الطبقات لابن سعد 3: 471، الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 662.

وخذله» (1)

صحب علياً علیه السلام من حين بويع له، وإيّاه استخلف عليّ حين خرج من المدينة إلى البصرة، ثم شهد مع عليّ صفين وولاه فارس (2).

وقال لأمير المؤمنين لما استشار أصحابه الخلّص الحرب أهل الشام: يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك ونحن يمينك ... متى دعوتنا أجبناك ومتى أمرتنا أطعناك (3).

مات رحمه الله بالكوفة سنة 38 وكفّنه أمير المؤمنين علیه السلام ببرد أحمر حبرة (4). وكبّر عليه خمسة وعشرين تكبيرة، كبر خمساً خمساً كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل، فيضعه فيكبر عليه خمساً حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (5).

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 70 كتبه إليه أمير المؤمنين علیه السلام لما كان واليه على المدينة وبلغه انّ أناساً يتسلّلون إلى معاوية. وكذلك في قصار الحكم رقم 106 حيث قال علیه السلام بعد وفاته وكان من أحب الناس إليه: «لو أحبني جبل لتهافت». .

ص: 105


1- الاحتجاج للطبرسي 1: 103.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 663.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 3: 173.
4- الكافي للكليني 3: 149 ح 9.
5- الكافي للكليني 3: 186.

57 - شريح بن الحارث القاضي

شريح بن الحارث بن المنتجع بن معاوية بن جهم الكندي، وقد اختلف في نسبه واسم أبيه قال صاحب الاستيعاب: «لا يصح إلّا شريح بن الحارث وقال: أنّه أدرك الجاهلية ويعدّ من كبار التابعين (1). كنيته أبو أمية.

كان شاعراً محسناً، وكان سناطاً لا شعر في وجهه، قال الذهبي: يقال له صحبة، ولم يصح بل هو ممن أسلم في حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم وانتقل من اليمن زمن الصديق. وقيل: إنّما خرج من اليمن لأنّ أمّه تزوّجت بعد أبيه، فاستحيا من ذلك فخرج (2).

وأشار ابن حجر إلى أنّ المشهور أنّه لم ير النبي صلی الله علیه و آله و سلم ولم يسمع منه (3).

كان له ذكاء وفطنة حتى قيل أنّه أدهى من الثعلب وأحيل (4)، وكان قاضياً 60 سنة وقيل 75 سنة، ولاه عمر القضاء على الكوفة سنة وعمره 40 سنة، فبقي قاضياً عليها حتى قتل عثمان، وأقرّه أمير المؤمنين علیه السلام أيضاً على القضاء طول خلافته إلّا أياماً عزله عنه عنه ثم

ص: 106


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 701.
2- سير أعلام النبلاء 4: 100 - 101.
3- الإصابة لابن حجر 271:3.
4- تاريخ دمشق لابن عساكر 23: 48.

أعاده، وكذلك قضى في زمن معاوية إلى أن أخذه زياد إلى البصرة فقضى له هناك سنة، إلى أن رجع إلى الكوفة وبقي قاضياً عليها أيام يزيد واعتزل القضاء أيام المختار، فلما اجتمع الناس على عبد الملك عند قتل مصعب أعاد شريحاً، ثم لما قدم الحجاج الكوفة أقرّه على القضاء ثم استعفاه فأعفاه (1).

لما ولّاه عمر القضاء قال له: أنظر ما تبيّن لك من كتاب الله فلا تسأل عنه أحداً، وما لم يتبيّن لك في كتاب الله فابتغ فيه السنة، وما لم يتبيّن لك في السنة فاجتهد فيه رأيك» (2)، وفي ألفاظ أخرى خيّره بين القضاء وبين التأخر.

أقول: إذا كان القرآن مجملاً غير مفصل، وإذا كانت السنة آنذاك ممنوعة من التدوين والتحديث حتى انّ عمر حبس بعض الصحابة في المدينة كي لا يحدّثوا الناس، وإذا كانت العترة لا يؤخذ منها ولا یُرجع إليها، فالله يعلم كم أفسد شريح في قضائه برأيه.

وكان أمير المؤمنين علیه السلام مضطراً لإبقائه وإبقاء غيره على منصب القضاء، ريثما يتمكن الإمام من ترتيب الأمور كما يراها، فلذا قال له: اقض بما كنت تقضي حتى يجتمع أمر الناس» (3). وفي لفظ آخر: .

ص: 107


1- م. ن 23: 27.
2- م. ن 23: 19.
3- الغارات للثقفي 1: 124.

اقضوا كما كنتم تقضون حتى تكون للناس جماعة أو أموت كما ما أصحابي» (1) وهذا يدلّ على أنّه علیه السلام كان مضطراً، لذا قال ابن أبي الحديد: «أقر عليّ شريحاً على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة في الفقه مذكورة في كتب الفقه» (2).

قال علیه السلام لشريح وقد قضى قضية نقم عليه أمرها: والله لأنفينّك إلى بانقيا شهرين تقضى بين اليهود، ثم قتل علي علیه السلام ومضى دهر، فلما قام المختار بن أبي عبيد قال لشريح: ما قال لك أمير المؤمنين علیه السلام يوم كذا؟ قال: انّه قال لي كذا قال: فوالله لا تقعد حتى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود، فسيّره إليها فقضى بين اليهود شهرين (3).

ولكثرة أخطائه في قضائه اعترض عليه البحتري وقال له: ما الذي أحدثت في القضاء؟ فقال له بكل جرأة وسهولة: انّ الناس أحدثوا فأحدثت (4)، وكأن لم يكن أيّ قيمة لدماء الناس وأعراضها وأموالها.

كان صاحب هوى ودنيا، وقد اعترف بذلك، فإنّه لبث في الفتنة تسع سنين لا يخبر ولا يستخبر فقيل له: قد سلمت، فقال: كيف .

ص: 108


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 14: 28.
2- م. ن.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 98.
4- الطبقات لابن سعد 6: 133.

(1)

بالهوى (2). ولذا كان منحرفاً عن علي علیه السلام، روى ابن أبي الحديد: ثلاثة لا يؤمنون على علي بن أبي طالب: مسروق، ومرة، وشريح (2).

ولو لم يكن صاحب هوى ودنيا لتغيّر وضع الكوفة أيام يزيد لما كان عبيد الله بن زياد واليها، وما قتل مسلم بن عقيل، وما قتل الحسين علیه السلام، فإنّه كان السبب في ذلك، والدليل انّ ابن زياد لما ألقى القبض على هاني بن عروة وضربه وسجنه، جاءت قبيلته وأحاطت بالقصر، فخاف ابن زياد من ذلك إذ لم تكن له قدرة على ردّهم، فقال لشريح:

أدخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج و أعلمهم أنّه حيّ لم يقتل.

فدخل شريح فلما رآه هاني قال: يا لله يا للمسلمين، أين أهل الدين أين أهل البصر، والدماء تسيل على لحيته، إذ سمع الرجة على باب القصر فقال: إنّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين، إنّه إن دخل عليّ عشرة نفر أنقذوني. فلما سمع شريح كلامه خرج إليهم فقال لهم: انّ الأمير لما بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم، أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه، فأمرني أن ألقاكم وأن أعلمكم أنّه حيّ وانّ الذي بلغكم من قتله باطل (3).

عمّر شريح عمراً طويلاً ومات سنة 87 وقيل غير ذلك، وكان0.

ص: 109


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 98.
2- تاریخ دمشق لابن عساكر 23: 44، سير أعلام النبلاء للذهبي 4: 106
3- الإرشاد للمفيد 2: 50.

عمره 100 سنة وقيل 120 وقل 168 سنة.

ورد اسمه في الكتاب رقم 3 من نهج البلاغة، وذلك لما اشترى داراً بثمانين ديناراً كتب له أمير المؤمنين علیه السلام هذا الكتاب متذمراً من عمله.

58 - شريح بن هاني

شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك المذحجي الحارثي يكنى أبا المقدام. ذكر البخاري نقلاً عن القاسم بن مخيمرة أنّه قال ما رأيت حارثياً أفضل من شريح بن هانئ، وأثنى عليه خيراً (1). وذكر ابن حجر توثيقه عن أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان، وعن ابن خراش أنّه صدوق، وذكره مسلم في المخضرمين، وعن ابن البرقي قال: كان على شرطة علي (2).

شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام مشاهده، وأنشد في حرب الجمل:

لا عيش إلّا ضرب أصحاب الجمل *** والقول لا ينفع إلّا بالعمل

ما إن لنا بعد علي من بذل (3)

ص: 110


1- التاريخ الكبير للبخاري 4: 228.
2- تهذيب التهذيب لابن حجر 290:4
3- المناقب لابن شهر آشوب 2: 345.

ولما ذهب أبو موسى الأشعري للتحكيم أرسل أمير المؤمنين علیه السلام شريح هذا في أربعمائة وأرسل معهم ابن عباس ليصلّي فيهم، فأخذ شريح بيد أبي موسى وقال له: يا أبا موسى انّك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه، ولا تستقال فلتته، ومهما تقل من شيء لك أو عليك يثبت حقه ويزل باطله، أنّه لا بقاء لأهل العراق إن ملكها معاوية، ولا بأس بأهل الشام إن ملكها عليّ، فانظر في ذلك نظر من يعرف هذا الأمر حقاً (1).

وفي لفظ آخر: وقد كانت منك تثبيطة أيام قدمت الكوفة، فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقيناً، والرجاء منك يأساً (2).

قتل رحمه الله في سجستان أيام الحجاج سنة 78 وعمره 120 سنة.

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 56 وصية الإمام علیه السلام لما جعله على مقدمته لحرب أهل الشام.

58 - صخر بن حرب (أبو سفيان)

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبدمناف أبو سفيان، وقد غلبت كنيته على اسمه. ولد قبل عام الفيل بعشر سنين. أسلم يوم الفتح مضطراً حيث لما قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «ألم يأن لك أن تعلم أنّي

ص: 111


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 115.
2- وقعة صفين للمنقري: 534

رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، أما هذه ففي النفس منها شيء، فقال له العباس: ويلك اشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك، فشهد وأسلم» (1).

أمه صفية بنت حزن بن بني هلال بن عامر بن صعصعة، كان يحمل حقداً دفيناً على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وهو الذي ألّب عليه الجيوش وحاول جهده إطفاء نور النبوة، وهو القائل في غزوة حمراء الأسد: «أنّا أزمعنا الرجوع إليه وإلى أصحابه لنستأصل شأفتهم» (2)، ولمّا أسلم كرهاً لم يشهد له التاريخ بمواقف مشرّفة تكون مكفّرة لموبقاته، سوى ما يذكر أنّه شارك في غزوة حنين ويوم الطائف فذهبت إحدى عينيه فيها وكذلك شهد يوم اليرموك فذهبت عينه الأخرى، فأصبح أعمى البصر والبصيرة، ومصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ...) لذا يذكر ابن عبد البر انّ طائفة من العلماء والمحدّثين يرون أنّه كان كهفاً للمنافقين منذ أسلم (3).

وقال الذهبي الأموي الهوى: «وله هنات وأمور صعبة، لكن تداركه الله بالإسلام فأسلم شبه مكره، ثم بعد أيّام صلح إسلامه» (4). .

ص: 112


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1678.
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان 1: 285
3- الاستیعاب لابن عبدالبر 4: 1678.
4- سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 105 رقم 13.

ومن مواقفه التي تدلّ على صلاح إسلامه ما ذكره الذهبي من أنّه لما انهزم من كان مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من جفاة أهل مكة [يوم حنين] تكلّم رجال بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لاتنتهي هزيمتهم دون البحور، وإنّ الأزلام لمعه في كنانته. قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر قال: سار أبو سفيان إلى حنين وأنه ليظهر الإسلام، وأنّ الأزلام التي يستقسم بها في كنانته (1).

ومن مواقفه الدالّة على صلاح إسلامه أنّه كان من الاثني عشر الذين وقفوا في العقبة ليستنفروا ناقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وليقتلوه (2). وفي يوم اليرموك كان منعزلاً في جمع من قريش على جبل ورآه ابن الزبير يقول لما كانت الروم تغلب: إيه بني الأصفر، ولما كانت الغلبة للمسلمين كان يقول: ويح بني الأصفر. فلمّا أبلغ ابن الزبير أباه ضحك وقال: قاتلهم الله أبو إلّا ضغناً (3).

ومنها عن ابن عباس قال: رأى أبو سفيان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يمشي والناس يطؤون عقبه، فقال بينه وبين نفسه لو عاودت هذا الرجل 5

ص: 113


1- تاريخ الإسلام للذهبي 2: 576.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 291 عن الإمام الحسن علیه السلام.
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير:2: 414، وانظر الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1679، النزاع والتخاصم للمقريزي: 58، تاريخ دمشق لابن عساکر 23: 458، تاريخ الطبري 3: 75

القتال، فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى ضرب بيده في صدره فقال: إذاً يخزيك الله، فقال: أتوب إلى الله وأستغفر الله ما تفوّهت به (1).

و ممّا يدل على صلاح إسلامه أيضاً ما قاله لعثمان بعد ما استخلف: قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أمية، فإنّما هو الملك ولا أدري ما جنّة ولا نار (2)، وفي لفظ آخر: تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة (3)، وفي لفظ آخر: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية (4).

وروي أنه مرّ بقبر حمزة وضربه برجله وقال: يا أبا عمارة انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس، في يد غلماننا اليوم يتلعبون به (5).

ومنها أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعن أبا سفيان ومعاوية بقوله: «لعن الله التابع والمتبوع» (6) 9.

ص: 114


1- البداية والنهاية لابن كثير 4: 348، تاریخ دمشق لابن عساکر:23 458 تاريخ الإسلام للذهبي 2: 561.
2- الاستيعاب لابن عبد البر 4: 1679.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 53:9.
4- تاريخ دمشق لابن عساكر 23: 471.
5- شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 136.
6- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 79.

وفي لفظ آخر: «لعن الله القائد والمقود» (1).

هذه بعض مواقف الرجل الدالة على صلاح إسلامه - على حدّ تعبير الذهبي - وقد مات لعنه الله في سنة 31 أو 34 في المدينة ودفن بالبقيع وقيل مات في دمشق عند معاوية، وكان عمره 88 سنة وقيل بضع وتسعين.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة 5 وكتاب 17 و 44.

59 - ضرار بن ضمرة الضُبابي

لم نعثر على ترجمته غير انّ المسعودي في مروج الذهب وصفه بأنّه من خواص أمير المؤمنين علیه السلام، وقد على معاوية فأمره بأن يصف علياً علیه السلام فامتنع فأصر عليه معاوية فوصفه وصفاً جميلاً، أورد الرضي شطراً منه في نهج البلاغة قصار الحكم رقم 72. وفي لفظ آخر لما سأله معاوية: كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقاً دمعتها، ولا يسكن حزنها (2).

60 - طلحة بن عبيد الله

طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو القرشي التيمي، أمه

ص: 115


1- أوردوه بدون ذكر الاسم: أنظر المعجم الكبير للطبراني 17: 176 أسد الغابة لابن الأثير:3: 76، الإصابة لابن حجر 3: 465.
2- تاریخ دمشق 401:24.

الصعبة بنت عبدالله بن عماد بن مالك، يكنّى أبا محمد. وكان أبوه ابن عم أبي بكر. من الأوائل في الإسلام، شهد اُحد وما بعدها، وكان من الستة الذين اختارهم عمر للشورى.

كان قد آذى النبي صلی الله علیه و آله و سلم بقوله: لو قبض النبي تزوّجت عائشة (1)، فنزل قوله تعالى: ﴿وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً).

كان من المؤلّبين على عثمان بل أشدّهم، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة 174: «لم يكن في القوم أحرص عليه منه» وهو أول من رمى بسهم في دار عثمان (2) وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انتهيت إلى المدينة أيام حصر عثمان في الدار، فإذا طلحة بن عبيد الله في مثل الحية السوداء من الرجال ومن السلاح مطيف بدار عثمان حتى قتل (3). 4

ص: 116


1- راجع الدر المنثور للسيوطي 5: 214، الطبقات لابن سعد 8: 201، امتاع الاسماع للمقريزي 257:10، تخريج الأحاديث والاثار للزيلعي 3: 128 وغيرها من المصادر، ولما رأى القوم شناعة هذا القول اختلقوا شخصاً آخر باسم طلحة بن عبيد الله ونسبوا القصة إليه، ونسوا انّ كثيراً من النصوص تدلّ على انّ ذاك الرجل وصف عائشة بابنة العمّ ولا يكون هو إلّا طلحة بن عبيد الله المعروف، ثم لماذا لا ينسبون فضائل طلحة الكثيرة ومنها حديث العشرة المبشرة إلى طلحة ذاك المجهول لا هذا، فانظر واعجب!!
2- کتاب الجمل للمفيد: 75.
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان 1: 344

ولكن لما تمّ الأمر الأمير المؤمنين علیه السلام أظهر المخالفة وذهب إلى مكة وجهّز مع الزبير وعائشة جيش الجمل لحرب أمير المؤمنين علیه السلام بحجة الطلب بثأر عثمان، فكان يقول: كان منّي في أمر عثمان ممّا لا أرى كفارته إلّا سفك دمي وطلب دمه، وفي لفظ آخر: أنّا داهنّا في أمر عثمان فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه (1).

أفلا عاقل يقول له: هل كفارة قتل عثمان إراقة دماء الأبرياء، والدخول في الفئة الباغية، والخروج على الإمام الحق؟! أم المثول أمام القضاء ليقتص منه أو يعفو وليّ الدم؟! ثم أين هذا الكلام الذي قاله في أخريات حياته والدم يسيل منه مع ادعاء الندم والتوبة من الخروج على أمير المؤمنين علیه السلام؟ أليس هذا متناقضاً! فالرجل يقول إنّي خرجت لأريق دم علي بن أبي طالب وسائر المسلمين الأبرياء كفارة عن قتل عثمان، بمعنى أنّه مصرّ على هذا إلى آخر لحظة والدماء تسيل منه، والقوم يقولون انّه تاب وندم على خروجه والتائب يغفر له فيدخل الجنّة!! مهزلة ما بعدها مهزلة.

اتفقت كلمة أرباب الرجال والتراجم على انّ مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة، ولما مرّ به أمير المؤمنين علیه السلام وهو في القتلى قال: هذا الناكث بيعتي، والمنشئ الفتنة في الأمة، والمجلب عليّ، الداعي إلى 5

ص: 117


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 1: 34، 35

قتلي وقتل عترتي، أجلسوا طلحة، فأجلس، فقال أمير المؤمنين علیه السلام: يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدت ما وعد ربك حقاً (1).

ذكر الشيخ الأميني رحمه الله في الغدير (2) نقلاً عن مجموعة من مصادر أهل السنة في تقدير أموال طلحة، فقال: ابتنى داراً بالكوفة تعرف بالكناس بدار الطلحتين، وكانت غلته من العراق كل يوم ألف دينار وقيل أكثر من ذلك، وله بناحية سراة أكثر مما ذكر، وشيّد داراً بالمدينة وبناها بالآجر والجص،والساج، وعن محمد بن إبراهيم قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل. وقال سفيان بن عيينة: كان غلّته كل يوم ألف وافياً، والوافي وزنه وزن الدينار، وعن موسى بن طلحة: أنّه ترك ألفي درهم ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار، وكان ماله قد اغتيل. وعن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: كان قيمة ما ترك طلحة من العقار والأموال وما ترك من الناض [أي الدرهم والدينار ] ثلاثين ألف ألف درهم، ترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار والباقي عروض. وعن سعدى أم يحيى بن طلحة: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومائتا ألف درهم، وقوّمت 3

ص: 118


1- الإرشاد للمفيد 256:1
2- الغدير 8: 283

أصوله وعقاره ثلاثة ألف ألف درهم، وعن عمرو بن العاص انّ طلحة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاث قناطر ذهب والبهار جلد ثور، وفي لفظ ابن عبدربه من حديث الخشني: وجدوا في تركته ثلاثمائة بهار من ذهب وفضة. وقال ابن الجوزي: خلّف طلحة ثلاثمائة جمل ذهباً، وأخرج البلاذري من طريق موسى بن طلحة قال: أعطى عثمان طلحة في خلافته مائتي ألف دينار.

قتل في معركة الجمل سنة 37 إثر سهم رماه به مروان ثاراً لعثمان وقال: «لا أطلب بثاري بعد اليوم» (1) وكان عمره آنذاك 60 أو 62، وقبره بظاهر البصرة.

ورد اسمه في نهج البلاغة في موارد كثيرة، أنظر فصل الخطب رقم 6 لما أشير عليه بألّا يتبع طلحة والزبير، و31 لما أنفذ ابن عباس إلى الزبير وقال له لا تلقينّ طلحة، و 137 من كلام له في معنى طلحة والزبير، وكذلك 174 و 205 کلم به طلحة والزبير بعد بيعته وقد عتبا عليه ترك مشورته لهما، و 218 لما مرّ به قتيلاً، وفي فصل الكتب الكتاب رقم 1 كتابه إلى أهل الكوفة عند مسيره إلى البصرة، و 54 في كتاب كتبه لطلحة والزبير، وفي فصل قصار الحكم رقم 192 و 302. 8

ص: 119


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 768

61 - عائشة بنت أبي بكر

عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة، أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر، ولدت في السنة الخامسة أو الرابعة بعد البعثة في مكة، تزوّجها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعد وفاة خديجة وقبل الهجرة بسنتين وعمرها ست سنوات وبنى بها في شوال بعد مضى ثمانية عشر شهراً من هجرته إلى المدينة بعد غزوة بدر الكبرى، وقبض عنها وهي في الثامنة عشر من عمرها، وأقامت معه ثمانية أعوام وخمسة أشهر.

كان لها دور بارز في صناعة التاريخ الإسلامي السلبي، ولو انتهجت المنهج الإلهي في قوله تعالى: ﴿قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) وما وصاها الرسول صلی الله علیه و آله و سلم من اعتزال الفتنة، كما صنعت باقي نساء النبي أمهات المؤمنين، لكتب التاريخ بنحو آخر، ولرُسمت خريطة المسلمين بصورة أخرى أكثر إشراقاً. ونحن هنا نحاول أن نوجز حياتها ضمن النقاط التالية:

1 - نتيجة للبيئة الصعبة التي عاشها أبو بكر وتكوّنت فيها نفسيته وخلفيته الفكرية، والتي انطبعت في نفسيّة عائشة بالوراثة، كانت تغار غيرة شديدة من سائر نساء النبي صلی الله علیه و آله و سلم ومن علي وفاطمة علیهما السلام.

قالت عائشة: ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة لكثرة ذكر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إيّاها وثنائه عليها، وقد أوحي إلى

ص: 120

رسول الله أن يبشّرها ببيت لها في الجنّة من قصب (1)، وقالت أيضاً مرة أخرى بحيث أغضبت النبي صلی الله علیه و آله و سلم: لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، فتغيّر وجه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تغيّراً لم أره تغيّر عند شيء قط إلّا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب (2).

هذا بالنسبة للأموات أما غيرتها على الأحياء، فقد وصلت إلى مرحلة الشك والتعقيب لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ظنّاً منها أنّه سيذهب إلى ضرّاتها، ذكرت انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خرج من عندها ليلاً قالت: فغرت عليه قالت: فجاء فرأى ما أصنع، فقال: ما لك يا عائشة أغرت؟ فقلت: ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: أفأخذ كل شيطانك ... (3).

وقالت: بعثت صفية إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بطعام قد صنعته له وهو عندي، فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني أفكل (4)، فضربت القصعة فرميت بها قالت فنظرت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فعرفت الغضب في وجهه، فقلت: أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم (5).

ص: 121


1- صحيح البخاري 6: 158.
2- مسند أحمد 6: 154
3- مسند أحمد 6: 115، البداية والنهاية لابن كثير 1: 73
4- أي رعدة.
5- مجمع الزوائد للهيثمي 4: 321 وقال: رواه أبو داود وغيره باختصار ورواه أحمد ورجاله ثقات.

وقالت: ما غرت على امرأة إلّا دون ما غرت على مارية، وذلك أنّها كانت جميلة من النساء جعدة وأعجب بها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وكان أنزلها أوّل ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان رسول الله عامة النهار والليل عندها حتى فرغنا لها، فجزعت فحوّلها إلى العالية فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشدّ علينا، ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه (1).

ونزل في حقها وحق حفصة قوله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4].

كما صرح بذلك عمر ابن الخطاب حيث سأله ابن عباس من اللتان تظاهرتا على النبي صلی الله علیه و آله و سلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة (2).

وكذلك سأله وقال: من المرأتان من أزواج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم اللتان قال الله لهما: (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) فقال عمر: واعجباً لك يا بن عباس هما عائشة وحفصة (3).

2 - أما بالنسبة إلى علي صلی الله علیه و آله و سلم فإنّها ما كانت تطيب له نفساً كما ذكره 2

ص: 122


1- الطبقات لابن سعد 8: 212
2- صحيح البخاري 6: 69، صحيح مسلم 4: 190، مسند أحمد 1: 48.
3- الطبقات لابن سعد 8: 182

ابن عباس (1) وقال أمير المؤمنين علیه السلام عنها بعد وقعة الجمل: «أما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين» الخطبة 156.

3 - أما مع فاطمة علیها السلام فيكفينا أنّها لم تأت إلى مجلس عزائها، قال ابن أبي الحديد عن شيخه: ثم ماتت فاطمة فجاء نساء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كلهن إلى بني هاشم في العزاء إلّا عائشة فإنّها لم تأت وأظهرت مرضاً ونقل إلى علي علیه السلام عنها كلام يدلّ على السرور» (2).

4 - ثم كانت في فترة أبي بكر وعمر مكرّمة ومعزّرة، إلى أن جاء دور عثمان فاختلفت معه، قال اليعقوبي: «وكان بين عثمان وعائشة منافرة، وذلك أنّه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وصيّرها أسوة غيرها من نساء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فإنّ عثمان يوماً ليخطب إذ دلّت عائشة قميص رسول الله ونادت: يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته» (3).

وكانت تقول: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر» (4)، وفي لفظ آخر: «أيها ر.

ص: 123


1- مسند أحمد 6: 228، الطبقات لابن سعد 2: 232
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 9: 198.
3- تاريخ اليعقوبي 2: 175.
4- تاريخ الطبري 3: 477، الإمامة والسياسة لابن قتيبية 52:1 وفيه: فقد فجر.

الناس هذا قمیص رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يبل وبليت سنته، اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً» (1).

5 - فلما قتل عثمان وعلمت باستخلاف أمير المؤمنين علیه السلام رفعت علم المخالفة وأصبحت من الفئة الباغية، وخرجت على الجمل لقتال أمير المؤمنين، وراح ضحية هذا العمل الذي نهى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عائشة عنه في قصّة كلاب الحوأب آلاف الأبرياء وآلاف المغفّلين: (فَرِيقٌ في الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ الشورى: 7. فالبغاة في النار، والمستشهدون من معسكر علي علیه السلام في الجنة.

6 - ثم في زمن معاوية ولكونه قاتل محمد بن أبي بكر أخيها، رفعت علم المعارضة ضدّه، وبما أنّ معاوية كان يأمر بسب علي علیه السلام ومحو فضائله ومطاردة شيعته عملت عائشة على عكسه، فبدأت تنشر فضائل أمير المؤمنين علیه السلام، وتعترض عليه بقتل الصالحين أمثال حجر نكاية بمعاوية وانتقاماً منه، لا حبّاً لعلي علیه السلام.

7 - وبقيت هكذا إلى أن وافاها الأجل، فماتت سنة 57 أو 58 ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان ودفنت بالبقيع، وكان عمرها 63 سنة.

وقالت لما حضرتها الوفاة: ادفنوني مع أزواج النبي صلی الله علیه و آله و سلم فإنّي .

ص: 124


1- الفتوح لابن أعثم 2: 421.

كنت أحدثت بعده حدثاً (1).

وروي أنّها لما احتضرت جزعت، فقيل لها: أتجزعين يا أم المؤمنين وأنت زوجة رسول الله وأم المؤمنين، وابنة أبي بكر الصديق؟ فقالت: انّ يوم الجمل معترض في حلقي، ليتني مت قبله أو كنت نسياً منسياً (2).

قال ابن أبي الحديد: «أما أصحاب الجمل فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلّا عائشة وطلحة والزبير، فإنّهم تابوا، ولولا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي» (3).

ومستمسك القائلون بالتوبة ما مرّ من كلامها، وتعليقنا على توبة القوم مرّ في طلحة والزبير من انّ توبة كل ذنب بحسبه، وبخصوص عائشة فلم يؤثر عنها سوى البكاء لما كانت تتذكر وقعة الجمل وما مرّ من كلامها، ولم يرو عنها تخطئة صريحة لنفسها وتصديق الحق أمير المؤمنين علیه السلام ولم تبرئ ذمّتها - على الأقل - أمام ذوي المقتولين الأبرياء، كما هو مقتضى التوبة النصوحة، ثم نتساءل أنّها لو انتصرت في الحرب آنذاك، وتم استخلاف الزبير أو طلحة، وقتل أو إبعاد أو حبس أمير المؤمنين علیه السلام، فهل كانت تتكلّم بهذا الكلام، و أنّها ليتها كانت نسياً .

ص: 125


1- المصنف لابن أبي شيبة 8: 708 ح 15.
2- بلاغات الشاء لابن طيفور 9.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 9.

منسياً؟!

ورد ذكرها في نهج البلاغة، الكتاب رقم 1، وأشار إليها أمير المؤمنين علیه السلام من دون التصريح بالاسم في الخطبة رقم 156 و 172.

62 - عاصم بن زياد

لم نعثر على ترجمة له غير ما ذكره السيد علي البروجردي في طرائف المقال من قوله: «يظهر من رواية الكافي زهده وورعه وإطاعته لعلي علیه السلام (1)، وما ذكره السيد الخوئي من أنّه من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام» (2).

وأشار إلى قصته السيد الرضي رحمه الله في الخطبة رقم 209 حيث لما دخل أمير المؤمنين علیه السلام على العلاء بن زياد الحارثي يعوده، شكى إليه من أخيه عاصم حيث لبس العباءة وتخلّى من الدنيا، فنه-اه أمير المؤمنين علیه السلام وامتثل عاصم أمر الإمام.

63 - العباس بن عبدالمطلب

العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم

ص: 126


1- طرائف المقال 2: 90 رقم 7488.
2- معجم رجال الحديث 10: 201 رقم 6066.

يكنّى أبا الفضل، وكان أسن من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بسنتين أو ثلاثة ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين، وأمّه نتيلة بنت خباب بن كليب، وهي أول عربية كست البيت الحرام الخرير والديباج وأصناف الكسوة، وذلك انّ العباس ضاع وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت ما نذرت.

وكان العباس في الجاهلية رئيساً في قريش وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، فالسقاية معروفة وأما العمارة فإنّه كان لا يدع أحداً يسبّ في المسجد الحرام ولا يقول فيه هجراً، يحملهم على عمارته في الخير لا يستطيعون لذلك امتناعاً، لأنّه كان ملأ قريش قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا له أعواناً عليه وسلّموا ذلك إليه. خرج مع المشركين يوم بدر، فاخذ أسيراً وكانوا قد أوثقوه، فسهر النبي صلی الله علیه و آله و سلم تلك الليلة ولم ينم، فقال له بعض أصحابه: ما أسهرك يا نبي الله؟ فقال: أسهر لأنين العباس، فقام الرجل من القوم فأرخى من وثاقه، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: ما لي لا أسمع أنين العباس، فقال رجل أنا أرخيت من وثاقه، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: فافعل ذلك بالأسرى كلّهم.

قالوا: أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم إسلامه ثم أظهر إسلامه یوم فتح مكة، وقيل: انّ إسلامه قبل بدر، وكان يكتب بأخبار المشركين

ص: 127

إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وكان المسلمون يتقوّون به بمكة (1).

كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يكرم العباس بعد إسلامه ويعظّمه ويجلّه، ويقول: هذا عمّي وصنو أبي، وكان العباس جواداً مطعماً وصولاً للرحم، ذا رأي حسن ودعوة مرجوة، وقال فيه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: هذا العباس بن عبد المطلب أجود الناس كفاً وأوصلها رحماً (2).

وكان العباس ممّن ثبت يوم حنين مع النبي صلی الله علیه و آله و سلم ولم يفرّ، وكان بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يحاول أخذ البيعة لأمير المؤمنين فلم يطاوعه علىّ علیه السلام لعلمه بنفسية القوم وقلّة الناصر، وقد حدث ما حدث.

توفي بالمدينة يوم الجمعة في شهر رجب وقيل رمضان سنة 32، ودفن بالبقيع وعمره 88 أو 89 سنة.

ورد ذكره في الخطبة رقم 5 حيث جاء مع أبي سفيان ليبايعا علياً صلی الله علیه و آله و سلم بالخلافة فقال علیه السلام: «أيها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة ...».

64 - عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه

عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار بن بلال بن احيحة الأنصاري، يكنّى أبا عيسى، كان يسكن الكوفة، وقدم المدائن في حياة حذيفة بن

ص: 128


1- راجع الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 811.
2- الاستيعاب لابن عبد البر 2: 813، 814

اليمان، وقدمها بعد ذلك في صحبة علي علیه السلام، أمه أم ليلى بنت رواحة الأنصارية بايعت النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وقيل: ولد في خلافة أبي بكر، وقيل: بل في خلافة عمر لست سنين بقيت من خلافته.

كان من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام وشهد معه مشاهده (1) وكان من محبيه، ولما قدم الحجاج الكوفة ولّى عبد الرحمن بن أبي ليلى القضاء، فقال له حوشب بن يزيد بن زريق: إن أردت أن ترى أبا تراب فولّ هذا، فعز له (2) ثم أوقفه الحجاج وضربه بالسوط حتى اسود كتفه ليسبّ عليا علیه السلام فورّى في ذلك (3).

كان رحمه الله إذا سمعهم يذكرون علياً وما يحدّثون عنه قال: قد جالسنا علياً وصحبناه فلم نره يقول شيئاً مما يقول هؤلاء، أو لا يكفي علياً أنّه ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وختنه على ابنته، وأبو حسن وحسين (4)، وصفه الذهبي بقوله: «الإمام العلامة الحافظ الفقيه» (5)، وقال عبد الله بن الحارث: ما ظننت انّ النساء ولدن مثله (6)، وكان إذا 5.

ص: 129


1- رجال ابن داود: 128.
2- أخبار القضاة لابن حيان 2: 407، الطبقات لابن سعد 6: 112.
3- أنظر اختيار معرفة الرجال للطوسي 1: 318، الطبقات لابن سعد 6: 112، سير أعلام النبلاء للذهبي 4: 265 رقم 96.
4- الطبقات لابن سعد 6: 113.
5- سير أعلام النبلاء للذهبي 4: 262 رقم 96.
6- تهذيب التهذيب لابن حجر 6: 235.

صلى الصبح نشر المصحف وقرأ حتى تطلع الشمس (1).

كان قد خرج على الحجاج فيمن خرج من العلماء و الصلحاء مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فغرق ليلة دجيل، وقيل قتل في وقعة الجماجم، سنة 83 ه-، وقيل غير ذلك.

ورد ذكره في قصار الحكم رقم 363 حيث نقل كلاماً عن أمير المؤمنين علیه السلام يحرّض الناس على الجهاد أيام الحجاج حيث قال: «إنّي سمعت علياً علیه السلام يقول يوم لقينا أهل الشام: أيها المؤمنون أنّه من رأى عدواناً يعمل به ...».

65 - عبد الرحمن بن عتاب

عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي الحيص بن أمية بن عبد شمس، أمّه جويرية بنت أبي جهل ولد في آخر حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وكان عثمانياً خرج مع عائشة يوم الجمل وكان على رجالة الميمنة، ولما اختلف القوم في إمامة الصلاة أمرت عائشة عبدالرحمن هذا أن يؤم الناس بالصلاة.

تقدّم يوم الجمل وارتجز:

أنا ابن عتاب وسيفي ولول *** والموت دون الجمل المجلل

ص: 130


1- الطبقات لابن سعد 6: 111، سير أعلام النبلاء للذهبي 4: 265.

فحمل عليه الأشتر فقتله (1).

ولما مرّ عليه علیه السلام على القتلى ورآه قال: هذا يعسوب القوم (2).

قالوا: لما قطعت يده يوم الجمل اختطفها نسر فطرحها باليمامة، فرأوا فيها خاتمه ونقشه: عبدالرحمن بن عتاب، فعرفوا ان القوم التقوا وقتل عبد الرحمن ذلك اليوم (3).

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 218 لما مرّ علیه السلام بطلحة وبعد الرحمن وهما قتيلان فقال علیه السلام: «لقد أصبح أبو محمد بهذا المكان غريباً ...».

66 - عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث

عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، خبيث من أعوان الظلمة، ورث بغض أبي تراب من أبيه وجدّه، كان في جيش ابن زياد ضد الحسين علیه السلام، وفي جيش ابن الزبير ضد المختار، وهو السبب لقتل الأسرى من جيش المختار الذين تركوا نصرة المختار وقد أراد مصعب أن يعفو عنهم، فقال عبد الرحمن: اخترنا أو اخترهم (4)، فقتلهم

ص: 131


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 265.
2- تاريخ الإسلام للذهبي 3: 531.
3- الإصابة لابن حجر 5: 35
4- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 544

مصعب، ثم كان في جيش الحجاج ضد الخوارج إلى أن انفصل وانقلب على الحجاج.

قال البغدادي في المحبّر تحت عنوان «أعرق العرب في الغدر»:

ولّى عبدالرحمنَ الحجاجُ بن يوسف سجستانَ، فغدر مات غادراً مخالفاً، وغدر أبوه محمد بأهل طبرستان، وكان عبيد الله بن مرجانة ولّاه إياها، فصالحهم وعقد لهم عهداً ثم غدر بهم فغزاهم، فأخذوا عليه بالشعاب فقتلوا ابنه أبا بكر وفضحوه. وغدر الأشعث بيني الحارث بن كعب وكان بينهم عهد و صلح، فغزاهم فأسروه ففدى نفسه بمائتي قلوص فأدّى مائة ولم يؤدّ البقية حتى جاء الإسلام، فهدم ما كان في الجاهلية، وغدر الأشعث أيضاً فارتدّ عن الإسلام ... وهو [ أي عبدالرحمن] صاحب مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكان مسلم لما تفرق الناس عنه بالكوفة آوى إلى امرأة في الليل وكانت مولاة للأشعث، فعشّته ومهدت له ووضعت في بيته مصباحاً، فجاء ابنها شارباً فرآها تعهد ذلك البيت، فسألها فأخبرته انّ مسلماً فيه، فلما أصبح أتى عبدالرحمن فأخبره بذلك، فأتى عبد الرحمن أباه وهو عند ابن مرجانة فسارّه في إذنه، فقام محمد بن الأشعث فأعلم ابن مرجانة فقال: جئني به، فأتاه فقال: أنّه لا بأس عليك منه وأنا جارك حتى أخذ السيف من يده، فلما جاء به إلى ابن مرجانة قتله» (1). .

ص: 132


1- المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي: 245.

ثم أنّه خرج على الحجاج وسار معه من القرّاء أربعة آلاف رجل هم خيار التابعين وفقهاؤهم، فقاتلوا مع عبد الرحمن بالأهواز ثم بالبصرة ثم بدير الجماجم (1)، وقتل في الزاوية - وه-ي موضع قرب البصرة - خلق كثير من الطرفين (2)

أُخذ - بعد ما هرب وانكسر في المعركة - أسيراً، فألقى بنفسه من السطح فمات، وحُمل برأسه إلى الحجاج ثم إلى عبدالملك وذلك في سنة 84 ه-.

ورد ذكره في سند قصار الحكم رقم 363.

67 - عبد الرحمن بن ملجم

عبدالرحمن بن ملجم المرادي أشقى الآخرين، قاتل أمير المؤمنين علیه السلام. أدرك الجاهلية وهاجر في خلافة عمر، وشهد فتح مصر، يقال: انّ عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه لأنّه كان من قراء القرآن، وكان من الخوارج الذين سلموا من القتل يوم النهروان.

روي عن الأصبغ بن نباتة قال: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين علیه السلام قبایعه فیمن بايع، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين علیه السلام فتوثق منه وتوكد

ص: 133


1- أحكام القرآن للجصاص 86:1
2- معجم البلدان للحموي 3: 128

عليه ألّا يغدر ولا ينكث ففعل، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين علیه السلام الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألّا يغدر ولا ينكث ففعل، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين علیه السلام الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه ألّا يغدر ولا ينكث، فقال ابن ملجم: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري، فقال أمير المؤمنين.

أريد حباءه ويريد قتلى *** عذيرك من خليلك من مراد

امض يا ابن ملجم فوالله ما أرى تفي بما قلت (1)

ثم انّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكة فتذاكروا أمر المسلمين، فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم، وذكروا أهل النهروان فترحّموا عليهم، وقال بعضهم لبعض: لو أنّا شرينا أنفسنا لله عزّ وجلّ فأتينا أئمّة الضلال وطلبنا غرّتهم وأرحنا منهم العباد و البلاد، وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان. فتعاقدوا عند انقضاء الحج، فقال عبدالرحمن بن ملجم: أنا أكفيكم علياً ...

فأقبل ابن ملجم حتى أتى الكوفة، وفيها عشق امرأة من بني تيم الرباب واسمها قطام، وكان علي علیه السلام القتل أخاها وأباها بالنهروان فخطبها فاشترطت أن يكون صداقها قتل أمير المؤمنين علیه السلام، وأرسلت معه من يساعده. 2

ص: 134


1- الإرشاد للمفيد 1: 12

وجاء ابن ملجم لعنه الله وضرب أمير المؤمنين علیه السلام وهو في الصلاة فقال: فزت ورب الكعبة وأخذ اللعين وقتل بعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام.

ورد ذكره لعنه الله في نهاية الخطبة 182 في كلام نوف البكالي، وكذلك في الكتاب رقم 23 في وصيته علیه السلام، وكذلك كل الكتاب رقم 47 في وصيته للحسنين علیهما السلام.

68 - عبد الله بن الزبير

عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، أمه أسماء بنت أبي بكر هاجرت من مكة وهي حامل به، فولدته في سنة اثنين من الهجرة، وقيل أنّه ولد في السنة الأولى، كنيته أبو بكر وقيل أبو بكير وكذلك أبو حبيب.

قال علي بن زيد الجدعاني: كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنّه كان بخيلاً، ضيق العطاء، سيء الخلق حسوداً، كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف (1).

كان لعنه الله يبغض أمير المؤمنين علیه السلام، قال ابن أبي الحديد

ص: 135


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 905.

وكان عبد الله بن الزبير يبغض علياً علیه السلام وينتقصه وينال من عرضه وروى عمر بن شبه وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير أنّه مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلّي فيها على النبي صلی الله علیه و آله و سلم وقال: ما يمنعني من ذكره إلّا أن تشمخ رجال بآنافها، وفي رواية محمد ابن حبيب وأبي عبيدة معمر بن المثنى: انّ له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره. وروى سعيد بن جبير انّ عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس: ... إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة» (1) وذكر أنّه كان يشتم علياً على رؤوس الأشهاد.

وقال اليعقوبي: وتحامل عبد الله بن الزبير على بني هاشم تحاملاً شديداً، وأظهر لهم العداوة والبغضاء ... وأخذ ابن الزبير محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وأربعة وعشرين رجلاً من بني هاشم ليبايعوا له، فامتنعوا فحبسهم في حجرة زمزم وحلف بالله الذي لا إله إلّا هو ليبايعنّ أو ليحرقنّهم بالنار ...» (2).

وكان هو أحد من أثار الفتنة وسبّب حرب الجمل، حيث أنّ عائشة امتنعت عن الخروج فجاءها عبد الله بن الزبير «فنفث في أذنها وقلبها في الذروة، فخرج رسونها فنادى: من أراد أن يسير فليسر فإنّ أم .

ص: 136


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 61.
2- تاريخ اليعقوبي 2: 261.

المؤمنين خارجة» (1).

ولما سمعت عائشة في طريقها نباح كلاب الحوأب، وتذكرت ما قاله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم همّت بالرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير فقال: كذب من زعم أنّ هذا الماء الحوأب، وجاء بخمسين من بني عامر فشهدوا وحلفوا على صدق عبدالله» (2).

كان كثير الرياء والتدليس، قال ليث بن مجاهد: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلّا تكلّفه ابن الزبير (3)، وقد اعتكف بالحرم لما أراد يزيد أن يأخذ البيعة منه ولقّب نفسه عائذ الله (4)،

توصل عبد الله بن الزبير إلى امرأة عبد الله بن عمر - وهي أخت أخ المختار - في أن تكلّم بعلها عبد الله بن عمر أن يبايعه، فكلّمته في ذلك وذكرت صلاته وقيامه وصيامه، فقال لها أما رأيت البغلات الشهب التي كنّا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة؟ قالت: بلى، قال: فإياها يطلب ابن الزبير بصومه وصلاته (5).

قال ابن أبي الحديد: وكان شيخنا أبو القاسم البلخي إذا ذكر 6

ص: 137


1- الاختصاص للمفيد: 119
2- أنساب الأشراف للبلاذري: 224.
3- سير أعلام النبلاء للذهبي:3 370، الإصابة لابن حجر.
4- الإصابة لابن حجر 4: 82.
5- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 326

عنده عبد الله بن الزبير يقول: لا خير فيه، وقال مرة: لا يعجبني صلاته وصومه، وليسا بنافعين له مع قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: «لا يبغضك إلّا منافق» وقال أبو عبد الله البصري لما سئل عنه: ما صح عندي أنّه تاب من يوم الجمل، ولكنّه استكثر مما كان عليه (1).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام فيه: «خب ضب، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا» (2)، وبلغ من شؤمه أنّه أفسد أباه، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام في قصار الحكم رقم 440: «ما زال الزبير رجلاً منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله».

بويع له بالخلافة سنة 64 أو 65 بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان (3)، وبقي إلى أن أرسل إليه عبدالملك الحجاج فحاصره بمكة ستة أشهر وسبعة عشر يوماً، فقاوم إلى أن قتل يوم الثلاثاء سنة 73 وصلب بعد قتله، وكان عمره 72 سنة.

69 - عبد الله بن زمعة

عبدالله بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن

ص: 138


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 10.
2- م. ن 7: 487.
3- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 905

عبدالعزی بن قصي أمه قريبة بنت أمية أخت أم سلمة أم المؤمنين، وهو أيضاً صهر أم سلمة أخذ بنتها زينب. كان من أشراف قريش. قتل أبوه و عمه يوم بدر کافرين، وكان جدّه الأسود أحد المستهزئين برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الذين قال الله تعالى فيهم: (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (1).

كان زمعة من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام ومن أصحابه وكذلك من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 231 حيث أنّه جاء إلى أمير المؤمنين علیه السلام في خلافته يطلب منه مالاً. فقال علیه السلام: «انّ هذا المال ليس لي ولا لك ...»

70 - عبد الله بن عباس

عبدالله بن عباس بن عبد المطلب حبر الأمة وترجمان القرآن، ولد في الشعب حين حصرت قريش بني هاشم وقبل خروجهم منه

بقليل وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، واشتهر بكنية ابن عباس كما كان يكنى بأبي العباس أي باسم أكبر ولده العباس الملقب بالأعنق. أما ألقابه فكثيرة أشهرها حبر الأمة، وترجمان القرآن، والبحر وغيرها.

قالوا في وصفه: انّه أجمل الناس وأفصحهم، قال عطاء: ما رأيت

ص: 139


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 911

البدر إلّا ذكرت وجه ابن عباس لحسنه وجماله وبهائه، وشهد له عمر بأنّه أصبح الفتيان وجهاً، وكان يطلي جسده بالمسك.

قال الذهبي: صحب النبي علیه السلام نحواً من ثلاثين شهراً، وحدّث عنه بجملة صالحة (1)، ورغم قصر هذه المدّة لكنه بفضل ذكائه وقوّة حفظه نقل لنا جملة صالحة ودقيقة من أقوال النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأفعاله، وكان آخر ما نقله لنا رزية يوم الخميس حيث منعوا النبي صلی الله علیه و آله و سلم من كتابة ما يعصم الأمة من الضلال، ليكون مؤكداً لما ذكره وكرّره شفهاً في فترات مختلفة من حياته الكريمة. فكان ابن عباس يبكي عندما يتذكّر تلك الرزية (2).

أما بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم فكانت علاقته فكانت علاقته مع السلطة حسنة مراعاة للمصلحة العامة، فكان عمر يقرّبه ويستشيره، وإذا أهمّه أمر قال لابن عباس: غص غوّاص (3)، وكان يصطحبه معه في السفر ويستأنس برأيه في مختلف الأمور حتى في مسألة الخلافة وتقديم أمير المؤمنين علیه السلام.

ثم في عهد أمير المؤمنين علیه السلام كان ملازماً له، ذابّاً عنه، وكان علیه السلام يرسله المحاججة خصومه قبل الحرب كما في إرساله لأصحاب الجمل .

ص: 140


1- سير أعلام النبلاء 4: 439.
2- ورد ذكرها في الصحاح والمسانيد، وخير من تكلم عنها العلامة السيد مهدي الخرسان في كتابه موسوعة ابن عباس الجزء الأول صفحة 241 وما بعدها.
3- الطبقات لابن سعد 1: 141.

والنهروان، وأراد علیه السلام أن يكون ابن عباس أحد الحكمين في قضية التحكيم لكن أبى الخوارج ذلك وأصرّوا على أبي موسى الأشعري. ثم ولّاه أمير المؤمنين علیه السلام على البصرة.

وقد أشكل على الباحثين الكتاب رقم 41 في نهج البلاغة إلى بعض عماله، ففي بعض النسخ إضافة وهو عبدالله بن عباس مع خلوّ بعضها الآخر عن الاسم، ولذا توقف ابن أبي الحديد في تحديد المعنيّ بهذا الكلام (1)، أما السيد محمد تقي الحكيم رحمه الله فذهب إلى أنّه حدث شيء ما وبّخه الإمام علیه السلام وأرجع ابن عباس الأموال وتم الأمر، وليس كما صوّرته بعض الروايات المشكوكة (2).

أما العلامة السيد مهدي الخرسان حفظه الله فأنكر الموضوع من أساسه، وفصّل الأمر في موسوعة عبد الله بن عباس في الحلقة الرابعة ولم تطبع بعد.

بقي ابن عباس طول حياته مناصراً ومدافعاً عن أهل البيت علیه السلام ومبيناً مخازي أعداءهم بحسب ما تسمح له الظروف، فعن سعيد ابن جبیر قال: كنّا عند ابن عباس بعرفة فقال: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟ فقلت: يخافون معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك وإن رغم أنف معاوية، اللهم العنهم فقد تركوا السنة 6

ص: 141


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 172.
2- عبدالله بن عباس 1: 396

من بغض علي (1)

وقد تخلّف عن ركب الحسين علیه السلام لأنّه كان مكفوف البصر وأمره الحسين علیه السلام أن يذهب إلى المدينة ويكتب له الأخبار.

ثم كانت فتنة ابن الزبير فكان فيها في محنة، حتى انّ ابن الزبیر حبسه مع محمد بن الحنفية وجماعة أخرى لأخذ البيعة منهم أو إحراقهم بالنار، إلى أن أرسل المختار من ينجيهم، ثم نفاه ابن الزبير إلى الطائف وبقي فيها إلى أن توفي سنة 68 ه- ودفن بوادي وجّ بالطائف، وكان قبره مزاراً مشهوراً يزار إلى أن هدمه الوهابية عام 1217ه-.

وعندما احتضر قال لعطاء: يا عطاء خذ بيدي واحملني إلى الدار، فأخذنا بيده أنا وسعيد وحملناه إلى صحن الدار، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنّي أتقرب إليك بمحمد وآله، اللهم إنّي أتقرب إليك بولاية الشيخ علي بن أبي طالب فما زال يكرّرها حتى وقع إلى الأرض، فصبرنا عليه ساعة ثم أقمناه فإذا هو ميت رحمه الله (2)

ورد ذكره في نهج البلاغة في الخطبة رقم 31 لما أنفذه إلى الزبير قبل حرب الجمل، ورقم 33 في قضية خصف النعل وقيمة الخلافة، ورقم 236 في قوله علیه السلام: فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله 8

ص: 142


1- السنن الكبرى البيهقي 5: 113.
2- البحار للمجلسي 36: 288

بن العباس ورقم 240 لما جاء ابن عباس برسالة من عثمان إلى علي علیه السلام، وكذلك في الكتاب رقم 18 لما كان عامله على البصرة في الرفق ببني تميم، وكذلك كتاب 22 في ذكر ضابطة الفرح والسرور والحزن وكتاب 35 بعد مقتل محمد بن أبي بكر، وكتاب 41 في أموال البصرة على قول، وكتاب 72 في انّ الدهر يومان، وكتاب 76 وصيته له لما استخلفه على البصرة، وفي قصار الحكم رقم 312 حيث قال له: «لك أن تشير عليّ وأرى فإن عصيتك فأطعني».

71 - عبد الله بن عثمان (أبو بكر)

هو أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن معد يكرب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، أمّه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم واسمها سلمى. ولد سنة 573م بعد عام الفيل بثلاث سنين تقريباً، ويجتمع مع النبي صلی الله علیه و آله و سلم في النسب في مرة بن كعب.

كانت بنو تيم من أرذل البيوت في قريش، تأييد ذلك انّ أبا سفيان جاء إلى أمير المؤمنين بعد ما تمت البيعة لأبي بكر فقال له: غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش (1). وفي رواية أخرى أذلّ أهل بيت

ص: 143


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 974

في قريش (1)، وفي لفظ آخر: ما بال هذا الأمر في أقلّ قريش قلّة وأذّلها ذلة يعني أبا بكر (2).

وكان عبد الله بن جدعان سيد تيم - المعروف بالكرم والمال والإنفاق وكان أبو قحافة منادياً على مائدته - نخاساً يبيع العبيد وله إماء يأمرهنّ بالبغاء ويبيع أولادهنّ، قال ابن قتيبة: كان أهل الجاهلية يأمرون إماءهم بالبغاء ويأخذون أجورهنّ، وكان لعبد الله بن جدعان إماء يساعين وهو في الجاهلية سيد تيم، فأنزل الله عزّ وجلّ: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (3).

وقال عمير بن الأهلب لما وقع صريعاً في معركة الجمل:

أطعنا بني تيم بن مرة شقوة *** وهل تيم إلّا أعبد وإماء (4)

لم يكن من السابقين إلى الإسلام بل أسلم بعد خمسين رجلاً، ففي تاريخ الطبري عن محمد بن سعد قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين (5). .

ص: 144


1- المصنف لعبد الرزاق 5: 451 ح 9767.
2- المستدرك للحاكم 3: 78.
3- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 300، ونحوه المعارف: 576.
4- أنساب الأشراف للبلاذري: 267، تاريخ الطبري 3: 532 تاریخ دمشق لابن عساكر 21: 105، مروج الذهب للمسعودي 2: 60.
5- تاريخ الطبري 2: 60.

واستقرب السيد جعفر مرتضى من خلال بعض النصوص انّ إسلامه تأخّر إلى السنة الرابعة أو الخامسة من الدعوة (1).

رووا له فضائل كثيرة تناقلتها الصحاح والمسانيد، لكن معظمها من حياكة السلطة ومن دسائس معاوية، وقد صرّح بوضعها كثير من علماء أهل السنة، ولا يبعد أن يصدر من النبي صلی الله علیه و آله و سلم مدح أو ثناء لصحابي - أياً من كان - نتيجة موقف إيجابي، وهذا لا يعني التأييد المطلق لجميع أفعاله، سيما وانّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم صاحب الخلق العالية لم يكن ليبخس حق أحد ولو كان منافقاً، كيف وقد صلّى على رأس المنافقين عبد الله بن أبي، أو حنّك ابن الزبير بريقه ودعا له ورأينا ما كانت عاقبته - كما مرّ في ترجمته - .

نعم إذا وردت النصوص المتواترة والمستفيضة والصريحة في شخص، مضافاً إلى استقامة السيرة العملية وعدم مخالفة الشرع، لأمكن الحكم بصلاح حاله وحسن خاتمته والعلم عند الله تعالى.

أما بالنسبة إلى أبي بكر، فالثابت المتفق عليه بين الفريقين: انّ أبا بكر كان صحابياً كسائر الصحابة من دون أن تكون له مواقف أو مميزات خارقة، وكان في الصحابة من هو أشجع منه وأكيس، لكن نتيجة مصاهرته النبي أصبح من المقربين، ولذا كان يكثر التردّد 3.

ص: 145


1- الصحيح من سيرة النبي صلی الله علیه و آله و سلم 60:3.

على بيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

فحاله كحال سائر الصحابة، يفرّ كما يفرّون كما حصل في بعض الغزوات سيما معركة خيبر ففي الحديث: «انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتى رجع إليه» (1).

وربما لهذه الخصلة اصطحبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم معه عند الهجرة إذ بعد ما دعا علياً علیه السلام وأمره بالمنام في فراشه للتمويه على المشركين، وبعد ما خرج وصادف أبا بكر في الطريق، ما كان له صلی الله علیه و آله و سلم بدّ إلا اصطحابه، والآية لا تدلّ على أكثر من إثبات الاصطحاب وخوف أبي بكر وحزنه النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن ذلك ومحاولته إذهاب روعه بأنّ الله معهما وهو حافظهما.

ثم نأتي إلى أخريات حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم فنشاهد قضية تبليغ سورة براءة، وهي حقاً من الأهمية بمكان لو تدبّر فيها إخواننا من أهل السنة إذ انّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم يختار أبا بكر لتبليغ السورة وفيها إعلان البراءة والتهديد بالحرب وما شاكل، ثم يأتي التدخّل الإلهي ويأمر النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكون المبلغ هو أو رجل من نفسه فيرسل علياً علیه السلام فيرجع أبو بكر باكياً وفي بعض الروايات يبقى أميراً على الحاج، فالتدخّل الإلهي في عزل أبي بكر عن تبليغ السورة فيه مداليل كثيرة على عدم أهلية الرجل .

ص: 146


1- المصنف لابن أبي شيبة 7: 497، 8: 522.

لتحمّل المهام الكبيرة، أما إمارة الحاج - لو صحّت - فليس فيه-ا كبير أهمية، فحالها حال إمامة الصلاة أو التكليف بمهام أخرى لا تعطي مفهوم النيابة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

ثم نأتي إلى مسألة جيش أسامة وتخلّف القوم عنه رغم تأكيد النبي صلی الله علیه و آله و سلم على الالتحاق به والسرعة في السير، والنبي صلی الله علیه و آله و سلم أعرف بمصلحة الأمة من غيره، فإرساله للجيش وتأميره لأسامة، وه-و يعلم انّه مقبل على الموت وسيفارق الحياة بعد أيام، ومع هذا يحاول اخلاء المدينة من كبار المهاجرين والأنصار، كل هذا فيه مداليل كثيرة لا تخفى على الفطن.

ثم تأتي ساعة الرحيل حيث كان أبو بكر عند وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في منزله بالسنح، ولا أدري إذا كان تخلّفه عن الجيش حرصاً على النبي صلی الله علیه و آله و سلم كيف تركه وذهب إلى خارج المدينة، والأعجب من ذلك بعد ما جاء والنبي الله صلی الله علیه و آله و سلم مفارق الحياة وعمر يهدّد الناس، فألقى أبو بكر السكينة على قلبه وقلب باقي الصحابة بتأييده لموت النبي صلی الله علیه و آله و سلم، نراه لم يشارك في تجهيز الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم زوج ابنته ولا تدفينه، بل يسارع في نفر قليل إلى السقيفة كي لا تفوت الفرصة عنهم وتذهب الآمال سدى وكأنه سيد قريش، أو المسؤول عن مستقبل الأمة، أو أحرص من وجهاء القوم وزعمائهم الذين اشتغلوا بتجهيز النبي صلی الله علیه و آله و سلم على الإسلام.

ثم لم يكتف بذلك حتى يأتي لكشف بيت فاطمة وإجبار القوم

ص: 147

على البيعة، ثم يمنع الروافد المالية التي كان يتقوّى بها أهل البيت كفدك وغير فدك.

ثم لما نصل إلى حروب الردة فيبذل جهده لقمعهم، وهو موقف صحيح لأنّه أصبح رئيس الأمة، ومن واجب كل رئيس الدفاع عن حوزته، ولكن لما رأى أمير المؤمنين علیه السلام انّ القوم لا خبرة لهم بالقتال وبفنون الحرب، وانّ العدو سيغلب عليهم ويسعى لهدم الإسلام رأساً، جاء وتدخل لتجري الأمور في مجراها مهما أمكن، وإلّا فقد وقعت أخطاء كثيرة لا تغتفر كقتل مالك وباقي الأبرياء الذين راحوا ضحية أهواء الأمراء النفسية أو القبلية.

طبعاً لا ننكر الأمور الإيجابية والصحيحة التي حدثت في فترة خلافة أبي بكر أو عمر، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام لعثمان بعد ما كثرت الشكوى منه: «و ما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك» الخطبة: 164، ولكن هذا لا يعني الأهلية المطلقة للخلافة أو التفضيل المطلق على باقي الصحابة، إذ انّ من واجب الخليفة العمل بالحق وإقامة الشرع، وهذا ما حصل بنسبة قليلة في زمنهما ببركة حضور أمير المؤمنين علیه السلام وشيعته الخلّص، ولما انعدمت هذه النسبة زمن عثمان ثار الصحابة بوجهه وقتلوه.

فهذا الرد الموجز يبيّن موقف الشيعة تجاه أبي بكر، وانّ من يمتلك هذه الخصائص النفسية والخلقية لا تكون بيعته وخلافته إلّا

ص: 148

خطأ وفلتة - كما صرّح بها نصيره عمر بن الخطاب - إذ انّ الخلافة كما يفهمها العرف العام والوجدان البشري، معناها النيابة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهي بحاجة إلى مميزات تؤهّل الشخص هذه النيابة، ولم يمتلك أبو بكر لا أخواه هذه المميزات. هذا كلامنا منذ البداية وحتى الآن وإلى النهاية.

مات أبو بكر بالمدينة ليلة الثلاثاء في شهر جمادى الثاني سنة ثلاث عشرة وعمره 63 سنة، صلّى عليه عمر وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 3 المعروفة بالشقشقية ورقم 164 في مكالمته مع عثمان وأشار إليه في الكتاب رقم 62 كتبه إلى أهل مصر لما ولّى عليهم الأشتر.

72 - عبد الله بن قيس (أبو موسى الأشعري)

عبدالله بن قیس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر أمه ظبية بنت وهب من عك، كانت أسلمت وماتت بالمدينة.

قيل: أسلم بمكة ثم رجع إلى قومه، فلم يزل هناك قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فوافق قدومهم قدوم جعفر من أرض الحبشة، ووافوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بخيبر، وقيل: انّ الريح ضربت سفينتهم فنزلوا أرض الحبشة، فبقوا فيها مدّة إلى أن خرجوا منها مع

ص: 149

جعفر في سفينتين (1).

كان له مشاركة في الفتوحات، وولّاه عمر وعثمان البصرة، ثم ولاه عثمان الكوفة، فبقي فيها إلى أن عزله أمير المؤمنين علیه السلام عنها.

قال ابن عبد البر: كان منحرفاً عن عليّ لأنّه عزله ولم يستعمله. وكان لحذيفة قبل ذلك فيه كلام (2)، وقال أيضاً: فقد روي فيه لحذيفة کلام کرهت ذکره (3).

والكلام الذي لم يذكره ابن عبدالبر أشار إليه الذهبي، ورواه عن الأعمش عن شقيق قال: كنّا مع حذيفة جلوساً فدخل عبد الله وأبو موسی المسجد، فقال أحدهما منافق، ثم قال: انّ أشبه الناس هدياً ودلًّا وسمتاً برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عبد الله (4).

و صرح به ابن أبي الحديد قائلاً: قلت: الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبدالبر ولم يذكره، قوله فيه وقد ذُكر عنده بالدين: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فأشهد أنّه عدوّ لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسرّ إليه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم 3

ص: 150


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 1762:4 ملخصاً.
2- م. ن 4: 1762.
3- م. ن 3: 98.
4- سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 393

أمرهم وأعلمه أسماءهم.

وروي انّ عماراً سئل عن أبي موسى فقال: لقد سمعت فيه من حذيفة قولاً عظيماً، سمعته يقول: صاحب البرنس الأسود، ثم كلح كلوحاً علمت منه أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط ....

وكان عليّ علیه السلام يقنت عليه وعلى غيره فيقول: اللهم العن معاوية أولاً، وعمراً ثانياً، وأبا الأعور السلمي ثالثاً، وأبا موسى الأشعري رابعاً. روي عنه علیه السلام أنّه كان يقول في أبي موسى: صبغ بالعلم صبغاً، وسلخ منه سلخاً» (1).

وقال في حقه مالك الأشتر: «فوالله انّك لمن المنافقين قديماً» (2)، وذلك لأنّه كان من المثبطين عن مبايعة أمير المؤمنين علیه السلام في الكوفة، وكذلك من المثبطين عن الالتحاق به لحرب الجمل.

وختم مساوءه بقضية التحكيم، وانخدع بعمرو بن العاص فعزل علياً علیه السلام عن الخلافة، فحصل جرّاء ذلك ما حصل.

مات بمكة، وقيل بالكوفة في داره سنة 42 أو 44 أو 50 أو 52 على اختلاف الأقوال.

أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة رقم 127 حيث قال فيه 2.

ص: 151


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 13: 314.
2- تاريخ الطبري 3: 501، الغارات للثقفي 2: 922.

وفي عمر و بن العاص: إنّما اجتمع رأي ملئكم على اختيار رجلين أخذنا عليهما ألّا يتعديا القرآن، فتاها عنه وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما فمضيا عليه» وتكرّر نحو هذا الكلام في الخطبة 177.

وفي الكتاب رقم 63 كتبه إليه لما علم بتثبيطه الناس، وجاء فيه: فإن كرهت فتنحّ إلى غير رحب ولا في نجاة، فبالحري لتكفينّ وأنت نائم حتى لا يقال أين فلان» أي لست معدوداً عندنا ولا عند الناس من الرجال الذين تفتقر الحروب إليهم ولا يقال: أين فلان؟

وكذلك في الكتاب رقم 78.

73 - عبد الله بن عمر

عبدالله بن عمر بن الخطاب، أمه زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحي، أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم وهاجر قبل أبيه، وأوّل مشاهده الخندق كان ابن خمس عشرة سنة. يكنى أبا عبد الرحمن. وقد شارك في الفتوحات:وقالوا شهد اليرموك وفتح مصر وأفريقية.

كان منحرفاً عن أمير المؤمنين علیه السلام ولم يبايعه بعد مقتل عثمان ولم ينصره ضدّ البغاة، قال ابن أبي الحديد: «لما بايع الناس علياً علیه السلام تخلّف عبدالله بن عمر وكلّمه علي علیه السلام في البيعة فامتنع عليه، أتاه في اليوم الثاني فقال: إنّي لك ناصح انّ بيعتك لم يرض بها كلّهم، فلو نظرت

ص: 152

لدينك رددت الأمر شورى بين المسلمين، فقال علي علیه السلام: ويحك وهل ما كان عن طلب منّي، ألم يبلغك صنيعهم، قم عنّي يا أحمق ما أنت وهذا الكلام» (1).

ولما أصرّ الأشتر على بيعته قال علي علیه السلام: لقد كان صغيراً وهو سيّء الخلق، وهو في كبره أسوأ خلقاً (2).

ومن تصفّح سيرته صدّق قول أمير المؤمنين علیه السلام وأيّد حماقة الرجل وعدم بصيرته، فمن ذلك ما قالوا أنّه كان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى أنّه ينزل منازله، ويصلّي في كل مكان صلّى فيه، حتى انّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم نزل تحت شجرة فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس (3)، وفي لفظ الذهبي: انّ ابن عمر كان يتبع أمر رسول الله وآثاره وحاله ويهتم به حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك (4)، وقال أيضاً: كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول: لعل خفّاً يقع على خف، يعني خف راحلة النبي صلی الله علیه و آله و سلم (5)

فهو مع هذا الاهتمام الظاهري الشديد، يترك سنن النبي صلی الله علیه و آله و سلم .

ص: 153


1- شرح النهج 4: 10.
2- م. ن 9:4.
3- أسد الغابة لابن الأثير 3: 23
4- سير أعلام النبلاء 3: 203
5- م. ن 3: 237 م.

القولية والمتواترة والصحيحة في لزوم متابعة أمير المؤمنين علیه السلام في قتال البغاة، وأنّه على الحق وغيرها من النصوص الصريحة. ومع هذا فانّه لبّس على نفسه بعمد، فلذا نراه يُأوّل النصوص الدالة على حقانية علي علیه السلام.

سأله رجل فقال: يا أبا عبدالرحمن ما يحملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد؟ فقال: بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، وصلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة، وحج البيت فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع قوله: (إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما):الحجرات: 9.

فقال: لأن أعتبر بهذه الآية فلا أقاتل أحب إليّ من أن أعتبر بالآية التي يقول فيها: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها) النساء: 93 (1).

فتراه يترك المحكمات ويفسّر القرآن برأيه، فالله تعالى يأمر بقتال البغاة ويحكم ببطلانهم ولزوم قتلهم، وهو يأتي ويفسّر القرآن برأيه خطأ ويقول لا يجوز قتل المؤمن.

ومن ذلك أيضاً أنّه ترك الطرفين وزعم انّ السلامة هي الاعتزال، ونسي تأكيد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم على نصرة الحق، وما قاله للزبير من أنّك تقاتل علياً وأنت ظالم له، وانّ عماراً تقتله الفئة الباغية وغيرها، 8.

ص: 154


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 228.

فهو بزعمه فرّ من الفتنة، وأوقعه الشيطان في فتنة أعظم وهي مخالفة أقوال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

ثم انّه يعترض على عليّ علیه السلام ولم يبايعه بحجة انّ البعض لم يبايعوه ولذا فإنّ بيعته غير شرعية، ولا يعترض على أبي بكر لما امتنع عن بيعته بنو هاشم وكثير من الصحابة، ولا يحكم ببطلان تلك البيعة.

ونراه يحضر هذا الزاهد العابد المتبع لآثار رسول الله حادثة التحكيم، ولما خطب معاوية وعرّض به وبأبيه، فأراد أن يتكلّم لكنه سکت وقال: فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ويسفك فيها الدم فذكرت ما أعدّ الله في الجنان (1). ونسي انّ الساكت عن الحق شيطان أخرس، وانّ الله تعالى وعد الجنّة لمطيعي أوامره وأوامر رسوله، ولمن نصر الحق ولو بلسانه أو قلبه وهو أضعف الإيمان.

ثم لما خلع الصحابة والناس بيعة يزيد في المدينة جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إنّي سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، وأنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإنّي لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإنّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلّا كانت الفيصل بيني وبينه (2). .

ص: 155


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 226
2- صحيح البخاري 8: 99.

فتراه يأوّل حديث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تأويلاً باطلاً، ويخطّئ الأمة الإسلامية بما فيهم صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وبما فيهم العِدل الثاني للقرآن، وينسى سائر الآثار النبوية في لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وما شاكل.

ثم نراه يكتب لعبدالملك بن مروان: أما بعد فإنّي قد بايعت لعبدالله عبدالملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت، وانّ بني قد أقرّوا بذلك (1)، وفي لفظ السيد المرتضى أنّه جاء إلى الحجاج ليبايعه نيابة عن عبد الملك، فسخر منه الحجاج وقال له: أما يدي فمشغولة عنك ولكن هذه رجلي فبايعها (2).

وينسى أنّه من الشجرة الملعونة، وانّ هلاك الأمة على يد أغيلمة من قريش وهم بنو أمية، كما في الآثار الصحيحة، وانّ الكثير لم يرتض بخلافتهم ولم يبايعهم على رأسهم ابن الزبير.

فنراه لبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً، وكان آية للغباء المجسّم، ومن غبائه أنّه فسّر الفئة الباغية بغير ما فسّرها الله ورسوله والصحابة وعلماء الأمة أجمع، فقد روى الذهبي عن سعيد بن جبير انّ ابن عمر قال عند موته: ما آسى على شيء من الدنيا إلّا على ثلاث ... إنّي لم أقاتل 5

ص: 156


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 231
2- الفصول المختارة: 245

الفئة الباغية التي نزلت بنا يعني الحجاج (1).

وفي لفظ آخر: قلنا من ترى الفئة الباغية؟ قال: ابن الزبير بغي على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم (2)

ربما يأتي شخص ويقول نصرة لابن عمر: أنّه ندم على عدم مشاركته مع علي علیه السلام لقتال البغاة آنذاك (3)، ونقول في الجواب: أولاً انّ الذهبي قال انّ هذا الأثر منقطع (4)، وثانياً أنّه ما كان يعتقد صحة خلافة أمير المؤمنين علیه السلام ولذا لم يبايعه، وما كان يعتقد ببغي الخارجين عليه، وطالما خلافته لم تكن شرعية فالخروج عليه جائز، أما يزيد وعبد الملك وسائر طغاة بني أمية بما انّ خلافتهم صحيحة وهي نيابة عن الله ورسوله، فلا يصح خلع بيعتهم والخروج عليهم وهو بغي محرم هكذا تنقلب الحقائق وتعمى القلوب.

مات سنة 73 بمكة بعد مقتل ابن الزبير بأشهر، وقيل أنّ الحجاج أوكل من يدسّه برمح أو حربة مسمومة فمات من أثرها، ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين، ويقال أنّه آخر من مات من الصحابة بمكة، وكان عمره 86 سنة. 1.

ص: 157


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 232 وصححه المحقق في الهامش.
2- م. ن 3: 229
3- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 950
4- سير أعلام النبلاء 3: 231.

ورد ذكره في نهج البلاغة قصار الحكم: 253 حيث ذكره أمير المؤمنين علیه السلام بقوله: «انّ سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا البالط».

74 - عبد الله بن يزيد

لم أتحقق من ترجمته إذ هناك عدة أشخاص بهذا الاسم مع الاختلاف في اللقب، وذكر ابن أبي الحديد أنّه من رجال الشيعة ومحدّثيهم (1)، والأمر بحاجة إلى تحقيق أكثر بالمراجعة إلى طبقة الرجل ورواياته ومشايخه.

وقد يكون هو عبد الله بن يزيد بن يزيد بن حصن الخطمي الأنصاري الأوسي، شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان أميراً على الكوفة وشهد مع عليّ صفين والجمل والنهروان (2) ذكر ابن كثير انّه توفي سنة 68 (3).

ورد ذكره في سند الخطبة رقم 223 في ذكر اختلاف الناس.

75 - عبد المطلب علیه السلام

عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، يقال انّ اسمه شيبة

ص: 158


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 13: 18.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر:3 1001
3- البداية والنهاية 8: 325

الحمد لأنّه ولد وفي رأسه شعرة بيضاء، ويكنّى أبا الحارث ويلقّب الفيّاض الجوده، قيل سمّي بعبد المطلب لأنّ المطلب عمه لما جاء به من يثرب - إذ أنّه ولد هناك - وسئل عنه، قال: أنّه عبد ابتعته، ثم كساه وجاء به إلى قومه وأظهر لهم أنّه ابن هاشم، فذا سمّي بعبد المطلب.

وكان سيد قريش، وأذعنت له سائر العرب بالسيادة والرئاسة. وقد سنّ في الجاهلية سنناً أجراها الله في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، ووجد كنزاً فأخرج خمسه وتصدّق به، ولما حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج، وسن في القتل مائة من الإبل فأجرى الله عزّ وجلّ ذلك في الإسلام، ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسنّ فيهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى الله ذلك في الإسلام (1).

وكان سلام الله عليه لا يستقسم بالأزلام ولا يعبد الأصنام ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم علیه السلام.

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة واحدة، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك (2).

وهو الذي حفر زمزم وقام بسقاية الحاج منه، وكان يحمل نور رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و قال أبو الحسن البكري: حدثنا أشياخنا وأسلافنا .

ص: 159


1- البحار للمجلسي 15: 127 ح 67.
2- الكافي للكليني 1: 447 ح 22.

الرواة لهذا الحديث أنّه لما قدم المطلب وشيبة إلى الحرم، وكان بين عينيه نور رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانت قريش تتبرّك به، فإذا أصابتهم مصيبة، أو نزلت بهم نازلة، أو دهمهم طارق، أو نزل بهم قحط، توسّلوا بنور رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فيكشف الله عنهم ما نزل بهم (1).

ولما هجم أبرهة بالفيل على مكة، قال عبد المطلب: انّ لهذا البيت رباً يمنعه، ثم جمع أهل مكة فدعا، فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيراً أبابيل، ودفعهم عن مكة وأهلها (2).

وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلّا هو إجلالاً له، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب، فكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يخرج وهو غلام صبي فيجي يجلس على الفراش، فيعظم ذلك أعمامه ويأخذونه ليؤخّروه، فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني، فوالله انّ له لشأناً عظيماً ... ثم يلتفت إلى أبي طالب فيقول: يا أبا طالب انّ لهذا الغلام لشأناً عظيماً فاحفظه واستمسك به فإنّه فرد وحيد، وكن له كالأم لا يصل إليه شيء يكرهه (3)

توفي سلام الله عليه بعد الفيل بثمان سنين ودفن بالحجون في 4.

ص: 160


1- البحار للمجلسي 15: 65.
2- قرب الإسناد للحميري: 319
3- البحار للمجلسي 15: 143 ح 74.

مكة، وعمره 95 سنة.

ورد ذكره في نهج البلاغة، الكتاب رقم 17 كتبه علیه السلام لمعاوية وفيه: ولا حرب كعبد المطلب.

76 - عبيدة بن الحارث

عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبدمناف بن قصي. يكنّى أبا الحارث، وقيل أبا معاوية، كان أسنّ من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعشر سنين، وكان إسلامه قبل دخول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دار الأرقم بن أبي الأرقم وقبل أن يدعو فيها، وكان له قدر ومنزلة عند رسول صلی الله علیه و آله و سلم (1).

ذكر السيد الخوئي انّ ابن شهر آشوب عدّه من المعروفين بالجهاد، وان النبي الله صلی الله علیه و آله و سلم قال يوم الخندق: «اللهم انّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم اُحد، وهذا علي فلا تدعني فرداً وأنت خير الوارثين» (2).

بعثه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في سرية إلى بطن رابع في شوال بعد ثمانية أشهر من هجرته إلى المدينة في ستين راكباً. وحضر بدراً فبارز عتبة أو شيبة - على اختلاف - وقطعت رجله، واستشهد من أثرها، ودفن بالصفراء وكان عمره 63 سنة.

ص: 161


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 102
2- معجم رجال الحديث 12: 102

ورد ذكره في كتاب رقم 9 إلى معاوية حيث يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى أنّ عبيدة استشهد في بدر.

77 - عبيد الله بن أبي رافع

عبيد الله بن أبي رافع، أمه سلمى مولاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وكانت قابلة بني فاطمة، وهي التي غسّلت فاطمة علیها السلام مع عليّ علیه السلام، وشهدت خيبر مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

كان عبيد الله كاتب أمير المؤمنين علیه السلام ومن خواص أصحابه، قال ابن سعد في الطبقات: «كان ثقة كثير الحديث» (1).

له كتاب قضايا أمير المؤمنين علیه السلام وتسمية من شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام الجمل وصفين والنهروان من الصحابة (2).

ورد اسمه في سند قصار الحكم رقم 306 في كيفية الكتابة.

78 - عبيد الله بن العباس

عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أمه لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية، يكنى أبا محمد، رأى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و هو أصغر من أخيه عبد الله بسنة.

ص: 162


1- الطبقات لابن سعد 5: 282.
2- الفهرست للطوسي 174.

وكان عبيد الله بن عباس أحد الأجواد، وكان يقال: من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العباس الجمال للفضل، والفقه العبد الله، والسخاء لعبيد الله (1).

لم يكن كأخيه عبد الله في نفاذ البصيرة والشجاعة، وذلك أنّه لما ولّاه أمير المؤمنين علیه السلام اليمن وزحف إليه بسر هرب عبيد الله وترك اليمن فعاث بسر هناك وقتل ولدي عبيد الله، وبعد مقتل أمير المؤمنين علیه السلام كان أميراً على الجيش مع الإمام الحسن علیه السلام، فخدعه معاوية وكتب له: انّ الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلّم الأمر إليّ، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً، وإلّا دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، أعجل لك في هذا الوقت نصفها، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسلّ عبيد الله إليه ليلاً، فدخل عسكر معاوية فوفى له بما وعده، وأصبح الناس ينتظرون عبيد الله أن يخرج فيصلّي بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه ... (2).

مات سنة 58 بالمدينة في أيام يزيد بن معاوية، وقيل بل سنة 87 في أيام عبدالملك بن مروان.

ورد ذكره في صدر الخطبة رقم 25 عند إغارة بسر على اليمن. 6

ص: 163


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1009
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 42:16

79 - عثمان بن حنيف الأنصاري

عثمان بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة الأنصاري الأوسي، يكنى أبا عمرو، وقيل أبا عبدالله. كانت أوّل مشاهده مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحد على قول.

ولّاه عمر على مساحة الأرض وجبايتها وضرب الخراج، ولما استشار أصحابه فيمن يولّي على هذه المهمّة أشاروا عليه بعثمان بن حنيف وقالوا: انّ له بصراً وعقلاً ومعرفة وتجربة (1).

كان رحمه الله من الاثني عشر الذين احتجوا على أبي بكر بعد خلافته، وقال هو فيما قال بعد ما ذكر حديث أهل بيتي نجوم الأرض: «فلا تكن يا أبا بكر أوّل كافر به (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (2).

استعمله أمير المؤمنين علیه السلام بعد استخلافه على البصرة وكان بها إلى أن جاء طلحة والزبير، فتقاتلوا إلى أن كتبوا بينهم عهداً بالهدنة حتى يجيء علي علیه السلام، فغدروا به وأخذوه أسيراً وضربوه ضرب الموت، ونتفوا حاجبيه وأشفار عينيه وكل شعرة في رأسه ووجهه، وجاؤوا به إلى عائشة، فقالت لأبان بن عثمان: أخرج إليه فاضرب عنقه، فإنّ

ص: 164


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1034
2- الاحتجاج للطبرسي 1: 103

الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله. فهددهم بأخيه سهل والي المدينة بأنّه سيقتل وينكل بذويهم فتركوه، ولما جاء إلى علي علیه السلام بكى وقال: فارقتك شيخاً وجئتك أمرد، فقال علي علیه السلام: «إنا الله وإنا إليه راجعون» قالها ثلاثاً (1).

ثم أنّه سكن الكوفة بعد علي علیه السلام ومات زمن معاوية.

ورد ذكره في كتاب رقم 45 لما كان واليه على البصرة، وحضر مأدبة قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ، فعاتبه أمير المؤمنين علیه السلام على ذلك، وهو من محاسن الكتب.

80 - عثمان بن عفان

عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبدشمس بن عبد مناف بن قصي، أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. يكنى أبا عمرو وأبا عبد الله، ولد في السنة السادسة بعد الفيل، وهاجر إلى الحبشة مع زوجته رقية بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.

تخلّف عن بدر لتمريض زوجته، ولم يشهد الحديبية، أرسله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى مكة ليوصل رسالة النبي صلی الله علیه و آله و سلم لمشركي مكة، فلما أتاه

ص: 165


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 9: 321

خبر مقتله جمع الصحابة فدعاهم إلى البيعة فبايعوه على قتال أهل مكة فكانت بيعة الرضوان، وجهّز جيش العسرة في غزوة تبوك.

إذا قسّمنا سيرته وحياته إلى ما قبل الخلافة وما بعدها، لم نجد في فترة قبل الخلافة كبير فرق بينه وبين سائر الصحابة سوى أنّه صهر النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأنفق بعض أمواله، ولم نجد له موقفاً مشهوداً في الحرب أو التفاني في نصرة الدين أو العلم الغزير ممّا يجعله مؤهلاً للخلافة وتمثيل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ولولا تواطؤ القوم لما وصل إلى ما وصل إليه.

أما بعد استخلافه فأحدث أحداثاً عظاماً أنكرها الصحابة وعامة الناس أودت بحياته، وفيما يقول أمير المؤمنين علیه السلام: «انّه قد كان على الأمة وال أحدث أحداثاً، وأوجد الناس مقالاً، فقالواثم نقموا فغيّروا [ الخطبة: 43]، وكتب علیه السلام إلى أهل مصر: «من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه، وذُهب بحقّه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر والمقيم والظاعن، فلا معروف يُستراح إليه ولا منكر يتناهى عنه [ الكتاب: 38].

ويشرح لنا ابن أبي الحديد أسباب نقمة الناس على عثمان ويقول: أنّه أوطأ بني أمية رقاب الناس، وولاهم الولايات، وأقطعهم القطائع، وافتتحت افريقية في أيامه، فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان ... وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسِيد صِلة، فأعطاه أربعمائة ألف درهم.

وأعاد الحكَم بن أبي العاص بعد أن كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قد

ص: 166

سيّره ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة ألف درهم. وتصدّق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم موضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم. وأقطع مروان فَدَك، وقد كانت فاطمة علیها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه تارةً بالميراث، وتارة بالنحلة فدُفِعت عنها.

وحمى المراعي حول المدينة كلّها من مواشي المسلمين كلّهم إلا عن بني أمية. وأعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح افريقية بالمغرب؛ وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.

وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، وقد كان زوّجه ابنته أم أبان، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح، فوضعها بين يدي عثمان وبكى فقال عثمان: أتبكي أن وصلتُ رحمي! قال: لا، ولكن أبكي لأنّي أظنّك أنّك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم. والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً، فقال: ألقِ المفاتيح يا بن أرقم؛ فإنا سنجد غيرك.

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة، فقسّمها كلّها في بني أمية، وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة، فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضاً بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه.

ص: 167

وانضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذر رحمه الله تعالى إلى الربذة؛ وضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه، وما أظهر من الحجاب والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود، وردّ المظالم، وكفّ الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعيّة، وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين» (1).

هذه الأمور أدّت إلى سخط الناس عليه، فكتب مَنْ بالمدينة من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلى مَن بالآفاق منهم، وكانوا قد تفرقوا في الثغور: انّكم خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل تطلبون دين محمد صلی الله علیه و آله و سلم فانّ دين محمد قد اُفسد من خلفكم وترك، فهلمّوا فأقيموا دين محمد» فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه (2).

وفي الاستيعاب في ترجمة عبد الرحمن بن حنبل، أنّه أنشد لما أعطى عثمان خمس أفريقية لمروان:

دعوت الطريد فأدنيته *** خلافاً لما سنّه المصطفى

ووليت قرباك أمر العباد *** خلافاً لسنة من قد مضى .

ص: 168


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 198.
2- تاريخ الطبري 400:3.

وأعطيت مروان خمس الغنيمة *** آثرته وحميت الحمی

ومالاً أتاك به الأشعري *** من الفيء أعطيته من دنا (1)

فالمتمعّن في سيرته يرى أنّه خالف كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين قبله، وقد سبق أن أعطى الوعد لعبد الرحمن بن عوف في قصة الشورى بالعمل والتمسك بهذه الثلاثة، ومع هذا خالفها كلها.

قتل عثمان بالمدينة بعد إجماع من الصحابة والتابعين على سوء فعله، وبعد ما حوصر 49 يوماً أو شهران وعشرون يوماً، وكان مقتله سنة 35 ه- وكان عمره 88 أو 82 أو 86 أو 90 على اختلاف الأقوال، وكانت خلافته 12 سنة تقريباً، ولما قتل ألقي على المزبلة ثلاثة أيام إلى أن دفن في حش [أي بستان] كوكب (2).

ولو استجاب للمعترضين وتنحّى عن الخلافة لكانت الأمور تجري بشكل آخر، وربما لم ير التاريخ حوادث باسم الجمل وصفين و النهروان، ومن الطريف ما أشار إليه الأستاذ حسن بن فرحان المالكي .

ص: 169


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 828
2- الاستيعاب لابن عبد البر 1044:3، 1047.

حيث قال: والغريب انّ هؤلاء الغلاة [أي غلاة الحنابلة ] يمدحون الحسن في التخلّي عن الخلافة، ولا يتذكرون من فضائله إلّا إياها، في الوقت الذي يمدحون عثمان في التمسك بالخلافة حتى قتل، مع انّ عثمان لو تنازل فلن يكون البديل إلّا بدرياً كعلي وطلحة والزبير وسعد وأمثالهم، بينما بديل الحسن كان معاوية ثم يزيد»(1).

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 3 حيث وصفه علیه السلام بقوله: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته.

والخطبة رقم 15 فيما ردّه من قطائع عثمان، والخطبة رقم 30 في معنى قتل عثمان، ورقم 135 حينما وقعت بينه وبين عثمان مشاجرة ورقم 164 لما اشتكى إليه الناس من عثمان، ورقم 168 في جواب من قال لو عاقبت من أجلب على عثمان، ورقم 240 لعبد الله بن عباس في عثمان.

كما ورد ذكره في فصل الكتب، الكتاب رقم 1 في اقتصاص أمر عثمان، ورقم 28 في ردّ معاوية لما اتهمه بقتل عثمان.

81 - عدي بن زيد العبادي

عدي بن زيد بن حمار بن زيد بن أيوب بن مجدوق بن عامر بن

ص: 170


1- مع الشيخ عبد الله السعد في الصحيحة والصحابة: 261، الهامش رقم: 239

عصية بن امرئ القيس. شاعر من شعراء الجاهلية كان نصرانياً وكان يسكن الحيرة، وهو المعروف بالعبادي، والعباد هم نصارى الحيرة (1).

قال ثعلب: عدي بن زيد العبادي أمير المؤمنين في اللغة (2). وكان خطيباً شاعراً قد كتب العربية والفارسية، وكتب كسرى إلى المنذر أن يبعث له بقوم من العرب يترجمون الكتب له، فبعث بعدي بن زيد وأخوين له، فكانوا في كتّابه يترجمون له (3).

قال ابن قتيبة في المعارف عند ترجمة النعمان بن المنذر: «وهو قاتل عدي بن زيد العبادي الشاعر، وكان عدي ترجمان أبرويز وكاتبه بالعربية، وهو وصف له النعمان وأشار عليه بتوليته، واحتال في ذلك تتى ولّاه من بين أخوته وكان أذمهم وأقبحهم، ثم اتهمه النعمان فاحتال عليه حتى صار في يده فحبسه، وكان عدي يقول الشعر في الحبس ثم قتله» (4).

ورد ذكره في نهج البلاغة ذيل الخطبة رقم 3 استشهد الشريف الرضي بشعره. .

ص: 171


1- تاريخ دمشق لابن عساكر 104:40.
2- تاریخ بغداد للخطيب 14: 276.
3- تاريخ اليعقوبي 1: 212
4- المعارف لابن قتيبة: 649.

82 - عقيل بن أبي طالب

عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، يكنى أبا يزيد، أسر في بدر وفداه عمّه العباس، ثم أتى مسلماً قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤتة، وكان أكبر من أخيه جعفر بعشر سنين.

كان أنسب قريش وأعلمهم بأيامها، كانت له طنفسة تطرح له في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يصلي عليها ويجتمع إليه في علم النسب وأيام العرب، وكان أسرع الناس جواباً وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك.

كان عقيل باع دور بني هاشم المسلمين بمكة، وكانت قريش تعطي من لم يسلم مال من أسلم، فباع دور قومه حتى دار رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فلما دخل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مكة يوم الفتح قيل له: ألا تنزل دارك يا رسول الله، فقال وهل ترك لنا عقيل من دار.

قال ابن أبي الحديد: لم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين علیه السلام شيئاً من حروبه أيام خلافته، وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب. ثم ذكر اختلاف الناس في لحوقه بمعاوية هل كان بعد وفاة أمير المؤمنين علیه السلام أو في زمنه، واستظهر أن يكون بعد وفاته (1).

توفي في خلافة معاوية سنة 50 وكان عمره 96 سنة.

ص: 172


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 11: 250.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 223 يذكر فيه الحديدة المحماة، وكتاب رقم 36.

832 - العلاء بن زياد الحارثي

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 209 حيث يذكر أنّ أمير المؤمنين علیه السلام جاء لعيادته وهو من أصحابه.

واستقرب ابن أبي الحديد انّ الرجل هو الربيع بن زياد وقال: «أما العلاء بن زياد الذي ذكره الرضي رحمه الله فلا أعرفه لعلّ غيري يعرفه» (1).

84 - عمار بن ياسر

عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن حصين العنسي المذحجي، يكنّى أبا اليقظان أمّه سمية بنت خياط أمة أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي، وبعد ما ولدت عماراً أعتقه أبو حذيفة، فمن هذا أصبح عمار مولى لبني مخزوم (2).

كان عمار وأمه سميّة ممّن عذّب في الله، هاجر إلى الحبشة وصلى القبلتين، شهد بدراً والمشاهد كلها.

ص: 173


1- م. ن 37:11.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1136

ورد في فضله روايات كثيرة، منها قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «ما خيّر عمار ابن ياسر بين أمرين إلّا اختار أشدّهما».(1).

وقال صلی الله علیه و آله و سلم: «انّ عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه» ويروى إلى أخمص قدميه.

وأيضاً: «من أبغض عماراً أبغضه الله تعالى» وقال أيضاً: اشتاقت الجنّة إلى علي وعمار وسلمان وبلال (2).

وفي صحيح البخاري انّ المسلمين كانوا يحملون لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين [ وذلك في بناء المسجد] فرآه النبي صلی الله علیه و آله و سلم فينفض التراب عنه ويقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار» (3).

وقال أيضاً: «عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان عمار جلدة بين عينيّ وأنفي، تقتله الفئة الباغية» (4).

ولذا كان الميزان لتشخيص الحق من الباطل عند بعض ضعفاء الإيمان والبصيرة أيام البغاة، فقد روى السلمي قال: شهدنا مع علي صفين، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين .

ص: 174


1- الأمالي للصدوق: 490 ح 9.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1137
3- صحيح البخاري 1: 253.
4- اختيار معرفة الرجال للطوسي 1: 127.

إلّا رأيت أصحاب محمد صلی الله علیه و آله و سلم يتبعونه كأنّه علم لهم (1)، ولم يفهموا انّ عماراً هو نفسه يدور في فلك أمير المؤمنين علیه السلام ويحوم حوله، ولكن أنّى لضعف البصيرة.

شارك في الفتوح وكانت له مواقف مع عثمان، كان آخرها أن أمر غلمانه فضربوا عماراً حتى انفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان (2).

شارك مع أمير المؤمنين علیه السلام في حروبه ضد البغاة، وكان قد دعا في اليوم الذي استشهد فيه وقال: «اللهم أنك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت، اللهم أنّك تعلم انّي لو أعلم انّ رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت، اللهم وأنّي أعلم مما أعلمتني أنّي لا أعمل اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملاً أرضى لك منه لفعلته» (3).

قتل رحمه الله في معركة صفين التاسع من صفر عام 37ه- وهو ابن تسعين سنة وقيل أكثر، قتله أبو الغادية الفزاري لعنه الله، ودفنه 0

ص: 175


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1138
2- م. ن 3: 1136.
3- وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 320

أمير المؤمنين علیه السلام في ثيابه ولم يغسّله وصلّى عليه.

ورد ذكره في الخطبة رقم 182 حيث قال أمير المؤمنين علیه السلام ملتهّفاً على إخوانه الذين مضوا: «أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق، أين عمار ...»، وفي قصار الحكم رقم 394 عندما دار بين عمار وبين المغيرة بن شعبة كلام.

85 - عمران بن الحصين الخزاعي

عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد الخزاعي، يكنى أبا بجيد، أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر سنة سبع، وقد غزا مع النبي صلی الله علیه و آله و سلم غير مرّة، وكان ينزل بلاد قومه ويتردّد إلى المدينة. وقد أرسله عمر إلى البصرة ليفقههم.

وقال ابن سيرين: كان عمران بن الحصين يعدّ من ثقات أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (1)، وقد استقضاه عبيد الله بن زياد فعمل له إلى أن استقال عن منصبه.

اختلفت الأقوال فيه، فمن قائل أنّه كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام (2)، وذكر ابن شهر آشوب انّ عمران بن الحصين وأبا بريدة قالا لأبي بكر: قد كنت أنت يومئذٍ فيمن سلّم على

ص: 176


1- الطبقات لابن سعد 2: 374
2- اختيار معرفة الرجال للطوسي 1: 186 رقم 78.

عليّ بإمرة المؤمنين، فهل تذكر ذلك اليوم أم نسيته ... (1)، كما انّ عثمان بن حنيف والى أمير المؤمنين صلی الله علیه و آله و سلم على البصرة أرسله إلى عائشة وطلحة والزبير ليعرف عن سبب قدومهم.

ثم نرى أنّه اعتزل عن القتال بل أرسل إلى بني عدي ينصحهم بترك الفريقين، وقال لهم رسوله: «أرسلني إليكم عمران بن حصين صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ... ويخبركم أنّي لكم ناصح ويحلف بالله الذي لا إله إلّا هو لأن يكون عبداً حبشياً مجدعاً يرعى أعنزاً حضنيات في رأس جبل أحب إليه من أن يرمي في أحد من الفريقين بسهم أخطأ أو أصاب، فأمسكوا فدى لكم أبي وأمي) (2).

وقال ابن أبي الحديد وقد روي انّ عمران بن الحصين كان من المنحرفين عنه علیه السلام، وأنّ علياً سيّره إلى المدائن، وذلك أنّه كان يقول: إن مات عليّ فلا أدري ما موته، وإن قتل فعسى أنّي إن قتل رجوت له» ومن الناس من يجعل عمران من الشيعة (3).

مات بالبصرة سنة 52 أيام معاوية.

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 54 في كتاب كتبه علیه السلام إلى طلحة والزبير أرسله مع عمران. 7.

ص: 177


1- المناقب لابن شهر آشوب 2: 253.
2- الطبقات لابن سعد 4: 288، أنساب الأشراف للبلاذري: 238.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 77.

86 - عمر بن أبي سلمة المخزومي

عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسود بن هلال بن عبد الله المخزومي، ربيب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أمّه أم سلمة المخزومية أم المؤمنين، يكنى أبا حفص، ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وكان يوم قبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ابن تسع سنين على قول.

كان من الملازمين لعليّ علیه السلام وشهد معه مشاهده، وولّاه عليّ على فارس والبحرين، وقد أرسلته أم سلمة لنصرة أمير المؤمنين علیه السلام واعتذرت من عدم تمكنها من الخروج معه وكتبت: ولو لا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك، ولكنّي باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة، فاستوص به يا أمير المؤمنين خيراً فلما قدم عمر على عليّ علیه السلام أكرمه، ولم يزل مقيماً معه حتى شهد مشاهده كلها (1).

توفي بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان سنة 83. وورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب 42 كتبه إليه أمير المؤمنين لما كان والياً على البحرين واستدعاه ونصب مكانه النعمان بن عجلان وكتب له: «فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وأحببت أن تشهد معي فإنّك ممن أستظهر به على جهاد العدو وإقامة عمود الدين».

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 219.

ص: 178

87 - عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي، يكنى أبا حفص أمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة. ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وأسلم متأخراً.

كان في الجاهلية فظاً غليظاً وذلك نتيجة تأثير بداوة الصحراء في تكوين شخصيته، وكان يتذكرها إلى آخر عمره، فقد قال وهو في أخريات حياته لما مرّ بوادي ضجنان: «لقد كنت بهذا الوادي أرعى إبلاً للخطاب، وكان فظاً غليظاً يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت» (1).

نعم كان الجفاء الصحراء ورعي الإبل في الحر والبرد وخشونة الخطاب، الأثر البالغ في تكوين شخصية عمر بحيث لازمته الفظاظة طول حياته.

فقبل إسلامه كان من المهتمين بمتابعة وإيذاء المسلمين، فقد ورد أنّه أذى أخته وأدمى رأس زوجها لما أسلما (2)، وضرب جارية على إسلامها حتى ملّ من ضربها (3)، وقالت أم عبدالله بنت حثمة في حقه: كنّا نلقي منه البلاء أذى وشدّة علينا، حتى أنّها وزوجها كانا قد أيسا من

ص: 179


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1157
2- أسد الغابة لابن الأثير 5: 519.
3- السيرة لابن هشام 1: 211

إسلامه لقسوته وغلظته على أهل الإسلام (1).

أما بعد إسلامه فلم يغيّر الإسلام وتعاليمه في الأمر بالرفق والإحسان وحسن الخلق من أخلاقه قيد أنملة، فنراه يعترض على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في موارد كثيرة أشدّها في صلح الحديبية حيث شكّ في دينه وكان يقول: فعملت في ذلك - أي في نقض الصحيفة - أعمالاً (2) بحيث لم يقتنع بكلام الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى أن جاء أبو بكر وأوضح له ما أشكل من أمره.

ثم ضربه لأبي هريرة حتى خرّ لاسته (3). ولمّا أراد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يصلّي على عبد الله بن أبي جاء عمر الغيور على الإسلام والتعاليم الإلهية، فأخذ بثوب النبي صلی الله علیه و آله و سلم فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد نهاك الله أن تصلّي عليه (4).

كما انّه ضرب أم فروة بنت أبي بكر لما كانت تبكي على أبيها (5)، وقال الأوزاعي: بلغني انّ عمر سمع صوت بكاء في بيت، فدخل معه غيره فأمال عليهم ضرباً حتى بلغ النائحة، فضربها حتى سقط خماره-ا 1

ص: 180


1- م. ن 1: 229، الكامل في التاريخ 2 84:.
2- صحیح ابن حبان 11: 224.
3- صحیح مسلم 1: 44.
4- صحیح مسلم 7: 116.
5- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 181

فعدل الرجل فقال: أضرب فإنّها نائحة ولا حرمة لها (1)، وعن الأشعث بن قيس قال: ضفت [عند] عمر ليلة فلما كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها فحجزت بينهما، فلما آوى إلى فراشه قال لي: يا أشعث أحفظ عنّي شيئاً سمعته من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: لا يُسأل الرجل فيم يضرب امرأته (2).

ولذا اعترض طلحة على أبي بكر لما أراد أن يستخلف عمر: ما أنت قائل لربك غداً وقد وليت علينا فظاً غليظاً، تفرق منه النفوس وتنفض عنه القلوب (3).

ووصفه ابن أبي الحديد بقوله: كان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة (4). وقال: كان عمر شديد الغلظة، وعر الجانب خشن الملمس دائم العبوس (5). وقال: كان عمر سريعاً إلى المساءة، كثير الجبة والشتم والسب (6).

ومن آثار الحياة الصحرواية البلادة، فنرى ابن عمر يقول: انّ .

ص: 181


1- تاريخ المدينة لابن شبة 3: 799
2- سنن ابن ماجة 1: 693.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 164.
4- م. ن 1: 61.
5- م. ن 2: 115.
6- م. ن 4: 457.

عمر تعلّم سورة البقرة في اثنتي عشر سنة، فلما ختمها نحر جزوراً (1). وقال ابن أبي الحديد: كان عمر يفتي كثيراً بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضدّه وخلافه، قضى في الجد مع الأخوة قضايا كثيرة مختلفة» (2).

و من آثار جهله نهيه عن متعة الحج ومتعة النساء، رغم تصريحه بأنّها كانت على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأنّه هو الذي يحرمها، ولم يعلم انّ هذا غير جائز، كما أنّه أدخل في الدين ما ليس منه كصلاة التراويح وغيرها.

ولو تنزّلنا عن كل هذا وذهبنا إلى شجاعته وثباته في الحروب وإلى علمه وفضله، وإلى غير ما دوّنوه في كتبهم من أساطير لا تمت إلى الواقع بصلة، ولو تنزلنا عن كل هذا لا نتنازل عن إساءته للنبي صلی الله علیه و آله و سلم قبيل وفاته حيث أراد أن يكتب ما فصّله سابقاً شفهاً من عصمة الأمة من الضلال، فمنعه ونسبه إلى الهجر والهذيان - والعياذ بالله - .

ولا أدري كيف سكت عبد الرزاق الصنعاني - من شيوخ أهل السنة ومحدثيهم الكبار - ولم تأخذه الغيرة على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ولم يعلّق ويقول في حق قائل هذا الكلام كما علّق على كلام آخر له ووصفه بالحماقة، فإنّ عبد الرزاق لما كان يحدّث بحديث مجي ء علي علیه السلام والعباس إلى عمر لأخذ ميراث النبي صلی الله علیه و آله و سلم و وصل إلى قول عمر لهما: «فجئت أنت .

ص: 182


1- م. ن 66:12.
2- م. ن 1: 181.

تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته من أبيها قال عبد الرزاق: أنظروا إلى الأنوك [أي الأحمق ] يقول: «تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها» ألا يقول: رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (1)، فكيف فاته التعليق على حديث رزية الخميس ولم يقل شيئاً، مع أنّه أنكى من هذا وأشد.

وكذلك لا ننسى من عمر هجومه على دار أمير المؤمنين علیه السلام وإحراق بيته وضرب الزهراء علیها السلام حيث ماتت وهي واجدة على القوم غير راضية عنهم كما ثبت في الصحيحين (2). مات عمر ليلة الخميس لأربع بقين من ذي الحجة سنة 23 ه- وعمره 63 سنة، قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بدسيسة أموية، وجعل الأمر من بعده شورى.

أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة رقم 3 (الشقشقية) بقوله: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فمُني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن و اعتراض» (3) .

ص: 183


1- تاريخ دمشق لابن عساكر:36: 188، سير أعلام النبلاء للذهبي 9: 572
2- صحيح البخاري 4: 42، 5: 82، صحیح مسلم 5: 154.
3- الشماس التلوّن في الإنسان بأن لا يثبت على خلق واحد، والاعتراض السير على غير استقامة كأنّه يسير عرضاً.

وكذلك الخطبة رقم 134 لما استشاره عمر في الخروج لغزو الروم، و 146 لما استشاره في الشخوص لقتال الفرس، وكذلك 164، و 227 على قول أنّه أراد عمر حيث قال «لله بلاد فلان» وكذلك قصار الحكم 261 فيما قاله علیه السلام لعمر في حلي الكعبة.

88 - عمرو بن بحر (أبو عثمان الجاحظ)

عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، يكنى أبا عثمان. قال ثعلب: ما هو بثقة، وقال الذهبي: كان ماجناً قليل الدين له نوادر (1). كان من بحور العلم وله كتب كثيرة، منها كتاب الحيوان، البيان والتبيين وغيرها، لم يقع بيده كتاب قط إلّا استوفى قراءته، حتى أنّه كان يكتري دكاكين الكتبيين ويبيت فيها للمطالعة، وكان داهية في قوّة الحفظ. أسّس فرقة في المعتزلة باسم الجاحظية، ولد حوالي 160 بالبصرة ونشأ بها، أدرك الأصمعي وأبو عبيدة، مات مفلوجاً سنة 250 وقيل 255 بالبصرة.

ذكره الرضي ذيل الخطبة رقم 32 حيث استشهد بكلامه في نفي انتساب هذه الخطبة إلى معاوية.

ص: 184


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 11: 526

89 - عمرو بن العاص

عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي، يكنى أبا عبدالله أمه النابغة بنت حرملة سبية من بني جلان، ولما سئل عمر و عن أمّه وهو على المنبر قال: أمّي سلمى بنت حرملة، تلقّب النابغة، أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ فاشتراها الفاكه بن مغيرة ثم اشتراها عبد الله بن جدعان ثم صارت إلى العاص بن وائل (1)، وكانت بغياً من البغايا وولدت عمرو من البغي.

وهو الذي أرسلته قريش إلى الحبشة ليرد المسلمين من هناك، ولم يستجب لهم النجاشي بعدما سمع كلام جعفر بن أبي طالب رضی الله غنه.

أسلم عمرو مع خالد بن الوليد سنة ثمان هجرية بعد ما أيسا وتعبا من محاربة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فرّ في سرية ذات السلاسل، إلى أن أرسل رسول الله علياً ففتح الله عليه، وأراد عمرو بن العاص أن يفسد الأمر على أمير المؤمنين علیه السلام في تلك السرية فلم يطعه المسلمون (2).

في شارك في الفتوح، وولاه القوم على فلسطين والأردن ومصر إلى أن عزله عثمان عندما اختلفا في سبي الاسكندرية حيث أمر عثمان برد

ص: 185


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1185
2- الإرشاد للمفيد 1: 165.

السبي، وكان ذلك بدء الشر بين عمرو وعثمان (1).

ومن تلك المواقف انّ عمرو بن العاص قام إلى عثمان وهو يخطب الناس فقال: يا عثمان انّك قد ركبت بالناس المهامة وركبوها منك، فتب إلى الله عزّ وجلّ ليتوبوا، فالتفت إليه عثمان فقال: وأنّك لهناك يا ابن النابغة (2).

وذكر ابن عبدالبر انّ عثمان لما عزل عمرو جعل يطعن على عثمان ويؤلّب عليه ويسعى في إفساد أمره، فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال: إنّي إذا نكأت قرحة أدميتها (3).

كان لعنه الله منحرفاً عن علي علیه السلام أشد انحراف، وفي يوم التقى بالإمام الحسن علیه السلام فجعل ينال من علي علیه السلام فأجابه الإمام الحسن علیه السلام: « ... وأنت من تعلم ويعلم الناس، تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليها جزارها، ألأمهم حسباً وأعظمهم لؤماً، فإيّاك عنّي فإنّك رجس ...» (4). ونقل ابن أبي الحديد عن أبي القاسم البلخي أنّه قال ما زال عمرو بن العاص ملحداً ما تردّد في الإلحاد والزندقة (5). 5

ص: 186


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1187
2- م. ن 1041:3.
3- م. ن 3: 919.
4- شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 28
5- شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 65

وهو السبب في انكسار جيش أمير المؤمنين علیه السلام أيام صفين لما خدع البسطاء برفع المصاحف، فكان السبب في تغيير مسار التاريخ الإسلامي، حيث غيّر معاوية كثيراً من معالم الدين، وأراق الدماء وسنّ النصب لآل البيت علیهم السلام، ومن بعده جاء ابنه المشؤوم يزيد فقتل الحسين علیه السلام واستباح المدينة، وقتل وأراق الدماء البريئة، ثم جاءت دولة بني أمية ولعبت بالدين ما شاءت وبالمسلمين ما رامت كل هذا بسبب فتنة عمرو بن العاص وخدعته، ولو كان أمير المؤمنين علیه السلام منتصراً في تلك المعركة لما كان حالنا الآن هكذا، ولسار التاريخ الإسلامي بنحو آخر.

باع دينه لدنياه وأخذ مصر عوضاً عن دينه، ومات بها سنة 43 يوم الفطر وعمره تسعون سنة وقيل غير ذلك، ودفن بالمقطم من ناحية الفتح، وصلّى عليه ابنه عبد الله.

أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة رقم 26 و 83 و 127 حيث أشار إلى قضية التحكيم، وكذلك 177 و 384 وفي كتاب 39.

90 - غالب بن صعصعة

غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعي، والد الفرزدق الشاعر، وكان أبوه صعصعة هو الذي منع وأد البنات في الجاهلية قيل:

ص: 187

اشترى ثلاثمائة موؤدة فأعتقهنّ ورياهنّ (1)، وكان غالب كريماً يقال أنّه قرى مائة ضيف، واحتمل عشر ديات لقوم لا يعرفهم. ذكره الذهبي فيمن أدرك النبي صلی الله علیه و آله و سلم (2).

أمه ليلى بنت حابس التميمية أخت الأقرع بن حابس الصحابي المشهور، ولها أيضاً إدراك.

مات غالب هذا نحو سنة أربعين هجرية، وذكره الرضي في قصار الحكم رقم 434 لما جاء إلى أمير المؤمنين علیه السلام فسأله: ما فعلت إبلك الكثيرة؟ قال: ذعذعتها الحقوق يا أمير المؤمنين، فقال علیه السلام: ذاك أحمد سبلها.

91 - فرعون

هو الوليد بن مصعب رابع فراعنة مصر، وهو فرعون موسى علیه السلام. ذكرت له الكهنة أنّه سيولد مولود في بني إسرائيل يفسد عليه ملكه ويهلكه، فأمر فرعون فوضع الحرس على نساء بني إسرائيل فكانت لا تلد منهنّ ولداً إلّا أخذ وقتل.

وشاء الله تعالى أن يولد موسى علیه السلام في تلك الشدة، ويخفى

ص: 188


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 15: 128.
2- سير أعلام النبلاء 5: 260.

مولده على الحرس، إلى أن صنعت أمه تابوتاً بالأمر الإلهي وألقته في النهر فالتقطته امرأة فرعون آسية واتخذته ولداً بعد ما ألقى الله تعالى محبته في قلبهما، وجاءت أمه فأرضعته بعدما رفض الرضاعة من النساء.

فلما بلغ واستوى وآتاه الله تعالى النبوة، جاء مع أخيه هارون لدعوة فرعون إلى الله تعالى وهدايته، فكان منه ما كان إلى أن غرق في البحر وأراد أن يؤمن في لحظاته الأخيرة ولكن لم ينفعه ذلك، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يونس: 90 - 91.

ورد ذكره في الخطبة رقم 192 (القاصعة) عندما دخل موسى وهارون علیهما السلام عليه.

92 - القاسم بن سلام (أبو عبيد)

القاسم بن سلام بن مسكين بن زيد الهروي البغدادي، يكنى أبا عبيد، كان أبوه عبداً رومياً لرجل من هراة، ولد بهراة، وأخذ الأدب عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي والكسائي، فأصبح من كبار العلماء في الأدب والفقه والحديث، وهو أوّل من صنّف في غريب الحديث.

كان قاضياً بطرسوس أيام ثابت بن نصر بن مالك، ثم صار في ناحية عبد الله بن طاهر، فكان إذ ألّف كتاباً أهداه إلى عبد الله بن طاهر،

ص: 189

فيحمل إليه مالاً خطيراً (1)، ولما صنّف غريب الحديث وأهداه إلى عبدالله بن طاهر قال: انّ عقلاً بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألّا يحوج إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر (2).

قال فيه الذهبي: من نظر في كتب أبي عبيد علم مكانه من الحفظ والعلم، وكان حافظاً للحديث وعلله ومعرفته متوسطه، عارفاً بالفقه والاختلاف رأساً في اللغة، إماماً في القراءات» (3).

مات سنة 224 بمكة وعمره 67 سنة.

ذكره الرضي في ذيل غريب كلامه الذي يحتاج إلى التفسير رقم 4 في ذكر معاني الحقاق.

93 - قثم بن العباس

قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث. كان ورعاً فاضلاً وكان أشبه الناس برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وكان أخا الإمام الحسن علیه السلام من الرضاعة.

ص: 190


1- الفهرست لابن الندیم 78
2- تاريخ بغداد للخطيب 404:12.
3- تذكرة الحفاظ 2: 417.

غزا قثم خراسان وكان عليها سعيد بن عثمان فقال له: اضرب لك بألف سهم، فقال: بل أخمس ثم أعط الناس حقوقهم ثم أعطني بعد ما شئت» (1).

استخلفه أمير المؤمنين علیه السلام على مكة، وبقي فيها إلى أن قتل أمير المؤمنين علیه السلام خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان في زمن معاوية في فتح ما وراء النهر، واستشهد بسمر قند (2)، وذلك سنة 52 ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 33 و 67.

94 - قيس بن سعد

قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي، يكنّى أبا الفضل وقيل أبا عبدالله وقيل أبا عبد الملك، أمه فكيهة بنت عبيد بن دليم بن حارثة.

كان أحد الفضلاء الأجلّة، وأحد دهاة العرب، وأهل الرأي والمكيدة في الحروب مع النجدة والبسالة والسخاء والكرم، وكان شریف قومه غير مدافع. قال قيس: لو لا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب (3).

ص: 191


1- الطبقات لابن سعد 7: 367
2- الثقات لابن حبان 3: 337
3- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1289

قال ابن عبدالبر: وقصته مع العجوز التي شكت إليه أنّه ليس في بيتها جرذ، فقال: ما أحسن ما سألت أما والله لأكثرنّ جرذان بيتك، فملأ بيتها طعاماً وإداماً، مشهورة صحيحة، ومن مشهور أخبار قيس ابن سعد أنّه كان له مال كثير ديوناً على الناس، فمرض واستبطأ عوّاده فقيل له: انّهم يستحيون من أجل دينك، فأمر منادياً ينادي: من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له، فأتاه الناس حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه (1).

وقد اعترض على أبيه لما نصب نفسه لخلافة المسلمين في السقيفة. روى ابن أبي الحديد عن أبي بكر عن أبي الحسن النوفلي قال: سمعت أبياً يقول: ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً بعد يوم السقيفة، فذكر أمراً من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة، ويقول أصحابك منّا أمير ومنكم أمير، لا كلّمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً (2).

قال ابن أبي الحديد: وكان قيس بن سعد من كبار شيعة أمير المؤمنين وقائل بمحبته وولائه وشهد معه حروبه كلها وكان مع .

ص: 192


1- م. ن 3: 1292.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 44.

الحسن علیه السلام (1) وكان على شرطة الخميس (2).

ولاه أمير المؤمنين علیه السلام مصر بعد مقتل عثمان قال ابن عبد البر: وكان قد ولاه مصر فضاق به معاوية وأعجزته الحيلة، وكايد فيه علياً ففطن علي بن أبي طالب علیه السلام بمكيدته، فلم يزل به الأشعث وأهل الكوفة حتى عزل قيساً وولّى محمد بن أبي بكر (3).

حاول معاوية اغراءه عدّة مرات فلم يتمكن، وجرت بينهما مكاتبات، وفي إحداهنّ كتب قيس إلى معاوية في جواب كتابه: «أما بعد فإنّما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً، وأقمت فيه فرقاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حرباً لله ولرسوله، وحزباً من أحزاب المشركين، وعدوّاً لله ولنبيه وللمؤمنين من عباده (4).

وقد روي انّ الحسن علیه السلام لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف فارس فأبى أن يبايع، فلما بايع الحسن أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن فقال: أفي حلّ أنا من بيعتك؟ فقال: نعم، فالقي له كرسي وجلس معاوية على سرير والحسن معه، فقال له معاوية: أتبايع يا .

ص: 193


1- م. ن 112:10.
2- الطبقات لابن سعد 6: 52.
3- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1290.
4- شرح النهج لابن أبي الحديد 16: 43.

قيس؟ قال: نعم، ووضع يده على فخذه ولم يمدّها إلى معاوية، فجاء معاوية من سريره وأكب على قيس حتى مسح يده على يده، وما رفع إليه قيس يده (1).

واعتزل قيس بعد المهادنة بالمدينة وتعبّد إلى أن مات سنة 60 وقيل 59 أواخر خلافة معاوية، ورد ذكره في ذيل الخطبة 182.

95 - كليب الجرمي

كليب بن شهاب بن مجنون الجرمي الكوفي، عده الشيخ الطوسي من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام (2)، يكنّى أبا عاصم قال في الطبقات: كان ثقة كثير الحديث (3) وقال فيه أبو زرعة: كوفي ثقة (4)، وذكره أبو داود فقال: كان من أفضل أهل الكوفة (5).

وقد عدّه العجلي من أهل البصرة حيث قال: كليب الجرمي بصري تابعي ثقة (6)، وهو موافق لما في نهج البلاغة الخطبة 170 حيث

ص: 194


1- م. ن 16: 48.
2- رجال الطوسي: 80.
3- الطبقات لابن سعد 6: 123.
4- الجرح والتعديل للرازي 7: 167 رقم 946.
5- الإصابة لابن حجر 5: 495 رقم 7544
6- معرفة الثقات للعجلي 2: 228.

أرسله أهل البصرة إلى أمير المؤمنين قبل وقعة الجمل لتزول الشبهة عنهم.

96 - كميل بن زياد النخعي

کمیل بن زیاد بن سهيل بن هيثم بن سعد النخعي، ولد حوالي 12 ه- وذهب ابن حجر في الإصابة إلى انّ له إدراكاً (1) بمعنى أنّه ولد قبل هذا.

وثقه كثير من أرباب الجرح والتعديل وذكروا اختصاصه بأمير المؤمنين علیه السلام، و ولاه علیه السلام على هيت قال الذهبي: «قدم دمشق زمن عثمان، وشهد صفين مع علي، وكان شريفاً مطاعاً ثقة عابداً على تشيّعه قليل الحديث» (2).

طلبه الحجاج فلم يعثر عليه، فمنع النخع أعطياتهم حتى يأتوه بكميل بن زیاد، فلما رأى ذلك كميل أقبل على قومه فقال: أبلغوني الحجاج فأبلغوه فقال الحجاج: يا أهل الشام هذا كميل الذي قال لعثمان أقدني من نفسك، فقال كميل: فعرف حقي فقلت أما إذ أقدتني فهو لك هبة، فمن كان أحسن قولاً أنا أو هو، فذكر الحجاج علياً فصلّى

ص: 195


1- الإصابة لابن حجر 5: 486 رقم 7516.
2- تاريخ الإسلام للذهبي 6: 177.

علیه کمیل، فقال الحجاج: والله لأ بعثنّ إليك إنساناً أشد بغضاً لعلي من حبك له، فبعث إليه ابن أدهم الحمصي فضرب عنقه (1).

وكان ذلك سنة 82 ه- وكان عمره 90 سنة وقيل مائة ودفن بالثوية.

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 61 ينكر عليه أمير المؤمنين علیه السلام اغارته على قرقيسيا، وقصار الحكم رقم 137 وفيه انّ القلوب أوعية، وذكر فوائد العلم، وقصار الحكم أيضاً رقم 248 في اصطناع المعروف.

97 - المأمون العباسي

هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد، سابع خلفاء بني العباس وأعلمهم، ولد سنة 170 ه- يكنى أبا العباس وأبا جعفر، قرأ العلم والأدب والأخبار والتعليقات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم وبالغ، وعمل الرصد فوق جبل دمشق.

جرت بينه وبين أخيه الأمين حروب إلى أن قتله وبويع له بالخلافة سنة 198 ه-، وكانت الدولة الإسلامية تشهد فوضى سياسية اجتماعية بين الكتل السياسية والمذهبية المختلفة، فحاول المأمون السيطرة على الأوضاع بالقهر والغلبة تارة وبالسياسة تارة أخرى.

ص: 196


1- تاريخ الإسلام للذهبي 6: 177.

ومن مكره ودهائه - وهو الذي قتل أخاه للملك - أنّه أراد التنازل عن الخلافة للإمام الرضاء علیه السلام، فلم يقبل الإمام، فأصر المأمون على ذلك واستعمل التهديد إلى أن أجبر الإمام بقبول ولاية العهد ضمن شروط، وجرت مناظرات بين الإمام وبين رؤساء الفرق والأديان كان الظفر فيها للإمام الرضاء علیه السلام، ممّا أثار حسد المأمون وانتهى الأمر إلى استشهاد الإمام الرضا بالسم الذي دسّه المأمون إليه.

مات المأمون في رجب سنة 218ه- وعمره 48 سنة.

ورد ذكره في ذيل قصار الحكم رقم 422، لإثبات انّ مقولة: «أخبر تقله» من كلام أمير المؤمنين علیه السلام.

98 - مالك بن الحارث الأشتر

مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة الأشتر النخعي، لقّب بالأشتر لأنّ إحدى عينيه شترت من أثر جرح أصابه يوم اليرموك أي انقلب جفناها أو أحدهما وصار مسترخياً.

لم نعثر على تاريخ ولادته غير أنّه اشترك في واقعة اليرموك، وكان له أثر بارز في نصر المسلمين، وكان من المعترضين على سياسة عثمان وكان شجاعاً شريفاً من خواص أمير المؤمنين علیه السلام ومن قادة جيشه.

مدحه أمير المؤمنين علیه السلام بأقوال مختلفة تدلّ على عظيم شأنه، فمما

ص: 197

قال فيه: لو كان صخراً لكان صلداً، ولو كان جبلاً لكان فنداً، وكأنّه قُدّ مني قدّأ» (1).

وكتب علیه السلام إلى أهل مصر لما ولاه عليهم: «فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله عزّ وجلّ، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشدّ على الفجّار من حريق النار ... أنّه سيف من سيوف الله لا كليل الضبة، ولا نابي الضريبة» (2).

وقال علیه السلام لما بلغه مقتل الأشتر: «إنّا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين، اللهم إنّي أحتسبه عندك، فإنّ موته من مصائب الدهر، فرحم الله مالكاً فقد وفى بعهده، قضى نحبه ولقى ربه، مع أنّا قد وطّنا أنفسنا على أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فإنّها أعظم المصائب (3).

وروي انّ جمعاً من أشياخ النخع دخلوا على عليّ علیه السلام بعد موت الاشتر فرأوا الإمام يتلهّف ويتأسّف عليه ويقول: لله درّ مالك وما مالك، لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان حجراً لكان صلداً، أما والله سيهدنّ موتك عالماً وليفر حنّ عالماً، على مثل مالك فلتبك البواكي، وهل موجود كما لك؟ .

ص: 198


1- اختيار معرفة الرجال للطوسي 1: 283
2- نهج البلاغة الكتاب: 38
3- الغارات للثقفي 1: 264.

قال علقمة بن قيس النخعي: فما زال علي يتلهّف ويتأسّف حتى ظنّنا أنّه المصاب به دوننا، وقد عرف ذلك في وجهه أياماً (1).

ومن أخلاقه وتواضعه ما رواه ورّام انّ مالكاً كان مجتازاً بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فازدري بزيّه فرماه ببندقة تهاوناً به، فمضى ولم يلتفت فقيل له: ويلك أتدري بمن رميت؟ فقال: لا فقيل له: هذا مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين علیه السلام، فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلّي، فلما انفتل أكبّ الرجل على قدميه يقبّلهما، فقال: ما هذا الأمر؟ فقال: أعتذر إليك ممّا صنعت فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلّا لأستغفرنّ لك (2).

وكان يقول رحمه الله أيام صفين ويحرض الجيش على القتال ألا يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه ويقاتل معه» (3).

مات رحمه الله مسموماً بسمّ دسّه معاوية إليه في طريقه إلى مصر بعدما ولّاه عليها أمير المؤمنين علیه السلام سنة 38ه-.

ورد ذكره في نهج البلاغة في كتاب رقم 34 إلى محمد بن أبي بكر .

ص: 199


1- م. ن 1: 265
2- مجموعة ورام 1: 2، البحار 42: 157.
3- أعيان الشيعة للعاملي 9: 40.

وفيه الترحّم على مالك بقوله: «كان رجلاً لنا ناصحاً وعلى عدوّنا شديداً ناقماً، فرحمه الله فلقد استكمل أيّامه ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون أولاه الله رضوانه وضاعف الثواب له. وكذلك كتاب رقم 38 إلى أهل مصر لما ولّى عليهم الأشتر، وكتاب 53 عهد الإمام علیه السلام إلى الأشتر، وكتاب 62 إلى أهل مصر أيضاً، وقصار الحكم رقم 431 لما جاءه نعي الأشتر.

99 - مالك بن دحية

لم نعثر على ترجمة،له غير انّ ابن أبي الحديد عدّه من رجال الشيعة ومحدّثيهم (1)، ورد ذكره في نهج البلاغة في سند الخطبة رقم 233 في ذكر اختلاف الناس.

100 - مالك بن مالك (ابن التيهان)

مالك [ ابن التيهان] ابن مالك بن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم الأنصاري، يكنى أبا الهيثم، وهو من أوّل من أسلم من الأنصار بمكة وأول من لقى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل قومه، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وقد آخى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بينه وبين عثمان بن مظعون (2).

ص: 200


1- شرح النهج 13: 18.
2- المستدرك للحاكم 3: 285

شهد مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مشاهده كلها، وكان ذا سيفين أي يتقلّد سيفين في الحرب (1)، وكان جواداً كثير النخل والشاة يقري الضيف.

كان رحمه الله من خواص أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام، وكان من السابقين الذين رجعوا إليه (2)، ومن الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر استخلافه (3). شارك مع أمير المؤمنين علیه السلام في الجمل وصفين، وقال لما كان يسوّي صفوف أهل العراق: (يا معشر أهل العراق أنّه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل والجنّة في الآجل إلّا ساعة من النهار فارسوا أقدامكم، وسوّوا صفوفكم، وأعيروا ربكم جماجمكم، استعينوا بالله إلهكم، وجاهدوا عدوّ الله وعدوّكم اقتلوهم قتلهم الله وأبادهم واصبروا فإنّ الأرض الله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين» (4).

اختلف في وقت وفاته لكن الأكثر على أنّه شهد صفين واستشهد فيها أو مات بعدها بقليل سنة 37 ه- (5).

ورد ذكره في نهج البلاغة في الخطبة رقم 182 خطبها .

ص: 201


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 2: 477
2- اختيار معرفة الرجال للطوسي 181:1
3- الاحتجاج للطبرسي 1: 97
4- شرح النهج لابن أبي الحديد 5: 190.
5- انظروا الاستيعاب لابن عبد البر 4: 1773 وشرح النهج 10: 108.

أمير المؤمنين علیه السلام قبل مقتله بأيام، وفيها يتلهّف على إخوانه الذين مضوا منهم ابن التيهان.

101 - محمد بن أبي بكر

محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، ولد عام حجة الوداع، يكنى أبا القاسم ربيب أمير المؤمنين علیه السلام إذ تزوج أمه أسماء فتربى عنده وكان من شيعته ومحبيه، وكانت له عبادة واجتهاد.

قال ابن أبي الحديد: كان محمد ربيبه وخريجه، وجارياً عنده مجرى أولاده، رضع الولاء والتشيّع مذ زمن الصبا فنشأ عليه، فلم يكن يعرف له أباً غير علي، ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتى قال علي علیه السلام: محمد ابني من صلب أبي بكر، وكان محمد من نسّاك قريش، وكان ممّن أعان على عثمان في يوم الدار واختلف هل باشر قتل عثمان أم لا. ومن ولد محمد القاسم فقيه الحجاز وفاضلها» (1).

وكان محمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر الطيار أخوين من الأم، إذ انّ أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر الطيار فولدت له عبد الله، ثم خلف عليها أبو بكر فأولدها محمد، ثم تزوّجها أمير المؤمنين علیه السلام.

ص: 202


1- شرح النهج 6: 53.

وورد من طرقنا انّ محمد بن أبي بكر بايع أمير المؤمنين علیه السلام على البراءة ممّن تقدّمه (1)، وروي عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: «كان عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر لا يرضيان أن يعصى الله عزّوجل (2).

كان يوم الجمل على الرجالة، وشهد صفين أيضاً وولاه أمير المؤمنين علیه السلام مصر، فكان بها إلى أن هجم عليها عمرو بن العاص وقتل بيد معاوية بن خديج قالوا في خبر مقتله أنّه كان مختفياً في خربة فلما أخرجوه منها طلب الماء، فقال له معاوية بن خديج: والله لأقتلنّك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن فيسقيك الله من الحميم والغسلين، فقال له محمد بن أبي بكر: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك إليك ولا إلى من ذكرت، إنّما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه وهم أنت وقرناؤك ومن تولاك، والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي ما بلغتم، فقال له معاوية بن خديج لعنه الله: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار، فقال محمد: [ إن] فعلتم ذلك فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وأيم الله إنّي لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها برداً وسلاماً كما جعلها على إبراهيم خليله، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، وانّي لأرجو أن يحرقك الله وإمامك يعني معاوية بن أبي سفيان 1

ص: 203


1- اختيار معرفة الرجال للطوسي 1: 282.
2- م. ن 1: 281

وهذا وأشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى عليكم كلّما خبت زاده-ا الله سعيراً.

فقال له معاوية: إنّي لا أقتلك ظلماً إنّما أقتلك بعثمان، فقال له محمد: وما أنت وعثمان انّ عثمان عمل بغير الحق وبدّل حكم القرآن وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمونَ) (فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فنقمنا عليه أشياء عملها فأردنا أن يختلع من عملنا فلم يفعل، فقتله من قتله من الناس، فغضب معاوية بن خديج فقدّمه فضرب عنقه، ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار. فلما بلغ ذلك عائشة أم المؤمنين جزعت عليه جزعاً شديداً، وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن خديج (1).

وكان ذلك سنة 38ه-، وقد ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 67 بعد مقتل محمد بن أبي بكر، وكتاب رقم 27 لما قلّده مصر، وأيضاً كتاب 34 لما بلغه توجّده من عزله بالأشتر، وكذلك 35 إلى عبدالله بن عباس بعد مقتل محمد، وقصار الحكم 316 حيث قال بعد ما بلغه مقتله: «انّ حزننا عليه على قدر سرورهم به، إلّا أنّهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبیباً». 4.

ص: 204


1- الغارات للثقفي 1: 283، تاريخ الطبري 79:4.

102 - محمد بن جرير الطبري

محمد بن جرير الطبري المؤرخ المشهور ولد بآمل طبرستان سنة 224 وقيل 225، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين، رحل في طلب العلم ولم يبلغ سنّه الثانية عشرة فذهب إلى الري وبغداد والبصرة والكوفة ثم إلى مصر ثم رجع إلى بغداد وأقام فيها.

وبرع في التفسير والتاريخ و الحديث، فله في التفسير كتاب جامع القرآن، وفي التاريخ تاريخ الرسل والملوك، وفي الحديث تهذيب الآثار وله في الحديث أيضاً أحاديث غدير خم ألّفه رداً على من زعم أنّ أمير المؤمنين علیه السلام كان باليمن ولم يشهد حجة الوداع، كان هذا الكتاب موجوداً زمن ابن كثير حيث رآه في مجلدين وهو الآن مفقود. وكذلك له كتاب في حديث الطير رآه ابن كثير أيضاً وهو مفقود (1).

ص: 205


1- راجع البداية والنهاية 11: 127 في ترجمة الطبري، وأشار إلى كتابه في حديث الغدير أيضاًه: 227 وزعم أن لا حجة للشيعة فيه وقال: وذكر [أي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ] من أفضل عليّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه يدلّ كلامه هذا على انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يعدّ علياً لأمر مهم جداً لذا كان يقربه ويشيد به بأدنى حجة، وهذا ما أثار حسد الحاسدين بحيث رغم إعلان النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأنّ بغض علي من النفاق، لم يكترث كثير من الصحابة بهذا، بل استمروا على ذلك إلى أخريات حياة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وحتى بعد وفاته ولم يذهب ما كان في نفوسهم منه كما رأينا في أحداث السقيفة وما بعدها، وإلى يومنا هذا.

مات يوم السبت ليومين بقيا من شوال سنة 310، ودفن داره، قال الخطيب واجتمع على جنازته من لا يحصي عددهم إلّا الله، وصُلّي على قبره عدّة شهور ليلاً ونهاراً، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب» (1).

ورد ذكره في نهج البلاغة في قصار الحكم رقم 363 حيث أورد الرضي عن تاريخه كلاماً لأمير المؤمنين علیه السلام يخص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراتبه.

103 - محمد بن الحنفية

محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، يكنّى أبا القاسم، وامّه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة، كانت من سبي الفتوحات أو حروب الردة، فصارت في سهم أمير المؤمنين علیه السلام فأعتقها ومهرها وتزوّجها فولدت له محمداً (2)، وكانت ولادته في السنة الخامسة عشرة هجرية، وقيل غير ذلك.

كان من سادات قريش ومن الشجعان المشهورين ومن الأقوياء المذكورين، قيل: انّ علياً اشترى درعاً فاستطالها، فأراد أن

ص: 206


1- تاريخ بغداد للخطيب 2: 166.
2- أنساب الأشراف للبلاذري 2: 422

يقطع منها، فقال محمد: يا أبة علّم موضع القطع، فعلّم علي علیه السلام على موضع منها، فقبض محمد بيده اليمنى على ذيلها وبالأخرى على موضع العلامة، ثم جذبها فقطعها من الموضع الذي حدّ أبوه (1).

وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقدّمه في الحرب ويؤخّر الحسنين علیهما السلام حفاظاً عليهما حتى قيل له: كيف كان أبوك يقحمك المهالك ويولجك المضايق دون أخويك الحسن والحسين علیهما السلام فقال: لأنّهما كانا عينيه وكنت يديه، فكان يقي عينيه بيديه (2).

لم يتمكن من الالتحاق بركب عاشوراء لشلل أصاب يده بحيث لم يتمكن من حمل السلاح، فبقي في المدينة وكان يرسل الأخبار إلى أخيه.

تصوّر البعض بأنّه الإمام بعد أخيه الحسين علیه السلام، لكنه نفى ذلك عن نفسه ورتب تحاكماً صورياً إلى الحجر الأسود مع الإمام زين العابدين، فشهد الحجر بإمامة السجاد علیه السلام (3) وانتهى الأمر، غير أنّ شرذمة قليلة بقيت مدعية إمامته تسمّى الكيسانية.

كان رحمه الله في محنة شديدة أيام فتنة ابن الزبير، حتى انّ ابن الزبير جمع بني هاشم ومنهم محمد بن الحنفية وأراد إحراقهم إن له يبايعوا إلى 7

ص: 207


1- الوافي بالوفيات للصفدي 4: 76.
2- وفيات الأعيان لابن خلكان 4: 172.
3- الاحتجاج للطبرسي 316:2، البحار 42: 77

أن أرسل المختار من ينجيهم.

توفي سنة 81 ه- أيام عبد الملك بن مروان بالمدينة ودفن بالبقيع وقيل غير ذلك، وكان عمره 65 سنة، ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 11 لما أعطاه علیه السلام الراية يوم الجمل، وقصار الحكم رقم 310 في خوفه عليه من الفقر.

104 - محمد بن زياد (ابن الأعرابي)

أبو عبدالله محمد بن زياد مولى بني هاشم، وكان من أكابر أئمّة اللغة المشار إليهم في معرفتها، وبالغ المترجمون في وصفه بمعرفة اللغة والحفظ (1).

وفي الفهرست لابن النديم: قال أبو العباس ثعلب: شاهدت مجلس ابن الأعرابي وكان يحضره زهاء مائة إنسان، وكان يسأل ويقرأ فيجيب من غير كتاب قال: ولزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتاباً قط، وقال: قد أملى على الناس ما يحمل على أجمال، لم ير أحد في علم الشعر أغزر منه، مات سنة 231 وكان عمره 81 سنة (2).

استشهد الشريف الرضي رحمه الله بكلامه في قصار الحكم رقم 422 عند قوله علیه السلام: «اخبر تقله».

ص: 208


1- انظر أعيان الشيعة للعاملي 491:4.
2- الفهرست لابن الندیم 75.

105 - محمد بن عبد الله (الاسكافي)

أبو جعفر محمد بن عبدالله الاسكافي العالم المعتزلي، أصله من سمر قند وكان آية في العلم والذكاء والمعرفة.

قال عنه ابن أبي الحديد: كان شيخنا أبو جعفر الأسكافي رحمه الله من المتحققين بموالاة علي علیه السلام والمبالغين في تفضيله، وإن كان القول بالتفضيل عاماً شائعاً في البغداديين من أصحابنا كافة إلّا أنّ أبا جعفر أشدّهم في ذلك قولاً وأخلصهم فيه اعتقاداً (1).

قال الذهبي: كان أعجوبة في الذكاء وسعة المعرفة مع الدين والتصوّن والنزاهة، كان في صباه خياطاً وكان يحب الفضيلة، فيأمره أبواه بلزوم المعيشة، فضمّه جعفر بن حرب إليه، وكان يبعث إلى أمّه في الشهر بعشرين در هماً بدلاً من كسبه، فبرع في الكلام وبقي المعتصم متعجباً به كثيراً، فأدناه وأجزل عطاءه، وكان إذا ناظر أصغى إليه وسكت الحاضرون، ثم ينظر المعتصم إليهم ويقول: من يذهب عن هذا الكلام والبيان، ويقول: يا محمد أعرض هذا المذهب على الموالي، فمن أبي فعرفني خبره لأنكل به (2).

مات الاسكافي سنة 240ه-. ورد ذكره في نهج البلاغة في

ص: 209


1- شرح النهج 4: 63.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 10: 550 رقم 182

الكتاب رقم 54 كتبه علیه السلام إلى طلحة والزبير، ونقله الشريف الرضي عن كتاب المقامات للاسكافي.

106 - محمد بن عمر (الواقدي)

محمد بن عمر بن واقد الواقدي صاحب التصانيف والمغازي ويكنى أبا عبدالله ولد عام 120ه- وقيل 130 وسمع من صغار التابعين وكان من أوعية العلم، قال الذهبي بعد ما نسبه إلى الخلط بين الغث والسمين: ومع هذا لا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم» (1).

قدم بغداد في دَيْن لحقه سنة ثمانين ومائة، فلم يزل بها حتى خرج إلى الشام والرقة، ثم رجع فولّاه المأمون القضاء إذا قدم من خراسان وولاه القضاء بعسكر المهدي، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وكان يقول: ما من أحد إلّا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي. ولما انتقل من الجانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومائة وقر، وقيل: كان له ستمائة قمطار كتب.

مات في ذي الحجة سنة 207ه- ببغداد. ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 230 حيث نقلها الرضي من رحمه الله كتاب الجمل للواقدي.

ص: 210


1- سير أعلام النبلاء 9: 455 رقم 172.

107 - محمد بن يزيد (المبرد)

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليم الأزدي الثمالي، يكنى أبا العباس ويُعرف بالمبرد، شيخ أهل النحو وحافظ علم العربية، كان من أهل البصرة فسكن بغداد وكان عالماً فاضلاً حسن المحاضرة مليح الأخبار كثير النوادر (1)، ولد عام 210 ه- في البصرة وقيل سنة 207ه- ويقال في سبب تلقيبه بالمبرد: انّ المازني أعجبه جوابه فقال له: قم فأنت المبرَّد، أي المثبت للحق، ثم غلب عليه (2)، وقيل غير ذلك.

قال أبو سعيد: انتهى علم النحو بعد طبقة الجرمي والمازني إلى أبي العباس، وكانت له مؤلفات كثيرة ذكرها ابن النديم في الفهرست (3)

مات سنة 285ه- وقيل 286 وعمره 79 سنة، ودفن في مقابر باب الكوفة.

ورد ذكره في نهج البلاغة قصار الحكم 454 حيث أشار الشريف الرضي رحمه الله إلى المبرد ونقل عن كتابه المقتضب.

ص: 211


1- تاریخ بغداد للخطيب 151:4.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 13: 577.
3- الفهرست لابن النديم: 65.

108 - مروان بن الحكم

مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، يكنّى أبا عبد الملك، ولد سنة اثنتين من الهجرة وقيل عام الخندق وقال مالك: ولد يوم اُحد، فعلى قوله توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومروان ابن ثمان سنين أو نحوها، ولم ير النبي صلی الله علیه و آله و سلم لأنه خرج مع أبيه طفلاً بعد ما نفاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى الطائف، فلم يزل بها إلى أن ولي عثمان وأرجعه مع أبيه طريد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (1)

واستكتبه عثمان وجعله رجل أعماله حتى أصبح كأنّه هو المتصرّف في الأمور، وكان وجوده المشؤوم من أسباب نقمة الناس على عثمان.

قالت له عائشة: أما أنت يا مروان فأشهد انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعن أباك وأنت في صلبه (2).

وكان لعنه الله من المنحرفين عن أمير المؤمنين علیه السلام قال الذهبي: كان مروان يسب علياً في الجمع (3)، وهو الذي قتل طلحة في حرب الجمل، وفي زمن معاوية ولّاه عدّة ولايات ثم عزله، وبقي على عدائه لأهل البيت طول حياته، فلما وصله خبر استشهاد الحسين علیه السلام فرح

ص: 212


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1387
2- م. ن 1: 360.
3- سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 447

بذلك وأنشد يقول وهو على المنبر:

يا حبذا بردك في اليدين *** وحمرة تجري على الخدين

كأنّما بت بمسجدين

وأومأ إلى قبر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وقال: يوم بيوم بدر، وقيل: رمی بالرأس نحو القبر وقال: يا محمد يوم بيوم بدر (1).

ثم بعد موت معاوية بن يزيد ولي الخلافة لتسعة أشهر إلى أن سمّته زوجته أم خالد بن يزيد فمات لعنه الله سنة 65 وعمره 63 وقيل غير ذلك.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 72 بعد وقعة الجمل لما أخذ أسيراً فاستشفع فيه الحسن والحسين علیهما السلام، وكذلك في الخطبة رقم 164 حيث قال علیه السلام لعثمان فلا تكوننّ لمروان سيّقة يسوقك حيث شاء».

109 - مسعدة بن صدقة

مسعدة بن صدقة العبدي أو الربعي أو العبسي يكنى أبا محمد وقيل أبا بشر، وقد ذكر الكشي أنّه بُتْري (2) وهي فرقة من الزيديّة تعتقد بإمامة المتقدمين على أمير المؤمنين لأنّه هو الذي تنازل لصالحهم.

ص: 213


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 71 - 72.
2- اختيار معرفة الرجال للطوسي 2: 687.

أورده الشيخ الطوسي تارة في أصحاب الإمام الباقر علیه السلام وأشار إلى أنّه عامي ثم أورده في أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ولم يشر إلى مذهبه (1)، ممّا أدّى إلى استقراب السيد الخوئي رحمه الله التفريق بينهما حيث قال: ومن ذلك يظهر انّ من هو من أصحاب الصادق علیه السلام مغاير لمن هو من أصحاب الباقر علیه السلام، والبُتري العامي هو الأول دون الثاني الثقة الذي يروي عنه هارون بن مسلم (2).

والسبب في اختلاف لقبه ناشئ من الاختلاف في ثلاثة أشخاص بنفس الاسم وفي اتحادهم أو تعدّدهم وهم: مسعدة بن صدقة وابن زياد وابن اليسع (3).

نقل الذهبي عن الدار قطني انّه متروك (4)، ووثقه المجلسي الأول وقال: الظاهر من أخباره في الكتب أنّه ثقة، لأنّ جميع ما يرويه في غاية المتانة موافقة لما يرويه الثقات من الأصحاب، ولهذا عملت الطائفة بما رواه هو وأمثاله من العامة» (5). 0.

ص: 214


1- رجال الطوسي رقم 1609 و 4521.
2- معجم رجال الحديث 19: 153 رقم 12305.
3- راجع تفصيل ذلك في مجلة تراثنا العدد 53 صفحة 180، وثلاثيات الكليني للعاملي: 111.
4- ميزان الاعتدال 4: 91 رقم 8466.
5- روضة المتقين 371:20.

وذكر النجاشي انّ له كتاب خطب أمير المؤمنين علیه السلام (1) ورد ذكره في نهج البلاغة في سند خطبة الأشباح برقم 90.

110 - مصقلة بن هبيرة الشيباني

مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب علي علیه السلام قائلاً: هرب إلى معاوية (2)، وقال ابن قتيبة: سعى قومه لرجوعه فقال علي علیه السلام لهم: كفّوا عن صاحبكم فليس براجع حتى يموت (3).

وذكره القاضي النعمان في عداد من هرب إلى معاوية خوفاً من مطالبة علي علیه السلام إياه بما اقتطعه من مال الله، وقال: ومثل مصقلة بن هبيرة، فإنّه اشترى سبي بني ناجية وأعتقهم، فطلبه علي علیه السلام بأثمانهم، فهرب عنه إلى معاوية في عامة بني شيبان وهم عدد كثير ...) (4).

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين علیه السلام: «وقد فارقكم مصقلة بن هبيرة فآثر الدنيا على الآخرة» (5).

ص: 215


1- رجال النجاشي: 415 رقم 1108.
2- رجال الطوسي: 83.
3- الإمامة والسياسة 1: 81
4- شرح الأخبار 2: 95
5- الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 101

ولّاه معاوية طبرستان، فأخذوا عليه المضايق فهلك مع جيشه، فضرب به المثل فقالوا: حتى يرجع مصقلة من طبرستان (1).

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 44 لما هرب مصقلة إلى معاوية، وكتاب رقم 43 لما بلغ علياً علیه السلام أنّه يتصرف في بيت المال فنصحه ونهاه.

111 - معاوية بن أبي سفيان

معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، يكنى أبا عبدالرحمن، أسلم يوم الفتح كرهاً ونفاقاً، ورث بغض أهل البيت علیهم السلام من أمه وأبيه إلى أن صار إمام الفئة الباغية ورأس المنافقين.

عن ابن عباس قال: انّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث إلى معاوية يكتب له فقيل أنّه يأكل، ثم بعث إليه فقيل انّه يأكل، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: لا أشبع الله بطنه (2).

قال السيد محمد بن عقيل العلوي: «وقد لعن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، ولعن من ضار بمسلم أو مكر به، ولعن من

ص: 216


1- قاموس الرجال للتسترى.10: 90.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر 3: 1421

سب أصحابه، ولعن الراشي والمرتشي والرائش، ولعن من غيّر منار الأرض، ولعن السارق، ولعن شارب الخمر ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه، وقال: من يلعن عماراً لعنه الله ولعن من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة، ولعن من أخاف أهل المدينة ظلماً. وأيّ صفة من هذه الصفات لم يتلبس بها ذلك الطاغية حتى يفلت من دخوله تحت عمومها (1).

له موبقات وآثام كثيرة منها البغي على الإمام، ومنها استخلاف يزيد، ومنها قتل شيعة أمير المؤمنين أمثال حجر وأصحابه ومحمد بن أبي بكر وغيرهم، ومنها سبّ أمير المؤمنين علیه السلام على المنابر، ومنها دسّ السمّ إلى الإمام الحسن علیه السلام، ومنها التلاعب ببيت المال وصرفه في الملاهي والخمور والفجور إلى غير ذلك من الموبقات.

كان لعنه الله يروم إلى تغيير الدين وإرجاع الأمر جاهلية، فقد روى الزبير بن بكار عن المغيرة بن شعبة قول معاوية: انّ ابن أبي كبشة [يقصد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ] ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد انّ محمداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا، لا أبالك لا والله إلّا دفناً دفناً» (2).

ص: 217


1- النصائح الكافية: 26 - 27.
2- الموفقيات: 576، النصائح الكافية: 162.

ونقل ابن أبي الحديد عن الزمخشري انّ معاوية كان يعزى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، وإلى العباس بن عبد المطلب، وإلى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد، وقد كان أبو سفيان دمياً قصيراً وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان شاباً وسيماً، فدعته هند إلى نفسها فغشيها (1).

كان على الشام نحو أربعين سنة أميراً وخليفة، إلى أن مات بها في النصف من رجب عام 60 ه- واختلف في عمره فقيل 82 وقيل 86 وقيل 78 سنة.

ورد ذكره في موارد كثيرة من نهج البلاغة، أنظر الخطبة رقم 180 حيث قال: وأقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية ورقم 200 حيث قال: والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنه يغدر ويفجر وكتاب رقم 6 في البراءة من دم عثمان، ورقم 8 لما أرسل جرير إلى معاوية، ورقم 9 و 10 وفيه: فإنّك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله،، وجرى منك مجرى الروح والدم، ورقم 17 و 28 و 30 وفيه: «فقد أجريت إلى غاية خسر، و محلّة كفر، وانّ نفسك قد أو حلتك شراً، وأقحمتك غياً، وأوردتك المهالك، وأوعرت عليك «المسالك ورقم 32 وفيه: وأرديت جيلاً من الناس كثيراً، خدعتهم

ص: 218


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 336

بغيّك ...» ورقم 37 وفيه: «فسبحان الله ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق، واطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة ورقم 44 إلى زياد يحذّره من معاوية وفيه: فاحذره فإنّما هو الشيطان، يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ليقتحم غفلته ويستلب غرّته ورقم 48 و 55 و 64 وفيه: وانّك والله ما علمت الأغلف القلب المقارب العقل ورقم 73 و 75، وفي قصار الحكم رقم 72 لما طلب معاوية من ضرار أن يصف علياً علیه السلام.

112 - معقل بن قيس الرياحي

معقل بن قيس بن رباح بن يربوع بن حنظلة مالك من خلّص أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام، وكان على شرطة الخميس، وصفه أمير المؤمنين علیه السلام بقوله: «الحسيب النسيب الصليب الورع التقي» (1) وهو الذي أرسله علي علیه السلام إلى بني ناجية بعد ما ارتدوا فقتلهم وسبى ذراريهم، كان من الأمراء يوم الجمل وصفين.

قتل رحمه الله في أيام ولاية المغيرة على الكوفة من قبل معاوية لما خرج لقتال الخوارج، فبارز المستورد الخارجي وقتل كل واحد منهما صاحبه

ص: 219


1- الغارات للثقفي 2: 509

وذلك سنة 42 ه- وقيل بل في زمن أمير المؤمنين علیه السلام سنة 39ه-.

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 12 وصيّة وصىّ بها معقل لما أرسله إلى الشام في ثلاثة آلاف.

113 - المغيرة بن الأخنس

المغيرة بن الأخنس بن شريف الثقفي حليف لبني زهرة، كان أبوه من أكابر المنافقين على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وقتل أمير المؤمنين صلی الله علیه و آله و سلم أخاه أبا الحكم بن الأخنس يوم احد كافراً، لذا ورث من أبيه وأخيه بغض أبي تراب علیه السلام.

قتل يوم الدار في الدفاع عن عثمان ودفن بداره، ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 135 حيث قال لعثمان في كلامٍ جرى بين الإمام وعثمان: أنا أكفيكه، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: يا ابن اللعين الأبتر والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع ...

114 - المغيرة بن شعبة

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، يكنى أبا عبد الله وقيل أبا عيسى، أسلم عام الخندق وقدم مهاجراً، وقيل انّ أوّل مشاهده الحديبية، وكان من دهاة العرب، وهو أول من لقّب عمر بأمير المؤمنين، وذلك انّ عمر قال لما ولي: كان أبو بكر يقال له خليفة

ص: 220

رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فكيف يقال لي خليفة خليفة رسول الله يطول هذا، فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون فأنت أمير المؤمنين، قال: فذاك إذن (1).

وقد أشار قبل ذلك في أيام السقيفة على أبي بكر وعمر أن يجعلا للعباس في أمر الخلافة نصيباً فقال لهما: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذا الأمر نصيباً، ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب (2).

ولّاه عمر البصرة ثم عزله بعد شهادة الزنا عليه وولاه الكوفة، فبقي عليها إلى زمن عثمان ثم عزله، وعندما تم الأمر لمعاوية ولاه الكوفة فبقى فيها إلى أن مات لعنه الله.

شهد عليه أبو بكرة ورجلان من الصحابة بالزنا عند عمر، وجاء زياد وكان رابع القوم ليشهد، فقال عمر: لأرى رجلاً مقبلاً لا يفضح الله على يديه رجلاً من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فلما سمع زياد ذلك حذف الشهادة وقال: يا أمير المؤمنين رأيته نائماً على بطن امرأة، ورأيت حفزاً شديداً، وسمعت نفساً عالياً إلّا أنّي لم أر الميل في المكحلة، فقال عمر: الله أكبر تخلّص والله المغيرة بن شعبة، ثم أمر بالثلاثة الذين شهدوا بالحق فأقيم عليهم الحد، وكان عمر يقول للمغيرة فيما بعد: ما 0

ص: 221


1- الاستيعاب لا بن عبدالبر 3: 1150
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 220

رأيتك قط إلّا خشيت أن تقع عليّ حجارة من السماء (1).

وفي لفظ آخر قال المغيرة شبه مستهزاً وغير مكترث بجريمته، لما شهد عليه أبو بكرة: لقد ألطفت النظر (2).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام في حقه: «وما المغيرة، إنّما كان إسلامه لفجرة وغدرة لمطمئنين إليه من قومه فتك بهم وركبها منهم، فهرب فأتى النبي صلی الله علیه و آله و سلم كالعائد بالإسلام، والله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً (3).

كان من المنحرفين عن علي علیه السلام فقد نقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر أنّه قال: وكان المغيرة بن شعبة يلعن علياً علیه السلام لعناً صريحاً على منبر الكوفة، وكان بلغه عن علي علیه السلام في أيام عمر أنّه قال: لئن رأيت المغيرة لأرجمنّه بأحجاره ... وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها، ويرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب علیه السلام ... وقد صحّ عندنا انّ المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى (4).

مات لعنه الله سنة 50 ه- أميراً على الكوفة ودفن بالثوية، وورد ذكره في نهج البلاغة قصار الحكم رقم 394 حيث قال علیه السلام لعمار لما 1

ص: 222


1- الإيضاح للفضل بن شاذان: 64.
2- شرح النهج 12: 236.
3- الغارات للثقفي 2: 516.
4- شرح النهج لابن أبي الحديد 4: 69 - 71

كان يراجع المغيرة كلاماً: «دعه يا عمار فإنّه لم يأخذ من الدين إلّا ما قاربته الدنيا، وعلى عمد لبّس على نفسه، ليجعل الشبهات عاذراً لسقطاته».

115 - المنذر بن الجارود

المنذر بن الجارود و اسم جارود بشر بن حبيش بن المعلى العبدي وإنّما سمّي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره: «كما جرّد الجارود بكر بن وائل» يكنى أبا الأشعث وقيل أبا عتاب وقيل أبا الحكم كان من وجوه أهل البصرة.

كان يوم الجمل مع أمير المؤمنين علیه السلام وكان على عبد القيس من أهل البصرة، ثم ولاه أمير المؤمنين علیه السلام فارس فاحتاز مالاً من الخراج وكان أربعمائة ألف درهم، فحبسه علي علیه السلام فشفع فيه صعصعة بن صوحان إلى علي علیه السلام وقام بأمره وخلّصه (1).

عدّه ابن أبي الحديد فيمن كان يرى رأى الخوارج (2)، ولما أرسل الإمام الحسين علیه السلام رسالة إلى أشراف الكوفة يدعوهم إلى إحياء معالم الدين وإماتة البدع، كتموه جميعاً إلّا المنذر فإنّه أفشاه إلى عبيد الله بن

ص: 223


1- الغارات للثقفي 2: 522.
2- شرح النهج 5: 76.

زیاد، فأمر عبیدالله بطلب الرسول فطلبوه فأتوه به فضربت عنقه (1).

ولاه عبيد الله بن زياد ثغر الهند أيام يزيد، فمات هناك سنة 61 ه- وقيل بداية سنة 62 ه-، وعمره 60 سنة.

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 71 كتبه إليه أمير المؤمنين علیه السلام لما خان فيما ولّاه عليه وفيه: أنت فيما رقي إليّ عنك لا تدع لهواك انقياداً، ولا تبقي لآخرتك عناداً، تعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك».

116 - ميمون بن قيس (الأعشى)

میمون بن قيس بن جندل بن شراحيل، يكنى أبا بصير ويعرف بأعشى قيس لضعف بصره، كان يقال لأبيه قيس قتيل الجوع، سمّى بذلك لأنّه دخل غاراً يستظل فيه من الحر، فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدّت فم الغار فمات جوعاً.

أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم، يقال: هو أوّل من سأل بشعره، وانتجع به أقاصي البلاد وكان يُغنّى في شعره، فكانت العرب تسمّيه صنّاجة العرب (2).

ص: 224


1- الأخبار الطوال للدينوري: 231
2- الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني 9: 129

كان نصرانياً عباديّاً، كان يأتى نصارى الخيرة يشتري منهم الخمرة فلقّنوه ذلك، وعمّر طويلاً فأدرك الإسلام ولم يسلم مات في السنة السابعة من الهجرة ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 3 حيث استشهد أمير المؤمنين علیه السلام بشعره كما استشهد الشريف الرضي أيضاً بشعره في تعليقته على غريب كلامه المحتاج إلى التفسير رقم 6.

117 - النعمان بن بشير

النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري، أمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة، ولد في السنة الثانية من الهجرة، وهو أوّل مولود ولد للأنصار بعد الهجرة، يكنى أبا عبد الله.

كان مع معاوية أيام صفين وأرسله معاوية مع أبي هريرة إلى عليّ علیه السلام يطلب أن يسلّمه قتلة عثمان، ثم أغار على عين التمر وكانت تحت تصرف أمير المؤمنين علیه السلام.

ذكره ابن أبي الحديد ضمن المنحرفين عن علىّ علیه السلام وقال: «وكان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفاً عنه وعدوّاً له، وخاض الدماء مع معاوية خوضاً، وكان من أمراء يزيد ابنه حتى قتل وهو على حاله» (1).

كان أميراً على الكوفة لمعاوية سبعة أشهر، ثم أميراً على حمص

ص: 225


1- شرح النهج 4: 77.

لمعاوية ثم ليزيد، فلما مات يزيد صار زبيرياً، فخالفه أهل حمص فأخرجوه منها واتبعوه وقتلوه، وذلك بعد وقعة مرج راهط (1).

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 39 ألقاها علي علیه السلام بعد إغارة النعمان على عين التمر.

118 - نوف البِكالي

نوف بن فضالة البِكالي من حمير يكنى أبا يزيد وقيل أبا رشيد وكان أحد الحكماء ومن أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام.

ورد اسمه في نهج البلاغة في سند الخطبة رقم 182 التي ألقاها علیه السلام قبل استشهاده بأيام، وفي قصار الحكم رقم 99.

119 - النعمان بن العجلان الزرقي

النعمان بن العجلان الزرقي الأنصاري، وهو الذي خلف على خولة بنت قيس الأنصارية بعد مقتل حمزة بن عبد المطلب، وكان لسان الأنصار وشاعرهم وكان سيداً، ومما قاله بعد السقيفة في أبيات منها: «وانّ علياً كان أخلق للأمر» (2)، لكنه لم يستقم، فلما ولّاه علي علیه السلام على

ص: 226


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 4 1498.
2- الاستيعاب لابن عبدالبر 1501:4.

البحرين جعل مال الله نهباً بين قومه، فلما أراد علي علیه السلام عزله حمل البقية ولحق بمعاوية (1).

فكتب له أمير المؤمنين علیه السلام: «أما بعد فإنّه من استهان بالأمانة، ورغب في الخيانة، ولم ينزّه نفسه ودينه أخل بنفسه في الدنيا ...» (2).

ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 42.

120 - همام بن غالب (الفرزدق)

همام بن غالب بن صعصعة التميمي، يكنى أبا فراس ويلقّب بالفرزدق الجهامة وجهه وغلظته. كان أشعر أهل زمانه، وقد على الوليد وسليمان ومدحهما، وهو المادح للإمام زين العابدين علیه السلام أمام هشام بن عبد الملك، وكان الفرزدق يجير من استجار بقبر أبيه.

مات الفرزدق سنة 110 بالبصرة ذكره الرضي في مقدمته لكتاب نهج البلاغة واستشهد بشعره.

121 - هشام بن الكلبي

هشام بن محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا المنذر، كان عالماً

ص: 227


1- راجع قاموس الرجال للتستري 10: 390
2- تاريخ اليعقوبي 2: 201

بالنسب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها.

ذكره النجاشي وقال: كان يختص بمذهبنا، وله الحديث المشهور قال: اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد علیه السلام فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبد الله علیه السلام يقرّبه ويدنيه ويبسطه (1).

نصّ الذهبي بأنّه رافضي والسمعاني بأنّه في التشيع غال، وفي تاريخ الخطيب نقل عنه انّه قال: دخلت بيتاً وحلفت أن لا أخرج أحفظ القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام (2).

له مؤلفات كثيرة ذكرها النجاشي في رجاله وابن النديم في الفهرست ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 74 حيث نقل الشريف الرضي عن خطه الحلف الذي كتبه أمير المؤمنين علیه السلام بين اليمن وربيعة.

122 - هاشم بن عبدمناف

هاشم بن عبد مناف بن قصي، اسمه عَمْرو وعرف بلقبه هاشم، وذلك لما أصاب أهل مكة مجاعة جعل عمرو يهشم هم الخبز ثريداً،

ص: 228


1- رجال النجاشي: 434.
2- تاریخ بغداد 14: 45.

فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لا يعرف إلّا به، وقال الشاعر:

عمرو العلى هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مستتون عجاف

كان سلام الله عليه أوّل من أخذ الإيلاف لقريش، والإيلاف انّ هاشماً كان كثير السفر والتجارة، فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام، وشرك في تجارته رؤساء القبائل من العرب ومن ملوك اليمن والشام، فجعل لهم معه ربحاً فيما يربح، وساق لهم إبلاً مع إبله، فكفاهم مؤونة الأسفار على أن يكفوه مؤونة الأعداء في طريقه ومنصرفه، فكان ذلك صلاح عام للفريقين، فأخصبت قريش بذلك وحملت معه أموالها، وأتاها الخير من البلاد السافلة والعالية وحسنت حالها وطاب عيشها (1).

ولي هاشم بعد موت أبيه عبدمناف السقاية والرفادة، فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال: يا معشر قريش انّكم جيران الله وأهل بيته، وأنّه يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله يعظّمون حرمة بيته، فهم لذلك ضيف الله وأحق ضيف بالكرامة ضيف الله وقد خصّكم الله بذلك ... فكانت قريش تترافد على ذلك حتى انّ كل أهل بيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدر حالهم، وكان هاشم يخرج في كل سنة مالاً كثيراً، وكان هاشم يأمر بحياض من آدم تجعل في موضع زمزم من قبل أن 2

ص: 229


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 15: 202

تحفر، يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج، وكان يطعمهم أوّل ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة وبمنى وبجمع وعرفة، كان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر، ويحمل لهم الماء فيسقون بمنى إلى أن يصدر الحاج من منى ثم تنقطع الضيافة وتتفرّق الناس إلى بلادهم (1).

مات سلام الله عليه في سفره إلى الشام. ورد ذكره في نهج البلاغة الكتاب رقم 17 حيث قال علیه السلام في جواب كتاب معاوية: ولكن ليس أمية هاشم ...».

123 - همام بن شريح

همام بن شريح بن يزيد بن عمرو بن جابر، ذكره ابن أبي الحديد وقال: كان همام هذا من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام وأوليائه، وكان ناسكاً عابداً (2).

وهو صاحب الخطبة المعروفة بخطبة المتقين في نهج البلاغة برقم 193، والتي شهق بعد سماعها ومات من وقع أثرها.

ص: 230


1- م. ن 209:15.
2- شرح النهج 10: 134.

124 - هاشم بن عتبة

هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري، يكنى أبا عمرو ويعرف بالمرقال، وذلك انّ الارقال نوع من الركض وكان هاشم يعدو وراء الأعداء في ساحة الحرب، لذا لقّب بالمرقال.

أسلم يوم الفتح، وكان من الفضلاء الخيار ومن الأبطال، شهد الفتوح وكان له دور بطولي فيها، فقئت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية مع عمّه سعد بن أبي وقاص وأبلى فيها بلاء حسناً، وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد، وكان سبب الفتح على المسلمين، وهو الذي افتتح جلولاء وكانت تسمّى فتح الفتوح (1)

كان رحمه الله من خواص أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام، ولما جاء خبر قتل عثمان إلى أهل الكوفة قال هاشم لأبي موسى الأشعري: تعال يا أبا موسى بايع الخير هذه الأمة علي، فقال: لا تعجل، فوضع هاشم يده على الأخرى فقال: هذه لعلي وهذه لي وقد بايعت علياً، وأنشد:

أبايع غير مكترث علياً *** ولا أخشى أميراً أشعرياً

أبايعه وأعلم أن سأرضي *** بذاك الله حقاً والنبيّا

وكان الإمام يمازحه فقال له يوماً وقد رآه لبس درعين: أيا هاشم أما تخشى على نفسك أن تكون أعور جباناً، قال: ستعلم يا أمير المؤمنين،

ص: 231


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1546.

والله لألفنّ بين جماجم العرب لفّ رجل ينوي الآخرة (1).

وكان هاشم يقول لأمير المؤمنين علیه السلام: والله ما أحب انّ لي ما في الأرض ممّا أقلّت وما تحت السماء ممّا أظلّت وأنّي واليت عدوّاً لك أو عاديت ولياً لك، فقال علیه السلام: اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك صلی الله علیه و آله و سلم (2)

قاتل في صفين قتال الأبطال إلى أن صرع، فجاء علي علیه السلام حتى وقف عليه وحوله عصابة من أسلم قد صرعوا معه وقوم من القراء،

فجزع عليه وقال:

جزى الله خيراً عصبة أسلمية *** صباح الوجوه صرعوا حول هاشم

یزید و سعدان وبشر ومعبد *** وسفيان وابنا معبد ذي المكارم (3)

ورد ذكره في نهج البلاغة الخطبة رقم 67 خطبها بعد مقتل محمد بن أبي بكر وفيها: وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة، ولو ولّيته 5

ص: 232


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 8: 10.
2- وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 346
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 8: 35

إياها لما خلّى لهم العرصة، ولا أنهزهم الفرصة ...

125 - وهب (أبو جحيفة)

وهب أبو جحيفة السوائي، اختلف في اسم أبيه فقيل وهب بن عبدالله، وقيل وهب بن جابر، وقيل وهب بن وهب. ولد أيام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بحيث لم يبلغ الحلم عند وفاته صلی الله علیه و آله و سلم فُعدّ من صغار الصحابة.

قال: أكلت ثريدة بر بلحم وأتيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأنا أتجشّأ، فقال: أكفف أو احبس عليك جشأك أبا جحيفة، فإنّ أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة، قال: فما أكل أبو جحيفة وملأ بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تعشى لا يتغدّى، وإذا تغدّى لا يتعشّى (1).

كان رحمه الله من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام، قال ابن الأثير: وكان على شرطة علي بن أبي طالب، وكان يقوم تحت منبره، وكان يسميه وهب الخير، واستعمله على خمس المتاع الذي كان في حزبه (2).

شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام مشاهده كلها، وجعله علي علیه السلام على بيت المال بالكوفة قال الذهبي واختلفوا في موته والأصح موته في سنة 74 ويقال عاش إلى ما بعد الثمانين (3).

ص: 233


1- الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1619
2- أسد الغابة 5: 96.
3- سير أعلام النبلاء 3: 203.

ورد ذكره في نهج البلاغة في قصار الحكم رقم 365 حيث روى عن أمير المؤمنين علیه السلام قوله: «انّ أوّل ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم ...».

هذا ما تيسّر لنا من ضبط الأعلام الذين ذكروا في نهج البلاغة مع ترجمة مبسّطة لحياتهم ليقف القارئ على حالهم فيتمسّك ويقتدي ويترحم على الصلحاء منهم، ويبرأ إلى الله تعالى من الأشقياء منهم فإنّه أضعف الإيمان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله الغُرّ الميامين.

***

ص: 234

محتويات الكتاب

تمهید ... 5

الأنبياء والأوصياء علیهم السلام ... 7

1 - آدم علیه السلام ... 7

2 - إبراهيم علیه السلام ... 12

3 - موسى علیه السلام ... 13

4 - هارون علیه السلام ... 16

5 - داود علیه السلام ... 16

6 - عيسى علیه السلام ... 17

7 - محمد رسول الله ... 19

8 - علي بن أبي طالب علیه السلام ... 19

9 - فاطمة الزهراء علیها السلام ... 19

10 - الإمام الحسن علیه السلام ... 20

11 - الإمام الحسين علیه السلام ... 22

12 - الإمام محمد الباقر علیه السلام ... 24

13 - الإمام جعفر الصادق علیه السلام ... 24

14 - أبو طالب علیه السلام ... 26

15 - أحمد بن قتيبة: ... 27

16 - أحمد بن يحيى (أبو العباس ثعلب) ... 28

17 - الأحنف بن قيس ... 29

18 - الأسود بن قطبة ... 33

19 - الأشعث بن قيس ... 34

ص: 235

20 - أم جميل بنت حرب (حمالة الحطب) ... 38

21 - امرؤ القيس ... 39

22 - أمية بن عبد شمس ... 40

23 - أنس بن مالك ... 42

24 - البرج بن مسهر الطائي ... 44

25 - بسر بن أرطاة ... 45

26 - جابر بن السمين (أخو حيان) ... 47

27 - جابر بن عبد الله الأنصاري ... 47

28 - جرير بن عبد الله البجلي ... 49

29 - جرير بن عطية التميمي ... 52

30 - جعدة بن هبيرة المخزومي ... 53

31 - جعفر بن أبي طالب علیه السلام ... 54

32 - جندب بن جنادة (أبو ذر الغفاري) ... 56

33 - الحارث بن حوط ... 59

34 - الحارث الهمداني ... 59

35 - الحجاج بن يوسف الثقفي ... 62

36 - حرب بن أمية ... 67

37 - حرب بن شرحبيل الشبامي ... 68

38 - حسان بن حسان البكري ... 68

39 - حمزة بن عبد المطلب ... 70

40 - حيان بن السمين ... 72

41 - خالد بن زيد (أبو أيوب الأنصاري) ... 72

42 - خالد بن الوليد ... 74

ص: 236

43 - خباب بن الأرتّ ... 76

44 خديجة بنت خويلد ... 76

45 - خزيمة بن ثابت (ذو الشهادتين) ... 79

46 - دريد بن الصمة (أخو هوازن) ... 81

47 - ذعلب اليماني ... 82

48 - الزبير بن العوام ... 83

49 - زياد بن أبيه ... 88

50 - سعيد بن العاص ... 93

51 - سعيد بن مالك ... 94

52 - سعيد بن نمران ... 95

53 - سعيد بن يحيى الأموي ... 97

54 - سفيان بن عوف (أخو غامد) ... 97

55 - سلمان الفارسي ... 99

56 - سهل بن حُنيف الأنصاري ... 103

57 - شريح بن الحارث القاضي ... 106

58 - شريح بن هاني ... 110

58 - صخر بن حرب (أبو سفيان) ... 111

59 - ضرار بن ضمرة الضُبابي ... 115

60 - طلحة بن عبيد الله ... 115

61 - عائشة بنت أبي بكر ... 120

62 - عاصم بن زياد ... 126

63 - العباس بن عبد المطلب ... 126

64 - عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه ... 128

ص: 237

65 - عبد الرحمن بن عتاب ... 130

66 - عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ... 131

67 - عبد الرحمن بن ملجم ... 133

68 - عبد الله بن الزبير ... 135

69 - عبد الله بن زمعة ... 138

70 - عبد الله بن عباس ... 139

71 - عبدالله بن عثمان (أبو بكر) ... 143

72 - عبد الله بن قيس (أبو موسى الأشعري) ... 149

73 - عبد الله بن عمر ... 152

74 - عبد الله بن يزيد ... 158

75 - عبد المطلب علیه السلام ... 158

76 - عبيدة بن الحارث ... 161

77 - عبيد الله بن أبي رافع ... 162

78 - عبيد الله بن العباس ... 162

79 - عثمان بن حنيف الأنصاري ... 164

80 - عثمان بن عفان ... 165

81 - عدي بن زيد العبادي ... 170

82 - عقيل بن أبي طالب ... 172

83 - العلاء بن زياد الحارثي ... 173

84 - عمار بن ياسر ... 173

85 - عمران بن الحصين الخزاعى ... 176

86 - عمر بن أبي سلمة المخزومي ... 178

87 - عمر بن الخطاب ... 179

ص: 238

88 - عمرو بن بحر (أبو عثمان الجاحظ) ... 184

89 - عمرو بن العاص ... 185

90 - غالب بن صعصعة ... 187

91 - فرعون ... 188

92 - القاسم بن سلام (أبو عبيد) ... 189

93 - قثم بن العباس ... 190

94 - قيس بن سعد ... 191

95 - كليب الجرمي ... 194

96 - كميل بن زياد النخعي ... 195

97 - المأمون العباسي ... 196

98 - مالك بن الحارث الأشتر ... 197

99 - مالك بن دحية ... 200

100 - مالك بن مالك (ابن التيهان) ... 200

101 - محمد بن أبي بكر ... 202

102 - محمد بن جرير الطبري ... 205

103 - محمد بن الحنفية ... 206

104 - محمد بن زياد (ابن الأعرابي) ... 208

105 - محمد بن عبدالله (الاسكافي) ... 209

106 - محمد بن عمر (الواقدي) ... 210

107 - محمد بن يزيد (المبرد) ... 211

108 - مروان بن الحكم ... 212

109 - مسعدة بن صدقة ... 213

110 - مصقلة بن هبيرة الشيباني ... 215

ص: 239

111 - معاوية بن أبي سفيان ... 216

112 - معقل بن قيس الرياحي ... 219

113 - المغيرة بن الأخنس ... 220

114 - المغيرة بن شعبة .... 220

115 - المنذر بن الجارود ... 223

116 - میمون بن قيس (الأعشى) ... 224

117 - النعمان بن بشير ... 225

118 نوف البكالي ... 226

119 - النعمان بن العجلان الزرقي ... 226

120 - همام بن غالب (الفرزدق) ... 227

121 - هشام بن الكلبي ... 227

122 - هاشم بن عبدمناف ... 228

123 - همام بن شريح ... 230

124 - هاشم بن عتبة ... 231

125 - وهب (أبو جحيفة) ... 233

محتويات الكتاب ... 235

ص: 240

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.