غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 576

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

ص: 1

المجلد 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الأول

دارالهادي

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة التحقيق

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين نبيّنا محمّد وعلى آله الطاهرين المعصومين ، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.

أما بعد : فإنه لا يخفى فضل العلم والعلماء ، وقد ورد في الحثّ على طلبه وتعظيم أهله والدخول في زمرتهم الكثير من النصوص والآثار ، ومن جملتها ما يقضي بلزوم الأخذ عن المناهل العذبة والمنابع الصافية المتمثلة بعلماء الوحي والرسالة ، أولياء الأمر بعد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، الذين أمروا النّاس بالرجوع الى رواه حديثهم ، الفقهاء العارفين بالأحكام الذين مدادهم أفضل من دماء الشهداء.

وقد ورد على هذه المشارع مئات ، بل ألوف العلماء عبر العصور ، ممن قدّموا للدين والمذهب وللانسانية جليل الخدمات ، فكانوا قدوة ونبراسا يضي ء طريق اللاحقين بهم السائرين على هداهم من بعدهم.

ومع هذا فقد امتاز من بين هؤلاء جماعة أحرزت قصب السبق في هذا المضمار ، فكانوا ممن يضن الزمان بأمثالهم إلا على حين فترة.

ومن أولئك العظماء العلامة الفاضل المحقق المدقق الشيخ نجم الدين

ص: 5

جعفر بن الحسن الحلّي المعروف بالمحقق على الإطلاق والمحقق الحلي والمحقق الأول ، الذي كان له الأثر الكبير في تطوير علم الفقه وتهذيبه وتبويبه ، وقد أقرّ له بهذا كل من تأخر عنه ، ويبدو ذلك واضحا في آثاره التي يعد كتاب : «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام» أهمها ، وقد حاز من الشهرة والرواج ما لم يتفق لكتاب في الفقه لا قبله ولا بعده ، وتداولته أيدي الطلبة والمدرسين منذ عهد مؤلّفه المتوفّى في سنة 676 ه إلى يومنا هذا. وقد وصف بأنه : (أفصح ما نهضت به إفهامهم ، وأنقح ما جرت فيه أقلامهم. قد ضمنه جميع أصول الأحكام ...).

وحسبنا ما قيل فيه انه : من أحسن المتون الفقهيّة ترتيبا ، وأجمعها للفروع ، وقد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه إلى الآن ، ولا يزال من الكتب الدراسية في عواصم العلم الشيعية ، وقد اعتمد عليه الفقهاء خلال هذه القرون العديدة ، فجعلوا أبحاثهم وتدريساتهم فيه ، وشروحهم وحواشيهم عليه (1) انتهى. وقد تعدت تلك الشروح والحواشي المائة كما ذكر ذلك في الذريعة (2).

ويعد الموسوم منها ب- «غاية المرام في شرح شرائع الإسلام» أولها (3) ومن أهمها ، نظرا لمنزلة مؤلّفه العلمية ، وما يمثله في تلك الحقبة الزمنية ، وما احتواه هذا الكتاب من الفروع والتحقيقات والفوائد والتنبيهات.

ومن هنا وقع اختيارنا على هذا الكتاب لإخراجه بحلة تتناسب مع ما يمثله من قيمة علمية وتراثية ، مع تقديرنا للآثار الباقية لعلمائنا الأبرار رضوان اللّه تعالى عليهم ، وإحساسنا بضرورة إخراجها بما يتناسب مع أهميّتها والحاجة إليها.

ص: 6


1- انظر الذريعة 13 : 47.
2- المصدر : 48.
3- لاحظ الأعيان 10 : 133.

نبذة من حياة المؤلّف رحمه اللّه.

اسمه :

هو العالم الفاضل ، والحبر الكامل ، المحقق الفقيه والمدقق النبيه العلامة الأديب الشيخ الأجل مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري البحراني.

والده :

لم تشر كتب التراجم إلى شي ء من أحوال والده ، وقد اختلف في اسمه ، إذ منهم من ذكره بالتصغير ، والظاهر انه ليس في محله ، يعلم ذلك بمراجعة نهايات كتب المترجم (1).

ومنها أيضا يتبين اسم الجد ، وأنه ليس «راشدا» ، وانما هو كما أثبتناه «رشيد».

نسبته :

وهو صيمري نسبة الى «صيمر البصرة» على الأرجح ، لا إلى التي بين ديار

ص: 7


1- وسيأتي ذلك في ما نقلناه من الذريعة عن كتب المترجم ، وبالأخص جواهر الكلمات وكشف الالتباس ، انظر الذريعة للطهراني 5 : 279 ، 18 : 21.

الجبل وديار خوزستان (1) - وإن ظهر ذلك من قول البعض (2) - ولا إلى التي ادعي وجودها في البحرين ، كما نقله في أنوار البدرين عن بعض الثقات ، ونفى كون شيخنا المترجم منها ، مستشهدا بالبيتين الآتيين.

وقد انتقل شيخنا الصيمري إلى البحرين ، وسكن قرية سلم آباد ، ولم ينازع أحد في أنه سكن البحرين ، وقصيدته النونية - التي قالها بعد خروجه من البحرين - شاهدة على ذلك ، وفيها :

وما أسفى على البحرين لكن *** لاخوان بها لي مؤمنينا

دخلنا كارهين لها فلما *** ألفناها خرجنا كارهينا

وكان سبب خروجه من البحرين - كما يظهر من قصيدته هذه - هو تسلط بعض الولاة الظلمة وتعصبهم ، قال :

ألا من مبلغ الاخوان اني *** رضيت بسنة الفجار فينا

فافعل مثل «فعلان» وإني *** ك «جندب» للولاية قد نفينا

ثمَّ عاد إليها ثانية ، وبقي فيها حتى وفاته (3).

ولادته :

وأما تاريخ ولادته فلم يعلم بالتحديد ، وقد خلت عنه كتب التراجم التي تعرضت له.

ص: 8


1- راجع معجم البلدان 3 : 439 ، فقد ذكر الصيمرتين.
2- وترجيح صيمر البصرة لما نقله السيد محسن الأمين رحمه اللّه ، وما نقل عن الشيخ سليمان البحراني ، وكذا أحد مذهبي الآقا بزرگ في ذريعته ، وإن خالفه في الطبقات. لاحظ أعيان الشيعة 10 : 2. وأنوار البدرين 75 - 76 ، والذريعة 16 : 20 و 13 : 329 و 4 : 422 ، طبقات أعلام الشيعة (الضياء اللامع) : 138.
3- أنوار البدرين : 75 والأعيان 10 : 133.

نعم ذكر بعضهم انه توفي سنة تسعمائة وثلاث وثلاثين ، وعمره ينيف على الثمانين (1) ، فيكون مولده ما يقرب من سنة ثمانمائة وثلاث وخمسين.

والظاهر أنه سهو ، إذ أن تاريخ الوفاة المذكور ومدة الحياة هو لولده الشيخ حسين ، كما أجمعت عليه المصادر ، فراجع (2).

مشايخه في القراءة والرواية :

لم تحدثنا المصادر عن شي ء يذكر من حياة شيخنا المترجم العلمية سوى أنه تلمّذ على يد العلامة الشيخ العابد جمال الناسكين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي رحمه اللّه المتوفى سنة ثمانمائة وإحدى وأربعين للهجرة (3).

وهو يروي عن أستاذه المذكور ، كما في إجازة السيد حسين بن السيد حيدر الكركي (4).

وأما تلامذته والراوون عنه :

فحالهم في هذا كحال مشايخه ، وقد تتلمذ على يده ولده الفاضل ، العالم العابد ، المحدث الشيخ حسين رحمه اللّه الذي وصف بأنه كان كثير التلاوة والصوم والصلاة والحج ، حسن الخلق ، واسع العلم ، له كتاب «المناسك الكبير» ، كثير

ص: 9


1- تنقيح المقال 3 : 244.
2- رسالة مشايخ الشيعة لتلميذ الشيخ حسين الصيمري التي نشرت في مجلة كلية الآداب - جامعة تبريز السنة 19 العدد الرابع ص 318. وأمل الآمل ٢ : ١٠٣ ورياض العلماء ٢ : ١٧٩. ورجال السيد بحر العلوم ٢ : ٣١٢ وتنقيح المقال ١ : ٣٤٥.
3- مصفى المقال : 461.
4- روضات الجنات 7 : 169.

الفوائد ، ورسائل أخرى ، توفي سنة تسعمائة وثلاث وثلاثين للهجرة ، وعمره يزيد على الثمانين (1).

وفي رسالة «مشايخ الشيعة» قال : الشيخ الفاضل نصير الحق والملة والدين حسين بن مفلح بن حسن : ذو العلم الواسع والكرم الناصع ،. قد استفدت منه وعاشرته زمانا طويلا ينيف على الثلاثين سنة ، فرأيت منه خلقا حسنا وصبرا جميلا ، وما رأيت منه زلة فعلها ولا صغيرة أصر عليها فضلا عن الكبيرة ، وكان له فضائل ومكرمات ، كان يختم القرآن (في كل ليلة الاثنين ، والجمعة مرة ، وكان كثير) (2) النوافل الراتبة في اليوم والليلة ، وكثير الصوم.

ولقد حج مرارا متعددة ، تغمده اللّه بالرحمة والرضوان ، وأسكنه بحبوحة الجنان ، نفعنا اللّه به ، ومات بقرية سلم آباد [مسلم آباد] إحدى قرى البحرين ، مفتتح شهر محرّم الحرام من سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة وعمره ينيف على الثمانين ، انتهى.

وللشيخ حسين هذا مؤلفات عديدة ، ذكرها تلميذه يحيى بن عشيرة البحراني ، وننقلها عن مجموعة مخطوطة في مكتبة ملك في طهران تحت رقم 2147 ، كلها بخط التلميذ (3) :

1 - نيات الحج والعمرة.

2 - المقدمات التسع في بيان وجوب القصر على رائدي مساجدي [كذا] ، وعدم جواز الجمع بين القصر والإتمام ، وذلك في فصلين.

ص: 10


1- أمل الآمل 2 : 103.
2- ما بين القوسين من الروضات.
3- نقلت ذلك مما استنسخه سماحة الحجة السيد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي حفظه اللّه من المجموعة.

3 - رسالة في المتعة ، في إثبات نكاح المتعة بالدليل وابطال قول المخالف فيها بالدليل.

4 - في الوقف والوصل في القرآن.

5 - رسالة في حد البلوغ.

6 - حرمة الفتوى والحكم لغير المجتهد الجامع للشرائط. قال ابن عشيرة :

أظنه له.

7 - معرفة الاحكام. قال : أظنه له.

8 - رسالة كشف الالتباس عن قلوب الناس في الإفتاء والاستفتاء والحكم لغير المجتهد ، ووجوب العمل بالنقل عن المجتهد الميت. قال : أظنه للشيخ حسين بن مفلح.

9 - رسالة في غسل الأواني من ولوغ الكلب.

هذا ولم يصرح باسم تلميذ آخر للشيخ مفلح. نعم جاء في الذريعة : إجازة الشيخ مفلح لبعض تلاميذه ، مختصرة ، كتبها له بخطه مع نسبه المذكور على ظهر كتاب القواعد ، الذي قرأه التلميذ عليه في مجالس ، آخرها أول جمادى الأولى سنة 873 (1).

وما ذكره بعضهم من أن المجاز هو ناصر بن إبراهيم البويهي فليس في محله ، لأن المذكور متوفى سنة 853 وتاريخ الإجازة بعد هذا ، فيدل على أنها لم تكتب له. وذكر في الضياء اللامع انه قد رأى تلك النسخة عند حفيد اليزدي (2).

وفاته :

لتاريخ وفاته نصيب من الغموض أيضا ، حيث أنه لم تذكر المصادر تاريخ

ص: 11


1- الذريعة 1 : 251 ، وذكرها في طبقات اعلام الشيعة (الضياء اللامع) : 137.
2- لاحظ طبقات اعلام الشيعة : 143.

الوفاة بالتحديد ، ولذا استقرب في الأعيان كون وفاته في حدود سنة تسعمائة للهجرة.

مدفنه :

وفي رسالة مشايخ الشيعة أنه مات في بلدة هرموز ، وكذا ذكر الميرزا الأفندي نقلا عن تحفة الاخوان (1) ، وتابعهم الشيخ الطهراني رحمه اللّه في الضياء اللامع (2). وذكر كحالة أنه توفي في بلدة جرموز (3).

وعن الشيخ سليمان البحراني : أن قبره بجنب ولده في قرية سلم آباد في البحرين وزرتهما مرة (4). ومن كل ذلك يتبين أن القول بوفاته في الحلة - كما ذكره البغدادي (5) - عار عن الصواب. نعم ذكر في الروضات : انه قدس سره قد سكن الحلة السيفية (6).

ذكره الخالد :

وبقي رحمه اللّه من الخالدين ذكرا ، اقتدى بالسلف الصالح من علماء الإمامية رضوان اللّه تعالى عليهم ، الذين بذلوا كل غال ونفيس لنصرة الدين وإعلاء كلمة الحق بل كان قدوة حسنة لمن جاء من بعده ، فكان يظهر علمه كلما ظهرت البدع امتثالا للحديث الشريف ، متصديا للمنحرفين والمبطلين والخارجين عن

ص: 12


1- رياض العلماء 5 : 215.
2- طبقات اعلام الشيعة : 137.
3- معجم المؤلفين 12 : 317. وقد احتمل بعض العلماء الأفاضل ان «هرموز» تصحيف «جرموز» باعتبار ان الأولى تكتب بغير الواو أي «هرمز» ، كما تحققه من المعاجم المختصة.
4- لاحظ أنوار البدرين : 76.
5- هدية العارفين 6 : 469.
6- روضات الجنات 7 : 170.

الدين ، فلله درّة وعليه أجره ، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

فعلى هذا ليس غريبا أن يثني عليه كل من ذكره ممن تأخر عنه ، فحسبه ما قيل عنه : إنه من رؤساء الطائفة المحقة ، وفتاويه كثيرة منقولة مشهورة في كتب الأصحاب (1).

وانه من أجلّة فقهائنا (2) ، وله التصانيف الفائقة المليحة (3).

وهو من مشاهير العلماء ، شارح الشرائع بشرح مشهور (4) ، ووصفه تلميذ ولده - ابن عشيرة البحراني في رسالته «في معرفة مشايخ الشيعة» - ب : الشيخ الأجل مفلح. صاحب التحقيقات الباهرات ، صنف كتبا جمّة.

مؤلفاته :

له كتب متعددة جمع فيها علوما شتى ، وهي :

1 - إلزام النواصب ، وعدّه في رياض العلماء من تأليف ولده الشيخ حسين ، وهو مطبوع سنة 1303 ه ، وهو من كتب الإمامة ، وعدّه الشيخ الحر من الكتب التي لم يعلم مؤلفها ، وقال في كشف الحجب : ان بعض الناس نسبه الى السيد ابن طاوس ، ولكن صرّح الشيخ سليمان الماحوزي : بأنه للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري صاحب «غاية المرام في شرح شرائع الإسلام (5)» ، وتبعه على ذلك غيره (6).

ص: 13


1- أنوار البدرين : 75.
2- تنقيح المقال 3 : 244.
3- لاحظ أنوار البدرين : 74 - 75 والأعيان 10 : 133.
4- رياض العلماء 2 : 178.
5- الذريعة 2 : 289 - 290 ، انظر فهرست آل بابويه وعلماء البحرين : 70.
6- لاحظ أنوار البدرين : 75.

2 - التنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه (1) : وقد رآه صاحب الروضات ، وقال : إنه جمع فيه فتاويه [أي الصدوق] المخالفة للإجماع ، والمسائل المتروكات عند علمائنا المتأخرين ، والمرفوضات عند فقهائنا المتقدمين ، وقد اشتمل على مسائل معللات ينشرح لها الخاطر ، وغرائب ونكات يلتذ بها الناظر (2).

3 - جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات : وهي رسالة دالة على علمه وفضله واحتياطه ، كما وصفها الشيخ الحر (3) ، وعن الشيخ سليمان البحراني الماحوزي أنه قال في رسالته عن هذا الكتاب : مليح كثير المباحث غزير العلم ، وعنه أيضا : ان نسخة خط المؤلف كانت عندي ، فرغ منها في العاشر من جمادى الأولى سنة 870 ه ، وهو مرتب على مقدمة وبابين ، أولهما في العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، ورتبها في تسعة عشر كتابا. والباب الثاني في الإيقاعات ، رتبها في أحد عشر كتابا ، وكتب في آخره : قد فرغ من تعليقه مصنفه ومؤلفه الفقير الى اللّه الغني مفلح بن حسن بن رشيد الصيمري (4) ، ونسب للشهيد الثاني وقد نبه على خطأ هذه النسبة بعض أهل هذا الفن في مقدمته على منية المريد للشهيد الثاني فراجع (5).

4 - التبيينات في الإرث والتوريثات : رسالة في الفرائض والمواريث للشيخ مفلح. مرتب على ثلاثة أبواب وخاتمة (6) ، وذكره أيضا في الذريعة بعنوان :

ص: 14


1- الذريعة 4 : 438.
2- روضات الجنات 7 : 169.
3- أمل الآمل 2 : 324 ، انظر التعليقة للأفندي : 319 والمقابيس للتستري : 14.
4- الذريعة 5 : 279.
5- راجع مقدمة كتاب منية المريد ص 25 تحقيق الشيخ رضا مختاري.
6- الذريعة 3 : 335.

كتاب الفرائض (1).

5 - عقد الجمان في حوادث الزمان ، مختصر من تاريخ اليافعي «مرآة الجنان» : وهو من مصادر أعيان الشيعة ، استنسخه السيد الأمين العاملي رحمه اللّه في طهران (2).

6 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام وهو هذا الكتاب ، وسيأتي تفصيل الكلام حوله.

7 - كشف الالتباس عن موجز أبي العباس المشهور ب- «شرح الموجز» وهو متداول بين العلماء ، قال الشيخ الطهراني رحمه اللّه : اسم لشرح الموجز الحاوي للفتاوي ولتكاليف الناس ، تصنيف أبي العباس أحمد بن فهد الحلي. ، وهو شرح تمام ما برز من أصله ، يعني إلى آخر كتاب الزكاة رأيته. عناوينه : (قوله - أقول) ، وفي آخره صورة خط المؤلف بعنوان مفلح بن حسن الصيمري ، وانه فرغ من التأليف في 28 رمضان 878 (3).

وعن الشيخ سليمان الماحوزي في رسالة تاريخ البحرين : انه قد أظهر في هذا الشرح اليد البيضاء ، وقد قرأته كثيرا (4).

وكثيرا ما ينقل عن هذا الكتاب السيد العاملي صاحب مفتاح الكرامة في كتابه وينقل عنه أيضا الشيخ الأنصاري في طهارته وغيرهم.

8 - مختار الصحاح أو مختصر الصحاح ، ذكره صاحب رسالة مشايخ الشيعة.

ص: 15


1- الذريعة 16 : 148.
2- الذريعة 15 : 287 ، مصفى المقال : 416 ، نقلا عن رسالة مشايخ الشيعة لتلميذ ابن المؤلف.
3- الذريعة 18 : 21.
4- الذريعة 14 : 95.

9 - منتخب الخلاف أو تلخيص الخلاف : عن رسالة مشايخ الشيعة : ان المؤلف ذكر تصانيفه في إجازته بخطه لتلميذه على ظهر القواعد تاريخها 873 ، ومنها التلخيص ، وينقل عنه صاحب الجواهر في كتاب الذبائح وغيره (1) ، وكثيرا ما يحيل فيه الى غاية المرام.

وقد طبع الكتاب مؤخرا بعنوان : تلخيص الخلاف ، ينقل عنه الشيخ الأنصاري في مكاسبه.

10 - رسالة في تكفير ابن قرقور ، رجل من أعيان البحرين ، وارتداده بسبب تلاعبه بالشرع المقدس.

11 - ورسالة في الطواف (2).

12 - ديوان شعر في المناقب والمثالب والمراثي ذكره في الذريعة ، ثمَّ قال :

وهي ، مذكورة في الكتب والدفاتر ، دوّن أخيرا بعضها [العلامة الأديب الشاعر] الشيخ محمد بن الشيخ طاهر السماوي النجفي المتوفى سنة 1370 ه (3).

13 - القصائد المليحة ، نسبه الى المترجم في الذريعة (4). ويحتمل كونه الديوان السابق.

نماذج من شعره :

فمن مراثيه لأهل البيت عليهم السلام وذكر مثالب أعدائهم ، قوله :

أعدلك يا هذا الزمان محرم *** أم الجور مفروض عليك محتم

ص: 16


1- الذريعة 22 : 400 ، وج 4 : 422.
2- الذريعة 11 : 88 و - 155.
3- الذريعة 9 : 1089.
4- الذريعة 17 : 89.

أم أنت ملوم والجدود لئيمة *** فلم ترع إلا للذي هو ألوم

فشأنك تعظيم الأراذل دائما *** وعرنين أرباب الفصاحة ترغم

إلى ان يقول :

أزالوهم بالقهر عن ارث جدهم *** عنادا وما شاءوا أحلّوا وحرّموا

وأعظم من كل الرزايا رزية *** مصارع يوم الطف أدهى وأعظم

ولم أنس سبط المصطفى وهو ظامئ *** يذاد عن الماء المباح ويحرم

تموت عطاشا آل بيت محمّد *** ويشرب هذا الماء ترك وديلم

أهذا الذي أوصى به سيد الورى *** الم تسمعوا أم ليس في القوم مسلم

ثمَّ ينهي قصيدته بهذه الأبيات :

أيا سادتي يا آل بيت محمّد *** بكم مفلح مستعصم ملتزم

فأنتم له حصن منيع وجنته *** وعروته الوثقى بداريه أنتم

ألا فاقبلوا من عبدكم ما استطاعة *** فعبدكم عبد مقل ومعدم

وقد نقلها في «أدب الطف» عن منتخب الطريحي (1).

وله :

الى كم مصابيح الدجى ليس تطلع *** وحتام غيم الجور لا يتقشع

يقولون في أرض العراق مشعشع *** وهل بقعة إلا وفيها مشعشع

فلا فرق إلا عجزهم واقتداره *** وظلمهم فيما يطيقون أفظع

وأعظم من كل الرزايا رزية *** مصارع آل المصطفى حيث صرعوا

أيا سادتي يا آل بيت محمّد *** بكم مفلح مستعصم متمنع

وهي قصيدة طويلة اخترنا ما اختاره السيد محسن الأمين العاملي رحمه اللّه وقد نقلها في «أدب الطف» عن منتخب الطريحي أيضا (2).

ص: 17


1- أدب الطف 5 : 16.
2- أدب الطف 5 : 19.

حول الكتاب :

إن نسبة الكتاب إلى مؤلفه متفق عليها ، ولم يدع أحد وجود شرح للشرائع بهذا الاسم لغير الشيخ مفلح الصيمري ، وقد وردت تعاريف وشهادات بحق هذا الشرح تدل على قيمته العلمية وأهميته.

ويحسن الابتداء بتعريف مؤلفه الشارح من باب ان صاحب البيت أدرى بالذي فيه وان عبارته أوفى من غيرها في التعريف بالكتاب ، قال رحمه اللّه في مقدمة الشرح بعد إطرائه على كتاب الشرائع ومؤلفه :

فأحببت ان أعمل له شرحا كاشفا لتردداته ، مبينا لمبهمه ومشكلاته ، مبرزا لرموزه ونكاته ، لتزداد به رغبة الراغب ، وتعظم بإضافته إليه منفعة الطالب ، فاستخرت اللّه وعملت الكتاب ، راجيا من اللّه جزيل الثواب.

وسميته ب- «غاية المرام في شرح شرائع الإسلام» مقتصرا على إنشاء الترددات ، وإيضاح الخلافيات ، من غير إطناب في الأدلة والروايات ، مع إضافة ما يليق في الباب من الفروع والتنبيهات (1).

وفي خاتمة الكتاب ، قال :

وفضل هذا الكتاب على ما سواه أنه لم يسبق إلى مثل إيجاز لفظه وبسط معناه. ، يرجع عند الحاجة إليه ، ويعول في المهمات عليه ، لأنه اشتمل على تفصيل مجملات وإيضاح مشكلات ، وفتق مرتقات ، وفروع وتنبيهات ، لم تنهض بها المطولات ، وقصرت عنها المقصورات.

وقد نقل في الذريعة عن الشيخ سليمان الماحوزي أنه قال : قد أجاد في شرحه ، وطبق المفصل وبين الترددات ، وهو كبير في مجلدين.

ص: 18


1- راجع مقدمة المؤلّف في الكتاب.

وأضاف الطهراني رحمه اللّه : وهو شرح ب- (قال - أقول) على مواضع تحتاج إلى الشرح (1).

وفرق فيه بين الرطلين في الزكاتين ، وفاقا لأستاذه ابن فهد الحلّي رحمه اللّه (2).

وينقل عن هذا الكتاب جملة من الجهابذة والأعلام ، كالسيد محمّد جواد العاملي في مفتاح الكرامة والتستري في المقابيس ، والسيد الطباطبائي في رياض المسائل وهو شرحه الكبير على المختصر النافع ، والشيخ الأنصاري في كتبه الفقهيّة لا سيّما كتاب المكاسب ، وينقل آراءه الشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر في موسوعته الفقهيّة «جواهر الكلام».

هذا ما أحصيناه ، وبأنفسنا تتبعناه ، وهناك جملة أخرى من الاعلام لم يسعنا تتبع كتبهم.

كل هذا يشير إلى أهمّية الكتاب ، وما يؤديه من دور مهم في تبيين دقائق الفقه ونكاته ، وشرح آراء القدماء والوقوف على مقاصدهم. وإبراز الرأي الأصوب بنظره المستقل ، وإن استدعى ذلك مناقشة بعض الاعلام ورد رأيه.

قال بعض الأفاضل عن هذا الشرح :

ويمتاز هذا الكتاب بجمال الأسلوب وسلاسة العبارة وبكثرة الفروع والتنبيهات ، والإشارة إلى مختلف الأقوال والأدلة على اختصاره ، ويظهر منه قدرة صاحبه على البيان وقوته في البحث ودقته في التفريع ، وغوره في تحقيق الحقائق ، ونباهته في التنبيه على مطالب كادت أن لا تجتمع في مؤلف قبله ، وحسن سليقته في إرجاع الفروع إلى أصولها المقررة ، هذا كله مع أدب جم خصوصا مع أعاظم الطائفة كالشهيد والسيد العميدي.

ص: 19


1- الذريعة 16 : 20.
2- أنوار البدرين : 75.

وفي البال أن نضع مقالة حول الكتاب ومكانة مؤلفه العلمية نلحقها بأحد الأجزاء الآتية إن وفق اللّه لذلك ، انتهى.

نسخ الكتاب المعتمدة في التحقيق :

للكتاب نسخ كثيرة ، قد توفر لدينا ست منها ، وهي :

1 - النسخة المحفوظة في مكتبة آية اللّه العظمى السيد الگلپايگاني دام ظله ، ضمن مجموعة تحت رقم (33 - 129) ، وهي من أول كتاب النكاح إلى آخر الديات ، أي الجزء الثاني من الكتاب جاء في أولها كتب من نسخة كتبت عن خط ولد الشارح حسين بن مفلح ، كتبها بخطه مساعد بن بديع في يوم السبت 27 ربيع الأول في السنة الخامسة والسبعين والألف للهجرة ، كما جاء ذلك في خاتمتها ، ونرمز لها ب- «ي».

2 - نسخة أخرى في نفس المكتبة الآنفة الذكر تحت رقم (18 - 84) ، وهي من أول الكتاب إلى آخره ، كاملة في جزءين ، مجهولة الكاتب وتاريخ كتابة الجزء الأول - كما جاء في آخره - يوم الثلاثاء في شهر رمضان سنة ست وخمسين وتسعمائة ، وهي جيدة الخط ، عليها بعض التعاليق وترجمة لبعض الكلمات إلى الفارسية ، ونرمز لها ب- «ي 1».

3 - نسخة مكتبة جامعة طهران المركزية ، ورقمها (8215) ، كتبت في ربيع الأول سنة 966 على يد ضياء الدين علي بن الحسين بن المرتضى الحسيني ، وهي كاملة من الطهارة إلى الديات ، تمتاز بجودة الخط وندرة الأخطاء ، ونرمز لها ب- «ن».

4 - نسخة مكتبة المسجد الأعظم في قم ، تحت رقم (23) وهي كاملة من كتاب الطهارة إلى الديات ، تاريخ نسخها الأربعاء 7 شعبان سنة 1074 ه ، على يد طالب بن حاجي ربيع رديئة الخط مع وجود بعض الأخطاء فيها ، ونرمز لها ب- «م».

ص: 20

5 - نسخة المكتبة الرضوية في مدينة مشهد المقدسة ، تحت رقم (2790) مجهولة التاريخ والكاتب. وهي تامة في جزءين واضحة ونرمز لها ب- «ر 1».

6 - النسخة الأخرى في المكتبة المتقدمة الذكر ، تحت رقم (13123) تاريخ نسخها 7 ربيع الثاني سنة 1084 على يد عبد محمد بن الشيخ مساعد بن بديع. والموجود منها الجزء الأول فقط (من كتاب الطهارة إلى النكاح). وهي واضحة الخط ونرمز لها ب- «ر 2».

نهجنا في تحقيق الكتاب :

لقد تمت مقابلة الكتاب على النسخ المتقدمة الذكر ، وكل ما كان بينها من اختلاف نظرنا فيه ، فأثبتنا الراجح منه ، والباقي إن احتمل وجها من الصواب ذكرناه في الهامش مع الإشارة إلى نسخته ، وإلا أهملناه.

وقد اقتصرنا في التخريجات على مصادر الأدلة التي ذكرها الشارح رحمه اللّه ، من الآيات والروايات ، دون الأقوال ، سوى ما اضطربت فيه النسخ ، فأرجعناه الى مصدره ، بعد ترتيب العبارة كما ينبغي أن تكون.

وما نقله الشارح من الروايات عن المتقدمين ، ولم نجد لها ذكرا في المجاميع الروائية التي بأيدينا أرجعنا فيها إلى كتبهم.

وجرينا على ما تعارف عند المحققين من تقطيع النص وتوزيعه إلى فقر ، ثمَّ إلى جمل ، وحصر الآية بين قوسين منجمين ، والرواية بين أقواس عادية ، وكل زيادة اقتضاها السياق جعلناها بين معقوفتين الى غير ذلك من الأمور الفنية التي بمراعاتها يسهل الرجوع الى الكتاب ، والاستفادة منه على ما يرام.

وقد استخرجنا الروايات من كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي

ص: 21

رحمه اللّه ، وأرجعنا إليه - بالرغم من تقدم تأليف هذا الشرح عليه - لسهولة تناول كتاب الوسائل وسعة انتشاره الذي هو معول مجتهدي الشيعة من عصر مؤلفه الى اليوم ، وما ذاك إلا لحسن ترتيبه وتبويبه ، سيما انه قد طبع أخيرا أكثر من طبعة محققة وخصوصا المشار فيها الى المصادر الأصلية للروايات التي أخذ عنها صاحب هذا الشرح وصاحب الوسائل ، وذلك للتسهيل على المراجع ولتعميم الفائدة.

ص: 22

وفي الختام

لا يسعني إلا أن أنوّه بدور أخي العلّامة الشيخ رضوان شرارة العاملي دام حفظه الذي بذل جهدا مشكورا في تحقيق الكتاب.

وأقدّم جزيل شكري لأولئك الذين أتحفوني بإرشاداتهم الهامة التي كان لها فضل كبير في إخراج الكتاب وتيسير العمل فيه.

وأخص بالذكر منهم سماحة العلامة الجليل والمتتبع الخبير الحجة السيد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي حفظه اللّه الذي أعانني على معرفة وتحصيل نسخ الكتاب. وكذلك سماحة الأستاذ العلامة المحقق السيد محمد رضا الجلالي أطال اللّه بقاه ، إذ أفدت من مراجعته في ما أشكل أمره.

وأخيرا أسأل اللّه ان يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم إنه خير مسؤول وصلّى اللّه على محمد وعلى آله بيته الطاهرين.

جعفر بن الشيخ محمود الكوثراني

عفا اللّه عنهما

قم المشرفة 3 شوال 1413 ه-

ص: 23

ص: 24

الصورة

ص: 25

الصورة

ص: 26

الصورة

ص: 27

الصورة

ص: 28

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

الصورة

ص: 31

الصورة

ص: 32

الصورة

ص: 33

الصورة

ص: 34

الصورة

ص: 35

ص: 36

بسم اللّه الرحمن الرحيم

خطبة الكتاب

اشارة

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وأنعم علينا بالتكليف المؤدي إلى دار السلام ، التي يشارك (1) فيها الباري في الدوام ، أحمده حمد معترف بالإنعام ، وأشكره في حالتي العافية والأسقام ، وصلّى اللّه على محمد وآله الكرام ، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأيام ، والشهور والأعوام ، ما أضاء صبح ودجى حندس الظلام.

أما بعد : فان علم الفقه مما تمس الحاجة اليه وواجب (2) ، لتوقف تمام نظام النوع عليه ، وقد صنف فيه العلماء المتقدمون ، والسلف الماضون (عليهم رحمة اللّه ورضوانه) ، كتبا متعددة مطولات ، وأخرى متبددة مقتصرات ، ولم يتركوا شيئا مما يحتاج اليه من الفتوى والروايات ، فمن أفصح ما نهضت به إفهامهم ، وانقح ما جرت فيه أقلامهم ، كتاب «شرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام» تصنيف الإمام الأكرم ، والفقيه الأعظم ، عين الأعيان ،

ص: 37


1- في «ر 1» و «ر 2» : تشارك.
2- في «م» و «ي 1» : واجب.

ونادرة الزمان ، قدوة المتقدمين ، وأفضل العلماء الراسخين ، نجم الملّة والحق والدين ، أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي (قدّس اللّه نفسه الزكية وأفاض على تربته المراحم الربانية) ، قد ضمّنه جميع أصول الأحكام ، المشتهرة عن الأئمة الكرام ، مع إضافة الفروع اللطيفة ، والتحقيقات الشريفة ، بلفظ رائق حسن محرر ، يفوق على الجمان إذا تشطر ، فرغب فيه لتهذيبه الراغب ، واشتد عليه لفصاحته حرص الطالب ، حتى عمرت به المدارس ، ونصبت على تدريسه المجالس ، وهو مع شدة احتياج الناس اليه ، وعظم اكبابهم (1) عليه ، قد اشتمل على ترددات ، ومسائل خلافيات ، فربما تعسر على الطلبة تحقيقها ، فتعسفوا سلوك طريقها ، فأحببت أن اعمل له شرحا كاشفا (2) لتردداته ، ومبينا لمبهمه (3) ومشكلاته ، مبرزا لرموزه ونكاته لتزداد به رغبة الراغب ، وتعظم بإضافته إليه منفعة الطالب ، فاستخرت اللّه وعملت هذا الكتاب راجيا من اللّه جزيل الثواب. وسميته :

«غاية المرام في شرح شرائع الإسلام» مقتصرا على إنشاء الترددات ، وإيضاح الخلافيات ، من غير اطناب في الأدلة والروايات ، لئلا يملّه الناظر ، مع إضافة ما يليق في الباب ، من الفروع والتنبيهات ، لينشرح له الخاطر.

هذا مع أنّي قصير الباع في هذه الصناعة ، قليل (4) ما يصحبني من البضاعة ، لكن إذا أمحلت البلاد ، رعي الهشيم ، وإذا تعذّرت (5) الموارد ، ورد

ص: 38


1- في «م» : اكتئابهم.
2- في «ي 1» : كافيا.
3- في «ي 1» : مبهماته.
4- في «ي 1» : وقليل.
5- في «م» وهامش «ي 1» : تعززت.

الآجن المقيم ، فأسأل اللّه : أن يلهمني فيه الصواب ، ويعصمني من الخلل والاضطراب ، وأن يجعله جنة واقية في المعاد ، ومنفعة باقية للعباد ، انه (1) الكريم الجواد ، يعطي السائل فوق المراد.

مقدمة

اعلم أن جميع ما ذكره المصنف في هذا الكتاب من :

الأشهر : أي من الروايات.

والأظهر : من فتاوي الأصحاب.

والأشبه : ما يدل عليه أصول المذهب ، من الأصول المسلّمة والإطلاقات المسلّمة (2).

والأنسب : مثله.

والتردد : ما احتمل الأمرين عنده.

والأحوط : بمعنى الأولوية والندب.

والأكثر : بمعنى أن القائل به أكثر.

والأصح : ما لا احتمال عنده فيه.

والأولى : هو ترجيح أحد قولين متكافئين في النقل بوجه ما.

وعلى قول : أراد به انه وجد قولا لبعض الفقهاء ولم يجد عليه دليلا.

وعلى قول مشهور : أراد ما وجده مشهورا بين العلماء ، ولم يجد عليه دليلا.

ص: 39


1- في «م» : وانه.
2- في «ن» : لم ترد جملة : (والإطلاقات المسلمة).

والتخريج : هو تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه ، إما لكون المسكوت عنه اولى بالحكم من المنطوق به (1) ، كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب ، ويسمى التنبيه بالأدنى على الأعلى ، أو لكونه مساويا في العلة ، كدلالة تحريم بيع التمر بالرطب على تحريم بيع الزبيب بالعنب ، لتشاركهما في العلة ، وهي النقص عند الجفاف ، ويسمى اتحاد طريق المسألتين.

ص: 40


1- من «ن».

كتاب الطّهارة

اشارة

ص: 41

ص: 42

في المياه

اشارة

قال رحمه اللّه : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم ، على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

أقول : اختلفت (1) عبارة الأصحاب في تعريف الطهارة ، قال الشيخ في النهاية : الطهارة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ، وأورد عليه ابن إدريس اعتراضا ، عكسا وطردا.

أما العكس : فوضوء الحائض ، إذ هو طهارة ، ولا يصدق عليه الحد ، وأما الطرد فغسل الثياب والبدن (2) من النجاسات ، فإنه (3) ليس بطهارة ، مع صدق اسم الحد عليه.

ص: 43


1- في «ي 1» : اختلفت.
2- في «م» : اليدين.
3- من «ن» ، وفي باقي النسخ.

وأجيب عن الأول : بالمنع من كونه طهارة ، لما رواه محمد بن مسلم ، عن ابي جعفر عليه السلام «قال : قلت : الحائض تتطهر يوم الجمعة ، وتذكر اللّه تعالى؟ قال : أمّا الطهر فلا ، ولكن تتوضأ وقت كل صلاة ، ثمَّ تستقبل القبلة وتذكر اللّه تعالى» (1). فقد نفى عنه اسم الطهارة.

وعن الثاني : بأنّه إزالة مانع ، فلا يدخل في الحد ، فالاعتراض ممنوع.

وقول المصنف : (اسم) : تنبيه على أن التعريف لفظي.

وقوله : (للوضوء أو الغسل أو التيمم) ليخرج ازالة النجاسات.

وقوله : (له تأثير في استباحة الصلاة) ليخرج وضوء الحائض ، ويدخل وضوء دائم الحدث.

وأورد عليه العلامة : الوضوء المجدد ، إذ هو الطهارة ، والمبيح للصلاة هو الوضوء السابق.

قال رحمه اللّه : ولا يطهر بإتمامه كرا على الأظهر.

أقول : اختلف علماؤنا في الماء القليل - وهو ما نقص عن الكر - إذا تنجس ثمَّ تمم كرا ، هل يطهر أم لا؟

قال السيد المرتضى ، وابن إدريس : يطهر ، لقوله عليه السلام : «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا» (2). ولأنه لو وقعت النجاسة بعد بلوغه كرا لم تؤثر فيه ، فكذا قبله إذا حصل البلوغ.

وقال الشيخ لا يطهر ، واختاره العلامة ، لأنه ماء محكوم بنجاسته شرعا ، فلا يرتفع إلا بدليل شرعي ، ولم يثبت ، ولأنه بتنجيسه صار في حكم

ص: 44


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 22 من أبواب الحيض ، حديث 3.
2- مستدرك الوسائل 1 : 198 ، كتاب الطهارة ، باب 9 من أبواب الماء المطلق ، حديث 6.

النجاسة ، فإذا لاقى ماء تمم (1) به - وهو أقل من كر - انفعل.

وأجاب العلامة بالفرق بين وقوع النجاسة بعد إتمامه كرا ، وقبل الإتمام ، لأن في الحالة الأولى له قوة الدفع ، فلا يتحمل النجاسة ، وفي الثانية هو قابل للانفعال ، فاذا انفعل لم يبق له قوة دافعة للنجاسة فافترقا.

قال رحمه اللّه : والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأظهر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الموضع الأول : في تقدير الكر :

وللأصحاب في معرفته (2) طريقان :

الأول : الوزن ، وفي كميته ثلاثة أوجه :

«أ» : رواية محمد بن ابي عمير عن بعض أصحابنا ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال : «الكر ألف ومائتا رطل» (3). وهي مرسلة ، لكن عليها عمل الأصحاب.

«ب» : رواية عبد اللّه بن المغيرة ، عن بعض أصحابنا ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال : «الكر من الماء نحو حبّي هذا» (4). وهي مرسلة أيضا ، وحملها الشيخ على كون الحب يسع (5) الكر.

«ج» : انه ست مائة رطل ، وهي (6) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي

ص: 45


1- في «ي 1» و «ن» : ما تمم.
2- في «ر 2» : تعريفه ، وفي «ي 1» : تقديره.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الماء المطلق ، حديث 1 ، لكن بزيادة : (الذي لا ينجسه شي ء) صفة للماء في رواية الشيخ.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة باب 10 من أبواب الماء المطلق ، حديث 7.
5- في «م» : مبلغ.
6- في «ي 1» و «م» و «ر 1» : (وفي). و «ر 2» : (في) ، وما أثبتناه من «ن».

عبد اللّه عليه السلام قال : «الكر ست مائة رطل» (1).

قال الشيخ : ولم يعمل بهذه الرواية أحد من الأصحاب.

الثاني : المساحة : وفيه ثلاثة أوجه :

«أ» : ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار.

«ب» : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته ، والمستند رواية إسماعيل بن جابر (2) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

«ج» : ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذاك الكر» (3).

الموضع الثاني : في تفسير الرطل.

وفيه قولان :

أحدهما : أنه مدني مائة وخمسة وتسعون درهما ، وهو قول المرتضى ، ومحمد بن بابويه ، لأنه أحوط ، ولأن الأكثر يدخل تحته الأقل ، بخلاف العكس ، ولأن الأئمة عليهم السلام من أهل المدينة ، فاجابوا بالمعهود عندهم.

الثاني : أنه عراقي مائة وثلاثون درهما ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المتأخرون.

قال رحمه اللّه : ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران ، والحياض ، والأواني على الأظهر.

ص: 46


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الماء المطلق ، حديث 2 و 3.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 10 من أبواب الماء المطلق ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 6 بتفاوت يسير.

أقول : المشهور عند علمائنا ان بلوغ الكريّة يقتضي عدم الانفعال بدون التغير ، سواء كان في حوض أو آنية أو غدير ، وقال المفيد وسلار : تنجس الحياض والأواني ، سواء زاد عن الكر أو نقص ، لعموم النهي عن استعمال ماء الأواني مع نجاستها ، ويحمل (1) على الغالب ، من أن الآنية لا تسع الكر.

قال رحمه اللّه : وهل ينجس بالملاقاة؟ فيه تردد ، والأظهر التنجيس.

أقول : للأصحاب هنا اختلاف ، قال الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط بنجاستها ووجوب النزح ، وهو مذهب ابن إدريس ، وقال في التهذيب : لا ينجس ويجب النزح تعبّدا ، وقوّاه أبو العباس في المقتصر.

وقال ابن ابي عقيل : لا ينجس إلا بالتغيّر ويستحب النزح ، واختاره العلامة وابنه فخر الدين.

احتج الشيخ ومن وافقه على التنجيس بصحيحة علي بن يقطين ، عن ابي الحسن موسى عليه السلام قال : «سألته عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة والفأرة ، أو الكلب أو الهرة؟ فقال : يجزيك ان تنزح منها دلاء ، فان ذلك طهرها» (2) ، دلت هذه الرواية على حكمين :

الأول : نجاسة البئر لقوله [عليه السلام] : «ان ذلك طهرها» ، فلو كانت طاهرة لزم تحصيل الحاصل.

الثاني : وجوب النزح لقوله [عليه السلام] : «يجزيك» ، فإن الاجزاء لا يستعمل إلا في الوجوب ، والخلاف نشأ من تعارض الرّوايات (3) التي يطول بذكرها الكتاب.

ص: 47


1- في «ن» : فيحمل.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 17 من أبواب الماء المطلق حديث 2 ، لكن ليس فيه : (والفأرة).
3- راجع الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 14 إلى الباب 23 من أبواب الماء المطلق.

قال رحمه اللّه : وأحد الدماء الثلاثة على قول مشهور.

أقول : قال الشيخ : دم الحيض والاستحاضة والنفاس يوجب نزح الجميع ، واختاره ابن إدريس ، قال العلامة : أما الشيخ فلم نظفر (له) (1) بحديث يدل على ما اختاره ، ويمكن ان يحتج له بأنه ماء محكوم بنجاسته ، ولم يرد فيه نص دالّ على تطهيره بقدر (2) معين (فيجب نزح الجميع) (3) ، وقال المفيد : ينزح لقليله خمس ولكثيره عشر ، ولم يفرق.

قال رحمه اللّه : وينزح منها خمسون إن وقعت فيها عذرة فذابت ، والمروي أربعون أو خمسون.

أقول : الرواية هي ما رواه الصدوق في كتابه عن ابي بصير ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال : «سالته عن العذرة تقع في البئر؟ قال : ينزح منها عشر دلاء ، فان ذابت فأربعون أو خمسون» (4) ، فالصّدوق تبع لفظ الرواية ، وجعل الأربعين على الاجزاء ، والخمسين على الأفضل ، والشيخ فصّل بين الرطبة واليابسة ، فجعل في الرطبة خمسين وفي اليابسة عشرا ، فخالف لفظ الرواية في شيئين :

الأول : الفرق بين الرطبة واليابسة ، ولعل وجهه عدم انفكاك الرطبة عن الميعان والتقطع بعد وقوعها في البئر والحكم بالخمسين معلق على ذلك.

الثاني : الجزم بوجوب الخمسين ، ولعل وجهه ترجيح جانب الأحوطية.

قال رحمه اللّه : وكثير الدم كذبح الشاة ، والمروي من ثلاثين إلى أربعين

ص: 48


1- لفظة (له) من المصدر.
2- في «ر 2» : بمقدر.
3- هذه الزيادة وردت في «ن» ، وكذا في المصدر ، راجع المختلف ص 6 المسألة الثالثة.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 20 من أبواب الماء المطلق حديث 2.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : «سألته عن رجل كان يستقي من بئر ماء فرعف هل يتوضأ منها؟ قال : يرمي منها دلاء يسيرة ، وسألته عن رجل ذبح شاة فاضطربت في بئر ماء ، هل يتوضأ من ذلك البئر؟ قال : ينزح منها ما بين ثلاثين إلى أربعين دلوا ويتوضأ» (1).

قال رحمه اللّه : والمروي دلاء يسيرة.

أقول : هذا إشارة إلى رواية علي بن جعفر المتقدمة ، وأقل الدلاء اليسيرة عشرة ، لأن دلاء جمع كثرة ، وأقلّ جمع الكثرة عشرة ، لأن جمع القلة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، واختلفوا في الغاية هل تدخل في ذي الغاية أم لا؟ فعلى القول بدخولها يكون أكثر جمع القلة عشرة ، وأقل جمع الكثرة أحد عشر.

وعلى القول بعدم دخولها يكون أكثر جمع القلة تسعة وأقل جمع الكثرة عشرة ، فعلى القولين لا يجوز نقص جمع الكثرة عن عشرة ، والدلاء جمع كثرة فلا تنقص عن عشرة.

قال رحمه اللّه : اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح ، وفي تضاعفه مع المماثلة تردد.

أقول : البحث هنا في مقامين : الأول التضاعف مع المماثلة ، وقد تردد فيه المصنف ، من ان لكل نجاسة مقدرا شرعيا بحيث لو اتحدت لوجب ذلك المقدر قطعا ، فكذلك مع التكثر ، لان التداخل على خلاف الأصل ، فلا بد له من دليل شرعي.

ص: 49


1- مسائل علي بن جعفر ، المستدركات ، منزوحات البئر ص 203 رقم 432 ورقم 430 ، مع اختلافات لا تغير المعنى. ورواه في الوسائل ، الطهارة ب 21 من أبواب الماء المطلق حديث 1.

ومن أن كل جزء من أجزاء (1) هذه النجاسة المماثلة (2) لا يزيد حكمه على الجزء الآخر ، فالكثرة ليست معتبرة ، وإلّا لحصل الفرق بين جزء الحيوان وكله ، وبين صغيره وكبيره ، وإذا لم تعتبر الكثرة لم يتضاعف النزح مع الكثرة (3).

الثاني : التضاعف مع الاختلاف : وقد جزم به المصنف هنا ، لان مع اختلاف النجاسة تختلف اجزاؤها مع القوة والضعف فلا تداخل (4) ، (ولان لكل نجاسة مقدرا كما قلناه أولا فلا يتداخل) (5) ، ويحتمل دخول الأقل تحت الأكثر ، لاشتماله على الأقل وزيادة تقابل قوة تلك النجاسة التي وجب لها ذلك المقدر (6) فتصير كالمماثلة ، ومذهب العلامة في القواعد عدم تضاعف النزح مطلقا ، ومذهب الشهيد في دروسه التضاعف مطلقا.

قال رحمه اللّه : وإذا تغير أحد أوصاف الماء بالنجاسة ، قيل : ينزح حتى يزول التغير ، وقيل : ينزح ماؤها ، فإن تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال ، وهو الأولى.

أقول : القول الأول قول المفيد ، قال : ينزح حتى يزول التغير ، ولم يجعل نزح الجميع شرطا ، وهو مذهب ابن ابي عقيل أيضا ، واختاره العلامة في المختلف ، لما رواه الشيخ في الحسن ، عن أبي أسامة ، عن ابي عبد اللّه عليه

ص: 50


1- من «ن».
2- في «ي 1» : المتماثلة.
3- كما في «ر 2» و «ن» ، وفي الباقي : التكثير.
4- في «ن» : يتداخل.
5- ما بين القوسين من «ن».
6- من «ن» ، وباقي النسخ : القدر.

السّلام «في الفأرة والسنّور والدجاجة والطير والكلب؟ قال : فإن لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء يكفيك خمس دلاء ، فإن تغير الماء فحدّه حتى يذهب الريح» (1).

والثاني : قول علي بن بابويه ، قال : ينزح أجمع ، فإن تعذر تراوح عليه أربعة رجال يوما ، واختاره ابنه محمد بن بابويه ، وفصّل ابن إدريس فقال : إن كانت النجاسة منصوصة المقدر نزح ، فإن زال التغير ، وإلا نزح حتى يزول ، وإن لم تكن منصوصة المقدر نزح أجمع ، فإن تعذر تراوح عليها أربعة يوما ، فان زال التغير في أثناء اليوم أكمل النزح تمام اليوم (2) واجبا.

قال العلامة : وتفصيل ابن إدريس حسن على مذهبه ، لكنه لا دليل قويا عليه.

تنبيه : اختلف عبارة الأصحاب في تحديد اليوم ، وأحسنها ما قاله المصنف في المعتبر ، وهو من طلوع الفجر الى مغيب (3) الشمس ، ولا يجزي الليل ، ولا الملفق منه ومن النهار.

وهل يجزي النساء في النزح؟

استقرب الشهيد عدم الاجزاء ، ونقل أبو العباس عن المصنف الاجزاء ان اعتبر القوم ، وعدمه إن اعتبر الرجال.

وفيه نظر لقوله تعالى : ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً

ص: 51


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 17 من أبواب الماء المطلق ، حديث 7 ، وفي المصدر : (فخذ منه) بدل (فحده).
2- في غير «ن» : أكمل باليوم واجبا.
3- في «ن» وهامش «ي 1» : غروب ، وفي «ر 2» : مغرب.

مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ) (1) ، جعل القوم هم الرجال دون النساء ، وقال زهير :

وما أدري وسوف إخال أدري *** أقوم آل حصن أم نساء (2)

جعل القوم الرجال دون النساء.

فروع :

الأول : لو نزح اثنان نزحا متواليا يوما ، احتمل عدم الإجزاء لمخالفة النص ، والاجزاء لحصول المقصود.

الثاني : لا ينجس جوانب البئر بما يصيبها من المنزوح.

الثالث : يحكم بالطهارة عند مفارقة آخر الدلاء (3) لوجه الماء.

الرابع : هل يغسل الدلو بعد النزح؟ قيل : لا ، لأنه لو كان نجسا لما سكت عنه الشارع ، ولان الاستحباب بالنزح يدل على طهارته ، والا لنجس البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها ، ومعنى قولنا الاستحباب بالنزح إشارة الى ما ورد من النزح المستحب من ثلاثين إلى أربعين ، وحمل الثلاثين على الاجزاء والأربعين على الاستحباب ، فلو وجب غسل الدلو بعد النزح كان منجسا للماء بعد الثلاثين بملاقاة الدلو قبل غسله ، فيكون بالزيادة محدثا لنجاسة البئر ، لا فاعلا مستحبا ، هذا خلف.

الخامس : لو جفّ البئر سقط النزح لتعلقه بالذاهب ، والمتجدد غيره.

السادس : بطهرها يطهر النازح.

ص: 52


1- الحجرات : 11.
2- ديوان زهير بن أبي سلمى 73.
3- في «ي 1» : الدلو.

السابع : لو تمعط الشعر فيها كفى غلبة الظن بخروجه وان كان شعر نجس العين ، ولو استمر خروجه استوعبت ، فان تعذر واستمر عطلت حتى يظن استحالته.

الثامن : لا يعتبر للمزيل للتغيّر دلو حيث لا مقدر له ، وهل يعتبر في المقدر؟ يحتمل ذلك ، لان تكرار الاستيفاء (1) واضطراب الأرشية في البئر ، ربما كان له مدخل في التطهير بتموج الماء واستهلاك النجاسة واستقرب العلامة في القواعد عدم الاعتبار لحصول المقصود ، وهو إخراج ذلك العدد.

التاسع : لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال له لم تؤثر وان احتمل سبقها.

العاشر : لو تغير ماء البئر المقارب للبالوعة تغيرا يحتمل استناده إليها ، وجب الاجتناب.

قال رحمه اللّه : ولا خبثا على الأظهر.

أقول : أجمع الأصحاب على المنع من استعمال الماء المضاف في رفع الحديث وإزالة الخبث الا ابن بابويه ، فإنه جوّز الوضوء وغسل الجناية بماء الورد.

والسيّد المرتضى جوّز ازالة الخبث في كل مائع.

قال رحمه اللّه : والماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر ، وما استعمل في الحدث الأكبر طاهر ، وهل يرفع به الحدث؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

أقول : منشأ التردد من ان المكلّف مكلف بالطهارة بالماء المتيقن طهارته المقطوع على استباحة الصلاة باستعماله ، والمستعمل في غسل الجنابة مشكوك فيه ، فلا يخرج باستعماله من العهدة ، وبه قال الشيخ ، والمفيد ، ومن انه ماء طاهر غير مضاف فلا مانع من جواز استعماله ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة.

ص: 53


1- من «ن» ، وفي البواقي : (استقاء) أو (استسقاء).

قال رحمه اللّه : وفي سؤر المسوخ تردّد ، والطهارة أظهر.

أقول : السؤر بالهمز ما فضل من ماء قليل بعد شرب حيوان ، وفي الحديث «إذا شربتم فاسأروا» (1) أي فضّلوا فضلة من الماء ، وقد اختلف في الأسئار على أربعة أقوال :

الأول : نجاسة سؤر كلّ ما لا يؤكل لحمه عدا الطيور ، وما لا يمكن التحرز منه في الحضر ، كالفأرة والهرّة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

الثاني : طهارة سؤر كل حيوان طاهر ونجاسة سؤر النجس ، وهو مذهب علم الهدى ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس.

الثالث : نجاسة سؤر الجلال والمسوخ ، وهو مذهب ابن ابي عقيل.

الرابع : نجاسة سؤر آكل الجيف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية (2).

قال رحمه اللّه : وما لا يدركه الطرف من الدم لا ينجس الماء ، وقيل : ينجس ، وهو الأحوط.

أقول : بعدم التنجيس قال الشيخ في المبسوط ، لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه [عليه السلام] (3) ، وبالتنجيس قال ابن إدريس ، لأنه ماء قليل لاقته نجاسة ، وكل ماء قليل لاقته نجاسة فإنه ينجس ، واختاره العلامة وشيخنا أبو العباس.

وقوله : (لا يدركه الطرف) اي بعد وقوعه في الماء ، ولم يتميز لقلته ، مع إدراكه قبل وقوعه وتحقيق الوقوع ، وإلّا لم يتصور المسألة.

ص: 54


1- نهاية ابن الأثير 2 : 327 (سأر).
2- في «ن» بزيادة : والمبسوط.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 8 من أبواب الماء المطلق ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : ولو خرج الغائط مما دون المعدة نقض في قول ، والأشبه أنه لا ينقض.

أقول : قال الشيخ : إذا خرج البول والغائط من جرح وغيره ، فان خرجا من موضع في البدن دون المعدة نقض الوضوء ، وان كان فوق المعدة لم ينقض.

احتج على الأول بعموم قوله تعالى ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (1) وعلى الثاني - وهو عدم النقض إذا كان من فوق المعدة - بأنه لا يسمى غائطا ، واختار العلامة النقض إذا صار معتادا وعدمه مع عدمه ، ولم يفرق.

فروع :

الأول : لو اتفق المخرج من غير المعتاد خلقة نقض الطهارة بخروج الحدث إجماعا.

الثاني : لو خرج الريح من قبل المرأة نقض بأول مرّة ، لأن له منفذا إلى الجوف ، وكذا الأدرة.

الثالث : لو انسدّ الموضع المعتاد وانفتح غيره ، فحكمه حكم الفرع الأول.

الرابع : (لو لم ينسد الأول فإن ساواها (2) في العادة نقض ، والا فلا على مذهب العلامة.

الخامس) (3) : لو خرجت المقعدة خالية من العذرة لم ينقض ، ولو كانت

ص: 55


1- سورة النساء : 43.
2- كذا في النسخ.
3- ما بين القوسين من «ن».

ملطخة ثمَّ عادت ولم ينفصل منها شي ء احتمل النقض لصدق اسم الخروج ، وعدمه لعدم الانفصال.

قال رحمه اللّه : وكيفيتها أن ينوي الوجوب ، أو الندب والقربة ، وهل يجب فيه رفع الحدث ، أو استباحة شي ء مما يجب فيه الطهارة؟ الأظهر أنه لا يجب.

أقول : للأصحاب هنا خمسة أقوال :

الأول : الاكتفاء بنية القربة لا غير ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، فيقول : أتوضأ قربة الى اللّه ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ ) (1) ، فدل على وجوب نية القربة لا غير.

الثاني : اضافة الوجوب أو الندب إلى القربة ، وهو مذهب المصنف هنا فيقول : أتوضأ لوجوبه قربة الى اللّه ، لوجوب إيقاع الفعل على وجهه ، ولا يتم إلا بنية الوجوب أو الندب.

الثالث : ان يضم إلى القربة الاستباحة أو الرفع ، دون الوجوب أو الندب ، فيقول : أتوضأ لاستباحة الصلاة أو لرفع الحديث قربة الى اللّه ، وهو مذهب المرتضى والمصنف في المعتبر.

الرابع : الجمع بين الندب أو الوجوب ، والرفع أو الاستباحة ، فيقول : أتوضأ لرفع الحدث أو لاستباحة الصلاة ، لوجوبه أو ندبه قربة الى اللّه ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه والشهيد ، لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنما الأعمال بالنيّات» (2).

ص: 56


1- البينة : 5.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 10.

وانما اكتفى بالرفع عن الاستباحة وبالعكس ، لحصول الملازمة بينهما ، لأنه كلّما ارتفع الحدث جاز الدخول في الصلاة ، وكلما جاز الدخول في الصلاة ارتفع الحدث ، فكفى أحدهما عن الآخر.

الخامس : ضمّ الرفع والاستباحة معا الى الوجوب والقربة ، فيقول : أتوضأ لرفع الحدث واستباحة الصلاة لوجوبه قربة الى اللّه ، وهو مذهب ابي الصلاح وقطب الدين الراوندي ومعين الدين المصري ، جمعا بين الأقوال ، ولان الاكتفاء بأحدهما استدلال بالملازمة والإتيان بهما استدلال بالمطابقة ، وهو يقين والأول ليس بيقين وأجيب بأن الملازمة اليقينية (1) يقين أيضا.

قال الشهيد في شرح الإرشاد : ولو ضم المكلف الجميع ، واعتقد وجوب الضم أخطأ في اعتقاده وصحت الطهارة على القول بعدم وجوب الضم ، والمعتمد المذهب الرابع.

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا نوى غسل الجنابة أجزأ عن غيره ، وإذا نوى غيره لم يجزئ عنه ، وليس بشي ء.

أقول : إذا اجتمع على المكلف أغسال وأحدها غسل الجنابة ، قال الشيخ رحمه اللّه : إذا نواه أجزأ عن غيره ، لأنه يبيح الصلاة من غير وضوء ، وغيره يحتاج إلى وضوء ، فكان أكمل منه ، والناقص يدخل تحت الكامل ، وغيره لا يجزي عنه ، لعدم جواز العكس ، فلو كمل بالوضوء احتمل الإجزاء عن غسل الجنابة ، لمساواته له في كون كل منهما يبيح الصلاة ويرفع الحدث ، وفعل احد المتساويين يقوم مقام الآخر.

ويحتمل عدم الاجزاء لكون الجنابة مستمرة بعد الغسل ، والوضوء ليس له مدخل في رفع حدث الجنابة ، والكامل بنفسه أكمل من الكامل بغيره ،

ص: 57


1- في «ي 1» : البينة.

هذا إذا نوى رفع حدث المس مثلا ، أما إذا نوى استباحة الصلاة ولم يقصد رفع حدث الجنابة ولا حدث المس مثلا : فإنه يحتمل الإجزاء أيضا ، لأنه فعل فعلا يصلح لكل منهما ، ولقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «لكل امرئ ما نوى» (1) ، وقد نوى استباحة فعل الصلاة ، فيباح له فعلها.

ويحتمل عدم الاجزاء ، لأنه نوى ما يصلح لكل منهما ، وصرفه إلى أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، والأول أقوى.

تنبيه : لو اجتمع على من فرضه التيمم أغسال اجتزأ بتيمّمين ، أحدهما للغسل والأخر للوضوء ، سواء نوى الأقوى كالجنابة ، أو الأضعف كالحيض مثلا لبقاء حدثه بعد التيمم ، فلا يكفي في الأقوى تيمم واحد ، لان المتداخل هو الغسل خاصّة ، فلا يكفي عن طهارة أخرى ، لأصالة البقاء ، وعدم الخروج عن العهدة إلا بفعله.

قال رحمه اللّه : ويجب أن يغسل من أعلى الوجه الى الذقن ، ولو غسل منكوسا لم يجزه على الأظهر.

أقول : عدم جواز النكس مذهب الشيخ وأكثر الأصحاب ، والجواز مذهب السيّد وابن إدريس ، ودليل الفريقين الروايات (2).

فرعان :

الأوّل : لا بد من غسل جزء من الرأس وجزء من أسفل الذقن ، لتوقف الواجب عليه.

الثاني : إذا أدخل يده تحت شعر اللحية وغسل بشرة لحيته لم يجز ، لأنها

ص: 58


1- لاحظ الهامش رقم (53).
2- مستند الأكثر : الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 15 من أبواب الوضوء ، حديث 6 وغيره ، ومستند المرتضى من الروايات الحديث 1 من باب 20 من المصدر السابق ، وليراجع المدارك 1 : 199 - 201.

إن كانت كثيفة فالغسل للظاهر ، وان كانت خفيفة فالغسل لهما معا ، فلا يجزي أحدهما.

قال رحمه اللّه : والأفضل مسح الرأس مقبلا ، ويكره مدبرا على الأشبه.

أقول : الكراهة مذهب الشيخ في أكثر كتبه ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس ، لصدق امتثال الأمر بالمسح. والتحريم مذهب الشيخ في الخلاف ، والسيّد المرتضى ، لأنه مع النكس يكون منهيا عنه ، فلا يجزي.

وأجيب : بأن النهي يتناول غسل استقبال شعر اليدين ، وحمل الرأس عليه قياس.

قال رحمه اللّه : ويجب المسح على بشرة الرجلين ، ولا يجوز على حائل من خف وغيره الا لتقية أو لضرورة فإذا زال السبب أعاد الطهارة على قول ، وقيل : لا تجب الا لحدث ، والأول أحوط.

أقول : إذا مسح على حائل لتقية أو لضرورة ، ثمَّ زال السبب ، هل يجب إعادة الطهارة أم لا؟ يحتمل بقاء الطهارة ، لأنها مشروعة ولم يتعقبها حدث ، وكل طهارة وقعت مشروعة لا ينقضها الا الحدث ، فيكون حكمها باقيا ، ويحتمل وجوب الإعادة ، لأنها طهارة شرعت لضرورة فتزول بزوال ما شرعت له.

فرعان :

الأوّل : إذا عاد السبب بعد زواله ، فإن كان قبل التمكن من الطهارة فلا إعادة ، وإلّا وجبت الإعادة وإن كان كالأول.

الثاني : إذا دارت التقية بين المسح على الخفين والغسل كان الغسل أولى.

قال رحمه اللّه : الموالاة واجبة ، وهي ان يغسل كل عضو قبل ان يجف

ص: 59

ما تقدمه ، وقيل : هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

أقول : لا خلاف في وجوب الموالاة ، وإنما الخلاف في تفسيرها على معنيين :

أحدهما : انها المتابعة ، وهو ان يغسل يده اليمنى عقيب غسل وجهه بلا فصل ، واليسرى عقيب اليمنى كذلك ، ويمسح برجليه عقيب مسح رأسه كذلك ، فإن أخّر بعض الافعال لا لعذر أثم ، فان جفّ السابق استأنف الوضوء ، وإلّا أتمّه ، وإن كان التأخير لعذر أو لانقطاع ما (1) ، جاز ولم يأثم ، هذا مذهب الشيخين رحمهما اللّه واختاره العلامة ، لقوله تعالى ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (2) والآية أمر ، فيوخّى (3) فيه بالفورية ، لأنه أحوط.

والآخر مراعاة الجفاف ، وهو اختيار ابن إدريس ، قال : يجوز تأخير اليد اليمنى عن الوجه ما دام الوجه رطبا ، ولا يجوز تأخيره حتى تجف رطوبته ، وكذا باقي الأعضاء.

وهو اختيار ابن حمزة ، واستقربه الشهيد ، لأن الأمر بالغسل ورد مطلقا ، والأصل براءة الذمة من وجوب المبادرة.

قال رحمه اللّه : وإذا زال العذر استأنف الطهارة على تردد.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة (4).

ص: 60


1- في «ن» : ماء.
2- آل عمران : 133.
3- من «ن» ، وباقي النسخ : فيقضى.
4- ص 59.

قال رحمه اللّه : من به السلس ، قيل : يتوضأ لكل صلاة ، وقيل : من به البطن إذا تجدد حدثه في الصلاة ، يتطهّر ويبني.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الذي به السلس ، قيل : يجب عليه الوضوء لكل صلاة ، ولا يجوز له أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والعلامة في كتبه ، لقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (1) وهو عام خرج منه من لا حدث عليه ، يبقى الباقي على العموم ، ولأنّه أحوط. وقال في المبسوط : يجوز له ان يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد لأصالة براءة الذمة ، وحمله على المستحاضة قياس.

الثانية : المبطون الذي به البطن ، وهو الذرب ، قيل : يفعل كمن به السلس من تجديد الوضوء لكل صلاة ، لأن الغائط حدث ، فلا يستباح معه إلا الصلاة الواحدة لمكان الضرورة ، أما لو تلبس في الصلاة متطهرا ثمَّ فجأه الحدث ، قال الشيخ : يتطهر ويبني على صلاته ، لما رواه محمد بن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام قال : «صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني» (2).

قال العلامة والوجه عندي ان كان عذره دائما لا ينقطع فإنه يبني على صلاته من غير تجدد وضوء ، كصاحب السلس ، وان كان يتمكن من التحفظ بمقدار زمان الصلاة ، فإنه يتطهر ويستأنف الصلاة.

قال رحمه اللّه : ومن جدد وضوءه بنية الندب ثمَّ صلّى وذكر أنه أخلّ بعضو من أحد الطهارتين ، فإن اقتصرنا على نية القربة فالطهارة والصلاة

ص: 61


1- المائدة : 6.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 237 ، كتاب الطهارة ، باب صلاة المريض ، حديث 11. رواه في الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 19 من أبواب نواقض الوضوء ، حديث 2. باختلاف يسير.

صحيحتان ، وإن أوجبنا نية الاستباحة أعادهما ، ولو صلّى بكل واحدة منهما صلاة أعاد الأولى بناء على الأول ، ولو أحدث عقيب طهارة ولم يعلمها بعينها أعاد الصلاتين إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته ، وكذا لو صلى بطهارة ثمَّ أحدث وجدّد طهارة أخرى وذكر أنه أخلّ بواحدة من احدى الطهارتين ، ولو صلى الخمس وتيقن أنه أحدث عقيب إحدى الطهارات ، أعاد ثلاثة فرائض ، ثلاثا واثنتين وأربعا ، وقيل : يعيد خمسا ، والأول أشبه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : من توضأ وصلى الظهر ، ثمَّ جدد وضوءه بنية الندب ، ثمَّ ذكر أنه أخلّ بعضو من احدى الطهارتين بعد أن صلى العصر ، فان اكتفينا بنية القربة أعاد الظهر خاصة ، لأنّ العضو المتروك إن كان من الطهارة الأولى بطلت وصحت العصر بطهارته ، وإن كان من طهارة العصر صحت الصلاتان بالطهارة الأولى ، فالعصر صحيحة على التقديرين ، وإن أوجبنا نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة وجب عليه الصلاتان معا ، لأنّ الوضوء الثاني لم يحصل به رفع الحدث ولا استباحة الصلاة ، والأول مشكوك فيه فلم يبرأ من عهدة التكليف.

الثانية : لو توضأ وصلّى الظهر ، ثمَّ أحدث وتوضأ وصلّى العصر ، ثمَّ ذكر أنه أحدث عقيب احدى الطهارتين ، وأنه أوقع أحد الفرضين بغير طهارة واشتبه ، أعاد الصلاتين ان اختلفتا عددا ، وإلّا فصلاة واحدة ينوي بها ما في ذمته ، لأن إحداهما صحيحة بيقين ، وقيل : الصلاتين ، لأنه ما أدّى واحدة منهما بيقين.

ص: 62

الثالثة : لو توضأ لكل صلاة من الخمس وضوءا ، وذكر أنه أحدث عقيب احدى الطهارات ، توضأ وأعاد ثلاثا واثنتين وأربعا مطلقة ، ينوي بها ما في ذمته ، وقال الشيخ يعيد الخمس ، لأنّه ما أدّى إحداها بيقين.

ص: 63

ص: 64

في الجنابة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو جامع في الدبر ولم ينزل وجب الغسل على الأظهر.

أقول : روى ابن بابويه (1) : عدم إيجاب الغسل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية لأصالة براءة الذمّة ، ولرواية أحمد بن محمد البرقي (2) ، والوجوب مذهب السيّد المرتضى ، والشيخ في المبسوط والمصنف والعلامة وأبو العباس لقوله تعالى ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (3) ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، قال : «سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : إذا أدخله فقد وجب الغسل» (4) ، وللاحتياط.

تنبيه : حكم الدبر حكم القبل إلّا في أماكن :

ص: 65


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 47 باب 19 ، صفة غسل الجنابة ، حديث 185. أورده في الوسائل كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الجنابة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب الجنابة ، حديث 2.
3- المائدة : 6.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب الجنابة ، حديث 1.

الأول : الإحصان فلا يثبت به.

الثاني : استنطاقها في النكاح ، لتعلق الحكم بالبكارة وهي باقية.

الثالث : عدم التحليل به.

الرابع : عدم الفئة من المولى.

الخامس : إجبار الزوج على الوطء بعد الأربعة ، ولا يكفي لو كان يطأ في الدبر.

السادس : لو حلف أن لا يطأها في الدبر ، لم يكن إيلاءا.

قال رحمه اللّه : لو وطء غلاما فأوقبه ، قال المرتضى : يجب الغسل معولا على الإجماع المركب ولم يثبت.

أقول : الخلاف في دبر الغلام كالخلاف في دبر المرأة ، قال : المرتضى :

يجب به الغسل ، واختاره المصنف (1) والعلامة ، لأنه أولج في فرج مشتهى طبعا ، وللإجماع المركب ، لان كل قائل بوجوبه في دبر المرأة ، قائل بوجوبه في دبر الغلام.

قوله : (ولم يثبت) أي لم يثبت الإجماع لوجود المخالف في دبر المرأة ، فيثبت الخلاف في دبر الغلام.

ولا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغسل.

فروع :

الأول : إذا أولج في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغسل ، وإن أولج في قبله لم يجب ، لجواز كونه رجلا فيكون ذلك عضوا زائدا فلا

ص: 66


1- كلمة : (المصنف) ليست في «ن».

يجب الغسل الا مع الإنزال ، فيكون (1) كالتفخيذ ، وقيل : يجب لقوله عليه السلام : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (2) ، والمعتمد الأول.

الثاني : إذا أولج الخنثى في فرج امرأة ، فلا شي ء عليهما ، لجواز كونه زائدا على الأول.

الثالث : إذا أولج الصبي أو وطئات الصبية ، هل يتعلق بهما حكم الجنابة؟ قيل : نعم ، بمعنى أنه يمنع من المساجد ، ومس كتابة القرآن والصلاة تطوّعا ، إلّا مع الغسل ، واكتفى به العلامة عند البلوغ ، والأحوط الإعادة.

الرابع : لو أولج مقطوع الحشفة ، وجب الغسل إن غيّب الباقي ، أو بقدر الحشفة.

الخامس : لا فرق بين الرجل والمرأة في وجوب الغسل مع الإنزال ، فلو احتلمت ، أو حصل لها بمباشرة يدها أو عبث الزوج تلذذ وفتور ، وجب الغسل إن خرج المني ، ولا يكفي انتقاله من الترائب ما لم يخرج إلى ظاهر الفرج كالرجل ، لأن أم سليم امرأة أبي طلحة ، «قالت : يا رسول اللّه ، إن اللّه لا يستحي من الحق ، هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال : نعم ، إذا رأت الماء» (3).

قال رحمه اللّه : إذا غسل بعض أعضائه ثمَّ أحدث قيل : يعيد الغسل من رأس ، وقيل : يقتصر على إتمام الغسل ، وقيل : يتمه ويتوضأ للصلاة ، وهو أشبه.

ص: 67


1- في «ر 1» : لأنه.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب الجنابة ، حديث 2.
3- مستدرك الوسائل 1 : 454 ، باب 4 من أبواب الجنابة ، حديث 5.

أقول : الإعادة من رأس قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة وأبو العبّاس ، لان الحدث الأصغر ناقض للطهارة فلأبعاضها اولى ، وإذا انتقض ما فعله وجب اعادة الغسل ، وهو المعتمد.

والاقتصار على الإتمام مذهب ابن إدريس ، لأن الحدث الأصغر لا يوجب الغسل إجماعا ، فلا معنى لإيجاب الإعادة.

والإتمام مع الوضوء قول السيد المرتضى ، واختاره المصنف ، لان الحدث الأصغر لو حصل بعد إتمام الطهارة لأوجب الوضوء ، فكذا قبل إتمامها ، فلا وجه للإعادة.

تنبيه : هذا إذا كان غسل الجنابة ، فإذا كان غيره وحصل الحدث في أثنائه لم يلتفت ، فان كان قد قدم الوضوء أعاده بعد إكمال الغسل ، وان لم يكن قدمه لم يكن لحصول الحدث في الأثناء أثر ، إذ لا بد من الوضوء بعد الغسل ، ويحرم قبل الوضوء مشروطه خاصة كالصلاة والطواف الواجب ، ويجوز قبله وقبل غسل المس ما ليس مشروطا بالوضوء ، كالصوم ودخول المساجد وقراءة العزائم والطواف المندوب ، والغسل المندوب لا يبطل بتخلل الحدث ولا تقدمه ولا تعقبه إذا كان للزمان ، وان كان للمكان بطل بتخلله وتعقبه دون تقدمه ، وكذا ما كان للفعل.

ولو اجتمعت أغسال مندوبة فإن نوى الجميع كفى غسل واحد ، وان نوى البعض اختص بما نواه ، قاله صاحب التذكرة.

ص: 68

في الحيض

اشارة

قال رحمه اللّه : وكذا قيل فيما يخرج من الجانب الأيمن.

أقول : قال الشيخ إذا اشتبه الحيض بدم القرح أدخلت المرأة إصبعها في فرجها ، فإن كان خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان خارجا من الأيسر فهو دم حيض ، وهو مذهب ابن إدريس ، وقال ابن الجنيد : دم الحيض أسود غليظ تعلوه حمرة تخرج من الجانب الأيمن وتحسّ المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق تعلوه صفرة من الجانب الأيسر ، وقد روى الشيخ عن محمد بن يحيى رفعه ، عن أبان بن مالك ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : فتاة منا بها قرحة في جوفها ، والدم سائل ، لا تدري من دم القرحة أم دم الحيض؟ قال : مرها فلتستلقي على ظهرها ، وترفع بطنها وتستدخل إصبعها الوسطى ، فان خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة» (1).

ص: 69


1- الوسائل ، كتاب الطهارة باب 16 من أبواب الحيض ، حديث 2 وفيه تفاوت : في الوسائل : (فرجها) (فرجها) بدل (جوفها) وبدل (سائل) في بعض النسخ «يتسايل» ، وفي الوسائل : (ثمَّ ترفع رجلها) بدل (بطنها) ، هذا مع تقديم الجانب الأيسر على الجانب الأيمن بالذكر ، ومتن الحديث المذكور مطابق لما رواه الكليني دون ما رواه الشيخ. لاحظ تعليقة صاحب الوسائل في المقام.

قال رحمه اللّه : وهل يشرط التوالي في الثلاثة أو يكفي كونها في جملة العشرة؟ الأظهر الأول.

أقول : أقلّ الحيض ثلاثة أيام بلياليها متتالية بحيث لا يخلو من الفرج في آن من آنات الثلاثة ، وان قلّ تارة وكثر اخرى ، هذا مذهب الشيخ في الجمل وابني بابويه وابن إدريس ، لأن الصلاة ثابتة في الذمة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها إلّا بيقين السبب المسقط ، ولا يقين مع عدم التتالي.

وقال في النهاية : لا يشترط بل يكفى كونها في جملة عشرة ، واحتج برواية يونس (1).

فرع : لو خرج الدم من غير الرحم في أدوار الحيض بشرائطه مع انسداد الرحم كان حيضا ، كما حكي أن امرأة في زمان الشهيد كان يخرج الدم في أيام حيضها من فيها.

قال رحمه اللّه : وقيل في غير القرشية والنبطية ببلوغ خمسين سنة.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلّامة في أكثر كتبه ، وفي النهاية (2) حدّه بخمسين مطلقا.

قال رحمه اللّه : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم إجماعا ، وفي المبتدأة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتى تمضي لها ثلاثة أيام.

أقول : ترك العبادة برؤية الدم مذهب الشيخ واختاره العلامة في

ص: 70


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب الحيض ، حديث 2.
2- المراد : نهاية الشيخ الطوسي رحمه اللّه.

المختلف ، لرواية معاوية بن عمار الصحيحة (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ورواية حفص بن البختري (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا ، واشترط العلامة كون الدم جامعا لصفات الحيض.

وعدم الترك إلّا بعد تجاوز الثلاثة مذهب السيد المرتضى ، وابن إدريس ، واختاره أبو العباس ، للاحتياط للعبادة ، ولأن الأصل عدم الحيض.

قال رحمه اللّه : وتسجد لو تلت السجدة ، وكذا إن استمعت على الأظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب السجود على قارئ العزائم ومستمعها ، والاستحباب للسامع ، سواء في ذلك الطاهر والجنب والطاهرة والحائض ، لورود الأمر بالسجود مطلقا ، ولصحيحة علي بن رئاب (3) ، عن ابي عبيدة الحذّاء.

ومنع في النهاية من سجود الحائض ، لقوله عليه السلام : «لا صلاة إلا بطهارة» (4) ، والسجدة جزء ، ولرواية عبد الرحمن (5) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ويجوز له الاستمتاع بما عدا القبل ، فإن وطئ عالما عامدا وجبت عليه الكفارة ، وقيل : لا تجب ، والأول أحوط.

ص: 71


1- تراجع الرواية ، فإنها لا تدل على المدعى (الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 3 من أبواب الحيض حديث 1) ، وراجع المختلف ص 37 المسألة 2.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 3 من أبواب الحيض ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 36 من أبواب الحيض ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 1 من أبواب الوضوء ، حديث 1 وحديث 2.
5- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 1 من أبواب الوضوء ، حديث 1 وحديث 2.

أقول : للشيخ هنا قولان :

أحدهما الاستحباب ، قاله في النهاية واختاره العلامة وأبو العباس ، لأصالة البراءة ، ولأن شغل الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وقال في الجمل بالوجوب ، وهو مذهب السيّد المرتضى ، واختاره ابن إدريس ، للاحتياط ، ولهم عليه روايات (2).

فروع :

الأول : إذا وطئ الحائض مستحلا كفر ، وغير المستحل يفسق ويعزر.

الثاني : إذا أخبرته بالحيض فان كانت ثقة ، وجب عليه الامتناع ، لوجوب قبول قولها ، لقوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (3) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول ، كما في الشهادة ، وإن كانت متهمة بمنع حقه لم يجب حينئذ الامتناع ما لم يتحقق.

الثالث : لا كفارة على المرأة وان غرته لعدم النص على ذلك.

الرابع : الخلاف في وجوب الكفارة في الوطئ في النفاس ، كالخلاف في الحيض ، لان دم النفاس هو دم الحيض ، وانما احتبس مدة الحمل ، لانصرافه الى غذاء الولد ، فاذا وضع الولد وانقطع العرق الذي كان يجري الدم فيه الى الولد ، خرج الدم من الفرج كالحيض.

قال رحمه اللّه : ولو تكرر منه الوطئ في وقت لا تختلف فيه الكفارة لم

ص: 72


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 29 من أبواب الحيض ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 28 من أبواب الحيض ، حديث 4 ، وتلاحظ بقية أحاديث الباب.
3- البقرة : 228.

تتكرر ، وقيل : تتكرر ، والأول أقوى.

أقول : لو كرر الوطئ في الحيض عامدا عالما ، قال الشيخ في المبسوط :

لا نص لأصحابنا فيه بمعين ، وعموم الأخبار يقتضي ان عليه بكل (1) دفعة كفارة ، ثمَّ قال : ولو قلنا انها لا تتكرر ، لأنه لا دليل عليه ، ولأصالة براءة الذمة ، كان قويا ، ونحوه قال ابن إدريس ، واختار العلامة عدم التكرار ، إلّا أن تختلف الأوقات كأوّله وأوسطه وآخره ، أمّا التكرار مع التغاير ، فلأنّهما فعلان مختلفان في الحكم ، فلا يتداخلان كغيرهما من العقوبات على الأفعال المختلفة.

فرع : لا يكفي القيمة في كفارة وطي الحائض ولا دينار قيمته أقل من عشرة دراهم شرعية ، وكذا في النصف والربع ، فلا بد ان يكون قيمة النصف نصف العشرة ، والربع ربعها.

ومحلها الفقير المؤمن ، ولا بأس ان يشتريه من الفقير بعد الإخراج عليه من غير شرط لا معه ، ولا يكفي الإخراج حينئذ وإن ترك شراءه لوقوعه فاسدا ولا يملكه الفقير ان علم الفساد ، ويرجع عليه به وان تلف في يده لتصرفه تصرفا غير مشروع ، ومع عدم علمه بالفساد يرجع مع بقاء العين ، لا مع تلفها.

ص: 73


1- في «ن» : لكل.

ص: 74

في الاستحاضة

قال رحمه اللّه : أو يكون مع الحمل على الأظهر.

قال : الدم الذي تراه الحامل هل يكون حيضا أو استحاضة؟ قيل : يكون حيضا ، وهو مذهب محمد بن بابويه والسيّد المرتضى والعلامة ، وبه قال أبو العباس ، ودليلهم الروايات (1).

وقال المفيد ، وابن إدريس : يكون استحاضة واختاره المصنف ، لرواية السكوني (2) ، وقال في الخلاف : انها تحيض قبل ان يستبين حملها ، فاذا استبان لا تحيض.

قال رحمه اللّه : فالمبتدأة ترجع الى اعتبار الدم ، فما شابه دم الحيض فهو حيض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط ان يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة ، فإن كان لونا واحدا أو لم يحصل فيه شريطتا التمييز رجعت الى عادة نسائها. إلى آخره.

ص: 75


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 30 من أبواب الحيض.
2- المصدر السابق ، حديث 12.

أقول : المبتدأة إذا تجاوز دمها العشرة عملت على التمييز إن حصل ، وحكمها في الدور الأول ترك العبادة بعد مضي ثلاثة أيام إلى تمام العشرة ، فإذا تجاوز اعتبرت التمييز فيما مضى من العشرة ، فما كان منها بصفة الحيض قضت صومه خاصّة ، وقضت الصوم والصّلاة فيما عداه.

وشروط التمييز اختلاف لون الدم ، وأن لا ينقص ما بصفة الحيض عن ثلاثة أيام ولا يزيد عن عشرة ، وأن لا ينقص ما بصفة الاستحاضة منه عن عشرة ، ومع فقد التمييز ترجع إلى عادة نسائها ، كأمّها وعمّتها وخالتها ، ومع فقدهنّ أو اختلافهنّ ترجع إلى عادة أسنانها من أهل بلدها ، وتقضي صوم عادة نسائها أو أسنانها من تلك العشرة والصوم والصلاة فيما عدا ذلك ، ومع فقد الأنساب والأقران (1) ترجع إلى الرّوايات (2) ، فاذا جاء الدور الثاني عملت على التمييز أو عادة النساء أو الأقران أو الروايات في ظرف العشرة ، قاله (3) الشهيد ، وتتعبد فيما عدا ذلك.

واختلف الأصحاب في حكم الراجعة إلى الروايات ، قال الشيخ في المبسوط : تترك الصوم والصلاة ثلاثة أيام في الشهر الأول ، وعشرة في الثاني ، أو في كل شهر سبعة أيام ، لأن في ذلك روايتين لا ترجيح لإحداهما على الأخرى ، وله فيه قول آخر ، وهو أن تجعل عشرة أيام حيضا ، وعشرة أيام طهرا دائما ، وقال ابن بابويه : أكثر جلوسها عشرة في كل شهر ، وإليه أشار المصنف بقوله : (وقيل : عشرة) ، وقال ابن الجنيد : إذا دام عليها الدم تركت العبادة إلى عشرة أيام وعملت عمل المستحاضة ، وتترك الصلاة في كل شهر

ص: 76


1- في «م» : الأقربين.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 8 من أبواب الحيض.
3- في «ن» : قال.

ثلاثة أيّام وتصلي سبعة وعشرين يوما ، وتقضي من شهر رمضان عشرة أيّام ، من غير العشر الذي أفطرت فيه ثلاثة أيّام ، وإليه أشار بقوله : (وقيل : ثلاثة أيّام) ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وذات العادة تجعل عادتها حيضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمييز ، قيل : تعمل على العادة ، وقيل : على التمييز ، وقيل : تتخير ، والأول أظهر.

أقول : إذا اتفق العادة والتمييز فلا كلام ، وانما البحث إذا رأت زمان العادة بصفة الاستحاضة ، وفي غير ذلك الزمان بصفة الحيض ، وتجاوز المجموع العشرة ، قال الشيخ في الجمل : ترجع إلى العادة ، وهو مذهب السيّد ، واختاره المصنف والعلامة ، وقال في النهاية : ترجع الى التمييز ، والقول بالتخيير لم أعلم قائله (2).

تنبيه : حكم التمييز جعل القوي حيضا والضعيف استحاضة ، والقوة تعتبر بثلاثة أشياء :

الأول : اللون ، فالأسود أقوى من الأحمر والأحمر أقوى من الأشقر ، والأشقر أقوى من الأصفر ، والأصفر أقوى من الكدر.

الثاني : الرائحة ، فالمنتن أقوى من غير المنتن.

الثالث : الثخن ، فالثخين أقوى من الرقيق.

فلو اتصف أحدهما بصفتين ، والآخر بصفة فذو الصفتين أقوى ، وذو الثلاث أقوى منه.

ص: 77


1- الوسائل ، كتاب الطهارة باب 8 من أبواب الحيض.
2- القائل به ابن حمزة في الوسيلة : 60.

قال رحمه اللّه : والمضطربة العادة ترجع الى التمييز فتعمل عليه ، ولا تترك هذه الصلاة إلا بعد ثلاثة أيام على الأظهر.

أقول : الخلاف في المضطربة كالخلاف في المبتدأة ، وقد سبق البحث فيه.

قال رحمه اللّه : الأولى : لو ذكرت العدد ونسيت الوقت ، قيل : تعمل في الزمان كله ما تعمله المستحاضة وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه ، وتقضي صوم عادتها.

أقول : إذا قالت : كان حيضي عشرة من الشهر ، وهي إحدى العشرات وما صرت أعلمها ، هل هي الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ قال الشيخ : هذه ليس لها حيض بيقين ولا طهر بيقين ، فتجعل زمانها زمان الطهر ، فتصلي من أول الشهر إلى آخره بعد ان تفعل فعل المستحاضة ، وتغتسل في آخر كل عشرة لاحتمال انقطاع دم الحيض فيه ، وقال العلامة : تتحيّض بقدر أيام عادتها فتتخيّر بالتخصيص ، واختاره الشهيد (1).

هذا إذا علمت انحصاره في إحدى العشرات.

أما إذا قالت : كنت أحيض في كل شهر عشرة أيام ، ولا أعلم مكانها منه ، فهذه أيضا ليس لها حيض بيقين ، ولا طهر بيقين ، فعلى ما اختاره الشيخ تفعل ما تفعله المستحاضة لكل صلاة في العشر الأول ، ثمَّ تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلا إذا كانت تعلم أنها تطهر في وقت معلوم فتغتسل في كل يوم في ذلك الوقت وتفعل فعل المستحاضة ومنقطعة الحيض في العشرين الأخيرين ، وفي العشرة الأولى فعل الحائض والمستحاضة.

والفرق بين عالمة انحصاره في إحدى العشرات وغيرها : أن العالمة

ص: 78


1- في «ي 1» : (وان منع الزوج) بدل : (واختاره الشهيد).

قطعت على أن ابتداء حيضها من أول إحدى العشرات ، فوجب عليها الغسل في آخر كل عشر ، اما غير العالمة بانحصاره في إحدى العشرات ، لم تعلم أول حيضها ، فجاز أن يكون الأول أو الثاني ، أو الثالث ، وهكذا ، وإنما أوجبنا عليها الغسل عند كل صلاة بعد العشر الأولى ، لجواز انقطاع حيضها عند ذلك ، فهذا فرق بينهما.

ص: 79

ص: 80

في النفاس

قال رحمه اللّه : وأكثر النفاس عشرة على الأظهر.

أقول : إذا تعدى دم النفاس عشرة فللأصحاب فيه أقوال : والمحصل منها : إن كانت ذات عادة رجعت إليها ، وان كانت مبتدأة أو مضطربة كان نفاسها عشرة أيام ، لأن النفاس حيضة حبسها الاحتياج إلى تغذية الولد ، فاذا وضعته انطلقت ، وأقصى مدة الحيض عشرة ، فيكون كذلك لما تبين من أنه دم الحيض ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، وقال في المختلف أقصاه ثمانية عشر يوما ، مستدلا بصحيحة محمد بن مسلم (1) ، عن ابي جعفر عليه السلام. والسيد المرتضى ومحمد بن بابويه جعلاه عشرة مطلقا للمعتادة وغيرها.

تنبيه : التوأمان نفسان إن تخلل بينهما طهر كامل ، بان تطهر بعد نفاسها من الأول عشرة أيام ، ثمَّ تضع الثاني وترى الدم ، فإنه نفاس على حدته ، وإن كان بينهما أقل من ذلك فهو نفاس واحد ، لكن مبتدأة من وضع

ص: 81


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 3 من أبواب النفاس ، حديث 15.

الأول ، واحتساب العشرة من وضع الأخير وإن تعدد ، وكذلك حكم خروج الأعضاء متعاقبة.

وهي بين التوأمين حامل تشارك الحوامل في النذر والوصية لهن ، والوقف عليهنّ ، وتطلّق من غير استبراء.

والنفساء كالحائض ، إلّا في أماكن :

الأول : في الأقل.

الثاني : في عدم العمل على التمييز.

الثالث : في تخلل النقاء ، بمعنى أن لا يشترط أن يكون بين دمي النفاس أقل الطهر ، فإنه لو رأت دم النفاس ثمَّ انقطع أقل من عشرة ، ثمَّ وضعت آخر ورأت الدم ، وتعدى الدمان (1) العشرة ، فالدمان وما بينهما نفاس ، ولو اتفق ذلك للحائض ، بأن ترى الدم أيام عادتها ، ثمَّ ينقطع أقل من عشرة ثمَّ ترى الدم أيضا وعبر الجميع العشرة فالثاني يكون استحاضة.

الرابع : إبطاله لما قبله من الحيض ، بمعنى أن النفاس اللاحق للحيض قبل أقل الطهر ، فإنه يبطله ويتبيّن انه كان استحاضة ، والدم المتعقب للنفاس قبل أقل الطهر لا يبطل النفاس ، بل يكون الزائد على العشرة استحاضة.

الخامس : عدم الخروج به من العدة ، بل الخروج بوضع الولد ، إلّا أن تكون حاملا من زنا فالخروج بالدم لا بوضع الولد ، فتحسب الدم حيضة وتخرج به إن كان ثالثا ، وإلّا أكملته بحيضة أو حيضتين.

السادس : عدم رجوع المبتدأة به إلى نسائها مع عبوره العشرة ، بل تجعله عشرة.

ص: 82


1- في «ن» و «ر 2» : الزمان.

السابع : عدم رجوع المعتادة إلى عادتها فيه ، بل إلى عادتها في الحيض.

الثامن : ثبوت الحكم له مع مجاوزة العشرة ، كما لو رأت دم النفاس في الأول عشرة ، ثمَّ وضعت الثاني قبل مضي عشرة أخرى ، فهي نفساء في الجميع إجماعا.

ص: 83

ص: 84

في أحكام الأموات

قال رحمه اللّه : وهو فرض كفاية ، وقيل : هو مستحب.

أقول : وجوب التوجيه هو مذهب المفيد وابن إدريس ، واختاره الشهيد وأبو العبّاس ، والاستحباب مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، لأصالة البراءة ، ودليل الوجوب الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء ، دفن بغير غسل ، ولا تقربه الكافرة. وكذا المرأة ، وروي أنهم يغسلون وجهها ويديها.

أقول : هذه الرواية نقلها الشيخ بإسناده الى المفضل بن عمر ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس لها فيهم محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ، ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب اللّه تعالى عليه التيمم ، ولا تمس ولا يكشف لها شي ء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها ، فقلت : كيف يصنع بها؟ قال : يغسل

ص: 85


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 35 من أبواب الاحتضار.

باطن كفيها ، ثمَّ يغسل وجهها ، ثمَّ يغسل ظهر كفيها» (1).

قال رحمه اللّه : وأقل ما يكفي في الماء من السدر أقل ما يقع عليه من الاسم ، وقيل مقدار سبع ورقات.

أقول : المشهور بين الأصحاب الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه الاسم من السدر لحصول الامتثال به ، والأصل براءة الذمة عما زاد ، وقيل : مقدار سبع ورقات ، وقد وردت به رواية (2) ضعيفة السّند ، وعمل الأصحاب بضدها ، لأن التقدير أمر شرعي ، فيتوقف على النص ، ولم يثبت.

تنبيه : لا ينبغي وضع السدر صحيحا ، بل مطحونا ، لأنّ المراد به التنظيف ، والتنظيف إنما هو بالمطحون ، ولو طرحه صحيحا أجزأ.

قال رحمه اللّه : وفي الوضوء تردّد ، والأشبه أنه لا يجب.

أقول : منشأ التردد من عموم قوله عليه السلام : «كل غسل يفتقر الى الوضوء إلّا غسل الجنابة» (3) ، وهذا غسل ، فيفتقر إلى الوضوء ، ومن أنّ افتقار الأغسال إلى الوضوء لأجل استباحة الصلاة ، لا لأنه تمام الغسل ، والميت لا صلاة عليه.

فكلام أبي الصلاح يشعر بوجوب الوضوء ، لأنه قال حين عد الأغسال الواجبة : وغسل الميت وجه وجوبه مصلحة الحي وتكرمة الميت ، وصفته أن يبدأ الغاسل فينحّي الميت ثمَّ يوضيه وضوء الصلاة ، وقال الشيخ في المبسوط : وقد روي ان يوضي الميت قبل غسله (4) ، فمن عمل بها كان جائزا ، غير

ص: 86


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 22 من أبواب غسل الميت ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب غسل الميت ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 35 من أبواب الجنابة ، حديث 1 وحديث 2 بتفاوت يسير.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 6 من أبواب غسل الميت.

ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك ، لأن غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل الجنابة (1).

قال ابن إدريس : وإذا كان الشيخ قال في مبسوطه : غير أن عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لم يجز العمل بالرواية ، لأن العامل بها يكون مخالفا للطائفة (2).

ومذهب المصنف في المختصر الاستحباب ، واختاره العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو عدم السدر والكافور غسل بماء القراح ، وقيل :

لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها ، وفيه تردّد.

أقول : منشأ التردد من أن غسل الميت ثلاث : الاولى : بماء السدر ، والثانية : بماء الكافور ، والثالثة : بماء القراح ، فيكون مطلق الغسلات واجبا متصفا بهذه الصفة ، ولا يلزم من تعذر الصفة سقوط الموصوف عن الذمة ، ومن أن المأمور به هو الغسل بماء السدر وماء الكافور وماء القراح ، وقد تعذر فيسقط التكليف بذلك النوع من الغسل ، والقول بعدم السقوط قول ابن إدريس.

تنبيه : يكفي في غسل الميت نيّة واحدة عند الغسلة الأولى ، بأن يقول : (أغسل هذا الميّت لوجوبه قربة الى اللّه) ، ولا يجب ذكر السّدر والكافور ، ويكتفى بها في غسلتي الكافور والقراح ، لأن غسل الميّت في الحقيقة غسل واحد ، والغسلات الثلاث كيفية لذلك الغسل الواحد ، لا أنها أغسال متعددة ، ولهذا لما عدّوا الأغسال الواجبة جعلوها ستة أغسال ، أحدها غسل الأموات.

ص: 87


1- المبسوط 1 : 179.
2- السرائر 1 : 159 بتفاوت.

قال رحمه اللّه : ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأول أولى.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه : إذا أصاب كفن الميت نجاسة قرض الموضع بالمقراض ، وقال ابنا بابويه وابن إدريس : يقرض إن وضع في القبر ، وإلّا غسلت ، لأنّه قبل وضعه في القبر يمكن غسله ، فيكون أولى من قرضه ، لوجوب حفظ الكفن.

قال رحمه اللّه : الشهيد يدفن بثيابه وينزع عنه الخفان والفرو أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر.

أقول : قال الشيخ : الشهيد يدفن بثيابه ولم يغسل ، ويدفن معه جميع ما عليه ممّا أصابه الدم الا الخفين ، وقد روي أنهما إذا أصابهما الدم دفنا معه ، وقال المفيد : يدفن بثيابه التي قتل فيها وينزع عنه من جملتها السراويل ، الا ان يكون أصابها دم ، فلا تنزع عنه وتدفن معه ، وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة ، وان أصابهما دم دفنا معه ، وينزع عنه الخف على كل حال.

فرع : لا يجوز التكفين في الجلود ، لأنها تنزع عن الشهيد مع انه يدفن بجميع ما عليه (1) ، وقال الشهيد في البيان : يجوز التكفين فيه مع عدم غيره.

ص: 88


1- في «ن» بزيادة : (فلا يناسب تكفين غيره بها).

في الأغسال المندوبة

قال رحمه اللّه : واما الأغسال المندوبة ، فالمشهور منها ثمانية وعشرون غسلا.

أقول : هذه الأغسال التي عددها من المشهور (1) بين الأصحاب ، وهناك أغسال أخر غير التي عددها وليست بالمشهورة ولم يذكرها هنا ، وذلك مثل ما ورد من استحباب الغسل في كل ليلة وتر من رمضان ، ومن استحباب الغسل عند قتل الوزغ ، ويوم نيروز الفرس.

قال رحمه اللّه : وغسل المفرّط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر.

أقول : اختلف علماؤنا في وجوب الغسل على قاضي صلاة الكسوف والخسوف إذا تركها متعمدا مع احتراق القرص كله ، قال أبو الصلاح وسلار بوجوبه ، لرواية محمد بن مسلم (2) ، وقال المفيد : انه مستحب ، واختاره

ص: 89


1- في «ي 1» : هي المشهورة.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 1 من أبواب الأغسال المسنونة ، حديث 11.

ابن إدريس والمتأخرون ، لأصالة براءة الذمة ، ولقوله عليه السلام : «من فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (1) ، ولم يجب الغسل عند فوتها ، فلا يجب عند قضائها.

قال رحمه اللّه : إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفي نية القربة ما لم ينو السبب. وقيل : إذا انضم إليها غسل واجب كفاه نية القربة ، والأول أولى.

أقول : الأغسال المندوبة لا تتداخل لاختلاف أسبابها ، وقال في التذكرة : فإن نوى الجميع كفاه غسل واحد ، وان نوى البعض اختص بما نواه.

وإن جامعها واجب ، قال الشيخ : اغتسل ونوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة أجزأ عنهما ، والمشهور خلافه ، لأن غسل الجمعة مستحب ، وغسل الجنابة واجب ، ولا بد من نية الوجه في كل منهما ، فإن نوى الوجوب عن الجنابة والجمعة لم يجزه ، لأنه يكون قد نوى الواجب فيما ليس بواجب ، فيكون قبيحا فلا يتقرب به الى اللّه تعالى ، وان نوى الندب لم يقع غسل الجنابة على وجهه ، وان نواهما معا كان الفعل الواحد قد نوى به الوجوب والندب معا ، وهما ضدان فلا يقع عنهما ولا عن أحدهما ، لأنه ترجيح من غير مرجّح.

ص: 90


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب قضاء الصلوات. والنص الذي ذكره الشارح (رحمه اللّه) مطابق لما في عوالي اللئالي 2 : 54.

في الطهارة الترابية

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر.

أقول : قال الشيخ : إذا تيمّم قبل الطلب مع تمكنه منه لم يعتد بذلك التيمم ، قال العلامة : وهذا الكلام مع إطلاقه مشكل ، وتقرير البحث أن نقول : إذا تيمم قبل تضيق الوقت بطل لعدم الشرط ، وهو تضيق الوقت ، وان تيمم في آخر الوقت ولم يكن قد طلب مع تمكنه منه ، ففي بطلان تيممه نظر : من ان صحته مشروطة بعدم الوجدان المشروط بالطلب ، والمشروط بالمشروط بالشي ء مشروط بذلك الشي ء ، فيكون التيمم مشروطا بالطلب ، ولم يوجد الشرط فينتفي المشروط.

ومن أنه مأمور بالصلاة ، وبدون فعلها لا يخرج عن العهدة ، وفعلها مشروط بالتيمم ، لتعذر الماء عليه حينئذ ، والطلب قد أسقط عنه لضيق الوقت ، ومع امتثال الأمر يخرج من العهدة ، وهو مذهب المصنف والعلامة.

فروع :

الأول : لو وجد الماء بعد فراغه في رحله أو عند أصحابه الباذلين له

ص: 91

وجبت الإعادة ، بمعنى القضاء ، ولو طلب ووجده بعد الفراغ ، لم يجب الإعادة.

الثاني : تجوز النيابة في الطلب ، لأن الاعتماد على الظن وهو يحصل بقول الثقة.

الثالث : لو ظن وجود الماء في أزيد من النصاب وجب الطلب.

الرابع : الطلب انما يكون بعد دخول الوقت ، لأنه قبل دخول الوقت غير مأمور بالصلاة ، ولا بتحصيل شي ء من شرائطها ، فلو طلب قبل دخول الوقت وأفاده العلم بعدم الماء اكتفى به على الأقرب ، وإلّا وجب اعادة الطلب في الوقت.

قال رحمه اللّه : ولا يصحّ التيمم قبل دخول الوقت ويصح مع تضيّقه ، وهل يصح مع سعته؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.

أقول : منشؤه أن شرط صحة التيمم فقدان الماء في الوقت ، وانما يتحقّق مع فقده في جميع أجزاء الوقت ، فيجب التأخير حتى يضيق ، ومن ان الأفضل الإتيان بالصلاة في أول وقتها ، والتيمم طهارة شرعية فيسوغ عند إرادتها في الوضوء والغسل ، لعطفه عليه في الآية (1) ، والعطف يقتضي التسوية. وقال ابن الجنيد والعلامة في القواعد : إن كان العذر يرجى زواله وجب التأخير ، وإن كان لا يرجى زواله جاز التيمم في أول الوقت ، لعدم فائدة التأخير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل باستيعاب مسح الوجه والذراعين ، والأول أظهر.

ص: 92


1- النساء : 43 ، والمائدة : 6.

أقول : القائل بذلك عليّ بن بابويه رحمه اللّه ، محتجا برواية سماعة (1) ، ولأنه تعالى بيّن في الغسل الوجه واليدين وأحال في التيمم عليه (2) ، ولأن طهارة الماء أكمل ، وقد وجب فيها الاستيعاب ، ففي الأنقص أولى.

والمشهور بين الأصحاب وجوب مسح الجبهة ، وحدّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجب ، وظاهر الكفين من المعصم إلى أطراف الأصابع ، والدليل صحيحة زرارة (3) عن الباقر عليه السلام وأجابوا عن حجة ابن بابويه بمنع سند رواية سماعة ، وبالمنع من احالة التيمم على الغسل ، لحصول الفاصل وهو الباء الدالة على التبعيض ، وبمنع مساواة الأنقص الأكمل في الفعل ، لأن ذلك غير لائق ، بل اللائق نقصه في الفعل أيضا.

قال رحمه اللّه : ويجزيه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه ، ولا بد من ضربتين ، وقيل : في الكل ضربتان ، وقيل : ضربة واحدة ، والتفصيل ، أظهر.

أقول : حكى المصنف هنا ثلاثة أقوال :

أولها : التفصيل وهو الاكتفاء بضربة واحدة إن كان التيمم بدلا من الوضوء ، وان كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين ، واحدة للوجه وأخرى لليدين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخين وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، ولهم عليه روايات (4).

ص: 93


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 13 من أبواب التيمم ، حديث 3.
2- المائدة : 6.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب التيمم ، حديث 9 ، ولزرارة روايات أخر في الباب.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب التيمم ، وباب 12.

وثانيها : وجوب الضربتين مطلقا ، سواء كان بدلا من الوضوء أو الغسل ، وهو قول علي بن بابويه ، لصحيحة زرارة (1) عن ابي جعفر عليه السلام.

وثالثها : الاكتفاء بضربة واحدة مطلقا أيضا ، وهو مذهب السيّد المرتضى رحمه اللّه ، لصحيحة زرارة (2) عن الباقر عليه السلام ، ولا يتوهم أحد أنها هي دليل ابن بابويه في وجوب الضربتين ، بل هي مغايرة لها.

في أحكامه

قال رحمه اللّه : من صلى بتيممه لا يعيد ، سواء كان في سفر أو حضر ، وقيل فيمن تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء : يتيمم ويصلي ثمَّ يعيد ، وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك ، وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : فيمن تعمد الجنابة ، قال الشيخ : يتيمم مع خوف التلف ويصلي ، فإذا وجد الماء اغتسل وأعاد ، محتجا برواية جعفر بن بشير (3) ، عن عبد اللّه بن سنان ، أو غيره ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

وقال المفيد بعدم جواز التيمم وإن خاف على نفسه ، ويلزمه بطلان الصلاة ، وعدم الاعتداد بها ، لرواية علي بن أحمد (4) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ص: 94


1- راجع نفس المتقدم.
2- راجع نفس المتقدم.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 14 من أبواب التيمم ، حديث 6. وليراجع التهذيب 1 : 96.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 17 من أبواب التيمم ، حديث 1.

وقال ابن إدريس : بصحة التيمم والصلاة ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ، ولما رواه ابن بابويه ، يرفعه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «ان فلانا أصابته جنابة ...» (2) إلى آخر الرواية ، ولأنه فعل المأمور به شرعا فيخرج به من العهدة.

الثانية : من منعه زحام الجمعة ، ولم يتمكن من الخروج بسببه ، فتيمم وصلّى في المسجد ، هل تصح هذه الصلاة ويخرج بها من العهدة ، أو يجب قضاؤها؟ قولان : أحدهما الصحة ، لأنه امتثل المأمور به شرعا فيخرج من العهدة ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، والآخر الإعادة عند وجود الماء ، قاله الشيخ رحمه اللّه ، لرواية السكوني (3) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام.

الثالثة : إذا كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، ويعلم البحث فيها مما تقدم.

فرع : قال العلامة في التذكرة : لو جامع المسافر ومعه ما يغسل به الفرج ، غسله وتيمم وصلى ، ولا إعادة إجماعا ، ولو فقد ، تيمم وصلّى ولا إعادة على رأي.

قال رحمه اللّه : من عدم الماء وما يتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس ، قيل : يصلي ويعيد ، وقيل : يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضى ، وقيل : يسقط الفرض أداء وقضاء ، وهو الأشبه.

ص: 95


1- الحج : 78.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب التيمم ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 15 من أبواب التيمم ، حديث 1.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط قال من كان محبوسا بالقيد أو الرباط ، أو مصلوبا على خشبة أو في موضع نجس لا يقدر على طاهر يسجد عليه ولا يتيمم به ، فإنه إما أن يؤخرها أو يصلي وعليه الإعادة ، لأنه صلى بلا طهارة ولا تيمم.

الثاني : قول السيّد المرتضى في المسائل الناصرية ، قال : ليس لأصحابنا فيه نص صريح ويقوى في نفسي أن من لم يجد ماء ولا ترابا أن الصلاة لا تجب عليه ، وإذا تمكن من الماء أو التراب قضى الصلاة ان كان الوقت قد خرج ، واستدل بقوله عليه السلام : «لا يقبل اللّه صلاة بغير طهور» (1) ، والطهور هو الماء عند وجوده ، والتراب عند فقده وقد عدمهما جميعا ، فوجب أن لا يكون له صلاة.

قال العلامة : وما قواه السيّد قوي ، وما استدل به سديد في موضعه ، واستشكل في وجوب القضاء ، لان وجوبه تابع لوجوب الأداء (ولا يتحقق وجوب الأداء) (2) ، فلا يجب القضاء.

الثالث : سقوط الفرض أداء وقضاء ، وهذا القول نقله المصنف عن بعض علمائنا ، قال العلامة : ولا بأس به.

والمعتمد ان فاقد الطهورين يجب ان يذكر اللّه تعالى بقدر زمان صلاته ، فإن لم يفعل وجب القضاء ، وهو مذهب المفيد في رسالته الى ولده ، ونقله العلامة في مختلفة (3) ، وابن فهد في مهذبه ، وجزم به في موجزه.

ص: 96


1- مستدرك الوسائل 1 : 288 باب 1 من أبواب الوضوء ، حديث 8.
2- ما بين القوسين من «ي 1». وهو في عبارة المختلف : 53.
3- المختلف : 149 ، والمهذب البارع 1 : 457 ، ولم نعثر على رسالة المفيد.

قال رحمه اللّه : إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر ، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب عليه الإعادة ، وان وجده وهو في الصلاة ، قيل :

يرجع ما لم يركع ، وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب وهو الأظهر.

أقول : القول الأول - وهو الرجوع ما لم يركع - قول الشيخ في النهاية ، ومحمد بن بابويه ، لرواية عبد اللّه بن عاصم (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

والقول الثاني - وهو عدم الرجوع ، ولو تلبس بتكبيرة الإحرام - هو قول السيّد المرتضى وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا ، فيجب الإتمام ، ويحرم إبطاله.

قال رحمه اللّه : وإن كان ملكا لهم جميعا أو لا مالك له ، أو مع مالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب ، وقيل : يختص به الميت ، وفي ذلك تردد.

أقول : التحقيق في هذه المسألة : أنّ الماء الذي لا يكفي غير واحد مع اجتماع ميت ومحدث وجنب ، إما أن يكون مملوكا لواحد فهو لمالكه ، أو مباحا فهو لمن حازه ولا بحث حينئذ ، وإن كان مبذولا ، أو منذورا ، أو موقوفا أو موصى به للأحوج ، أو مملوكا للجميع ، احتجنا إلى تمييز الأحوج ، فيختص به على سبيل الاستحباب إن كان غير مقيد بالأحوج ، فالقول باختصاص الجنب هو قول الشيخ ، لرواية (2) وردت عن الكاظم عليه السلام ، ولأن الجنب متعبد بالغسل مع وجود الماء ، والميت قد سقط عنه الفرض بالموت.

وقال ابن إدريس باختصاص الميّت ، لأنّ المقصود من غسل الميت

ص: 97


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 21 من أبواب التيمم ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 18 ، حديث 1.

تنظيفه وهو لا يحصل بالتيمم ، ولأنّه خاتمة عمله فينبغي أن تكون طهارته كاملة (1).

وتردد المصنف لعدم ترجيح أحد الدليلين عنده.

فروع :

الأول : لو تغلب المرجوح مع وجوب التخصيص أثم ولم يجزأه الطهارة به ، ومع استحباب التخصيص أساء وأجزأه الطهارة به.

الثاني : لو اجتمع حائض وجنب كان الجنب أولى ، لأنّ الرجل أولى بالكمال من المرأة ، ويحتمل أولوية الحائض ، لأنّها تقضي حق اللّه تعالى وحق زوجها في إباحة الوطئ.

الثالث : لو اجتمع من على ثوبه أو بدنه نجاسة مع جنب أو ميت ، كان مزيل النجاسة أولى ، وإن كانت على الميت وقلنا بتقديم الجنب عليه ، كان إزالتها عن الميت اولى.

الرابع : يقدم العطشان على الجميع.

الخامس : لو لم يكف من خصّه الشارع به صرف الى الآخر ، فان قصر عن الجميع تعيّن للجنب ليصرفه في بعض أعضائه ، ويتوقع للباقي ، لعدم وجوب الموالاة في الغسل ، فان تعذر الإكمال تيمم.

ص: 98


1- في «ن» بزيادة : والحي يرجع الى الماء فيغتسل.

في النجاسات

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي رجيع ما لا نفس له سائلة وبوله تردد ، وكذا في ذرق الدجاج غير الجلال ، والأظهر الطهارة.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : في رجيع ما لا نفس له سائلة ، ومنشأ التردد عموم الأخبار الدالة على نجاسة رجيع ما لا يؤكل لحمه (1) ، فيدخل ما لا نفس له في العموم ، ومن لزوم الحرج بنجاسته فإنه مما يشق بالاحتراز عنه ، والمشهور بين الأصحاب طهارته.

الثانية : ذرق الدجاج غير الجلّال ، وبنجاسته قال الشيخان ، لرواية محمد بن أحمد بن يحيى (2) ، وبطهارته قال محمد بن بابويه ، وتابعه

ص: 99


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 9 من أبواب النجاسات.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 10 من أبواب النجاسات ، حديث 3.

معظم (1) الأصحاب لرواية زرارة (2) ، وأصالة الطهارة ، وكونه مما يشق التحرز منه.

قال رحمه اللّه : وفي منيّ ما لا نفس له تردد ، والطهارة أشبه.

أقول : التردد من عموم (3) نجاسة المني مطلقا من جميع الحيوانات المحللة والمحرمة ، فيدخل غير ذي النفس في العموم ، ومن أصالة الطهارة ، وكونه دما في الحقيقة ، ودم ما لا نفس له طاهر ، فيكون منيه طاهرا لعدم الدليل الناقل له عن أصله.

قال رحمه اللّه : وما كان منه لا تحله الحياة ، كالعظم والشعر فهو طاهر إلّا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر.

أقول : المشهور نجاسة جميع أجزاء نجس العين ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وصفه بكونه «رجسا نجسا» (4) ، وهو يتناول عظمه وشعره ، لأنهما داخلان في مسمّاه ، وقال السيد المرتضى بعدم نجاسة ما لا تحله الحياة منه ، لأنّ ما لا تحله الحياة لا يحكم بنجاسته كشعر الميتة وعظمها من طاهر العين.

والجواب حصول الفرق ، لأنّ المقتضي للتنجيس في نجس العين ذاته ، وفي الميتة صفة الموت ، وهذه الصفة لم تحصل فيما لا تحله الحياة ، فيبقى على أصالة الطهارة.

ص: 100


1- في «ن» : بعض.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 9 من أبواب النجاسات ، حديث 4 و 6.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 16 من أبواب النجاسات.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب النجاسات ، حديث 22 ، والرواية عن الصادق عليه السلام ، لا عن النبي صلى اللّه عليه وآله.

قال رحمه اللّه : وفي الثعلب والأرنب والفأرة والوزغ تردد ، والأظهر الطهارة.

أقول : هنا مسائل :

الأولى والثانية : الثعلب والأرنب ، وبنجاستهما قال الشيخ في النهاية والمبسوط وبه قال المفيد ، لرواية يونس (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وبالطهارة قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، لرواية الفضل أبي العباس (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالثة والرابعة : الفأرة والوزغة ، وبنجاستهما قال الشيخ والمفيد ، وبطهارتهما قال المصنف والعلامة ، واستدل الجميع بالروايات (3).

قال رحمه اللّه : الثامن : المسكرات ، وفي تنجيسها خلاف ، والأظهر النجاسة.

أقول : قال الشيخ والمفيد والمرتضى ومعظم الأصحاب بنجاسة المسكرات ، وادعى الشيخ والسيد عليه الإجماع ، وقال ابن الجنيد : ومن أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما ، لأنّ اللّه تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان ، وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب ، ونحوه قال محمد بن بابويه ، واستدل الجميع بالروايات (4).

ص: 101


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 34 من أبواب النجاسات ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب النجاسات ، حديث 1. في النسخ (ابن العباس) بدل (أبي ...) ، وصححناه من كتب الرجال والحديث.
3- راجع الوسائل كتاب الطهارة باب 19 من أبواب الماء المطلق حديث 2 ، وباب 9 من أبواب الأسئار حديث 2 و 4 و 7 و 8 ، وباب 33 من النجاسات ، حديث 1 و 2 ، وباب 36 حديث 1 و 2.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 38 من أبواب النجاسات.

قال رحمه اللّه : وفي عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة.

أقول : هنا مسائل :

الأولى والثانية : عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة ، وبنجاسته قال الشيخان ، وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة بالطهارة ، واستدل الفريقان بالروايات (1).

الثالثة : المسوخ ، وبنجاستها قال الشيخ وسلار ، لأنّ المسوخ يحرم بيعها ، ولا مانع سوى النجاسة ، وقال المصنف والعلامة بالطهارة ، للأصل ، ولما رواه عبد الحميد بن سعد قال : «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن عظام الفيل ، هل يحل بيعها للذي يعمل منها الأمشاط؟ قال : لا بأس ، قد كان لأبي مشط أو أمشاط» (2) ، والفيل أحد أنواع المسوخ ، فلو كان نجسا كان عظمه نجسا أيضا.

ص: 102


1- راجع الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 11 من أبواب الماء المضاف ، وباب 27 من أبواب النجاسات ، هذا في خصوص عرق الجنب. وفي مسألة عرق الإبل الجلالة راجع الوسائل ، كتاب الطهارة باب 5 و 6 و 1. من أبواب الأسئار وباب 15 من النجاسات.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 37 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 2 وفي بعض النسخ : (عبد الحميد بن سعيد) كما في الوسائل.

في أحكام النجاسات

اشارة

قال رحمه اللّه : وان كان متفرقا قيل : هو عفو ، وقيل : يجب إزالته ، وقيل : لا يجب إلّا أن يتفاحش ، والأول أظهر.

أقول : هنا ثلاثة أقوال في المتفرق من الدم :

الأول : لا يجب إزالته إلّا أن يبلغ كل موضع منه مقدار الدرهم ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ، لأنّ كل واحد من المتفرق عفو ، لقصوره عن سعة الدرهم.

الثاني : يجب إزالته إذا بلغ الدرهم ، سواء كان متفرقا أو مجتمعا ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1) خرج عنه ما وقع عليه الإجماع - وهو ما نقص عن الدرهم - فيبقى الباقي على المنع ، ولأنّ النجاسة البالغة مقدار الدرهم لا تتفاوت بالاجتماع والافتراق في المحل.

الثالث : قوله في النهاية ، وهو أنّه عفو ما لم يبلغ التفاحش ، ولم يذكر

ص: 103


1- المدثر : 4.

وجهه ، وليس في الروايات (1) الواردة في هذا المعنى ما يدل عليه ، ولعله نظر إلى استقذاره واستخباثه ، والخبث علة في التحريم ، لقوله تعالى ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) (2).

فرعان :

الأول : لو تعددت الثياب وفي كل واحد منها قدر ما عفى عنه من الدم ، لم يجب إزالته وإن زاد المجموع عن الدرهم ، والثوب والبدن متعددان لا يضم أحدهما إلى الآخر ، وإذا كان الدم في باطن الثوب وفي مقابله من الظاهر ، فان نفذ أحدهما إلى الآخر فهما واحد.

الثاني : إذا أصاب ما نقص عن الدرهم بصاق أو ماء ، فإن تعدّى عن محله لم يبق العفو ، وان بقي على محلّ الدم ولم يتعدّ ، هل يبقى العفو؟ قيل : لا ، لأنه صار حاملا لمنجّس وهي الرطوبة الملاقية للدم ، وقيل : يبقى ، لان المنجّس شي ء لا يزيد عليه في الحكم.

قال رحمه اللّه : وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن كان يابسا رشّه بالماء استحبابا ، وفي البدن يغسل رطبا ، وقيل : يمسح يابسا ، ولم يثبت.

أقول : الضّابط أن كل نجاسة لا تؤثر في الثوب ولا البدن لا يجب غسلها ، إلا ميّت غير الآدمي فإن نجاسته تتعدى ، وإن كان يابسا على فتوى القواعد والموجز ، واشترط الشهيد في بيانه الرطوبة ، أمّا ميت الآدمي ففي القواعد تتعدى نجاسته مطلقا أيضا ، رطبا ويابسا ، باردا وسخنا ،

ص: 104


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 20 من أبواب النجاسات.
2- الأعراف : 157.

وفي الموجز لا تتعدى إلّا مع الرطوبة حال برده بالموت خاصة.

وقال ابن حمزة بوجوب رشّ الثوب إذا أصابه الكلب أو الخنزير أو الكافر يابسا ، ومسح موضع الإصابة في البدن بالتراب مع يبس الملاقي ، لما رواه حريز (1) عمن أخبره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والمشهور الاستحباب ، إذ مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة ، وإلّا وجب غسل المحل.

قال رحمه اللّه : وإذا أخل المصلي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه ، فإن لم يعلم ثمَّ علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة ، وقيل : يعيد في الوقت ، والأول أظهر.

أقول : إذا لم يعلم بالنجاسة إلّا بعد الصلاة ، وتيقن سبقها على الصلاة ، فإن خرج الوقت لا إعادة إجماعا (2) ، وهل يعيد مع بقائه؟

قال السيّد المرتضى ، وابن إدريس : لا يعيد ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، لأصالة براءة الذمة ، ولرواية حفص بن غياث (3) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام.

وقال الشيخ في موضع من النهاية ، والعلّامة في القواعد : يعيد ، للاحتياط ، ولرواية وهب بن عبد ربه (4) ، عن ابي جعفر عليه السلام.

ويتفرّع على المذهبين ما لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فعلى الأول يطرحها إن أمكن ويتم صلاته ، وإن لم يمكن إلّا بفعل المنافي كالاستدبار والفعل الكثير استأنف ، وعلى الثاني يستأنف مع بقاء الوقت مطلقا ، سواء

ص: 105


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، باب 26 ، حديث 3.
2- كلمة (إجماعا) من «ن».
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 37 ، من أبواب النجاسات ، حديث 5.
4- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 40 من أبواب النجاسات ، حديث 8.

افتقر إلى المنافي أو لا ، وسواء تيقن سبقها على الصلاة أو لا ، وقيد الشهيد ذلك بعلم سبقها على الصلاة ، أمّا لو شك في سبقها أو حدوثها أزالها ولا إعادة ، لأصالة صحة الصلاة الخالية عن معارضة التقدم (1).

قال رحمه اللّه : إذا كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلّى الصلاة الواحدة في كل منهما منفردا على الأظهر.

أقول : مذهب الشيخ رحمه اللّه ومعظم الأصحاب أنّه يصلّي الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا ، لأنّه متمكن من أداء الفرض في ثوب طاهر فيتعين (2) ، وبالصلاة فيهما مرتين يحصل المأمور به ، فيجب عليه فعله.

وقال ابن إدريس : يلقيهما ويصلي عريانا ، لأنّ الواجب عليه عند إيقاع كل فريضة أن يقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عن افتتاح كل صلاة هنا ، ولا يجوز أن تقف الصلاة عليه ما يظهر (3) ، لأنّ الصلاة واجبة على وجه يقع عليه الصلاة ولا يؤثر فيه المتأخر.

والجواب : المنع من وجوب علمه بطهارة الثوب حينئذ ، لأنّ هذا التكليف سقط عنه لتعذره ، والمؤثر في وجوب الصلاة (4) هنا موجود مع الفعل لا متأخر عنه ، لأنّا نحكم بوجوب صلاتين ، إحداهما بالأصالة والأخرى بالاشتباه ، لأنه لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولم يتفطّن ابن إدريس لذلك ، وظنّ أن إحدى الصلاتين واجبة

ص: 106


1- من «ن» ، وفي النسخ : التقديم.
2- في «ن» و «ر 1» : فتتعين الصلاة.
3- في السرائر بزيادة : فيما بعد ، راجع السرائر 1 : 185.
4- في «ن» : الصلاتين.

دون الأخرى ، ثمَّ يعلم المكلف بعد فعلهما أنه فعل الواجب بالجملة ، وليس كذلك.

فروع :

الأول : إذا اشتبه النجس بالطاهر ، وكان النجس محصورا كرّر الفريضة بعدد النجس وزيادة فريضة ، وإن كان غير محصور كررها في الجميع مع تمكنه ، وإلّا سقط التكرار ويصلّي بأيها شاء أو عاريا على الخلاف.

الثاني : إذا صلى في المشتبهين فليصلّي الفريضة في كل واحد منهما ليحصل القطع ببراءة ذمته منها ، ثمَّ يصلّي الأخرى فيهما ، ولو صلّى الأولى في ثوب والثانية فيه أيضا ثمَّ أعادهما في الآخر احتمل الإجزاء لحصول الترتيب قطعا ، ولكن الأول أولى.

الثالث : لو صلّى الأولى في ثوب ثمَّ الثانية في آخر ، ثمَّ الأولى فيه أيضا ثمَّ الثانية في الأول ، صحت الأولى خاصة ، لاحتمال كون الطاهر هو الثاني ، فيكون قد أوقع العصر قبل الظهر فتكون باطلة ، ولو لم يجب الترتيب صحتا معا.

قال رحمه اللّه : ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلي عريانا إذا لم يكن هناك غيره ، وإن لم يمكنه صلّى فيه وأعاد ، وقيل : لا يعيد ، وهو الأشبه (1).

أقول : الإعادة مذهب الشيخ رحمه اللّه ومستنده رواية عمار الساباطي (2) عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، وعدم الإعادة مذهب ابن إدريس

ص: 107


1- في «ن» : أشبه.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 45 ، من أبواب النجاسات ، حديث 8.

واختاره المصنف ، والعلامة ، لأنّه أتى بالمأمور به فيخرج به عن العهدة ، وهذان المذهبان مشهوران.

واختار المصنف في المعتبر ، والعلّامة في منتهى المطلب ، جواز الصلاة في الثوب النجس مع التمكن من نزعه إذا لم يتمكن من غسله ، وذهبا إلى جواز التخيير أيضا في نزعه والصلاة فيه لوجهين :

الأول : ان طهارة الثوب شرط في الصلاة وستر العورة شرط أيضا فيتخير المكلف بترك أيّهما شاء.

الثاني : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام قال :

«سألته عن رجل عريان وقد حضرت الصلاة ، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم ، أيصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال : إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد صلى فيه ، ولا يصلي عريانا» (1).

قال رحمه اللّه : والماء الذي تغسل به النجاسة نجس ، سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية ، وسواء كان متلوثا (2) بالنجاسة أو لم يكن ، وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقي ، وكذا القول في الإناء على الأظهر.

أقول : الماء المستعمل في تطهير الثياب وغيرها للأصحاب فيه أقوال :

قال السيّد المرتضى : حكم المنفصل عن المغسول حكم المحل بعد الغسل ، فعلى هذا يكون طاهرا ، سواء كان في الأولى أو الثانية أو الثالثة ، وبه قال الشيخ في باب تطهير الثياب من المبسوط.

قال السيّد : لأنّا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل لوروده على النجاسة ،

ص: 108


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 45 من أبواب النجاسات ، حديث 5.
2- في نسخة : متلونا.

لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر عن النجاسة إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه دفعة ، وهو باطل للمشقّة.

وجزم الشيخ في الخلاف بنجاسة الأولى وطهارة الثانية.

وقال المصنف والعلامة : بنجاسة المنفصل مطلقا ، سواء كان في الأولى أو الثانية أو الثالثة ، أو ما زاد على ذلك من الغسلات الواجبة كالسابعة من نجاسة الخنزير والخمر ، لا ما زاد على العدد الواجب ، كما توهّمه ابن فهد رحمه اللّه في مقتصره ومهذّبه ، لأنه قال : وان زاد على الواجب. وهو غلط حصل له من لفظ الإطلاق.

قال العلامة في نهايته : وأن يكون نجسا مطلقا سواء انفصل من الغسلة المطهرة للمحل أو لا ، لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل عنها كغيره.

فقد تبين من الإطلاق أنّه في المطهرة وغير المطهرة ، لا ما زاد على المطهرة ، وإذا كان العلة في التنجيس كونه ماء قليلا لاقى نجاسة ، فبعد الحكم بالطهارة يلاقي محلا طاهرا (1) ، ولا قائل بنجاسة غسالة المحل الطاهر.

والمراد بالإطلاق خلافا للخلاف ، لأنّ الشيخ في الخلاف حكم بنجاسة الغسالة من الغسلة الأولى دون غسالة الغسلة المطهرة كثانية البول ، وثالثة الفأرة والولوغ وسابعة الخمر والخنزير ، والمصنف والعلامة أطلقا التنجيس في الأولى والمطهرة.

قال الشهيد في الذكرى : فعلى هذا يكون حكم الغسالة حكم مغسولها قبلها ، فمذهب الشهيد والمصنف والعلامة واحد ، وهو طهارة المنفصل إذا ورد على محل قد حكم بطهارته ، وعند ابن فهد (ان مذهب المصنف

ص: 109


1- هكذا وردت هذه الجملة في النسخ إلا «ن» فإنها كالتالي : (فيفيد الحكم بطهارة ما يلاقي ...).

والعلامة) (1) نجاسة الغسالة وإن وردت على محل قد حكم بطهارته ، وهو مخالف للعقل والنقل.

وأجاب العلّامة عن حجة السيد بالمنع من الملازمة ، فإنّا نحكم بتطهير الثوب ونجاسة الماء بعد انفصاله عن المحل ، والفرق بين المتصل والمنفصل لزوم الكلفة والمشقة بتنجيس المتصل دون المنفصل ، هذا مع عدم التغيّر أمّا لو تغيّر بالنجاسة فنجس (2) إجماعا ، ولا فرق بين الثياب والأواني عند المصنف ومن تابعه ، فلا يتوهّم متوهم أن قول المصنف : (وكذا القول في الإناء على الأظهر) أراد به الفرق ، بل أراد أن يبيّن أنّ حكم الأواني حكم الثياب.

وقوله : (على الأظهر) عائد إلى الخلاف الواقع في الماء الذي يغسل به النجاسة ، سواء كانت على الثوب أو في الإناء أو غيرهما.

وأما الشيخ رحمه اللّه فقد حكم في الخلاف بطهارة غسلتي الولوغ سواء كان من الأولى أو الثانية ، وهو موافق لمذهبه في المبسوط ، لأنه حكم بطهارة المنفصل مطلقا كمذهب السيد ، وقد بيّناه في صدر المسألة.

قال رحمه اللّه : وقيل في الذنوب إذا ألقي على نجاسة على الأرض تطهر الأرض مع بقائه على طهارته.

أقول : بالطهارة قال الشيخ وابن إدريس ، لما رواه أنس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، قال : «جاء أعرابي ، فبال في طائفة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فلما قضى بوله ، فأمر بذنوب من ماء فأهريق عليه» (3) ، والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما يأمر بالطهارة

ص: 110


1- ما بين القوسين مضروب عليه القلم في «ن».
2- من «ن» ، وفي بعض النسخ : حكم بنجاسته.
3- صحيح مسلم ج 1 ، كتاب الطهارة ، باب 30 وجوب غسل النجاسات إذا حصلت. حديث 99.

بالمؤثر في الطهارة ، لا بما يزيد في التنجيس ، فيلزم منه طهارة الماء أيضا.

ومنعه العلّامة ، لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل بها ، فلا يطهر المحل ، وأجاب عن الرواية بكونها من طريق العامة ، وبكون الذنوب كبيرا يسع كرا (1).

قلت : وهذه الرواية تقوي مذهب السيد المرتضى بعدم نجاسة الماء الذي تزال به النجاسة ، وهو قوي.

تنبيه : تطهر الأرض بأحد أمور ستة :

الأول : إلقاء كرّ فما زاد عليها دفعة مع زوال عين النجاسة عنها.

الثاني : إجراء الماء الجاري عليها حتى يستهلك النجاسة.

الثالث : طلوع الشمس عليها حتى تجف.

الرابع : وقوع الغيث عليها حتى يستهلك النجاسة.

الخامس : كشط النجاسة وما اتصل به أجزاؤها عنها.

السادس : الزيادة عليها ، بأن يطرح فوقها طينا أو ترابا ، وتسمية هذين مطهرين على سبيل المجاز.

تذنيب : إنما يطهر بغير الكثير ما يمكن (انفصال الغسالة عنه ، كالثياب والأواني ، وكل جسم لا يتشرّب الغسالة ، بحيث لا يمكن (2) انفصالها عنه ، وما لا يمكن انفصالها عنه كالمائعات ، والقرطاس ، والطين ، والحب المطبوخ بالماء النجس ، واللحم وشبهه إذا طبخ به ، والخبز المعجون بالنجس ، فهذا جميعه لا يطهر الّا بالكثير إذا تخلّله.

ص: 111


1- في نسخة : يبلغ.
2- في «ي 1» : يمكن.

قال رحمه اللّه : ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب على الأصح (1).

أقول : الولوغ هو شرب الكلب من الإناء بطرف لسانه ، ويغسل له ثلاث غسلات ، أولاهنّ بالتراب ، وقال المفيد : الوسطى بالتراب ، والأول هو المشهور.

والمشهور هو اختصاص التراب بالولوغ ، ولم يفرق المفيد بين الولوغ والوقوع والمباشرة بالأعضاء.

فرعان :

الأول : لو عدم التراب وجب التعفير بمشابهه (2) كالأشنان والنورة والدقيق ، ولو عدم الجميع وجب الثلاث بالماء.

الثاني : لو غمسه في الكثير لم يجز عن التعفير ، لان التراب ربما كان أبلغ بإزالة الرطوبة.

ص: 112


1- في بعض النسخ : على الأظهر.
2- في «ن» : بما يشابهه.

كتاب الصلاة

اشارة

ص: 113

ص: 114

في النوافل

قال رحمه اللّه : ونوافلها في الحضر أربع وثلاثون ركعة على الأشهر.

أقول : أطبق الأصحاب في كتب الفتاوي على أن الفرض والنفل أحد وخمسون ركعة في اليوم والليلة ، ولهم عليه روايات كثيرة (1) ، ووردت روايات أخر (2) تتضمن النقيصة عن ذلك ، فمنها : رواية يحيى بن حبيب ، عن الرضا عليه السلام ، ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، فإنهما تتضمنان نقيصة أربع من نافلة العصر ، ومنها رواية زرارة ، عن الصادق عليه السلام فإنها تضمنت إسقاط ركعتين من نافلة المغرب مع سقوط ما تقدم ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب.

ص: 115


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 14 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

قال رحمه اللّه : ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر والوتيرة على الأظهر.

أقول : قال الشيخ في الجمل والمبسوط : تسقط ، وقال في النهاية : إنه يتخير ، واختاره أبو العباس.

ص: 116

في أوقات الصلاة

قال رحمه اللّه : والغروب باستتار القرص ، وقيل : بذهاب الحمرة من المشرق ، وهو الأشهر.

أقول : المشهور بين علمائنا أن علامة غروب الشمس ذهاب الحمرة المشرقية ، لان الآفاق مختلفة ، وربما حصل غيبوبة القرص قبل غروب الشمس ، لأجل حائل ، فلو لم يكن الاعتبار بزوال الحمرة لما حصل الصلاة بعد دخول الوقت بيقين ، ولرواية بريد بن معاوية (1) في الصحيح عن الباقر عليه السلام.

وقال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط : علامة غيبوبة الشمس هو أنّه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ، ولا حائل بينه وبينها ورآها غابت عن العين علم غروبها.

ومن أصحابنا من قال : يراعى زوال الحمرة من ناحية المشرق ، وهو أحوط.

ص: 117


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب المواقيت ، حديث 1.

فأمّا على القول الأول إذا غابت الشمس عن البصر ورأس ضوءها على جبل يقابلها أو مكان عال مثل منارة الإسكندريّة ، فإنه يصلي ، ولا يلزمه حكم طلوعها بحيث طلعت وعلى الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع (1) ، وهو أحوط ، ويظهر من كلام الشيخ هذا أن الاعتبار بغيبوبة القرص ، ونحوه قال ابن الجنيد ، ولهما عليه روايات (2).

قال رحمه اللّه : وقال آخرون ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شي ء مثله وقت للظهر ، وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير مثليه ، والمماثلة بين الفي ء الزائد والظل الأول ، وقيل : بل مثل الشخص ، وقيل :

أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر ، هذا للمختار ، وما زاد على ذلك حتى تغرب وقت لذوي الأعذار.

أقول : لكل صلاة وقتان أول وآخر ، قال الشيخان ومن تابعهما : الأول وقت للمختار ، والثاني وقت للمعذور ، وقال المصنف والعلامة : الأول وقت للفضيلة ، والثاني وقت للإجزاء ، وهو مذهب ابن إدريس ، لقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (3) ، والدلوك هو الزوال ، والغسق هو الظلمة ، وليس المراد الإتيان في جميع هذا الزمان إجماعا ، فتعين التخيير ، ومستند الشيخ ومن تابعه الروايات (4).

إذا عرفت هذا فنقول : لا خلاف في أن زوال الشمس أول وقت الظهر ، وإنما الخلاف في آخره ، وفيه أقوال :

ص: 118


1- في «ن» بزيادة : يراه.
2- راجع الباب المتقدم.
3- الاسراء : 78.
4- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب المواقيت.

الأول : إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات ، قاله السيد المرتضى ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة.

الثاني : حتى يصير ظل كل شي ء مثله ، وهو قول الشيخ رحمه اللّه ، واختلف في المماثلة ، هل هي بين الظل الحادث بعد الزوال ، أو الظلّ الأول ، أو مثل الشخص؟ قال الشيخ في التهذيب : المعتبر بزيادة الظل قدر الفي ء الأول لا قدر الشخص ، وأكثر الأصحاب على أنه قدر الشخص.

الثالث : حتى يصير الظل أربعة أقدام ، وهي أربعة أسباع الشخص المنتصب ، ثمَّ يختص بعد ذلك بوقت العصر ، وهو قول أبي الصلاح.

قال رحمه اللّه : وللعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار ، وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر ، وقيل : إلى طلوع الفجر ، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة للمختار في الصبح ، وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور ، وعندي ان ذلك كله للفضيلة.

أقول : هنا مسئلتان.

الأولى : العشاء وقد اختلف في أول وقتها أو آخره ، قيل : أوله إذا مضى من الغروب مقدار ثلاث ركعات ، ثمَّ تشترك بينها وبين المغرب إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ، فيختص بها ، وهو مذهب المرتضى وابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، وقيل : أوّله بعد ذهاب الحمرة المغربية ، قاله الشيخان وسلار.

واما آخره ففيه أقوال ، قيل : الى ثلث الليل للمختار ، ونصفه للمضطر ، وهو قول المفيد ، وقال السيد وابن إدريس : إلى نصف الليل ، وقيل : الى ثلث الليل للمضطر ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وقيل إلى طلوع الفجر للمضطر ، حكاه الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.

ص: 119

الثانية : الصبح ، ولا خلاف في أوّله أنّه طلوع الفجر ، وإنما الخلاف في آخره ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنّه طلوع الحمرة للمختار ، وطلوع الشمس للمضطر ، وقال المرتضى وابن إدريس : طلوع الشمس مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ووقت النوافل اليومية للظهر من حين الزوال الى أن تبلغ زيادة الفي ء قدمين ، وللعصر أربعة أقدام ، وقيل : ما دام وقت الاختيار باقيا ، وقيل : يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، والأول أشهر.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، والثاني مذهبه في المبسوط ، والثالث لم أعلم القائل به ، ومستند الجميع في هذه المسائل كلها الروايات (1).

قال رحمه اللّه : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض ، وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة ، وجب عليه قضاؤها ، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر.

أقول : قال ابن الجنيد : لو حاضت الطاهرة بعد أن كان يصح لها لو صلت أول الوقت الصلاة أو أكثرها وجب عليها قضاء تلك الصلاة ، والمشهور لا يجب القضاء إلا بإدراك الصلاة كملا مع الطهارة ، لأنّ وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، فلو أوجبنا الأداء في وقت لا يتسع له لزم تكليف ما لا يطاق.

قال رحمه اللّه : ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ، ويكون مؤديا على الأظهر.

أقول : إذا ضاق الوقت إلا عن ركعة من الفريضة ، وجب عليه تلك

ص: 120


1- يراجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 وباب 8 وباب 37 من أبواب المواقيت.

الفريضة ، وهل يكون مؤديا للجميع أو قاضيا للجميع أو مؤديا لتلك الركعة وقاضيا لما عداها؟

قال الشيخ بالأول ، لما رواه الأصبغ بن نباته ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس ، فقد أدرك الغداة كملا» (1) واختاره المصنف والعلامة.

وقال السيد المرتضى بالثاني ، لأن آخر العبادة مقابل لآخر الوقت فالركعة الأولى قد فعلت في آخر الوقت ، وليس ذلك وقتا لها ، فتكون قضاء ، وكذا باقي الركعات.

والقول الثالث نقله الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا ، وحجة القائل به : أن ما عدا الركعة لم يأت به في الوقت فيكون قضاء.

قال رحمه اللّه : الصبي المتطوّع بوظيفة الوقت ، إذا بلغ بما لا يبطل الطهارة والوقت باق استأنف على الأشبه.

أقول : إذا بلغ الصبي في أثناء الصلاة بما لا يفسدها كإكمال الخمسة عشر سنة ، أو إنبات الشعر.

قال الشيخ في المبسوط : يجب عليه إتمام الصلاة ، لأنها صلاة شرعية ، فلا يجوز إبطالها ، لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (2) وإذا وجب إتمامها سقط الفرض بها لامتثال الأمر.

وقال في الخلاف : إن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من أولها ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنّه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فيجب عليه الإتيان بها ، وما فعله أولا غير واجب ، فلا يحصل به الامتثال.

ص: 121


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 30 من أبواب المواقيت ، حديث 2.
2- محمد : 33.

قال رحمه اللّه : وإن كان الوقت قد دخل وهو متلبس ولو قبل التسليم لم يعد على الأظهر.

أقول : إذا صلّى ظانا دخول الوقت ، ثمَّ تبين الوهم ، أعاد صلاته ، فإن دخل الوقت وهو متلبس ، قال أكثر الأصحاب بالأجزاء ، لأنه مأمور بالصلاة عند غلبة الظن ، إذ مع الاشتباه لا يجوز التكليف بالعلم ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.

وأوجب السيد المرتضى عليه الإعادة ، وتابعه العلامة ، في المختلف ، لأنه مأمور بإيقاع الصلاة في الوقت إجماعا ، ولم يمتثل الأمر فيبقى في العهدة ، ولأن الصلاة قبل دخول الوقت منهيّ عنها ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

قال رحمه اللّه : لو ظنّ أنّه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذكر وهو فيها عدل بنيته ، وإن لم يذكر حتى فرغ ، فإن كان قد صلّى في أول وقت الظهر أعاد بعد أن يصلّي على الأشبه.

أقول : هذه المسألة فرع على مسألة غيرها ، وهي أن الظهر هل تختص من أول الوقت بمقدار أربع ركعات أو الوقت كله مشترك بينها وبين العصر؟ فيه خلاف ، والمشهور الاختصاص ، لأنّ القول باشتراك الوقت بين الصلاتين يستلزم تكليف ما لا يطاق ، أو خرق الإجماع ، لأن التكليف حين الزوال إما أن يقع بالعبادتين معا ، أو بواحدة لا بعينها ، أو بواحدة معينة.

والأول يستلزم تكليف ما لا يطاق ، إذ لا يتمكن المكلف من إيقاع عبادتين متضادتين في وقت واحد ، والثاني : يستلزم خرق الإجماع ، إذ لا خلاف في كون الظهر مرادة بعينها حين الزوال ، والثالث : يستلزم المطلوب أو

ص: 122

خرق الإجماع ، لأنّ تلك المعينة إن كانت الظهر لزم المطلوب ، وان كانت العصر لزم خرق الإجماع.

وقال محمد بن بابويه بالاشتراك لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (1) ، والمراد هنا إما الظهر والعصر ، أو المغرب والعشاء معا ، وليس المراد إحداهما ، وإلّا لامتد وقتها من الزوال إلى الغسق ، وهو باطل بالإجماع ، ولما رواه زرارة عن الصادق عليه السلام : «قال : سألته عن وقت الظهر والعصر؟ قال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا ، إلّا أن هذه قبل هذه ، ثمَّ أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس» (2). فاذا تقرر هذا ظهر فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : ما قاله المصنف ، وهو إذا ظنّ أنه صلّى الظهر فاشتغل بالعصر ثمَّ ذكر بعد الفراغ ، صحت صلاته وإن كان في أول الوقت ، لوقوعها في وقتها ثمَّ يأتي بالظهر ، والإخلال بالترتيب هنا غير مضرّ لسقوطه حال النسيان ، وعلى القول بالاختصاص ، لم يصح إذا كانت في أول الوقت ، لوقوعها في غير وقتها.

الثانية : لو ظنّ ضيق الوقت إلّا عن قدر العصر تعينت للأداء ، فلو تبين بعد أدائها أن الوقت يسع أربعا صارت الظهر قضاء على القول بالاختصاص ، وعلى الاشتراك تكون أداء ولو بقي مقدار ركعة.

الثالثة : إذا أدرك قبل انتصاف الليل مقدار أربع ركعات وجب العشاءان على القول بالاشتراك ، وعلى الاختصاص يجب العشاء لا غير.

ص: 123


1- الاسراء : 78.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 4 من أبواب المواقيت ، حديث 5 ، وفيه : عن عبيد بن زرارة.

ص: 124

في القبلة

اشارة

قال رحمه اللّه : القبلة هي الكعبة لمن كان في المسجد ، والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخين ومن تابعهما ، وقال المرتضى : القبلة هي الكعبة ، ويجب التوجه إليها بعينها إن أمكنه ذلك بالحضور والقرب ، وإن كان بعيدا يجزي جهتها ، وصلّى إلى ما يغلب على ظنّه أنّه جهة الكعبة ، وهو مهذب ابن الجنيد وابن إدريس والعلامة للاحتياط ، لأنّ التوجه إلى الكعبة أو جهتها مع العبد يستلزم التوجه إلى الحرم.

قال رحمه اللّه : ولو صلّى على سطحها ابرز بين يديه منها ما يصلي إليه ، وقيل : يستلقي على ظهره ويصلي إلى البيت المعمور ، والأول أصح.

أقول : الاستلقاء مذهب الشيخ في النهاية والخلاف لرواية عبد السلام (1) ، عن الرضا عليه السلام.

وقال ابن إدريس : يصلي قائما ويبرز بين يديه منها شيئا ، واختاره

ص: 125


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 19 من أبواب القبلة ، حديث 2.

المتأخرون لقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (1) وهو عام ، ولأنّ القيام شرط في الصلاة وركن فيها ، ولا يصح مع عدمه اختيارا ، ولأنّ التوجه إنما هو إلى جهة الكعبة ، وهو حاصل لمن صلّى فوقها ، كما لو صلّى على جبل أبي قبيس.

قال رحمه اللّه : ولو اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده ، قيل : يعمل على اجتهاده ، ويقوى عندي أنه إذا كان ذلك المخبر أوثق في نفسه عوّل عليه.

أقول : القادر على العلم بالكعبة ليس له الاجتهاد كالمشاهد لها ، كأن يكون في المسجد الحرام أو في حكم المشاهد كالأعمى وهو فيه ، ولو كان في المسجد وبينه وبين الكعبة حائل ، أو خارج المسجد بحيث لا يخفى عليه الكعبة كأهل مكة ، فإنّه يجب عليه العلم باليقين ولو بالصعود على مرتفع كالسطح والجبل ، وكذلك المصلّي في محراب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو قبلة نصبها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو أحد الأئمة عليهم السلام.

والقادر على الاجتهاد العارف بعلامات القبلة ليس له التقليد ، والعاجز عن الاجتهاد يقلد العدل العارف ولو كان امرأة أو عبدا ، ولو اجتهد فأخبره غيره بخلاف اجتهاده ، قيل : يعمل على اجتهاده ، لأنّ القادر على الاجتهاد ليس له التقليد ، وقال المصنف : إن كان ذلك أوثق في نفسه عوّل عليه ، لأنّ الاجتهاد إنما يفيد الظن ، وقول ذلك المخبر يفيد الظن أيضا ، فيعوّل على أقوى الظنين.

فروع :

الأول : إذا صلّى من فرضه التقليد كالأعمى والعامي - وهو غير العارف

ص: 126


1- البقرة : 44 ، 49 ، 50.

بالأمارات - فأخبره آخر بالخطإ ، فإن كان أخبره عن اجتهاد بعد الفراغ لم يلتفت مطلقا ، وإن كان في الأثناء وكان الثاني أعدل أو أعلم (1) بالأمارات انحرف ، ولو افتقر الى العدول (2) الكثير استأنف ، ولو تساويا أو شك في الرجحان لم يلتفت أيضا ، وإن كان إخباره عن يقين استدرك ما يجب عليه ، وإن كان في الأثناء وهو مستدبر استأنف ، وإن كان متيامنا أو متياسرا انحرف ، ما لم يفتقر إلى فعل كثير ، فيستأنف أيضا ، وإن كان بعد فراغه ، فإن كان مستدبرا أعاد مطلقا ، وان كان بين الشرق والغرب فلا إعادة في الوقت ولا خارجه ، وإن كان إليهما أعاد في الوقت خاصة ، وكذا قيل في المستدبر يعيد في الوقت خاصة ، والأول أحوط.

الثاني : إذا اختلف المخبرون قلد المخبر عن يقين دون المجتهد ، ولو كانا مجتهدين أخذ بقول الأعلم منهما ، فإن تساويا في العلم أخذ بقول الأعدل ، فإن تساويا تخيّر ، ولو كان أحدهما أعلم والآخر أعدل أخذ بقول العالم إذا كان عدلا.

الثالث : مع فقد العدل يقلد الفاسق إذا أفاد قوله الظن لا بدونه.

الرابع : التعويل على قبلة البلد - إذا لم يعلم بناؤها على الخطأ - مقدم على الاجتهاد ، وله أن يجتهد في التيامن والتياسر فيها.

الخامس : لو دخل بلدا خرابا فوجد فيه مساجد ومحاريب ولم يعلم الواضع لها ، لم يكن له الصلاة إليها لجواز أن يكون بناها المشركون ، ووجب عليه الاجتهاد.

ص: 127


1- في «ر 2» : (وأعلم).
2- في هامش «ن» : الفعل.

تذنيب : العلم بدلائل القبلة واجب على الأعيان ، لأنّه من واجبات الصلاة.

ويحتمل وجوبه على الكفاية ، لأنّه من دقائق الفقه ، وهي غير واجبة على الأعيان.

ولكل إقليم علامات ، فللعراق جعل الجدي خلف المنكب الأيمن ، وعين الشمس عند الزوال على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.

وللشام ومن وراءهم جعل الجدي طالعا خلف المنكب الأيسر ، والمراد بطلوع الجدي حال علوّه على الفرقدين ، وجعل سهيل طالعا بين العينين ، وغاربا على العين اليمنى.

وللمغرب والحبشة وما وراء ذلك جعل مطلع الثريّا على اليمين ، والعيوق على اليسار ، والجدي على الخد الأيسر.

ولليمن ومن ورائهم جعل الجدي طالعا بين العينين ، وسهيل غاربا بين الكتفين.

وللبحرين وعمان وجزائر جرون جعل الجدي على الكتف الأيمن ، ومغيب سهيل على العين اليسرى.

وللسند وجزائر الهند وما وراء ذلك جعل بنات نعش على الخد الأيمن ، ومطلع الصليب على فقار الظهر ، ومغيبه على الخد الأيسر.

وللبصرة وفارس وأصفهان وكرمان والأهواز وما وراء ذلك الى الصين جعل الجدي على الاذن اليمنى ، ومطلع النسر الطائر على فقار الظهر.

ولخوارزم والري ونيشابور وخراسان وما وراء ذلك جعل الجدي على الخد الأيمن ، ومغيب الصليب على العين اليسرى.

قال رحمه اللّه : ولو كان الراكب بحيث يتمكن من الركوع أو السجود

ص: 128

في فرائض الصلاة ، هل يجوز له الفريضة على الراحلة اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : وجه المنع عموم (1) النهي عن الصلاة على الراحلة اختيارا ، ووجه الجواز القدرة على فعل الصلاة بجميع وجوهها المعتبرة.

قال رحمه اللّه : إذا صلّى إلى جهة إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثمَّ تبيّن خطؤه ، فإن كان منحرفا يسيرا فالصلاة ماضية ، وإلّا أعاد في الوقت ، وقيل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر.

أقول : إذا اجتهد وظن القبلة ، ثمَّ تبين الخطأ بعد فراغه ، قال الشيخ : فإن كان في الوقت أعاد الصلاة على كل حال ، وإن كان قد مضى فلا إعادة عليه إلا أن يكون قد استدبر القبلة فإنه يعيد على الصحيح من المذهب ، وبه قال المفيد وسلار وابن البراج.

وقال السيد المرتضى وابن إدريس : ان كان الوقت باقيا أعاد ، وان كان قد خرج فلا إعادة عليه وإن كان مستدبرا.

وقال العلامة : إن كان بين المشرق والمغرب فلا اعادة مطلقا ، لرواية معاوية بن عمار (2) عن الصادق عليه السلام ، وإن كان الى المشرق أو المغرب أو استدبر أعاد في الوقت لا خارجه.

أمّا الإعادة في الوقت لأنّه لم يأت بالمأمور به والوقت باق ، فلم يبرأ من العهدة ، وأمّا عدم الإعادة في الخارج لأنّه امتثل المأمور به ، فيخرج من العهدة ، لأنّه عند غلبة الظن بالقبلة مأمور بالتوجه إليها إجماعا ، وقد فعل ، فيتحقق الامتثال.

ص: 129


1- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 14 من أبواب القبلة.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 10 من أبواب القبلة ، حديث 1.

لا يقال : هذا وارد في الوقت أيضا ، لأنّا نقول : الفرق ظاهر ، لأنه في الوقت قد تبين الخطأ وانما يخرج من العهدة بالظن مع استمراره لا مع ظهور خطأه والوقت باق ، وأمّا مع خروج الوقت فالأمر قد سقط ، لأنه مقيد في الوقت ، والقضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت.

ص: 130

في لباس المصلي

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يفتقر استعماله في غيرها إلى الدباغ؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه على كراهية.

أقول : جلد ما لا يؤكل لحمه من الحيوانات الطاهرة في حياتها كالسباع يجوز استعمالها مع التذكية في غير الصلاة ، واشترط الشيخ في الجواز الدبغ ، وكذلك السيد المرتضى لوقوع الإجماع على الجواز بعده ، فلا دليل على جوازه قبله.

والجواز قبل الدبغ مذهب المصنف والعلامة ، لأنّه ذكي ، وإلّا لكان ميتة فلا يطهر بالدباغ.

قال رحمه اللّه : وما كان نجسا في حال حياته فجميع ذلك منه نجس على الأظهر.

أقول : تقدمت هذه المسئلة في باب النجاسات (1).

ص: 131


1- ص 100.

قال رحمه اللّه : وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان ، أصحهما المنع.

أقول : تجوز الصلاة في وبر الخزّ الخالص إجماعا ، وفي جلده على خلاف ، ولم يحصل الفرق بين الوبر والجلد إلّا هنا ، فلو كان وبر الخزّ مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب ففيه روايتان :

إحداهما جواز الصلاة ، وهي رواية ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : سألته عن الصلاة في جلود الثعالب؟ قال :

إن كانت ذكية فلا بأس» (1).

وأما رواية الأرانب فما رواه محمد بن إبراهيم ، «قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الأرانب؟ فكتب : مكروه» (2) ولم يقل أحد من الأصحاب بالجواز ، وإنما الخلاف في الروايات ، والروايات (3) المتضمنة للمنع كثيرة.

قال رحمه اللّه : تجوز الصلاة في فرو السنجاب فإنه لا يأكل اللحم ، وقيل : لا يجوز ، والأول أظهر ، وفي الثعالب والأرانب روايتان أصحهما المنع.

أقول : روايتا الثعالب والأرانب تقدمتا (4) ، واما السنجاب ففيه خلاف ، والجواز مذهب الشيخ في كتاب الصلاة من النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه لما رواه مقاتل بن مقاتل ، «قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب؟ فقال : لا خير في ذلك

ص: 132


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 7 من أبواب لباس المصلي ، حديث 9.
2- المصدر السابق ، حديث 2.
3- أنظر روايات الباب المتقدم.
4- تقدم في المسألة السابقة.

كله ما خلا السنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم» (1).

والمنع مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، والمستند الروايات (2).

قال رحمه اللّه : وفيما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، كالتكّة والقلنسوة تردد ، والأظهر الكراهة.

أقول : الجواز مذهب الشيخ وابن إدريس ، وعدمه مذهب محمد بن بابويه ، واختاره العلّامة في المختلف ، وهو أحوط ، ودليل الفريقين الروايات (3) ، وتردد المصنف لعدم رجحان احد الطرفين عنده.

قال رحمه اللّه : ويجوز الركوب عليه وافتراشه على الأظهر.

أقول : جواز القيام عليه حالة الصلاة وغيرها مذهب أكثر الأصحاب للأصل (4) ، ومنع بعضهم لعموم (5) المنع من لبسه ، قال العلامة في نهايته (6) : وليس بمعتمد ، لأنّ المنع من لبسه لا يقتضي المنع من الافتراش ، لافتراقهما في المعنى.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز للمرأة إلّا في ثوبين : درع وخمار ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين على تردد في القدمين.

أقول : اختلف الأصحاب فيما يجب على المرأة ستره حالة الصلاة على

ص: 133


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب لباس المصلي ، حديث 2.
2- انظر الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب لباس المصلي.
3- انظر الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 14 من أبواب لباس المصلي.
4- (الأصل) من «ن».
5- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 11 من أبواب لباس المصلي.
6- (في نهايته) من «ن».

ثلاثة أقوال :

الأول : إنه جميع بدنها ما عدا الوجه فقط ، وهو مذهب الشيخ في الاقتصاد ، لأنّه قال فيه : وأما المرأة الحرّة فإنّ جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ، ولا تكشف غير الوجه فقط ، وهذا يقتضي منع كشف القدمين والكفين.

الثاني : إنّه الجسد دون الرأس إلا أن يكون هناك ناظر ليس بمحرم وهو قول أبي علي ، ومستنده رواية عبد اللّه بن بكير (1).

الثالث : إنّه الجسد والرأس دون الوجه والكفين والقدمين ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلّامة وأبو العباس.

قال العلّامة : لأنّ الكفّين ليستا من العورة ، إذ الغالب كشفهما دائما لإمساس الحاجة إلى ذلك للأخذ والعطا وقضاء المهام ، وكذا حكم القدمين ، بل كشفهما أغلب في العادة.

تنبيه : الوجه الذي يجوز كشفه هو محل الوضوء خاصة ، ويجب ستر باطن الذقن وجميع الرقبة.

فروع :

الأول : لا يجب الستر من تحت ، قاله الشهيد واختاره أبو العباس ، وقال العلامة في التذكرة ، ولو كان على سطح ترى عورته من أسفل لم تصح صلاته لعدم الستر ، وقال الشافعي : تصح ، لأن الستر إنما يلزم من الجهة التي يعتاد النظر اليه منها ، والنظر من أسفل لا يعتاد.

الثاني : لو انكشفت عورة المصلّي ولم يعلم حتى فرغ ، صحت صلاته

ص: 134


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 29 من أبواب لباس المصلي ، حديث 5.

سواء طالت المدة أو قصرت ، قليلا كان الكشف أو كثيرا ، لاستحالة تكليف الغافل ، ولو علم في الأثناء ، قال في المبسوط : لا تبطل ، واختاره الشهيد ، بل يجب عليه المبادرة إلى الستر ، وقال العلامة : تبطل ، لأنّ الستر شرط وقد فات ، وعلى القول بالبطلان يحكم به من حين الرؤية فتصح صلاة المأموم إذا نوى الانفراد حينئذ.

الثالث : لو ظن العاري وجود الساتر في الوقت ، وجب التأخير ، وإن لم يظن لا يجب عند الشيخ تحصيلا لفضيلة أول الوقت ، واختاره العلّامة ، وقال السيّد المرتضى بالوجوب مطلقا.

الرابع : لو لم يجد الثوب استتر بالحشيش ، فان فقده ووجد وحلا أو ماء كدرا يستر عورته لو نزله ، وجب نزوله ويصلي موميا.

الخامس : لو لم يجد غير الطين وجب عليه ان يطين عورته ويجب في الستر بالطين مواراة اللون والحجم مع المكنة فإن تعذرا اكتفى بستر اللون خاصه ، ويومي هنا ، دون ستر اللون والحجم الّا أن لا يأمن تناثره فيومي أيضا.

السادس : لو وجد حفرة ولجها ، ويصلي قائما مع أمن المطّلع ، ويركع ويسجد عند العلّامة ، وذهب بعضهم إلى الإيماء.

السابع : لو لم يجد غير الحرير صلّى عاريا إلّا لضرورة ، ولو اضطر الى الحرير وجلد غير مأكول اللحم قدم الحرير ويقدم النجس عليهما.

ص: 135

ص: 136

في المكان

قال رحمه اللّه : ولا يجوز أن يصلّي وإلى جانبه امرأة تصلّي أو أمامه ، سواء صلّت بصلاته أو كانت منفردة ، وسواء كانت محرما أو أجنبية ، وقيل :

ذلك مكروه ، وهو الأشبه.

أقول : التحريم مذهب الشيخ والمفيد رحمهما اللّه ، لرواية عمار (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام وللاحتياط ، والكراهة مذهب السيد والمصنف ، واختاره أكثر المتأخرين للأصل ، ولرواية جميل (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

فرع : على القول بالمنع يشترط صحة صلاتها ، فلو كانت حائضا أو غير متطهرة أو تلحن في القراءة مع القدرة على التعلم لم تؤثر صلاتها في صلاته.

قال رحمه اللّه : ويكره ان تكون بين يديه نار مضرمة على الأظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب الكراهية في هذه المواضع التي عددها

ص: 137


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب مكان المصلي ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب مكان المصلي ، حديث 3.

المصنف كلها ، وقال أبو الصلاح : ولا يحل ذلك كله ، قال : ولنا في فساد هذه الصلاة نظر ، والمستند الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وقيل تكره إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح.

أقول : قال أبو الصلاح : يكره الصلاة الى إنسان مواجه ، قال : ولا يجوز التوجه الى الباب والسلاح المشهور ، والمصحف المنشور ، قال : ولنا في فساد الصلاة إلى شي ء من هذه نظر ، والمشهور الكراهية.

قال رحمه اللّه : في القطن والكتان روايتان ، أشهرهما المنع.

أقول : للسيّد المرتضى قول بجواز السجود على الثوب المعمول من القطن والكتان ، لرواية داود الصرمي (2) ، والمشهور المنع.

ص: 138


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 27 و 30 و 31 و 32 من أبواب مكان المصلي.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب ما يسجد عليه ، حديث 6. وفي نسخة «ن» و «ر 1» : (الحضرمي) ، وفي «ي 1» : (الصيرفي) ، بدل : (الصرمي).

في الأذان والإقامة

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : هما شرط في الجماعة ، والأول أظهر.

أقول : أوجب الشيخان رحمهما اللّه الأذان والإقامة في صلاة الجماعة ، والسيد أوجب الأذان في صلاة الصبح والمغرب على الرجال حضرا وسفرا وفي الجماعة على الجميع ، وأوجب الإقامة في كل فريضة.

ومذهب الشيخ في الخلاف الاستحباب مطلقا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة للأصل ، ومستند الجميع الروايات (1).

تنبيه : المراد بالوجوب في الجماعة ، الشرطية في فضيلة الصلاة لا في صحة الصلاة ، قال الشيخ في المبسوط : لو صلّى جماعة بغير أذان ولا إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة ، والصلاة ماضية.

قال رحمه اللّه : ولو صلّى منفردا ولم يؤذن ساهيا رجع الى الأذان مستقبلا صلاته ما لم يركع ، وفيه رواية أخرى.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية ان المتعمد لترك الأذان والإقامة يرجع

ص: 139


1- انظر الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 1 وباب 4 وباب 6 وباب 7 من أبواب الأذان.

ما لم يركع ، واختاره ابن إدريس ، ومذهب السيد في المصباح رجوع الساهي دون العامد ، واختاره المصنف والعلّامة ، لأنّ الأذان والإقامة من وكيد السنن ، والمحافظة عليهما يقتضي تداركهما مع النسيان ، لأنّه محل العذر ، ومع تعمد الترك يكون قد دخل في الصلاة دخولا مشروعا غير مريد للفضيلة ، فلا يجوز له الابطال لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (1).

وانما يستحب الرجوع مع ترك الأذان والإقامة معا ، فلو أتى بالإقامة حرم الرجوع إجماعا.

قال رحمه اللّه : والأذان على الأشهر ثمانية عشر فصلا.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا يختلفون فيه ، وانما الخلاف في الروايات ، ففي رواية الحضرمي (2) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام : اثنان وأربعون ، يجعل التكبير في آخر الأذان كأوله ومساواة الإقامة للأذان ، وفي رواية أخرى (3) : أربعة وثلاثون ، يجعل فصول كل منهما مثنى مثنى ، وفي رواية (4) : تسعة وعشرون (5) يجعل للإقامة مرة مرة إلّا التكبير فإنّه مثنى مثنى.

قال رحمه اللّه : ولو ارتدّ في أثناء الأذان ثمَّ رجع استأنف على قول.

أقول : يعتبر في المؤذّن الإسلام والعقل ، فلو ارتد في أثناء الأذان ثمَّ رجع استأنف إن طال الزمان ، بحيث يخرج عن الموالاة ، ولو حصلت الموالاة تمم ، ولو كان الارتداد بعد الكمال لم يؤثر في الأذان شيئا ، وأقام غيره.

ص: 140


1- محمد : 33.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 19 ، حديث 9 ، ما ذكره المصنف غير ظاهر منها.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 19 من أبواب الأذان والإقامة ، حديث 4 وحديث 8.
4- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 22 من أبواب الأذان والإقامة ، حديث 3.
5- في «ن» و «ر 1» : سبعة وعشرون.
فروع :

الأول : لا يعتدّ بأذان المخالف ولا غير المرتب.

الثاني : استقرب العلامة في التذكرة اشتراط إذن السيد في الاعتداد بأذان العبد ، لأنّ له منعه من العبادات المندوبة ، والأذان مندوب ، ولم يذكر حكم العبد في القواعد ، وأطلق الاعتداد بأذانه في التحرير ، وكذلك صاحب البيان وصاحب الموجز من غير قيد بالإذن وعدمه.

الثالث : إذا اجتمع مؤذنان فما زاد جاز ان يؤذنوا دفعة ، فلو أرادوا أن يرتبوا (1) لم يكن لهم ذلك ، لما يتضمن من تأخير الصلاة عن وقتها ، نعم لو احتيج الى انتظار الإمام أو المأمومين جاز.

تنبيه : الأذان مستحب استحبابا مؤكدا إلّا في أماكن :

الأول : عصر عرفة.

الثاني : عشاء مزدلفة.

الثالث : عصر الجمعة وسقوط الأذان هنا للجمع لا للمكان والزمان ، بل كل من جمع بين الصلاتين لم يؤذن ثانيا ، بل الأذان لصاحبة الوقت ، فإن كان الوقت للثانية أذن لها ثمَّ صلّى الأولى وأقام للثانية.

الرابع : القاضي يجتزي بالأذان لأول ورده ، والإقامة للباقي وإن كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء ، فإنّه لو أذن للثانية أيضا كان مكروها أو حراما على الخلاف.

قال الشهيد : ويمكن الفرق بان الساقط في الأداء هو أذان الإعلام

ص: 141


1- في «ن» و «ر 1» : يترتبوا.

لحصول العلم بأذان الأولى ، والثابت في القضاء هو الأذان الذكري وسقوطه للتخفيف.

الخامس : الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الأولى ، لأنهم مدعون بالأذان الأول ، وقد أجابوا بالحضور ، فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان ، فإذا كان كذلك جمعوا بغير أذان ولا إقامة ، وصلّوا في ناحية المسجد لا في محرابه ، ولا يبرز لهم إمام لئلا تتكرر الصلاة الواحدة ، ولا بدّ أن تكون الصلاة واحدة ، فلو كان حضور الجماعة الثانية لصلاة غير الأولى أذنوا وأقاموا وإن كانت الأولى لم تتفرق ، بل ولو كانوا في الصلاة.

والمراد بالتفرق : تفرق الجميع فلو بقي بعض في التعقيب لم تؤذن الثانية لبقاء حكم الجماعة ببقاء واحد من المصلّين ، كما لو انفضوا في الجمعة وبقي واحد ، بشرط أن يكون الباقي مشتغلا بالصلاة أو سننها كالتعقيب ، فلو بقيت الجماعة كلها في المسجد مشتغلين بالخياطة مثلا ، أو بغيرها مما ليس بدعاء ولا تسبيح ، فقد تفرقوا.

فرع : لو صلّت الجماعة الثانية في المسجد من غير تأذين فحضرت الثالثة ، فإن كان قبل تفرق الاولى لم يؤذنوا ، وإن كان بعدها أذنوا وأقاموا وإن كان قبل تفرق الثانية ، لأن الضابط أن يحضر جماعة على جماعة أذّنوا والثانية لم تؤذن.

ص: 142

أفعال الصلاة

اشارة

في النية

قال رحمه اللّه : ولو نوى الخروج من الصلاة لم تبطل على الأظهر.

أقول : إذا دخل في صلاته ثمَّ نوى أنه خارج منها (أو سيخرج منها) (1) أو نوى ما ينافيها كالحدث ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا تبطل ، لان صلاته قد انعقدت صحيحة وإبطالها يحتاج إلى دليل في الشرع عليه ، ولم ينقل في قواطع الصلاة ذلك ، واختاره المصنف.

ويحتمل البطلان ، لأنّ الاستدامة شرط ، وهذا ما استدامها فتبطل صلاته ، ولقوله عليه السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (2). وقد نوى ما ينافيها فتبطل ، وهو مذهب الشهيد ، واختاره أبو العباس ، وكذا لو نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها ، لأنّه قطع حكم النية قبل إتمام فعله فيبطل ذلك الفعل.

ص: 143


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 6.
فروع :

الأول : يجب نية الإمامة في مشروط الجماعة كالجمعة والعيدين ، قال الشهيد في دروسه : وشرط في استحقاق ثواب الجماعة في غيرهما ، وفي بعض أقوال الشيخ : ويحصل ثواب الجماعة بدون نية الجماعة.

الثاني : لا يشترط نية القصر ولا الإتمام ، لأنّ الفرض معيّن ، واستقرب الشهيد وجوبه (في أماكن التخيير واشتباه القصر بالتمام إذا أراد قضاءه) (1) ، وجزم به صاحب الموجز ، فلو اختار القصر أو التمام في أماكنه لم يتحتم عليه ما قصده حالة النية ، بل له العدول إلى ضده في محله ، سواء قلنا بوجوب القصد أو لم نقل.

الثالث : لا يشترط نية الاستقبال ، بل الشرط أن يعلم كونه مستقبلا.

ص: 144


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن».

في القيام

قال رحمه اللّه : وروي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة.

أقول : الرواية المشار إليها هي ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، «قال : سألته عن الرجل يصح أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال : لا بأس» (1) ، ولم يعمل بهذه الرواية.

قال رحمه اللّه : ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أن يقوم بقدر مكنته ، وإلا صلى قاعدا ، وقيل : حدّ ذلك أن لا يتمكن من المشي بقدر زمان صلاته ، والأول أظهر.

أقول : المشهور مراعاة التمكن ، وفي رواية سليمان بن حفص (2) : حد العجز ، إذا صار الى الحالة التي لا يقدر على المشي بقدر زمان صلاته.

ص: 145


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 10 من أبواب القيام ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 من أبواب القيام ، حديث 4.

تنبيه : القيام مقول بالاشتراك على معان :

الأول : في النية ، وهو تابع لها في الركنية أو الشرطية.

الثاني (1) : القيام في الركوع ، وهو ركن قطعا.

الثالث : القيام في القراءة ، وهو واجب ليس بركن ، ومثله القيام عن الركوع للطمأنينة.

الرابع : القيام في القنوت ، وهو سنة ، ولهذا أجمع القائلون بركنيته على عدم البطلان بزيادته فيمن رجع ليتدارك تشهدا أو سجودا ، مع أنّ زيادة الركن مبطلة قطعا.

وقال الشهيد في الذكرى : والطمأنينات المستحبات لا ريب في استحبابها ، لأنّ جواز تركها ينفي وجوبها إلا إذا قدم المستحب ، فان الظاهر وجوب الطمأنينة تخييرا ، لأنّه لم يأت بالواجب بعد ، وكذا الكلام في طمأنينة السجود وزيادة القيام للقنوت ، والدعاء بعد فراغ واجب القراءة.

أمّا القيام في القراءة الواجبة فهو موصوف بالوجوب وان كان بسورة طويلة ، لأنّه من قبيل الواجب المخير.

أما لو أدخل التكبيرات الزائدة على الاستفتاح في الصلاة ، أو سأل الجنة واستعاذ من النار في أثناء القراءة ففي وجوب هذا القيام نظر ، أقربه الوجوب لما سبق. وكذا القيام للوقف المستحب في أثناء القراءة.

أما القيام الذي يقع فيه السكوت للتنفس ، فلا إشكال في وجوبه ، لأنه من ضرورات القراءة ، انتهى كلامه رحمه اللّه.

وهو جيد ، فعلى هذا يكون القيام للقنوت واجبا لوجوب الركوع عن

ص: 146


1- في «ي 1» : زيادة معنى وهو : (القيام في التحريمة) ، بعد القيام في النية.

قيام ، فلا يجوز الجلوس حالة القنوت ، وعلى القول باستحباب القيام للقنوت ، يجوز ذلك.

قال رحمه اللّه : وقيل : يتورك في حال تشهده.

أقول : إذا صلى الإنسان قاعدا ، اما في الفرض بعذر أو في النفل مطلقا ، قعد كيف شاء ، والأفضل (1) مراعاة ما نقل في ثلاث حالات : القيام والركوع والتشهد ، فيربع رجليه في حال قراءته ، ويثني رجليه في حال ركوعه ، ويتورك في حال تشهده.

والفرق بين التورك وثني الرجلين ، كون التورك أن يجلس على وركه الأيسر ، وثني الرجلين أن يكون كالمقعي ، ولا بدّ أن يرفع دبره عن عقبيه ويجافي فخذيه عن طية ركبتيه وينحني قدر ما يحاذي وجهه موضع سجوده ، ولو اقتصر على ما يحاذي وجهه ما قدّام ركبتيه أجزأ لكن الأول أفضل.

تنبيه : لو خفّ القاعدة بعد القراءة قام بلا طمأنينة ليهوي للركوع

، ولو خفّ في الركوع قبل الطمأنينة قام منحنيا وأتمه قائما ، ولو خفّ بعد ذكر الركوع وطمأنينته قام منحنيا أو رافعا للاعتدال مطمئنا ، ولو خفّ بعد الرفع منه وقبل طمأنينته قام ليطمئن ، ولو خفّ بعد الطمأنينة قام للسجود عن قيام ، ولو خفّ وقد هوى للسجود استمر.

ص: 147


1- في «م» : الأصل.

ص: 148

في القراءة

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يجب ، والأول أحوط (1).

أقول : المشهور أنه (2) يجب على المختار قراءة سورة بعد الحمد في الثنائية والأوليين من الرباعية والثلاثية ، وقال الشيخ في النهاية : الواجب الحمد ، وأمّا السورة فمستحبة غير واجبة ، ومستنده رواية علي بن رئاب (3) عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولا أن يقرن بين سورتين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : بالتحريم قال الشيخ في النهاية ، وهو اختيار العلامة ، وبالكراهة قال في الاستبصار ، وهو مذهب ابن إدريس ، والشهيد في البيان ، والمستند الروايات (4).

ص: 149


1- في النسخ : أظهر.
2- (المشهور انه) من «ن».
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب القراءة ، حديث 1.
4- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 8 من أبواب القراءة ، وأيضا باب 4 ، حديث 2.

فرع : إذا كرّر السورة الواحدة مرتين فهو قارن ، ولو كرر الحمد كان قارنا أيضا ، ولا يجزي عن السورة.

قال رحمه اللّه : ومنهم من يرى وجوب السورتين في الظهرين ، وليس بمعتمد.

أقول : قال السيد المرتضى وأبو الصلاح ومحمد بن بابويه بوجوب قراءة الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهرها للاحتياط ، لأنّ الصلاة بهاتين يقتضي الخروج عن العهدة بيقين ، بخلاف الصلاة بغيرهما.

والمشهور الاستحباب ، لأنّ الأصل براءة الذمة من الواجب ، فيصار إليه ما لم يحصل دليل ناقل عنه أقوى منه.

قال رحمه اللّه : لا يجوز قول آمين آخر الحمد ، وقيل : هو مكروه.

أقول : المشهور تحريم التأمين وإبطال الصلاة به ، لأنّه يستدعي سبق الدعاء ، ولا يتحقق إلّا مع قصده (1) ، ومع عدمه يخرج عن حقيقته فيكون لغوا.

وقال أبو الصلاح : هو مكروه ، وأطبق العامة على استحبابه ، ودليل الجميع الروايات (2).

فرعان :

الأول : لا فرق في تحريم التأمين وإبطال الصلاة به ، بين أن يكون في آخر الحمد أو في أثناء الحمد أو السورة.

الثاني : معنى «آمين» : اللّهم استجب ، فلو نطق بها فقال : اللّهم

ص: 150


1- من هامش «ن» ، وفي البواقي : فعله.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 17 من أبواب القراءة.

استجب ، لم تبطل صلاته ، قاله الشهيد في الذكرى والبيان ، وحكم الفاضلان في المعتبر والتذكرة بالبطلان ، قال الشهيد في الذكرى : وهو ضعيف ، لان الدعاء بالمباح جائز في الصلاة بإجماعنا ، وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به ، انتهى كلامه.

وهو قوي ، والأحوط تركه احتياطا للعبادة ، فإنّ العمل بما لا خلاف فيه أولى من العمل بما فيه خلاف.

قال رحمه اللّه : الموالاة في القراءة شرط في صحتها ، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة ، وكذا لو نوى قطع القراءة وسكت ، وفي قول : يعيد الصلاة.

أقول : الموالاة شرط في صحة القراءة ، فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة ، سواء كان عامدا أو ناسيا ، وقيل : تبطل صلاة العامد ، ويستأنف القراءة لطول السكوت ما لم يخرج عن كونه مصليا فتبطل الصلاة ، ولو قصر زمان السكوت أتمها من حيث قطع ، ولو طال السكوت لأجل التذكر حال اشتباه الآيات لم تبطل الصلاة وأتمها من حيث قطع ، ولو سكت بنية القطع ، قال المصنف : يستأنف القراءة ، وقال الشيخ في المبسوط : يعيد الصلاة ، وبه قال أبو العباس في موجزه ، وهو بناء على تأثير نية المنافي وطول السكوت بحيث يخرج عن اسم الصلاة.

والتحقيق ان السكوت على خمسة أقسام :

الأول : القصير ، ولا حكم له.

الثاني : الطويل لغرض ، كتذكر الآيات إذا ارتج عليه ، وافتقر إلى التروّي والتذكّر ، ولا حكم له أيضا.

الثالث : الطويل بلا سبب ولا يخرج به عن اسم المصلي ، فيجب معه استئناف القراءة.

ص: 151

الرابع : الطويل الذي يخرج به عن اسم المصلي ، فيجب معه استئناف الصلاة.

الخامس : السكوت بنية القطع ، ويجب معه استئناف الصلاة على مذهب المبسوط والموجز ، سواء طال أو قصر.

قال رحمه اللّه : ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر.

أقول : الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف ، لا يجوز إفراد إحداهما عن الأخرى في الفريضة ، وهل تجب البسملة بينهما؟ قال الشيخ : لا تعاد بينهما ، لأنهما سورة واحدة ، فلا يكون فيها بسملتان ، وقال ابن إدريس : تعاد البسملة بينهما ، لأنّها مثبتة في المصحف ، واختاره العلامة.

قال رحمه اللّه : يجزيه عوضا عن الحمد إثنا عشرة تسبيحة ، وصورتها :

سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، وقيل : يجزيه عشر ، وفي رواية تسع ، وفي أخرى أربع ، والعمل بالأول أحوط.

أقول : أجمع الأصحاب على التخيير بين الحمد والتسبيح في الثالثة والرابعة ، واختلفوا في كميته ، قيل : إنّه أربع ، وهو مذهب المفيد والمصنف في المختصر ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وقيل : إنّه تسع ، سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلّا اللّه ثلاثا ، وهو مذهب ابني (1) بابويه ، وقيل : عشر بإضافة التكبير في الثالثة ، وهو مذهب السيد المرتضى والشيخ في الجمل. وقيل : إنه اثنا عشر بتكرير الأربع ثلاثا ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب ، ومستند الجميع الروايات (2).

ص: 152


1- في «ن» : ابن.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ، حديث 5 وباب 51 حديث 1 و 2. وأما مستند العشر : فمع تصريح كاشف الرموز بأن به رواية ، صرح في المدارك بأنه لم يقف له على مستند. انظر كشف الرموز 1 : 160 والمدارك 3 : 379.
فروع :

الأول : لو نسي الحمد في الأوليين ، هل يبقى التخيير في الأخيرتين أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال : الأول : عدم التخيير وتعيين القراءة ، لئلا تخلو الصلاة عن الفاتحة ، ولما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ، «قال : سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له ، إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات» (1).

الثاني : بقاء التخيير مع أفضلية القراءة ، لئلا تخلو الصلاة عن القراءة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

الثالث : بقاء ما كان من التخيير مع أفضلية التسبيح ، وهو مذهب ابن أبي عقيل ، لأصالة بقاء ما كان على ما كان.

الثاني : هل يشترط الترتيب في التسبيح؟ قال العلامة : نعم لحصول يقين البراءة به ، واختاره الشهيد ، وقال ابن الجنيد : لا يشترط لاختلاف الرواية في ذلك فيحمل على التخيير.

الثالث : قال الشهيد بوجوب الإخفات فيه ، وقال ابن إدريس : لا يجب ، وبه قال العلامة في التذكرة.

ص: 153


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 27 من أبواب القراءة ، حديث 4.

ص: 154

في الركوع

اشارة

قال رحمه اللّه : الخامس التسبيح فيه ، وقيل يجزي الذكر فيه ولو كان تكبيرا أو تهليلا ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة من وجوب تعيين التسبيح ، ولأن المقتضي لوجوب تعيين التسبيح - وهو التعظيم - موجود في الذكر المطلق ، فكان مجزيا ، ومن الروايات (1) الواردة في تعيينه ، ولأنّه مع تعيين التسبيح يخرج من العهدة بيقين ، بخلاف مطلق الذكر.

وبالأول قال الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وبالثاني قال في النهاية.

فروع :

الأول : يكفي سبحان ربي العظيم ، ولو قال : وبحمده اعتقد وجوبه

الثاني : على القول بإجزاء مطلق الذكر ، يجزي الواحدة الصغرى لأنها ذكر ، ولو أتى بالكبرى اعتقد وجوبها.

ص: 155


1- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 4 و 5 من أبواب الركوع.

الثالث : يجب على هذا القول مراعاة الثناء مع ذكر اللّه تعالى ، فلو قال : (اللّه) واقتصر لم يجز ، ويجزي : اللّه الرحيم كما لو قال : اللّه أكبر.

الرابع : لو أتى بالزائد على الواحدة كان الواجب واحدة ، والزائد ندب ، ويتخير في تعيين الواجبة ، ولو لم يعين مع اعتقاده وجوب الواحدة واستحباب الزائد أجزأ.

قال رحمه اللّه : وهل يجب التكبير للركوع؟ فيه تردد ، والأظهر الندب.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة ، ومن رواية زرارة (1) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على وجوبه ، والمشهور الاستحباب.

تنبيه : يستحب في كل ركعة خمس تكبيرات : الأولى للركوع بعد القراءة وهو قائم قبل الركوع ، والثانية للسجدة الاولى وهو قائم بعد رفعه من الركوع وقبل هويه للسجود ، والثالثة للرفع منها بعد انتصابه ، والرابعة للسجدة الثانية وهو منتصب عقيب التكبيرة الثالثة وقبل هويه للسجدة الثانية ، والخامسة للرفع من الثانية بعد انتصابه ، فلو فعله وهو آخذ في الهوي أو الارتفاع كان أدون فضلا ، ثمَّ يضاف إلى كل فريضة تكبيرة أخرى للقنوت ، فيكون في الخمس تسعون تكبيرة مستحبة.

ص: 156


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب الركوع ، حديث 1.

في السجود

اشارة

قال رحمه اللّه : ويستحب للسامع على الأظهر.

أقول : يجب سجود العزائم على القارئ والمستمع ، وهو الذي يقصد الاستماع ، وهل يجب على السامع ، وهو الذي لا يقصد (1) الاستماع؟

فيه خلاف ، قال الشيخ في الخلاف : لا يجب للأصل ، ولرواية عبد اللّه بن سنان (2) الدالة على عدم الوجوب ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن إدريس : بالوجوب لرواية أبي بصير (3).

فروع :

الأول : سجود التلاوة واجب على الفور ، فلو تراخى من وجب عليه بمقدار فعله مع القدرة وجب الإتيان به بنية القضاء ، وكذلك السجود المستحب في التلاوة ، يقضيه استحبابا عند فواته ، وقيل : لا يجب القضاء ، بل يأتي به أداء ، لأنّه غير موقت بوقت ، والأول أقوى ، لكونه موقتا بالسبب.

ص: 157


1- في «ي 1» : (يسمع من غير قصد) بدل : (لا يقصد).
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 43 من أبواب قراءة القرآن ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 42 من أبواب قراءة القرآن ، حديث 2.

الثاني : الواجب فيه النية ووضع الجبهة ، وهل يشترط الوضع على ما يصح عليه السجود ، (أو السجود) (1) على الأعضاء السبعة؟ لم يشترط أبو العباس في موجزه غير وضع الجبهة خاصة ولم يقيد ، ومال الشهيد في بيانه إلى اشتراط السجود على الأعضاء السبعة وعلى ما يصح السجود عليه ، واستشكله في الذكرى : من أصالة البراءة عما زاد عن وضع الجبهة فقط ، ومن الرجوع إلى عرف السجود في الصلاة ، وهو وضع جميع أعضاء السجود.

الثالث : لو تكرر السبب تكرر السجود ، فلو لم يسجد للأول سجد للثاني وقضى الأول.

الرابع : يحرم على المصلّي فرضا الاستماع ، فلو فعله أومأ وقضاها بعد التسليم ، لوجود سبب السجود ، وإنما أبيح الترك لأجل العارض - وهو الصلاة الواجبة - فإذا زال العارض وجب القضاء كغيرها من الواجبات.

ص: 158


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن».

في التسليم

قال رحمه اللّه : التسليم وهو واجب على الأصح.

أقول : الوجوب مذهب السيد المرتضى وابي الصلاح وسلّار ، واختاره المصنف وأبو العباس ، لقوله عليه السلام : «مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم» (1) ، وللاحتياط.

والاستحباب مذهب الشيخين وابن إدريس والعلّامة في أكثر كتبه ، لأصالة البراءة ، ولقوله عليه السلام : «إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود» (2) ، ولم يذكر التسليم.

ص: 159


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 1 من أبواب التسليم ، حديث 1 و 8.
2- عوالي اللئالي 3 : 94 ، حديث 104.

ص: 160

في قواطع

اشارة

الصلاة قال رحمه اللّه : وقيل : لو أحدث ما يوجب الوضوء سهوا تطهّر وبنى ، وليس بمعتمد.

أقول : التروك الواجبة على ضربين : أحدهما متى حصل أبطل الصلاة عامدا كان أو ناسيا ، وهو جميع ما ينقض الطهارة ، قال الشيخ رحمه اللّه : وقد روي أنّه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء ويبني على صلاته ، ولعل وجهه أنّ صلاته قد انعقدت صحيحة وإبطالها يحتاج إلى دليل ، وإنما يبطلها تعمد المنافي وهو لم يتعمد ، والمشهور عدم الفرق.

والضرب الآخر متى حصل وكان المصلي ساهيا أو ناسيا أو لتقية لم تبطل الصلاة ، وهو كل ما عدا نواقض الوضوء.

قال رحمه اللّه : والثاني لا يبطلها إلا عمدا ، وهو وضع اليمين على الشمال ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من وجوب الاقتداء بفعله عليه السلام لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «صلّوا كما رأيتموني أصلي» (1) ولم ينقل أنه كفّر في صلاته ،

ص: 161


1- عوالي اللئالي 1 : 197 ، ذيل حديث 8.

ومن التمسك بالبراءة الأصلية ، لأن الأصل عدم التحريم ، وبه قال أبو الصلاح ، والمشهور التحريم.

ولا فرق بين وضع الكف على الساعد أو بالعكس ، ولا بين وضع الكف على الكف أو الساعد ، ولا بين كون بين العضوين حاجزا أو لا ، وتبطل الصلاة بفعله عمدا اختيارا.

قال رحمه اللّه : والبكاء لشي ء من أمور الدنيا والأكل والشرب على قول ، إلا في صلاة الوتر.

أقول : قال صاحب الصحاح : البكاء يمد ويقصر ، إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها.

إذا عرفت هذا : فالبكاء لأمور الآخرة لا تبطل به الصلاة وإن كان له صوت ، لأنه من دواعي الخشوع ، والبكاء لأمور الدنيا تبطل به الصلاة إذا كان له صوت ، وأما تهامل الدموع بلا صوت فلا تبطل به الصلاة ، سواء كان لأمور الدنيا أو الآخرة.

والأكل والشرب لا يقطعان الصلاة إلّا إذا بلغا الكثرة عند العلامة في المختلف والشهيد في البيان ، لأصالة الصحة ، وأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة.

وقال الشيخ في المبسوط : تبطل الصلاة بالأكل والشرب سواء قلّ أو كثر ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره أبو العباس لمنافاتهما الخشوع ، وإن لم يكن فعلا كثيرا دون ما لا ينافيه كازدراد ما بين الأسنان ، وإنما يجوز الشرب في الوتر بشروط :

الأول : أن يكون عازما على الصوم.

الثاني : أن يلحقه العطش في الصلاة.

الثالث : أن يكون في قنوت الوتر لا في الصلاة.

ص: 162

الرابع : اختصاص الرخصة بالشرب دون الأكل.

الخامس : أن لا يفعل بسبب الشرب ما ينافي الصلاة كالاستدبار ، ويغتفر الفعل الكثير فيه (1) نفسه فإنّه لا يبطل وان طال زمانه ، ويجوز أن يمشي ليتناول الماء ثلاث خطوات فما دون.

قال رحمه اللّه : وفي عقص (2) الشعر للرجل تردد ، والأشبه الكراهية.

أقول : منشؤه أصالة عدم التحريم ، وأصالة صحة الصلاة ، ومن الروايات (3) الدالة على التحريم ، وبالتحريم قال الشيخ ، وبالكراهة قال ابن إدريس والمصنف والعلامة.

قال صاحب الصحاح : عقص الشعر ضفره وليّه على الرأس كالكبة ، وقيل : جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة ، فعلى هذا إن منع من السجود أبطل قطعا.

قال رحمه اللّه : إذا سلّم عليه جاز أن يردّ مثل قوله : سلام عليكم ، ولا يقول : وعليكم ، على رواية.

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه عثمان بن عيسى (4) ، قال العلامة في المختلف : وعندي في العمل بهذه الرواية نظر ، فإنّ في طريقها عثمان بن عيسى وهو ضعيف ، والمحصّل أنه إذا سلّم عليه وهو في الصلاة وجب الرد وان كان المسلّم صبيا أو امرأة أجنبية ، لعموم قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ

ص: 163


1- في «ر 1» : في.
2- في «ن» : تعمد عقص.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 36 من أبواب لباس المصلي.
4- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب قواطع الصلاة ، حديث 2.

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (1).

وصورة الرد : «سلام عليكم» و «سلام عليك» و «السلام عليك» ، بأي هذه الثلاثة رد خرج من العهدة ، ولا يجوز الرد ب- «عليكم السلام» وإن سلّم بها (لعموم النهي عن الرد بها) (2).

والواجب في الرد إسماع المسلّم ، فإن كان أصمّ لم يجب إسماعه إذا خرج عن العادة ، والأقرب وجوب الإشارة بالرد على الأصم بحيث يعلم أنه رد عليه لكونها قائمة مقام الكلام بعد تعذره في كثير من الأحكام ، فلا يخرج من العهدة بدونها.

فروع :

الأول : إذا حيّاه بغير السلام كالصباح أو المساء أو غير ذلك وجب الرد بلفظ السلام أو الدعاء ، كأن يقول : غفر اللّه لك ، بارك اللّه فيك ، وما شابه ذلك ، فان رد بمثل قوله وقصد الدعاء جاز ، وإن قصد مجرد الرد لم يجز ، وقال الشهيد في البيان : يمكن الجواز.

الثاني : لو لم يرد السلام هل تبطل صلاته؟ يحتمل ذلك ، لأنّ الرد واجب مضيق وهو غير مناف للصلاة ، فإذا فعل شيئا من أفعال الصلاة قبله كان منهيّا عنه ، لأنّه مخاطب بالرد ، والنهي في العبادة يدل (3) على الفساد.

ويحتمل عدم البطلان ، لأنّها انعقدت صحيحة وبطلانها يحتاج إلى دليل وليس ، لأن قواطع الصلاة معدودة مضبوطة وليس ذلك منها ، والنهي الموجب للبطلان هو النهي المتعلق بذات الصلاة كصلاة الحائض ، أو لأمر لازم لذاتها

ص: 164


1- النساء : 86.
2- ما بين القوسين من «ن». والعموم مستفاد من رواية عثمان بن عيسى السابقة.
3- في «ن» و «ر 1» : يستلزم الفساد.

كالصلاة في الثوب المغصوب أو المكان المغصوب ، واختار صاحب الموجز وصاحب البيان عدم البطلان.

الثالث : لو طالبه برد الوديعة وهو في الصلاة وهو قادر على ردّها من غير إبطال الصلاة فلم يردّها كان حكمه حكم تارك السلام في احتمال البطلان وعدمه.

الرابع : المطالب بالوديعة أو الدين قبل دخوله في الصلاة وهو قادر على الدفع ، إذا صلّى قبل تضيّق الوقت ، بطلت صلاته - على المشهور بين الأصحاب - إذا كانت الصلاة منافيه لأداء حق الآدمي ، لكونه مضيّقا والصلاة موسعة ، ولو أمكن الجمع بين الصلاة والدفع لم تبطل. وحكم الزكاة والخمس كذلك وإن لم يطالب المستحق ، لأنه غير متعيّن فلا يتوقف الدفع على مطالبته ، وحكم الدين الذي لا يعلمه صاحبه حكم الزكاة.

تنبيه : يبطل المندوبة كل ما يبطل المكتوبة إلّا خمسة أشياء :

الأول : ترك السورة عمدا.

الثاني : ترك رفع الرأس من الركوع ، قاله في الموجز.

الثالث : ترك الطمأنينة في رفع الرأس من الركوع.

الرابع : الشك في الأوليين.

الخامس : زيادة الركن سهوا ، ولا يحرم قطعها بخلاف المكتوبة.

ص: 165

ص: 166

بقية الصلوات

اشارة

في صلاة الجمعة

قال رحمه اللّه : وكذا لو أدرك الإمام راكعا في الثانية على قول.

أقول : إذا أدرك المأموم الإمام وهو راكع في الثانية فقد أدرك الجمعة إذا ساواه في قوس الركوع ، وان كان بعد ذكر الإمام ، إذا كان الوقت باقيا ، أما مع خروج الوقت مثل أن يتلبس الإمام ولم يبق من الوقت غير قدر ركعة ويصلّي الثانية في غير الوقت ، فإنّه لا يدرك المأموم الجمعة ما لم يلحقه في الأولى ولو في قوس الركوع ، وقال الشيخ في النهاية : يشترط تكبيرة الركوع.

فرع : لو أدرك الإمام راكعا في الثانية فركع ثمَّ زوحم على السجود ، فإن أتى به قبل أن يسلّم الإمام فقد أدرك الجمعة ، وإن استمر الزحام بعد التسليم فقد فاتت الجمعة.

قال رحمه اللّه : وقيل : سبعة ، والأول أشبه.

أقول : يشترط في الجمعة العدد إجماعا ، واختلف علماؤنا على قولين :

أحدهما : سبعة ، وهو قول الشيخ وابن الجنيد رحمه اللّه ، لأنّ الإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده ، والاجتماع مظنة النزاع ، والتنازع يوجب اختلال نظام النوع ، فاستدعا كمال نظامه وبقاؤه وجود رئيس يحملهم

ص: 167

على الطاعة ويعدهم عليها الثواب ، ويزجرهم عن المعصية ويتوعدهم عليها العقاب ، فوجب الامام ، ولمّا كان الإنسان محلا للحوادث وجب في بقاء الاجتماع ونظامه وجود نائب الامام ، ولمّا كان التنازع يفتقر إلى مدّع ومدعى عليه وجب اعتبارهما ، ولما كان التجاحد ممكنا وجب اعتبار شاهدين يثبت بهما ما يقع التنازع فيه ، وقد يكون التنازع مؤديا إلى استحقاق الحد في جنب أحدهما ، فوجب وضع مستوف للحد.

فظهر احتياج التمدن إلى هذه السبعة : المدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان والإمام وقاضيه والمتولي إقامة الحدود ، فلهذه الحكمة وجب هذا العدد في الصلاة التي لا تجب على غير المستوطنين.

والقول الآخر : خمسة : المدعي حقا والمدعى عليه والشاهدان والامام ، ويتولى هو الحكم وإقامة الحدود ، كما فعل علي عليه السلام في كثير من الاحكام ، وهو مذهب المفيد وابن إدريس والمصنف والعلّامة وابي العباس.

قال رحمه اللّه : قيل : يجزي ولو آية واحدة مما يتم بها فائدتها.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب قراءة سورة خفيفة ، وقال في الخلاف : يقرأ شيئا من القرآن ، وأمّا التقييد بالآية التامة الفائدة إنما نقله المصنف والعلامة. والتامة الفائدة هي التي يحسن السكوت عليها ، وحكمها فيها من الوعد والوعيد وغير ذلك من أحكام القرآن لا يتعلق بالآية التي قبلها ولا التي بعدها.

قال رحمه اللّه : ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتى إذا فرغ زالت ، وقيل : لا يصح إلّا بعد الزوال ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب الإيقاع قبل الزوال ، قاله الشيخ في النهاية والمبسوط ،

ص: 168

وهو مذهب ابن حمزة ، والمستند الروايات (1).

الثاني : وجوبه بعد الزوال ، وهو مذهب السيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره العلّامة ، لأنهما بدل من الركعتين ، ولا يجوز المبدل قبل الزوال فكذلك البدل تحقيقا للبدليّة المقتضية للمساواة.

الثالث : الجواز ، وهو مذهب المصنف جمعا بين الأدلة.

قال رحمه اللّه : وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردد ، والأشبه أنها غير شرط.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ، ومن أن مع الطهارة تحصل البراءة بيقين ، وبدونها لا يحصل يقين البراءة ، فكان العمل بما يحصل به اليقين أحوط ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وبالأول قال ابن إدريس والعلّامة.

وأجيب عن حجة الشيخ بأن الاحتياط لا يقتضي الوجوب ، واعتقاد وجوب غير الواجب خطأ ، فلا يحصل به الاحتياط مع اعتقاد وجوب الطهارة.

قال رحمه اللّه : ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفيه تردد.

أقول : هذا فرع على وجوب الاستماع ، ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، ومن أن الفائدة من الخطبة والوعظ إنما يحصل بالإنصات والاستماع ، وبه قال الشيخ وابن إدريس ، والاستحباب مذهب الشيخ في المبسوط ، وظاهر المصنف والعلّامة في القواعد الاكتفاء بسماع العدد.

وقال العلّامة في المختلف : لا يقال : الخطبة إنما تجب مع حضور

ص: 169


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 8 من أبواب صلاة الجمعة.

الخمسة فيكفي سماعهم وانصاتهم ، ويحرم الكلام عليهم لا على الزائد.

لأنّا نقول : لا تخصيص لأحد بكونه من الخمسة دون غيره ، فيحرم على الجميع.

وذهب أبو العباس في المقتصر إلى تحريمه على الخطيب والمستمع ، وليس مبطلا للجمعة ولو (1) صدر من كل منهما ، وقال في الموجز : يكره للخطيب ويحرم على المستمع.

قال رحمه اللّه : الخامس أن لا يكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال ، فإن اتفقتا بطلتا ، وإن سبقت إحداهما - ولو بتكبيرة الإحرام - بطلت المتأخرة ولو لم يتحقق السابقة أعادتا ظهرا.

أقول : هذه المسئلة لم يتردد فيها المصنف ولا فيها خلاف ، ولكنها تفتقر إلى كشف وإيضاح ، فنقول : إذا صلى في بلد واحد جمعتان بينهما أقل من ثلاثة أميال بطلت الأخيرة وصحت السابقة ، فإن اقترنتا بطلتا ، فإن حصل اشتباه في السبق ، فإمّا أن يكون حصل بعد أن كانت إحداهما معلومة السبق بعينها أو معلومة السبق لا بعينها ، أو يشتبه الحال بمعنى : ان لا يعلم هل حصل سبق أم لا؟ ففي الصورتين الأوليين يحصل القطع ببراءة الذمة من صلاة الجمعة ، لأنه قد وقع في ذلك البلد جمعة صحيحة لكن كل طائفة شاكة في كون الجمعة الصحيحة هل هي جمعتها أم جمعة الطائفة الأخرى؟ فيتعين عليهما الإتيان بالظهر ، لعدم قطع كل طائفة منهما بخروجها من العهدة.

واما الصورة الثالثة - وهي صورة الاشتباه - فإنهما يعيدان جمعة وظهرا

ص: 170


1- في «م» و «ن» و «ر 2» : لو.

ليحصل يقين البراءة ، لأنهما لو أعادا (1) جمعة فقط أمكن أن يكون جمعة إحداهما صحيحة ، فتبطل الأخرى ، والواجب على من بطلت جمعته الظهر ، وإن أعادا ظهرا فقط أمكن اقتران الجمعتين ، فتبطلان ، فيجب عليهما الجمعة ، فلا يحصل يقين البراءة إلا بالإتيان بهما معا.

ويؤم بالطائفتين إمام من غيرهما ، لاحتمال أن يكون الذي يؤم بهما من طائفة قد سبقت جمعتها وقد برأت ذمته منها ، فلا يجوز أن يكون إماما لمن ذمته مشتغلة بها ، وكذا إن صليا الظهر جماعة ، فلو صلت كل واحدة الظهر وحدها جاز أن يؤم بها إمام منها ، لعدم إمكان اختلاف حكم الإمام والمأموم حينئذ ، ولو افترقتا بفرسخ صلت كل طائفة الجمعة فقط بإمام منها أو من غيرها لا من الطائفة الأخرى.

قال رحمه اللّه : وفي العبد تردّد.

أقول : الجمعة لا تجب على العبد ، ولو حضر وجبت عليه كالمريض ، وهل تنعقد به؟ قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف : تنعقد ، وبه قال ابن إدريس ، لعموم (2) الدليل الدال على اعتبار العدد من غير تقييد بحرية أو غيرها ، وعدم وجوبها عليه لا ينافي انعقادها به كالمريض. وقال الشيخ في المبسوط بعدم الانعقاد ، واختاره العلامة وأبو العباس في موجزه ومحررة ، لأن العبد لا يجب عليه الحضور إجماعا ، ولا يجوز بغير إذن سيّده وهو غير معلوم ، فيحكم ظاهرا بقبحه لأصالة عدم الاذن ، فلو اعتددنا به في تكميل العدد الموجب لتكليف الغير ، كان ذلك التكليف قبيحا لاشتماله على التصرف بمال الغير من غير اذنه ،

ص: 171


1- كذا في النسخ.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة الجمعة.

وما ليس ينفك عن القبيح فهو قبيح ، فلا ينعقد به إلا مع إذن سيده بالحضور.

فرع : لو ألزم المولى عبده بحضور الجمعة ، احتمل الوجوب ، لوجوب طاعته في غير العبادة ففيها أولى ، ويحتمل العدم ، لأنه غير مكلف بالحضور ، وإلزام السيد غير صالح لإثبات ما أسقطه الشارع عنه من العبادات ، كعدم صلاحيته لإسقاط ما أوجب عليه منها ، فلا يلتفت إلى إلزامه قبل الحضور كما لا يلتفت إلى منعه بعد الحضور ، بل يكون تكليف العبد مع إذن سيده قبل الحضور تكليفا اختياريا موكولا إلى اختيار العبد ، إن شاء حضر وإن شاء ترك.

قال رحمه اللّه : ولو هاياه مولاه لم تجب الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر.

أقول : قال الشيخ لو انعتق بعضه وهاياه مولاه فاتفقت الجمعة في يوم نفسه وجبت عليه ، لأنه ملك المنافع وزال عذر الحضور في ذلك اليوم ، وحكم المصنف والعلامة بعدم الوجوب ، لأصالة البراءة ، ولأن المهاياة ليست واجبة ، فلو وجبت عليه الجمعة في يوم نفسه وجبت مطلقا.

قال رحمه اللّه : الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردد ، وكذا تحريم الكلام في أثنائها.

أقول : سبق البحث في هذه (1).

قال رحمه اللّه : ويعتبر في إمام الجمعة كمال العقل ، والايمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والذكورة ، ويجوز أن يكون عبدا ، وهل يجوز أن يكون

ص: 172


1- ص 169 - 170.

أجذم أو أبرص؟ فيه تردد ، والأشبه الجواز وكذا الأعمى.

أقول : بعض هذه الشروط مجمع عليه وبعضها مختلف فيه ، فالمجمع عليه كمال العقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد والذكورة ، والباقي مختلف فيه ، فمما اختلف فيه الحرية ، ولم يعتبرها الشيخ في المبسوط إذا تمَّ العدد بدونه ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد في دروسه ، لأنّه مكلف عدل فجازت إمامته ، واعتبرها في النهاية والمفيد في المقنعة ، لأن الإمامة أحد المناصب الجليلة فلا يليق بحال العبد ، ولما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه ، عن علي عليهم السلام «قال : لا يؤم العبد إلّا أهله» (1) وهو مذهب أبي العباس في موجزه.

ومنشأ التردد في الأجذم والأبرص نفور القلوب عنهما ، وفي الأعمى عدم تحرزه من النجاسة ، ومن هذا شأنه لا يجوز أن يكون إماما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن إدريس ، ومن أصالة الصحة ، وهو المشهور.

قال رحمه اللّه : الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة ، وقيل : مكروه ، والأول أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في وقت الأذان المشروع في يوم الجمعة ، والمشهور أنه حال جلوس الإمام على المنبر.

قال ابن أبي عقيل : إذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر وجلس وقام المؤذن فأذّن ، فإذا فرغ المؤذّن من أذانه قام الإمام خطيبا للناس.

ومثله قال ابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلّامة.

وقال أبو الصلاح : وإذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان ، فإذا فرغوا منه صعد المنبر وخطب.

ص: 173


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 17 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 4.

وقال الشهيد في بيانه : ولو جمع بينهما أمكن نسبة البدعة إلى الثاني زمانا وإلى غير الشرعي ، فينزل على القولين.

مراده : لو أذّن قبل صعود الإمام المنبر وبعد صعوده كان البدعي هو الأذان الذي بعد صعود الإمام المنبر لكونه ثانيا ، ويحتمل أن يكون البدعي هو غير المشروع منهما.

فإن قلنا : إنّ المشروع هو المشهور ، كان البدعي هو الأول الذي قبل صعود الإمام ، وكان ثانيا لعدم الاعتداد به (وان قلنا : المشروع ما قاله أبو الصلاح كان البدعي الثاني بالزمان ومذهب الدروس كالبيان وقال ابن إدريس) (1) :

الأذان الثاني هو الحاصل بعد نزول الإمام عن المنبر مضافا إلى الأذان الأول الذي عند النزول ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر واستقربه الشهيد في بيانه.

إذا عرفت هذا ، فالتحريم مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة في تحريره ومختلفه ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يفعله إجماعا ، وشرع الصلاة بأذان واحد وإقامة ، فالزيادة المماثلة بدعة ، وقيل : أول من أحدثه عثمان ، وقيل : معاوية ، وقال الشيخ في المبسوط بالكراهة لأصالة الإباحة ، وقوّاه صاحب الدروس.

قال رحمه اللّه : يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان ، فإن باع أثم ، وكان البيع صحيحا على الأظهر.

أقول : إذا وقع البيع عند الأذان ممن وجب عليه الجمعة فعل حراما إجماعا ، وهل ينعقد؟ جزم الشيخ في الخلاف بعدم الانعقاد ، لكونه منهيا عنه

ص: 174


1- ما بين القوسين من «ن» ، وفي باقي النسخ عبارة : (وان كان) بدلا عنه.

والنهي يدل على الفساد ، وهو مذهب ابن الجنيد ، وأكثر المتأخرين على الانعقاد ، لأنه بيع صدر من أهله في محله ، لأن العقد سبب لنقل الملك إلى المشتري بالإجماع ، وهو موجود هنا ، والنهي الذي يستلزم الفساد هو النهي في العبادات لا المعاملات.

فروع :

الأول : النداء الذي يتعلق به التحريم هو الأذان المشروع حالة صعود الخطيب المنبر.

الثاني : لو كان بعيدا عن الجمعة ، بحيث يفتقر إلى السعي قبل الزوال وجب السعي ، وحرم البيع إن منع من السعي ، وإلّا فلا.

الثالث : لو لم يمنع البيع حالة الأذان من السعي ولا من سماع الخطبة ، احتمل الجواز لعدم المنافاة ، والعدم لعموم (1) المنع حالة النداء.

الرابع : لو كان أحد المتبايعين مخاطبا بالجمعة دون الآخر حرم على المخاطب إجماعا ، وعلى الآخر أيضا لما فيه من المعاونة على الإثم والعدوان المنهي عنه في الآية (2) ، وقيل : يكره لغير المخاطب.

الخامس : لا فرق بين البيع وغيره من العقود للمشاركة في العلّة.

قال رحمه اللّه : إذا لم يكن الإمام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع والخطبتان ، قيل : يستحب أن يصلّى جمعة ، وقيل : لا يجوز ، والأول أظهر.

أقول : إذا أمكن في حال الغيبة اجتماع العدد المعتبر والخطبتان استحب

ص: 175


1- الجمعة : 9.
2- المائدة : 2.

الاجتماع وإيقاع الجمعة بنية الوجوب ، وتجزي عن الظهر ، هذا مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة والشهيد وأبو العباس ، لعموم قوله تعالى ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ) (1) ولهم عليه روايات (2).

والمنع مذهب ابن إدريس والسيد المرتضى ، لأن شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة وهو مفقود ، ولأن الظهر أربع ركعات ثابتة في الذمة بيقين فلا يخرج من العهدة إلا بفعلها ، وأخبار الآحاد مظنونة لا يجوز التعويل عليها.

وأجاب العلامة بأنّ الفقيه المأمون منصوب من قبل الإمام ، ولهذا تمضى أحكامه ، ويجب على الناس مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس.

فروع :

الأول : على القول بانعقاد الجمعة حال الغيبة ، يجوز إيقاع جمعتين في بلد واحد بينهما أقل من فرسخ ، قاله أبو العباس في موجزه ، وفيه نظر حققناه في شرح الموجز ، والأقوى (3) عدم الجواز.

الثاني : يجب على الإمام نية الإمامة ، لأن من شرطها الاجتماع وكل صلاة الاجتماع فيها شرط يجب فيها نية الإمامة.

الثالث : قال الشهيد في البيان : فرع : انما يجوز مع باقي الشرائط ، فإذا اجتمعوا نووا الوجوب ، ويجزي عن الظهر فيكون الوجوب هنا تخييريا.

ووجدت قيدا على بعض نسخ البيان منسوبا إلى بعض الفضلاء أن

ص: 176


1- الجمعة : 9.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 من أبواب صلاة الجمعة.
3- في «ي 1» : والظاهر.

مراده في قوله (تخييريا) أي التخيير بين نية الوجوب ونية الندب وأيهما نوى أجزأ عن الظهر ، وهو غلط ، بل مراده التخيير بين الجمعة والظهر ، فيكون من باب الواجب المخير ككفارة رمضان وغيرها من الواجبات المخيّرة ، ولا يجوز نيّة الندب ، لأن الجمعة بدل من الظهر ، وحكم البدل حكم المبدل عنه في جميع الأحكام إلا ما أخرجه النص هنا ، من زيادة القنوت ونقصان الركعتين المعوض عنهما بالخطبتين ، ومن بعض احكام المبدل اشتراط نية الوجوب فيجب في البدل تحقيقا للبدلية ،

ولأنها مجزية عن الظهر ، والندب لا يجزي عن الواجب مع تحقق الوجوب في شي ء من الأحكام إجماعا.

فإن قيل : إن هذه الجمعة مندوبة مع أنها تجزي عن الظهر عند القائل بها ، والوضوء المندوب يجزي عن الواجب في بعض الصور ، فكيف قلتم :

إن المندوب لا يجزي عن الواجب إجماعا؟! الجواب عن الأول : إن المندوب هو الاجتماع والعدول إليها عن الظهر ، فإذا اختار المكلف ذلك وأراد الدخول فيها ، تعين عليه نية الوجوب ، لاختياره إيجابها عليه بالدخول فيها ، كاستحباب الجهر يوم الجمعة ، والجهر بالبسملة في مواضع الإخفات ، فإنّ المستحب هو العدول إلى الجهر ، فإذا أتى به اعتقد الوجوب ، لأن القراءة لها صفتان الجهر والإخفات وكلاهما واجب ، فلا يجوز أن يوقع أحدهما بنية الاستحباب ، فكما أن الواجب في الظهر هو الإخفات ، والعدول إلى الجهر مستحب وإذا أتى به اعتقد وجوبه ولا يجوز أن يوقعه بنية الندب ، كذلك الواجب في الجمعة حال الغيبة هو الظهر ، والعدول إلى الجمعة مستحب مع الإمكان ، فإذا دخل فيها دخل بنية الوجوب ، لأن الأصل فيها الوجوب ، لكون الفرض غيرها ، وهو الظهر ، وقد استحب له العدول إلى الجمعة ، فإذا عدل إليها وجب إيقاعها على أصلها كالجهر ، لأن

ص: 177

الأصل فيه الوجوب ، ولكن فرضه في الظهر غيره ، وهو الإخفات ، وقد استحب العدول إلى الجهر ، فإذا عدل إليه وجب إيقاعه على أصله ، وهو الوجوب ، فلا يجوز إيقاع الجمعة بنية الندب ، كما لا يجوز فعل الجهر بنية الندب لمساواتها له من كل الوجوه.

واما الجواب عن الثاني : - وهو إجزاء الوضوء المندوب عن الواجب - فإنا نقول : انما يجوز إيقاع الوضوء المندوب المجزي عن الواجب في غير وقت التكليف بالواجب (1) ، فلو كان مكلفا به لما جاز إيقاعه بنية الندب ، ولا أجزأ عن الواجب ، وانما أجزأ مع خلوّه عن الواجب ، لأنه أوقع طهارة مشروعة رافعة للحدث ، مبيحة للصلاة ، فإذا دخل وقت الوجوب وهو على تلك الطهارة اجتزأ بها ، لعدم بطلانها بدخول وقت الوجوب ، والجمعة ليس كذلك ، لأنه أوقعها في وقت هو مكلف فيه بأداء الفرض ، فلو أوقعها بنية الندب لم تكن معتبرة ولا مجزية عن الفرض كما لو أوقع الوضوء الندب بنية الفرض لم يكن معتبرا ولا مجزيا عن الفرض.

ولقد نص أبو العباس في مهذبه ومقتصره والشهيد في بيانه على نية الوجوب ، ولم نجد قولا لبعض الأصحاب بجواز نية الندب ، فتعين القول بالوجوب ، لنص الأصحاب عليه ، وسياقة الدليل اليه ، وإنما أطلنا البحث هنا ليظهر بطلان ذلك القيد الذي نقله أكثر الطلبة ، وقال به.

قال رحمه اللّه : إذا لم يتمكن المأموم من السجود مع الإمام في الأولى ، فإن أمكنه السجود واللحاق به قبل الركوع وجب ، وإلا اقتصر على متابعته في السجدتين وينوي بهما الأولى ، فإن نوى بهما الثانية ، قيل : تبطل الصلاة

ص: 178


1- في «ن» : بالوجوب.

وقيل : يحذفهما ويسجد للأولى ويتم ثنائية ، والأول أظهر.

أقول : إذا ركع مع الإمام في الأولى ومنعه الزحام عن سجودها ، فإن تمكّن - بعد قيام الإمام من الأولى إلى الثانية - من السجود أتى به ولا كلام ، وإلّا فلا يتابعه في ركوع الثانية ، فإذا سجد الإمام سجد معه ونوى بهما أنهما للركعة الأولى ، ولو لم ينو أنهما للأولى بطلت صلاته.

وقال ابن إدريس : لا يجب تجديد نية أنهما للأولى ، بل الاستدامة كافية والأصل براءة الذمة من وجوب تجديد النية ، واستقربه الشهيد.

والجواب أن المأموم أفعاله تابعة لأفعال الإمام ، والإمام سجد السجدتين بنية أنهما للثانية فيكون المأموم بحكمه ، فلو لم ينو أنهما للأولى انصرفا إلى الثانية تحقيقا للمتابعة.

وقال في المبسوط : إذا لم ينو بهما الأولى لم يعتد بهما ، ووجب ان يحذفهما ويسجد سجدتين للركعة الأولى ، والأول مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة.

ص: 179

ص: 180

في صلاة العيدين

اشارة

قال رحمه اللّه : ثمَّ يكبّر بعد القراءة على الأظهر.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه : يبدأ بعد تكبيرة الإحرام بالقراءة ثمَّ يكبّر بعدها للقنوت ، وفي الثانية يكبر أيضا بعد القراءة ، وهو قول ابن إدريس وابن بابويه وابي الصلاح ، ومذهب المصنف والعلامة ، وقال ابن الجنيد : والتكبير في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وفي الأمصار عقيب عشر يقول : اللّه أكبر اللّه أكبر ، وفي الثالثة تردّد.

أقول : منشؤه اختلاف الأصحاب المستند إلى اختلاف الروايات (2) ، قال ابن أبي عقيل : يقول اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر ، ولله الحمد على ما هدانا ، اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، ومثله قال ابن الجنيد ، وقال ابن بابويه : «ان عليا عليه السلام كان يقول : اللّه أكبر اللّه

ص: 181


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 10 من أبواب صلاة العيد.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 21 من أبواب صلاة العيد.

أكبر ، لا إله إلا اللّه ، ولله الحمد (1).

قال رحمه اللّه : التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردد ، والأشبه الاستحباب ، وبتقدير الوجوب ، هل القنوت واجب؟ الأظهر لا ، وبتقدير وجوبه هل يتعين فيه لفظ؟ الأظهر انه لا يتعين وجوبا.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : التكبير الزائد على المعتاد في سائر الصلوات ، وباستحبابه قال الشيخ في التهذيب ، واختاره المصنف ، لأصل براءة الذمة ، وبالوجوب قال أبو علي ابن الجنيد ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لقوله عليه السلام :

«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (2) ، ولأنهم عليهم السلام نصّوا على وجوب صلاة العيد ، وبيّنوا كيفيتها ، وذكروا التكبيرات الزائدة (3).

الثانية : القنوت ، قال السيد المرتضى : مما انفردت به الإمامية وجوب القنوت بين كل تكبيرتين من تكبيرات العيد ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لقوله عليه السلام : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ، والاستحباب مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف للأصل.

الثالثة : على تقدير وجوبه ، هل يتعين فيه لفظ؟ قال أبو الصلاح : ويلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين ، فيقول : «اللّهم أنت أهل (4) الكبرياء والعظمة» (5) الى آخره ، وهو يشعر بوجوب هذا الدعاء ، والمشهور أنه يقنت

ص: 182


1- راجع المصدر السابق.
2- عوالي اللئالي 1 : 197 ، حديث 8.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 1 و 10 و 20 و 21 من أبواب صلاة العيد.
4- في «م» و «ي 1» و «ر 1» : اللّهم أنت أهل.
5- وهذا الدعاء موجود في المصدر السابق باب 26 ، حديث 2 و 5.

بما شاء ، لأن الأصل براءة الذمة من وجوب التعيين.

فروع :

الأول : لو قنت قبل القراءة ناسيا تدارك القراءة واستأنف التكبير والقنوت الذي فعله قبلها ما لم يركع ، فان ركع مضى في صلاته وسجد للسهو.

الثاني : لو نسي التكبيرات أو بعضها ولم يذكر حتى يركع لم يكن عليه غير سجود السهو ، وقال الشيخ : يقضيه بعد الصلاة.

الثالث : لو شك في عدد التكبيرات بنى على اليقين.

الرابع : لو أدرك بعضه مع الإمام أتمه لنفسه ، فإن خاف فوات الركوع والى بين التكبيرات من غير قنوت.

الخامس : لو شك بين الركعتين بطلت صلاته.

السادس : يحرم البيع وشبهه بعد الأذان كالجمعة.

قال رحمه اللّه : إذا اتفق عيد وجمعة فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة ، وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته ، وقيل : الترخيص مختص بمن كان نائيا عن البلد ، كأهل السواد ، دفعا لمشقة العود ، وهو الأشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : التخيير مطلقا ، وهو قول الشيخين واختاره العلامة ، لأن في الجمع حرجا وضررا وزيادة تكليف فيكون ساقطا.

الثاني : وجوب الحضور مطلقا ، وهو قول ابن البرّاج وأبي الصلاح ، لأن الأصل وجوب الصلاتين ، ولأن وجوب الحضور على الإمام يدل على وجوب الحضور على غيره ، وإلا لقبح تكليف الإمام لتوقفه على فعل لا يعلم إيقاعه من الغير.

ص: 183

وأجاب العلامة عن هذا بان الواجب على الإمام ليس هو صلاة الجمعة ابتداء ، بل الواجب عليه الحضور ، وهو لا يتوقف على فعل الغير ، فان اجتمع العدد لحقه وجوب آخر ، وإلا فلا.

الثالث : اختصاص التخيير بمن كان قاصي المنزل دون أهل البلد ، بل يجب عليهم الحضور ، واختاره المصنف وأبو العباس في موجزه ، لرواية إسحاق بن عمار (1) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ، ولأن في عود قاصي المنزل زيادة في المشقة على أهل البلد فتختص الرخصة بذي المشقة العظيمة دون غيره ، ومذهب الشهيد كمذهب الشيخين.

قال رحمه اللّه : وفي خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : التردد نشأ من ظاهر كلام الشيخ في النهاية ، فإنه قال فيها : وإذا أراد الإنسان الشخوص من بلد فلا يخرج من بعد الفجر إلّا أن يشهد الصلاة ، فإن شخص من قبل ذلك لم يكن به بأس. وهو يدل على عدم جواز الشخوص بعد الفجر وقبل الصلاة.

ومن أصالة الجواز ، ولأن المانع هو التكليف في الصلاة ، وهو لا يتحقق قبل دخول الوقت ، وهو طلوع الشمس.

فرع : لو سافر بعد طلوع الشمس وقبل صلاة العيد مع وجوبها عليه ، وجب عليه العود للحوق بها إن أمكنه ذلك ، فان لم يمكنه لم تعتبر المسافة من البلد إلى الموضع الذي انتفى فيه إمكان العود واللحاق بالصلاة ، لكونه عاصيا في سفره ، ثمَّ تعتبر المسافة من ذلك المكان ، فإن كان الباقي مسافة وجب التقصير حينئذ وإلا فلا.

ص: 184


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 15 من أبواب صلاة العيد ، حديث 3.

وكذلك لو سافر يوم الجمعة بعد الزوال فإنه لا يجوز له صلاة الظهر ولا يعتبر المسافة ما امكنه العود واللحاق بالصلاة ، فإذا انتفى الإمكان اعتبر المسافة وصلى الظهر تماما لوجوبها عليه حالة الإقامة.

ص: 185

ص: 186

في صلاة الكسوف

اشارة

قال رحمه اللّه : فتجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة ، وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل :

نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ، بل يستحب ، وقيل : تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب.

أقول : قال الشيخ في النهاية والمبسوط : صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب. ولم يتعرض لأخاويف السماء ، وبه قال ابن إدريس ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينقل عنه أنه صلى لغير ذلك. وأوجبها في الخلاف لجميع الآيات التي تظهر في السماء من الأخاويف وغيرها ، وهو اختيار العلامة وأبي العباس ، لأن المقتضي للوجوب في الكسوف موجود ، وهو أنه خارق للعادة ليحصل به تذكير العباد فيكون لطفا ، فهذه الحكمة مشتركة في الجميع ، ولما رواه زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح «قلنا لأبي جعفر عليه السلام هذه الرياح والظلمة التي تكون هل يصلّى لها؟ قال : كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع يصلّى

ص: 187

له صلاة الكسوف حتى يسكن» (1).

قال رحمه اللّه : إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة كان مخيرا في الإتيان بأيهما شاء ما لم تتضيق الحاضرة فتكون أولى ، وقيل : الحاضرة أولى ، والأول أشبه.

أقول : إذا اتفق الكسوف في وقت حاضرة ، فإمّا أن يتسعا أو يتضيقا أو تتسع إحداهما وتتضيق الأخرى ، فإن تضيقتا أو تضيقت الحاضرة بدئ بالحاضرة ، وإن تضيقت الكسوف بدئ بها ، وإن اتسع الفرضان تخيّر على المشهور بين الأصحاب ، لأنهما فرضان اجتمعا ووقتهما متسع فيتخيّر المكلف بينهما ، لأن تعين أحدهما وجوبا يستلزم أحد الحالين : إما ضيق وقت ما فرض اتساع وقته ، أو كون ترك العبادة الواجبة أولى من فعلها ، لأن المتعيّن فعلها وإن كان لضيق وقتها لزم الأول ، وإن كان لقبح تقديم الأخرى لزم الثاني ، وكلاهما محال.

وقال في النهاية : يبدأ بالفريضة ، وهو مذهب ابن البراج ، لأنها أهم في نظر الشرع.

فروع :

الأول : إذا قدمت الحاضرة فخرج وقت الكسوف ، فإن كان قد فرط في تأخير الكسوف أو الحاضرة مع تمكنه وجب قضاء الكسوف ، وإلا فلا.

الثاني : إذا عرض الشك ، فان تعلق بالركعات بطلت ، كما لو شك بين الخامس والسادس ، أو الخامس والعاشر ، وإن تعلق بالركوعات بنى على الأقل ، كما لو شك بين الرابع والخامس ، أو بين السادس والسابع.

ص: 188


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، حديث 1.

الثالث : لو صلّى بالتبعيض فأراد تتمة السورة في الرابع أو الخامس فنسي باقيها ، ابتدأ بالحمد ثمَّ قرأ سورة كاملة إن كان في الخامس ، وإلّا جاز تبعيضها ويكمل فيها.

الرابع : يجب تكميل السورة المبعضة في الخامس والعاشر ، لأن كل خمس ركوعات بمنزلة ركعة ، فيجب عليه الحمد وسورة.

الخامس : لو قرأ بعض سورة في الأول جاز له العدول إلى سورة أخرى في الركوع الثاني ، لكن يجب عليه الابتداء بالحمد ثمَّ يقرأ سورة كاملة أو مبعضة ، وهو اختيار الشهيد في البيان.

السادس : يجب أن يقرأ في المبعضة من حيث قطع ، فلو قرأ لا على التتالي لم يصح ، لقول الصادق عليه السلام : «فاقرأ من حيث قطعت» (1) ، وهو يشعر بعدم جواز العدول إلى سورة أخرى.

السابع : إذا قرأ في ركوع بعض سورة ، ليس له أن يقرأ في الركوع الذي بعده بعضا من أخرى قبل أن يكمل الأولى ، وله أن يقرأ من حيث قطع من الأولى حتى يكمل ، ثمَّ يقرأ بعضا من سورة أخرى في ذلك الركوع.

الثامن : جميع الأخاويف - غير كسوف النيّرين - يجب على الفور عند حدوث أسبابها ، ويمتد وقتها مدة العمر ، بمعنى أنها تصلى أداء ولا تصير قضاء ، بخلاف النيّرين فإن وقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء على المشهور.

وقال الشهيد في دروسه : إلى تمام الانجلاء ثمَّ تصير قضاء.

وقيل : إن وقت الرياح المظلمة الشديدة والظلمة الشديدة مدتها ، أما الزلزلة فمدتها العمر ، وكذا الصيحة ، وبالجملة كل آية يضيق وقتها عن

ص: 189


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، حديث 6.

العبادة. وهذا مذهب أبي العباس في موجزه.

التاسع : إذا سبق المأموم بركوع فقد فاتته تلك الركعة ، فإن شاء (1) صبر حتى يقوم إلى الثانية ثمَّ يحرم معه لها ، فإذا تممها الإمام وسلّم أتى هو بركعة أخرى ، وإن شاء تابعه في الأولى بنية الندب ، فإذا انتهى إلى الثانية جدد نية الوجوب ، ثمَّ يصلي بعد تسليم الإمام ركعة أخرى ، ولا يحسب ما صلى بنية الندب.

العاشر : لو اجتمع عيد وآية وجنازة قدم ما يخشى فوته ، فان اتسع الجميع قدم الجنازة ثمَّ الآية ثمَّ العيد ، وكذا لو ضاق الجميع ، ولو ضاق العيد قدم ولا يخطب له إلا بعد الفراغ من الجنازة والآية.

الحادي عشر : لو اتفقت الآية والجمعة وضاقا قدمت الجمعة ، ومع السعة تقدم الآية ، قاله في الموجز ، ولو قيل بالتخيير كالفريضة كان وجها.

تنبيه : يحصل العلم بسعة الوقت في الكسوف بقول المعصوم ، أو بغيبوبة الشمس مكسوفة ، أو طلوعها على القمر مخسوفا فهنا يحصل العلم اليقين بسعة الوقت ، ويحصل الظن بقول الرصدي إذا كان عدلا.

قال رحمه اللّه : يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا ، وقيل : لا يجوز ذلك إلا مع العذر ، وهو الأشبه.

أقول : بالجواز قال ابن الجنيد ، لرواية علي بن فضال الواسطي (2) عن الرضا عليه السلام ، والمشهور عدم الجواز ، لأنها صلاة واجبة فلا تجوز راكبا ولا ماشيا مع القدرة ، كغيرها من الصلوات الواجبة.

ص: 190


1- من «ن».
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 11 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، حديث 1.

في الصلاة على الأموات

قال رحمه اللّه : والدعاء بينهنّ غير لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على التعيين.

أقول : يحتمل عدم وجوب الدعاء ، لأصالة براءة الذمة ، ويحتمل وجوبه للمؤمنين عقيب الثالثة ، وللميت عقيب الرابعة ، لأن المقصود من صلاة الجنازة الدعاء ، ولقوله عليه السلام : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (1) لكنّه لا يتعين لفظا ، فالمؤمن يدعو له بما شاء ، وكذا المنافق يجب أن يدعو عليه بما شاء ، وكذلك المستضعف والمجهول حاله ، ويستحب مراعاة المنقول في الجميع.

فالمؤمن ، يقول : «اللّهم إن هذا عبدك النازل بك وأنت خير منزول به ، اللّهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ، واحشره مع الأئمة

ص: 191


1- تقدم ص 161.

الطاهرين» (1).

والمنافق يقول : «اللّهم املأ قلبه نارا ، وجوفه نارا ، وسلّط عليه الحيات والعقارب» (2).

وروي : «أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حضر جنازة عبد اللّه بن أبي سلول لعنه اللّه ، فقيل له : يا رسول اللّه ألم ينهك اللّه أن تقوم على قبره؟! فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم : ويلك ، وما يدريك ما قلت؟! إني قلت : اللّهم احش جوفه نارا وأذقه أشد عذابك» (3) وصلّى الحسن عليه السلام على منافق ، «فقال : اللّهم العن عبدك وأخزه في عبادك ، وأصله نارك ، وأذقه أشد عذابك ، فإنه يوالي أعداءك ، ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك» (4).

والمستضعف يقول : «اللّهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ، وقهم عذاب الجحيم».

ومجهول الحال يقول : «اللّهم أنت أحييت النفوس ، وأنت أمتها ، تعلم سريرتها وعلانيتها ، أتيناك شافعين فيها فشفّعنا ، ولّها من تولّت واحشرها مع من أحبّت» (5).

ص: 192


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة الجنازة ، والمستدرك 2 : 247 ، باب 2 من أبواب صلاة الجنازة.
2- الباب الثالث من المصدرين السابقين.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 4 من أبواب صلاة الجنازة ، حديث 4 (بتفاوت).
4- المصدر المتقدم حديث 2 و 6 ، (لكنه في الوسائل : «الحسين عليه السلام» بدل «الحسن عليه السلام»).
5- راجع في المستضعف ومجهول الحال ، نفس المصدر المتقدم باب 3.

والطفل ، يقول : «اللّهم اجعله لنا ولأبويه فرطا ، ولا تفتنّا بعده ، ولا تحرمنا أجره» (1).

ويستحب الإسرار في صلاة الجنازة ، لأن السرّ أقرب إلى القبول لبعده عن الرياء.

قال رحمه اللّه : ويرفع يديه في أول تكبيرة إجماعا ، وفي البواقي على الأظهر.

أقول : الرفع في الأولى خاصة مذهب الشيخ في النهاية والمفيد والسيد المرتضى وابن إدريس وأبي الصلاح.

وقال الشيخ في الاستبصار : يرفع يديه في الجميع ، واختاره المصنف والعلامة ، ومستند الجميع الروايات (2).

تنبيه : أفضل الصفوف في جميع الصلوات المتقدم إلّا الجنازة فإن أفضلها المتأخر ، وسئل الصادق عليه السلام عن الوجه في ذلك ، «فقال : لأنه سترة في النساء» (3).

ص: 193


1- المصدر المتقدم ، باب 12.
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 10 من أبواب صلاة الجنازة.
3- المصدر المتقدم ، باب 29.

ص: 194

في الصلوات المرغبات

قال رحمه اللّه : والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة.

أقول : هذا هو المشهور ، وادعى سلار عليه الإجماع ، ولأنه شهر شريف يضاعف فيه الحسنات ، فيكون زيادة الصلاة فيه مشروعة عملا بالمناسبة.

وقال محمد بن بابويه : لا نافلة زيادة فيه على غيره ، ومستنده رواية عبد اللّه بن سنان (1) عن الصادق عليه السلام ، ولأصالة براءة الذمة من شغلها بواجب أو ندب ما لم يتحقق الدليل.

قال رحمه اللّه : ثمان بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء ، على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال المفيد والسيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، والمستند رواية مسعدة بن صدقة (2) ،

ص: 195


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 9 من أبواب نافلة شهر رمضان ، حديث 2.
2- نفس المصدر السابق ، باب 7 ، حديث 2.

عن الصادق عليه السلام.

وخيّر في النهاية بين ثمان بعد المغرب وبين اثنتي عشرة ركعة ، والباقي بعد العشاء ، والأول أشهر.

قال رحمه اللّه : وروي أنه يقتصر في ليالي الإفراد على المئة حسب ، فيبقى عليه ثمانون.

أقول : الاقتصار على المئة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال المفيد ، وعدم الاقتصار على المئة بل يضيفها إلى العشرين أو الثلاثين مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس ، واستند الفريقان إلى الروايات (1).

ص: 196


1- راجع نفس الباب المتقدم.

في الخلل الواقع في الصلاة

اشارة

قال رحمه اللّه : وبالسجدتين حتى ركع فيما بعد ، وقيل : يسقط الزائد ويأتي بالفائت ، وقيل : يختص هذا الحكم بالأخيرتين ، ولو كان في الأوليين استأنف ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : إن من ترك سجدتين من ركعة سهوا أعاد الصلاة ، سواء كانتا من الأوليين ، أو من الأخيرتين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، قال به المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس والمصنف والعلامة ، لأن زيادة الركن أو نقصانه مبطل للصلاة ، وقد حصل أحدهما فتبطل صلاته.

الثاني : يحكم بالبطلان إن كان من الأوليين أو ثالثة المغرب ، وبالصحة ان كان من الأخيرتين من الرباعية ، ويبني على الركوع الأول ويعيد السجود ، ويغتفر زيادة الركن هنا ، وهو مذهب الشيخ في الجمل.

الثالث : قول محمد بن بابويه ، وهو البطلان ان كان في الركعة الأولى دون الثانية والثالثة.

قال رحمه اللّه : وقيل : لو شك في الركوع فركع ، ثمَّ ذكر أنه كان ركع

ص: 197

أرسل نفسه ، ذكره الشيخ وعلم الهدى ، والأشبه البطلان.

أقول : إذا شك في الركوع وهو قائم وجب ان يركع ، فان ذكر انه كان قد ركع ، فيه ثلاثة أقوال :

الأول : صحة الصلاة وإرسال نفسه من غير رفع مطلقا ، أي سواء كان من الأوليين أو من الأخيرتين ، قاله الشيخ في المبسوط والجمل ، لأن الانحناء لا بد منه فلا يكون مبطلا ، وأجيب : بأن الانحناء بنية الركوع غير الانحناء بنية السجود فيكون الأول مبطلا ، لكن بشرط ان يصل إلى حد الركوع.

الثاني : تقييد الصحة في الحكم المذكور بكون الشك في الأخيرتين ، وبطلان الصلاة ان وقع في الأوليين ، قاله الشيخ في النهاية وعلم الهدى ، وهو مذهب ابن إدريس.

الثالث : البطلان مطلقا ، وهو مذهب المصنف والعلامة وأبي العباس ، لزيادة الركن.

قال رحمه اللّه : وان كان يبطلها عمدا لا سهوا كالكلام فيه تردد ، والأشبه الصحة.

أقول : إذا ذكر نقصان صلاته بعد ان تكلم عمدا ، قال في النهاية بوجوب الإعادة ، وهو ظاهر الحسن بن ابي عقيل وابي الصلاح ، لما رواه أبو بصير «قال : سالت الصادق عليه السلام عن رجل صلى ركعتين ثمَّ قام فذهب في حاجته؟ قال : يستقبل صلاته» (1).

وقال في المبسوط : من أصحابنا من قال : إذا نقص ساهيا لم يكن عليه إعادة الصلاة ، لأن الفعل الذي يكون بعده في حكم السهو ، قال : وهو

ص: 198


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، حديث 10.

الأقرب عندي ، واختاره المصنف والعلامة ، والمستند الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولو ترك سجدتين ولم يدر أنهما من ركعة أو ركعتين ، رجحنا جانب الاحتياط ، وان كانتا من ركعتين ولم يدر أيّهما هي ، قيل : يعيد ، لأنه لم تسلم له الأولتان يقينا والأظهر أنه لا إعادة ، وعليه سجدتا السهو.

أقول : إذا ترك المكلف سجدتين ولم يعلم أنهما من ركعة أو من ركعتين ، علمنا ان الاحتياط بإعادة الصلاة ، لأن المسقط لها في الذمة غير معلوم ، والأصل بقاء التكليف ، ويحتمل عدم الإعادة ، لأن الأصل براءة الذمة من الإعادة ، والأول أحوط ، فلهذا قال المصنف : رجحنا جانب الاحتياط ، لأنه يقابل أصلان : أصالة بقاء التكليف وأصالة براءة الذمة من الإعادة ، لكن الأول مرجح بالاحتياط.

وان تيقن انهما من ركعتين ولم يدر من الأوليين أو الأخيرتين ، قيل : يعيد ، لأنه لم تسلم له الأولتان ، وهو إشارة إلى ما ذكره الشيخ في التهذيب ، لأنه قال فيه : متى ترك سجدة من الركعتين الأوليين أعاد الصلاة وان كان من الأخيرتين لم يعد.

وقال السيد المرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس بقضائها ويسجد سجدتي السهو ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (2).

قال رحمه اللّه : وكذا لو ترك السجدتين أو إحداهما أو التشهد وذكر قبل ان يركع ، رجع فتلافاه ثمَّ قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثمَّ ركع ، ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو ، وقيل : يجب ، والأول أظهر.

ص: 199


1- راجع نفس الباب المتقدم.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 56 من أبواب جهاد النفس ، حديث 1 و 3.

أقول : اختلف الأصحاب في موجب سجدتي السهو ، قال ابن بابويه : لا تجبان إلا على من قعد في حال قيام أو عكس ، أو ترك التشهد ، أو لم يدر زاد أو نقص ، وقال المفيد : يوجبه ثلاثة أشياء : السهو عن سجدة حتى يفوت محلها ، ونسيان التشهد حتى يركع ، والكلام ناسيا ، وأضاف في المبسوط السلام في الأوليين ناسيا ، والشك بين الأربع والخمس ، والذي عليه عمل المتأخرين وجوبهما في كل موضع لو فعله أو تركه عمدا بطلت صلاته.

فرع : لو سهى عن اربع سجدات في أربع ركعات ، فان ذكر قبل التسليم سجد واحدة لبقاء محلّها ، ثمَّ يعيد التشهد تحصيلا للترتيب ، ويقضي باقي السجدات ولاء ولو بنية واحدة ، ويسجد سجدتين لكل سهو ، ولو ذكر بعد التسليم قضى الأربع كالأول ويسقط جبران الرابعة ، فلو اتى بسجدتي السهو للأولى عقيبها قبل قضاء الثانية وهكذا احتمل الصحة ، لاشتغال الذمة بهما ، وأصالة البراءة من الترتيب بين السجدات ، والعدم لوجوب تقديم اجزاء العبادة على جبرانها ، فإذا خالف لم يأت بالمأمور على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف.

قال رحمه اللّه : إذا شك في شي ء من أفعال الصلاة فإن كان في موضعه أتى به وأتم ، وان انتقل مضى في صلاته ، سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره ، وسواء كان في الأوليين أو الأخريين ، على الأظهر.

أقول : قال الشيخ : وعن بعض علمائنا إعادة الصلاة بكل سهو يلحق الركعتين الأوليين ، سواء كان في أفعالها أو عددها (1) ، وسواء كان من الأركان أو غيرها ، والمشهور التفصيل ، فان كان في العدد أعاد ، وان كان في الافعال وذكر

ص: 200


1- في «م» : عددهما.

انه ترك ركنا أعاد ، ولا فرق بين بين ان يكون من الأوليين أو الأخيرتين ، وان كان غير ركن لم يعد الصلاة ، سواء كان في الأوليين أو الأخيرتين ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة ، ولما ورد من الأحاديث (1) التي توجب العمل بذلك.

قال رحمه اللّه : لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط ، قيل : تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط ، لأنها معرضة لأن تكون تماما والحدث يمنع ذلك ، وقيل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم.

أقول : قد ذكر المصنف وجه الخلاف في هذه المسألة وانما أوردناها لنلحقها بفوائد تليق في هذا الباب :

الأولى : لو أحدث قبل الإتيان بالتشهد المنسي ، أو السجدة المنسية ، هل تبطل صلاته أم لا؟ مذهب الشهيد في الدروس والبيان عدم البطلان. وفصل أبو العباس في المحرر فقال : ان أحدث عمدا بطلت صلاته ، وان كان سهوا أو بعد خروج الوقت أو بعد ان مضى بعد التسليم زمان يخرج به عن كونه مصليا لم تبطل صلاته.

والمشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الساهي والعامد ، وكلما وجهت للفرق هنا وجها ورد عليه الاعتراض ، ولم يفصل في الموجز ، بل جزم بعدم البطلان بتخلل الحدث.

الثانية : إذا أحدث قبل الاحتياط ثمَّ ذكر قبله أو في أثنائه النقصان ، بطلت صلاته لصيرورة الاحتياط جزءا من الصلاة وقد أحدث قبله.

الثالثة : إذا ذكر بعد الاحتياط ما صلى لم يلتفت ، سواء كان زيادة أو

ص: 201


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 13 من أبواب الركوع ، حديث 4 وباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

نقصانا ، وسواء خرج الوقت أو كان باقيا ، وان ذكر في أثنائه ، فإن وافق الاحتياط لما ذكره صحت صلاته ، وان خالف بطلت.

فالموافق كما لو ذكر نقصان ركعتين وقد صلى ركعتين قياما ، أو نقصان ركعة وقد صلى ركعتين جالسا ، هذا في من وجب عليه اربع ركعات ، اما من وجب عليه ركعتان ، فان ذكر نقصانهما وهو في الأثناء اجتزأ بالإتمام ، وان ذكر نقصان واحدة ولم يتجاوزها في الاحتياط سلم عليها ، وان تجاوزها بطلت صلاته ، هذا ما لم يحدث قبل الاحتياط ، ومعه تبطل صلاته كما قلناه أولا.

والمخالف كذكر الزيادة ، أو نقصان ركعة بعد ان صلى من وجب عليه الاحتياط ركعتين من قيام ، أو ذكر نقصان ركعتين وقد صلاهما من جلوس ، هذا مذهب الشهيد في دروسه ، وقال في ألفيته : ولو ذكر بعده أو في أثنائه النقصان لم يلتفت ، وقيل : لو ذكر في أثنائه أعاد الصلاة.

وقال العلامة في قواعده : ولو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت مطلقا ، ولو ذكر قبله أكمل الصلاة وسجد للسهو ، ما لم يحدث ، ولو ذكر في الاحتياط استأنف الصلاة.

وقال أبو العباس في موجزه ولمعته : ولو ذكر النقص قبله أكملها ما لم يطل الوقت أو يحدث ، وبعده يجزي ان وافق ، وإلا بطل كما في أثنائها.

والمشهور مذهب القواعد ، وهو المعتمد ، فبعد الفعل لا يعتبر الموافقة ولا المخالفة ، وفي الأثناء تبطل مع ذكر النقص سواء طابق أو خالف ، ومن ذكر الزيادة يتخير بين القطع والإتمام هذا في الاحتياط الواحد ، أما في الاحتياطين فيعتبر الموافقة والمخالفة.

الرابعة : يجب الإتيان بالاحتياط في الوقت مرتبا على غيره من الصلوات ما لم يتضيق وقت الحاضرة عن ركعة فيبدأ بها ، فلو وجب عليه ركعة احتياطا

ص: 202

في صلاة الظهر وقد بقي للغروب مقدار ركعتين بدأ بالاحتياط ، ولو بقي مقدار ركعة واحدة بدأ بالعصر وقضى الاحتياط بعدها مرتبا على غيرها.

قال رحمه اللّه : ويرجع في الكثرة لما يسمى في العادة كثيرا ، وقيل : أن يسهو ثلاثا في فريضة ، وقيل : ان يسهو مرة في ثلاث فرائض.

أقول : قال ابن إدريس : السهو الذي لا حكم له (و) (1) هو الذي يكثر ويتواتر ، وحدّه ان يسهو في شي ء واحد أو في فريضة واحدة ثلاث مرات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس فرائض - أعني ثلاث صلوات من الخمس كل منهن قام إليها فسهى فيها - فيسقط بعد ذلك حكم السهو ولا يلتفت إلى سهوه في الفريضة الرابعة ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن حمزة : لا حكم له إذا سهى ثلاث مرات متواليات ، وأطلق ولم يعين في فريضة أو فرائض ، وجزم به الشهيد.

وروى ابن بابويه عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ان الصادق عليه السلام قال : «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو» (2) ، واختار العلامة في المختلف مذهب المصنف هنا ، وهو الرجوع إلى ما يسمى في العادة كثيرا.

تنبيهان :

الأول : معنى سقوط الحكم فيمن كثر سهوه وتواتر عدم التلافي في موضعه ، وسقوط الاحتياط فيما يوجبه ، وسقوط سجدتي السهو فيما يوجبه ، وسقوط سجدتي السهو فيما يوجبهما ، وعدم الابطال بموجبة كالشك في الأوليين ، ولا يسقط قضاء ما تيقن فواته

ص: 203


1- كذا في ما بأيدينا من النسخ ، والظاهر أنها زيادة مخلة في التعبير ، راجع السرائر 1 : 248.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب الخلل ، حديث 7.

كالسجدة المنسية والتشهد المنسي ، ويحكم بالإبطال لو ترك ركنا حتى دخل في آخر ، ويجب تلافيه قبل دخوله في الآخر ، ويزول حكم الكثرة بخلو ثلاث فرائض متوالية.

الثاني : معنى قوله : (من سهى في سهو لم يلتفت) ، مراده : من سهى فيما يوجبه السهو كمن شك في سجدتي السهو ، سواء كان الشك في عددهما أو في أفعالهما فإنه يبني على انّه فعل ما شك فيه ولا يلتفت ، وكذلك الشك في الاحتياط على الظاهر من فتاوي الأصحاب ، ولو قضى السجدة المنسية فشك في أثنائها لم يلتفت أيضا ، ولو سهى عن تسبيحها أو عن السجود على بعض الأعضاء لم يلتفت ، ولا يسجد له سجدتي السهو ، ولو شك في الركوع أو السجود وهو في محله اتى به ، ولو شك في ذكر أو طمأنينة في هذا الذي اتى به تدارك ما شك فيه.

فروع :

الأول : الشاك بين الاثنتين والثلاث جالسا لا يجوز منه التشهد ولا القيام حتى يغلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه ، أو يبني على الأكثر ان لم يحصل الظن ، لأنه قبل ذلك متحير لا قصد له ، فلو فعل شيئا قبل ذلك بطلت صلاته ، وكذلك لو شك قائما في موضع يسلم له حالة القيام فإنه لا يجوز له فعل شي ء حتى يرجح احد الطرفين أو يبني على الأكثر.

الثاني : لو حصل له الشك في الثلاثية ولم يغلب على ظنه احد الطرفين فلم يبطلها وتمم الصلاة ، ثمَّ تيقن صحة ما اتى به لم يجزه ، ما لم يتمسك بظن راجح قبل استمراره ، لأنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

الثالث : لو شك بين الاثنتين والثلاث جالسا وغلب على ظنه الأكثر ،

ص: 204

فقام إلى الرابعة ، فعاد شكه الأول وقال : لا ادري ، كان جلوسي لثانية أو لثالثة؟ وتساوى ظناه ، فإنه يبني على انه لثالثة ويتم الرابعة ويحتاط ، وان كان شكه الأول وهو غير جالس بطلت صلاته ، لأن هذا الشك مقرر للشك الأول وكاشف عنه ، وهو قد حصل منه قبل كمال الأوليين.

اما لو لم يعد شكه الأول ، لكن بعد قيامه إلى الرابعة غلب على ظنه عكس ظنه الأول وكان راجحا عنده ، فإنه يعمل بالأخير لطريانه على الأول ، فيجعل قيامه ذلك للثالثة.

ولو كان شكه الأول وهو قائم ، فغلب على ظنه الثلاث فسبح ثمَّ غلب عنده العكس راجحا فإنه يعمل بالراجح ويقرأ للثالثة ويتم ، ولو كان الثاني غير راجح تساقطا لا إلى بدل ، فان كان الأول وهو جالس بنى على الأكثر وصحت صلاته ، والا بطلت.

الرابع : لو شك بين الاثنتين والثلاث في موضع يصح ، فبنى على الأكثر وقام ليأتي بتمامها ، فشك بين الثلاث والأربع بنى على الأكثر ، وقعد وتشهد وسلم واتى بالاحتياطين لحصول موجبهما ، ويحتمل قويا وجوب احتياط واحد ، إذ به يحصل الإكمال.

ولو شك بعد قيامه من التشهد هل كان تشهده للأولى أو الثانية؟ فإن رجح احد الطرفين ظنا عمل عليه ، وان تساويا بطلت ان كان شك قبل إتمام الثالثة ، لأنه شك في الأوليين ، وان كان بعد تمامها فهو كالشاك بين الثلاث والأربع ، لأن تشهده ان كان عقيب واحدة فهذه التي أكملها ثانية ، وان كان تشهده عقيب الثانية فهذه ثالثة ، فقد سلمت الأولتان على كل حال ، فيتمم الرابعة ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، قال صاحب السهوية : ويقضي التشهد.

ص: 205

الخامس : لو أعاد صلاته من يجب عليه الاحتياط لم يصح ، لأنه اتى بغير المأمور به ، فلا يخرج من العهدة.

السادس : لو عجز فصلى من جلوس فقرأ للثالثة ثمَّ شك في التشهد ، احتمل التدارك ، لسقوط اعتبار القيام في هذه الصلاة فهو شك في محله ، والمنع ، لأن الجلوس في هذه الركعة بمثابة القيام فهو في غيرها ، فهو شك في شي ء بعد الانتقال عنه إلى غيره.

قال رحمه اللّه : وقيل : في كل زيادة ونقيصة.

أقول : سبق البحث في هذه (1).

قال رحمه اللّه : وموضعهما بعد التسليم للزيادة والنقصان ، وقيل : قبله ، وقيل : بالتفصيل ، والأول أظهر.

أقول : اختلف الأصحاب في محل سجدتي السهو ، قال الشيخ والمفيد والسيد المرتضى وابن إدريس : هما بعد التسليم مطلقا ، واختاره المتأخرون ، لقول علي عليه السلام : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (2) ، ونقل المصنف والعلامة في التذكرة انهما قبل التسليم مطلقا ، لقول الصادق عليه السلام : «هما قبل التسليم ، فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك» (3) ، وقال ابن الجنيد بالتفصيل ، وهو انهما بعد التسليم ان كانتا للزيادة ، وقبله ان كانتا للنقيصة ، لقول الرضا عليه السلام : «إذا نقصت فقبل التسليم ، وإذا زدت فبعده» (4).

ص: 206


1- ص 202.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 من أبواب الخلل ، حديث 3.
3- المصدر المتقدم ، حديث 5. لكنه في الوسائل عن الباقر عليه السلام.
4- المصدر المتقدم ، حديث 4.

تنبيه : إذا جعلتا قبل التسليم كان محلهما بعد التشهد ، فإذا سجدهما تشهد بعدهما لهما ، ثمَّ سلم.

قال رحمه اللّه : وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد ، ولو وجب هل يتعين لفظ؟ الأشبه لا.

أقول : منشأ التردد من انهما سجدتان واجبتان فيجب فيهما الذكر كسجود الصلاة ، ومن أصالة براءة الذمة ، وجزم المصنف في المختصر بعدم الوجوب ، واختاره العلامة في المختلف ، والوجوب مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واجتزأ في المبسوط بمطلق الذكر ، واختاره أبو العباس في موجزه.

وأوجب السيّد والمفيد وابن إدريس : بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته ، أو بسم اللّه وباللّه اللّهم صلّ على محمد وآل محمد.

واحتجوا بما رواه عبد اللّه الحلبي ، «قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السهو : بسم اللّه وباللّه اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، وسمعته مرة أخرى يقول : بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته» (1).

قال المصنف في المختصر : وهي منافية للمذهب ، لرفع منصب الإمامة عن السهو. وليست صريحة في الدلالة على سهو الامام ، بل يجوز ان يسمعه يقول ذلك على سبيل الإفتاء في سجدتي السهو.

ص: 207


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 20 من أبواب الخلل ، حديث 1 ، بتفاوت فراجع.

ص: 208

في قضاء الصلاة

قال رحمه اللّه : أما السبب فمنه ما يسقط معه القضاء ، وهو سبعة : الصغر والجنون والاغماء على الأظهر.

أقول : المشهور عدم وجوب القضاء بالإغماء ، لأن التكليف مشروط بالعقل وهو زائل عن المغمى عليه ، وإيجاب القضاء تابع لوجوب الأداء وهو منتف عن المغمى عليه ، وروى حفص بن البختري في الصحيح ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيام» (1) وحملها الشيخ على الاستحباب.

قال رحمه اللّه : وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم ، وقيل : يقضي عند التمكن ، والأول أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة في باب التيمم (2).

ص: 209


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ، حديث 7.
2- ص 95 - 96.

قال رحمه اللّه : فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة ، وقيل : تترتب ، والأول أشبه.

أقول : لا ترتيب بين فوائت غير اليومية مع أنفسها ، ولا بينها وبين اليومية إلا في صورة التضيق فيبدأ بالمضيقة منهما وجوبا ، وتترتب الفوائت اليومية مع أنفسها ، فلو فاتته عصر ثمَّ ظهر قدم العصر على الظهر في القضاء ، وهل تترتب الفوائت اليومية مع حواضرها؟ فيه أربعة أقوال :

الأول : لا ترتيب مطلقا ، قاله ابنا بابويه ، واختاره أبو العباس.

الثاني : الترتيب مطلقا ، وهو قول السيد والشيخين وابن إدريس.

الثالث : إذا كانت واحدة لا غير ، وهو مذهب المصنف.

ومأخذ هذه الأقوال القول بالمضايقة أو بالمواسعة ، فمن قال بالمضايقة أوجب الترتيب ، ومن قال بالمواسعة لم يوجبه.

الرابع : الترتيب ان كانت الفائتة من يوم واحد ، تعددت الفائتة أو اتحدت ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، واستدل الجميع بالروايات (1).

فرع : إذا ذكر سابقة في أثناء لاحقة عدل ما لم يتجاوز محله ، فان تجاوز صحت واتى بالسابقة بعدها ، وقد يترامى العدول كما لو ذكر أسبق من التي عدل إليها وهو في أثناء المعدول إليها ، فإنه يجب عليه العدول إلى تلك السابقة ، فلو ذكر الأسبق منها بعد العدول إليها عدل إلى الأسبق ، وهكذا.

وقد يدور أيضا ، كما لو عدل إلى السابقة فذكر براءة ذمته منها وجب العدول إلى اللاحقة التي عدل عنها ، وقد يجب العدول من الأداء إلى القضاء على القول بالمضايقة ، ويستحب على القول بالمواسعة ، ويجوز من القضاء إلى الأداء ، كما لو شرع في قضاء فائتة فذكر انه اتى بها وهو في وقت حاضرة ، فإنه

ص: 210


1- راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 62 و 63 من أبواب المواقيت.

ان شاء عدل إلى الحاضرة ، وان شاء عدل إلى النفل ، ويجب العدول في الأداء من اللاحقة إلى السابقة ، ويجوز من الواجب إلى النفل كناسي سورة الجمعة والأذانين وخائف فوت الجماعة ، ولا بد في العدول من إحداث نية العدول في قلبه ، ويحرم التلفظ بها في أثناء الصلاة ، فلو فعل بطلت صلاته.

قال رحمه اللّه : من فاتته فريضة من الخمس قضى صبحا ومغربا ، وأربعا عما في ذمته ، وقيل : يقضي صلاة يوم ، والأول مروي ، وهو أشبه.

أقول : وجوب الخمس مذهب أبي الصلاح وابن زهرة ، لأنه يجب عليه إعادة الفائتة ولا يتم الا بالخمس وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولوجوب تعيين النية ، ولأنه أحوط ، والمشهور ما اختاره المصنف ، لأن الواجب واحدة وهي تحصيل بالثلاث ، فتكليفه بالزائد يحتاج إلى دليل ، وتعيين النية انما يجب مع العلم ، والا لزم تكليف ما لا يطاق.

قال رحمه اللّه : وإذا لم يكن مستحلا عزر فإن عاد عزر ، فإن عاد ثلاثة قتل ، وقيل : بل في الرابعة ، وهو أحوط.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط ، لما روي : «ان أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة» (1) وذلك عام في جميع الكبائر ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى في باب الحدود.

ص: 211


1- المبسوط 1 : 129.

ص: 212

في الجماعة

اشارة

قال رحمه اللّه : وبإدراك الإمام راكعا على الأشبه.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب الجمعة (1) فلا وجه للإعادة.

قال رحمه اللّه : ولا تنعقد والامام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية على تردد.

أقول : المشهور المنع من علو الامام على المأموم بما يعتد به ، والمستند رواية عمار الساباطي (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وقال في الخلاف : يكره ان يكون الإمام أعلى من المأموم على مثل سطح ودكان وما أشبه ذلك ، قال العلامة : إنما قصد به التحريم.

وقال ابن الجنيد : لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى المأموم فعله الا ان يكون المأمومون أضراء ، فإنّ فرض البصير الاقتداء بالنظر ، وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع.

ص: 213


1- ص 167.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 63 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 1.

وقدّر العلو بما لا يتخطى ، واستقربه الشهيد في البيان ، وقدّر بشبر أيضا ، واستضعفه في البيان أيضا.

قال رحمه اللّه : ويكره أن يقرأ المأموم خلف الامام ، وقيل : يحرم ، وقيل :

يستحب ان يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الجهرية ، وفيها قسمان :

[القسم] الأول مع عدم السماع ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب القراءة ، وهو ظاهر ابي الصلاح الحلبي ، الثاني الاستحباب إذا لم يسمع قراءة الامام ولو همهمة ، وهو قول السيد وابن إدريس ، واختاره المصنف في النافع والعلامة في المختلف ، وتخصيص القراءة بالحمد ، الثالث ، قال سلار : وروي ان ترك القراءة خلف الإمام في الجهرية واجب (1).

القسم الثاني مع السماع ، وفيه قولان :

الأول : التحريم ، وهو قول الشيخ وابن حمزة ، الثاني : الكراهية ، وهو قول المصنف في النافع ، والعلامة في القواعد.

المسئلة الثانية : الإخفاتية وفيها ثلاثة أقوال :

الأول : الكراهية ، وهو مذهب المصنف ، الثاني : التحريم ، وهو ظاهر السيد وابن إدريس ، الثالث : الاستحباب ، قاله الشيخ وأبو الصلاح ، واختاره العلامة في القواعد (وأبو العباس في موجزه ومحررة) (2).

تنبيه : لو صلى خلف غير المرضي وجبت القراءة ، مع التقية بقراءة

ص: 214


1- المراسم : 87.
2- ما بين القوسين من «ن».

الجهرية مستترا ولو كحديث النفس ، ولو فرغ قبل الإمام أبقى آية ليركع عن قراءة ، ولو لم يبق شيئا جاز ، لكن الأفضل الإبقاء ، ولو فرغ الامام قبله أتمها في ركوعه ان امكنه والا سقط المتخلف ، ولو فرغ من التشهد قبله أتمه قائما ، ثمَّ لا يعيد وان بقي الوقت.

ولا يشترط في التقية عدم المندوحة ، بل يستحب حضور جماعة العامة ، لما روي : «ان الصلاة معهم في الصف الأول كالصلاة خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم» (1).

قال رحمه اللّه : ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وان اختلفت الفريضتان ، والمتنفل بالمفترض والمتنفل ، والمفترض بالمتنفل في أماكن ، وقيل : مطلقا.

أقول : الاقسام هنا أربعة :

الأول : اقتداء المفترض بالمفترض مع اتفاق نظم الصلاتين وان اختلفتا عددا ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال محمد بن بابويه : ويصلي الظهر خلف من يصلي العصر لا بالعكس ، الا ان يتوهمها المأموم العصر ، قال الشهيد في البيان : ولا أعلم وجهه.

الثاني : اقتداء المتنفل بالمتنفل ، وهو جائز في أماكن كالاستسقاء والعيدين ، والصبي بالصبي ، قيل : وفي الغدير.

الثالث : اقتداء المفترض بالمتنفل في الصلاة المعادة ، وفي صلاة بطن النخل في حال الحرب.

الرابع : اقتداء المتنفل بالمفترض في المعادة أيضا ، وكاقتداء الصبي بالبالغ.

وللشيخ قول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس مطلقا.

ص: 215


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 5 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن : «قد قامت الصلاة» ، على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور ، لأنه وقت الأمر بالقيام إلى الصلاة فيستحب عنده ، وقيل : وقت القيام إليها إذا قال : «حيّ على الصلاة» ، لأن معناه الدعاء إليها ، أي : «هلموا إلى الصلاة» ، فيستحب القيام عنده.

فائدة : إنما أسقط «حي على خير العمل» من الأذان عمر بن الخطاب ، وكان ينادى بها في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وعهد ابي بكر ، وأسقطها عمر ، قال : لئلا يتكل عليها الناس فيسقط الجهاد.

قال رحمه اللّه : يعتبر في الإمام الايمان والعدالة والعقل وطهارة المولد ، والبلوغ على الأظهر.

أقول : الخلاف هنا عائد إلى البلوغ ، والمنع من امامة الصبي مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأن غير البالغ ليس من أهل التكليف ، ولا يقع منه الفعل على وجه يعد طاعة ، لأنها موافقة الأمر ، والصبي ليس بمأمور إجماعا ، ولأنه عالم بعدم المؤاخذة بما يصدر منه من القبائح فلا يؤمن بطلان صلاته بما يوقع من الأفعال المنافية للصلاة ، إذ لا زاجر عن ذلك ، وجوز الشيخ في الخلاف والمبسوط إمامة المراهق المميز العاقل ، لقوله عليه السلام «مروهم بالصلاة لسبع» (1) فتكون صلاته شرعية ، ولأنه جاز ان يكون مؤذنا فجاز ان يكون اماما.

وأجاب العلامة ان مشروعية صلاته للتمرين لا لاستحقاق الثواب.

وقال ابن الجنيد : وغير البالغ ان كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي

ص: 216


1- مستدرك الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 53 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 1.

لعهد المسلمين جاز ان يكون اماما ، وليس لأحد ان يتقدمه ، لأنه أعلى ذوي السلطان بعد الإمام الأكبر. وجوز أبو العباس في موجزه امامة المعصوم مع عدم البلوغ ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط الحرية على الأظهر.

أقول : المنع من إمامة العبد مذهب الشيخ في النهاية إلا بمواليه إذا كان أقرؤهم للقرآن ، لأن الإمامة من المراتب الجليلة ، وهي غير لائقة بالعبد ، ولما رواه السكوني عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام : «لا يؤم العبد إلا أهله» (1).

والجواز مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وأبو العباس في موجزه ، لقوله عليه السلام : «يؤمكم أقرؤكم» (2) ، وهو عام ، ولأنه مشارك للحر في الصفات الموجبة للإمامة ، ولرواية محمد بن مسلم في الصحيح (3) ، عن أحدهما عليهما السلام.

تنبيه : مذهب الشيخ في المبسوط جواز إمامة اللاحن إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، سواء كان لحنه يغير المعنى أو لا يغيره ، فالذي يغير المعنى ككسر كاف «إياك» وضم تاء «أنعمت» ، والذي لا يغير المعنى كفتح همزة «إياك» ، ونون «الرحمن» ، وميم «الرحيم» ، وما شابه ذلك ، لأن صلاته صحيحة ، فجاز ان يكون إماما ، والمشهور عدم الجواز ، لأنه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس ، فكما لا يصح إمامة الأخرس لا يصح امامة العاجز عن الأعراب.

ص: 217


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب الجماعة ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب الأذان والإقامة ، حديث 3.
3- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 16 من أبواب صلاة الجماعة ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : وإذا علم في أثناء الصلاة ، قيل : يستأنف ، وقيل : ينوي الانفراد ويتم ، وهو أشبه.

أقول : هذا فرع على ان من صلى خلف امام ثمَّ تبين بعد الفراغ انه كان كافرا أو فاسقا أو محدثا ، هل يجب عليه الإعادة أم لا؟ فيه قولان ، فمن أوجب الإعادة - كالسيد المرتضى - أوجب الاستئناف إذا علم ذلك في الأثناء ، ومن لم يوجب الإعادة - كالشيخ وابن إدريس والمصنف والعلامة - لم يوجب الاستئناف ، بل يكفيه نية الانفراد.

والمشهور عدم الإعادة ، لأنها صلاة مأمور بها ، فيخرج بها من العهدة ، لأنه مأمور بالجماعة خلف من يظن عدالته ، لأن علم العدالة في نفس الأمر غير ممكن.

واحتج القائلون بالإعادة : بأنها صلاة قد تبين فسادها لفوات شرطها وهو عدالة الإمام ، فتجب الإعادة.

فروع :

الأول : لو كان المأموم يخالف امامه في المسائل الخلافية التي تتعلق بالصلاة ، فإن كانت مما لا يقتضي بطلان الصلاة عند المأموم ، جاز الاقتداء كما لو اعتقد الامام وجوب القنوت والمأموم ندبيته ، أو كان يعتقد وجوب التسليم والمأموم ندبيته.

وإن اقتضى بطلان الصلاة عنده كفعل الكتف ، والتأمين أو يعتقد ندبية السورة ، لم يجز الاقتداء به وان اتى بالسورة ، لأن الإتيان بالواجب على وجه الندب لا يجوز ، وقال الشهيد في البيان : ولو اعتقد ندبية السورة والتسليم ، واتى بهما ، جاز الاقتداء به.

الثاني : لو كان المأموم يعتقد تحريم لبس السنجاب ، والامام إباحته ، لم يصح الاقتداء به حالة لبسه ، لا مطلقا.

ص: 218

الثالث : إذا استناب الامام غيره في أثناء القراءة جاز البناء على قراءة الامام ، والاستئناف أفضل ، وكذلك لو استنابه المأمومون.

الرابع : الاستنابة حق للإمام في صورة الحدث ، وللمأمومين في صورة الجنون والاغماء.

الخامس : لا يجب استدامة الاقتداء ، بل له المفارقة متى شاء لعذر وغيره ، فلو فارق قبل شروع الإمام في القراءة قرأ لنفسه ، ولو كان بعد الحمد وقبل السورة احتمل الاكتفاء بقراءة الإمام للحمد والإتيان بالسورة فقط ، واحتمل استئناف الحمد أيضا ، لأن مجموع القراءة فعل واحد ولم يكمل فيجب استئنافه ، وهو أحوط ، وان كان في أثناء الحمد احتمل الاستيناف ، لأنه اختار المفارقة قبل تمام الفعل ، فكأنه اختار إبطاله. واحتمل القراءة من موضع المفارقة ، لأن قراءة الإمام قائمة مقام قراءة المأموم مع إكمال القراءة إجماعا ، فيكون البعض قائما مقام البعض ، فيكفي الإتيان بالباقي.

هذا مع اختيار المفارقة ، اما لو كان الفراق لعذر جاز البناء ، والاستئناف أفضل ، كما في صورة الاستخلاف ، ولا بد من احداث نية المفارقة في القلب ، ولو فارق من غير إحداث نية فعل حراما وصحت صلاته.

قال رحمه اللّه : فإذا سلم قام فاستأنف بتكبير مستأنف ، وقيل : يبني على التكبير الأول ، والأول أشبه.

أقول : إذا أدرك الامام وقد رفع رأسه من الركعة الأخيرة كبر للافتتاح وسجد معه السجدتين ، فإذا سلم الامام ، هل يجوز له حذف السجدتين والبناء على تكبيره ، أو يجب عليه استقبال صلاته بتكبير مستأنف؟

ذهب المصنف في المختصر إلى البناء على تكبيرة الأول ، لأن القصد بالسجدتين متابعة الإمام ، فلا يعتد بهما ، وهو ظاهر المبسوط ، لأنه قال فيه

ص: 219

ومن أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ، ولا يعتد بهما.

واختار في الشرائع استئناف التكبير ، وجعل مذهبه في المختصر قولا ، لأن السجدتين ركن ، وزيادة الركن مبطلة للصلاة ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، والفائدة إدراك فضيلة الجماعة على المختار.

ص: 220

في صلاة الخوف

قال رحمه اللّه : فان صليت فرادى ، قيل : يقصر ، وقيل : لا.

أقول : التقصير مطلقا مذهب ابن الجنيد وابن البراج وأبي الصلاح ، واختاره العلامة والشهيد ، وقال ابن إدريس : هي مقصورة سفرا مطلقا ، وحضرا إن صليت جماعة.

قال رحمه اللّه : أخذ السلاح واجب في الصلاة ، ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على قول ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والسلاح الذي يحمله ينبغي أن يكون خاليا من نجاسة ، والمشهور عدم الاشتراط للعموم (1) ، أو لكونه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.

تنبيه : مذهب العلامة في القواعد ان محل المفارقة للفرقة الأولى بعد كمال السجدتين ، لانتهاء الركعة بانتهائهما فينوون حينئذ الانفراد ، ومذهب الشهيد : [ان] محله حال الاعتدال وقيامه إلى الثانية ، لأنه محل الابتداء بالثانية ،

ص: 221


1- النساء : 102.

ولأن الجميع صائر إلى القيام ، فالانفراد قبله لا فائدة له ، فيحدثوا نية الأفراد حينئذ ، ثمَّ استقرب الشهيد في دروسه وجوب نية الانفراد على الفرقة الثانية حين قعود الامام للتشهد.

قال رحمه اللّه : إذا صلى موميا فأمن ، أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي ولا يستأنف ، وقيل : ما لم يستدبر في أثناء صلاته.

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، والمشهور عدم الاستئناف وان استدبر ، لأنه مضطر إلى الاستدبار فكان سائغا ، لكنه ان كان راكبا وجب النزول ، ويمسك عن القراءة في حالة النزول حتى يستقر على الأرض.

فرع : إذا تمكن المطارد من النزول والسجود على الأرض وجب ، وان احتاج إلى الركوب بعده ركب ، ثمَّ ينزل للسجود في الثانية إن تمكن ، ويغتفر الفعل الكثير للحاجة.

ص: 222

في صلاة المسافر

اشارة

قال رحمه اللّه : الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا ، تعويلا على المشهور بين الناس ، أو مدّ البصر من الأرض.

أقول : المسافة التي يجب معها القصر تعلم بأمرين : أحدهما الزمان والآخر التقدير.

أما الزمان فهو مسير يوم الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس للقفول والحمول ، سيرا معتدلا في الزمان المعتدل.

وأما التقدير فهو على ضربين :

أحدهما : ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، وللميل تقديران :

أحدهما : أربعة آلاف ذراع باليد ، كل ذراع ست قبضات ، كل قبضة أربع أصابع ، عرض كل إصبع ست شعيرات متلاصقات البطون ، عرض كل شعيرة سبع شعرات من شعر البرذون ، هذا هو المشهور ، وفي بعض الروايات : «الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمس مائة» (1) ، وهي متروكة.

ص: 223


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 من أبواب صلاة المسافر ، حديث 13.

والضرب الآخر : مد البصر في الأرض المستوية ، بحيث يتحقق الفارس من الراجل المستوي البصر.

فروع :

الأول : لو شك في المسافة وجب التمام ، لأنه الأصل ، وكذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح.

الثاني : لو شهد عنده عدلان بالمسافة وجب القصر ، ولو عارضهما غيرهما وجب القصر أيضا ، ترجيحا لبينة الإثبات على بينة النفي.

الثالث : التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقص خطوة أو ذراع لم يجز القصر.

الرابع : الزمان مع بلوغ المسافة ليس بمعتبر ، فلو قطعها بأقل من يوم أو أكثر فله القصر.

الخامس : اعتبار المسافة من جدران البلد لا من البساتين والمزارع.

السادس : لو جمع سور قرى لم يعتبر السور في المسافة من قريته ، ولو كان البلد كبيرا يخرج عن العادة فالمعتبر محلته.

السابع : البحر كالبر يقصر مع بلوغ المسافة وان قطعها في ساعة.

الثامن : لو قصر اتفاقا لم يجزه ، كما لو قصر قبل تحقق المسافة ثمَّ تبين ان المقصود مسافة ، أو صلى على التمام قبل تحقق المسافة ثمَّ سلم على الأوليين ناسيا ، ثمَّ تبين بعد الفراغ ان المقصود مسافة لم يجزه فعله ، ووجبت عليه إعادة الصلاة قصرا في الوقت ، فلو خرج فان كان خروجه بعد علمه بالمسافة قضاها قصرا ، وان كان قبله قضاها تماما ، لقوله عليه السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1) وقد فاتته تماما فإنه مكلف بالتمام ما لم يتحقق المسافة ، ولم

ص: 224


1- عوالي اللئالي 2 : 54.

يتحقق الا بعد خروج الوقت. ولم يوجب صاحب الموجز الإعادة إذا سلم على الأوليين ناسيا ثمَّ تبين المسافة.

التاسع : لو لم يقصد المسافة في ابتداء سفره ثمَّ قصدها في أثنائه ، اعتبرت حينئذ ولم يعتبر خفاء الموضع الذي قصد منه المسافة ، بل يجب القصر حين الضرب في الأرض.

العاشر : قصد المتبوع كاف عن قصد التابع ، كالزوجة والعبد والأجير.

الحادي عشر : من لا يجب عليه المتابعة كالولد والصديق والضيف إذا وطن نفسه عليها ، كفى قصد المتبوع عن قصده ، كواجب المتابعة.

الثاني عشر : لو عزم العبد والزوجة الرجوع بالعتق والطلاق وجب الإتمام.

الثالث عشر : المكره على السفر إذا ظن الوصول ولا مندوحة قصّر ، وان عزم الهرب مع الفرصة - وهي ممكنة - أو جهل المقصد فلا قصر.

قال رحمه اللّه : ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصر ، ولو كان للتجارة ، قيل : يقصّر الصوم دون الصلاة ، وفيه تردد.

أقول : الصيد على ثلاثة أقسام : الأول : ما كان للهو والبطر ، وهذا لا يقصر إجماعا.

الثاني : ما كان لقوته وقوت عياله أو للصدقة ، وهذا يقصر إجماعا.

الثالث : ما كان للتجارة ، وهذا يقصر الصوم إجماعا ، وفي الصلاة قولان : أحدهما عدم القصر ، لروايات (1) دالة عليه ، وبه قال المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس ومحمد بن بابويه ، والآخر القصر ، لأن السبب الموجب

ص: 225


1- راجع مستدرك الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 7 من أبواب صلاة المسافر ، والمبسوط 1 : 136.

للقصر - وهو قصد المسافة مع اباحة السفر - وهو (1) حاصل هنا ، ولأنه كلما وجب قصر الصوم وجب قصر الصلاة إلا ما استثني في أماكن التخيير ، فان القصر في الصوم دون الصلاة ، إذ هو مخير فيها.

فروع :

الأول : العاصي في سفره ، كالساعي بالمسلم إلى الظالم ، وطالب الفتنة بين المسلمين ، والآبق ، والناشز ، والعاق ، وقاطع الطريق ، وطالب قتل معصوم الدم ، أو أخذ مال معصوم ، أو مطالب غريم بريئا ، أو لقصد الزنا ، أو لشرب الخمر.

والضابط : كل ما كان غايته حراما إذا غير نيته إلى المباح ، قصر إذا كان الباقي مسافة ، ولو بالعكس بان كان سفره مباحا فغير نيته إلى المعصية انقطع الترخص.

الثاني : إذا قصد الصبي مسافة فبلغ في أثنائها قصر وان كان الباقي دون المسافة.

الثالث : إذا عزم على مسافة فصاعدا ، وفي عزمه الإقامة في أثنائها ، فإن كان من ابتداء مسيره إلى الموضع الذي عزم فيه الإقامة مسافة ، قصر في تلك المسافة إلى موضع الإقامة فيتمم فيه ، ثمَّ ان كان من ذلك الموضع إلى منتهى سفره مسافة قصر فيها ، وان قصر أحد الطرفين عن المسافة فحكمه فيه الإتمام.

قال رحمه اللّه : وقيل : ذلك يختص بالمكاري ، فيدخل في جملته الملاح والأجير ، والأول أظهر.

ص: 226


1- كذا.

أقول : يريد أن كثير السفر إذا أقام في بلده عشرة أيام مطلقا ، أو في غير بلده مع النية ، أو ثلاثين مرددة ، إذا خرج بعد ذلك يكون مقصرا ، ونقل المصنف اختصاص هذا الحكم بالمكاري والملاح دون باقي الأصناف ، والمشهور عدم الفرق بين المكاري وغيره ، وهو الذي عليه الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وإذا أقام خمسة ، قيل : يتم ، وقيل : يقصّر نهارا صلاته دون صومه ، ويتم ليلا ، والأول أشبه.

أقول : المشهور أنه لا بد من العشرة ولا يكفي الخمسة ، واكتفى بها ابن الجنيد فالمسافر عنده إذا نوى خمسة في غير بلده ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط : يقصر الصلاة في النهار ويتم في الليل ، وتبعه ابن البراج ، والمستند الروايات (1).

تنبيه : اختلف الأصحاب في تحديد الكثرة التي يتعلق بها وجوب الإتمام ، قال ابن إدريس : بالسفرة الأولى لذي الصنعة كالمكاري والملاح ، لأن صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره ، وبالثالثة لغيرهم.

وقال العلامة في مختلفة : والأقرب ان أرباب الصنائع لا يثبت فيهم التمام بأول مرة ، بل بثاني مرة ، قال : وكذا من لا صنعة له إذا جعل السفر عادته ، فإنه يجب عليه التمام في ثاني مرة إذا لم يتخلل الإقامة عشرة أيام.

وقال الشهيد بالثالثة ، وهو مذهب ابي العباس في موجزه ، لأن اسم الكثرة يراد به الجمع ، واقله ثلاثة ، ويخرج عن حد الكثرة بإقامة عشرة في بلده ، وان كانت متفرقة لا يفصل بينهما بمسافة ، كما لو قام ثلاثة أيام ، ثمَّ خرج إلى ما دون المسافة ثمَّ رجع فأقام ثلاثة ثمَّ خرج الى ما دون المسافة ورجع فأقام

ص: 227


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 12 من أبواب صلاة المسافر.

أربعة ، فهذا يخرج عن حد الكثرة ، وفي غير بلده لا بد من ان يكون منوية أو يقيم شهرا مترددا.

واكتفى ابن الجنيد بالخمسة مع النية في غير بلده ، وفيه مطلقا ، بناء على أصله.

فرع : لو سافر البدوي لا للقطر والنبت ، والملاح وذو الصنعة في غير صنعته ، قصروا.

قال رحمه اللّه : وقيل : يقصر عند الخروج من منزله ويتم عند دخوله ، والأول أظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب اعتبار خفاء الجدران والأذان معا ، وهو مذهب الشيخ والسيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وقال محمد بن بابويه : يقصر عند الخروج من منزله ثمَّ يتم عند دخوله ، وتبعه (1) ابن الجنيد ، والذي عليه عمل أكثر هذا العصر اشتراط خفائهما في الابتداء ، وانقطاع الترخص بإدراك أحدهما في العود ، ومستند الجميع الروايات (2).

تنبيه : المراد بخفاء الأذان عدم التمييز بين فصوله ، فلو سمعه ولم يميز فصوله وجب القصر.

والمراد بخفاء الجدران عدم التمييز بين البيوت ، فلو رآها وهو لا يميز بين البيوت وجب القصر ، ولا عبرة بالإعلام كالقباب والبساتين ، إلا ان يتخللها دور تسكن مدة السنة أو بعضها ، ولا سور دونها ، ولا بد من مجاورة السور وان اشتمل على خراب ومزارع ، لا الدور الملاصقة له من خارج ، ولو

ص: 228


1- في «ر 2» : منعه.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 6 و 7 من أبواب صلاة المسافر.

خرج البلد في العظم عن العادة اعتبر أذان محلته وجدرانها.

والبدوي يعتبر حلته. ولو كان طرف البلد خرابا لا عمارة ، ورآه لم يعتد بالخراب.

ولو جمع سور قرى منفصلة بعضها من بعض لم يشترط مجاوزة السور ، بل خفاء جدران قريته وأذانها ، فإذا خفيا عليه قصر وان لم يتجاوز السور ، ولو لم تكن منفصلة فهي واحدة وان كثرت ما لم يتناه في العظم ، ويحصل الفصل بالنهر والجدار المتخذين للحجز بين القريتين ، والطريق غير فاصل ، إلا أن يزيد عن قدر الحاجة ، فهو فاصل حينئذ.

قال رحمه اللّه : وأما القصر فهو عزيمة ، إلا ان تكون المسافة أربعا ولا يريد الرجوع ليومه على قول ، أو في أحد المواطن الأربعة.

أقول : إذا كانت المسافة أربعة ، وأراد الرجوع ليومه أو لليلته فإنه يقصر.

وإن لم يرد الرجوع ليومه ولا لليلته ، قال السيد المرتضى : يجب عليه إتمام الصوم والصلاة ، وتبعه ابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وقال الشيخ : يتم في الصوم ويتخير في الصلاة ، وقال المفيد وابنا بابويه : يتخير فيهما ، ومستند الجميع الروايات (1).

فروع :

الأول : لو نوى قاصد الأربعة الرجوع ليومه أو لليلته قصر ذاهبا وعائدا ، فلو منع عن الرجوع ليومه أو لليلته أو بدا له عنه رجع متما.

الثاني : لا يعيد ما صلى قصرا إذا رجع عن قصد العود وان كان في الوقت.

الثالث : لو تردد هل يرجع ليومه أو لليلته أو لا يرجع ، لم يجز القصر.

ص: 229


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 2 وباب 3 من أبواب صلاة المسافر.

الرابع : لو رجع المسافر لأخذ شي ء نسيه ولم يكن على رأس مسافة ، أتم في رجوعه ، إلا ان يكون غريبا لم يتخذ ذلك البلد دار إقامة مدة عمره ، وان أقام فيه ثلاثين يوما أو كانت أهله فيه فإنه يبقى على القصر ، لأنه ليس بعائد إلى بلده.

الخامس : لو شرع في أحد الأماكن الأربعة بنية القصر أو الإتمام لم يتحتم عليه ، بل له العدول إلى الإتمام وبالعكس ، وإن قلنا بوجوب نية القصر أو الإتمام هنا كمذهب الشهيد وأبي العباس.

السادس : لو شك المصلي في أحد الأماكن الأربعة بين الاثنتين والأربع جالسا لم يجب عليه الاحتياط ، ولو شك بين الثلاث والأربع وجب ، ولو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع أتى بركعة خاصة.

السابع : لو أدرك قبل غروب الشمس أربعا تحتم القصر.

الثامن : إذا فاتته الصلاة في أحد الأماكن تخير في القضاء ان كان فيها ، وتحتم القصر ان كان في غيرها ، ويحتمل التخيير أيضا وان كان في غيرها ، لقوله عليه السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1) ، وهذه قد فاتته مخيرة فيتخير في قضائها.

قال رحمه اللّه : ولو دخل الوقت وهو حاضر ، ثمَّ سافر والوقت باق ، قيل : يتم بناء على وقت الوجوب ، وقيل : يقصر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل :

يتخير ، وقيل : يتم مع السعة ويقصّر مع الضيق ، والتقصير أشبه ، وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه.

أقول : هنا أربعة أقوال :

الأول : الإتمام اعتبارا بحالة الوجوب ، ولأنه قصر بتأخيره ، وقد وجبت

ص: 230


1- عوالي اللئالي 2 : 54.

عليه في ذمته تماما فيصليها كذلك ، وهو مذهب الصدوق وابن ابي عقيل ، واختاره العلامة وأبو العباس.

الثاني : التمام مع السعة والقصر مع الضيق ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج.

الثالث : التقصير مطلقا اعتبارا بحالة الأداء ، وهو مذهب المفيد وابن إدريس واختاره المصنف.

الرابع : التخيير بين التمام والقصر ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، والمستند رواية منصور بن حازم (1).

هذا في حال الخروج إلى السفر ، اما في حال القدوم من السفر ، فعند المصنف يصلي تماما اعتبارا بحال الأداء ، وهو مذهب العلامة والشهيد وأبي العباس ، لأن القصر إنما كان لأجل السفر وقد زال بدخوله منزله في الوقت فيزول الترخيص ، وقال الشيخ : ان اتسع الوقت للتمام والا قصر.

قال رحمه اللّه : ولو نوى الإقامة عشرا ودخل في الصلاة فعنّ له السفر لم يرجع الى التقصير ، وفيه تردد.

أقول : هذا الذي حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج ، لأنه دخلها بنية مقيم فلا يجوز له القصر ، ومذهب العلامة التفصيل ، وهو ان كان قد تجاوز في صلاته محل القصر بان صلى ثلاث ركعات وجب الإتمام ، وان كان محل القصر باقيا بأن يعن له السفر قبل أن يركع في الثالثة ، فإنه يجوز له القصر لبقاء محله.

فروع :

الأول : إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام وجب التمام وإن رجع عن نيته

ص: 231


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 21 من أبواب صلاة المسافر ، حديث 9.

إذا صلى ولو واحدة على التمام ، ولو خرج وقت الصلاة ولم يصل عامدا أو ساهيا فكذلك ، لأنه في حكم المصلي ، هذا مذهب الموجز.

الثاني : الشروع في الصوم كتمام الصلاة ، بمعنى وجوب الإتمام وان رجع عن نية الإقامة.

الثالث : لو عزم السفر وصلى تماما ناسيا أو جاهلا بالتقصير ، أو في أحد أماكن التخيير ، بقي على التقصير.

قال رحمه اللّه : الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضيت كذلك ، وقيل : الاعتبار في القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه.

أقول : إذا دخل وقت الصلاة وهو حاضر ثمَّ فاتت وهو مسافر ، أو دخل وقتها وهو مسافر ثمَّ فاتت وهو حاضر ، هل يكون اعتبار القضاء بحال الوجوب أو بحال الفوات؟ ذهب العلامة إلى قضائها تماما في الحالين ، لأن في الأداء عنده الإتمام فيهما فيقضيهما تماما.

وقال ابن إدريس : ان كان الوقت دخل وهو مسافر ، ثمَّ دخل البلد والوقت باق ولم يصلّ حتى خرج الوقت ، وجب القصر ، وبالعكس الإتمام ، لأن ابتداء الوجوب كان مسافرا وقد فاتت ، فيجب القصر في القضاء ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب ، ومذهب الشهيد كالعلامة.

ص: 232

كتاب الزكاة

اشارة

ص: 233

ص: 234

في من تجب عليه

قال رحمه اللّه : وتستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه ، وهو أشبه ، وقيل : تجب ، وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه ، وقيل :

حكم المجنون حكم الطفل ، والأصح أنه لا زكاة في ماله إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : غلّات الطفل ومواشيه هل يجب فيها الزكاة؟ قال الشيخان وابن البراج وأبو الصلاح : نعم ، لعموم (1) الأمر بالزكاة ، وقال ابن إدريس : لا زكاة على الأطفال والمجانين ، ونقله عن ابن أبي عقيل ، واختاره العلامة ، لأن الطفل ليس من أهل التكليف ، والزكاة تكليف ، ولأنها وجبت طهارة عن الذنب للآية (2) ، ولا ذنب على الطفل.

ص: 235


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب زكاة الغلات ، كالاحاديث 1 و 2 و 3.
2- التوبة : 103.

الثانية : هل المجنون حكمه حكم الطفل فيما تقدم؟ قال الشيخ وأبو الصلاح وابن البراج : نعم ، واستضعف المصنف دخول المجنون في قسم الأطفال ، لأصالة براءة الذمّة ، ولخلو النصوص عنه ، لأن رواية محمد بن مسلم (1) لم يذكر فيها غير اليتيم ، وهو الطفل ، لقوله عليه السلام : «لا يتم بعد احتلام» (2).

قال رحمه اللّه : ولو ملّكه سيده مالا وصرفه فيه لم يجب عليه الزكاة ، وقيل : يملك وتجب عليه الزكاة ، وقيل : لا يملك والزكاة على مولاه.

أقول : أمّا عدم الوجوب على القول بأنه لا يملك مطلقا فظاهر ، لعدم الملك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وأما على القول الآخر بأنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية ، فقد نقل الشيخ خلافا بين علمائنا ، فمنهم من نفى الزكاة لعدم تمامية الملك ، إذ للمولى انتزاعه منه ، وهو اختياره في المبسوط ، ومنهم من أثبتها عليه ، لأنه مالك له التصرف فيه ، وعلى القول بأنها لا تجب على المملوك فإنها تجب على المالك ، لأنه المالك في الحقيقة ، والشرائط موجودة فيه ، لتمكنه تمكنا تاما من التصرف فيه كيف شاء.

قال رحمه اللّه : بنى على القول بانتقال الملك ، والوجه أنه من حين العقد.

أقول : لو اشترى نصابا زكويا ، واشترط خيارا زائدا على الثلاثة الأصلية ، احتسب الحول من حين انتقال الملك. والمشهور أنه ينتقل إلى المشتري بمجرد العقد فيجري في الحول من حينه ، سواء كان الخيار لازما

ص: 236


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 1 من أبواب من تجب عليه ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 9.

أو مشترطا ، وقال الشيخ في المبسوط : وإذا باع نصابا يجب فيه الزكاة قبل الحول بشرط الخيار ، فإن كان الخيار للبائع أو لهما فإنه يلزمه زكاته ، لأن ملكه لم يزل ، وإن كان الخيار للمشتري استأنف الحول ، وهو بناء على مذهبه ، وهو أن المبيع لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار ، ويتفرع على هذا ثبوت الخيار للمشتري لو أخرج من العين.

قال رحمه اللّه : فإن كان تأخيره من جهة صاحبه ، قيل : تجب الزكاة على مالكه ، وقيل : لا ، والأول أحوط.

أقول : قال الشيخ بالوجوب إذا كان تأخيره من جهة مالكه ، بأن يكون على غني باذل ، لعموم قوله عليه السلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم» (1).

وقال ابن إدريس وأكثر المتأخرين بعدم الوجوب ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولأن الزكاة تجب في العين ولا عين قائمة للدين ، ولرواية عبد اللّه بن سنان في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، «قال : لا زكاة في الدين ولا في المال الغائب حتى يرجع إليك» (2).

ص: 237


1- مستدرك الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 3 من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ، حديث 6.

ص: 238

فيما يستحب فيه الزكاة

قال رحمه اللّه : وفي مال التجارة قولان : أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح.

أقول : أكثر الأصحاب على استحباب زكاة التجارة ، لأصالة البراءة ، ولأنه عليه السلام أوجبها في تسعة أشياء ، وعفى عما عداها (1) ، وهو يعم التجارة وغيرها. وقال ابنا بابويه بالوجوب ، لعموم قوله عليه السلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم» (2).

ص: 239


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 8 من أبواب ما تجب فيه ، حديث 4.
2- تقدمت في المسألة السابقة.

ص: 240

في زكاة الأنعام

اشارة

قال رحمه اللّه : فإذا بلغت ذلك ، قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربع مائة ، فتؤخذ من كل مائة شاة ما بلغ ، وهو الأشهر ، وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.

أقول : إذا بلغت الغنم مائتان وواحدة - وهو النصاب الثالث - كان فيها ثلاث شياه إجماعا ، فإذا بلغت ثلاث مائة وواحدة - وهو النصاب الرابع - هل يسقط اعتبار الفرض ويجب ثلاث شياه لا غير ، ثمَّ يؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ ، أو لا يسقط إلّا ببلوغ أربع مائة ، ويجب في الثلاث مائة وواحدة أربع شياه؟ فيه قولان مرويان مشهوران ، فالأول مذهب ابني بابويه والسيد المرتضى وابن حمزة وابن إدريس ، لأصالة البراءة ، ولرواية محمد بن قيس (1) عن الصادق عليه السلام.

والثاني : وهو عدم السقوط ما لم يبلغ أربع مائة مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وأبي الصلاح الحلبي ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في

ص: 241


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ، حديث 2.

الموجز والمحرر ، للاحتياط ، وللروايات (1) الدالة على وجوب العمل به.

وعلى القولين يتساوى المأخوذ في الأقل والأكثر ، فعلى الأول يتساوى الثلاث مائة وواحدة والمئتان وواحدة في وجوب الثلاث شياه ، وعلى الثاني يتساوى الثلاث مائة وواحدة والأربع مائة في وجوب الأربع لكن المحل متغاير ، ويظهر للخلاف فوائد :

الأولى : لا يكون لزيادة الغنم على مائتين وواحدة إلى ثلاث مائة وواحدة فائدة ، على القول الأول ، لعدم زيادة الفرض بها ، بل فائدته تسميته نصابا رابعا ، وعلى القول الثاني يكون للزيادة فائدة ، وهي وجوب الرابعة.

الثانية : نصب الغنم أربعة على الأول ، وخمسة على الثاني ، وتظهر الفائدة لو نذر أن يتصدق عن كل نصاب يملكه بدرهم مثلا ، فعلى الأول يلزمه أربعة ، وعلى الثاني خمسة.

الثالثة : الواحدة الزائدة على الثلاث مائة ليست جزءا من محل الوجوب على الأول ، بل هي شرط في تعيين الفرض ، فلو تلفت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم يسقط من الفرض شي ء ، لتصريح الرواية بأن في كل مائة شاة (2) ، فلم يتعلق الواجب بشي ء من الزائد ، بل هو شرط في الوجوب ، وعلى الثاني لها مدخل في الوجوب ، وهي جزء من محل الفرض ، فلو تلفت بعد الحول وقبل إمكان الأداء قسطت الشاة التالفة على مجموع النصاب.

وللتقسيط طريقان :

الأول : البسط ، وهو ان تبسط الشاة التالفة على مجموع النصاب ، فيقسم على ثلاث مائة وواحدة ، فيكون الساقط عنه أربعة أجزاء ، لأن كل شاة

ص: 242


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ، حديث 2.
2- وهي رواية محمد بن قيس المتقدمة.

من الفرض ينقصها جزء ويبقى الواجب عليه ثلاث شياه ومائتا جزء وسبعة وتسعون جزءا من ثلاث مائة جزء وجزء من مجموع شاة.

الثاني : النسبة ، وهو أن ينسب التلف إلى النصاب ، ثمَّ يسقط من الفرض بحسابه ، فلو تلف نصف النصاب أسقطنا نصف الفرض ، ولو تلف ربع النصاب أسقطنا ربع الفرض ، وهكذا فقد ظهر فائدة الضمان على اختلاف المذهبين.

الرابعة : فائدة الوجوب التي ذكر المصنف وهي ظاهرة ، لأنه على الأول - وهو سقوط الاعتبار - يجب ثلاث شياه ، وعلى الثاني يجب أربع شياه.

قال رحمه اللّه : فلو علفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند استئناف السوم ، ولا اعتبار باللحظة عادة ، وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه.

أقول : يشترط السوم في الأنعام طول الحول ، فلو اعتلفت بعضه ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : ويعتبر الأغلب ، وبه قال ابن الجنيد ، لاعتبار الأغلب في سقي الغلّات فكذا هنا.

والمشهور اعتبار الاسم ، فان خرجت بالعلف عن اسم السوم سقطت الزكاة ، لأن السوم شرط وقد خرجت عنه ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف ، وبه قال الشهيد وأبو العباس في موجزه ، والمصنف والعلامة في القواعد أسقطا السوم بعلف يوم.

فروع :

الأول : لو صالح رب الماشية ظالما بعوض على المرعى ، لم يسقط السوم.

الثاني : لو اشترى لها مرعى وصارت تسرح وتروح إليه بطل السوم.

الثالث : الربط والحل والسقي لا يسقط السوم.

ص: 243

الرابع : لو استأجر أرضا للمرعى لم يسقط السوم.

الخامس : لو علفها الأجنبي متبرعا لم يسقط السوم ، قال صاحب التذكرة : لأنه لا مئونة على المالك فيه (1).

قال رحمه اللّه : أو عاوضها بجنسها أو مثلها على الأصح ، وقيل : إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة ، وقيل : لا تجب وهو الأظهر.

أقول : يشترط في وجوب الزكاة بقاء الملك والنصاب من أول الحول إلى آخره ، فلو نقص النصاب أو باعه في أثناء الحول سقطت الزكاة ، فإن عاوضه بجنسه أو مثله ، قال الشيخ في الخلاف : إذا كان معه نصاب فبادله بغيره ، لا يخلو اما ان يبادل بجنس مثله مثل ان يبادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، فإنه لا ينقطع الحول ويبني ، وان بادل بغيره مثل ان يبادل إبلا ببقر ، أو بقرا بغنم وما أشبه ذلك انقطع واستأنف في البدل الثاني.

فعلم من هذا ان مراد المصنف بقوله : بجنسها أو مثلها ان المراد بالمثل هو ان يبادل إبلا بإبل أو بقرا ببقر ، كما قاله الشيخ ، وان المبادلة بالجنس هو ان يبادل إبلا ببقر وبقرا بغنم ، كما قاله الشيخ ، لأن الحيوان كله جنس واحد ، والمشهور عدم الوجوب مطلقا ، لأن الزكاة تجب في العين مع بقائها مدة الحول ، وعين البدل غير عين المبدل منه ، فينتفي محل الوجوب فيسقط.

فرع : لو كانت المبادلة فاسدة ، قال الشيخ في المبسوط يبني كل منهما على حوله ولا يستأنف ، وقال العلامة : ان علما بالفساد وكل منهما متمكن من استرجاع ماله متى شاء ، فالحق ما قاله الشيخ ، والا فلا ، لأنه بدون التمكين

ص: 244


1- في «ر 2» لم يذكر إلا ثلاثة فروع : (الأول والرابع والخامس) مرتبة.

يكون بمنزلة المغصوب منه ، فيسقط اعتبار الزكاة حينئذ.

قال رحمه اللّه : ويرجع في النقاص إلى قيمة السوق ، على الأظهر.

أقول : إذا كان التفاوت بين ما عنده وبين ما وجب عليه بأكثر من درجة واحدة ، بأن وجب عليه بنت مخاض وعنده حقة ، قال ابن إدريس : ينتقل إلى القيمة السوقية ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، والشهيد وأبو العباس في موجزه ، لأن النصوص (1) عن الأئمة عليهم السلام وأقوال الأصحاب المتداولة بينهم : ان هذا الحكم فيما إذا كانت السنن الواجبة انقص بدرجة أو أعلى بدرجة دون ما بعد عنها ، وقال أبو الصلاح : يتضاعف الجبران الشرعي بتضاعف الدرج ، فلو كان عنده حقة ووجب عليه بنت مخاض دفع الحقة واسترد اربع شياه ، أو أربعين درهما ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في المختلف ، قال فيه : لأن المجموع من بنت المخاض والغنم أو الدرهم مساو لبنت اللبون في المصالح المتعلقة بإيجابها ، والضرورة قاضية بأن مساوي المساوي مساو ، فتكون بنت المخاض مع الضعف من الغنم أو الضعف من الدراهم مساوية للحقة في المصلحة المتعلقة بإيجابها ، وإذا كان كذلك جاز الانتقال في الدرجتين فما زاد.

تنبيه : الجبران منوط بالإمام عليه السلام أو عامله ، ولا يجوز للفقيه ، ولا الفقير الجبران ، وهو في الإبل دون غيرها من الأنعام ، ولا يجوز الجبران بشاة دون عشرة دراهم ، إلا على سبيل القيمة السوقية لا الجبران الشرعي.

قال رحمه اللّه : وقيل : سمي بذلك لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه في الرعي.

ص: 245


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 13 من أبواب زكاة الأنعام.

أقول : التبيع وهو الذي له سنة ودخل في الثانية ، والخلاف في التسمية بين أهل اللغة ، قال أبو عبيدة : وتبيع لا يدل على سن ، وقال غيره : إنما سمي تبيعا ، لأنه يتبع امه في المرعى ، ومنهم من قال : لأن قرنه تبع أذنه حتى صار سواء ، وإذا لم تدل اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بيّن ذلك قال : تبيع أو تبيعة ، وقد فسره أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليهما السلام بالحولي (1) أي الذي له حول ودخل في الحول الثاني.

قال رحمه اللّه : والشاة التي تؤخذ في الزكاة ، قيل : اقله الجذع من الضأن والثني من المعز ، وقيل : ما سمّي شاة ، والأول أظهر.

أقول : المشهور ان الشاة المأخوذة من الإبل والغنم أقلها الجذع من الضأن ، وهو ما كمل سبعة أشهر ، وفي المعز الثني ، وهو ما كمل له السنة ، وقيل : أقله ما سمي شاة ، ومال إليه العلامة في تحريره ، لحصول الامتثال للأمر ، لأن الاسم يتناوله.

فروع :

الأول : لو فقدا في غنمه دفع الأدون وأتم القيمة ، أو الأكمل واسترد الزائد.

الثاني : يجزي في شاة الإبل من غير غنم البلد ، اما شاة الغنم فلا ، إلّا ان يكون أجود أو بالقيمة.

الثالث : لو دفع بعيرا عن الشاة الواجبة في الإبل احتمل الاجزاء ، لأنه يجزي عن ستة وعشرين فعن الأقل أولى ، ويحتمل العدم ، لأنه غير الفرض فلا يجزي الا بالقيمة.

ص: 246


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب زكاة الأنعام.

الرابع : لو كانت الإبل التي توجب الشاة مراضا وجب الشاة بقيمة المراض ، فيقال : كم قيمة الإبل صحاحا؟ فإذا قيل : مائة ، قيل كم قيمتها مراضا؟ فإذا قيل : خمسون ، فإذا قيل : كم قيمة الشاة الصحيحة المجزية؟

فإذا قيل : عشرة ، أخذت شاة صحيحة ، قيمتها خمسة.

والضابط : كل ما نقص من قيمة الصحاح نقص من قيمة الشاة المجزية بنسبته ، ان كان نصفا فنصفا ، وان كان ربعا فربعا ، وهكذا.

الخامس : يجزي الذكر في الغنم مطلقا ، سواء وجبت في الإبل أو الغنم ، ويجزي التبيع من البقر وابن اللبون من الإبل ، وفي غير هؤلاء لا يجزي الا الإناث.

قال رحمه اللّه : فان وقعت المشاحة ، قيل : يقرع حتى تبقى السن التي تجب.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، فإنه قال فيه : الخيار إلى المالك ، غير انه لا يؤخذ منه الردي ء ، ولا يلزم الخيار ، بل يلزم وسطا ، فان تشاحّا استعمل القرعة.

ص: 247

ص: 248

في زكاة الذهب والفضة

قال رحمه اللّه : وقيل لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين علمائنا ان أول نصاب الذهب عشرون دينارا ، وفيه نصف دينار ، والمستند رواية يحيى بن ابي العلاء (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، ورواية زرارة (2) ، عن الباقر عليه السلام.

وقال ابن بابويه : ليس فيه شي ء حتى يبلغ أربعين مثقالا وفيه مثقال ، ومستنده رواية محمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضل ، عنهما عليهما السلام ، «قالا : في الذهب في كل أربعين مثقالا ، وليس في أقل من أربعين شي ء» (3)

قال رحمه اللّه : وقيل : يستحب فيها الزكاة.

أقول : المشهور عدم وجوب الزكاة في غير المنقوش بسكة المعاملة ،

ص: 249


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث 8.
2- نفس المصدر المتقدم ، حديث 9.
3- المصدر السابق ، حديث 13.

سواء قصد بسبكه الفرار أو لا ، وقال ابن ابي عقيل : ان قصد الفرار وجبت الزكاة مقابلة له بنقيض مقصوده كالقاتل والمطلق ، وعمل الأصحاب على الأول لأصالة براءة الذمة ما لم يثبت الدليل الناقل.

قال رحمه اللّه : إذا شرط المقترض الزكاة على المقرض ، قيل : يلزم الشرط ، وقيل : لا يلزم ، وهو أشبه.

أقول : القول بلزوم الشرط هو قول الشيخ في النهاية في باب القرض ، لقوله عليه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (1). والمشهور بطلان لشرط ، وكون الزكاة على المقترض مع حصول شرائط الوجوب ، لأن الزكاة عبادة ، وهي لا تلزم غير من وجبت عليه ، والشرط فاسد كما لو شرط ان يتحمل عنه غير الزكاة من العبادات.

قال رحمه اللّه : إذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف ، تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا ، وقيل : تجب فيها على التقديرين ، والأول مروي.

أقول : عدم وجوب الزكاة مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنها بمنزلة التالفة لكونها معرضة للإتلاف ، وقال ابن إدريس : حكمها حكم المال الغائب ان قدر على أخذه متى أراد ، فإنه يجب عليه الزكاة ، سواء كان نفقة أو وديعة أو كنزه في كنز ، فإنه ليس يكون نفقة خرجت عن ملكه ، ولا فرق بينه وبين المال الذي في يد وكيله أو مودعه ، وقال : إنما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.

ص: 250


1- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7.

في زكاة الغلات

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ : العلس نوع من الحنطة ، يقال : إنه إذا ديس بقي كل حبتين في كمام لا يذهب ذلك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، ويزعم أهلها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف ، وأوجب الزكاة في المجموع منه ومن الحنطة إذا بلغ نصابا ، وجعل السلت نوعا من الشعير وأوجب فيه الزكاة ، وقال المصنف : انهما نوعان مغايران للحنطة والشعير فلا زكاة فيهما ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في الموجز ، ومذهب القواعد كمذهب الشيخ.

قال رحمه اللّه : والحد الذي يتعلق فيه الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا ، وقيل : إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه.

أقول : المشهور ان الزكاة تجب في الغلات إذا كانت ثمرة عند اصفرارها

ص: 251

واحمرارها ، وإذا كانت غلة عند اشتداد حبها ، ولا يجب الإخراج إلا عند الحصاد والجذاذ إجماعا.

وقال ابن الجنيد : انما يجب عند تسميته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب الا مع تحقق السبب ولا يتعين قبل كونه تمرا لتعلق الوجوب بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا ، واحتج الباقون بان البسر يسمى تمرا لغة ، والمرجع إلى اللغة لا إلى العرف. وتظهر فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : لو أكلها أو أتلفها ضمن على الأول دون الثاني.

الثانية : لو باعها أو وهبها بعد الاحمرار أو الاصفرار ، فالزكاة على البائع والواهب على الأول ، وعلى المشتري والمتهب على الثاني.

الثالثة : لو مات بعد الاحمرار وعليه دين مستغرق وجبت الزكاة على الأول دون الثاني ، وعلى الأول تقدم الزكاة على الدين لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، ولقوله عليه السلام : «ولدين اللّه أحق ان يقضى» (1) ، وقيل : تسقط التركة على الدين والزكاة لتساويهما.

تنبيه : للغلات حالات ثلاث :

الأولى : حالة وجوب ولا إخراج ولا ضمان ، وهو عند بدو الصلاح خاصة ، نعم يجوز الإخراج حينئذ فيجوز إخراجه بسرا ، ويجوز ان يقاسم الفقراء أو الساعي على رؤوس النخل ، ولا يجوز للمالك التصرف بأكل ولا غيره حتى يخرجها على نفسه ليعرف قدر ما يؤكل أو يتلفه ليحسبه عليه.

ص: 252


1- مسند أحمد بن حنبل 1 : 224 و 227 و 258 وصحيح مسلم ج 2 : كتاب الصيام ب 27 قضاء الصيام عن الميت ، حديث 155.

الثانية : حالة وجوب وإخراج ولا ضمان ، وهو عند التصفية مع فقد المستحق.

الثالثة : حالة وجوب وإخراج وضمان ، عند التصفية ووجود المستحق.

قال رحمه اللّه : ولا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان والمؤمن كلها على الأظهر.

أقول : ينبغي معرفة حصة السلطان والمؤمن التي يجب إخراجها ، أما حصة السلطان فإنما تجب في الأرض الخراجية ، وقد اختلفت عبارات الأصحاب هنا ، والأكثر اقتصر على عبارة المصنف وهي : (بعد إخراج حصّة السلطان) ولم يذكر الخراج ، وبعضهم اقتصر على الخراج ولم يذكر حصة السلطان كأبي العباس في محررة.

وقال ابن إدريس : وحصة السلطان ان كانت الأرض خراجية ، وقال العلامة في التحرير : وبعد الخراج وحصة السلطان ، وهو يوهم الفرق بينهما ، وليس كذلك ، لأن هذه العبارات وان اختلفت لفظا فهي متفقة معنى ، فمن اقتصر على الحصة أراد بها الخراج مطلقا ، سواء كان مشتركا بين المسلمين كالمفتوحة عنوة ، أو مختصا كالأنفال وصدق على المشترك أنه حصة الإمام ، لأنه الجابي له والمتولي عليه.

ومن اقتصر على الخراج أراد به الحصة كذلك ، ومن جمع بينهما أراد بالحصة المختص بالإمام ، وبالخراج المشترك ، قال الشهيد في بيانه : لا تسقط الزكاة في الأرض الخراجية بأخذ الخراج ، بل يجتمعان ، والخراج من المؤن.

وروى رفاعة بن موسى ، عن الصادق عليه السلام ، وسهل بن اليسع عن الكاظم عليه السلام : سقوط العشر بالخراج (1) ، قال : ويتصور هذا

ص: 253


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 10 من أبواب زكاة الغلات ، حديث 1 و 2.

الخراج في موضعين : في المفتوحة عنوة ، وفي أرض صالح عليها الإمام أهلها الكفار على ان تكون الأرض للمسلمين وعلى رقابهم الجزية ، ثمَّ رد الأرض عليهم على ان عليهم الخراج ثمَّ يسلمون ، فإنه يبقى الخراج ولا يسقط بالزكاة ، بخلاف ما لو ضرب على أرضهم المملوكة خراجا ثمَّ أسلموا ، فإن الخراج يسقط وتبقى الزكاة.

والفرق ان الأول أجرة فلا تسقط بالإسلام ، والثاني جزية ، وهي تسقط بالإسلام.

واما المؤن فهي اجرة الساعي والعمارة والحصاد والتصفية ، وثمن البذر إن اشتراه ، وثمن الثمرة وحفر السواقي وكري النهران لا إنشاؤها وعمل المسناة.

والضابط : كل ما يتكرر كل سنة فهو من المؤنة ، وما لا فلا ، وما يؤخذ منه بسبب الثمرة والزرع وإن كان مصادرة إذا تكرر وصار عادة في كل سنة ، ولا يخرج ما ليس يتكرر كثمن أصل النخيل والأرض ، وكذلك اجرة عمله بيده ، واجرة عوامله ، وسهم الدالية ، واجرة الأرض ان كانت له أو مستعارة.

ولو كانت هذه الآلات التي عددناها مستأجرة ، أو كانت الأرض مغصوبة أخرجت الأجرة قبل الزكاة ، ولو اشترى الأصول والثمرة قبل بدو الصلاح صفقة واحدة بثمن واحد ، قسط على الثمرة والأصول ، فما قابل الثمرة احتسب من المؤمن التي تخرج قبل الزكاة ، ولا يحتسب ما قابل الأصول.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في هذه المؤن ، هل تخرج من الوسط وتكون الزكاة في الباقي ان بلغ نصابا ، أو يحسب على المالك؟ بالأول قال الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وجمهور الأصحاب ، وإلّا لزم الضرر المنفي ، وقال الشيخ في المبسوط ، والخلاف : انها على المالك ، لعموم قوله عليه السلام : «فيما سقت السماء العشر» (1).

ص: 254


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 4 من أبواب زكاة الغلات ، حديث 2.
فروع :

الأول : لو باع الثمرة قبل بدو صلاحها على غير المخاطب بالزكاة كالصبي والذمي ثمَّ اشتراها بعد بدو الصلاح أو استردها بإقالة ، سقطت الزكاة وان كان ذلك فرارا ، وكذا لو كان البيع على مخاطب بالزكاة كالمسلم البالغ ، لكن هنا تجب الزكاة على المشتري لبدو الصلاح في ملكه.

الثاني : تجب الزكاة في غلة الأرض الموقوفة ، سواء كان الوقف عاما أو خاصا ، أو للمساجد والربط إذا أجرها الناظر ، اما لو زرعها الناظر ببذر من مال المسجد ، فلا زكاة لعدم تعين المالك.

الثالث : إذا باع ما وجب فيه الزكاة قبل إخراجها نفذ البيع في حصته إجماعا ، واما حصة الفقراء فيحتمل نفوذ البيع فيها أيضا ، لأن ملك المساكين للعين غير مستقر لجواز إسقاطه بدفع القيمة ، فحينئذ يكون مراعى ان دفع حصة الفقراء من غير العين ، والا كان للساعي بيع العين وانتزاعها من المشتري فيتخير المشتري حينئذ لتبعيض الصفقة عليه ، والى هذا ذهب العلامة في تذكرته وتحريره ، والشهيد في دروسه ، وأبو العباس في موجزه ، وقال فيه : ولو تيقن المشتري عدم إخراجها فالزكاة عليه. وهو جيد لصيرورة عين مالهم في يده فلا يباح له بظلم البائع لهم.

ويحتمل بطلان البيع في حقهم ، لأنهم شركاء ، وإذا بيع المشترك صح في حصة البائع وبطل في حصة الشريك إلا مع الإجازة ، وقال في القواعد : تبطل في حصة الفقراء ما لم يضمن القيمة.

الرابع : لو اخرج عن الزكاة منفعة بدلا عن العين كسكنى الدار سنة مثلا جاز ، ويحتمل المنع ، لأنها تحصل تدريجا ، ولو آجر الفقير نفسه أو داره ، ثمَّ احتسب مال الإجارة عليه من الزكاة جاز وان كانت معرضة للفسخ.

ص: 255

الخامس : إذا أخرج القيمة عن العين كان الاعتبار بالقيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب وان فرط في التأخير حتى نقص السوق ، اما إذا قوم الزكاة على نفسه ثمَّ ضمن حصة الفقراء كان الواجب عليه ما ضمنه خاصة ، ولا عبرة بزيادة السوق ونقصانه قبل الأداء.

السادس : لو عزل الزكاة وباع الباقي صح البيع ، لأنه باع حقه ، ويحتمل المنع ، لأن الزكاة لا تتعين الا بالدفع.

قال رحمه اللّه : إذا كان له نخل يطلع مرة وآخر يطلع مرتين ، قيل : لا يضم الثاني إلى الأول : لأنه في حكم ثمرة سنتين ، وقيل : يضم ، وهو الأشبه.

أقول : عدم الانضمام مذهب الشيخ رحمه اللّه لما قاله المصنف : من انه في حكم سنتين (1) ، واختار المصنف الانضمام ، لأنها ثمرة عام واحد ، كما لو اختلف وقت الإدراك ، وهو مذهب العلامة وابي العباس في موجزه.

قال رحمه اللّه : قيل : يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان ، وقيل : تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، وهو الأقوى.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة (2) ، واختار العلامة والشهيد ما اختاره المصنف ، والتقسيط مذهب الشيخ في المبسوط.

ص: 256


1- في «ن» و «ر 1» : الشيئين.
2- ص 237.

في زكاة التجارة

اشارة

قال رحمه اللّه : لو كان رأس ماله مائة وطلب بنقيصة ولو حبة لم يستحب ، وروي انه إذا مضى عليه وهو على النقيصة أحوال ، زكّاه لسنة واحدة استحبابا.

أقول : الرواية المشار إليها هي رواية العلاء (1) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية ، والعلامة في القواعد ، وأبو العباس في الموجز ، وغير القائل بها تمسك بالأصل ، لأن اشتغال الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ناقل عن الأصل.

قال رحمه اللّه : ولو كان بيده نصاب بعض حول فاشترى به متاعا للتجارة ، قيل : كان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول.

أقول : إذا اشترى متاعا للتجارة لا يخلو اما ان يشتريه بعرض أو بنقد ، فان كان الأول وكان العرض الذي اشتراه به للتجارة أيضا بنى على حول الأصل الذي هو الثمن ، ولا يقدح تبدل الأعيان ، وان كان العرض الذي

ص: 257


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 13 من أبواب ما تجب فيه ، حديث 9.

اشتراه به للقنية فابتداء الحول من حين العقد بقصد التجارة ، وان كان المشترى بنقد ، وكان النقد للتجارة بنى حول المتاع على حول الأصل الذي هو النقد ، وان كان النقد للقنية فهي مسألة الكتاب ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : كان حول المتاع حول الأصل ، لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فكان كالمال الواحد ، إذ القيمة هي الأثمان قد كانت ظاهرة فصارت مقدرة ، فإذا كمل للقيمة حول استحب الزكاة ، وتقليب المال غير قادح ، إذ لا يحصل الربح الا به ، فلو كان قاطعا للحول لكان السبب الذي ثبتت به الزكاة مانعا منها ، وهو محال ، والمشهور استئناف الحول لعدم قصد التجارة قبل المشتري.

فروع :

الأول : البناء على حول الأصل في موضع الحكم بالبناء ، وفي هذه على القول به انما يكون مع الشراء بعين النصاب ، فلو اشترى في الذمة ونقد النصاب في المثمن انقطع الحول واستأنفه من حين الشراء.

الثاني : لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعا (1) ، بل بقاء القيمة وبلوغها النصاب.

الثالث : إذا اشترى سلعا على التعاقب فان كان قيمة كل سلعة نصابا زكّى كل سلعة عند تمام حولها ، ولا يضم بعضها إلى بعض ، وان قصر قيمة كل سلعة عن النصاب ، ضم إلى الأول ما بعده حتى يبلغ النصاب فيكون مبدأ الحول حين بلوغه ، فإذا حال عليه الحول زكاه ونظر إلى ما اشتراه بعد بلوغ النصاب ، فان بلغ أربعين درهما - وهو النصاب الثاني من الفضة - زكاه عند تمام حوله ، وما نقص عن الأربعين لا زكاة فيه ، إلا ان يبلغ النصاب الثاني من الذهب فيزكيه حينئذ.

ص: 258


1- لفظة : (إجماعا) من «ن».

ولا يضم العقود المتعاقبة بعد بلوغ النصاب بعضها إلى بعض بل كل عقد يحسب حوله من حين وقوعه ان بلغ النصاب الثاني ، والا ضم اليه ما بعده حتى يبلغ النصاب الثاني ، فيجزي في الحول حينئذ ، ولو كان الأول نصابا لم يضم اليه غيره وأخذت زكاته حين تمام حوله وكل عقد بعده بلغ أربعين أخذت زكاته عند تمام حوله.

الرابع : إذا اشترى رقيقا للتجارة وجبت زكاة الفطرة عند شروطها ، ولا تجزي عن زكاة التجارة ، بخلاف المالية فإن الزكاة الواجبة تمنع المندوبة لقوله عليه السلام : «لا ثني في صدقة» (1).

قال رحمه اللّه : إذا ملك احد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ، ولا يجتمع الزكاتان ، ويشكل على ذلك القول بوجوب زكاة التجارة.

أقول : تحقيق البحث هنا في موضعين :

الأول : هل يسقط الاستحباب عن هذا النصاب؟ ويوجد في بعض نسخ هذا الكتاب المشروح : (وقيل : يجتمع هذه وجوبا وهذه استحبابا) ، وهو يحتمل ، لأنه مال التجارة في الحقيقة فيثبت حكمه ، وانما وجبت فيه الزكاة لكونه نصابا زكويا سائما حولا فيثبت له حكمه أيضا ، لأن الأصل عدم التداخل.

والمشهور سقوط الاستحباب لأصالة براءة الذمة ، ولقوله عليه السلام : «لا ثني في صدقة» (2).

الثاني : على القول بوجوب زكاة التجارة لا خلاف في عدم اجتماعهما وان

ص: 259


1- نهاية ابن الأثير 1 : 224.
2- تقدم.

الواجب عليه زكاة واحدة ، لكن هل هي للتجارة أو للمال؟ يحتمل الأول ، لأنه مال التجارة بالحقيقة فيكون هو المعتبر ، ويحتمل الثاني لسقوط حكم التجارة بالسوم ، فيكون المعتبر المالية.

وتظهر الفائدة في النية ، فعلى الأول ينوي التجارة وعلى الثاني المال ، وفي متعلق الزكاة ، هل هو العين أو القيمة؟.

قال رحمه اللّه : لو عارض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما ، وقيل : بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك ، والأول أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف علة الوجوب ، والمشهور سقوطها لعدم حصول بعض الشروط ، وهو بقاء عين النصاب مدة الحول ، لأن الزكاة تجب في العين ومع إخراجها عن ملكه ينتفي محل الوجوب ، وأما الاستحباب فلعدم تمام حول (1) التجارة ، فإذا تمَّ استحب حينئذ.

واعلم ان مراد المصنف بقوله : (واستأنف الحول فيهما) إذا كان النصاب الأول للقنية (اما لو كان للتجارة أيضا فإنه يبني حول الثاني على حول الأول بغير خلاف ، وانما الخلاف إذا كان للقنية) (2) أو أحدهما.

وتحقيق البحث لا يخلو اما ان يكونا للقنية أو للتجارة ، أو الأول للقنية والثاني للتجارة ، أو العكس ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان يكونا للقنية ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فالشيخ في المبسوط ذهب إلى بناء حول الثاني على حول الأول ، فإذا تمَّ الثاني ستة أشهر

ص: 260


1- هذه اللفظة من «ن».
2- ما بين القوسين في «ن» فقط.

أخذت منه الزكاة ، لأنه يصدق عليه انه ملك أربعين سائمة طول الحول ، وقال المصنف والعلامة : يستأنف الحول لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول ، وعين البدل غير عين المبدل منه.

الثاني : ان يكونا للتجارة ، ولا خلاف في بناء حول الثاني على الأول ، لكن إذا انتهى الحول ، هل تثبت زكاة المال أو زكاة التجارة؟ يقول (1) على مذهب الشيخ يثبت زكاة المال ، وعلى مذهب المصنف والعلامة يثبت زكاة التجارة.

الثالث : إذا كان النصاب الأول للقنية والثاني للتجارة ، كما هو مقصود المصنف ، فقد اتفق المصنف والعلامة على عدم بناء حول الثاني على حول الأول ، بل يستأنف الحول للمالية والتجارة معا ، فان استمرت الشرائط المعتبرة فيهما من حين ملك الثاني إلى تمام الحول قدمت المالية ، وان اختلت شرائط احد الزكاتين قبل تمام الحول تثبت الأخرى ، وعند الشيخ تجب الزكاة المالية عند تمام ستة أشهر من ملك الثاني ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب.

الرابع : إذا كان الأول للتجارة والثاني للقنية فالحكم فيه كالحكم في عكسه سواء ، والمعتمد مذهب المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : وهل تخرج قبل ان ينضّ المال؟ قيل : لا ، لأنه وقاية لرأس المال ، وقيل : نعم ، لان استحقاق الفقراء أخرجه عن كونه وقاية ، وهو أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف علة الطرفين ، ومذهب العلامة في القواعد كمذهب المصنف ، واستقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية ، وهو تأكيد

ص: 261


1- في «ن» و «ر 2» : بقوله.

لجواز إخراج العامل الزكاة من حصته ، وتقريره ان يقال : ولئن سلمنا ان هذا الربح وقاية للمال ، فالأقرب لا منافاة بينه وبين استحقاق الفقراء له ، وذلك بان يقول : ومتى أخرج العامل الزكاة وخسر المال ، بحيث لا يتم الا بذلك القدر أو بعضه ، كان ذلك مضمونا عليه.

وفيه نظر ، لأن تجويز إخراج العامل من حصته يتضمن خطرا على مال المالك لإمكان الخسران ، ويكون العامل معسرا عن ضمان قدر المخرج فيؤدي إلى ضياع مال المالك ، وهو غير جائز ، ولهذا لا يختص بربحه ، ولو كان رأس المال عشرة فربح عشرين ثمَّ ثلاثين ، فالخمسون بينهما ، ولو استقر ملك العامل على الربح لكان له ثلاثون ، لاختصاصه بعشرة من العشرين الأولى ومشاركته في باقي الربح وهو أربعون.

ص: 262

في أصناف المستحقين

اشارة

قال رحمه اللّه : الفقراء والمساكين : وهم الذين تقصر أموالهم عن مئونة سنتهم ، وقيل : من يقصر ماله عن احد النصب الزكاتية. ثمَّ من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد ، ومنهم من فرق بينهما في الآية ، والأول أشبه.

أقول : الفقراء والمساكين يشملهما من قصر ماله عن مئونة سنته له ولعياله الواجبي النفقة وما يحتاج اليه ولو في احتشامه كعبد الخدمة وفرس الركوب ، وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال من ملك نصابا يجب فيه الزكاة كان غنيا وتحرم عليه الصدقة ، واختاره في الخلاف ، وإذا أطلق لفظ الفقير دخل فيه المسكين وبالعكس ، وإذا اجتمعا كما في الآية (1) احتيج إلى المائز ، قال الشيخ في الجمل : الفقراء هم الذين لا شي ء لهم والمساكين هم الذين لهم بلغة من العيش ولا يكفيهم ، وهو اختياره في المبسوط والخلاف ، واختاره ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس وسلار ، وقال في النهاية : المسكين اسوء حالا من الفقير ، وهو مذهب المفيد وابن الجنيد وسلار.

ص: 263


1- التوبة : 60.

احتج الأولون بالابتداء بذكره والعرب تبدأ بالأهم ، وبقوله تعالى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ ) (1) ولتعوذ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من الفقر وسؤاله المسكنة (2).

واحتج الآخرون بالتأكيد به ، والتأكيد إنما يكون بالأقوى ، فإنه يقال فقير مسكين ولا يقال العكس ، فدل على ان المسكين اسوء حالا ، وبقوله تعالى : ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (3) اي ذا مجاعة ألصق بطنه على التراب لشدة حاجته وجوعه ، ولا يظهر لهذا الخلاف فائدة في الزكاة لجواز دفعها الى الفريقين ، وانما يظهر فائدته في النذر والوصية كما لو نذر أو اوصى للفقراء دون المساكين أو بالعكس أو جمعهما وفضل بينهما ، وفي الكفارة فإن مصرفها المساكين ، فان كان الفقير اسوء حالا استحق والا فلا.

تنبيه : الغنى المانع من أخذ الزكاة ما يحصل به الكفاية له ولعياله الواجبي النفقة ، وهو أعم من حصوله بالفعل أو بالقوة ، فالمسكين من يكسب المؤنة لا تحل له الصدقة لقوله عليه السلام : «لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب» (4) بشرط ان يكون التكسب لائقا بحاله ومروته ، فلا يكلّف ذو الحشمة والبزاز بيع الحطب والخبز وما شاكل ذلك ، لان تكلف ذلك لذوي الاحتشام أصعب من تكلف بيع الخادم والعبد والفرس ، وقد أسقط الشارع ذلك عنه.

وكذا لو كان ممنوعا من التكسب بفعل واجب أو علم ديني لا بصلاة

ص: 264


1- الكهف : 79.
2- مسند أحمد بن حنبل 5 : 36 ، والجامع الصغير للسيوطي ، حرف الألف : ص 56.
3- البلد : 16.
4- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 8 من أبواب المستحقين ، حديث 8 وهو أقربها لما في المتن.

النوافل والعلوم الرياضية ، واما ما زاد على الواجب من علم الفقه فان كان طالبا لدرجة الاجتهاد وقد بلغها ويحتاج الناس اليه للتعلم منه جاز ترك التكسب والاشتغال بالفقه ، ويدفع اليه من الزكاة ، وان كان يعلم انه لا يبلغ درجة الاجتهاد ، فان كان في ازدياد ويعلم احتياج الناس الى القدر الذي عنده جاز الاشتغال بالتعلم والتعليم وترك التكسب ، وإلّا فلا.

فرع : لو كان له بضاعة يتجر بها ولا يكفيه نماؤها جاز ان يأخذ التتمة من الزكاة ولا يكلف الإنفاق من أصلها وان بلغت مئونة السنة ، وكذلك الصنعة (1) ودار الغلة.

قال رحمه اللّه : ولو قصرت عن كفايته جاز ان يتناولها ، وقيل : يعطى ما يتمم به كفايته ، وليس ذلك شرطا.

أقول : إذا قصرت الصنعة عن الكفاية جاز ان يأخذ الزكاة مطلقا ، لأنه مستحق للزكاة فلا يتقدر العطاء بقدر ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وقيل : لا يتجاوز قدر التتمة ، لأنه مستغن ، وأجيب بأن الاستغناء بعد الدفع ، فيمنع حينئذ لا قبله.

قال رحمه اللّه : وكذا لو كان له أصل مال ، وقيل : بل حلف على تلفه.

أقول : إذا ادعى الفقر أعطي من غير يمين ، سواء علم صدقه أو جهل الأمران ، وسواء كان قويا أو ضعيفا ، وسواء كان له أصل مال أو لا ، لأن الأصل عدم اقدام المسلم على الكذب والظاهر صدقه ، وقد أمرنا بالأخذ بالظاهر.

واحتج موجب اليمين على ان الأصل عدم التلف.

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار الحرية تردد.

ص: 265


1- في «ر 2» : الضيعة.

أقول : منشؤه من ان العامل يأخذ نصيبا فيشترط كونه مالكا له ، والعبد لا يملك فلا يجوز ان يكون عاملا ، ومن ان العامل كالأجير والعبد من أهل التكسب فيصح ان يكون عاملا.

تنبيه : من العاملين الكاتب والحاسب والقاسم والكيال والوزان ، والحافظ الذي يحفظ مال الصدقة ، والعريف الذي يعرف أهل الصدقات والكيال والوزان للتقسيم بين أهل الصدقة دون الكيال والوزان حالة الأخذ من المالك ، بل أجرته على المالك ، لأنه يجب عليه تسليم الصدقة إلى أربابها ، وهو لا يتم لا بالكيل والوزن فيكون الأجرة عليه ، ولا يجوز للعامل تفريق الصدقة بنفسه لا بإذن الإمام ، فإن فوض اليه ذلك جاز ، ثمَّ ان عين له أقواما معينين لم يجز العدول إلى غيرهم.

وكذلك لا يجوز له العدول عن التسوية أو التفضيل ، فان خالف أمر الإمام بالتفضيل أو التسوية أو العدول إلى غير المعين ضمن ما خالف فيه ، وإذا جاز له التفرقة بإذن الامام وامره المالك بالدفع إلى أقوام معينين ، فان كان الامام قد عين له أيضا واختلف المحل دفع إلى الفريقين مع السعة ، وان قصر المال دفع إلى معين الامام دون معين المالك ، ولو أطلق الامام وعين المالك احتمل عدم جواز العدول عمّن عينه المالك ، لأن المالك مخير في الدفع إلى من شاء ، فلا يجوز التخطي إلى غير معينة ، ويحتمل جواز التخطي ، لأن المالك زالت ولايته بالدفع إلى الساعي فلا تخيير له حينئذ ، وهو أقرب.

إذا عرفت هذا ، فإذا أذن الامام للعامل بالتفريق وأطلق جاز له أخذ حصته من تحت يده ، لأنه أحد المستحقين وقد اذن له بالدفع إليهم.

قال رحمه اللّه : وروي رابع وهو من وجبت عليه كفارة ولم يجد فإنه يعتق عنه ، وفيه تردد.

ص: 266

أقول : الرواية رواها علي بن إبراهيم في تفسير هذه الآية (1) ، وتردد المصنف : من ان العاجز عن العتق في الكفارة ينتقل فرضه إلى الصيام فلا يجب عليه العتق مع العجز عنه ، ومن دخوله في مسمى الرقاب إذ المقصود عتق الرقبة وقد دلت الرواية على جوازه هنا ، وقال الشيخ : والأحوط عندي ان يعطى من الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو صرفه في غيره والحال هذه جاز ارتجاعه ، وقيل : لا.

أقول : أهل الزكاة على قسمين : فمنهم من يأخذ نصيبه أخذا مستقرا بمعنى ان له صرفه في أي وجه شاء ، وهم أربعة : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم.

ومنهم من يأخذ أخذا مراعى ، بمعنى انه إن صرفه في الوجه الذي أخذه بسببه استقر ملكه عليه والا استعيد منه على خلاف ، وهم أربعة أيضا : المكاتبون والغارمون والغزاة وابن السبيل ، لأن ثبوت السهم لهم مشروط بصرفه في السبب الذي أخذوه له ، فإذا صرف في غير ما أخذ له ارتجع لانتفاء الشرط المبيح للأخذ ، وقيل : لا يرتجع ، لأنه ملك المدفوع اليه بالقبض فلا يرتجع.

قال رحمه اللّه : وإذا ادعى انه كوتب ، قيل : يقبل ، وقيل : لا إلا بالبينة أو بحلف ، والأول أشبه ، ولو صدقه مولاه قبل.

أقول : قال الشيخ لا يقبل إلا بالبينة ، لأن الأصل عدم الكتابة ، وقول العبد ليس بحجة ، لأنه متهم ، والمشهور القبول ما لم يظهر المنافي ، لأن

ص: 267


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 1 من أبواب المستحقين ، حديث 7.

الأصل صدق المؤمن ما لم يعلم كذبه ، ولو كذبه مولاه لم يقبل.

فرع : يجوز الدفع الى السيد بإذن المكاتب لا بدونه ، ويدفع الى المكاتب وان لم يأذن السيد ، بل ولو منع ، ويجوز ان يعطى قبل حلول النجم على الأقرب للعموم (1) ولاحتمال التعذر عند حلوله.

قال رحمه اللّه : ولو جهل فيما أنفقه ، قيل : يمنع ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : الغارمون قسمان : أحدهما من استدان لمصلحته وصرفه في غير معصيته ثمَّ عجز عن أدائه ، وهذا يعطى من الصدقة ما يؤدي به دينه ، والآخر : من استدان لإطفاء الفتنة وإصلاح ذات البين ، ولا فرق بين ان تكون الفتنة في مال أو قتل ، وهذا يعطى من سهم الغارمين وان كان غنيا ، واما من جهل مصرف دينه فقد منع الشيخ من إعطائه لعدم تحقق الشرط ، لأن الشرط صرفه في غير المعصية ، ومع جهل المصرف لا يتحقق انه صرفه في معصية ، والمشهور جواز الدفع اليه تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع.

فروع :

الأول : لو ادى الغارم دينه من ماله لم يجز له الأخذ من الزكاة إلّا ان يكون استدان لقضائه.

الثاني : لو كان السهم بقدر الدين جاز للإمام دفعه إلى الغرماء ودفعه إليه ليقضي هو ، ولو قصر السهم عن الدين فأراد الغارم أخذه ليتجر به ويستفضل ما يحصل به تمام الدين جاز ، وهو اختيار العلامة في التحرير.

الثالث : يجوز مقاصة المستحق وقضاء دينه حيا كان أو ميتا ، ولا يشترط

ص: 268


1- التوبة : 60.

إذن الحي ولا كونه غير واجب النفقة ، وهل يشترط قصور تركة الميت عن وفاء دينه؟ صرح به ابن الجنيد والشيخ في المبسوط ، لأن مع وفاء التركة به يكون كالحي القادر على الوفاء.

ويحتمل عدم الاشتراط لانتقال التركة إلى الورثة فيصير عاجزا ، ويضعف بتأخر الإرث عن الدين ، نعم لو تصرف لوارث في التركة وأتلفها وتعذر القضاء لعسر الوارث ، جاز الاحتساب والقضاء حينئذ عند الشهيد في البيان ، وقال أبو العباس في المحرر : ومن لا يقضي عنه في حياته لا يقضى عنه بعد موته وان تعذر قضاء الدين لمنع الوارث أو تلف التركة.

قال رحمه اللّه : ولو صرف الغارم ما دفع اليه من سهم الغارمين في غير الدين ارتجع على الأشبه.

أقول : سبق (1) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى ان عليه دينا قبل قوله إذا صدقه الغريم ، وكذا لو تجردت دعواه عن التصديق والإنكار ، وقيل : لا يقبل ، والأول أشبه.

أقول : وجه عدم القبول أصالة عدم الدين فلا يقبل دعواه ، لأنه متهم ، والمشهور القبول ، لأن ظاهر المسلم عدم الكذب ما لم يعلم منه.

قال رحمه اللّه : وفي سبيل اللّه وهو الجهاد خاصة ، وقيل : يدخل فيه المصالح كبناء القناطر والحج ومساعدة الزائرين وبناء المساجد ، وهو الأشبه.

أقول : الاختصاص بالجهاد مذهب المفيد وسلار ، والأكثر على ان السبيل هو كل ما يتقرب به إلى اللّه تعالى.

تنبيه : الغزاة قسمان : المطوعة الذين ليسوا بمرابطين ولا اسم لهم في

ص: 269


1- ص 267.

الديوان ، وليسوا من الجند الذين لهم نصيب في الفي ء ، وانما يغزون إذا نشطوا ، وهؤلاء يأخذون النصيب إجماعا.

والقسم الثاني : المرتزقة ، وهم الذين لهم سهم من الفي ء وهم جند الديوان الذين برسم الجهاد ، وقد تردد الشيخ في جواز أخذهم من الزكاة ، والمشهور جوازه ، فلا فرق حينئذ بينهما ولا يشترط فيهم الفقر.

قال رحمه اللّه : ويدفع اليه قدر الكفاية إلى بلده ، ولو فضل منه شي ء اعاده ، وقيل : لا.

أقول : المشهور بين الأصحاب إعادة الفاضل عن مئونة ابن السبيل إلى بلده ، لأن استحقاقه مقيد بالسفر وقد زال ، فيجب اعادة الفاضل الى المالك ، فان تعذر فإلى الإمام ، فإن تعذر فإلى الأصناف ، وينويه عن مالكه.

فرع : لو نوى ابن السبيل إقامة عشرة أيام ، قال الشيخ : لم يعط ، لأنه يخرج عن حكم المسافرين بالنية ، فلا يصدق عليه اسم ابن السبيل ، وقال ابن إدريس : لم يخرج ، واختاره العلامة لإطلاق اسم المسافرين عليه.

ص: 270

في أوصاف المستحقين

اشارة

قال رحمه اللّه : العدالة وقد اعتبرها كثير ، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزنا دون الصغائر وإن دخل في جملة الفساق ، والأول أحوط.

أقول : العدالة تعتبر في الساعي إجماعا ، ولا تعتبر في المؤلفة إجماعا ، وهل تعتبر فيمن عداهما؟ اعتبرها الثلاثة فيمن عدا المؤلفة ، ووافقهم ابن إدريس وابن حمزة إلا في الغزاة ، ولم يذكر ابنا (1) بابويه العدالة من الشروط ، وظاهر ابن الجنيد منع أهل الكبائر خاصة ، وذهب العلامة إلى عدم اشتراط العدالة وإعطاء الفاسق مطلقا لدخولهم في عموم الفقراء والمساكين.

قال رحمه اللّه : ولو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز ان يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة.

أقول : قيل : لا يتجاوز قدر الضرورة ، لأنها العلة في جواز الأخذ فلا يباح مع ارتفاعها. قال أبو العباس في مهذبه : والمراد بقدر الضرورة قوت يوم وليلة لا مئونة السنة ، لأن الخمس لا يملك منه الهاشمي ما زاد عن مئونة السنة ،

ص: 271


1- في «ن» و «ر 2» : ابن.

وهو له طلق ، فكيف ما لا يحل الا مع الضرورة؟! وهو مذهب العلامة في التحرير ، والشهيد في دروسه وبيانه ، وقيل : لا يتقدر الأخذ بقدر ، لأنه دخل في قسم المستحقين ، والمستحق لا تقدير في طرفه.

قال رحمه اللّه : والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم خاصة على الأظهر ، وهم الآن ولد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لأصالة الإباحة ، ولقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (1) خرج بنو هاشم للنصوص (2) الدالة على تحريم الصدقة الواجبة عليهم ، ولتعويضهم عنها بالخمس ، وجوز المفيد أخذ الخمس لبني المطلب وهو أخو هاشم ، وهو يدل على تحريم الصدقة عليهم ، إذ لا قائل بالجمع ، ومستنده رواية زرارة ، عن الصادق عليه السلام انه قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، لأن اللّه تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» (3). وأشار عليه السلام بذلك إلى الخمس.

فروع :

الأول : جوّز الشهيد في البيان وأبو العباس في المحرر إعطاء من يجب نفقته ما يزيد عن النفقة الواجبة ليصرفه في توسعته ، كالحمولة وثياب التجمل ان كان من أهل ذلك.

الثاني : يجوز للزوجة ان تدفع زكاتها إلى زوجها ، ومنع ابن بابويه من

ص: 272


1- التوبة : 60.
2- راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 29 و 30 و 31 من أبواب المستحقين.
3- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 33 من أبواب المستحقين ، حديث 1. وفي «م» و «ر 1» و «ي 1» : شبعهم.

إعطائه مطلقا ، وقال ابن الجنيد : تعطيه ولا ينفق عليها ولا على ولدها منه ، والأول أشهر.

الثالث : جوز في الدروس إعطاء من تجب نفقته إذا لم يكن مخاطبا بالإنفاق عليه ، واستثنى الزوجة إلا مع إعسار الزوج وفقرها. وبيانه : ان المعسر الذي لا يقدر على نفقة من يجب عليه نفقته ، إذا كان معه نصاب قد استدانه وكان عليه دين يستغرقه فحال عليه الحول ، وجبت فيه الزكاة ، لأن الدين لا يمنع الزكاة ، أو كان عنده نصاب من الغلات وكان عليه دين يستغرقه ، فإنه يجوز دفع هذه الزكاة إلى من تجب عليه نفقته ، لعدم مخاطبته بالنفقة لإعساره ، عدا الزوجة فان نفقتها واجبة على الزوج موسرا كان أو معسرا ، لكن مع الاعساره ، ينظر فيها كما ينظر المعسر في الدين ويقضي عند اليسار كما يقضي الدين ، فلا تعطى إذا كانت قادرة على نفقة نفسها ، لأنها غنية فلا يجوز لها أخذ الزكاة من غير الزوج فمنه أولى ، اما لو كانا معسرين جاز لها الأخذ لكونها مستحقة.

الرابع : لا تعطى الزوجة الناشز من الزكاة - وان لم يجب على الزوج نفقتها - وان كانت فقيرة ، لأنها قادرة على الغنى ببذل نفسها فلا تعطى ، كما لا يعطى القادر على التكسب إذا امتنع منه ، وكذلك حكم المملك بها إذا امتنعت من الدخول لغير عذر.

ص: 273

ص: 274

في متولي الإخراج

قال رحمه اللّه : وإذا طلبها الإمام صرفت اليه ، ولو صرفها المالك والحال هذه ، قيل : لا يجزي ، وقيل : يجزي وإن اثم ، والأول أشبه.

أقول : أوجب المفيد وأبو الصلاح حملها ابتداء إلى الامام أو نائبه ، وفي حال الغيبة إلى الفقيه ، والمشهور الاستحباب ، فان طلبها وجب دفعها إليه إجماعا ، فلو لم يدفعها وفرقها بنفسه ، قال الشيخ : لا يجزيه ، ومن قال بوجوب الدفع مع عدم الطلب اقتضى عدم الإجزاء أيضا بطريق الأولى ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأنه دفع دفعا غير مأمور به فلا يخرج به عن التكليف.

واحتج القائل بالاجزاء بأنه دفع الحق إلى أهله فيكون مجزيا.

قال رحمه اللّه : وقيل : يرثه الامام ، والأول أظهر.

أقول : إذا مات المملوك المشترى من مال الزكاة وخلف مالا ولا وارث له ، قال ابن بابويه : يكون ميراثه لأرباب الزكاة ، وبه قال الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، لأنه اشتري بمالهم.

وقيل : يرثه الإمام ، لأنه وارث من لا وارث له ، ولأن أهل الزكاة إنما

ص: 275

يستحقون ويملكون ما دفع إليهم وقبضوه ، وهذا العبد لم يدفع إليهم ولم يقبضوه فلا يستحقونه ، وتوقف العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك ، وقيل : تحسب من الزكاة ، والأول أشبه.

أقول : وجه كونها على المالك : انه يجب عليه تسليم الزكاة وهو لا يتم إلا بالكيل أو الوزن ، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب.

ووجه كونها في مال الزكاة : ان اللّه تعالى أوجب على أرباب الزكاة قدرا معلوما فلا يجب عليهم أزيد من ذلك القدر ، فلو أوجبنا عليهم اجرة الكيال أو الوزان لأوجبنا عليهم أزيد مما أوجب اللّه عليهم ، وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول.

أقول : تقديره بالنصاب الأول مذهب الشيخين وابني (1) بابويه وسلار ، وبما يجب في النصاب الثاني مذهب ابن الجنيد ، ولم يقدره ابن إدريس بشي ء ، واختاره العلامة وأبو العباس ، واستدل الجميع بالروايات (2).

قال رحمه اللّه : إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها وجوبا ، وقيل : استحبابا ، وهو الأشبه.

أقول : القولان للشيخ ، ووجه الوجوب قوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (3) ووجه الاستحباب : أصالة البراءة ، وحمل الأمر على الاستحباب.

ص: 276


1- في «ر 2» : ابن.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 23 من أبواب المستحقين.
3- التوبة : 103.

في الإخراج

اشارة

قال رحمه اللّه : وإذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين ، والأشبه ان التأخير إن كان لعذر مبيح دام بدوامه ولا يتحدد ، وإن كان اقتراحا لم يجز.

أقول : جواز التأخير مع العزل مذهب الشيخ في النهاية ، والمشهور عدم الجواز ، لأنه تأخير للعبادة عن وقتها اختيارا ، وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : ولو كان النصاب يتم بالقرض لم تجب الزكاة ، سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه.

أقول : التحقيق في هذه المسألة انه إذا دفع الفريضة إلى الفقير قبل الوقت بنية الزكاة لم يملكها الفقير ، وكانت باقية على ملك المالك ، ولم ينثلم بها النصاب ، فإذا حال الحول ، وهي باقية بحالها ، وجبت الزكاة ، فإن اختار المالك إبقاءها في يد المدفوع اليه واحتسابها من الزكاة جاز إن بقي على الاستحقاق ، وان اختار دفعها إلى غيره ، أو دفع غيرها اليه أو إلى غيره جاز أيضا ، وان دفعها قرضا محضا ودينا عليه لا على انها زكاة معجلة - وكانت تمام النصاب - سقطت الزكاة عن المالك ، وكان له مطالبة المدفوع اليه بها متى شاء كسائر الديون الحالة ، وان لم ينثلم بها النصاب كان مخيرا بين الاحتساب عليه

ص: 277

مع بقائه على الاستحقاق ، وبين الأخذ منه والدفع إلى غيره ، والشيخ لم يفصل ، بل جوز الاحتساب عند الحول.

فروع :

الأول : إذا علم الفقير بأنها زكاة معجلة كانت مضمونة عليه.

الثاني : هل يقبل دعوى قصد التعجيل مع اليمين؟ يحتمل ذلك لأنه أبصر بنيته ، ويحتمل العدم لأصالة عدم الضمان ، وعلى القول بقبول دعوى القصد لو ادعى اللفظ بالتعجيل لم يقبل إلا بالبينة لإمكان إقامتها على اللفظ دون القصد.

الثالث : لو باعها أو وهبها أو وقفها مع عدم التعجيل بطلت العقود في الباطن مع عدم البينة ، ويغرم القيمة للمالك ، ومع البينة يبطل ظاهر أو باطنا ، وتنتزع العين من المشتري والمتهب ويبطل الوقف ويرد إلى المالك مطلقا.

قال رحمه اللّه : لو نقصت قيل : يردها ولا شي ء على الفقير ، والوجه لزوم القيمة يوم القبض.

أقول : إذا دفع إليه شاة فنقصت في يده ، قال الشيخ في المبسوط : كان عليه ردها ، ولا شي ء عليه لأصالة براءة الذمة ولكونها عين ماله. والحق ان كان المقبوض قرضا ملكه الفقير وكان عليه القيمة يوم القبض كما قاله المصنف ، لأن القرض إذا كان من ذوات القيم كان مضمونا بالقيمة يوم القبض ، وان كان المقبوض زكاة معجلة كانت باقية على ملك الدافع ، كما مر في المسألة السابقة.

ص: 278

في النية

قال رحمه اللّه : وتتعين عند الدفع ولو نوى بعد الدفع ، لم أستبعد جوازه.

أقول : تجب النية عند الدفع إلى الوالي أو المستحق ، مشتملة على الوجوب أو الندب ، وكونها زكاة مال أو فطرة أو صدقة ، والنية في الدفع إلى الوالي أو المستحق واحدة ، وهو ان يقول : (أخرج هذا القدر من زكاة مالي أو الزكاة لوجوبه قربة إلى اللّه) ، ولا يجب تعيين المال ، ولا يفتقر الساعي ولا الإمام إلى نية أخرى عند الدفع إلى الفقير بخلاف الوكيل فإن النية تجب عليهما معا ، فينوي المالك عند الدفع إلى الوكيل والوكيل عند الدفع إلى الفقير.

قال أبو العباس في لمعته : ويكفي المالك في الدفع إليه نية الوكالة ، كقوله : (وكلتك على إخراج هذا القدر من الزكاة) ، أو يقول الوكيل : (انا وكيلك في إخراج هذا عنك من الزكاة) ، فيقول : (نعم).

قلت : فحينئذ يلزم من تحقق الوكالة في إخراج الزكاة تحقق النية من الموكل ، إذ لا تتحقق الوكالة إلا بما قاله رحمه اللّه فلا فائدة حينئذ في قولهم : ولو لم ينو الموكل حالة الدفع إلى الوكيل ، الا ان يقال : يتصور ذلك فيما إذا

ص: 279

قال : (وكلتك في إخراج هذا القدر على الفقراء والمساكين) ، ولم يقل : (من زكاة مالي) فيخرجه الوكيل وينوي الزكاة.

والأحسن أن صورة النية في الدفع إلى الوكيل صورتها في الدفع إلى الوالي والمستحق ، لأن المالك مخير بين الدفع إلى الامام أو المستحق أو العامل أو الوكيل ، نص عليه صاحب القواعد ، فحينئذ تكون النية واحدة في الجميع ، فيقول عند الدفع إلى الوكيل : (اخرج هذا القدر من زكاة مالي لوجوبه قربة إلى اللّه) ، ثمَّ يقول : (وكلتك على إخراج هذا القدر من الزكاة المالية أو الفطرة).

ومحلها مقارنة الدفع ، فان نوى بعده احتمل عدم الاجزاء لفوات محل النية ، والتحقيق الاجزاء مع بقاء العين أو تلفها وعلم الفقير بعدم النية لكونها باقية على ملكه مع وجودها ومضمونة مع تلفها ، وعدم الاجزاء مع التلف وعدم علم القابض بعدم النية ، لأنها غير مضمونة حينئذ ، لأنه قبضها صدقة ، والصدقة لا يتعقبها ضمان.

قال رحمه اللّه : ولو اخرج عن ماله الغائب ان كان سالما فبان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال : (هذه زكاة مالي ان كان سالما) ، وكان سالما ، أجزأه ، وان كان تالفا لم يجز ان ينقله إلى زكاة غيره ، لأن وقت النية قد فاته ومذهب المصنف جواز النقل ، واختاره العلامة ، لأن الفقير لم يقبض ما أخذه زكاة ، بل قرضا ، لأن المالك نواه مع عدم وجوبه عليه ، فيبقى مستحقا له في يد الفقير ، فإذا نقله إلى زكاة غير ذلك المال أجزأ.

والتحقيق ان يقال : إما ان يكون المدفوع باقيا أو تالفا (فان كان باقيا

ص: 280

جاز له نقله إلى غيره ، لأنه لم يخرج عن ملكه ، وإن كان تالفا) (1) ولم يصرح المالك للفقير بأنه زكاة ماله الغائب على تقدير كونه سالما ، بل دفعه زكاة ونوى ذلك في نفسه ، لم يكن له نقله إلى غيره ، لأنه تصرف فيه تصرفا مأذونا له ، فلا يتعقبه ضمان وليس له احتسابه من زكاة أخرى ، إذ لا عين له في يده ولا دين في ذمته. وهل له انتزاع العين مع بقائها والحال هذه؟ يحتمل ذلك مع اليمين ، لأنه أبصر بنيته ، ويحتمل العدم ، لأن الفقير قد ملكها بالقبض على انها زكاة فلا يزول ملكه بقول المالك : (اني قصدت الغائب إن كان سالما وقد بان تالفا) ، لأن الأصل بقاء الملك.

وإن كان قد صرح للفقير بأنها زكاة الغائب إن كان سالما ثمَّ تلفت عين المدفوع ، هل يجوز الاحتساب؟ فيه وجهان مبنيان على جواز التصرف قبل علم حال المال وعدمه ، فان منعناه من التصرف لجهالة حصول السبب الموجب للملك - وهو سلامة المال - جاز الاحتساب ، لكونه مضمونا عليه ، لتصرفه فيه تصرفا غير مشروع ، وإن أجزنا له التصرف لأصالة بقاء الملك لم يضمن ، لأنّ إذن الشارع لا يتعقبه ضمان ، ويحتمل جواز التصرف مع الضمان ، لأنه ملك المدفوع بالقبض ملكا مراعى بسلامة المال وعدمه والملك المتزلزل يجوز التصرف فيه ولا ينفي الضمان ، وهو أوجه.

قال رحمه اللّه : ولو لم ينو ربّ المال ونوى الساعي أو الإمام عند التسليم ، فان أخذها الساعي كرها أجزأ ، وإن أخذها طوعا ، قيل : لا يجزي ، والاجزاء أشبه.

أقول : إذا أخذت الزكاة كرها من المالك سقط اعتبار نيته ، ووجب

ص: 281


1- ما بين القوسين من «ي 1».

على الإمام أو الساعي أو الفقيه النية عند الدفع إلى الفقراء ، ويكفي مثل نية المالك - وهو أن يقول : (أخرج هذا القدر من الزكاة لوجوبه قربة إلى اللّه) - وان لم يذكر أربابها وبرأت ذمة المالك ، وان دفعها طوعا ولم ينو عند دفعها إلى أحد الثلاثة ، لم يجب عليهم النية عند الدفع إلى الفقراء ، فلو نوى الدافع منهم إلى الفقراء ، هل يجزي عن نية المالك؟ قال الشيخ : لا يجزي فيما بينه وبين اللّه ، غير أنه ليس للإمام مطالبته بزكاة ثانية ، واختار المصنف الإجزاء مع نية أحدهم ، وهو مذهب العلّامة في المختلف والشهيد في دروسه ، لأن المأخوذ هو الواجب وقد حصلت النية ، عند الدفع إلى الفقراء فهو كما لو لم ينو حالة الدفع الى الوكيل ونوى الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء ، فان المختار الاجزاء.

وقد يجاب بالفرق بأن النية واجبة على الوكيل بخلاف الإمام والساعي والفقيه إذا دفعت إليهم طوعا ، فإن النية لا تجب عليهم ، ونية المالك تجزي من دون نية الثلاثة ولا تجزي من دون نية الوكيل ، فحصل الفرق بينهما فلا يقاس على الوكيل ، وفي قول الشيخ : (لا يطالبه بزكاة ثانية) نظر ، لأن مع عدم الإجزاء تبقى الزكاة في ذمته فيجب على الإمام المطالبة بها ، لعدم جواز إسقاط حق المساكين.

ص: 282

في زكاة الفطرة

اشارة

قال رحمه اللّه : فلا تجب على الفقير وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية ، وقيل : من تحل له الزكاة ، وضابطه أن لا يملك قوت سنة له ولعياله ، وهو الأشبه.

أقول : اختلف علماؤنا في الغني الذي يجب عليه الفطرة ، والمحصل بان الغني هنا كالغني في زكاة المال ، وهو كل من ملك مئونة سنته المستقبلة له ولعياله الواجبي النفقة ، أو كان ذا كسب ، أو صنعة يقوم بأوده ، وأود عياله مستمرا ، ويفضل عنه صاع فإنه يجب عليه إخراجها ، وقال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط : لا يجب إلا على من ملك نصابا من الأموال الزكاتية ، واختاره ابن إدريس ، وقال ابن بابويه : من حلت له لا تحل عليه ، وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال : يجب الفطرة على الفقير ، والصحيح الاستحباب.

احتج القائل بوجوبها على الفقير بعموم قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ

ص: 283

تَزَكّى ) (1) والمراد به زكاة الفطرة على ما نقله المفسرون ، وهو يدل بمفهومه على عدم الفلاح لغير المزكي ، والآية عامة :

واحتج الباقون بأصالة البراءة ، وبالروايات (2) الدالة على مطلوبهم.

قال رحمه اللّه : الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره ، وقيل : لا تجب إلا مع العيلولة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الزكاة هل هي تابعة للعيلولة أو لوجوب النفقة؟ يحتمل الأول ، لسقوطها عن الضيف ووجوبها على الضيف ، ولا وجه لذلك غير العيلولة فتكون تابعة لها. ويحتمل الثاني ، لأنها تابعة لوجوب النفقة بالأصل ، وإنما تحملها العائل بالعارض ، ولهذا لو كان العائل معسرا لم تسقط عن المكلف بها ، وإذا عالت الزوجة نفسها ، وأكل العبد من كسبه فهو كإعالة الزوج والمولى حكما ، لأن ما في يد العبد لمولاه ، وللزوجة الممكّنة الرجوع على الزوج بما أنفقته على نفسها مع عدم التبرع ، فيجتمع حينئذ العيلولة ووجوب النفقة فتجب الزكاة ، ولو تبرعت الزوجة بعيلولة نفسها سقطت زكاتها عن الزوج كما لو عالها غيرها تبرعا.

فرعان :

الأول : لو كان الضيف عنده بعض رمضان أو كله وفارقه ليلة الهلال سقطت زكاته ، بخلاف واجب النفقة إذا لم يعله الغير.

الثاني : لو ملك الولد المعسر أو الأب المعسر - والضابط من يجب نفقته غير الزوجة والعبد - قوت ليلة الهلال ويوم العيد سقطت زكاته إذا لم يعله تلك الليلة ، أما سقوطها عن الأب مثلا فلعدم وجوب النفقة عليه تلك الليلة بيوم

ص: 284


1- الأعلى : 14. راجع مجمع البيان 10 : 722.
2- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 2 من أبواب زكاة الفطرة.

العيد لغناه فيهما ، وأما سقوطها عن الولد فلعسره.

قال رحمه اللّه : إذا أوصي له بعبد ثمَّ مات الموصي فإن كان قبل الوصية قبل الهلال وجبت عليه ، وان كان بعده سقطت ، وقيل : تجب على الورثة ، وفيه تردد.

أقول : السقوط مذهب الشيخ ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن الوصية مانعة من الدخول في ملك الوارث ، والقبول شرط في تمليك الموصى له وهو لم يحصل ، فيبقى على حكم مال الميت.

والتحقيق أن القبول إما كاشف أو سبب مملك ، فان كان الأول لزمت الفطرة الموصى له ، وإن كان الثاني كانت الفطرة على الوارث ، لأن الموت مخرج للملك عن الميت ، وبقاء ملك بغير مالك باطل ، وليس هنا مالك إلا الموصى له أو الوارث فيتعين الزكاة على أحدهما.

قال رحمه اللّه : وقيل لو قبل ومات ثمَّ قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم ، وفيه تردّد.

أقول : منشؤه من أن القبض ، هل هو شرط في صحة الهبة أم لا؟

يحتمل كونه شرطا ، لأن الهبة عقد جائز قبل القبض فيبطل بالموت قبله ، كالوكالة ، ومن أن الهبة عقد يئول إلى اللزوم فلا يبطل بالموت ، ويقوم الوارث مقام الموهوب في القبض ، لأنه حق له فينتقل إلى الوارث ، وبه قال الشيخ في المبسوط.

قال رحمه اللّه : ومن اللبن أربعة أرطال ، وفسره قوم بالمدني.

أقول : الصاع تسعة أرطال من الجميع ، قاله المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن الجنيد ، واختاره العلّامة في المختلف ، وقال الشيخ : تسعة من غير اللبن ومنه ستة بغدادية ، وهي أربعة مدنية ، وهو مذهب ابن إدريس وابن

ص: 285

حمزة ، ودليل الجميع الروايات (1).

تنبيه : الرطل العراقي هنا مائة وثلاثون درهما ، يكون الصاع ألفا ومائة وسبعين درهما ، والمدني مائة وخمسة وتسعون درهما فهو رطل ونصف عراقي ، وفي تقدير النصاب في الغلات الرطل مائة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، والمراد بالدرهم من الجميع الدرهم الشرعي الذي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل.

قال رحمه اللّه : ولا تقدير في عوض الواجب ، بل يرجع إلى قيمة السوق ، وقدره قوم بدرهم وآخرون بأربعة دوانيق.

أقول : لا خلاف في جواز إخراج القيمة بسعر الوقت ، قال الشيخ : وقد روي أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس درهما ، وروي أربعة دوانيق في الرخص والغلاء ، والأحوط إخراجه بسعر الوقت (2).

قال العلّامة في المختلف بعد أن نقل أقاويل الفقهاء : ولم أقف على فتوى بذلك غير ما نقلناه ، وليس صريحا.

فروع :

الأول : لو أخرج نصف صاع من الحنطة عن صاع من الشعير مع مساواة النصف للصاع قيمة ، هل يجزي أم لا؟ تردد العلّامة في التحرير ، وقال : لم أقف فيه للقدماء على قول ، وجزم في المختلف بالإجزاء ، وتردد الشهيد في الدروس ، واستقرب في البيان عدم الإجزاء ، ووجه التردد من أن الأصول هل يجوز أن تكون قيمة أم لا؟ جزم ابن إدريس بعدم الجواز ، لأن

ص: 286


1- الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 و 7 من أبواب زكاة الفطرة.
2- النهاية : 191.

الأصول هي المقدمة (1) فلا تجوز قيمة ، وقال الشيخ في المبسوط : يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدمناها ، سواء كان الثمن سلعة أو حبّا أو خبزا أو دراهم أو ثيابا أو شيئا له قيمة ، وأنكره ابن إدريس في الحبّ والخبز ، ونسب هذا القول إلى مذهب الشافعي ، قال : فلا يظن بعض غفلة أصحابنا أنه مذهبنا.

الثاني : هل يجوز إخراج الصاع الواحد من جنسين؟ قال الشيخ : لا يجوز ، لأنه يخالف الخبز (2) ، واختاره الشهيد في الدروس ، ومذهب العلامة في المختلف والتحرير الجواز ، سواء كان من جنسين أو أجناس ، لأن المطلوب شرعا إخراج الصاع القوتي وليس تعيين الأجناس معتبرا في نظر الشرع وإلا لما جاز التخيير بين الأجناس ، وإذا جاز إخراج الأصواع المختلفة من شخص واحد عن جماعة جاز اختلاف الصاع الواحد ، لأن التخيير واقع في الجميع فكذا في الأبعاض ، لحصول المساواة في المالية ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى جواز الإخراج من جنسين في العبد المشترك بين اثنين ، ونفاه الشهيد في الدروس.

الثالث : لا يجوز إخراج المعيب ويجوز إخراج القديم ، إذا لم يتغير طعمه وان نقصت قيمته عن قيمة الحديث.

قال رحمه اللّه : وتجب بهلال شوال ولا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض على الأظهر.

أقول : جوّز الشيخ وابنا (3) بابويه إخراجهما من أول رمضان ، واختاره

ص: 287


1- في «ر 2» : المقوّمة.
2- راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 6 من أبواب زكاة الفطرة.
3- في «ن» و «ر 2» : ابن.

المصنف في المختصر جزما ، والعلّامة في التحرير والمختلف ، لاشتمال ذلك على اعانة الفقير ، وجبر حاله ، ودفع الحاجة عنه في شهر تضاعف فيه الحسنات ، وللمبادرة إلى تفريغ الذمة والمسارعة إلى الخير ، ولهم عليه روايات (1).

ومنع المفيد وابن إدريس من تقديمها على شوال الا على جهة القرض ، واختاره المصنف هنا والعلّامة في القواعد ، لأنها عبادة موقتة فلا يجوز تقديمها على وقتها ، كسائر العبادات.

قال رحمه اللّه : فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجبا بنية الأداء ، وإن لم يكن عزلها ، قيل : سقطت ، وقيل : يأتي بها قضاء ، وقيل : أداء ، والأول أشبه.

أقول : السقوط مذهب ابني بابويه وابي الصلاح والمفيد وابن البرّاج ، واختاره المصنف (2) ، لأنها عبادة مؤقتة وقد فات وقتها فيسقط أداء وقضاء ، لأن القضاء إنما يثبت بأمر جديد ولم يوجد ، والأصل براءة الذمة من وجوب القضاء.

ووجوبها أداء مذهب ابن إدريس ، لوجوب الأداء بدخول الوقت ثمَّ يستمر وقت الأداء كالمالية.

وأجيب بأن لوقتها طرفين : أول وآخر ، ولو لا ضبطها لما تضيقت عند الصلاة بخلاف المالية إذ ليس لوقتها آخر.

ووجوبها بنية القضاء مذهب سلار وابن الجنيد ، واختاره العلّامة وأبو

ص: 288


1- راجع الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب 12 من أبواب زكاة الفطرة ، حديث 4. وفي الحدائق : أنه لم يقف على غير هذه الرواية ، 12 : 305.
2- في «م» : العلامة.

العباس ، لأنها عبادة مؤقتة وقد خرج وقتها فيكون قضاء ، لأن سقوطها بعد وجوبها لا دليل عليه.

واختار العلّامة في القواعد مذهب المصنف هنا ، وهو إخراجها بنية الأداء مع العزل.

ومذهب الشهيد في دروسه وبيانه وجوب القضاء وان عزلها.

ص: 289

ص: 290

كتاب الخمس

اشارة

ص: 291

ص: 292

فيما يجب فيه الخمس

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وهو المروي ، والأول أكثر.

أقول : قال الشيخ في النهاية : ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزكاة ، ومثله قال في المبسوط ، وهو مذهب ابن حمزة ، واختاره العلامة ، وأبو العباس ، لرواية البزنطي (1) ، وأصالة براءة الذمة.

وفي الخلاف أوجب الخمس في المعدن وإن لم يبلغ النصاب ، واختاره ابن إدريس ، واحتج بالإجماع على استثناء الكنوز والغوص ولم يستثنوا غيرهما ، قال : بل إجماعهم منعقد على وجوب الخمس في المعادن على اختلاف أجناسها ، قليلا كان المعدن أو كثيرا ، واعتبر أبو الصلاح مقدار دينار ، ورواه ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه (2).

ص: 293


1- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 4 من أبواب ما يجب فيه ، حديث 1.
2- الفقيه 2 : 21 ، حديث 72 ، ورواه في الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 3 من أبواب ما يجب فيه ، حديث 5.
فروع :

الأول : يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يتخللها ترك العمل ، فلو أخرج دون النصاب دفعة وترك العمل مهملا ، ثمَّ أخرج دون النصاب لم يجب شي ء وإن بلغ المجموع النصاب ، ولو بلغ أحدهما نصابا وجب فيه خاصة ، ولو ترك العمل للاستراحة مثلا ، أو لإصلاح آلة ، أو لأكل ، أو صلاة ، أو طلب معادن وجب الخمس إذا بلغ الجميع النصاب ، ويجب فيما زاد على النصاب وإن قل.

الثاني : النصاب معتبر في الذهب وما عداه بالقيمة ، ولو اشتمل المعدن على جنسين ضم أحدهما إلى الآخر سواء كان ذهبا أو فضة أو غيرهما.

الثالث : لو استأجر على إخراج المعدن فالخارج للمستأجر ، ولو نوى الأجير التملك لنفسه لم يملك.

الرابع : لو وجده في أرض مملوكة فهو للمالك دون المخرج ، لأنه من أجزاء الأرض فيكون لمالكها.

الخامس : لو أخرج خمس التراب لم يجز لاختلافه في الجوهر ، ولو اشترك جماعة في الحفر والحيازة اشترط بلوغ نصيب كل واحد النصاب.

قال رحمه اللّه : إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام ، فان لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي ، وإن كان عليه سكة الإسلام ، قيل : يعرف كاللقطة ، وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : يملكه الواجد وعليه الخمس ، واختاره

ص: 294

ابن إدريس ، لعموم ظاهر القرآن (1) ، والأخبار (2) الواردة في إخراج الخمس من الكنوز ، والتخصيص محتاج إلى دليل ، وقال في المبسوط : إنه لقطة ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد ، لأنه مال ضائع عليه أثر تملك الإسلام ووجد في دار الإسلام فيكون لقطة كغيره.

فروع :

الأول : لو استأجر أجيرا ليحفر له طلبا للكنز فوجده فهو للمستأجر ، ولو استأجره ليحفر له بئرا في المباح فوجد كنزا فهو للأجير.

الثاني : يجب الخمس في كل كنز على اختلاف أنواعه ، من الذهب والفضة والنحاس والرصاص وغير ذلك.

الثالث : يجب الخمس على كل واجد حرا كان أو عبدا ، مسلما أو ذميا ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، عاقلا أو مجنونا ، ويكون ما يجده العبد لسيده والخمس واجب عليه ، وما يجده غير المكلف له ، والمخاطب بالإخراج الولي إن كان ، وإلا فالحاكم.

ص: 295


1- الأنفال : 41.
2- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 5 من أبواب ما يجب فيه.

ص: 296

في قسمته

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : بل يقسم الخمس خمسة أقسام ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب قسمة الخمس ستة أقسام لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) (1) الآية ، وفي صحيحة (2) ربعي بن عبد اللّه بن الجارود : أنه يقسم خمسة أقسام بإسقاط سهم الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم.

قال أبو العباس ولا نعرف بها عاملا.

قال رحمه اللّه : ولو انتسبوا بالأم لم يعطوا من الخمس شيئا على الأظهر.

أقول : من انتسب إلى هاشم بالأم ، إذا كان أبوه غير هاشمي ، هل يستحق الخمس ، قال علم الهدى : يستحق ، لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، وقد ثبت إطلاقه في الحسنين عليهما السلام «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا» (3).

ص: 297


1- الأنفال : 41.
2- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 1 من أبواب قسمة الخمس ، حديث 3.
3- البحار 43 : 278.

وبعدم الاستحقاق قال الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، لأن الانتساب إنما يصدق حقيقة إذا كان من جهة الأب عرفا ، ألا تراهم يقولون فلان بن فلان ويرفعون نسبه إلى الإباء ، ولا يقولون فلان بن فلانة ، ولقوله تعالى ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (1).

قال رحمه اللّه : وفي استحقاق بني المطلب تردد ، أظهره المنع.

أقول : قد تقدم البحث في هذه المسألة في باب الزكاة فلا حاجة لإعادته ، والمطّلب هو أخو هاشم بن عبد مناف.

قال رحمه اللّه : وابن السبيل لا يراعى فيه الفقر ، بل الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنيا في بلده ، وهل يراعى ذلك في اليتيم؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، والأول أحوط.

أقول : عدم اعتبار الفقر في اليتيم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، للعموم (2) ، ولان اعتبار الفقر يقتضي تداخل الأقسام ، لأن مع اشتراط الفقر يدخل تحت المساكين ، وقد أفرد اللّه تعالى اليتامى في قسم على حدتهم ، والأصل عدم التداخل ، واعتبره العلّامة في المختلف ، لأنه عوض الزكاة وهي لا يستحقها الغني ، ولأنه جعل جبرا لهم ومساعدة ، فلا يليق بالغني ، ويمنع من له موسر ينفق عليه ، فمنع الغني بماله أولى.

قال رحمه اللّه : فالأيمان معتبر في المستحق على تردد ، والعدالة لا تعتبر على الأظهر.

ص: 298


1- الأحزاب : 5.
2- الأنفال : 41.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الإيمان هل هو معتبر في مستحق الخمس؟ أفتى أكثر الأصحاب باعتباره ، وتردد المصنف للنهي عن مساعدة غير المؤمن (1) ، ولأنه محادّ لله فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة ، ومن أنه يستحق بالقرابة والنسب ، والمسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في الآراء.

الثانية : العدالة ولم يعتبرها أكثر الأصحاب ، لأنه يستحق بالقرابة فلا يشترط أكثر من ذلك عدا الايمان على المختار (2) ، وقيل باشتراطها ، وهو بناء على اشتراطها في مستحق الزكاة ، والخمس بدل منها ، وحكم البدل حكم المبدل.

قال رحمه اللّه : ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده ، ومع عدمه قيل : يكون مباحا.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في مطلق الخمس : وفيه أقوال :

الأول : أنه مباح ، قاله سلار وله عليه روايات (3).

الثاني : صرفه إلى فقراء الذرية والشيعة ، حكاه المفيد ، ثمَّ قال : ولست أدفع قرب هذا من الصواب.

الثالث : يجب حفظه بالوصية حتى يصل إليه عليه السلام ، قال المفيد : هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق وجب لغائب

ص: 299


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 42 من أبواب ما يكتسب به.
2- في «ن» بزيادة : عند الأصحاب.
3- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 4 من أبواب الأنفال.

ولم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب المصير إليه ، فوجب حفظه إلى وقت إيابه.

الثانية : في حقه عليه السلام : قال ابن إدريس : يحفظ بالوصية ، ولا يجوز التصرف فيها بوجه من الوجوه ، وادعى تطابق الأدلة العقلية والنقلية على ذلك.

وقيل : يجب صرفه إلى باقي الأصناف على وجه التتمة ، واختاره المصنف والعلّامة وفخر الدين وأبو العباس ، لأنه لو كان حاضرا وقصر نصيب الأصناف عن كفايتهم وجب أن يتم لهم من نصيبه ، ولاشتماله على دفع ضرر الذرية ونفع محاويجهم.

وأقوال الأصحاب وأدلتهم هنا كثيرة أضربنا عنها لئلا يطول الكتاب.

فرع :

لا يجوز إعطاء السيد من الخمس أكثر من مئونة السنة سواء اتحد الدفع أو تعدد ، لأنه عليه السلام لم يجاوز مئونة السنة في القسمة عليهم والفاضل له عليه السلام كما إذا أعوز كان عليه (1).

ص: 300


1- الوسائل ، كتاب الخمس ، باب 3 من أبواب قسمة الخمس.

كتاب الصوم

اشارة

ص: 301

ص: 302

في النية

اشارة

قال رحمه اللّه : النية ، فهي إما ركن وإما شرط في صحته ، وهي بالشرط أشبه.

أقول : الفرق بين الركن والشرط أن :

الشرط : هو ما يتوقف عليه صحة المشروط ، والشرط متقدم على المشروط وليس جزءا منه ، ومع فقده يتبيّن بطلان الفعل من أصله.

والركن : جانب الشي ء الأقوى الذي لا يقوم ذلك الشي ء بدونه ، وهو جزء منه ، ومع فقده يتبيّن بطلان الفعل من حينه.

فإذا عرفت هذا ، فهل النية ركن في الصوم أو شرط فيه؟

يحتمل كونها ركنا فيه ، لجواز تلافيها إلى الزوال ، وليس الشرط كذلك لعدم جواز التلافي ، لوجوب تقديمه على الفعل ، وإنما يتلافى ما هو داخل في ماهية الفعل.

ويحتمل كونها شرطا ، كالإسلام والطهارة والعقل لتقدمها عليه ، والركن ليس كذلك ، إذ هو داخل في ماهية الفعل ، ولأن مع الإخلال بها إلى بعد

ص: 303

الزوال يحكم ببطلان الصوم من أصله لا من حين الزوال ، والركن ليس كذلك بل من حينه.

وقول المصنف : (وهي بالشرط أشبه) لا ينبه على وجود مخالف في المسألة ، بل ينبه على أنها مع كونها تشابه الشرط - لوجوب تقدمها على الصوم - ليس حكمها حكم الشرط ، لجواز تلافيها قبل الزوال ، ولكونها جزءا منه ، لأنه الإمساك مع النية فهو مركب من النية والإمساك ، وليس شيئا (1) من الشروط كذلك.

قال رحمه اللّه : ويكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى اللّه ، وهل يكفي ذلك في المعين؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : عدم اشتراط التعيين مذهب ابن إدريس ، نقله عن المرتضى ، لأنه زمان تعين للصوم بالنذر فكان كرمضان ، واشتراط التعيين مذهب الشيخ ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد وأبو العباس ، لأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم فافتقر الى التعيين ، كالنذر المطلق ، ولأن الأصل وجوب التعيين ، لأن الأفعال إنما تقع على الوجوه المقصودة ، وإنما ترك ذلك في شهر رمضان ، لأنه زمان لا يقع فيه غيره.

فروع :

الأول : لو صام آخر شعبان بنية الوجوب لغير رمضان ، بل للقضاء أو الندب ، ثمَّ ظهر أنه من رمضان ، وجب العدول وتعيين رمضان في النية ، ليتميز عما نواه ، ولو صام بنية الندب اكتفى بالقربة والوجوب عن التعيين ، لأن التمييز هنا العدول من الندب إلى الواجب ، وهناك يعدل من واجب إلى واجب فلا بد من مائز ، وهو التعيين.

ص: 304


1- كذا فيما بأيدينا من النسخ.

الثاني : لو لم يبق لرمضان غير مقدار ما عليه من القضاء فقد تعين ذلك الزمان للصوم ، فهل يكفي فيه عدم التعيين؟ يحتمل ذلك ، لأنه زمان قد تعين صومه فكان كرمضان والنذر المعين ، ويحتمل العدم لعدم تعينه بالأصل.

الثالث : المتوخي لشهر رمضان - كالمحبوس - هل يجب عليه التعيين؟ يحتمل ذلك ، لأنه زمان لم يتعين صومه فيجب فيه التعيين ، ويحتمل العدم ، لأنه بالنسبة إليه شهر رمضان.

قال رحمه اللّه : وقيل : يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر (1).

أقول : الصوم إما واجب أو ندب ، والواجب إما معيّن أو غير معيّن ، فالأقسام ثلاثة : الأول : المعيّن ، ويجب فيه النية من الليل ولو من أوله مستمرا حكمها ، ولا يجوز تركها إلى بعد الفجر اختيارا ، ويتلافاها الناسي إلى الزوال.

الثاني : الواجب غير المعيّن كالنذر المطلق وقضاء رمضان ، ويجب فيه النية ليلا ويجوز تجديدها إلى الزوال اختيارا ، لأنه زمان لا يوصف نهاره بتحريم الأكل من أوله ، بخلاف الصوم المعين ، لأنه يجب عليه صومه من أول النهار ، فلا يجوز له الإخلال بالنية ، لأنها شرط في صحته.

الثالث : المندوب ، وفيه قولان :

أحدهما : من أول الليل مستمرا إلى الزوال ثمَّ يفوت وقتها كالواجب ، لأنها عبادة مندوبة فيكون وقت نيتها وقت نية فرضها كالصلاة ، وهو مذهب الشيخ وابن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلّامة في المختلف.

والآخر : امتدادها إلى الغروب وهو مذهب السيد المرتضى وابن إدريس

ص: 305


1- في النسخ : أظهر.

وابن حمزة ، واختاره أبو العباس ، لعموم قوله ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (1) ولقوله عليه السلام : «الصوم جنة من النار» (2).

وهل يحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من حين النية ، أو من ابتداء النهار؟ قال الشيخ في الخلاف بالثاني ، واختاره العلّامة في التحرير ، والشهيد في البيان ، لترتب الثواب على انعقاد الصوم وقد انعقد ، ولا فرق في تأثير النية فيما مضى من النهار بين أن تقع قبل الزوال أو بعده إذا نص الشارع على ذلك ، إذ المصير فيهما قبل الزوال إلى النص فكذلك ما بعده (3).

قال رحمه اللّه : وقيل : يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية ، وكذا قيل : تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قدّم نية رمضان على هلاله ثمَّ نسي النية في بعض أيامه هل يكفيه تلك النية المتقدمة؟ قال الشيخ في المبسوط : ولو نوى قبل الهلال أجزأته النية السابقة ، إن عرض له سهو أو نوم أو إغماء ، وان كان ذاكرا فلا بد من تجديدها ، ومنع منه ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأن الصوم عبادة مشروعة تفتقر إلى نية ، ومن شرط النية المقارنة ، وإلا لجاز تقديمها مع الذكر.

الثانية : هل يجزي نية واحدة لصيام الشهر من أوله؟ قال الثلاثة : نعم ، وهو مذهب سلار وأبي الصلاح ، لأنه عبادة واحدة فيجزي فيه النية الواحدة ، فتؤثر في الشهر كله كما تؤثر في اليوم كله ، ومنع العلامة وأبو العباس ، لأن

ص: 306


1- البقرة : 184.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 1 من أبواب الصوم المندوب ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 2 و 3 من أبواب وجوب الصوم.

صوم كل يوم عبادة على حدة ، فيفتقر إلى نية منفردة.

تنبيه : حد النية التي تؤثر في الشهر كله - على القول به - ثلاثة أيام من أوله إلى الثالث ، فإن تجاوز الثالث لم تؤثر قطعا.

قال رحمه اللّه : ولو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا ، قيل : يجزي ، وقيل : لا يجزي ، وعليه الإعادة ، وهو الأشبه.

أقول : الإجزاء مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية ، وبه قال ابن حمزة ، لأن نية القربة كافية وقد حصلت فالزائد لغو ، وعدم الإجزاء مذهب الشيخ في باقي كتبه ، واختاره المصنف والعلّامة ، لاشتراط الجزم في النية ، والقربة كافية فيما علم انه من الشهر لا فيما لا يعلم انه منه.

واعلم ان المصنف جزم بعدم الإجزاء في المسألة السابقة من الكتاب المشروح ، قال : لا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا ، وقال العلّامة في التحرير كما قال المصنف هنا فربما توهم أنهما مسألتان مختلفتان من حيث التعدد بالشخص والجزم في أحدهما بالبطلان وذكر الخلاف في الأخرى ، وليس كذلك بل هما واحدة ، لأن موضوع البحث فيهما واحد ، إذ هو يوم الشك ، ولاتحاد علة البطلان فيهما وهو الترديد ، والقطع فيهما بحكم واحد وهو البطلان أو الصحة ، إذ القائل بالصحة في إحداهما يقول بها في الأخرى ، وإنما أورد البحث في مسألتين إيضاحا واتساعا في التفريع ، ويمكن أن يقال : إنهما مسألتان ، فموضوع الأولى - وهي التي جزم فيها بالبطلان - مطلق الصوم ، وموضوع الثانية يوم الشك ، لكن الخلاف فيهما وتوجه البحث عليهما واحد.

قال رحمه اللّه : لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثمَّ جدّد قبل الزوال ، قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.

أقول : الذي عليه أكثر الأصحاب عدم الإجزاء ، لأن النية شرط وقد

ص: 307

مضى جزء من النهار بغير نية فيبطل صومه ، وإذا بطل جزء العبادة بطلت أجمع ، ويحتمل عند المصنف الإجزاء ، لأن شرط انعقاد الصوم النية وقد حصلت قبل الزوال ، ولأنه لم يفعل ما ينافي الصوم من القدوم على شي ء من المفطرات ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ما لم يحصل الدليل الناقل عن الأصل ولم يثبت.

ولا فرق بين أن ينوي الإفطار من الليل أو ينويه في أثناء النهار بعد انعقاد الصوم ، ولا فرق في بطلان الصوم بين أن يجدد النية قبل الزوال أو لم يجددها ، هذا هو المحقق عند أكثر الأصحاب ، والشيخ قطع بالصحة مطلقا سواء جدد أو لم يجدد ، وسواء نوى القطع من الليل أو من أثناء النهار ، والمصنف فرق بين ان يكون نية القطع من الليل وبين أن يكون من أثناء النهار ، وجزم في الثانية بالصحة ولم يجزم في الاولى ، واشترط العود إلى نية الصوم قبل الزوال فيهما.

فروع :

الأول : لو صام يوم الشك بنية الوجوب من غير نية رمضان ثمَّ ظهر أنه منه ، فإن كان في أثناء النهار عدل الى رمضان بالنية ولو كان قبل الغروب بيسير ، وإن كان بعده أجزأ عن رمضان ، وبطل عما نواه.

الثاني : لو صامه قضاء عن رمضان ثمَّ أفطر قبل الزوال لم يجب عليه كفارة عن أحدهما ، أما سقوطها عن القضاء فلوقوع الإفطار قبل الزوال ، وأما سقوطها عن رمضان فلأنه لم يقصد الإفطار في رمضان ، بل في يوم الشك ، فلو لزمه الكفارة لزم تكليف الغافل وهو محال ، وإن كان إفطاره بعد الزوال ثمَّ ثبت أنه من رمضان احتمل سقوطها عنهما أيضا ، أما عن رمضان فلعدم العلم به كما قلناه أولا ، وأما عن القضاء فلعدم وقوعه صحيحا ، لأن رمضان لا يقع

ص: 308

فيه غيره ، ويحتمل وجوبها عن رمضان ، لأنه هتك صوما متعينا عليه فيكفر على ما هو عليه في نفس الأمر ، ويحتمل وجوبها عن القضاء لأنه الثابت ظاهرا في زعمه ، وقد هتك حرمته فيجب عليه الكفارة عنه.

الثالث : كما يتأدى رمضان بنية النفل ونية الواجب غيره مع عدم العلم ، كذلك يتأدى كل واجب معين بنية النفل ونية الواجب غيره مع عدم العلم به للمساواة في العلة ، وهو أنه زمان تعين للصوم فلا يقع فيه غيره.

الرابع : لو قال : (أصوم غدا من رمضان سنة مائة) مثلا وكان لسنة مائتين ، فإن كان غلطا صح الصوم ولغي الغلط ، وإن كان عمدا بطل ، لعدم قصده صوم ما وجب عليه ، أما لو كان عليه أول يوم من رمضان مثلا أو يوم من سنة خمسين مثلا ، فقال : (أصوم غدا قضاء عن اليوم الثاني من رمضان) ، أو قال : (أصوم غدا قضاء عن يوم من رمضان سنة ستين) مثلا فإنه لا يصح وإن كان ذلك غلطا ، لأنه صوم لم يتعين بزمان فلا بد من تعينه بالنية ، والذي عليه لم ينوه فلا يكون مجزيا ، أما لو لم يتعرض لليوم أو للسنة صح قطعا.

ص: 309

ص: 310

فيما يمسك عنه الصائم

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي دبر المرأة على الأظهر ، ويفسد صوم المرأة ، وفي فساد الصوم بوطي الغلام والدابة تردد وإن حرم.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الجماع في دبر المرأة مع عدم الإنزال هل يفسد الصوم ويجب الكفارة؟ قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : نعم ، واختاره المتأخرون ، لأن فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة تابع لوجوب الغسل ، وقد أوجبه أكثر الأصحاب فتجب هذه الأحكام ، وفي رواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال : إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينتقض صومها وليس عليها غسل» (1) ، وهي مرسلة.

الثانية : الجماع في دبر الغلام ، وحكمه حكم الجماع في دبر المرأة لما تقدم في باب الجنابة (2).

ص: 311


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 12 من أبواب الجنابة ، حديث 3.
2- ص 66.

الثالثة : وطي البهيمة فإن أنزل تعلقت الأحكام الثلاثة أعني وجوب الغسل والقضاء والكفارة إجماعا.

وإن لم ينزل وأغاب الحشفة ففيه ثلاثة أقوال :

الأول : قول ابن إدريس إنه لا شي ء عليه ، وهو اختيار المصنف هنا ، لأنه قال : (والأشبه أنه تابع لوجوب الغسل) ، وقد جزم في باب الجنابة بعدم وجوبه ، لأنه فرج غير مشتهى طبعا ، فلا يجب الغسل بالإيلاج فيه من غير إنزال.

الثاني : القضاء خاصة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف.

الثالث : القضاء والكفارة ، قاله السيد ، وهو ظاهر المبسوط ، وجزم به أبو العباس في المحرر وان لم يجب الغسل ، ومال العلّامة في التحرير إلى مذهب ابن إدريس.

فرعان :

الأول : إذا تساحقت امرأتان فأنزلتا وجب عليهما القضاء والكفارة ، ولو أنزلت إحداهما اختصت بالحكم ، ولو لم تنزلا فلا شي ء سوى الإثم وحكم المجبوب إذا ساحق كذلك.

الثاني : إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، أو نزع بنية الجماع وجبت الكفارة ، وإن نزع لا بنية الجماع لم يكن عليه شي ء ، هذا مع المراعاة وظن السعة ، ومع عدم المراعاة ، يجب القضاء خاصة مع النزع بغير نية الجماع.

قال رحمه اللّه : وعن الكذب على اللّه وعلى رسوله والأئمة عليهم السلام ، وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : في الكذب على اللّه ، وعلى رسوله ، وعلى الأئمة عليهم السلام متعمدا مع اعتقاد كونه كذبا يفسد الصوم ، ويجب فيه القضاء والكفارة عند

ص: 312

السيد المرتضى في الانتصار ، وهو مذهب الشيخين ، لما رواه أبو بصير في الموثق (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وقيل : فيه الإثم خاصة ، وهو مذهب الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأصالة صحة الصوم ، ولرواية محمد بن مسلم في الصحيح (2) عن الباقر عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وعن الارتماس ، وقيل : لا يحرم بل يكره ، والأول أظهر ، وهل يفسد بفعله؟ الأشبه لا ، وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف ، والأظهر التحريم وفساد الصوم ، وعن البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في الارتماس في الماء ، وفيه أربعة أقوال.

الأول : القضاء والكفارة ، وهو مذهب الشيخين والسيد في الانتصار ، لأنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

الثاني : القضاء خاصة ، وهو مذهب أبي الصلاح.

الثالث : التحريم فقط ، وهو مذهب المصنف ، واختاره العلامة.

الرابع : الكراهية خاصة نقله المصنف عن المرتضى ، لرواية عبد اللّه بن سنان في الموثق (3) عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، ولا يرتفع حدثه ولو كان جنبا على القول بالتحريم ، سواء وجب القضاء والكفارة ، أو القضاء خاصة ، أو لم يجب شي ء.

الثانية : في إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمدا ، وفيه القضاء

ص: 313


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 9.

الكفارة عند الشيخ في الجمل والاقتصاد والخلاف ، واختاره العلامة ، لأن ازدراد كل شي ء يفسد الصوم ويجب به القضاء والكفارة ، والغبار الغليظ من هذا القبيل.

ووجوب القضاء خاصة مذهب ابن إدريس ، لأصالة براءة الذمة من الكفارة ، ولرواية عمر بن سعيد (1) عن الرضا عليه السلام.

الثالثة : البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر عامدا ، ذهب الشيخان وابنا (2) بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى وجوب القضاء والكفارة ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن تعمد الإنزال نهارا موجب القضاء والكفارة ، فكذا استصحاب الإنزال ، بل هذا آكد ، لأن الأول انعقد صومه في الابتداء وهنا لم ينعقد ، ولما رواه أبو بصير في الموثق (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وقال ابن ابي عقيل يجب القضاء خاصة لأصالة براءة الذمة ولرواية عبد اللّه بن ابي يعفور (4) عن ابي عبد اللّه عليه السلام.

تنبيه : إذا طهرت الحائض والنفساء ليلا وتركت الغسل حتى تصبح عامدة ، قال ابن أبي عقيل : يفسد صومهما ويجب القضاء خاصة ، كالجنب عنده إذا أهمل الغسل عامدا ، قال العلامة : ولم يذكر أصحابنا ذلك ، استقرب في مختلفة وتحريره أن حكمهما حكم الجنب ، فإن وجبت عليه الكفارة وجبت عليهما وإلا فلا ، لاشتراك الثلاثة في كونها مبطلة للصوم وكل واحد منها

ص: 314


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2 ، وفيه : (عمرو) بدل : (عمر).
2- في «ن» و «ر 1» : ابن.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 2.

حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الاحكام ، وظاهر الشهيد في الدروس موافقة ابن أبي عقيل.

قال رحمه اللّه : وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى.

أقول : الإمناء إما عقيب النظر ، أو الملاعبة ، أو التسمع فهنا ثلاث مسائل.

الأولى : في الإمناء عقيب النظر ، وفيه أقوال :

الأول : لا شي ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف ، لأصالة صحة الصوم ، وأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة ، ولم يفرقوا بين المحللة والمحرمة.

الثاني : قال الشيخ في المبسوط بوجوب القضاء بالنظر إلى المحرمة دون المحللة.

الثالث : قول العلامة ، وهو إن قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا ، سواء كانت محرمة أو محلله ، لوجود هتك حرمة الصوم بإنزال الماء متعمدا فكان كالمجامع ، وان لم يقصد فأنزل لتكرار النظر فسبق الماء وجب القضاء خاصة ، لأنه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده ، فكان عليه القضاء خاصة ، كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء إلى حلقه.

الثانية : الإمناء عقيب الملاعبة والملامسة ، فإن قصد الإنزال كفّر قطعا ، وإن لم يقصد فكذلك على المشهور ، لأنه أنزل في نهار رمضان عقيب فعل يحصل معه الإمناء فكان كالمجامع ، ولرواية أبي بصير (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ص: 315


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 5.

وقال ابن الجنيد : يجب القضاء خاصة ، لأنه أنزل من غير قصد فلا يجب عليه الكفارة ، كالمتمضمض للتبرد.

الثالثة : في الإمناء عقيب التسمع ، وفيه أقوال :

الأول : لا شي ء عليه ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، ومذهب ابن أبي عقيل ، واختاره المصنف ، لأصالة (صحة الصوم و) (1) براءة الذمة.

الثاني : وجوب القضاء خاصة ، وهو مذهب المفيد وأبي الصلاح الحلبي.

الثالث : وجوب القضاء والكفارة مع قصد الإنزال ، ووجوب القضاء خاصة لا معه ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، ووجهه ما تقدم في النظر.

والتحقيق : أن النظر والسماع إن حصل اتفاقا فأمنى عقبه فلا شي ء عليه مطلقا ، سواء كان معتادا أو غير معتاد ، وإن قصدهما وجب القضاء والكفارة مطلقا أيضا ، وإن قصد النظر خاصة ، فإن كان من عادته الإمناء عقيب النظر كفّر ، وكذلك إن كان من عادته عقيب تكرار النظر فكرره فأمنى ، ولو لم يكن من عادته مطلقا أو من عادته عقيب التكرار فأمنى عقيب نظره لزمه القضاء خاصة.

وحكم الاستماع حكم النظر ، وكذلك الملاعبة والملامسة إلا أنهما لا يتصوران اتفاقا ، فإن قصد بالملاعبة الإمناء كفّر مطلقا ، ومع عدم قصد الإمناء يرجع إلى العادة وعدمها ، فيكفر مع العادة ويقضي خاصة مع عدمها ، ولا فرق بين المحللة والمحرمة.

فرع : إذا خيل في نفسه صورة الفعل فإن قصد الإمناء فأمنى كفّر ، وإن لم يقصد الإمناء وكان من عادته الإمناء عند ذلك كفّر أيضا ، وإن لم يكن من

ص: 316


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن».

عادته ، بل حصل اتفاقا كان عليه القضاء خاصة ، لأنه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده فكان عليه القضاء خاصة ، ولو لم يقصد إلى تخيل الفعل ، بل خطر في خاطره فأمنى لم يجب عليه شي ء ، سواء كان معتادا أو لم يكن ، لعدم قصد الإفساد ومقدمته ، ودفع ما يخطر بالبال غير مقدور.

قال رحمه اللّه : والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم على تردد.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، ومن أنه مائع وصل إلى الجوف فكان مبطلا للصوم ، كما لو وصل من الفم ، إذ تحريم الأكل والشرب ليس لكونه في الفم قطعا ، لأن الإجماع منعقد على أن كل ما دخل في الفم ولم يتعد إلى الجوف لم يبطل الصوم ، وإذا كان التحريم لأجل الوصول الى الجوف تحقق ذلك مع الوصول اليه مطلقا ، سواء كان من الفم أو من غيره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والجمل ، واختاره العلّامة في المختلف ، ولم يفرق بين المائع ، والجامد ، فأوجب القائل بالفساد القضاء ، والمرتضى أطلق كراهة الحقنة ولم يفصل بين المائع والجامد ، وأطلق أبو الصلاح وجوب القضاء من غير تفصيل أيضا ، وذهب أبو العباس في مقتصره ومحررة إلى مذهب المصنف هنا وهو كراهة الجامد ، وتحريم المائع ، ووجوب القضاء به.

قال رحمه اللّه : ومن أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه القضاء ، وفي وجوب الكفارة تردد ، والأشبه الوجوب.

أقول : منشؤه من أنه أفطر عامدا وهتك صوما صحيحا فكان عليه الكفارة كغيره ، ومن أنه لم يقصد هتك الصوم الصحيح وإنما ظن الفساد ، فأكل فكان كالناسي.

قال رحمه اللّه : ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع مع الاختيار لم يفسد صومه ، ولو خوّف فأفطر وجب القضاء على تردد ، ولا كفارة.

ص: 317

أقول : الإكراه على قسمين :

أحدهما : يبلغ حد الإلجاء - وهو الذي لا يبقى للمكره معه قصد النية - وذلك إنما يكون مع الصب في حلقه ، ويفهم من قول المصنف هنا الفرق بين الصب في الحلق وبين الإكراه الذي يرفع القصد ، وغيره لم يفرق.

والثاني : لا يرفع القصد بالكلية - وهو أن يتوعد على الفعل فيفعله بنفسه - فهو كالمختار.

ففي الأول لا يفسد صومه قطعا ، والثاني فيه خلاف ، قال في المبسوط بفساد صومه ، لأنه فعل المفطر اختيارا فيفسد صومه ، وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن عموم قوله عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (1) وهذا مكره.

قال رحمه اللّه : وقيل : بل هي على الترتيب ، وقيل : يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات ، وبالمحلل كفارة ، والأول أكثر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : كفارة رمضان وقد اختلف الأصحاب فيها ، هل هي مخيّرة أو مرتبة؟ فالتخيير مذهب الشيخ والمفيد وسلّار وأبي الصلاح وابني (2) بابويه وابن إدريس ، وعليه المتأخرون ، وقال الحسن بن أبي عقيل : إنها مرتبة ، واستدل الجميع عليه بالروايات (3).

الثانية : الإفطار بالمحرم هل يجب به كفارة الجمع أو كفارة واحدة؟

ص: 318


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 56 من أبواب جهاد النفس ، حديث 3 وغيره.
2- في «ن» و «ر 1» و «ر 2» : ابن.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

بالأول قال ابن بابويه وابن حمزة والشيخ في الخلاف ، واختاره فخر الدين والشهيد وأبو العباس ، والأكثر على أنها كفارة واحدة ، لأصالة براءة الذمة من الزائد ، واستدل الفريقان بالروايات (1).

فرع : لو عجز من وجب عليه كفارة الجمع عن بعضها هل ينتقل إلى البدل؟ فيه نظر ، من أصالة براءة الذمة والاقتصار على مورد النص ، وهو الانتقال في المخيرة تخييرا والمرتبة ترتيبا ، وفي كفارة الجمع الثلاثة واجبة بالأصالة فلا يكون بعضها بدلا عن بعض ، ومن مساواتها للمرتّبة في العلة وهي العجز عن الأصل مع القدرة على البدل ، وكون البدل واجبا عليه بالأصل غير مانع من وجوبه ثانيا بالبدلية ، لقبول المحل لهما.

قال رحمه اللّه : إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيرة ، وقيل : كفارة يمين ، والأول أظهر.

أقول : القول بأنها كفارة يمين هو قول ابن بابويه ، والمشهور أنها كبيرة مخيرة والمستند الروايات (2).

قال رحمه اللّه : الكذب على اللّه وعلى رسوله ، وعلى الأئمة عليهم السلام حرام على الصائم وغيره ، وإن تأكد في الصائم ، لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه.

السادسة : الارتماس حرام على الأظهر ، ولا تجب به كفارة ولا قضاء ، وقيل : يجبان به ، والأول أشبه.

ص: 319


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 8 و 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 7 من أبواب بقية الصوم الواجب ، والباب 2 من أبواب كتاب النذر والعهد.

السابعة : لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح ، ويحرم بالمائع.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسائل كلها فلا وجه للإعادة (1).

قال رحمه اللّه : من أجنب ونام ناويا للغسل ، ثمَّ انتبه ثمَّ نام كذلك ، ثمَّ انتبه ونام ثالثة حتى طلع الفجر ، لزمته الكفارة على قول مشهور ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من أن الكفارة إنما تجب مع التهجم على انتهاك حرمة الصوم بتناول المفطر عامدا وهذا ليس كذلك ، ومن أنه بعد الانتباهتين يكون كالمتعمد لترك الغسل.

فرع : لا فرق بين أن تكون النومات الثلاث في ليلة واحدة أو ليلتين أو ثلاث ، كما لو أجنب ونام ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر فلم يغتسل في النهار ، ثمَّ نام الليلة الثانية ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر فلم يغتسل في النهار ، ثمَّ نام الثالثة ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر كان عليه في اليوم الثالث القضاء والكفارة ، وفي الثاني القضاء خاصة ، ولا شي ء عليه في اليوم الأول.

ولو نام في الأولى نومتين ، وفي الثانية نومة مع نية الغسل وعدم الانتباه حتى يطلع الفجر كان عليه في اليوم الأول القضاء خاصة وفي الثاني القضاء والكفارة ، ولو انعكس لم يلزمه في الأول شي ء ، وفي الثاني القضاء والكفارة.

قال رحمه اللّه : ومن نظر الى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا يجب ، وهو الأشبه ، وكذا لو كانت محللة لم يجب.

أقول : قد سبق البحث في هذه مستوفاة فلا وجه للإعادة (2).

ص: 320


1- ص 317.
2- ص 315.

قال رحمه اللّه : لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح ، فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه ، ولو فعل ذلك عبثا ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : يحتمل عدم الفساد ، لعدم قصده الابتلاع فكان كالأكل سهوا ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ويحتمل وجوب القضاء ، لأنه أبلغ من التمضمض للتبرد ، وهو يوجب القضاء في سبق الماء الى الحلق فيه ، فوجوبه بهذا أولى ، لأن التمضمض للتبرد لغرض صحيح ، وهذا ليس لغرض صحيح فيكون أولى بوجوب القضاء.

فرعان :

الأول : لو تمضمض للطهارة فسبق الماء إلى حلقه لم يفطر ، ولا فرق بين أن تكون لصلاة واجبة أو مندوبة على المشهور ، وفي رواية عن الصادق (1) عليه السلام وجوب القضاء إن كان لصلاة مندوبة.

الثاني : هل حكم الاستنشاق حكم المضمضة؟ فيه نظر ، من المساواة في العلة - وهو كونه مندوبا اليه - كالمضمضة ، ومن عدم النص. وظاهر الشهيد عدم الفرق.

قال رحمه اللّه : ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء ، والأشبه القضاء والكفارة ، وفي السهو لا شي ء عليه.

أقول : إذا تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فابتلعه عامدا ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : وجب عليه القضاء ، وقال المصنف بوجوب القضاء والكفارة ، واختاره العلامة ، لأنه تناول المفطر عامدا فوجب

ص: 321


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

القضاء والكفارة ، كما لو ازدرده من خارج.

قال رحمه اللّه : وقيل : صب الدواء في الإحليل حتى يصل الجوف يفسده ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة لعدم ورود النص عليه ، ومن أنه أوصل إلى جوفه مفطرا فكان كالحقنة بالمائع ، واختاره العلامة في المختلف.

فرع : لو طعن الصائم نفسه طعنة وصلت إلى جوفه ، أو أمر غيره أن يفعل به ذلك ففعل ، قال الشيخ في المبسوط : فسد صومه ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه أوصل الجامد إلى جوفه اختيارا فكان كما لو ازدرده.

وقال في الخلاف : لا يفسد ، واختاره ابن إدريس ، لأصالة صحة الصوم وأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء.

قال رحمه اللّه : ما له طعم كالعلك ، قيل : يفسد الصوم ، وقيل : لا يفسده ، وهو الأشبه.

أقول : الإفساد مذهب الشيخ في النهاية ، لأن أجزاء ذي الطعم تشيع في الفم وتتعدى مع الريق إلى المعدة ، وأجيب بأن تخلل الأجزاء غير معلوم ، والريق ينفعل بكيفية ذي الطعم ، والأصل صحة الصوم وعدم وجوب القضاء.

قال رحمه اللّه : وتتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة ، وإن كان في واحد ، قيل : تتكرر مطلقا ، وقيل :

إن تخلّله التكفير ، وقيل : لا تتكرر ، وهو الأشبه سواء كان من جنس واحد أو مختلفا.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، قال الشيخ وابن حمزة بعدم التكرار مطلقا ، واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة من الزائد على ما وقع عليه الإجماع ، ولعدم الهتك بالفعل الثاني ، لأنه لم يقع في صوم صحيح ،

ص: 322

فكما لا يتكرر القضاء لا يتكرر الكفارة ، وقال السيد المرتضى يتكرر بتكرر الوطئ مطلقا ، واختاره الشهيد لما روي عن الرضا عليه السلام : «الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ» (1).

وقال ابن الجنيد بالتكرر مع تخلل التكفير ، وعدمه مع عدمه ، وقال العلامة في القواعد والمختلف بالتكرر مع تغاير السبب ، كالأكل والجماع واختاره الشهيد ، لأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات فلا تتداخل مع الاجتماع.

قال رحمه اللّه : ومن فعل ما يجب به الكفارة ثمَّ سقط فرض الصوم لسفر أو حيض وشبهه ، قيل : تسقط الكفارة ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : عدم السقوط مذهب الشيخ رحمه اللّه واختاره المصنف والشهيد ، لأنه أفطر عامدا في صوم واجب في رمضان فوجب عليه الكفارة واستقرّت في ذمته ، لأن سببها التهجم على انتهاك حرمة الصوم وقد فعله ، وقيل بالسقوط ، واختاره العلامة وولده (فخر الدين) وأبو العباس في المحرر إذا كان المسقط من جهة اللّه تعالى ، كالمرض والجنون والإغماء والحيض والنفاس ، أو كان سفرا ضروريا لا اختياريا ، لأن هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم اللّه تعالى وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر ، فلا يجب فيه الكفارة وإلا لزم التكليف بالمحال ، لأنه لو كان مكلفا في أول اليوم بالصوم المشروط بالطهارة مثلا في جميع اليوم مع تعذر حصولها في باقيه ، لزم التكليف بالمحال.

فرعان :

الأول : إذا فعل ما يجب معه الكفارة ، ثمَّ أعتق عبدا عنها ، ثمَّ سقط فرض الصوم بالعذر الضروري بطل العتق ، لبطلان موجبه وهو الكفارة.

ص: 323


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث 3.

الثاني : لو دفع ستين مدا إلى ستين مسكينا ، ثمَّ سقط فرض الصوم كان له ارتجاعها مع بقاء العين لا مع تلفها ، لأنهم قبضوها صدقة والصدقة لا يتعقبها ضمان ، ويحتمل الضمان لبطلان السبب الموجب لقبضها.

قال رحمه اللّه : وكذا لو كان الإكراه لأجنبية ، وقيل : لا يتحمل هنا ، وهو الأشبه.

أقول : لو أكره أجنبية على الفجور بها ، هل يتحمل عنها كالزوجة؟

قال الشيخ : ليس لأصحابنا فيه نص ، والذي يقتضيه الأصل أن عليه كفارة واحدة ، وحملها على الزوجة قياس لا نقول به ، قال : ولو قلنا إن عليه كفارتين لعظم الإثم كان أحوط ، وهو مذهب العلامة ، واستقربه الشهيد في دروسه ، لأن الكفارة عقوبة على الذنب وهو في الأجنبية أفحش.

فروع :

الأول : حكم الأمة حكم الزوجة ، لمساواتها لها في الحكم ، ويحتمل العدم لعدم النص.

الثاني : لو وطأها نائمة احتمل تحمل الكفارة ، لمساواته للإكراه لعدم رضاها ، ويحتمل العدم ، لأصالة براءة الذمة ، ولإمكان رضاها لو كانت مستيقظة.

الثالث : لو أكره أجنبي الزوجين على الجماع احتمل تحمله عنهما ، لأنه أكرههما على فعل يجب معه الكفارة لو فعلاه اختيارا فيتحملها عنهما مع الإكراه كالزوج ، ويحتمل العدم ، لأصالة البراءة ، وعدم مباشرة المكره للفعل ، ولأن صومهما لم يفسد فلا كفارة.

الرابع : لو أكره المسافر زوجته احتمل تحمله عنها للعموم (1) ، واحتمل

ص: 324


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

عدم التحمل ، لكونه مباحا له غير مفطر لها.

الخامس : لو أكرهته على الجماع احتمل تحملها عنه لمساواته إكراهه لها ، واحتمل العدم ، لعدم تحقق الإكراه في طرفه ، لأن الخوف يمنع العضو عن الانتشار فلا يتحقق الإكراه.

ص: 325

ص: 326

في الزمان الذي يصح فيه الصوم

قال رحمه اللّه : ولو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين لم يصح صومه ، وهل يجب قضاؤه؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : قال الشيخ في موضع من المبسوط بعدم القضاء ، وبه قال ابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وقال في موضع آخر من المبسوط : يجب القضاء ، لأنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ، ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء.

ص: 327

ص: 328

في من يصح الصوم منه

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا سبقت من المغمى النية كان بحكم الصائم ، والأول أشبه.

أقول : القول المشار إليه هو قول المفيد رحمه اللّه ، لأنه قال : إذا أغمي على المكلف قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثمَّ أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام ، فإن استهل عليه الشهر وهو يعقل ، فنوى صيامه وعزم عليه ، ثمَّ أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ، ثمَّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ، لأنه في حكم الصيام بالنية والعزيمة على أداء الفرض.

والمشهور أنه ليس بحكم الصائم ولا يجب عليه القضاء ، سواء كان الاغماء قبل استهلال الشهر أو بعده ، وسواء سبقت منه النية أو لم تسبق ، لأنه غير مكلف بالصوم لعدم حصول شرط التكليف ، وهو العقل.

قال رحمه اللّه : والنذر المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور.

أقول : قد جرت عادة المصنف رحمه اللّه بالإشارة إلى ما استضعف سنده مع عمل الأصحاب به بالمشهور ، كما ذكرناه في مقدمة الكتاب ، وهذه المسألة

ص: 329

لا خلاف فيها عند علمائنا ، ومستندهم رواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام «قال : سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال : يصوم أبدا في السفر والحضر» (1) قال الشيخ رحمه اللّه : يحمل هذا على من نذر يوما معينا وشرط صومه حضرا وسفرا ، واستدل على هذا التأويل برواية علي بن مهزيار ، قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل سبت ، فإن أنا لم أصمه ما الذي يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته : لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك» (2) وضعفها من كونها مشتملة على المكاتبة.

قال المصنف في المعتبر : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

قال رحمه اللّه : وهل يصوم مندوبا؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : اختلف علماؤنا في صوم التطوع في السفر ، قال المفيد : لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة ، الأربعاء والخميس والجمعة عند قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام ، وقال الشيخ : يكره صوم النوافل في السفر على كل حال ، وقد وردت رواية (3) في جواز ذلك ، فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا أن الأحوط ما قدمناه.

وقال ابن حمزة : صيام النفل في السفر ضربان : مستحب ، وهو صيام ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وجائز : وهو ما عدا

ص: 330


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث 7.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 10 من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث 1.
3- النهاية : 162.

ذلك ، وروي كراهة صوم النافلة في السفر ، والأول أثبت (1).

وقال ابن البرّاج : إنه مكروه. واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، لقوله عليه السلام : «ليس من البر الصيام في السفر» (2) ، وهو عام في الفرض والنفل ، والروايات (3) في هذا المعنى كثيرة.

قال الشيخ : لو خلينا وظاهر هذه الأحاديث لقلنا : إن صوم التطوع في السفر محظور كما أن صوم الفريضة محظور ، غير أنه ورد (4) فيه من الرخص ما نقلناه من الحظر إلى الكراهية ، قال ابنا بابويه : لا يصام في السفر تطوعا ولا فرضا.

واستثني من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة ، لأن الصوم في السفر منهي عنه ، والنهي يدل على التحريم.

قال رحمه اللّه : ولو استيقظ جنبا بعد الفجر لم ينعقد قضاء صومه عن رمضان ، وقيل : ولا ندبا.

أقول : إذا أصبح الصائم جنبا ولم يعلم بالجنابة من الليل صح صوم رمضان ، والنذر المعين خاصة دون غيره من الواجب والندب ، هذا مذهب الشيخ رحمه اللّه ، والمصنف لم يجزم بغير قضاء رمضان ، لرواية ابن سنان في الصحيح (5) عن الصادق عليه السلام المختصة بالقضاء ، وعدم ظفره بدليل

ص: 331


1- الوسيلة : 149.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 1 من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث 10 و 11.
3- راجع الباب المتقدم.
4- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم.
5- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

موجب للحكم بغيره ، والقول الذي أشار إليه في الندب - وهو قول الشيخ - نقله عنه العلامة في التحرير ولم نجزم به أيضا ، فعلى قول الشيخ لو أصبح جنبا في صوم الكفارة فسد صوم ذلك اليوم ولم ينقطع به التتابع لعدم تهجمه على انتهاك حرمة الصوم اختيارا.

قال رحمه اللّه : والبلوغ الذي تجب معه العبادات : الاحتلام أو الإنبات ، أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر ، وتسع في النساء.

أقول : لا خلاف في البلوغ بالقسمين الأولين ، ولا فرق فيهما بين الرجال والنساء ، وانما الخلاف في البلوغ بالسنين ، وبالخمس عشرة قال جمهور الأصحاب ، وقال ابن الجنيد ببلوغ أربع عشرة ، والمشهور في النساء البلوغ ببلوغ تسع سنين ، وقيل : عشر سنين.

وأما الخنثى فإن أمنى من الفرجين حكم ببلوغه ، وكذا ان أمنى من فرج الرجال وحاض من فرج النساء ، ولو امنى من فرج واحد احتمل الحكم ببلوغه ، لاشتراك الذكور والإناث في البلوغ بالمني ، ويحتمل العدم ، لأن الحكم بالبلوغ مع خروج المني هو المني المتحقق خروجه من فرج الرجل أو المرأة ، وهو في الخنثى غير متحقق ، لأن أحد الفرجين زائد بيقين وهو غير معلوم ، فيحتمل كونه هو الذي خرج منه المني ، فيكون خروج المني من غير الفرج ، وهو ليس معتبرا ، فلا يحكم بالبلوغ مع الشك بسببه.

ص: 332

في شهر رمضان

اشارة

قال رحمه اللّه : أو يرى رؤية شائعة ، فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان ، قيل : لا تقبل ، وقيل : تقبل مع العلة ، وقيل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر

أقول : القبول مطلقا هو قول السيد وابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد وأبو العباس وقبول العدلين مع العلة ، ومع العدم لا يقبل إلا القسامة مذهب أبي الصلاح ، ومستند الجميع الروايات (1).

فروع :

الأول : إذا رأى الهلال عدلان ولم يشهدا عند الحاكم ، أو شهدا وردّت شهادتهما لعدم معرفته بهما ، وجب الصوم على من سمع شهادتهما إذا عرف عدالتهما ، وكذا يجب الإفطار ، لقوله عليه السلام : «إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا» (2).

الثاني : إذا صاموا بشهادة العدلين ، فان رؤي الهلال ليلة إحدى وثلاثين

ص: 333


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- راجع المصدر المتقدم. وبمضمونه أحاديث كثيرة ، ولم نعثر عليه بلفظه.

فلا بحث ، وإن لم ير فيها ، قال أكثر العلماء بالإفطار ، لأنهما لو شهدا ابتداء على هلال شوال لوجوب الإفطار ، فيكون الإفطار على ما أثبتاه أولا بشهادتهما أولى.

وذهب مالك الى عدم الإفطار ، لأنا اتبعنا قولهما على الظن ، وقد تبيّنا خلافه فلا يجوز الإفطار.

ويتفرع على هذا ما إذا شهدا بهلال شوال وأفطرت الناس ثمَّ لم ير بعد ثلاثين من شهادتهما ، قضي أول يوم أفطر فيه الناس لظهوره من رمضان ، ولا كفارة للشبهة.

الثالث : لو اختلف الشاهدان في الاستقامة والانحراف بطلت شهادتهما بالنسبة إلى غيرهما ، ولو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة قبلت لعدم التضاد.

الرابع : لا يكفي قول الشاهد : (اليوم الصوم أو الفطر) ، لاحتمال استناده الى عقيدته ، بل يجب على الحاكم استفساره. وهل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ يحتمل ذلك لوجوب قبول قوله في جميع الأحكام ما لم يعلم الخطأ ، وهو هنا غير معلوم ، واختاره الشهيد في دروسه ، ويحتمل العدم ، لعموم (1) عدم ثبوت الهلال بقول الواحد على غير مذهب سلّار ، فإنه قبل قول الواحد في رمضان خاصة احتياطا للصوم ، هذا إذا قال : (اليوم الصوم أو الفطر).

أما إذا قال : (رأيت الهلال) ، لم يقبل وحده ، لكونه شاهدا حينئذ ، وهو لا يثبت بشهادة الواحد ، وهل يجب استفساره على السامع؟

يحتمل الوجوب مطلقا ، لاحتمال استناده إلى عقيدته مع احتمال مخالفتها عقيدة السامع.

ص: 334


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان.

ويحتمل العدم مطلقا ، لقبول قول الحاكم ووجوب اتباعه على ما ثبت عنده من الاحكام وان لم يثبت عند غيره.

ويحتمل وجوب الاستفسار على المجتهد دون غيره ، إذ غير المجتهد فرضه التقليد وقد أفتاه الحاكم فيجب عليه العمل بما أفتاه به ، والمجتهد لا يجوز له التقليد ، فلو لم يستفسره عن وجه الصوم أو الإفطار لينظر في وجه الحكم ، ويعمل على ما يثبت صحته عنده لكان مقلدا للحاكم مع تحريم التقليد عليه ، فوجب استفساره.

الخامس : لو حصل الشياع بقول النساء أو الفسّاق ثبت الهلال ، لأن الشياع لا يشترط فيه أن يكون ممن يقبل شهادته.

قال رحمه اللّه : ولو صام بنية رمضان لأمارة ، قيل : يجزيه ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : إذا نوى صوم يوم الشك من شهر رمضان لأمارة مثل قول المنجمين ، أو شهادة الواحد العدل على القول بعدم وجوب العمل بمذهب سلّار ، أو شهادة الفساق ثمَّ ظهر أنه من رمضان ، احتمل الإجزاء هنا ، لأنه نوى الواجب في نفس الأمر مستندا إلى ظن قد انكشف صدقه فيخرج به من العهدة ، ويلزم ابن أبي عقيل وابن الجنيد العمل به ، لأنهما قالا بالاجزاء من غير أمارة فمع الإمارة أولى ، وكذا الشيخ في الخلاف فإنه أفتى بالاجزاء.

ويحتمل عدم الإجزاء ، لأنه اعتقد وجوب ما ليس بواجب عليه ظاهرا حالة النية وإنما تكليفنا بالظاهر ، واعتقاد وجوب غير الواجب ظاهرا قبيح وإن كان واجبا في نفس الأمر ، والقبيح منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد فيفسد صومه ، وهو مذهب معظم الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولو غمت شهور السنة عدّ كل شهر منها ثلاثين ، قيل :

ص: 335

ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وقيل : يعمل في ذلك برواية الخمسة ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط - وحكاه عن قوم من أصحابنا - قال : ومتى غمّت شهور السنة كلّها عدّها ثلاثين ثلاثين ، فإن مضت السنة ولم يتحقق فيها هلال شهر واحد ففي أصحابنا من قال : يعد الشهور كلها ثلاثين ثلاثين ، قال : ويجوز عندي العمل على هذه الرواية التي وردت بأنه يعد من السنة الماضية خمسة أيام ، ويصوم اليوم الخامس ، لأن المعلوم أن لا تكون الشهور كلها تامة (1).

وهي رواية عمران الزعفراني قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية ، وعد منه خمسة ، وصم اليوم الخامس» (2) وبه قال العلّامة في المختلف لقضاء العادة بعدم تمام شهور السنة ، ولا يجوز السند على ما يعلم انتفاؤه ، وانما يبنى على مجاري العادات ، والعادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة ، واختاره في تحريره أيضا ، وقال في القواعد : وإذا غمت شهور السنة فالأقرب العمل بالعدد ، وقال في الإرشاد : فالأولى العمل بالعدد.

واختلف في تفسير العدد ، قال في التذكرة : ولا اعتبار بالعدد خلافا لقوم من الحشوية ذهبوا إلى انه معتبر وأن شهور السنة قسمان : تام وناقص ، ورمضان تام ابدا وشعبان ناقص ، وبهذا التفسير فسره صاحب الدروس ، والظاهر أن مراد العلامة في اختياره العمل بالعدد غير هذا العدد الذي نقله في

ص: 336


1- المبسوط 1 : 268.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 10 من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث 3.

التذكرة عن الحشوية ، وذكره صاحب الدروس ، لأن هذا لم يعمل به أحد من الأصحاب ، بل يحتمل أمرين.

الأول : ما ذكره المصنف وهو اعتبار عدد الجميع ثلاثين ثلاثين ، لأن الشهر جملة من الزمان محفوفة بهلالين أو ثلاثين يوما ، وإذا تعذر علمه بالأهلّة لم يبق غير العدد ، والأصل عدم النقيصة ، ويكون موافقا لما نقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.

والآخر : رواية الخمسة ، وعليه شرح فخر الدين في إيضاحه ، لأنه مذهب والده في المختلف والتذكرة والتحرير ، ثمَّ قال في آخر بحثه : والأقوى عندي ما قواه المصنف في الدرس ، وهو العمل بالعدد أعني كل شهر ثلاثين ثلاثين ، يعني بالمصنف والده رحمهما اللّه.

ص: 337

ص: 338

في القضاء

اشارة

قال رحمه اللّه : فلا يجب على الصبي ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل

الأولى : في الصبي ، قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف : الصبي إذا نوى الصوم وبلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك ، وقال في كتاب الصلاة منه : إذا دخل في الصوم ثمَّ بلغ أمسك بقية النهار تأديبا ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة ، لأن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، وهو في أول النهار لم يكن مكلفا بالصوم فلا يقع التكليف به في تاليه ، واحتج الشيخ على الأول بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار ، فيجب عليه إتمامه.

الثانية : في المجنون ، قال في الخلاف : إذا أصبح مجنونا وأفاق ، في بعضه ونوى فلا قضاء عليه ، وهو يدل على وجوب الصوم عليه ، والمشهور عدمه ، لما تقدم في المسألة الأولى.

ص: 339

الثالثة : المغمى عليه ، وقد سبق (1) البحث فيها فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحبابا ويصوم ما يستقبله وجوبا ، وقيل : يصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وان ترك قضى ، والأول أشبه.

أقول : القول بوجوب الصوم مع الإسلام قبل الزوال هو قول الشيخ في المبسوط ، لأنه زمان يصح فيه ابتداء الصوم فوجب أن يصح صومه كالناسي.

وأجيب بأنه إنما يصح ابتداء الصوم في موضع يصح ابتداء النية كالناسي بخلاف موضع النزاع ، إذ الكافر لا يصح منه النية حالة (2) كفره ، وقال في النهاية بعدم الوجوب واختاره المصنف والعلّامة ، لأنه لم يكن من أهل الصوم في أول النهار وقد بينا أن الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، فلا ينعقد مع تجديد النية.

قال رحمه اللّه : وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا ، وقيل : بل يستحب التفريق للفرق ، وقيل : يتابع في ستة ويفرق في الباقي للرواية ، والأول أشبه.

أقول : المشهور أفضلية التتابع في القضاء ، ذهب اليه الشيخ رحمه اللّه وأبو الصلاح وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلّامة ، لأنه مسارعة إلى فعل الخير ومبادرة إلى براءة الذمة ، ولأنه أحوط.

وذهب المفيد رحمه اللّه إلى أفضلية التفريق ، ليحصل الفرق بين الأداء

ص: 340


1- ص 329.
2- وردت هنا زيادة في «ن» و «ي 1» و «ر 2» وهي : (الصوم في أول النهار ، وقد بينا ان الصوم عبادة لا تقبل التجزئة ، فلا تنعقد مع تجديد النية حالة).

والقضاء ، ولا يحصل إلا به فيكون أولى ، وللرواية المتضمنة لتتابع الستة وتفريق الباقي ، وهي رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أياما ، وليس له ان يتابع أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أو عشرة أفطر بينها يوما» (1).

قال رحمه اللّه : وان استمر المرض الى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر ، وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام.

أقول : سقوط القضاء مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلّامة وأبو العباس ، لأن العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء ، فوجب أن يسقط عنه القضاء كسقوط الأداء.

وعدم السقوط مذهب ابن إدريس وأبي الصلاح ، لعموم قوله تعالى : ( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (2) ، لأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالدين.

فرع : لو كان العذر غير المريض كالسفرة الطويلة بحيث يمتد إلى الرمضان الثاني تعين القضاء بعد الثاني ولم يعوض عنه بالفدية ، لاختصاص النص (3) بعذر المرض.

قال رحمه اللّه : ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله ، إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضى ولو مات مسافرا على رواية.

ص: 341


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 26 من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث 6.
2- البقرة : 185.
3- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 25 من أحكام شهر رمضان.

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «في رجل سافر في شهر رمضان فيموت؟ قال يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها ، والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لم يقض عنه» (1) ، وبمضمونها افتى الشيخ في التهذيب.

والمشهور مراعاة التمكن ، فان تمكن من القضاء ولم يقض وجب على وليه القضاء عنه ، ومع عدم التمكن لم يجب القضاء ، لأن وجوب القضاء على الولي تابع لوجوبه على الميت ، وغير المتمكن لا يجب عليه فلا يجب على وليه.

قال رحمه اللّه : ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن لفظة الولي يراد بها الواحد ، والتعدد ضد الوحدة فيسقط القضاء ، لأصالة البراءة ، والاقتصار على مورد النص (2) وهو الولي الواحد ، ومن أن كل واحد من المتعددين لو انفرد لوجب عليه قطعا فلا يسقط مع الاجتماع ، وعلى هذا جمهور الأصحاب وابن إدريس على الأول ، وقال ابن البرّاج بالقرعة إذا لم يتبرع به أحدهم.

فروع :

الأول : لو تبرع غير الولي بالقضاء احتمل قويا الاجزاء ، لأنه كالدين فيجوز التبرع بقضائه ، ويحتمل العدم ، لأنه حق بدني وجب على مكلف به وجوبا شرعيا ، فلا يجوز التبرع به عن الغير كالعبادة اللازمة للمكلّف بالأصل ، واستقرب في التحرير عدم الإجزاء مع عدم إذن الولي ، ومعه قال : فيه نظر ، ولم يفت بشي ء.

ص: 342


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أحكام شهر رمضان ، حديث 15.
2- راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أحكام شهر رمضان.

الثاني : لو استأجر الولي غيره جاز ، سواء كان عاجزا أو قادرا عليه ، وكذا الكلام في الصلاة ، وهو اختيار الشهيد وأبي العباس ، ويحتمل المنع لما قلناه في الفرع الأول.

الثالث : لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم ، ولو كان عليه عشرة أيام وصامها عنه عشرة في يوم واحد أجزأ ، بخلاف الصلاة فإن الترتيب فيها واجب.

الرابع : لو مات الولي ولم يقض ، فإن لم يتمكن من القضاء فلا شي ء على وليّه ، وإن تمكن اختار الشهيد الوجوب على وليّه ، ويحتمل الصدقة من تركته ، والاستيجار.

الخامس : لا فرق فيما يجب قضاؤه عن الميت بين أن يكون لازما بالأصل كرمضان ، أو بالعارض كالنذر وشبهه ، إذا تمكن من فعله ومات ولم يفعله.

السادس : إذا فضل يوم مع تعدد الأولياء كان فرض كفاية ، فإن قام به بعض سقط عن الباقين وإن لم يقم به أحدهم ألزم الجميع من غير تخصيص ، فإن استأجروا واحدا منهم عن حصصهم جاز على القول بجواز الاستئجار ، ولو استأجروه عن الجميع بطل في قدر حصته واسترجع منه من الأجرة بقدرها ، ولو صاموه جميعهم أجزأ ، فإن كان قضاء عن رمضان وأفطروا بعد الزوال احتمل سقوط الكفارة ، لأصالة براءة الذمة واختصاصها بالقاضي عن نفسه ، ويحتمل وجوب كفارة واحدة على الجميع ، ويكون فرض كفاية على الجميع كالأصل ، ويحتمل وجوبها على كل واحد منهم بإفطاره في قضاء رمضان بعد الزوال ، ويحتمل وجوبها على من أفطر أخيرا ، لتعيّن الصوم عليه بإفطار اخوته ، ولو بقي أحدهم على الصوم لم يجب على المفطر شيئا لتحقق صوم القضاء.

السابع : لو تصدق الولي - عن كل يوم بمد - عن الواجب على الميت لم يجز ، سواء كان من مال الميت أو من مال الولي ، وظاهر الشيخ في الجمل والمبسوط الجواز ، أما لو كان عليه شهران متتابعان فصام الولي شهرا وتصدق

ص: 343

من مال الميت عن شهر أجزأ لرواية الوشاء (1) ، عن الرضا عليه السلام ، والصدقة عن الشهر الثاني ، وأوجب ابن إدريس قضاءهما إلا أن يكونا من كفارة مخيرة فيتخير.

قال رحمه اللّه : وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد.

أقول : من أن الغالب تساوي الذكور والإناث في الأحكام الشرعية ، ولأن إبراء ذمم المكلفين أمر مطلوب للشارع قضية لحكمته تعالى ورحمة منه على العالمين ، ومن اختصاص النص (2) بالوالد فلا يتعدى الى غيره ، ولأصالة براءة الذمة.

وبالأول قال الشيخ في النهاية والمبسوط والعلّامة في المختلف ، واختاره أبو العباس ، والثاني قاله ابن إدريس.

أما العبد فلا يقضى عنه على المختار عند الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وإذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء ، وقيل : يتصدق عن كل يوم بمد من تركته.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا لم يكن له ولي ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : السقوط لا إلى بدل ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف لأصالة البراءة.

الثاني : الاستيجار من التركة كالاستيجار للحج ، وهو مذهب أبي الصلاح الحلبي.

الثالث : الفدية عن كل يوم بمد ، قاله الشيخ ، واختاره العلّامة

ص: 344


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 24 من أحكام شهر رمضان ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أحكام شهر رمضان.

والشهيد ، واستند الجميع الى الروايات (1).

الثانية : إذا كان الأكبر أنثى ، قال : الشيخ بوجوب الصدقة من تركته عن كل يوم بمد ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلّامة ، وقال المفيد : فإن فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور ، فإن فقدوا فالنساء.

وفي هذا الكلام حكمان ، الأول : أن الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني :

مع فقد الذكور يكون الولي هو الأكبر من النساء ، وبه قال ابنا بابويه (2) ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، واختاره الشهيد ، قال : وهو ظاهر القدماء والاخبار ، والمختار الأول.

احتج الأولون بأصالة البراءة ، والآخرون بأنه يصدق عليه اسم الولي فيتناوله الأمر.

قال رحمه اللّه : إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله ، قيل : يقضي الصلاة والصوم ، وقيل : يقضي الصلاة حسب ، وهو الأظهر.

أقول : قضاء الصوم والصلاة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وبه قال محمد بن بابويه ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لأنه أخلّ بشرط الصوم - وهو الطهارة من الجنابة في أول النهار مع علمه بالحدث - فكان عليه القضاء ، والنسيان عذر في سقوط الإثم وما يترتب عليه من الكفارة لا في سقوط القضاء ، ولأنه لم يأت بالمأمور على وجهه فيبقى في عهدة التكليف.

وذهب ابن إدريس إلى عدم قضاء الصوم ، واختاره المصنف ، لأن الصوم ليس من شرطه الطهارة من الجنابة مع عدم الذكر ، وإلا لم يصح ممن

ص: 345


1- راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان. وصرح السيوري : بأن الحلبي قاس مسألتنا هذه على مسألة الحج ، وهو ينبئ عن عدم وجود نص له في إ.
2- في «ن» و «ر 2» : ابن بابويه.

حصلت له في النهار أو من الليل ثمَّ يغلب عليه النوم حتى يصبح ، وإنما الشرط عدم البقاء على الجنابة ، وهذا لم يتعمد فلا يبطل صومه ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ما لم يرد الدليل.

ص: 346

في الكفارات

قال رحمه اللّه : ما يجب فيه الصوم مع غيره : وهو كفارة القتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جميعا ، وألحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا على رواية.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة (1) ولا فرق بين ان يكون محرما بالأصل أو بالعارض.

قال رحمه اللّه : وفي كفارة جزاء الصيد تردد ، وتنزيلها على الترتيب أظهر ، وألحق بهذا كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها بشعر رأسها.

أقول : التخيير في كفارة الصيد مذهب ابن إدريس ، واختاره العلّامة في المختلف ، والترتيب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال محمد بن بابويه ، واختاره المصنف ، واستدل الجميع بالروايات (2) ، وسيأتي البحث في كفارة

ص: 347


1- ص 318.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد ، وباب 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام.

شق الثوب وخدش الوجه ونتف الشعر إنشاء اللّه تعالى.

فرع : المشهور أن من وجب عليه القضاء والكفارة يقدم ما شاء منهما مع اتساع الوقت ، وإن تضيق القضاء بان تضيق الرمضان الثاني وجب تقديم القضاء ، ومنع ابن أبي عقيل من صوم النذر والكفارة لمن عليه قضاء رمضان ، لأنه كالأصل ، ولأنه وجب بأصل الشرع فيكون أولى ، فالعمل على المشهور ، لاشتراك الجميع في الوجوب فمع عدم التضيق يتخير المكلف في تقديم ما شاء ، فان كان النذر معينا بزمان تعين ذلك الزمان له.

فرع آخر : لو كان عليه قضاء رمضان ونذر صوم شعبان تلك السنة ، أو كان عليه صوم شعبان دائما ثمَّ وجب عليه قضاء رمضان ، احتمل قويا تضيق القضاء في رجب لمساواة شعبان لرمضان في تعين صومه لغير القضاء ، ولو أهمله متهاونا حتى هلّ شعبان ، صام شعبان للنذر وقضى رمضان بعد رمضان ، ثمَّ يكفر عن كل يوم بمد ، وإن كان غير متهاون قضاه بعد رمضان ولا كفارة.

ويحتمل ضعيفا عدم التضيق في رجب لإطلاق الأصحاب عدم التضيق ما لم يتضيق الرمضان الثاني ، فحينئذ يتخير في شعبان إن شاء صامه عن النذر ثمَّ يقضي رمضان بعد رمضان مع الكفارة على التفصيل السابق ، وإن شاء صام القضاء ثمَّ يقضي النذر بعد رمضان ويلزمه كفارة خلف النذر ، لأن العذر ما لا يمكنه معه الفعل كالمرض أو يمكنه ولا يصح منه كالحيض ، وهذا يمكنه ويصح منه فلا عذر له.

قال رحمه اللّه : وألحق به من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا ، وفيه تردد.

أقول : الضمير في قوله : (وألحق به) أي : من وجب عليه شهر متتابع بنذر. ووجه التردد من أن حمله على النذر وعلى الحر قياس لا يجوز العمل به ،

ص: 348

فيبقى على أصالة وجوب التتابع ، ومن أن كفارة العبد نصف الحر فكما كان التنصيف في العدد فكذلك يكون في الوصف ، وكما حصل التتابع بشهر ويوم من الآخر للحر ، فكذا يحصل بنصف شهر للعبد ، لأن الشهر في معرض النقصان ، فلو أوجبنا عليه ستة عشر يوما لزدنا على حكم الشهرين.

تنبيه : لا يكفي مجاوزة النصف في الشهر المعين مطلقا ، سواء قيده بالتتابع أو لم يقيده لتعينه بالنذر. وإنما يكفي في المطلق المقيد بالتتابع ، كأن يقول : لله عليّ أن أصوم شهرا متتابعا ، فهذا يكفي فيه تتابع النصف ويجوز تفريق النصف الآخر ، وإن لم يقيده بالتتابع لم يجب تتابع شي ء منه ، ولو زاد نذر الصوم المتتابع على الشهر أو الشهرين لم يجز تفريق شي ء منه ووجب متابعة الجميع ، لوجوب مراعاة الشرط في النذر ، خرج منه الشهر أو الشهران لورود النص (1) وفتوى الأصحاب ، يبقى الباقي على المنع من مخالفة ما شرطه الناذر ، والشيخ طرد الحكم في السنة ، والمشهور الأول.

قال رحمه اللّه : وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ولو دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، والأول أشبه.

أقول : القائل بذلك هو الشيخ معتمدا على رواية زرارة (2) ، عن أبي جعفر عليه السلام ، والمشهور تحريم صوم أيام التشريق مطلقا ، سواء كان في كفارة أو غيرها ، وإنما يحرم صوم أيام التشريق على من كان بمنى لا مطلقا ، واشترط العلامة كونه ناسكا لا مطلقا ، وجزم به في القواعد ولم يجزم في التحرير ، بل قال : فيه نظر ، وأكثر فتاوي الأصحاب إطلاق التحريم من غير قيد

ص: 349


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 3 وباب 5 من أبواب بقية الصوم الواجب.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 8 من أبواب بقية الصوم الواجب ، حديث 1 و 2.

بنسك حج أو عمرة ، لإطلاق الروايات (1) الخالية عن قيد الإحرام ، وكأن العلامة نظر إلى عدم تحريم صوم أيام التشريق في غير منى فلا علة لتحريمها حينئذ في منى إلا كونه محرما بحج أو عمرة ، ولمانع أن يمنع كون الإحرام علة التحريم.

ص: 350


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 2 من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

في الصوم المكروه والمحظور

قال رحمه اللّه : وصوم الضيف نافلة بغير إذن مضيفه ، والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي.

أقول : وجه عدم انعقاده مع النهي أنه يكون صوما منهيا عنه والنهي يدل على الفساد ، ويحتمل الانعقاد ، لأصالة الصحة.

قال رحمه اللّه : وصوم الوصال ، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر ، وقيل : هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما.

أقول : مذهب الشيخين هو أن يجعل عشاءه سحوره وعليه أكثر الأصحاب ، واختاره العلامة ، لأنه مخالف لوضع الشرع لأن الشارع أوجب الصيام إلى الليل فمن تعداه كان مبدعا.

وقال ابن إدريس : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما.

تنبيه : انما يحرم الإمساك بعد الغروب ويسمى صوم الوصال على التفسيرين إذا كان مع النية ، أما لو أمسك من غير نية ولا قصد الصوم لم يكن حراما ، سواء كان بعض الليل أو كله ، ومع النية يحرم وإن قل الزمان لمخالفة الشارع ، لأن المخالفة تصدق على القليل كما تصدق على الكثير.

ص: 351

ص: 352

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ، ويزيد على ذلك تبييت النية ، وقيل : لا يعتبر ، بل يكفي خروجه قبل الزوال ، وقيل : لا يعتبر أيضا ، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه.

أقول : تبييت النية من الليل مذهب الشيخ في النهاية ، لأنه إذا لم ينو السفر من الليل أصبح صائما صوما مشروعا فلا يبطل بالسفر ، لأنه قد حصل بعد انعقاد العبادة ، وعدم اعتبار النية والاكتفاء بالخروج قبل الزوال مذهب المفيد وابن الجنيد ، واختاره العلامة وأبو العبّاس ، لأنه مع الخروج قبل الزوال يمضي عليه أكثر النهار مسافرا وكان له حكم جميعه على ما عهد في عرف الشرع من اعتبار الأكثر كاعتبار الجميع ، ولأن هذا الزمان محل النية للساهي وللجاهل بوجوب صوم ذلك اليوم ، فوجب أن يكون محل النية في الإفطار لمن تجدد له عزم السفر المنافي للصوم ، وأما وجوب الإتمام مع الخروج بعد الزوال فلأنه صام أكثر النهار ، فوجب أن يكون للأقل حكم الأكثر ، لأن حكم الأكثر حكم الجميع.

ص: 353

وأما القصر ولو خرج قبل الغروب فهو مذهب علي بن بابويه ، لصدق اسم السفر عليه فيدخل في عموم الآية (1) الموجبة للقصر على الصائم ، ولان السفر مناف للصوم والصوم عبادة فلا يقبل التجزي ، وقد حصل المنافي في جزء منه فأبطله ، فيبطل أجمع ببطلان جزئه.

قال رحمه اللّه : وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم وبالعكس ، إلا الصيد للتجارة على قول.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة في كتاب الصلاة (2).

قال رحمه اللّه : وقيل : يلزمهم الإتمام مطلقا عدا المكاري.

أقول : قد سبق (3) البحث في هذه أيضا.

قال رحمه اللّه : الهمّ والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام. ثمَّ إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط.

وقيل : إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير ، كما يسقط الصوم ، وإن أطاقا بمشقة كفّرا ، والأول أظهر.

السابعة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان ، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الشيخ والشيخة لو عجزا عن الصيام أفطرا وسقط القضاء عنهما ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ وابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن البرّاج

ص: 354


1- البقرة : 184.
2- ص 225.
3- ص 226.

بالوجوب ، واختاره المصنف وأبو العباس في المحرر ، وبه قال الشهيد ، والمستند الأحاديث (1).

وقال المفيد تسقط الكفارة مع تحقق العجز ويجب إن طاقاه بمشقة ، وبه قال السيد المرتضى وسلار وابن إدريس ، واختاره العلامة ، لقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (2) دلّ بمفهومه على سقوط الفدية عن الذي لا يطيقه ، ولأنه عاجز عن الصوم فيسقط عنه أداء وقضاء ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، والكفارة إما بدل عن فعل واجب أو مسقط لذنب صدر عن فعل المكلف ، وهما منفيان هنا ، ولو عجز عن الصدقة سقطت إجماعا.

الثانية : ذو العطاش ، وهو قسمان ، إما أن يرجى زواله أو لا ، فالأول يفطر ويقضي مع البرء ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال سلّار وابن حمزة وابن البرّاج ، واختاره أبو العباس في المحرر ، لأنه أفطر لمصلحته فوجب عليه الكفارة كالشيخ العاجز ، وقال المفيد والسيد المرتضى : لا يجب ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنه مريض فلا يجب عليه كفارة مع القضاء كغيره ، واختاره العلامة في المختلف.

والثاني - وهو الذي لا يرجى زواله - لا قضاء عليه ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال السيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس في المحرر ، لأنه عجز عن الصيام أداء وقضاء فكان عليه الصدقة ، كما لو استمر به المرض إلى رمضان آخر.

وقال سلّار لا يجب الكفارة ، لأصالة براءة الذمة.

ص: 355


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم.
2- البقرة : 184.

الثالثة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن ، والبحث فيهما في حكمين :

الأول : في وجوب القضاء ، وقد جزم به المصنف ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأنهما أفطرا لمصلحتهما فوجب عليهما القضاء كالمريض ، ولأن القضاء وجب مع الإفطار بأبلغ الاعذار وهو المرض ، فوجوبه مع الأدنى أولى ، وقال ابن بابويه في الرسالة : لا يجب القضاء ، بل يجب الصدقة عن كل يوم بمد ، لأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ولأنه إنما يجب بأمر جديد ، ولأنهما أفطرتا بالعذر فاشبهتا الشيخ الفاني.

الثاني : وجوب الفدية ، وهو المشهور ، وقال ابن الجنيد بالاستحباب.

فروع :

الأول : لو خافت المرأة على نفسها لا على الولد جاز لها الإفطار ، وهل يجب الفدية؟ يحتمل ذلك ، لأن الرواية (1) وردت مطلقة ، ولكن قيدوا بالولد ، ويحتمل عدم الوجوب ، لأن مع الخوف على الولد تكون كالمريض وهو لا فدية عليه ، ولأصالة براءة الذمة.

الثاني : هذه الفدية من مالها وان كانت ذات بعل.

الثالث : لا فرق في خوف المرأة على ولدها نسبا أو رضاعا ، ولا فرق بين المستأجرة والمتبرعة ما لم تقم غيرها مقامها.

الرابع : لو قام غير الأم مقامها في الرضاع روعي صلاح الطفل ، فإن تساوتا وتبرعت الأجنبية بالرضاع من غير أجرة ، أو طلبت أجرة مساوية لأجرة الأم - ان كانت مستأجرة - لم يجز الإفطار ، لعدم الضرورة حينئذ ، وإن كانت

ص: 356


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 17 من أبواب من يصح منه الصوم.

الأم أرفق في الولد أو كان لبنها أنفع من لبن غيرها جاز لها الإفطار وإن تبرعت الأجنبية.

ويحتمل عدم الالتفات إلى الأجنبية مطلقا لعموم قولهم : «أفضل ما يرضع الولد لبان امه» (1) وذلك لا يخلو من حكمة إما ظاهرة في جسمه أو باطنة في أخلاقه ، وهذا ليس بعيدا من الصواب ، والتفصيل الأول مذهب الشهيد في دروسه.

الخامس : هذا الإفطار واجب مع ظن الضرر بتركه ، ولو صامت حينئذ لم يجز صومها ووجب قضاؤه ، لكونه منهيا عنه ، والنهي يدل على الفساد.

السادس : يجوز الإفطار مع خوف التلف ، ولا فرق بين العطش والجوع ، ولا بين الهرمين والشابين ، والذي يسوغ إنما هو قدر دفع الضرورة ، فلو تجاوزها وجب القضاء والكفارة ، ولو خاف التخلف عن الرفقة في الحال أو في المستقبل بسبب ترك الشبع جاز حينئذ ولا إثم ولا كفارة.

قال رحمه اللّه : من نام في رمضان واستمر نومه ، فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه ، وإن لم ينو فعليه القضاء ، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم ، وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : النائم إذا نوى ليلا ثمَّ استمر النوم به إلى آخر النهار صح صومه ولا قضاء عليه ، وان لم ينو فإن استيقظ قبل الزوال جدد النية ولا قضاء عليه أيضا ، وإلا وجب القضاء ، وإن استمر به النوم أياما صح صومه أول يوم

ص: 357


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 68 ، حديث 2 وباب 78 حديث 5 من أبواب أحكام الأولاد.

إن كان قد نوى صومه ووجب قضاء الباقي لعدم حصول النية المشترطة في كل يوم ، وإن نام ولم ينو قضى الجميع ، هذا هو المحقق عند الأصحاب ، وعلى القول بإجزاء النية المتقدمة عليه أو الاكتفاء بنية واحدة من أوله لا يجب القضاء مع وقوع أحدهما منه.

وقال ابن إدريس : النائم غير مكلف بالصوم وصومه غير شرعي ، فعلى هذا لا يجب القضاء مطلقا ، سواء نام يوما أو أياما ، وسواء سبقت النية أو لم تسبق.

الثانية : في المجنون والمغمى عليه ، وأوجب الشيخ القضاء عليهما بتناول المفطر أو طرح في حلق أحدهما على وجه المداواة ، قال : لأن ذلك لمصلحته سواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق ، وقال ابن إدريس بعدم وجوب القضاء ، لأنه غير مكلف فلا يجب عليه بتناول المفطر شي ء ، وهو المشهور عند المتأخرين.

قال رحمه اللّه : ومن يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة مذاهب : تحريم الجماع والتملي ، وكراهتهما معا ، وتحريم الجماع وكراهة التملي ، فتحريم الجماع والتملي من الطعام مذهب أبي الصلاح ، وكراهتهما معا مذهب ابن الجنيد ، وتحريم الجماع وكراهة التملي مذهب الشيخ.

وأكثر المتأخرين على الكراهة في الجميع ، لقوله تعالى ( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (1) الآية ، فإن معناه تسويغ الإفطار ،

ص: 358


1- البقرة : 185.

والمفطر لا يحرم عليه شي ء ، ولعموم قوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (1) والمانع لا يصلح للمانعية ، لأن المانع إنما هو رمضان ، وإنما يكون مانعا لو وجب صومه ، والتقدير أنه غير واجب ، فلا يكون مانعا.

واحتج المانع بالروايات (2) الدالة على مطلوبه ، ولأن رمضان له حرمة عظيمة ، وانما رخص للمسافر في الإفطار والتقصير في الصلاة لموضع التعب ووعث السفر رحمة وتخفيفا منه تعالى ، فيقتصر على موضع الحاجة دون الجماع ، إذ لا حاجة فيه.

ص: 359


1- البقرة : 223.
2- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 13 من أبواب من يصح منه الصوم.

ص: 360

كتاب الاعتكاف

اشارة

ص: 361

ص: 362

في شرائطه

قال رحمه اللّه : وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر.

أقول : وجوب الثالث مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره أبو العباس في المحرر ، لرواية ابي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام «قال : من اعتكف ثلاثة فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد يوما آخر وإن شاء ان يخرج خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج حتى يستكمل الثلاثة» (1).

وقال في المبسوط بوجوبه بالشروع كالحج ، لأن إطلاق الروايات (2) على وجوب الكفارة على المعتكف بإفساده يدل على وجوبه مطلقا.

وذهب السيد المرتضى وابن إدريس إلى عدم الوجوب مطلقا وجواز الخروج متى شاء ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع فيه كالصلاة والصوم وغير ذلك من العبادات التي لا تلزم بالشروع.

ص: 363


1- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 4 ، حديث 3. بتفاوت ، فراجع.
2- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 6.

قال رحمه اللّه : ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم.

أقول : قال في الخلاف : إذا قال : (علي لله أن أعتكف ثلاثة أيام) ، لزمه ذلك ، فإن قال متتابعا لزمه بينها ليلتان ، وإن لم يشرط التتابع جاز أن يعتكف نهارا ثلاثة أيام بلا لياليها. وقال في المبسوط : إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يوم إلى بعد الغروب من ذلك اليوم وكذلك اليوم الثاني والثالث ، هذا إذا أطلقه.

وان شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيام بينها ليلتان ، والمشهور دخول الليالي مطلقا ، لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، والمفهوم دخول الليالي ، فيجب الكون في المسجد قبل طلوع الفجر من أول يوم إلى غروب الشمس من اليوم الثالث.

فرع : هل يجوز ابتداء الاعتكاف في أثناء النهار؟ نص الشيخ في المبسوط على عدم الجواز ، قال : لأنه لا بد من الصوم ، والصوم لا يكون إلا من أول النهار.

وفي هذا التعليل نظر ، لأنا لو فرضنا كونه في رمضان أو غيره من الصوم الواجب أو الندب ، ثمَّ اعتكف في وسط النهار كان الشرط موجودا ، فإن صح اعتكافه بطل حكم الشيخ بعدم الصحة ، وإن بطل اعتكافه بطل تعليل الشيخ عدم الصحة لعدم الصوم ، إذ التقدير أنه صائم ، والشرط هو الصوم مطلقا ، سواء كان لسبب غير الاعتكاف أو به.

والأجود أن يقال : إن الاعتكاف لا يصح أقل من ثلاثة أيام ، واليوم حقيقة ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والملفق من يومين لا يصدق

ص: 364

عليه اسم اليوم وإن صدق عليه اسمه مجازا ، لأن اللفظ إذا أطلق حمل على الحقيقة ما لم يحصل قرينة تصرفه الى المجاز ، ولا قرينة هنا.

تنبيه : لا بد من نية الاعتكاف والصوم معا لكونهما عبادتين متغايرتين فلا يكفي نية أحدهما عن الأخرى لاشتراط النية في كل عبادة ، فإن اتحد السبب جاز جمعهما في نية واحدة ، فيقول : (أعتكف غدا صائما) أو (أصوم غدا معتكفا لوجوبه أو ندبه قربة إلى اللّه) ، وان اختلف السببان وجب نيتان ، فيقول : (أعتكف غدا لوجوبه أو ندبه قربة الى اللّه) ، ثمَّ يقول : (أصوم غدا من رمضان ، أو لوجوبه بالنذر ، أو عن كفارة كذا لوجوبه ، أو ندبه قربة إلى اللّه). ويكفي في الاعتكاف نية واحدة ، فيقول : (أعتكف ثلاثة أيام ، أو عشرة ، أو شهر كذا ، لوجوبه أو ندبه قربة إلى اللّه) ، لأن الاعتكاف عبادة واحدة ، ولا بد من تجديد نية الصوم في كل يوم ، لأن صوم كل يوم عبادة بانفراده.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يصح إلا في المساجد الأربعة : مسجد مكة ، ومسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ، ومسجد الجامع بالكوفة ، ومسجد البصرة ، وقائل جعل موضعه مسجد المدائن ، وضابطه : كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة ، ومنهم من قال : جمعة ،.

أقول : الاقتصار على المساجد الأربعة التي عددها المصنف أولا مذهب الشيخ والسيد المرتضى ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ولهم عليه روايات (1) كثيرة ، وجعل علي بن بابويه موضع مسجد البصرة مسجد المدائن ، قال : والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه إمام عدل ، وقد جمع النبي

ص: 365


1- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 3.

صلى اللّه عليه وآله وسلم بمكة ، وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في هذه المساجد ، وقد روي (1) مسجد البصرة ، واكتفى ابن ابي عقيل بمطلق المساجد ، واستدل الجميع بالروايات (2).

ص: 366


1- المصدر السابق ، حديث 12.
2- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 3 هذا للمشهور ، ودليل ابن بابويه نقله في السرائر 1 : 421 ، ويظهر من كشف الرموز 1 : 317 والمهذب البارع 2 : 98 انه لم يتمسك برواية.

في أقسامه

اشارة

قال رحمه اللّه : والثاني لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان فيجب الثالث ، وقيل : لا يجب ، والأول أظهر.

أقول : قد سبق (1) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أيّ وقت شاء ولا قضاء ، ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.

أقول : هذه المسألة لم يتردد فيها المصنف ولا ذكر فيها خلافا ، ولكنها من المسائل المهمة من علم الفقه ، وهي ذات شعب وفروع ، فأحببت أن أكشف رموزها ونكاتها وأبين فروعها وتحقيقاتها وباللّه المستعان ، فنقول :

يجوز اشتراط الرجوع عند العارض قطعا ، لقول الصادق عليه السلام : «واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك بأن لك في اعتكافك ان تخرج عند العارض ، إن عرض لك من علة تنزل بك من اللّه» (2)

ص: 367


1- ص 363.
2- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 9 ، حديث 2.

وهل يجوز اقتراحا ، كأن يقول : (ولي الرجوع متى شئت)؟ عبارة المصنف هنا ، والعلّامة في القواعد تعطي الجواز ، وجزم به الشهيد ، قال : ولو شرط الرجوع متى شاء اتبع ولم يقيد بالعارض ، وهو مذهب أبي العباس في المحرر.

وظاهر الخبر وعبارات الفقهاء التقييد بالعارض ، لأنهم شبهوا الشرط هنا بالشرط في الإحرام ، والاشتراط في الإحرام إنما يصح مع العارض ، ولأن النذر لازم والتخيير ينافيه ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، لأن عبارته فيه : إذا شرط المعتكف على ربه إن عرض له عارض رجع فيه ، وظاهر العلامة في تحريره كذلك.

ووقت هذا الشرط عند عقد النذر إن كان الاعتكاف منذورا ، فيقول : (لله علي أن أعتكف الشهر الفلاني ، أو ثلاثة أيام - مثلا - ولي الرجوع فيه عند العارض) ، أو مطلقا على جواز الاقتراح ، وإن كان مندوبا ففي ابتداء اعتكافه فيقول : (أعتكف ثلاثة أيام أو أكثر - على قدر ما ينويه - ولي الرجوع إذا شئت ، أو مع العارض) ، فلو أطلق عند النذر وشرط في ابتداء اعتكافه لغي الشرط ولم يثمر شيئا.

إذا عرفت هذا فالاعتكاف إما واجب أو مندوب فإن كان مندوبا وشرط فيه الرجوع ، فإن كان الشرط مع العارض يعتد به ، فان قلنا : يلزم بالشروع - كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط - وحصل العارض في الأولين جاز الرجوع قطعا ، وإن حصل في الثالث ، قال في المبسوط : لم يكن له الرجوع ، لأن الشرط إنما يؤثر فيما يوجبه الإنسان على نفسه ، واليوم الثالث وجب بأصل الشرع ، وسببه مضي اليومين.

وقيل : يجوز الرجوع مطلقا قضية للشرط ، وهو مذهب الشهيد نقله عن النهاية.

وان كان الشرط مطلقا من غير قيد جاز الرجوع متى شاء ، سواء كان

ص: 368

في الأولين أو الثالث على مذهب الشهيد ، وعلى مذهب السيد وابن إدريس يجوز الرجوع مطلقا ، سواء شرط أو لم يشرط ، وسواء كان في الأولين أو الثالث.

وعلى وجوب الثالث بمضي اليومين فجواز الرجوع في اليومين مطلقا ، وفي الثالث مع الشرط ، وإن كان الاعتكاف واجبا فإما أن يكون معيّنا أو لا ، وعلى التقديرين إما أن يكون يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة ، اما ان يشترط على ربه الرجوع عند العارض أو لا ، فالأقسام ثمانية :

الأول : ان لم يعيّن ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربه ، فهذا يخرج مع العارض ، فإذا زال استأنف من رأس إن لم يعتكف ثلاثة ، وإن اعتكف ثلاثة وجب عليه الإتيان بالباقي ، فإن كان الباقي أقل من ثلاثة أكمله ثلاثة.

الثاني : لم يعيّن ولم يشترط التتابع واشترط على ربه ، فهذا يخرج مع العارض ، فاذا زال استأنف إذا كان الماضي أقل من ثلاثة ، وإن كان ثلاثة بني عليها إن كان الواجب أكثر ، وإن بقي أقل من ثلاثة أكمله ثلاثة ، هذا على مذهب المصنف في المعتبر والعلّامة في التذكرة وأبي العباس في المهذب ، لأنهم ذهبوا الى وجوب القضاء مع عدم تعيين الزمان ، وعدمه مع تعيينه ، وذهب العلامة في المختلف والمصنف إلى عدم القضاء مطلقا ، لأن فائدة الشرط سقوط القضاء ، وظاهر ابن الجنيد وجوب القضاء مطلقا وإنما تقسيمنا على المذهب الأول.

ولو كان شرط الرجوع اقتراحا ثمَّ رجع اقتراحا أيضا سقط عنه ما بقي من النذر قضية للشرط ، وان كان رجوعه لأجل العارض ولم يختر قطعه وجب عليه إتمام ما بقي ، لأنه لم يختر قطع الاعتكاف ، وإنما قطعه لعارض ، فإذا زال وجب عليه الإتيان بالباقي ، وإنما يسقط عنه لو اختار قطعه لأجل الشرط ،

ص: 369

وهذا قطعه لغير الشرط فيجب إتمامه ، لأصالة البقاء وعدم صلاحية العارض لإسقاطه.

الثالث : لم يعين واشترط التتابع ولم يشترط على ربه ، فإنه يخرج مع العارض فإذا زال استأنف اعتكافا متتابعا ، لأنه وجب عليه متتابعا ولم يفعله كذلك وليس يتعين بشروعه في الاعتكاف ، لأنه لم يعينه في نذره فيجب عليه الإتيان به على وصفه الذي شرطه في نذره.

الرابع : عين زمانا ولم يشترط التتابع لفظا ولا شرط على ربه ثمَّ حصل العارض ، فإذا زال العارض فإن بقي منه بقية وجب الإتيان بها على الفور ، ويقضي الفائت بعد الفراغ من تلك البقية ، وإن لم يبق شي ء قضى ما فاته خاصة ولم يجب الفور.

الخامس : لم يعين زمانا لكن اشترط التتابع واشترط على ربه ،

فعند العارض يخرج ثمَّ يأتي بما بقي عليه متتابعا عند زوال العارض ، هذا إن كان اعتكف ثلاثة وإلا استأنف من رأس.

السادس : عين زمانا واشترط التتابع ولم يشترط على ربه ، فهذا يخرج مع العارض ويقضي مع الزوال متابعا.

السابع : عين زمانا ولم يشترط التتابع واشترط على ربه ، فهذا يخرج عند العارض ولا يجب عليه الإتيان ولا القضاء عملا بالشرط.

الثامن : عين زمانا واشترط التتابع واشترط على ربه ، فهذا يخرج عند العارض فإذا زال لم يجب عليه الإتمام عملا بالشرط ، ولا القضاء ، لأصالة البراءة.

فرعان :

الأول : لو شرط الخروج عند عارض معين تخصص به ، ولا يخرج لغيره

ص: 370

ويخرج له إن عرض ، فإن قال : (إن عرض قطعت اعتكافي) خرج له وبطل اعتكافه ، وإن قال : (أخرج) ، خرج وعاد مع قصر الزمان ، ولا يبطل اعتكافه ، وان طال الزمان بطل.

الثاني : لو شرط المنافي كالأكل ، والنكاح ، والتكسب بالبيع ، أو الشراء ، أو الصنائع بطل نذره لعدم صحة الشرط المقيد به ، وإنما صح شرط الخروج - وإن كان منافيا للإجماع إلا من مالك فإنه لم يجوزه لكونه منافيا كالأكل والجماع ، وخالفه جميع العلماء - لورود النص به عن الصادق عليه السلام ، ولأنه عبادة وجبت عليه بعقده فكان له الشرط فيها ، ولأن الاعتكاف لم يخص بقدر معين ، فإذا شرط الخروج فكأنه نذر ذلك القدر الذي إقامة لا غير ، ولأن فيه استظهارا للمكلف على براءة ذمته من القضاء.

ص: 371

ص: 372

في أحكامه

اشارة

قال رحمه اللّه : وشمّ الطيب على الأظهر.

أقول : تحريم الطيب على المعتكف مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة ، لأنه أحوط.

قال رحمه اللّه : وقيل : ويحرم عليه ما يحرم على المحرم ، ولم يثبت.

أقول : القائل بذلك الشيخ في الجمل ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وقال في المبسوط : وله أن ينكح وينظر في أمور معيشته ، وروي أنه يجتنب ما يجتنبه المحرم ، وقال : وذلك مخصوص بما قلناه ، لأن لحم الصيد لا يحرم عليه ، وعقد النكاح.

وقال ابن إدريس بعدم التعميم ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب ، قيل : يجب على الولي القيام به ، وقيل : يستأجر من يقوم به ، والأول أشبه.

أقول : عبارة المصنف وعبارة العلامة في القواعد والتحرير وعبارة الشيخ في المبسوط توهم أن الموت في أثناء الاعتكاف قبل فواته والتمكن من قضائه ،

ص: 373

لأن قولهم : من مات قبل انقضاء اعتكافه يدل على الموت في أثنائه ولا يدل على الموت قبل القضاء بعد الفوات ، لحصول الفرق بين لفظي القضاء والانقضاء ، مع أن عبارتهم في هذه الكتب التي ذكرناها لا تختلف لفظا ولا معنى ، ولم يتابعهم الشهيد على هذا اللفظ ، بل قال : لو مات قبل القضاء بعد التمكن وجب على الولي قضاؤه ، وهذا هو المقصود وإن أوهم لفظهم غيره ، لأن الموت قبل الفوات والتمكن من القضاء ، والإهمال لا يوجب على الولي القضاء.

إذا تقرر هذا فحجة القائل بالوجوب عموم (1) الأمر بوجوب قضاء الصوم الواجب على الميت ، ولا يمكن الإتيان بمثل هذا الصوم إلا على هيئته - وهي هيئة الاعتكاف - فيكون الاعتكاف واجبا.

واحتج القائل بالعدم بأصالة براءة الذمة ، ووجوب قضاء الصوم لا يدل على وجوب قضاء الاعتكاف ، لعدم الملازمة بينهما.

قال رحمه اللّه : ومنهم من خص الكفارة بالجماع حسب ، واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء ، وهو الأشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في الجماع ، وأوجب الشيخ في المبسوط به الكفارة ، سواء كان الاعتكاف واجبا أو مندوبا ، واختاره العلامة في التحرير والتذكرة ، وأكثر الأصحاب أطلق وجوب الكفارة في الجماع ولم يفصلوا (2) ، وهو اختيار أبي العباس أيضا ، واشترط في القواعد وجوب الاعتكاف لأصالة البراءة ، ولأنه لم يفسد صوما متعينا عليه فلا يجب عليه الكفارة.

ص: 374


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- كذا.

واحتج الأولون بعموم الروايات (1) ، والأخذ بالاحتياط.

وعلى تقدير الوجوب ، هل هي كفارة أو كفارتان إذا كان الجماع نهارا؟

قيل : إن كان في رمضان لزمه كفارتان ، إحداهما لرمضان ، والأخرى للاعتكاف ، وإن كان في غير رمضان فهي كفارة واحدة لأصالة براءة الذمة من الزائد.

وقيل : يلزمه كفارتان أيضا كرمضان ، وهو مذهب ابن إدريس ، واستقربه الشهيد ، لأن في النهار صوما واعتكافا ، فحينئذ لا فرق بين رمضان وغيره في وجوب كفارتين إن وقع الجماع نهارا ، وكفارة واحدة إن وقع ليلا.

الثاني : في الإفطار على غير الجماع ، وأوجبها الشيخ في المبسوط مطلقا في المعيّن والمطلق ، وفي أوّلي المندوب أو ثالثة ، وهو بناء على مذهبه فيه ، وهو أنه يجب بالشروع وغير المتعين يتعين بالشروع فيه ، وقال في النهاية : يجب في المتعين خاصة ، وعليه العلامة وأبو العباس.

فرعان :

الأول : لو نذر اعتكاف زمان معين كرجب مثلا ، ثمَّ أخلّ به من رأس وجب عليه كفارة واحدة لخلف النذر ، ولو اعتكفه وأفسده تعددت الكفارة بتعدد كل يوم يحصل فيه الإفساد ، ولو أفسد بعضه وأخلّ بالباقي وجب عليه عن كل يوم أفسده كفارة ، ووجب عما أخلّ به كفارة واحدة لخلف النذر ، لأن الباقي لا يسقط بإفساد ما قبله ، بل يجب عليه الإتيان به ، فإذا أخلّ به يكون قد أخلّ بالنذر فيجب الكفارة ، ولو نذر صوم شهر معين وأخلّ به من رأس تعددت الكفارة بتعدد الأيام ، قاله أبو العباس في اللمعة بخلاف الاعتكاف ، ولم يذكر الفرق بينهما.

ص: 375


1- الوسائل ، كتاب الاعتكاف ، باب 6.

والظاهر ان الفرق كون الاعتكاف عبادة واحدة ، لأنه يكفي فيه نية واحدة ، كقوله : (أعتكف هذا الشهر من أوله إلى آخره لوجوبه بالنذر قربة إلى اللّه) ، والصوم عبادة متعددة بتعدد الأيام المنذورة لافتقار كل يوم إلى نية ، وكل من نذر عبادة في زمان معيّن وأخل بها وجب عليه كفارة خلف النذر ، فتتعدد الكفارة بتعدد العبادة المنذورة مع الإخلال.

فإن قيل : هذا لازم لكم في الاعتكاف ، لوجوب الصوم فيه ، فالإخلال به إخلال بالصوم الواجب بالنذر ، مع أنه يجب تعدد النية فيه بتعدد الأيام ولا يكفي فيه نية واحدة.

قلنا : لا يلزمنا هذا ، لأن الصوم عبادة منفردة لم يتناولها عقد النذر ، وإنما وجب لكونه شرطا في صحة الاعتكاف ، كما أن الطهارة شرط في صحة الصلاة ، فلو نذر صلاة ركعتين وجبت الطهارة ولو أخلّ بها في الزمان المعين وجبت كفارة واحدة عن ترك الصلاة ، ولا تجب كفارة أخرى عن ترك الطهارة ، لأن نذر المشروط لا يستلزم نذر الشرط ، لجواز تغاير سبب الوجوب فيهما ، لأنه قد تجب الطهارة لصلاة غير المنذور ، ثمَّ يدخل وقت المنذورة فيؤديها فيها ، وقد يجب الصوم لغير الاعتكاف ، ثمَّ يؤدي الاعتكاف فيه ، فلا يلزم ما قلتم.

الثاني : إذا كان الإفساد بالخروج من المسجد ، فإن كان النذر معينا بزمان وجب عليه كفارة خلف النذر ، أو العهد ، أو اليمين بحسب الموجب لتحقق الحنث ، وكذا لو أفسده بما يوجب القضاء دون الكفارة كتعمد القي ء.

ويحتمل ذلك في غير المعين ، لوجوبه بالشروع فيه ، ويحتمل العدم ، لإمكان الإتيان بالنذر لعدم تعينه في زمان فلا يتحقق الحنث.

ولو خرج من المسجد في ثالث المندوب لم تجب الكفارة وان وجب القضاء ،

ص: 376

قاله الشهيد في دروسه ، وأبو العباس في مهذبه ، ولو أفسده بالمفطر وجبت الكفارة.

قال رحمه اللّه : الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ويبطل الاعتكاف ، وقيل : لا يبطل ، وإن عاد بنى ، والأول أشبه.

أقول : القول بعدم البطلان قول الشيخ في المبسوط لأصالة الصحة ، والقول بالبطلان مذهبه في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه إن كان عن فطرة وجب قتله ، وإن كان عن ملة وجب خروجه عن المسجد ، لأنه نجس ، ووجوب الخروج ينافي الاعتكاف ، ولأن الاعتكاف عبادة مشروعة من شرطها التقرب إلى اللّه تعالى ، وذلك لا يصح من الكافر.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات ، وقيل : يلزمه كفارتان ، وهو الأشبه.

أقول : وجوب الأربع مذهب ابن الجنيد وابن إدريس وابن حمزة وابن البرّاج ، واختاره العلّامة ، وقال الشهيد : لا نعلم فيه مخالفا غير المعتبر ، لأنه اقتصر فيه على كفارتين ، واختاره المصنف هنا كاختياره في المعتبر ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن المكرهة لم تفطر فلا كفارة عليها.

احتج القائلون بوجوب الأربع بأنه فعل موجب للكفارة على اثنين فيتضاعف على المكره ، لصدور الفعل عنه أجمع لسقوط اعتبار فعلها باكراهها ، ولأنها لو طاوعته لزمهما أربع ، فمع الإكراه يلزمه ما يلزمها مع المطاوعة.

قال رحمه اللّه : إذا باع أو اشترى ، قيل : يبطل اعتكافه ، وقيل : يأثم ولا يبطل ، وهو الأشبه.

أقول : البطلان مذهب ابن إدريس إذا كان البيع والشراء اختياريا لا

ص: 377

ضرورة داعية إليه ، لأن الاعتكاف هو اللبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة ، وخرج عن حقيقة المعتكف اللابث للعبادة فيبطل اعتكافه.

وقال الشيخ في المبسوط : يأثم ويصح اعتكافه لأصالة الصحة ، وهو اختيار العلامة.

تنبيه : لو باع المعتكف أو اشترى معاطاة لم يحرم ، لأنها ليست بيعا حقيقة ، لأنه هو الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين من مالك إلى غيره ، فإذا خلا عن الإيجاب والقبول لا يكون بيعا حقيقة وإن كان بيعا مجازا لأصالة الإباحة ، والمنع يحمل على البيع الحقيقي ، لأن اللفظ إذا أطلق انصرف إلى الحقيقة دون المجاز.

ولقد نبه الشهيد على ذلك حيث شرط إباحة بيع ما يضطر إليه أو شرائه ، كشراء الغذاء والقميص المضطر إلى لبسه ، أو بيع شي ء كذلك مع تعذر المعاطاة ، فإن تعذرت جاز له العقد على ذلك ولا إثم حينئذ.

قال رحمه اللّه : إذا اعتكف ثلاثة متفرقة ، قيل : يصح ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط ، وقيل : لا ، وهو الأصح.

أقول : إذا نذر ثلاثة أيام مثلا ولا عينها بزمان ولا شرط التتابع ، هل يجب عليه تتابعها؟ قال الشيخ : نعم ، واختاره المصنف ، لأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، وقيل : يجوز تفريقها بأن يأتي بيوم من النذر ثمَّ يضم إليه آخرين نفلا ، أو من واجب غيره وهكذا ثلاثا ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط كما قاله المصنف.

ص: 378

كتاب الحج

اشارة

ص: 379

ص: 380

في الشرائط

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ثمَّ كمل كل واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام ، على تردد.

أقول : منشأ التردد من أن الافعال المندوبة لا تجزي عن الأفعال الواجبة ، والإحرام من أعظم أركان الحج ، وقد فعله وهو غير مكلف به فلا يكون مجزيا عن الواجب ، ومن أنه زمان يصلح ابتداء الحج فيه فيكون مجزيا. وفتوى الأصحاب قد تطابقت على الإجزاء ولم أجد قائلا بالمنع وإن وجد التردد في بعض المصنفات.

وحكم العبد إذا أعتق قبل أحد الموقفين حكم الصبي إذا بلغ في الإجزاء عن حجة الإسلام.

تنبيه : لو بلغ الصبي ، أو أعتق العبد بعد المشعر والوقت باق ، فان عاد ووقف ثانيا بنية الوجوب أجزأ عن الفرض ، وإن لم يعد لم يجز ، ولا بد من إيقاع الأفعال الواقعة بعد البلوغ بنية الوجوب ، سواء أجزأ عن الواجب أو لم يجزئ ، لوجوب النسك بالشروع على المتطوع البالغ حين الإحرام ، فكذلك يجب الإكمال على من بلغ بعد الإحرام ، وقبل البلوغ لا يجب عليه نية الوجوب

ص: 381

بشي ء من الأفعال ، لأن غير البالغ لا يجب عليه بالشروع كما لا يجب عليه قبله ، لاتصافه بعدم التكليف ، وأكثر الأصحاب أطلق الإجزاء مع إدراك أحد الموقفين بالغا أو معتقا ، ولم يقيد بسبق الاستطاعة ولا عدمها ، ولهذا يستقر الوجوب عليهما مع عدم الفعل ، نص العلّامة في التذكرة على ذلك ، قال : ولو لم يفعلا الحج مع إمكانه استقر الوجوب عليهما ، سواء كانا موسرين أو معسرين ، لأن ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه فلا يسقط بفوات القدرة بعده.

وقيّد الشهيد رحمه اللّه الإجزاء في العبد بسبق الاستطاعة وبقائها ، وهو مشكل على القول بعدم ملك العبد ، أمّا التقييد لباقي المناسك فهو متوجه ، مع أن حصول الشرط في غير وقت التكليف غير معتبر ، كما لو استطاع الصبي أو العبد - على القول بملكه - ثمَّ فقد الاستطاعة قبل البلوغ أو العتق لم يستقر عليه الحج ، ولا وجب عليه حال التكليف ، ولأن الاستطاعة إنما تشترط مع الافتقار إلى قطع المسافة وهذا لا يفتقر إليها ، لكن هو أعلم بما قال.

تحقيق : الصبي إمّا مميز أو غير مميز ، فالأول يصح إحرامه بإذن الولي ولا يحرم عنه الولي ، ولو أحرم بغير إذن الولي لم يصح إحرامه ، لأنه ممنوع من التصرفات في المال ، والإحرام يتضمن إنفاق المال والتصرف فيه.

والثاني - وهو غير المميز - لا يصح ان يتولى الإحرام بنفسه وإن أذن له الولي ، بل يحرم الولي عنه بمعنى أن يجعله محرما ، قال الشهيد : فيقول : (اللّهم إني أحرمت بهذا ...) الى آخر النية ، ويكون الصبي حاضرا مواجها له ، فإذا فعل ذلك صار الصبي محرما ، ولا فرق بين أن يكون الولي محرما أو محلا ، ولا يشترط كونه رجلا ، خلافا للشافعي في بعض أقواله ، ثمَّ يلبي عن الصبي إن لم يحسن ، وإن أحسن أمره بها ، ويلبسه ثوبي الإحرام ويجنبه محرمات

ص: 382

الإحرام ، وإن طاف به وجب كونهما متطهرين بمعنى أن يوضئ الصبي ، فلو كان الولي غير متطهر لم يجز ، لأن الطواف لا يصح إلا بمعونة الولي فوجب أن يكون متطهرا.

ولو كان الصبي غير متطهر احتمل الإجزاء ، لأن غير المميز لا يصح منه الطهارة فتكون طهارة الولي نيابة عنه ، كما كان إحرامه نيابة عنه لعدم وقوع الإحرام منه.

ويحتمل عدم الإجزاء ، لأنّ الطواف بالصبي أخص منه بالولي ، فإذا لم يجز أن يكون الولي محدثا كان الأولى عدم جواز كون الصبي محدثا.

والمراد بطهارة غير المميز هو أن يأتي بصورة الوضوء ، أو يفعله به الولي ، ويصلّي الولي عن غير المميز ركعتي الطواف ، لأن صلاة غير المميز غير مشروعة ، وقال الشهيد : ولو قيل : يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن ، وقوله رحمه اللّه متوجه ، لكن عمل الأصحاب على الأول.

وإذا أركبه دابة في الطواف أو السعي وجب كون الولي قائدا أو سائقا ، إذ لا قصد للصبي ولا للدابة ، ولا بد من القصد الى الفعل.

وحكم المجنون حكم غير المميز في صورة الإحرام وفي جميع الاحكام.

ولو اتفق بلوغ غير المميز أو عقل المجنون قبل احد الموقفين أجزأ عن الفرض كالمميز والعبد.

فروع :

الأول : يحرم على الصبي كل ما يحرم على البالغ من محظورات الإحرام ، لأن إحرامه شرعي فيترتب عليه أحكامه ، لا بمعنى أن الصبي مخاطب بالتحريم ، بل بمعنى أن الولي يجب عليه ان يجنبه محرمات الإحرام.

الثاني : إذا فعل الصبي ما يلزم البالغ العاقل بفعله الكفارة عمدا أو سهوا كالصيد ، كانت الكفارة على الولي في ماله دون مال الصبي ، لأن الولي

ص: 383

هو الذي ألزمه الحج بأمره أو فعله ، فكان فعل الصبي منسوبا إليه ، وإن فعل ما يختلف فيه حكم البالغ كالطيب والنساء ، فإن فعله سهوا فلا كفارة كالبالغ ، وإن فعله عمدا ، فان قلنا : إن عمده خطأ ، فلا كفارة أيضا ، وإلا وجبت على الولي ، ولو وطئ عامدا ، قال الشيخ : لا إفساد وإن كان قبل أحد الموقفين لمساواة عمده خطأه ، وكما لا يفسد في الخطأ في حق البالغ كذا لا يفسد في حقه ، قال : ولو قلنا بفساد الحج ولزوم القضاء أمكن ، وهو ظاهر أبي العباس في محررة.

الثالث : على القول بوجوب القضاء إنما يجب بعد البلوغ ، ولا يشترط فيه الاستطاعة الشرعية المعتبرة في حجة الإسلام ، بل يكفي الاستطاعة العادية ، فلو قدر على الحج ماشيا أو في نفقة غيره وجب عليه الإتيان بالقضاء ، ولا يجزي عن حجة الإسلام إلا أن يبلغ في الفاسدة قبل الوقوف ، على القول بأن الفاسدة حجة الإسلام والثانية عقوبة.

ولو استطاع لحجة الإسلام قبل القضاء قدّمها على القضاء ، فلو قدم القضاء ، قال الشيخ : أجزأ عن حجة الإسلام وكان القضاء في ذمته ، والمختار عند المحققين البطلان ، لان القضاء غير مأمور به ، وحجة الإسلام لم ينوها فلا يجزي عن أحدهما.

الرابع : هل يجب على الولي مئونة القضاء؟ يحتمل ذلك ، لأنه من لوازم الإحرام المنسوب إلى فعله ، واستقربه الشهيد رحمه اللّه في دروسه ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، ولأن القضاء وجب بسبب فعله عمدا مختارا فيكون الجناية عليه في ماله ، كما لو أتلف مال الغير.

الخامس : لو فعل الولي بالصبي ما يحرم على الصبي مباشرته ، كما لو طيّبه أو ألبسه المخيط أو حلق رأسه ، فإن فعل ذلك لحاجة الصبي - كما لو كان

ص: 384

للمداواة ، واللبس لشدة البرد ، والحلق للأذى بالشعر - احتمل أن يكون ذلك كمباشرة الصبي ، لأنه وليه وقد فعل شيئا لحاجته فيكون ذلك كفعله ، فان قلنا : إن عمده خطأ فلا شي ء على أحدهما وإلا كانت على الولي ، أو في مال الصبي على الخلاف ، ويحتمل أن تكون الفدية على الولي ، لأنه المباشر للفعل.

السادس : لو حج العبد الآفاقي ، أو الصبي المميز كذلك ، أو حج الولي بغير المميز ، أو المجنون قرانا أو إفرادا ، وكلفوا قبل الوقوف ، هل يجب عليهم العدول الى التمتع مع سعة الوقت؟ استقرب الشهيد وجوبه لحكم الأصحاب بالإجزاء مطلقا ، ولم يفرقوا بين أن يكون الإحرام موافقا أو غير موافق ، بل حكموا بالإجزاء مطلقا ، ويلزم من هذا الإطلاق العدول إلى الفرض مع القدرة بعد الكمال إن كان الإحرام بغيره ، لأن الآفاقي لا يجوز له القران ولا الإفراد في الفرض اختيارا ، فاذا تلبس به قبل الفرض ثمَّ صار فرضا وجب العدول مع الإمكان ، ويحتمل عدم الوجوب للأمر (1) بإتمام النسك الذي أحرم به ، فلا يجوز له العدول.

وعلى القول بعدم جواز العدول أو تعذره ، هل يجزي عن الفرض؟ يحتمل العدم لمغايرة الفرض للحج الذي أوقعه ، ويحتمل الإجزاء لحصول الضرورة المسوغة لنقل الفرض ، وقواه الشهيد.

قال رحمه اللّه : وقيل : للأمّ ولاية الإحرام بالطفل.

أقول : بثبوت الولاية هنا قال الشيخ ، واختاره العلامة والشهيد ، لأنه طاعة وفعل مرغب اليه فساغ للأمّ فعله.

وظاهر ابن إدريس عدم الجواز ، لأنه خصّ الولاية بمن له ولاية المال ،

ص: 385


1- البقرة : 196.

والأم ليس لها ولاية المال ولا النكاح فلا تثبت لها الولاية هنا.

قال رحمه اللّه : ويجب شراؤهما ولو كثر الثمن مع وجوده ، وقيل : إن زاد عن ثمن المثل لم يجب ، والأول أصح.

أقول : عدم الوجوب مع الزيادة على ثمن المثل مذهب الشيخ في المبسوط لاشتماله على الضرر المنفي ، والمشهور الوجوب لتحقق الاستطاعة في حقه بالقدرة على بذل الزيادة.

قال رحمه اللّه : ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه ، ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله.

أقول : يجب الحج بمجرد البذل إذا سلّمه المال ، ولو أهمل استقر في ذمته ولزمه القضاء ، واشترط ابن إدريس لزوم البذل ، والفتاوي والاخبار (1) مطلقة.

والفرق بين البذل والهبة ورود النص (2) في البذل دون الهبة ، وكون الهبة مشتملة على المنة لاشتراط القبول فيها دون البذل ، لعدم اشتراط القبول فيه ، ولهذا يلزم بنفس البذل ، ولا يجوز قضاء الدين منه بخلاف الهبة.

قال رحمه اللّه : وهل تجب الاستنابة ، مع المانع من مرض أو عدو؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا.

أقول : وجوب الاستنابة : مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وبه قال ابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البرّاج.

وذهب ابن إدريس إلى عدم الوجوب ، واختاره العلامة ، لأنه عبادة بدنية فيسقط مع العجز ، ولا يجب الاستنابة إلا مع سبق الاستطاعة ، لأن

ص: 386


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 10 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

الوجوب مشروط بالاستطاعة وهي غير متحققة ، واستدل الفريقان بالروايات (1).

فرع : إذا استناب المعذور فزال العذر قبل الإحرام انفسخ العقد ، وإن كان بعد الإحرام احتمل الإتمام ، لأنه دخل دخولا مشروعا فيجب إتمامه ، فإن استمر زوال العذر حج ببدنه ثانيا ، وإن عاد قبل التمكن من الحج أجزأت النيابة.

قال رحمه اللّه : ولو كان لا يستمسك خلقة ، قيل : يسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقيل : يلزمه الاستنابة ، والأول أشبه.

أقول : البحث في هذه المسألة كالبحث في التي قبلها.

فرع : لو تكلف المريض أو المغصوب ، أو الممنوع بالعدو الحجّ ، هل يجزي عن الواجب أم لا؟

يحتمل الإجزاء ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط وهو لا يجب ، فإذا حصّله وجب وأجزأ ، نعم لو أدى ذلك إلى ضرر يحرم إنزاله في النفس وقارن ذلك بعض الأفعال ، احتمل عدم الإجزاء لكونه منهيا عنه.

ويحتمل عدم الإجزاء مطلقا ، لأنه غير مأمور بالحج حينئذ ، فإذا أتى به يكون قد فعل غير المأمور به ، فلا يجزي عن الواجب.

قال رحمه اللّه : لو كان في الطريق عدو ولا يندفع إلا بمال ، قيل : يسقط وان قل ، ولو قيل : يجب التحمل مع المكنة كان حسنا.

أقول : قال الشيخ لا يجب البذل ، لان تحصيل الشرط غير واجب على المكلف ، وتخلية السرب شرط ولم يحصل.

ص: 387


1- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب 8 وباب 24 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

والمشهور الوجوب ، لأن العدو يندفع بمال مقدور عليه فيجب ما لم يجحف ، فلا يجب حينئذ.

قال رحمه اللّه : ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمته ، وقيل : يجتزي بالإحرام ، والأول أظهر.

أقول : الحاج على ضربين :

الأول : من حج في عام الوجوب.

والثاني : من حج بعد استقرار الحج عليه ، بمعنى أنه مضى عليه بعد الوجوب زمان يمكنه فيه إيقاع الحج ولم يفعل.

فالأول تبرأ ذمته بالموت مطلقا ، سواء كان قبل الإحرام أو بعده ، وسواء دخل الحرم أو لم يدخل.

والثاني : وهو المراد عند المصنف وقد اختلف فيه ، ذهب الشيخ إلى الإجزاء مع الإحرام ودخول الحرم ، واختاره المصنف والعلامة ، واكتفى ابن إدريس بالإحرام ، واستند الجميع الى الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولو حجّ المسلم ثمَّ ارتدّ لم يعد على الأصح.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والمرتدّ إذا حج حجة الإسلام حال إسلامه ثمَّ عاد إلى الإسلام لم يجب عليه الحج ، ولو قلنا : إن عليه الحج كان قويا ، لأن إسلامه الأول لم يكن إسلاما عندنا ، لأنه لو كان إسلاما لما جاز أن يكفر ، وإذا لم يكن إسلاما لم يصح حجه ، فإذا لم يصح فالحجة باقية في ذمته.

والمشهور عدم الإعادة ، لأنه فعل فعلا مأمورا به شرعا فيخرج به من العهدة ، وقول الشيخ : (لا يتعقبه الكفر) مردود بقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 388


1- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب 26 من أبواب وجوبه وشرائطه.

ثُمَّ كَفَرُوا ) (1) الآية.

قال رحمه اللّه : ولو أحرم مسلما ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح.

أقول : هذه فرع على التي قبلها ، قال الشيخ في المبسوط : إذا أحرم ثمَّ ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام لم يبطل إحرامه ، لأنه لا دليل على فساده إلا على ما استخرجناه في المسئلة المتقدمة في قضاء الحج ، فإن على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الأول ، ثمَّ الزم الشيخ نفسه بإسقاط العبادات التي فاتته حال ارتداده ، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان كافرا في الأصل ، وكافر الأصل لا يلزمه قضاء ما فاته حالة الكفر ، مع أنا نوجب عليه قضاء العبادات زمان ردّته ، قال : ولو قلنا بذلك أي بعدم قضاء زمان الردة كان خلاف المعهود من المذهب.

قال رحمه اللّه : وهل الرجوع إلى الكفاية من صناعة أو مال أو حرفة شرط في وجوب الحج ، قيل : نعم ، لرواية أبي الربيع ، وقيل : لا ، عملا بعموم الآية ، وهو الأولى.

أقول : اشتراط الرجوع إلى الكفاية مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن البراج ، وعدمه مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وقد أشار المصنف إلى حجة كل فريق ، والرواية التي أشار إليها هي رواية أبي الربيع الشامي (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والآية قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (3) ولم تتضمن غير الاستطاعة اليه ، والرواية ليست

ص: 389


1- النساء : 137.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب وجوبه وشرائطه ، حديث 1.
3- آل عمران : 97.

صريحة بالرجوع إلى الكفاية.

فرع : لو ملك مالا يستطيع به إلى الحج ولم يكن له المستثنيات التي استثناها الشارع مثل فرس الركوب ، ودار السكنى ، وعبد الخدمة ، وآلات الصنائع ، وكتب العلم ، وهو محتاج إليها صرف ذلك المال في هذه المستثنيات ، لأنها مقدمة على الحج وسقط عنه الحج ما لم يستطع بعد ذلك.

تنبيه : الشرائط المعتبرة في الحج تنقسم إلى أربعة أقسام :

الأول : ما هو شرط في الصحة خاصة ، وهو الإسلام.

الثاني : ما هو شرط في الصحة والوجوب معا ، وهو العقل.

الثالث : ما هو شرط في المباشرة ، وهو الإسلام والتمييز.

الرابع : ما هو شرط في الوجوب خاصة ، وهو البلوغ والحرية والاستطاعة وإمكان المسير.

قال رحمه اللّه : يقضى الحج من أقرب الأماكن ، وقيل : يستأجر من بلد الميت ، وقيل : إن اتسع المال فمن بلده ، وإلّا فمن حيث يمكن ، والأول أشبه.

أقول : وجوب الاستئجار من بلد الميت مذهب ابن إدريس ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، لأنه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده فلما مات سقط عن بدنه ، وبقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من نفقة الطريق من بلده (1).

والوجوب من أقرب الأماكن مع السعة وعدمها مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في محررة إلا أن

ص: 390


1- وفي «ن» بزيادة : والأقرب من بلده.

يكون منذورا من بلد معين فيتعين الاستئجار منه ، لأن الواجب هو الحج ، وقطع المسافة ليس مرادا للشارع ، ولهذا لو سافر المستطيع لا بعزم الحج ثمَّ جدّد نية الحج من الميقات أجزأه ، ولم يجب عليه الرجوع إلى بلده وإنشاء القصد منه ، لأن نفقة الطريق ليست واجبة مع عدم الحاجة إليها ، لأنه لو خرج متسكعا أو في نفقة غيره أجزأ.

وذهب الشهيد في الدروس الى اختيار ابن إدريس ، ثمَّ قال : ولو استأجر من الميقات أجزأ ، وأثم الوارث ، وملك فاضل الأجرة.

تنبيه : الذي يتحقق من عبارات الأصحاب أن أقرب الأماكن هو الميقات ، قال في القواعد : وجب أن يحج من أقرب الأماكن إلى الميقات ، قال عميد الدين وفخر الدين في شرحيهما : هذا مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وقال في التحرير : وهل يجب أن يحج عنه من بلده أو من الميقات؟ الأقرب الثاني ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف ، وإذا ثبت بقول عميد الدين وفخر الدين أن الحج من أقرب الأماكن هو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وكذا ثبت بقول العلامة في التحرير أن مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الوجوب من الميقات ثبت أن أقرب الأماكن هو الميقات.

فان قيل : وإن كان عبارة الشرائع لا تدل على المغايرة صريحا ، لأن عبارة القواعد (يجب ان يحج عنه من أقرب الأماكن إلى الميقات) ، ومن المعلوم بالضرورة أن أقرب الأشياء إلى الشي ء مغاير لذلك الشي ء ، فكيف قلتم : إن أقرب الأماكن الميقات؟! الجواب : أما وجه الاتحاد فقد بيّناه من قول العلامة في التحرير وقول ابنه وابن أخته في شرحيهما ، وأما اقتضاء عبارة القواعد المغايرة فمسلم ، ولكن المغايرة لا تقتضي المنافاة بين القولين ، لأن أقرب الأشياء إلى الشي ء هو الملاصق لذلك الشي ء والمتصل به ، ولا شك أن الميقات ملاصق لغيره ومتصل به ،

ص: 391

وذلك الجزء المتصل به من غيره هو أقرب الأماكن إليه ، ولا يتحقق الإحرام من الميقات إلا بإدخال ذلك الجزء المتصل به من غيره فلما امتنع انفكاك أحدهما عن الآخر جاز إطلاق اسم موضع الإحرام على كل واحد منهما ، فمن قال : (من أقرب الأماكن) ، أراد به الجزء المتصل بالميقات من غيره ، إذ هو أقرب الأماكن إلى الميقات ، والعقد إنما يكون قبل الإحرام ، فلا بد أن يقع في جزء من غير الميقات وان كان من موضع إنشاء الإحرام إذ لا ينفك عن جزء من غير الميقات ، ومن قال : (من الميقات) ، أراد به موضع إنشاء الإحرام ، ولا شك أن فيه جزءا من الميقات متصلا بجزء من غيره ، فجاز إطلاق اسم الجزء على الكل.

فقد ظهرت المغايرة من غير منافاة بين القولين ، ومن أوّل أقرب الأماكن بغير ما قلناه يكون قد غلط فخر الدين وعميد الدين في قولهما : (إنه مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف) ، أو غلط العلامة في التحرير أن ما اختاره من الوجوب من الميقات هو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وغلط هؤلاء وان كان ممكنا ، فهو لم تجر العادة ان يغلطوا جماعة من المجتهدين في مسئلة واحدة غلطا لا يقبل التأويل ، وان جرت العادة في غلط أحدهم نادرا ، وقد نبّه بعضهم على ذلك كما جرت عاداتهم في مصنفاتهم ، وإنما أشبعنا البحث في هذه المسئلة ، لأنها من مهمات علم الفقه ، وهي مما يعم بها البلوى ، وربما حصل الاشتباه بسبب اختلاف عبارات الأصحاب فيها فأردنا أن نزيل ذلك الاشتباه بما بيناه ، واللّه الموفق للصواب.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الحج أو أفسد وهو معضوب ، قيل : يجب أن يستنيب ، وهو حسن.

أقول : القول إشارة إلى قول الشيخ في المبسوط ، ثمَّ قال فيه : فان نوى فيما بعد تولاهما بنفسه ، وإنما كان حسنا ، لأن فعل الإفساد مع العلم بأنه

ص: 392

يوجب القضاء ، وفعل النذر مع العلم بأنه يوجب الوفاء - وهو عاجز عن الحج بنفسه - يكون التزاما بالاستيجار للحج من ماله.

ويحتمل العدم ، لمساواة ذلك لحجة الإسلام ، وقد سبق (1) البحث فيها.

قال رحمه اللّه : إذا نذر الحج فإن نوى حجة الإسلام تداخلا ، وإن نوى غيرها لم يتداخلا ، وإن أطلق ، قيل : إن حج ونوى النذر أجزأ عن حجة الإسلام ، وإن نوى حجة الإسلام لم يجز عن النذر ، وقيل : لا يجزي إحداهما عن الأخرى ، وهو الأشبه.

أقول : الناذر إذا نوى في نذره حجة الإسلام تداخلتا وكفاه حجة واحدة ، وإن نذر غيرها لم يتداخلا إجماعا.

وان أطلق ففيه الخلاف ، ذهب الشيخ في النهاية إلى الاكتفاء بالحج الواحد عن النذر وحجة الإسلام إذا حج بنية النذر ، ومستنده رواية رفاعة (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وذهب في الجمل والخلاف الى عدم التداخل ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، لأنهما فرضان متغايران ، فلا يجزي أحدهما عن الآخر.

تحقيق : النذر إما أن يتعلق بزمان معين أو مطلق ، وعلى التقديرين : إما أن يقع بعد الاستطاعة أو قبلها ، فالأقسام أربعة ، وعلى التقادير : إما أن يقصد حجة الإسلام أو غيرها ، أو يخلو عن القصد ، فالأقسام ثلاثة.

القسم الأول من الأقسام الأربعة : أن يتعين الزمان ويقع بعد الاستطاعة ، وفيه الأقسام الثلاثة.

ص: 393


1- ص 386.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 27 من أبواب وجوبه.

الأول : أن يقصد حجة الإسلام فيتداخلان ، وهذا يكون من باب نذر الواجب ، فان قلنا بانعقاده وأخلّ به في تلك السنة المعينة وجب عليه كفارة خلف النذر.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام وكان التقييد بأول عام ، فان قصد مع بقاء الاستطاعة لم ينعقد نذره ، لأن ذلك الزمان تعين لحجة الإسلام ، فلا يجوز إيقاع غيرها فيه ، وإن قصد مع فقد الاستطاعة كان مراعى بزوالها وعدمه ، فان زالت انعقد النذر ووجب عليه الحج بالنذر ، وإن استمرت الاستطاعة بطل ووجبت حجة الإسلام ، وإن كان التقييد بغير العام الأول انعقد نذره ، فإن أخل بحجة الإسلام إلى عام النذر عامدا حج في عام النذر حجة الإسلام وكفّر عن النذر وقضاه ، لأنه كالمخلّ به عمدا بالإخلال بحجة الإسلام إلى عامة ، مع سبق وجوبها عليه ، وعلمه بعدم جواز تقديم النذر على حجة الإسلام.

ولو حج في ذلك العام بنية النذر لم يقع عن أحدهما ، أما عن النذر فلعدم صلاحية الزمان له ، لأنه زمان يجب فيه إيقاع حجة الإسلام ، وأما عن حجة الإسلام فلعدم القصد لها ، «والاعمال بالنيات» (1) ، ولم ينو حجة الإسلام.

وذهب الشيخ إلى وقوع حجة النذر عن حجة الإسلام.

وهل يجب الكفارة والحال هذه؟ يحتمل ذلك ، لأن مع عدم انعقادها عن النذر يكون كالمخلّ بالنذر لعدم الفائدة بما أتى به من الأفعال ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، وترتب الكفارة على الإخلال بالنذر عمدا ، وهذا لم يخل به لإتيانه بجميع أفعاله على التمام والكمال ، وإنما لم يحكم بالصحة لعدم

ص: 394


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدسة العبادات ، حديث 6.

صلاحية الزمان له ، فلا يجب عليه أكثر من الإعادة ، لأن الكفارة إنما تجب مع الإخلال من رأس ، وهذا لم يخل به.

الثالث : أن يخلو القصد عن حجة الإسلام وعن غيرها ، وهذا يحتمل بطلان نذره مع التقييد بأول عام ، لأنه لا يخلو عن الأقسام الثلاثة المذكورة ، وهو إما أن يصرف إلى حجة الإسلام فيصح على القول بانعقاد نذر الواجب ، أو إلى غير حجة الإسلام مع قصد دوام الاستطاعة فيبطل ، أو إلى غير حجة الإسلام مع زوال الاستطاعة فينعقد مراعى ، وصرفه إلى ما يصح دون ما لا يصح ترجيح من غير مرجح ، ويحتمل انعقاده مراعى لأصالة الصحة في أفعال المسلم ، لأنه عقد صدر من مكلف بالغ عاقل متقربا فيه إلى اللّه تعالى فيكون صحيحا ، وإنما خصصناه بغير حجة الإسلام - مع صلاحيتها لتعلق النذر بها - لأن النذر لا بد له من متعلق ، وهو إما حجة الإسلام أو غيرها ، وتعلقه بحجة الإسلام يكون تأكيدا ، وتعلقه بغيرها يكون تأسيسا ، والتأسيس أولى من التأكيد ، ولما كان غير حجة الإسلام لا يصح تعلقه بها إلا مع فقد الاستطاعة كان مراعى ، فإن زالت الاستطاعة انعقد النذر ووجب الوفاء وإلا بطل من رأس.

[القسم] الثاني : أن يتعين الزمان ويقع قبل الاستطاعة ، وأقسامه ثلاثة أيضا :

الأول : أن يقصد حجة الإسلام ، وهذا لا يكون من باب نذر الواجب ، لأنها لم تجب عليه قبل الاستطاعة ، وهي لم تحصل ، ويتوقف انعقاد النذر على الاستطاعة في ذلك الزمان المعين ، ولا يجب عليه تحصيلها ، فإن حصلت انعقد النذر ووجب الوفاء به ، فإن أخل بالحج في ذلك العام ، ويأتي بحجة الإسلام في غير ذلك العام المعين وجب عليه كفارة خلف النذر ، ولا يجب قضاء النذر للتداخل.

ص: 395

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ، وهذا ينعقد نذره إجماعا ، ولا يشترط الاستطاعة الشرعية ما لم يشترطها - على ما اختاره نجيب الدين يحيى بن سعيد ، وأبو العباس في المحرر ، وهو ظاهر الشهيد في دروسه - بل الشرط الاستطاعة العقلية ، فلو قدر على الحج ماشيا أو في نفقة غيره وجب عليه ، فإن استطاع بعد عقد النذر ، فإن كانت الاستطاعة في العام المقيد بالنذر صرفت الاستطاعة في النذر ، فان تعينت بعده وجب عليه حجة الإسلام وإلا سقطت.

ولو أخل بالحج في عام النذر واستمرت الاستطاعة وجبت حجة الإسلام ، ويقضي بعدها حجة النذر ، ويكفر ، وان كانت الاستطاعة في عام قبل العام المقيد ، فإن تقيد النذر في عام متأخر عن عام العقد ثمَّ يستطيع فيه يجب الإتيان بحجة الإسلام في ذلك العام وبالمنذورة بعده ، فإن أخّر حجة الإسلام اختيارا وجب تقديمها على النذر لوجوبها قبله ، ثمَّ يقضي النذر ويكفّر ، لأنه كالمخل به عامدا.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، وهذا لا خلاف في انعقاد نذره ، وإنما الخلاف في التداخل وعدمه ، وقد سبق البحث في صدر المسئلة ، وعلى المختار من عدم التداخل إذا حصلت شرائط حجة الإسلام قدمت المنذورة لاستحقاق الزمان لها ، ثمَّ يأتي بعدها بحجة الإسلام مع استمرار الاستطاعة ، وإلا سقطت.

[القسم] الثالث : أن لا يتعين الزمان ويقع بعد الاستطاعة ، وأقسامه ثلاثة أيضا :

الأول : أن يقصد حجة الإسلام فيتداخلان ، فان مات بعد التمكن

ص: 396

ولم يحج أخرجت الحجة وكفارة خلف النذر من أصل ماله ، ولا يجب الكفارة قبل الموت لعدم تحقق الفوات قبله.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ولا خلاف في انعقادها ولا في عدم التداخل ، ولكن يجب تقديم حجة الإسلام ، فلو قدم المنذورة وقعت باطلة على المختار ، ولا تتضيق المنذورة إلا عند غلبة الظن بالموت ، فان مات قبل أدائهما أخرجتا من صلب المال ، وقيل : المنذورة من الثلث.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، ولا خلاف في الانعقاد ، وإنما الخلاف في التداخل وقد سبق.

[القسم] الرابع : أن لا يتعين الزمان ويقع قبل الاستطاعة ، والأقسام ثلاثة أيضا كما قد تقدم.

الأول : أن يقصد حجة الإسلام ، وحكمها كما تقدم في متعين الزمان ، إلّا عدم تحقق الكفارة في حال حياته مع المخالفة ، بل يجوز بعد وفاته.

الثاني : أن يقصد غير حجة الإسلام ، وحكمها تقدم أيضا في المعين ، إلا أنها يجوز تقديمها على حجة الإسلام مع حصول الاستطاعة ، سواء حصلت في عام عقد النذر أو تأخرت عنه بأعوام.

الثالث : أن يخلو القصد عنهما ، والخلاف في التداخل مع حصول الشرائط كما تقدم ، ولو حصلت الشرائط وجب تقديم حجة الإسلام ، فلو أخلّ بها في عام الاستطاعة مع القدرة ومات ، ولم يأت بإحداهما وجب قضاؤهما ، والكفارة من أصل ماله ، وان فقدت الاستطاعة بعد التمكن من الإتيان بالحج يقدم حجة الإسلام مع قصور التركة عنهما ، لوجوبها في أصل الشرع ، ووجوب النذر بالعارض ، وتقدم حجة النذر على الكفارة مع القصور.

قال رحمه اللّه : وان ركب بعضا ، قيل : يقضي ويمشي مواضع ركوبه ، وقيل : بل يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه.

ص: 397

أقول : نذر المشي ينعقد على القول بأنه أفضل من الركوب ، وقد قيل بافضليته مطلقا ، لأنه أشق ، والأجر على قدر المشقة (1) ، وقيل بأفضلية الركوب مطلقا لاشتماله على صرف المال في الحج ، وقد روي : أن الدرهم فيه بألف درهم في غيره (2) ، وقيل بالتفصيل ، وهو أفضلية المشي مع عدم الضعف عن القيام بالفرائض ، ومعه يكون الركوب أفضل ، وهذا هو المشهور.

فعلى الأول ينعقد نذر المشي ولا ينعقد نذر الركوب ، وعلى الثاني ينعكس الحكم ، وعلى التفصيل ينعقد نذر المشي لمن لا يضعفه عن القيام بالفرائض ، ونذر الركوب لمن يضعفه المشي.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا ركب ناذر المشي مختارا ، فإن كان معينا بسنة كفّر لخلف النذر ولا قضاء عليه ، وهو ظاهر القواعد والتحرير والإرشاد ، واختاره أبو العباس في محررة ومقتصره لعدم تناول النذر لغير سنة الإيقاع.

وفي المختلف أوجب القضاء والكفارة ، واختاره الشهيد ، أما وجوب القضاء فلأنه أخل بالصفة المنذورة فوجب عليه القضاء لتحصيل تلك الصفة ، وأما وجوب الكفارة فلإخلاله بإيقاع تلك الصفة الواجبة عليه بالوقت المعين بالنذر ، وإن كان النذر مطلقا وجب القضاء ولا كفارة ، فإن ركب بعض الطريق ومشى بعضه ، قال الشيخان وابن البراج : يقضي ويمشي ما ركب ويركب ما مشي ليحصل منهما حجة ملفقة ماشيا ، وقال أكثر الأصحاب : يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشروطة في نذره.

فرع : يجب المشي من بلده على ما اختاره الشهيد ، ويسقط عنه بعد طواف النساء.

ص: 398


1- لم نعثر عليه.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 42 من أبواب وجوب الحج.

قال رحمه اللّه : ولو عجز ، قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق ، وقيل : إن كان مطلقا توقع المكنة من الصفة ، وإن كان معينا بوقت سقط فرضه للعجز ، والمروي الأول ، والسياق ندب.

أقول : هنا ثلاثة أقوال.

الأول : يركب ويسوق بدنة كفارة لركوبه ، وهو قول الشيخ لرواية الحلبي (1).

الثاني : يركب ولا يسوق وجوبا بل استحبابا ، وهو قول المفيد ، لأن العجز يقتضي سقوط الذنب فلا يناسب العقوبة بوجوب الكفارة.

الثالث : التفصيل ، وهو مذهب ابن البرّاج ، ووجهه ظاهر ، وقد ذكره المصنف.

قال رحمه اللّه : ولا تصح نيابة من وجب عليه الحج واستقر إلا مع العجز ولو مشيا.

أقول : قوله (ولو مشيا) يتعلق بمضمر محذوف وهو لا مع القدرة ولو كان مشيا ، لأن من استقر عليه الحج ثمَّ أعسر عن الراحلة وقدر على المشي وجب عليه الحج ماشيا ، فلا يجوز أن ينوب عن غيره ، لمخاطبته بالحج ماشيا ، ولا يجوز تعلّقه بالعجز لمنافاته للأصل.

قال رحمه اللّه : ولو تطوع ، قيل : يقع عن حجة الإسلام وهو تحكم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : من وجب عليه حجة الإسلام لا يجوز له أن يحج عن غيره ولا أن يتطوع ، فان حج تطوعا وقعت عن حجة الإسلام ، وبه قال الشافعي. وقال ابن إدريس : هذا الكلام غير واضح ، لأن الحج يجب على الفور فلا يجوز التطوع قبل الإتيان به ، وإذا لم يجز يكون منهيا عنه

ص: 399


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 34 من أبواب وجوب الحج ، حديث 3.

فلا يكون صحيحا ولا يجزي عن حجة الإسلام ، لأنها غير منوية ، وقال عليه السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (1) ، ونسب المصنف قول الشيخ إلى التحكم ، وهو القول بغير دليل.

قال رحمه اللّه : ومن الفقهاء (2) من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر.

أقول : تقدم (3) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : ولو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض ، وقيل : يجوز مطلقا.

أقول : إذا شرط عليه الحج على طريق فحج بغيرها ، لا يخلو إما أن يتعلق بالطريق غرض أو لا ، فهنا قسمان :

الأول : أن لا يتعلق به غرض ، قال الشيخ : يصح ، لأن المقصود هو إيقاع الحج وقد حصل ، قال : ولا يرجع عليه بالتفاوت لإطلاق رواية حريز في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن رجل أعطى رجلا يحج من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال : لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجه» (4).

وقيل : يرجع عليه بالتفاوت إن كان ما سلكه أسهل لجريان العادة بنقصان أجرة الأسهل عن الأصعب ، وإن كان ما عدل إليه أشق لم يستحق أجرة تقابل تلك المشقة ، وهو اختيار العلامة في التذكرة.

الثاني : أن يتعلق بالطريق غرض ، فعند الشيخ يصح ولا يرجع عليه بالتفاوت لإطلاق الرواية ، وقيل : عليه رد التفاوت ، وهو اختيار العلامة في

ص: 400


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 7.
2- في «ن» : فقهائنا.
3- ص 388.
4- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 11 من أبواب النيابة في الحج ، حديث 1.

القواعد والتحرير والشهيد ، ونقل أبو العباس عن العلامة بطلان المسمى والرجوع الى أجرة المثل ، واختاره أبو العباس أقل الأمرين من المسمى وأجرة المثل ، وهو يشعر ببطلان العقد.

فرع : لو أحصر أو صدّ في طريق خالف بسلوكه لم يستحق أجرة ، سواء كان هناك غرض أو لا.

قال رحمه اللّه : وإذا استؤجر بحجة لم يجز أن يؤجر نفسه بأخرى حتى يأتي بالأولى ، ويمكن ان يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأولى.

أقول : عدم الجواز حتى يأتي بالأولى مذهب الشيخ رحمه اللّه ، والمشهور التفصيل ، وهو إن تعلقت الإجارة بسنة معينة لم يكن له أن يؤجر نفسه بأخرى تلك السنة بعينها ، وإن أطلق الأول ، فإن استأجره الثاني للسنة الأولى لم يجز ، لأن الإطلاق يقتضي التعجيل ، وإن استأجره للثانية جاز ، وإن استأجره مطلقا فالمشهور الجواز أيضا.

ومنع أبو العباس رحمه اللّه في المحرر من المطلقتين وهو قريب ، لأن الإطلاق كما يقتضي التعجيل في الأولى يقتضي التعجيل في الثانية فيصير كالمعينة للأولى فتبطل.

ولو قيل بالصحّة مع علم الثاني بالأولى وبالعدم مع العدم ، كان وجها ، لأن مع العلم بالأولى يتوجه القصد إلى الثانية لعلمه بعدم جواز حجته في الأولى ، ومع الجهل فالقصد متوجه إلى الأولى لعلمه بأن الإطلاق يقتضي التعجيل ، ولم يعلم بسبق غيره ، فلا يتوجه إلى العام الثاني ، وعلى القول بالمشهور - وهو جواز المطلقتين - يمكن جواز الفسخ للثاني مع عدم العلم بالأولى.

ولو استأجره الأول للسنة الثانية جاز للثاني أن يستأجره للأولى ، إذ لا مانع من الإجارة الثانية إلّا تعين الزمان للأولى ، وهو غير متعين هنا.

ص: 401

تنبيه : يشترط في صحة الإجارة للمتأخر في الإيقاع عدم حصول من يحج في السنة الأولى ، لأن وجوب الاستنابة على الفور والتأخير حرام ، فإذا استأجر للسنة الثانية مع وجود من يحج في السنة الأولى كان فعلا منهيا عنه لتضمنه التأخير المحرم ، فلا يقع صحيحا.

ولو وجد المبادر في السنة الأولى بعد الاستيجار ، قال الشهيد : يحتمل فسخ العقد وهو أبلغ من الأول ، ويحتمل عدم الفسخ ، لوقوعه صحيحا والأصل البقاء.

قال رحمه اللّه : ولو ضمن الحج في المستقبل لم تلزم إجابته ، وقيل : تلزم.

أقول : هنا ثلاثة أقوال ، الأول : وجوب الإجابة مطلقا مع ضمان الحج في المستقبل ، قاله : الشيخان. الثاني : عدم الإجابة مطلقا ، قاله المصنف. الثالث : التفصيل ، وهو إن تعلقت الإجارة بعام وحصل الصدّ فيه انفسخت الإجارة ، لأنها تعلقت بزمان معين ولم يحصل الفعل فيه وغيره لم يتناوله العقد ، وإن كانت الإجارة مطلقة لم ينفسخ ، وهو مذهب العلامة.

والتحقيق : إن كان الصد في المطلقة بعد الإحرام كان له من الأجرة بنسبة ما فعل ، ولا يجب عليه الحج ثانيا إلا مع اتفاقهما عليه.

فلو اختار أحدهما البقاء على حكم الإجارة والآخر الفسخ ، قدم اختيار الفاسخ على ما اختاره الشهيد وأبو العباس في المحرر ، وكذلك إن كان الصد قبل الإحرام يثبت لكل منهما الخيار في الفسخ وعدمه على اختيارهما.

وذهب العلامة في المختلف الى وجوب الحج ثانيا على الأجير ، بخلاف الصد بعد الإحرام ، والفرق بتعين المطلقة بالشروع فيها ، فيتصير كالمعينة ، وقبل الإحرام لا تتعين فهي باقية على الإطلاق.

أما حكم الأجرة مع الصد قبل الإحرام ، فنقول : إن كانت الإجارة

ص: 402

وقعت على أفعال الحج فلا يستحق شيئا لعدم إتيانه بشي ء من الأفعال التي تقابل مال الإجارة ، وإن وقعت على الحج من بلد معين استحق من الأجرة مقابل قطع المسافة إلى موضع الصد ، لأن مال الإجارة مقابل مجموع أمرين : قطع المسافة وأفعال الحج ، فإذا صد بعد فعل شي ء مما وقع عليه العقد استحق من الأجرة بنسبته ، هذا مع الفسخ لا مع عدمه ، وإن كان الصد في المعينة انفسخ العقد مطلقا ، سواء حصل بعد الإحرام أو قبله.

ولو اتفقا على بقاء حكم الإجارة لم يلزمهما إلا مع تجديد العقد ، والحكم في الأجرة كما قلناه أولا.

فرعان.

الأول : إذا حج النائب في غير السنة المعينة لم يستحق شيئا لانفساخ العقد بمضي السنة المعينة ، ويكون ما أوقعه تبرعا منه.

الثاني : لو أخّر الأجير الحج في المطلقة لغير عذر تخير المستأجر ، ولعذر يتخيران ، وهو اختيار الشهيد وأبي العباس في المحرر.

قال رحمه اللّه : ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه.

أقول : إذا حمل إنسان إنسانا في طوافه فقد وقع الاتفاق على صحة طواف المحمول مع النية منه إن كان بالغا ، ونية الحامل عن المحمول إن كان صبيا ، وأطلق الأكثر جواز طواف الحامل عن نفسه أيضا ، وقال ابن الجنيد - ونعم ما قال - : إن كان الحمل بأجرة لا يجوز أن يطوف عن نفسه لاستحقاق قطع المسافة عليه بعقد الإجارة ، فلا يجوز له صرفه إلى نفسه ، كما لو استأجره للحج ، واختاره فخر الدين وأبو العباس في المحرر ، وهو المعتمد.

واستدل المجوزون مطلقا بعموم رواية حفص بن البختري ، عن

ص: 403

الصادق عليه السلام «في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ قال : نعم (1)» ، وعموم رواية الهيثم بن عروة (2) ، عن الصادق عليه السلام أيضا الدالة على الاجزاء.

قال رحمه اللّه : وكل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله ، ولو أفسده ، حجّ من قابل ، وهل يعاد بالأجرة عليه؟ يبنى على القولين.

أقول : إذا أفسد الأجير حجة النيابة ، قال الشيخ انتقلت عن المستأجر إليه وصار محرما عن نفسه ، وعليه قضاؤها عن نفسه ، والحج باق للمستأجر يلزمه الحج عنه فيما إذا كان الحج في ذمته ، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة ، وإن كانت معينة انفسخت الإجارة وكان على المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه ، فأوجب عليه حجتين بعد إتمام الفاسدة في صورة الإطلاق ، وإتمام الفاسدة والقضاء واسترجاع الأجرة في صورة التعيين ، لأنه استأجره أن يحج عنه حجة صحيحة شرعية وهذه فاسدة فيجب أن لا تجزيه ، وبه قال ابن إدريس.

والمصنف بنى فسخ الإجارة واسترجاع الأجرة على القولين ، وهو إن كانت الفاسدة حجة الإسلام والثانية عقوبة برأت ذمة المستأجر بإكمالها والقضاء في القابل عقوبة على الأجير ولا تنفسخ هذه الإجارة ، وإن قلنا : الأولى عقوبة والثانية حجة الإسلام لزمه إتمام الفاسدة والقضاء من قابل عقوبة لانقلاب الفاسدة إليه بسبب إفساده ، فلا يجزي عن المستأجر ، وتستعاد الأجرة إن تعلقت بزمان معين ، وإلا وجب على الأجير الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء من قابل.

ويحتمل الاكتفاء بحجة القضاء ، لأنها قضاء عن الفاسدة فكما يجزي

ص: 404


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 50 من أبواب الطواف ، حديث 3.
2- المصدر المتقدم ، حديث 1 و 2.

عن الحاج لنفسه فكذا يجزي عن النائب وقواه الشهيد.

قال رحمه اللّه : ويستحقها الأجير بالعقد ، فإن خالف ما شرط ، قيل :

كان له أجرة المثل ، والوجه أن لا أجرة.

أقول : البحث هنا في موضعين.

الأول : استحقاق الأجير الأجرة بالعقد ، ولا ريب في ذلك لكن لا يجب التسليم إليه الا بالعمل ، قاله الشهيد ، ولو توقف الحج على الأجرة استقرب الشهيد جواز الفسخ للأجير ، قال : ولا يجوز لوصي الميت التسليم قبل الفعل إلا مع الإذن صريحا ، أو بشاهد الحال.

والظاهر أن شاهد الحال جريان عادة بلد الميت بتسليم الأجرة قبل الفعل.

الثاني : في مخالفة شرط المستأجر ، فنقول يجب على الأجير أن يأتي بالنوع المشترط عليه ، وجوز الشيخ العدول من القران والإفراد إلى التمتع ، لأنه أفضل ، أو إلى القران لمن استوجر مفردا لاشتماله على الإفراد وزيادة ، والباقون على المنع ، لأنه استوجر لحج معين فلا يتناول غيره.

والتحقيق أن نقول : إن كان الغرض هو القران أو الإفراد لم يجز العدول ، لأنه استوجر لإبراء ذمة المستأجر مما وجب عليه شرعا ، وهو القران أو الإفراد ، ولو عدل لم يجز عن الفرض ولا يستحق أجرة عما عمله ، لأن الأجرة مقابل إبراء الذمة ولم يحصل.

وإن كان الحج مندوبا أو واجبا مخيرا كالنذر المطلق ، ومتساوي الإقامة بمكة وغيرها ، وعلم من المستأجر قصد الأفضل ، جاز العدول إليه واستحق الأجرة ، وإن لم يعلم منه ذلك وعدل إليه استحق الأجرة على قول الشيخ.

والمعتمد : إن علم منه التخيير استحق الأجرة بأي الأنواع أتى ، وإن

ص: 405

لم يعلم ثمَّ عدل عن النوع الذي استؤجر عليه وقع عن المستأجر وبرأت ذمته بما فعله الأجير ، لأنه فعل الواجب عليه فوجب أن يخرج به من العهدة ، ولم يسقط فرض الأجير الذي وجب عليه بعقد الإجارة لعدم امتثال الأمر به. وهل يستحق اجرة عما فعله؟ يحتمل ذلك ، لأنه عمل عملا محترما لم يقصد به التبرع فيستحق أجرة مثل العمل ، ويحتمل العدم ، لأنه تبرع بفعل لم يشترطه عليه المستأجر فلا يستحق عليه أجرة ، وهو المعتمد.

فرع : لو اختلف الأجير والمستأجر في قصد الأفضل والتخيير كان القول قول المستأجر ، لأنه أبصر بنيته.

قال رحمه اللّه : إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه ، ثمَّ نقل النية إلى نفسه لم يصح ، فإذا أكمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه ، ويستحق الأجرة ، ويظهر لي أنها لا تجزي عن أحدهما.

أقول : وقوعها عن المستأجر مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن النقل غير صحيح ، وظاهر المصنف عدم الإجزاء عن أحدهما ، واختاره العلامة في القواعد ، وهو المعتمد ، أما عدم الإجزاء عن المستأجر [ف] لأن الأجير لم يوقع الأفعال عنه ، وأما عدم اجزائها عن الأجير [ف] لأن النقل غير صحيح.

تنبيه : يجب أن تكون أفعال الحج معلومة عند المتعاقدين لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد فلا يجب ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بد من الإعلام ، وإذا وقعت الإجارة للحج والعمرة معا لا بد من تعيين النوع من التمتع أو القران أو الافراد لاختلاف الأغراض في ذلك ، فإذا وقعت

ص: 406

على الحج خاصة لم يجب التعيين ويتخير بين القران والافراد ، وإن وقعت على العمرة فهي مفردة.

قال رحمه اللّه : وإن قصر حتى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر ، وقيل : يعود ميراثا.

أقول : إذا أوصى بالحج تطوعا وقصر الثلث حتى لا يرغب فيه أجير ، قال الشيخ : تصرف في وجوه البر ، لأنه خرج عن ملك الوارث بالوصية ، وإذا تعذر صرفه في نوع من أنواع الطاعات صرفت في غيره من أنواعها لاشتراكها في مطلق الطاعة ، وقيل : يرجع ميراثا ، لأن الوصية قد تعذر العمل بها فيبقى المال على ملك الورثة ، واختاره العلامة في القواعد وفخر الدين والشهيد.

قال رحمه اللّه : ومنهم من سوّى بين المنذورة وحجة الإسلام في الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور التركة ، وهو أشبه. وفي الرواية : إذا نذر أن يحج رجلا ، ومات وعليه حجة الإسلام أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، والمنذورة من الثلث ، والوجه التسوية ، لأنهما دين.

أقول : العمل بمضمون الرواية مذهب الشيخ رحمه اللّه واحمد بن الجنيد ومحمد بن بابويه ، وهي رواية ضريس بن أعين ، «قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام ونذر في شكر ليحجن رجلا ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال : إن كان ترك مالا حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثلثه ما يحج به عن المنذورة ، فان لم يكن ترك مالا إلا بقدر ان يحج عنه حجة ، حج عنه حجة الإسلام فيما ترك ، وحج عنه وليه النذر ، فإنما هو دين عليه (1)».

والتسوية بينهما في وجوب الإخراج من الأصل ، والقسمة مع القصور

ص: 407


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 29 من أبواب وجوب الحج ، حديث 1.

مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأنهما واجبتان فيجب إخراجهما من أصل المال كالدين ، وهو المعتمد.

واعلم أن مرادهم في القسمة مع القصور إذا كان يمكن إخراج الحجتين ولو من الميقات ، أما إذا لم تنهض التركة بهما من الميقات قدمت حجة الإسلام اتفاقا.

ص: 408

أقسام الحج

قال رحمه اللّه : وهذا القسم فرض من كان بين منزله وبين مكة اثني عشر ميلا فما زاد من كل جانب ، وقيل : ثمانية وأربعون ميلا.

أقول : التحديد باثني عشر ميلا مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في القواعد والإرشاد ، والتحديد بثمانية وأربعين ميلا مذهب الشيخ في النهاية والتهذيب ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في المختلف والتحرير ، وجزم به الشهيد ، وحكى مذهب الشيخ في المبسوط ، قال : ولا نعلم مستنده ، وقال العلامة في المختلف : كأنه نظر إلى توزيع الثمانية والأربعون ميلا من أربع جوانب ، فكان قسط كل جانب ما ذكره في المبسوط ، وليس بجيد.

قال رحمه اللّه : ووقوعه في أشهر الحج ، وهو : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقيل : عشرة من ذي الحجة ، وقيل : وتسعة من ذي الحجة ، وقيل : إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وضابط وقت الإنشاء ما يعلم أنه يدرك المناسك.

ص: 409

أقول : حكى المصنف في تحديد أشهر الحج أربعة أقوال ، فالأول قول الشيخ في النهاية ، واختاره أحمد بن الجنيد والمصنف ، والثاني قول السيد المرتضى وابن أبي عقيل ، والثالث قول الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن البرّاج ، والرابع قوله في الخلاف والمبسوط.

والنزاع هنا لفظي لا معنى له ، لأنه لا خلاف في وجوب إيقاع الموقفين فيما حد لهما من الزمان اختيارا أو اضطرارا ، ووجوب إيقاع الإحرام في وقت يعلم إدراك ذلك فيه ، وما زاد على ذلك من الطوافين والسعي والذبح ، فإنه يجزي في بقية ذي الحجة عند الجميع ، فالنزاع لفظي.

قال رحمه اللّه : ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها. ولو تعذر ذلك ، قيل : يجزيه ، والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ، ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك ، وهل يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردد.

أقول : الإحرام من غير مكة لا يخلو إما أن يكون عامدا أو جاهلا أو ناسيا ، فإن كان عامدا لم يجزه ووجب عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام ، فإن تعذر بطل حجه ، وأطلق الشيخ في المبسوط والخلاف الإجزاء مع تعذر الرجوع وعدم لزوم الدم ، والوجه البطلان مع التعمد وعدم إمكان الرجوع ، لأنه أحرم من غير الميقات عامدا فيكون باطلا.

وإن كان جاهلا أو ناسيا وجب العود مع المكنة ، ومع العدم (1) يستأنف الإحرام ولو بعرفة.

وأما سقوط الدم فقد تردد فيه المصنف واستشكله العلامة في المختلف ،

ص: 410


1- في «ن» : العمد.

ولا أرى لهذا التردد وجها قويا على مذهب الخاصة ، لأن هذا الدم إما دم التمتع أو دم شاة ، والمختار عندهم انه دم التمتع ، وإنما يتوجه التردد فيه على القول بأنه جبران ، وهذا القول ضعيف جدا للإجماع على جواز الأكل منه ، والجبران لا يجوّز الأكل منه إجماعا أيضا ، وقطع في الخلاف والمبسوط أنه نسك لا جبران.

والقول بأنه جبران مذهب الشافعي ، فعنده أنه جبران للإحرام من غير الميقات ، وهو مردود ، لأن ميقات حج التمتع مكة ، وقال الشيخ في المبسوط :

ولو أحرم المتمتع من مكة وخرج منها إلى الميقات ومنه إلى عرفات صح ، واعتد بالإحرام من الميقات ، ولا يلزمه دم (1) غير دم التمتع.

وهو يشعر بأنه جبران ، وقال الشافعي : إن أحرم بها من خارج مكة وعاد إليها فلا شي ء ، وإن لم يعد إليها ومضى على وجهه الى عرفات ، فان كان إنشاء الإحرام من الحل فعليه دم قولا واحدا ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم عليه قولان : أحدهما لا يجب ، لأن الحكم إذا تعلق بالحرم ولم يختص ببقعة منه كان الجميع فيه سواء بذبح الهدي ، والثاني يجب عليه الدم ، لأن ميقاته البلد الذي هو مقيم فيها ، وإذا ترك ميقاته وجب عليه الدم وإن كان ذلك كله من حاضري المسجد الحرام.

فعلى قول الشافعي هذا يتوجه تردد المصنف ، وهو ضعيف كما تراه إذ بناه على قاعدته ، وهو ان الهدي جبران للإحرام من غير الميقات.

وعلى القول بأن المراد به غير دم المتمتع إنما يتوجه على مذهب ضعيف متروك ، وهو قوله في المبسوط في باب المواقيت : من أخّر الإحرام عن الميقات

ص: 411


1- من «ن» و «ر 2».

عامدا وجب الرجوع إليه ، فإن لم يمكن فلا حج له ، وقد قيل : انه يجبره بدم وقد تمَّ حجه.

وهذا القول ضعيف متروك لا يوجب التردد ، فقد تبين ضعف هذا التردد على كل تقدير.

قال رحمه اللّه : فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز ، وهل يجوز اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأكثر ، ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي.

أقول : جواز العدول اختيارا مذهب الشيخ في المبسوط ، لأنه أفضل ، ولأنه أتى بصورة الإفراد وزيادة غير منافية ، والمنع مذهبه في النهاية ، وهو مذهب ابني (1) بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (2) دل بمفهومه على أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام لم يكن له ذلك.

والجواب عن حجة الأولين المنع من كونه أتى بصورة الإفراد ، لأنه أخلّ بالإحرام من ميقاته ، وأوقع مكانه العمرة ، وليس مأمورا بها ، فوجب أن لا يجزيه ، ولأنه أقل أفعالا لاشتماله على ثلاث طوافات والإفراد أربع طوافات ، ولا فرق عند الشيخ بين جواز العدول ابتداء وفسخا.

وعلى القول بالجواز ، هل يجب الهدي أو لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف بعدم الوجوب ، وهو قول المصنف هنا لقوله تعالى : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ

ص: 412


1- في «ن» و «ر 2» : ابن.
2- البقرة : 196.

أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) دل بمفهومه على أن الهدي لا يلزم من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

وفيه نظر ، لعموم قوله تعالى ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1).

تنبيه : إذا عدل المتمتع إلى حج الإفراد لخوف ضيق الوقت وقصوره عن التحلل من العمرة وأنشأ الإحرام للحج ، أو خوف حصول الحيض قبل أربعة أشواط من طواف العمرة ، أو عدل القارن أو المفرد إلى التمتع لخوف العجز عن العمرة بعد الحج لفوات الرفقة ، أو لخوف طريان الحيض عند إرادتها ، أو للخوف من عدو يمنع الإحرام بها ، لا يخلو إما أن يكون العدول في الأثناء أو الابتداء ، فإن كان في الأثناء وجب نية العدول ، بأن يقول : (أعدل من عمرة التمتع إلى حج الإفراد حج الإسلام لوجوبه قربة الى اللّه) ، ثمَّ يخرج إلى عرفات ، وفي العكس يقول (اعدل من حج الإفراد إلى عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى اللّه تعالى).

وإن كان العدول ابتداء قبل التلبس بالمعدول عنها لا يفتقر إلى ذكر العدول بالنية بل ينشئ الإحرام بالنسك المعدول إليه من غير ذكر العدول ، والعدول واجب عند العذر المسوغ له ، لأنه لا يتم الواجب الا به ، وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب.

قال رحمه اللّه : لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا على قول ، وقيل : إنما يحل المفرد دون السائق ، والحق أنه لا يحل إلا بالنية.

أقول : القارن والمفرد إذا دخلا مكة جاز لهما التطوع بالطواف قطعا ،

ص: 413


1- البقرة : 196.

وهل يجب عليهما تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف بالوجوب؟ قال الشيخان وسلار بالوجوب ، لحصول التحليل بالطواف مع وجوب الوقوف محرما ، ووجوب تأخير التحليل إلى الحلق ، والتلبية موجبة يعقد الإحرام ، فتسد الخلل الحاصل للإحرام من الإخلال بالطواف ، فلو لم يلب بطلت حجته وصارت عمرة مفردة ، وفي رواية يونس بن يعقوب (1) : وجوب التلبية على المفرد دون القارن.

وقال ابن إدريس : لا يحل إلا بالنية ولا يجب التلبية ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في محررة ، وقالوا باستحباب التلبية ، وهو المعتمد ، لأن الأعمال بالنيات ، وهو لم ينو التحلل ، فهو باق على إحرامه.

تنبيه : هل يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما على المضي إلى عرفات والوقوف بها اختيارا؟ بالمنع قال ابن إدريس لوجوب ترتيب المناسك ، والمشهور الجواز على كراهية.

قال رحمه اللّه : ويجوز للمفرد إذا دخل مكة أن يعدل إلى التمتع ، ولا يجوز ذلك للقارن.

أقول : إنما يجوز العدول إذا كان حجه ندبا ، أو نذر مطلقا ، أو متساوي المنزلين ، لا مطلقا ، ولا يلبي عقيب طوافه وسعيه ، ولو لبى أثم ولا تبطل متعته.

قال رحمه اللّه : ولو اقام من فرضه التمتع سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه ، وكان عليه الخروج من الميقات إذا أراد حجة الإسلام ، ولو لم يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من موضعه ، فإن دخل في الثالثة مقيما ثمَّ حج انتقل فرضه الى القران أو الافراد.

ص: 414


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 5 من أبواب أقسام الحج ، حديث 6.

أقول : مذهب المصنف هنا - وهو الانتقال بمضي سنتين - هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير.

وقال في النهاية والمبسوط : لا ينتقل فرضه عن التمتع إلا بمضي ثلاث سنين ، وبه قال ابن إدريس ، وهو ظاهر الشهيد ، والمعتمد الأول ، وعليه دلت الروايات الصحاح (1).

تنبيه : هذا البحث فيمن لا يجب عليه الحج قبل المجاورة ، أما لو كان مستطيعا قبل المجاورة ووجب عليه الحج تمتعا فإنه لم ينتقل فرضه عن التمتع لاستقراره عليه تمتعا ، فلا يسقط عنه بالمجاورة.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ، ولا إدخال أحدهما على الآخر ، ولا نية حجتين ولا عمرتين ، ولو فعل ، قيل : تنعقد واحدة ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف من أهلّ بحجتين انعقد إحرامه بواحدة منهما ، وكان وجود الأخرى وعدمها سواء ، ولا يتعلق بها حكم فلا يجب قضاؤها ولا الفدية ، وهكذا من أهلّ بعمرتين ، أو بحجة ثمَّ ادخل عليها أخرى ، أو بعمرة ثمَّ ادخل عليها أخرى ، والكلام فيما زاد عليه كالكلام فيه سواء.

وتردد المصنف في انعقاد هذا الإحرام ، لأن الواجب عليه أحد النسكين ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية ، ولأنه عقده على وجه منهي عنه فلا يقع صحيحا ، وهو المعتمد.

ص: 415


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب أقسام الحج.

ص: 416

في المواقيت

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت ، قيل : يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

أقول : القول الذي حكاه المصنف هو قول الشيخ في المبسوط ، وهو المعتمد ، وقال ابن الجنيد : ومن سلك البحر أو أخذ طريقا لا يمر فيه على هذه المواقيت كان إحرامه من مكة بقدر أقرب المواقيت إليها ، وقال ابن إدريس :

وميقات أهل البحر جدّة.

فرعان :

الأول : يكفي غلبة الظن في المحاذاة ، فلو تبين تقدم الإحرام على الميقات أعاد ، ولو تبين تأخره أجزأ.

الثاني : لو لم يحاذ ميقاتا احتمل الإحرام من أدنى الحل ، وهو المعتمد ، لأنه ميقات للمضطرين كالناسي ، وهذا مضطر لتعذر الميقات ومحاذاته عليه ، ويحتمل الإحرام من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة ، كما ذهب إليه ابن الجنيد ، لأن الاعتبار بالمحاذاة انما هو المساواة.

ص: 417

قال رحمه اللّه : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه ، قيل : يقضي إن كان واجبا ، وقيل : يجزيه ، وهو المروي.

أقول : المشهور عند الأصحاب الإجزاء ، وهو المعتمد ، ومستندهم رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما السلام «قال : سالته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تمَّ حجه» (1) ، وفي معناها رواية جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام ، «في رجل نسي أن يحرم ، أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ، قال : يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك ، وقد تمَّ حجه وإن لم يهلّ» (2) وفيها دلالة على ان المنسي هو التلبيات دون النية ، وهذه وإن كانت قاصرة الدلالة لكونها مرسلة ، أو لاقتضائها تنزيل الجهل منزلة النسيان - مع ان جاهل الحكم لا يعذر - فهي معتضدة يعمل الأصحاب إلا ابن إدريس ، فإنه أوجب القضاء ، قال : لأنه لم يأت بالعبادة على وجهها فيبقى في العهدة.

ونسب المصنف قوله في المختصر إلى الترجيح ، لأنه اجتهاد في مقابلة نص ، قال في المعتبر : ولست أدري كيف تخيل له هذا الاستدلال ولا كيف يوجبه ، فإن كان يقول الإخلال بإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك ، فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا انه أحرم أو جاهلا بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله. هذا آخر كلامه في المعتبر.

ص: 418


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 20 من أبواب المواقيت ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 20 من أبواب المواقيت ، حديث 2.

في أفعال الحج

قال رحمه اللّه : والمقدمات كلها مستحبة ، وهي : توفير شعر رأسه من ذي القعدة إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه.

أقول : ذهب المفيد رحمه اللّه إلى وجوب توفير الشعر ، قال : إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة ، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهرقه ، وهو ظاهر النهاية أيضا ، لرواية معاوية بن عمار (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال في الجمل : إنه مستحب ، واختاره ابن إدريس وأكثر الأصحاب ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة ، ولرواية سماعة (2) ، عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وقيل ان لم يجد ماء تيمم له.

أقول : القول المحكي هو قول ابن إدريس ، وجزم به العلامة في

ص: 419


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب الإحرام ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب الإحرام ، حديث 3.

القواعد ، وحكاه في التحرير ولم يتعرض له بقوة ولا ضعف ، وكذلك الشهيد.

والتحقيق : إن قلنا : إنه سنّ للتعبد استحب التيمم عند فقد الماء ، وإن قلنا : إنه سن لإزالة الدرن لم يستحب لعدم الفائدة.

قال رحمه اللّه : وان يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة الظهر أو فريضة غيرها ، وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان يقرأ في الأولى : الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية : الحمد ، وقل هو اللّه أحد ، وفيه رواية أخرى. ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

أقول : الرواية الأخرى بالعكس ، وهو أن يقرأ في الأولى : الحمد ، وقل هو اللّه احد ، وفي الثانية : الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وبها أفتى ابن إدريس ، وبأي الروايتين (1) عمل أتى بالمستحب.

فإن قيل : إن المصنف قال : ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان ، فقد رتب نافلة الإحرام على عدم اتفاق الفريضة ، ثمَّ قال : ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم يتضيق وقت الحاضرة. وهذا يشعر بالتناقض ، لأنه رتب في الأول فعل النافلة على عدم اتفاق الفريضة ، ثمَّ قدم ثانيا النافلة على الفريضة ما لم تتضيق الفريضة ، وهذا هو التناقض بعينه.

الجواب : لا نسلم حصول التناقض ، لأن الشارع قد عين الإحرام نافلة مخصوصة ، وجعل أفضله الواقع عقيب فريضة الظهر ، أو فريضة غيرها ،

ص: 420


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 15 من أبواب القراءة ، حديث 1 و 2 ، وفي المدارك أنه لم يعثر على مستند ما في المتن - 7 : 256.

ولا يلزم من إيقاعه عقيب الفريضة إسقاط النافلة التي قد خصصها الشارع له ، وإذا ثبت هذا ، فنقول : إذا اتفق الإحرام في وقت الظهر أو وقت فريضة غيرها قدم النافلة التي خصصها الشارع ، ثمَّ أتى بعدها بالفريضة ليوقع الإحرام عقيب النافلة والفريضة معا ليجمع بين الفضيلتين ، وهو فضيلة إيقاعه بعد النافلة وفضيلة إيقاعه بعد الفريضة وهذا مراد المصنف في قوله : (ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة ...) ، وإذا لم يتفق في وقت الفريضة صلى النافلة ثمَّ أحرم بعدها يكون قد أوقعه عقيب فضيلة واحدة ، فلا تناقض بين قوليه.

قال رحمه اللّه : ولو أحرم بالحج وكان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما ، وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة ، ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه.

أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ رحمه اللّه ، والفرق بين أشهر الحج وغيرها كون الزمان صالحا للحج والعمرة إذا كان في أشهر الحج ، ولهذا يتخير عند القائل به ، وفي غير أشهر الحج لا يصلح الزمان إلا للعمرة ، فلهذا يتعين فعلها.

والمعتمد البطلان للنهي عن القران بين النسكين ، وقد تقدم (1) البحث فيه.

قال رحمه اللّه : ولو قال كإحرام فلان ، وكان عالما بما ذا أحرم ، صحّ ، وان كان جاهلا ، قيل : يتمتع احتياطا ، ولو نسي بما ذا أحرم كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما.

ص: 421


1- ص 415.

أقول : إذا أحرم كإحرام فلان ، فإن كان عالما حالة الإحرام بإحرام فلان ، صح إحرامه قطعا ، وإن كان جاهلا ثمَّ علم فيما بعد ، قال الشيخ في المبسوط : انعقد إحرامه بمثله ، لأن أمير المؤمنين عليه السلام قال : إهلالا كإهلال نبيك وأجازه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم (1).

وإن تعذر العلم بإحرام فلان ، بموته أو غيبته ، قال الشيخ : يتمتع احتياطا ، وإن بان أن فلانا لم يحرم كان إحرامه موقوفا إن شاء صرفه إلى الحج وإن شاء إلى العمرة.

والمعتمد البطلان ، لأن الواجب عليه الإحرام بأحد النسكين ، وإنما يتميز أحدهما عن الآخر بالنية ، ويمنع كون أمير المؤمنين عليه السلام لم يعلم بإحرام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.

فرع : إذا شك بعد الطواف ، هل أحرم بالحج أو بالعمرة؟ قال العلامة : جعلها عمرة متمتعا بها ، واستحسنه الشهيد ، وهو حسن ، لما فيه من الاحتياط بالجمع بين الحج والعمرة ، ولو كان شكه قبل الطواف تخير بين الحج والعمرة ما لم يكن في ذمته أحدهما فيتعين.

فان قيل : ما الفرق بين حصول الشك قبل الطواف وبعده ، وجواز التخيير مع عدم لزوم أحدهما له وتعين الواجب عليه إذا حصل قبل الطواف ، وعدم تعين الواجب عليه ، وعدم جواز التخير إذا وقع بعد الطواف؟.

فإنا نقول : تبيين الفرق يفتقر إلى مقدمة ، وهي أن الشك انما يعتبر ويكون له حكم إذا وقع عقيب الأفعال المشتركة بين الحج والعمرة كالإحرام والطواف والسعي ، أما إذا وقع عقيب الأفعال المختصة بالحج كالموقفين ومناسك منى لم يعتبر ، فلا يكون له حكم ، ويبني على انه أحرم بالحج.

ص: 422


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب أقسام الحج ، حديث 4 و 25.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا حصل الشك عقيب الإحرام قبل التلبس بشي ء من الأفعال كان ذلك الزمان صالحا لإيقاع أفعال الحج وأفعال العمرة فيتخير حينئذ ما لم يكن عليه أحدهما فيتعين لحصول الترجيح ، لجريان عادة المكلف في الأغلب بالبدء بالواجب عليه ، وقد انعقد إحرامه صحيحا فيصرف إلى الواجب ، وإذا حصل الشك بعد الطواف لا يصح أن يصرفه إلى الحج ، لأن الطواف في الحج انما يقع بعد الموقفين ومناسك منى ، والأصل عدم الإتيان بهذه المناسك ، فيتعين صرفه إلى العمرة المفردة ، أو التمتع بها ، فإن صرفه إلى المفردة ، احتمل أن يكون قد أنشأه للحج فلا يبرأ بإتمام أفعال المفردة ، لقصورها عن أفعال الحج من الرمي والمبيت ، ووجوب صرفه إلى عمرة التمتع ليحصل الجمع بين الحج والعمرة بجميع أفعالهما ، فقد ظهر الفرق بين وقوع الشك قبل الطواف وبعده ، وباللّه المستعان.

قال رحمه اللّه : والقارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها ، وان شاء قلّد أو أشعر على الأظهر.

أقول : مذهب المصنف هو مذهب الشيخ رحمه اللّه وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح ، واختاره العلامة والشهيد ، وهو المعتمد.

وقال السيد المرتضى : لا ينعقد الإحرام إلا بالتلبية ، وتبعه ابن إدريس ، واستند الجميع إلى الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وصورتها أن يقول : لبّيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، وقيل : يضيف إلى ذلك : إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وقيل : بل يقول : لبيك اللّهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك

ص: 423


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 12 من أبواب أقسام الحج.

والملك ، لا شريك لك لبيك ، والأول أظهر.

أقول : الخلاف هنا في موضعين :

الأول : في العدد ، والمشهور أربع ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والتقي والقاضي وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، وقال السيد : إنها ست ، وقال ابنا (1) بابويه وابن الجنيد وابن أبي عقيل : إنها خمس.

الثاني : في الكيفية ذهب القائلون بالست إلى أن صورتها : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك (2) لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك).

وذهب القائلون بالخمس إلى أن صورتها : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبيك).

واختلف القائلون بالأربع في الكيفية على ثلاثة أقوال :

الأول : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك) ، وهو قول المصنف.

الثاني : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك لبيك) ، وهو قول الشيخ في المبسوط والقاضي وابن إدريس.

الثالث : قول العلامة وله عبارتان ، إحداهما : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك لا شريك لك (3) لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك (4) ، لا شريك

ص: 424


1- في «ن» و «ر 2» : ابن.
2- من «ن» و «م» و «ر 2».
3- لم ترد في «ر 1» و «ر 2» و «م».
4- في «ن» و «م» و «ر 2» : والملك لك.

لك لبيك) ، وهو مذهبه في المختلف.

والأخرى : (لبيك اللّهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك (1) لبيك) ، وهي المشهورة في كتبه.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل : نعم ، لجواز لبسهنّ له في الصلاة ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

أقول : الجواز مذهب المفيد وابن إدريس واختاره العلامة للأصل ، ولصحيحة يعقوب بن شعيب «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والديباج؟ قال : نعم لا بأس به ، وتلبس الخلخالين والمسك» (2) بفتح الميم وحركة السين المهملة ، وهي سوار من ذبل أو عاج تلبسه ، والمنع مذهب الشيخ وابن الجنيد ، واختاره الشهيد ، للاحتياط ، ولصحيحة العيص «قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين» (3).

تنبيه : القفّازان بالقاف المضمومة والفاء المشددة والزاي بعد الألف : شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة بيديها ، والقفازان أيضا يعمل للجوارح من جلد يمده الرجل على يده ، قال الشاعر :

تبا لذي أدب يرضى بمعجزة *** ولا يكون كباز فوق قفاز

ص: 425


1- لم ترد في «ن».
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 33 من أبواب الإحرام ، حديث 1.
3- المصدر المتقدم ، حديث 9.

قال رحمه اللّه : فلو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم للحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شي ء ، وقيل : عليه دم ، وحمله على الاستحباب أظهر.

أقول : مذهب الشيخ وعلي بن بابويه وأبي الصلاح وجوب الدم ، ومستندهم رواية إسحاق بن عمار (1) ، والاستحباب مذهب سلّار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، وهو المعتمد لرواية معاوية بن عمار (2) وعبد الرحمن بن الحجاج (3) ، ولأصالة البراءة ، ولقوله عليه السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (4).

قال رحمه اللّه : وإن فعل ذلك عامدا ، قيل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة ، وقيل : بقي على إحرامه الأول ، وكان الثاني باطلا ، والأول هو المروي.

أقول : إذا أحرم للحج عقيب سعي العمرة المتمتع بها قبل التقصير عامدا ، قال الشيخ رحمه اللّه تبطل متعته وتصير حجته مفردة ، لرواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، ورجحه العلامة في المختلف ، وقال ابن إدريس : يبطل إحرامه الثاني للنهي عنه ، ويبقى على إحرامه الأول. وهو المعتمد.

ويترتب على المذهبين مسائل :

الأولى : بطلان العمرة على مذهب الشيخ وبقاء حكمها على مذهب ابن إدريس ، فمتى رجع وقصر ثمَّ لحق الموقفين فقد أدرك النسكين.

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 54 من أبواب الإحرام ، حديث 6.
2- المصدر المتقدم ، حديث 3.
3- المصدر المتقدم ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 56 من أبواب جهاد النفس ، حديث 3.

الثانية : كونه مخاطبا بالتقصير من العمرة على مذهب ابن إدريس ، وبالوقوف بعرفات على مذهب الشيخ.

الثالثة : إذا لم يلحق الموقفين انقلب إلى المفردة للتحليل على القولين.

الرابعة : لو قصر كان عليه دم شاة على مذهب الشيخ ، لكونه محرما بالحج ، ولا شي ء عليه عند ابن إدريس ، لأنه فعل الواجب عليه.

الخامسة : لو أوصى إنسان ، أو وقف ، أو نذر شيئا للمحرمين بالحج ، استحق على مذهب الشيخ ، ولا يستحق على مذهب ابن إدريس.

السادسة : لو جامع فسد حجه على مذهب الشيخ ولحقه أحكام المفسد ، وعلى مذهب ابن إدريس يلزمه بدنة ، لكونه بعد السعي وقبل التقصير ، وعمرته صحيحة.

السابعة : لو كان ذلك ممن وجب عليه التمتع عينا كالآفاقي ، أو يكون متعيّنا عليه بنذر ، وجب عليه إكماله ولا يجزيه عما عليه ، لعدم جواز العدول اختيارا على مذهب الشيخ.

وعلى مذهب ابن إدريس يجب عليه التقصير ويتم به عمرته فإن كان الوقت متسعا لتدارك الحج وجب عليه إنشاء الإحرام له وتمت متعته ، وإن لم يتسع الوقت قضاه في القابل.

قال رحمه اللّه : لو نوى الإفراد ثمَّ دخل مكة جاز أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب ، فإن لبى انعقد إحرامه ، وقيل : لا اعتبار بالتلبية وانما هو بالقصد.

أقول : قد تقدم البحث في هذه وأن المراد به حج التطوع ، أو النذر المطلق ، أو حج ذي المنزلين وما عليه في التلبية (1) غير الإثم ، لكن المشهور

ص: 427


1- في هامش «ي 1» : الثلاثة.

اختيار المصنف ، لرواية أبي بصير (1).

قال رحمه اللّه : وروي : إذا كان الصبي مميزا أمره بالصيام عن الهدي ، ولو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.

أقول : لا خلاف في وجوب الهدي على الولي مطلقا ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز ، لأنه من لوازم الإحرام الحاصلة بفعل الولي ، لكن هل يجوز له أمر المميز بالصيام ويكون صومه مسقطا للهدي عن الولي؟ وردت في ذلك رواية (2) ، بمضمونها أفتى العلامة في القواعد ، ولم يجزم به المصنف.

وقيد الشهيد جواز الأمر بالصيام بعجز الولي عن الهدي ، وهو حسن لعدم جواز العدول إلى الصيام مع القدرة على الهدي ، فإذا كان الولي قادرا على الهدي وجب عليه ، وإن عجز عنه انتقل الفرض إلى الصوم ، فإن كان المميز قادرا عليه جاز فعله منه ، ومع العجز عنه وعجز الولي عن الهدي لا خلاف في وجوب الصوم على الولي.

قال رحمه اللّه : إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثمَّ أحصر تحلل ، وهل يسقط عنه الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ، وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر.

أقول : سقوط الهدي مذهب السيد المرتضى وابن إدريس ما لم يكن ساقه ، أو أشعره أو قلّده ، وأوجبه الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لعموم قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا

ص: 428


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 54 من أبواب الإحرام ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب الذبح ، حديث 8.

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1).

وفائدة الشرط جواز التحلل من غير تربص ، ومع عدم الاشتراط لا يجوز التحلل حتى يبلغ الهدي محله.

وابن الجنيد أجاز التحلل في الحال مطلقا ، سواء شرط أو لم يشرط ، والأقرب الاحتياج إلى التقصير ، ونية التحلل في المحصور والمصدود معا لتوقف تحلل المختار عليهما ، وكذلك هنا إذ لا مانع من الإتيان بهما ، ويحتمل عدم الاحتياج في التحلل إليهما ، لإطلاق التحلل بالهدي ، فلا يحتاج إلى غيره.

قال رحمه اللّه : وإن كان بعمرة مفردة ، قيل : كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة ، وقيل : إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والكل جائز.

أقول : المعتمر عمرة مفردة يستحب له تكرار التلبية ، فإن كان أهله خارج الحرم كرر حتى يدخل الحرم ، وان كان أهله فيه وقد خرج ليحرم بها من خارج أو ميقاتها له أدنى الحل كرر حتى يشاهد الكعبة ، وهو مذهب الشهيد ، وبه قال ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، وقال محمد بن بابويه بالتخيير ، وقال أبو الصلاح : إذا عاين البيت ، والمستند الروايات (2).

ص: 429


1- البقرة : 196.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 45 من أبواب الإحرام.

ص: 430

في تروك الإحرام

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو قيل لها المهر كله كان حسنا.

أقول : إذا ادعى الزوج وقوع هذا العقد حالة الإحرام ، وأنكرت المرأة ، فالقول قولها مع اليمين وعدم البينة ترجيحا لجانب الصحة ، قال الشيخ : ويجب لها نصف المهر إن لم يكن دخل. وفيه نظر ، لأنه إقرار في حق الغير فلا يقبل في حقه فيجب كمال المهر ، لأن المقتضي لوجوبه - وهو العقد - موجود ، ووجود المقتضي للتنصيف - وهو الطلاق - مفقود فيجب المهر كملا ، وهو المعتمد.

احتج الشيخ بأنه قد حرم عليه نكاحها باعترافه لوقوع العقد حالة الإحرام ، فكان كالطلاق قبل الدخول.

ولو كانت هي المدعية ، والزوج المنكر ليس لها مطالبته بشي ء ان كان قبل الدخول لاعترافها بعدم الاستحقاق ، وإن كان بعده استحقت أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل إن كانت جاهلة بالتحريم ، ومع علمها لا تستحق شيئا ، لكونها بغيه.

ص: 431

فروع :

الأول : لو أشكل الأمر فلم يعلم وقوعه في الإحرام أو الإحلال فالأصل الصحة ، وقال الشيخ : الأحوط تجديده.

الثاني : يلزم المنكر لوازم الزوجية فان كان الرجل حرمت عليه الخامسة وأختها وأمها وبنتها وان كان قبل الدخول ، وان كانت المرأة حرمت عليها الرجال ما لم يطلقها بان يقول ان كانت امرأتي فهي طالق ، ولا يضر هذا الشرط ، لأنه ليس شرطا حقيقيا ، لأن الشرط الحقيقي هو الذي يمكن وقوعه وعدم وقوعه في المستقبل ، وهذا ليس كذلك ، ولا يحل عليها أبوه ولا ابنه وان طلقها.

الثالث : يجوز للمحرم النظر إلى امة يريد شراءها وإلى امرأة يريد نكاحها ، والنظرة المحللة من الأجنبية بغير شهوة.

قال رحمه اللّه : وقيل : إنما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وقد يقتصر بعض على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر.

أقول : للشيخ في الطيب ثلاثة أقوال : الأول : إنه يحرم على العموم ، وهو قوله في المبسوط وهو مذهب السيد المرتضى والمفيد وابن أبي عقيل وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

الثاني : يحرم منه ستة ، المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وهو قوله في النهاية.

الثالث : يحرم أربعة المسك والعنبر والزعفران والورس ، وهو قوله في التهذيب ، والمستند في الجميع الروايات (1).

ص: 432


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب تروك الإحرام.

تنبيه : الطيب ما يطيب رائحته ويتخذ للشم ، والضابط : أن يكون معظم الغرض منه التطيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض ، كدهن البنفسج والورد والزعفران ، والورس بفتح الواو وسكون الراء : نبت أحمر قان يؤخذ من قشور شجر ينحت منها ويجمع ، وهو شبه الزعفران المسحوق يجلب من اليمن طيب الريح.

قال رحمه اللّه : ولبس المخيط للرجال ، وفي النساء خلاف ، والأظهر الجواز.

أقول : المنع من لبس المخيط للنساء مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط لعموم (1) تحريم المخيط على المحرم ، والمشهور الجواز ، وهو المعتمد ، لأنهنّ عورة وإنما يحصل الستر لهن بلبس المخيط.

تنبيه : لبس المخيط حرام ، ويجب بفعله عامدا الكفارة ، وليس شرطا في صحة الإحرام ، فلو لبسه وجب الفداء وصح إحرامه ، ولا يشترط في تحريم المخيط الإحاطة في (2) البدن فلو توشح به وجب الفداء ، وظاهر ابن الجنيد اشتراط الإحاطة ، وهو ظاهر القواعد.

قال رحمه اللّه : والاكتحال بالسواد على قول.

أقول : تحريم الاكتحال بالسواد مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال المفيد ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف والإرشاد ، لروايتي (3) معاوية بن عمار وزرارة عن الصادق عليه السلام ، وقال في الخلاف : إنه مكروه لأصالة الإباحة.

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 35 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 1 و 2.
2- كذا في النسخ.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 33 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 2 و 3.

قال رحمه اللّه : وكذا النظر في المرآة على الأشهر ، ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم ، فإن اضطر جاز ، وقيل : يشقهما ، وهو متروك.

أقول : هنا مسألتان

الأولى : النظر في المرآة ، وفيه قولان :

الأول التحريم ، قاله الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو مذهب أبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره العلّامة لصحيحة حماد ، عن الصادق عليه السلام «قال : لا تنظر في المرآة للزينة» (1).

وقال في الخلاف : انه مكروه ، وهو مذهب ابن البرّاج وابن حمزة ، لأصالة الإباحة.

الثانية : في وجوب شق الخفين إذا لبسا للضرورة ، قولان ، أحدهما : الوجوب ، قاله الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف للاحتياط ، ولصحيحة محمد بن مسلم (2).

والآخر : لا يجب ، وهو مذهب ابن إدريس لأصالة البراءة ، ولإطلاق الإباحة مع الضرورة.

قال رحمه اللّه : ولبس المرأة الحلي للزينة ، وما لم يعتد لبسه منه على الأولى.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في المبسوط ، والكراهة مذهبه في غيره ، للأصل.

قال رحمه اللّه : وإخراج الدم إلا عند الضرورة ، وقيل : يكره ، وكذا قيل : في حك الجلد المفضي إلى إدمائه ، وكذا في السواك والكراهية أظهر.

ص: 434


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 34 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 51 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 5.

أقول : قال المفيد والسيد المرتضى وابن البرّاج وأبو الصلاح وابن إدريس بتحريم الحجامة لغير ضرورة ، واختاره العلامة في المختلف لرواية الصيقل (1) ، ولأنه أحوط.

وقال الشيخ في الخلاف وابن حمزة : إنه مكروه للأصل.

وللشيخ قولان في دلك الجسد ، والسواك المفضي إلى الإدماء ، أحدهما : الكراهة للأصل ، والآخر : التحريم.

قال رحمه اللّه : ويجوز قلع شجر الفواكه والإذخر والنخل وعودي المحالة على رواية.

أقول : المحالة هي البكرة العظيمة التي يستقون عليها للإبل ، فمع الاحتياج إلى ذلك يجوز قطع العودين لتنصب عليهما البكرة ، لما رواه زرارة (2) ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنه رخص فيهما.

قال رحمه اللّه : ولبس السلاح لغير الضرورة ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : تحريم لبس السلاح لغير ضرورة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال أبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، والمستند الروايات (3).

وقيل : إنه مكروه ، للأصل ، واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : والنقاب للمرأة على تردد.

أقول : منشؤه من وجوب كشف الوجه ولا يتم الا بترك النقاب ، وما لا

ص: 435


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 62 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 87 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 54 من أبواب تروك الإحرام.

يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وفي رواية معاوية : «لا تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة» (1).

ومن أصالة الجواز وحمل الرواية على الكراهة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل : من دخلها لقتال جاز ، أن يدخل محلا كما دخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عام الفتح وعليه المغفر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب أن من دخل لقتال مباح لا يجب عليه الإحرام ، لا أعلم فيه خلافا ، ولا أجد قائلا بوجوب الإحرام عليه.

ص: 436


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 48 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 5.

في الوقوف

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا أو وقف بها ليلا ثمَّ لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقيل : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن.

أقول : التحقيق أن الوقوف ينقسم بالنسبة إلى الاختياريين والاضطراريين ، والاختياري وحده ، والاضطراري وحده ، واختياري عرفة ، واضطراري المشعر وبالعكس ، ثمانية أقسام :

الأول : لا خلاف في الإجزاء مع إدراك الاختياريتين.

الثاني : اختياري عرفة وحده ، والمعتمد الإجزاء ، وخرج العلامة وجها بعدم الإجزاء ، ولعله نظر إلى قول الصادق عليه السلام : «والوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة» (1) ، وهو محمول على ثبوته بالسنة لحصول الإجماع على وجوب الوقوف بعرفة.

الثالث : اختياري المشعر وحده ، وهو مجزي إجماعا.

ص: 437


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 19 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ، حديث 14.

الرابع : الاضطراريان ، ذهب المفيد إلى الاجزاء بهما ، وهو ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار ، وقيل : بالمنع لرواية محمد بن سنان (1) ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

الخامس : اختياري عرفة واضطراري المشعر ، وهو مجزي أيضا.

السادس : العكس ، يجزئ أيضا.

السابع : اضطراري المشعر وحده ، يجزئ عند محمد بن بابويه وابن الجنيد ، والمعتمد عدم الإجزاء.

الثامن : اضطراري عرفة وحده ، وهو لا يجزي إجماعا.

فروع :

الأول : الركن من الوقوف مقدار النية لا غير ، وما عداه واجب غير ركن ، ولهذا لو خرج (2) منها بعد النية لم يبطل حجه وكان عليه بدنة ، ولو خرج قبلها عامدا بطل حجه ، ويجوز إيقاع النية في جميع الحالات ماشيا وقاعدا وراكبا.

الثاني : قصد الوقوف بعرفة يستلزم معرفتها ، فلو مر بها وهو لا يعرفها ، أو سارت به دابته نائما لم يجز.

الثالث : لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي العقدة فوقف الناس تاسع ذي الحجة ، ثمَّ قامت البينة أنه العاشر ، احتمل الإجزاء دفعا لمشقة العود ، واحتمال أن يحصل مثله في القابل ولقوله عليه السلام «حجكم يوم

ص: 438


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث 4.
2- في «م» : أخرج.

يحجون» (1) ، ويحتمل عدم الاجزاء ، لقوله عليه السلام : «الحج عرفة» (2) ، ولم يحصل الوقوف بها فيفوت الحج.

الرابع : لو وقفوا يوم التروية غلطا في العدد كان احتمال عدم الإجزاء أقوى ، والفرق : أن نسيان عدد الشهر لا يتصور من الحجيج فلا يعذرون في ذلك ، لأنهم فرطوا ، ولا يحتمل تصور ذلك في القضاء.

الخامس : لو شهد واحد فما زاد برؤية هلال ذي الحجة فرد الحاكم شهادتهم ، وقفوا اليوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقف الناس العاشر عندهم.

السادس : لو غلطوا في المكان فوقفوا في غير عرفة لم يجز.

قال رحمه اللّه : ولو نوى الوقوف ثمَّ نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه ، وقيل : لا ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : المواضع التي يجب أن يكون الإنسان فيها مفيقا حتى تجزيه أربعة : الإحرام والوقوف بالموقفين والطواف والسعي ، وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء ، وكذلك طواف النساء ، وكذا حكم النوم ، قال : والأولى أن يقول : ويصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان نائما ، لأن الفرض الكون فيه لا الذكر ، قال ابن إدريس : هذا غير واضح ولا بد من نية الوقوف بغير خلاف ، قال : والأولى عندي أنه لا يصح منه شي ء من العبادات والمناسك إذا كان مجنونا ، لأن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : «الاعمال بالنيّات» (3) ، والمجنون لا إرادة له ، والمعتمد ما اختاره المصنف ،

ص: 439


1- الدروس الشرعية 1 : 420.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب إحرام الحج ، حديث 3.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 6.

أنه (1) إذا نوى حالة الإفاقة ثمَّ نام ، أو جن أو أغمي عليه أجزأ ، لأن الواجب الكون مع النية وقد حصل ، ولا يجب استمرار الإفاقة في جميع الوقت.

قال رحمه اللّه : وأن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر ، فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه إذا كان وقف بعرفات وجبره بشاة.

أقول : مبنى هذه المسئلة على أن الوقوف بالمشعر ليلا وقت المضطرين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن العليل والمريض وخائف الزحام يجوز لهم الخروج من المشعر قبل طلوع الفجر ، وظاهر ابن إدريس عدم كون الليل وقتا ، وحكم ببطلان حج من أفاض قبل طلوع الفجر وإن وقف ليلا ، قال : لأن الوقوف في وقته ركن من أركان الحج إجماعا ، ولا خلاف أن من أخلّ بركن عامدا بطل حجه.

والمشهور عدم البطلان وهو المعتمد ، لأنه أتى بالمأمور به وهو ذكر اللّه تعالى عند المشعر الحرام لقوله تعالى ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (2) ، وإن عنى ابن إدريس بالركن الذي يبطل الحج بالإخلال به عمدا الوقت الاختياري خاصة فهو ممنوع ، وإن عنى به الاختياري والاضطراري فقد أتى بأحدها ، فلا يكون قد أخلّ بالركن.

قال رحمه اللّه : وقيل : يستحب الصعود على قزح ، وذكر اللّه عليه.

أقول : القائل بذلك الشيخ وتبعه الباقون ، ولما لم يظفر المصنف بسنده من الروايات قال : (وقيل) ، كما جرت عادته في هذا الكتاب. وقزح جبل صغير بالمشعر وعليه مسجد اليوم.

ص: 440


1- في «ن» : لأنه.
2- البقرة : 198.

قال رحمه اللّه : وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف.

أقول : المشهور عند المتأخرين من الأصحاب منع إخراج الحصى من سائر المسجد ، لعموم (1) المنع من إخراج الحصى من المسجد ، ولم يرد الأمر من الشارع بالإباحة ولم يستثن قدماء الأصحاب عدا المسجدين لأصالة الإباحة ، وعدم ورود الأحاديث بالمنع من غيرهما.

ص: 441


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 26 من أحكام المساجد.

ص: 442

في نزول منى

قال رحمه اللّه : ولا يجزي واحد في الواجب إلا عن واحد ، : وقيل : يجزي مع الضرورة وعن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد ، والأول أشبه ، ويجوز ذلك في الندب.

أقول : القول بالإجزاء عن أكثر من واحد عند الضرورة ، مذهب المفيد والقاضي وأكثر المتقدمين ، واختاره العلامة في المختلف.

وقال علي بن بابويه يجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت واحد ، وبه قال سلار ، وقال الشيخ في الخلاف لا يجزي الواحد إلا عن واحد ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، وهو المعتمد ، ومع العجز ينتقل إلى الصيام ، والمراد بالندب الأضحية لا الحج المندوب ، لأنه يصير واجبا بالشروع ، ولا فرق في الأضحية بين الاختيار والاضطرار ، ولا بين منى وغيرها من الأمصار ، ومستند الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : والوقوف بعرفات المستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد ، وتبرك في سواد وتمشي في مثله ، أي يكون لها ظل تمشي فيه ، وقيل : أن تكون هذه

ص: 443


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب الذبح.

المواضع منها سودا ، وأن تكون مما عرف به.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تفسير هذه الصفات ثلاثة أقوال :

الأول : أن يكون هذه المواضع منها سواد ، وهو قول ابن إدريس ، قال : وقال أهل التأويل : أن يكون من عظمه وشحمه ينظر في شحم ويمشي فيه ويبرك في ظل شحمه.

الثاني : أن يكون قد رعى ومشى وبرك في الخضرة فسمن لذلك.

الثالث : أن يكون سمينا ، كما نقله ابن إدريس عن أهل التأويل ، واختاره العلامة ، لأنه أنفع للفقراء ، وقال الراوندي : والثلاثة مروية (1) عن أهل البيت عليهم السلام وفي رواية : «ويبعر في سواد» (2).

الثانية : أن يكون قد حضر عرفات سواء كان الذي أحضره مشتريه أو بائعه ، ويكفي فيه قول البائع ، وقال ابن حمزة بوجوب الصفتين ، أعني السمن والتعريف ، لقول الصادق عليه السلام : «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد ويمشي في سواد» (3) ، وروى أبو بصير عنه عليه السلام «انه ما كان يضحي إلا بما عرّف به» (4) ، والمشهور الاستحباب.

قال رحمه اللّه : وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر.

أقول : الوجوب مذهب ابن إدريس للآية ، واختاره العلامة وأبو

ص: 444


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 14 من أبواب الذبح.
2- المصدر المتقدم ، حديث 6.
3- نفس المصدر ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 17 من أبواب الذبح ، حديث 2.

العباس ، وهو المعتمد وظاهر الشيخ والتقي الاستحباب.

تنبيه : وعلى القول بوجوب الأكل يجزي أقل ما يكون ولو قطعة من كبده ، ولو أخل به فعل حراما ولا ضمان ، ولا يكفي في الصدقة والإهداء أقل من الثلاثين ، ولو أخل بهما أو بأحدهما ضمن إن أكله ، أو تلف بتفريط منه ، ومع عدم التفريط لا ضمان.

قال رحمه اللّه : ومن فقد الهدي ووجد ثمنه ، قيل : يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، وقيل : ينتقل فرضه الى الصوم ، وهو الأشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ والسيد المرتضى وابني بابويه ، واختاره المصنف في المختصر ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد ، لأن واجد الثمن كواجد الهدي ووقته باق وهو ذي الحجة ، فإن وجده في ذي الحجة ، وإلا اشتراه في القابل في ذي الحجة وذبحه ، وعليه دلّت رواية (1) حريز.

والثاني مذهب ابن إدريس والحسن بن ابي عقيل ، واختاره المصنف هنا ، احتج ابن إدريس بأن اللّه تعالى لم ينقلنا عند عدم الهدي الا إلى الصوم (2) ، ولم يجعل واسطة ، فمن أثبتها فعليه الدلالة.

قال رحمه اللّه : وصوم السبعة بعد وصوله إلى أهله ، ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح.

أقول : المعتمد عدم وجوب التتابع في السبعة ، وهو المشهور بين الأصحاب لأصالة براءة الذمة عن وجوب التتابع ، وللأخبار (3) الدالة على عدم وجوبه.

ص: 445


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 44 من أبواب الذبح ، حديث 1.
2- البقرة : 196.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 55 من أبواب الذبح ، حديث 1.

وقال أبو الصلاح بوجوب الموالاة ، لأن الأمر يقتضي الفور ، ولأنه أحوط.

قال رحمه اللّه : ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم ، وجب ان يصوم وليّه عنه الثلاثة دون السبعة ، وقيل : بوجوب قضاء الجميع ، وهو الأشبه.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه : من مات قبل أن يصوم شيئا مع تمكنه قضى الولي الثلاثة دون العشرة ، وهو قول ابن حمزة ، وقال ابن إدريس بوجوب قضاء ما يتمكن الميت منه ولم يقضه.

وقال أبو العباس في محررة : ولو مات من وجب عليه الصوم صام الولي عنه ما عليه ، قال : ولا يراعى في وجوبها وصول بلده ولا تمكنه من صيامها ، لأنها بدل النسك.

فإن كان مراده في وجوبها على الميت دون وجوب القضاء على الولي فهو مسلم ، لكنه كلام موهم ، لأنه في سياقه بحث وجوب القضاء على الولي ، ومع إيهامه فهو خال عن الفائدة لسقوط التكليف عن الميت ، وعدم مخاطبة الولي بما وجب على ميته ، فلا فائدة في تحقيق سبب الوجوب.

وإن كان مراده في الوجوب على الولي ، فهو خلاف فتاوي الأصحاب ، أو معظم فتاويهم التي تدل على وجوب القضاء على الولي مقيدة بتمكن الميت من الصوم ، ولم يصم ، ولم أجد في فتاويهم ما يساعده غير ظاهر القواعد ، ولا دلالة فيه على عدم التمكن ، لأنه قال : ولو مات من يجب عليه الصوم قبله صام الولي عنه العشرة وجوبا على رأي وإن لم يصل بلده ، وعدم الوصول إلى البلد لا يدل على عدم التمكن بمضي زمان كان يمكنه فيه إيقاع الصوم.

قال فخر الدين : المدعى ان من وجب عليه الصوم بدل الهدي وتمكن من صوم العشرة ولم يفعل ثمَّ مات وجب على الولي قضاء العشرة. وقال في

ص: 446

التحرير : ولو لم يتمكن من صيام السبعة أو بعضها وجب على الولي قضاء ما تمكن الميت من فعله ولم يفعله ، واستحب له قضاء الباقي.

وقال في الدروس : ولو مات قبل الصوم مع تمكنه صام الولي عنه العشرة ، لرواية معاوية بن عمار ، وخص الشيخ الوجوب بالثلاثة وأكثر فتاويهم على هذا المنوال ، ولعله رحمه اللّه نظر إلى إطلاق رواية معاوية بن عمار ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام «قال : من مات ولم يكن له هدي فليصم عنه وليه» (1) والرواية وان كانت مطلقة فالفتاوي مقيدة ، ولكن هو أعلم بما قال ، وهو أكرم أن يقول لا عن علم.

ص: 447


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 48 من أبواب الذبح ، حديث 1.

ص: 448

في الحلق والتقصير

قال رحمه اللّه : ويتأكد في حق الضرورة ومن لبّد شعره ، وقيل : لا يجزيه إلا الحلق ، والأول أظهر.

أقول : التخيير بين الحلق والتقصير مطلقا مذهب الشيخ في أحد قوليه وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لعموم قوله تعالى ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (1) والجمع غير مراد فتعين التخيير.

وقال الشيخ في النهاية : لا تجزي الصرورة والملبّد إلا الحلق ، لرواية أبي بصير (2) عن الصادق عليه السلام الدالة على وجوب الحلق للصرورة ، ورواية معاوية بن عمار (3) الدالة على وجوب الحلق على الملبد.

تنبيه : تلبيد الشعر أن يأخذ عسلا وصمغا ويجعله على رأسه لئلا يقمل ،

ص: 449


1- الفتح : 27.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 7 من أبواب الحلق والتقصير ، حديث 5.
3- المصدر المتقدم ، حديث 1.

والحلق أفضل مطلقا ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم «قال : رحم اللّه المحلقين ثلاثا ، ثمَّ قال : والمقصرين مرة» (1).

وزيادة الترحم تدل على الأولوية.

قال رحمه اللّه : ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي ، فلو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء ، وعليه اعادة الطواف على الأظهر.

أقول : عدم وجوب إعادة الطواف على الناسي مذهب محمد بن بابويه ، رواه فيمن لا يحضره الفقيه عن جميل بن دراج (2) ، وقال الشيخ : إن فعل ذلك عمدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء وكان عليه إعادة الطواف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه طاف على غير ما أمر به فيبقى في عهدة التكليف ، ولرواية علي بن يقطين (3) الدالة على وجوب إعادة الطواف.

والعامد يجب عليه الدم دون إعادة الطواف.

قال رحمه اللّه : ومن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه.

أقول : هل إمرار الموسى واجب أو ندب؟ نقل الشيخ في الخلاف الإجماع على استحبابه ، واستشكله العلامة في التحرير ، وأصل الفتوى : «إن رجلا من خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي فاستفتي الصادق عليه السلام فأمر أن يلبى عنه ويمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك

ص: 450


1- نفس المصدر ، حديث 13.
2- الفقيه 2 : 301 ، والوسائل ، كتاب الحج ، باب 39 من أبواب الذبح ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 4 من أبواب الحلق والتقصير ، حديث 1.

يجزي عنه» (1) ، ولا اشكال أن الأمر للوجوب ، ولأن الاجزاء إنما يستعمل في الوجوب ، وقوله عليه السلام يدل عليه لقوله : «فإن ذلك يجزي عنه».

ومن أن الحلق انما يكون للشعر ، فمع عدمه يسقط لفوات محله فيكون إمرار الموسى مستحبا (2) ، وهو أقوى.

ص: 451


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 11 من أبواب الحلق والتقصير ، حديث 3.
2- في «ن» بزيادة : وهو يجزي عنه.

ص: 452

في الطواف

اشارة

قال رحمه اللّه : الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الأظهر ، وفي النافلة مكروهة.

أقول : مراده بالزيادة هنا القران بين طوافين من غير أن يفصل بينهما بصلاة ، ولا بظن ظان أن مراده بالزيادة غير هذا المعنى ، لأن تعمد الزيادة على غير هذا المعنى مبطل إجماعا ، قال في المختصر : والقران مبطل في الفريضة على أشهر الروايتين.

قال أبو العباس في مهذبه ومقتصره بعد تفسير معنى القران : وهل هو محرّم أو مكروه؟ بالأول قال الشيخ والمصنف في كتابيه ، يعني المختصر والشرائع ، وهو لم يذكر القران في الشرائع في غير هذه المسئلة ، فدل على أن مراد أبي العباس في اختيار المصنف في الشرائع تحريم القران هذه المسئلة.

إذا عرفت هذا فالتحريم مذهب الشيخ والمصنف والعلامة ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه شديد الكراهية ، وحجة الأولى الروايات (1) الدالة على

ص: 453


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 30 من أبواب الطواف.

مطلوبهم ، وحجة ابن إدريس الأصل ، وصحيحة زرارة (1). والمعتمد التحريم.

قال رحمه اللّه : واستلام الحجر على الأصح.

أقول : المشهور الاستحباب لأصالة البراءة ، وقال سلّار بالوجوب.

قال رحمه اللّه : وان يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله على سكينة ووقار مقتصدا في مشيه ، وقيل : يرمل ثلاثا ويمشي أربعا.

أقول : المشهور الأول ، وهو الاقتصاد في المشي لا إسراع ولا إبطاء ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو العباس وابن إدريس وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، واختاره العلامة.

وقال في المبسوط : يستحب ان يرمل ثلاثا ويمشي أربعا ، هذا في طواف القدوم فحسب اقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، لأنه كذلك فعل ، رواه جعفر بن محمد عليهما السلام (2).

تنبيه : الرمل هو الإسراع بالمشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعد ، ويسمى الخبب.

والمراد بالطواف المسنون استحباب الرمل فيه على الخلاف هو طواف القدوم ، فلا رمل في طواف النساء والوداع إجماعا ، ولا في طواف حج التمتع ولا المفرد إذا كان قد دخل مكة أولا ، ولو لم يدخل مكة حتى وقف رمل في طواف الحج ، لأنه قادم الآن ، ولا فرق في طواف القدوم بين أن يكون واجبا أو ندبا ، ولا بين أن يكون عقيبه سعي كطواف العمرة المتمتع بها وطواف المفرد الذي

ص: 454


1- المصدر السابق ، حديث 7.
2- المبسوط 1 : 356. والرواية في المستدرك 9 : 2. حديث 2.

لا يدخل مكة إلا بعد الوقوف ، أو لا يكون عقيبه سعي كطواف المفرد إذا دخل مكة قبل الوقوف فطاف بها ندبا.

فروع :

الأول : على القول باستحباب الرمل ، لو أدّى إلى أذاه أو أذى غيره ترك قطعا ، ولو أدى إلى مخالطة النساء ترك أيضا خوف الافتتان.

الثاني : لو تعذر الرمل في موضع من الطواف (1) رمل في غيره ، ولو احتاج إلى التباعد عن البيت ففي ترجيحه تحصيلا للرمل على التداني من البيت نظر ، من حيث أن الرمل فضيلة متعلقة بموضع العبادة ، ومراعاة ما تعلق بنفسها أولى من مراعاة ما تعلق بموضعها ، ومن وقوع الخلاف في الرمل دون القرب من البيت ، فيكون مراعاة المجمع عليه أولى من مراعاة المختلف فيه.

الثالث : لو كان محمولا رمل الحامل به إذا لم يؤد الى أذى أحدهما.

الرابع : لا رمل على النساء ولا الخنثى ولا المريض.

الخامس : لو ترك الرمل في شوط أتى به في شوطين ، ولو تركه في شوطين أتى به في الثالث ، ولو تركه في الثلاثة فات محله ولم يأت به فيما بعده.

قال رحمه اللّه : من نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع ، قيل : عليه بدنة والرجوع إلى مكة ، وقيل : لا كفارة عليه ، وهو الأصح ، ويحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر.

أقول : وجوب الكفارة مذهب الشيخ ، وقال ابن إدريس : لا كفارة إلا على من واقع بعد الذكر ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، أما وجوب العود مع القدرة فمجمع عليه ، لأن طواف الزيارة ركن ، ومن ترك

ص: 455


1- في هامش «ن» و «ي 1» : المطاف.

ركنا نسيانا وجب عليه العود والإتيان به بنفسه مع القدرة ، ومع التعذر يستنيب فيه.

تنبيه : الفرق بين الركن والفعل في الحج أن الركن يبطل الحج بتركه عمدا ، وإن تركه نسيانا وجب عليه العود والإتيان به بنفسه مع القدرة ، ومع التعذر يستنيب فيه. وفسر التعذر هنا بمعنيين ، أحدهما : المشقة الكثيرة ، والثاني : تعذر الاستطاعة المعهودة.

وأما الفعل فإن تركه نسيانا جاز الاستنابة فيه وإن قدر على الإتيان به بنفسه ، وان تركه عامدا لم يبطل حجه إذا لم يترتب عليه ركن ، كطواف النساء أو رمي الجمار ، وإن ترتب عليه ركن بطل حجه من حيث ترك الركن ، لأن الركن المترتب على الفعل المتروك عمدا كلا فعل كركعتي الطواف إذا تركهما عمدا لا يبطل حجه من حيث تركهما ، لأنهما فعل ، فإذا سعى بعد تركهما عامدا وقع سعيه باطلا ، فإذا استمر ولم يتدارك صلاة الطواف والسعي بطل حجه لا من حيث تعمد ترك الصلاة ، بل من حيث بطلان الركن المترتب عليهما ، فهذا فرق بين الركن والفعل.

وأركان الحج والعمرة أربعة عشر ، ستة للعمرة وهي النية ، والإحرام بالعمرة ، والتلبيات الأربع ، والطواف ، والسعي ، والترتيب بين هذه الأفعال ، وهذه أركان في الحج ، ويزيد على العمرة ركنان : الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر.

وأفعال عمرة التمتع ثلاثة ، لبس ثوبي الإحرام ، وصلاة الطواف ، والتقصير ، وتزيد المفردة طواف النساء وركعتاه.

وأفعال الحج تسعة ، لبس ثوبي الإحرام ، ومناسك منى ثلاثة ، وهي : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق أو التقصير ، وركعتا طواف الزيارة ،

ص: 456

وطواف النساء ، وركعتاه ، والمبيت بمنى ليالي التشريق ، ورمي الجمرات الثلاث.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة ، ومنهم من خصّ ذلك بطواف العمرة ، نظرا إلى تحريم تغطية الرأس.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في النهاية ، والكراهة مذهبه في المبسوط ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه في طواف الحج حرام في طواف العمرة ، واختاره العلامة ، لأن تغطية الرأس في طواف العمرة حرام ، وفي طواف الحج جائز على كراهية.

وهذا حكم عام في البرطلّة وغيرها ، فإن كل تغطية فهي محرمة في طواف العمرة مكروهة في طواف الحج ، فلا فائدة في التخصيص بالبرطلّة ، ويلزم من التخصيص بالنسكين جوازه في غيرهما.

والظاهر أن طواف العمرة خارج عن هذا البحث للإجماع على تحريم تغطية الرأس فيه بكل ساتر.

يبقى البحث في طواف الحج أو مطلق الطواف وإن كان مندوبا ، ويكون على الكراهية الشديدة لما في لبسها من التشبه باليهود ، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم (1) ، ولهذا يكره لبس السواد ، لأنه لباس فرعون (2) ، وروى الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن يزيد بن خليفة ، قال : «رآني أبو عبد اللّه عليه السلام أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة ، فقال لي بعد ذلك : فقد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة فلا تلبسها حول الكعبة ، فإنها من زي اليهود» (3) فيكون شدة كراهة لبسها لهذه العلة.

ص: 457


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 19 من أبواب لباس المصلي ، حديث 8.
2- نفس المصدر ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 67 من أبواب الطواف ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : من نذر أن يطوف على أربع ، قيل : يجب عليه طوافان وقيل : لا ينعقد النذر ، وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : انعقاد النذر ويجب طوافان ، أحدهما ليديه ، والآخر لرجليه ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه محتجا برواية السكوني (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثاني : بطلان النذر من رأس ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه لم يتقيد بصورة هذا النذر ، فكأنه نذر صورة غير مشروعة ، فيقع باطلا.

الثالث : بطلان النذر إن كان الناذر رجلا ، وصحته إن كان امرأة وقوفا على موضع النص (2).

ص: 458


1- الباب 70 من المصدر المتقدم حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 1 و 2.

في السعي

قال رحمه اللّه : ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم ، فأحل وواقع النساء ثمَّ ذكر ما نقص ، كان عليه دم بقرة على رواية ، ويتم النقصان ، وكذا قيل : لو قلّم أظفاره ، أو قصّ شعره.

أقول : العمل بمضمون الرواية (1) مذهب الشيخ في أحد قوليه ، وابن إدريس في أحد قوليه أيضا ، وهو مذهب العلامة وفخر الدين وأبي العباس ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في باب الكفارات من النهاية : لا كفارة عليه لأصالة براءة الذمة ، وهذا الحكم مختص بعمرة التمتع على ما تضمنته رواية سعيد بن يسار (2) ، فالحج لا يتأتى فيه ذلك لحلقه قبل السعي بمنى ، فلا يحرم عليه القلم ، والمفردة لم يرد النص فيها بشي ء ، فينبغي ان يرجع فيها إلى القواعد الممهدة ، ولا شك أن مواطن التحلل في المفردة إتيان الحلق أو التقصير بعد السعي ، ويحل به ما عدا النساء وطواف النساء بعد الحلق ، ويحللن به ، فإذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعة في المفردة كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي ،

ص: 459


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 14 من أبواب السعي ، حديث 2.
2- لاحظ الباب السابق من المصدر المتقدم.

وان ذكر النقص بعد قلم الأظفار كان عليه في كل أظفر مد ، فإن قلم أظفار يديه أجمع كان عليه فيها شاة ، وإن قلم أظفار رجليه أيضا واتحد المجلس اجتزأ بالشاة ، وإلا فشاتان.

وأما عمرة التمتع : فاختصت بالنص في وجوب البقرة. وخالفت هذه الرواية الأصول الممهدة من أربعة وجوه :

الأول : عدم إعذار الناسي ، وهو خلاف فتاوي الأصحاب ، بإسقاط الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد.

الثاني : أن مع الجماع يجب بقرة ، والواجب فيه مع العمد وفي غير هذا الموضع بدنة.

الثالث : وجوب البقرة في تقليم الأظفار ، والواجب في جميعها وفي غير هذا الموضع شاة.

الرابع : مساواة الجماع لتقليم الأظفار في الكفارة.

لكن يجب ترك الاعتراض (1) ، واتباع النقل عن أهل البيت عليهم السلام ، لأن قوانين الشرع لا يضبطها العقل ، ولا يستقل بعللها ، فيرجع إلى النقل عنهم عليهم السلام.

ص: 460


1- في «ن» و «ر 2» : الاعراض.

في الأحكام المتعلقة

بمنى قال رحمه اللّه : فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة أو يخرج من منى بعد نصف الليل ، وقيل : بشرط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر ، وقيل : لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه ، وهو محمول على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ، أو لم يتق الصيد والنساء.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ، وقال الشيخ في التبيان باستحبابه ، وهو نادر.

وحدّ المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل ، فلو خرج بعده لم يكن عليه شي ء ، وهل يجب عليه تأخير الدخول إلى مكة حتى يطلع الفجر؟.

قال الشيخ : نعم ، والمشهور عدم الوجوب ، بل هو مخير إن شاء دخل مكة ، وإن شاء بات بقية ليلته بغير مكة وغير منى ، ولا يجب في المبيت بمنى غير النية ، وإذا بات بغير منى لا يخلو : إما أن يبيت بمكة أو غيرها.

الأول : أن يبيت بغير مكة ، وهذا لا يخلو : إما ان يكون متقيا ، أو غير متق ، فإن كان متقيا وكان خروجه من منى قبل غروب الشمس وجب عليه

ص: 461

شاتان ، وإن لم يكن متقيا ، أو كان خروجه منها بعد الغروب لزمه ثلاث شياه.

هذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية والعلامة في المختلف وابن إدريس بوجوب الثلاث ، ولم يفصلوا ، ووجوب الكفارة عن الليلة الثالثة عند القائل به من غير تفصيل مترتب على الإخلال بالليلتين السابقتين ، أما لو بات بها ليلتين وبات الثالثة في غيرها ، وكان متقيا ، وخرج منها قبل الغروب لم يلزمه شي ء إجماعا لجواز نفور المتقي يوم الثاني عشر.

الثاني : أن يبيت بمكة ، ولا يخلو : إما أن يبيت مشتغلا بالعبادة ، أو غير مشتغل ، فإن كان الثاني وجبت الكفارة أيضا ، وإن كان الأول لم يجب.

تنبيه : إذا جاز مبيته بمكة للعبادة ، جاز خروجه من منى إليها وإن كان بعد غروب الشمس ، ويجب استيعاب الليلة بالعبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء ، أو شرب ، أو نوم يغلب عليه لا يمكنه دفعه.

ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى - وهو أن يتجاوز نصف الليل متعبدا - ثمَّ له الترك بعد ذلك ، لأن مبيته بمكة مشتغلا بالعبادة عوض المبيت بمنى ، والواجب المبيت بها إلى بعد نصف الليل ، فيكون حكم العوض - وهو الاشتغال بالعبادة - حكم المعوض ، وهو قريب.

ولا فرق بين أن تكون العبادة واجبة أو مستحبة ، والعبادة أعم من أن تكون طوافا ، أو صلاة ، أو قراءة قرآن أو دعاء ، أو تسبيحا ، بأي شي ء أتى من هذه الأقسام خرج من العهدة ، لكن المبيت بمنى أفضل وإن لم يتعبد ، لأنها دار الضيافة والقوم أضياف اللّه تعالى ، وللخروج عن الخلاف ، لأن ابن إدريس أوجب الكفارة على من بات بمكة وإن كان مشتغلا بالعبادة.

ص: 462

قال رحمه اللّه : والتكبير بمنى مستحب ، وقيل : واجب ، وصورته : اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، اللّه أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.

أقول : الوجوب مذهب الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، والمشهور الاستحباب للأصل.

احتج الموجب بقوله تعالى ( وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (1) ، والمراد به التكبير لرواية محمد بن مسلم الحسنة ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن قول اللّه تعالى ( وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : التكبير في أيام التشريق» (2).

قال رحمه اللّه : يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة ، وقيل : يحرم والأول أصح.

أقول : التحريم مذهب الشيخ وابن البرّاج لقوله تعالى ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (3) ، والخلاف هنا مبني على تفسير المسجد الحرام ، هل هو مجموع مكة ، أو المسجد نفسه؟ قيل بالأول لقوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (4) ، وكان الإسراء من دار أم هاني ، وهي خارجة عن المسجد نفسه ، فدلّ على أن جميع مكة مسجد ، ولقوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَالْمَسْجِدِ

ص: 463


1- البقرة : 103.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 8 من أبواب العود إلى منى ، حديث 4.
3- الحج : 25.
4- الاسراء : 1 ، وفي مجمع البيان أن الاسراء كان من دار أم هاني.

الْحَرامِ ) (1) ، وكان صد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن مكة ، وأجيب بأن تسمية مكة بالمسجد مجاز للحرمة والشرف ، والضمير الراجع إلى المسجد الحرام حقيقة ، فعلى الأول يحرم المنع ، وعلى الثاني - وهو أن المراد بالمسجد الحرام هو المسجد نفسه - يكره المنع لقوله عليه السلام : «الناس مسلطون على أموالهم» (2) ، وقد قال اللّه تعالى ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) (3) ، أضاف الديار إليهم ، والمفهوم من الإضافة الملك ، فإن الإضافة قد تكون للملك ، وقد تكون لغيره ، ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه اللّه : يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : التحريم مذهب الشيخ ، لتعظيم الكعبة شرفها اللّه تعالى ، ولقول أبي جعفر عليه السلام : «لا ينبغي لأحد رفع بناء فوق الكعبة» (4) ، وهو يحتمل الوجوب والاستحباب ، وقضية الاحتياط حمله على الوجوب ، والقائل بالكراهية حمله على الاستحباب ، لأصالة الجواز.

ص: 464


1- الحج : 25 ، وفي كنز الدقائق ان سبب نزول الآية هو صدّ قريش للنبي صلى اللّه عليه وآله عن مكّة.
2- عوالي اللئالي 1 : 222.
3- الحج : 40.
4- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 17 من أبواب مقدمات الطواف ، حديث 1.

في الإحصار والصد

قال رحمه اللّه : ولو خشي الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتحقق ، ثمَّ يتحلل بعمرة.

أقول : معناه : إذا كان له طريق غير موضع الصد ، وكان معه نفقة تكفيه وجب عليه سلوكها ، ولم يجز له التحلل ، سواء بعدت أو قربت ، خاف الفوات مع سلوك تلك الطريق أو لم يخف ، لأنه إنما يجوز له التحلل بالصد لا بخوف الفوات ، وهو غير مصدود عن الأبعد فيمضي في إحرامه ، فإن كان محرما بعمرة لم تفت ، وأتى بها في وقت الإمكان لعدم تعينها بزمان ، وإن كان إحرامه بحج صبر حتى يتحقق الفوات ، ثمَّ يتحلل بعمرة ، كما قاله المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو كان ساق ، قيل : يفتقر إلى هدي التحلل ، وقيل : يكفيه ما ساقه ، وهو الأشبه.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور الذي عليه أكثر الأصحاب ، وهو الاكتفاء بهدي السياق عن هدي غيره للتحلل ، لأنه مملوك لم يخرج عنه بالسياق.

وقال ابن الجنيد : إن أوجبه لله بإشعار أو بغيره لم يجز عن هدي التحلل

ص: 465

ووجب غيره ، وظاهر المختلف ترجيحه ، وأوجب ابنا بابويه غيره مطلقا ، وبه قال ابن الجنيد (1).

وقال في القواعد بالإجزاء إن كان مندوبا ، وعدمه إن كان واجبا بنذر وشبهه ، واختاره أبو العباس ، وهو المعتمد ، لوجوب أحدهما بالنذر والآخر بالصد ، والأصل عدم التداخل.

قال رحمه اللّه : ويتحقق الصد بالمنع عن الموقفين ، وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة ، ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها ، بل يحكم بصحة الحج ويستنيب الثلاث في الرمي.

أقول : هذه المسئلة لم يذكر المصنف فيها خلافا ولا ترددا ، ولكنها تفتقر إلى تبين أحكامها ، وتفصيل ما أجمل من كلامها ليسهل تناولها على من رامها ، فنقول : الصد قد يكون عن مكة قبل الموقفين ، وقد يكون عن الموقفين دون مكة ، وقد يكون عن أحد الموقفين دون الآخر ، وقد يكون عن مكة بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، وقد يكون عن مناسك منى بعد الطواف والسعي ، فالأقسام خمسة :

الأول : أن يكون الصد عن مكة قبل الموقفين ، وهذا مصدود بإجماع المسلمين.

الثاني : أن يكون الصد عن الموقفين دون مكة ، وهذا مصدود بإجماع الإمامية. وقال أحمد وأبو حنيفة : ليس له أن يتحلل.

الثالث : أن يكون الصد عن أحد الموقفين دون الآخر ، وهذا القسم حكم الشيخ بتحقق الصد فيه ، والمعتمد عدم جواز التحلل ، والاجتزاء بالآخر ، فإن صد عن أحدهما وفاته الآخر جاز التحلل ، فإن بقي على إحرامه

ص: 466


1- كذا في النسخ.

حتى فاته الموقفان معا تحلل بعمرة مفردة ولا دم عليه ، لفوات الحج بفوات الموقفين ، ويقضي من قابل مع الوجوب.

الرابع : أن يكون الصد عن مكة بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، وهذا لا يخلو : إما أن يكون قبل التحلل الأول بمناسك مني ، أو بعده.

فان كان قبله تحقق الصد وجاز له التحلل ، على ما اختاره الشهيد في دروسه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لكنه مخير بين التحلل والبقاء على الإحرام ، فإن تحلل كان عليه دم التحلل والحج من قابل ، وإن بقي على إحرامه ، فإن لحق أيام منى رمى وذبح وحلق وإلا أمر من ينوب عنه في ذلك ، فإن تمكن من الإتيان إلى مكة في طول ذي الحجة طاف وسعى وقد تمَّ حجه ، ولا قضاء عليه ، وإن هلّ المحرم قبل ان يطوف ويسعى كان عليه الحج من قابل ، لأنه لم يستوف أركان الحج من الطواف والسعي.

وإن كان الصد بعد التحلل بمناسك منى وقبل الطواف والسعي ، ذهب الشهيد في دروسه إلى عدم جواز التحلل ، وأوجب البقاء على الإحرام بالنسبة إلى الطيب والنساء ، والصيد لا غير ، حتى يأتي بباقي المناسك فإن أدرك الطواف والسعي في ذي الحجة وإلا كان عليه إعادة الحج من قابل ، لعدم استيفاء أركانه.

الخامس : أن يكون الصد عن مناسك منى بعد الطواف والسعي ، وهنا لا يتحقق الصد إجماعا ، لأنه قد استوفى جميع أركان الحج ، فقد تمَّ حجه ومناسك منى ، وهي : المبيت ، والرمي من الواجبات التي ليست بأركان ، وكان عليه أن يستنيب في الرمي خاصة.

قال رحمه اللّه : لو أفسد حجه فصدّ ، كان عليه بدنة ودم التحلل والحج

ص: 467

من قابل ، ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية.

أقول : في كلام المصنف هنا نظر من وجهين :

الأول : أنه يوهم التناقض ، لأنه قال : (لو أفسد فصد كان عليه بدنة ودم التحلل والحج من قابل) ، وظاهره أن عليه حجا واحدا ، وهو بناء على أن الأولى عقوبة ، وهي تسقط بالتحلل منها ، وإلا لوجب عليه حجان. ثمَّ قال : (ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية) ، وهي لا تكون باقية إلا على أحد وجهين :

إما على القول ، بأن الأولى حجة الإسلام ، أو على القول بأنها عقوبة ، وهي لا تسقط بالتحلل منها ، وعلى أحد هذين الوجهين يجب عليه مع عدم الإتيان بالحج في سنته حجان : حجة الإسلام وحجة العقوبة ، لأن حجة الإسلام لا تسقط بالتحلل إجماعا ، والفرض أن العقوبة لا تسقط أيضا ، فالجمع بين بقاء حجة العقوبة إذا قضى الحج لسنته ، وبين وجوب حج واحد إذا لم يقضه مناقضة بيّنة.

الثاني : في قوله : (وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية) ، وهي لا تكون إلا على أحد الوجهين المذكورين ، وهو لم يذكر في هذه المسألة شيئا يدل دلالة ظاهرة على اختيار أحدهما ، بل ولا في غير هذه المسألة من هذا الكتاب المشروح ، والظاهر أن مراده في قوله : (وعلى ما قلناه) ، هو قوله : (وهو حج يقضى لسنته) ، لأنه لا يكون حجا يقضى لسنته إلا إذا كانت الأولى حجة الإسلام ، فيكون هذه المأتي بها قضاء لتلك الفاسدة ، فهو حج يقضى لسنته ، ولو قلنا : الأولى عقوبة ، فهذه حجة الإسلام فهو ليس حجا يقضى لسنته فقوله

ص: 468

(وهو حج يقضى لسنته) حكم بأن الأولى حجة الإسلام. ويترتب على القولين فوائد

الأولى : إذا قلنا إن الأولى حجة الإسلام ، والثانية عقوبة ، كانت نيته في الثانية : (أحرم بالحج الواجب علي بالإفساد) ، وهكذا.

الثانية : إذا نذر أن يحج العام حجة الإسلام ثمَّ أفسد ، فإن قلنا : الأولى حجة الإسلام ، فلا كفارة عليه ، ووجب القضاء خاصة ، وإن قلنا : الأولى عقوبة ، كان عليه القضاء والكفارة ، لإخلاله بالنذر عمدا في العام المعين.

الثالثة : لو أفسد النائب ثمَّ مات قبل القضاء ، فان قلنا : الأولى حجة الإسلام ، استأجر ولي النائب من أصل تركته لإيقاع حج بسبب الإفساد ، وإن قلنا : الأولى عقوبة ، استأجر ولي المنوب عنه لإيقاع حجة الإسلام ، ثمَّ يرجع على تركة النائب بالأجرة التي أخذها النائب الميت ، سواء زادت عن الأجرة الثانية التي دفعها إلى النائب الثاني أو نقصت.

تنبيه : قال المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر : العبد إذا أعتق في الحج الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حجة الإسلام ، ولو كان العتق بعد الوقوف ، وقلنا : الأولى فرضه ، لم يجزه ، ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء ، وإن قلنا : إنها العقوبة ، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام لصدق عتقه قبل الوقوف.

هذا كلامه ، وفيه غلط ظاهر في حكمين :

أحدهما قوله : (ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء) ، إذ لا خلاف في وجوب تقديم حجة الإسلام هنا على حجة القضاء ، وإنما الخلاف إذا قدم القضاء ، هل تجزي عن حجة الإسلام أو يقع باطلا؟ قال الشيخ : يجزي عن حجة الإسلام ، لأن الزمان متعين لها ، وقال أكثر الأصحاب : يقع باطلا ،

ص: 469

لأن القضاء منهي عنه قبل حجة الإسلام ، وحجة الإسلام غير منوية ، فلا يقع صحيحا للنهي عنه ، وهو المعتمد. وكيف يقدم القضاء وهو هنا واجب على التراخي وحجة الإسلام واجبة على الفور ، وإنما يجب القضاء على الفور ، إذا كان الأصل الذي أفسده واجبا على الفور ، والفرض هنا غير ذلك الحكم؟!

الثاني الذي فيه الغلط ، قوله : (وإن قلنا : إنها العقوبة ، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام ، لصدق عتقه قبل الوقوف).

مراده أن عتقه قد حصل قبل وقوف القضاء ، وقد قلنا : إن الثانية هي حجة الإسلام ، والأولى عقوبة ، وهو قد أعتق قبل وقوف حجة الإسلام ، فتكون مجزية ، لعموم قولهم : «العبد إذا أعتق قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام» (1) ، وهذا يصدق عليه انه أعتق قبل الوقوف فيجزيه.

هذا وجه استدلاله رحمه اللّه ، وهو غلط ، لأن القضاء إنما يجزي عن حجة الإسلام على القولين في موضع لو سلمت من الإفساد لأجزأت عن حجة الإسلام ، وهذه لو سلمت من الإفساد لم تجزه عن حجة الإسلام ، لوقوع العتق بعد الموقفين ، ولأن القضاء قد صار واجبا عليه بسبب الإفساد ، فلا يجزي عن حجة الإسلام التي لا تجزي عنها الفاسدة على تقدير عدم إفسادها ، ولأنه لو حج الصرورة قبل الاستطاعة ندبا ثمَّ أفسد كان عليه الإتمام والقضاء ، ولو استطاع قبل القضاء لم يجز القضاء عن حجة الإسلام ، لأن الفاسدة لو سلمت لم تجز عن حجة الإسلام ، ولا أعلم كيف يخيل للمقداد رحمه اللّه هذا ، مع أن جميع مصنفات أصحابنا مصرحة بضد ما ذهب إليه رحمه اللّه.

قال ابن إدريس رحمه اللّه : وإن أحرم بإذن سيده فأفسد الحج لزمه القضاء ، وعلى سيده تمكينه منه ، وإذا أفسد العبد الحج ولزمه القضاء على ما

ص: 470


1- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب 17 من أبواب وجوبه وشرائطه.

قلناه فأعتقه السيد ، فلا يخلو أن يكون بعد الوقوف بالمشعر ، أو قبله ، فإن كان بعده ، كان عليه أن يتم هذه الحجة ، ويلزمه حجة الإسلام فيما بعد وحجة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجة الإسلام ، هذا قول ابن إدريس رحمه اللّه ، أوجب عليه حجة الإسلام وحجة القضاء معا إذا كان العتق بعد الوقوف ، مع ان مذهبه أن الأولى عقوبة ، والثانية حجة الإسلام.

وقال العلامة في التحرير : لو أذن له مولاه فأحرم ، ثمَّ أفسد حجه ، وجب عليه إتمام الفاسد كالحر ، ويجب القضاء وإن كان رقيقا ، ولا يجب إجابة المولى في طلب الصبر إلى حين العتق ، ولو أحرم بغير إذن سيده ثمَّ أفسد لم يتعلق به حكم ، ولو أعتقه مولاه بعد إفساده ، فإن كان قبل فوات أحد الموقفين أتم حجه ، وقضى في القابل ، وأجزأ عن حجة الإسلام ، وان كان بعد الموقفين أتم حجه وقضى في القابل ، وعليه حجة الإسلام ، ويجزي القضاء عنها ، هذا كلام العلامة في التحرير مع أن مذهبه فيه كون الأولى عقوبة ، والثانية حجة الإسلام.

وقال في القواعد والتذكرة كذلك ، ومثله قول الشهيد في الدروس ، وهذه العبارات كلها مصرحة بضد الحكمين اللذين ذكرهما بما لا يقبل التأويل ، وبغير اختلاف بين الأصحاب ، لكن السهو جائز على غير المعصوم ، والغلط متطرق اليه ، وإذا حصل مثل هذا الغلط الظاهر الذي لا يقبل التأويل من مثل هذا العالم المحقق ثبت أن غير المعصوم لا يوثق بقوله لاحتمال غلطه ، فقبّح اللّه كل من يقول : إن اللّه يكلف الخلق جميعا اتباع شخص ، ويوجب عليهم الأخذ بقوله وهو غير معصوم ، فنسأل اللّه تعالى العصمة من الزلل ، الموجب للخلل في القول والعمل.

قال رحمه اللّه : ولو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب ، سواء غلب على الظن

ص: 471

السلامة أو العطب ، ولو طلب مالا لم يجب بذله ، ولو قيل : بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا.

أقول : العدو لا يخلو إما أن يكونوا مسلمين أو مشركين ، فإن كانوا مشركين جاز قتالهم ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنعه الشيخ لاشتراط إذن الامام عليه السلام في الجهاد ، وهو مدفوع ، لأن قتالهم من باب النهي عن المنكر ، لا من باب الجهاد ، وإن كانوا مسلمين فالأولى ترك قتالهم ، لكن لو فعلوه جاز لما قلناه من أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا مع ظن الظفر في الموضعين.

أما لو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان سقط الجواز في الموضعين ، ولو بدأوا بالقتال جاز دفاعهم مع المكنة في الموضعين ، فلو لبسوا جنة القتال من الجلباب ، والجواشن والمغافر والمخيط ، وجب عليهم الفدية ، ولو طلبوا مالا احتمل عدم الوجوب ، سواء قل أو كثر ، مشركين كانوا أو مسلمين ، فإنه من باب تحصيل الشرط ، وهو غير واجب ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وظاهر المصنف وجوب الدفع ما لم يجحف ، واختاره العلامة ، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به ، فيكون واجبا ، وكره العلامة دفعه مع الكثرة وإن لم يجحف إذا كانوا مشركين لما في ذلك من الصغار للمسلمين ، ولو لم يوثق بهم ، لم يجب الدفع مطلقا.

قال رحمه اللّه : والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر ، وقيل : في الشهر الداخل.

أقول : اختيار المصنف مذهب الشيخ في التهذيب ، لصحيحة معاوية (1) ، عن الصادق عليه السلام ، واختاره أبو العباس ، والأكثر على

ص: 472


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 1 من أبواب الإحصار والصد ، حديث 3.

الثاني ، والخلاف هنا مبني على الخلاف في أقل ما يكون بين العمرتين ، وهو يأتي إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا ، وقيل : يأتي بما كان واجبا. وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل.

أقول : عدم جواز الإتيان بغير ما خرج منه مذهب الشيخ ، وقال ابن إدريس : يأتي بما شاء ، والمعتمد التفصيل ، وهو إن كان القران متعينا عليه ، بنذر وشبهه لم يجز العدول عنه إلى غيره ، وإلا كان مخيرا ، والأفضل أن يأتي بمثل ما خرج منه.

تنبيه : الصدّ والحصر بمعنى واحد ، وهو : المنع ، قال اللّه تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (1) أي منعتم ، وخصص الفقهاء الصد :

بالمنع بالعدو ، والحصر : بالمنع بالمرض ، وإنما فرقوا بينهما مع الاتحاد في الآية ، للفرق بين أحكامهما ، إذ الفرق بين الحصر والصد يحصل من وجوه :

الأول : جواز التحلل للمصدود موضع الصد ، من غير تربص ، سواء شرط أم لم يشرط ، والمحصر لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله مع عدم الشرط إجماعا ، ومعه يتحلل في الحال ، على المختار.

الثاني : أن المصدود يحل من كل شي ء ، والمحصر لا يحل له النساء حتى يحج من قابل إن كان واجبا ، أو يطاف عنه طواف النساء ان كان ندبا.

الثالث : افتقار المحصر وقت المواعدة إلى التقصير قطعا ، والمصدود لا يفتقر على ما هو مشهور بين الأصحاب ، وقيل : يفتقر ، وهو المعتمد.

ص: 473


1- البقرة : 196.

قال رحمه اللّه : وروي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ، ثمَّ يجتنب ما يجتنبه المحرم ، فإذا كان وقت المواعدة أحلّ ، لكن هذا لا يلبي ، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفّر استحبابا.

أقول : هذا الذي حكاه المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وعليه أكثر الأصحاب ، ومنع ابن إدريس جواز هذا الحكم ، وجعل الروايات (1) المتضمنة للجواز أخبار آحاد.

والمعتمد الجواز ، لأن الوارد في هذا الحكم أخبار كثيرة ، مشهورة بين الأصحاب ، منها ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب ، قال : فيواعد أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أحل» (2) وقال الصادق عليه السلام : «ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ قيل له : ما يبلغ ذلك أموالنا ، قال : ما يقدر أحدكم إذا حج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية ، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ويذبح ، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيّأ وأتى المسجد ، ولا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس؟» (3) ومنها : رواية عبد اللّه بن سنان (4) ، وغير ذلك من الروايات الدالة على مطلوبهم.

ص: 474


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب الإحصار والصد.
2- حديث 5 من المصدر السابق. وفيه : (يواعد) بدل : (فيواعد) كما في النسخ.
3- حديث 6 من المصدر السابق.
4- حديث 3 من المصدر السابق.

في أحكام الصيد

اشارة

قال رحمه اللّه : إلا الأسد ، فان على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف.

أقول : بمضمون الرواية (1) أفتى ابن بابويه وابن حمزة ، والأكثر ، على عدم وجوب الكفارة لأصالة البراءة ، ولرواية حريز (2).

قال رحمه اللّه : وكذا لا كفارة فيما يتولد من وحشي وإنسي ، أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم ، ولو قيل : يراعى الاسم كان حسنا.

أقول : المشهور : مراعاة الاسم لورود النص (3) على الجزاء عن أشياء مسماة بأسمائها ، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم ، وما لا فلا ، ومنع في المبسوط من الجزاء [في] مثل المتولد بين الوحشي والإنسي ، وكذا في المتولد بين ما يحرم قتله على المحرم وبين ما لا يحرم لأصالة براءة الذمة ، والمعتمد الأول

ص: 475


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 39 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 81 من أبواب تروك الإحرام ، حديث 1.
3- راجع الوسائل ، كتاب الحج ، أبواب كفارات الصيد.

قال رحمه اللّه : وفي الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا كفارة في قتله خطأ ، وفي قتله عمدا صدقة ولو كف من طعام.

أقول : منشأ التردد من مشاركته للسباع وللحية والعقرب في العلة المبيحة للقتل ، وهي : الخوف من الأذى ، لأنه من المؤذيات ، وقد أباح الشارع قتل المؤذيات (1) ، ومن ورود النص على أن من قتله عمدا أطعم شيئا من الطعام وروى معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام ، «عن محرم قتل زنبورا؟ ، فقال : إن كان خطأ فلا شي ء ، وإن كان عمدا أطعم شيئا من الطعام» (2) ، والمصنف عوّل على هذه الرواية.

قال رحمه اللّه : ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة على رواية.

أقول : جواز إخراج القماري والدباسي من مكة على كراهية مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، واختاره المصنف والشهيد للأصل ، ولما رواه عيص بن القاسم ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء القماري يخرج من مكة أو المدينة ، قال : ما أحب أن يخرج منهما شيئا» (3) ، وهو يدل على الكراهية ، والمنع مذهب ابن إدريس ، واختاره فخر الدين لعموم (4) المنع من إخراج القماري.

قال رحمه اللّه : وفي فراخ النعامة روايتان ، إحداهما مثل ما في النعامة ، والأخرى من صغار الإبل ، وهو أشبه.

ص: 476


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 81 من أبواب تروك الإحرام.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 8 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 1 و 2.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 14 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 3. وفيه : (منها) بدل : (منهما).
4- المائدة : 996. راجع إيضاح الفوائد 1 : 4. وليراجع السرائر 1 : 560.

أقول : الأول : مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط للاحتياط ، لأن الفرخ يسمى باسم النوع فيثبت فيه ما يثبت في الكبير لتعلق الحكم بالاسم ، ولرواية أبان بن تغلب (1) الدالة على مطلوبه.

والمشهور الثاني ، وهو أن في الفرخ إبل في سنة لقوله تعالى ( مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (2) ، ولأصالة البراءة عما زاد عن المثل.

قال رحمه اللّه : وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي ، وقيل : فيه ما في الظبي.

أقول : لا خلاف في ان في كل واحد من الظبي والثعلب والأرنب شاة ، وإنما الخلاف في مساواة شاة الثعلب والأرنب لشاة الظبي في البدل عند فقد الشاة ، ذهب السيد والشيخ والمفيد إلى المساواة ، واختاره ابن إدريس وأبو العباس ، وهو المعتمد ، والمستند الروايات (3).

والحسن بن أبي عقيل وعلي بن بابويه لم يتعرضا لبدل الثعلب والأرنب ، وقال في التحرير : ونحن فيه من المتوقفين ، وإذا لم نقل بالمساواة رجعنا إلى عموم رواية معاوية بن عمار : «ان من كان عليه شاة ولم يجد أطعم عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج» (4).

قال رحمه اللّه : والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير ، وقيل : على الترتيب ، وهو الأظهر.

أقول : التخيير مذهب ابن إدريس نقله عن الشيخ في الجمل والخلاف ،

ص: 477


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 11.
2- المائدة : 95.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد.
4- حديث 3 من المصدر المتقدم.

والترتيب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال محمد بن بابويه والحسن بن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وولده فخر الدين في شرحه ، والمستند الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وفي كسر بيض النعام إذا تحرك فيها الفرخ ، بكارة من الإبل.

أقول : قال ابن إدريس : لا يظن ظان أن البكارة الأنثى ، وإنما البكارة جمع بكرة بفتح الباء ، فأوجب الشارع في كل بيضة تحرك فيها الفرخ واحدا من هذا الجمع ، وقال : قال ابن الأعرابي في نوادره : بكار بلا هاء تثبت فيها للإناث ، وبكارة بإثبات الهاء للذكران ، وقال أبو عبيدة : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكارة : بمنزلة الفتاة ، والقلوص بمنزلة الجارية ، والبعير بمنزلة الإنسان ، والجمل : بمنزلة الرجل ، والناقة : بمنزلة المرأة.

قال رحمه اللّه : وفي كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم ، وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم ، وقيل : التحرك إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ، فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام.

أقول : ذهب العلامة في القواعد إلى اختيار المصنف هنا ، وهو : أن الواجب مع التحرك من صغار الغنم ، وهو قوي لأصالة البراءة من الزائد ، ولأن الشاة تجب في القطاة لا يساويها المتحرك من بيضها ، كما لا يتساوى النعام المتحرك من بيضها لقوله تعالى ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (2)

ص: 478


1- الأحاديث 1 و 7 و 11 من المصدر المتقدم للترتيب ، وأما التخيير فدليله الآية (96) من سورة المائدة بضميمة الحديث الأول من الباب 14 من أبواب كيفية كفارات الإحرام.
2- المائدة : 95.

ووجوب المخاض من الغنم مذهب الشيخ ، واختاره العلامة في المختلف ، والدليل الروايات (1).

والمراد بالمخاض : ما يصح أن يكون حاملا ، ولا يلزمه الحامل بل ما من شأنها ذلك ، وهذا مع تحرك الفرخ ، ومع عدمه يجب إرسال فحولة الغنم في إناث بعدد البيض ، ولا يجب تعدد الفحل ، بل لو أنزى فحلا واحدا على الجميع جاز ، وكذلك في الإبل.

وإن عجز عن الإرسال كان عليه إطعام عشرة مساكين عن كل بيضة ، فإن عجز صام عن كل بيضة ثلاثة أيام ، كما في بيض النعام ، هذا تفسير المتأخرين.

وقال ابن إدريس : معناه أن النعام إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال ، وجب في كل بيضة شاة ، فهذا وجه المشابهة بينهما فصار حكمه حكمه ، ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه.

وهذا التفسير ضعيف ، لأن الشاة لا تجب مع القدرة على الإرسال ، فكيف يجب مع العجز عنه؟! والقطا إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال وجب في كل بيضة شاة مع العجز ، لأن حكم العجز الانتقال من الأقوى إلى الأضعف لا العكس ، فلو أوجبنا الشاة مع العجز عن الإرسال يكون قد نقلناه من الأضعف إلى الأقوى ، لأن الإرسال أضعف من الشاة في التكليف ، لأنه لا ثمن ولا قيمة عليه في الحال ، وربما لم يحصل النتاج فيما بعد ، فكان الإرسال أضعف ، فلا ينتقل من الأضعف إلى الأقوى مع العجز ، لأنه خلاف المعهود من الشرع ، فيتعين التفسير الأول ، وهو المعتمد.

ص: 479


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 25 من أبواب كفارات الصيد.

قال رحمه اللّه : الحمام ، وهو اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء ، وقيل : كل مطوّق.

أقول : قال الكسائي : الحمام كل مطوق ، وهو الذي فسره الشيخ في المبسوط ، وقال صاحب الصحاح : الحمام عند العرب ذوات الأطواق من الفواخت والقماري والقطا والوراشين وأشباه ذلك يقع على الذكر والأنثى ، وعند العامة : فهي الداوجن فقط ، وهو الذي يألف البيوت ، فعلى هذا التفسير لا يدخل القطا والوراشين ، بل يكون مختصا بالحمام الذي يهدر ويعب الماء.

والهدر : تواصل الصوت ، وعب الماء : شربه دفعة من غير أن يعطف كالدجاج ، بل يضع منقاره في الماء ويكرع كرع الشاة.

قال رحمه اللّه : في قتل الجرادة تمرة ، والأظهر كف من طعام ، وكذا في القملة يلقيها عن جسده.

أقول : وجب التمرة في الجرادة مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة. وخيّر في المبسوط بينها وبين كف من طعام ، وأوجب المفيد وعلم الهدى الكف من الطعام.

والأخبار (1) واردة بالطرفين معا ، فيحمل على التخيير جمعا بين الأدلة ، وأما القملة ففيها كف من طعام خاصة.

قال رحمه اللّه : وقيل : في البطة والإوزّة والكركي شاة ، وهو تحكم.

أقول : قال في المبسوط : البط والإوز والكركي يجب فيه شاة ، وهو الأحوط ، وان قلنا : فيه القيمة - لأنه لا نص فيه - كان جائزا.

ص: 480


1- المصدر المتقدم باب 37 من أبواب كفارات الصيد.

وقال ابن حمزة : في صيد الكركي شاة على رواية (1) ، وهو يدل على عدم الجزم ، وقال ابن بابويه بوجوب الشاة في كل طير عدا النعامة ، ويلزم منه وجوب الشاة في البطة والإوزة والكركي ، ومستنده رواية ابن سنان الصحيحة (2) ، عن الصادق عليه السلام. وكأن المصنف لم يعتبر هذه الرواية ، ولهذا نسب القول بالشاة إلى التحكم ، وهو : القول بغير دليل.

قال رحمه اللّه : وقتل الصيد موجب لفديته ، فإن أكله لزمه فداء آخر ، وقيل : يفدي ما قتل ، ويضمن قيمة ما أكل ، وهو الوجه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط لرواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام ، «قال : سألته عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان على حدته فداء صيد كامل» (3).

والثاني : مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، واستحسنه في التحرير لأصالة براءة الذمة من الفداء الثاني. وأما وجوب القيمة فلأن لحم الصيد لا يضمن لاختلاف الأسباب ، ولأن الفداء كفارة ، وضمان الأكل ضمان مالي ، لأنه أعظم تشديدا من المملوك ، فكما ان المملوك يضمن بالأكل ، فكذا يضمن الحرمي ، وموضوع هذه المسئلة كون الأكل والقتل في الحل لا في الحرم ، ويتضاعف لو كان في الحرم وهو محرم.

قال رحمه اللّه : ولو جرحه ثمَّ رآه سويا ضمن أرشه ، وقيل : ربع قيمته.

ص: 481


1- الوسيلة : 167.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 9 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 6.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 2.

أقول : القول بوجوب ربع القيمة قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، وبه قال ابن البرّاج وابن إدريس لرواية علي بن جعفر (1) عن أخيه ، ووجه اختيار المصنف أنها جناية مضمونة فكان عليه أرشها ، ومذهب العلامة في القواعد كمذهب المصنف.

قال رحمه اللّه : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في إحدى رجليه ، وفي الرواية ضعف.

أقول : القول المحكي في الكتاب قول الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد ، واستضعف المصنف مستند الحكم ، لأن مستنده رواية سماعة (2) ، عن ابي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، وسماعة واقفي ، فلهذا استضعفها المصنف.

وذهب العلامة في المختلف إلى كمال القيمة في العينين ، لأنه مع الجناية كالميت ، وأوجب في إحداهما الأرش ، وفي القرنين أو أحدهما الأرش ، وأوجب علي بن بابويه في القرنين الصدقة بشي ء ، وكذا في العينين.

قال رحمه اللّه : وقيل : يستقر الضمان بنفس الإغلاق لظاهر الرواية ، والأول أشبه.

أقول : المشهور بين الأصحاب اشتراط الهلاك مع الإغلاق ، لأنه مع عدم الهلاك لم يحصل منه جناية على الصيد ، فيكون بمنزلة من رمى صيدا ولم يؤثر ، وقيل : يضمن بنفس الإغلاق لإطلاق الروايات (3) الدالة على الضمان ،

ص: 482


1- باب 27 من المصدر المتقدم ، حديث 1. ورواه في التهذيب 5 : 359 بزيادة ، هي محل الشاهد هنا.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 28 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 3.
3- باب 16 من المصدر السابق.

وحملت الروايات على الجهل بالحال ، كمن رمى صيدا وجهل حاله.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا نفّر حمام الحرم ، فإن عاد فعليه شاة واحدة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة.

أقول : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب ، ولم يجزم به المصنف ، لعدم ظفره بالدليل عليه. قال الشيخ رحمه اللّه : هذا الحكم ذكره علي بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثا مستندا. وقال ابن الجنيد من نفر طيورا كان عليه عن كل طائر ربع قيمته.

والظاهر أن مراده مع العود ، إذ لا معه يكون متلفا ، فيجب عليه في كل واحدة شاة.

فروع :

الأول : لو نفر واحدة ثمَّ عادت ، هل يجب عليه فيها شي ء؟ يحتمل عدم الوجوب ، لأنهم قالوا : إذا نفر حمام الحرم فعاد فعليه شاة ، وإن لم يعد فعن كل حمامة شاة ، فلو أوجبنا في الواحدة ، مع العود شاة لزم مساواة العود وعدمه ، ولأن حمام الحرم يراد به الجمع فلا يصدق على الواحدة.

ويحتمل الوجوب ، لأنه اسم كالتمر ، فيصدق على الواحدة ، ولمساواة الجزء للكل في فداء الصيد ، كما لو اشترك اثنان فما زاد في قتل صيد ، فإنه يجب على كل واحد فداء كامل ، ومذهب العلامة في القواعد عدم الوجوب ، وذهب فخر الدين إلى الوجوب ، وهو ظاهر الشهيد.

والمراد بالعود : العود إلى السكون في المواضع المعتادة لها في الحرم.

الثاني : هل ينسحب الحكم في الظبا وغيرها؟ يحتمل ذلك للمشاركة في العلة ، ويحتمل العدم ، لعدم النص وأصالة البراءة.

الثالث : هل يجتمع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم مع العود وعدمه؟

ص: 483

يحتمل ذلك لعموم قولهم : (كلما يلزم المحرم في الحل يلزم المحل في الحرم) ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، فيدخل تحت هذه الكلية ، ويحتمل العدم لأصالة البراءة.

الرابع : لو شك في العدد وبنى على الأقل لأصالة عدم الزيادة ، وأصالة براءة الذمة ، ولو شك في العود فيتعين العدم.

الخامس : يكفي إعادتهن بفعله وفعل غيره.

قال رحمه اللّه : إذا أوقد جماعة نارا ، فوقع فيها صيد ، لزم كل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطياد ، وإلا ففداء واحد.

أقول : هذا الحكم لا اشتباه فيه ، وإنما يحصل الاشتباه مع اختلاف القصد ، فلو قصد بعضهم دون بعضهم تعدد الفداء على من قصد ، وعلى الباقي فداء واحد ، ولو كان غير القاصد واحدا ، هل يجب عليه الشاة؟ فيه إشكال ، ينشأ من عموم (1) وجوب الشاة مع عدم القصد ، ولأنه لو كان الموقد واحدا وجبت عليه الشاة مطلقا ، سواء قصد أو لم يقصد ، ومن مساواة القاصد لغير القاصد مع حكم الشارع بالفرق بينهما.

ويحتمل مع اختلافهم في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين في القصد كان على القاصد شاة ، وعلى غير القاصد نصف شاة ، والأول أحوط.

قال رحمه اللّه : ويحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ، فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه ، ولو اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء ، وفيه تردد.

ص: 484


1- باب 19 من المصدر السابق ، حديث 1.
أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الواجب على المحل في الحرم ، والمشهور بين الأصحاب أن على المحل في الحرم القيمة ، وعلى المحرم في الحل الفداء ، ويجتمعان على المحرم في الحرم ، وقد يوجد في بعض عبارات الشيخ : من ذبح صيدا في الحرم ، وهو محل كان عليه دم لا غير ، وتابعه ابن إدريس ، وقال أبو الصلاح : وإن كان محلا في الحرم أو محرما في الحل فداه بمثله من النعم ، وهو ظاهر المصنف هنا ، والعمل على المشهور ، وهو وجوب القيمة على المحل في الحرم ، ووجوب الفداء على المحرم في الحل.

الثانية : إذا اشترك جماعة محلين فقتلوا صيدا ، فهل يتعدد الفداء أو يلزمهم فداء واحد؟ تردد المصنف في ذلك ، من أصالة براءة الذمة من وجوب التعدد ، خرج وجوب التعدد على الجماعة المحرمين ، فيبقى الباقي على أصالة البراءة ، ومن مشاركة المحلين للمحرمين في العلة الموجبة للتعدد ، وهو الإقدام على الصيد المحرم قتله ، ويجب القيمة على كل واحد ، وهو أحوط.

ولو كان بعضهم محرمين والبعض محلين ، كان على كل واحد من المحرمين الفداء والقيمة ، وعلى كل واحد من المحلين القيمة خاصة ، أو قيمة واحدة على المحلين على التردد.

قال رحمه اللّه : وهل يحرم وهو يؤمّ الحرم؟ قيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ، لكن لو اصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحريم الصيد وهو يؤم الحرم ، ذهب الشيخ في النهاية إلى

ص: 485

التحريم ، وأوجب الفدية ، لرواية عقبه بن خالد (1) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبه.

ومنعه ابن إدريس لأصالة براءة الذمة ، وتبعه المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الموجب للتحريم والضمان هو الإحرام ، أو كون الصيد في الحرم ، وكلاهما منتف.

الثانية : إذا أصابه وهو خارج ، ثمَّ دخل الحرم ومات فيه ، فعلى القول بالتحريم وهو يؤم الحرم فهو يضمن قطعا ، وعلى القول بالعدم ، هل يضمن؟

يحتمل ذلك لحصول السراية في الحرم ، وحرمة الحرم شاملة ، ومن أن السبب غير مضمون ، بل هو مباح ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، في رجل رمى صيدا وهو يؤم الحرم ، فيما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ قال : ليس عليه جزاء ، انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاء ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه فيما كان بعد ذلك شي ء ، فقلت : هذا هو القياس عند الناس ، فقال : إنما شبهت لك الشي ء بالشي ء لتعرفه» (2).

قال رحمه اللّه : ويكره الاصطياد بين البريد والحرم على الأشبه.

أقول : تحريم الصيد على المحل بين البريد والحرم مذهب الشيخين رحمه اللّه ، والبريد أربعة فراسخ ، من صاد فيه صيدا كان عليه الفداء عندهما ،

ص: 486


1- باب 30 من المصدر السابق ، حديث 1.
2- حديث 3 من المصدر السابق.

لرواية الحلبي الصحيحة (1) الدالة على مطلوبهما.

والمعتمد الكراهية كما هو المشهور ، لأن المقتضي للإباحة - وهو الأصل - موجود ، والمقتضي للتحريم وهو الإحرام أو الحرم مفقود ، فتثبت الإباحة.

قال رحمه اللّه : هل يجوز صيد حمام الحرم وهو في الحل؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في أحد قوليه ، لأن للحرم حرمة ليست لغيره فناسبت تحريم الملتجئ إليه ، وإن خرج عنه حيث صار منسوبا إليه ، ولرواية على بن جعفر (2) ، عن أخيه موسى عليه السلام ، وبه قال : العلامة في المختلف.

والقول الآخر للشيخ وهو : الجواز على كراهية ، لأن الموجب لتحريم الصيد أمران : الإحرام ، والحرم ، وكلاهما منتف ، فينتفي التحريم لأصالة الإباحة ، وهو مذهب المصنف في المختصر.

قال رحمه اللّه : ولا يدخل في ملكه شي ء من الصيد على الأشبه ، وقيل : يدخل ، ويجب عليه إرساله إن كان حاضرا معه.

أقول : الضمير - في قوله : (ولا يدخل في ملكه شي ء من الصيد) - عائد إلى المحل في الحرم ، وهو معطوف على قوله : (ولو ذبح المحل في الحرم صيدا كان ميتة) ، ولا يتوهم أحد أنه عائد إلى المحرم ، لأن المحرم يأتي فيما بعد في قوله : (ولا يدخل الصيد في ملك المحرم) إلى آخر المسئلة.

قال في المختصر : وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه أنه يملك ، ويجب عليه إرسال ما يكون معه ، هذه عبارته في المختصر. قال أبو

ص: 487


1- باب 32 من المصدر المتقدم ، حديث 1.
2- باب 13 من المصدر المتقدم ، حديث 4.

العباس رحمه اللّه في شرحه : هذا هو المشهور لا أعرف فيه مخالفا ، وذهب المصنف في الشرائع إلى أنه لا يملك ، هذا كلام أبي العباس. ثمَّ قال : أما المحرم فموضع الإشكال ، ثمَّ بحث على جواز تملك المحرم للصيد وعدمه ، ولم يتعرض للمحل في مهذبه.

فإذا كان موضوع المسئلة في المحل ، فينبغي أن يكون البحث على موضوعها فأما ثبوت الملك ، ووجوب الإرسال فهو المشهور كما قاله أبو العباس ، إذ لا مانع منه ، ووجوب الإرسال لا ينافي الملك ، وأما وجه اختيار المصنف - وهو عدم الملك - [ف] لأن ثبوت الملك يستلزم جواز التصرف ، فمع وجوب الإرسال وعدم جواز التصرف ، فلا يظهر للملك فائدة ، فلا يدخل في ملكه.

وهو ضعيف لاجتماع الملك وعدم جواز التصرف كما في أم الولد ، والرهن ، وتملك المحرمات نسبا ، وخروجهم عن الملك في ثاني الحال.

وقد يجاب عن المصنف : بأن تملك هذه الأشياء لا يخلو عن الفائدة ، أما الرهن وأم الولد ففائدتهما ظاهرة ، لأن الرهن مملوك له يباع بدينه مع الإعسار ، ويفكه مع اليسار ، ففائدته ظاهرة ، وأما أم الولد فهي مملوكة يتصرف بها بجميع أنواع التصرف عدا البيع ، ففائدتها ظاهرة أيضا ، وأما فائدة تملك المحرمات مع خروجهم عن الملك في ثاني الحال ، فهي أعظم الفوائد وأجلها ، وهي إنقاذ الرحم عن الملك وإخراجه من ذل الرق إلى عز الحرية ، وأما تملك الصيد مع وجوب الإرسال فلا يتصور فيه شي ء من الفوائد الدينية ولا الدنيوية ، فوجب ان لا يدخل في ملكه.

وقد يجاب عن منع فائدة تملك الصيد مع وجوب الإرسال بأنه لا يخلو عن الفائدة ولو لم تكن حاضرة فهي مقدرة ، وهي تتقدر بوجوه :

الأول : لو قتل الصيد قاتل ، فإن قلنا بثبوت الملك كان الفداء للمالك ،

ص: 488

وان قلنا بعدم الدخول كان الفداء لله تعالى.

الثاني : لو خرج هذا الصيد من الحرم فصاده صائد لم يملكه الصائد ، لأنه ملك حلال في الحل فلا يزول ملكه عنه ، بخلاف ما لو قلنا : إنه يدخل في ملك المحرم ثمَّ يزول ملكه عنه ، فإنه لو خرج إلى الحل فصاده صائد محل ملكه الصائد ، لأن ملك المحرم زال بسبب الإحرام ، وكون الصيد في الحرم ، فلا يعود بسبب خروجه إلى الحل ، وعلى القول بعدم الملك يملكه الصائد.

الثالث : لو باعه على محل ملك الثمن على القول بدخوله في ملكه ، وعلى العدم لا يملكه لكونه بيعا فاسدا ، وكذا لو باعه على محرم على القول بملك المحرم له في أول آن ثمَّ خروجه عن ملكه ، وعلى عدم الملك لا يملك الثمن.

قال رحمه اللّه : وقيل : تتكرر ، والأول أشبه.

أقول : لا خلاف في تكرر الكفارة مع الخطأ ، وإنما الخلاف مع العمد ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى تكررها ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس.

وذهب في النهاية إلى عدم تكررها ، ويكون ممن ينتقم اللّه منه ، وبه قال محمد بن بابويه وعبد العزيز ابن البراج ، واختاره المصنف.

والمعتمد الأول ، لأن قوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1) ، فهو كما يتناول الأول يتناول الثاني والثالث وما زاد على ذلك ، وللاحتياط على براءة الذمة.

احتج المانع من التكرير ، لقوله تعالى ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ ) (2) فقد أخبر اللّه تعالى بأن عقوبة تعمد العود الانتقام ، وفائدة الكفارة

ص: 489


1- المائدة : 95.
2- المائدة : 95.

إسقاط الذنب ، وإذا أخبر اللّه تعالى بعدم الإسقاط انتفت فائدة الكفارة فلا يجب.

والجواب أن الذنب مع العمد أفحش ، فناسب ذلك التغليظ بوجوب الكفارة في الدنيا والانتقام في الآخرة ، والروايات (1) واردة بالطرفين.

قال رحمه اللّه : ولو اشترى محل بيض نعام لمحرم ، فأكله على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل عن كل بيضة درهم.

أقول : أما وجوب الكفارة على المحل فلأنه عاون المحرم على فعل الحرام ، وهتك حرمة الإحرام فكان عليه الكفارة ، كما لو عقد المحل لمحرم فإنه يلزمه كفارة ، وأما وجوبها على المحرم فهو ظاهر ، لأنه أكل بيض الصيد المحرم.

وموضوع البحث أن يشتريه مسلوقا أو مشويا ويأكله ، أما لو اشتراه نيا ثمَّ كسره المحرم ، فإن أكله بعد ما كسره كان عليه عن كل بيضة شاة بسبب الأكل ، وكان عليه إرسال فحولة الإبل في إناث بعدد البيض ردّا للمسئلة إلى أصلها ، ولا فرق بين كون المحل في الحل أو في الحرم ، للعموم (2).

فروع :

الأول : لو كان المحرم في الحرم كان عليه في صورة الإرسال القيمة عن كل بيضة درهم مع الإرسال ، وهل يتضاعف في غير صورة الإرسال ، كما هو موضوع المسئلة ، وهو : إذا كسره المحل أو اشتراه مشويا ، أو مسلوقا؟ يحتمل التضاعف لعموم (3) تضاعف الجزاء على المحرم في الحرم ، ويحتمل العدم

ص: 490


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 47 و 48 من أبواب كفارات الصيد.
2- باب 24 من المصدر المتقدم ، حديث 5.
3- باب 44 من المصدر ، حديث 5.

لسبق التلف على مباشرة المحرم ، فلا يضمن ما أتلفه غيره فلا يجب غير فداء واحد.

الثاني : لو كان المشتري محرما ، هل يجب عليه عن كل بيضة شاة أو درهم؟ يحتمل وجوب الدرهم لأصالة البراءة ، وعموم النص (1) ، ويحتمل وجوب الشاة ، إذ لا فرق في ضمان المحرم بين (2) المباشرة والتسبيب ، وهو أقوى من الأول.

الثالث : لو اشتراه المحرم لنفسه ، هل يجب عليه ما يجب على المحل لو اشتراه له زيادة على الواجب عليه بفعله؟ يحتمل ذلك ، والأقرب العدم.

الرابع : لو ملكه المحل بغير الشراء ثمَّ بذله للمحرم فأكله ، هل يجب عليه الدرهم؟ يحتمل العدم لأصالة البراءة وتخصيص البيض بالشراء ، ويحتمل الوجوب ، لأن العلة إعانته للمحرم على فعل الحرام ، ولا أثر لخصوصية سبب الملك.

الخامس : لو اشترى غير البيض من المحرمات ، هل ينسحب الحكم أم لا؟ يحتمل ذلك للمشاركة في العلة ، وهي الإعانة على فعل الحرام ، ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة ، فيقتصر على مورد النص.

قال رحمه اللّه : ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا ابتياع ، ولا هبة ، ولا ميراث ، هذا إذا كان عنده ، ولو كان في بلده فيه تردد ، والأشبه أنه يملك.

أقول : إذا أحرم وجب عليه إرسال ما معه من الصيد ، فلو كان وديعة أو عارية وجب دفعه إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل على الترتيب ، فلو

ص: 491


1- باب 24 من المصدر المتقدم ، حديث 5.
2- من «ن».

خالف اختيارا ضمن ، ولو لم يتفق أحد من هؤلاء أرسله وضمن وزال ملكه عن الحاضر عنده دون النائي ، هذا حكم المملوك.

قيل : وهل يدخل في ملكه بالإرث؟ المشهور دخول النائي ، واستقرار الملك عليه ، ولو كان حاضرا عنده ، قال الشيخ : يدخل في ملكه ثمَّ يزول عنه لعموم (1) الملك بالميراث ، ومنع العلامة دخول الحاضر في ملكه ، وهو مذهب فخر الدين ، لأن الإحرام يزيل الملك عن المملوك ، فمنعه لدخول غير المملوك في الملك اولى.

وعلى القول بعدم الانتقال ، قيل : يبقى على حكم مال الميت ، فإذا أحل المحرم ملكه ، وقيل : ينتقل إلى باقي الورثة ، لأن الإحرام من موانع الإرث بالنسبة إلى الصيد ، فإذا أحل قبل القسمة شارك ، وإلا فلا ، وفتاوي الأصحاب بالأول أكثر.

قال رحمه اللّه : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه ، وإن لم يكن مملوكا تصدق به.

أقول : غير المملوك إن كان من حمام الحرم اشترى بقيمته علفا لحمامه ، وإن كان من غير حمام الحرم تصدق بما يلزمه فيه على الفقراء ، وإن كان مملوكا فالبحث فيه في موضعين :

الأول في تقدير الملك : وهو يتقدر كما في القماري والدباسي ، سواء كان في الحل أو الحرم ، وكما لو كان الصيد ومالكه في الحل ، على القول بملك الصيد للمحرم ، أو يكون الصيد في الحرم وصاحبه محل ، وإن وجب عليه إرساله فالملك يتقدر في الصور.

الثاني في كيفية الضمان : وقد اختلفت عبارات الأصحاب في ذلك ،

ص: 492


1- راجع الوسائل ، كتاب الإرث ، أبواب موجبات الإرث.

قال المصنف : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لمالكه. وقال الشيخ في المبسوط : وإذا كان الصيد مملوكان فعليه الجزاء لله تعالى والقيمة للمالك ، ومثله عبارة التحرير.

وقال الشهيد : ولو كان مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك ، وفي القماري وفي الحرم نظر ، أقربه وجوب الجزاء وقيمته للمالك ، فعلى هذا يجب جزاء آخر لله تعالى ، ولو قيل بالمساواة بين الحرمي وغيره هنا كان قويا ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وقال في القواعد : وفداء المملوك لصاحبه وإن زادت على القيمة على إشكال.

إذا عرفت هذا فالمصنف أطلق كون الجزاء للمالك ، ولم يوجب لله شيئا ، وكذلك العلامة في القواعد ، إلا أنه استشكل فيما إذا زاد الجزاء عن القيمة ، هل تكون الزيادة للمالك أو يتصدق بها؟

قال فخر الدين : ينشأ من عموم قولهم : وفداء المملوك لصاحبه ، ومن أن المضمون للمالية المحضة إنما هو القيمة ، فيتصدق بالزائد ، والأقوى أنه للمالك ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه. فقد اتفق اختيار فخر الدين وأبيه في القواعد والمصنف على وجوب الفداء للمالك ، ولم يوجبوا لله شيئا ، وعبارة المبسوط والتحرير والدروس متفقة على وجوب الفداء لله والقيمة للمالك ، إلا أن صاحب الدروس استقرب - إذا كان الصيد في الحرم - وجوب جزاء آخر وقيمة للمالك ، ثمَّ فرع عليه وجوب جزاء آخر لله ، ثمَّ قوى الاقتصار على الجزاء الواحد مع القيمة الواحدة ، وأنه لا فرق بين الحل والحرم ، فيكون قد وافق إطلاق المبسوط والتحرير ، وهو المعتمد.

ص: 493

وهنا فروع :

الأول : لو تعددت القيمة أو الفداء أو هما كان للمالك قيمة واحدة والباقي صدقة ، كما لو اجتمع الحافر والدال والممسك والذابح والآكل في الحرم ، كان على كل واحد فداء وقيمة ، فإن لم يفرق بين الحل والحرم - كما هو إطلاق المبسوط والتحرير ، وكما قواه الشهيد - كان للمالك قيمة واحدة من هذه القيم والباقي صدقة ، وان فرقنا بين الحل والحرم كما استقربه الشهيد ، كان للمالك قيمة أخرى موزعة على الجميع ، وإن كانوا في الحل كان على كل واحد فداء ، وقيمة واحدة للمالك موزعة عليهم.

الثاني : لو كان المملوك طيرا وضربه على الأرض في الحرم ، ألزم الضارب دما وقيمتين ، إحداهما للمالك ، والأخرى صدقة.

الثالث : لو كانت الجناية على بيض الصيد المملوك قبل أن يتحرك فيه الفرخ وجب الإرسال لله ، والقيمة للمالك.

قال رحمه اللّه : وروي أن كل من وجب عليه شاة في كفارة الصيد وعجز عنها كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحج.

أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة معاوية بن عمار (1) ، وصورتها ما حكاه المصنف في الكتاب ، وبمضمونها أفتى القاضي عبد العزيز بن البراج والمصنف في المختصر.

ص: 494


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 2 من أبواب كفارات الصيد ، حديث 11 من طبعة رباني و 13 من طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).

في باقي المحظورات

قال رحمه اللّه : وعليهما أن يفترقا إذا بلغا ذلك الموضع حتى يقضيا المناسك إذا حجا على تلك الطريق.

أقول : المشهور وجوب التفريق في القضاء من المكان الذي أفسدا فيه حتى يقضيا المناسك ، والروايات (1) تعطي وجوب التفريق أيضا في الحجة الأولى التي أفسداها من موضع الإفساد حتى يقضيا المناسك ، واختاره العلامة في التذكرة واستحسنه في التحرير ، وهو مذهب علي بن بابويه ، وهو أحوط ، لأن تحريم الجماع ثابت في الفاسدة كالصحيحة فوجب التفرقة ، وقيل للصادق عليه السلام : «المحرم يقع على اهله؟ فقال يفرق بينهما ، فلا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله» (2) ، وأوجب ابن الجنيد التفريق في الحجتين معا ، وحرم الاجتماع والجماع بعد الإخلال في الأولى حتى يبلغا في الرجوع إلى مكان الخطيئة ، وفي الثانية حتى يبلغ الهدي محله ،

ص: 495


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 3 و 4 من أبواب كفارات الاستمتاع.
2- نفس المصدر باب 3 ، حديث 5.

والمعتمد جواز الاجتماع والجماع بعد قضاء جميع المناسك ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وفي الاستمناء بدنة ، وهل يفسد به الحج ويجب القضاء؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : إفساد الحج ووجوب القضاء من قابل مذهب الشيخ في المبسوط والجمل وابن البرّاج وابن حمزة والعلّامة في المختلف ، وقال في التحرير : ونحن فيه من المتوقفين.

والاقتصار على البدنة خاصة مذهب ابن أبي عقيل وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وفخر الدين.

والأول أحوط ، لأنه إنزال على وجه محرم غير مباح في وجه من الوجوه ، فكان أفحش من الجماع ، لأنه لا يباح في وجه دون وجه فناسب المساواة ، أو الزيادة في العقوبة دون القصور ، ولرواية إسحاق بن عمار (2) الدالة على الإفساد ، ووجوب القضاء.

واحتج ابن إدريس ومن تابعه بأصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثمَّ واقع لم يلزمه الكفارة وبنى عليه طوافه ، وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف ، والأول مروي.

أقول : المراد بقوله : (وقيل : يكفي في ذلك مجاوزة النصف) أي في سقوط الكفارة دون جواز البناء ، إذ لا خلاف في جواز البناء مع مجاوزة النصف ، وانما الخلاف في سقوط الكفارة ، هل تسقط حيث يسقط الاستئناف أو لا

ص: 496


1- راجع باب 3 و 4 من المصدر السابق.
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع ، حديث 1.

تسقط إلا بمجاوزة الخمسة؟ قال الشيخ بالأول ، وقال ابن إدريس بالثاني ، قال في السرائر : أما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه فصحيح ، وأما سقوط الكفارة ففيه نظر ، لأن الإجماع حاصل على أن من جامع قبل طواف النساء وجب عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة.

وذهب العلامة في المختلف إلى اختيار الشيخ ، ونسب قول ابن إدريس في التحرير إلى الخطأ ، ودليل الشيخ الروايات (1) مع أصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : وإذا عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها المحرم فعلى كل منهما كفارة ، وكذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة.

أقول : المشهور العمل بمضمون هذه الرواية (2) ، وذهب فخر الدين إلى الاستحباب ، لأصالة البراءة ، وهو معارض بالاحتياط مع الرواية ، ووجوب مخالفة الأصل مع قيام الدليل على خلافه.

قال رحمه اللّه : حلق الشعر وفيه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم مد ، وقيل : ستة لكل منهم مدان أو صيام ثلاثة أيام.

أقول : التخيير بين الشاة وصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين ستة امداد مذهب الشيخان رحمهما اللّه قال الشيخ : وروي عشرة مساكين ، وهو أحوط ، والمفيد لم يذكر الرواية ، بل اقتصر على إطعام الستة بستة أمداد.

وقال ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل : يطعم ستة مساكين اثني عشر مدا ، وقواه العلّامة في المختلف ، لأنه أحوط.

ص: 497


1- باب 11 من المصدر المتقدم.
2- باب 21 من المصدر السابق ، حديث 1.

وذهب المصنف والعلامة في القواعد والشهيد إلى إطعام العشرة عشرة أمداد.

والمعتمد على التخيير بين الشاة والصوم وإطعام العشرة ، لأن دفع ضرورة عشرة مساكين ونفعهم أعظم من نفع ستة ، فلا يحصل الاحتياط بزيادة مدين مع حرمان أربعة مساكين.

قال رحمه اللّه : قلع شجر الحرم ، وفي الكبيرة بقرة ولو كان محلا ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضهما قيمته ، وعندي في الجميع تردد.

أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد ، وهو المعتمد ، لأنه إتلاف شي ء منهي عنه ، فكان قيمته الكفارة ، وللروايات (1) الدالة على وجوب الكفارة ، وللاحتياط.

ومنشأ التردد من حيث وجوب التمسك بأصالة البراءة حتى يثبت الدليل الناقل ، والدليل ما ذكرناه ، وظاهر ابن إدريس عدم وجوب الكفارة ، وأوجب ابن البراج في الشجرة بقرة ، ولم يفرق بين الصغيرة والكبيرة.

تنبيه : المرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف ، وقال بعض الشافعية الشجرة التي يجب فيها البقرة هي التي تشبع البقرة ، والتي يجب فيها الشاة هي التي تشبع الشاة ، والمعتمد الأول ، والمتوسطة صغيرة لأصالة براءة الذمة ، لأن اسم الصغيرة يتناول ما ليس بكبيرة.

قال رحمه اللّه : ولو قلع شجرة منه أعادها ولو جفّت قيل : يلزمه ضمانها ولا كفارة.

أقول : هذه فرع على المسئلة الأولى ، فإن قلنا بالضمان في قلع الشجر

ص: 498


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 18 من أبواب بقية الكفارات. ولا دلالة فيها على التفصيل المذكور ، راجع التنقيح الرائع 1 : 567.

كان عليه الضمان مع جفافها إذا أعادها ، وإن قلنا بعدم الضمان وجبت الإعادة فإن جفت فلا كفارة.

قال رحمه اللّه : ومن استعمل دهنا طيبا في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول ، وكذا قيل فيمن قلع ضرسه ، وفي الجميع تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في الدهن الطيب ، والمراد به : ما فيه طيب ، ووجوب الكفارة باستعماله مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس.

وقال الشيخ في الجمل : إنه مكروه ، والمعتمد الأول.

الثانية : في قلع السن ، وفيه شاة عند الشيخ ، معولا على رواية محمد بن عيسى (1) وهي مرسلة ومقطوعة ، وقال محمد بن بابويه وأبو علي بن الجنيد لا بأس به مع الضرورة ولم يوجبا شيئا ، وهو المعتمد.

ص: 499


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 19 من أبواب بقية الكفارات ، حديث 1.

ص: 500

في العمرة

قال رحمه اللّه : ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من شهر ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : للأصحاب هنا أربعة أقوال :

الأول : لا يصح الاتباع بين العمرتين إلا بعد مضي شهر بينهما ، وهو المشهور (بين الأصحاب و) (1) في الروايات (2) ، واختاره العلامة في المختلف ، قال : لأن هذه الأحكام شرعية متلقاة من الشارع ، فيجب اعتبار ما وقع الاتفاق عليه ، وقد أجمعت الإمامية - إلا ابن أبي عقيل - على تسويغ العمرتين في الشهرين ، فيجب المصير إليه أخذا بالمتيقن.

الثاني : لا يصح أن يكون بين العمرتين أقل من عشرة أيام ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف.

الثالث : لا يكون بين العمرتين أقل من سنة ، وهو مذهب ابن أبي عقيل.

ص: 501


1- ما بين القوسين لم يرد في «ن» و «ر 1» و «ر 2».
2- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 6 باب 7 من أبواب العمرة.

الرابع : عدم التقدير ، بل يصح في كل يوم ، وهو مذهب ابن إدريس ، وفخر الدين ، واختاره أبو العباس في محررة ، احتج ابن إدريس بأن العمرة عبادة مشروعة ، وذكر مطلوب ، والتقدير منفي بالأصل ، والإجماع منعقد على جواز الاعتمار ، فمن قدره يحتاج إلى دليل ، وأخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.

قال العلامة في المختلف : واحتجاج ابن إدريس ضعيف جدا ، وما عنده إلا التشنيع على الشيخ.

ص: 502

كتاب الجهاد

اشارة

ص: 503

ص: 504

في من يجب عليه

قال رحمه اللّه : إذا كان عليه دين مؤجل فليس لصاحبه منعه ، ولو كان حالا وهو معسر ، قيل : له منعه ، وهو بعيد.

أقول : أطلق الشيخ في المبسوط اشتراط إذن صاحب الدين الحال ، وكذا ابن الجنيد ، وهو يعطي منع الموسر والمعسر ، والمشهور عدم منع المعسر ، لأنه مع الإعسار بالدين مخاطب بالجهاد للعموم (1) ، فيجب عليه عملا بالمقتضي السالم من معارضة صاحب الدين ، إذ لا سبيل له عليه حينئذ ، وإنما يتوجه المنع على القول بان له مؤاجرته ، وهو ضعيف.

قال رحمه اللّه : لو تجدد العذر بعد التحام الحرب لم يسقط فرضه على تردد إلا مع العجز عن القيام به.

أقول : إذا تجدد العذر بعد التحام الحرب ، فإن كان العذر من قبل

ص: 505


1- المراد بالعموم ما دل على وجوب الجهاد على المكلفين عموما. راجع كنز العرفان كتاب الجهاد ، النوع الأول في وجوبه - 1 : 341.

نفسه كالعمى والمرض كان له الانصراف ، لأنه لا يمكنه القتال ، وان كان من قبل غيره ، كما لو أمره صاحب الدين ثمَّ رجع عند التحام الحرب أو الأبوان ثمَّ رجعا كذلك ، قال الشيخ : ليس له الرجوع ، لأنه لا دليل عليه ، وهو جيد.

وقال ابن الجنيد : لا يجوز له الرجوع بعد التحام الحرب مطلقا ، سواء كان العذر من قبل نفسه أو من قبل غيره لعموم قوله تعالى ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ) (1) الآية ، ونحن نقول بالموجب مع القدرة لا مع العجز ، لأن اللّه تعالى أسقط الجهاد عن العاجز في الابتداء ، فكذلك في الأثناء ، والمعتمد تفصيل الشيخ.

قال رحمه اللّه : ومن عجز عنه بنفسه وكان موسرا وجب إقامة غيره ، وقيل : يستحب ، وهو أشبه.

أقول : الوجوب مذهب الشيخ وابن البراج وابن إدريس لعموم الأمر بالجهاد على الكفاية (2) ، وهو فعل يقبل النيابة في الحياة لا بعدها ، فإذا تعذرت المباشرة وجبت الاستنابة تحصيلا لأمر الشارع.

واحتج القائلون بالاستحباب بسقوطه مباشرة لعجزه فيسقط استنابة ، لأن الاستنابة تابعة لوجوب المباشرة ، وقد سقط وجوب المباشرة فيسقط وجوب الاستنابة ، وهو المعتمد. نعم لو احتيج إلى الاستنابة - بأن يعجز القائمون عن المقاومة - وجبت.

قال رحمه اللّه : ولو نذر المرابطة وجبت مع وجود الامام وفقده ، وكذا لو نذر أن يصرف شيئا في المرابطين وجب على الأصح ، وقيل : يحرم ، ويصرفه في وجوه البر إلا مع خوف الشنعة ، والأول أشبه.

ص: 506


1- الأنفال : 16.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 1 من أبواب جهاد العدو.

أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب صرف ما نذره للمرابطين إليهم مطلقا ، سواء كان الامام ظاهرا أو مستورا ، لأنها مستحبة في حال الغيبة ، لأنها تتضمن حفظا أو إعلاما بدخول عدو فيتأهبوا لدفعه ، والممنوع منه حال الغيبة الجهاد ، وهي ليست جهادا ، فإذا نذر إنسان لهم شيئا وجب صرفه إليهم ، لأنه بذل مال في إعانة مسلم على طاعة فيكون لازما.

وقال الشيخ وابن البراج : يصرفه في وجوه البر إلا أن يكون نذره ظاهرا ، أو يخاف الشنعة ، فحينئذ يجب الوفاء به ، والمستند رواية علي بن مهزيار (1) الدالة على هذا التفصيل ، وهي مشتملة على المكاتبة ، فلا يجب التعويل عليها مع قيام الأدلة القاطعة على وجوب الوفاء بالنذر.

قال رحمه اللّه : ولو آجر نفسه وجب عليه القيام بها ولو كان الإمام مستورا ، وقيل : إن وجد المستأجر أو ورثته ردّها ، والا قام بها ، والأولى الوجوب من غير تفصيل.

أقول : هذه المسئلة فرع على المسئلة التي قبلها ، فمن أخذ من غيره شيئا ليرابط به حال الغيبة وجب عليه القيام به عند القائلين بوجوب المرابطة حال الغيبة ، أو استحبابها مع الحاجة ، لأنه أخذ مالا على فعل مباح ، فيجب عليه القيام إن أخذه بعقد لازم كالإجارة ، وإن أخذه بعقد جائز كالجعالة جاز له القيام والترك ، وهذا هو المعتمد. وقال الشيخ : يجب ردّه على مالكه أو ورثته ، لأن الواجب صرفه في وجوه البر ، والولاية في ذلك إلى المالك ، أو من يقوم مقامه عند فقده ، وهم الورثة ، فإن لم يجد المالك وورثته وجب القيام به ، وهو بناء على مذهبه من عدم جواز المرابطة حال الغيبة.

ص: 507


1- باب 7 من المصدر المتقدم ، حديث 1.

ص: 508

في كيفية القتال

قال رحمه اللّه : ولو غلب العطب ، قيل : يجب الانصراف ، وقيل : يستحب ، وهو أشبه.

أقول : إذا زاد المشركون على ضعف المسلمين لم يجب الثبات إجماعا ، ومع ظن الظفر (1) يستحب الثبات ، ولا يجب عملا بالأصل ، ومع ظن العطب هل يجب الفرار أو يستحب؟ نقل الشيخ في المبسوط وجوب الفرار ، وجزم به العلامة في القواعد ، واختاره في المختلف ، وقيل : يستحب ، واختاره المصنف ، واستحسنه العلامة في التحرير.

احتج الأولون : بقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (2) ووجوب حفظ النفس ، ولأن المقصود من الجهاد يحصل بعد ذلك.

واحتج الآخرون : بأصالة عدم الوجوب ، واستحباب تحصيل الشهادة.

قال رحمه اللّه : ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات ، وقيل : يجب ، وهو المروي.

ص: 509


1- في «ن» : (ومع عدم ظن العطب) بدل : (مع ظن الظفر) ، وفي «ر 2» : (الغلب) بدل : (الظفر).
2- البقرة : 195.

أقول : عدم وجوب ثبات الواحد من المسلمين للاثنين من المشركين مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال العلامة ، وقواه فخر الدين لأصالة البراءة ، والآية (1) انما دلت على وجوب ثبات المئة بإزاء المئتين ، وهو يقتضي وجوب الثبات على الكثرة في مقابلة الضعف ، ووجوبه على الكثرة لا يقتضي وجوبه على الواحد.

والوجوب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس لرواية الحسين بن صالح ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال : كان يقول : من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فر ، ومن فرّ من ثلاثة من الزحف فلم يفر» (2).

قال رحمه اللّه : ويحرم بإلقاء السم ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس والشهيد.

والكراهية مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، ولو لم يمكن الفتح إلا به جاز قطعا ، والدليل الروايات (3).

قال رحمه اللّه : ولا يلزم القاتل دية ، ويلزمه الكفارة ، وفي الأخبار : ولا الكفارة.

أقول : لا خلاف في سقوط الدية ، وأما الكفارة فالمشهور عدم سقوطها وللشيخ قول بسقوطها لأصالة البراءة ، وللأخبار (4) الدالة على السقوط ،

ص: 510


1- الأنفال : 66.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 27 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1. وفي المصدر (الحسن بن صالح) بدل : (الحسين ...).
3- باب 16 و 18 من المصدر المتقدم.
4- نفس المصدر المتقدم ، حديث 2.

والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والمبارزة بغير اذن الإمام ، وقيل : يحرم.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد لما في ذلك من الحرص على الجهاد ، ولأن المبارزة جهاد ، وقد أمر الإمام بالجهاد فلا يحتاج إلى أمر آخر ، ولرواية عمر بن جميع (1) ، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

والتحريم مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس ، لأن الإمام أعرف بما تقتضيه المصلحة ، وهو أعلم بفرسان المسلمين والمشركين ، ومن يصلح للبراز ومن لا يصلح له.

والتحقيق أن المبارزة تنقسم إلى الأحكام الخمسة :

واجبة : وهي إذا ألزم الإمام. ومستحبة : وهي إذا ما طلب المشرك البراز ، فيستحب لمن فيه قوة من المسلمين مبارزته بإذن الإمام.

ومكروهة : وهي مبارزة الضعيف من المسلمين للقوي من المشركين.

ومباحة : بأن يخرج المسلم ابتداء فيطلب المبارزة.

ومحرمة : مع منع الإمام منها.

قال رحمه اللّه : فإن شرط أن لا يقاتله غيره وجب الوفاء له ، فإن فرّ وطلبه الحربي ، جاز دفعه. ولو لم يطلبه لم يجز محاربته ، وقيل : يجوز ما لم يشترط الأمان حتى يعود إلى فئته.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول في لزوم الشرط ، والمشهور لزومه ، لأنه عقد أمانا لنفسه ، فيجب الوفاء به.

ص: 511


1- باب 32 من المصدر المتقدم ، حديث 1. وفي المصدر : (عمرو) بدل : (عمر).

وذهب ابن الجنيد إلى بطلان هذا الشرط ، لأن اللّه ألزم المؤمنين الدفع عن المؤمن من كل من أراد البغي عليه ، ولا شك ان المشرك باغ على المؤمن ، ولقوله عليه السلام : «المؤمنون يد على من سواهم» (1).

الثاني : إذا قلنا بلزوم الشرط ، ثمَّ فرّ المسلم من القتال ، فإن طلبه المشرك جاز دفعه قطعا ، وإن لم يطلبه ، هل يجوز قتاله؟ قال المصنف لم يجز محاربته ، واختاره العلامة في القواعد لوجوب الوفاء بالشرط ، وقال الشيخ :

يجوز قتاله ما لم يشترط الأمان حتى يعود إلى فئته ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن الشرط اقتضى أن لا يقاتله غير المبارز ما دام في القتال ، وقد زال القتال بفرار المسلم ، فيزول الشرط ، فيباح القتال.

ص: 512


1- سنن البيهقي 9 : 94.

في الذمام

قال رحمه اللّه : وهل يذم لقرية أو لحصن ، قيل : نعم ، كما أجاز علي عليه السلام ذمام الواحد لحصن من الحصون ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : المشهور المنع من ذمام الواحد لأهل قرية أو حصن ، لأن الأمان عقد شرعي ، فيقف على الدليل الشرعي.

واحتجاج المجوزين ذلك بفعل علي عليه السلام (1) ضعيف بما قاله المصنف ، إذ هو قضية في واقعة فلا يتعدى ، واقتضاء المصلحة إجازته في تلك الواقعة لا يقتضي جوازه في كل واقعة ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويراعى في الحاكم كمال العقل والإسلام والعدالة. وهل يراعى الذكورة والحرية؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أنه حكم متعلق بالمعرفة وحسن الرأي ، فيصح ممن له معرفة وحسن رأي مع باقي الشرائط المجمع عليها ، فلا يتخصص بنوع دون نوع ، ومن أنه من المناصب الجليلة ، لأنه حكم على فريقي المسلمين

ص: 513


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 20 من أبواب جهاد العدو ، حديث 2.

والكفار ، فلا يليق بالعبد ، ولا بالمرأة لضعف رأيها.

وذهب العلامة في التحرير إلى اشتراط الحرية والذكورة ، وفي القواعد اشتراطهما في مختار الفريقين ، أو الإمام دون مختار المشركين خاصة ، ولم يعدّهما الشهيد من الشرائط ، وهو يدل على اختياره عدم كونهما شرطا.

ص: 514

في الأسارى

قال رحمه اللّه : وحكم الطفل المسبي حكم أبويه فإن أسلما أو أسلم أحدهما تبعه الولد. ولو سبي منفردا ، قيل : يتبع السابي في الإسلام.

أقول : الطفل لا يخلو من ثلاثة أحوال : إما أن يسبى مع أبويه ، أو مع أحدهما ، أو منفردا.

الأول : أن يسبى معهما ، وهذا لا خلاف في أنه يتبعهما في الكفر والإسلام ، فإن أسلم أحدهما دون الآخر تبع المسلم منهما.

الثاني : أن يسبى مع أحدهما خاصة ، قال الشيخ رحمه اللّه : إنه يتبع أحد أبويه في الكفر ، فلا يتوهم أحد أنه يتبع أحد أبويه في الكفر مع إسلام الآخر ، فإن هذا لا يقول به أحد ، إذ لا خلاف في أن الطفل يتبع أحد أبويه في الإسلام ، سواء كانا معه أو فرق بينه وبينهما ، وإنما مراد الشيخ : أنه لو بقي المسبي معه على الكفر مع كفر غير المسبي كان حكمه حكمه ، وهذا القول لازم لكل من قال بأنه لو سبي منفردا لم يتبع السابي في الإسلام ، وإنما يتوجه الإشكال على القول بأنه إذا سبي منفردا تبع السابي في الإسلام.

إذا عرفت هذا فنقول : يحتمل عدم الحكم بإسلامه مع عدم إسلام أحد

ص: 515

أبويه ، لأنه لو سبي معهما كان حكمه حكمهما ، فكذا إذا سبي مع أحدهما لعدم الانفراد عنهما ، ويحتمل الحكم بإسلامه لقوله عليه السلام : «كل مولود يولد على الفطرة ، وانما أبواه يهودانه وينصرانه» (1) ، فقد أضاف التهود والتنصر إلى الأبوين معا ، والحكم إذا علق على سببين لا يثبت بأحدهما دون الآخر ، فإذا كان معه أحدهما دون الآخر لا يتبعه في كفره وكان كما لو سبي منفردا يتبع السابي في الإسلام.

الثالث : أن يسبى منفردا عن أبويه ، قال الشيخ : يتبع السابي في الإسلام ، لأن الكفر انما يثبت له تبعا لأبويه ، وقد انقطعت تبعيته لهما بإخراجه عن دارهما ودخوله في دار الإسلام منفردا عنهما ، فيكون تابعا لسابيه في دينه.

والمعتمد عدم تبعيته للسابي في غير الطهارة ، لأنه محكوم بكفره لكونه مولودا بين كافرين ، فلا يحكم بإسلامه إلا بإسلام أحد أبويه ، أو بالإقرار بالشهادتين بعد بلوغه ، وإنما حكم بطهارته خاصة نفيا للحرج ، فيجوز بيعه على الكافر ، ولا يحكم بارتداده مع إعرابه الكفر بعد بلوغه ، ولا يدخل في الوصية والوقف للمسلمين ، وعلى القول بالتبعية بالإسلام يثبت ضد هذه الاحكام.

قال رحمه اللّه : ولو كان الزوجان مملوكين لم ينفسخ النكاح ، لأنه لم يحدث رق ، ولو قيل بتخير القائم في الفسخ كان حسنا.

أقول : المتعمد تخييره ، لأنه مالك تجدد له ملك الزوجين فكان مخيرا بين الفسخ والإمضاء ، كما لو ملكهما بغير الاغتنام.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق مسلم عبدا ذميا بالنذر ، فلحق بدار الحرب

ص: 516


1- باب 48 من المصدر المتقدم ، حديث 3.

فأسره المسلمون جاز استرقاقه ، وقيل : لا ، لتعلق ولاء المسلم به ، ولو كان المعتق ذميا استرق إجماعا.

أقول : هذا بناء على جواز عتق الكافر بالنذر ، وسيأتي البحث فيه إنشاء اللّه تعالى.

أما وجه عدم الاسترقاق ، فقد ذكره المصنف وهو تعلق ولاء المسلم به ، وفي تعليل المصنف مع تقييده العتق بالنذر والكفارة نظر ، لأن ولاء العتق إنما يثبت مع التبرع بالعتق ، لا مع وجوبه بالنذر والكفارة ، وهذا ظاهر مسطور في جميع مصنفاتهم ، والعلامة في تحريره لم يقيد العتق بالنذر ، فيتوجه التعليل.

وأما وجه الاسترقاق فلعموم (1) ، الإذن بالاسترقاق من غير قيد ، فيصح الاسترقاق ، ويبطل ولاء المسلم.

قال رحمه اللّه : إذا أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه ، ملك نفسه بشرط أن يخرج قبله ، ولو خرج بعده كان على رقه ، ومنهم من لم يشترط خروجه ، والأول أصح.

أقول : لا خلاف في حريته مع الخروج إلينا قبل مولاه ، لما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، حيث حاصر أهل الطائف ، «قال : أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر ، وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (2).

وإنما الخلاف إذا لم يخرج إلينا قبل مولاه ، والمشهور بقاؤه على الرق ، وهو المعتمد للرواية المتقدمة ، ولأصالة بقاء الملك ما لم يعلم السبب المزيل له ، ولأنه لم يقهر مولاه على نفسه ، فيبقى على الرق.

ص: 517


1- باب 23 من المصدر المتقدم.
2- باب 44 من المصدر المتقدم ، حديث 1.

وقوى الشيخ في المبسوط صيرورته حرا وإن لم يخرج ، لقوله عليه السلام : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) فإذا أسلم صار حرا ، وإلا كان يعلى عليه.

والجواب بيعه على المسلمين قهرا ، كما لو أسلم عبد الذمي في دار الإسلام ، فلا يعلى على الإسلام لعدم استقرار يد الكافر عليه.

ص: 518


1- الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 11.

في أحكام الغنيمة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا يجوز لهم التصرف بشي ء منه إلا بعد القسمة والاختصاص ، وقيل : يجوز لهم تناول ما لا بد منه ، كعلف الدابة وأكل الطعام.

أقول : ظاهر الشيخ في النهاية ، وابن إدريس وابن البراج وأبي الصلاح عدم جواز التصرف بشي ء من الغنيمة قبل القسمة مطلقا ، واختاره المصنف ، لأنه مال مشترك فلا يجوز التصرف فيه قبل قسمته ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز علف الدواب وأكل الطعام قبل قسمته ، وبه قال ابن الجنيد ، قال : ما كان للمسلم محللا أكله من طعام المشركين فمحلل اكله من الغنيمة قبل القسمة لقوله تعالى ( فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ) (1) ، ولم يشترط في ذلك قسمة ولا غيرها ، وهذا هو المعتمد ، لأن الضرورة تدعو إلى ذلك فكان سائغا ، وللآية المذكورة.

ولهم ان يذبحوا البهائم مع الحاجة إلى ذبحها وأكل لحمها ، ويجب رد الجلود إلى الغنيمة ، ولا يجوز إطعام البزاة والصقور ولا غيرهما من الجوارح شيئا

ص: 519


1- الأنفال : 69.

من الغنيمة ، لأنه لا حاجة داعية إلى ذلك.

قال رحمه اللّه : إذا باع أحد الغانمين غانما شيئا أو وهبه لم يصح ، ويمكن أن يقال : يصح في قدر حصته ويكون الثاني أحق باليد على قول ، ولو خرج هذا إلى دار الحرب أعاده إلى المغنم لا إلى دافعه ، ولو كان القابض من غير الغانمين لم تقر يده عليه.

أقول : وجه إمكان الصحة في قدر حصته ، لأنه باع مالا مشتركا بينه وبين غيره فيصح في قدر حصته ويبطل في قدر حصة غيره ، والصحة في قدر حصته مبنية على أن الملك ، هل يحصل بمجرد الاستيلاء ، أو به مع اختيار التملك ، أو بالقسمة ، أو تكون القسمة كاشفة عن سبق الملك بالاستيلاء ، وان حصلت تبينا سبق الملك بالاستيلاء ، وإن تلف المال أو أعرض الغانم عن حصته تبينا عدم ملكه بالاستيلاء؟ الجميع محتمل ، أما احتمال الملك بالاستيلاء من غير افتقار إلى غيره ، لأن الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من الأموال سبب لتملكه ، ولأن ملك الكافر يزول عنه بالاستيلاء عليه ، فلو لم يدخل في ملك من استولى عليه بقي بغير مالك ، وهو غير جائز.

وأما احتمال الملك إن قصد التملك عند الحيازة ، [ف] لأن الأصل عدم تجدد الملك إلا مع ثبوت السبب المقتضي له ، وقد بينا أن الجهاد ليس لقصد الملك ، بل لحفظ ملة الإسلام ، فلا بد للملك من سبب غيره وهو القصد إلى التملك بعد الحيازة ، وأما وجه التملك بالقسمة ، [ف] لأنه لو ملك قبل القسمة بالاستيلاء ، لما جاز مشاركة من لا يحضر الاستيلاء ، ولما زال بالإعراض عنه ، لأن سبب زوال الملك أشياء مخصوصة ليس الإعراض هاهنا (1) منها.

ص: 520


1- من «ن».

وأما وجه كون القسمة كاشفة عن سبق التملك بالاستيلاء ، [ف] لأن القسمة ليست سببا صالحا للتملك ، لأنها تميز حقوق الملاك ، فإذا حصلت القسمة تبينا حصول الملك حالة الاستيلاء ، وإذا لم يحصل لتلف الغنيمة أو لإعراض الغانم عن حقه ، تبينا عدم حصول الملك بالاستيلاء ، فالقسمة كاشفة عن سبق الملك ، وعدمها كاشف عن عدم سبقه.

إذا تقرر هذا فنقول : إن قلنا بحصول الملك بالاستيلاء من غير قيد اختيار التملك ولا قيد القسمة صح البيع في حصته وبطل في غيرها ، وإن قلنا بافتقاره إلى اختيار التملك والقسمة بطل في الجميع ، وكان الثاني أحق بإثبات اليد عليه دون الأول ، لأنه غانم قد استولى على شي ء من الغنيمة فيكون أحق بإثبات اليد عليه من غيره ، ولو كان المشتري من غير الغانمين لم تقر يده عليه ، لأنه ليس له في الغنيمة حق فلا يستحق إثبات يده على شي ء منها.

قال رحمه اللّه : ولو وجد شي ء في دار الحرب يحتمل أن يكون للمسلمين ولأهل الحرب كالخيمة والسلاح فحكمه حكم اللقطة ، وقيل : يعرّف سنة ، ثمَّ يلحق بالغنيمة ، وهو تحكم.

أقول : القائل بردّه إلى الغنيمة الشيخ في المبسوط ، وقال المصنف : إنه تحكم لعدم الدليل عليه ، والمعتمد ثبوت أحكام اللقطة له ، كما لو لقطة في غير دار الحرب ، لأنه مال ضائع لا يد لأحد عليه ، فيكون لقطة.

قال رحمه اللّه : إذا كان في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين ، قيل : ينعتق نصيبه ولا يجب ان يشتري حصص الباقين ، وقيل : لا ينعتق إلا ان يجعله الإمام في حصته أو في حصة جماعة هو أحدهم ثمَّ يرضى هو فيلزم لشراء حصص الباقين ان كان موسرا.

أقول : القائل بعتق النصيب هو الشيخ ، وهو بناء على أن الملك

ص: 521

يحصل بمجرد الاستيلاء ، لأنه ملك جزءا من قريبه فينعتق ذلك الجزء عليه ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر القواعد ، لأنه بناه على الملك بالاستيلاء ، وهو قد استقرب حصول الملك به.

والمعتمد عدم وجوب شراء حصص الباقين على القول بعتق الحصة ، لأنه لم يملك الجزء باختياره.

ونقل الشيخ قولا بعدم العتق ما لم يجعله الإمام في حصته أو حصة جماعة هو أحدهم ، لأن للإمام أن يدفعه إلى غيره ويدفع غيره إليه فيكون قد ملكه.

والجواب أن التخصيص بالقسمة لا يمنع سبق الملك المشاع ، فالإيراد غير وارد ، لأن حقيقة القسمة تخصيص كل واحد بجزء من المشترك ، والأول هو المعتمد.

فرع : لو اشترى أباه منفردا لم ينعتق عليه ، لأن الأسير لا يصير رقيقا بنفس الأسر ، لأن الإمام مخيّر بين المن والفداء والاسترقاق والقتل ، فإن اختار استرقاقه عتق على السابي أربعة أخماسه ، وقيل : يقوم عليه الخمس الباقي إن كان موسرا.

قال رحمه اللّه : ثمَّ يخرج الخمس ، وقيل : بل يخرج الخمس مقدما ، عملا بالآية. والأول أشبه.

أقول : المشهور أن السلب والجعائل والرضخ يستحقها المجعول له من أصل الغنيمة ، ثمَّ يخمس الباقي ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل هذه الأشياء ، ولم ينقل أنه أخرج منها الخمس.

ونقل الشيخ في المبسوط قولا : بأن هذه الأشياء تكون من الأربعة الأخماس ، لعموم الآية وهي قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ

ص: 522

لِلّهِ خُمُسَهُ ) (1) الآية ، وقال ابن الجنيد : في النفل (2) الخمس لأهله ، لما روي ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : «لا نفل إلا بعد الخمس» (3) ، قال : واما السلب للقاتل [ف] لا يشاركه فيه أهل الغنيمة ولا أهل الخمس ، والمعتمد عدم وجوب الخمس في الجميع عدا النفل فإنه يجب فيه الخمس ، لأنه غنيمة حقيقة.

تنبيهان :

الأول : النفل هو ما يجعله الإمام لبعض الغانمين زيادة على سهمه بشرط ، مثل أن يقول : «من قتل فلانا ، أو تولى السرية ، أو دلّني على القلعة ، أو من يحمل الراية فله كذا» ، ولا يتقدر بقدر ، وروي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل في البدأة الربع ، وهي السرية الأولى ، وفي الرجعة - وهي السرية الثانية بعد رجوع الأولى - الثلث (4). وقيل بالعكس ، وليس ذلك لازما ، بل بحسب ما يراه الإمام من المصلحة ، ولا يجوز النفل إلا مع الحاجة.

الثاني : السلب المستحق للقاتل بجعل الإمام ، وهو كل ما يد المقتول عليه من جنة القتال كالبيضة والدرع والجوشن ، أو كان سلاحا كالسيف والرمح والخنجر ، وكذلك الثياب التي لابسها والفرس التي راكبها دون الجنائب التي تساق خلفه ، ودون ما معه وليس آلة للحرب كالمنطقة ، والخاتم ، والمعضد ، والدراهم على الأقرب ، لأن المفهوم من السلب هو الثياب مع آلة

ص: 523


1- الأنفال : 41.
2- في «ر 1» : انتقال.
3- سنن البيهقي 6 : 614 ، وكنز العمال 2 : 272 الرقم 5825.
4- رواه في المبسوط 2 : 68.

الحرب التي يستعين بها على القتال ، يبقى الباقي غنيمة ، ويحتمل كونها سلبا ، لأنها تسلب عنه كالثياب ، وانما يستحق السلب بشروط :

الأول : أن يكون المقتول من المقاتلة ، فلو قتل من لا يستحق القتل كالصبي والمرأة والشيخ الفاني فإنه لا يستحق سلبه.

الثاني : أن يكون المقتول ممتنعا ، فلو قتل (1) أسيرا له أو لغيره ، أو مثخنا بالجراح لم يقدر على المقاومة لم يستحق سلبه.

الثالث : يشترط أن يعرف (2) القاتل بنفسه ، بأن يبارز (3) بين الصفين ، فلو رمى سهما فقتل به قتيلا لم يستحق سلبه.

الرابع : لا بد من البينة مع التجاحد ، لأنه مدع فعليه البينة ، وهل يفتقر إلى شاهدين أو يكفي الشاهد الواحد مع اليمين؟ يحتمل الأول ، لأنها دعوى قتل فلا تثبت إلا بشاهدين ، ويحتمل الثاني ، لأن المقصود منها المال فيثبت بشاهد ويمين.

الخامس : يشترط كون القاتل ذا نصيب من الغنيمة إما بسهم ، أو رضخ ، أو جعل ، ولو لم يستحق كالمرجف والمخذل (4) لم يستحق السلب.

ويتفرع هنا فروع لا حاجة لنا في ذكرها لسقوط أصل هذا الحكم عنّا في غيبة الإمام ، فلا نطول الكتاب بما لا تدعو الحاجة إليه.

قال رحمه اللّه : ثمَّ يعطى الراجل سهما والفارس سهمين ، وقيل : ثلاثة ، والأول أظهر.

ص: 524


1- في «ر 1» و «ي 1» و «ن» : أقبل.
2- من «ر 2» ، وفي الباقي : يقرر.
3- من «ن» و «ر 2» ، وفي الباقي : يبادر.
4- في «ر 2» : المجدل.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : وفي أصحابنا من قال : وللفارس ثلاثة أسهم ، سهم له وسهمان لفرسه ، وكذلك نقل ابن إدريس ، والمعتمد الأول ، ودليل الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وإنما يسهم للخيل وان لم تكن عرابا ، ولا يسهم من الخيل للقحم والرازح والضرع لعدم الانتفاع بها في الحرب ، وقيل : يسهم مراعاة للاسم ، وهو حسن.

أقول : يستحق الفارس السهم الثاني للفرس ، سواء كان عتيقا ، أو برذونا ، أو هجينا ، أو مقرفا ، وسواء أدركت إدراك العراب أو لا ، وهذا إجماع ، وإنما الخلاف في الحطم ، والقحم ، والضرع ، والأعجف ، والرازح ، فالشيخ (2) أوجب السهم لها لصدق اسم الخيل عليها ، ومنع ابن إدريس من ذلك لعدم الانتفاع بها ، وهو معارض بوجوب السهم لمن لا ينتفع به كالطفل ، ومن لحق من المدد ، وإن لم يحضر القتال.

تنبيه : العتيق هو الذي أبوه وأمه عتيقان عربيان خالصان ، والبرذون ضد العتيق ، والهجين : هو الذي أبوه عتيق وأمه برذونة ، والمقرف عكس الهجين ، وهو الذي أمه عتيقة كريمة ، وأبوه برذون ، قال الشاعر :

وما هند الا مهرة عربية *** سليلة أقوام تحللها بغل

ص: 525


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 38 وباب 42 من أبواب جهاد العدو.
2- في «ن» و «ي 1» : قال الشيخ.

فإن نتجت مهرا كريما فبالجري *** وإن يك إقراف فمن جهة الفحل (1)

والحطم : هو الذي ينكس بصاحبه ، والقحم : هو الكبير الذي لا يمكن القتال عليه لكبر سنه وهرمة ، والضرع : هو الذي لا يمكن القتال عليه لصغره ، والأعجف : هو المهزول الذي لا يمكن القتال عليه لهزالته ، والرازح : هو الذي لا حراك به.

قال رحمه اللّه : المرصد للجهاد لا يملك رزقه من بيت المال إلا بقبضه ، فإن حل وقت العطاء ثمَّ مات كان لوارثه المطالبة به ، وفيه تردد.

أقول : المرصد الذي أرصد نفسه للجهاد ، وكان من جند الديوان ، الذين برسم الجهاد ، وهؤلاء يرزقهم الامام من بيت المال ، فلو مات قبل القبض بعد حلول العطاء ، هل لوارثه المطالبة؟

يحتمل ذلك ، لأن المطالبة حق لمورثه ، وقد انتقل اليه بموته ، فكان له المطالبة كما (2) كان لمورثه ، ويحتمل العدم ، لأن مورثه لا يملك رزقه إلا بالقبض ، ولم يقبض شيئا فلا يملك شيئا ، فلا يكون له المطالبة بما لا يملكه مورثه.

قال رحمه اللّه : قيل : ليس للأعراب من الغنيمة شي ء وان قاتلوا مع المهاجرين ، بل يرضخ لهم ، نعني بهم : من أظهر الإسلام ولم يصفه ، وصولح على إعفائه من المهاجرة وترك النصيب.

أقول : هذا هو المذهب المشهور بين الأصحاب لما روي أن النبي صلّى

ص: 526


1- أنظر لسان العرب 11 : 339 (سلل) و 13 : 433 (هجن).
2- في «ن» و «ر 1» : لو.

اللّه عليه وآله وسلّم صالح الأعراب عن المهاجرة بترك النصيب (1) ، ونازع ابن إدريس في ذلك ، وقال : هذه رواية شاذة مخالفة لأصول مذهب أصحابنا ، لأنه لا خلاف بين المسلمين أن كل من قاتل من المسلمين كان من جملة المقاتلة ، وأن الغنيمة للمقاتلة فلا يخرج عن هذا الإجماع إلا بإجماع مثله. والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو عرفت بعد القسمة فلأربابها القيمة من بيت المال ، وفي رواية يعاد على أربابها بالقيمة ، والوجه إعادتها على المالك ، ويرجع الغانم بقيمتها على الامام مع تفرق الغانمين.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى اختصاص الغانمين بها وإعطاء المالك القيمة من بيت المال ، سواء عرفها قبل القسمة أو بعدها ، لرواية هشام بن سالم (2) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهي مرسلة.

وذهب في المبسوط إلى دفعها إلى المالك مطلقا ، فإن كان قبل القسمة خرجت من أصل الغنيمة ، وإن كان بعد القسمة أعطي الغانم قيمتها من بيت المال لئلا تنتقض القسمة ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

واشترط المصنف في دفع القيمة إلى الغانم من بيت المال تفرق الغنمين.

وقبل التفرق تنقض القسمة لظهور بطلانها ، لاشتمالها على قسمة ما ليس من الغنيمة ، ولا يجوز تملكه للغانمين ، ومع ظهور بطلانها يجب نقضها ، وهو قوي ، لكن في نقض القسمة ، وإعادتها ثانيا مشقة عظيمة مع دخول

ص: 527


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 41 من أبواب جهاد العدو ، حديث 3.
2- باب 35 من المصدر المتقدم ، حديث 1.

النقص على الغانمين ، فكان دفع القيمة إلى الغانم أولى ، لما فيه من ترك المشقة ، وتوفر حق الغانمين من غير نقص يدخل على من انتزعت العين منه ، لأنه يأخذ قيمتها تماما ، ومع نقض القسمة يرجع إليه أقل من قيمتها ، لنقص الغنيمة بالعين المنتزعة ، فكان أولى ، وذهب العلامة في القواعد إلى مذهب المصنف.

ص: 528

في أحكام أهل الذمة

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل تسقط عن الهم؟ قيل : نعم ، وهو المروي ، وقيل : لا ، وقيل : تسقط عن المملوك.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الشيخ الفاني ، وبسقوطها عنه قال أحمد بن الجنيد ، لرواية حفص بن غياث (1) عن الصادق عليه السلام الدالة على سقوطها.

وبعدم السقوط قال الشيخ في المبسوط ، لأنها وضعت للصغار والإهانة ، وهو يناسب الكفر الثابت في الشيخ الفاني وشبهه ، كالأعمى والمقعد ، ولعموم الآية (2).

والمعتمد التفصيل ، وهو : سقوطها عمن لم يبق له رأي ولا قتال ، وثبوتها على من له أحدهما.

الثانية : في المملوك ، والمشهور سقوط الجزية عنه ، وهو اختيار الشيخ

ص: 529


1- باب 18 من المصدر المتقدم ، حديث 1.
2- التوبة : 29.

في المبسوط ، وأبي الصلاح ، واختاره العلامة في أكثر كتبه ، لأنها تكليف يتعلق بالملك ، والعبد لا يملك شيئا فيسقط عنه.

وذهب محمد بن علي بن بابويه في كتاب المقنع إلى وجوبها على المملوك ويدفعها المولى عنه ، واختاره في التحرير ، للعموم.

قال رحمه اللّه : ولو قتل الرجال قبل عقد الجزية فسأل النساء إقرارهن ببذل الجزية ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، وهو الأصح ، ولو كان بعد عقد الجزية كان الاستصحاب حسنا.

أقول : القولان ذكرهما الشيخ رحمه اللّه قال : يعقد لهن بشرط أن يجري عليهن أحكامنا ، وليس له سبيهن ، ولا أن يأخذ منهن شيئا ، فإن أخذ منهن شيئا ردّه ، قال : وقيل : إنه يحتال عليهن حتى يفتحن فيسبيهن ، ولا يعقد لهن الأمان لعدم جواز أخذ الجزية من النساء ، فيكون عقدا مخالفا للمشروع فيكون باطلا.

أما لو كان قتل الرجال بعد عقد الجزية ، قال المصنف : كان الاستصحاب حسنا. وجه حسنه أن الأمان قد ثبت لهن بعقد الرجال فيستحب استصحابه ، إذ الممنوع هو عقد الجزية عليهن ، والعقد قد جرى على الرجال لا عليهن ، والمعتمد عدم الجواز مطلقا ، لما تقدم من أنه مخالف للمشروع.

قال رحمه اللّه : والمجنون المطبق لا جزية عليه : فإن كان يفيق وقتا ، قيل يعمل بالأغلب. ولو أفاق حولا وجبت عليه.

أقول : لا خلاف في سقوطها عن المطبق مدة الحول ، ولا خلاف في وجوبها مع الإفاقة مدة الحول ، وإنما الخلاف في المجنون أدوارا ، وقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أقوال :

الأول : أنه يحكم للأغلب منهما ، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ،

ص: 530

لا اعتبار الأغلب في كثير من الأحكام.

الثاني : أنه يلفق أيام الإفاقة ، فإذا بلغت حولا وجبت الجزية ، لأنه يصدق عليه أنه أفاق حولا فيجب عليه.

الثالث : السقوط ، وهو المعتمد لرواية طلحة (1) عن الصادق عليه السلام الدالة على سقوطها عن المغلوب عليه عقله ، وهو يصدق على المطبق وغيره.

قال رحمه اللّه : ويجوز وضعها على الرؤوس أو على الأرض ولا يجمع ، وقيل بجوازه ابتداء ، وهو الأشبه.

أقول : عدم جواز الجمع مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن مسلم (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وجواز الجمع مذهب ابن الجنيد وابي الصلاح والعلامة في القواعد ، لأن الجزية لا حد لها فجاز ان يضع قسطا على أرضهم وقسطا على رؤوسهم.

والمعتمد : إن وقع الصلح ابتداء على قدر معين من المال جاز أخذه منهما ومن أحدهما ، وإن وضعت على أحدهما وقدرت بمعين لم يجز تخطيه ، وإن لم يقدر بمعين جاز الأخذ منهما ، وكذلك لو وضعت عليهما ، فان قدرت بمعين لم يجز الأخذ من أحدهما دون الآخر ، وإن لم يقدر جاز الأخذ منهما ومن أحدهما.

قال رحمه اللّه : ويجوز أن يشترط عليهم مضافا إلى الجزية ضيافة مارة العسكر ، ويحتاج ان تكون الضيافة معلومة ، ولو اقتصر على الشرط وجب ان يكون زائدا على أقل مراتب الجزية ، ولو أسلم قبل الحول أو بعده قبل

ص: 531


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 51 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1.
2- الفقيه 2 : 27 ، حديث 98 ، ورواه في الوسائل باب 68 من أبواب جهاد العدو ، حديث 1.

الأداء سقطت الجزية على الأظهر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في شرط الضيافة ، ولا خلاف في جواز اشتراطها مضافة إلى الجزية وغير مضافة ، فإذا أضيفت إلى الجزية لم تحد بقدر ، ولو اقتصر على الضيافة خاصة من غير جزية وجب أن تقدر على أقل مراتب الجزية ، وأقلها دينار على الفقير على ما قدره أمير المؤمنين عليه السلام (1) قيمة الدينار اثنا عشر درهما ، وفي غير الجزية قيمته عشرة دراهم.

ويجب ان تكون معلومة بأن يعين عدد من يطعمونه وعدد الأيام التي يطعمون فيها ، وقيل : لا يزيد على ثلاثة أيام ، والمعتمد الجواز مع الشرط بحسب ما يراه الامام.

ولا بد من تعيين القوت قدرا وجنسا ، وتعيين الأدم من لحم أو سمن أو شيرج أو زيت. وتعيين علف الدواب من قت أو تبن أو شعير لكل دابة شي ء معلوم ، وينبغي ان تكون الضيافة على قدر أحوالهم ، ويكثرها على الغني ، ويقللها على الفقير.

الثانية : إذا أسلم الذمي بعد الحول وقبل الأداء ، هل تسقط عنه الجزية أم لا؟ المشهور بين الأصحاب سقوطها ، لأنها وضعت للاصغار والإهانة وللرغبة في الدخول في الإسلام ، وقد حصل الإسلام فلا يجوز اهانة المسلم ولا تصغيره ، وقيل : بعدم السقوط ، لأنها وجبت بحئول الحول ، فلا يسقط بالإسلام بعده ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع : ان لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات ، ولو تظاهروا بذلك نقض العهد ، وقيل :

ص: 532


1- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 68 من أبواب جهاد العدو ، حديث 7.

لا ينقض ، بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الإسلام من حد أو تعزير.

أقول : هذه الأشياء يجب الكف عنها سواء شرط الامام عليه السلام عليهم في العقد ذلك أم لا ، فلو فعلوها قال الشيخ : لا ينقض العقد ، لأنه وقع صحيحا فلا ينقض عهدهم سواء شرط الامام عليهم الكف عن ذلك أو لا ، والمعتمد النقض مع شرط الكف ، لأنهم خالفوا ما شرط عليهم في العقد ، فينتقض عهدهم ، لأن الإمام ما أقرهم على دينهم إلا على جميع ما شرط عليهم ، فإذا خالفوا ما شرطه عليهم انتقض عهدهم ، لعدم الرضى بدونه ، وإن لم يشترطه عليهم في العقد لم ينتقض العهد بفعلهم ، وقاتلهم الامام بما يوجبه الجناية في شرع الإسلام.

تنبيه : جملة ما يشترطه الامام على أهل الذمة ستة أقسام :

أحدها : يجب شرطه ولا يجوز تركه ، وذلك اشتراط الجزية والتزام احكام المسلمين ، فلو أخلّوا بهما أو بأحدهما عمدا أو سهوا لم تنعقد الهدنة ، وصورة العقد أن يقول العاقد : اقررتكم على دينكم بشرط دفع الجزية ، والتزام احكام المسلمين ، فيقول الذمي : قبلت ، فإذا وقع على هذه الصفة انعقد ووجب الوفاء ، سواء شرط غير هذين الشرطين أو لا.

وأحدها : يستحب شرطه ولا يجب ، لكن إذا انعقدت الهدنة وجب الكف عنه وإن لم يشترط ، ومع المخالفة ينتقض العهد ، سواء شرط في العقد أو لم يشترط ، وهو كل ما ينافي الأمان من العزم على حرب المسلمين أو إمداد المشركين بالمعونة ، فهذان الشرطان ينتقض العهد بمخالفتهما ، سواء شرطا في العقد أو لم يشترطا.

وأحدها : يجب الكف عنه ولا يجب شرطه ، وهو الزنا بنساء المسلمين وما شابه ذلك ، وقد ذكره المصنف ، ولا ينتقض العهد بمخالفتها الا مع الشرط.

ص: 533

وأحدها : المسألة المشروحة ، وهي التظاهر بالمناكير ، وقد ذكرنا الخلاف فيها.

قال رحمه اللّه : إذا خرقوا الذمة في دار الإسلام كان للإمام ردهم إلى مأمنهم ، وهل له قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انهم دخلوا دار الإسلام بأمان فلا يقتلون بل يجب ردهم إلى مأمنهم ، ولأنهم لو دخلوا بشبهة أمان وجب ردهم ولا جاز اغتيالهم ، فمع دخولهم بالأمان يكون وجوب الرد أولى ، ومن أنهم مع خرق الذمة صاروا حربا لا ذمة لهم ، فيكون الامام مخيرا بين ردهم وقتلهم ، واسترقاقهم ومفاداتهم ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

والمعتمد إن كان خرقهم للذمة بقتال المسلمين ، أو اعانة الكفار عليهم ، جاز قتلهم واسترقاقهم ومفاداتهم ، وإلا وجب ردهم.

قال رحمه اللّه : وإذا انهدمت كنيسة مما لهم استدامتها جاز اعادتها ، وقيل : لا.

أقول : القائل بعدم الجواز هو الشيخ في المبسوط ، قال : لأنه لا دليل على ذلك ، وبناؤها محرم ممنوع منه ، قال : ولو قلنا : إن لهم ذلك كان قويا ، لأنا اقررناهم على التبقية فلو منعناهم عن العمارة لخربت.

وذهب العلامة في المختلف إلى جواز الإعادة ، وكذلك ولده في الإيضاح.

قال رحمه اللّه : فكل ما يستجده الذمّي لا يجوز أن يعلو به على المسلمين من مجاوريه ، ويجوز مساواتهم على الأشبه.

أقول : لا خلاف في عدم جواز العلو ، وإنما الخلاف في المساواة ، ووجوب القصور مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، والعلامة في المختلف لقوله عليه السلام : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) ، ومع

ص: 534


1- كنز العمال 1 : 17 ، رقم 246 ، والجامع الصغير 1 : 123.

المساواة لا يتحقق علو الإسلام ، ولأن منعهم من العلو لأجل الإهانة والصغار ، ولا يتحقق مع المساواة.

وقيل بجواز المساواة ، واختاره المصنف ، لأن للمالك أن يتصرف بملكه ما شاء ، خرج منه عدم جواز العلو للإجماع عليه ، فيبقى الباقي على أصالة الجواز ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز لهم استيطان الحجاز على قول مشهور ، وقيل : المراد به مكة والمدينة.

أقول : هذا القول لا اعلم فيه خلافا بين الأصحاب ، وقال العلامة في التذكرة : ولا يجوز لكافر حربي ولا ذمي سكنى الحجاز إجماعا ، لكن المصنف لما لم يظفر بدليل مقنع عنده على هذا القول لم يجزم به ، وقال : (على قول مشهور) ، كما جرت عادته في هذا الكتاب ، وقد ذكرنا ذلك في مقدمة هذا الشرح.

واستدل عليه العلامة في التذكرة ، بقول ابن عباس ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : «انه اوصى بثلاثة أشياء : أحدها إخراج المشركين من جزيرة العرب» (1) ثمَّ استدل بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» (2).

قال صاحب التذكرة : والمراد بجزيرة العرب في هذه الاخبار : الحجاز خاصة ، قال : ويعني بالحجاز مكة والمدينة والإمامة ، وخيبر وينبع وفدك ومخاليفها ، ومثله قوله في التحرير : وسمي حجازا لحجزه بين نجد وتهامة ، واقتصر في القواعد على مكة والمدينة ، قال : وهي داخلة في جزيرة العرب.

والأول هو المعتمد ، لأن دليل المنع الأخبار الواردة بالمنع من جزيرة

ص: 535


1- سنن البيهقي 9 : 207.
2- سنن البيهقي 9 : 207.

العرب ، والأماكن التي عددها في التحرير والتذكرة داخلة في جزيرة العرب بلا خلاف ، فيجب أن يمنعوا منها بلا خلاف أيضا.

قال رحمه اللّه : وفي الاجتياز به والامتيار منه تردد ، ومن أجازه حده بثلاثة أيام.

أقول : جزم العلامة في قواعده بجواز الاجتياز والامتيار ، قال : ولا يمكن من الإقامة أزيد من ثلاثة أيام على موضع سوى يوم الدخول والخروج ، ونقله في التحرير عن الشيخ ، وهو يدل على عدم الجزم به.

وتردد المصنف من أصالة الجواز ، ومن عموم المنع الشامل للاجتياز والامتيار وغيره ، ويجوز مع اذن الامام قطعا ، وانما يأذن لهم مع المصلحة كحمل الميرة ، وإذا أقام في بلد ثلاثة أيام أمر بالانتقال إلى بلد آخر.

قال رحمه اللّه : ولا جزيرة العرب ، وقيل : المراد بها مكة والمدينة واليمن ومخالفيها ، وقيل : هي من عدن الى ريف عبادان طولا ، ومن تهامة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا.

أقول : اختلف أهل اللغة في تحديد جزيرة العرب ، نقل صاحب التحرير عن الأصمعي وابي عبيدة : انها ما بين عدن إلى ريف العراق طولا ، ومن جدة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا ، ونقل صاحب الصحاح عن أبي عبيدة : انها من حفر أبي موسى الأشعري إلى اليمن طولا ، ومن رمل يبرين إلى منقطع السماوة عرضا.

تنبيه : ريف عبادان الذي ذكره المصنف داخل في ريف العراق ، والريف قال صاحب الصحاح : أرض فيها زرع وخصب ، والجمع أرياف ، ورافت الماشية : اي رعت الريف ، وأريفنا أي صرنا إلى الريف ، وأرافت الأرض أي أخصبت ، وهي أرض ريّفة بتشديد الياء.

ص: 536

فعلى هذا يكون حد الجزيرة ما زرع وكان ذا خصب من ارض العراق ، وانما سميت الجزيرة ، لأن بحر الحبش وبحر الفارس والفرات أحاطت بها ، وانما نسبت إلى العرب ، لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها.

قال رحمه اللّه : ويجوز الهدنة أربعة أشهر ، ولا يجوز أكثر من سنة على قول مشهور ، وهل يجوز أكثر من أربعة أشهر؟ قيل : لا ، لقوله تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وقيل : نعم لقوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) .

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحديد الكثرة بالسنة : وهو المشهور بين الأصحاب ، والمصنف لم يجد دليلا مرضيا على هذا القول ، فلم يجزم به ، واستدل العلامة في القواعد بقوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (1).

وفي صحة الاستدلال بهذه الآية على السنة نظر ، لأنها دلت على ترك القتال أربعة أشهر لا غير ، فكيف يستدل بها على السنة ، والمانع من الزيادة على الأربعة جعلها دليلا له ، وهي دالة على مطلوبه.

ويمكن أن يقال : إذا دلت على المنع من الزيادة على الأربعة فدلالتها بالمنع من الزيادة على السنة أولى ، ونقل في التحرير عن الشيخ وابن الجنيد تقدير الزيادة مع حاجة المسلمين بعشر سنين ، فلو عقده أكثر من عشر سنين بطل الزائد خاصة ، وجنح إليه في القواعد.

الثانية : في الزيادة على أربعة أشهر ، وقد ذكر المصنف وجهي الفريقين ، والمعتمد اعتبار المصلحة ، وهذا تكليف راجع إلى غيرنا فلا ضرورة في ترك الاستقصاء في تحقيقه.

ص: 537


1- التوبة : 5.

قال رحمه اللّه : لو قدم زوجها وطالب بالمهر فماتت بعد المطالبة دفع اليه مهرها ، ولو ماتت قبل المطالبة لم يدفع اليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من السبب الموجب لدفع المهر وهو الإمساك والحيلولة ، ومن أن الحيلولة انما تحقق بعد المطالبة والمنع لا قبله ، وجزم العلامة في القواعد والتحرير بعدم الدفع مع موت أحد الزوجين قبل المطالبة وبعدها ، وإن كان الميت الزوج دفع المهر إلى ورثته.

تنبيه : كل موضع يجب فيه رد المهر فهو من بيت مال المسلمين المعد للمصالح ، وإنما يجب رد المهر على الزوج إذا قدمت على بلد الإمام أو نائبه الذي استخلفه وكان الإمام أو الخليفة هو المانع من ردها ، اما لو قدمت على بلد من بلاد المسلمين غير بلد الامام وبلد الخليفة منع الزوج من أخذها ، ولا يجب على الامام ان يدفع إليه شيئا ، سواء كان المانع من ردها العامة أو رجال الامام ، ولا يجب على المانع شي ء أيضا.

قال رحمه اللّه : اما لو انتقل إلى دين يقر أهله عليه كاليهودي ينقل إلى النصرانية أو المجوسية ، قيل : يقبل ، لأن الكفر كالملة الواحدة. وقيل : لا ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ، وإن عاد إلى دينه ، قيل : يقبل ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ، ولو أصر فقتل ، هل يملك أطفاله؟ قيل : لا ، استصحابا لحالتهم الأولى.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : جواز إقراره على ما انتقل اليه وعدمه ، وبالجواز قال ابن الجنيد والشيخ في الخلاف ، واختاره العلامة في المختلف لما ذكره المصنف من أن الكفر كالملة الواحدة ، ولأن ابتداء الكون على المذهب المنتقل اليه مقبول ، فيقبل بالانتقال إليه ، ولأن الشيخ ادعى في الخلاف الإجماع على ذلك ، ودعوى

ص: 538

الشيخ حجة ، وقوى في المبسوط عدم الإقرار عليه للاية (1) التي ذكرها المصنف ، ولقوله عليه السلام : «من بدل دينه فاقتلوه» (2) ، وهو عام إلا فيما إذا بدل الكفر بالإسلام ، وهذا هو المعتمد.

الثانية : على المختار من عدم جواز إقراره على ما انتقل اليه ، هل يقبل رجوعه إلى دينه الذي انتقل عنه؟ قوى في المبسوط عدم جواز الرجوع اليه ، بل لا يقبل منه إلا الإسلام ، أو القتل للآية والخبر ، وهو المعتمد ، لأنه بدخوله فيما لا يجوز إقراره عليه صار كالمرتد لا يقبل منه إلا الإسلام ، وقال في المبسوط أيضا : فإنه يصير مرتدا عن دينه ، فيطالب بالرجوع إلى الإسلام أو الدين الذي خرج منه ، ثمَّ قال بعد ذلك : ولو قيل : لا يقبل منه الا الإسلام أو القتل كان قويا.

الثالثة : في حكم أطفاله مع الإصرار والقتل ، فنقول : لا يخلو إما أن تكون أم الأطفال كتابية أو وثنية ، فإن كانت كتابية أقروا الأطفال ، وإن كانت وثنية قال الشيخ : يقرون أيضا لما سبق لهم من الذمة ، واختاره العلامة في التحرير ، ويحتمل جواز تملكهم للإمام ، لأنهم أطفال كافر وجب عليه قتله فيصيرون فيئا للإمام ، لأنهم لم يوجف عليهم بخيل ولا ركاب.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى الكافر مصحفا لم يصح البيع ، وقيل : يصح وترفع يده ، والأول انسب بإعظام الكتاب العزيز ، ومثل ذلك كتب أحاديث النبي المنقولة عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقيل : يجوز على كراهية ، وهو أشبه.

أقول : المشهور عدم جواز شراء الكافر المصحف ، قال الشيخ : ومن

ص: 539


1- آل عمران : 85.
2- المستدرك 18 : 163 ، باب 1 من أبواب حد المرتد ، حديث 2.

الناس من قال : يملك ويلزم بالفسخ ورفع يده عنه ، والمعتمد عدم دخوله في ملك الكافر لما قاله المصنف.

وأما كتب الأحاديث المنقولة عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فقد منع الشيخ أيضا من شرائها للكافر وللتعظيم أيضا ، والمشهور الكراهية ، لأصالة الجواز ولأن حرمتها أقل من حرمة المصاحف فلا يتعدى حكم المصاحف إليها.

ص: 540

في قتال أهل البغي

قال رحمه اللّه : وهل يؤخذ ما حواه العسكر مما ينقل ويحول؟ قيل : لا ، لما ذكرناه من العلة ، وقيل : نعم عملا بسيرة علي عليه السلام ، وهو الأظهر.

أقول : القول بغنيمة ما حواه العسكر ، وقسمته بين المقاتلة مذهب الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن ابي عقيل وابي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وعدمه مذهب السيد المرتضى.

وفصل في المبسوط ، قال : إن كان الباغي ممن له فئة يرجع إليها كأهل الشام جاز غنيمة ما حواه العسكر من أموالهم ، وإن لم يكن له فئة ورجعوا إلى طاعة الإمام كأهل البصرة لم يجز غنيمة أموالهم ، واختاره أبو العباس ، ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك لعدم تكليفنا به.

ص: 541

ص: 542

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

ص: 543

ص: 544

في شروطهما

قال رحمه اللّه : والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إجماعا ، ووجوبهما على الكفاية ، يسقط بقيام من فيه غناء ، وقيل : بل على الأعيان ، وهو أشبه.

أقول : ذهب الشيخ وابن حمزة إلى الوجوب على الأعيان ، واختاره المصنف ، لعموم الآية (1) والروايات (2) الدالة عليه.

وذهب السيد وابن إدريس وأبو الصلاح إلى وجوبه على الكفاية ، لأن المطلوب في نظر الشرع تحصيل المعروف وارتفاع المنكر ولم يتعلق غرضه من مباشر بعينه فيكون واجبا على الكفاية.

والمعتمد الوجوب بالقلب على الأعيان ، وبالفعل على الكفاية.

قال رحمه اللّه : ولو افتقر إلى الجرح أو القتل ، هل يجب؟ قيل : نعم ،

ص: 545


1- آل عمران : 110 راجع كنز العرفان 1 : 406.
2- راجع الوسائل ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باب 1 من أبواب الأمر والنهي.

وقيل : لا ، إلا بإذن الإمام ، والأول أظهر.

أقول : الأول مذهب السيد المرتضى والشيخ في التبيان وابي الصلاح ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف ، لعموم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والثاني : مذهب الشيخ في النهاية والاقتصاد ، وبه قال سلار وابن البراج ، واختاره المصنف والشهيد لعصمة النفوس ، وتحريم الاقدام على إراقة الدماء بغير اذن الامام.

قال رحمه اللّه : وهل يقيم الرجل الحد على زوجته وولده؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من أن اقامة الحدود حكم شرعي منوط بالإمام أو من نصبه الامام ، ومن عموم الأمر بإقامة الحدود مع الأمن من الضرر (1) للحذر من تعطيلها وانتشار الفساد.

والجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، والعلامة في المختلف ، قال : لأنه لا يشترط ان يكون فقيها ، ومذهبه جواز اقامة الحدود للفقهاء ، مع أن جوازه للفقهاء عند القائل به على العموم لا يختص بالولد والزوجة ، مع أن سلار قائل بالمنع من إقامة الحدود على الولد والزوجة مع قوله بجوازه للفقهاء على العموم ، فيكون للولد والزوجة حكم بانفرادهما.

وكذلك المملوك ، لأن ابن إدريس أجاز إقامة الحد عليه مع منعه من اقامته على غيره مطلقا.

قال رحمه اللّه : ولو ولي وال من قبل الجائر ، وكان قادرا على إقامة الحدود ، هل له إقامتها؟ قيل : نعم بعد ان يعتقد انه يفعل ذلك بإذن إمام الحق ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

ص: 546


1- راجع الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب مقدمات الحدود وأحكامها.

أقول : الرجعة في الجواز وعدمه إلى جواز اقامة الحدود للفقهاء حال الغيبة ، فالقائل بالجواز - كالشيخ وابن الجنيد والعلامة - قائل بالجواز هنا ، والمانع عنه - كابن إدريس - مانع هنا.

قال رحمه اللّه : وقيل : يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود حال غيبة الإمام.

أقول : هذا قول الشيخ وابن الجنيد وسلار ، واختاره العلامة.

ومنع ابن إدريس من اقامة الحد في حال الغيبة مطلقا على غير مملوكه لاختصاص هذا الحكم بالإمام أو نائبه.

ص: 547

ص: 548

محتويات الجزء الأوّل

مقدمة التحقيق... 5

حياة المؤلّف... 7

اسمه... 7

والده... 7

نسبته... 7

ولادته... 8

مشايخه... 9

تلامذته... 9

جملة من أحوال الشيخ حسين ولد المؤلف... 9

مؤلفات الشيخ حسين الصيمري... 10

وفاة الشيخ مفلح... 11

مدفنه... 12

أقوال العلماء فيه (ذكره الخالد)... 12

مؤلفاته... 13

ص: 549

نماذج من شعره... 16

حول الكتاب... 18

نسخ الكتاب... 20

نهجنا في تحقيق الكتاب... 21

خاتمة المقدمة... 23

نماذج مصورة... 25

كتاب غاية المرام... 36

خطبة الكتاب... 37

مقدمة في توضيح بعض المصطلحات... 39

كتاب الطّهارة

في تطهير القليل باتمامه كراً... 44

تحديد الكر... 45

في تفسير الرطل وحكم الحياض والغدران والاواني... 46

في ماء البئر... 47

في منزوحات البئر... 48

حكم ما لو تغير احد اوصاف ماء البئر بالنجاسة... 50

تنبيه في تحديد اليوم... 51

فروع عشرة... 52

في الماء المضاف... 53

حكم الماء المستعمل في رفع الحدث... 53

في الاسئار... 54

حكم ما لايدركه الطرف من الدم... 54

ص: 550

حكم الغائط والبول الخارجان من غير المعتاد... 55

فروع خمسة... 55

في نية الوضوء... 56

في الاجتزاء بنية غسل الجنابة عن باقي الاغسال لو اجتمعت... 57

تنبيه في الاجتزاء عن الاغسال المتعددة بتيممين... 58

حكم النكس في غسل الوضوء... 58

فرعان... 58

الوضوء... 59

في حكم المسح على الحائل... 59

فرعان... 59

الموالاة... 60

المسلوس والمبطون... 61

مسائل ثلاث في الخلل... 62

في الجنابة... 65

تنبيه في مواضع اختلاف حكم الدبر والقبل... 66

فروع خمسة تتعلق بالايلاج المسبب للجنابة... 67

فيمن أحدث أثناء غسل الجنابة... 68

تنبيه فيمن أحدث اثناء غسل الجنابة... 68

في الحيض... 69

في أقل الحيض... 70

فرع... 70

وقت ترك العبادة للحائض... 70

في وجوب السجود على الحائض إذا ثبت عليها العزائم... 71

ص: 551

في وجوب الكفارة بوطء الحائض عمداً وعدمه وفيه فروع أربعة... 72

في تكرر الكفارة وعدم تكرر الوطء... 73

فرع في قيمة الكفارة ومصرفها... 73

في الاستحاضة... 75

في شروط التمييز وحكم الراجعة الى الروايات... 76

في من اجتمع لها العادة والتمييز... 77

تنبيه في حكم التمييز ومعنى القوة المعتبرة فيه... 77

في ناسية الوقت... 78

في النفاس... 81

أكثر النفاس... 81

تنبيه في حكم التوأمين... 81

في أن النفساء كالحائض إلا في مواضع... 82

في أحكام الأموات... 85

في أقل ما يكفي في الماء من السدر... 86

تنبيه في لزوم طحن السدر... 86

في وجوب الوضوء مع غسل الميت وعدمه... 86

حكم الغسلة مع عدم السدر والكافور... 87

تنبيه في كفاية نية واحدة عند الغسلة الاولى... 87

في حكم الشهيد... 88

فرع في عدم جواز التكفين بالجلد... 88

في الأغسال المندوبة... 89

في تداخل الاغسال... 90

في الطهارة الترابية... 90

ص: 552

فيمن أخل بالضرب حتى ضاق الوقت... 90

فروع أربعة... 91

في حكم التيمم قبل دخول الوقت ومع الضيق والسعة... 92

في كفاية الضربة أو الضربتين... 93

في أحكامه... 94

في فاقد الطهورين... 95

في حكم وجدان الماء بعد فقدانه... 97

في اجتماع ميت ومحدث وجنب... 97

فروع خمسة... 98

في النجاسات... 99

رجيع ما لا نفس له سائلة... 99

ذرق الدجاج... 99

مني ما لا نفس له... 100

ما لا تحله الحياة... 100

الثعلب والارنب والفأرة والوزغ... 101

المسكرات... 101

عرق الجنب من الحرام وعرق الابل الجلالة والمسوخ... 102

أحكام النجاسات... 103

المتفرق من الدم... 103

فرعان... 104

فيمن لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الصلاة مع علمه بسبقها عليها... 105

في حكم الصلاة بالثوب الطاهر المشتبه بالنجس... 106

فروع ثلاثة... 107

ص: 553

حكم الغسالة... 108

حكم الذنوب الملقى على نجاسة على الأرض... 110

تنبيه في مطهرات الأرض... 111

تذنيب فيما يطهر بغير الكثير... 111

حكم الولوغ... 112

فرعان :... 112

كتاب الصلاة

في النوافل... 115

في أوقات الصلاة... 117

في أوقات النوافل... 120

فيمن قدم العصر على الظهر... 122

في القبلة... 124

حكم القادر على العلم بالكعبة والاجتهاد فيها والعاجز عنهما... 126

فروع خمسة... 127

تذنيب في كون العلم بدلائل القبلة واجب عيني... 128

في علامات الاقاليم... 128

حكم من تبين له خطأ الجهة التي صلّى إليها... 129

في لباس المصلي... 130

فيما يجب على المرأة ستره حال الصلاة... 133

فروع خمسة... 135

في المكان... 137

في الأذان والإقامة... 139

ص: 554

في عدد فصول الأذان وحكم من ارتد في اثنائه ثم رجع... 140

فروع ثلاثة... 141

تنبيه في تأكد استحباب الأذان إلا في مواضع خمسة... 141

فرع... 142

أفعال الصلاة... 143

في النية... 143

حكم من نوى الخروج من الصلاة... 143

فروع ثلاثة... 144

في القيام... 145

حكم القادر على القيام في بعض الصلاة... 145

تنبيه في أنّ القيام مقول بالاشتراك على معان متعددة... 146

في الفرق بين التورك وثني الرجلين... 147

تنبيه... 147

في القراءة... 149

حكم التأمين بعد قراءة الحمد... 150

فرعان... 150

في أنّ الموالاة شرط في القراءة... 151

تحقيق في ان السكوت على خمسة أقسام... 151

فيما يجزى عوضاً عن الحمد من التسبيحات... 152

فروع ثلاثة... 153

في الركوع... 155

في وجوب التسبيح وما يجزي فيه... 155

فروع أربعة... 155

ص: 555

في وجوب التكبير للركوع وعدمه... 156

تنبيه في استحباب خمس تكبيرات في كل ركعة... 156

في السجود... 157

حكم القاريء والمستمع والسامع لتلاوة والعزائم... 157

فروع أربعة... 157

في التسليم... 159

في قواطع الصلاة... 161

في أنّ الشروط التي يجوز فيها الشرب في الوتر خمسة... 162

حكم رد المصلّي للسلام وصورته... 163

فروع أربعة... 164

تنبيه في أن كل ما يبطل المكتوبة يبطل المندوبة إلّا خمسة أشياء... 165

بقية الصلوات... 167

في صلاة الجمعة... 167

في وقت إيقاع الصلاة... 168

حكم الجمعتين في بلد واحد... 170

في وجوب الجمعة على العبد وعدمه... 171

فرع... 171

في شروط امام الجمعة وحكم الأذان الثاني... 173

حكم البيع يوم الجمعة بعد الأذان... 174

فروع خمسة... 175

حكم الجمعة زمن الغيبة... 176

فروع ثلاثة... 176

تعقيب على الفرع الثالث وتفسير عبارة الشهيد في البيان... 177

ص: 556

حكم المأموم الذي لا يتمكن من السجود مع الامام... 178

في صلاة العيدين... 181

حكم التكبير الزائد في القنوت... 182

فروع ستة... 183

في حكم الخروج بعد الفجر وقبل الطلوع يوم الجمعة... 184

فرع... 184

في صلاة الكسوف... 187

وقت وجوبها... 187

حكم ما اذا اتفق الكسوف في وقت حاضرة... 188

فروع إحدى عشرة... 188

تنبيه في حصول العلم والظن بسعة الوقت في الكسوف... 190

في الصلاة على الأموات... 191

في وجوب الدعاء فيها وعدمه... 191

حكم رفع اليدين في التكبير... 192

تنبيه في كون أفضل الصفوف في الصلاة المتقدم إلا صلاة الجنازة فإن أفضلها المتأخر... 192

في الصلوات المرغبات... 195

في الخلل الواقع في الصلاة... 197

فيمن فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط وفيها فوائد أربعة... 201

في اعتبار خفاء الجدران والأذان... 203

في حد السهو الكثير... 203

تنبيه في معنى سقوط الحكم فيمن كثر سهوه... 203

تنبيه آخر في معنى قوله من سهى في سهو لم يلتفت... 204

ص: 557

فروع ستة... 204

في موضع سجدتي السهو... 206

في وجوب الذكر في السجدتين وتعين لفظ خاص وعدمه... 207

في قضاء الصلاة... 209

في ترتيب الفوائت... 210

فرع... 210

في من فاتته فريضة من الخمس... 211

في الجماعة... 213

حكم قراءة المأموم خلف الامام... 214

في ائتمام المفترض والمنتفل... 215

في وقت القيام الى الصلاة... 216

فائدة في من اسقط حي على خير العمل من الأذان... 216

شروط امام جمعة... 216

شرط الحرية... 217

تنبيه في جواز امامة اللاحن... 217

في من صلّى خلف إمام ثم تبين كونه كافراً أو فاسقاً أو محدثاً... 218

فروع خمسة... 218

في لزوم استئناف التكبير وعدمه لمن أدرك الامام في السجدتين... 219

في صلاة الخوف... 221

في لزوم التقصير مطلقاً وعدمه... 221

حكم أخذ السلاح فيها ولو كان نجساً... 221

تنبيه في محل مفارقة إحدى الطائفتين للأخرى في الصلاة... 221

حكم من صلّى مومياً فأمن... 222

ص: 558

فرع... 222

في صلاة المسافر... 223

في ما يعلم به المسافة التي يجب معها القصر... 223

فروع ثلاثة عشر... 224

حكم صلاة وصوم من سافر للصيد... 225

فروع ثلاثة... 226

حكم المقيم خمسة أيام... 227

تنبيه في تحقيق الكثرة في السفر التي يتعلق بها وجوب الاتمام... 227

في اعتبار خفاء الجدران والأذان... 228

تنبيه في المراد منهما... 228

في أن القصر عزيمة... 229

حكم المسافر أربعة الذي لم يرد الرجوع ليومه وليلته... 229

فروع ثمانية... 229

إذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر وبالعكس... 230

فيمن نوى الاقامة عشراً ودخل في الصلاة فعنّ له السفر... 231

فروع ثلاثة... 231

في أن إعتبار القضاء هل هو بحال الفوات أو بحال الوجوب؟... 232

كتاب الزكاة

فيمن تجب عليه... 235

فيما يستحب فيه الزكاة... 239

في زكاة الأنعام... 241

في أن للتقسيط طريقان البسط والنسبة... 242

ص: 559

في أن المعتبر في السوم الاسم أو الاغلب... 243

فروع خمسة... 243

في اشتراط بقاء الملك والنصاب من اول الحول في وجوب الزكاة... 244

فرع... 244

حكم النقاص... 245

تنبيه في الجبران وأنه منوط بالامام لا بالفقيه... 245

في الشاة التي تؤخذ في الزكاة... 246

فروع خمسة... 246

في زكاة الذهب والفضة... 249

حكم شرط المقترض الزكاة على المقرض... 250

في زكاة الغلات... 251

في حد اجناس الزكاة... 251

مسائل ثلاث... 252

تنبيه في حالات الغلات... 252

في أن وجوب الزكاة بعد إخراج حصة السلطان والمؤن... 253

الضابط في المؤنة... 254

فروع ستة... 255

في من ملك نخلاً بعضه يطلع مرة وببعضه مرتين... 256

في زكاة التجارة... 257

فيمن اشترى متاعاً للتجارة... 257

فروع أربعة... 258

تحقيق في حكم من ملك أحد النصب الزكاتية... 259

تحقيق في حكم من عاوض أربعين سائمة بأربعين للتجارة... 260

ص: 560

في أصناف المستحقين... 263

تنبيه في معنى الغنى المانع من أخذ الزكاة... 264

في اعتبار الحرية في العامل وعدمه... 265

تنبيه في وظيفة العامل وأقسامه... 266

فيما لو صرف الغارم الزكاة في غير ما أخذ له... 267

فيما لو ادعى العبد انه مكاتب... 267

فرع... 267

في أقسام الغارمين... 268

حكم من جهل مصرف دينه... 268

فروع ثلاثة... 268

في اختصاص السبيل بالجهاد وعدمه... 269

تنبيه في أقسام الغزاة... 269

في لزوم اعادة الفاضل عن مؤنة ابن السبيل... 270

فرع... 270

في أوصاف المستحقين... 271

في من يحرم عليه الصدقة الواجبة... 272

فروع أربعة... 272

في متولي الإخراج... 275

في الإخراج... 277

تحقيق في مسألة من يتم نصابه بالقرض... 277

فروع ثلاثة... 278

في النية... 279

تحقيق فيما لو اخرج من ماله الغائب فبان تالفاً... 280

ص: 561

في وجوب النية على المالك والامام والساعي والفقيه وعدمه... 281

في زكاة الفطرة... 283

في عدم وجوبها على الفقير... 283

ضابط الفقير... 283

في تحديد الغني... 283

متى تجب الزكاة عن الزوجة والمملوكة... 284

فرعان... 284

تحقيق في وجوب الزكاة عن العبد الموصى به... 285

تنبيه في مقدار ووزن الزكاة... 286

في تقدير عوض الواجب... 286

فروع ثلاثة... 287

في لزوم العزل في نية الوجوب وعدمه... 288

كتاب الخمس

فيما يجب فيه الخمس... 293

في اشتراط بلوغ النصاب في معادن الذهب والفضة وعدمه... 293

فروع خمسة... 294

في حكم واجد الكنز في أرض موات من دار السلام... 294

فروع ثلاثة... 295

في وجوب الخمس في كل كنز... 295

في وجوب الخمس على كل واجد... 295

في قسمة الخمس... 297

في أن قسمة الخمس ستة أقسام... 297

حكم المنتسب بالأم الى هاشم... 297

ص: 562

وجوب مراعاة الفقر في اليتيم وعدمه... 298

حكم ابن السبيل... 298

في اعتبار الايمان والعدالة وعدمها... 298

حكم صرف الخمس مع وجود الامام (عليه السلام) وغيبته... 299

فرع في مقدار ما يعطى السيد من الخمس... 300

كتاب الصوم

في النية... 303

الفرق بين الركن والشرط... 303

في اشتراط التعيين في صوم رمضان وعدمه... 304

فروع... 304

في محل النية في الصوم الواجب والمندوب... 305

في اختصاص رمضان بتقديم نيته عليه... 306

وفي اجزاء نية واحدة للشهر كله وعدمه... 306

تنبيه في حد النية... 307

في الترديد في النية... 307

حكم من نوى الافطار ثم جدد قبل الزوال في رمضان... 308

فيما يمسك عنه الصائم... 311

حكم الوطيء في الدبر... 311

فرعان... 312

حكم المساحقة... 312

حكم المجامع اذا طلع الفجر فاستدامه... 312

حكم الكذب على اللّه ورسوله... 313

حكم الارتماس... 313

ص: 563

ايصال الغبار الغليظ الى الحلق... 313

حكم البقاء على الجنابة عمداً حتى طلوع الفجر... 314

تنبيه في الحائض والنفساء التاركة للغسل حتى تصبح... 314

فيمن نظر إلى امرأة فأمنى وفيه تحقيق... 315

فرع... 316

حكم الحقنة بالمائع والجامد... 317

حكم من أكل ناسياً فظن فساد صومه... 317

حكم المكره على الافطار... 317

في كفارة رمضان... 318

حكم المفطر في رمضان على محرم... 318

فرع في حكم من وجب عليه كفارة الجمع وعجز عن بعضها... 319

فيمن أجنب ونام ناوياً للغسل... 320

فرع... 320

فيمن سبق إلى حلقه ما يفسد صومه... 321

فرعان... 321

في صب الدواء في الاحليل... 322

فرع... 322

في تكرر الكفارة بتكرر الموجب وعدمه... 323

حكم من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط عنه فرض الصوم... 323

فرعان... 323

في تحمل المكره الكفارة عن المكره... 324

فروع خمسة... 324

في الزمان الذي يصح فيه الصوم... 327

ص: 564

في من يصح الصوم منه... 329

حكم المغمى عليه... 329

صوم النذر في السفر... 329

حكم صوم التطوع في السفر... 330

حكم من أصبح جنباً بعد الفجر... 331

في البلوغ الذي تجب معه العبادات... 332

في شهر رمضان... 333

حكم شهادة الشاهدين بالرؤية... 333

فروع خمسة... 333

لو صام يوم الشك بنية رمضان لأمارة... 335

فيما لو غمت الشهور... 335

في القضاء... 339

حكم الصبي والمجنون والمغمى عليه... 339

فيمن أسلم أثناء اليوم... 340

حكم التتابع والتفريق في القضاء... 340

فيمن استمر به المرض الى رمضان آخر... 341

فرع... 341

في ما يقضيه الولي... 341

فيمن كان له وليان أو أولياء متساوون في السن... 342

فروع سبعة... 342

في لزوم القضاء عن المرأة وعدمه... 344

حكم من لم يكن له ولي ذكر... 344

حكم من نسي غسل الجنابة ومرَّ عليه أيّام... 345

ص: 565

في الكفارات... 347

في لزوم الترتيب وعدمه في كفارة الصيد... 347

فرعان... 348

حكم من وجب عليه شهر متتابع بنذر... 348

تنبيه في حكم المتابعة المشروطة في النذر... 349

حكم صوم ايام التشريق... 349

في الصوم المكروه والمحظور... 351

في اللواحق... 353

اعتبار تبييت النية في قصر الصوم وعدمه... 353

حكم الشيخ والشيخة... 354

حكم ذي العطاش... 355

حكم الحامل المقرب... 356

فروع ستة... 356

حكم النائم اذا استمر به النوم وقد نوى الصوم ليلاً... 357

المجنون والمغمى عليه... 357

حكم التملي والجماع لمن ساغ له الافطار في شهر رمضان... 358

كتاب الاعتكاف

في شرائطه... 363

فيمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام دون لياليها... 364

ص: 566

فرع... 364

تنبيه في لزوم نية الاعتكاف والصوم معاً... 365

ضابط الموضع الذي يصلح فيه الاعتكاف... 366

في أقسامه... 367

حكم ما لو شرط الرجوع عند العارض... 367

فرعان... 370

في أحكامه... 373

في كون المعتكف كالمحرم وعدمه... 373

فيمن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب... 373

في وجوب القضاء وأن الكفارة تلزم بالجماع أو مطلقاً... 375

فرعان... 377

حكم الارتداد والاكراه على الجماع والبيع والشراء أثناء الاعتكاف... 377

تنبيه في عدم ابطال بيع المعاطاة اعتكاف المعتكف بناءاً على ابطال البيع... 378

في لزوم التتابع في الاعتكاف وعدمه... 378

كتاب الحج

في الصبي والمجنون الذي أدرك المشعر كاملاً... 381

تنبيه في الكمال بعد المشعر وبقاء الوقت... 381

تحقيق في حكم إحرام الصبي مميزاً كان أم لا... 382

فروع ستة... 383

في ثبوت ولاية الاحرام بالصبي للأم وعدمه... 385

حكم من بذل له زاد وراحلة ونفقة أو وهب ذلك... 386

في وجوب الاستنابة على المانع... 386

فرع... 387

حكم عدم المستمسك خلقة... 387

ص: 567

فرع... 387

فيمن أصبح مسلماً ثم ارتد ثم تاب... 388

في اشتراط الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج وعدمه... 389

فرع... 390

تنبيه في اقسام الشرائط المعتبرة في الحج... 390

في لزوم القضاء من بلد الميت وعدمه... 390

تنبيه في أن أقرب الأماكن هو الميقات... 391

حكم من نذر الحج أو افسد وهو معضوب... 392

فيمن نذر الحج ونوى حجة الاسلام ، هل يتداخلا ام لا؟ وهل يجزي احدهما عن الآخر 393

تحقيق مسهب للشارح... 393

حكم من نذر المشي في الحج... 398

حكم التطوع أو النيابة لمن عليه حجة الاسلام... 399

فيما لو شرط عليه الحج على طريق فحج بغيرها... 400

فرع... 400

حكم ايجار النفس ثانية لمن استؤجر بحجة... 401

تنبيه في شرط صحة الاجارة للمتأخر في الايقاع... 402

في ضمان الحج في المستقبل... 402

تحقيق في حكم الأجرة مع الصد... 402

فرعان... 403

في ما لو حمل إنسان إنساناً في طوافه... 403

ص: 568

اذا أفسد الاجير حجة النيابة... 404

في استحقاق الأجير الأجرة بالعقد... 405

في مخالفة شرط المستأجر... 405

فرع... 406

حكم عقد الاحرام عن المستأجر عنه ثم نقل النية الى نفسه... 406

تنبيه في وجوب كون افعال الحج معلومة عند المتعاقدين... 406

في من أوصى بالحج تطوعاً وقصر الثلث... 406

في أن حكم المنذورة كحجة الاسلام في كونها تخرج من الاصل... 407

أقسام الحج... 409

حكم من أحرم بحج التمتع من غير مكة... 410

حكم العدول الى التمتع إختياراً واضطراراً... 412

تنبيه في عدول المتمتع إلى حج الافراد... 412

في وجوب تجديد التلبية على القارن والمفرد اذا دخلا مكة عقيب صلاة الطواف... 413

تنبيه في جواز تقديم المفرد والقارن الطواف والسعي على المضي الى عرفات والوقوف بها اختياراً    414

في الانتقال بمضي سنتين عن فرض التمتع... 414

تنبيه في من وجب عليه الحج تمتعاً ثم جاور... 415

حكم القران بين الحج والعمرة بنية واحدة... 415

المواقيت... 417

حكم من حج من غير طريق المواقيت... 417

فرعان... 417

حكم من نسي الاحرام حتى أكمل مناسكه... 418

ص: 569

في أفعال الحج... 418

في استحباب المقدمات... 418

حكم من قال كإحرام فلان وكان عالماً بما أحرم... 421

فرع... 421

في أن القارن يتخير بين التلبية والتقليد أو الاشعار... 422

في صورة التلبية... 423

في جواز الاحرام بالحرير للنساء... 424

تنبيه في معنى القفازين... 425

فيمن أحرم للحج عقيب سعي العمرة المتمتع بها قبل التقصير... 426

في حكم اشتراط التحلل من الاحرام... 427

في استحباب تكرار التلبية للمعتمر بالعمرة المفردة... 428

في تروك الإحرام... 431

حكم الاختلاف في وقوع العقد قبل الاحرام وبعده... 431

فروع ثلاثة... 432

في تحريم الطيب... 432

تنبيه في ضابط الطيب... 433

حكم لبس المخيط... 433

تنبيه في لزوم الكفارة بلبس المخيط... 433

حكم الاكتحال بالسواد... 433

حكم النظر في المرآة وشق الخفين ولبس المرأة الحلي واخراج الدم وحك الجلد والسواك 434

حكم قلع الشجر والنخل وعودي المحالة ولبس السلاح والنقاب للمرأة... 435

في جواز الدخول إلى مكة من غير إحرام لمن دخلها لقتالٍ جائز... 436

ص: 570

الوقوف... 437

تحقيق في حكم من لم يتفق له الوقوف بعرفات نهاراً... 437

فروع ستة... 438

في من نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه... 439

في لزوم كون الوقوف بعد طلوع الفجر واستحباب الصعود على قزح... 440

حكم إخراج الحصى من المسجد... 441

في نزول منى... 443

في صفات ما يضحَّى به وأن من جملتها أن يكون قد حضر عرفات... 444

في وجوب الاكل منه... 444

تنبيه في أقل ما يجزي من وجوب الاكل... 445

حكم من فقد الهدي ووجد ثمنه... 445

من مات قبل أن يصوم شيئاً مما وجب عليه... 446

في الحلق والتقصير وأنّه يتأكّد في حق الصرورة ومن لبد شعره... 449

تنبيه في تلبيد الشعر... 449

حكم تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي... 450

حكم من ليس على رأسه شعر... 450

في الطواف... 453

في ما يستحب أن يكون عليه الطائف... 454

تنبيه في معنى الرمل ومحله... 454

فروع خمسة... 455

حكم من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله وواقع... 455

تنبيه في الفرق بين الركن والفعل في الحج... 456

حكم تغطية الرأس في الطواف... 457

ص: 571

حكم من نذر أن يطوف على أربع... 458

في السعي... 459

فيمن تمتع بالعمرة وظن أنه أتم فأحل وواقع ثم ذكر... 459

في الأحكام المتعلقة بمنى... 461

حكم من بات في غير منى... 461

تنبيه في جواز الخروج من منى إلى مكة للعبادة... 462

حكم التكبير في منى... 463

حكم المنع من سكنى دور مكة... 463

حكم رفع البناء فوق الكعبة... 464

في الإحصار والصد... 465

في أقسام الصد وهي خمسة... 466

في من صد بعد إفساده الحج... 467

فوائد ثلاث... 468

تنبيه على غلط في المقام... 468

حكم اندفاع العدو بالقتال أو المال... 471

في أن المعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر... 472

في أن القارن المحصر يحج في القابل قارناً أو لا... 473

تنبيه في معنى الصد والحصر وان الفرق من وجوه ثلاثة... 473

حكم باعث الهدي تطوعاً... 474

احكام الصيد... 475

في أن قتل الصيد موجب لفديته... 481

في استقرار الضمان بالاغلاق وعدمه... 482

حكم من نفَّر حمام الحرم... 483

ص: 572

فروع خمسة... 483

فيمن أوقد ناراً فوقع فيها صيد... 484

في الواجب على المحل في الحرم... 485

في اشتراك جماعة محلين في صيد... 485

في تحريم الصيد وهو يؤم الحرم... 485

فيما لو أصاب الصيد وهو خارج... 486

كراهية الصيد بين البريد ولحرم... 487

حكم صيد حمام الحرم في الحل... 487

في عدم دخول الصيد في ملكه... 487

في أنه يجب ارسال الصيد أو لا؟... 487

في تكرر الكفارة وعدمه... 489

في ما لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله... 490

فروع خمسة... 490

في عدم دخول الصيد في ملك المحرم... 491

في أن فداء الصيد المملوك لصاحبه ، وغيره يتصدق به... 492

في كيفية الضمان... 492

فروع ثلاثة... 494

في باقي المحظورات... 495

في الاستمناء... 496

حكم من واقع محرماً بعد أن طاف خمسة اشواط من طواف النساء... 496

فيما لو عقد المحرم لمحرم على امرأة ودخل بها... 496

فيما يجب في حلق الشعر... 497

ص: 573

فيما يجب في قلع شجر الحرم... 497

تنبيه في أن المرجع في الصغيرة والكبيرة هو العرف... 498

في الدهن والطيب وقلع السن... 499

في العمرة... 501

حكم الاتيان بعمرتين بينهما أقل من شهر واحد... 501

كتاب الجهاد

في من يجب عليه... 505

في من نذر المرابطة أو أن يصرف شيئاً في المرابطين... 506

فيما لو زاد المشركون على ضعف المسلمين... 508

في كيفية القتال... 509

في تحريم القاء السم ، والمبارزة بغير إذن الامام وعدمه... 509

تحقيق في انقسام المبارزة الى خمسة اقسام... 510

في لزوم الوفاء بشرط من شرط أن لا يقاتله غيره... 510

في الامام... 511

في الأسارى... 515

حكم الطفل المسبي... 515

في ما لو اعتق المسلم عبداً ذمياً بالنذر فلحق بدار الحرب فأسره المسلمون... 516

في ما لو أسلم عبد الحربي في دار الحرب قبل مولاه... 517

أحكام الغنيمة... 519

حكم التصرف قبل القسمة... 519

فيما لو باع أحد الغانمين شيئاً أو وهبه للآخر... 520

حكم ما لو وجد في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين... 521

ص: 574

فرع... 522

في خمس السلب والجعائل والرضخ... 522

تنبيهان في النفل وفي السلب المستحق للقاتل... 523

في شروط السلب وهي خمسة... 524

في سهم الراجل والفارس... 524

في ان الاسهام للخيل هل هو مطلق أم لا؟... 525

تنبيه في أوصاف الخيل... 525

في أن المرصد للجهاد لا يملك رزقه إلا بالقبض... 526

في أنه ليس للاعراب من الغنيمة شيء... 526

حكم ما لو عرفت الغنيمة بعد القسمة... 527

أحكام أهل الذمة... 529

الشيخ الفاني والمملوك... 529

حكم قتل الرجال قبل عقد الجزية وبعده وحكم النساء في تلك الحال... 530

حكم المجنون المطبق... 530

فيما لو شرط على الذمي ضيافة مارّة العسكر... 531

فيما لو أسلم الذمي بعد الحول وقبل الأداء... 532

حكم التظاهر بالمناكير... 532

تنبيه في جملة ما يشترطه الامام على أهل الذمة... 533

في ما لو خرقوا الذمة في دار السلام... 534

حكم الكنيسة المهدومة... 534

في عدم جواز أن يعلو الذمي على المسلمين من مجاوريه... 534

حكم الاستيطان في الحجاز... 535

في تحديد جزيرة العرب... 536

ص: 575

تنبيه في الريف... 536

حكم الهدنة أكثر من اربعة أشهر... 537

في جواز إقرار الذمي على ما انتقل إليه وعدمه... 538

في أنه هل يقبل رجوعه الى دينه الذي انتقل عنه؟... 539

حكم الاطفال مع الاصرار والقتل... 539

في ملك الكافر المصحف وعدمه... 539

في قتال أهل البغي... 541

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في شروطهما... 545

حكم اقامة الحدود للوالي من قبل الجائر مع القدرة... 546

في جواز إقامة الحدود للفقهاء حال الغيبة وعدمه... 547

فهرست الكتاب... 549

ص: 576

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 485

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الثاني

دارالهادي

ص: 1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

كتاب التجارة

اشارة

ص: 3

ص: 4

في ما يكتسب به

قال رحمه اللّه : وربما قيل بتحريم الأبوال كلها إلّا بول الإبل خاصة ، والأول أشبه.

أقول : القائل بالمنع فيها (1) عدا بول الإبل هو الشيخ في النهاية ، والمفيد وتلميذه سلّار ؛ لأن الأبوال من الفضلات فأشبهت البصاق والمخاط ، فلا يجوز بيع ما عدا بول الإبل للاستشفاء عند الضرورة.

وقال في المبسوط بجواز بيع كل بول مأكول اللحم ؛ لأصالة الجواز ، ولأنها طاهرة كبول الإبل.

واختاره ابن إدريس ، والعلّامة في المختلف ، وذلك مع تقدير الانتفاع بها (2).

قال رحمه اللّه : وفي الفيل تردد ، والأشبه جواز بيعه ؛ للانتفاع بعظمه. وقيل : يجوز بيع السباع كلها ؛ للانتفاع بجلدها أو ريشها ، وهو الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

ص: 5


1- في « م » زيادة : في ما.
2- قيد الانتفاع للعلامة خاصة ، انظر المختلف : 340.

الاولى : في المسوخ ، ومنع من بيعها أكثر المتقدمين ، وهو بناء على القول بنجاستها.

وذهب أكثر المتأخرين إلى القول بجواز بيعها ، من غير فرق بين الفيل وغيره ، بل كل عين طاهرة تقبل الذكاة ، وهي أعيان طاهرة على المختار ، ينتفع بجلودها إن كانت برية ، ودهنها إن كانت بحرية ، لكن يجب أن يقصد في البيع ما يجوز الانتفاع به من تلك الأعيان ، لا ما لا يجوز.

الثانية : في السباع ، وجوز ابن إدريس بيعها جميعا ؛ لطهارتها ، وللانتفاع بريشها وجلودها ، ولأصالة الجواز الا ما قام الدليل على المنع منه.

وحرّم الشيخ في النهاية والخلاف ما عدا الفهد.

وأجاز المفيد بيع الفهد وسباع الطير.

والمعتمد الجواز مطلقا.

قال رحمه اللّه : والقضاء على تفصيل سيأتي ، ولا بأس بأخذ الأجرة على عقد النكاح.

أقول : التفصيل هو أن القاضي إذا لم يتعين عليه القضاء وكان مضطرا ، قيل : يجوز له أخذ الجعل من المتحاكمين ، ومع عدم الضرورة أو التعيّن عليه لا يجوز له ، وسيأتي تحقيق ذلك في باب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

وأما الأجرة على إيقاع عقد النكاح وغيره من العقود فجائز ، وهي المباشرة للإيقاع سواء كان نائبا عن الزوجة أو الزوج ، أو البائع أو المشتري.

ولا يجوز أخذها على تعليم الصيغة وإلقائها على أحد (1) المتعاقدين ؛ لأن ذلك من باب الواجب على الكفاية - كتغسيل الموتى ودفنهم وحملهم ، وغير ذلك من الواجبات على الكفاية - لا يجوز أخذ الأجرة عليه.

ص: 6


1- من « ي ».

فرع : يجوز للغاسل أخذ الأجرة على الغسلات المندوبة ، ويجوز على تعميق القبر على القدر الواجب وإن زاد على المثل ، إذا كان المقصود من الأجرة ذلك الفعل المندوب.

ويشترط إجازة جميع الورثة إن كانت الأجرة من التركة.

وإذا وقعت الإجارة على الفعل الواجب كان العقد باطلا.

وهل يكون الفعل محرما يأثم فاعله أم لا؟

يحتمل ذلك ؛ لأنه فعله على وجه ليس بشرعي فيكون بدعة ( وكل بدعة ) (1) حرام.

ويحتمل إباحة الفعل ؛ لأنه طاعة ، ولا تحرم ، ولا يلزم من تحريم الأجرة تحريم الفعل.

تنبيه : قال فخر الدين رحمه اللّه في كتاب الإجارة (2) من شرح القواعد في شرح جواز أخذ الأجرة على تعليم الفقه : والحق عندي أن كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف به أخذ الأجرة عليه.

والذي على الكفاية ، فإن كان لو (3) أوقعه بغير نية لم يصح ولم يزل الوجوب به ، لا يجوز أخذ الأجرة عليه ؛ لأنه عبادة محضة (4) ، وقال تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (5). حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص ، وما يفعل بالعوض لا يكون كذلك ، فلا يصح.

ص: 7


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن » ، وبدل ( حرام ) ، ( حراما ).
2- في جميع النسخ ورد : ( التجارة ) بدل ( الإجارة ) ، والصحيح ما أثبتناه ؛ وكلام فخر الدين ( رحمه اللّه ) المنقول هنا موجود في كتاب الإجارة دون التجارة.
3- لم ترد في « ن ».
4- من « ي » و« م » ، وفي باقي النسخ : مخصوصة.
5- البينة : 5.

وغير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه ، إلا ما نص الشارع على تحريمه كالدفن (1) هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

جعل الضابط في تحريم الأجرة على الأفعال الواجبة على الكفاية هو فعل مشروط بالنية ، وما ليس مشروطا بها لا تحرم الأجرة عليه ، قال : إلا ما نص الشارع على تحريمه كالدفن ، وقد ذكر في هذه المسألة أن جميع الصنائع واجبة ، وأن كل ما ينتظم به أمور النوع (2) واجب على الكفاية مع عدم تحريم الأجرة على هذه الأشياء ، فأراد أن يجعل ضابطا لما يحرم الأجرة عليه منها.

وفي هذا الضابط نظر ؛ لأن الضابط إنما يكون في الغالب للأشياء المتفرقة التي يعتبر حصرها ، دون ما لا يعتبر حصره ، والمشروط بالنية من الأفعال الواجبة على الكفاية التي يحرم أخذ الأجرة عليها فعلان لم يحضرني الآن غيرهما ، وهما : تغسيل الموتى والصلاة عليهم.

أما غير المشروط بالنية مع اشتهار تحريم أخذ الأجرة عليه فهو كثير متعدد ربما يعسر حصره ، وذلك مثل توجيه الميت حال الاحتضار ، وحمله ، وتكفينه ، ودفنه ، وحضر القبر ، وتعليم الواجب من الفقه ، والواجب من القرآن ، والدلالة على المعارف الإلهية بطريق التنبيه ، والقضاء ، وتعليم صيغ العقود ، وإلقائها على المتعاقدين حالة إيقاع العقد ، وغير ذلك مما فيه الخلاف بين العلماء.

فان قيل : إن هذه الأفعال منصوص على تحريم الأجرة عليها ، وهو قد استثنى ذلك.

قلنا : الأفعال كلها يجب أن تكون منصوصة أو متفرعة على المنصوص ، وهذه وإن كانت منصوصة فهي كثيرة متفرقة ، وهي أولى بالضابط من غير الكثير

ص: 8


1- إيضاح الفوائد 2 : 264.
2- في « ن » و« ي » : ( الشرع ) ، وما في المتن موافق للإيضاح المطبوع.

المتفرق مع كونه منصوصا يعرفه من له أدنى معرفة ، مع أنه رحمه اللّه أطلق المنع من الأجرة على المشروط بالنية من واجب الكفاية ، وعنده أن اليوم المتكسر على الأولياء واجب على الكفاية.

قال في القواعد : ولو انكسر يوم فكالواجب على الكفاية.

قال رحمه اللّه في شرحه : الأول : في كيفية وجوب ذلك اليوم عليهما ، ولا شك في سقوطه عن كل واحد بفعل الآخر ، فهل عدم فعل كل (1) واحد شرط في وجوبه على الآخر ويكون من قبيل الواجب المشروط وجوبه ، أو من قبيل الواجب على الكفاية ، فلذلك قال : فكالواجب على الكفاية. ولم يجزم بكونه واجبا على الكفاية ، وليس من المباحث المهمة هنا ، والأقوى أنه واجب على الكفاية (2).

وهو مشروط بالنية إجماعا.

وقد ذهب الشهيد وأبو العباس إلى جواز استئجار بعض الأولياء لبعض على ما يخص المستأجر ، فانخرمت القاعدة التي جعلها ضابطا لتحريم الأجرة ، لكن هو أعلم بما قال.

قال رحمه اللّه : لا يجوز بيع شي ء من الكلاب إلا كلب الصيد ، وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردد ، والأشبه المنع.

أقول : أما كلب الصيد فبيعه جائز قطعا ، سواء كان سلوقيا - وهو المنسوب إلى قرية من اليمن اسمها سلوق - أو غير سلوقي.

وأما كلب الماشية ، والزرع ، والحائط - وهو البستان - وكلب الدار أيضا ، فقد اختلف فيها.

فذهب الشيخان وابن البراج الى عدم جواز بيع هذه الأربعة ، لرواية

ص: 9


1- لم ترد في « ن ».
2- إيضاح الفوائد 1 : 238.

السكوني (1) عن الصادق عليه السلام.

ولرواية الوليد القماري : « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ فقال : سحت » (2).

والجواز مذهب ابن الجنيد وابن حمزة.

واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس.

وهو المعتمد ؛ لأن العلة المسوغة لبيع كلب الصيد - وهي الانتفاع به - حاصلة في هذه الأربعة ، ولأنه يجوز اقتناؤها وإجارتها ، فيجوز بيعها ، ولأن لها ديات مقدرة (3) في الشرع ، فيجوز بيعها.

ص: 10


1- الوسائل ، كتاب التجارة باب 5 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 7. وفيه « العماري » بدل « القماري » ، وفي التهذيب « العامري » ، لاحظ التهذيب 6 :2. 1060.
3- في « ن » : متعددة.

في عقد البيع

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردد ، والأشبه عدم الاشتراط.

أقول : الاشتراط مذهب الشيخ وابن حمزة وابن إدريس. واختاره فخر الدين ؛ لأصالة بقاء الملك على مالكه ، لا ينتقل عنه إلا بسبب شرعي صالح للنقل ، ولم يثبت كون العقد المقدّم فيه القبول سببا شرعيا ، فيبقى على الأصل.

وعدم الاشتراط مذهب ابن البراج ، واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، والشهيد. وهو المعتمد ؛ لأصالة الجواز ، ولأن الأصل اعتبار الرضى ، ولا عبرة بترتيب (1) الألفاظ ، إذ الشرط الإيجاب والقبول وقد حصل ، ولأنه غير معتبر في النكاح ، فكذا هنا.

وأجيب بالفرق بين النكاح وغيره ؛ لأن العلة المحوجة في جوازه في ألفاظ (2) النكاح - وهي حياء المرأة - منتفية هنا.

ص: 11


1- في « ن » : بترتب.
2- من « ن » و« ر 1 ».

قال رحمه اللّه : وكذا لو بلغ عشرا عاقلا على الأظهر.

أقول : وردت رواية بصحة بيعه إذا بلغ عشر سنين رشيدا (1) ، وعمل أكثر الأصحاب على المنع من العمل بهذه الرواية.

قال رحمه اللّه : ولو أمر آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه ، قيل : لا يجوز ، والجواز أشبه.

أقول : قال ابن البراج : لا يصح إلا أن يأذن له سيده في ذلك ، فإن لم يأذن له لم يصح.

وقال في المبسوط : قيل : فيه وجهان :

أحدهما : يصح ، كما لو وكله في شراء عبد آخر بإذن سيده. والثاني : لا يصح ؛ لأن يد العبد كيد السيد ، وإيجابه وقبوله كإيجاب سيده وقبوله ، فإذا كان كذلك فأوجب السيد وقبل هو ، صار كأن السيد الموجب القابل ، وذلك لا يصح ، قال : والأول أقوى.

وهذا يدل على المنع وإن أذن السيد ، وهو بناء على عدم جواز أن يكون الإنسان الواحد موجبا قابلا.

والمعتمد الجواز مطلقا ، سواء أذن السيد أو لم يأذن ، أما مع الإذن فظاهر ؛ لأن عقوده جائزة بإذن سيده ، وأما مع عدم الإذن ، يكون إيجاب السيد كالإذن ، فلا مانع من ذلك ، مع أن الأصل الجواز.

قال رحمه اللّه : ولو باع ملك غيره ، وقف على إجازة المالك أو وليّه على الأظهر.

أقول : وقوفه على الإجازة مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وابن الجنيد وابن حمزة. واختاره المصنف والعلامة والشهيد ؛ لأنه بيع صدر من أهله

ص: 12


1- راجع المبسوط 2 : 163.

- وهو البائع العاقل المختار ، وكل من كان فيه هذه الصفات كان أهلا للبيع - في محله ، وهي العين التي يصح تملكها وينتفع بها قابلة للنقل من مالك إلى غيره.

والمانع عدم ملك البائع للعين ، وهو لا يصلح للمانعية ؛ لأنه لو أذن له في البيع قبل العقد جاز قطعا : فكذلك مع الإجازة بعد العقد ؛ إذ لا فرق بينهما. ولما رواه عروة البارقي : « أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى شاتين ، ثمَّ باع إحداهما في الطريق ، قال : فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته بالشاة والدينار ، فقال : بارك اللّه لك في صفقة يمينك » (1).

وجه الاستدلال أنه باع الشاة الثانية من غير إذن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ثمَّ أجازه النبي صلى اللّه عليه وآله ، فلو كان البيع باطلا لما أجازه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وقال في المبسوط والخلاف : يقع باطلا. واختاره : ابن إدريس وفخر الدين ؛ للنهي عن التصرف في مال الغير (2) ، والبيع تصرف. ولقوله عليه السلام لحكيم بن خزام : « لا تبع ما ليس عندك » (3) ، والمعتمد الأول ؛ لأن النهي عن التصرف في مال الغير إنما هو مع عدم الإذن ، والإجازة إذن.

فروع :

الأول : على القول بصحة البيع مع الإجازة ، هل ينتقل إلى المشتري من حين العقد ، أو من حين الإجازة؟

يحتمل الأول ؛ لأن سبب الانتقال هو العقد المرضي به ، وقد علمنا بالإجازة حصول الرضى ، فتكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك من حين العقد ، كالإذن

ص: 13


1- المستدرك ، كتاب التجارة باب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 3 من أبواب مكان المصلي ، حديث 1 و3.
3- سنن الترمذي : ج 3 ، كتاب البيوع ، باب كراهية بيع ما ليس عندك ، حديث 1232.

السابق عليه.

ويحتمل الثاني : لأن الإجازة إما شرط أو جزء ، والشرط مقدم على المشروط ، والمعلول مؤخر عن العلة ، فلا يحصل الملك قبلها ، وإلا لزم تقدم المشروط على شرطه ، والمعلول على علته ، وهو باطل.

وتظهر الفائدة في النماء ، فإن قلنا بالانتقال من حين العقد ، ثمَّ حصل للمبيع نماء فيما بين العقد والإجازة ، كان للمشتري. وعلى القول من حين الإجازة فهو للبائع. وكذلك الثمن لو (1) كان البيع بالعين ثمَّ حصل نماء قبل الإجازة ، فعلى الأول النماء للبائع ، وعلى الثاني للمشتري ؛ لأن الانتقال الثمن مترتب على انتقال المثمن.

الثاني : هل يشترط ثبوت المجيز لعقد الفضولي في الحال؟ بمعنى أنه يشترط كون المالك بالغا عاقلا حتى تصح إجازته في الحال ، أو لا يشترط ، وتوقف الإجازة إلى حين البلوغ والعقل ، فإن أجازه حينئذ جاز ، وإلا بطل؟

يحتمل الاشتراط ؛ لأن البيع إذا بطل في وقت بطل دائما ، وحال عدم المجيز تمتنع الصحة ؛ لأنه لو أجاز حالة الصغر أو الجنون لم تصح الإجازة ، وإذا بطل حالة العقد لعدم المجيز بطل فيما بعد ذلك ، فلا يؤثر فيه الإجازة بعد البطلان.

ويحتمل عدم الاشتراط ؛ لجواز تأخير الإجازة زمانا طويلا بعد العقد ، وعدم وجوب مقارنتها للعقد ، وإذا جاز تأخيرها للبالغ عن زمان العقد اختيارا وإن طال الزمان ، ثمَّ يجيز بعد ذلك ما لم يرد ، جاز كون العقد ليس له مجيز في الحال ، لعدم اشتراط الإجازة في الحال. والأول مذهب القواعد ، والثاني مذهب الدروس.

وعلى القول بالثاني ، يمنع المشتري من التصرف في المبيع والثمن معا إن اشترى بالعين ، أما منعه من المبيع فلاحتمال عدم الإجازة ، وأما منعه من الثمن

ص: 14


1- في « ن » : ولو.

فلاحتمال الإجازة.

ولو تصرف ضمن العين ومنافعها ، ويرجع المالك على من شاء ، ويستقر الضمان على المشتري. وكذا لو كان المالك بالغا رشيدا.

الثالث : لو باع مال غيره (1) ثمَّ ملكه قبل فسخ المالك وإجازته ، افتقر إلى الإجازة من البائع ؛ لأنه باع وهو غير مالك ، ولا بد من إجازة المالك ، وقد صار مالكا فلا بد من إجازته.

واختار فخر الدين نفوذ البيع من غير توقف على الإجازة على القول بصحة بيع الفضولي ؛ لأن إجازة المالك موجبة لصحة فعل المباشر ، فملك المباشر أبلغ بإيجاب الصحة.

واشترط العلامة الشهيد الإجازة من غير تردد. وهو المعتمد ؛ لما قلناه.

الرابع : لا فرق بين الغاصب وغيره في صحة بيعه مع الإجازة.

الخامس : قال صاحب الدروس : ولو رتبت العقود على العين والثمن ، فللمالك إجازة ما شاء ، ومهما أجاز عقدا على المبيع صح وما بعده خاصة ، وفي الثمن ينعكس. انتهى كلامه رحمه اللّه.

بيانه : إذا باع الفضولي عبدا لزيد بجارية لعمرو مثلا ، فالعبد هو المبيع والجارية هي الثمن ، فاذا بيع العبد مرارا ، وبيعت الجارية مرارا ، تخير زيد صاحب العبد في إجازة ما شاء من العقود المرتبة على المبيع وهو العبد ، وعلى الثمن وهو الجارية.

فإذا أجاز عقدا على المبيع صح وما بعده خاصة ؛ لدخوله في ملك المشتري بالإجازة ، فيصح تصرفه فيه.

وإذا أجاز عقدا على الثمن ، صح وما قبله خاصة ؛ لتضمن الإجازة الملك ، ولا

ص: 15


1- في « ي 1 » : الغريم.

يملك الثمن إلا بإجازة العقود السابقة ، فتصح العقود السابقة وتبطل اللاحقة ، لصدورها عن غير مالك ولا يعقبها إجازة مالك ، فافهم ذلك.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب.

أقول : إذا باع الغاصب العين المغصوبة ولم يجز المالك ، استردها وجميع منافعها ، وإن تلفت تخير في الرجوع على أيهما شاء ، فإن رجع على المشتري ، رجع المشتري على الغاصب - مع الجهل بالغصب - بجميع ما غرمه.

وإن كان عالما بالغصب ، قال علماؤنا : لا يرجع على الغاصب بشي ء ؛ لأنه دفع المال بغير عوض ، وأطلقوا القول في ذلك. وفصّل العلامة ، قال : إن كان الثمن موجودا كان للمشتري أخذه ، وإن كان تالفا لم يكن عليه شي ء. وهو المعتمد ؛ لأنه ملك له لم ينتقل إلى البائع ؛ لوقوع العقد باطلا ، فيتسلط على أخذه ؛ لبقائه على ملكه ، أما مع التلف فقد سلطه على تلفه مجانا ؛ لعلمه بعدم استحقاق المبيع ، فلا يستحق مطالبته بشي ء.

تنبيه : قال الشيخ في النهاية : من غصب غيره مالا واشترى به جارية ، كان الفرج له حلالا. قال العلامة في المختلف بعد أن ذكر مذهب ابن إدريس ومذهب الشيخ في المسائل الحائرية : كلام الشيخ في النهاية يحتمل أمرين :

أحدهما : ما ذكره في جواب المسائل الحائرية ، فإن الشراء بالمال أعم من أن يكون بالعين أو في الذمة ، وإن كان الأول هو الظاهر ، لكن يمكن العدول عن الظاهر للعلم به.

الثاني : أن يكون البائع عالما بأن المال غصب ، فإن المشتري حينئذ يبيح وطي الجارية ، وعليه وزر المال.

وكلام العلامة هذا يدل على حصول الملك للمشتري بالعين المغصوبة مع

ص: 16

علم البائع بالغصب ، وإلا لما جاز وطي الجارية ، إذ جواز ( أخذ الثمن مع جواز ) (1) الوطي للمشتري يترتب على ثبوت الملك ، وهو مناقض لتفصيله الذي فصّله ، وهو جواز أخذ الثمن مع وجوده للعالم بغصب المبيع ؛ لأن علة الجواز وقوع البيع فاسدا وعدم تملك البائع له.

ولا فرق بين غصب الثمن أو المثمن في عدم صحة البيع إذا وقع على العين ، فالجمع بين جواز انتزاع عوض المغصوب مع بقاء عينه والعلم بالغصب ، وبين جواز وطئه ، مناقضة بينة.

اما على إطلاق الأصحاب عدم جواز الرجوع بعوض المغصوب مع العلم بالغصب ، فربما يتمشى ؛ لأنه قد ملك الجارية بغير عوض ؛ لعلمه بعدم استحقاقه للعوض الذي قبضه مقابلها ، فيكون قد دفعها إليه مجانا.

والمعتمد عدم جواز وطي هذه الجارية ، لتوقف الإباحة على الملك أو على عقد النكاح أو التحليل ، ولا هنا شي ء منها ، فيبقى على أصالة التحريم ، إلا أن يكون المشتري بالذمة ، فيباح له حينئذ وإن دفع المغصوب عوضا.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز أن يتولى طرفي العقد؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وقيل : إن علم الموكل جاز ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يجوز لغير الأب والجد تولي طرفي العقد ، نعم لو وكله في ذلك جاز.

وهو اختيار المصنف ؛ لأنه اشترط إعلام الموكل ، وكذلك العلامة في القواعد.

احتج الشيخ بأنه لا دليل عليه ، وتطريق التهمة اليه ببيعه على نفسه.

وذهب أبو الصلاح الى الجواز مطلقا ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرحه ؛ لأنه أذن له في البيع مطلقا على كل مالك دافع للثمن ،

ص: 17


1- ما بين القوسين من « ر 1 ».

فيدخل الوكيل في هذا الإذن ، ولقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1). ولا امتناع من كونه موجبا قابلا ؛ لأنه موجب باعتبار البيع ، قابل باعتبار الشرى ، فهو قائم مقام شخصين ، فلا مانع حينئذ. وهذا هو المعتمد. وقد أطلق ابن الجنيد المنع ، ولم يقيده بعدم الإعلام ولا غيره.

قال رحمه اللّه : والوصي لا يمضي تصرفه إلا بعد الوفاة ، والتردد في توليه لطرفي العقد كالوكيل. وقيل : يجوز أن يقوّم على نفسه وأن يقترض إذا كان مليا.

أقول : هاهنا مسألتان :

الأولى : في توليه طرفي العقد ، والجواز مذهب الشيخ في النهاية ، والعلامة وابنه والشهيد ، وهو المعتمد ؛ لما قلناه في حق الوكيل.

وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يجوز أن يشتريه لنفسه بحال ؛ لأن الإنسان لا يجوز أن يكون موجبا قابلا في عقد واحد ؛ لأن العقد لا يكون إلا بين اثنين ، ولا يصح ذلك إلا ما خرج بإجماعنا ، من الوالد إذا اشترى مال ولده الصغير ، فلا نقيس غيره عليه بحال ؛ لأنا لا نقول بالقياس في الشرعيات.

والجواب : عدم امتناع أن يكون موجبا قابلا باعتبارين.

الثانية : في جواز الاقتراض مع الملاءة. وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ ، وجزم به العلامة في القواعد. وهو المعتمد ؛ لأنه أمين ، له التصرف بجميع ما فيه غبطته للمولّى عليه ، ولا يمنع جواز اقتراضه ما لم يخالف مصلحة المولّى عليه.

ومنع من ذلك ابن إدريس وقال : هذا غير واضح ولا مستقيم ، ولا يجوز له أن يستقرض شيئا من ذلك ، سواء كان متمكنا في الحال من ضمانه وغرامته ، أو لم يكن ؛ لأنه أمين ، والأمين لا يجوز له أن يتصرف لنفسه على حال من الأحوال ،

ص: 18


1- البقرة : 275.

وانما أورد شيخنا ذلك إيرادا لا اعتقادا. والجواب ما قدمناه.

قال رحمه اللّه : وأن يكون المشتري مسلما إذا ابتاع مسلما ، وقيل : يجوز ولو كان كافرا ، ويجبر على بيعه من مسلم ، والأول أشبه.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد. وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1). ودخوله في ملك الكافر أعظم السبيل.

واحتج المجوزون بأن للكافر أهلية التملك ، والعبد المسلم يصح تملكه ، والسبيل ينتفي بإجباره على البيع ، كما لو أسلم الكافر وهو في ملك كافر.

قال رحمه اللّه : ولو ابتاع أباه المسلم ، هل يصح؟ فيه تردد ، والأشبه الجواز ؛ لانتفاء السبيل بالعتق.

أقول : منع الشيخ وابن البراج من ذلك ؛ لثبوت السبيل بدخوله في ملكه. وذهب المصنف والعلامة والشهيد الى الجواز. وهو المعتمد ؛ لأن في آن العقد لا سبيل له بدخوله عليه ، وفي الآن الثاني يعتق عليه ، فلا يتحقق ثبوت السبيل ، فلا يتحقق المانع.

قال رحمه اللّه : والأرض المأخوذة عنوة ، وقيل : يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرف ، وفي بيع بيوت مكة تردد ، والمروي المنع.

أقول : من أصالة الجواز.

ومن أن المفتوحة عنوة (2) ملك لجميع المسلمين ، فلا يختص بها أحد دون غيره ، فيصح بيع آثار التصرف ، كالجدران والسقوف وغير ذلك ، فتدخل الأرض تبعا لتلك الآثار.

ص: 19


1- النساء : 141.
2- في « ي 1 » بزيادة للناس.

وأمّا مكة فهي من المفتوحة عنوة أيضا ، لقوله تعالى ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (1).

والمسجد الحرام اسم لجميع الحرم ؛ لقوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (2) والإسراء كان من بيت خديجة ، وروي (3) من شعب أبي طالب ، وهما خارجان عن المسجد ، فقد سماه اللّه تعالى مسجدا.

والمعتمد الجواز تبعا للآثار ، فلو أوقع العقد على الأرض خاصة ، لم يصح وكان باطلا ، هذا على القول بأنها فتحت عنوة.

وعلى القول بأنها لم تفتح ، بل طلبوا الأمان ، فعقد لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الأمان ، وقال : « من دخل بيته فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ثمَّ دخلها من غير قتال » (4). فعلى هذا يجوز بيع رقبة الأرض إذا قلنا بالفرق بينها وبين المسجد ، واختاره العلامة.

قال رحمه اللّه : فلا يصح بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه ( لاختلاف بين أربابه ) (5) ويكون البيع أعود ، على الأظهر.

أقول : منع ابن الجنيد وابن إدريس من بيع الوقف مطلقا ؛ لرواية علي بن رئاب (6) ، ولعدم الاختصاص ؛ لمشاركة البطون المتجددة فيه ، ولأنه مشروط بالتأييد ، فلا يجوز تغيير شرطه.

ص: 20


1- الحج : 25.
2- الاسراء : 1.
3- البحار 18 : 380.
4- البحار 21 : 119 ، 129.
5- ما بين القوسين من الشرائع.
6- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 6 من أحكام الوقوف والصدقات.

وأجاز المفيد والسيد بيعه إذا كان أنفع لأرباب الوقف من بقائه.

والمصنف اشترط في الجواز حصول الخراب مع إبقائه ، واختاره العلامة وأبو العباس. وهو المعتمد ؛ لأنّ الغرض الأقصى من الوقف تحصيل منافعه ، وقد تعذرت ، فيجوز بيعه ، ويشترى بثمنه ملك يستغله (1) الموقوف عليهم ، ومهما أمكنت المماثلة بينه وبين الوقف كان أولى ، ولا يجوز صرف ثمنه في غير ذلك مع التمكن.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز بيع أم الولد ما لم يمت ، أو في ثمن رقبتها ، مع إعسار مولاها ، وفي اشتراط موت المالك تردد.

أقول : منشؤه من عموم النهي عن بيع أمهات الأولاد ، خرج منه جواز بيعها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها ولم يخلف سواها ، يبقى الباقي على المنع ؛ ولأن مع حياة المولى للمال محل ، وهو ذمة المولى. ومن إطلاق الأصحاب جواز بيعها عند الإعسار بثمنها. وصرح ابن الجنيد بجواز بيعها في حال حياة سيدها مع الإعسار بثمنها ، ولرواية زرارة (2) ، عن الباقر عليه السلام ، وهذا هو المعتمد.

تنبيه : يجوز بيع أم الولد في أماكن :

الأول : في هذه الصورة المذكورة في هذا الكتاب.

الثاني : إذا مات ولدها جاز بيعها عند الخاصة. والعامة يثبتون لها حكم الاستيلاد مع موت ولدها.

الثالث : إذا أسلمت تحت الذمي بيعت عليه على المختار.

الرابع : إذا مات سيدها ، وعليه دين يحيط بالتركة وإن لم يكن ثمنا لها.

الخامس : إذا حملت بعد الارتهان ؛ لسبق حق المرتهن على الأقرب.

ص: 21


1- من « م » وفي الباقي من النسخ : يشغله.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 24 من بيع الحيوان ، حديث 3.

السادس : تباع في الجناية.

السابع : إذا أعسر مولاها عن نفقتها دفعا للضرورة.

الثامن : تباع إذا حملت بعد التفليس والحجر على أمواله ؛ لسبق حق الغرماء على الاستيلاد.

التاسع : تباع على من تنعتق عليه بالملك على الأقرب ؛ لحصول المطلوب ، وهو العتق.

العاشر : تباع إذا ارتد ولدها عن فطرة ؛ لمساواة الارتداد للموت.

الحادي عشر : تباع إذا كان ولدها كافرا وهناك ورثة مسلمون ؛ لعدم إرثه منها.

الثاني عشر : تباع إذا كان ولدها قاتلا عمدا ، لعدم ميراثه منها أيضا. وبالجملة : كل موضع يمنع ولدها من الإرث فإنه يجوز بيعها ؛ لأنها إنما تنعتق من نصيب ولدها ، فإذا لم يكن له نصيب لم تنعتق وجاز بيعها.

قال رحمه اللّه : ولا يمنع جناية العبد في بيعه ولا عتقه ، عمدا كانت الجناية أو خطأ ، على تردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في بيع الجاني ، ولا خلاف في جواز بيعه إذا كانت الجناية خطأ أو شبه العمد ، ويضمن المولى أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية ، ولو امتنع كان للمجني عليه أو وليه (1) انتزاع العبد ، فيبطل البيع ، وكذا ولو كان المولى معسرا ، وللمشتري الفسخ مع الجهالة ؛ لتزلزل ملكه ما لم يفده المولى.

وإذا كانت الجناية عمدا ، قال الشيخ : لا يصح بيعه ؛ لأنه مستحق للقتل.

والمشهور الجواز ؛ لأنه لم يخرج باستحقاقه للقتل عن ملك مالكه ، ولأصالة

ص: 22


1- في « م » و« ي 1 » : أولوية.

الصحة ، ولعدم إسقاطه (1) لحق المجني عليه ، فلا مانع منه. وإذا باعه كان مراعى ، فإن قتل أو استرق بطل البيع ، وإن عفى الولي أو صالح على مال التزمه (2) المالك لزم البيع.

الموضع الثاني : في جواز عتق العبد الجاني ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك.

قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن الجنابة إن كانت عمدا نفذ العتق ؛ لأن حق المجني عليه من القود لا يبطل بصيرورته حرا ، وإن كانت خطأ لم ينقض ؛ لأنها تعلقت برقبته ، والعتق يمنع الاسترقاق. وقال في النهاية بجواز عتقه إذا كانت خطأ ، ويلزم المعتق الدية ؛ لأنه عاقلة العبد. وابن إدريس قوّى مذهب المبسوط.

وقال العلامة في المختلف : المعتمد أن يقول : إن كانت عمدا لم يصح عتقه إلا أن يجيز أولياء المقتول ، وإن كانت خطأ وكان موسرا جاز ، وإلا فلا.

وفي القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين : إما دفع الدية قبل العتق ، أو يضمنها ويرضى الولي بالضمان لا بدونهما. وهو يدل على عدم جواز عتقه في العمد والخطأ معا ؛ لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق ؛ لزوال تعلق الجناية برقبة العبد ، أما مع أداء المال فظاهر. وأما مع الضمان فلأن الضمان مع رضي الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى ، فلا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين. وهذا هو المعتمد.

أما عدم جوازه في العمد ؛ لأنه يؤدي إلى إسقاط حق المجني عليه ؛ لأنه مخيّر بين قتله وبيعه واسترقاقه ، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق ، وكل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل.

ص: 23


1- هامش « ر 2 » : استحقاقه.
2- في « ن » و« ر 1 » : ألزمه.

وأما عدم جوازه في الخطأ [ ف- ] لأن الجناية متعلقة برقبته ، ومع عدم افتكاك المولى له ، فهو مخير بين البيع والاسترقاق ، والعتق يمنع من ذلك فيكون باطلا.

قال رحمه اللّه : ولو باع ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة ، فيه تردد ، ولو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويا.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة ، وكونه مالا مملوكا مقدورا على تسليمه بعد مدة فيصح بيعه ، ويثبت الخيار للمشتري مع عدم العلم. وهو المعتمد. ومن أن القدرة على تسليمه شرط في صحة البيع ، وهو غير مقدور على تسليمه في الحال ، فلا يصح بيعه.

قال رحمه اللّه : فلو باع بحكم أحدهما لم ينعقد ، ولو تسلمه المشتري فتلف ، كان مضمونا عليه بقيمته يوم قبضه ، وقيل : بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه ، وإن نقص فله أرشه ، وإن زاد بفعل المشتري كان له قيمة الزيادة وإن لم يكن غنيّا.

أقول : إذا باع بحكم أحدهما أو ثالث ، كان البيع باطلا ، فإن قبضه المشتري كان للبائع انتزاع العين مع بقائها ، فإن تلفت كانت مضمونة على المشتري.

وهل يضمنها بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف ، أو بقيمتها يوم قبضها؟ اختلف الأصحاب في ذلك.

ذهب الشيخ إلى ضمانها بالصحة يوم قبضها ؛ لأنه وقت الحيلولة.

وذهب ابن إدريس إلى ضمانها بأعلى القيم ؛ لأنها مضمونة عليه في جميع الحالات ؛ لعدم انتقالها عن ملك البائع بالقبض ، وعدم دخولها في ملك المشتري ، ومن جملة الحالات الحالة العليا ، فتكون مضمونة عليه بقيمتها تلك الحالة. وهذا هو المعتمد.

ص: 24

وإذا انتزع العين مع بقائها ، هل يرد عليه ما زاد بفعله ، سواء كان أثرا كتعليم الصنعة أو عينا كالصبغ؟ قولان :

أحدهما : لا يرد عليه شيئا ؛ لأنه وضعه في ملك غيره بغير إذنه ، ولا يمكن انفصاله ، فلا شي ء له ، سواء كان أثرا أو عينا.

وقيل : يكون شريكا بنسبة الزيادة ، سواء كانت عينا أو أثرا ؛ لأنه لم يتبرع (1) بها ، ولم يخرج عن ملكه بإضافتها إلى ملك الغير ، والمنع من التصرف لا يرفع الملك عن مستحقه. اما لو كانت الزيادة لا بفعله كالسمن فإنه لا يكون شريكا بشي ء قطعا. وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا فيه ، فالقول قول المبتاع مع يمينه ، على تردد.

أقول : إذا شاهد المشتري المبيع ، ثمَّ اشتراه بعد مدة يمكن فيها تغيره عن الصفات التي شاهده عليها ، ثمَّ اختلفا في تغير الصفات ، احتمل أن يكون القول قول البائع ؛ لأصالة بقاء الصفات المعلومة بينهما. واحتمل أن يكون القول قول المشتري ، لوجوب تسليم المبيع على تلك الصفات المعهودة ، ولم يثبت ، فيكون القول قوله ؛ لأصالة عدم وصول حقه اليه.

قال رحمه اللّه : وهل يصح شراؤه من غير اختبار ولا وصف على أن الأصل الصحة؟ فيه تردد ، والأولى الجواز.

أقول : قال الشيخان : كل شي ء من المطعوم والمشروب يمكن للإنسان اختباره من غير إفساد له ، كالأدهان الطيبة المستخبرة بالشم ، وصنوف الطيب ، والحلاوات ، والحموضات ، فإنه لا يجوز بيعه بغير اختبار (2) ، وبه قال أبو الصلاح والقاضي وابن حمزة وسلّار ؛ لان الاختبار شرط في صحة البيع مع إمكانه ، وهذا

ص: 25


1- في بعض النسخ : ينزع.
2- في « ي 1 » و« م » : إلا بعد اختباره.

يمكن اختباره ، فلا يصح بيعه من غير اختبار.

وذهب المصنف إلى صحة البيع وثبوت الخيار مع خروجه معيبا ، واختاره العلامة ، لأصالة الصحة ، ولأنها عين مشاهدة فيصح بيعها ، ولأنه لو باعها بالوصف مع غيبتها صح البيع ، وثبت الخيار مع ظهورها على غير وصفها ، فمع مشاهدتها يكون صحة البيع أولى ، لزيادة العلم بالعين مع الحصول على العلم بالوصف مع الغيبة ، فالفرق غير لائق. وهذا هو المعتمد ، لكن إذا تصرف ثمَّ ظهر معيبا ثبت الأرش دون الرد ، ولا فرق في ذلك بين الأعمى وغيره ، خلافا لسلّار حيث أثبت للأعمى الرد وإن تصرف.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز بيع سمك الآجام وإن كان مملوكا ، لجهالته وإن ضم إليه القصب أو غيره ، على الأصح.

أقول : جواز بيعه منضما إلى القصب أو غيره مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة.

وعدم جوازه مطلقا مذهب الشيخ في المبسوط ، وأختاه ابن إدريس والمصنف ، لأن المجهول إذا أضيف إلى المعلوم أو بالعكس حصل جهالة الجميع ، فيبطل البيع ، لاشتراط العلم بالمبيع.

وفصّل العلامة في المختلف ، قال : « إن كان المقصود بالبيع هو المضاف إلى السمك ، ويكون السمك تابعا صح البيع ، وبالعكس لا يصح » ، واختاره أبو العباس. وهو المعتمد ، لأن المعلوم إذا كان هو المقصود من البيع لا يضر جهالة الضميمة ، كالحامل مع حملها ، والأرض مع البذر الذي فيها قبل نباته ، وما شابه ذلك.

قال رحمه اللّه : وكذا الجلود والأصواف والأوبار والشعر على الأنعام ، وإن ضم إليه غيره ، وكذا ما في بطونها ، وكذا إذا ضمهما ، وكذا ما يلقح الفحل.

أقول : أما بيع الأصواف والأوبار والشعر على ظهور الأنعام ، فقد منع منه

ص: 26

الشيخ وأبو الصلاح وابن البراج إلا مع الضميمة. والمصنف جزم بالمنع وإن ضم إليه غيره.

وجوّزه المفيد وابن إدريس وإن لم يضم اليه غيره ، واختاره العلامة.

وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولصدور العقد من أهله في محله ، والمانع إنما هو الجهالة لا غير ، والجهالة [ غير ] متيقنة ، لحصول المشاهدة الرافعة للجهالة.

لا يقال : إنه موزون ، ولا يعرف وزنه وهو على ظهور الانعام ، فلا يصح بيعه ، لجهالته من حيث الوزن.

لأنا نقول : الوزن إنما يكون شرطا فيه بعد جزّه لا قبله ، كالتمرة ، فإنه يجوز بيعها على رؤوس النخل مع المشاهدة ، وهي مما يكال ويوزن.

وقوله : ( وكذا ما في بطونها وكذا إذا ضمهما ).

الضمير في ( ضمهما ) عائد إلى ( ما في البطون ، وما على الظهور ) ، وليس مراده عدم جواز ضمهما إلى ذوات البطون والظهور ، لأن ذلك جائز قطعا ، بل مراده عدم جواز شراء ما على ظهور الأنعام منضما الى ما في بطونها من غير أن تكون الأنعام داخلة في البيع ، لأن انضمام المجهول الى المجهول لا يصير معلوما.

وقال الشيخ بالجواز لما رواه إبراهيم الكرخي : « قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما؟ قال : لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله [ في ] الصوف » (1).

وابن إدريس والمصنف والعلّامة لم يعولوا على هذه الرواية.

قال رحمه اللّه : المسك طاهر ، ويجوز بيعه في فأره وإن لم تفتق ، وفتقه أحوط.

ص: 27


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 10 ، عقد البيع وشروطه ، حديث 1.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في طهارته ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن الغزال تلقيه كما تلقي الولد ، والدم النجس انما هو الدم المسفوح ، لأن الكبد حلال طاهر وهو دم.

الثاني : في بيعه في فأره مع عدم الفتق ، وإن كان الفتق أحوط ، وهو قول الشيخ رحمه اللّه ، وتابعه بقية الأصحاب ، لأن البقاء في فأره مصلحة له ، لأنه يحفظه رطوبته وذكاء رائحته. ومنع أكثر أصحاب الشافعي من بيعه قبل فتقه ، لبقائه وبقاء رائحته مع خروجه من فأره ، فلا يصح بيعه مستورا في فأره لجهالة صفته.

قال رحمه اللّه : والرابح على المؤمن إلا مع الضرورة.

أقول : يجوز الريح من غير كراهية في أماكن :

أحدها : حال ضرورة البائع.

الثاني : أن يشتري بأكثر من مائة درهم شرعية ، وفي هذين يربح عليه ( قوت يومه وليلته لا غير ، والزيادة على ذلك مكروه.

الثالث : إذا اشترى المؤمن للتجارة ، فهنا لا يكره الربح عليه ) (1) ولا يتقدر بقدر إلا أنه يستحب له أن يرفق به.

قال رحمه اللّه : الزيادة في السلعة وقت النداء ، ودخول المؤمن في سوم أخيه على الأظهر ، وأن يتوكل حاضر لباد ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الزيادة وقت النداء ، قال الشيخ في النهاية : فإذا نادى المنادي على المتاع ، فلا يزيد في المتاع ، فاذا سكت المنادي زاد حينئذ إن شاء. وظاهر هذا

ص: 28


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

الكلام تحريم الزيادة في السلعة وقت النداء عليها ، لما رواه الشعيري (1) عن الصادق عليه السلام ، « قال : إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد ، فإذا سكت فلك أن تزيد » (2) ، والمشهور الكراهية للأصل. وابن إدريس منع من الكراهية والتحريم معا.

الثانية : الدخول في سوم المؤمن ، وحرمه الشيخ في المبسوط ، لقوله عليه السلام : « لا يسوم أحدكم على أخيه » (3). والمشهور الكراهية للأصل.

تنبيه : التحريم أو الكراهية على الخلاف ، انما يكون بعد تراضيهما على الثمن وقطع المزايدة والمجاذبة بينهما ، فإذا استقر البيع على ثمن وما عاد إلا إيقاع العقد بينهما ، فحينئذ يحرم الدخول أو يكره على الخلاف.

وقيل : ذلك لا يحرم ولا يكره ، لعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (4). وللأصل.

الثالثة : في توكل الحاضر للبادي ، والبحث هنا في موضعين :

الأول : في أنه هل هو محرم أو مكروه؟ وبالتحريم قال الشيخ في الخلاف ، لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : « لا يبيعن حاضر لباد » (5) ، وظاهر النهي التحريم. والمشهور الكراهية للأصل.

الثاني : في تفسيره ، قال في المبسوط : ولا يتبع حاضر لباد ، ومعناه أن لا يكون سمسارا له ، بل يتركه أن يتولى بنفسه ليرزق اللّه بعضهم من بعض ، فإن

ص: 29


1- في المصدر الشعيري.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 49 ، آداب التجارة ، حديث 1 ، وليس فيه قوله : « فاذا سكت. إلخ ».
3- مستدرك الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 37 ، آداب التجارة ، حديث 1.
4- البقرة : 275.
5- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 37 ، آداب التجارة ، حديث 1.

خالف أثم وكان بيعه صحيحا ، وينبغي أن يتركه في المستقبل ، هذا إذا كان ما معهم يحتاج أهل الحضر إليه ، وفي فقده إضرار لهم ، فأمّا إذا لم يكن لهم حاجة ماسة ، فلا بأس أن يبيع له. هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

قيّد النهي بحاجة أهل البلد الى ما عند البدوي. ومنع في الخلاف ، سواء كان في الناس حاجة أو لم يكن. وابن حمزة قيده في البدو دون الحضر (1).

ولابن إدريس هنا كلام طويل تركنا إيراده حذرا من أن يطول الكتاب.

والمعتمد ما قاله المصنف ، ولا فرق بين الحضر والسفر ، ولا بين أن يكون في الناس حاجة أو لم يكن ، لعموم النهي.

قال رحمه اللّه : ولا يثبت للبائع خيار ، إلا أن يثبت الغبن الفاحش ، والخيار فيه على الفور مع القدرة ، وقيل : لا يسقط إلا بالإسقاط وهو الأشبه ، وكذا حكم النجش ، وهو أن يزيد لزيادة من واطأه البائع.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تلقي الركبان ، وجزم المصنف هنا بالكراهية ، وصحة البيع ولزومه إلا مع الغبن ، فيثبت الخيار على الفور. وقيل : لا يسقط إلا بالإسقاط لثبوته بظهور الغبن ، والأصل بقاؤه ما لم يسقطه مستحقه. والأول هو المعتمد ، لأن ثبوت الخيار على خلاف الأصل ، لأن الأصل في العقود اللزوم ، فإذا ثبت الخيار بالغبن دفعا للضرر المنفي ، ثبت على الفور ، لحصول الاتفاق على جواز الخيار حالة العلم بالغبن ، فيقتصر عليه ، لأن جوازه بعد ذلك مشكوك فيه ، فلا يرجع عن الأصل المتيقن إلا إلى متيقن مثله ، لا إلى ما هو مشكوك فيه.

وقال ابن إدريس : التلقي محرم ، والبيع صحيح ، ويتخير البائع.

وقال ابن الجنيد : يمضي بيع من يلقى الركبان خارجا عن المصر بأربعة

ص: 30


1- في « ي 1 » : البدوي دون الحضري.

فراسخ.

فظهر أن مذهب ابن إدريس تحريم التلقي وصحة البيع مع ثبوت الخيار فيه مطلقا ، سواء كان فيه غبن أو لم يكن. ومذهب ابن الجنيد التحريم وعدم صحة البيع. وذهب العلامة الى ما اختاره المصنف ، وهو كراهية التلقي وصحة البيع ولزومه الا مع الغبن ، فيثبت الخيار. وهو المعتمد.

الثانية : في النجش : وهو أن يزيد الإنسان في سلعة وهو لا يريد الشراء ، بل قصدا لتغرير الغير ببذل الزيادة ، وعدّه المصنف هنا من المكروهات ، وأكثر فتاوي الأصحاب على التحريم ، قال أبو العباس : ولا أعلم لتحريمه خلافا.

وأما البيع مع النجش فقد أبطله ابن الجنيد إذا كان من البائع ، قال : لأنه يجري مجرى الغش والخديعة ، فإذا كان من الواسطة لزم البيع ، ولزمه الدرك إن أدخله على المشتري. وفي الخلاف أطلق ثبوت الخيار ، قال : لأنه عيب ، ولم يقيد بالغبن وعدمه ، ثمَّ قال بعد الإطلاق : وإن قلنا لا خيار ، لأن العيب ما تعلق بالمبيع وهذا ليس كذلك ، كان قويا. والمعتمد ثبوت الخيار مع الغبن وإلا فلا. والخيار مع ثبوت (1) الغبن على الفور ، كما ذهب إليه الشيخ وابن إدريس ، واختاره العلامة لما قلناه في المسألة السابقة. وفخر الدين اختار ما رجحه المصنف ، وهو ثبوته ما لم يسقطه مستحقه.

قال رحمه اللّه : الاحتكار مكروه ، وقيل : حرام ، والأول أشبه ، وإنما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن ، وقيل : وفي الملح بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن ولا يوجد باذل ، وشرط آخرون أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيام ، وفي الرخص أربعين يوما ، ويجبر المحتكر على البيع ، وقيل : يسعر عليه ، والأول أظهر.

ص: 31


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

أقول : البحث هنا في مسائل :

الأولى : في الاحتكار ، هل هو محرم أو مكروه؟ وبالتحريم قال محمد بن بابويه وابن البراج ، وهو ظاهر ابن إدريس. وبالكراهية قال الشيخان ، واختاره المصنف والعلّامة. واستدل الفريقان بالروايات (1) ، مع اعتضاد الكراهية بأصالة عدم التحريم.

الثانية : في محله ، قال الشيخ في النهاية : إنما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن. وتبعه ابن البراج وابن إدريس على الاقتصار على هذه الخمسة. وأضاف ابن حمزة الملح إلى هذه الخمسة. واختاره ( العلامة في القواعد ، وابن بابويه أضاف إلى الخمسة الزيت دون الملح ، وظاهر المصنف اختيار مذهب النهاية. كذلك ) (2) العلامة في المختلف.

الثالثة : في حدّ الاحتكار ، وحدّه الشيخ في الغلاء بثلاثة أيام ، وفي الرخص بأربعين يوما ، وتبعه ابن البراج. والمفيد لم يحدّه بشي ء ، بل أطلق كراهيته مع الغلاء ، وجوازه من غير كراهية في الرخص ، واختاره المصنف والعلامة.

الرابعة : يجبر المحتكر على البيع عند الحاجة إليه إجماعا. وهل يسعر عليه؟ فيه خلاف ، وفي القواعد قال : يسعر عليه إن أجحف لا مع عدم الإجحاف ، وهو مذهب ابن حمزة ، واختاره أبو العباس. وهو المعتمد ، ومستند الجميع الروايات (3).

ص: 32


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 27 ، 29 ، آداب التجارة.
2- ما بين القوسين من « م » و« ر 2 » و« ن ».
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 29 ، 30 ، آداب التجارة.

في الخيار

اشارة

قال رحمه اللّه : ويسقط باشتراط سقوطه في العقد ، وبمفارقة كل واحد صاحبه ولو بخطوة ، وبإيجابهما إياه أو أحدهما ورضى الآخر.

أقول : معنى الإيجاب هنا الالتزام بالعقد بعد وقوعه ، بأن يقولا : التزمنا بالعقد أو يقول أحدهما ويرضى الآخر ، وإنما سمي الالتزام إيجابا ، لأنه يوجب عليهما التمسك به ، فهو من باب الواجب ، وهو الإلزام للمكلف ، لا من باب الإيجاب الموضوع لنقل الأعيان مع القبول.

تنبيه : إذا التزما بالعقد بعده ، سقط خيار المجلس ، وخيار الثلاثة في الحيوان ، وخيار الشرط ، إذا التزما بعده ، ولا يسقط خيار الغبن ولا خيار العيب ولا خيار الرؤية ، والفرق أن خيار المجلس وخيار الثلاثة في الحيوان أثبته الشارع للإرفاق بالمكلّف ، بحيث يتروى بما هو أصلح له ، فيعمل عليه ، فإذا أسقطاه بعد علمهما بثبوته لهما فقد اختارا ترك هذا الإرفاق فيسقط ، لأن الإنسان مسلّط على حقه ، إن شاء أسقطه وإن شاء أبقاه ، وكذلك خيار الشرط أيضا ، لأنه ثبت لهما أو لأحدهما باختيارهما ، فإذا اختارا إسقاطه سقط ، وأمّا خيار العيب

ص: 33

والغبن والرؤية ، فإن الشارع قد أثبته دفعا للضرر ، ولا يعلمان بثبوته حالة العقد ، فلا يسقط بالالتزام حينئذ ، ولو شرطا في العقد سقوط هذه الثلاثة ، بطل الشرط والعقد على الخلاف ، أمّا بطلان الشرط فلما يتضمن من الغرر المفضي إلى الضرر ، وأمّا بطلان العقد فلعدم الرضى بدونه.

قال رحمه اللّه : ولو قال : اختر ، فسكت ، فخيار الساكت باق ، وكذا الآخر وقيل فيه : يسقط ، والأول أشبه.

أقول : عدم السقوط مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط ، واختاره المصنف والعلامة. وهو المعتمد ، لعموم قوله عليه السلام : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا » (1) ، ولأنه خيره فلم يختر ، فلم يؤثر الخيار.

وقيل : يسقط خيار القائل ، لما روي عنه عليه السلام أنه قال : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر » (2) ، ولأنه جعل لصاحبه ما ملكه من الخيار ، فيسقط خياره ، ولا فرق بين قوله : اختر الفسخ أو الإمضاء ، أو اختر واقتصر.

قال رحمه اللّه : ولو كان العاقد واحدا عن اثنين كالأب والجد ، كان الخيار باقيا ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد ، أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول.

أقول : هذا القول نقله الشيخ في المبسوط ولم يسم قائله ، وابن البراج نقل لفظ الشيخ بعينه ، والعلّامة نقل لفظ المصنف هنا ، وظاهرهما ترجيح هذا القول ، وفرع العلّامة احتمال ثبوت الخيار دائما وعدم ثبوته أصلا. فأمّا وجه ثبوته دائما ، [ ف- ] لأن العاقد عن اثنين قائم مقامهما ، وخيار المجلس ما داما مصطحبين ، وهو

ص: 34


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 ، أبواب الخيار ، حديث 3.
2- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 2 ، أبواب الخيار ، حديث 3.

مصاحب لنفسه دائما ، فيثبت الخيار دائما ما لم يسقطه أو يلتزم بالبيع.

وأمّا وجه سقوطه أصلا كون الخيار على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل في العقود اللزوم ، وإنما يثبت خيار المجلس للمتبايعين ، والعاقد هنا واحد ، فلا خيار في عقده لتقييد (1) الخيار بالاثنينية ، وهي منتفية هنا. ووجه سقوطه بمفارقة مجلس العقد ؛ لأنه قائم مقام اثنين وقد فارق المجلس ، فيبطل الخيار ؛ لسقوطه بمفارقة المجلس إلا مع الاصطحاب ، والاصطحاب هنا ممتنع ؛ لكونه بين اثنين فصاعدا ، فيمتنع بقاء الخيار. وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : خيار الحيوان : والشرط فيه كله ثلاثة أيام للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر.

أقول : اختصاصه بالمشتري مذهب الشيخين وسلّار وابن بابويه وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس والمصنف والعلّامة.

وهو المعتمد ، لأن حكمة ثبوته أن عيب الحيوان قد يخفى ولا يظهر كظهوره في غير الحيوان ، فأثبت الشارع فيه الخيار مدة ثلاثة أيام ، لإمكان ظهور عيب خفي في مدة الثلاثة ، وهذه الحكمة منتفية عن البائع ، لاطلاعه على عيوبه دون المشتري ، فيختص الخيار بالمشتري دون البائع.

وقال المرتضى : إنه مشترك بينهما ، لأنه أحد المتبايعين فكان له الخيار كالآخر ، وفي الطرفين روايات (2).

فرع : إذا باعه حيوانا بحيوان ، فعلى مذهب السيد لكل منهما الخيار ولا بحث ، وعلى المشهور من اختصاصه بالمشتري ، هل يختص به هنا؟

ص: 35


1- في « ن » : لتقيد.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 من أبواب الخيار ، 1 و3 و5 ، وباب 3 حديث 1 ، 2 ، 3 ، 9 ، وباب 4.

يحتمل ذلك ، لعموم قولهم : للمشتري (1) ، دون البائع ، فيكون المشتري منشئ القبول ، ويحتمل ثبوت الخيار لهما ، لاشتراكهما في الحكمة الموجبة ثبوت الخيار في الحيوان ، وهي التروي مدة ثلاثة أيام ، لإمكان الظهور فيها على عيب خفي في الحيوان لا يظهر حالة العقد ، وإذا اشتركا في العلة الموجبة لثبوت الخيار اشتركا في الخيار. وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومن اشترى شيئا ، ولم يكن من أهل الخبرة ، وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به ، كان له فسخ العقد إذا شاء ، ولا يسقط ذلك بالتصرف إذا لم يخرج عن الملك ، أو يمنع مانع من ردّه ، كالاستيلاد في الأمة والعتق ، ولا يثبت به أرش.

أقول : هذه المسألة لم يتردد المصنف فيها ، ولكنها من المسائل الجليلة التي تفتقر الى كشف وإيضاح ، فهي مشتملة على مباحث :

« أ » : حقيقة الغبن نقص قيمة أحد العوضين عن العوض المسمّى في العقد نقصا لا يتسامح بمثله عادة ، مع جهل من صار إليه الناقص ، وإنما يثبت به الخيار دون الأرش ، لأن الأرش عوض عن جزء فائت في العين أو صفاتها ، والغبن ليس كذلك ، فلهذا لم يثبت الأرش.

« ب » : ثبوت الخيار مع الغبن هو المشهور بين الأصحاب ، ويظهر من كلام ابن الجنيد عدم ثبوته ، لأن البيع مبني على المكاسبة (2) والمغالبة ، وثبوت الخيار مع الغبن ينفي ذلك. وقال الشهيد في الدروس : وربما قال المحقق ( في الدرس ) (3) بعدم خيار الغبن ، إشارة إلى مصنف هذا الكتاب المشروح. والمعتمد الثبوت.

ص: 36


1- الوسائل - كتاب التجارة - باب 3 من أبواب الخيار.
2- في « ن » : المكايسة.
3- من « ن ».

« ج » : لا يبطل هذا الخيار بالتصرف غير الناقل واللازم من المغبون ، ولا يبطل بالتصرف الصادر من الغابن مطلقا.

وتحقيق البحث أنّ التصرف لا يخلو إمّا أن يكون من الغابن فيما غبن فيه ، أو من المغبون فيما غبن فيه.

الأول : أن يكون من الغابن في عوض ما دفعه إلى المغبون ، بأن يشتري عينا رخيصة ويتصرف فيها ، والتصرف لا يخلو إمّا أن يكون ناقلا أو غير ناقل ، وعلى التقديرين لا يخلو ، إما أن يتعلق بالعين أو بالمنافع ، فالأقسام أربعة :

« أ » : أن يتعلق بالعين ويكون ناقلا لازما كالبيع بعد الخيار ، والهبة مع القبض ، والوقف والعتق وما شابه ذلك ، وهذا التصرف لا يسقط حق المغبون من الفسخ ، لكنه يسقط حقه من العين ، ويثبت له مع الفسخ القيمة للحيلولة ، ولو كان خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط باقيا أو الهبة لم تقبض ، ألزم الغابن بالفسخ ، ليأخذ المغبون عين ما له ، وللمغبون أن يفسخ بنفسه ، لتعلق حقه بالعين مع إمكان انتزاعها وهو ممكن هنا ، ولا يتوقف على إذن الغابن.

« ب » : أن يتعلق بالعين ولا يكون ناقلا ، كوطي الأمة مع عدم الإحبال ، وقصارة الثوب وصبغه وخياطته ، وهذا التصرف غير مانع من أخذ العين ، ويكون شريكا بنسبة الزيادة التي حصلت بفعله ، سواء كانت عينا كالصبغ والتطريز ، أو أثرا كتعليم الصنعة.

« ج » : أن يتعلق بالمنافع ، ويكون ناقلا لازما كالإجارة ، وهذا التصرف لا يمنع من الفسخ ، ومع الفسخ لا يسقط حق المستأجر ، بل يفيد نقل العين الى المغبون ، ويكون عليه الصبر مجانا حتى تنقضي مدة الإجارة ، ويجب عليه رد العوض عاجلا من حين الفسخ لانتقال العين إليه بالفسخ ، فلا يجب على الغابن الصبر بالعوض ، ولا يجوز له تأخير الفسخ إلى حين انقضاء مدة الإجارة ، لأنه

ص: 37

على الفور.

« د » : أن يتعلق بالمنافع ولا يكون لازما كالعارية ، فللمغبون الفسخ وانتزاع العين.

الثاني : أن يكون التصرف من المغبون في عوض ما غبن فيه ، وهو لا يخلو عن الأقسام الأربعة السابقة ، لكن الحكم مختلف ، فالتصرف إن كان لازما أسقط الخيار ، سواء كان واردا على العين ، كالبيع بعد مضي الخيار ، والهبة مع القبض ، والعتق والوقف وما شابه ذلك ، أو على المنافع كالإجارة إلا إذا لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء مدة الإجارة فله الفسخ ، وسواء كان ناقلا للعين والمنافع ، كالأمثال المتقدمة أو للعين خاصة ، كمن باع واستثنى المنافع مدة معلومة ، أو للمنافع خاصة ، كالحبس مدة معلومة ، أو كان لازما غير ناقل للعين ولا للمنافع ، كالإحبال للأمة ، فهذه الصور كلها مسقطة للفسخ ، ولا يسقط بغير اللازم ، سواء ورد على العين ، أو المنافع ، كالبيع في مدة الخيار ، والهبة قبل القبض والعارية.

والضابط : كل موضع يتمكن من دفع العين حالة الفسخ ، فالخيار ثابت ، وما لا فلا ، ولا يسقط الخيار بدفع الغابن التفاوت لثبوته بظهور الغبن ، فلا يسقط إلا باختيار المغبون.

خيار التأخير

قال رحمه اللّه : من باع ولم يقبض الثمن ، ولا سلّم المبيع ، ولا اشترط تأخير الثمن ، فالبيع لازم ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن ، وإلا كان البائع أولى بالمبيع ، ولو تلف كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها ، على الأشبه.

أقول : لا خلاف في لزوم البيع إلى تمام ثلاثة أيام ، وإنما الخلاف في موضعين :

الأول : هل يبطل العقد بعد الثلاثة ، أو يصير الخيار للبائع ، بين إبقاء العقد

ص: 38

وفسخه؟ قال ابن الجنيد بالأول ، لرواية زرارة (1) ، عن الباقر عليه السلام ، والمشهور الثاني ، وهو المعتمد ، لوقوع العقد صحيحا ، والأصل بقاؤه ما لم يحصل الفسخ.

الثاني : لو تلف المبيع قبل القبض فان كان بعد الثلاثة كان من مال البائع إجماعا ، لأن الشارع قد جعل له مندوحة الفسخ والانتفاع بعينه فلم يفعل ، فكان التفريط مستندا اليه ، ولعموم قوله عليه السلام : « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » (2).

وان تلف في الثلاثة فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فذهب الشيخ وأكثر المتأخرين إلى انه من مال بائعه ، وهو المعتمد ، لعموم الخبر ، وقال المفيد : من مال المشتري ، لانتقال المبيع اليه بنفسه العقد ، ومنع البائع من التصرف فيه ، ولأنه لو حصل نماء كان للمشتري ، وقال عليه السلام : « الخراج بالضمان » (3).

واعترض عليه ابن إدريس بأن هذا لازم له بعد الثلاثة أيضا ، لأنه في ملك المشتري ما لم يفسخ البائع والنماء له أيضا.

وقد يجاب عن المفيد بأنه بعد الثلاثة ممنوع من التصرف في العين وهو ممنوع في الثلاثة ، فافترق الحكم بينهما ، وقال ابن حمزة : وهو من مال البائع ، الا ان يكون البائع عرض التسليم على المبتاع فلم يتسلمه ، فيكون التلف حينئذ من مال المشتري ، قال العلامة في المختلف : ولا بأس بقول ابن حمزة.

تنبيه : شروط هذا الخيار ان يكون المبيع معينا فلو اشترى موصوفا في الذمة لم يطرد الحكم فيه ، وان لا يحصل قبض احد العوضين ، فلو قبض أحدهما لم

ص: 39


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 9 من الخيار ، حديث 1.
2- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 9 من الخيار ، حديث 1.
3- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 7 من الخيار ، حديث 3.

يطرد الحكم ، وللشيخ قول بجواز فسخ البائع في كل موضع يتعذر فيه قبض الثمن ، سواء قبض المشتري المبيع أو لم يقبضه ، وقواه الشهيد ، ولا بد ان يكون العقد حالا ، فلو كان أحد العوضين مؤجلا سقط هذا الخيار.

فروع :

الأول : لو قبض الثمن ثمَّ ظهر مستحقا ، فكلا قبض ، ولا يسقط خياره بعد الثلاثة لفساد القبض.

الثاني : لو ظهر في المقبوض عيب يوجب الرد فلا فسخ ، لحصول القبض الصحيح ، والرد بالعيب لا يوجب فساد القبض.

الثالث : لو قبض بعض الثمن أو قبض بعض المعيب ، فالخيار ثابت في الجميع.

الرابع : لو جاء بالثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع ، قال العلامة لم يجز له الفسخ لزوال السبب ، ويحتمل ثبوته ، لأنه قد ثبت بمضي الثلاثة ، والأصل بقاؤه.

قال رحمه اللّه : وان اشترى ما يفسد من يومه ، فان جاء بالثمن قبل الليل ، والا فلا بيع له.

أقول : أورد الأصحاب هذه المسألة بعبارات مختلفة ، قال الشيخ في النهاية : وإذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء كالخضرة وغيرها ، ولم يقبض المباع ولا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما ، فان جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم ، والا فلا بيع له.

وابن إدريس نقل عبارة الشيخ ، إلا انه قال : فان جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم ، والا فصاحبه بالخيار بين ان يفسخ البيع (1) وبين ان يطالبه بثمنه. قال العلامة في القواعد : ولو اشترى ما يفسد ليومه ، فالخيار فيه الى الليل ، فان تلف

ص: 40


1- من « ن ».

فيه احتمل الخلاف. وعبارة التحرير كالقواعد ، الا انه زاد فيه : فإن جاء المشتري فيه لزم البيع ، والا تخير البائع ، وقال الشهيد : وخامسها خيار ما يفسده المبيت ، وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار.

إذا عرفت هذا ، فظاهر هذه العبارات الاختلاف في حكمين :

الأول : في محل الخيار ، وظاهر عبارة النهاية والسرائر والقواعد والتحرير دالة على ثبوت الخيار في ظرف اليوم ، وكذلك عبارة فخر الدين ، لأنه قال في شرحه قول أبيه : فإن تلف فيه احتمل الخلاف. وجه الاحتمال انه تلف في مدة الخيار ، فكان كالثلاثة ، ومن حيث عدم النص عليه ، والأصح العدم ، وهذا آخر كلامه ، وهو دال على ثبوت الخيار في ظرف اليوم ، لأن الضمير في قول العلامة : ( فإن تلف فيه ) ، عائد إلى اليوم ، وقد نص فخر الدين انه مدة الخيار ، الا ان تعليل فخر الدين رحمه اللّه ينقض بعضه بعضا.

بيان المناقضة انه قال : وجه الاحتمال انه تلف في مدة الخيار فكان كالثلاثة ، وعنى بالثلاثة المسألة السابقة التي اختلف الأصحاب فيها مع تلف المبيع في طرف الثلاثة ، هل يكون من مال البائع أو المشتري؟ وقد أجمع الأصحاب على عدم ثبوت الخيار في الثلاثة ، بل البيع فيها لازم وانما يثبت الخيار بانقضائها ، فقوله رحمه اللّه : ( كالثلاثة ) ينقض قوله : ( لأنه تلف في مدة الخيار ) ، لأن الثلاثة ليست مدة الخيار إجماعا ، فقد ظهرت المناقضة.

واما عبارة الدروس فهي دالة على لزوم البيع الى الليل ، وكذلك عبارة عميد الدين في شرحه للمسألة التي شرحها فخر الدين ، وذكرنا عبارة فخر الدين. أما عبارة عميد الدين ، فقال : يريد إذا تلف في ذلك اليوم احتمل في ذلك ما ذكرناه (1) من الخلاف في الثلاثة ، بمعنى انا ان قلنا بقول المفيد ان التلف في

ص: 41


1- من « م » وفي الباقي : ذكره.

الثلاثة من المشتري ، فهنا إذا تلف في اليوم كان من المشتري ، إذ العلة واحدة وهي لزوم البيع في تلك المدة ، أعني اليوم أو الثلاثة ، وان قلنا بقول الشيخ - وهو الأصح - فالتلف من البائع ، لأنه لم يقبض.

وهذا آخر كلامه ، وهو دال على لزوم البيع الى الليل ، لكنه غير مطابق لكلام العلامة الذي هذا شرحه ، لأن العلامة لم يذكر لزوم البيع الى الليل ، بل ظاهره عدم اللزوم ، ولهذا قال فخر الدين انه تلف في مدة الخيار ، لأن عبارة القواعد دالة على ثبوت الخيار في ظرف اليوم ، فعميد الدين شرح على مدلول آخر كلام العلامة وأغفل اوله ، وفخر الدين بالعكس ، فلهذا حصل عليهما (1) الاعتراض.

وأحسن عبارات الأصحاب في هذه المسألة عبارة المصنف في هذا الكتاب المشروح ، لأنه اقتصر على معنى الرواية ، والرواية هي رواية محمد بن يعقوب ، عن أبي حمزة أو غيره ، عمن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « فيمن يشتري ما يفسد من يومه ثمَّ يتركه حتى يأتيه بالثمن ، فان جاء فيما بينه وبين الليل ، وإلا فلا بيع له » (2) ، وهذه الرواية وان كانت مرسلة فهي مؤيدة بعمل الأصحاب.

الثاني : في حكم البيع بعد انقضاء اليوم ، وظاهر النهاية والشرائع بطلانه بانقضاء اليوم ، وهو مدلول الرواية ، لقوله عليه السلام فيها : « فان جاء فيما بينه وبين الليل ، والا فلا بيع له » ونفي البيع يدل على بطلانه ، وعبارة السرائر والتحرير والدروس مصرحة بثبوت الخيار للبائع بعد دخول الليل ، وهو يدل على عدم بطلان البيع.

ويمكن الجمع بين عبارات الأصحاب في هذا الحكم بحمل نفي البيع بعد

ص: 42


1- في « ن » : عليه وفي « ر 1 » : عليها.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 11 ، أبواب الخيار ، حديث 1 ، مع اختلاف يسير.

دخول الليل على نفي اللزوم دون البطلان ، وأما الجمع في الحكم الأول الذي هو محل الخيار فهو مشكل.

وانما طولنا البحث في هذه المسألة لاختلاف عبارات الأصحاب فيها فأحببنا أن نورد عباراتهم ليطلع على اختلافهم ، ويظهر تحقيق هذه المسألة لمن له قلب سليم ، واسال اللّه المعونة والتوفيق والهداية إلى التحقيق.

والشهيد طرد الحكم في كل ما يسرع اليه الفساد ولم يقيد بالليل ، بل القيد عنده حصول الفساد ، وهو يحصل بنقص الوصف وقلة الرغبة ، كما في الخضروات واللحم والرطب والعنب.

وهل ينزل فوات السوق منزلة الفساد؟ فيه نظر ينشأ من تطرق الضرر بنقص السعر ، ومن اقتضاء العقد اللزوم والتفريط من البائع بترك اشتراط العقد.

قال رحمه اللّه : خيار المجلس لا يثبت في شي ء من العقود عدا البيع وخيار الشرط يثبت في كل عقد غير النكاح والوقف ، وكذا الإبراء والطلاق والعتق ، إلا على رواية شاذة.

أقول : المقصود من هذه المسألة تبيين العقود التي يثبت فيها الخيار وما لا يثبت فيه ، ونحن نذكر ان شاء اللّه كل خيار على حدة ، ونبين ما يثبت فيه الخيار وما لا يثبت على حسب الطاقة ، واللّه الموفق والمعين :

الأول : خيار المجلس ، ولا يثبت في شي ء من العقود عدا البيع خاصة فهو ثابت فيه مطلقا ، ويجامع خيار الرؤية وخيار الحيوان ، إلا في شراء القريب فإنه لا خيار فيه مطلقا لا للمجلس ولا لغيره ، ولا للبائع ولا للمشتري لعلمهما بحصول العتق بنفس العقد ، وهو مبني على التغليب.

فرع : إذا أنشأ العقد (1) من بعد مفرط بحيث يسمع كلا منهما لفظ صاحبه

ص: 43


1- من « ن ».

صح العقد قطعا ، وهل يثبت خيار المجلس؟ يحتمل ذلك ، لعموم (1) ثبوته ما لم ينتقلا من موضع العقد غير مصطحبين ، ويحتمل المنع ، لأنهما لم يجمعهما مجلس عرفا.

الثاني : خيار الحيوان ، وهو شامل للأناسي وغيرها ، إلا في شراء القريب كما قلناه ، وهو يحصل بالبيع دون الصلح والإجارة والصداق ، وغير ذلك من المعاوضات ، لأن الأصل في العقود اللزوم إلا ما أخرجه النص ، وهو لم يثبت إلا في البيع ، فيبقى الباقي على الأصل.

الثالث : خيار الشرط ، وهو ثابت في البيع والإجارة والصلح ان وقع معاوضة دخله خيار الشرط ، وان وقع على ما في الذمم مع جهالته أو على إسقاط الدعوى ، قبل ثبوتها لم يثبت فيه خيار الشرط ، لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط واشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته ، وكل شرط ينافي مشروعية العقد غير جائز ، والرهن لا يدخله خيار الشرط للمرتهن ، لأنه جائز من طرفه ، وفي الراهن اشكال من أصالة الجواز ، وعموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، خرج منه ما نص على عدم دخوله ، ومن منافاته لعقد الرهن ، لأنه وثيقة لدين المرتهن ، ومع حصول الخيار تنتفي الفائدة لاحتمال الفسخ بالخيار ، فيخرج المال عن الوثيقة ، والمعتمد الأول ، لأن خروج المال عن الوثيقة مستندا الى فعل المرتهن ، وهو الرضا بالشرط ، فهو كما لو لم يشترط الرهن ولا شك في جواز عدم اشتراط الرهن والحوالة والضمان يدخلها خيار الشرط ، وكذلك المساقاة والكتابة المشروطة يدخلها خيار الشرط للعبد والمولى

ص: 44


1- المصدر المتقدم.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4 ، والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 ، أبواب الخيار ، حديث 7.

دون المطلقة لحصول الحرية فيها بمقدار ما يدفعه من مال الكتابة ، والصرف يدخله خيار الشرط خلافا للشيخ ، وعقد السبق والرماية يدخله خيار الشرط ، ( والصداق يدخله خيار الشرط ) (1).

والعقود الجائزة كالشركة والوكالة والمضاربة والعارية والوديعة والجعالة جوز الشيخ دخول الخيارين فيها ، خيار المجلس وخيار الشرط ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، ومنع في الخلاف من دخول خيار المجلس دون خيار الشرط.

والعلامة منع من دخول الخيارين في هذه العقود ؛ لأنها عقود جائزة ، لكل منهما الفسخ في كل آن ، فلا معنى لدخول الخيار فيها ، بل لو شرطا عدم الفسخ لم يصح ، فلا فائدة في شرط الخيار ، فهذه العقود كلها يدخلها خيار الشرط ، والذي لا يدخله فهو النكاح والطلاق والخلع والوقف ، على خلاف يأتي ان شاء اللّه تعالى في بابه ، والعتق الا على رواية إسحاق بن عمار ، وهي التي أشار إليها المصنف ، والإقالة والإجارة والشفعة والهبة والإبراء ، وكل ما لا يدخله خيار الشرط لا يدخله خيار غيره.

الرابع : خيار المغبون ، وهو يثبت في كل عقد يشتمل على المعاوضة ، كالبيع والصلح ، إلا إذا وقع على ما في الذمم ، وكان مجهولا ، فهذا لا يثبت فيه خيار الغبن إذا علم بعد عقد الصلح وظهر غبن أحدهما ، وكذلك إذا وقع على إسقاط دعوى قبل ثبوتها ثمَّ ظهر حقية ما يدعيه ، وكان مغبونا فيما صالح عنه ، فلا خيار له ، لما قلناه في خيار الشرط ، ويثبت في الإجارة والمزارعة والمساقاة ، وما شاكل ذلك مع شروطه المعتبرة من جهالة المغبون ، وكون الغبن لم تجر به العادة بالتغابن بمثله ، واما خيار عدم التقابض وخيار الرؤية فهو مقيد بما يحصل هذان الشرطان فيه ،

ص: 45


1- لم يرد في « ن ».

فلا يفتقر الى تفصيل.

قال رحمه اللّه : المبيع يملك بالعقد ، وقيل : به وبانقضاء الخيار ، والأول أظهر.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن العقد سبب (1) انتقال الملك يدور معه وجودا وعدما ، ولعدم منافاة الخيار للملك ، والثاني مذهب الشيخ ، وظاهر ابن الجنيد ، لقصور العقد المشترط فيه الخيار عن غير المشترط فيه ، والقصور سبب عدم (2) افادة الملك ، والا لزم المساواة وهو باطل ، والحق عدم المساواة ، لأن العقد المشترط فيه الخيار غير لازم ، بل هو متزلزل قابل للفسخ بخلاف غير المشترط فيه ، ففائدة الخيار عدم اللزوم لا عدم الملك.

قال رحمه اللّه : خيار الشرط يثبت من حين التفرق ، وقيل : من حين العقد ، وهو أشبه.

أقول : ثبوته من حين التفرق مذهب الشيخ وابن إدريس ، لثبوت خيار المجلس قبل التفرق ، فلو ثبت خيار الشرط قبل التفرق لزم اجتماع المثلين ، وهو غير جائز ، والمشهور ثبوته من حين العقد ، وهو المعتمد ، لأن إطلاق المدة يقتضي الاتصال بالعقد كغيره من الأزمنة المشترطة في العقود ، ويلزم من قول الشيخ الجهالة بالمبتدإ ، لأن وقت التفرق غير معلوم ، وجهالة أحد الطرفين توجب بطلان العقد ، واجتماع المثلين غير مانع ، لأن الخيار واحد وأسبابه مختلفة ، فلا مانع من ذلك ، كما لو ظهر عيب وهو في المجلس فان له الخيار بسبب العيب وسبب المجلس.

ص: 46


1- في « م » : ( يفيد ) بدل ( سبب ).
2- لفظة ( عدم ) ليست في « م » و« ن » و« ر 1 ».
فروع :

الأول : إذا قيد الفسخ برد الثمن فليس له الفسخ بدون رده أو مثله ، ولو فسخ قبل ذلك كان لاغيا ، وان لم يقيد برد الثمن جاز الفسخ مع حضور الثمن وعدمه ، وكذا لو كان الخيار للمشتري ، فإن قيده برد المبيع أو مثله (1) لم يجز الفسخ قبل الرد ويجوز مع الإطلاق ، ولو أتى ببعض الثمن أو ببعض المبيع لم يجز له الفسخ الا مع اشتراطه مع الإتيان بذلك البعض ، ثمَّ ان كانت المدة طرفا للفسخ والاسترجاع كان له الفسخ متى جاء بالثمن ووجب قبوله ، وان كانت غاية لم يجب عليه قبض الثمن قبل مضيّها ولا يجوز الفسخ قبل ذلك.

الثاني : إذا جعلا الخيار لعبد أحدهما ملك مولاه الخيار ، وان جعلاه لعبد أجنبي لم يملكه مولاه ، ولو مات العبد لم ينتقل الى مولاه ، وكذا لو مات الأجنبي لم ينتقل الى وارثه ، لأنهما لم يرضيا بغير نظره ، بخلاف ما لو كان لأحدهما ، فإنه ينتقل الى وارثه ، وإذا جعلا الخيار لعبد الأجنبي لم يتوقف على رضا مالكه ، الا ان يمنع شيئا من حقوقه ، فيتوقف حينئذ.

الثالث : لا يبطل الخيار بتلف المبيع ، فان كان مثليا طالب بالمثل مع الفسخ ، والا بالقيمة.

الرابع : يجوز اشتراط مدة متأخرة عن العقد ويلزم بينهما ، لأصالة الجواز ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، ويحتمل العدم ، لأن الواجب لا ينقلب جائزا.

الخامس : لو جعل الخيار لاثنين ، فاختار أحدهما الإمضاء ، والآخر الفسخ انفسخ البيع ، وكان الحكم لمختار الفسخ ، لأن اختياره ناقل والآخر مقرر ،

ص: 47


1- في « ن » و« ر 2 » بزيادة : إن كان مثليا.
2- تقدم فيما سبق ص 44.

والناقل أولى من المقرر مع التعارض.

السادس : إذا جعل الخيار لأجنبي ولأحد المتابعين معا ، فاختلفا احتمل اختيار الأجنبي ، والا لم يكن لذكره فائدة ، واحتمل اختيار الفاسخ منهما ، لما قلناه أولا ، ولأنه مع اعتبار اختيار الأجنبي دون اختيار الآخر لم يكن في جعله للآخر مع الأجنبي فائدة أيضا ، وهذا هو المعتمد.

ص: 48

في أحكام العقود

قال رحمه اللّه : ولو باع بثمن حال وبأزيد منه الى أجل قيل : يبطل ، والمروي انه يكون للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين.

أقول : العمل بمضمون الرواية مذهب المفيد والسيد المرتضى ، والرواية إشارة الى ما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام (1).

والبطلان مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس والعلامة وأبو العباس ، لجهل (2) الثمن حالة العقد ، فكان كما لو قال : بعتك هذا أو هذا بكذا ، وهو غير جائز ، وهذا هو المعتمد.

فرعان :

الأول : لو باعه بثمن واحد بعضه نقدا وبعضه نسيئة صح البيع قطعا ، وكذا لو باعه سلعتين في عقد واحد واشترط تأجيل أحدهما وحلول الآخر بشرط

ص: 49


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 ، أحكام العقود ، حديث 2.
2- في « ي 1 » و« ر 2 » : لتجهيل.

تعيين المؤجل أو النقد.

الثاني : لو طال الأجل بحيث يعلمان عدم بقائهما إليه عادة كألف سنة مثلا ، احتمل بطلان العقد لخروج الثمن عن الانتفاع ، ويحتمل الصحة ، لأن الأصل مضبوط ويحل (1) بموت المشتري ، وهذا اختيار الشهيد ، وأبطله فخر الدين.

قال رحمه اللّه : وان ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة ، فيه روايتان ، أشبههما الجواز.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ في النهاية لرواية خالد بن الحجاج (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والجواز مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة للأصل ، ولعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (3) ولرواية عبيد بن زرارة (4).

قال رحمه اللّه : فان امتنع من أخذه ثمَّ هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان من مال البائع على الأظهر.

أقول : كل من عليه حق حال فدفعه الى من له الحق وجب على صاحب الحق قبضه ، فاذا امتنع من قبضه فعزله من عليه الحق ثمَّ تلف من غير تفريط ، هل يكون من مال من عليه الحق أو لا؟ قال الشيخ في النهاية بالثاني ، وبه قال المفيد وسلار وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، لأن الدين يتعين بتعيين المديون ، فاذا هلك بعد تعيينه كان من المدين.

وفي المبسوط دفعه الى الامام أو نائبه ليقبضه عن مالكه ، لأن الحاكم قائم

ص: 50


1- في « ر 2 » : ويحتمل ، وفي « ن » : ويحمل.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 ، من أبواب السلف ، حديث 3.
3- البقرة : 275.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 26 من أحكام العقود ، حديث 2.

مقام المالك مع امتناع المالك من قبض الحق ، فان لم يدفعه الى الحاكم أو نائبه ثمَّ هلك كان من ضمان المديون ، فان الدين لا يتعين الا بقبض المدين أو نائبه ، والتقدير انه لم يقبضه هو ولا نائبه ، فيكون من ضمان المديون ، وهذا هو الحق مع القدرة على الحاكم أو نائبه ، والا اشهد على عزله وتعيينه ، فان تلف بعد ذلك من غير تفريط كان من مال المدين ، سمعناه مذاكرة.

قال رحمه اللّه : ومن اتباع شيئا بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة فليذكر الأجل ، فإن باع ولم يذكر كان المشتري بالخيار بين رده وإمساكه بما وقع عليه العقد ، والمروي انه يكون للمشتري من الأجل مثل ما كان للبائع.

أقول : القائل بثبوت الخيار هو الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وبه قال ابن إدريس ، والمصنف والعلامة ، لأن الأجل له قسط من الثمن في عرف المعاملة ، فلما باعه بالثمن الذي اشتراه ولم يذكر الأجل كان مدلسا ، فيثبت الخيار بين الرد والإمساك بجميع الثمن ، وذهب الشيخ في النهاية الى عدم الخيار ، ويثبت له من الأجل مثل ما للبائع ، لرواية هشام بن الحكم (1) ، عن الصادق عليه السلام ، والأول هو المعتمد.

ص: 51


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 25 ، أحكام العقود ، حديث 2.

ص: 52

فيما يدخل في المبيع

قال رحمه اللّه : وفي دخول المفاتيح ، تردد ، ودخولها أشبه.

أقول : من انها ليست من المبيع ولا من اجزائه فلا تدخل ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم الانتقال ، ومن اقتضاء العادة دخولها ، ولأنها من حقوقها فيدخل في المبيع.

قال رحمه اللّه : ولو كان في الدار نخل أو شجر لم يدخل في المبيع ، فإن قال بحقوقها ، قيل : يدخل ، ولا أرى هذا شيئا.

أقول : القائل بالدخول هو الشيخ ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، وهو ظاهر كلام ابن إدريس بناء على ان النخل والشجر من حقوق الدار ، فظاهر المصنف عدم الدخول الا ان يقول : ( وما أغلق عليه بابها ) ، وهو اختيار العلامة ، لأصالة بقاء الملك على بائعه (1) ما لم يعلم السبب الناقل ، ولم يثبت ان النخل والشجر من حقوق الدار.

قال رحمه اللّه : ولو باع النخل ولم يكن مؤبرا فهو للمشتري على ما أفتى به

ص: 53


1- في « ن » : مالكه.

الأصحاب.

أقول : لا خلاف في ان الثمرة للمشتري مع عدم التأبير ، وانما استند المصنف الى فتوى الأصحاب ، لأن هذا الحكم يثبت بإجماعهم إذا الروايات (1) الدالة على هذا الحكم ليست مصرحة فيه ، بل هي دالة من حيث المفهوم ، ودلالة المفهوم ضعيفة ، لكن الإجماع عضدها ، فلذلك نسب الحكم الى فتوى الأصحاب لا الى الروايات الواردة فيه ، لضعف دلالتها عليه.

قال رحمه اللّه : الأحجار المخلوقة : في الأرض والمعادن تدخل في بيع الأرض ، لأنها من أجزائها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف : ( لأنها من اجزائها ) ، ومن عدم صدق اسم الأرض عليها ، لأنها مخالفة لها بالاسم وبالماهية ، والأصل بقاء الملك على مالكه.

ص: 54


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 32 من أحكام العقود.

في التسليم

قال رحمه اللّه : إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن ، فإن امتنعا أجبرا ، وإن امتنع أحدهما أجبر الممتنع ، وقيل : يجبر البائع أولا ، والأول أشبه ، سواء كان الثمن عينا أو دينا.

أقول : إذا قال البائع : ( لا أسلم المبيع حتى اقبض الثمن ) ، : وقال المشتري : ( لا أسلم الثمن حتى اقبض المبيع ) ، قال الشيخ في ( المبسوط والخلاف ) : الأولى ان يقال : على الحاكم ان يجبر البائع على تسليم المبيع ، ثمَّ يجبر بعد ذلك المشتري على تسليم الثمن ، لأن الثمن تابع للمبيع ، وتبعه ابن البراج.

وذهب المصنف الى ان الحاكم يجبرهما معا مع الامتناع دفعة واحدة. واختاره العلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، لأن حالة انتقال المبيع إلى المشتري هي حالة انتقال الثمن إلى البائع ، فلا أولوية.

وقوله : ( سواء كان الثمن عينا أو دينا ) ، أراد بالدين الموصوف في الذمة مع كونه حالا يجب تسليمه في الحال ، ولا يتوهم أحد ان مراده بالدين الموصوف بالذمة المؤجل ، لأن المؤجل لا يجب تسليمه الا مع حلول الأجل مع وجوب

ص: 55

تسليم عوضه حالا ، فلا يتصور إجبارهما معا ، ولا يتصور كون الثمن والمثمن مؤجلين ، لأن ذلك بيع الدين بالدين فلا يجوز ، بل المراد ما قلناه.

قال رحمه اللّه : والقبض هو التخلية ، سواء كان المبيع مما لا ينقل كالعقار ، أو مما ينقل ويحوّل كالثوب والجوهر والدابة. وقيل : فيما ينقل القبض باليد أو الكيل فيما يكال أو الانتقال في الحيوانات ، والأول أشبه.

أقول : التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ، ذكره الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأنه المتعارف بين الناس وعادة الشرع رد الناس الى ما يتعارفونه فيما لم ينص على مقصوده باللفظ كالأحياء ، ويؤيده صحيحة معاوية بن وهب (1) ، عن الباقر عليه السلام.

وقيل : هو التخلية بعد رفع اليد مطلقا ، واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : وإذا تلف المبيع قبل تسليمه الى المشتري فهو من مال بائعه ، وكذا ان نقصت قيمته بحدث فيه كان للمشتري رده ، وفي الأرش تردد.

أقول : منشؤه من انه لو تلف اجمع لكان من مال البائع ، فكذا أبعاضه وصفاته ، لأن المقتضي لثبوت الضمان في الجميع - وهو عدم القبض - موجود في الصفات والأبعاض فثبت الحكم ، ومن أصالة عدم ثبوت الأرش.

وانما أوجبنا الخيار بين الرد والقبول بجميع الثمن لدفع الضرر اللاحق بإيجاب القبول ، والأول مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وأبو الصلاح ، واختاره العلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد ، والثاني مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس.

ص: 56


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 16 من أحكام العقود ، حديث 11 ، لكن الرواية فيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : إذا اختلط المبيع بغيره في يد البائع اختلاطا لا يتميز ان دفع الجميع إلى المشتري جاز ، وإن امتنع البائع قيل : ينفسخ البيع لتعذر التسليم ، وعندي أن المشتري بالخيار إن شاء فسخ وإن شاء كان شريكا للبائع ، كما إذا اختلطا بعد القبض.

أقول : وجوب القبول مع دفع الجميع مذهب الشيخ ، لأنه زاده فضلا فلا يتسلط على الفسخ ، لزوال العيب بزوال الشركة ، والمعتمد عدم وجوب القبول ، لأن الزيادة تكون هبة والهبة لا يجب قبولها ، ويثبت الخيار بين الفسخ - لحصول العيب بالشركة - وبين الإمضاء ويكون شريكا ، ولو كان الامتزاج بعد القبض لزم العقد ولم يثبت الفسخ وكان شريكا ، فان علمت حصة كل واحد منهما كانا شريكين بالنسبة ، والا وجب ان يصطلحا ، وهذا حكم مطرد في جميع ما يحصل معه الشركة.

قال رحمه اللّه : ولو باع شيئا فغصب من يد البائع ، فإن أمكن استعادته في الزمن اليسير لم يكن للمشتري الفسخ ، وإلا كان له ذلك ولا يلزم البائع أجرة المدة ، على الأظهر.

أقول : إذا لم يمكن استعادة العين الا بعد فوات شي ء من منافعها ثبت خيار الفسخ ، فاذا لم يفسخ هل له ان يطالب البائع بالأجرة؟ يحتمل ذلك ، لأنه ضامن للعين قبل القبض ، فيكون ضامنا للمنافع ، ومن أصالة براءة الذمة ، ولأنه لو لم يغصب وبقيت في يد البائع مدة طويلة لم يكن ضامنا للأجرة ما لم يطلبها المشتري فيمنعه فيضمن حينئذ ، لأنه كالغاصب ، وقبل ذلك لا يضمن شيئا ، سواء كانت في يده أو غصبت منه ، وذهب المصنف ، والعلامة في التحرير ، والشهيد الى عدم الضمان.

قال رحمه اللّه : إذا ابتاع متاعا ولم يقبضه ، ثمَّ أراد بيعه كره ذلك إن كان مما

ص: 57

يكال أو يوزن ، وقيل : إن كان طعاما لم يجز ، والأول أشبه. وفي رواية : يختص التحريم بمن يبيعه بربح ، أما التولية فلا.

أقول : في هذه ثلاثة أقوال :

الأول : المنع في جميع ما يكال أو يوزن ، وهو مذهب ابن ابي عقيل.

الثاني : اختصاص المنع بالطعام ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

الثالث : الجواز في الجميع على كراهة فيما يكال أو يوزن ، ويكون قبض المشتري نائبا عن قبض البائع ، لأصالة الجواز ، ولعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمفيد ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام : « عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه إذا كان بربح ، والجواز إذا كان تولية » (2). وبمضمونها أفتى العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : وكذا إذا دفع اليه مالا ، وقال : اشتر به طعاما ، فإن قال : اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنفسك ، صح الشراء دون القبض ، لأنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد (3)) ، وفيه تردد.

أقول : إذا دفع من عليه طعام الى ديانه مالا ، وقال : ( اشتر به طعاما ) ، فان قال : ( اشتره لنفسك ) بطل الشراء ، لأنه لا يجوز ان يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره.

وان قال : ( اشتره لي واقبضه لنفسك ) ، جاء الخلاف السابق في جواز بيع الطعام قبل قبضه ، اما الشراء للآمر فلا إشكال في صحته ، لأنه وكيل ، واما

ص: 58


1- البقرة : 275.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 16 من أحكام العقود ، حديث 9.
3- في الشرائع : القبض.

القبض لنفسه ففيه الخلاف ؛ لأنه قبضه عوضا عما له عليه قبل ان يقبضه صاحبه.

وان قال : ( اقبضه لي ثمَّ اقبضه لنفسك ) ، صح الشراء والقبض بلا خلاف ، واما قبضه لنفسه من نفسه ، فهو مبنى على جواز تولي الواحد طرفي العقد وعدمه ، وقد مضى الخلاف فيه في باب البيع ، وقد منعه هنا الشيخ وابن البراج ؛ لأن الإيجاب والقبول لا بد ان يكونا صادرين عن اثنين فلا يجوز فعلهما من واحد ، والمعتمد الجواز.

قال رحمه اللّه : لو أسلفه في طعام بالعراق ، ثمَّ طالبه بالمدينة ، لم يجب عليه دفعه ، ولو طالبه بقيمته ، قيل : لم يجز (1) ؛ لأنه بيع الطعام ( على من هو عليه ) (2)) قبل قبضه ، وعلى ما قلناه يكره ، ولو كان قرضا جاز أخذ العوض بسعر العراق ، فإن كان غصبا لم يجب دفع المثل ، وجاز دفع القيمة بسعر العراق ، والأشبه جواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان ، وبالقيمة الحاضرة عند الإعواز.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا أسلفه في طعام في العراق مثلا ، ثمَّ طالبه بالمدينة مثلا وهذا لا يجب عليه (3) الدفع ، لاختلاف القيمة في موضع الاسلاف وموضع المطالبة ، ولو اتفقا على الدفع جاز ، فكما لا يجب على من عليه الطعام دفعه كذا لا يجب على من له الطعام قبضه ؛ لأنه في حمله مئونة ، ولو طالبه بالقيمة لم يجب دفعها ، قال الشيخ : ولا يجوز ، بناء على مذهبه من عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه ، والمعتمد الجواز على كراهية.

الثانية : إذا أقرضه طعاما في العراق فطالبه في المدينة ، فالحكم فيه كما

ص: 59


1- في « ي » : لم يجب.
2- من الشرائع المطبوع.
3- هذه اللفظة ليست في « ن » و« ر 2 ».

سلف ، إلا في أخذ القيمة ، فلا خلاف في جواز أخذها بسعر العراق ، ويجبر المقترض على دفعها إليه ؛ لأنه يجب عليه دفع حق المقرض مع المطالبة ، وقد تعذر المثل لعدم وجوب دفعه في المدينة ، فيجب القيمة بسعر العراق.

الثالثة : لو غصبه طعاما في العراق ، ثمَّ طالبه في المدينة ، فعند الشيخ وابن البراج حكمه كالقرض سواء ، وذهب المصنف الى جواز مطالبة الغاصب بالمثل ، ومع تعذر المثل يجب القيمة بسعر موضع المطالبة ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ؛ لان الغاصب مخاطب بأشق الأحوال ففي أي موضع طالبه برد المغصوب وجب عليه ، فان أعوز كان عليه قيمة موضع الإعواز.

ص: 60

في الشرط

اشارة

قال رحمه اللّه : ويجوز ابتياع المملوك ، بشرط أن يعتقه أو يدبره أو يكاتبه ولو شرط ان لا خسارة ، أو شرط أن لا يعتقها أو لا يطأها ، قيل : يصح البيع ويبطل الشرط.

أقول : البحث هنا في مقامين :

الأول في اشتراط فعل احد هذه الأمور الثلاثة :

« أ » : ان يشترط عليه العتق ، ولا خلاف بين علمائنا في جواز هذا الشرط ، لأنه غير مخالف للكتاب ولا السنة فيجب الوفاء به ، فاذا باع بشرط العتق وجب الوفاء به ، وهل يكون حقا لله ، أو للعبد ، أو للبائع؟

يحتمل الأول ، لأنه كالملتزم بالنذر في حقهما ، ولأنه شرط يقتضي زوال الملك عن جميع الملاك ، فلا يكون حقا لغير اللّه.

ويحتمل الثاني : لأن غايته ملك العبد نفسه وخروجه عن الرق وتسلطه على تصرفات الأحرار وتملكه لكسبه ، فكان حقا له.

ويحتمل الثالث ، لأنه ثبت بفعل البائع لتعلق غرضه به ، وربما تسامح لأجل

ص: 61

هذا الشرط ببعض الثمن فيكون حقا له ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، وهو ظاهر التحرير ، لأنه استقرب عدم إجبار المشتري على العتق ، وهو يدل على انه حق للبائع لا لله ، وظاهر الشهيد انه حق لله.

فعلى القول بأنه حق لله تكون المطالبة للحاكم ويجبره مع الامتناع ، ولا يسقط بإسقاط البائع.

وعلى القول بأنه للبائع تكون المطالبة له ويسقط بإسقاطه ولا يجبر المشتري ، ومع الامتناع يتخير البائع بين الفسخ والإمضاء.

وعلى القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق ، ومع الامتناع يرافعه الى الحاكم ليجبره على ذلك ، وكسبه قبل العتق للمشتري على جميع التقادير.

ويتفرع هنا فروع :

الأول : لو مات العبد أو قتل ، قبل العتق فالخيار بحاله ، فإن فسخ رد الثمن الذي أخذه وطالب المشتري بالقيمة يوم القبض ، لأنه وقت انتقال الضمان إلى المشتري ، ويحتمل يوم التلف ، لأنه قبله كان يجب رد العين ، وانما وجبت القيمة بعد التلف ، وان امضى رجع بما يقتضيه شرط العتق ، فاذا قيل : ( قيمته لو بيع مطلقا مائة ، وبشرط العتق خمسة وسبعون ) ، زيد على الثمن مثل ثلثه ، هذا مذهب العلامة في القواعد ، واستضعفه الشهيد ، لأن الشروط لا توزع عليها الثمن ، ومع الفسخ يتبين انه مات على ملك البائع ، فمئونة التجهيز عليه ، والمحاكمة له لو كان قتيلا ، ومع عدم الفسخ ينعكس الحكم.

الثاني : هل يجوز إعتاقه عن الواجب على المشتري كالكفارة والنذر ، كما لو نذر عتق نسمة غير معينة؟ نقول : ان اشترط ( البائع عتقه عن الواجب جاز ذلك قطعا ، ويكون فائدة هذا الشرط تخصيص هذا العبد بالعتق ، وان اشترط ) (1)

ص: 62


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

العتق مطلقا لم يجز ، لوجوب العتق عليه بمقتضى الشرط ، فلا يجزي عن واجب غيره.

الثالث : اثبت العلامة في القواعد الولاء للمشتري ، وهو مشكل ، لأنه عتق واجب ، والعتق الواجب لا يثبت فيه ولاء.

وقد يجاب بأن مذهب العلامة انه حق للبائع ، فلا يجبر المشتري على العتق ، بل هو مخير ان شاء أعتق وان شاء ترك ، فيتخير البائع حينئذ ، فإذا أعتق كان عتقه تبرعا ، لكونه غير معين عليه لجواز الإخلال به ، اما على القول بأنه حق لله فلا يثبت فيه الولاء ، لإجباره على العتق لو أخل به.

الرابع : لو نكل به عتق ، ولم يجز (1) عن الشرط فيتخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، كما لو مات ، أو قتل ، وقد سبق (2) البحث فيه.

الخامس : لو باعه أو وقفه تخير البائع ، فإن اختار الإمضاء نفذت العقود ، وان اختار الفسخ بطلت العقود ، لوقوعها في غير ملك تام ، ولو قلنا انه حق لله وقعت العقود باطلة من رأس ، لتحتم العتق ، فلا ينفذ تصرف غيره.

السادس : لو باعه بشرط العتق احتمل الصحة ، لحصول غرض البائع وهو العتق ، واحتمل البطلان ، لأن العتق حق واجب عليه ، فلا يجوز نقله الى غيره.

السابع : لو اشترى من ينعتق عليه بالملك بشرط العتق لم يصح ، لتعذر الوفاء بالشرط وهو العتق بعد الملك ، وهذا ينعتق عليه بنفس الملك من غير إعتاق بل قهرا.

« ب » : لو باعه بشرط التدبير ، صح هذا الشرط بلا خلاف ووجب الوفاء به ، فان دبره فلا بحث ، وان امتناع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ واسترجاع

ص: 63


1- في « ي 1 » : يخرج.
2- ص 62.

العبد ورد الثمن وبين الإمضاء ، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا وقيمته بشرط التدبير ، وهل يجوز الرجوع ( في هذا التدبير؟ يحتمل ذلك ، لأن التدبير عقد جائز يجوز الرجوع فيه ) (1) فيتسلط البائع على الفسخ كما لو لم يدبره ، ويحتمل العدم ، لوجوب الوفاء بالشرط ، ولأنه تدبير واجب بمقتضى العقد فهو كالمنذور ، فلا يجوز الرجوع فيه ، ولأنه إبطال حق الغير وهو غير جائز.

ج : لو باعه العبد بشرط ان يكاتبه فإن أطلق الشرط تخير في المكاتبة بأي قدر شاء ، وإن عيّن قدرا (2) تعين ، فلو كاتبه بأزيد تخير بين الإجازة والفسخ ، وله إلزامه بالكتابة بالقدر المشترط ، وكذا لو كاتبه في صورة الإطلاق (3) بأزيد من القيمة ، ولم يرض العبد ، فللبائع الخيار بين الفسخ والإمضاء ، وبين إلزامه بالمكاتبة بالقيمة. فإن امتنع تعين الفسخ أو الإمضاء ، ولا يجب على المشتري المكاتبة بأقل من القيمة إلا مع الشرط ، ومع الإطلاق يتخير بين المطلقة والمشروطة ، ولو عين أحدهما تعين.

المقام الثاني : لو اشترى جارية بشرط أن لا خسارة عليه لو باعها ، أو (4) لا يطأها ولا يعتقها ، فهذا الشرط ينافي عقد البيع ، لأن مقتضاه التسلط على جميع التصرفات ، وأن الربح له والخسران عليه ، وإذا كان منافيا كان باطلا.

وإذا بطل الشرط ، هل يبطل البيع؟ ذهب العلّامة والشهيد إلى بطلانهما معا ، لأن الشرط يزيد الثمن باعتباره وينقص ، فإذا بطل الشرط بطل ما قابله من الثمن أو المثمن ، فيتطرق الجهالة إلى الباقي ، وجهالة أحد العوضين توجب بطلان

ص: 64


1- ما بين القوسين من « ي 1 » ، وفي باقي النسخ كلمة : ( فيه ) بدل ما بين القوسين.
2- في « ن » : بقدر.
3- في « ي 1 » بزيادة : ويتخير.
4- في « ي 1 » : ( وأن ) بدل ( أو ).

العقد ، ولعدم حصول الرضا بدون سلامة الشرط ، فمع بطلانه تكون تجارة عن غير تراض.

وقال الشيخ وابن البراج وابن الجنيد : يبطل الشرط دون العقد ، لأن الأصل صحة البيع ، ولعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (1) ، ولأن الشرط فرع على صحة البيع ، فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط لزم الدور.

تنبيه : قال العلامة في المختلف (2) : المشهور بين علمائنا الماضين ومن عاصرناهم الا من شذّ انه يجوز بيع الشي ء اليسير بأضاعف قيمته بشرط ان يقرض البائع المشتري شيئا ، لأنهم نصوا على جواز ان يبيع الإنسان شيئا ويشترط الإقراض أو الاستقراض أو الإجارة أو السلف ، أو غير ذلك من الشروط السائغة ، وكان بعض من عاصرناه يتوقف في ذلك. الى هنا كلامه.

وأشار بالمتوقف الى شيخه المحقق نجم الدين ابن سعيد مصنف هذا الكتاب المشروح ، نص على انه المحقق ، صاحب الدروس ، قال : ولو باعه بأضعاف القيمة ليقرضه أو ليؤجل ما عليه صح ، وتوقف فيه المحقق ولا وجه له.

احتج القائل بالجواز بعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (3) ، وهذا بيع فيكون داخلا في العموم ، وبإجماع على جواز بيع الشي ء بأضعاف قيمته وبدون قيمته ، وانضمام الشرط اليه لا يغير حكمه ، لأنه شرط سائغ يجوز انضمامه إلى سائر عقود المعاوضة ، فلا مانع منه ، لعموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند

ص: 65


1- البقرة : 275.
2- في « ر 1 » : التحرير.
3- البقرة : 275.

شروطهم » (1).

ولهم على الجواز روايات (2) كثيرة ، أعرضنا عنها لئلا يطول الكتاب.

واحتج المانع بالروايات الواردة بالمنع (3) عن القرض إذا جرّ نفعا.

وأجيب بأنه غير صورة النزاع ، لأن الممنوع منه هو القرض مع اشتراط البيع بالمحاباة ، والنزاع في العكس ، وهو البيع بالمحاباة مع اشتراط القرض ، فالمانع لا يصلح للمانعية.

فروع :

الأول : قال العلامة في التذكرة : لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه إياه لم يصح ، سواء اتحد الثمن قدرا أو وصفا أو عينا أو لا ، والا جاء الدور ، لأن بيعه له يتوقف على ملكه المتوقف على بيعه له فيدور ، واما لو شرط ان يبيعه على غيره صح عندنا ، لعدم منافاته للكتاب والسنة.

لا يقال : ما الزمتموه من الدور وارد هنا.

لأنا نقول : الفرق ظاهر لجواز ان يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي ، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع. هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وهو يشعر بعدم حصول الملك للمشتري قبل حصول الشرط ، لقوله في توجيه الدور : لأن بيعه له يتوقف على ملكه المتوقف على بيعه ، فدل هذا على عدم حصول الملك قبل حصول الشرط ، ( والا لم يتوقف على البيع الذي هو شرط (4) ، ويدل أيضا

ص: 66


1- تقدم ص 44.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 6 ، أبواب الخيار.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 ، أبواب الربا.
4- في « ر 2 » : مشروط.

على عدم الانتقال قبل حصول الشرط ) (1).

قوله : ( جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي ) ، دل هذا الكلام على عدم انتقال الملك اليه وبقائه على ملك البائع ، والا لم يكن في بيعه على الغير وكيلا ولا فضوليا ، وهذا واضح لا غبار عليه.

إذا ثبت هذا فالجمع بين تملك المشتري للنماء المتجدد بعد عقد البيع وقبل فعل الشرط ، واستقرار ملكه عليه لو فسخ البائع لأجل المخالفة بالشرط ، وأخذ البائع العين مجردة دون النماء ، وبين عدم ملكه للمبيع قبل فعل الشرط مشكل ، لأن النماء تابع للأصل ، فكيف يملك النماء ولا يملك الأصل مع كونه قابلا بهذه الأحكام ، ومع التحقيق يجب المصير إلى عبارة الدروس ، لأنه قال : ولو شرط بيع المبيع على البائع بطل لا للدور ، بل لعدم قطع نية الملك ، وهذا هو الصحيح الذي لا غبار عليه.

الثاني : لو صالح على إسقاط الشرط بعوض صح الا ان يكون عتقا ، وقلنا : انه حق لله ، ولو شرط في عقد آخر سقوط اللازم له بالعقد السابق صح أيضا ، ولو شرط تأجيل الدين الحال أو حلول الدين المؤجل لزم بنفس العقد.

الثالث : إذا شرط رهنا معينا أو ضمينا لزم الشرط ، فلو تلف الرهن أو مات الضمين ، فان كان بعد الرهن والضمان لم يؤثر ، وان كان قبله كان له الفسخ.

الرابع : يجوز اشتراط رهن المبيع على ثمنه ، ومنعه الشيخ ، ولا يكفي عقد البيع عن عقد الرهن ، ولو جمع بينهما في عقد واحد وقدم الرهن بطل ، وان قدم البيع ، مثل ان يقول : ( بعتك الدار بألف وارتهنت العبد بها ) ، فقال : ( اشتريت ورهنت ) ، فيه وجهان ، أقربهما المنع ، لعدم ثبوت الحق حال الرهن.

الخامس : لو شرط ان يبيعه على زيد ، فامتنع زيد من الشراء احتمل ثبوت

ص: 67


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

الخيار للبائع ، لعدم حصول الشرط ، واحتمل لزوم البيع ، إذا التقدير ان يبيعه على زيد ان اشتراه ، فاذا امتنع لزم العقد ، لأن الأصل في العقود اللزوم ، اما لو امتنع الضمين المشروط بعقد البيع كان له الفسخ ، لأن نفع الضمان عائد اليه ولم يرض بدونه ، وهو لم يحصل فتسلط على الفسخ.

قال رحمه اللّه : ولو باعه أرضا على أنها جربان معينة ، وكانت أقل ، فالمشتري بالخيار بين الفسخ وأخذها بحصتها من الثمن ، وقيل : بل بكل الثمن ، والأول أشبه. ولو زادت كان الخيار للبائع بين الفسخ والإجازة بالثمن.

أقول : إذا باعه عشرة أجربة مثلا ، فظهرت خمسة ، قال الشيخ في النهاية : يتخير بين الفسخ وأخذها بحصتها من الثمن ، وتبعه أكثر الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وقال في المبسوط بتخير المشتري بين فسخ البيع وبين الإمضاء بجميع الثمن ، ( وتبعه ابن البراج ، واختاره العلامة في القواعد وفخر الدين في شرحه وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، لأن العقد وقع على المبيع بجميع الثمن ) (1) فليس له الا الفسخ أو الإمضاء بالجميع ، لوقوع العقد عليه.

واحتج الأولون بأنه وحده ناقصا فله مقابله من الثمن ، كما لو اشترى الصبرة على انها عشرة أقفزة فظهرت خمسة ، ولرواية عمر بن حنظلة ، عن الصادق عليه السلام ، وفي هذه الرواية : « ان كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع ان يوفيه منها » (2).

واستقرب في القواعد ان الخيار في طرف النقيصة للمشتري بين الفسخ والإمضاء بجميع الثمن في متساوي الأجزاء ومختلفها ، وفي طرف الزيادة للبائع الخيار كذلك في المتساوي والمختلف ، والمشهور ان متساوي الأجزاء يسقط الثمن

ص: 68


1- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 من أبواب الخيار ، حديث 1.

على اجزائه في الزيادة والنقصان.

فرع : على القول بأنه يرجع بالقسط من الثمن ، هل يثبت للبائع الخيار؟ يحتمل ذلك ، لأنه إنما رضي بيعها بالثمن أجمع ، فإذا لم يصل اليه كان له خيار الفسخ ، فلو بذل المشترى جميع الثمن لم يملك الفسخ حينئذ لوصول ما رضيه إليه.

ص: 69

ص: 70

في أحكام العيوب

قال رحمه اللّه : التصرية تدليس يثبت بها الخيار بين الرد والإمساك ، ويرد معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذر ، وقيل : يرد ثلاثة امتداد من طعام ، وتختبر بثلاثة أيام وتثبت التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة تردد.

أقول : التصرية تحقين الشاة وجمع لبنها في ضرعها بأن يتركها أوقاتا لا يحلبها ثمَّ يخرج بها الى السوق ، فيراها المشتري فيرغب في شرائها لظنه ان هذا قدر حلبها ، ولا خلاف في جواز ردّها مع تحقق ذلك ، وانما الخلاف في موضعين :

الأول : في حكم اللبن المحتلب منها ، والمشهور رده ان كان موجودا ، ومثله ان كان مفقودا ، وقيمته مع التعذر ، وهذا هو المعتمد ، لأن اللبن من ذوات الأمثال ، فعند حضوره يجبر البائع على أخذه ، لأنه عين ماله ، ومع فقده يجب مثله ، فان تعذر المثل وجبت القيمة كغيره من الأعيان المضمونة.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط يرد صاعا من تمر أو بر على ما نص (1)

ص: 71


1- راجع الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 ، أبواب الخيار ، حديث 2 ، 3 وليس فيهما البر ، والمستدرك باب 11 ، أبواب الخيار ، حديث 1 ، 3 ، 4 ، 5.

عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، قال : دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، فإن الأخبار الواردة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تضمنت البر أو التمر ، فمن قال بغيرهما فعليه الدلالة ، ومثله قال في المبسوط ، ثمَّ قال فيه : فان تعذر - يعني الصاع - وجبت قيمته وان أتى على قيمة الشاة ، ثمَّ تردد مع بقاء عين اللبن بين إجباره على أخذه ، لأنه عين ما له ، وبين العدم وإلزام المشتري بالصاع لعموم النص.

وجزم ابن البراج في المهذب على عدم إجبار البائع على أخذ عين اللبن ، وحمله العلامة في المختلف على تغير صفات اللبن ، لأن من شأنه التغير ، وهو يدل على انه مع التغير لا يجب على البائع أخذه ، والشهيد الزم أخذه (1) مع الأرش ، وهو فتوى القواعد ، وهو المعتمد.

وقيل : رد معها ثلاثة أمداد من طعام ، رواه الحلبي « فيمن اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثمَّ ردها وقد شرب لبنها » (2) ، ولم يذكر المصراة ، ومثله قال الشيخ في النهاية. وابن إدريس قيده بالمصراة.

الثاني : في ثبوته في الناقة والبقرة ، وبعدم ثبوته قال الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس ، وادعى الشيخ الإجماع ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وتوقف في المختلف ، لأصالة لزوم العقد وسقوط الخيار مع التصرف ، خرج منه الشاة لوقوع الاتفاق ، يبقى الباقي على الأصل ، وهو اختيار فخر الدين.

احتج المثبتون باتحاد العلة.

تنبيه : مدة خيار التصرية ثلاثة أيام ، وهل هي الثلاثة الثابتة للحيوان ، أو

ص: 72


1- في « ن » : إجباره.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 ، من الخيار ، حديث 1.

هي ثابتة للتصرية؟ نص الشيخ على الأول ، وهو ظاهر التحرير ؛ لأنه قال فيه : مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوانات ، وروى العامة انها ثابتة للتصرية (1).

وتظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان ، فان قلنا بالمغايرة فخيار التصرية باق ، وان قلنا بالاتحاد سقط.

والتصرية تثبت بإقرار البائع ، وبنقص حليبها في الثلاثة عن الحلبة الأولى ، فإن تساوت الحلبات ، أو زادت الأخيرة فلا خيار ، واستشكل في التحرير بثبوته قبل انقضاء الثلاثة بعد فتواه بعدم الثبوت.

وقال في القواعد : ولو علم بالتصرية قبل الثلاثة تخير على الفور ، ولعل فتوى التحرير أقرب ، لعدم ثبوت الخيار إلا بعد تحقق التصرية ولا تتحقق الا بنقص حليبها في الثلاثة عن الحلبة الاولى ، فلا بد من الاختبار مدة الثلاثة ، وتحمل فتوى القواعد على حصول العلم بإقرار البائع ، فحينئذ تتحقق التصرية ويثبت الفسخ.

ولو تصرف بغير الحلب سقط الرد ولا يثبت بالتصرية أرش ؛ لأنها تدليس ، ( وهو لا يثبت الأرش ، بل الخيار بين الرد والإمساك ، ويسقط خيار التدليس ) (2) بالتصرف عدا حلب المصراة.

قال رحمه اللّه : تحمير الوجه ووصل الشعر تدليس يثبت به الخيار دون الأرش ، وقيل : لا يثبت به خيار ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لو بيض وجهها بالطلاء ، ثمَّ أسمر ، أو حمر خديها بالذمار وهو الكلكون ، ثمَّ اصفر لم يكن له خيار ، وقال في المبسوط :

ص: 73


1- سنن البيهقي 5 : 318 - 319.
2- ما بين القوسين سقط في « م ».

يثبت له الخيار ، ثمَّ قال : ولو قلنا ليس له الخيار ، لأنه لا دليل في الشرع على كونه عيبا يوجب الرد ، كان قويا.

وقال ابن البراج : له الخيار بين الرد والإمساك ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه تدليس فأوجب الخيار كغيره ، ولأن الأغراض تختلف ، فربما شاهده المشتري على صفته ، فرغب اليه لتلك الصفة ، ولم يسلم له ، فيثبت له الخيار.

فرع : لو أشبع الشافة فامتلأت خواصرها فظنها المشتري حبلى ، أو سود أنامل العبد أو ثوبه ، فظنه كتابا فلا خيار ، لأنه لا يتعين في الجهة التي ظنها ، إذ قد يسود أنامل غير الكاتب وتمتلئ خاصرة غير الحبلى.

قال رحمه اللّه : إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض ، كان للمشتري رده ، وفي الأرش تردد. ولو قبض بعضه وحدث في الباقي حدث ، كان الحكم كذلك فيما لم يقبض.

أقول : اما منشأ التردد في حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض ، فقد مضى في باب قبض المبيع فلا وجه لإعادته ، واما قوله : لو قبض بعضه وحدث في الباقي حدث كان الحكم كذلك فيما لم يقبض فغير مسلّم ، بل يتخير في الجميع ، لعدم جواز تبعيض الصفقة.

ص: 74

في المرابحة والمواضعة

قال رحمه اللّه : فلو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل ، كان المشتري بالخيار بين رده وأخذه بالثمن وقيل : يأخذه بإسقاط الزيادة ، ولو قال اشتريته بأكثر ، لم يقبل منه ولو أقام بينة ، ولا يتوجه على المبتاع يمين الا أن يدعي عليه العلم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : إذا بان الثمن انقص مما وقع عليه العقد ، قال الشيخ في المبسوط وابن الجنيد : يأخذه بإسقاط الزيادة. واختلفا بما قابل الزيادة من الربح ، فالشيخ أسقطه تبعا لمقابله من الأصل ، وابن الجنيد أثبته ان كان درهما معينا ، لأنه باع برأس ماله وربح هذا المعين ، فاذا ظهر الكذب في رأس المال سقطت الزيادة ، ولا يسقط شي ء من الربح ، لأن الربح مقابل رأس المال ، والزيادة ليست من رأس المال ، فلا يقابلها شي ء من الربح ، فان كان الربح غير معين بالدراهم ، بل يجزئ من الثمن بأن يقول : بعتك برأس مالي وهو مائة مثلا وربح ثلث الثمن ثمَّ ظهرت الزيادة سقطت هي ومقابلها من الربح ، والمشهور ثبوت الخيار بين الفسخ والإمضاء بجميع ما وقع عليه العقد ، وهو المعتمد ، لأن العقد يتناول هذا القدر ،

ص: 75

وقد رضي المشتري به وانعقد البيع على ذلك ، وظهور النقيصة لا يوجب البطلان ، بل يثبت الخيار.

الثاني : إذا ادعى الغلط وان رأس ماله أكثر مما ذكره ، فالمصنف لم يتردد في عدم قبول دعواه ولا بينته للتكذيب ، وقال الشيخ في المبسوط : ( ولو قال وكيلي كان اشتراه بأزيد ) واقام بذلك بينة ، قبلت بينته ، قال : ولو قلنا انها لا تقبل ، لأنه كذبها بالقول الأول كان قويا ، والشهيد اختار قبولها إذا أقامها على مشتري الوكيل ، واختار العلامة في المختلف قبولها مطلقا ، لأنه لو صدقه المشتري قبل ، فله إقامة البينة مع التكذيب ، وفي القواعد لم يتردد بعدم القبول ، بل نقل عبارة الشرائع كما هي ، وكذلك في التحرير ، الا انه زاد فيه ما قابله الشيخ في دعوى شراء الوكيل.

قال رحمه اللّه : إذا حطّ البائع بعض الثمن ، جاز للمشتري أن يخبر بالأصل ، وقيل : ان كان قبل لزوم العقد ، صحت ولحق بالثمن ، وأخبر بما بقي ، وإن كان بعد لزومه كانت هبة مجدّدة وجاز الإخبار بأصل الثمن.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط بناء على مذهبه من ان المبيع لا ينتقل إلا بعد مدة الخيار ، والمشهور عدم التفصيل ، وهو المعتمد ، لأن العقد ناقل ، ومضي مدة الخيار سبب اللزوم ، لا سبب النقل ، ولا لها مدخل فيه ، فالإسقاط بعد العقد هبة مجدّدة ، سواء كان في مدة الخيار أو بعدها.

ص: 76

في الربا

اشارة

قال رحمه اللّه : فيجوز بيع المتجانس وزنا بوزن نقدا ، ولا يجوز مع زيادة ، ولا إسلاف أحدهما في الآخر على الأظهر.

أقول : إذا تماثل الثمن والمثمن في الجنس ، وكانا ربويين جاز البيع نقدا من غير زيادة في أحدهما بلا خلاف ، والمشهور بين الأصحاب عدم جواز اسلاف أحدهما في الآخر وان لم تحصل الزيادة. قال العلامة في المختلف : ولا أعرف في ذلك خلافا الا قولا شاذا للشيخ ذكره في الخلاف ، فإنه قال فيه : ويجوز بيع الجنس بعضه ببعض مماثلا يدا بيد ، ويكره نسيئة. قال : لكن الشيخ قد يطلق على المحرم اسم المكروه ، كما قال في هذا الكتاب : يكره الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة ، وقصده التحريم.

قال رحمه اللّه : وإذا اختلف الجنسان جاز التماثل (1) والتفاضل نقدا ، وفي النسيئة تردّد ، والأحوط المنع.

أقول : إذا اختلف أجناس الربويات جاز البيع مع التفاضل نقدا بلا

ص: 77


1- من الشرائع المطبوع.

خلاف ، وهل يجوز نسيئة؟ قال الشيخ في النهاية : يجوز ، وهو قول ابن حمزة ، وقال المفيد وسلار بالكراهة ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وأبي العباس في المقتصر.

احتج ابن حمزة بقوله عليه السلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (1).

واحتج المانعون بقوله عليه السلام : « انما الربا في النسيئة » (2).

واحتج القائلون بالكراهة بأنه جمع بين الأدلة.

وإذا كان الثمن والمثمن عوضين غير ربويين كالثياب والعبيد جاز البيع مع التفاضل بلا خلاف ، وهل يجوز نسيئة؟ منعه الشيخ في النهاية والخلاف ، وهو قول ابن ابي عقيل وابن الجنيد ، وقال في المبسوط : انه مكروه ، وابنا بابويه أطلقا الجواز ، واستند الجميع الى الروايات (3).

قال رحمه اللّه : والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الأظهر ، لتناول اسم الطعام لهما.

أقول : هذا مذهب الشيخين وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، ولهم عليه روايات (4) كثيرة.

وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل : انهما نوعان ، واختاره ابن إدريس ، لاختلافهما صورة وا سما وطعما.

قال رحمه اللّه : والحمام جنس واحد ، ويقوى ان كل ما يختص باسم واحد

ص: 78


1- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 12 ، أبواب الربا ، حديث 4.
2- كنوز الحقائق ، ص 75.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 من الربا.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 8 من الربا.

فهو جنس على انفراده (1) كالفخات والورشان وكذا السموك.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : في الحمام ، ويحتمل ان يكون جنسا واحدا لشمول اسم الحمام له ، ويحتمل ان كل ما يختص باسم فهو جنس على انفراده ، لاختلاف لحوم الحيوان باختلاف أسمائه مع شمول اسم الحيوان لها ، والأول اختيار العلامة والشهيد ، وانما يتصور الربا في الطير إذا بيع لحمه وزنا.

الثانية : في السموك ، وقوى الشيخ انها جنس واحد ، وقواه الشهيد ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال في التحرير : كل ما اختص باسم وصفة فهو صنف مخالف للصنف الآخر.

قال رحمه اللّه : ويجوز التفاضل بينهما نقدا وفي النسيئة تردد.

أقول : قد سبق (2) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو كان معدودا كالثوب بالثوبين والثياب ، والبيضة بالبيضتين والبيض نقدا ، وفي النسيئة تردد.

أقول : قد سبق (3) البحث فيه أيضا.

قال رحمه اللّه : ويثبت في الطين الموزون كالأرمني على الأشبه.

أقول : هذا مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن البراج ، واما ما يدخل في الأدوية من الطين الأرمني والخراساني ، فلا يجوز بيعه ، لأنه حرام ، فلا معنى لدخول الربا فيه ، والمعتمد الأول ، لأن تحريم الأكل لا يستلزم تحريم البيع إذا كان فيه منفعة ، وإذا جاز بيعه دخل الربا فيه إذا بيع وزنا ، والأرمني قيل : انه طين قبر

ص: 79


1- ( على انفراد ) من الشرائع.
2- ص 77.
3- ص 78.

الإسكندر ، وقيل : انه طين احمر يجلب من الأرمن يعالج به الأطباء.

قال رحمه اللّه : والاعتبار بعادة الشرع مما يثبت انه مكيل أو موزون في عصر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نبني عليه ، وما جهلت الحال فيه رجع الى عادة البلد ، ولو اختلفت البلدان فيه كان لكل بلد حكم نفسه ، وقيل : نغلب جانب التقدير ونثبت التحريم عموما.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : المماثلة شرط في الربا ، وانما تعتبر المماثلة بعرف العادة بالحجاز على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فاذا كانت العادة فيه الكيل لم يجز الا كيلا في سائر البلاد ، وما كان العرف فيه الوزن لم يجز الا وزنا في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة ، هذا كله بلا خلاف ، فان كان مما لا يعرف عادته في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حمل ذلك على عادة البلد الذي فيه ذلك الشي ء ، فإذا ثبت ذلك الشي ء فما عرف كيلا لا يباع الا كيلا ، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا ، وتبعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن لكل بلد عرفا خاصا ، فاذا انتفى العرف في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم انصرف الى عرف ذلك البلد ، ولأصالة عدم التحريم ، فان كان عرف ذلك البلد بيعه جزافا جاز فيه التفاضل ، وان كان عرفه كيلا أو وزنا ، حرم فيه التفاضل.

وقال المفيد : يحكم بالأغلب عند الاختلاف ، فان كان الأغلب فيه الجزاف جاز فيه التفاضل ، وان كان الأغلب فيه الكيل أو الوزن لم يجز ، وتبعه ابن إدريس ، لأن المعلوم من عادة الشرع اعتبار الأغلب واطراح النادر.

وفي النهاية غلب جانب التقدير وحرم التفاضل في الجميع ، لأن الأصل في الأشياء التقدير ، وللاحتياط حذرا من الوقوع في الربا ، وتبعه سلار.

قال رحمه اللّه : ولو باع لحما نيا بمقدّر متساويا ، جاز وكذا لو باع بسرا

ص: 80

برطب ، وكذا لو باع حنطة مبلولة بيابسة لتحقق المماثلة ، وقيل : بالمنع نظرا لتحقق النقصان عند الجفاف ، أو إلى انضياف أجزاء مائية مجهولة ، وفي تحريم بيع الرطب بالتمر تردد ، والأظهر اختصاصه بالمنع اعتمادا على أشهر الروايتين.

أقول : هنا مسائل متعددة ، والعلة فيها متحدة ، وقد اختلف الأصحاب في جواز بيع الرطب باليابس من جنسه متساويا نقدا ، مع اتفاقهم على المنع من بيعه نسيئة ومتفاضلا.

فالمنع مطلقا في كل رطب مع يابسه مذهب ابن الجنيد ، واختاره العلامة ، للاشتراك في العلة المنصوصة (1) ، وهي النقص عند الجفاف.

والجواز مطلقا في كل رطب مع يابسه مذهب الشيخ في الاستبصار ، وبه قال ابن إدريس ، قال : لأن بيع الجنس بالجنس مثلا بمثل جائز سائغ ، والمنع يحتاج إلى دليل ، قال : وقول شيخنا في النهاية : - لا يجوز بيع التمر بالرطب ( والزبيب بالعنب ) (2) ، لأنه إذا جف نقص - ، غير واضح ، بل يجوز ذلك ، ومذهبنا ترك التعليل والقياس.

وابن حمزة اقتصر على المنع ، من بيع التمر بالرطب والزبيب بالعنب ، وهو مذهب الشيخ في النهاية.

وفي الخلاف اقتصر على المنع من بيع التمر بالرطب والحنطة المبلولة بالجافة ، لفقدان الطريق الى العلم بمقدار ما فيها من الماء ، قال : واما الزبيب بالعنب أو تمرة رطبة بيابسها ، مثل التين الرطب بالجاف واللحم (3) الرطب بالمقدد واما أشبه ذلك ، فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه ، لقوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللّهُ

ص: 81


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 من الربا حديث 1 و2.
2- لم يرد في « ر 2 ».
3- ( اللحم ) من « ي 1 » وفي البواقي ( الخوخ ).

الْبَيْعَ ) (1) ، والمصنف خصص المنع ببيع التمر بالرطب ، للرواية (2) المشهورة عن الصادق عليه السلام وذكر عليه السلام علة المنع ، وهي النقص عند الجفاف ، فعداها ابن الجنيد والعلامة الى كل مشارك في العلة.

قال رحمه اللّه : إذا كان في حكم الجنس الواحد وأحدهما مكيل والآخر موزون ، كالحنطة والدقيق فبيع أحدهما بالآخر وزنا جائز وفي الكيل تردّد ، والأحوط تعديلهما بالوزن.

أقول : الحنطة من المكيل وكذا الدقيق ، لأن أصله الحنطة ، فإذا بيع الحنطة بالدقيق قال الشيخ وابن إدريس : يباع وزنا احتياطا ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، لأن الوزن أصل الكيل فيرجع إليه إذا حصل في الكيل تفاوت كالحنطة والدقيق فإن الحنطة ثقيلة والدقيق خفيف ، يتجافى في المكيال ، فاذا بيعا كيلا حصل التفاضل المفضي إلى الربا ، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر كيلا.

وقال العلامة في المختلف : لا يجوز بيع أحدهما بالآخر وزنا ، والا جاء الربا ، لأن تساويهما في الوزن يقتضي التفاضل بينهما فيما جعله الشارع معيارا لهما ، فلا ربا وان اختلفا فيما سواه ، لأنه غير معيار لهما.

والأول أشهر بين الأصحاب أما لو بيع ما أصله الكيل كالحنطة بما أصله الوزن كالخبز ، بيع وزنا ليزول (3) التفاضل.

قال رحمه اللّه : بيع العنب بالزبيب جائز ، وقيل : لا طردا لعلة الربط بالتمر ، والأول أشبه ، وكذا البحث في كل رطب مع يابسه.

ص: 82


1- البقرة : 275.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 أبواب الربا ، حديث 1.
3- في « م » و« ي 1 » : لزوال.

أقول : سبق البحث في هذه (1) فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : ويثبت بين المسلم والذمي ، على الأشهر.

أقول : بثبوته قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لعموم (2) النهي عن الربا ، ولأن أموالهم معصومة ، فلا يجوز أخذها بعقد باطل كالمسلمين.

وبعدم الثبوت قال المفيد والسيد المرتضى وابنا بابويه ، لما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام « قال : ليس بين الذمي والمسلم ولا بين المرأة وزوجها ربا » (3) ، وحملت هذه الرواية على غير الملتزم بشرائط الذمة ، لأن غير الملتزمين بالشرائط لا تحرم أموالهم على المسلمين ، وحكمهم حكم أهل الحرب في حل أموالهم على المسلمين ، وعدم ثبوت الربا بينهم وبين المسلمين.

تنبيه : كل اثنين لا يثبت الربا بينهم كالوالد والولد وأزوج والزوجة والعبد وسيده على القول بأن العبد يملك ، يجوز لكل واحد منهما أخذ الفضل من صاحبه ، الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين ، وغير ذلك الا المسلم والحربي فإن المسلم يجوز له أخذ الفضل من الحربي ، ولا يجوز ان يعطيه بأن يأخذ منه درهما ويعطيه درهمين ، لما رواه ابن بابويه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ولا نعطيهم » (4).

ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمنقطع ، قاله الشهيد ، وربما قيل باختصاص الدائم دون المنقطع ، لأن لها التصرف بماله بغير اذنه بمثل المأدوم

ص: 83


1- ص 81
2- البقرة : 275 و278 ، آل عمران : 130.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 7 أبواب الربا ، حديث 5.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 7 أبواب الربا ، حديث 2.

كالملح والخل واللحم ، وجميع ما يؤتدم به ، بخلاف المتمتع بها ، فإنها لا يجوز لها التصرف بشي ء من ماله.

قال رحمه اللّه : لا يجوز بيع لحم الحيوان من جنسه ، كلحم الغنم بالشاة ، ويجوز بغير جنسه ، كلحم البقر بالشاة ، لكن بشرط ان يكون اللحم حاضرا.

أقول : جزم المصنف بعدم جواز بيع اللحم بحيوان من جنسه ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن إدريس : يجوز ذلك إذا كان اللحم موزونا ، سواء اتفق الجنس أو لا يدا بيد ، وسلفا أيضا إذا كان اللحم معجلا دون العكس ، إذ لا يجوز السلف في اللحم ويجوز في الحيوان ، لأن المقتضي وهو قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) موجود. والمانع وهو الربا منتف ، إذ الربا انما يثبت في الموزون والحيوان ليس بموزون ، واختاره العلامة في التحرير ، قال فيه : ومنعه الشيخ رحمه اللّه تعويلا على رواية ضعيفة السند قاصرة عن افادة المطلوب.

والأول مذهب الشيخ والمفيد وسلار وابن البراج وابن الجنيد وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف والشهيد قال : قال العلامة في المختلف : لنا انه أحوط وأسلم من الربا ، ولم نقف هنا على مخالف ، وابن إدريس قوله محدث لا يعول عليه ولا يثلم في الإجماع ، ولأن الشيخ ادعى في الخلاف الإجماع ، وقوله حجة.

قال رحمه اللّه : ويشترط في صحة بيعها زائدا على الربويات التقابض في المجلس ، فلو تفرقا قبل التقابض يبطل الصرف على الأشهر (2).

أقول : هذا هو المشهور حتى ان العلامة في التحرير ادعى عدم الخلاف في

ص: 84


1- البقرة : 275.
2- في « ر 1 » : الأظهر.

اشتراط التقابض في المجلس ، وقال محمد بن بابويه بعدمه ، لأصالة الصحة وأصالة عدم الاشتراط ، والمعتمد الأول ، لقوله عليه السلام : « الذهب والفضة يباعان يدا بيد » (1).

فرع : لو أوقعا العقد على دينار معلوم بدرهم معلوم ، ثمَّ تقابضا جزافا ليزناه في مكان آخر جاز والزائد يكون امانة ، وان نقص بطل البيع فيما قابل النقيصة ، وصح فيما قابل المقبوض ، ويثبت الخيار لتبعض الصفقة.

قال رحمه اللّه : لو كان له عليه دراهم ، فاشترى بها دنانير ، صح وإن لم يتقابضا ، وكذا لو كان له دنانير فاشترى بها دراهم ، لأن النقدين من واحد.

أقول : ظاهر المصنف ان الذي له الدراهم هو الذي باشر الشراء ممن عليه ، وهذا لا يصح الا مع قبض الدنانير التي هي عوض الدراهم في المجلس ، لاشتراط التقابض في الصرف ، اما لو أمر من له الدراهم من عليه تحويلها الى الدنانير ، كما جاء في الرواية (2) فحينئذ يكون وكيلا في الشراء والقبض ، وقد اجازه الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، ومنعه ابن إدريس.

واحتج الشيخ برواية إسحاق بن عمار (3) ، ورواية عبيد بن زرارة (4).

واحتج ابن إدريس باشتراط التقابض في الصرف ، فلا يصح بدونه.

وذهب فخر الدين الى اختيار ابن إدريس ، لأن العمل بمضمون الرواية مترتب على قواعد وهي مشكوك فيها.

منها : ان ما في الذمّة مقبوض.

ص: 85


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 أبواب الصرف ، حديث 3.
2- لاحظ المصدرين التاليين.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 4 أبواب الصرف ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 4 أبواب الصرف ، حديث 2.

ومنها : انه ليس بيع دين بدين.

ومنها : جواز تولي الواحد طرفي العقد.

ومنها : ان قبض الوكيل قبض الموكل ، وهذه القواعد التي ذكرها فخر الدين - وان كانت مشكوكا فيها - فان عليها عمل أكثر الأصحاب ، وإذا كانت الرواية من الصحاح المشاهير لا ينافيها الشك في هذه القواعد العامل بها أكثر الأصحاب ، بل لو لم يعمل بهذه القواعد احد وجب المصير الى النص ما أمكن العمل به ولو على وجه من التأويل ، فكيف إذا كانت هذه الأصول مقوية للنص؟! لأن أكثر الأصحاب على العمل بهذه الأصول ، وان وقع في بعضها خلاف فهو متروك عند الأكثر ، فلا يصلح لمعارضة النص.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها ، ووجد ما صار إليه غير فضة قبل التفرق ، كان له المطالبة بالبدل ، فإن كان بعد التفرق يبطل الصرف ، وان كان البعض ، يبطل فيه ، وصح في الباقي ، فان لم يخرج بالعيب عن الجنسية كان مخيرا بين الرد والإمساك بالثمن من غير أرش ، وله المطالبة بالبدل قبل التفرق قطعا ، وفيما بعد التفرق تردد.

أقول : فرض المسألة ان الثمن والمثمن من جنس واحد ، فاذا تقابضا في المجلس ، ثمَّ وجد أحدهما فيما صار اليه عيبا من جنسه كخشونة الجوهر واضطراب السكة كان مخيرا بين ثلاثة أشياء : الفسخ ورد المبيع ، وبين الإمساك مجانا من غير أرش حذرا من الربا ، وبين المطالبة بالبدل ، لأن المعقود غير متعين فلا يتعين المعيب بالقبض ، وإذا لم يتعين جاز له رده وأخذ بدله ما داما في المجلس.

وهل يجوز أخذ البدل بعد التفرق من المجلس؟ ذهب اليه الشيخ وابن حمزة والعلامة في القواعد ، ونازع في المختلف في جواز الفسخ الا مع تعذر

ص: 86

الإبدال ، لأن المعيب لم يتعين بالقبض ، والعقد تناول السليم من العيب ، فله المطالبة بما تناوله العقد وليس له الفسخ ، لأصالة لزوم البيع.

وعلى قول المختلف بعدم جواز الفسخ بعد التفرق مع حصول البدل ، فعدم جوازه قبل التفرق مع حصوله اولى.

وتردد المصنف في جواز أخذ البدل بعد التفرق من ان البدل هو المبيع لظهور المعيب غير المبيع والا لم يجز البدل ، وإذا كان البدل هو المبيع وقد قبضه بعد التفرق بطل الصرف ، لعدم التقابض في المجلس.

ومن ان المبيع قد لزم لحصول (1) القبض في المجلس ، ورده عليه وأخذ بدله فسخ متجدد بعد انعقاد البيع ، فلا يقدح في الصحة ، وعلى المنع من أخذ البدل بعد التفرق يتعين الرد وأخذ المبيع مجانا ، وان كان الثمن والمثمن مختلفين كالذهب والفضة ثمَّ ظهر العيب الجنسي في أحدهما كان له أخذ الأرش ما داما في المجلس من الأثمان وغيرها ، وان فارقاه لم يجز أخذه من غير الأثمان.

وللعلامة في القواعد هنا عبارة موهمة ، قال : فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وان كان مخالفا صح ، وظاهر هذه العبارة جواز أخذ الأرش من جنس المعيب بعد التفرق ، وهو غير جائز ، لما قلناه من ان الأرش جزء من الثمن أو المثمن فيجب قبضه في المجلس ، وقد صرح في التحرير بما قلناه. ولو فارقاه لم يجز أن يأخذ من الأثمان وجاز من غيرها ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى دينارا بدينار فدفعه ، فزاد زيادة لا يكون الا غلطا أو عمدا ، كانت الزيادة في يد البائع أمانة ، وكانت للمشتري في الدينار مشاعة.

أقول : وجه كونها امانة عدم الضمان ، ولأنه لم يقبضها بالبيع الفاسد ولا

ص: 87


1- في « م » و« ي 1 » : بحصول.

بالسوم فكانت امانة ، وهو مذهب الشيخ والشهيد ، وقال في القواعد : ويحتمل ان تكون مضمونة ، لأنه قبضه على انه عوض ماله ، واختاره فخر الدين ، أما لو دفع إليه أزيد من الدينار ليزنه في وقت آخر كانت الزيادة أمانة قطعا.

قال رحمه اللّه : روي جواز ابتياع درهم بدرهم ، مع اشتراط صياغة خاتم ، وهل يتعدى الحكم؟ الأشبه لا.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضل ، عن أبي الصباح الكناني ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وابدلك درهما طازجا بدرهم غلة ، قال : لا بأس » (1). والبحث هنا في موضعين :

الأول : في جواز بيع الدرهم بالدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، وجوّزه الشيخ في النهاية ، لهذه الرواية ، وهي كما تراها ليست دالة على البيع ، بل جعل ابدال الدرهم بالدرهم شرطا في العمل وهو جائز إذا اشترطه الصائغ على صاحب الخاتم مع استحقاقه لأجرة الصياغة.

ومنع العلامة العمل بما قاله الشيخ في النهاية ، ولأنه باع المثل بالمثل واشترط زيادة وهو غير جائز ، إذ لا فرق بين الزيادة الحكمية والعينية.

الثاني : في تعدية هذا الحكم على القول بجوازه ، كما لو باع درهما بدرهم واشترط صياغة سوار وخياطة ثوب أو غير ذلك ، أو يتعدى الى الثمن والمثمن ، كما لو باع دينارا بدينار واشترط العمل ، أو عشرة دراهم بعشرة دراهم ثمَّ اشترط العمل ، فنقول : على الجواز يحتمل التعدية ، لأن الزيادة المذكورة ان أوجبت الربا لزم التحريم في الجميع ، وان لم توجبه جاز في الجميع ، ويحتمل عدم التعدية اقتصارا على مورد النص ، إذ لو لا النص في الأول لما جاز العمل به

ص: 88


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 أبواب الصرف ، حديث 1.

فيقتصر عليه ، وترك العمل بهذه الرواية أحوط.

تنبيه : قوله : ( في الرواية درهما طازجا بدرهم غلة ) الطازجة بالطاء غير المعجمة والزاي المعجمة والجيم ، الدراهم البيض الجيدة ، والدراهم الغلة هي المكسرة ، فيكون قد شرط له ان يعطيه درهما أيضا جيدا فيأخذ منه درهما مكسورا على ان يصوغ له خاتما.

قال رحمه اللّه : وان بيعت بجنس الحلية ، قيل : يجعل معها شي ء من المتاع ، ويباع بزيادة عما فيها تقريبا ، دفعا لضرر النزاع.

أقول : اما مع العلم بمقدار الحلية ، فإن باع بالجنس فلا بد من زيادة تقابل الفضل ، وان باع بغير الجنس باع كيف شاء ، واما مع الجهل بمقدار الحلية ، قال الشيخ في النهاية : يجعل معها شيئا من المتاع ويباع بزيادة عما فيها ، ولعله سهو القلم ، لأن الضميمة يجب ان تكون الى الثمن ليسلم من الربا يقينا ، ولعله أراد ذلك أو أراد مع الضميمة ( يكثر المثمن ) (1) فيكثر الثمن ، فزيد على قدر الحلية زيادة تقابل الفضل وان قلّت الزيادة ، وان أراد ان يبيع الحلية منفردة غير جائز ، لجهالتها فيضم إليها المحل أو غيره ، وهذه التأويلات كلها متعسفة.

قال رحمه اللّه : لو باع ثوبا بعشرين درهما ، من صرف العشرين بالدينار ، لا يصح لجهالته.

أقول : إطلاق عدم الصحة غير جائز ، بل هو مقيد بتعدد الصرف بالسعر المذكور أو مع جهله ، أما لو اتحد الصرف في نوع واحد من الدراهم بالسعر المذكور وهما يعلمانه حالة العقد صح البيع ، والمصنف رحمه اللّه تبع إطلاق الشيخ في المبسوط ، لأنه قال فيه : لو اشترى ثوبا بعشرين درهما من صرف عشرين

ص: 89


1- في « ر 2 » : بكثرة الثمن.

درهما بدينار لم يصح الشراء ، لأن الثمن غير معين ولا موصوف بصفة صيرها (1) معلوما ، والمعتمد التفصيل الذي ذكرناه.

قال رحمه اللّه : لو باع مائة درهم بدينار الا درهما لم يصح لجهالته. وكذا ذلك ثمنا لما لا ربا فيه ، ولو قدر قيمة الدرهم من الدينار جاز لارتفاع الجهالة.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط لجهالة الثمن ، لأنه لا يدري كم حصة الدرهم من الدينار الا بالتقويم ، والرجوع الى أهل الخبرة ، فيكون مجهولا حالة العقد.

والتحقيق : ان كان الثمن والمثمن ربويين ، وكانا يعلمان نسبة المستثنى من (2) المستثنى منه حالة العقد صبح البيع ، وان كان أحدهما غير ربوي وكان البيع نقدا فالحكم كذلك ، وان كان سلفا فان شرطا استثناء الدرهم المتعامل به وقت العقد ، أو أطلقا فكالأول أيضا يصح مع العلم بنسبة المستثنى من المستثنى منه ، ويبطل مع الجهل ، وان شرطا استثناء الدرهم المتعامل به وقت الحلول بطل البيع للجهالة ، ولقول علي عليه السلام : « لعل الدينار يصير بدرهم » (3).

ص: 90


1- كذا.
2- في « ر 2 » : ( و) بدل ( من ).
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 23 ، أحكام العقود ، حديث 2.

في بيع الثمار

اشارة

قال رحمه اللّه : فأما النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاما ، وفي جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد ، والمروي الجواز.

أقول : أما عدم الجواز قبل ظهورها عاما واحدا فهو إجماع والمشهور عدم الجواز أزيد من عام أيضا ، وادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، قال : وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنون انها يجوز بيعها سنتين وان كانت فارغة وقت العقد. والمعتمد عدم الجواز قبل ظهورها مطلقا ، لأنه بيع عين مجهولة معدومة ، فلا يصح العقد كغيرها من المجهولات.

وقال محمد بن بابويه في المقنع بالجواز ، لرواية يعقوب بن شعيب (1) ، وحملت على ظهور الثمرة قبل تأبيرها ، واحتمل ابن إدريس جواز بيعها قبل ظهورها عاما واحدا منضمة إلى غيرها ، قال : فان قيل هذا غرر ، قلت : الشي ء المنضم يخرجه عن كونه غررا ، ثمَّ قال : والذي اعتمد عليه واعمل فيه وافتي به : انه لا يصح بيعها قبل ان تطلع ومعها شي ء آخر ، وهذا هو المعتمد.

ص: 91


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 ، بيع الثمار ، حديث 8.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز بيعها قبل بدو الصلاح عاما ، إلا أن يضم إليها ما يجوز بيعه ، أو يشترط القطع أو عامين فصاعدا ، ولو بيعت عاما من دون الشروط الثلاثة ، قيل : لا يصح ، وقيل : يكره وقيل يراعى السلامة ، والأول أظهر.

أقول : لا خلاف في جواز بيعها مع احد الشروط ، وبدونها فيه ثلاثة أقوال :

الأول : الجواز على كراهية ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب والاستبصار ، وبه قال المفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ولرواية الحلبي (2) ، عن الصادق عليه السلام.

الثاني : البطلان ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال الصدوق وابن الجنيد وابن حمزة ، والدليل الروايات (3).

الثالث : قال سلار : يجوز البيع ويكون مراعى ، فان سلمت الثمرة فهي للمشتري ، وللبائع الثمن ، وان خاست كان الحاصل منها للبائع ، ويرجع به المشتري ، ودليله الجمع بين القولين.

تنبيه : قال العلامة في القواعد : ( ولو بيعت على مالك الأصل أو باع الأصل واستثنى الثمرة فلا شرط إجماعا ).

مراده : إذا كانت الثمرة له والأصل لغيره ، فباع الثمرة بعد ظهورها وقبل بدو صلاحها على مالك الأصل صح البيع ، ولا يشترط ان يضم إليها أحد الشروط

ص: 92


1- البقرة : 275.
2- الوسائل : كتاب التجارة ، باب 1 ، بيع الثمار ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 1 و2 ، بيع الثمار.

الثلاثة المتقدمة ، ووجه الصحة أنه كالجمع بين الأصل والثمرة في عقد واحد.

وقال في التحرير : ( لا فرق عندنا بين بيعها على مالك الأصل والأجنبي ).

أراد : كما لا يجوز بيعها على الأجنبي لا يجوز على مالك الأصل ) ، فقد خالف ما قاله في القواعد ، مع انه لم يتردد في أحد القولين ، بل ادعى الإجماع على مذهب القواعد ، ومذهبه في التحرير هو المعتمد ، لعدم وقوع العقد على الجميع ، فلا تكون منضمة الى الأصل ، فلا فرق حينئذ بينه وبين مالك الأصل للمساواة في عدم الضميمة ، فيتساويان في الحكم من غير فرق لعدم حصول الفارق.

قال رحمه اللّه : ولو أدركت بعض ثمرة البستان ، جاز بيع ثمرته أجمع ، ولو أدركت ثمرة بستان ، لم يجز بيع ثمرة بستان آخر ولو ضم اليه ، وفيه تردّد.

أقول : هذا تفريع على اشتراط بدو الصلاح ومنشأ التردد ، من ان لكل بستان حكم نفسه ، فكما لا يصح بيعه منفردا لا يصح بيعه منضما ، ولما رواه عمار (1) ، عن الصادق عليه السلام ، ومن الإجماع على جواز بيع ما لم يبد صلاحه منضما الى غيره ، ولا شك في جواز بيع ما بدا صلاحه ، فيجوز ضم ما لم يبد صلاحه إليه ، لرواية إسماعيل بن الفضل (2) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : اما الأشجار : فلا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها ، وحدّه أن ينعقد الحب ، ولا يشترط زيادة على ذلك ، على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : بدو الصلاح يختلف ، فان كانت الثمرة مما تحمر وتسود أو تصفر ، فبدو الصلاح منها حصول هذه الألوان ، وان كانت مما تبيض فبأن تنمو ، وهو ان ينمو فيه الماء الحلو ويصفو لونه ، وان كان مما لا يتلون

ص: 93


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 ، بيع الثمار ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 2 ، بيع الثمار ، حديث 5.

كالتفاح ، فبأن يحلو ويطيب اكله ، وان كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج (1) ، قال : وقد روى أصحابنا ان التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة.

فأما ما يورد فبدو صلاحه ان ينتثر الورد وينعقد ، وفي الكرم ان ينعقد الحصرم (2). وهذا هو المشهور عند المتأخرين.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز بيعها بسنتين فصاعدا قبل ظهورها؟ قيل : نعم ، والأولى المنع لتحقق الجهالة ، وكذا لو ضم إليها شيئا قبل انعقادها.

أقول : الخلاف في ثمرة الأشجار كالخلاف في ثمرة النخل وقد سبق (3).

قال رحمه اللّه : ولو كان بعد القبض وهو التخلية لم يرجع على البائع بشي ء ، وهو الأشبه.

أقول : هذا هو المعتمد ، لأن حكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري ، وقوى الشيخ انفساخ البيع في قدر التالف ورجوع المشتري بنسبته من الثمن.

قال رحمه اللّه : ويجوز بيع الثمرة على أصولها بالأثمان والعروض. ولا يجوز بيعها بثمرة منها ، وهو المزابنة ، وقيل : بل هي بيع الثمرة في النخل بثمر ولو كان على الأرض ، وهل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه؟ قيل : لا ، لأنه لا يؤمن الربا ، وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منها ، وهو المحاقلة ، وقيل : بل هي بيع السنبل بحب من جنسه كيف كان ، ولو موضوعا على الأرض ، وهو الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في المزابنة ، وهي محرمة إجماعا ، وفي تفسيرها خلاف ، قال الشيخ في النهاية : المزابنة بيع الثمرة في رؤوس النخل بالثمر من ذلك النخل ، وذهب في

ص: 94


1- في « ر 2 » : النضيح.
2- راجع المبسوط 2 : 114 ، والرواية في الكافي 5 : 175 - 3.
3- ص 93.

الخلاف الى تحريم بيعها بالتمر مطلقا ، سواء اتحد الثمن والمثمن (1) أو اختلفا (2) ، وهو مذهب المفيد واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد حذرا من الربا.

احتج على مذهبه في النهاية بأصالة الصحة ، وبالآية (3) ، وفي الطرفين روايات (4).

الثانية : في تعدية التحريم الى غير ثمرة النخل من شجر الفواكه بحث (5) ، لا يجوز بيع ثمرة شجرة بثمر منها أو ثمر من مثلها على الخلاف ، يحتمل التعدية ، فإنه بيع احد المماثلين بالآخر وحينئذ لا يتساويان ويلزم الربا.

ومن حيث ان الربا انما يكون في المكيلين أو الموزونين ، وهاهنا ليس كذلك ، لأن الثمرة على رأس الشجرة لا يشترط في بيعها الكيل ولا الوزن فلا ربا حينئذ ، وذهب المصنف والعلامة إلى التحريم.

الثالثة : في المحاقلة ، ولا خلاف في تحريمها ، وانما الخلاف في تفسيرها كالخلاف في تفسير المزابنة ، والمعتمد التحريم مطلقا ، سواء اتحد الثمن والمثمن أو اختلفا إذا كان من الجنس.

قال رحمه اللّه : يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا ، والعرية هي النخلة تكون في دار الإنسان ، قال أهل اللغة : أو في بستانه وهو حسن ، وهل يجوز بيعها بخرصها من تمرها؟ الأظهر لا.

ص: 95


1- لم ترد في « ر 2 ».
2- في « ر 2 » : ( اختلف ) بدل ( اختلفا )
3- « وأحل اللّه البيع » البقرة : 275.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 ، بيع الثمار.
5- في بعض النسخ : ( بحيث ).

أقول : أجمع الأصحاب على استثناء العرية من المزابنة ، واختلفوا في محلها بعد اتفاقهم على انها النخلة ، قال الشيخ في المبسوط : العرايا جمع عرية ، وهي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها ، ومثله قوله في الخلاف ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ووافقهم ابن البراج في المهذب ، وفي الكامل ، قال : هي النخلة تكون في دار الإنسان لغيره.

والمعتمد الأول ، لنص أهل اللغة عليه ، ولاشتراك الموضعين في الحاجة الداعية المشروعة ، وهي كراهة صاحب الدار دخول مالك النخلة إلى داره ، وهذه العلة حاصلة في ملك البستان ، ويحتمل الاختصاص بالدار لرواية السكوني (1) المخصصة بكونها في الدار.

وهل يجوز بيعها بثمرة منها؟ ظاهر ابن حمزة تحريمه والا لزم اتحاد الثمن والمثمن وهو غير جائز ، ويحتمل الجواز ، لإطلاق الإذن به ، ولوجود المقتضي وهو الرخصة ، والمعتمد عدم الجواز ان شرطه في العقد ، وان لم يشرطه وصبر عليه الى صيرورته ثمرا ، جاز دفع الثمن من ثمرها ، واما العقد فيجب ان يكون حالا.

فروع :

الأول : لا فرق في جواز البيع على مالك الدار أو مستأجرها ومالك البستان ومشتري ثمرته ، للاشتراك في العلة وهي التضرر بدخول الغير.

الثاني : لو أجاز أحد هؤلاء البيع على الغير ، احتمل الجواز لوجود المقتضي للإباحة - وهو دفع ضرر المالك بدخول الغير داره - إذ التقدير عدم تضرره عرض بدخول من اجازه ، ويحتمل العدم ، لعموم تحريم المزابنة خرج منها بيع العرية على أحد هؤلاء ، يبقى الباقي على المنع.

ص: 96


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 بيع الثمار ، حديث 1.

الثالث : لو تعددت العرايا في الدار الواحدة وتعددت الملّاك بتعدد العرايا جاز شراء الجميع ، ولو اتحد المالك لم يجز للاقتصار على مورد النص (1).

الرابع : هذا البيع رخصة لوجود المقتضي للمنع وهو تحريم المزابنة ، فلو نذر ان لا يفعل رخصة حنث بإيقاعه ، ولو نذر ان يفعل رخصة بر (2) بفعله.

قال رحمه اللّه : لو قال : ( بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء بسواء ) لم يصح ولو تساويا عند الاعتبار إلا أن يكونا عارفين بقدرهما وقت الابتياع ، وقيل : يجوز وان لم يعلما ، فان تساويا عند الاعتبار صح وإلا بطل. ولو كانتا من جنسين جاز إن تساوتا وان تفاوتتا ولم يتمانعا بأن بذل صاحب الزيادة أو قنع صاحب النقيصة وإلا فسخ البيع ، والأشبه انه لا يصح على تقدير الجهالة وقت الابتياع.

أقول : القائل بالجواز - مع عدم العلم حالة العقد إذا تساويا عند الاعتبار مع اتحاد الجنس ، ومع الاختلاف والتفاوت إذا لم يتمانعا - هو الشيخ رحمه اللّه ، وهو بناء على الاكتفاء بالمشاهدة فيما يكال أو يوزن ، والتمانع أشار إليه المصنف ، وهو ان لا يقنع صاحب النقيصة ولا يبذل صاحب الزيادة ، وعدم التمانع عكسه.

ص: 97


1- وهي رواية السكوني المتقدّمة.
2- في « ر 2 » : برء.

ص: 98

في بيع الحيوان

اشارة

قال رحمه اللّه : ويملك اللقيط من دار الحرب ، ولا يملك من دار الإسلام ، ولو بلغ فأقرّ بالرقية ، قيل : لا يقبل ، وقيل : يقبل ، وهو الأشبه.

أقول : قال ابن إدريس : لا يقبل إقراره عند محصلي أصحابنا ، لأن الشارع حكم عليه بالحرمة ، والمشهور القبول ، لقوله عليه السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » ، وحكم الشارع بالحرية بناء على الأصل ما لم يعرف (1) بالعبودية ، ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهولين ، فلو جاء رجل مجهول النسب فأقر على نفسه بالعبودية قبل منه.

تنبيه : المراد بدار الإسلام التي يحكم بحرية لقيطها وإسلامه : هي ما ينفذ فيها حكم الإسلام ولا يكون فيها كافر الا معاهدا. والمراد بدار الكفر : هي التي ينفذ فيها احكام الكفار ولا يكون فيها مسلم الا مسالما لأهلها ، ولقيطها محكوم بكفره ورقة الا ان يكون فيها مسلم ولو تاجرا إذا كان مقيما ، وكذا لو كان أسيرا أو محبوسا ، ولا يكفي مرور المسلمين فيها من غير اقامة ، ولو كانت الدار للمسلمين

ص: 99


1- في « ر 1 » : يعترف.

فاستولى عليها الكفار فهي كدار الكفار الا ان يعلم فيها مسلم.

قال رحمه اللّه : وهل يملك هؤلاء من الرضاع؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشهر.

أقول : القول بمساواة الرضاع للنسب قول الشيخ في النهاية والخلاف ، وهو اختيار ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وفخر الدين ، لرواية عبد اللّه بن سنان في الصحيح ، « قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام بحضوري عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته ، هل يحل لها بيع؟ قال : لا وهو ابنها من الرضاع حرم عليها بيعه وأكل ثمنه ، ثمَّ قال عليه السلام : أليس قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟! » (1).

والقول بعدم المساواة وجواز البيع قول المفيد في المقنعة وسلار وابن أبي عقيل وابن إدريس ، لأصالة بقاء الرق ، ولهم عليه احاديث (2).

قال رحمه اللّه : إذا حدث في الحيوان عيب ، بعد العقد وقبل القبض ، كان المشتري بالخيار بين رده وإمساكه ، وفي الأرش تردّد.

أقول : قد سبق البحث في باب القبض إذ لا فرق بين الحيوان وغيره هنا.

قال رحمه اللّه : ولو قبضه ثمَّ تلف ، أو حدث فيه عيب في الثلاثة ، كان من مال البائع ، ما لم يحدث فيه المشتري حدثا ، ولو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري ، لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد ، وهل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردد ، والظاهر لا.

أقول : انما كان تلفه بعد القبض من مال البائع ، وحكم القبض انتقال الضمان إلى المشتري ، لأنه تلف في مدة خيار المشتري ، فيكون تلفه ممن ليس له خيار ،

ص: 100


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 8 ، حديث 3 مع اختلاف يسير.
2- المصدر ، حديث 1 ، 2 ، وغيرهما فلاحظ.

ومنشأ التردد في جواز أخذ أرش العيب من ان الجملة مضمونة عليه ، وضمان الجملة يستلزم ضمان الأبعاض ، ومن أصالة عدم وجوب الأرش فيتخير المشتري بين الرد والإمساك مجانا ، وبالجملة الإشكال كالإشكال في تعينه قبل القبض ، وقد سبق (1).

قال رحمه اللّه : وإذا باع الحامل فالولد للبائع على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن البيع تعلق بالأم فلا يتناول الحمل ، لعدم دلالة اللفظ عليه ، والأصل بقاء الملك على المالك.

وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج في المذهب : وإذا باع دابة أو أمة حاملا واستثنى الحمل لنفسه لم يجز ، وهو بناء على ان الحمل جزء من الحامل ، فهو كعضو من أعضائها ، فكما لا يصح استثناء العضو لا يصح استثناء الحمل.

وقال ابن حمزة : يكون للمشتري الا ان يستثنيه البائع.

ويتفرع على مذهب الشيخ في المبسوط انه لو باع الجارية الحامل بحر لم يصح البيع ، لأن الحر لا يدخل في البيع فيكون مستثنى ، وهو لا يصح استثناؤه ، فيبطل البيع.

قال رحمه اللّه : ولو باع واستثنى الرأس والجلد صح ، ويكون شريكا بقدر قيمة ثنياه من دار الحرب على رواية السكوني. وكذا لو اشترك اثنان أو جماعة ، وشرط أحدهم لنفسه الرأس أو الجلد ، كان شريكا بنسبة ماله.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : الصحة ، ويكون شريكا بقيمة ثنياه ، فيقال : كم قيمة هذا الحيوان لو بيع جميعه؟ فاذا قيل : عشرة مثلا ، قيل : وكم قيمته منزوع الرأس والجلد؟

ص: 101


1- ص 38.

فاذا قيل تسعة مثلا صار البائع شريكا بالعشر ، لأنه أخذ قيمة تسعة أعشاره وبقي له عشرة ويلغو التعيين ، وهو قول الشيخ في النهاية وفي المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن البراج.

الثاني : صحة البيع والشرط معا ، وهو مذهب السيد والمفيد وسلار وابن الجنيد وابن إدريس ، لأنه استثنى معلوما من معلوم فلا مانع من صحته.

الثالث : بطلان البيع الا ان يكون الحيوان مذبوحا أو المقصود منه الذبح ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد.

وأما وجه البطلان مع عدم الشرطين فلا فضائه الى الضرر والتنازع ، لأن المشتري قد يختار تبقية هذا الحيوان ، وهو يؤدي الى عدم انتفاع البائع بحقه ، وان اختار البائع ذبحه ليتوصل الى حقه كان فيه منع المشتري من التصرف بماله بما يختار من التصرفات ، وربما كان التبقية أنفع له من الذبح ، فيؤدي إلى التنازع.

وأما وجه الصحة مع الشرطين ، لأنه استثناء المعلوم ولا غرر فيه ولا ضرر ، فكان جائزا.

فرع : لو استثنى رطلا معلوما من اللحم ، ظاهر سلار جوازه ، وقال ابن الجنيد لا يجوز ، لأن مواضع اللحم تتفاضل بالجودة وعدمها ، فان عين المكان بما لا يختلط بغيره جاز ، واستحسنه العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ( الربح لنا ولا خسران عليك ) ، فيه تردد ، والمروي الجواز.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر الدروس ، لأنه شرط سائغ فيجب الوفاء به ، لقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ولعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (2) ، ولما

ص: 102


1- تقدم ص 44.
2- البقرة : 275.

رواه رفاعة (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومنع ابن إدريس من صحة هذا الشرط ، ونسب قول الشيخ الى عدم الوضوح وعدم الاستقامة ، لأن الخسران على رؤوس الأموال بلا خلاف ، فاذا شرط على احد الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة ، وقواه العلامة في التحرير ، ( واختاره العلامة في القواعد ) ، وأبطله في المختلف.

قال رحمه اللّه : ويكره وطي من ولدت من الزنا بالملك والعقد ، على الأظهر.

أقول : منع ابن إدريس من ذلك بناء على كفرها ، لأنه يقول بكفر ولد الزنا ، والمشهور الإباحة على كراهية.

أما الإباحة ، فلعموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (2) وأما الكراهة فلما رواه أبو خديجة ، قال : « سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لا يطيب ولد الزنا ابدا » (3).

قال رحمه اللّه : العبد لا يملك ، وقيل : يملك فاضل الضريبة ، وهو المروي ، وأرش الجناية على قول ، ولو قيل : يملك مطلقا ، لكنه محجوز عليه بالرق حتى يأذن المولى ، كان حسنا.

أقول : نفي الملك عن العبد مطلقا مذهب ابن إدريس والمصنف في المختصر ، واختاره العلامة وابنه ( فخر الدين ) (4) وأبو العباس ، وهو المعتمد ،

ص: 103


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 14 بيع الحيوان ، حديث 1.
2- النساء : 4.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 96 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 8.
4- كذا في هامش بعض النسخ.

لأنه مملوك ، والمملوك لا يكون مالكا ولقوله تعالى ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ ) (1).

وقال الشيخ : يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملكه المولى ، لما رواه زرارة في الصحيح (2) ، عن الباقر عليه السلام ، وقال الصدوق وابن الجنيد : يملك لا مستقرا ، بل للسيد منعه من التصرف.

قال رحمه اللّه : من اشترى عبدا ، كان ماله لمولاه ، إلا أن يشترطه المشتري ، وقيل : إن لم يعلم به البائع فهو له ، وان علم فهو للمشتري ، والأول أشهر.

أقول : التفصيل مذهب ابن البراج في المذهب ، وقال ابن الجنيد : ان علم البائع وسلمه مع العبد فهو للمشتري ، والا فهو للبائع ، والأول هو المشهور ، لأن البيع انما يتناول رقبة العبد فلا يدخل ماله إلا مع الشرط ، فاذا اشترطه المشتري دخل.

وهل يشترط ان يكون الثمن أزيد من ماله ليسلم من الربا؟ قال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار : إذا اشترط المبتاع كان له ، سواء كان أكثر من ثمنه أو أقل ، وأطلقوا من غير تفصيل بين الربوي وغيره ، وفصل ابن الجنيد ، قال : ان كان الثمن وماله ربويين لا بد من زيادة عن ماله تقابل العبد ، وان كان أحدهما غير ربوي لم يشترط الزيادة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، لأنه قال فيه : لو كان مع العبد مائة درهم وباعه بمائة درهم لم يصح ، ولو باعه بمائة ودرهم صح ، واختاره العلامة تفصيا من الربا ، وأطلق الجميع القول في ذلك.

وفصل الشهيد ، قال : ولو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ولا

ص: 104


1- النحل : 16.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 24 ، حديث 1.

التفصي من الربا ان قلنا : انه يملك ، وان أحلنا ذلك اشترط (1) ، وهذا التفصيل صحيح على مذهب المبسوط والقواعد ؛ لأن مذهبهما على القول بأن العبد يملك يكون اشترط المشتري للمال إبقاء له على ملك العبد ولا يملكه المشتري ، فعلى هذا لا يكون جزءا من المبيع ، فلا يجري فيه الربا ، ولا يشترط فيه العلم.

قال في المبسوط : وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمس مائة صح البيع على قول من يقول انه يملك ، ولو باع ألفا بخمس مائة لم يصح ، والفرق بينهما انه إذا باع العبد انما يتبع رقبته مع بقاء ملكه عليه فيصح ذلك ، وفي القواعد : ولا يتناول ماله الذي يملكه مولاه الا ان يستثنيه المشتري ان قلنا ان العبد يملك وينتقل إلى المشتري مع العبد ، وكان جعله للمشتري إبقاء له على العبد ، فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا ، فقد عرفت ان مذهب المبسوط والقواعد ، عدم انتقال مال العبد ، الى ملك المشتري وان اشترطه ، بل فائدة الشرط بقاؤه على ملك العبد.

قال رحمه اللّه : ولو قال اشترني ولك عليّ كذا ، لم يلزمه وان اشتراه ، وقيل : إن كان له مال حين قال ، ألزم وإلا فلا ، وهو المروي.

أقول : الأول هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن العبد لا يملك شيئا ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية ، لرواية وردت عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2).

قال رحمه اللّه : التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم ، محرّمة ، وقيل : مكروه ، وهو الأظهر. والاستغناء يحصل ببلوغ سبع سنين. وقيل : يكفي استغناؤه عن الرضاع ، والأول أظهر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في تحريم التفرقة أو كراهتها ، وبالتحريم قال الشيخ في باب بيع

ص: 105


1- في « ر 2 » : اشترطنا.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 9 من بيع الحيوان ، حديث 1 و3.

الحيوان من النهاية ، وبه قال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن الجنيد ، وطرد الحكم إلى الأخوة ، ودليلهم الروايات (1).

وحكم المفيد والشيخ في المبسوط والخلاف بفساد البيع ، وهو ظاهر الروايات (2) ، والكراهية مذهب الشيخ في باب العتق من النهاية ، وتبعه ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وأبو العباس في المقتصر ، لأن الناس مسلطون على أموالهم يتصرفون فيها حيث شاؤوا ، وحملت الروايات الواردة بالمنع على الكراهة.

الثاني : في الغاية التي يزول معها التحريم أو الكراهة ، والخلاف هنا مبني على الخلاف في مدة الحضانة ، والشيخ في النهاية يجعله مدة الحولين في الذكر وسبعا في الأنثى ، وتبعه ابن إدريس وابن حمزة. وابن الجنيد جعلها سبع سنين في الذكر والأنثى واختاره المصنف.

وقال المفيد : إنها مدة الحولين في الذكر وتسعا في الأنثى. وقال ابن البراج في المهذب : هي سبع في الذكر وتسع في الأنثى ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، لأن المقصود قيام الأم بالشفقة عليه وايناسه ، ولا يحصل الاستغناء عن ذلك بأقل من هذه المدة.

قال رحمه اللّه : من أولد ، ثمَّ ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك ، وعلى الواطئ عشر قيمتها ان كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيبا ، وقيل : يجب مهر أمثالها ، والأول مروي.

أقول : وجوب مهر المثل مذهب الشيخ وابن إدريس ، والتفصيل مذهب العلامة.

ص: 106


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 13 من بيع الحيوان.
2- نفس المصدر السابق.

قال رحمه اللّه : ويرجع على البائع بما اغترمه من قيمة الولد ، وهل يرجع بما اغترمه من مهر واجرة ، قيل : نعم ، لأن البائع أباحه بغير عوض وقيل : لا لحصول عوض في مقابلته.

أقول : عدم الرجوع مذهب ابن إدريس وهو بناء على ان المغرور إنما (1) يرجع على الغار بما لم يحصل له في مقابلته نفع كالعمارة والنفقة وقيمة الولد ، أما ما حصل له في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى وعوض البضع فلا ، والمعتمد الرجوع في الجميع ، لأنه دخل على اباحة هذه الأشياء بغير عوض ، فاذا غرم عوضها رجع به المغرور ، ولو كان المشتري عالما بالاستحقاق والتحريم ، فهو زان وولده رق ، ولا يرجع بشي ء إلا بالثمن مع بقاء عينه.

قال رحمه اللّه : ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام ، يجوز تملكه في حال الغيبة ووطي الأمة ، ويستوي في ذلك ما يسبيه المسلم وغيره ، وان كان فيها حق للإمام ، أو كانت للإمام.

أقول : كل سرية غزت بغير اذن الامام كانت غنيمتها له ، فعلى هذا يكون جميع ما يسبى في الغيبة له ، لعدم اذنه في ذلك ، ولا فرق بين سبي المسلمين أو الكفار ، وقد أباحوا لشيعتهم المناكح والمساكن في حال الغيبة ، لتطيب ولادتهم ، واما الذي فيه الخمس خاصة فهو ما أخذ من دار الحرب غيلة أو نهبا من غير قتال فهو لآخذه ، وعليه فيه الخمس لأربابه ، فيكون للإمام فيه حق ، فلا يجب إخراج حصة الإمام عليه السلام ولا حصة أرباب الخمس ، لعموم الاذن بإباحة الرقيق حال الغيبة ، ونازع ابن إدريس في ذلك ، ومنع من وطي ما يختص بالإمام.

تنبيه : إذا ثبت ان المسبي حالة الغيبة للإمام ، وانما أباح تملكه لشيعته

ص: 107


1- من « ر 2 ».

خاصة ، للعلة المذكورة ، ثبت ان المخالفين لا يملكون ما اختص بالإمام عليه السلام ، ولا يباح لهم ما كان شريكا فيه ، لعدم اباحته لهم ، لأنه مال الغير فيتوقف على تملكه واباحة التصرف فيه على اذن مالكه ، وهو لم يأذن لغير شيعته ، فلا يباح لغيرهم اقتصارا على اذن المالك.

وهل يملكون ما اشتروه من الشيعة؟ يحتمل ذلك ، لأن الشيعة ملكوه بالسبي أو بالشراء ، فاذا اشتراه المخالف منهم فقد ملكه ، لأنه اشتراه من مالك بعقد صحيح ناقل فيملكه.

ويحتمل العدم ، لأن سبب التحريم قبل الشراء من الشيعي كونه مخالفا لدين الشيعة ، وهذا السبب موجود بعد الشراء ، فيوجد المنع لوجود السبب ، لأن كل سبب مانع من شي ء لا يباح ذلك الشي ء مع ذلك السبب المانع من الإباحة ، والا لم يكن مانعا فيكون البيع باطلا ، لأن بيع الشي ء على من ليس يملكه بالشراء غير جائز ، هذا فيما كان جميعه للإمام.

اما ما كان له بعضه كالمغتال والمنتهب ، فان المخالف يملكه أربعة أخماسه وللإمام وأرباب الخمس الباقي ، فلا يجوز للمخالف الوطي قبل دفع الخمس إلى أربابه ودفع حصة الإمام الى من يقوم مقامه من فقهاء الشيعة ، لأنها قبل ذلك مشتركة ، والمشتركة لا يجوز وطؤها لأحد الشريكين وان اذن الآخر على الأقوى.

فعلى هذا التحرير يجوز للشيعي قهر المخالف على الرقيق المعلوم ان جميعه للإمام ، لكونه مباحا له محرم على المخالف ، ما لم يثر فتنة ، فلا يجوز حينئذ لتحريم إثارة الفتنة.

فرع : يحرم على الشيعي بيع الأمة على المخالف ، لما فيه من التسلط على الفروج المعصومة ، فيكون كالجامع بين اثنين للزنا ، بل أبلغ من ذلك لسقوط

ص: 108

اختيار الأمة بسبب فعل البائع ، فهو كالمكره لها على الزنا.

قال رحمه اللّه : إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري نسمة ، ويعتقها ، ويحج بباقي المال. فاشترى أباه ، ودفع إليه بقية المال يحج به. واختلف مولاه وورثة الآمر ومولى الأب فكل يقول اشترى بمالي. قيل : يرد الى مولاه رقا ، ثمَّ يحكم به لمن أقام البينة ، على رواية ابن أشيم وهو ضعيف ، وقيل : يرد على مولى المأذون ما لم يكن هناك بينة ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : رده الى مواليه رقا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، فمن أقام البينة بعد ذلك من ورثة الآمر ومولى المأذون أخذه ، وتبعه ابن البراج على ذلك لرواية موسى بن أشيم الدالة على هذا الحكم.

الثاني : كون المعتق رقا لمولى المأذون وبطلان عتقه ، لأن جميع ما في يد العبد فهو لسيده ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف هنا ، وبه قال العلامة.

الثالث : إمضاء ما فعله المأذون ، وهو الحكم بصحة البيع والعتق ، وهو مذهب المصنف في المختصر وقواه الشهيد ، ثمَّ اعترض بما فيه من طرح الرواية المشهورة.

وانما كان قول المختصر قويا ، لأن حكم المأذون حكم الوكيل فيقبل إقراره بما في يده ويمضي تصرفه فيه ، وظاهر الشهيد العمل على الرواية.

فرع : لو أقام كل واحد من الثلاثة بينة فان رجحنا بينة ذي اليد ، فالحكم لبينة مولى المأذون ، لأن ما في يد العبد في يد المولى ، وان قدمنا بينة الخارج أسقطنا بينة مولى المأذون ، وهل يقدم بينة دافع المال إلى المأذون أو بينة مولى الأب؟ يحتمل الأول ، لأن العمل ببينة الدافع يقتضي صحة البيع ، فيكون

ص: 109

الترجيح لها ، لأن العمل بما يقتضي الصحة أولى من العمل بما يقتضي الفساد ، ويحتمل الثاني ، لادعائه ما ينافي الأصل - وهو فساد البيع - فتكون بينته ناقلة وبينة الأول مقررة ، والناقلة أولى من المقررة.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى عبدا في الذمة ، ووضع البائع عبدين ، وقال : ( اختر أحدهما ) فأبق واحد. قيل : يرتجع نصف الثمن ، فان وجده اختاره ، وإلا كان الموجود لهما ، وهو بناء على انحصار حقه فيهما ، ولو قيل : التالف مضمون بقيمته وله المطالبة بالعبد الثابت بالذمة كان حسنا ، أما لو اشترى عبدا من عبدين ، لم يصح العقد ، وفيه قول موهوم.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا اشترى عبدا في الذمة. المسألة ، والقول بارتجاع نصف الثمن وكون الموجود لهما والتخيير مع وجود الآبق هو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لرواية محمد بن مسلم (1) ، وعن الباقر عليه السلام.

قال المصنف : وهو بناء على انحصار حقه فيهما ، لأنه مع انحصار حقه فيهما يكون شريكا للبائع ، وإذا ذهب من الشريك بعض مال الشركة من غير تفريط كان على جميع الشركاء ، ولو قيل : ان كان التالف مضمونا بقيمة وله المطالبة بالعبد الثابت في الذمة كان حسنا.

انما كان حسنا ، لأن المقبوض بالسوم مضمون ، والثابت في الذمة غير متعين ، فيضمن التالف ، لكونه مقبوضا بالسوم ، ويطالب بالثابت في الذمة ، فإن كانا متصفين بالصفات المذكورة في العقد اختار أحدهما ، فإن اختار التالف تهاترا ، وان اختار الموجود أخذه ودفع الى البائع قيمة التالف ، وان كانا غير متصفين بالصفات المذكورة في العقد ضمن الآبق ودفع اليه الموجود وطالب

ص: 110


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 16 من بيع الحيوان ، حديث 1.

بالموصوف بالصفات المذكورة في العقد ، وهذا هو المعتمد.

الثانية : إذا اشترى حر (1) عبدا من عبدين معينين على ان يختار أحدهما ، فالمشهور في هذه المسألة البطلان ، لعدم تعين المبيع عند المتبايعين حالة العقد ، وقال الشيخ في موضع من الخلاف بالجواز ، واستدل بإجماع الفرقة ، وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، وانما نسبه المصنف الى الوهم ، لأنه بيع مجهول ، والبيع المجهول لا يصح ، وحمل العلامة قول الشيخ على تساوي العبدين من كل وجه.

والمعتمد البطلان وان تساويا لعدم التعيين ، وهو شرط في صحة البيع المشاهد.

قال رحمه اللّه : إذا وطئ احد الشريكين مملوكة بينهما ، سقط الحد مع الشبهة ، ويثبت مع انتفائها ، لكن يسقط منه بقدر نصيب الواطئ ، ولا يقوّم عليه بنفس الوطي ، على الأصح ، فلو حملت ، قوّمت عليه حصص الشركاء ، وانعقد الولد حرا ، وعلى أبيه قيمة حصصهم يوم ولد.

أقول : لا خلاف في سقوط الحد مع الشبهة كما لو توهم حل المشتركة وثبوت مقدار نصيب الشركاء مع انتفاء الشبهة ، وانما الخلاف في حكمين :

الأول : هل تقوم بنفس الوطي أو لا تقوم الا مع الحمل؟ بالأول قال الشيخ في النهاية ، والمشهور عدم التقويم الا مع الحمل.

الثاني : هل تقوم بقيمتها العادلة يوم التقويم أو بأكثر الأمرين من القيمة يوم التقويم والثمن الذي اشتريت به؟ المشهور الأول ، وقال الشيخ بالثاني ،

ص: 111


1- من « ر 2 ».
2- تقدم ص 44.

لرواية عبد اللّه بن سنان (1) ، عن الصادق عليه السلام : « إذا حملت تعلق بها حكم أمهات الأولاد فتقوم عليه ، لأن الاستيلاد بمنزلة الإتلاف ، لتحريم بيعها ووجوب عتقها بموت سيدها ، ولا يدخل في ملكه بمجرد الحمل ، بل بالتقويم ودفع القيمة أو الضمان مع رضاء الشريك.

فروع :

الأول : قبل التقويم هي مشتركة لهم استخدامها وعليهم نفقتها ولهم كسبها.

الثاني : لو مات قبل التقويم أخذ القيمة من تركته ولا تحسب الجارية من التركة ، لأن الاستيلاد إتلاف ، فلو ضاقت التركة اختص الشركاء بالجارية ، لأنها تباع بثمن رقبتها ، فان فضل منها شي ء عن حصص الشركاء كان الباقي للغرماء.

الثالث : انما يجب عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا إذا لم تقوم عليه وهي حامل ، فاذا قومت عليه قبل الولادة صارت ملكه ، فلا يجب عليه قيمة الولد ، وإذا لم تقوم حاملا كانت عليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا ، ويسقط عنه قدر نصيبه منه ، وتقوم الأم حينئذ بأعلى القيم من حين الإحبال إلى حين التقويم ، ويسقط قدر نصيبه.

الرابع : لو كانت بكرا وجب عليه أرش البكارة ، وان كانت ثيبا وجب عليه المهر إذا كانت جاهلة أو مكرهة ، لا مع العلم أو المطاوعة.

الخامس : لو سقط الولد ميتالم يلزمه شي ء.

السادس : لو سقط بجناية جان لزم الجاني دية جنين حر (2) للأب ، وعلى الأب لشركائه دية جنين الأمة عشر قيمة أمه إلا قدر نصيبه ، ويحتمل ان لا يجب

ص: 112


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 17 من بيع الحيوان ، حديث 1.
2- في « ر 2 » : حتى.

على الأب شي ء للشركاء ، لأنهم قالوا : ( وعليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا ) ، والمعتمد الأول ، لأن وجوب الدية على القاتل يقوم مقام سقوطه حيا.

قال رحمه اللّه : المملوكان المأذون لهما ، إذا ابتاع كل منهما صاحبه من مولاه حكم بعقد السابق ، فإن اتفقا في وقت واحد ، بطل العقدان. وفي رواية يقرع بينهما ، وفي أخرى : تذرع الطريق ويحكم للأقرب ، والأول أظهر.

أقول : لا يخلو الحال من ثلاثة وجوه : اما ان يعلم السبق أو الاقتران أو يجهل الحال :

الأول : ان يعلم سبق أحدهما فيصح عقد السابق ويبطل عقد المتأخر ، لبطلان تصرفه بخروجه عن ملك مولاه.

الثاني : ان يعلم الاقتران ، وفيه ثلاثة أقوال.

« أ » : بطلان العقدين معا ، لتدافعهما ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف.

« ب » : يقرع بينهما ، وهو اختيار الشيخ وابن البراج ، لأنه أمر مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة (1).

« ج » : قول العلامة في المختلف والقواعد ، وهو ان كانا وكيلين صح العقدان ، وان كانا مأذونين كان العقدان موقوفين على الإجازة ، لأن كل واحد بطل اذنه ببيع مولاه فاذا اشترى الآخر صار كالفضولي ، فيكون عقده موقوفا ، يصح مع الإجازة ويبطل مع الرد.

الثالث : ان يشتبه الحال بمعنى عدم العلم بالسبق والاقتران ، وفيه قولان :

أحدهما : تمسح الطريق من موضع افتراقهما الى موضع سيدهما مع تساويهما بالقوة ويحكم للأقرب منهما ، ومع تساوي الطريقين يقرع ، وهو قول

ص: 113


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 18 بيع الحيوان ، حديث 1.

الشيخ في الاستبصار ، لما رواه الشيخ (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام.

والآخر البطلان ، ولجواز سبق ذي الطريق البعيدة لسرعة سعيه ، وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح ، كان له ردها على البائع ، ولو مات أحد من ورثته ، ولو لم يخلف وارثا استسعت في ثمنها ، وقيل : تكون بمنزلة اللقطة ، ولو قيل : تسلم الى الحاكم ولا تستسعى كان أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : ردها على البائع وأخذ الثمن منه ، فان مات فعلى ورثته ومع عدم الورثة يستسعى ، وهو قول الشيخ والقاضي عبد العزيز بن البراج ، والمستند رواية مسكين السمان (2).

الثاني : يكون بمنزلة اللقطة ، وهو قول ابن إدريس ، لعدم جواز دفعها الى البائع وهو يعلم انه غير مالكها ، ولا يجوز استسعاؤها وهي مملوكة الغير ، فما بقي إلا ردها الى مالكها ان عرفه ، والا عرفها كاللقطة ، أو دفعها الى حاكم المسلمين ، ويجتهد على ردها ممن سرقت منه ، لأنه الناظر في مثل ذلك.

الثالث : قول المصنف وهو ان يدفعها الى حاكم المسلمين ابتداء ولا يجوز التصرف بغير ذلك ، لأنها مال الغائب ، فيكون وليه الحاكم ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، وأما حكم الثمن ، فان كان المشتري عالما بالحال فلا رجوع مع ذهاب عينه ، وان كان جاهلا رجع به ، فان تعذر سقط ولا يجوز استسعاؤها ، لأنها مملوكة الغير ، ونفقة الجارية من كسبها ان كانت ذات كسب ، والا فمن بيت مال المسلمين.

ص: 114


1- التهذيب ، 7 : 72 ، حديث 310.
2- الوسائل ، كتاب التجارة باب 23 من بيع الحيوان ، حديث 1.

في السلف

قال رحمه اللّه : وهل ينعقد البيع بلفظ السلم ، كأن يقول : أسلمت إليك هذا الكتاب بهذا الدينار؟ الأشبه نعم ، اعتبارا بقصد المتعاقدين.

أقول : يحتمل الانعقاد ؛ لأن السلم نوع من البيع فيجوز استعماله في الجنس مجازا تبعا للقصد ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، ويحتمل العدم لعدم انتقال الملك الا بما جعله الشارع ناقلا ، ولم يثبت ان الشارع جعل هذا اللفظ ناقلا لغير هذا النوع المخصوص به ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى عدم جواز استعمال السلم إلا مع ذكر الأجل.

قال رحمه اللّه : ولو شرط الأجود ، لم يصح لتعذره ، وكذا لو اشترط الأردأ ، فلو قيل في هذا بالجواز ، كان حسنا لإمكان التخلص.

أقول : أما عدم جواز اشتراط الأجود ؛ لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود منه فيحصل الجهالة لعدم الضبط ، وهذا لا خلاف في عدم جوازه ، وأما لو شرط الأردى فقد قال الشيخ : لا يصح للجهالة أيضا ؛ لأن الأردى لا يضبط بالوصف كالأجود. واستحسن المصنف الجواز لا مكان التخلص ؛ لأنه إذا دفع أجود من

ص: 115

المشترط وجب القبول فبأي صفة دفع كان أجود من المشترط ، والمعتمد البطلان.

قال رحمه اللّه : وفي الجلود تردد ، وقيل : يجوز مع المشاهدة وهو خروج عن السلم.

أقول : القول بالجواز مع المشاهدة قول الشيخ في النهاية وقول ابن البراج في الكامل ، وعدم الجواز مذهب ابن إدريس واختاره العلامة ؛ لأن الجلود لا يمكن ضبطها بالوصف لاختلاف خلقها.

واحتج المجوزون بأصالة الصحة ، وعموم الآية (1) ، ولهم عليه روايات (2) ، والعمل به ينافي حقيقة السلف ، لأنه بيع مضمون إلى أجل معلوم ، والمشاهد ليس كذلك.

قال رحمه اللّه : ويجوز في شاة معها ولدها : وقيل : لا يجوز ، لأن ذلك مما لا يوجد إلا نادرا ، وكذا التردد في جارية حامل لجهالة الحمل.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : في جواز الإسلاف في شاة معها ولدها ، والمراد ان يكون منفصلا عنها ، قال الشيخ : لا يجوز ، لعدم إمكان ضبط الولد بالوصف ، لإمكان ان لا تلد كذلك وهو مما يعز وجوده.

والجواز مذهب المصنف والعلامة وفخر الدين ، لأصالة الصحة ، وإمكان وجوده على الصفات المذكورة في العقد.

الثانية : في جواز الإسلاف في شاة حامل أو جارية كذلك ، قال الشيخ وابن الجنيد : انه مجهول لا يمكن ضبطه بالوصف ، والمعتمد الجواز ؛ لأن الحمل تابع لا يضر جهالته ، والا لما جاز بيع الحبلى نقدا ، فلو كانت جهالة الحمل مانعة منعت

ص: 116


1- البقرة : 275.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 4 من السلف ، حديث 7.

في الموضعين.

قال رحمه اللّه : وفي الإسلاف في جوز القز تردد.

أقول : منشؤه من ان القز فيه دود ان كان حيا أفسده ؛ لأنه يقرضه ويخرج ، وان كان ميتا فالميتة لا يجوز بيعها ، ومن ان الدود غير مقصود في البيع ، فلا فرق بين ان يكون حيا أو ميتا ؛ لأصالة الصحة ، ولا بد أن يشترط كونه طريا أو يابسا ، والأول مذهب الشيخ ، والثاني مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو شرط ان يكون من الثمن من دين عليه ، قيل : يبطل ، لأنه بيع دين بمثله ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف والشهيد في دروسه ، لما قاله المصنف : ( من انه بيع دين بمثله ) ، وقيل بالكراهة ، واختاره المصنف ، لأن ما في الذمة مقبوض وبيع الدين بالدين المنهي عنه عند المصنف هو ما كان في ذمتين غير ذمتي المتبايعين ، أما ما كان في ذمتي المتبايعين لا يكون بيع دين بدين ، واختاره العلامة في التحرير.

ولو لم يعينه من الدين بل جعله موصوفا في الذمة ثمَّ حاسبه بعد العقد في المجلس صح على ما اختاره في القواعد ، ويلزمه ان العقد وقع على دين بدين ، فيشكل صحته.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز الإسلاف في المعدود عدّا؟ الوجه لا.

أقول : عدم الجواز مذهب الشيخ ، والجواز مذهب ابن الجنيد ، وفصل العلامة ، قال : ان كان مما يتفاوت يسيرا كالجوز واللوز جاز وزنا وعددا ، وان كان يتفاوت كثيرا كالبطيخ والبيض والباذنجان لا يجوز إلا وزنا ، واختاره الشهيد ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اشتراه حالا ، قيل : يبطل ، وقيل : يصح ، وهو المروي.

ص: 117

أقول : قد تقدم (1) البحث في هذه ، ويكون بيعا بلفظ السلم.

قال رحمه اللّه : ولو قال الى شهرين فان كان في أول الشهر ، عد شهرين اهلة ، وان أوقع العقد في أثناء الشهر ، أتم من الثالث بمقدار الفائت من شهر العقد ، وقيل : يتم ثلاثين يوما ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : إتمام الناقص بقدر الفائت من شهر العقد ، فان كان وافيا أتمه ثلاثين ، وان كان ناقصا أتمه تسعة وعشرين ، وقواه الشيخ بحصول إتمام الشهر باستثناء ما فات منه.

الثاني : عد المنكسر ثلاثين سواء كان ناقصا أو تماما ، لأن الشهر اما عدة بين الهلالين أو ثلاثين يوما ، والأول قد تعذر ، فيتعين الثاني.

الثالث : عد الجميع ثلاثين ثلاثين ، لأن الأول قد انكسر ولا يعقل دخول الثاني حتى يكمل الأول ، فيجب ان يكون إكماله مما يليه فينكسر الثاني ، وهكذا فينكسر الجميع ، فيجب إتمام الجميع ثلاثين ثلاثين.

والعمل على الأوسط من الأقوال ، ويلفق اليوم إذا وقع العقد في أثنائه ، بأن يأخذ من يوم آخر بقدر ما فات من يوم العقد ، ولا عبرة بقصر اليوم وطوله للتسامح بمثل ذلك.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط ذكر موضع التسليم على الأشبه ، ولو كان في حمله مئونة.

أقول : اشترط الشيخ في المبسوط والخلاف ذكر موضع التسليم إذا كان في حمله مئونة ، ولم يشترط في النهاية غير ذكر الجنس والوصف والأجل ، وهو يدل على عدم اشتراط ذكر موضع التسليم ، ولم يشترطه ابن إدريس ، واختاره

ص: 118


1- ص 115.

المصنف ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الاشتراط ، ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (2) ، ولاقتضاء العقد التسليم في بلد العقد ، فلا يفتقر الى ذكر الموضع.

واحتج المشترطون بأن مع ذكر موضع التسليم يقطع بصحة العقد ، ومع عدمه لا دليل على صحته ، وقال العلامة : ان كان في برية أو بلد ليس قصدهما الاجتماع فيه ، وجب ذكر موضع التسليم ، لأنه لا يمكن التسليم في موضع العقد وليس أحد الأمكنة أولى من الآخر ، فاذا لم يذكر موضع التسليم أفضى إلى الجهالة والتنازع ، وان كان العقد في موضع هما مجتمعان فيه لم يجب ذكر موضع التسليم ، لاقتضاء العقد وجوبه في بلد العقد فلا يجب ذكره ، هذا مذهب العلامة في القواعد والمختلف ، وفي التحرير لم يشترطه وان كانا في برية ، فعلى هذا يجب التسليم في بلد البائع ، لأصالة البراءة ذمته من وجوب حمله الى غير بلده ، ولو اشترطه في موضع غير بلد العقد وجب اتباع الشرط ، ومذهب القواعد هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى كرا من طعام بمائة ثمَّ اشترط تأجيل خمسين ، بطل في الجميع على قول.

أقول : لا يجوز كون الثمن مؤجلا في السلف ، لعدم جواز بيع الدين بالدين ، فاذا اشترط تأجيل البعض احتمل البطلان في الجميع ، لجهالة ما يقابل المقبوض ، ويحتمل الصحة ثمَّ يوزع فيما بعد ، كما لو اشترى سلعتين بعقد واحد ثمَّ استحق أحدهما.

وعلى القول بالصحة والتقسيط يثبت الخيار لتبعيض الصفقة عليهما.

ص: 119


1- المائدة : 1.
2- البقرة : 275.

قال رحمه اللّه : ولو دفع خمسين ، وشرط الباقي في دين على المسلم إليه ، صح فيما دفع ، ويبطل فيما قابل الدين ، وفيه تردد.

أقول : سبق (1) البحث في هذه.

قال رحمه اللّه : يجوز بيع الدين بعد حلوله ، على الذي عليه وعلى غيره ، فإن باعه بما هو حاضر ، صح وإن باعه بمضمون حال ، صح أيضا ، وان اشترط تأجيله ، قيل : يبطل ، لأنه بيع دين بدين ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

أقول : البطلان مذهب ابن إدريس ، لأنه بيع الدين بالدين كما قاله المصنف ، واختاره العلامة في المختلف والشهيد في الدروس ، وقال الشيخ في النهاية : انه مكروه ، واختاره المصنف ، لأصالة الصحة ، ولأن بيع الدين بالدين المنهي عنه هو ان يبيعه دينا في ذمة زيد بدين في ذمة عمرو ، وهذا ليس كذلك ، والأول أحوط.

واما الدين المؤجل فقد جوز ابن إدريس بيعه على من هو عليه ومنع من بيعه على الغير ، وجوزه العلامة في المختلف مطلقا على من هو عليه وعلى غيره ، لأصالة الجواز ، وفي التحرير منع من بيعه مطلقا ، واختاره صاحب الدروس ، الا انه عكس مذهب ابن إدريس سهوا ، لأنه قال : قال ابن إدريس : لا خلاف في تحريم بيعه على من هو عليه ، ويلزم بطريق التنبيه تحريمه على غيره ، وجوز الفاضل بيعه على من هو عليه فيباع بالحال ، هذا كلامه رحمه اللّه.

وهو سهو ، لأن مذهبه العكس ، وهذه عبارته : الدين لا يخلو إما ان يكون حالا أو مؤجلا ، فإن كان مؤجلا فلا يجوز بيعه بغير خلاف على غير من هو في ذمته ، وان كان حالا فلا يجوز بيعه بالدين بدين آخر لا ممن هو عليه ولا من غيره بغير خلاف أيضا ، هذا كلامه رحمه اللّه.

ص: 120


1- ص 119.

وخص المنع من البيع على غير من هو عليه ، يدل بمفهومه على جواز البيع على من هو عليه ، فلهذا قلنا انه يجوز بيعه على من هو عليه ، وتجويز العلامة بيعه على غير من هو عليه يدل على جوازه على من هو عليه بطريق الأولى ، وهو عكس ما نقله صاحب الدروس.

والظاهر ان سبب سهو الشهيد غلط نسخة المختلف التي نقل منها مذهب ابن إدريس ، ومذهب العلامة ، ولهذا قال : وجواز الفاضل بيعه على من هو عليه.

ومراده بالفاضل العلامة ، مع انه مذهبه في المختلف جواز بيعه على غير من هو عليه ، وهذه عبارته : قال ابن إدريس : الدين المؤجل لا يجوز بيعه على غير من هو عليه بلا خلاف والوجه عندي الكراهية ، للأصل الدال على الجواز ، والإجماع ممنوع. هذا كلامه رحمه اللّه في المختلف ، وهو دال على جواز بيعه على غير من هو عليه.

لكن الظاهر ان النسخة التي نقل منها الشهيد محذوف منها ( غير ) من كلام ابن إدريس سهوا من الناسخ ، فحصل الغلط في نقله عن ابن إدريس ، وعن العلامة.

وأبو العباس تابع الشهيد على سهوه في النقل عنهما رحمهم اللّه جميعا وجزاهم اللّه عنا خيرا ، ونسأل من اللّه العصمة من الزلل الموجب للخلل.

تنبيه : لو باع الدين بأقل من ثمنه ، قال الشيخ وابن البراج : لم يلزم الغريم ان يدفع الى المشتري أكثر مما دفع الى البائع ويبرأ من الباقي ، لرواية محمد بن الفضل ، « قال : قلت للرضا عليه السلام رجل اشترى دينا على رجل ، ثمَّ ذهب الى صاحب الدين ، فقال له : ادفع ما لفلان عليك فقد اشتريته منه ، فقال : يدفع إليه قيمة ما دفع الى صاحب الدين ويبرأ الذي عليه المال من جميع ما بقي

ص: 121

عليه » (1).

وأنكر ابن إدريس هذا إنكارا عظيما ، والمعتمد صحة البيع ووجوب دفع الجميع إلى المشتري ، إذ لا خلاف في جواز بيع الدين بأقل من قيمته مع علم البائع بالقيمة.

فرع : إذا تعذر قبض المبيع من المديون لفلسه أو هربه أو دفعه للمشتري ، رجع على البائع بالثمن الذي دفعه اليه ، لعدم حصول العوض الذي قابله.

قال رحمه اللّه : إذا أسلف في شي ء وشرط أصواف نعجات ، قيل : يصح ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. ولو شرط أن يكون الثوب من غزل امرأة معينة ، أو الغلة من قراح معينة ، لم يضمن.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا أسلف في غنم واشترط أصواف نعجات معينة مشاهدة ، وقد منع منه ابن إدريس واختاره المصنف ، لأن السلم في المشاهد لا يجوز ، لأنه بيع مضمون إلى أجل ، والمشاهد ليس كذلك ، ولأن بيع الصوف على ظهور الغنم لا يجوز عنده للجهالة.

وجوزه الشيخ واختاره العلامة لجواز البيع بلفظ السلم عنده ، وعدم اشتراط الأجل ، وصحة بيع الصوف على ظهور الغنم لمشاهدته وانتفاء الغرر فيه ، فلا مانع من ذلك ، وهو المعتمد.

الثانية : إذا أسند السلف الى معين ، كما لو شرط الثوب من غزل امرأة معينة أو الغلة من قراح معين ، قال المصنف : لم يضمن ، وظاهره صحة البيع ، إلا انه لا يضمن من المعين ، وهو بناء على ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد.

والمعتمد بطلان البيع ، وهو مذهب العلامة في قواعد ، والشهيد في دروسه ،

ص: 122


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 15 من أبواب الدين والقرض ، حديث 3.

لبطلان الشرط الموجب لبطلان البيع.

اما بطلان الشرط فلمنافاته العقد ، لأن السلف ابتياع مضمون في الذمة ، والمضمون في الذمة لا يتشخص من دون القبض ، فتشخيصه بأحد الأمور المذكورة خروج عن حقيقة السلم فيكون منافيا ، ولأنه يؤدي الى الغرر ، لاحتمال موت المرأة أو تلف غلة القراح ، فيتعذر التسليم ، إذ لا بد ان يكون وجود المسلم فيه عاما عند الحلول ، وهذا الشرط ينافيه.

واما بطلان البيع فلعدم الرضا بدون سلامة الشرط ، فيكون تجارة من غير تراض ، فتكون باطلة.

قال رحمه اللّه : إذا تقايلا رجع كل عوض إلى مالكه ، فإن كان موجودا أخذه ، وإن كان مفقودا ضمن بمثله إن كان مثليا ، وإلا بقيمته ، وفيه وجه آخر.

أقول : المراد بالوجه الآخر عدم صحة التقابل مع تلف العوض المتقايل عليه ، لفوات محل ما وقع عليه الإقالة.

قال رحمه اللّه : ولو شرط الصحاح عوض المكسرة ، قيل : يصح ، والوجه المنع.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابي الصلاح وابن حمزة ، لرواية يعقوب بن شعيب في الصحيح ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغفلة فيأخذ الدراهم الطازجة طيبة بها نفسه؟ قال : لا بأس ، وذكر ذلك عن علي عليه السلام » (1) ، وليس في الحديث دلالة على ذكر الشرط.

والطازجة بالطاء المهملة والزاء المعجمة والجيم الدراهم البيض الجيدة ، ومنع ابن إدريس والمصنف من ذلك واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لما رواه

ص: 123


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 أبواب الصرف ، حديث 5.

الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليه السلام : « قال : إذا أقرضت الدراهم ثمَّ أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط » (1) ، وهو يدل على ثبوت البأس مع الشرط.

تنبيه : جوز العلامة اشتراط ان يبيع المقرض المقترض سلعة أو يؤجره دار بثمن المثل وأجرة المثل ، أو ان يقرضه المقترض أو يبيع المقرض على زيد مثلا أو يقرضه عمروا ، ولو عين الثمن في اشتراط البيع على زيد لزم وان كان أقل من ثمن المثل ، ولو اشترط الرهن أو الكفيل على القرض لزم ، ولو اشترطه على دين آخر جوزه في القواعد ، ومنعه في التحرير ، لما فيه من جر النفع ، وإذا فسد القرض بفساد الشرط كان مضمونا عليه ، لأنه قبضه على ان يكون ضامنا له ، وقال ابن حمزة : يكون أمانة ، لأنه لم يملكه فيكون أمانة ، لأصالة عدم الضمان.

قال رحمه اللّه : وما ليس كذلك ، يثبت في الذمة قيمته وقت التسليم ، ولو قيل : يثبت مثله أيضا ، كان حسنا.

أقول : إذا اقترض المثلي وجب رد المثل إجماعا ، فإن تعذر المثل وجبت القيمة يوم القبض ، لأنه وقت ثبوته في الذمة ، ويحتمل وقت التعذر ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة.

وإذا اقترض القيمي وجب عليه القيمة يوم القرض على المشهور بين الأصحاب ، واستحسن المصنف رد المثل في القيمي أيضا ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أخذ قصعة امرأة كسرت قصعة أخرى ، وضمن عائشة إناء حفصة وطعامها بمثلها (2) ، وهو محمول على التراضي.

وانما يحصل المماثلة مع الاشتراك في جميع الصفات التي لها مدخل في القيمة ،

ص: 124


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 20 من الدين والقرض ، حديث 1.
2- سنن البيهقي 6 : 21 و96.

فاذا دفع المماثل في جميع الصفات وجب قبوله على قول المصنف ، ولا يجب على المشهور بين الأصحاب ولو تغيرت أسعار القيمي وجبت القيمة يوم القبض على المشهور ، وعلى قول المصنف يجب القيمة يوم دفع العوض.

قال رحمه اللّه : ويجوز اقتراض الجواري. وهل يجوز اقتراض اللئالي؟ قيل : لا ، وعلى القول بضمان القيمة ينبغي الجواز.

أقول : يجوز اقتراض المثلي إجماعا ، وكذا القيمي الذي يمكن السلف فيه ، وفي ما (1) لا يضبطه الوصف ، ولا يجوز السلف فيه كاللآلي واللحم والجلود قولان ، مع اتفاقهم على جواز إقراض الخبز عددا ووزنا عملا بالعرف ، والمنع في الجواهر وشبهها مذهب الشيخ ، والجواز مذهب ابن إدريس ، لأصالة الجواز ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : القرض يملك بالقبض لا بالتصرف ؛ لأنه فرع التملك ، فلا يكون مشروطا به. وهل للمقرض ارتجاعه؟ قيل : نعم ، ولو كره المقترض ، وقيل : لا ، وهو أشبه ؛ لأن فائدة الملك التسلط.

أقول : ذهب الشيخ في الخلاف الى اشتراط التصرف في حصول الملك ، والمشهور حصوله بالعقد ؛ لأن التصرف فرع الملك ، فلو كان مشروطا به لزم الدور ، ويتفرع عليه جواز انتزاع العين ، فعلى اشتراط التصرف له ذلك قبله ، وليس له على عدم الاشتراط.

ويتفرع عليه أيضا عتق القريب بنفس القبض ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو شرط التأجيل في القرض لم يلزم ولو أجل الحال لم يتأجل ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : الدين الحال لا يتأجل إلا بأحد أمور ثلاثة :

ص: 125


1- في « ر 1 » : وما.

الأول : ان يشترط التأجيل في عقد لازم ، مثل ان يقول : ( بعتك العبد مثلا بمائة على ان تؤجلني بالدين أو القرض أو المهر سنة مثلا ) ، فيقول : ( قبلت ) ، وكلما يجوز تأجيله في العقد اللازم يجوز إسقاط الأجل فيه أيضا ، ولو أقرضه واشترط تأجيل الحال عليه أو حلول المؤجل على المقترض لم يصح وبطل القرض.

الثاني : يتأجل بالوصية ، فإذا أوصى بتأجيل ما على فان سنة مثلا تأجل ، ولا يحتسب الدين من الثلث ، لعدم خروجه عن ملك الورثة بالتأجيل ، بل يخرج من الثلث ما قابل الأجل ، فيقال : لو بيع هذا الدين الذي قيمته مائة مثلا بمؤجل إلى سنة بكم يباع؟ فاذا قيل بمائة وخمسين علمنا ان قسط الأجل ثلث الثمن ، فيخرج ثلث الدين من الثلث وهكذا ؛ لأنه مقدار الفائت بالوصية ، فيقتصر عليه.

الثالث : يتأجل بالنذر والعهد واليمين.

قال رحمه اللّه : من كان عليه دين ، وغاب صاحبه غيبة منقطعة ، يجب أن ينوي قضاءه ، وأن يعزل ذلك عند وفاته ويوصي به ليصل الى ربه ، أو إلى وارثه إن ثبت موته ، وإن لم يعرفه اجتهد في طلبه ، ومع اليأس ، يتصدق به على قول.

أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وهو مشتمل على أحكام :

الأول : وجوب نية القضاء.

الثاني : العزل عند الوفاة ، وهو واجب عند الشيخ والمصنف ، وأنكره ابن إدريس وادعى الإجماع على عدم وجوبه.

الثالث : وجوب الوصية بدونه ، وهذا لا خلاف فيه.

الرابع : وجوب الصدقة مع اليأس من الوارث ، وهو مذهب الشيخ وابن البراج ، واختاره المصنف وأبو العباس ، لئلا يتعطل المال ويخرج عن الانتفاع ،

ص: 126

ولاحتياج من هو عليه الى تفريغ الذمة ، ولا سبيل غير الصدقة ، فإن ظفر بالوارث بعد ذلك قضاه دينه إذا لم يرض بالصدقة.

وقال ابن إدريس : يدفعه الى الحاكم إذا لم يعلم له وارثا ، فان قطع بعدم الوارث كان للإمام ، واختاره فخر الدين والمقداد ؛ لأن الإمام وارث من لا وارث له ، وقال العلامة : إذا لم يعلم انتفاء الوارث وجب حفظه ؛ لأنه مال معصوم فيجب حفظه على مالكه ، فإن أيس من وجوده والظفر به أمكن ان يتصدق به.

قال رحمه اللّه : إذا باع الدين بأقل منه ، لم يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بذله على رواية.

أقول : سبق (1) البحث في هذه فلا فائدة في الإعادة.

واعلم انه لو كان على الدين رهن انتقل إلى المشتري تبعا للدين ، نص عليه فخر الدين في شرح قواعد أبيه في باب الكفالة ، في قوله : ( والأقرب انتقال حق الكفالة إلى الوارث ) ، فلما قرر المسألة : قال : وظهر الفرق بين الكفالة والرهن ؛ لأن الرهن تابع لاستحقاق الدين لتعلق نفس الدين بالرهن ، فالى من انتقل الدين انتقل الرهن بأي وجه كان ، ففي الوارث انتقل لسببين بانتقال نفس الرهن بالإرث ، وبانتقال الدين إلى مشتري الدين بسبب واحد وهو انتقال الدين ، انتهى كلامه رحمه اللّه.

ص: 127


1- ص 121.

ص: 128

في دين المملوك

قال رحمه اللّه : المملوك لا يجوز له أن يتصرف في نفسه بإجارة ولا استدانة ولا في غير ذلك من العقود ، ولا بما في يده ببيع ولا هبة إلا بإذن سيده ، ولو حكم له بملكه ، وكذا لو أذن له المالك ان يشتري لنفسه ، وفيه تردد ، لأنه يملك وطئ الأمة المشاعة مع سقوط التحليل في حقه.

أقول : العبد محجور عليه في أنواع التصرفات بغير اذن سيده عدا الطلاق ، سواء قلنا : انه يملك أو أحلنا ذلك ، قال المصنف : ( وكذا لو اذن له المالك ان يشتري لنفسه ). وهذه من المسائل الغامضة التي لا يدركها غير المحصل لهذا الفن ، فان مراده انه إذا دفع اليه السيد ما لا ليشتري به العبد لنفسه فإنه لا يملك التصرف فيه أيضا ، لفساد الاذن على كلا التقديرين ، اما على تقدير انه لا يملك فقد اذن له بالمحال ، فيكون الاذن باطلا ، وأما على تقدير انه يملك فملكه محصور بما يملكه مولاه من فاضل الضريبة وأرش الجناية ، والسيد لم يملكه الثمن بل أمره ان يشتري بما هو مملوك للسيد لنفسه ، فكان الاذن باطلا ؛ لأنه يجري مجرى تمليكه لمال الغير ، وهو غير جائز.

ص: 129

وتردد المصنف في بطلان التصرف ؛ لأنه لو اذن له ان يشتري امة لنفسه فاشترى على ذلك الاذن ملك وطأها بسبب الاذن ، فلو لم يجز التصرف لما جاز الوطي ، لأن علة جوازه اذنه بالملك المستلزم للتسلط على جميع التصرفات ومن جملتها الوطي ، ولا يكون حل الوطي من جهة التحليل ، لأنه متعذر في حقه ، لأن الأصحاب على قسمين ، منهم من منع جواز تحليل السيد أمته لعبده ، ومنهم من جوز ذلك لكن شرط التعيين ، والأمر ليس كذلك ، لأنه قبل الشراء لم تكن معينة ولا مملوكة ، فلا وجه للتحليل ولم ينو غير الاذن.

قال العلامة : وهل يستبيح العبد البضع؟ الأقرب ذلك لا من حيث الملك ، بل لاستلزامه الاذن.

وصاحب الترددات جعل منشأ التردد من ان العبد لا يملك ، ومن انه يستبيح الوطي ولا سبيل غير الملك ، فيلزم انه يملك ، وهو غلط ، لأن قول المصنف : ( وكذا لو أذن له بالشراء لنفسه ) معطوف على المنع من التصرف وان حكم له بالملك ، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، فيكون المراد ما قلناه ، ويدل عليه قول العلامة : ( لا من حيث الملك ، بل لاستلزامه الاذن ).

ومما يدل على ما قلناه استشكال العلامة صحة الشراء لبطلان الاذن المستلزم لتمليك ما لا يصح تمليكه ، والمعتمد صحة الشراء وعدم حل الوطئ ، أما صحة الشراء فلأنه مشتري مأذون فيه ، وجعله للعبد لا يبطله ، لأن جميع ما للعبد فهو لسيده ، وأما عدم حل الوطئ فلانتفاء أسبابه ، لأن سببه العقد أو ملك الرقبة أو المنفعة ، وليس هاهنا شي ء منها ، فلا يباح بدون السبب المبيح له.

قال رحمه اللّه : فإن اذن له في الاستدانة ، كان الدين لازما للمولى إن استبقاه أو باعه ، وإن أعتقه ، قيل : يستقر في ذمة العبد ، وقيل : يكون باقيا في ذمة المولى ، وهو أشهر الروايتين.

ص: 130

أقول : كونه باقيا في ذمة المولى مذهب الشيخ في الاستبصار ، وبه قال ابن حمزة واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، لأن اذن السيد موجب لتعلق الدين في ذمته فلا ينتقل عنه بالعتق ، وقال في النهاية : يستقر في ذمة العبد إذا أعتقه ، لرواية عجلان (1) ، عن الصادق عليه السلام ، وتابعه ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة ، فاستدان وتلف المال كان لازما لذمة العبد ، وقيل : يستسعى فيه معجلا.

أقول : السعي معجلا مذهب الشيخ في النهاية ، لأن السيد قد غر الناس بالإذن بالتجارة ، ولصحيحة أبي بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام. والاستسعاء بعد العتق مذهبه في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، وهو المعتمد ، لأن سعي العبد لمالكه ، فتصرفه فيما لم يأذن فيه غير جائز.

وقال ابن حمزة : إن علم الديان أن المولى لم يأذن في الدين كان في ذمة العبد ، يتبع به بعد العتق ، وان لم يعلم استسعي العبد عاجلا.

وقال العلامة : إن كان الدين لضرورات التجارة لزم المولى ، لأن الاذن في التجارة يستلزم الاذن في الاستدانة لضرورتها ، وان كان لغير ذلك يتبع به بعد العتق ، وهو حسن ، لكن العمل على الصبر الى بعد العتق من غير تفصيل.

فرع : لا يثبت اذن العبد في التجارة بمجرد قوله ، لأصالة عدم الاذن ، وقوله غير حجة ، بل لا بد من البينة على الاذن أو الشياع على ما اختاره العلامة وابنه والشهيد ، لتعذر إقامة البينة عند كل معامل.

قال رحمه اللّه : وإذا باع واشترى ، فأجرة ما يبيع على الآمر ببيعه ، وأجرة

ص: 131


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 54 من العتق حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 31 من الدين والقرض حديث 1.

الشراء على الآمر بالشراء ، ولا يتولاهما الواحد.

أقول : السمسار في البيع والشراء فاذا باع كانت أجرته على البائع ، وإذا اشترى كانت أجرته على المشتري ، وقال المصنف هنا : ( ولا يتولاهما الواحد ) ، وفي المختصر : ولا يجمع بينهما لواحد ، وعبارة القواعد كعبارة المصنف هنا ، وهي دالة على المنع من تولي الواحد ، ودلالتي البيع والشراء في سلعة واحدة ، لأن الوكيل يجب عليه مراعاة الأصلح لموكله ، وهو ممتنع هنا ، والا لزم اجتماع الضدين ، ولأنه يكون موجبا قابلا ، وهو ممنوع عند بعضهم.

وأما عبارة المختصر النافع فهي دالة على عدم جواز أخذ الأجرتين لشخص واحد عن سلعة واحدة من البائع والمشتري ، بل يأخذ ممن هو وكيل له وعاقد عنه ، فإن أمره بالبيع والابتياع كانت الأجرة على السابق بالأمر ، وقيل : يأخذ منهما أجرة واحدة ، وكذا ان اقترنا في الأمر أو تعاقبا وكان الغرض مجرد العقد ، وان كان الغرض السمسرة لكل منهما كان للواسطة أجرتان على قدر عمله.

ص: 132

كتاب الرهن

اشارة

ص: 133

ص: 134

في الرهن

قال رحمه اللّه : هل القبض شرط؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وهو الأصح.

أقول : باشتراط القبض قال الشيخ في النهاية وابن البراج وأبو الصلاح والمفيد وابن الجنيد ، واختاره المصنف والشهيد ، لقوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (1) ولرواية محمد بن قيس ، عن الباقر عليه السلام ، « قال : لا رهن الا مقبوضا » (2).

وبعدم الاشتراط قال الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة عدم الاشتراط ، ولقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3) ، وهذا عقد فيجب الوفاء به.

وأجابوا عن الآية بكونها بيانا للإرشاد إلى حفظ المال ، وهو لا يتم الا بالقبض ، وعن الرواية بضعف السند ، وعلى القول باشتراط القبض لا يشترط

ص: 135


1- البقرة : 283.
2- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 3 في أحكام الرهن ، حديث 1.
3- المائدة : 1.

دوامه إجماعا ، بل لو رده الى مالكه بعد القبض انعقد الرهن.

وقبضه كقبض المبيع الا انه يشترط فيه اذن الراهن بخلاف المبيع ، إذ لو قبضه بغير اذن البائع صح القبض ، والفرق بينهما ان القبض شرط في صحة العقد وهو من تمامه هنا ، فيقف على الرضى كالإيجاب والقبول ، بخلاف البيع إذ القبض ليس شرطا في انعقاده فلا يشترط اذن البائع ، لأنه قبض حقه ولا يفتقر إلى رضى البائع في ذلك.

ولا يشترط مقارنة القبض لعقد الرهن ، بل لو طالت المدة بعد العقد ثمَّ قبض انعقد الرهن.

ويتفرع على اشتراط القبض وعدمه فروع كثيرة لا فائدة في ذكرها لظهورها عند ورودها.

قال رحمه اللّه : ولو أقر الراهن بالإقباض ، قضي عليه ، ما لم يعلم كذبه ، ولو رجع لم يقبل رجوعه. ويسمع دعواه لو ادعى المواطاة على الإشهاد ، ويتوجه اليمين على المرتهن ، على الأشبه.

أقول : هذا فرع على اشتراط القبض فلو أقر الراهن قضي عليه ، قال المصنف : ( ما لم يعلم كذبه ) وذلك مثل ان يقول بمكة : رهنت اليوم زيدا داري بالمدينة فاقبضته إياها ، وهذا يعلم كذبه ، لأن خرق العادة يلحق بالمحال ، فيكون محالا ، فان رجع بعد إقراره الممكن ، وقال : أقررت مواطاة بيني وبينه ، لإقامة رسم القبالة ، أو لورود خط وكيلي ، ثمَّ ظهر الخلاف ، أو ظننت ان القول كاف من دون التسليم ، هل يقبل رجوعه بمعنى انه تكون دعوى صحيحة بحيث يطالب بالبينة ومع عدمها يحلف المرتهن ، أو تكون الدعوى باطلة لا يلتفت إليها؟

يحتمل الأول ، لأنه ادعى شيئا ممكنا قد جرت العادة به فيسمع ، ولأنه لو اعترف له المرتهن بما ادعاه ثبتت دعواه ، فمع عدم الاعتراف يطالب بالبينة ، فان

ص: 136

لم يكن حلف المرتهن.

ويحتمل الثاني ، لأنه مكذب ، لإقراره بحق الغير ، فلا يقبل دعواه ولا يكون لها حكم ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز تسليم المشاع إلا بإذن شريكه ، سواء كان مما ينقل أو لا ، على الأشبه.

أقول : قال الشيخ انما يعتبر اذن الشريك في المنقول كالجوهر والسيف ، والمعتمد اعتبار اذنه مطلقا ، لأن قبض المشاع انما يتم بتسليم الجميع ، فان كان مما ينقل فلا بد من نقل الجميع ، لعدم تمييز حق الشريك قبل القسمة ، وان كان مما لا ينقل فالقبض فيه التخلية - وهو ان يسلطه على التصرف بعد رفع يده عنه - وهو لا يتم الا بالتسليط على الجميع ، والتسليط على مال الغير بغير اذنه غير جائز ، فلا فرق بين المنقول وغيره.

تنبيه : إذا امتنع الشريك من الاذن في القبض ، فإن رضي المرتهن بكونه في يد أحدهما جاز ، وان امتنع أيضا نصب الحاكم عدلا من جهته يقبض لهما ، وحينئذ يسقط اعتبار رضى الجميع ، وهذا على القول باشتراط القبض أو بكونه مشروطا في العقد.

ص: 137

ص: 138

في شرائط الرهن

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي رهن المدبر تردد ، والوجه أن رهن رقبته إبطال لتدبيره. أما لو صرح برهن خدمته ، مع بقاء التدبير ، قيل : يصح التفاتا إلى الرواية المتضمنة جواز بيع خدمته ، وقيل : لا ، لتعذر بيع المنفعة المنفردة ، وهو أشبه.

أقول : إذا رهن المدبر قبل ابطال تدبيره ، قال الشيخ في الخلاف : فان لم يقصد في الرهن فسخ التدبير بطل الرهن ، ثمَّ قال : ولا دلالة على بطلان التدبر ، ولا دلالة على صحة الرهن ، فينبغي ان يكون باطلا ، ثمَّ قال بعد ذلك : ولو قلنا انه يصح التدبير والرهن ، لأنه لا دلالة على بطلان واحد منهما كان قويا.

وقال في المبسوط - بعد ان حكم ببطلان التدبير - : ولو قلنا الرهن صحيح والتدبير بحاله كان قويا ، ومثله قال ابن إدريس ، وتردد المصنف من هذه الحيثية ، ثمَّ اختار ان رهن الرقبة إبطال للتدبير ، وهو يدل على اختياره صحة الرهن ، وبه قال العلامة وهو المعتمد ، لأن المدبر مملوك يجوز التصرف فيه بأنواع التصرفات فلا مانع من صحة ورهنه ، والتدبير وصية بجواز الرجوع فيها ،

ص: 139

والرجوع أعم من ان يكون بالقول أو الفعل ، فالرهن يكون رجوعا في التدبير كما هو رجوع بالوصية ، لتعلق حق المرتهن فيه ، أما لو صرح برهن خدمته خاصة فقد ذكر المصنف وجهي الصحة والبطلان ، والبطلان هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو رهن المسلم خمرا ، لم يصح ، ولو كان عند ذمي. ولو رهنها الذمي عند المسلم ، لم يصح أيضا ، ولو وضعها على يد ذمي ، على الأشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا استقرض الذمي من مسلم مالا ورهن عنده بذلك خمرا على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق ، فباعها واتي بثمنها جاز له أخذه ولا يجبر عليه ، لعدم الدليل على إجباره ، وله ان يطالب بما لا يكون عوضا عن محرم ، وفي هذا الكلام حكمان :

الأول : جواز ارتهان الخمر للمسلم إذا وضعه على يد ذمي ، والمعتمد عدم جوازه ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، فكما لا يجوز له مباشرة لا يجوز توكيلا.

الثاني : عدم إجبار المسلم على قبض ثمن الخمر من الذمي ، والمعتمد وجوب القبض أو إبراء ذمته كما لو دفع من غير ذلك ، لأنه مال مملوك.

قال رحمه اللّه : ولو رهن مالا يصح إقباضه ، كالطير في الهواء ، والسمك في الماء ، لم يصح رهنه. وكذا لو كان ممن يصح إقباضه ولم يسلمه ، وكذا لو رهن عند لكافر عبدا مسلما أو مصحفا ، وقيل : يصح ويضع على يد مسلم ، وهو أولى.

أقول : جواز رهن المصحف والعبد المسلم عند الكافر إذا وضعا على يد مسلم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد وابنه في شرحه والشهيد في دروسه ، وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، والمانع انما هو ثبوت السبيل وهو منتف هنا ، لأن الرهن ليس تمليكا ولا يوجب استحقاقا ، بل يستلزم أشياء ، وهي غير مانعة :

الأول : ان يباع بالدين مع عدم الافتكاك ، وهو غير مانع ، لأن البائع هو

ص: 140

المسلم أو وكيله أو الحاكم ، فلا سبيل للكافر عليه.

الثاني : انه يستوفي دينه من ثمنه ، وهو غير مانع أيضا ، إذ لا خلاف في جواز إيفاء الكافر دينه من ثمن العبد المسلم أو المصحف.

الثالث : منع المسلم من التصرف وهو غير مانع أيضا ، لأن الكافر ممنوع أيضا من التصرف ، فلا سبيل له عليه ، وان لم يحصل سبيل يوجب السبيل للكافر ، فلا مانع من الجواز.

وظاهر ابن الجنيد المنع من ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، لما فيه من المنافاة لتعظيم ما يجب تعظيمه.

قال رحمه اللّه : ويصح الرهن في زمان الخيار ، سواء كان للبائع ، أو للمشتري أو لهما ، لانتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة في باب البيع ، إذ الجواز وعدمه مبني على ان انتقال المبيع هل هو بنفس العقد أو بانقضاء الخيار؟ وقد سبق ذلك (1).

قال رحمه اللّه : ويصح رهن العبد المرتد وان كان عند فطرة والجاني خطأ ، وفي العمد تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز رهن المرتد ، وقد أطلق الشيخ جواز رهنه ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأصالة الصحة ، ولعدم خروجه عن الملك بالارتداد من دون القتل ، والتقدير انه فات السلطان.

ومنع ابن الجنيد من جواز رهنه مطلقا ، سواء كان عن فطرة أو ملة ، لاشتراط كون ملك المرهون ثابتا ، والمرتد مستحق للقتل فلا يصح رهنه.

وفصل العلامة في المختلف بين المرتد عن فطرة والمرتد عن ملة ، وأبطل

ص: 141


1- ص 46.

رهن الأول وأجاز الثاني ، اما البطلان في الأول ، فلعدم جواز إبقائه فلا يجوز رهنه ، وأما الجواز في الثاني ، لأن وجوب قتله ليس مطلقا ، بل لعدم شرط الرجوع ، فقتله غير متحقق وهو لم يخرج بالارتداد عن الملك فيجوز رهنه ، وكذلك الجارية ، لعدم وجوب قتلها بالارتداد.

والمعتمد الأول ، فلو جهل المرتهن حاله كان له فسخ البيع المشروط فيه ارتهانه إلا ان يكون عن ملة ثمَّ يتوب قبل علمه ، فلا خيار حينئذ ، لزوال العيب ، ولو علم فلا خيار ، سواء قتل أو لم يقتل ، ولو لم يعلم حتى قتل احتمل ان يكون كما لو خرج مستحقا ، فيتخير في فسخ البيع المشروط فيه وإمضائه ، وهو المعتمد ، ويحتمل عدم الفسخ كما لو خرج معيبا.

الثانية : في جواز رهن القاتل ، وأبطله الشيخ في الخلاف مطلقا ، سواء كان القتل عمدا أو خطأ ، لأنه ان كان عمدا استحق القتل ، وان كان خطأ تعلقت برقبته فلا يصح (1). وذهب المصنف والعلامة والشهيد الى الجواز مطلقا ، وهو المعتمد ، لعدم المنافاة ، إذ حق المجني عليه مقدم على الرهن ، فان قتل في العمد واسترق جميعه في الخطأ بطل الرهن ، وان فاداه مولاه أو عفى المجني عليه بقي رهنا ، وان استرق بعضه كان الباقي رهنا ، ويثبت الخيار في إمضاء البيع المشروط فيه وفسخه مع عدم العلم الا مع عفو المجني عليه قبل العلم ، ولو قتل في العمد قبل العلم ، فكما لو قتل المرتد.

فرعان :

الأول : إذا ظهر في الرهن عيب سابق على الرهانة كان له رده بالعيب ، فان كان البيع مشروطا به تخير في فسخه وإمضائه بغير رهن ، هذا إذا كان بالصفة التي قبضها ، أما لو حدث عنده عيب أخر أو مات العبد لم يكن له رده بالعيب السابق ،

ص: 142


1- في « ر 2 » : يصلح.

ولا أخذ الأرش ، بخلاف البيع ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

ولو قيل : ان الموت وحدوث العيب عند المرتهن لا يمنع من الرد بالعيب السابق كان وجها ، لأنه لم يرض بالبيع الا مع الوثيقة على الثمن ، ولم يرض بالوثيقة الا مع كونها على الصفات المشترطة بها أو المزية ، فإذا لم يظهر كذلك كان له ردها وفسخ البيع المشترط بها ، لأن حدوث العيب عنده وموت العبد من غير تفريط غير مضمون عليه ، لأنه أمانة عنده فلا يمنع من الرد ، بخلاف البيع إذ الثمن أو المثمن مضمون على القابض ، فاذا حدث فيه عيب فهو من ضمانه ، فلا يجوز رده معيبا أو ميتا ، بل يأخذ أرش العيب السابق ، والرهن لا يجب فيه للعيب أرش ، ولا يجبر المرتهن على قبضه معيبا فلم يبق غير الرد أو الرضا بغير رهن.

الثاني : لو أقر العبد المرهون بالجناية ، فإن صدقاه كان الحكم فيه كما لو علما بالجناية قبل الرهانة ، فإن قلنا بجواز رهن الجاني لم يبطل الرهن والا بطل ، وان صدقه الراهن خاصة لم يمض في حق المرتهن ولا يمين على المرتهن ، ما لم يدعي عليه العلم ويقدم حق المرتهن على حق المجني عليه ، فان افتك تعلقت به الجناية ، وان بيع بالدين غرم الراهن للمجني عليه ، لاعترافه بجناية المملوك ، وقد أحال بينه وبين حقه بالرهانة وان صدقه المرتهن خاصة لم يمض على الراهن.

وهل ينفسخ الرهن على القول بعدم جواز رهن الجاني؟ يحتمل ذلك إذا لم يعف المجني عليه ، أو يفتك أحدهما ، لأنه اعترف بسبق حق الغير على حقه ، والتقدير انه مانع من صحة الرهن فيبطل ، ويحتمل العدم ، لأن إقراره غير مقبول في حق الراهن وهو معترف بصحة الرهن فلا يبطل ، والمعتمد الأول ، لأنه لو لم يفتكه الراهن لم يجز للمرتهن بيعه والاستيفاء من ثمنه ، لعلمه باستحقاق غيره له ، فلا يباح له بتكذيب الراهن.

قال رحمه اللّه : ولو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل ، فإن شرط بيعه ،

ص: 143

جاز. وإلا بطل ، قيل : يصح ويجبر على بيعه.

أقول : إذا رهن ما يسرع اليه الفساد كالأطعمة ، وكان الأجل متأخرا عن مدة بقائها ، فإن شرط بيعه وإبقاء الثمن رهنا صح قطعا ، وان لم يشترط ذلك احتمل البطلان ، لاشتراط كون الرهن مما يصح الاستيفاء منه عند الأجل وهذا ليس كذلك ، ولعدم بقائه إلى الأجل ، ويحتمل الصحة ، لأن الأصل في العقود الصحة ويكون الرهن قرينة دالة على البيع ، وجعل الثمن رهنا فهو كالإذن في ذلك صونا لفعل العاقل عن اللغو والفساد والعبث ، إذ لو كان مقصوده الرهن على غير هذه الصفة كان عابثا لا غيا لعلمه بفساد رهنه ، فحمله على الصحة مع الإمكان أولى من الحمل على الفساد ، وهذا هو المعتمد.

فرع : لو رهن ما يصح عليه البقاء ثمَّ طرا عليه ما عرضه للفساد كتعفين الحنطة وتسويس التمر ، وجب بيعه وجعل ثمنه رهنا ويجبر المالك على البيع في موجبه ، فإن تعذر باع عليه الحاكم ، فان تعذر باع المرتهن.

ص: 144

في الحق

اشارة

قال رحمه اللّه : وكذا مال الكتابة ، ولو قيل بالجواز كان أشبه.

أقول : الكتابة المطلقة لا كلام في جواز أخذ الرهن على مالها ، أما المشروطة فقد اختلف فيها ، قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس : لا يجوز ، لأن للمكاتب فسخ الكتابة بتعجيزه نفسه ، فلا يكون المال ثابتا في الذمة ، ولأنه لو امتنع من دفع مال الكتابة كان لسيده رده في الرق فلا فائدة في الرهن.

والمشهور عند المتأخرين جواز أخذ الرهن على ذلك ، وهو المعتمد ، لأنه مال ثابت في الذمة فيجوز أخذ الرهن عليه ، وليس له تعجيز نفسه مع القدرة ، بل يجبره الحاكم أو المالك على السعي ، لأن الكتابة عقد لازم فليس له فسخها اختيارا ، ولو سلمنا جواز الفسخ لم نسلم بطلان الرهن لجوازه في مدة الخيار مع جواز الفسخ.

قال رحمه اللّه : ولا يصح على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن ، كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته. ويصح على ما هو ثابت بالذمة ، كالعمل المطلق.

أقول : ربما يشتبه تصوير هذه المسألة على المبتدي ، ومراده : ان الإجارة

ص: 145

إذا تناولت منفعة شي ء معين لم يجز أخذ الرهن على تلك المنفعة ، كما لو اجره عبدا معينا للخدمة سنة ، أو دارا معينة للسكنى سنة ، أو دابة معينة لحمل شي ء معين ، فإذا أراد أن يرهن عنده شيئا على هذه المنافع لم يجز ، لعدم جواز استيفاء المنفعة من غير المعين الذي وقع عليه العقد.

أما لو وقع العقد على منفعة في الذمة كخياطة ثوب ، أو بناء دار ، أو حمل شي ء معين جاز أخذ الرهن على المنفعة ، ويباع عند تعذر العمل أو يستأجر من يفعل ذلك ، لعدم تعلقها بمعين ، بخلاف الصورة الأولى.

قال رحمه اللّه : ولو رهن على مال رهنا ، ثمَّ استدان آخر ، وجعل ذلك الرهن عليهما ، جاز.

أقول : هذا إذا كان الدين الثاني من الديان الأول ، أما لو كان من غيره فإنه لا يصح الا مع اجازة المرتهن الأول ، وإذا حصلت الإجازة من الأول احتمل بطلان حقه مطلقا ، ويصير جميعه رهنا للثاني ، لأنه أجاز تعلق حق الغير به ، فينتفي تعلق حقه ، لحصول المنافاة ، لأن مقتضى الرهن اختصاص المرتهن وتقدمه على غيره من الغرماء بثمن الرهن ، فلا يجوز اجتماع حقين متصفين بهذه الصفة بعين واحدة لحصول المضادة.

ويحتمل البطلان فيما قابل دين الثاني خاصة ، كما لو كان دين الثاني عشرة مثلا وكان قيمة الرهن عشرين مثلا ، يكون قد سقط حق الأول من نصف الرهن ، لأن المقصود من الرهن عند الثاني والإجازة من الأول وفاء حقه من الرهن ، وهو يحصل بما قابله فيبقى الباقي على رهانة الأول ، لعدم المنافاة بينهما.

ويحتمل عدم بطلان حق الأول مطلقا ، لأنه لم يصرح بإسقاط حقه ، والأصل بقاؤه ، وصدور الإجازة منه غير دالة على إسقاط حقه ، ولا منافية لثبوته ، إذ لا مانع من تعلق دينين بعين واحدة مع تقدم أحدهما على الآخر ، فان

ص: 146

فضل عن الأول شي ء كان للثاني.

فروع :

الأول : لو أسقط الثاني حقه من الرهانة ، فإن قلنا بسقوط حق الأول مع إجازته بقي الرهن مطلقا لا حقّ متعلقا فيه ، وان قلنا بسقوطه فيما قابل حق الثاني سقط ذلك القدر خاصة ، وان قلنا بعدم السقوط ، بل فائدة الإجازة تعلق حق الثاني فيما فضل عن الأول لم يسقط شي ء بإسقاط الثاني حقه وان زادت قيمة الرهن عن دين الأول ، لعدم تحقق الفضلة قبل الاستيفاء لاحتمال تلف الزائد قبله.

الثاني : لو لم يعلم الأول بالرهانة الثانية حتى مات الراهن ، هل يختص الثاني بالفاضل عن الأول؟ يحتمل ذلك لأنه لازم من جهة الراهن ما لم يبطله الأول ، وهو لم يبطله ، فيكون لازما من جهته ، والمانع من اختصاص الثاني تعلق حق الأول وقد زال ، فلا مانع حينئذ.

ويحتمل عدم الاختصاص ، لأن صحة رهانة الثاني مشروطة بالإجازة ، وهي لم تحصل فتنتفي الصحة لانتفاء شرطها ، والأصل عدم اختصاصه من دون الغرماء بشي ء ما لم يتحقق السبب المخصص ، وهو لم يتحقق فلا تخصيص لشي ء ، وهو المعتمد.

الثالث : لو أجاز المرتهن الأول الرهانة الثانية بعد موت الراهن ، لم تؤثر الإجازة شيئا لخروج الرهن عن ملك الراهن بالموت ودخوله في ملك الغير ، فلا يؤثر في ملك من انتقل اليه ، لعدم رضاه بالرهانة ، وكذا (1) لو مات الفضولي البائع لمال الغير ، ثمَّ أجاز المالك العقد بعد موت العاقد ، فان هنا يصح على القول بوقوف بيع الفضولي على الإجازة ، لأن المجيز هنا هو المالك والعاقد غيره ، فلا فرق بين موته وحياته ، لعدم تغير الحال في ذلك ، إذ لا حقّ للعاقد في المعقود

ص: 147


1- في « ر 2 » : ولا كذا.

عليه ، فلا يتغير الحكم بموته ، بخلاف الراهن ، إذا العاقد هو المالك والمجيز غيره ، وبموت المالك ينتقل الملك الى الغير فلا يؤثر إجازة غير المالك في ملك غير العاقد فافترقا.

قال رحمه اللّه : وليس للمالك فسخ الوكالة ، على تردد ، وتبطل مع موته ، دون الرهانة.

أقول : الرهن قابل للشروط السائغة ، فإذا شرط ان يكون وكيلا في بيع الرهن عند حلول الأجل صح هذا الشرط ، وهل للراهن فسخه؟ تردد المصنف في ذلك من ان الوكالة عقد جائز من الطرفين ، وقضية الجائز جواز الفسخ فيكون جائزا هنا ، فاذا فسخ تخير البائع حينئذ في فسخ البيع المشترط فيه الرهن والوكالة ، وفي إمضائه وبقاء الرهن بغير وكالة ، ومن انها اشترطت في عقد لازم فيلزم ، لأن كل جائز يشترط في عقد لازم صار لازما ، لقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) فلا يجوز فسخها ، وهو المعتمد ، فلو مات الراهن انفسخت الوكالة دون الرهانة ، لأن الوكالة تبطل بالموت.

فان قيل : ان الوكالة صارت عندكم لازمة ، والعقود اللازمة لا تبطل بالموت فببطلانها بالموت ينفي كونها لازمة.

لأنا نقول : تغير حكم الوكالة لا يوجب تغير حقيقتها ، لأن حقيقة التوكيل هي استنابة الوكيل بإيقاع الفعل عن الموكل ، وهذه الحقيقة تنتفي بالموت ، لعدم جواز إيقاع الفعل هنا عن الميت لانتقال متعلق الوكالة إلى الغير ، ومع انتفاء الحقيقة ينتفي الحكم ، لأن الجواز واللزوم من أحكام الوكالة ، ولا بقاء للحكم مع انتفاء الحقيقة ، وموت المرتهن موجب لبطلان الوكالة أيضا دون الرهانة ، إلا ان يشترط في العقد انتقالها الى ورثته بعد موته ، فتنتقل حينئذ.

ص: 148


1- تقدم ص 44.

فرع : لو أقر المرتهن بالدين الذي ارتهن عليه ، واشترط الوكالة فيه انتقل الدين والرهن الى المقر له دون الوكالة ، بل يبقى لمن اشترطت له ولا تبطل بإقراره بالدين للغير ، وكذا لو اشترط غير الوكالة ، فإنه يكون لمن اشترطت ولا تبطل ) (1) ولا ينتقل الى المقر له بالدين.

قال رحمه اللّه : والمرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره من الغرماء ، سواء كان الراهن حيا أو ميتا ، على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن فائدة الرهن اختصاص المرتهن بالاستيفاء ، وتقديمه على غيره من الغرماء ، وقد وردت رواية بعدم الاختصاص إذا مات الراهن ، وهي رواية عبد اللّه بن الحكم ، « قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ما له بما عليه من الديون؟ قال : تقسيم جميع ما خلف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص » (2).

وربما عضد الرواية كون الموت موجبا لتعلق الدين بالتركة فيتساوى الجميع بأعيانها ، بخلاف حالة الحياة إذ الدين متعلق بالذمة فافترقا ، وقد يمكن استيفاء غير ذي الرهن حالة الحياة من الكسب المتجدد بعد قسمة أمواله ، ولا يمكن ذلك في حالة الموت فيتضرر غير المرتهن بسقوط جميع حقه ، والمشهور هو المعتمد ، وإلا لانتفت فائدة الرهن.

قال رحمه اللّه : وإن كان للرهن مئونة كالدابة ، أنفق عليها وتقاصّا ، وقيل : إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق.

أقول : الإنفاق على ما يحتاج اليه الرهن واجب على المرتهن ؛ لأن حفظ

ص: 149


1- لم يرد في « ر 2 ».
2- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 19 في أحكام الرهن ، حديث 1.

الرهن واجب عليه ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق فيكون واجبا ، فإذا أنفق ، قال في النهاية : له الانتفاع بالظهر والدار مقابل نفقته ، وهو قول ابي الصلاح الحلبي ، لرواية أبي ولاد حفص بن سالم (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال ابن إدريس : لا يجوز التصرف في ذلك ، لوقوع الإجماع على منع الراهن والمرتهن من التصرف ، ثمَّ قال : فإن أنفق تبرعا فلا رجوع له ، وان نوى الرجوع واشهد على ذلك رجع بما أنفق اشترط في الرجوع الاشهاد ، والشهيد اشترط في الرجوع بالنفقة اذن المالك أو الحاكم ، فان تعذر فالإشهاد ، والمصنف والعلامة أطلقا التقاص ولم يقيدا بشي ء ، وصرح أبو العباس بعدم الاشتراط ، بل يرجع مع نيته ، ولا يفتقر إلى اذن ولا إشهاد ، لأنه أمين والإنفاق واجب عليه فيقبل قوله من غير بينة ، والأحوط مذهب الشهيد ، والاعتماد على عدم وجوب غير بينة الرجوع.

أما التصرف بالرهن بالركوب والحلب فإنه لا يجوز إلا مع اذن المالك أو الحاكم أو افتقار الدابة الى ذلك وتضررها بتركه ، ويقضى حينئذ بالتقاص ويرجع صاحب الفضل بفضله.

قال رحمه اللّه : ولو وطئ المرتهن الأمة مكرها ، كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر ، وقيل : عليه مهر أمثالها.

أقول : هذا مبني على ما يجب على الواطئ للأمة بشبهة أو اكراه ، وسيأتي ان شاء اللّه تعالى في باب نكاح الإماء.

قال رحمه اللّه : ولو باع أو وهب ، وقف على إجازة المرتهن. وفي صحة العتق مع الإجازة تردد ، والوجه الجواز. وكذا المرتهن. وفي عتقه مع إجازة الراهن تردد ، والوجه المنع ، لعدم الملك ما لم يسبق الإذن.

ص: 150


1- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 12 في أحكام الرهن ، حديث 1.
أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تصرف الراهن في الرهن ، ولا شك في المنع منه بغير اذن المرتهن إذا كان التصرف ناقلا للملك كالبيع والهبة ، أو ينقص به المال كالوطء المفضي إلى الاحبال الموجب لنقص المالية ، وأما ما ليس كذلك كتأبير النخل ، وختان العبد ومداواته ، ورم المستهدم من الدار ، وزرع الأرض ، وحلب الدابة وما شاكل ذلك فلا يمنع منه.

إذا عرفت هذا فان عقوده الناقلة كالبيع والهبة تصح مع اجازة المرتهن ، وهل عتقه يصح مع الإجازة؟ تردد المصنف في ذلك من ان العتق لا يقع موقوفا ولا يقبل التعليق فيقع باطلا ، لاشتراط التنجيز فيه ، ومن ان العتق مبني على التغليب ، ولهذا يسري في ملك غيره ، فيقع صحيحا ويكون مراعى ، والإجازة كاشفة ، فإن أجاز المرتهن تبينا وقوع العتق من حينه ، وان رد تبينا بطلانه من رأس ، وهذا هو المعتمد ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمصنف والعلامة ، والمنع قول الشيخ في المبسوط.

فرع : لو انتفت الإجارة والرد ثمَّ افتك الرهن لزمت العقود ، لعدم وقوعها باطلة ، وهي لازمة من جهة الراهن ، وقد زال المانع فتلزم.

الثانية : في تصرف المرتهن ، وهو ممنوع من جميع التصرفات مطلقا بغير إذن إلا مع افتقار الرهن الى التصرف فيه ، وحصول الضرر عليه مع عدم التصرف ، فهذا النوع من التصرف جائز بغير اذن المالك ، وهل يقف عتقه على اجازة المالك؟ تردد المصنف في ذلك ، من حصول الإجازة من المالك وهي تقتضي صحة العتق (1) ، ومن ان العتق لا يكون إلا في ملك (2) ، والمرتهن غير

ص: 151


1- في « ر 2 » : العقد.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 5 من أبواب العتق.

مالك ، فيقع العتق باطلا ، والإجازة لا تؤثر فيما يقع باطلا ، بخلاف الراهن ، لوقوعه من المالك ، والمعتمد البطلان ما لم يسبق الاذن ، لكونه وكيلا حينئذ.

قال رحمه اللّه : ولو وطئ الراهن فأحبلها ، صارت أم ولد ، ولا يبطل الرهن ، وهل تباع؟ قيل : لا ، ما دام الولد حيّا ، وقيل : نعم ، لأن حق المرتهن أسبق ، والأول أشبه.

أقول : قال في المبسوط : لا يبطل الرهن ، لأنها مملوكة ، وتبعه ابن إدريس واختاره العلامة ، وهو مذهب المصنف ، لسبق حق المرتهن ، فلا تبطل بتعدي الراهن في الوطئ ، وهو المعتمد.

وقال في الخلاف : ان كان موسرا لزم قيمتها ويكون رهنا ويبطل الرهن فيها ، لحرية ولدها ، وان كان معسرا بقي الرهن بحاله وجاز بيعها بالدين.

والمصنف جمع بين عدم بطلان الرهن وعدم جواز بيعها بالدين وبه قال العلامة في التحرير ، فعلى هذا تكون الفائدة منع الراهن من التصرف بشي ء من التصرفات ويجبر على فكها ، بخلاف غيرها من الرهون فان الراهن لا يجبر على الفك ، بل له ان يوفي الدين من الرهن ، والمعتمد إجباره على فكها مع القدرة عند حلول الدين لا قبله ، فان تعذر الفك جاز بيعها ، ولا يجب على المرتهن الصبر الى يسار المالك ، ولا فرق في عدم بطلان الرهن بين ان يكون الوطئ بإذن المرتهن أو بغير اذنه ، جزم به في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو غصبه ثمَّ رهنه صح ، ولم يزل الضمان ، وكذا لو كان في يده بيع فاسد. ولو أسقط عنه الضمان صح.

أقول : في هذا الكلام ثلاث مسائل ، جزم المصنف بها ولم يتردد في شي ء منها ، وكل مسألة لا تخلو من إشكال :

الأولى : إذا كان الرهن مغصوبا ، ثمَّ رهنه المغصوب منه عند الغاصب صح

ص: 152

الرهن بلا خلاف وان اشترطنا القبض ، لأنه مقبوض في يد الغاصب.

وهل يزول الضمان بمجرد العقد؟ جزم المصنف بعدم زواله ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختاره الشهيد ، وهو المعتمد ، لأنه قبل الرهن كان مضمونا على الغاصب فكذا بعده ، لأصالة بقاء الضمان ، ولقوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (1).

وذهب العلامة في القواعد الى زوال الضمان ، لأنه صار مأذونا له في الإمساك فلا تكون يده غاصبة ، وقوى في المختلف مذهب الشيخ.

الثانية : إذا كان مقبوضا بالبيع الفاسد ثمَّ رهنه المالك عند من هو في يده صح الرهن بلا خلاف ، وهل يزول الضمان؟ جزم المصنف بعدم زواله ، ولم يفرق بينه وبين ما كان مغصوبا للعلة المذكورة في الغصب ، وهو كونه مضمونا قبل الرهن ، فكذا بعده.

وذهب العلامة في القواعد الى زوال الضمان ، واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد ، لأن ضمانه أخف من ضمان الغاصب ، ولأن قبضه السابق مأذون فيه من جهة المالك ، وانما كان مضمونا عليه ، لأنه قبضه لنفسه قبضا فاسدا ، لكون العقد غير ناقل ، وبعد الارتهان صار مقبوضا لمالكه فيصير امانة ، فهذا فرق بينهما.

الثالثة : إذا أبرأه الغاصب من ضمان الغصب وهو في يد الغاصب ، هل يبرأ أم لا؟ جزم المصنف هنا بصحة الإبراء وسقوط الضمان وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، ( لوجوب رد ) (2) السبب الموجب لضمان القيمة عند التلف ، وهو الغصب.

وذهب في القواعد الى عدم سقوط الضمان ، وهو المعتمد ، لأنه ليس له في ذمة الغاصب شي ء ما دامت العين باقية ، بل حقه متعلق بالعين ، وانما ينتقل إلى

ص: 153


1- مستدرك الوسائل ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، حديث 4.
2- في « ر 2 » لوجوده.

الذمة بعد تلف العين ، فإذا أبرأه والعين قائمة كان إبراء مما لم يجب ، وهو باطل.

فروع :

الأول : إذا أودع المغصوب منه العين المغصوبة عند الغاصب قبل ان يقبضها المالك ، أو آجره إياها قبل قبضها صحت الوديعة والإجارة ، وهل يزول الضمان؟ يحتمل العدم ، لما قلناه في الرهن ، ويحتمل الزوال ، لأن الاستئمان في الإيداع أقوى منه في الرهن ، لأنه استئمان محض ، واستنابة في الحفظ والاستئجار مع كونه امانة فقد صرفه فيه ، وسلطه على منافعه ، وملكه إياها فيزول الضمان ، وهو المعتمد.

الثاني : إذا أعاد العين المغصوبة للغاصب ، هل يزول الضمان؟ يحتمل ذلك ، لأنه قد سلطه على منافعه كالإجارة ، ويحتمل العدم ، لأصالة بقاء الضمان ، ولحصول الفرق بين إمساك المستأجر والمستعير ، فإن إمساك المستأجر بحق لازم عقد مقابل العوض الذي دفعه الى المالك فصار قبضه كقبض المالك ، وإمساك المستعير غير لازم ، وإمساكه لنفسه بغير عوض ولا عقد لازم ، فإمساكه أضعف من إمساك المستأجر ، فلا يزول عنه الضمان ما لم يسلمه الى المالك ، وهو المعتمد.

الثالث : إذا أوكل الغاصب في بيع المغصوب أو عتقه ، هل يزول الضمان بمجرد الوكالة قبل البيع والتسليم الى البائع أو العتق؟ يحتمل ذلك ، لأن الوكيل كالمستودع ، فيزول الضمان بمجرد الوكالة ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، ويحتمل العدم ، لأصالة بقاء الضمان ، وللفرق بينه وبين المستودع لثبوت الأجرة له ما لم ينتزع ، والمعتمد عدم زوال الضمان.

قال رحمه اللّه : ولو حملت الشجرة أو المملوكة ، كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر.

أقول : النماء المتجدد بعد الارتهان ، ان كان متصلا اتصال ممازجة كالسمن

ص: 154

والطول دخل في الرهن إجماعا ، وان كان منفصلا أو يقبل الانفصال كالثمرة والولد والصوف والشعر ، قال الشيخ في النهاية بدخوله ، وهو مذهب المفيد وابن البراج وابي الصلاح وابن حمزة ، واختاره ابن إدريس وادعى عليه الإجماع ، واختاره المصنف.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط بعدم الدخول ، واختاره العلامة وابنه ما لم يشترط دخوله ، لأصالة عدم الدخول وكونه غير جزء من الرهن ، ومذهب العلامة هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا رهن النخل لم تدخل الثمرة ، وإن لم تؤبر. وكذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع ولا النخل والشجر ولو قال بجميع حقوقها دخل فيه ، وفيه تردد ، ما لم يصرح.

أقول : منشؤه من انه قال بحقوقها فيدخل جميع ما هو متصل فيها ، ومن ان الزرع والثمرة ليسا جزءا من الأرض والنخل ، والأصل عدم دخوله ما لم يصرح مالكه بالدخول ، وهذا هو المعتمد.

فرع : إذا رهن الجدار ، هل يدخل الأس تحته ، أو يدخل المغرس تحت الشجرة إذا رهنها من دون الأرض؟ يحتمل ذلك ، لأن منفعتهما لا تتم الا بهما ، ولا يمكن وجود الرهن من دون المصاحبة لهما ، ويحتمل العدم ، لعدم دخولهما في البيع من دون الشرط ، ولأنهما ليسا من اجزاء الرهن ولا من مسماه ، والأصل عدم دخولهما من دون الشرط وهو المعتمد ، نعم يجب إبقائهما فيهما أبدا ما لم ينهدم الجدار وتنقلع الشجرة ، وليس له الإعادة حينئذ.

قال رحمه اللّه : وهل يجبر الراهن على الإزالة ، قيل : لا ، وقيل : نعم ، وهو الأشبه.

أقول : إذا نبت في الأرض شي ء من الشجر المحترم بعد الرهن ، هل يجبر

ص: 155

الراهن على ازالته؟ يحتمل ذلك ، سواء أنبته الراهن أو أجنبي أو اللّه تعالى ما لم يكن من فروخ الشجر المرهون ، لأن بقاءه يضر (1) في الأرض ، كما لو وضع متاعا في الدار ، فإنه يجبر على ازالته فكذا هنا ، وهو مذهب المصنف والعلامة وفخر الدين ، الا انه قيد وجوب الإزالة عند الانتهاء عادة لئلا يخرج عن الانتفاء فيحصل الضرر ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في الخلاف : لا يجبر على الإزالة ، واختاره العلامة في التحرير ، لأنه تصرف في المنافع ، وهي غير داخلة في الرهن فلا يمنع منها ، ولا يجبر على ازالة ما له من ماله ، ولو كان الغرس من فروخ الشجر المرهون لم يمنع منه ، ولا يجبر على إزالته إذا كانت الفروخ موجودة حالة الارتهان ، لكونها داخلة في الرهن ، فلا ضرورة على المرتهن في ذلك ، بخلاف ما ليس داخلا في رهنه.

قال رحمه اللّه : ولو رهن لقطة مما يلتقط كالخيار ، فان كان الحق يحل قبل تجدد الثانية ، صح ، وان كان متأخرا تأخرا يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لم يتميز ، قيل : يبطل ، والوجه أنه لا يبطل.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ في المبسوط ، لعدم الاستيفاء من الرهن ، لأن كل ما يصح رهنه وجب ان يصح بيعه عند الأجل ، وعنده ان هذا لا يصح بيعه ، لعدم تمييزه من غيره ، وما لا يصح بيعه عند الأجل لا يصح رهنه ، لعدم الفائدة في ذلك واختار المصنف الصحة ، وكذا اختيار العلامة وابنه ، وهو المعتمد ، ويحكم فيه كما يحكم في الأموال الممتزجة وهو القضاء بالصلح ، لأن مقدار كل لقطة غير معلوم ، وكذا حكم كل مالين امتزجا ولم يعلم المقدار فيهما ولا في أحدهما.

ص: 156


1- في « ر 2 » : تصرف.

قال رحمه اللّه : ولو رهن من مسلم خمرا ، لم يصح. فلو انقلب في يده خلا ، فهو له على تردد ، وكذا لو جمع خمرا مراقا ، وليس كذلك لو غصب عصيرا.

أقول : منشأ التردد من ان الخمر لا يجوز إثبات اليد عليه لغير التخليل ، والأول قد أسقط حقه منه بدفعه الى المرتهن ، فاذا صار خلا في يده ملكه ، لأن قبل صيرورتها خلا لا ملك لأحد عليها ، فهي لمن تخللت في يده. ومن احتمال عود الملك إلى الأول ، لأن يده أسبق عليها وكان له إثبات اليد عليها للتخليل ، وقد دفعها بغير نية الإعراض عنها ، لعدم سقوط حق الراهن من الرهن ، والأول هو المعتمد.

وكذا الخلاف لو كان معه خلا واراقه فجمعه جامع فتخلل في يده كان ملكه لمن تخلل في يده ، بل ملك الثاني هنا أقوى ، لأن الأول اراقه بنية الإعراض عنه.

والمعتمد في المسألتين ان قبضه الثاني بنية التخليل كان أحق به ، لأنه قبضه قبضا مباحا ، وان كان ليس كذلك فالأول أحق به ، لأن الثاني قبضه قبضا منهيا عنه ، والأول يده أسبق ، ويقبل قوله في قصد نية التخليل وعدمه.

قوله : ( وليس كذلك لو غصب عصيرا ) ، أي إذا غصب عصيرا فتخلل في يده لم يملكه الثاني ، لأن العصير مملوك للأول ، ولا يخرج عن الملك الا بصيرورته خمرا ، بل يكون للأول بغير خلاف ، ويضمن التفاوت لو نقصت قيمة الخل عن العصير.

قال رحمه اللّه : إذا فرط في الرهن ، لزمه قيمة يوم قبضه ، وقيل : يوم هلاكه ، وقيل : أعلى القيم ، فلو اختلفا في القيمة ، كان القول قول الراهن ، وقيل : القول قول المرتهن ، وهو الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في القيمة التي يغرمها المرتهن إذا ثبت تفريطه بإقراره أو بالبينة ، في

ص: 157

ذلك خمسة أقوال :

الأول : قول المصنف ، وهو قيمته يوم قبضه ، وهو قول نادر لم يذكره غيره ، ونقله العلامة في القواعد. قال عميد الدين : وأما القول بأن عليه القيمة يوم قبضه فشي ء نقله المصنف وابن سعيد ، ولم نقف على ذلك الا من نقلهما.

الثاني : قيمته يوم هلاكه ، وهو قول المفيد والشيخ في النهاية ، لأنه يوم استقرار الضمان وانتقاله إلى ذمة المرتهن.

الثالث : أعلى القيم من يوم القبض الى يوم التلف ، قال أبو العباس في مهذبه ومقتصره : نقله المصنف - يعني مصنف المختصر - وهو يشعر بأنه لم يقف عليه الا من قوله ، والظاهر انه اشتبه عليه بالقول الأول الذي اختاره المصنف هنا ، وهو ضمان القيمة يوم القبض ، لأنه لم يذكره غيره وغير العلامة ، وأما هذا القول فهو قول الشيخ في المبسوط ، وهو قول مشهور نقله عنه فخر الدين واختاره ، ونقله عنه المقداد أيضا ، وهو مشهور في المصنفات.

الرابع : أعلى القيم من يوم التلف الى يوم حكم الحاكم عليه بالقيمة ، وهو قول ابن الجنيد.

الخامس : أعلى القيم من يوم التفريط الى يوم التلف ، وهو قول العلامة في المختلف ، وهو المعتمد ، لأنه زمان الضمان ، إذ قبل التفريط لم يكن مضمونا ، وبعد التلف لا يلتفت الى زيادة القيمة ولا نقصانها ، لذهاب العين وانتقال الضمان إلى الذمة.

الثانية : إذا اختلفا في القيمة ، قال الشيخ : القول قول الراهن ، وبه قال ابن البراج وابن الجنيد وسلار وابن حمزة وأبو الصلاح الحلبي ، لسقوط عدالة المرتهن بتفريطه فلا يلتفت الى قوله ، وقال ابن إدريس : القول قول المرتهن ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه منكر ، وقال عليه السلام : « البينة على

ص: 158

المدعي واليمين على من أنكر » (1) ، وسقوط عدالته لا يوجب سقوط هذا الحكم.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا فيما على الرهن ، كان القول قول الراهن ، وقيل : قول المرتهن ، ما لم تستغرق دعواه ثمن الرهن ، والأول أشهر.

أقول : الأول مذهب جمهور الأصحاب وهو المعتمد ، لأن الراهن منكر للزيادة فيكون القول قوله فيها ، لأصالة براءة الذمة من الزائد عما اعترف به.

والثاني : مذهب ابن الجنيد معولا على رواية السكوني (2) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبة ، وهي مع مخالفتها للأصل ضعيفة السند ، لأن السكوني عامي المذهب.

قال رحمه اللّه : لو اختلفا في متاع ، فقال أحدهما : هو وديعة ، فقال الممسك : هو رهن ، فالقول قول المالك ، وقيل : القول قول المرتهن والأول أشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الممسك مدع والمالك منكر.

والثاني : مذهب السيد المرتضى والشيخ في الاستبصار ، لرواية عبادة بن صهيب في الموثق (3) ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، وشنع ابن إدريس هنا على الشيخ تشنيعا عظيما ، ولم يذكر السيد بشي ء مع انه أسبق من الشيخ.

ص: 159


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 2 ، كيفية الحكم واحكام الدعوى ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 17 في أحكام الرهن ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 16 في أحكام الرهن ، حديث 3.

ص: 160

كتاب المفلس

اشارة

ص: 161

ص: 162

في منع التصرف

قال رحمه اللّه : أما إذا أقر بدين سابق صح ، وشارك المقر له الغرماء ، وكذا لو أقر بعين دفعت الى المقر له ، وفيه تردد ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فالشيخ في المبسوط اختار قبول الإقرار بالدين والعين معا ، وبه قال العلامة في التحرير ، الا انه استشكل إحلاف المقر مع تكذيب الغرماء انه لم يقر مواطاة ، ثمَّ فرع على وجوب اليمين ونكوله عنها إشكالا في إحلاف الغرماء على ان إقراره مواطاة أو إحلاف المقر له على عدم المواطاة.

والشيخ في الخلاف حكم بالمشاركة بالدين وتردد في العين ، والعلامة في الإرشاد حكم بصحة الإقرار بالدين ومنع من مشاركة الغرماء بل يتبع به بعد فك الحجر عنه ، وأبطل الإقرار بالعين.

ووجه قول المبسوط والتحرير عموم قوله عليه السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (1) ، ولمساواة الإقرار للبينة ، إذ لو اقام المدعي بينة بدعواه

ص: 163


1- المستدرك ، كتاب الإقرار ، الباب 2 ، حديث 1.

شارك الغرماء أو يتبرع العين ، فكذا مع الإقرار ، ووجه المنع تعلق حق الغرماء بأعيان ماله ، وفي إقراره بالعين ضرر عليهم فلا يكون مقبولا.

ووجه الفرق بين العين والدين ان حق الغرماء تعلق في أمواله ، فلو قبل إقراره بالدين لشارك المقر له الغرماء فيما ثبت انه ماله ، والعين لم يثبت انها ماله ، فإذا أقر بها ، قبل ، لعدم ثبوت ملكه لها ، وهو فرق ضعيف.

والمعتمد عدم الفرق بين الإقرار بالدين والعين ، فان لم يكن متهما قبل إقراره فيهما ، وان كان متهما بطل بالنسبة إلى الغرماء فيهما ، وصح في حق نفسه يتبع بالدين بعد فك الحجر ، وتؤخر العين ، فان فضلت عن الغرماء دفعت الى المقر له ، وان استغرقها حق الغرماء وجب عليه دفع قيمتها بعد فك الحجر الى المقر له.

قال رحمه اللّه : ولو قال هذا المال مضاربة لغائب ، قيل : يقبل قوله مع يمينه وأقر في يده. وإن قال لحاضر وصدّقه ، دفع إليه ، وإن كذّبه قسّم بين الغرماء.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط نقله المصنف هنا والعلامة في القواعد ، ولم يتعرضا له بقوة ولا ضعف ، والمعتمد عدم الفرق بين هذا الإقرار والإقرار المذكور في المسألة السابقة ، لاتحاد العلة فيهما فيتحد الحكم في يمين ( المقر هنا ) (1) إثبات لحق الغير (2) ، وهو غير جائز ، فإن قبل إقراره قبل بغير يمين ، وان لم يقبل لم يثبت باليمين.

ص: 164


1- لم يرد في « ر 2 ».
2- كذا

في اختصاص الغريم بعين ماله

قال رحمه اللّه : ومن وجد منهم عين ماله ، كان له أخذها ، ولو لم تكن سواها ، وله أن يضرب مع الغرماء بدينه ، سواء كان وفاء أو لم يكن ، على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لما رواه عمر بن يزيد في الصحيح ، عن الكاظم عليه السلام ، « قال : سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصه الغرماء » (1) ، ولأنه لم يسلم له العوض ، فكان له الرجوع الى المعوض.

وقال الشيخ في النهاية والاستبصار بعدم الاختصاص مع قصور مال المفلس عن أداء الدين ، لأن دينه دين غيره متعلق بذمته وهم مشتركون في ذلك ، فلا وجه للتخصيص ، ولأن المال قد انتقل الى المفلس بعقد البيع ، فلا يعود

ص: 165


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 5 في أحكام الحجر ، حديث 2.

الى مالكه الا بوجه شرعي ، لرواية أبي ولاد (1) ، عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وهل الخيار في ذلك على الفور؟ قيل : نعم ، ولو قيل بالتراخي ، جاز.

أقول : إذا وجد الغريم عين ماله كان مخيرا بين أخذها والضرب مع الغرماء ، وهل الخيار على الفور؟ قال الشيخ في المبسوط : فيه قولان ، وجعل الفورية أحوط ، والعلامة في القواعد اختار الفورية ، وهو المعتمد ، لأن التأخير يفضي الى تضرر الغرماء بتأخير حقهم فأشبه الأخذ بالشفعة ، ولما في ذلك من الأخذ بالاحتياط.

وظاهر المصنف هنا والعلامة في التحرير ان الخيار على التراخي ، لأن الخيار قد ثبت له بالزمان الأول ، والأصل بقاؤه.

قال رحمه اللّه : ولو وجد بعض المبيع سليما ، أخذ الموجود بحصته من الثمن ، وضرب بالباقي مع الغرماء ، وكذا لو وجده معيبا بعيب ، قد استحق أرشه ، ضرب بأرش النقصان.

أقول : لم يتردد المصنف في هذه المسألة ، وأطلق الضرب بأرش النقصان ، وهي مسألة غامضة تحتاج الى كشف وإيضاح.

وتحقيق البحث ان نقول : إذا وجد المبيع ناقصا ، فان كان النقص يمكن افراده بالبيع كالعبد من العبدين أخذ السليم بحصة من الثمن وضرب مع الغرماء بما يخص التالف.

وان كان النقص لا يمكن افراده بالبيع كقطع اليد وقلع العين أو ذهاب شي ء من جوارحه ، فهذا النقص لا يمكن افراده بالبيع ، لأنه لا يمكن تقسيط الثمن على أطراف العبد ، فلا يصح افرادها بالبيع ، فلا يخلو اما ان توجب الجناية أرشا كما

ص: 166


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 5 في أحكام الحجر ، حديث 3.

إذا كانت من أجنبي ، أو لا يوجب كما إذا كانت من المشتري أو من قبله تعالى ، فان كان الثاني فليس له إلا أخذه معيبا أو الضرب بالثمن مع الغرماء ، وان كان الأول كان مخيرا بين الضرب بالثمن وترك العين ، وبين أخذ العين والضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة ان كان الثمن أقل من القيمة ، وان كان أكثر منها ( أو مثلها ) (1) ضرب بنقصان القيمة دون الزائد عليها.

وقول المصنف : ( ضرب بأرش النقصان ) ، مراده نقصان القيمة لا أرش الجناية مطلقا ، لأنه قد يكون كل الثمن كما لو اشترى عبدا بمائة يساوي مائتين ثمَّ قطعت يده ، فإن أرشها يكون مائة ، فلو أوجبنا الأرش لأخذ العبد الثمن وهو باطل.

والتحقيق ان نقول : لا يخلو اما ان يكون الثمن أقل من قيمة العبد ، أو أكثر منها ، أو مثلها.

الأول : ان يكون أقل من القيمة كما لو كانت قيمته عشرين ثمَّ باعه بعشرة ثمَّ قطعت يده ، فإنه ينظر الى قدر ما نقص من قيمته بسبب الجناية ، فيضرب بنسبته من الثمن فان كان نصفا ضرب بنصف الثمن وان كان ثلثا ضرب بثلث الثمن ، وهكذا ، وان لم ينقص شيئا بسبب الجناية لم يكن له الا الضرب بالثمن أو أخذه مجانا ، وهذا معنى قولنا : ( ضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة ) ولا يجوز هنا الضرب بما نقص من القيمة ، لأنه يؤدي الى أخذ الثمن والمثمن أو أزيد من ذلك ، كما لو فرضنا انه نقص بالجناية ثلاثة أرباع القيمة ، فلو أوجبنا الضرب بنقصان القيمة لأخذ ثمنا ونصفا والمثمن ، وهو باطل.

فان قيل : انه يلزم في هذا الفرض ان يأخذ أكثر من الثمن على ما ذهبتم إليه ، فإنه يأخذ العبد وقيمته خمسة ، ويأخذ ثلاثة أرباع الثمن ، وهو سبعة

ص: 167


1- من « ر 2 ».

ونصف ، فتجمع له اثنا عشر ونصفا ، وهو أكثر من الثمن بدرهمين ونصف ، فان الثمن عشرة دراهم.

فانا نقول : هذا غير مانع ، لأنه حكم اقتضاه التقسيط (1) ، لأن كل جزئين من العبد يقابل جزءا من الثمن ، فالراجع اليه من العبد خمسه ، وهو مقابل درهمين ونصف درهم من الثمن ، فإذا أخذ سبعة ونصفا لم يأخذ أكثر من الثمن لما بيناه ان الخمسة تقابل درهمين ونصف درهم ، ألا ترى لو كان العبد سليما من العيب كان له أخذه وهو يساوي عشرين والثمن عشرة ، ولا يجب عليه ان يرد على الغرماء شيئا ، فلو كان قدر المحاباة محسوبا عليه ، لما جاز أخذ العبد الا بعد رد عشرة دراهم.

وهذا لم يقل به احد غير العلامة في التذكرة ، فإنه منع من أخذ العبد إذا زادت قيمتها لزيادة السعر أو اشتريت بدون ثمن المثل ، وهو قول نادر ولم أجد له موافقا ، والخلاف انما هو إذا زادت القيمة للنماء المتصل كالسمن والطول لا مع الزيادة لغير ذلك ، وقد جزم في القواعد بالرجوع وان زادت لزيادة النماء المتصل.

وقال في التحرير : وإذا اختار الرجوع الى العين كانت له سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر ، وهذا هو المعتمد.

الثاني : ان يكون الثمن أكثر من القيمة كما لو كانت القيمة عشرة فاشتراه بعشرين فاذا جني عليه فصار يساوي خمسة ضرب بنصف القيمة وهي خمسة ، ولا يضرب بنصف الثمن ، لأن العشرة الزائدة محاباة من المفلس لم يأخذ مقابلها عوضا ، فلا يجب على الغرماء أداء تبرعاته ، بل أداء ما أخذ مقابله عوضا.

ولو لم ينقص من القيمة التي هي عشرة شي ء لم يضرب بشي ء كما قلناه أولا ، وهو معنى قولنا : ( ضرب بنقصان القيمة دون الزيادة عليها ) ، اي دون

ص: 168


1- في « ر 2 » : بالتقسيط.

نقصان الزائد من الثمن على القيمة.

الثالث : ان يكون الثمن بقدر القيمة ، فهنا يضرب بمقدار ما نقص من الثمن بسبب الجناية ، لعدم التفاوت بينه وبين القيمة ، وقال العلامة في التحرير : فينظر كم نقص من القيمة فيرجع بذلك الجزء من الثمن لا من القيمة ، وأطلق القول في ذلك ولم يفصل بين ان يكون الثمن أقل من القيمة أو أكثر ، والمصنف أطلق الرجوع بأرش النقصان ، وقد بينا ان مراده نقصان القيمة لا أرش الجناية ، لأن ذلك لم يقل به أحد ، الا انه لم يفصل بين ان يكون الضرب بنقصان الثمن أو نقصان القيمة ، ولا فرق بين ان يكون الثمن أقل من القيمة أو أكثر ، والشيخ في المبسوط أطلق الرجوع بقسط ما نقص بالجناية من الثمن ولم يفصل أيضا.

إذا عرفت هذا ، فعبارة المصنف والتحرير والنهاية (1) والمبسوط متفقة معنى وان اختلف اللفظ ، والمعتمد التفصيل الذي ذكرناه وحققناه ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، الا ان عبارته فيها غامضة لا يدركها غير المحصل لهذا الفن المحقق له.

قال رحمه اللّه : ولو كان النماء متصلا ، كالسمن أو الطول ، فزادت لذلك قيمته ، قيل : له أخذه ، لأن هذا النماء يتبع الأصل ، وفيه تردد.

أقول : اما النماء المنفصل فلا خلاف في كونه للمفلس لا يجوز الرجوع فيه ، واما المتصل الذي يزيد بسببه القيمة فقد اختلف فيه ، قال الشيخ في المبسوط : انه تابع للأصل ، فإذا فسخ البيع فيه تبعته الزيادة ، واختاره ابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال ابن الجنيد : يأخذ العين بقيمتها ويرد الزيادة على الغرماء ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن الزيادة مملوكة للمفلس ، فلا تخرج عن ملكه مجانا ، واختار في الإرشاد سقوط حقه من العين ، وهو يدل على المنع

ص: 169


1- من « ر 2 ».

وان بذل قيمة الزيادة ، وبالغ في التذكرة بأن أسقط حقه من العين مع زيادة قيمتها لزيادة السعر أو كان الشراء بدون ثمن المثل ، وهو نادر.

فقد ظهر ان للعلامة أربعة أقوال في هذه المسألة ، أشهرها قول القواعد ، وأقواها قول المختلف.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى أرضا ، يغرس المشتري فيها ثمَّ أفلس ، كان صاحب الأرض أحق بها ، وليس له إزالة الغروس ولا الأبنية. وهل له ذلك مع بذل الأرش؟ قيل : نعم ، والوجه المنع. نعم يباعان ويكون له ما قابل الأرض.

أقول : اختار المصنف هو المعتمد ، وقال في المبسوط : له الإزالة مع بذل الأرش.

قال رحمه اللّه : ولو اشترى زيتا ، فخلطه بمثله ، لم يبطل حق البائع من العين ، وكذا لو خلطه بدونه ، لأنه رضي بدون حقه. وان خلطه بما هو أجود ، قيل : يبطل حقه من العين ، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.

أقول : بطلان حقه من العين مع الخلط بالأجود مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد ، لأنها ليست موجودة من طريق المشاهدة ولا الحكم ، لأنه ليس له المطالبة بقيمتها إجماعا ، بل بالثمن الذي وقع العقد عليه ، وإذا لم تكن موجودة من الوجهين كانت بمنزلة التالف ، فيتعين الضرب مع الغرماء بالثمن.

وقيل : يباع الزيتان معا ، فيؤخذ الثمن على قدر قيمة الزيتين ، فاذا كان قيمة العين درهما والممتزج فيهما درهمين ، بيعا وأخذ ثلث الثمن ، ووجود عين ماله وإمكان التوصل إليها بما قلناه.

وقال ابن الجنيد : لو كان المبيع مما يكال أو يوزن فاختلط بما لا يتميز بمحضر من شهود ثمَّ أفلس المشتري ، كان للبائع ثمن متاعه به على الغرماء ، ولم

ص: 170

يفصل بين الاختلاط بالأجود أو الأردإ أو المماثل ، واختاره العلامة في المختلف.

ولا فرق بين الزيت وغيره من المكيلات والموزونات.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم في متاع ، ثمَّ أفلس المسلم اليه ، قيل : إن وجد رأس ماله أخذه ، وإلا ضرب مع الغرماء بالقيمة ، وقيل : له الخيار بين الضرب بالثمن وبقيمة المتاع ، وهو أقوى.

أقول : إذا أسلم في حنطة مثلا ثمَّ أفلس المسلم إليه ، فإن وجد عين الثمن الذي دفعه كان له أخذه وكان أحق به من سائر الغرماء ، وان لم يجد عين ماله ضرب بقيمة الطعام الذي أسلم فيه مع الغرماء ، وهل له مع فقد عين ماله فسخ العقد والضرب بالثمن الذي هو رأس ماله؟ قال الشيخ في المبسوط : قيل له ذلك ، وقواه المصنف هنا ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه قد تعذر استيفاء المسلم فيه ، فكان للمشتري الفسخ كسائر أصناف السلم.

ويحتمل المنع ، لأصالة لزوم العقد وعدم وجود عين ماله ، فليس له الا الضرب بقيمة ما في ذمة المفلس - وهو المتاع المسلم فيه - فيقوم قيمة عادلة ثمَّ يضرب بتلك القيمة ، سواء زادت عن الثمن الذي دفعه أو نقصت.

تنبيه : لو وجد مثل المتاع الذي أسلم فيه في مال المفلس لم يكن له الاختصاص به ، ولا يتعين أخذ حقه منه ، لاشتراك الغرماء بأعيان أمواله ، والدين انما يتعين بالقبض وهو لم يقبضه ، وكونه من جنس ما له لا يكفي في التعيين.

قال رحمه اللّه : وإذا شهد للمفلس شاهد بمال ، فان حلف استحق. وان امتنع ، هل يحلف الغرماء؟ قيل : لا ، وهو الوجه ، وربما قيل بالجواز ، لأن في اليمين إثبات حق الغرماء.

أقول : القول بمنع يمين الغرماء قول الشيخ رحمه اللّه ، وهو المعتمد ، لأنه لا

ص: 171

يصح للإنسان ان يحلف ليثبت مالا لغيره ، والغرماء يحلفون ليثبتون مالا للمفلس وهو غير جائز. وقال ابن الجنيد : يجوز لهم الحلف ، لأنهم إذا حلفوا كان لهم المطالبة فكان النفع لهم ، والجواب انهم يأخذون عن المفلس لا بالأصالة.

قال رحمه اللّه : وإذا مات المفلس حلّ ما عليه ، ولا يحل ماله ، وفيه رواية أخرى مهجورة.

أقول : قال الشيخ في النهاية : يحل ما له ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج لما رواه أبو بصير ، « قال : قال أبو عبد اللّه : إذا مات الميت حل ما له وما عليه من الدين » (1).

والمشهور حلول ما عليه دون ما له ، والفرق حصول الإجماع على حلول ما عليه ، قال السيد المرتضى في المسائل الناصرية : إلى الآن لا أعرف لأصحابنا فيه نصا معينا فأحكيه ، وفقهاء الأمصار كلهم يذهبون الى ان الدين المؤجل يصير حالا بموت من هو عليه. ويقوى في نفسي ما ذهب اليه الفقهاء ويمكن ان يستدل عليه بقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (2) علق القسمة بقضاء الدين فلو أخرت تضررت الورثة ، هذا كلامه رحمه اللّه.

نقل عن علماء الأمصار كلهم انهم يذهبون الى حلول الدين المؤجل بموت من هو عليه ، وهذا هو الإجماع بعينه ، ولأنه مع منع الورثة من التصرف في التركة قبل حلول الأجل يحصل الضرر عليهم ، ومع أمرهم بالتصرف يحصل الضرر على صاحب الدين ، فوجب ان يحل ما عليه دفعا لهذه الضرورة اللاحقة بأحد الفريقين ، بخلاف ما له إذ لا مفسدة في تأخيره إلى حين الأجل ، إذ الأصل عدم الحلول ، خرج ما وقع عليه الاتفاق ، يبقى الباقي على الأصل ، ولا فرق بين ان

ص: 172


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 أبواب القرض والدين ، حديث 1.
2- النساء : 11.

يكون الدين سلما أو دية خطأ تعلقت بمال الجاني أو غير ذلك للعموم.

قال رحمه اللّه : وينظر المعسر ، ولا يجوز إلزامه ولا مؤاجرته ، وفيه رواية أخرى مطرحة.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، واختاره الشهيد ، لأنه لم يوجب التكسب للدين ، وقال ابن حمزة : ان كان المديون معسرا صبر عليه من له الدين حتى يجد ، وان كان مكتسبا أمره بالإنفاق على نفسه وعياله وصرف الفاضل في دينه ، وان كان غير مكتسب خلي سبيله حتى يجد ، لما رواه السكوني في الموثق ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام : « ان عليا عليه السلام كان يحبسه في الدين ثمَّ ينظر فان كان له مال دفعه الى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم وأجروه ، وان شئتم استعملوه » (1).

واختاره العلامة في المختلف ، وهو ظاهر القواعد ، لأنه أوجب عليه السعي في الدين ، ويلزم منه جواز مؤاجرته مع الامتناع ، لأن القادر على التكسب غير معسر ولهذا يمنع من الزكاة ، وغير المعسر يجب عليه أداء الدين.

احتج المانعون بقوله تعالى ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (2) ، وبأصالة براءة الذمة من وجوب السعي والمؤاجرة ، وهو المعتمد.

ص: 173


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 7 في أحكام الحجر ، حديث 3.
2- البقرة : 280.

ص: 174

في قسمة ماله

قال رحمه اللّه : ولو اقتضت المصلحة تأخير القسمة ، قيل : يجعل في ذمة ملي احتياطا ، وإلا جعل وديعة ، لأنه موضع ضرورة.

أقول : إذا باع الحاكم مال المفلس فان كان الغريم واحدا دفع اليه المال ، وان تعدد وأمكنت القسمة عاجلا من غير ضرورة لم يجز التأخير ، وان تعذرت أو اقتضت المصلحة التأخير كظن ظهور غريم أو الخوف من ظالم ، أو غير ذلك مما يراه الحاكم من المصلحة.

قال المصنف : ( قيل : يجعل في ذمة ملي احتياطا والا جعل وديعة ) ، ولم يجزم بذلك ، وجزم به العلامة في القواعد ، وجزم به في التحرير أيضا ، الا انه قيد بتعذر القسمة ، وانما لم يجزم المصنف بذلك ، لاحتمال عدم جواز تأخير دفع الحق إلى مستحقه مع الإمكان.

قال رحمه اللّه : وهل يزول الحجر بمجرد الأداء ، أو يفتقر الى حكم الحاكم ، الأولى أنه يزول بالأداء ، لزوال سببه.

أقول (1) : ومن ان حجره يثبت بحكم الحاكم فلا يرتفع الا بحكمه ، وهو مذهب المصنف.

ص: 175


1- كذا.

ص: 176

كتاب الحجر

ص: 177

ص: 178

في موجباته

قال رحمه اللّه : وهو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر ، وفي أخرى إذا بلغ عشرا وكان بصيرا ، أو بلوغ خمسة أشبار جازت وصيته ، وأقيمت عليه الحدود.

أقول : يفهم من كلام المصنف ان الرواية الواردة بلوغ العشر سنين أو بلوغ الخمسة أشبار ( واحدة ، و) (1) انها تضمنت جواز وصيته واقامة الحدود عليه مع بلوغ العشر أو الخمسة أشبار ، وليس الأمر كذلك بل الوارد بالوصفين اللذين ذكرهما وهما بلوغ العشر أو الخمسة أشبار روايتان تضمنتا حكمين ، فرواية بلوغ العشر تضمنت جواز الوصية ، ورواية بلوغ الخمسة الأشبار تضمنت جواز إيقاع الحدود عليه ، فالرواية الأولى هي رواية الصدوق محمد بن بابويه ، عن عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه ، عن الصادق عليه السلام ، « انه قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته » (2).

وروى زرارة ، عن الباقر عليه السلام مثل ذلك الا انه زاد في روايته :

ص: 179


1- في « ن » : أو حدّه.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44 في أحكام الوصايا ، حديث 3.

« فإنه يجوز له في ماله إذا أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف » (1).

واما الرواية الثانية التي تضمنت جواز اقامة الحدود عليه فهي رواية السكوني ، عن الصادق عليه السلام ، « في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار لم يقتص منه ، وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية » (2).

قال رحمه اللّه : الوصف الثاني الرشد : وهو ان يكون مصلحا لماله ، وهل يعتبر العدالة؟ فيه تردد.

أقول : اعتبار العدالة مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، لأن غير العدل سفيه ، والسفيه ليس برشيد ، وقال ابن الجنيد : الرشد هو العقل وإصلاح المال ، واختاره أكثر المتأخرين ، لأصالة عدم الزيادة على ذلك ، وهو المعتمد ، لأن المفهوم من الرشد هو إصلاح المال مع الأمن من الانخداع في المعاملات ، فاذا ثبت هذا ثبت الرشد ، لأصالة عدم اشتراط الزائد على ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو باع فأجاز الولي ، فالوجه الجواز ، للأمن من الانخداع.

أقول : الجواز مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما قاله المصنف. وقال الشيخ وابن البراج لا يصح ، لأنه محجور عليه وممنوع من التصرف ، فلا يكون تصرفه صحيحا ، وحكم الاذن له في البيع حكم الإجازة بعده ، ولا فرق بينهما إلا في اشتراط تعيين من يبيع عليه أو يشتري منه إذا كان الاذن سابقا.

تنبيه : إذا بلغ الصبي وصرف أمواله في وجوه الخير كالصدقات ، وعتق المماليك ، وبناء القناطير والمساجد ، وما شابه ذلك ، هل يكون ذلك تبذيرا؟

ص: 180


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44 في أحكام الوصايا ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 26 أبواب القصاص في النفس ، حديث 1.

قال في الإرشاد : وصرف المال في وجوه (1) الخير ليس بتبذير مع بلوغه في الخير ، والظاهر ان الضمير في ( بلوغه ) عائد إلى الصارف ، اي مع بلوغ ذلك الصارف في الخير المبلغ الذي يصير أهلا أن يصرف جميع أمواله في الخير ، بأن يكون مبالغا في صنوف اعمال الخير من العلم والزهد والتقوى والمواظبة على جميع الطاعات والقيام بالواجبات والمندوبات ، فمن كان على هذه الصفة لا يكون صرفه جميع أمواله في الخير تبذيرا ، لأن همه اشتغاله في أمر آخرته ، وقد اعرض عن هذه الدنيا وكان رغبته فيما عند اللّه ، فأوجبت هذه الهمة وهذه الرغبة صرف جميع أمواله الى ما هو مطلوبه ومقصوده فلا يكون مبذرا.

أما لو كان تاجرا همه جمع الأموال في الكدح بالبيع والشراء والأسفار وغير ذلك من أصناف التكسبات ، فهذا إذا صرف أمواله في أفعال الخير كان مبذرا ، كما لو ألقاه في البحر ، لأنه صرفه بما ليس همته ولا مقصوده ، ولا هو أهل لذلك ، لأن عادته وهمته ومقصوده في جمع الأموال ، فاذا صرفه جميعه بما ليس بمقصود له ولا ملائم لطبعه ، كان سفيها مبذرا ، وكان ذلك اما لاختلال في عقله أو للرياء والسمعة ، فلا يكون لغرض صحيح ، وكل صرف لا يكون لغرض صحيح فهو تبذير ، ولا أرى لتأويل عبارة الإرشاد بغير هذا الوجه وجها.

ويحتمل ان يكون صرف التاجر وشبهه لجميع ما له في أفعال الخير لا يكون تبذيرا ، لأن المقصود من المال الانتفاع به ، ولا انتفاع أبلغ من صرفه في هذا الباب ، وهو ظاهر القواعد ، فإنه قال فيه : وصرف المال الى الخيرات ليس بتبذير ، وأطلق ، والأول هو المعتمد لما بيناه.

ويحتمل ان صرف الأول - وهو المبالغ في أفعال الخير - جميع ما له في الخير تبذير ، لقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ

ص: 181


1- من « ر 2 » ، وفي بعض النسخ : ( صنوف ).

فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) (1).

وهذا الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مع عظم مبالغته في أفعال الخير ، فقد نهي عن صرف جميع ماله في الخير ، فكيف من يكون قاصرا عنه في المبالغة في أفعال الخير؟! وقد أومى في التحرير إلى شي ء من هذا ، فقال : وصرف أكثر المال في صنوف الخير مع قناعته بالباقي ليس بتبذير ولا سرف ، وهو يدل بمفهومه على ان صرف الجميع يكون تبذيرا ، بل صرف الأكثر مع عدم القناعة بالباقي يكون تبذيرا وسرفا ، وليس بعيدا من الصواب.

والمراد بالقناعة هنا قدر الكفاية ، أي لا ترك الا قدر كفايته ، وليس المراد رضى النفس إذ قد لا ترضى بالجميع.

قال رحمه اللّه : وفي منعه من التبرعات المنجزة الزائدة على الثلث ، خلاف بيننا ، والوجه المنع.

أقول : يأتي البحث في هذا إنشاء اللّه تعالى في كتاب الوصايا.

ص: 182


1- الإسراء : 29.

في أحكام الحجر

قال رحمه اللّه : لا يثبت حجر المفلس ، إلا بحكم الحاكم. وهل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟ فيه تردد ، والوجه أنه لا يثبت إلا بحكم الحاكم ولا يزول إلا بحكمه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : حجر السفيه لا يثبت الا بحكم الحاكم ولا يزول الا بحكمه ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن ثبوت الحجر على خلاف الأصل ، لأن الأصل صحة تصرفات البالغ العاقل ، فالمنع من ذلك يفتقر الى حكم الحاكم ، وإذا ثبت الحجر بحكمه لا يزول الا بحكمه ، لأصالة بقاء الحجر ، وزوال السفه أمر خفي ، فيفتقر الى نظر الحاكم كما يفتقر ثبوت الحجر اليه.

وقيل : يثبت الحجر بظهور السفه من دون حكم الحاكم ، لأن علة الحكم ظهور السفه فلا يحتاج الى الحكم بالحجر ، والا لما كان السفه علة وهو ممنوع ، فكلما وجد السفه وجد الحجر ، وكلما زال الحجر فلا يفتقر في دفعه الى حكم الحاكم مع زوال السفه ، لزوال (1) السبب الموجب للحجر.

ص: 183


1- في « ر 2 » بعض النسخ ، و« ن » : بزوال.

قال رحمه اللّه : فإذا حجر عليه ، فبايعه إنسان ، كان البيع باطلا. وإن كان المبيع موجودا استعاده البائع وان تلف وقبضه بإذن صاحبه كان تالفا ، وإن فك حجره. ولو أودعه وديعة ، فأتلفها ، ففيه تردد ، والوجه أنه لا يضمن.

أقول : التردد في ضمان الوديعة مع إتلافها انما هو إذا كان الإيداع بعد الحجر عليه ، أما إذا أودعه قبل الحجر ثمَّ أتلفه بعده كان مضمونا عليه قطعا ، ومنشأ التردد في الأول من اسناد التفريط الى المالك في إيداعه للمحجور عليه ، فلا يضمن المحجور عليه ، فهو كما لو أودع الصبي أو المجنون فأتلف ، ومن عموم ضمان المتلفات ، فإن الصبي والمجنون يضمنان ما أتلفاه من المال في مالهما ان كان لهما مال ، وكذلك السفيه إذا أتلف ما لا ضمنه ، فهنا يضمن أيضا.

والمعتمد عدم الضمان ، لحصول الفرق بين الاتلافين ، لأن المالك هنا قد عرض ماله للإتلاف بسبب التسليط عليه ، بخلاف ما إذا أتلف مالا من غير تسليط مالكه عليه ، والأصل براءة الذمة ، فهو كما لو قبضه المشتري ثمن ما اشتراه منه ثمَّ أتلفه ، فكما لا يضمن هناك لا يضمن هنا ، ولا فرق بين علم المشتري من السفيه والبائع عليه بالحجر وعدمه في عدم ضمان ما قبضه منهما باختيارهما عوضا عما دفعه إليهما ، قاله العلامة في القواعد والتحرير ، وفيه نظر من استحالة تكليف الغافل.

قال رحمه اللّه : إذا حلف انعقد يمينه ، ولو حنث ، كفّر بالصوم ، وفيه تردد.

أقول : لا خلاف في انعقاد يمين السفيه في موضع ينعقد فيه يمين غيره ، ولا في وجوب الكفارة عليه مع الحنث ، ولكن هل ينحصر الكفارة في الصيام دون غيره؟

تردد المصنف في ذلك من انه غير ممنوع من اليمين ولا من التكفير مع الحنث ، فيكون مخيرا في أنواع الكفارة كغيره ، ومن انه محجور عليه في جميع

ص: 184

التصرفات المتعلقة بإخراج المال ، وغير الصيام يتضمن إخراج المال فيكون ممنوعا منه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويختبر الصبي قبل بلوغه ، وهل يصح بيعه؟ الأشبه أنه لا يصح.

أقول : معنى الاختبار ان نفوض اليه تصرفات أمثاله يتصرف فيها ، فولد التاجر يفوض اليه البيع والشراء ، فان سلم من المغابنة علم رشده ، وأولاد الأشراف الذين يرتفع أمثالهم عن المعاملات يدفع الى الصبي منهم نفقته مدة بعضها في مصالحه ، فان كان حافظا لها يحاسب وكيله ويستوفي منه ويأمره بشراء ما يليق بحاله وينهاه عما لا يليق عرف رشده.

والمرأة تختبر بما لا يلائم حالها من حرف النساء ، فان كانت من أهل الغزل والنساجة اختبرت بهما ، وان كانت مرتفعة عن الصنائع اختبرت بالولاية على الخدم في خدمة البيت ، فإن أمرتهم ونهتهم في محل الأمر والنهي ، ومكنتهم فيما شأنهم التمكين فيه ، ومنعتهم عما من شأنهم الامتناع عنه ، علم رشدها ، فاذا علم رشد الصبي قبل بلوغه لم يفتقر الى اختبار بعد البلوغ.

إذا عرفت هذا ، فهل تصح العقود التي يختبر فيها قبل بلوغه أم لا؟ يبنى ذلك على ان بيع المميز وشراءه بأمر الولي هل هو صحيح أم لا؟

قال العلامة في التحرير : وقت الاختبار قبل البلوغ مع التمييز ، ومع اذن الولي يصح تصرفه وبيعه ، فقد جزم بصحة البيع ، وذهب المصنف هنا الى عدم صحة البيع ، وهو مذهب العلامة في الإرشاد ، قال فيه : ويختبر الصبي قبل بلوغه ولا يصح بيعه ، جزم بعدم صحة البيع ، وقال العلامة في القواعد : وفي صحة العقود حينئذ إشكال ، ولم ينص على الاختبار ، هل هو قبل البلوغ أو بعده ، بل استشكل في صحة العقود.

ص: 185

واختلف الشارحان في منشأ الاشكال بعد اتفاقهما على كون الاختبار بعد البلوغ ، قال فخر الدين : ان ظهر رشده حالة العقود صحت العقود قطعا ، وان ظهر سفهه أو لم يتبين شي ء بعد ، فهل يحكم بصحة العقود أو لا؟ والاشكال في هذين الموضعين.

ومنشؤه ان السفيه يصح تصرفه بإذن الولي ، وهذه العقود مأذون فيها شرعا ، ومن حيث بطلان تصرفات السفيه وهذا سفيه ، هذا كلامه رحمه اللّه. جعل منشأه من صحة بيعه بإذن الولي ، ومن عدم الصحة.

وقال عميد الدين : منشؤه من ان تصرفه موقوف على ثبوت رشده وقبله لم يكن رشده ثابتا ، فلا يكون تصرفه صحيحا ، ومن استبانة رشده عند وقوع العقد ، فكان صحيحا ، هذا تعليله رحمه اللّه.

قلت : الذي أوجب لهما الاختلاف في التعليل فهمهما وقوع الاختبار بعد البلوغ ، فعلل كل واحد منهما على قدر فهمه ، ومن العجب فهمهما كون الاختبار بعد البلوغ ، وقد نص العلامة في إرشاده وتحريره انه قبل البلوغ ، ونص عليه نجم الدين هنا.

وقال الشهيد في شرح الإرشاد : كونه بعد البلوغ مذهب بعض العامة ثمَّ منعه ، قال : ولو كان بعد البلوغ لأدى ذلك الى الحجر على البالغ الرشيد ، وهو خلاف الإجماع.

قلت : قول الشهيد هنا منقوض بعدم ثبوت الرشد الا بعد الاختبار.

فان قيل : إنهما تلامذة المصنف وربما انهما سمعا منه ان مراده في الاشكال إذا كان الاختبار بعد البلوغ.

قلنا : ان عبارة عميد الدين لا تدل على ذلك ، بل على ضده ، لأنه قال : قال صاحب الشرائع : يختبر الصبي قبل بلوغه ، وهل يصح بيعه؟ الأشبه انه لا

ص: 186

يصح ، تردد في صحة العقد الصادر منه قبل بلوغه ، والمصنف لم يفصل هل ذلك قبل البلوغ أو بعده ، والظاهر ان المراد ان بلغ الصبي وشك في رشده فإنه يختبر حينئذ بما يلائمه من التصرفات ، هذا كلامه رحمه اللّه. وهو دال على انه لم يفهم ذلك الا من إطلاق المصنف ، لأنه لو سمعه منه لأسنده إلى سماعة لا إلى الإطلاق ، وكأنه لم يقف على قول المصنف في الإرشاد والتحرير حالة شرحه لهذه المسألة ، والا لكان ذكر مذهبه فيهما كما ذكر مذهب الشرائع.

وعلى القول بان الاختبار بعد (1) البلوغ يكون تعليل عميد الدين أنسب للحكم وأليق بمذهب المصنف ، وتعليل فخر الدين غير مذهب المصنف ، لأن مذهب المصنف في القواعد وغيرها جواز بيع السفيه بإذن الولي سواء وقع بعد الاذن أو قبله ثمَّ اجازه الولي ، ولم يتردد في ذلك ، فحمل هذا الاشكال عليه يخالف مذهبه رحمه اللّه ، بل حمل الاشكال على كون الاختبار قبل البلوغ كما نص عليه في الإرشاد والتحرير ، وكون منشأه من صحة بيعه إذا كان بإذن الولي كما هو مذهبه في التحرير في هذه المسألة المشروحة ، ومن عدم الصحة كما هو مذهبه في الإرشاد أولى ، لأن حمل إطلاقه في القواعد على ما قيدها في غيرها اولى من حمله على ما ليس بمذكور في مصنف من مصنفات أصحابنا المتداولة بيننا الآن ، وليس هو مذهبنا لهم ، بل لبعض الجمهور ، كما قاله الشهيد في شرح الإرشاد ، وإذا ثبت ان الاختبار قبل البلوغ ثبت ان منشأ الاشكال ما قلناه ، فلا يحتاج الى تعسف.

ص: 187


1- في « ر 2 » : قبل.

ص: 188

كتاب الضمان

اشارة

ص: 189

ص: 190

في تعريف الضمان

قال رحمه اللّه : وهو عقد شرّع للتعهد بمال أو نفس. والتعهد قد يكون ممن عليه للمضمون عنه مال ، وقد لا يكون. فهنا ثلاثة أقسام : القسم الأول في ضمان المال ممن ليس عليه للمضمون عنه مال. وهو المسمّى بالضمان بقول مطلق.

أقول : التعهد ان كان بالنفس فهو الكفالة ، وان كان بالمال ممن عليه للمضمون مال مثله فهو الحوالة ، وان كان ممن ليس عليه مال فهو الضمان بقول مطلق ، والى هذا أشار بقوله : ( فهنا ثلاثة أقسام ).

وقوله : ( بقول مطلق ) اي من غير تقييد بقولنا : ممن عليه مثله.

ص: 191

ص: 192

في ضمان المال

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا يشترط علمه بالمضمون له ، ولا بالمضمون عنه ، وقيل : يشترط ، والأول أشبه.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لما روي : « ان عليا عليه السلام ضمن عن ميت درهمين » (1) ، وروي : « ان أبا قتادة ضمن عن ميت دينارين » (2) ، وكان ذلك منهما بحضرة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولم يسألهما عن معرفة صاحب الدين ولا عن معرفة الميت ، بل لا بد من تمييز المضمون عنه ، كما قاله المصنف ليصح معه القصد الى الضمان عنه ، والمعرفة التي لا تشترط هي معرفة الاسم والنسب.

وقال في المبسوط : فيه ثلاثة أقوال ، أحدها : يشترط معرفتهما ، وهو الأظهر ، أما معرفة المضمون له لينظر هل هو سهل المعاملة أولا؟ واما المضمون عنه لينظر هل يستحق ذلك عليه أم لا؟ حذرا من الغرر.

ص: 193


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 3 في أحكام الضمان ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 3 في أحكام الضمان ، حديث 3.

قال رحمه اللّه : ويشترط رضى المضمون له ، ولا عبرة برضا المضمون عنه ، لأن الضمان كالقضاء ، ولو أنكر بعد الضمان لم يبطل على الأصح.

أقول : مذهب الشيخ في الخلاف عدم اشتراط رضاهما معا ، لضمان علي عليه السلام وابي قتادة (1) ، فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يسأل عن رضى المضمون له ، ولا يمكن رضى المضمون عنه ، لأنه ميت.

وذهب في المبسوط إلى رضى المضمون له دون (2) المضمون عنه ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

أما عدم اعتبار رضى المضمون عنه فلما قاله المصنف : من ان الضمان عنه كالقضاء ، فكما لا يعتبر رضاه في القضاء لا يعتبر رضاه في الضمان.

واما اعتبار رضى المضمون له ، لأن ذلك إثبات حق في الذمة بعقد فلا بد من رضى المتعاقدين فيما وقع العقد عليه كسائر الحقوق.

إذا عرفت هذا ، فإذا أنكر المضمون عنه الضمان اي لم يرض به هل يبطل أم لا؟ ذهب الشيخ في النهاية إلى بطلانه ، وبه قال المفيد في المقنعة ، وهو مذهب ابن البراج وابن حمزة ، وهو بناء على اشتراط الرضى بالضمان.

وقال ابن إدريس بعدم البطلان ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو بناء على عدم اشتراط رضى المضمون عنه ، لقوله عليه السلام : « الزعيم غارم » (3) ، وهو عام.

قال رحمه اللّه : مع تحقق الضمان ، ينتقل المال إلى ذمة الضامن ، ويبرأ

ص: 194


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 3 في أحكام الضمان ، حديث 2 و3.
2- في « ر 1 » : لا.
3- المستدرك ، كتاب الضمان ، باب 1 ، حديث 1 ، مع اختلاف في النص ، وهو موجود في سنن الترمذي ، باب 39 ، وسنن ابي داود ، كتاب الإجارة ، باب تضمين العارية.

المضمون عنه ، وتسقط المطالبة عنه ، ولو أبرأ المضمون له المضمون عنه ، لم يبرأ الضامن ، على قول مشهور لنا.

أقول : قال العامة : الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه ، فيجوز له حينئذ ( مطالبة أيهما شاء ) (1). وقال أصحابنا : الضمان ناقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

إذا عرفت هذا ظهرت فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : إذا أبرأ المضمون له المضمون عنه ، كما قاله المصنف ، فعلى قول أصحابنا لا يبرأ الضامن ، لأن المال قد انتقل الى ذمته ( وبرأ المضمون عنه بنفس الضمان (2) ، فقد أبرأه مما ليس في ذمته فكان الإبراء باطلا ، وعلى قول العامة يبرأ ، لعدم الانتقال إلى ذمة الضامن ، ولو ابرأ الضامن برءا عندنا ولا يبرءا عند العامة ، لأنه لم ينتقل المال الى ذمته ، فقد أبرأه مما ليس بلازم له.

الثانية : لو مات الضامن قبل الأداء بقي المال على المضمون عنه عندهم ، وعندنا يتعلق بتركة الضامن ، فان كان له تركة ، والا سقط حق المضمون له ، ولو مات المضمون عنه تخير المضمون له في الرجوع الى تركته ومطالبة الضامن عندهم ، وعندنا يتعين مطالبة الضامن ، وليس للمضمون له الرجوع على تركة المضمون عنه.

الثالثة : لو ضمن بغير سؤاله ثمَّ أدى بسؤاله رجع عليه عندهم ، لأنه أدى دينه بإذنه عندهم ، وعندنا لا يرجع عليه بشي ء ، لانتقال المال الى ذمته بنفس الضمان ، فاذن لا يرجع على الآذن بشي ء.

الرابعة : لو دفع الضامن الى المضمون له ، فأنكر فشهد المضمون عنه ،

ص: 195


1- في « ن » : مطالبته ان شاء.
2- ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

فعندهم لا تقبل هذه الشهادة ، لأنها له فلا تقبل شهادته لنفسه ، وعندنا تقبل ما لم تحصل التهمة ، وهي تتصور في مواضع :

الأول : ان يحجر على الضامن للفلس ويكون المضمون عنه أحد غرمائه ، ويكون الضمان تبرعا بغير اذن المضمون ، فهنا تتحقق التهمة ، لأن شهادته بالأداء تمنع المضمون له من مخاصمة الغرماء وهو أحدهم.

الثاني : ان يدفع عن الحق عوضا أقل من قيمته ، فهنا تتحقق التهمة ، لأنه يرجع بقيمة المدفوع خاصة.

الثالث : ان يكون الضامن معسرا والمضمون له غير عالم بحاله ، فهنا تتحقق التهمة أيضا ، لأن شهادته بالأداء تمنع رجوع المضمون له عليه.

قال رحمه اللّه : والضمان المؤجل جائز إجماعا ، وفي الحالّ تردد ، أظهره الجواز.

أقول : قال الشيخ في النهاية : لا يصح ضمان مال ولا نفس إلا بأجل معلوم ، وهو قول المفيد في المقنعة ، وابن البراج في الكامل ومذهب ابن حمزة ، لأن الضمان إرفاق ، فيشترط فيه الأجل إذ الحالّ لا إرفاق فيه ، لأن الضمان الحالّ يسوغ تعجيل المطالبة بالحق المضمون فيتسلّط الضامن على مطالبة المضمون عنه ، فتنتفي فائدة الضمان وهي الإرفاق.

وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب بجواز الحالّ ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، وعموم قوله عليه السلام : « الزعيم غارم » (1) ، وعموم ( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (2).

وأجيب عن حجة المانعين بعدم انحصار الفائدة في التأجيل ، بل في تفاوت الغرماء بحسن القضاء والتقاضي.

ص: 196


1- تقدم ص 194.
2- يوسف : 72.

تنبيه : مراد الشيخ في النهاية ومن تابعه بالمنع من الضمان الحال الإطلاق ، أي سواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، وليس مرادهم تخصيص المنع بما إذا كان الدين مؤجلا كما توهمه المقداد في شرح المختصر ، لأنه قسم الدين الى حال ومؤجل ، وقسم الضمان الى حال ومؤجل ، ثمَّ قال : الثاني ان يكون مؤجلا ويضمن حالا ، وهذا منعه الشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة ، لأن الضمان وضع للإرفاق ، هذا كلامه رحمه اللّه.

حصر منع الشيخ والمفيد في النهاية والمقنعة فيما إذا كان الدين مؤجلا وهو سهو القلم ، لأن المراد هنا الإطلاق واختصاص المنع بالمؤجل وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، نقله العلامة عنه في المختلف ، وفي هذه المسألة مذهبه فيه الجواز ضد مذهبه في النهاية ، وفي النهاية اشترط تأجيل الضمان مطلقا ، وفي المبسوط اشترط تأجيله إذا كان الدين مؤجلا ، وجوز حلوله إذا كان الدين حالا وتابعه المصنف هنا على مذهبه فيه ، واختار في هذه جواز الحلول ، واختار فيما إذا كان الدين مؤجلا اشتراط التأجيل ، ذكر ذلك في آخر باب الضمان في المسألة التي تلي الحوالة ، فقد ظهر فساد ما توهمه المقداد.

ومما يدل على فساده قول العلامة في التحرير ، قال : وللشيخ قول بالمنع من الضمان الحالّ مطلقا ، وقول آخر بالمنع من الضمان المؤجل حالا. أشار بالإطلاق إلى قوله في النهاية الذي توهمه المقداد انه مختص بالمؤجل ، وأشار بالمختص بالمؤجل إلى قوله في المبسوط.

وانما نبهنا على ذلك ليحصل العلم بأن هذه المسألة (1) والتي بعدها مسألتان متغايرتان ، وان مذهب المصنف غير متناقض ، وعلى ما قاله المقداد تكون مسألة

ص: 197


1- في « ن » بزيادة : واحدة.

واحدة ، فيلزم حينئذ التكرار (1) لغير فائدة ، وحصول التناقض في قوليه ، لأنه اختار هنا جواز الضمان حالا واختار في التي بعدها عدم جوازه حالا ، وهو تناقض على القول بأنهما مسألة واحدة ، فقصدنا لهذا لتنبيه تحقيق ذلك ، ونسأل من اللّه المعونة والتوفيق ، ( والهداية إلى التحقيق والعصمة من الزلل الموجب للخلل في القول والعمل ) (2).

فروع :

الأول : إذا اشترط في عقد الضمان الأداء من مال بعينه صح الضمان والشرط ، لتفاوت الأغراض في أعيان الأموال ، فلو تلف المال قبل الأداء من غير تفريط من الضامن ، هل يبطل الضمان ويرجع على الأصل أو لا يبطل ويلزم الضامن بالأداء من غيره؟ يحتمل البطلان ، لفوات الشرط وهو الأداء من ذلك المال المتعين ، وقد تلف فيبطل الضمان ، ويحتمل عدم البطلان ، لأن الضمان ناقل للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن ، واشتراط الضمان من مال بعينه لا ينافي ثبوته في ذمته ، وإذا كان ثابتا في الذمة لم يبطل بتلف المال المشترط أداء الدين منه.

والتحقيق : انه إذا اشترط الضمان من مال معين (3) ، هل يتعلق الدين بذلك المال تعلق الدين بالرهن أو تعلق الأرش برقبة الجاني؟ فعلى الأول لا يبطل الضمان كما لو تلف الرهن ، وعلى الثاني يبطل كما لو تلف العبد الجاني ، فإذا بطل رد على الأصل ، والأول مذهب فخر الدين ، وهو المعتمد.

الثاني : لو لم يف المال الذي اشترط أداء الدين منه بقيمة الدين ، هل يرجع

ص: 198


1- في « ن » : بغير.
2- ليس في « ن » و« ر 2 ».
3- في « ن » : بعينه.

بالباقي على الضامن أو الأصيل؟ يبنى على الأصل الذي ذكرناه ، فان قلنا : انه يتعلق به تعلق الأرش برقبة الجاني لم يرجع على الضامن ، ويرجع على الأصيل ، لأن المال لم ينتقل إلى ذمة الضامن ، بل يتعلق بعين المال فلا يلزمه أكثر من قيمته ، كما لا يلزم السيد أكثر من قيمة الجاني.

وان قلنا : تعلق الدين بالرهن ، رجع على الضامن ، لأن المال قد انتقل الى ذمته بنفس الضمان ، فاذا قصر ما اشترط الأداء منه عن الدين تمم من غيره ، ورجع على المضمون عنه ان كان الضمان بسؤاله.

الثالث : لو بيع متعلق الضمان وهو المال الذي اشترط الأداء منه بأقل من قيمته لعدم الراغب احتمل الرجوع بتمام القيمة ، لأنه يرجع بما غرم ، ويحتمل الرجوع بالثمن خاصة ، لأنه القدر الذي قضاه ، قاله في القواعد.

وفي هذا الكلام دلالة على ان المديون يجب عليه بيع ما له بالدين وان كان بدون ثمن المثل ، والا لما احتمل الرجوع بتمام القيمة ، لأنه لو باع بأقل من ثمن المثل مع عدم وجوب البيع عليه كان متبرعا ببيع غير واجب ، والمتبرع لا يرجع بما يتبرع به قطعا.

وقوله : ( ويحتمل الرجوع بالثمن خاصة ) ، ليس لأن البيع غير واجب ، بل لما قاله ، لأنه القدر الذي قضاه ، والضامن يرجع بما قضاه لا بما ضمنه ، والمعتمد الأول ، لأن النقص حصل بسبب الضمان المأذون فيه ، إذ لو لا ذلك لما وجب عليه بيع ما له بأقل من ثمن المثل.

تنبيه : قال في القواعد : ولو ضمن كل من المديونين ما على صاحبه تعاكست الأصالة والفرعية فيهما إن أجازهما ويتساقطان ، فان شرط الضمان من مال بعينه وحجر عليه للفلس قبل الأداء ، رجع على الموسر بما أدى ، ويضرب الموسر مع الغرماء.

ص: 199

وهذه العبارة لا تخلو من إبهام وغموض ، وسبب الإبهام قوله : ( حجر عليه للفلس قبل الأداء ) ، ثمَّ قال : ( رجع على الموسر بما أدّى ويضرب الموسر مع الغرماء ) ، فاذا كان الحجر قبل الأداء فكيف يرجع بما أدّى وهو لم يؤد شيئا؟! وبيان ذلك أن نقول إذا شرط الضمان من مال بعينه ثمَّ حجر على ذلك الضامن للفلس اختص المضمون له بذلك المال دون سائر الغرماء ، لأن الضمان حينئذ إما ان يتعلق بذلك المال تعلق الدين بالرهن ، أو تعلق الأرش برقبة الجاني ، وكلاهما يوجب التخصيص ، فاذا اختص المضمون له بهذه العين رجع الضامن بقيمتها على المضمون عنه وتعلقت بها حقوق الغرماء ، ثمَّ يضرب الموسر بما أداه عن المفلس مع الغرماء ، ولا يجوز له ان يقاصصه للمفلس بقيمة تلك العين التي دفعها عنه ، لعدم تشخيص ما يستحقه في ذمة المفلس ، فهو شريك للغرماء في قيمة العين وغيرها ، فليس لهما التساقط وان اتفقا عليه لتعلق حقوق الغرماء بما يستحقه في ذمة الموسر.

قال رحمه اللّه : وكمال السبق والرماية ، على تردد.

أقول : اعلم ان الحقوق على أربعة أقسام :

الأول : حق لازم مستقر كالثمن بعد قبض المبيع ، ولزوم العقد والأجرة بعد العمل ، وهذا لا شك في جواز ضمانه.

الثاني : حق لازم ، ولكن غير مستقر كالثمن بعد قبضه وقبل انقضاء مدة الخيار كالمهر قبل الدخول ، وكالأجرة قبل العمل ، وهذا يجوز ضمانه أيضا وان جاز أن تسقط ، إذ جواز السقوط غير مانع من صحة الضمان ، وإلا لكان مانعا في المستقر أيضا ، لجواز سقوطه بالإبراء أو الرد بالعيب وغير ذلك.

الثالث : حق غير لازم ، ولا يئول الى اللزوم عند بعضهم ، كمال الكتابة ، وهذا لا يجوز ضمانه عند من قال انه غير لازم للعبد ، ويجوز ضمانه عند من قال

ص: 200

بلزومه له ، وهو المعتمد.

الرابع : حق غير لازم ، ولكن يئول الى اللزوم كمال الجعالة قبل الشروع في العمل ، هل يصح ضمانه أم لا؟ أطلق الشيخ في المبسوط جواز ضمانه ، واختاره المصنف ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد للأصل ، ولعموم : « الزعيم غارم » (1) ، ولأنه مما ليس تمس الحاجة إليه ، كما لو قال : الق متاعك في البحر وعليّ ضمانه.

ويحتمل عدم الجواز قبل الشروع بالعمل ، لأنه ضمان ما لم يجب ، لأن العقد غير لازم ، والمال غير ثابت في الذمة فلا يصح ضمانه.

إذا عرفت هذا ، فمال السبق والرماية إن قلنا ان العقد لازم صح ضمانه من غير تردد ، وإن قلنا انه عقد جائز كان حكمه حكم مال الجعالة ، والمعتمد جواز ضمانه أما لو ضمن العمل في الجعالة أو السبق والرماية فإنه لا يصح قطعا.

فرعان :

الأول : المنافع الثابتة في الذمة يجوز ضمانها كالأموال بخلاف ما لو كانت غير ثابتة في الذمة ، بل متعلقة بعين المؤجر ، كما لو استأجر عبدا معينا للخدمة مدة معينة ، أو دابة معينة لحمل شي ء معين ، فان هذه المنفعة لا يجوز ضمانها ، لعدم جواز استيفائها من غير العين المشخصة.

الثاني : لو ضمن المهر قبل الدخول فارتدت المرأة أو فسخت لعيب ، فان كان قبل أن يؤدي الضامن شيئا سقط المال عنه وعن الأصيل ، وان كان بعد الأداء رجع الضامن على الأصيل إن كان الضمان بإذنه ، ويرجع الأصيل على

ص: 201


1- تقدم ص 194.

المرأة.

قال رحمه اللّه : وفي ضمان الأعيان المضمونة ، كالغصب والمقبوضة بالبيع الفاسد تردد ، والأشبه الجواز.

أقول : منشأ التردد من انه مال مضمون على القابض فجاز ضمانه ، ولأصالة الجواز ، ومن انه غير ثابت في ذمة المضمون عنه ، ولا يمكن انتقاله إلى ذمة الضامن ، لأن المضمون هي الأعيان المشخصة ، والواجب رد أعيانها ، فهي غير ثابتة في الذمة ، فلا يصح ضمانها ، وهو مذهب فخر الدين ، ومذهب المصنف والعلامة جواز ذلك ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط العلم بكمية المال ، ولو ضمن ما في ذمته ، صح على الأشبه ، ويلزمه ما تقوم البيّنة به.

أقول : للشيخ قولان في هذه المسألة : أحدهما الصحة ، وهو قوله في النهاية ، وبه قال المفيد في المقنعة وابن الجنيد وسلار وأبو الصلاح وابن زهرة ، وابن البراج في الكامل ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ولأصالة الصحة ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (1) ، وأشار إلى حمل البعير ، والأصل عدم تعينه ، وعموم قوله عليه السلام : « الزعيم غارم » (2).

وقال في المبسوط والخلاف : لا يصح ، وبه قال ابن البراج في المهذب ، واختاره ابن إدريس ، لأن ضمان المجهول غرر ، لأنه لا يدري كم المال الذي عليه.

وأجاب العلامة بأن الغرر إنما هو في المعاوضات التي تفضي إلى التنازع ، أما الإقرار والضمان وشبههما فلا ، لأن الحكم فيها معين ، وهو الرجوع الى المقر في

ص: 202


1- يوسف : 72.
2- تقدم ص 194.

الإقرار ، والى البينة في الضمان ، فلا غرر حينئذ.

وقد يمكن للشيخ الجواب عن جواب العلامة : بأنا لا نسلم زوال الغرر مع الرجوع الى ما قامت فيه البينة ، لاحتمال قيامها بما يعجز عنه الضامن ، فيحصل الضرر المستند الى الغرر.

وقد يمكن للعلامة الجواب عن هذا الجواب : بأن هذا الضرر هو الذي أدخله على نفسه فهو مستند الى فعله ، وهو ضمانه للمجهول مع علمه بهذا الاحتمال ، وقد قدم على ذلك ، فيكون كما لو ضمن المعلوم مع عجزه عنه فاذا ضمن ما في ذمة زيد ، قال المصنف : ( يلزمه ما تقوم به البينة ).

وقال أبو الصلاح : أو أقر به الغريم ، وقال المفيد : أو يحلف على ما يدعيه ، والمعتمد هو مذهب المصنف ، وهو اختيار العلامة ، والإقرار لا يلزم غير المقرر ، وأما مع عدم البينة ونكول الغريم عن اليمين ، وحلف المدعي ان قلنا ان يمينه هنا كالبينة وجب على الضامن دفع ما حلف عليه المدعي ، كما لو أقام البينة ، وان قلنا هي كإقرار الخصم ، لم يلزم الضامن شي ء.

قال رحمه اللّه : إذا ضمن عهدة الثمن ، لزمه دركه في كل موضع يثبت فيه بطلان البيع من رأس ، أما لو تجدد الفسخ بالتقابل ، أو تلف المبيع قبل القبض ، لم يلزم الضامن ورجع على البائع ، وكذا لو فسخ المشتري بعيب سابق ، أما لو طالب بالأرش رجع على الضامن ؛ لأنه استحقاقه ثابت عند العقد ، وفيه تردد.

أقول : معنى ضمان العهدة هو انه إذا باع الإنسان شيئا وخشي ان يظهر الثمن مستحقا أو خشي بأن يظهر المبيع مستحقا ، جاز لكل منهما ان يضمن رجلا على درك الثمن والمثمن إن ظهر مستحقا رجع المضمون له على الضامن من متى شاء الضامن أو المضمون عنه ، فيكون هذا الضمان ضم ذمة إلى ذمة ، سواء قلنا انه ناقل أو غير ناقل ، لعدم إمكان انتقال الحق هنا حالة الضمان ، وانما يصح ضمان

ص: 203

عهدة الثمن بعد قبضه لا قبل القبض إذا كان الضمان عن البائع للمشتري ، فإذا خرج المبيع مستحقا طالب أيهما شاء ، وان كان الضمان عن المشتري للبائع وكان الضامن لثمن المبيع قبل ان يتسلمه البائع ولعهدة الدرك بعد ان يتسلمه ، فالضمان في الحالين لعهدة الثمن سواء كان للبائع أو للمشتري.

والعهدة ، قال في التحرير : هي اسم للكتاب الذي يكتب فيه ووثيقة البيع ، ويذكر فيه الثمن فنقل الى الثمن المضمون ، وقال صاحب الصحاح : يقال في الأمر عهدة ، وفي العقل عهدة أي ضعف ، وألفاظ ضمان العهدة ان تقول : ضمنت عهدته أو دركه ، أو يقول للمشتري : ضمنت خلاصك منه.

ولو ضمن خلاص المبيع لم يصح ؛ لأنه لو خرج حرا لم يجز تخليصه.

إذا عرفت هذا ، فاذا ضمن العهدة رجع على الضامن في كل موضع يثبت فيه بطلان البيع من أصله ، دون ما تجدد بسبب الفسخ ، كما قاله المصنف.

أما إذا كان الرد بسبب العيب السابق على العقد ، فقد جزم المصنف هنا بعدم جواز الرجوع على الضامن ، واختاره العلامة في التحرير.

ولو طالب بالأرش تردد المصنف في الرجوع على الضامن بعد أن حكم بالرجوع عليه ، واختار العلامة في التحرير عدم جواز الرجوع عليه.

ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة وان ضمان العهدة يستلزم الرجوع على الضامن مع خروج الثمن مستحقا وفساد البيع من أصله ، والأمر ليس كذلك ومن أن أجزاء المبيع مقابلة لأجزاء الثمن ، فاذا ظهر في المبيع عيب سابق يقتضي نقص القيمة تبينا ان تلك النقيصة ليست مستحقة للبائع وقد قبضها من غير استحقاق ، فكان البيع باطلا في مقابلها من الثمن ، فيجوز له الرجوع على الضامن بتلك النقيصة ، لاستحقاقه لها حالة العقد ؛ لأن الأرش بدل جزء فائت حالة العقد ، فيكون له الرجوع فيه على الضامن ، وهو مذهب المصنف ، والعلامة في القواعد ،

ص: 204

وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا ضمن ضامن للمشتري ، درك ما يحدث من بناء أو غرس لم يصح ؛ لأنه ضمان ما لم يجب ، قيل : وكذا لو ضمنه البائع ، والوجه الجواز ؛ لأنه لازم بنفسه العقد.

أقول : ذكر المصنف وجهي الصحة والبطلان ، واستشكل العلامة صحة ضمان البائع في القواعد ، وأبطله فخر الدين ، والعلامة في التحرير ؛ لأنه ضمان ما لم يجب.

قال رحمه اللّه : إذا ضمن المريض في مرضه ومات فيه ، خرج ما ضمنه من ثلث تركته ، على الأصح.

أقول : ضمان المريض صحيح فإن برأ أو أجاز به الورثة خرج من الأصل ، ولو مات كان خروجه من الأصل أو الثلث مبنيا على تبرعاته ، هل هي من الأصل أو الثلث؟ وسيأتي البحث في ذلك إنشاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : ولو كان الدين مؤجلا وضمنه حالا لم يصح ، وكذا لو كان الى شهرين وضمنه الى شهر ؛ لأن الفرع لا يرجّح على الأصل ، وفيه تردد.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، لأن الفرع لا يرجح على الأصل معناه ان الضامن (1) فرع المضمون عنه ، والمال غير حال على المضمون عنه ، فلا يجوز ان يحل على فرعه ، وهو الضامن لعدم جواز رجحان الأضعف على الأقوى ، لأن الأصل أقوى من الفرع.

واختاره فخر الدين ، قال : لأن الحلول زيادة في الحق ، ولهذا يختلف الثمن به ، وهذه الزيادة غير لازمة للمديون ولا ثابتة في ذمته ، فيكون ضمان ما لم يجب ، فلا يصح عندنا.

ص: 205


1- في « ر 1 » : الضمان.

وتردد المصنف لاحتمال الصحة ، لأن المضمون عنه يصح له أن يدفع المؤجل حالا ، فكذا الضامن ، لأن الضمان كالقضاء ، وهو المعتمد ، واليه ذهب العلامة رحمه اللّه.

وبقي هنا بحث ، وهو إذا ضمن المؤجل حالا ، هل له مطالبة الأصيل قبل حلول الأجل؟ فيقول : لا يخلو اما ان يكون الضمان بسؤاله أو غير سؤاله ، فإن كان الثاني فليس له الرجوع مطلقا ، وإن كان الأول فلا يخلو إما أن يأمره بالضمان مطلقا أو حالا ، فإن أمره بالضمان مطلقا فضمن حالا لم يحل على الأصيل إلا بعد حلول الأجل ، وان أمره بالضمان حالا فضمن كذلك ، لزم الغرم عاجلا ، لأنه أسقط حقه من الأصل بالأمر بالضمان حالا ، فهو كما لو قضاه من نفسه ، وإلا لزم تضرر الضامن وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (1).

ص: 206


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1.

في الحوالة

اشارة

قال رحمه اللّه : ويشترط فيها رضى المحيل والمحال عليه والمحتال ومع تحققها يتحول المال الى المحال عليه ، ويبرأ المحيل وإن لم يبرأه المحتال على الأظهر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في اعتبار رضى الثلاثة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وقال المصنف في المختصر : وربما اقتصر بعض على رضى المحيل والمحتال ، قال أبو العباس في شرحه : اعتبار رضى الثلاثة هو المشهور ، واقتصر ابن إدريس على رضى المحيل والمحتال ، وهو ظاهر المفيد هذا كلامه في المقتصر.

وفي المهذب مثله أسند الاقتصار على رضى المحيل والمحتال الى ابن إدريس ، مع ان مذهب ابن إدريس اعتبار رضى الثلاثة ، وهذه عبارته : والثلاثة يعتبر رضاهم في صحة عقد الحوالة ، لأنه إذا حصل رضاهم هؤلاء أجمع ، صحت الحوالة بلا خلاف ، وإلا لم يحصل فيه خلاف. وهذا كلامه.

ثمَّ تتبعت باب الحوالة في كتابه من أوله إلى آخره فلم أجد له قولا يخالف

ص: 207

هذا القول.

والمقداد رحمه اللّه أسند الاقتصار على رضى المحيل والمحتال إلى أبي الصلاح.

وقال العلّامة في المختلف : وقال ابن حمزة : تصح الحوالة بشروط عشرة. إلى أن قال : ورضى المحال عليه على الصحيح. وهو يشعر بوجود قول لبعض أصحابنا أنه لا يعتبر ، هذا كلامه رحمه اللّه.

وهو دال على عدم وقوف العلّامة على ذلك القول إلا من ظاهر كلام ابن حمزة ، وظاهر كلام المفيد ، لأنه استدل بظاهر كلامه أيضا على عدم اعتبار رضى المحال عليه ، ولو كان ذلك قول ابن إدريس لأسند ذلك إليه ، لأن الإسناد إلى الصريح أولى من الإسناد إلى الفحوى.

الثانية : في اشتراط إبراء المحتال للمحيل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة وأبو الصلاح وابن الجنيد ، وهو أن يقول : ( أبرأتك مما لي عليك ) ، ودليلهم رواية زرارة الحسنة (1) ، عن أحدهما عليهما السلام.

وأنكر ابن إدريس ذلك ، واختاره المصنف والعلّامة.

وهو المعتمد ، لأن الحوالة تقتضي تحويل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، والإبراء إسقاط لما في الذمة ، فإن وقع قبل الحوالة سقط ما في ذمّة الغريم ، فلا معنى للحوالة بعد ذلك ، وإن وقع بعد الحوالة ، فقد انتقل المال إلى ذمة المحال عليه وبرأت ذمة المحيل ، فلا فائدة ، في الإبراء.

أما على القول بعدم اشتراط رضى المحال عليه وجواز الرجوع على المحيل ، يتصور للإبراء فائدة وهو عدم جواز الرجوع بعد الإبراء ، والعمل على غير ذلك.

قال رحمه اللّه : ويصح أن يحيل على من ليس عليه دين ، لكن يكون ذلك

ص: 208


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 11 ، حديث 2.

بالضمان أشبه.

أقول : ذهب الشيخ وابن البراج وابن حمزة الى عدم جواز الحوالة على من ليس عليه دين ، لأنها نوع معاوضة عندهم ، وذهب المصنف والعلامة إلى الجواز ، لأصالة الصحة ، لكنها تشبه الضمان ، لأنه تحمل للمال عمن ليس له عليه مال ، فالحوالة مشابهة له.

قال رحمه اللّه : ويشترط تساوي المالين جنسا ووصفا تفصيا من التسلط على المحال عليه ، إذ لا يجب أن يدفع إلا مثل ما عليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انه لو لم يعتبر تساوي الحقين لأدى إلى تسلط المحتال على المحال عليه بإلزامه بأداء الحق من غير الجنس الذي عليه وهو غير جائز ، إذ لا يجب عليه الدفع إلا من الجنس الذي لزمه بالعقد السابق.

ومن أصالة الجواز ، ولأنه يجوز الحوالة على غير من عليه حق ، فعلى من عليه بالمخالف أولى ، والضرر مدفوع باعتبار رضاه ، لأنا نشترط رضى المحال عليه في صحة الحوالة ، فإذا رضي أن يدفع من غير الجنس الذي عليه فلا مانع ، كما لو تراضيا بقبض غير الجنس ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وتصح الحوالة بمال الكتابة بعد حلول النجم ، وهل تصح قبل حلوله؟ قيل : لا يصح.

أقول : منع الشيخ رحمه اللّه من الحوالة على العبد بمال الكتابة ، بناء على مذهبه من ان للعبد ان يعجز نفسه عند الحلول ، فيظهر عدم الاستحقاق ، وعلى القول بلزوم العقد يجوز قبل الحلول وبعده ، لأنه مال ثابت في ذمته ، فيجوز الحوالة به كغيره من الديون.

قال رحمه اللّه : إذا قال أحلتك عليه ، فقبض ، وقال المحيل : قصدت الوكالة ، وقال المحتال : إنما أحلتني بما عليك ، فالقول قول المحيل ، لأنه أعرف

ص: 209

بلفظه ، وفيه تردد.

أقول : إذا اتفقا على إيقاع لفظ الحوالة ، ثمَّ ادعى المحيل قصد الوكالة ، قال المصنف : ( كان القول قوله ) ، ثمَّ تردد في ذلك من حيث انه أعرف بلفظه وقصده ، والأصل بقاء حق المحيل في ذمة المحال عليه ، وبقاء حق المحتال في ذمة المحيل ما لم يتفقا على الانتقال ولم يحصل.

ومن احتمال كون القول قول المحتال بشهادة اللفظ له ، لأنه أتى بلفظ موضوع للحوالة المقتضية لنقل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فلا يقبل دعواه في غير ذلك.

والأول هو المعتمد ، وهو اختيار العلامة في القواعد ، وبه قال الشيخ ، والثاني اختيار العلامة في التحرير. وعلى التقديرين ان كان الحق قد تلف بعد قبضه ، فقد برئ كل منهما من صاحبه وان كان التلف بتفريط القابض ، لأن المحتال إن كان محقا فقد أتلف ماله.

وان كان مبطلا ثبت لكل منهما في ذمة الآخر مثل ما للآخر في ذمته فيتقاصّان وان كان بغير تفريط فالمحتال يقول : قبضت حقي وبرء المحيل بالحوالة والمحال عليه بالتسليم ، والمحيل يقول : تلف المال في يد وكيلي من غير تفريط فلا ضمان ، وان لم يتلف المال في يد المحتال كان للمحيل الرجوع على المحتال ودفع حقه إليه من غيره ، لأنه مخير في قضاء الدين من أي مال شاء إذا كان من جنس الحق ، ولا يجوز للمحتال ان يقاصه بما قبضه إلا مع الامتناع من دفعه حقه.

قال رحمه اللّه : إذا كان له دين على اثنين ، وكل منهما كفيل لصاحبه ، وعليه لآخر مثل ذلك ، فأحاله عليهما صح وإن حصل الرفق في المطالبة.

أقول : المراد بالكفالة هنا كفالة المال ، لا كفالة البدن وكفالة المال ناقلة له من ذمة المكفول عنه إلى ذمة الكفيل ، وهي ضمان بالحقيقة.

ص: 210

إذا عرفت هذا قال الشيخ في المبسوط : إذا كان له على رجلين ألف ، ولرجل عليه ألف ، فأحال بها على الرجلين وقبل الحوالة كانت جائزة ، فإن كان كل واحد منهما ضامنا عن صاحبه فأحاله عليهما لم يصح ، لأنه يستفيد بها مطالبة الاثنين كل واحد منهما بالألف ، وفي هذا زيادة في حق المطالبة بالحوالة ، وذلك لا يجوز ، وليس له ان يطالب كل واحد منهما بالألف ، وانما يقبض الألف من أحدهما دون الآخر.

قوله : ( وان حصل الرفق في المطالبة ) إشارة إلى ما قاله الشيخ وهو حصول الزيادة في حق المطالبة ، لأنه قبل الحوالة كان يستحق مطالبة واحد ، فصار بسبب الحوالة يستحق مطالبة اثنين ، وهذا هو معنى الرفق في المطالبة.

والتحقيق أن نقول : ان كفالة المال ناقلة ، فاذا كفل كل من الرجلين صاحبه ، لا يخلو اما ان يرضى المكفول له بكفالتهما أو لا يرضى ، أو يرضى بكفالة أحدهما دون الآخر ، فان رضي بهما معا أو لم يرض بشي ء لم يكن له مطالبة أحد منهما بأكثر من النصف ، اما على تقدير عدم الرضى فظاهر ، وأما على تقديره فلانتقال ما في ذمة كل واحد منهما إلى ذمة الآخر ، فهو كما لو لم يكن كفالة ، وان رضي بضمان أحدهما دون الآخر كان له مطالبته بألف ، فليس له على الآخر سبيل ، فلا يتصور التخيير بمطالبة كل واحد بالألف بحيث يحصل الإرفاق في أحدهما دون الآخر ، بل المعتمد ما حققناه.

قال رحمه اللّه : إذا أحال المشتري البائع بالثمن ، ثمَّ رد المبيع بالعيب السابق ، بطلت الحوالة ، لأنها تبع للبيع ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الحوالة تبع للمبيع ، وقد بطل فتبطل الحوالة ، لاستحالة وجود التابع بدون متبوعه ، ومن ان الحوالة ناقلة للمال وقد تحققت ، فيتحقق انتقال المال من ذمة المشتري الى ذمة المحال عليه ، فلا يسقط بالفسخ

ص: 211

المتعقب ، والأول مذهب الشيخ ، واختاره العلامة بناء على بطلان الحوالة وعدمه على انها هل هي استيفاء أو اعتياض؟ ثمَّ حكم بالبطلان على القول بالاستيفاء ، وبعدمه على القول بالاعتياض ، ووجه كونها استيفاء عدم اشتراط التقابض في المجلس لو كان الحقان من الأثمان ، ولأنه لو كان اعتياضا لكان بيع الدين بالدين ، ووجه كونها اعتياضا انه يقبض ما في ذمة المحال عليه مقابل ما في ذمة المحيل ، وهو معنى الاعتياض.

ووجه البطلان على القول بالاستيفاء انها نوع إرفاق ، وإذا بطل الأصل بطل هبة الإرفاق ، ولأنه لو اشترى دراهم مكسورة فدفع اليه صحاحا ، كان دفع الصحاح إرفاقا ، فإذا فسخ البيع رجع بالصحاح ، فيبطل الإرفاق.

ووجه عدم البطلان على القول بأنها اعتياض لزوم المعاوضة ، كما لو أخذ ثمن المبيع ثوبا به عيب ، ثمَّ رد المبيع بالعيب ، فإنه يرجع بالثمن الذي وقع عليه العقد لا بالثوب الذي أخذه عوضا عن المبيع ، والمعتمد بطلان الحوالة.

ويتفرع على القول بالبطلان وعدمه :

فروع :

الأول : على القول بعدم البطلان يرجع المشتري على البائع خاصة دون المحال عليه ، ولا يتعين حقه فيما قبضه البائع من المحال عليه ، لأنه صار ملكه فله دفعه ودفع غيره.

الثاني : لو لم يقبض البائع الحق من المحال عليه ، هل للمشتري الرجوع عليه قبل القبض؟ يحتمل ذلك ، لأنه إذا أحاله بالثمن كان كما لو أقبضه إياه ، ولهذا لا يجوز حبس المبيع بعد الحوالة على الثمن ، ويحتمل العدم ، لأن التغريم انما هو للمقبوض ولو لم يحصل حقيقة القبض ، وهذا الفرع على القول بعدم البطلان ، ولو قلنا به كان له المطالبة ، وان لم يقبض.

ص: 212

الثالث : لو قلنا بعدم البطلان ومنعنا من المطالبة قبل القبض ، هل له إلزام البائع بالقبض من المحال عليه ليقبض المشتري من البائع؟ يحتمل ذلك ؛ لأنه إذا ردّ المشتري المبيع ومنعناه من مطالبة المحال عليه - لانتقال ما كان له عليه إلى البائع ، ومنعناه من مطالبة البائع لعدم القبض من المحال عليه ، ولم يوجب على البائع القبض من المحال عليه - ليرجع المشتري عليه لأدى ذلك الى بطلان حق المشتري ، وهو غير جائز ، ويحتمل العدم ؛ لأنه ليس للإنسان أن يجبر غيره على قبض حق نفسه ، والتقدير ان الحق صار للبائع فلا يجبر على قبضه.

الرابع : على القول بالبطلان ، فان كان البائع قبض ما أحاله المشتري به رده على المشتري ، ولا يرده على المحال عليه ويتعين حق المشتري في المقبوض ؛ لأنا تبيّنا بقاءه على ملك المشتري وعدم استحقاق البائع له ، لبطلان البيع فإن تلف في يده كان مضمونا عليه ؛ لأنه قبضه لنفسه ، ولو لم يقبضه لم يجز قبضه ، ورجع المشتري على المحال عليه.

قال رحمه اللّه : أما لو أحال البائع أجنبيا بالثمن على المشتري ، ثمَّ فسخ المشتري بالعيب السابق أو بأمر حادث ، لم تبطل الحوالة ؛ لأنها تعلقت بغير المتبايعين ، أما لو ثبت بطلان البيع ، بطلت الحوالة في الموضعين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : فيما إذا أحال البائع ثالثا بالثمن ، وقد جزم المصنف بعدم بطلان الحوالة ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وادعى عليه الإجماع ، لتعلق حق الغير بالثمن ، ويحتمل البطلان ؛ لأن استحقاق المحال فرع على استحقاق المحيل ، وقد بطل الأصل ، فيبطل الفرع.

الثانية : فيما إذا ظهر فساد البيع من أصله ، فهنا تبطل الحوالة في الموضعين ، موضع أحاله المشتري للبائع بالثمن ، وموضع أحاله البائع للأجنبي لظهور فساد

ص: 213

الحوالة ، لتعلقها بما لا يستحقه المحيل.

ص: 214

في الكفالة

اشارة

قال رحمه اللّه : وتصح حالّة ومؤجلة على الأظهر.

أقول : اشترط المفيد والشيخ في النهاية الأجل في الكفالة ، ولم يشترطه في المبسوط ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ( فان لم أحضره كان علي كذا ) لم يلزمه إلا إحضاره دون المال ، ولو قال : ( علي كذا إلى كذا إن لم أحضره ) وجب عليه ما شرط من المال.

أقول : هذه المسألة إجماعية ، وليس الفرق من حيث تقدم حرف الشرط وتأخيره ؛ لأن ذلك لا يوجب افتراق الحكم عند أهل العربية ، وانما الفارق النص الوارد في ذلك ، وهو ما رواه أبو العباس عن الصادق عليه السلام « قال : سألته عن رجل تكفل بنفس رجل الى أجل ، فان لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما؟ قال : ان جاء به الى الأجل فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا إلا ان يبدأ بالدراهم ، فان بدأ بالدراهم فهو لها ضامن ان لم يأت به الى الأجل الذي

ص: 215

أجله » (1).

قال رحمه اللّه : ومن أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا كان عليه إحضاره ، أو أداء ما عليه ، ولو كان قاتلا ، لزمه إحضاره أو دفع الدية.

أقول : هذه المسألة إجماعية أيضا ، ووجه الحكم انه رفع اليد المستولية على ما استحقت الاستيلاء عليه ، فكان عليه اعادة الاستيلاء بإعادة الغريم والتمكين منه ، أو دفع الحق الذي بسببه تثبت اليد ، فان كان قاتلا ولم يحضره ، دفع الدية وان كان القتل عمدا ؛ لأن القصاص إنما يجب على المباشر ، وقد تعذر استيفاؤه ، فيجب الدية على المانع منه.

هنا فروع :

الأول : لو دفع الدية ثمَّ حضر القاتل كان لولي المقتول قتله ، ويدفع الدية الى من أخذها منه ؛ لأنه أخذها للحيلولة وقد زالت.

الثاني : لو تمكن من استيفاء القصاص بعد أخذ الدية من المخلص ولم يقتص ، وجب عليه دفع ما أخذه من المخلص ؛ لأنه أخذ المال للحيلولة وقد زالت ، فيجب رده الى مالكه.

الثالث : لو تراضى الوارث والمخلص بهذا المدفوع على ما يستحقه الوارث في ذمة القاتل من القصاص أو الدية لم يكن بعد ذلك للوارث مطالبة القاتل بشي ء ؛ لأنه رضي بما صار إليه من المخلص مقابل حقه ، فيسقط ما يدعيه عن القاتل به ، وانما يتسلط على القاتل بعد الأخذ من المخلص إذا كان الأخذ غرامة بسبب الحيلولة لا للرضى بكونه عوضا عن حقه ، وكما لا يجوز رجوع الوارث على القاتل مع التراضي بالمأخوذ ولا يجوز للمخلص أيضا ؛ لأنه أدى دين الغير بغير اذنه ، فلا يجوز الرجوع عليه بشي ء.

ص: 216


1- الوسائل ، كتاب الضمان ، باب 10 من أبواب الحكام الضمان ، حديث 2.

أما لو أخذ منه للعجز عن القاتل بسبب الحيلولة ولم يحصل التراضي بينهما في المأخوذ ، فإنه يجوز للمخلص الرجوع على الذي خلصه قصاصا.

قال رحمه اللّه : إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب تسلّمه إذا كان لا ضرر عليه ، ولو قيل : لا يجب كان أشبه.

أقول : إذا كفله مؤجلا ثمَّ أحضره قبل الأجل ، هل يجب على المكفول له تسليمه؟ قال الشيخ في المبسوط - وتبعه ابن البراج - : ان كان لا ضرر في تسليمه وجب ، وذهب المصنف الى عدم الوجوب ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ؛ لأن حقه تسليمه في الأجل ، فلا يجب عليه ان يقبض غير حقه ؛ لأن المقبوض قبل الأجل ليس حقه ، فلا يجب عليه قبضه.

قال رحمه اللّه : إذا تكفل بتسليمه مطلقا انصرف إلى بلد العقد ، فان عين موضعا لزم. ولو دفعه في غيره لم يبرأ ، وقيل : إذا لم يكن في نقله كلفة ، ولا في تسليمه ضرر وجب تسليمه ، وفيه تردد.

أقول : القول المحكي هو قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط ، وتبعه ابن البراج ، وتردد المصنف من ان الشرط اقتضى تسليمه في موضع معين فلا يجب عليه ان يتسلمه في غيره ، كما قلنا في الأجل ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا تكفل رجلان برجل ، فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر ، ( ولو قيل بالبراءة كان حسنا ).

أقول : الأول قول الشيخ رحمه اللّه وابن البراج وابن حمزة ، والمعتمد ما استحسنه المصنف ؛ لأن المكفول لو سلم نفسه برء الكفيل ، فكذا لو سلم أحدهما ؛ لأن المقصود التسليم وقد حصل.

قال رحمه اللّه : لا تصح كفالة المكاتب ، ( على تردد ) (1)).

ص: 217


1- لم ترد في الشرائع.

أقول : عدم جواز كفالة المكاتب مذهب الشيخ رحمه اللّه بناء على أصالة عدم لزوم الكتابة ، والمعتمد الجواز ؛ لأنها عقد لازم عند الأكثر.

تنبيه : المشهور بين الأصحاب عدم جواز الكفالة ببدن من عليه الحد ، سواء كان اللّه كالزنا وشرب الخمر ، أو لآدمي كالقذف ؛ لأن الكفالة انما تصح في موضع إذا تعذر الحضور وجب على الكفيل أداء الحق الذي على المكفول ، وحق الحد لا يمكن استيفاؤه من غير من وجب عليه ، وجوزوا (1) الكفالة ببدن الزوجة لمن يدعي زوجيتها ، مع انه لا يمكن استيفاء الحق الذي على الزوجة ، وهو تسليمها نفسها الى الزوج من غيرها.

وفي الجميع بين الحكمين تناقض ظاهر ، واعتمدوا في حكم الزوجة على وجوب حضورها مجلس الحكم ، وهذا الوجوب لازم لمن عليه الحق أيضا.

ص: 218


1- في « ن » و« ر 2 » : ويجوز.

كتاب الصلح

اشارة

ص: 219

ص: 220

في تعريف الصلح

قال رحمه اللّه : وهو عقد شرع لقطع التجاذب ، وليس فرعا على غيره ، ولو أفاد فائدته ويصح مع الإقرار والإنكار ، إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ، وكذا يصح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه ، ومع جهلهما به.

أقول : الصلح عقد وضع لقطع المنازعة ، وهل هو أصل بنفسه ، أو فرع على غيره؟ للشيخ في المبسوط قولان : أحدهما : انه فرع على غيره ، واختاره ابن البراج.

وعلى القول به فهو فرع على عقود خمسة : البيع والهبة والإجارة والعارية والإبراء ؛ لأنه لا يخلو اما ان يتضمن تمليكا أو إسقاطا ، فإن كان الأول ، فلا يخلو اما ان يكون تمليك عين أو منفعة ، وعلى التقديرين اما ان يكون التمليك بعوض أو بغير عوض ، فان تضمن تمليك عين بعوض فهو البيع ، وان كان بغير عوض فهو الهبة ، وان تضمن تمليك منفعة بعوض فهو الإجارة وبغير العوض فهو العارية ، وان تضمن الاسقاط فهو الإبراء.

وحجة القائل بالفرعية افادته فائدة هذه العقود الخمسة ، فيكون فرعا

ص: 221

عليها.

والقول الآخر للشيخ انه عقد مستقل بنفسه ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه عقد منفرد له صيغة مخصوصة ، فيكون أصلا بنفسه ، ولمخالفته لغيره في الحكم ، فان طلب البيع إقرار ، وطلب الصلح ليس بإقرار ، والصلح جائز على المجهول مع تعذر استعلامه والبيع غير جائز.

وقول المصنف ( إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا ) ، كما لو اصطلحا على شرب الخمر أو الزنا ، فهذا يقتضي تحليل الحرام وهو غير جائز ، وكما لو اصطلح الزوجان على ترك الوطئ فهذا يقتضي تحريم الحلال ، وهو غير جائز.

وقوله : ( ومع جهلهما ) لا بد من جهل المصطلحين معا فيما وقع عليه عقد الصلح أو علمهما ، ولا يصح مع جهل أحدهما وعلم الآخر ، كما لو علم زيد أن في ذمته مائة لعمرو ولم يعلم عمرو بها ، فصالحه زيد على أقل من المئة لم يجز ؛ لأنه يلزم منه تحليل الحرام ؛ لأن منع الحق حرام ، وهذا الصلح يقتضيه فيكون باطلا.

قال رحمه اللّه : ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم صح ولم يكن فرعا للبيع ، ولا يعتبر فيه ما يعتبر في الصرف ، على الأشبه.

أقول : هذا مبني على الأصالة والفرعية ، فمن قال : انه فرع البيع ، اشترط فيه التقابض في المجلس ، ومن قال : انه أصل ، لم يشترط التقابض ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم ، فصالحه على درهمين صح على الأشبه ؛ لأن الصلح وقع عن الثوب لا عن الدرهم.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى عدم جواز هذا الصلح ؛ لأنه إذا أتلف الثوب وجب عليه قيمته ؛ لأن الثوب من ذوات القيم ، ومن أتلف قيميا وجب عليه قيمته يوم تلفه ، وإذا كان الثابت (1) في ذمته القيمة - وهي درهم - لا

ص: 222


1- في « ن » و« ر 2 » : الفائت.

يجوز ان يصالحه على أكثر من ذلك حذرا من الربا ، وجوزه ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأن الصلح وقع على الثوب لا على الدرهم.

وقول الشيخ لا يخلو من قوة على القول الصحيح ؛ لأن القيمي يضمن بالقيمة وان الربا شامل لجميع المعاوضات ، كما هو مذهب المصنف ، واختيار فخر الدين وابي العباس.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثمَّ صالحه المنكر على سكنى سنة ، صح ، ولم يكن لأحدهما الرجوع ، وكذا لو أقرّ له بالدار ، ثمَّ صالح ، وقيل له الرجوع ؛ لأنه هنا فرع العارية ، والأول أشبه.

أقول : الخلاف في قوله : ( وكذا لو أقر بالدار ثمَّ صالح ) ؛ لأنه مع الإقرار يصير الدار للمدعي ، فإذا صالحه من هي في يده على ان يسكنها سنة صح الصلح بلا خلاف ، وانما الخلاف في لزومه.

قال الشيخ في المبسوط : له الرجوع فيه ؛ لأن الصلح إذا كان لغير عوض كان فرع العارية وهي تقتضي جواز الرجوع ، والمعتمد عدمه ، وقد تقدم البحث في ذلك (1).

ص: 223


1- ص 221.

ص: 224

في أحكام النزاع في الأملاك

اشارة

قال رحمه اللّه : يجوز إخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة ، ولو عارض فيها مسلم على الأصح.

أقول : للشيخ قولان في هذه ، قال في المبسوط : إذا عارض مسلم وجب قلعه ، وتبعه ابن البراج ؛ لأن الطريق حق لجميع المسلمين فإذا أنكر أحدهم لم تغصب عليه.

وقال في الخلاف : لا يجب قلعه ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد لجريان العادة في ذلك ، ولان نفس الطريق ليس بمملوك ، وإنما يملك المسلمون منافعها ، فلا يلتفت الى معارضة واحد منهم.

قال رحمه اللّه : ولو كانت مضرة وجب إزالتها ، ولو أظلم بها الطريق ، قيل : لا يجب إزالتها.

أقول : قال الشيخ : ظلمة الطريق بالروشن النافذ ليس إضرارا ، وقال العلامة أنه إضرار ؛ لأن ضعيف البصر يتعذر عليه المشي فيه فيجب المنع منه ، وهو المعتمد.

ص: 225

قال رحمه اللّه : واما الطرق المرفوعة (1)) فلا يجوز احداث باب فيها ولا جناح ولا غيره إلا بإذن أربابها ، سواء كان مضرا أو لم يكن ؛ لأنه مختص بهم ، وكذا لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه دفعا للشبهة.

أقول : ربما يشتبه على المبتدي معرفة الطريق المرفوعة ، أو معرفة الشبهة التي يمنع من فتح الباب لأجلها ، أما الطريق المرفوعة فهي منسدّة الأسفل وهي ضد النافذة وهي مختصة بأهلها ، والنافذة لا تختص بأحد من المسلمين ، لاشتراك الجميع في استحقاق السلوك فيها بخلاف غير النافذة ، فإنه يجوز لأهل تلك السكة المنسدة الأسفل منع الأجنبي من دخولها ، لكن يجوز دخولها ما لم يحصل المنع من أحد أربابها.

فإذا عرفت هذا ، فإن أراد بعض أهل الطريق المرفوعة فتح باب للاستطراق غير بابه المعتادة ، جاز لأهل الطريق منعه ان كانت ادخل من بابه ، سواء سد الأول أو لا ؛ لأنه لا حقّ له في الداخل عن بابه ، بل يختص به من هو ادخل منه ، وكذا يمنع لو كانت لغير الاستطراق ، بل للاستضاءة دفعا للشبهة ، أي لئلا تحصل الشبهة على ممر الأوقات انها فتحت بحق يوجب استحقاق الاستطراق فعلّة المنع دفع هذه الشبهة.

فرع : لو اذن أهل الأسفل في إدخال الباب في الطريق المرفوعة ، هل لأهل الأعلى المنع من ذلك؟ يحتمل العدم لعدم استحقاقهم الاستطراق فيه ، فلا يملكون المنع من الاذن فيه ، ويحتمل ان يكون لهم المنع من ذلك لاحتياجهم اليه عند ازدحام الناس والدواب ، وهو المعتمد ، ولهذا لو كان في أسفل الدرب فضلة فهم مشتركون فيها لارتقائهم بها.

قال رحمه اللّه : ولو صالحهم على احداث روشن ، قيل : لا يجوز ؛ لأنه لا

ص: 226


1- في « ن » : المعروفة.

يصح افراد الهواء بالبيع ، وفيه تردد.

أقول : القول بالمنع قول الشيخ في المبسوط ، بناء على أصله من ان الصلح فرع البيع ، وقد مضى البحث فيه ، والمعتمد الجواز ، ومن انه أصل.

قال رحمه اللّه : ولو أذن جاز الرجوع قبل الوضع إجماعا ، وبعد الوضع لا يجوز ؛ لأن المراد التأبيد ، والجواز حسن مع الضمان ، أما لو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف ، وفيه قول آخر.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : في جواز الرجوع بعد الوضع ، وعدم الجواز مذهب الشيخ في المبسوط ، لما قاله المصنف من ان المراد به التأبيد ، ولأن في القلع إضرار فلا يجوز ، والمعتمد الجواز ؛ لأن ذلك عارية ، والضرر ينتفي بضمان الأرش ان حصل عيب في الجذوع بسبب القلع ؛ لأن سبب العيب حصول الاذن بالوضع ثمَّ الأمر بالقلع ، فيكون ضامنا لما يحدث في الجذوع من العيب للغرر.

الثانية : إذا انهدم الجدار ثمَّ أعاده المالك ، هل يعود الوضع؟ قال الشيخ في المبسوط : ان أعاده بتلك الآلة لم يكن له منعه من رد الخشب والسعف ، وهو بناء على أصله من أنه للتأبيد ، والمعتمد ان له منعه لما بيناه من انه عارية ولا أرش هنا لحصول التعيب بغير اختياره ، فلو كان هو الذي هدمه كان عليه الأرش.

قال رحمه اللّه : لو كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع ، قيل : لا يقضى بها ، وقيل : يقضى مع اليمين ، وهو الأشبه.

أقول : إذا تداعيا جدارا مطلقا ، اي غير متصل ببناء أحدهما ولا بينة ، فقد ذكر المصنف وجه الحكم فيه ، فلو كان عليه جذوع لأحدهما ، هل يقدم قول صاحب الجذوع؟ قال الشيخ في الخلاف : لا يقدم ، وقال ابن إدريس : يقدم ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد ؛ لأن له عليه يدا وتصرفا فيقدم قوله لحصول

ص: 227

الرجحان.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا في خصّ قضي لمن اليه معاقد القمط للرواية.

أقول : الرواية رواية عمر بن سمرة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عن أبيه ، عن علي عليه السلام : « انه قضى في رجلين اختصما في خص ، فقال : الخص لمن يليه القمط » (1). وهي قصة في واقعة ، فلا تتعدى ، لاحتمال اطلاعه على ما يوجب الحكم.

قال رحمه اللّه : ولو هدمه من غير اذن شريكه وجب عليه إعادته.

أقول : إذا هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن شريكه ، قال المصنف : وجب عليه اعادته ، والمعتمد وجوب الأرش ؛ لأن الجدار غير مثلي ، وهو مذهب القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو تنازعا في السقف ، قيل : إن حلفا قضي به لهما ، وقيل : لصاحب العلو ، وقيل : هو بينهما ، وهو حسن.

أقول : إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لآخر وتنازعا في سقف البيت الذي عليه الغرفة ولا بينة ، قال في المبسوط : يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ، فان حلفا كان بينهما نصفين ، والأحوط ان يقرع بينهما وحكم له ، وقال في الخلاف : يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف لصاحبه وحكم له ، وان قلنا انه يقسم بينهما نصفين كان جائزا ، واستحسنه المصنف ؛ لأنه أرض صاحب العلو وسماء صاحب السفل.

وقال ابن إدريس : يحكم به لصاحب الغرفة ، وهو المعتمد ؛ لأن الغرفة إنما

ص: 228


1- الوسائل ، كتاب الصلح ، باب 14 ، حديث 2 ، والفقيه : أبواب القضايا والأحكام ، باب 42 ، حديث 2 ، باختلاف يسير ، إضافة إلى أن الراوي فيهما هو ( عمرو بن شمر ) بدل ( عمر بن سمرة ).

تتحقق بالسقف ، إذ هو أرضها ، والغرفة لا تكون بغير ارض ، والبيت قد يكون بغير سقف ، وقد اتفقا على ان هنا غرفة لصاحبها ، وبدون السقف لا غرفة ؛ لأن تصرفه فيها دون صاحب السفل. هذا في السقف الذي لا يمكن إحداثه بغير بناء السفل ، أما ما لا يمكن إحداثه كالازح الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بغير (1) امتداده في العلو فهو لصاحب السفل.

قال رحمه اللّه : ولو خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها إن أمكن ، وإلا قطعت من حد ملكه ، وإن امتنع صاحبها ، قطعها الجار ولا يتوقف على إذن الحاكم ، ولو صالحه على إبقائه في الهواء لم يصح ، على تردد.

أقول : القول بعدم الصحة مذهب الشيخ رحمه اللّه ؛ لأنه ان كان رطبا فهو يزيد في كل حال ولا يعرف قدر الزيادة ، وان كان يابسا ، فهو بيع الهواء من غير قرار ، وهو غير جائز ، والمعتمد الجواز لما قد ثبت أن الصلح عقد مستقل بنفسه.

قال رحمه اللّه : إذا تنازع راكب الدابة وقابض لجامها ، فهي للراكب مع يمينه ، وقيل : هما سواء في الدعوى ، والأول أقوى

أقول : تساويهما في الدعوى مذهب الشيخ في الخلاف ، قال : لعدم دليل على وجوب تقديم أحدهما على الآخر ، والقضاء للراكب مذهبه في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لرجحان يد الراكب بالتصرف ، وهو الركوب.

ص: 229


1- في « ر 1 » : بعد.

ص: 230

كتاب الشركة

اشارة

ص: 231

ص: 232

في أقسامها

قال رحمه اللّه : المشترك قد يكون عينا وقد يكون منفعة وقد يكون حقا ، وسبب الشركة قد يكون إرثا ، وقد يكون عقدا ، وقد يكون مزجا ، وقد يكون حيازة ، والأشبه في الحيازة اختصاص كل واحد بما حازه.

أقول : ذكر المصنف ان الشركة تحصل في ثلاثة أشياء :

الأول : في الأعيان ، وهي تحصل بالإرث ، كما لو ورثا ما عن أبيهما ، والعقد ، كما لو اشتريا عينا صفقة أو اوصي لهما بعين فقبلا ، وبالامتزاج ، كما لو امتزج مال مالكين بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر ، سواء كان المزج اختيارا أو غير اختيار.

وبالحيازة ، قال ابن إدريس : واما الشركة بالحيازة ، فهو ان يشتركوا في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والاستقاء بعد خلطه وحيازته ، فأما قبل خلطه فلا شركة عندنا بينهم ، لأن الشركة بالأعمال والأبدان باطلة عندنا ، لأنها لا تصح إلا بالأموال المتجانسة المتفقة الصفات بعد خلطها خلطا لا يتميز. الى هنا كلامه رحمه اللّه ، جعل الحيازة سببا من الأسباب الموجبة للشركة ثمَّ اشترط

ص: 233

الخلط بعد الحيازة ، فحينئذ لا تكون الحيازة سببا إلا إذا اقتلعا شجرة دفعة ، أو اغترفا ماء كذلك ، كما قاله المصنف رحمه اللّه.

الثاني : في المنافع ، كالاشتراك في منفعة الوقف ، ومنفعة العين المستأجرة ، ولا سبب هنا غير العقد.

الثالث : في الحقوق ، مثل حق القصاص ، وحق الشفعة ، وحق القذف ، وخيار الرد بالعيب ، وخيار الشرط ، وحق الرهن ، وحق المرافق في الطرقات ، ومرافق الدار ، والضيعة ، والشرب ، والبئر والعين وما أشبه ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو اشترط أحدهما زيادة في الربح مع تساوي المالين أو التساوي في الربح والخسران مع تفاوت المالين ، قيل : تبطل الشركة ، وقيل : تصح الشركة ، والأول أظهر.

أقول : مقتضى عقد الشركة كون الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال ، فإذا حصل الشرط المنافي - كما فرضه المصنف - فلا يخلو إما ان يكونا عاملين ، أو يكون أحدهما دون الآخر ، أو يكون العامل غيرهما ، فهنا ثلاثة أقسام :

الأول : ان يكونا عاملين وفيه ثلاثة أقوال :

« أ » : بطلان الشركة والشرط ، وهذا هو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس والمصنف ، ومعنى البطلان : هو بطلان الشرط وما اقتضاه من الاذن في التصرف ، لا بطلان حقيقة الشركة الحاصلة بعد المزج ، لأنه لا يمكن وصفها بالصحة والبطلان.

« ب » : صحة الشرط وما اقتضاه ، وهو مذهب السيد المرتضى ، واختاره العلامة ، وهو مذهب أبيه سديد الدين ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، وهو

ص: 234

المعتمد ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، والوفاء بها إجراءها على ما وقعت عليه ، وقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (2) ، والتراضي انما وقع على ما اشترطاه ، فلا يسوغ غيره ، وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (3).

وأجاب الأولون بأن الشركة ليست عقدا ، لحصولها بغير العقد ، وهو الامتزاج ، فلا يدخل تحت الآية ، ولم يتعرض احد ممن قال بالصحة للجواب عن هذا الجواب ، مع كونه جوابا حسنا ، وحجة ظاهرة.

وأقول : قد يجاب عن هذا الجواب بأن حقيقة الشركة الحاصلة بالامتزاج مسلم انها ليست عقدا ، لكن الشرط الذي جرى بينهما عقد لافتقاره إلى التراضي ، ولا نعني بالعقد الذي استدللنا على صحته بالآية غير ذلك ، ولهذا ان القائل بالبطلان مراده بطلان الشرط وما اقتضاه من الاذن بالتصرف ، فيكون المراد بالصحة ذلك أيضا ، وقد ثبت ان الشرط عقد ، فالإيراد غير وارد.

« ج » : كون الزيادة اباحة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، وهو قول أبي الصلاح الحلبي.

الثاني : ان يكون أحدهما عاملا ، والآخر غير عامل ، قال المصنف هنا : ( اما لو كان العامل أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صح ويكون بالقراض أشبه ).

وقال أبو الصلاح : العامل اجرة عمله من الربح وبحسب ماله. ومذهب

ص: 235


1- المائدة : 1.
2- النساء : 29.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7 وقد تقدم مرارا ، لاحظ ص 44.

العلامة صحة الشرط سواء عملا أو عمل أحدهما وسواء شرط الفضل للعامل أو لغيره.

الثالث : ان يكون العامل غيرهما ، ويلزم القائل بالصحة مع عملهما القول بها مع عمل غيرهما ، لأن الأدلة الواردة هناك واردة هنا ، وهو ظاهر العلامة ، لأنه جواز اشتراط الزيادة لغير العامل مع عمل الآخر ، فيكون جوازها مع عدم عملهما أولى.

تنبيه : قال العلامة في القواعد : وقيل : تبطل إلا ان يشترط الزيادة للعامل ، ولم يتعرض فخر الدين لذكر القائل ، وقال عميد الدين : وقوله : ( وقيل يبطل الا ان يشترط الزيادة للعامل ) إشارة إلى قول ابي الصلاح ، وقد حكيناه والذي حكاه والدي رحمه اللّه ضد هذا القول ، وهذه صورة ما حكاه : ( وقال أبو الصلاح : لا يلزم الشرط ولصاحب الزيادة الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، ولو شرط التفاضل في عقد الشركة صحت الشركة وبطل الشرط ، ولو عمل أحدهما وشرط له زيادة لم يلزم ، وكان له اجرة عمله من الربح وبحسب ماله ).

وهذا الذي حكاه عن ابي الصلاح نقله من المختلف ، وهو ضد ما نقله في القواعد ، لأن القول الذي حكاه في القواعد يتضمن الصحة إذا شرط له الزيادة للعامل بدليل قوله : ( وقيل تبطل إلا ان يشترط الزيادة للعامل ) استثنى من البطلان الصحة إذا اشترطت الزيادة للعامل ، وقول أبي الصلاح يدل على البطلان مع اشتراطهما للعامل بدليل قوله الذي حكاه عنه : ( ولو عمل أحدهما وشرط له زيادة ، لم يلزم وكان له اجرة عمله من الربح ) ، فقد حكم بفساد الشرط والرجوع الى الأجرة.

ومن العجب اشتباه هذا على السيد مع ذكائه وفهمه وعظم نباهته ، وكون ذلك ليس محلا للاشتباه والإبهام لوضوحه وظهوره لمن هو ادنى من السيد ، لكن

ص: 236

السهو جائز على غير المعصوم ، وكأن الحكمة اقتضت وقوع مثل هذا الغلط الظاهر من هذا العالم المحقق ليظهر احتياج الإمام إلى العصمة ، وان غير المعصوم لا يجوز ان يكون إماما ، فنسأل اللّه العصمة من الزلل الموجب للخلل.

وأقول الظاهر ان القول الذي حكاه في القواعد قول المصنف هنا ، لأن مذهبه هنا البطلان إلا مع كون الزيادة للعامل ، قال : ( ويكون بالقراض أشبه ) ، وانما كان أشبه ، لأن مقتضاه كون حصته من الربح تقابل عمله ، فهذه الزيادة استحقها بسبب عمله كالعامل بمال القراض.

ص: 237

ص: 238

في اللواحق

قال رحمه اللّه : وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك ، قيل : لا ، وفيه تردد.

أقول : مذهب الشيخ في باب الشركة من المبسوط عدم اشتراط النية ، ومذهبه في باب احياء الموات منه اشتراط النية ، ومنشأ التردد من انه قبل الحيازة لم يكن مملوكا ، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتحقق الملك ، ولاتفاقهم - غير ابن إدريس - على ان ما يوجد في جوف السمكة للمشتري ، ولا يجب عليه تعريف الصائد ، ولو ان المباح يدخل في الملك من غير نية التملك لوجب ان يكون ما في جوف السمكة للصائد دون المشتري ، ومن انه بنفس الحيازة قد استولى عليه وجاز له التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات ، وهذا هو معنى الملك ، والأصل عدم الزيادة على ذلك ، وعلى القول باشتراط النية فهو باق على الإباحة ما لم تحصل النية.

قال رحمه اللّه : لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في القبض وادعى المشتري تسليم الثمن إلى البائع وصدّقه الشريك برء المشتري من حقه ،

ص: 239

وقيل : تقبل شهادته على القابض في النصف الأخر وهو حصة البائع لارتفاع القيمة في ذلك القدر ، ولو ادعى تسليمه الى الشريك فصدقه البائع لم يبرأ المشتري بشي ء من الثمن ، لأن حصة البائع لم تسلم اليه ولا الى وكيله ، والشريك ينكره فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : تقبل شهادة البائع ، والمنع في المسألتين أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في قبول شهادة الشريك على البائع في هذه الصورة التي فرضها المصنف ، ولا خلاف في سقوط حق الشريك عن حق المشتري لاعترافه أو بالدفع الى وكيله ، وانما الخلاف في قبول شهادته على البائع بالنسبة إلى حصة البائع ، وبالقبول قال الشيخ في المبسوط ، وبه قال العلامة في القواعد والتحرير جزما ، وهو المعتمد لعدم التهمة في ذلك ، لأن الأصل قبول شهادة العدل ما لم يحصل المانع من قبولها فيحلف معه ويبرأ منها ، فأما حصة الشريك فلا تثبت في ذمة البائع إلا مع إقامة البينة بالقبض ، سواء أقامها المشتري أو الشريك.

واختار المصنف المنع من قبولها ، لأنها غير مقبولة بالنسبة إلى حصته فلا تكون مقبولة بالنسبة إلى حصة شريكه ، والا لزم تبعيض الشهادة ، وهو غير جائز.

والجواب المنع من حصول التبعيض ، لأنه ليس شاهدا بالنسبة إلى حصته ، لأن الإنسان لا يكون شاهدا لنفسه ، وانما هو شاهد بالنسبة إلى حصة شريكه فلا تبعيض حينئذ.

الثانية : في قبول شهادة البائع على الشريك إذا اعترف البائع بوصول الثمن اليه ولم يكن وكيلا للشريك في القبض ، وبالقبول قال الشيخ في المبسوط لارتفاع التهمة ، لأن البائع والمشتري معترفان بثبوت حق الشريك على المشتري ، لأن الدفع الى غير وكيله ولم يشارك البائع الشريك فيما قبضه ، فلا تهمة.

ص: 240

واختار المصنف عدم القبول ، وجزم به العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه وان لم يشارك في المقبوض ، فإنه يستفيد في هذه الشهادة اختصاصه بالباقي في ذمة المشتري ، فقد جرّ فيها نفعا ، وكل شهادة جرت نفعا فهي مردودة.

قال رحمه اللّه : ولو باع اثنان عبدين كل واحد منهما بانفراده صفقة ، بثمن واحد من تفاوت قيمتهما ، قيل : يصح ، وقيل : تبطل ، لأن الصفقة تجري مجرى عقدين ، فيكون ثمن كل واحد منهما مجهولا.

أقول : القائل بالبطلان الشيخ رحمه اللّه ، لأن ثمنهما يسقط على قدر قيمتهما ، وذلك مجهول حالة العقد. وقيل بالصحة ، واختاره العلامة وهو المعتمد ، لأن كونهما في حكم العقدين لا يقتضي كونهما عقدين ، بل العقد واحد ، ولهذا لو فسخ البيع في أحدهما لم يجز أخذ الآخر ، وهو يدل على ان العقد واحد ولو كانا عقدين كان له رد أحدهما وإمساك الآخر ، وليس كذلك.

ص: 241

ص: 242

كتاب المضاربة

اشارة

ص: 243

ص: 244

في العقد

قال رحمه اللّه : ولو شرط ان يشتري أصلا يشتركان في نمائه ، كالشجر أو الغنم ، قيل : يفسد ؛ لأن مقتضاه التصرف في رأس المال ، وفيه تردد.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط ، وتابعه ابن إدريس وتردد المصنف ، من ان المضاربة هي الاسترباح بالمال بالبيع والشراء ، وهذا الشرط مناف لها ، وكل شرط نافى العقد فهو باطل فتبطل المضاربة ، وهو المعتمد.

ومن أصالة الجواز ، ولحصول النماء المتجدد بسبب سعي العامل ، إذ لو لا شراءه لما حصل ذلك النماء ، ولكونه شرطا سائغا ، فيكون صحيحا.

قال رحمه اللّه : وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال على الأظهر.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد ؛ لأن سفره لأجل مال المضاربة ، فكانت نفقته من أصله ، ولما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه السلام « قال : في المضاربة ما أنفق في

ص: 245

سفره فهو من جميع المال ، فاذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه » (1).

وقال في المبسوط : ان نفقته من خاصته دون مال القراض ؛ لأنه دخل على ان يكون له من الربح سهم معلوم ، فليس له أكثر من ذلك ؛ لأنه ربما لم يربح سوى ذلك القدر.

قال رحمه اللّه : ولو كان لنفسه مال غير مال القراض ، فالوجه التقسيط.

أقول : هذا تفريع على وجوب النفقة من مال القراض ، ووجه كون سفره لأجل المالين ، فتكون النفقة عليهما بالحصص ، ويحتمل كون النفقة عليه خاصة ، كما ذكره عميد الدين رحمه اللّه.

قال العلامة في القواعد : ونفقة الحضر على نفسه ، وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، ولو كان معه غيره قسط ، ويحتمل مساواة الحضر واحتساب الزائد على القراض.

وقد اختلف الشارحان في تأويل الاحتمال ، فعميد الدين رحمه اللّه جعله مختصا في المسألة الثانية ، وهي قوله : ( ولو كان معه غيره قسط ) ، قال بعد ان ذكر وجه التقسيط : ويحتمل مساواته للحضر ، لأنه لم يسافر للقراض وانما سافر في تجارته ، وأراد ان يزداد في الربح فأخذ مال القراض من غيره مستصحبا ، إذ السفر لأجله فكانت نفقة في خاصته ، كما لو كان حاضرا ، ويحتمل ان ينفق من مال القراض ما زاد عن نفقة الحضر ، لأنه مشغول بمصلحته كما لو كان حاضرا ، وانما لزمه بسبب السفر القدر الزائد عن نفقة الحضر ، فكان إنفاق ذلك القدر لا غير من مال القراض. إلى هنا كلامه رحمه اللّه ، حمل الاحتمال على المسألة الثانية دون الاولى.

وفخر الدين حمل الاحتمال على المسألة الأولى ، لأنه قال : البحث هنا في

ص: 246


1- الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 6 ، حديث 1 ، باختلاف يسير.

مقامين : الأول : هل نفقة العامل في السفر للتجارة على مال القراض أو على نفسه؟ ثمَّ ذكر قولي الشيخ رحمه اللّه ، ثمَّ قال : المقام الثاني : على القول بوجوب النفقة على مال القراض ، هل يستحق كمال النفقة ، أو ما زاد بسبب السفر؟

اختار والدي المصنف الأول ، جعل الاحتمال عائدا إلى الأول ، وهو انسب ، وعليه دلت عبارة التحرير ، لأنه قال فيه : وعلى ما اخترناه هل يأخذ كمال النفقة من مال القراض أو الزائد على نفقة الحضر؟ الأقرب الأول ، وقوى الشيخ الثاني على تقدير القول بالنفقة. هذا كلامه في التحرير ، وهو موافق لاختيار فخر الدين وهو أنسب الى الأصل ، وكلام عميد الدين أنسب إلى متن القواعد.

تنبيه : المراد بالنفقة نفقة أمثاله من المأكول أو المشروب والملبوس والمركوب ، من غير إسراف ولا تقتير ، فلو أسرف حسب عليه ، ولو قتر لم يحسب له.

والمراد بالسفر هو السفر العرفي سواء أوجب القصر أو لم يوجب كما لو وصل ملكا استوطنه ستة أشهر ، أو نوى الإقامة عشرا وهو مشغول بالبيع والشراء ، أما لو انقضى بيعه وشراؤه لم يتأخر الرجوع الى بلده لعارض فان نفقته تكون على نفسه والا لزم تضرر المالك لاحتمال طول المدة بسبب العارض بحيث يستغرق جميع المال بالنفقة.

فرع : إذا رجع الى بلده سقطت النفقة عن مال القراض ، فلو بقي عليه ثياب من مال القراض لها قيمة ردت الى مال القراض ، وله ان يأخذ نفقة كل يوم من مال القراض ثمَّ ينفق من غيره ويستقر ملكه على ذلك ، كما لو دفع الى زوجته نفقة فقبضتها وأنفقت من غيرها ، لأنه يستحق النفقة في هذا المال ، فله أخذها ولا يتعين عليه الإنفاق ، بل له ان ينفق من غيرها ، ويملك ما أخذه كالزوجة.

ص: 247

ولو لم يميز النفقة من مال القراض ثمَّ أنفق على نفسه من خاصته (1) على أن يرجع بما أنفقه على مال القراض ، فله ذلك ، كالزوجة إذا أنفقت على نفسها بنية الرجوع ، لأن النفقة حق للعامل تعلقت في مال القراض فله أخذه متى شاء ما لم يسقطه ، جزم بذلك في القواعد.

ص: 248


1- في « ن » و« ر 2 » : خاصة.

في مال القراض

قال رحمه اللّه : وفي القراض بالنقرة تردد.

أقول : قال صاحب الصحاح : النقرة هي السبيكة ، قال الشهيد : وربما كانت في عرف الفقهاء هي الدراهم المضروبة من غير سكة ، فيكون التردد عائدا إلى عرف الفقهاء ، فيكون منشؤه من أصالة الجواز ، ولأنها مما يتعامل بها كالمنقوشة بسكة المعاملة ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، ومن الاقتصار على مورد الشرع ، وهو لم يثبت إلا في المنقوشة.

وعلى القول بأن المراد بالنقرة السبيكة يكون منشؤه من انها تضمن بالقيمة فهي كالثوب ، ومن كونها أصلا للدراهم فتصح بها كما تصح بالدراهم ، والى هذا المعنى ذهب صاحب الترددات ، والأول أحسن ، والمعتمد عدم الجواز على التعريفين.

قال رحمه اللّه : ولا يكفي المشاهدة ، وقيل : يصح مع الجهالة ، ويكون

ص: 249


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7.

القول قول العامل مع التنازع في قدره.

أقول : للشيخ في ذلك قولان أحدهما البطلان مع جهالة رأس المال ، وهو قوله في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه لحصول الغرر ، وإفضائه إلى التنازع ، وهو المعتمد.

ونقل في المبسوط عن قوم الصحة ويكون القول قول العامل ثمَّ قواه ، واختاره العلامة في المختلف ، لأصالة الجواز ، ولقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1).

ص: 250


1- المصدر المتقدّم.

في الربح

قال رحمه اللّه : ويلزم الحصة بالشرط دون الأجرة على الأصح.

أقول : المشهور بين الأصحاب ان للعامل ما شرطه من الربح نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل أو أكثر إذا بقي للمالك شي ء ، ذهب اليه الشيخ في الخلاف والاستبصار وابن حمزة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وهذا عقد ، وقوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولهم عليه روايات (2).

وقال الشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج : يكون له الأجرة ، لأن النماء تابع للأصل فيكون الربح للمالك ، كما ان الأصل له وعليه الأجرة ، ولأنها معاملة فاسدة ، لجهالة العوض ، فتبطل ، ويكون الربح بأجمعه لصاحب المال ، وعليه الأجرة للعامل.

قال رحمه اللّه : ولا بد أن يكون الربح مشاعا ، فلو قال : خذه قراضا والربح في فسد ، ويمكن أن يجعل بضاعة نظرا الى المعنى ، وفيه تردد ، وكذا التردد لو قال :

ص: 251


1- المائدة : 1.
2- الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 3.

والربح لك.

أقول : منشؤه التردد في الصورتين من ان عقد القراض يقتضي المشاركة في الربح ، فاذا اختص بأحدهما دون الآخر احتمل البطلان ، لأنه شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، فيكون للعامل الأجرة والربح للمالك ، ويحتمل جعله (1) بضاعة مع اختصاص المالك بجميع الربح نظرا الى المعنى ، وجعله قراضا مع اختصاص العامل بالجميع نظرا الى المعنى أيضا ، والمعتمد انه إن دخل على ان الربح كله للمالك لم يكن له اجرة ، لأنه دخل على ذلك ، فكان متبرعا بالعمل فلا اجرة له ، وإن دخل على أنه له كله ، كان له الأجرة خاصة لفساد العقد.

قال رحمه اللّه : ولو شرط لغلامه حصة معهما صح ، عمل الغلام أو لم يعمل ، ولو شرط الأجنبي وكان عاملا صح ، وإن لم يكن عاملا فسد ، وفيه وجه آخر.

أقول : المراد بالغلام هنا المملوك ، والمراد بالأجنبي ما عداه وان كان رحما كالولد والوالد ، وواجب النفقة كالزوجة ، ووجه الصحة في الغلام ان جميع ما للمملوك فهو لمالكه ، فالاشتراط له كالاشتراط لنفسه.

واما الأجنبي إذا لم يكن عاملا فلا يجوز الاشتراط له ، لأنه لا مال له ولا عمل ، وعقد المضاربة يقتضي اختصاص الربح فيهما ، فاذا اشترط لغيرهما كان مخالفا لمقتضى العقد فيكون باطلا ، وهذا هو المعتمد.

ويحتمل الجواز لكونه شرطا سائغا ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (2).

ص: 252


1- في « ر 2 » : ان يكون.
2- تقدم ص 249.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : وقوله مقبول في التلف ، وهل يقبل في الرد؟ فيه تردد ، أظهره أنه لا يقبل.

أقول : عدم القبول الا مع البينة هو المشهور وهو المعتمد ، لأنه مدع ، وقال في المبسوط بالقبول ، وكأن وجهه كونه أمينا كالمستودع ، والفرق ظاهر ، فان المستودع قبض المال لمصلحة المودع خاصة ، والعامل قبضه لمصلحتهما.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى من يعتق على رب المال فان كان بإذنه صح وانعتق ، فإن فضل من المال عن ثمنه شي ء كان الفاضل قراضا ، ولو كان في العبد المذكور فضل ، ضمن رب المال حصة العامل من الزيادة ، والوجه الأجرة ، وإن كان بغير إذنه ، وكان الشراء بعين المال ، بطل ، وإن كان في الذمة وقع الشراء للعامل ، إلا أن يذكر رب المال. ولو كان المال لامرأة ، فاشترى زوجها ، فإن كان بإذنها ، بطل النكاح ، وإن كان بغير إذنها ، قيل : يصح الشراء ، وقيل : يبطل ، لأن عليها في ذلك ضررا ، وهو أشبه إذا اشترى العامل أباه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

ص: 253

الأولى : ان يشتري العامل أبا رب المال ، ولا يخلو إما ان يكون الشراء بإذنه أو بغير إذنه ، فان كان بإذنه صح الشراء وعتق وبطلت المضاربة بمقدار الثمن.

وقال الشيخ : ان كان فيه ربح ضمن المالك حصة العامل من الربح ، وان لم يكن فيه ربح فلا شي ء له ، ووجهه ان المضاربة تبطل بالانعتاق لتلف المال بإذن المالك وأن العامل يملك حصته من الربح بالظهور ، فيكون شريكا للمالك بتلك الحصة ، وحصة المالك قد عتقت باختياره ، فيشتري عليه حصة العامل ويضمن له قيمتها ، فأما مع عدم ظهور الربح فقد أتلف المالك مال المضاربة ولا ربح فيه ، فلا شي ء للعامل ، لأنه لا نصيب له في غير الربح.

واختار المصنف وجوب الأجرة للعامل ، واختاره العلامة أيضا ، وهو المعتمد ، لبطلان المضاربة بالشراء المأذون فيه ، فيكون له الأجرة ، لأنه لم يتبرع بالعمل.

وان كان الشراء بغير اذنه فلا يخلو اما ان يكون بالعين أو بالذمة ، فإن كان الشراء بالعين بطل ، لأنه دفع اليه المال ليشتري له ما يربح فيه وينتفع به ، وهذا الشراء يستضر به لتلف ماله به ، فلا يكون لازما ، لكونه غير مأذون فيه ، ويكون موقوفا على الإجازة على الصحيح من المذهب.

وان كان بالذمة فلا يخلو اما ان يذكر رب المال أو لا يذكره ، فان ذكره كان موقوفا على إجازته ، فان اجازه والا بطل ، فلو ادعى البائع الاذن في الشراء كان القول قول المالك ، وان لم يذكر رب المال كان الشراء للعامل ظاهرا ولا يقبل دعواه القصد انه للمالك.

فرع : إذا اشترى أبا المالك بغير اذنه ، وهو جاهل في النسب بينهما أو جاهل في الحكم - أي لا يعلم انه ينعتق على المالك - احتمل الصحة وكان حكمه كما لو اذن له في الشراء ، لأن عقد المضاربة اقتضى شراء ما يرجو في الربح ، وهو

ص: 254

هنا كذلك ، فيقع صحيحا وينعتق على المالك ويكون كما لو امره ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، لأنه غير مكلف بالعلم بكيفية نسب كل رقيق يشتريه وربما تعذر ذلك.

ويحتمل البطلان لظهور التضرر بهذا العقد الموجب لتلف جميع ما يضمنه من المال ، إذ لو اشترى بأكثر من ثمن المثل كان باطلا ، لتلف بعض المال في غير مصلحة ، فيكون بطلانه بتلف الجميع أولى.

الثانية : إذا كان رب المال امرأة ولها زوج مملوك فاشتراه العامل ، فان كان بإذنها صح الشراء ، وملكته وانفسخ النكاح وكان من مال القراض ، وإن كان بغير إذنها ، فإن اشتراه بعين المال ، ففيه قولان :

أحدهما : البطلان ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لأن عقد المضاربة اقتضى أن يشتري العامل ما ليس فيه ضرر على رب المال ، وهذا فيه ضرر ، لانفساخ نكاحها بملكها لزوجها وسقوط مهرها ونفقتها فلا يكون صحيحا.

وقيل بالصحة ، لأن القصد من القراض ان يشتري ما يحصل فيه الربح ، وربما كان الربح حاصلا في هذا العبد فيكون الشراء صحيحا والمعتمد وقوفه على الإجازة ، وان كان الشراء بالذمة كان موقوفا على إجازتها ان كان ذكر ان الشراء لها ، والا كان كما قلناه في شراء القريب.

وعلى القول بالصحة من غير افتقار إلى إجازتها يكون العامل ضامنا لمهرها مع علمه بالزوجية والحكم.

الثالثة : ان يشتري العامل أبا نفسه ، فان لم يكن فيه ربح صح الشراء قطعا لعدم المانع حينئذ ، فإنه في الحقيقة كالوكيل عن المالك ، ولا خلاف في جواز شراء القريب للغير ، لعدم دخوله في ملك المشتري.

ثمَّ ان ظهر فيه ربح بعد الشراء ، فان قلنا ان العامل لا يملك حصته بعد

ص: 255

الربح الا بعد الإنضاض والقسمة كانت المضاربة بحالها ، وان قلنا انه يملك بالظهور ملكا متزلزلا عتق عليه حصته ، واختاره العلامة ، لأن الشراء به انما يكون مع الملك الاختياري وهذا لم يملك باختياره ، لأن الملك تجدد بعد العقد بسبب زيادة السعر ولا اختيار له في الزيادة ، ويحتمل التقويم مع اليسار ، لأنه اختار السبب - وهو الشراء - واختيار السبب يجري مجرى اختيار المسبب وهو الملك.

وان كان فيه ربح حالة الشراء ، فان قلنا : انه لا يملك بالظهور صح الشراء قطعا أيضا ، وان قلنا انه يملك ، فالأقرب الصحة أيضا ، لأنه لا ضرر على المالك ، لأنه ان كان العامل موسرا سرى العتق وأخذ حصته منه ، وان كان معسرا ، فحصة المالك باقية على الرق فلا مانع من صحة الشراء.

ويحتمل عدم الصحة ، لأنه يؤدي الى زوال الملك عن المالك قهرا : وهو مخالف للتجارة ، والمصنف أطلق صحة الشراء ووجوب السعي على العبد مع ظهور الربح ، لاختصاص النص (1) الوارد في السراية بالعتق ، ولأصالة براءة الذمة من اشتغالها بحق للغير ما لم يتحقق السبب الشاغل ، وهو هنا غير متحقق.

قال رحمه اللّه : إذا فسخ المالك صح ، وكان للعامل أجرة المثل الى ذلك الوقت ، ولو كان بالمال عروض ، قيل : كان له أن يبيع ، والوجه المنع ، ولو ألزمه المالك ، قيل : يجب أن ينضّ المال ، والوجه أنه لا يجب وإن كان سلفا كان عليه جبايته ، وكذا لو مات رب المال وهو عروض كان للعامل البيع إلا أن يمنعه الوارث ، وفيه قول آخر.

أقول : هنا أربع مسائل :

الأولى : في استحقاق العامل للأجرة مع فسخ المالك قبل ظهور الربح ، والمصنف جزم بالاستحقاق ، واستشكله العلامة في القواعد والتحرير ، من أنه

ص: 256


1- الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 8 ، حديث 1.

رضي بالعمل في مقابل الربح ولم يحصل ، فليس له شي ء ، والفسخ حصل بإذن الشارع ، لجواز العقد ، فلا ضمان على المالك.

ومن انه عمل عملا محترما غير متبرع ، ولم يسلم له عوضه - وهو حصول الربح بسبب الفسخ الصادر من المالك - فكان له اجرة مثل ذلك العمل ، واختاره فخر الدين.

الثانية : إذا فسخ وبالمال عروض ، وطلب العامل بيع العروض ، هل يجب على المالك اجابته؟ قال الشيخ : للعامل ان يبيع ، سواء ظهر ربح أو لا ، لجواز ان يرغب فيه من يشتريه بربح. وقال المصنف : الوجه المنع ، وأطلق.

وذهب العلامة في القواعد إلى إجبار المالك على الإجابة مع ظهور الربح ووجود من يشتريه بربح ، ثمَّ استشكل ذلك من انه إذا انفسخ العقد لم يجبر المالك على تمكين الغير من بيع ماله ، ومن انه يملك حصته من الربح بالظهور ، ولا يتحقق إلا بالبيع فالمنع منه إضرار بالعامل ، وهو غير جائز ، وهذا هو المعتمد ، الا ان يقوّم المالك العروض على نفسه ثمَّ يدفع حصة العامل من الربح اليه ، فيمنع من البيع حينئذ لوصول حقه إليه.

الثالثة : إذا ألزمه المالك بالبيع بعد الفسخ ، هل يجب عليه ذلك أم لا؟ فنقول : فان كان فيه ربح ولم يسقط حقه منه وجب عليه البيع قطعا ، اما إذا لم يكن فيه ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه ، فإنه يحتمل عدم وجوب البيع عليه ، لأنه انما يجب عليه البيع مع بقاء عقد المضاربة ، أو فسخه مع ظهور الربح ليتوصل الى حقه ، فمع انتفائها لا يجب عليه ، وهو اختيار المصنف ، ويحتمل الوجوب ، لأنه أخذ المال ناضّا ، فيجب عليه ان يرده كما أخذه ، ولأن في رده الى تلك الحالة مئونة على المالك لا يجب عليه دفعها ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واختاره العلامة في القواعد.

ص: 257

الرابعة : إذا مات رب المال وهو عروض انفسخ القراض وكان للوارث مطالبة العامل بالانضاض ، وهل له البيع وان كره الوارث؟ قال المصنف : ( وله البيع الا ان يمنعه الوارث ، وفيه قول ).

قال صاحب الترددات : ان القول يمكن ان يقال : انه يمنع من البيع لانفساخ المقارضة بالموت الا مع اذن الوارث. وهو غلط ، لأن هذا هو مذهب المصنف الذي ذكره ، لأنه قال : ( وله البيع إلا أن يمنعه الوارث ) ، والقول الذي أشار إليه المصنف هو ان له البيع وان منعه الوارث ، فهو ضد ما اختاره ، إذ لو كان القول هو الذي اختاره كان قال : ( على قول ) ، لأن المصنف إذا قال : ( على قول ) كان مذهبه ذلك القول ، وإذا قال : ( وفيه قول ) كان مذهبه ضد ذلك ، وهذا مما ليس يشتبه على من له ادنى تحصيل.

والمصنف بنى هذه المسألة على مذهبه ، من انه إذا انفسخ القراض وفيه عروض لا يجب على المالك اجابة العامل الى البيع ، والقول المشار اليه ، قول الشيخ رحمه اللّه بناء على مذهبه أيضا من وجوب اخبار المالك على الإجابة ، كما حكيناه عنه في المسألة الثانية وذكرنا الوجه في ذلك.

والوجه في هذه المسألة ان الفسخ بالموت ليس أبلغ من فسخ المالك فكما يجبر المالك على اجابة العامل الى البيع ، فكذا يجبر الوارث ، وهو المعتمد ، مع ظهور الربح أو وجود من يشتريه بربح.

قال رحمه اللّه : وإن كان بغير اذنه لم يصح القراض الثاني ، فإن ربح كان نصف الربح للمالك والنصف الآخر للعامل الأول وعليه أجرة الثاني ، وقيل : للمالك أيضا ، لأن الأول لم يعمل ، وقيل : بين العاملين ويرجع الثاني على الأول بنصف الأجرة ، والأول أحسن (1).

ص: 258


1- في الشرائع : حسن.

أقول : إذا قارض العامل غيره بغير اذن المالك بطل القراض الثاني ؛ لأن المالك لم يرض بنظر غير العامل ، فان عمل الثاني ولم يربح شيئا أخذ المالك المال ولا بحث.

وان ربح شيئا ، فقد ذكر المصنف فيه ثلاثة أقوال ، والثلاثة ذكرها الشيخ رحمه اللّه :

الأول : ان نصف الربح للمالك والنصف الآخر للعامل الأول ، وعليه أجرة الثاني ، ووجهه ان المالك دخل على ان يكون له نصف الربح فلا يستحق أكثر من ذلك ، والعامل الثاني اشترى للأول ، فكان الربح له وعليه للثاني أجرة عمله ؛ لأنه بذل منفعة على عوض ولم يسلم له العوض فكان له الأجرة.

الثاني : ان النصف الآخر للمالك أيضا ؛ لأن العامل الأول لا مال له ولا عمل ، فلا يستحق شيئا والثاني تصرف تصرفا غير مأذون فيه ، فلا يستحق شيئا أيضا ، فيكون الجميع للمالك.

الثالث : النصف بين العاملين ، ويرجع الثاني على الأول بنصف أجرته ، ووجهه ان الثاني دخل على ما رزق اللّه من ربح فهو بينهما ، والذي رزق اللّه هو هذا النصف ، ووجه رجوع الثاني على الأول بنصف أجرته ؛ لأنه بذل منفعة تقابل نصف الجميع ولم يحصل له غير النصف فيرجع بأجرة النصف.

والمعتمد ان نقول : لا يخلو اما ان يشتري بعين المال أو في الذمة ، فإن كان الأول ، فلا يخلو اما ان يكون الثاني عالما بالفساد أو لم يكن ، فان كان عالما كان العقد عقد فضول للمالك اجازته وفسخه ، ولا أجرة لعدم الغرر ، وان كان جاهلا كان له الأجرة على العامل الأول ؛ لأنه غرّه ، وان كان الشراء في الذمة كان الربح كله للعامل الثاني ؛ لأنه اشترى في ذمته فيكون الملك له ، الا ان يذكر القراض في العقد فيكون له النصف ، وللمالك النصف فان تلف المال رجع المالك على من شاء

ص: 259

منهما ، فان رجع على الأول رجع الأول على الثاني مع علمه ؛ لأن التلف حصل في يده ، وان رجع على الثاني رجع على الأول مع جهله ؛ لأنه غرّه.

قال رحمه اللّه : إذا تلف مال القراض أو بعضه ، بعد دورانه في التجارة ، أحتسب التالف من الربح ، وكذا لو تلف قبل ذلك ، وفي هذا تردد.

أقول : إذا تلف بعد دورانه في التجارة كان التالف محسوبا من الربح إجماعا ؛ لأن الربح وقاية لرأس المال فان قيل اما مع تلف البعض فإنه يقتدر أنه يبقى ربح يجبر به رأس المال ، فمع تلف الجميع كيف يتقدر ذلك؟!

فانا نقول : يتقدر ذلك كما لو ظهر في مال القراض ربح ثمَّ تلف مقدار رأس المال وبقي مقدار الربح ، فان ذلك الربح يصير رأس المال ، والتالف هو الربح.

أما إذا تلف رأس المال أو بعضه قبل دورانه في التجارة ، أي قبل ان يشتري به ما لا للقراض ، فقد تردد المصنف في انه هل يحسب ذلك من الربح أم لا؟ ومنشأ التردد من ان عقد القراض اقتضى ان لا يكون للعامل شي ء من الربح إلا بعد رأس المال ، فيجب أن يكون التالف محسوبا من الربح ؛ لأن العامل دخل على ذلك.

ومن ان المال إذا تلف قبل دورانه في التجارة يكون قد تلف عين رأس المال ، وإذا تلف عين رأس المال انفسخ القراض فيه ، فلا يكون محسوبا من الربح ويتقدر ذلك كما لو اذن له بالشراء في الذمة فاشترى كذلك ثمَّ تلف المال قبل دفعه الى البائع ، فهنا يجب على رب المال ان يدفع اليه الثمن ثانيا ؛ لأن الشراء وقع له بإذنه كالوكيل ، فيجب عليه نقد ثمنه.

فعلى الأول يكون الجميع رأس المال ، وعلى الثاني يكون رأس المال هو الأول.

واعلم ان الأصحاب اختلفوا هنا ، قال الشيخ في المبسوط : إذا دفع إليه ألفا

ص: 260

قراضا ، فاشترى به عبدا للقراض ، فهلك الألف قبل ان يدفعه ، قال قوم : المبيع للعامل والثمن عليه ، ولا شي ء على رب المال. وقال قوم : المبيع لرب المال ، وعليه ان يدفع إليه ألفا أخرى ليقضى بها دينه ، ويكون الألف الأول والثاني قراضا ، وهما معا رأس المال.

واختاره ابن البراج ، وحكى في الخلاف القولين ، ثمَّ اختار فيه ان يكون المبيع للعامل ، وعليه الثمن ، وقال ابن إدريس : فإن اشترى في الذمة فإن الشراء له وان اشترى بالعين وتلف المال بطل العقد.

وقال العلامة في المختلف : إذا كان اذن له بالشراء في الذمة ، فاشترى في الذمة فالحق ما قاله في المبسوط ، وان اشترى في الذمة بغير اذنه فالحق ما قاله في الخلاف ، وان اشترى بالعين فتلف قبل القبض ، فالحق ما قاله ابن إدريس من بطلان البيع ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قارض اثنان واحدا وشرط له النصف منهما وتفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال كان فاسدا ، لفساد الشرط ، وفيه تردد.

أقول : هذه المسألة مبنية على جواز اشتراط التفاوت في الربح والخسران مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوتهما ، وقد سبق البحث في ذلك (1) ، فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : إذا اشترى عبدا للقراض فتلف الثمن قبل قبضه ، قيل : يلزم صاحب المال ثمنه دائما ويكون الجميع رأس ماله ، وقيل : إن كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك ، وإلا كان باطلا ولا يلزم الثمن أحدهما.

أقول : قد ذكرنا ذلك ، والقول الأول قول الشيخ في المبسوط ، والقول الثاني قول ابن إدريس ، وقد سبق (2).

ص: 261


1- ص 234.
2- ص 260.

قال رحمه اللّه : إذا دفع مالا قراضا ، وشرط أن يأخذ له بضاعة ، قيل : لا يصح ؛ لأن العامل في القراض لا يعمل ما لا يستحق عليه أجرا ، وقيل : يصح القراض ويبطل الشرط ، ولو قيل بصحتهما كان حسنا.

أقول : البضاعة هو ان يدفع الإنسان إلى غيره مالا أمانة على ان يتجر له فيه ولا حصة له في الربح ، فاذا شرط رب المال على العامل ان يأخذ له بضاعة ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ثمَّ قال في المبسوط أيضا : ولو قلنا : ان القراض صحيح والشرط جائز لكنه لا يجب الوفاء به ؛ لأن البضاعة لا يلزم القيام بها ، كان قويا

والمعتمد ما استحسنه المصنف ؛ لأنه لا مانع من ان يعمل العامل في مال بعوض وفي آخر بغير عوض لوجود المقتضي ، وهو الشرط السائغ فدخل تحت عموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : ولا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطؤها وإن أذن له المالك ، وقيل : يجوز مع الإذن ، أما لو أحلّها بعد شرائها ، صح.

أقول : القول بالجواز هو قول الشيخ في النهاية ، معولا على ما رواه مرفوعا الى الكاهل ، عن أبي الحسن عليه السلام ، « قال : قلت : رجل سألني أن اسألكم ، ان رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري ما يرى من شي ء ، وقال : اشتر جارية تكون معك ، والجارية انما هي لصاحب المال ان كان فيها وضيعة فعليه ، وان كان فيها ربح فله ، فللمضارب ان يطأها؟ قال : نعم » (2). وفي طريقها سماعة ، وهو

ص: 262


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4. والمستدرك ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب الخيار ، حديث 7.
2- التهذيب ، كتاب التجارات ، باب الشركة والمضارة ، حديث 31 (845). وفي الوسائل ، كتاب المضاربة ، باب 2. حديث 1.

واقفي.

والمعتمد عدم الجواز ؛ لأنه لا يخلو إما ان يظهر فيها ربح أو لا ، فان ظهر فيها ربح وقلنا : انه يملك حصته بالظهور فهي مشتركة ، والمشتركة لا يجوز وطؤها لأحد الشريكين على ما يأتي في كتاب النكاح ان شاء اللّه تعالى. وان قلنا : انه لا يملك بالظهور أو لم يكن فيها ربح ، فهي ملك لرب المال حصل بعد الإذن ، والإذن السابق لا يقبل الإباحة ؛ لأنه لم يصادف ملكا ، أما لو لم يكن فيها ربح وحصل التحليل بعد الشراء ، فإنه يجوز الوطي قطعا.

ص: 263

ص: 264

كتاب المزارعة والمساقاة

اشارة

ص: 265

ص: 266

في المزارعة

اشارة

قال رحمه اللّه : أما لو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا الى الحصة ، قيل : يصح ، وقيل : يبطل ، والأول أشبه.

أقول : القائل بالصحة على كراهية هو الشيخ رحمه اللّه ، وتابعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة ، ونقل المصنف والعلامة قولا بالمنع ولم يسميا قائله. والمعتمد الأول ، لعموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، فإن هلك الزرع بشي ء من الآفات سقط الشرط.

قال رحمه اللّه : ويكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير مما يخرج منها ، والمنع أشبه ، وان يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث بها حدثا أو يؤجرها بجنس غيره.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : ان يؤجر الأرض بحنطة أو شعير مما يخرج منها ، والمشهور في هذه عدم الجواز ، لاحتمال لا يخرج منها شي ء فتسقط الأجرة ، وهو غير جائز ،

ص: 267


1- مستدرك الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب 5 ، من أبواب الخيار ، حديث 7.

وقيل بالجواز على كراهية ، لأصالة الجواز ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، والأول هو المعتمد ؛ لأن هذا الشرط مشتمل على غرر فيكون باطلا.

الثانية : في جواز ان يؤجر الأرض الذي استأجرها بأكثر مما استأجرها به إذا كان من جنس ما استأجرها ولم يحدث فيها حدثا ، وبعدم الجواز قال الشيخ والسيد المرتضى وابن الجنيد : حذرا من الربا ، ولهم عليه روايات (1).

وقال المفيد وابن إدريس : انه مكروه. واختاره العلامة ، لأصالة الجواز ، ولهم عليه روايات كثيرة (2) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو مضت المدة والزرع باق كان للمالك إزالته على الأشبه.

أقول : المعتمد وجوب تعيين المدة في العقد ، فاذا عينا مدة يمكن ادراك الزرع فيها ثمَّ انقضت ولم يدرك ، هل للمالك ازالته؟ يحتمل ذلك لأن العقد لم يتناول غير المدة المعينة ، فلا يجب على المالك إبقاء الزرع بعدها ، لكن يجب عليه أرش النقص بسبب القلع ، والأرش هو نقص قيمته مقلوعا عن قيمته قائما ، لأنه نقص دخل على ملك الغير بسبب تخليص ملكه ، فيكون مضمونا.

ويحتمل عدم جواز الإزالة ، لأنه تصرف تصرفا مأذونا فيه ، والقلع فيه ضرر على الزارع ، وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » (3) ، ولأنه ليس لعرق ظالم ، ويحتمل وجوب التبقية بالأجرة ، جمعا بين الحقين.

فرع : إذا عينا مدة فأدرك الزرع في بعضها ، فان كان قد عينا المزروع لم يجز للعامل ان يزرع الأرض مرة ثانية وان كان يدرك عند انتهاء تلك المدة ، وان لم يعينا المزروع جاز ان يزرع الأرض مرة ثانية ، لأنه يملك التصرف بما شاء من

ص: 268


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 22 ، حديث 2 ، وباب 20.
2- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 22 ، وكتاب المزارعة والمساقاة ، باب 15.
3- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1 وغيره.

الزرع تلك المدة المعينة.

قال رحمه اللّه : ولو استأجر للزراعة ( ما لا ينحصر عنه الماء لم يجز لعدم الانتفاع ، ولو رضي بذلك المستأجر ) (1)) جاز ، ولو قيل : بالمنع لجهالة الأرض كان حسنا.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي المنع والجواز ، والمعتمد الجواز ان كانت الأرض معلومة أو كان الماء صافيا يمكن مشاهدتها أو كان قليلا يمكن معه بعض الزرع ، وإلا فلا.

قال رحمه اللّه : إذا استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا ، قيل : يجب على المالك إبقاؤه أو ازالته بعد الأرش ، وقيل : له أزالته كما لو غرس بعد المدة ، والأول أشبه.

أقول : لا خلاف في جواز الغرس ، وانما الخلاف في ان الغارس هل يجبر بعد انقضاء المدة على قلع غرسه مجانا أو لا يجبر إلا مع بذل أرش النقصان ، وهو التفاوت بين قيمته مقلوعا وقيمته قائما؟ فنقول : لا يخلوا اما ان يشترط القلع بعد انقضاء المدة أو يطلق العقد ، فان اشترط القلع وجب ، ولا أرش حينئذ ، لأنه دخل على ذلك.

وان أطلق العقد ، قال الشيخ : لم يجبر على قلعه مجانا ، ويجبر المالك بين أخذ الغرس بالقيمة ويجبر المستأجر على القبول ، وبين الإجبار على القلع مع دفع أرش نقص الغرس ، وبين التبقية بأجرة المثل.

ووجهه انه من استأجر شيئا ليشغله بحق له انما يجبر على ازالة حقه منه على ما جرت العادة بنقله منه ، والعادة لم تجر بنقل الغرس إلا بعد جفافه ، فلا يجبر على نقله قبل ذلك ، ولا يجبر مالك الأرض على شغلها بمال الغير بغير عوض ، لما في

ص: 269


1- ما بين القوسين لم يرد في الشرائع.

ذلك من الضرر المنفي ، فوجه الجمع بين الحقين ما قاله الشيخ.

قال العلامة في التحرير بعد ان حكى قول الشيخ : وعندي في إجباره على قبول القيمة نظر. وجه النظر ان المعاوضة عقد يفتقر إلى التراضي والإجبار ينافيه ، وقيل : يجبر على الإزالة ، كما لو غرس بعد انقضاء المدة ، لأن العقد لم يتناول غير المدة المعينة ولا أرش على مالك الأرض ، لأن تفريغ الأرض واجب عليه ، وكما قبضها فارغة يجب تسليمها فارغة ، فلا يستحق على فعل الواجب عليه أرشا ، واختاره العلامة في القواعد ، واختار المصنف مذهب الشيخ.

قال رحمه اللّه : إذا تنازعا في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه ، وكذا لو اختلفا في قدر الحصة فالقول قول صاحب البذر ، فإن أقام كل واحد منهما بينة ، قدمت بينة العامل ، وقيل : يرجعان إلى القرعة ، والأول أشبه.

أقول : انما كان القول قول صاحب البذر مع عدم البينة ، لأن النماء تابع للأصل ، فيقتضي ان الجميع لصاحب البذر إلا ما أخرجه الشرط ، فاذا ادعى زيادة عما اعترف به صاحب البذر كان القول قول المالك وهو صاحب البذر مع عدم البينة وانما كان البينة بينة العامل ، لأنه الخارج ولأن القول قول صاحب البذر مع عدم البينة ، فيكون البينة بينة الآخر.

وقال الشيخ رحمه اللّه : يقرع بينهما ، لأن الربح تابع للعمل ورأس المال ولا ترجيح ، فيقرع بينهما ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا ، فقال الزارع : أعرتنيها ، فأنكر المالك وادعى الحصة أو الأجرة ولا بينة ، فالقول قول صاحب الأرض ويثبت له أجرة المثل مع يمين الزارع ، وقيل : يستعمل القرعة ، والأول أشبه.

أقول : انما كان القول قول صاحب الأرض ، لأن المنافع مملوكة له كالعين فكما ان القول قوله لو ادعى عليه تمليك العين ، فكذا القول قوله إذا ادعى عليه

ص: 270

تمليك المنافع ، وقيل بالقرعة ، لأنهما اتفقا على حدوث المنافع في ملك الزارع ، وصاحب الأرض يقول بأجرة ، والأصل عدم التبرع ، والزارع يقول مجانا والأصل براءة الذمة ، ولا ترجيح لأحد الأصلين على الآخر ، فيقرع بينهما ، والمعتمد الأول.

ص: 271

ص: 272

في المساقاة

قال رحمه اللّه : ويصح قبل ظهور الثمرة ، وهل تصح بعد ظهورهما؟ فيه تردد ، والأظهر الجواز إن بقي للعامل عمل ، وإن قل مما يستزاد به الثمرة.

أقول : المساقاة جائزة قبل ظهور الثمرة إجماعا ، أما بعد ظهورها إذا بقي للعامل عمل يستزاد به الثمرة ، فقد تردد فيه المصنف ثمَّ اختار الجواز ، ومنشأ التردد من أصالة الصحة ، ولأن المقصود من المساقاة زيادة النماء بسبب فعل العامل ، والتقدير انه حاصل ، وبه قال الشيخ في الخلاف محتجا بعموم الأخبار (1) الدالة على جواز المساقاة من غير تفصيل ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ومن ان المساقاة معاملة على مجهول فيقتصر فيها على محل الوفاق ، وهو الصحة قبل الظهور دون ما بعده ، ولأن الثمرة إذا ظهرت كانت ملكا للمالك ، فاذا ساقاه عليها وشرط له منها جزءا كان قد شرط جزءا من ماله له ، فلا يصح كالمضاربة.

ص: 273


1- الوسائل ، كتاب المزارعة والمساقاة ، باب 9 ، حديث 2.

فرع : على الجواز بعد الظهور لو حصلت بعد بدو الصلاح كان زكاة الجميع على المالك خاصة لبدو الصلاح على ملكه من غير مشارك.

قال رحمه اللّه : ولا تبطل بموت المساقي ولا بموت العامل على الأشبه.

أقول : المساقاة عقد لازم كالإجارة ، والخلاف في بطلانها بالموت كالخلاف في بطلان الإجارة به ، فالقائل بالبطلان هناك قائل به هنا ، ومن لا فلا.

وعلى القول بعدم البطلان - وهو المعتمد - يقوم الوارث مقام العامل ان كان هو الميت ، فان امتنع الوارث من العمل لم يجبر عليه ، لأن العمل غير واجب عليه ، لأن الأعمال الواجبة على الإنسان إذا تعلقت ببدنه لا يجب على وارثه القيام بها عدا الصلاة على ما تقدم ، فمع امتناع الوارث من العمل يستأجر الحاكم من تركته ان كان له تركة ، ومع عدم التركة أو تعذر الاستئجار يفسخ المالك ان شاء وعليه اجرة العامل الى حين الموت إذا لم تظهر الثمرة ، وان كانت قد ظهرت بيعت حصة العامل منها ودفعت الى ورثته ، ولا أجرة حينئذ.

قال رحمه اللّه : وفيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به كالحناء والتوت تردد.

أقول : منشؤه من ان المساقاة المشروعة انما هي على الأصول التي لها ثمرة ينتفع بها مع بقاء أصلها ، والورق لا يسمى ثمرة لا باللغة ولا بالعرف. ومن ان الورق هنا يجري مجرى الثمرة المتجددة كل عام مع بقاء أصله وهو ينتفع به كالانتفاع (1) بالثمرة ، فيصح المساقاة عليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير (2) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والكش للتلقيح ، وقيل : يلزم ذلك العامل ، وهو حسن.

ص: 274


1- في « ن » : كانتفاعه.
2- ( التحرير ) لم ترد في « ر 2 ».

أقول : كون الكش على المالك مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة ، لأنه عين ماله ، والعامل لا يجب عليه غير العمل ، وكونه على العامل مذهب ابن إدريس ، لأن العمل لا يتم إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، واستحسنه المصنف والعلامة ، والأول هو المعتمد.

والخلاف في الثور الذي يدير الدولاب ، كالخلاف في الكش.

قال رحمه اللّه : ولو شرط ان يعمل غلام المالك معه جاز ، لأنه ضم مال الى مال ، ولو شرط ليعمل الغلام لخاصّ العامل لم يجز ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : ان يشترط ان يعمل غلام المالك لخاص العامل ، ومنشأ التردد فيه من انه شرط سائغ فيدخل في عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، وهذا الشرط يقتضي كون الحصة مقابل بعض العمل ، وهو جائز ، وهو ظاهر المصنف واختيار العلامة ، وهو المعتمد.

ومن انه اشترط ان العوض له والعمل على غيره ، وهو غير جائز.

الثانية : إذا شرط على رب المال أجرة الأجراء ، أو شرط خروج أجرتهم من وسط الثمرة والباقي بينهما ، وهو لا يخلو اما ان يشترط أجرة الأجراء الذين جرت العادة باستئجارهم والاستعانة بهم وباقي العمل على العامل ، أو يشترط أن يستأجر على جميع العمل ولم يبق للعامل غير الاستعمال خاصة ، فإن كان الأول فقد قال الشيخ في المبسوط بالبطلان ، لأن المساقاة موضوعة على أن من رب المال المال ومن العامل العمل ، فان اشترط أن أجرة الأجراء على رب المال أو من الوسط اقتضى ان يكون على رب المال المال والعمل ، وهو غير جائز ، وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن أنه شرط سائغ فيجب الوفاء به.

والمعتمد الجواز بشرطين : ان تكون الأجرة معلومة مقدرة حالة العقد ،

ص: 275

وان يبقى للعامل شي ء من العمل وان قل ، وان كان الثاني وهو أن يشترط الاستئجار على جميع العمل ولم يبق غير الاستعمال ، وهذا استشكله العلامة في القواعد : من ان العامل لا يملك الحصة ويستحقها الا بعمل الجميع أو البعض ، وهذا لا يعمل شيئا ، والاستعمال لا يسمى عملا.

ومن ان الاستعمال يجري مجرى العمل ، لحصوله بواسطة الاستعمال ، والمعتمد البطلان ، لأن المساقاة معاملة على مجهول فيقتصر فيها على موضع الوفاق ، فيكون له اجرة الاستعمال ، لأنه يجري مجرى الوكيل بجعل.

ونفقة الغلمان الذين يشترط عملهم على سيدهم ، فان اشترطها على العامل جاز مع التقدير لا مع عدمه ، ونفقة الأجراء على أنفسهم إلا مع الشرط ، فيجب تقديرها.

قال رحمه اللّه : ولو شرط مع الحصة من النماء حصة من الأصل الثابت لم يصح ، لأن مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انه شرط يقتضي مخالفة العقد ، وكل شرط يقتضي مخالفة العقد فهو باطل ، لأن مقتضى عقد المساقاة كون الحصة من النماء دون الأصل ، فإذا اشترط من الأصل شيئا ، فهو كما لو اشترط العامل في مال القراض شيئا من رأس المال مضافا إلى حصته من الربح ، وهو باطل ، فكذا هنا ، وبه قال الشيخ وابن إدريس وفخر الدين ، وهو المعتمد.

ومن انه شرط سائغ فيدخل في عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، ولأنه كما لو اشترط شيئا غير الحصة من غير الأصل - كما لو اشترط ذهبا أو فضة أو غير ذلك - فهو جائز ، فكذا هنا.

والجواب حصول الفرق بين ان يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به ، وبين ان يكون منه ، لأن جعل العوض الحاصل للعامل - وهو الحصة من النماء -

ص: 276

مقابل العمل بجميع المال المعقود عليه ، فاذا صار له جزء من الأصل لم يحصل العمل بجميع المال للمالك ، وإذا لم يعمل بجميع المال المملوك للمالك لم يستحق مجموع الحصة المشترطة لا خلاله بالشرط ، وهو العمل بالجميع فيبطل العقد ويكون للعامل اجرة مثل عمله ، وللمالك مجموع الفائدة.

قال رحمه اللّه : ولو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح ، وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت المساقاة ، لأن الحصة لم تتعين ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة وعدم حصول الجهالة لتعيين العملين والحصتين ، فأي عمل عمله كانت الحصة عليه معلومة. ومن ان الترديد بين العملين والحصتين يقتضي عدم تعيين المعقود عليه من العمل والحصة ، ومع عدم التعيين يحصل الجهالة المفضية إلى البطلان ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها ، فان كان بعد بدو الصلاح جاز ، وان كان بعد ظهورها ، وقيل : بدو صلاحها بشرط القطع صح إن استأجره بالثمرة أجمع ، ولو استأجره ببعضها ، قيل : لا يصح لتعذر التسليم ، والوجه الجواز.

أقول : صحة الإجارة وعدمها قبل بدو صلاحها مبني على صحة البيع قبله ، فمن قال بصحته بشرط القطع قال بالصحة هنا بشرط القطع أيضا ، ومن قال بالصحة مطلقا قال بها هنا أيضا ، والمعتمد بجواز الاستئجار لها بعد الظهور ، سواء كان بالكل أو البعض ، وسواء شرط القطع أو لم يشترطه ، لجواز البيع كذلك على الصحيح من المذهب.

قال رحمه اللّه : إذا قال : ساقيتك على هذا البستان بكذا على أن أساقيك على الآخر بكذا ، قيل : يبطل ، والجواز أشبه.

أقول : القائل بالبطلان الشيخ رحمه اللّه ، قال في المبسوط : إذا قال ساقيتك

ص: 277

على هذا الحائط بالنصف على ان أساقيك على هذا الحائط الآخر بالثلث ، بطل ، لأنه بيعان في بيعة واحدة ، لأنه ما رضي ان يعطيه هذا النصف إلا ان يأخذ منه الآخر بالثلث ، وهكذا في البيع إذا قال : بعتك عبدي هذا بألف على ان تبيعني عبدك بخمس مائة ، فالكل باطل ، لأن قوله : ( على ان تبيعني عبدك بخمس مائة ) ، وعد من صاحب العبد فهو بالخيار بين الوفاء وبين الترك ، والمعتمد الجواز في الموضعين البيع والمساقاة معا ، لأنه شرط سائغ ، فلا مانع منه ، فان حصل الوفاء به ، وإلا كان البائع والمساقي بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، وبه قال المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : إذا هرب العامل لم تبطل المساقاة فإن بذل العمل عنه باذل ، أو دفع إليه الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه ، فلا خيار وإن تعذر ذلك ، كان له الفسخ ، لتعذر العمل ولو لم يفسخ وتعذر الوصول الى الحاكم ، كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ، ويرجع عليه على تردد ، ولو لم يشهد ، لم يرجع.

أقول : المساقاة عقد لازم لا تبطل بهرب العامل ، ولكن صاحب النخل يحتاج الى ان يرفع امره الى الحاكم ليثبت عنده العقد ، فيطلبه الحاكم ، فان وجده ألزمه العمل ، وان لم يجده وكان له مال استأجر منه من يقوم مقامه ، وان لم يكن له مال وكان في بيت المال شي ء استأجر من بيت المال قرضا على العامل ، فان لم يكن في بيت المال شي ء ووجد من يتطوع بإقراضه استقرض عليه ، فان لم يجد المتطوع بالإقراض ولم يتطوع المالك بالإقراض ولا بالعمل ، قال له الحاكم : قد تعذر العمل من جهة العامل ، فلك ان تفسخ ، فاذا فسخ لا يخلو إما ان يكون الثمرة قد ظهرت أو لم تظهر ، فان لم تظهر بعد ، كان على المالك اجرة عمله الى حين الفسخ ، لأنه عمل عملا غير متبرع به ولم يسلم له الحصة المشترطة ، فيكون له الأجرة ، وان كانت قد ظهرت صار شريكا فيها بنسبة حصته ، فيقال للمالك

ص: 278

أتختار ان يبيع نصيبك من الثمرة؟ فإن قال : نعم ، بيعت في موضع يصح بيعها ، وقسمه بالقيمة على قدر الحصص ، وإلا بيعت حصة العامل على مالك النخل أو على غيره.

هذا كله مع وجود الحاكم ، وإمكان الوصول اليه ، ومع غيبته أو عدم التمكن من الوصول اليه ، قال المصنف : ( كان له ان يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع عليه على تردد ). ومنشؤه من أنه أنفق على مال غيره بغير اذنه ولا اذن الحاكم ، فلا رجوع له لأصالة براءة الذمة.

ومن ان الرجوع هنا لمكان الضرورة ، لأنه لو لم يجز الرجوع عليه بما أنفقه مع وجوب دفع حصته اليه ، لزم الضرر المنفي ، أما لو كان الإنفاق بغير اذن الحاكم مع القدرة على استئذانه ، فإنه لا يرجع إجماعا ، وإن اشهد.

فرع : إذا لم يشهد على ان هذه النفقة دين على العامل ، ونوى ذلك في نفسه ، هل له ان يرجع عليه؟ استشكل ذلك العلامة في القواعد ، ومنشؤه : من ان الإشهاد ، هل هو شرط في جواز الرجوع ، أو الشرط هو نية الرجوع ، والإشهاد لأجل الثبوت؟

الظاهر الأول ، لأن الشارع علق جواز الرجوع على استئذان الحاكم مع إمكانه ، أو الإشهاد مع عدمه ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، ولأصالة براءة الذمة من اشتغالها بحق للغير ما لم يعلم السبب ، وهو غير معلوم ، مع عدم هذين الشرطين.

ويحتمل الرجوع بمجرد النية ، لأن الإشهاد لا يفيد إثبات حق في ذمة الغير ، وانما فائدته إثبات عدم التبرع ، وعدم التبرع يحصل بنية الرجوع ، فالمفيد للرجوع هو نية عدم التبرع ، فاذا ثبت ذلك بإقرار الخصم جاز له الرجوع ، والأول ظاهر المصنف ، لأنه أطلق عدم الرجوع مع عدم الإشهاد ، وهو اختيار

ص: 279

العلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومع ثبوت الخيانة هل يرفع يده أو يستأجر من يكون معه من أصل الثمرة؟ والوجه أن يده لا ترفع عن حصته من الربح ، وللمالك رفع يده عما عداه ، ولو ضم المالك إليه أمينا كان أجرته على المالك خاصة.

أقول : إذا ثبت خيانة العامل إما بإقراره أو بالبينة أو بنكوله عن اليمين مع يمين صاحب النخل ، قال المصنف : ( الوجه انه لا يرفع يده عن حصته ) ، ووجه هذا الوجه ان الخيانة توجب رفع اليد عن مال الغير لا عن مال نفسه.

ويحتمل رفع يده عن الجميع ، لأنه لا يتم رفع اليد عن مال الغير إلا مع رفع يده عن الجميع ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

والأول اختيار المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

تنبيه : صورة رفع يده عن حصة المالك مع بقائها على حصته هو ان يضم اليه من يشاركه في العمل بمقدار حصة المالك ويكون مستوليا على حصة المالك وعاملا بها ، والعامل يختص من العمل بمقدار حصته مع اشتراك الثمرة بينهما ، ويكون استيلاء العامل الثاني على العمل بمقدار حصة المالك ، وتصرفه بها رفعا ليد العامل الأول عنها وان كانت لا تتميز عن حصة العامل ، ولا يتوهم احد ان رفع يده عن حصة المالك مع بقاء حصته هو ان يقتسما الثمرة ثمَّ يتصرف كل واحد منها بحصته ، لأن قسمة الثمن قبل الفراغ من جميع ما يحتاج اليه من العمل غير جائز ، لأن العامل لا يستقر ملكه على حصته منها إلا بتمام العمل جميعه على وجه الشياع ، لأن من شرط صحة المساقاة كون الحصة مشاعة إلى حين الفراغ من العمل ليكون التالف منهما والباقي لهما ، فالقسمة قبل ذلك تنافي هذا الحكم ، لاحتمال تلف احد النصيبين أو بعضه دون الآخر فيختص الآخر بمجموع الباقي أو بأكثر مما شرط له ، وهو غير جائز.

ص: 280

فإذا عرفت هذا فأجرة هذا الأجير من أصل الثمرة كما قاله المصنف ، لأن عمله لهما ، أما كونه للعامل فلأن جميع العمل واجب عليه ، وهذا قد عمل بعضه ، وأما كونه للمالك فلأن العمل لمصلحته ليسلم ما له من الخيانة ، إذ لو لا مصلحته لما جاز ضم هذا الأجير إلى العامل ، وإذا كان العمل لهما كانت الأجرة عليهما.

ويحتمل كون الأجرة من خاص العامل ، لأن العمل واجب عليه ، وقد تعذر استيفاؤه منه بسبب خيانته ، فيجب عليه بذل العوض ، وهو اجرة العامل ، وهو قوي.

أما لو ضم المالك إليه أمينا حافظا من غير ان يعمل شيئا ولا يرفع يد العامل عن شي ء كانت أجرته على المالك خاصة ، لأن عمله له خاصة.

ولو عجز العامل عن القيام بالعمل أو بعضه مع كونه أمينا استؤجر من يعمل جميع العمل أو بعضه ، وكانت الأجرة من خاص العامل ، لأن مجموع العمل له.

فرع : لو لم يمكن الأمين الحفظ لكون العامل قويا باطشا لا يمكن التحرز منه رفعت يده عن الجميع ، والزم اجرة عامل يقوم مقامه ليحصل الجمع بين العمل وحفظ مال المالك.

قال رحمه اللّه : وقيل له الرجوع على العامل بالجميع ان شاء ، لأن يده عادية ، والأول أشبه ، إلا بتقدير ان يكون العامل عالما به.

أقول : مذهب المصنف ، وهو الرجوع على العامل بالنصف خاصة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، لأنه لم يقبض الثمرة كلها ، وانما كان حافظا لها نائبا عن الغاصب.

وقيل : يرجع عليه بالجميع لما قاله المصنف : ( لأن يده عادية ) ثمَّ يرجع على الغاصب ، لأنه غرّه ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأيدي إذا تعاقبت

ص: 281

على المغصوب تخيّر المالك في تضمين من شاء.

ص: 282

كتاب الوديعة

اشارة

ص: 283

ص: 284

في العقد

قال رحمه اللّه : ولو عين له موضع الاحتفاظ ، اقتصر عليه ، ولو نقلها ضمن الا الى الأحرز أو مثله على قول.

أقول : إذا دفع إليه الوديعة لا يخلو إما ان يعين له الحرز أو لا يعينه ، بل جعل النظر اليه أو يعين حرزا ولم ينهه عن النقل عنه أو نهاه ، وأطلق أي لم يقل : وان تلفت ، أو قال : ولا ينقلها عنه وان تلفت ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان لا يعين موضع الحفظ ، فاذا تركها في موضع جاز له نقلها الى غيره ، سواء كان مثل الأول أو أعلى أو أدون إذا كان حرز مثلها ؛ لأن الإيداع اقتضى حفظ الوديعة في حرز مثلها ، والمالك قد وكل النظر اليه ورضي باجتهاده حيث لم يعين موضع الحفظ ، فله الوضع حيث شاء بشرط ان يكون حرز مثلها ، ولا ضمان عليه في ذلك.

الثاني : عين الحرز ولم ينهه عن النقل عنه ، قال الشيخ في المبسوط : فان نقلها الى ما يماثله لم يضمن ؛ لأن صاحبها رضي بأن يكون في ذلك الموضع أو مثله ، فصار كما لو استأجر أرضا ليزرعها طعاما فله ان يزرع ما يكون ضرره

ص: 285

مثل ضرر الطعام أو دونه.

واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، واختار في المختلف عدم جواز النقل والضمان به ، بناء على ان الأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضده. هذا مع عدم الخوف عليها في ذلك الموضع الذي عينه المالك ، أما مع الخوف فإنه يجب نقلها ولو ترك النقل مع المكنة ضمن ان تلفت.

الثالث : ان يعين الموضع ويمنعه من النقل الى غيره ، ويطلق المنع ، أي لم يقل : وان تلفت ، هذا يضمن بالنقل ، سواء كان الى الأعلى أو الأدنى أو المثل ؛ لأن صاحبها قطع اجتهاد المستودع حيث عين الموضع ونهاه عن النقل.

ولو حصل خوف من نهب أو لص أو حريق وجب النقل ، فلو لم ينقلها مع الخوف احتمل الضمان ؛ لأنه كان مأمورا بالنقل ولم يفعله ، فيكون ضامنا وهو المعتمد.

ويحتمل عدم الضمان ؛ لأن المالك نهاه عن النقل ، فاذا امتثل امره لم يكن ضامنا.

الرابع : إذا قال : لا تنقلها وإن تلفت ، فحصل الخوف ، جاز نقلها وتركها ، ولو تلفت في أحد الوجهين فلا ضمان ؛ لأن الشارع أذن له بالنقل عند الخوف ، والمالك أذن له بالترك عنده ، فهو كما لو سلطه على تلفه ، فلا ضمان مع اتباع أحد الأمرين.

فرع : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى الودعي النقل خوف الحريق أو النهب أو الغرق ، فإنه لا يقبل قوله إلا بالبينة ؛ لأن مثل ذلك لا يخفى ، وكل موضع يدعي السرقة أو الغصب أو يقول : تلفت من غير تفريط ، فإنه لا يقبل قوله إلا مع اليمين ، والفرق إمكان إقامة البينة على الأول دون الثاني.

وقال العلامة : يقبل قوله مطلقا ، سواء ادعى أمرا خفيا أو ظاهرا ، لما رواه

ص: 286

الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليه السلام « قال : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان » (1).

قال رحمه اللّه : ولو كان الغاصب مزجها بماله ، ثمَّ أودع الجميع فإن أمكن المستودع تمييز المالين رد عليه ماله ومنع الآخر ، وان لم يمكن تميزهما وجب إعادتهما على الغاصب.

أقول : هذه المسألة مخالفة للأصل ، لأنها تتضمن دفع مال الغير الى غير مالكه مع كونه غاصبا ، وهو غير جائز إلا أن عمل أكثر الأصحاب على ذلك.

قال ابن إدريس : ولو كانت الوديعة من حلال وحرام لا يتميز أحدهما عن الآخر ردّ جميعها الى المودع متى طلبها بدليل إجماع أصحابنا. فقد ظهر ان المسألة إجماعية ، والعلامة حكم في القواعد بما هو فتوى الأصحاب ، ثمَّ استشكل ذلك.

قال فخر الدين : منشؤه من قول الأصحاب ، ثمَّ نقل قول ابن إدريس هذا الذي نقلناه ، ثمَّ قال : ومن انه رد الغصب الى الغاصب وهو لا يجوز ، والأولى رده الى الحاكم. هذا كلامه رحمه اللّه ، ولا بأس بالعمل على ما اجتمعت عليه الأصحاب ، لأن الإجماع حجة.

ص: 287


1- الوسائل : كتاب الوديعة ، باب 4 ، حديث 1.

ص: 288

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا أنكر الوديعة أو اعترف وادعى التلف أو الردّ ولا بينة ، فالقول قوله ، وللمالك إحلافه على الأشبه ، أما لو دفعها الى غير المالك وادعى الإذن ( فأنكر ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وان صدقه على الاذن ) (1) لم يضمن وان ترك الاشهاد على الأشبه.

أقول : في هذا الكلام مباحث :

الأول : إذا ادعى عليه الوديعة فأنكر ، كان القول قوله مع اليمين بلا خلاف ، لقوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2).

الثاني : إذا اعترف بالوديعة ثمَّ ادعى التلف كان القول قوله ، وظاهر المصنف قبول قوله مطلقا ، كما هو مذهب العلامة. والشيخ فرّق بين ان يدعي التلف بسبب ظاهر كالنهب والحرق والغرق ، وبين ان يدّعيه بسبب خفي كالسرقة وما شابه ذلك ، وحكم بعدم قبول قوله بالأول من غير بينة ، لإمكان إقامتها على

ص: 289


1- ما بين القوسين لم يرد في الشرائع.
2- المستدرك ، باب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث 4.

ما يدعيه ، ولقبولها بالثاني من غير بينة مع اليمين ، وقد أشرنا الى ذلك فيما مضى.

الثالث : إذا اعترف بالوديعة ثمَّ ادعى الرد ، قال المصنف فالقول قوله ، وللمالك إحلافه على الأشبه ، وظاهر قوله : ( على الأشبه ) عائد إلى احتمال عدم إحلافه ، وليس كذلك ، لأنه لا خلاف في إيجاب اليمين عليه على القول بأن القول قوله ، بل عائد إلى قوله : ( فالقول قوله على الأشبه وللمالك إحلافه ).

إذا عرفت هذا : فالقول بأن القول قوله هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه فتوى الجميع وان استشكله بعضهم بعد الفتوى ، لاحتمال ان يكون القول قول المالك ، لأنه منكر ، وقد قال عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (1) ، ولم أجد قائلا بهذا الاحتمال ، بل الفتاوي متطابقة على ان القول قول الودعي ، لأنه أمين قبض المال لمصلحة المالك ، فيكون قوله مقبولا بالرد ، وهو المعتمد.

تنبيه : انما يقبل قوله بالرد على من ائتمنه خاصة ، أما لو مات المالك فادعى الودعي الرد على وارثه لم يقبل إلا بالبينة ، لأنه غير أمين للوارث ، وكذا لو مات الودعي فادعى وارثه الرد على المالك ، لأنه لم يكن أمينا للمالك ، ولو أراد السفر فأودعها ثقة لتعذر المالك والوكيل والحاكم ، فادعى الثقة ردها على المالك لم يقبل إلا ببينة لما قلناه ، ولو ادعى ردها الى المستودع الأول ، قبل قوله مع اليمين ، لأنه ادعى على من ائتمنه ، ولو ادعى من طير الريح ثوبا الى داره رده الى مالكه لم يقبل إلا بالبينة ، لأنه لم يكن أمينا له باختياره.

ولو قال المالك : ( إذا سافرت أو دعها فلانا ) ، فأودعه ، فادعى الرد على المالك قبل قوله مع اليمين ، لأنه ادعى الرد الى من ائتمنه ، ولو ادعى دفعها الى المستودع الأول لم تقبل إلا بالبينة ، لأنه لم يكن أمينا له ، بل هو أمين للمالك.

ص: 290


1- تقدم ص 289.

وإذا ادعى الاذن بالدفع الى غيره فصدقه على الاذن وأنكر الدفع ، قال المصنف : ( لم يضمن وان ترك الاشهاد على الأشبه ) ، واختاره العلامة في القواعد ، لأنه قال : ولو صدق الإذن وأنكر التسليم فكدعوى الرد أي كدعوى الرد على المالك ، وقد اختار ان القول قول المستودع في الرد ، وجزم في التحرير بعدم الضمان وان ترك الاشهاد ، ووجهه كونه أمينا ، والاحتمال الوارد في دعوى الرد على المالك وارد هنا ، فلهذا قال : ( على الأشبه ).

وفرّق الشيخ بين ان يكون الأمر بالدفع الى الغير على سبيل الإيداع له ، وبين ان يكون على سبيل الإبقاء ، وقوى في الأول عدم الضمان مع ترك الاشهاد ، وحكم في الثاني الضمان مع تركه ، لأن الإذن بقضاء الدين للبراءة منه ، وهي لم تحصل بدون الإشهاد ، بخلاف الوداعة فإنها مبنية على الإخفاء ، ولا يشترط الإشهاد.

قال رحمه اللّه : إذا أقام المالك البينة على الوديعة بعد الإنكار فصدقها ثمَّ ادعى التلف قبل الإنكار لم تسمع دعواه ( وعدم قبول بينته ) (1)) ، لاشتغال ذمته بالضمان ، ولو قيل : تسمع دعواه وتقبل بينته كان حسنا.

أقول : عدم سماع دعواه وعدم قبول بينته مذهب الشيخ رحمه اللّه ، لأنه بإنكار الوديعة مكذب لدعوى الهلاك ولا تقبل هذه الدعوى ، وإذا كانت الدعوى غير مسموعة لم تقبل البينة بها ، لأن البينة فرع الدعوى.

وقال ابن الجنيد : يقبل دعواه ، لأن إنكاره يجوز ان يكون عن سهو أو نسيان. والمعتمد ان كان صورة الإنكار نفي الإيداع لا تقبل دعواه ولا يسمع بينته.

قال رحمه اللّه : إذا اعترف بالوديعة ثمَّ مات ، وجهلت عينها ، قيل : تخرج

ص: 291


1- لم يرد في الشرائع.

من أصل تركته ، ولو كان له غرماء وضاقت التركة حاصّهم المستودع ، وفيه تردد.

أقول : إذا حضرته الوفاة وعنده وديعة كان حكمها كما لو أراد السفر وعنده وديعة ، وهو ردها الى مالكها أو وكيله ، فان فقدهما فالى الحاكم ، فان تعذر الجميع وجب عليه إظهار أمرها والإشهاد عليها والإيصاء بها الى الثقة ليدفعها الى صاحبها ، فان لم يفعل ذلك يكون قد أتلفها على صاحبها ، لانتقال التركة إلى الورثة بالموت ، وقولهم مقبول بعدم الوديعة فلو لم يوص كان ضامنا ، وكذا لو اوصى الى الفاسق.

إذا عرفت هذا فاذا اعترف بالوديعة ووصفها بصفتها المميزة لها عن غيرها ثمَّ مات ، وجهلت عينها ، هل يخرج من أصل تركته ويكون صاحبها شريكا للغرماء لو كان عليه ديون؟ تردد المصنف في ذلك ، والظاهر ان تردد المصنف من احتمال الضمان وعدمه.

ووجه الضمان انه اعترف بوجود الوديعة عنده ، والأصل بقاؤها ، وجهل عينها لا يوجب عدم الضمان ، لعموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (1).

ووجه احتمال عدم الضمان ان الودعي أمين لا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط ، والأصل عدمه لاحتمال تلف الوديعة من غير تفريط ، والأصل براءة الذمة.

واعلم ان العلامة ذكر هذه المسألة في موضعين من القواعد ، قال في الأول : أما لو قال : ( عندي ثوب ) ولم يوجد في التركة ثوب ، لم يضمن تنزيلا على التلف قبل الموت على إشكال ، وفي الثاني : لو مات المستودع ولم توجد الوديعة في

ص: 292


1- المستدرك ، كتاب الوديعة ، باب 1 وجوب أداء الأمانة ، حديث 12.

تركته ، فهي والدين سواء على اشكال ، فعميد الدين رحمه اللّه لم يفرق بينهما ، وجعل منشأ الإشكال فيهما من احتمال الضمان وعدمه ، وفخر الدين رحمه اللّه فرق بينهما ، وجعل منشأ الإشكال في الأول من احتمال الضمان وعدمه ، وجعل موضوعها أصل الضمان ، وجعل موضوع الثانية كيفية الضمان ، بمعنى ان الوديعة ، هل تقدم على الدين ويخرج قيمتها أو لا والنقص يدخل على الغرماء أو حكمها حكمه؟ ثمَّ اختار تقديمها عليه لتعلقها بعين التركة كالرهن.

ولمانع ان يمنع حجة فخر الدين ، لأن الدين متعلق بعين التركة أيضا بلا خلاف ، وانما الخلاف في صفة تعلقه ، هل هو كتعلق الدين بالرهن أو كتعلق الأرش برقبة الجاني؟ وإذا ثبت ان الدين متعلق بالتركة فلا ترجيح ، والقياس على الرهن باطل ، لأن تقديم صاحب الرهن لتعلق حقه بعين مشخصة مميزة عن غيرها ، بخلاف الوديعة ، لأنها غير متميزة ولا مقطوع ببقائها فافترقا ، فكما لو كان الرهن مقبوضا بيد المالك ثمَّ مات ولم يوجد في التركة فإنه لا يختص بقيمته فكذا في الوديعة ، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى تأمل.

وقطع العلامة في التحرير بمشاركة الغرماء من غير تردد ، وهذا الحكم مختص فيما إذا اعترف بالوديعة حال موته إذا قامت البينة انه مات وهي عنده.

اما لو كان عنده وديعة حال حياته ، ثمَّ مات ولم يعترف بها ، ولا قامت البينة بأنه مات وهي عنده ، هل يكون ضامنا لها؟ استشكله في القواعد والتحرير ، من عموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (1) ، ومن أصالة البراءة ما لم يتحقق السبب ، وهو غير متحقق.

فروع :

الأول : لو وجد كيس مختوم في التركة وعليه مكتوب : بأنه وديعة فلان ، لم

ص: 293


1- ص 292 المصدر المتقدم.

يجب تسليمه اليه إلا بالبينة ، لاحتمال ان يكون اشتراه من مالكه ، وترك العلامة عليه.

الثاني : لو قال : ( عندي ثوب وديعة ) ، ولم يصفه ، وفي تركته أثوابا ، كان ضامنا لتفريطه بعدم التمييز ، فهو كما لو خلط الوديعة بغيرها.

ولو وجد في التركة ثوب واحد احتمل تنزيل الوصية عليه ، ويجب دفعه الى الموصى له ، ويحتمل الضمان لعدم التبيين ، وعدم وجوب دفع الثوب الموجود ، لاحتمال ان يكون غير الموصى به ، وهو قوي.

الثالث : يجب ان يميزها حالة الوصية ، إما بالإشارة إلى عينها بحضرة الشهود ، أو بذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة ، فلو قال : ( عندي وديعة ) ، ولم يميزها بما ذكرناه فهو كما لو لم يوص لعدم الفائدة حينئذ ، ويكفي ذكر الجنس من دون الوصف ، ويكفي الإشارة وان لم يذكر الجنس والوصف.

قال رحمه اللّه : إذا فرط واختلفا في القيمة ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : القول قول الغارم مع يمينه ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخان : القول قول المالك ، لأن المستودع صار خائنا ، فلا يكون قوله مسموعا. وقال أبو الصلاح : القول قول المستودع. وبه قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه غارم ، والأصل براءة ذمته.

ص: 294

كتاب العارية

اشارة

ص: 295

ص: 296

في المستعير

قال رحمه اللّه : ولو استعار من الغاصب وهو لا يعلم ، كان الضمان على الغاصب ، وللمالك إلزام المستعير بما استوفاه من النفقة ، ويرجع على الغاصب ، لأنه أذن له في استيفائها بغير عوض ، والوجه تعلق الضمان بالغاصب حسب.

أقول : يحتمل تعلق الضمان بالغاصب حسب وليس للمالك ان يرجع على المستعير بشي ء مع جهله بالغصب ، لأنه تصرف تصرفا مشروعا في ظاهر الشرع ، فلا يتعقبه ضمان ، وإلا لزم تكليف العاقل ، وهو محال ، والمعتمد كونه مخيرا بتضمين المنافع والعين مع تلفها بين ان يضمن الغاصب أو المستعير ، لأن كل يد تترتب على الغاصب يد ضمان ، فان ضمن الغاصب لم يرجع على المستعير مع جهله ، ويرجع عليه مع علمه ، ولو ضمن المستعير لم يرجع على الغاصب مع علمه ، ويرجع عليه مع جهله ، لأنه غيره.

فرع : إذا استعار من الغاصب وهو جاهل بالغصب استقر الضمان على الغاصب ، لأنه لو رجع على المستعير رجع المستعير على الغاصب ، فلو كانت العين ذهبا أو فضة أو شرط الغاصب الضمان على المستعير ، هل يستقر الضمان على

ص: 297

المستعير مع جهله؟ يحتمل ذلك ، لأنه دخل على انه ضامن ، ويحتمل العدم لظهور فساد الشرط لوقوعه من غير المالك ، والفاسد لا يترتب عليه اثر ، والضمان أثر الشرط ، وقد بان فساده.

والمعتمد استقرار ضمان العين ان تلفت على المستعير ، لأنه دخل على ان يكون ضامنا لها مع التلف ، وقد حصل ، فلا يكون مغرورا.

وأما ضمان المنافع ونقص العين بالاستعمال ، فهو يستقر على الغاصب ، لأن المستعير دخل على عدم الضمان فيهما.

ص: 298

في العين المعارة

قال رحمه اللّه : ويصح استعارة الأرض للزرع والغرس والبناء ، ويقتصر المستعير على القدر المأذون فيه ، وقيل : يجوز ان يستبيح ما دونه في الضرر ، كأن يستعير أرضا للغرس فيزرع ، والأول أشبه.

أقول : قال ابن إدريس : فإذا أذن صاحب الأرض للمستعير في الغراس أو البناء ، فزرع جاز ، لأن ضرر الزرع أخف من ضرر ما اذن فيه. وهو اختيار العلامة في القواعد ، قال : ولو أذن له في زرع الحنطة تخطى الى المساوي والأدون لا الأضر.

والمصنف اقتصر على مورد الإذن ، لأن التصرف في مال الغير بغير اذنه غير جائز ، وإذا تصرف في غير المأذون فيه يصدق عليه انه تصرف بمال الغير بغير اذنه.

تنبيه : لا يجب في العارية تعيين جهة الانتفاع وان تعددت وتفاوتت ، فاذا أعاره أرضا وأطلق ، جاز البناء والغرس والزرع ، وان عين الغرس وأطلق غرس ما شاء من الأشجار والنخل ، ولا يجوز البناء لاختلاف ضررهما ، لأن

ص: 299

ضرر الغراس تحت الأرض أكثر لانتشار عروقه في الأرض ، وضرره فوق الأرض أقل من البناء ، لأنه يمكن الزرع تحته ، والبناء بالعكس ، لأنه لا يمكن الزرع تحته فيكون ضرره فوق الأرض أكثر وليس له عروق تمتد تحت الأرض ، فيكون ضرره تحت أقل.

ولو أذن في الزرع وأطلق ، زرع ما شاء وليس له الغرس ، وإذا انتهى الزرع لم يكن له ان يزرع غيره إلا بإذن جديد ، قال في التذكرة : وفيه نظر ، لأن للمستعير الانتفاع بالعارية المطلقة ما لم ينهه المالك.

قال رحمه اللّه : ولو أذن له بالبناء والغرس ، ثمَّ أمره بالإزالة ، وجبت الإجابة ، وكذا في الزرع ، ولو قبل إدراكه على الأشبه ، وعلى الآذن الأرش.

أقول : فرق الشيخ وابن إدريس بين الزرع وبين البناء والغرس ، وجوز الرجوع في إذن البناء والغرس بعد الفعل ، لأنهما للتأبيد ، فلا يجب على المعير الصبر في ذلك ، ولم يجوز الرجوع في إذن الزرع بعده قبل انتهائه ، لأن له وقتا ينتهي اليه ، فلا يجوز الرجوع قبله ، لما في ذلك من الضرر على المستعير.

والمصنف اختار عدم الفرق ، وهو مذهب العلامة وابنه ، لأن العارية ليست لازمة ، فللمعير الرجوع متى شاء والضرورة تزول ببذل الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته قائما وبين قيمته مقلوعا.

والتحقيق : انه لا يخلو اما ان يكون الرجوع في الاذن قبل الفعل أو بعده ، فان كان قبل الفعل ، ثمَّ زرع أو غرس أو بنى بعد ذلك ، كان حكمه حكم الغاصب إذا كان عالما بالرجوع ، ولو لم يعلم بالرجوع فبنى أو غرس أو زرع بعده ، فهل للمالك الإزالة من غير أرش؟ يبنى على ان المأذون في أمر ، هل يبطل تصرفه مع رجوع الإذن وان لم يعلم المأذون له بالرجوع؟ يأتي ذلك إنشاء اللّه تعالى في باب الوكالة (1).

ص: 300


1- يأتي ص 339.

والمعتمد عدم وجوب الإزالة من غير أرش ، وإلا لزم تكليف الغافل وهو محال ، وان كان الرجوع بعد الفعل ، فلا يخلو إما ان يقيد الإذن بمدة معلومة أو لا ، وعلى التقديرين إما ان يشترط القلع بعد انتهاء المدة في صورة تقديرها ، أو متى شاء في صورة عدم التقدير ، أو لا يشترط القلع ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان لا يعين مدة ولا يشترط القلع ، وهذا لا خلاف في جواز القلع ، وانما الخلاف في استحقاق الأرش ، قال قوم : لا يجب الأرش ، لأن له المطالبة بتفريغ ملكه متى شاء ، لأنه غير مستحق للبقاء ، والعارية لا يتعقبها ضمان ، وقيل : ليس له الإزالة إلا مع ضمان الأرش ، لأنه غرس مأذون فيه ، وفي الإزالة ضرر على مالكه ، فيجب الأرش على المزيل ، لأنه لتفريغ ملكه ، وهو المعتمد.

فرع : لو اختار المستعير القلع وكره المالك ذلك ، كان له القلع إجماعا ، وهل عليه طم الحفر؟ يحتمل ذلك ، لأنه نقص ادخله على مال الغير من غير اذنه لتخليص ماله ، فكان عليه أرشه ، وهو طم الحفر ليعيد الأرض كما كانت.

ويحتمل العدم ، لأن المالك لما إعارة الأرض للغرس مع علمه ان له أخذ غروسه متى شاء ، وذلك تشويش الأرض وحفرها كان ذلك إذنا في القلع ، فلا يجب عليه الطم.

الثاني : ان لا يعين مدة ويشترط القلع متى شاء ، وهنا لا يجب على المالك أرش الغرس ولا على المستعير طم الحفر ، لأن المستعير دخل على انه متى امره المعير بالإزالة أزاله ، وهو يعلم ان ازالته تقتضي نقص الغرس ، والمعير أذن في ذلك مع علمه ان الإزالة تقتضي تشويش الأرض ، فهو كما لو أعاره ثوبا فلبسه حتى خلق ثمَّ رده عليه ، فكما لا يضمن ما نقص من الثوب بالاستعمال لعلم المعير بالنقص ، كذلك لا يضمن نقص الأرض بالحفر لعلم المعير به.

ص: 301

الثالث : ان يتقيد الإذن (1) بمدة معلومة ولا يشترط القلع بعدها ، وهنا هل يجوز القلع قبل انتهاء المدة؟ قال الشيخ وابن الجنيد لا يجوز ، وقال العلامة بالجواز ، وهو ظاهر المصنف ، لأنه أطلق ذلك لكن بشرط الأرش ، وهو التفاوت بين قيمته مقلوعا وقيمته قائما إلى انتهاء المدة ، وأما بعد انقضاء المدة فلا خلاف في جواز القلع ، وانما الخلاف في الأرش.

واختار العلامة في القواعد والتحرير وجوب القلع مجانا ، ولو اختار المالك الإزالة قبل انتهاء المدة أو بعدها ، كان له ذلك ، وهل يجب عليه طم الحفر؟ سبق احتمال ذلك في الفرع السابق ، والمعتمد وجوبه ، لأنه نقص دخل على مال الغير لتخليص ماله.

الرابع : ان يقيد بمدة معلومة ثمَّ يشترط القلع بعدها ، وهنا لا يجب أرش نقص الغرس ، ولا يجب طم الحفر سواء اتفقا على القلع بعد انقضاء المدة أو اختلفا ، لاتفاقهما عند الاذن على ذلك ، فلا يؤثر اختلافهما بعده.

قال رحمه اللّه : ولو أعاره حائطا ليطرح خشبة ، وطالبه بالإزالة كان له ذلك ، إلا أن تكون أطرافها الأخر مثبتة في بناء المستعير فيؤدي إلى خرابه ، وإجباره على ازالة جذوعه عن ملكه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن ان العارية عقد جائز ، لكل منهما الرجوع ، والنقص الذي يدخل على ملك الغير يجبر بالأرش. وعدم جواز الإزالة مذهب الشيخ وابن إدريس ، وجوازها مع ضمان الأرش مذهب العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اذن له في غرس شجرة ، فانقلعت جاز أن يغرس غيرها استصحابا للإذن الأول ، وقيل : يفتقر إلى إذن مستأنف ، وهو أشبه.

ص: 302


1- في « ن » و« ر 2 » : الأول.

أقول : المعتمد عدم جواز الغرس إلا بإذن جديد : لأن الإذن لم يتناول غير تلك الشجرة المعينة ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، أما لو انقلعت الشجرة المأذون في غرسها في غير الوقت المعتاد قلعها فيه ، فله ان يغرسها ثانيا من غير اذن ان كانت صالحة للغرس.

ص: 303

ص: 304

في الأحكام المتعلقة بها

اشارة

قال رحمه اللّه : ويجوز للمستعير ان يبيع غروسه وأبنيته في الأرض المستعارة للمعير ولغيره ، على الأشبه.

أقول : قوى الشيخ رحمه اللّه عدم جواز بيعها على غير مالك الأرض لعدم إمكان التسليم ، وهو مبني على عدم دخول صاحب الغرس اليه بعد رجوع المعير في العارية ، فيمتنع التسليم حينئذ ، والمصنف والعلامة جواز البيع بناء على جواز الدخول إذا كان لمصلحة الغرس كالسقي والتلقيح ، فان اتفقا على بيع الأرض والغراس معا بيعا بثمن واحد ثمَّ يقسط على القيمتين ، فيقال : كم قيمة هذه الأرض لو بيعت منفردة عن الغراس مع كون الغراس فيها الى ان يموت؟ فاذا قيل : مائة مثلا ، قيل : كم قيمة هذا الغراس لو بيع منفردا عن الأرض مع استحقاقه للبقاء في الأرض إلى حين يموت ويستقلع؟ فاذا قيل : خمسون مثلا ، قسط الثمن على القيمتين ، وكان لكل منهما قيمة حقه.

ولو بيع الغرس منفردا عن الأرض قوّم مستحقا للبقاء في ملك الغير حتى يستقلع ، وإذا امتنعا من البيع وامتنع المعير من بذل الأرش في موضع يجب عليه بذله عند ارادة القلع ، كان للمعير الدخول إلى أرضه والاستظلال بالشجر دون

ص: 305

الانتفاع به من ربط دابة وغيرها ، وله الانتفاع بالأرض كيف شاء ، وهل للمستعير الدخول إلى شجره؟ يقول ان كان الدخول للتفرج والتنزه منع منه قطعا ، لأن الأرض ملك لغيره ، وقد رجع في إعارتها ، فلا يجوز الدخول إليها لغير حاجة.

وان كان ارادة الدخول لسقي الغرس وتلقيح النخل وجذاذ الثمرة ، ولقط الرطب وما شاكل ذلك ، هل يجوز له ذلك أم لا؟ قوى الشيخ رحمه اللّه عدم الجواز ، لأن المعير قد رجع في العارية فيبطل حكمها ، إلا في مغارس الشجر خاصة لتعلق حق المستعير بها حتى يقلع.

ونص العلامة على جواز الدخول ، لأن مالك الأرض لما أعارها للغراس مع علمه ان الغراس يقر في أرضه وهو يفتقر إلى السقي والتلقيح والجذاذ وغير ذلك تضمن اذن المستعير الدخول لذلك ، والا تضرر المستعير ، وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (1) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال الراكب : أعرتنيها ، وقال المالك : اجرتكها ، فالقول قول الراكب ، لأن المالك مدعي الأجرة ، وقيل : القول قول المالك في عدم العارية ، فإذا حلف سقطت دعوى الراكب ، ويثبت عليه أجرة المثل لا المسمى ، وهو أشبه.

أقول : القول بأن القول قول الراكب ، هو قول الشيخ رحمه اللّه لاتفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمة من وجوب الأجرة ، والقول بان القول قول المالك فيحلف ويرجع الى أجرة المثل هو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير.

واختار في القواعد والمختلف انهما يتخالفان ويثبت له الأقل من اجرة

ص: 306


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1.

المثل ومما ادعاه ، هذا وإذا كان التنازع بعد استيفاء المنافع أو بعضها ، أما لو كان قبل استيفاء شي ء من المنافع كان القول قول المستعير ، لأصالة عدم العقد.

قال رحمه اللّه : لو فرط في العارية كان عليه قيمتها يوم التلف ، إذا لم يكن لها مثل ، وقيل : أعلى القيم من حين التفريط الى وقت التلف ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في ان المضمون هل هو القيمة يوم التلف أو أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف؟ المشهور الأول ، لأن العين ما دامت باقية لا يجب غير ردها ولا ينتقل إلى القيمة إلا مع التلف ، فيكون الواجب قيمتها يوم ضمانها بالقيمة ، وهو يوم التلف.

وقيل : أعلى القيم من يوم التفريط الى يوم التلف ، لأنه من حين التفريط صار قبضه مضمونا عليه كالغاصب ، لأنها بعد التفريط مضمونة عليه في جميع الحالات ، ومن جملتها الحالة العليا.

الثانية : فيما إذا اختلفا في القيمة ، قال الشيخان وسلار وابن حمزة وابن البراج : القول قول المالك ، لأن المستعير صار خائنا بالتفريط فلا يكون قوله مقبولا. وقال ابن إدريس : القول قول المستعير ، لأنه منكر به ، واختاره المصنف والعلامة (1) ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : لو كانت العين مضمونة لا للتفريط ، بل للشرط ثمَّ تلفت واختلفا في القيمة كان القول قول المستعير قطعا لعدم الخيانة ، لأن حجة القائل بأن القول قول المالك صيرورة المستعير خائنا بالتفريط ، فلا يكون قوله مسموعا ، وهذه الحجة منتفية هنا ، إذ التقدير انه لم يفرط ، وانما ضمن لاشتراط الضمان عليه.

ص: 307


1- لم ترد في « ر 2 ».

الثاني : لو نقصت العين بالاستعمال ثمَّ تلفت ، وكانت مضمونة عليه لاشتراط الضمان أو للتفريط ضمن قيمتها يوم التلف دون ما نقص بالاستعمال ، لأنه مأذون فيه ، إلا على القول بأن المفرط يضمن أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف.

الثالث : لو تلفت العين بالاستعمال كثوب أبلاه اللبس ، احتمل عدم الضمان لاستناد التلف الى فعل مأذون فيه ، ويحتمل الضمان لانصراف الإذن غالبا ، إلى استعمال غير متلف ، فعلى هذا يضمن قيمة آخر حالات التقويم ، وهي القيمة التي لا يفرض له بعدها قيمة.

الرابع : إذا استعار شيئا ليرهنه جاز وكان مضمونا على المستعير وان لم يشترط المعير ضمانه ، ولا فرط المستعير ، لأنه معرض للتلف ، ولأنه ربما بيع بدينه فكان عوضا عن دينه ، فيكون مضمونا عليه ، نص الأصحاب على ذلك ، وذكره العلامة في كتاب الرهن من القواعد والتحرير ، وقال في كتاب العارية من التحرير : ولو تلف من غير تفريط لم يكن على أحدهما ضمانه ، يعني الراهن والمرتهن ، والعمل على الأول.

إذا عرفت هذا فان عيّن المعير قدر الدين أو جنسه أو عين المرتهن أو الحلول أو الأجل لم يجز المخالفة ، فإن خالف كان للمعير فسخ الرهن وانتزاع رهنه ، وان عين أجلا فرهنه إلى أقل منه يكون قد خالف أيضا ، لأنه ربما لم يجد ما يفتكه عند ذلك الأجل القريب ، فيتسلط المرتهن على العين ، بخلاف ما لو عين قدرا فرهنه على أقل منه ، لأنه من رضي بالأكثر يكون قد رضي بالأقل ، وان لم يعين شيئا كان ذلك تفويضا الى المستعير فيرهنه على ما شاء الى أي أمد شاء ، وليس له المطالبة قبل الأجل ، لأنه المالك اذن بعقد لازم ، فليس له المطالبة بغير اختيار المتعاقدين.

ص: 308

كتاب الإجارة

اشارة

ص: 309

ص: 310

في عقد الإجارة

قال رحمه اللّه : والعبارة الصريحة عن الإيجاب : آجرتك ، ولا يكفي : ملكتك ، أما لو قال : ملكتك سكنى هذه الدار سنة مثلا ، صح ، وكذا أعرتك ، لتحقق القصد إلى المنفعة ، ولو قال : بعتك هذه الدار ونوى الإجارة لم يصح ، وكذا لو قال : بعتك سكناها سنة لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان ، وفيه تردد.

أقول : للإجارة عبارتان صريحتان : آجرتك وأكريتك ، بأيهما اتى انعقدت الإجارة إجماعا ، وكذا لو قال : ملكتك سكنى هذه الدار سنة بكذا.

ولو قال : أعرتك هذه الدار سنة بكذا ، هل يصح ذلك؟ جزم المصنف بالصحة ، قال : ( لتحقق القصد إلى المنفعة ) ، وجزم العلامة بعدم الصحة ، واستشكل في التحرير ، والمعتمد عدم الصحة لأصالة بقاء الملك على مالكه ، وانما ينتقل عنه مع تحقق الناقل وهو اللفظ المتفق عليه ، ولفظ العارية موضوع لنقل المنافع بغير عوض نقلا غير لازم ، ولفظ الإجارة موضوع لنقل المنافع بعوض نقلا لازما ، فلا يفيد كل منهما حكم الآخر.

ولو قال : بعتك سكناها ، تردد المصنف في الصحة وعدمها ، من ان

ص: 311

الإجارة تمليك المنافع بعوض ، والبيع موضوع لنقل الأعيان والمنافع ، فلا مانع من استعماله في نقل المنافع منفردة عن الأعيان ، ومن أنه لفظ موضوع لنقل الأعيان ، والمنافع تبعا لها ، فلا يجوز استعماله في نقل المنافع خاصة ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم السبب الناقل ، والعقود متلقاة من الشرع ، فيجب الاقتصار على مورد الاذن فيها ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل تبطل بالموت؟ المشهور بين الأصحاب نعم ، وقيل : لا تبطل بموت المؤجر ، وتبطل بموت المستأجر ، وقال آخرون : لا تبطل تموت أحدهما ، وهو الأشبه.

أقول : الإجارة من العقود اللازمة التي لا تبطل إلا بالتقايل (1) ، أو بأحد الأسباب الموجبة للفسخ ، كتجدد العيب المانع من الانتفاع كغرق الأرض وانهدام الدار وما شابه ذلك ، ولا تبطل بالبيع ، بل يتخير المشتري مع عدم العلم ، ولا تبطل بالعذر ، كما لو اكترى جملا للحج ثمَّ بدا له أو مرض ولم يخرج ، لم يكن له فسخ الإجارة ، وكذا لو استأجر دكانا للتجارة ثمَّ تلف قماشه فليس له فسخ الإجارة ، وكذا لو أجر جمله للحج ثمَّ بدا للمؤجر ، أو أجر دكانه أو داره وأراد السفر ثمَّ بدا له عن السفر ، لم يكن له فسخ الإجارة في هذه المواضع وما شاكلها. وقال أبو حنيفة : يفسخ بمثل هذه الاعذار.

ولو حصل الخوف في الطريق كان لكل من المؤجر والمستأجر الفسخ حذرا من التغرير ، سواء كان الخوف على النفس أو المال لوجوب حفظهما ، وعدم جواز التغرير فيهما.

وهل الموت موجب للفسخ؟ اختلف الأصحاب في الموت على ثلاثة أقوال :

ص: 312


1- في « ر 2 » : إلا بالموت أو التقابل.

الأول : البطلان بالموت من أيهما اتفق ، وهو مذهب الشيخ وسلار وابن البراج وابن حمزة ، لتعذر استيفاء المنفعة ان كان الموت للمؤجر ، وتعذر استيفاء الأجرة ان كان الموت للمستأجر ، أما تعذر استيفاء المنفعة ، لأن المستأجر استحق استيفاءها على ملك المؤجر ، وبالموت ينتقل إلى الورثة ويحدث المنافع على ملكهم ، فلا يجوز استيفاء ما ليس بمملوك للمؤجر ، وأما تعذر استيفاء الأجرة ، لأنه استحق من مال المستأجر وبالموت تنتقل التركة إلى الورثة ، ولأنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين ، وقد تعذر ذلك بالموت ، فتبطل الإجارة.

الثاني : بطلانها بموت المستأجر دون موت المؤجر ، نقله الشيخ في المبسوط والخلاف عن الأصحاب ، وقال في المبسوط : وهو الأظهر عندهم ، أي عند الأصحاب ، ووجهه ما قلناه أولا : من انه ربما كان غرضه تخصيص المستأجر دون غيره لتفاوت الأغراض بتفاوت المستأجرين.

الثالث : عدم البطلان بالموت مطلقا ، وهو مذهب السيد المرتضى وابي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الإجارة عقد ناقل بالإجماع ، وقد اقتضى نقل المنافع إلى المستأجر مدة الإجارة ونقل الأجرة إلى المؤجر ، والأصل البقاء ، والموت لا يسقط حق الغير المتعلق بمال الميت ، ويكون المنتقل إلى الورثة العين مسلوبة المنافع مدة الإجارة ان كان الموت للمؤجر ، ومجموع التركة مع استحقاق الأجرة فيها ان كان الموت للمستأجر ، وتكون الأجرة دينا على المستأجر ، وينتقل حق الميت الى وارثه.

ولو آجر البطن الأول الوقف ثمَّ انقرضوا قبل انتهاء المدة ، استقرب العلامة بطلان الإجارة ، لأن البطن الثاني يتلقى الوقف عن الواقف لا عن البطن الأول ، فالبطن الأول قد انقضت مدتهم لانقراضهم ، وصار الملك الى غيرهم من

ص: 313

غيرهم ، بخلاف الوارث فإنه يتلقى الملك عن الميت.

قال رحمه اللّه : والعين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلا بتعدّ أو تفريط ، وفي اشتراط ضمانها من غير ذلك تردد. أظهره المنع.

أقول : إذا شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين المستأجرة ، هل يصح هذا الشرط؟ تردد المصنف من عموم قوله عليه السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، ولأنه شرط سائغ فيجب الوفاء به ، لأنه غير مخالف للكتاب ولا للسنة ، ومن كونه شرطا مخالفا لمقتضى العقد ، لأن عقد الإجارة يقتضي كون العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلا بتعدّ أو تفريط ، وهذا يقتضي ضمانها مطلقا فكان مخالفا لمقتضى العقد ، فيكون باطلا ، وإذا بطل الشرط بطل العقد ، لعدم حصول الرضى بدونه ، وهو المعتمد.

ص: 314


1- لاحظ ص 44.

في شرائط الإجارة

اشارة

قال رحمه اللّه : وكذا المميز إلا بإذن الولي وفيه تردد.

أقول : إذا أوقع الصبي المميز العقد بإذن الولي ، هل تصح الإجارة؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشؤه من عموم النص (1) على عدم اعتبار عبارة الصبي ، ومن انه مميز قد اذن له الولي فانجبر نقصه ، والمعتمد عدم الصحة.

فرع : لو أجر الولي الصبي أو ماله مدة يعلم بلوغه فيها بطلت الإجارة فيما زاد على خمس عشرة سنة من عمره ، وصحت في الباقي ، فلو أجر ابن عشر عشرا ، صحت الإجارة في خمس سنين وبطلت في خمس ، ولو اجره خمسا من عشرة ، فبلغ في أثنائها ، قال الشيخ وابن إدريس : لم يكن للصبي الفسخ ، لأن العقد وقع صحيحا على الصبي أو ماله ، فمن ادعى أن له الفسخ بعد البلوغ كان عليه الدلالة.

وقال العلامة : له الفسخ ، لأن الولاية تابعة للصغر ، وقد زال فتزول

ص: 315


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، الباب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه ، حديث 3 ، وكتاب الحجر ، الباب 1 و2 ، وكتاب الوصايا ، الباب 45 ، 46 من أبواب أحكام الوصايا.

الولاية ، والعقد تابع لها ، فاذا زالت زال العقد ، ولأنه إذا أوقع العقد إلى مدة يعلم بلوغه في بعضها بطل العقد في الزائد قطعا ، فكذا إذا حصل البلوغ في أثناء المدة التي يمكن بلوغه فيها.

قال رحمه اللّه : الثاني أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل فيما يكال أو يوزن ليتحقق انتفاء الغرر ، وقيل : تكفي المشاهدة ، وهو حسن ، وتملك الأجرة بنفس العقد.

أقول : هنا مسائل.

الأولى : هل يكفي المشاهدة في مال الإجارة؟ اكتفى بها الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف لأصالة الجواز وانتفاء الغرر لحصول العلم بالمشاهدة. ومنع ابن إدريس من ذلك ، وأوجب العلم بالكيل أو الوزن ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الجهالة مبطلة بالإجماع ، وهي متحققة هنا ، لأن المعهود من عرف الشرع ان المكيل والموزون انما يصح المعاوضة عليه بالكيل أو الوزن ، ولم يكتف الشارع بالمشاهدة في البيع ولا مانع غير الجهالة ، وهي ثابتة هنا فتكون مانعة من الإجارة.

الثانية : أطلق الأصحاب وجوب تعجيل الأجرة ما لم يشترط التأجيل. والمعتمد التفصيل ، وهو ان وقعت الإجارة على عين ذات منافع كالدار والعبد والدابة وما شاكل ذلك ملك المؤجر الأجرة بنفس العقد ، واستحق تسليمها اليه ، ولا يشترط استيفاء المدة ولا مضي مدة يمكن فيها ذلك ، وان وقعت على عمل كخياطة ثوب أو نساجة غزل أو بناء دار ملك الأجير الأجرة بنفس العقد أيضا ، لكن لا يجب تسليمها إلا بتسليم العمل ، فان كان العمل بمنزل المستأجر استحق الأجرة بنفس الفراغ ، وان كان في منزل الأجير لم يستحق إلا بعد تسليم العين.

الثالثة : إذا استأجر شيئا ، هل يجوز ان يؤجره بأكثر مما استأجره مع اتحاد الجنس قبل ان يحدث فيه حدثا؟ منع المصنف من ذلك ، وهو مذهب الشيخين والسيد المرتضى وابي الصلاح وابن البراج في المهذب لثبوت الربا ، ولهم عليه

ص: 316

روايات (1).

وأجازه ابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأنه قد ملك المنافع بالعقد وصارت ملكه ، فله المعاوضة عليها بما شاء ، ولهم عليه روايات (2) ، وهو المعتمد.

الرابعة : إذا سكن بعض الدار وآجر الباقي بمقدار الأجرة أو أكثر ، هل يجوز ذلك أم لا؟ منع الشيخ منه ، واختاره المصنف هنا لثبوت الربا ، واجازه ابن البراج وابن إدريس والعلامة ، وهو المعتمد لما تقدم.

الخامسة : إذا استأجره ليحمل له متاعا الى موضع معين بأجرة معينة في وقت معين فان قصر عنه نقص من أجرته شيئا ، هل يجوز ذلك؟ جزم المصنف بالجواز ، وهو المشهور في كتب الأصحاب ، والمستند رواية محمد الحلبي في الموثق ، « قال : كنت قاعدا عند قاض وعنده أبو جعفر عليه السلام جالس ، فأتاه رجلان ، فقال أحدهما : إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا الى بعض المعادن ، واشترطت عليه ان يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ، لأنه سوق أتخوف أن تفوتني ، فإن أحتبست عن ذلك حططت من الكرى عن كل يوم احتبسته كذا وكذا ، وانه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما؟ فقال القاضي : هذا شرط فاسد ، أوفه كراه ، فلما قام الرجل اقبل الى ابي جعفر عليه السلام ، فقال : شرطه بهذا جائز ما لم يحط بجميع كرائه » (3).

ونقل أبو العباس في هذه المسألة أربعة أقوال : الأول : صحة هذا الشرط والعمل بموجبة ما لم يحط بالأجرة فيجب اجرة المثل ، نقله عن الشيخ في النهاية ،

ص: 317


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 20 وباب 21 وباب 22.
2- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 20 وباب 21 وباب 22.
3- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 13 ، حديث 2.

قال : وافتى به العلامة ، وهو المعتمد.

الثاني : صحة هذا الشرط والعمل بموجبة ما لم يحط بالأجرة ، فيجب القضاء بالصلح ، نقله عن ابن الجنيد.

الثالث : بطلان الشرط وصحة العقد ، فيجب الأجرة بكمالها ، نقله عن ابن إدريس.

الرابع : بطلانهما معا ، فيجب اجرة المثل ، سواء أوصله في الوقت المعين أو في غيره ، وسواء إحاطة بالأجرة أو لا ، نقله عن العلامة وفخر الدين.

السادسة : إذا قال : ( آجرتك كل شهر بكذا ) ، قال المصنف : صح في شهر بكذا وله في الزائدة أجرة المثل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد في المقنعة. وقال ابن إدريس : تبطل في الجميع ، ويلزم اجرة المثل في الجميع ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن العلم بقدر المنفعة شرط ، وهي مقدرة هنا بالمدة ، والمدة مجهولة فتبطل الإجارة.

احتج الشيخ بأن الشهر الأول معلوم وما عداه مجهول ، فيصح في المعلوم وتبطل في المجهول. والجواب ان المعلوم إذا أضيف إلى المجهول صار مجهولا.

قال رحمه اللّه : لو قال ان خطته فارسيا فلك درهم ، وان خطته روميا فلك درهمان صح.

أقول : الصحة مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف لعموم « المؤمنون عند شروطهم » (1) ، وهذا شرط سائغ ، ولأنه استأجره على كل واحد من الفعلين بأجرة معلومة ، فيكون صحيحا.

وقال ابن إدريس : لا يصح هذا العقد ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه عقد مجهول لم يعين فيه العوض ولا المعوض ، لأن العقد لم يوجب شيئا معينا

ص: 318


1- لاحظ ص 44.

فكان باطلا.

والفارسي هو ما يكون بدرز واحد ، والرومي هو ما يكون بدرزين.

قال رحمه اللّه : لو قال ان عملت هذا العمل في هذا اليوم فلك درهمان وفي غد درهم ، فيه تردد ، أظهره الجواز.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في الخلاف ، ودليله ما تقدم ، واختاره المصنف ، واختار ابن إدريس المنع ، وهو المعتمد ، ووجهه انه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلا يصح ، كما لو قال : بعتك هذا بدرهم نقدا وبدرهمين نسيئة شهرين.

قال رحمه اللّه : ويستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه أو في ملك المستأجر ، ومنهم من فرق.

أقول : قد سبق (1) البحث في هذه المسألة ، والفرق هو المعتمد ، وهو مذهب العلامة في التحرير ، لأن العمل إذا كان في ملك المستأجر كان كالمقبوض في يده ، فلا يتوقف استحقاق الأجرة بعد الفراغ من العمل الى التسليم لكونها في ملكه ، وتحت يده ، وإذا كانت العين مقبوضة في ملك الأجير وفي تصرفه ، فلا يستحق تسليم الأجرة إلا بعد تسليم العمل ، ولا يحصل الا بتسليم العين الى مالكها.

والمصنف اختار الاستحقاق بنفس الفراغ ، لأنه قد ملك الأجرة بالعقد واستحقها بالعمل ، وإذا استحق الإنسان شيئا وجب تسليمه اليه عند طلبه له ، ولا يجوز تأخيره ، وهو مذهب قوي.

ويتفرع على المذهبين : ما لو تلفت العين بعد الفراغ من العمل وقبل التسليم من غير تفريط ، على القول بالاستحقاق بنفس الفراغ لم تسقط أجرته ، وعلى القول بعدم الاستحقاق قبل التسليم تسقط الأجرة ، كسقوط الثمن مع تلف المبيع

ص: 319


1- المسألة الثانية ص 316.

قبل قبضه.

قال رحمه اللّه : ويكره أن يستعمل الأجير قبل ان يقاطع على الأجرة وأن يضمن إلا مع التهمة.

أقول : الذي سمعناه من مشايخنا عليهم رضوان اللّه وحشرهم مع الأئمة الطاهرين ان مراد المصنف في كراهة التضمين مع عدم التهمة ، كما إذا ادعى المستأجر رد العين فأنكر المالك ، فهنا يكون القول قول المالك فإنه يكره ان يحلف المالك على عدم الرد ثمَّ يغرم المستأجر مع كونه ثقة غير متهم ، وكما إذا تلفت العين المستأجرة فادعى المالك انها تلفت بتفريط من المستأجر فأنكر المستأجر التفريط ، فهنا يكون القول قول المستأجر ، فلو نكلا عن اليمين كره للمالك تغريمه مع كونه ثقة ، ونقل العلامة عبارة المصنف في القواعد من غير زيادة ولا نقصان.

والذي قاله مشايخنا جيد ، ويدل عليه عبارة الشيخ في النهاية ، قال : ولا ينبغي لأحد ان يضمن صانعا شيئا إلا إذا اتهمه في قوله ، فاما إذا كان ثقة مأمونا وجب ان يصدقه ولا يغرمه شيئا. وهذه العبارة تدل على ما قاله مشايخنا ، وقول الشيخ : ( وجب ان يصدقه ) ، ليس مراده بالوجوب اللزوم ، بل الأولوية والاستحباب.

وليس مراد المصنف بالتضمين ان يشترط عليه الضمان في العقد ، لأن ذلك يؤدي الى بطلان العقد عند المصنف ، وقد ذكره آنفا.

قال رحمه اللّه : ولو أجر غير المالك تبرعا ، قيل : بطلت ، وقيل : وقفت على اجازة المالك ، وهو حسن.

أقول : قد سبق الخلاف في باب البيع في عقد الفضولي (1) ، هل هو باطل من أصله أو موقوف على الإجازة؟ والحكم فيهما واحد.

قال رحمه اللّه : ولو قدر المدة والعمل ، مثل أن يستأجره ليخيط هذا الثوب

ص: 320


1- تقدم ص 12.

في هذا اليوم ، قيل : يبطل ، لأن استيفاء العمل في المدة قد لا يتفق ، وفيه تردد.

أقول : من شرط صحة الإجارة كون المنفعة معلومة لينتفي الغرر والعلم يحصل بأن تكون المدة معلومة والعمل مجهولا ، مثل ان يقول : ( آجرتك نفسي شهرا مثلا لابني أو لأخيط ) ، أو يكون العمل معلوما والمدة مجهولة مثل : ( آجرتك نفسي لأخيط لك هذا الثوب أو لأنسخ لك هذا الكتاب ) ، فلو قال : ( آجرتك نفسي لأخيط لك هذا الثوب في هذا اليوم ) ، هل يصح ذلك؟ قال الشيخ وابن إدريس : لا يصح ، لأنه ربما خلص منه قبل الغروب ، فيبقى بعض المدة مستحقة بلا عمل ، أو لا يخلص منه في ذلك اليوم ، فيحتاج إلى مدة أخرى فيحصل جهالة المدة والعمل معا وذلك غير جائز.

وتردد المصنف من هذه الحيثية ، ومن احتمال الصحة ، لأن العقد قد وقع على العمل ، والمدة ذكرت للتعجيل ، فان فرغ من العمل قبل انتهاء المدة لم يكن له ان يلزمه في باقيها بعمل غيره ، وان لم يفرغ منه فيها كان المستأجر مخيرا بين الفسخ وإلزامه بالعمل في غيرها ، فان فسخ قبل ان يعمل شيئا فلا اجرة ، وان فسخ بعد بعض العمل كان له من الأجرة بنسبته ، وإن اختار الصبر لم يكن للأجير الفسخ ، والأول هو المعتمد.

وان كان العين مما له عمل كالحيوان جاز تقدير المنفعة بأي الوجهين شاء ، وان كان مما ليس له عمل كالدار والأرض لم يجبر الا بالمدة خاصة.

قال رحمه اللّه : هل يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد؟ قيل : نعم ، ولو أطلق بطلت ، وقيل : الإطلاق يقتضي الاتصال ، وهو أشبه. ولو عين شهرا متأخرا عن العقد ، قيل : بطل ، والوجه الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في وجوب الاتصال بالعقد ، وبالاشتراط قال الشيخ رحمه اللّه ،

ص: 321

قال في الخلاف والمبسوط : إذا استأجر الدار شهرا ولم يقل من هذا الوقت وأطلق ، بطلت الإجارة.

وقال ابن البراج وابن إدريس : لا يبطل ، وينصرف الإطلاق إلى الاتصال بالعقد ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وقال في المختلف : والتحقيق ان كان العرف في الإطلاق يقتضي الاتصال فالحق ما قاله ابن البراج ، وان كان لا يقتضيه فالحق ما قاله الشيخ ، لحصول الجهالة على التقدير الثاني دون الأول ، ومذهب المصنف هو المعتمد.

الثانية : لو عين شهرا متأخرا عن العقد ، هل يصح أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يصح وهو فرع على اشتراط الاتصال ، ولأن عقد الإجارة حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، ولا دليل على ثبوت الإجارة على هذا الوجه.

وقال ابن البراج وابن إدريس بالصحة ، واختاره المصنف والعلامة ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وهذا عقد ، فيجب الوفاء به ، ولعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ، وهذا شرط سائغ فيكون لازما ، ولأنها معاوضة على مدة معلومة بأجرة معلومة فتكون صحيحة.

قال رحمه اللّه : وإذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة وجبت الأجرة ، وفيه تفصيل.

أقول : أطلق أكثر الأصحاب لزوم الأجرة ، وكذلك المصنف في المختصر ، وفصل هنا ، ومراده بالتفصيل ان كانت الأجرة مقدرة بالزمان ومضى ذلك الزمان لزمته الأجرة المعينة ولم يجز له استيفاء المنفعة بعدها ، وان لم تكن مقدرة

ص: 322


1- المائدة : 1.
2- تقدمت الإشارة إلى مصدره ص 44.

بالزمان ، بل بالعمل ثمَّ سلم العين ومضت مدة يمكن فيها استيفاء العمل ولم يعمل شيئا وجب عليه في تلك المدة الماضية أجرة المثل لها ، وله استيفاء المنفعة المقدرة بالأجرة المسماة.

وهو تفصيل حسن ؛ لأن العقد وقع على استيفاء منفعة معينة فلا يجوز للمالك الفسخ قبل استيفائها ، بل كل ما مضت مدة يمكن الاستيفاء فيها ولم يستوف وجب عليه اجرة مثل تلك المدة ، فإذا استوفى المنفعة المعقود عليها وجب عليه المسمى.

قال رحمه اللّه : اما لو انقضى بعض المدة ثمَّ تلف أو تجدد فسخ الأجرة صح فيما مضى وبطل في الباقي ، ويرجع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة.

أقول : حكم المصنف بالرجوع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة ولم يذكر كيفية التقسيط على المدتين ، وربما يتوهم الناظر ان الأجرة توزع (1) على المدتين ، فما قابل المستوفي منهما فهو للمالك ، وما قابل الباقي فهو للمستأجر ، وليس كذلك.

قال الشيخ وابن البراج وابن إدريس : وإذا استأجر عبدا سنة ثمَّ مات بعد مضي نصفها ، فان العقد يصح فيما مضى ويبطل فيما بقي ، وله المطالبة بأجرة المثل ، فان تساويا أخذه ، وان كان اجرة الباقي أكثر استحق الزيادة ، مثل ان يكون أجرة الماضي مائة والباقي مائتين ، فإنه يستحق عليه مائتين ، وبالعكس لو انعكس ، هذا كلامهم رحمهم اللّه.

وفيه نظر ، لأنه ربما (2) اجرة مثل الباقي تحيط بمجموع الأجرة ، فلا يبقى للمالك مقابل المدة الماضية شي ء ، كما لو كانت الأجرة مائتين وكان اجرة مثل المدة

ص: 323


1- في « ر 2 » زيادة : سهما.
2- ( ربما ) لم ترد في « ر 2 ».

الباقية مائتين فحينئذ يخرج المالك بغير شي ء ، بل الأجود ان يقال : ينسب المسمى الى مثل اجرة المدتين ، ثمَّ يسقط ما قابل المتخلف من المدة ، وهو ظاهر العلامة رحمه اللّه.

قال رحمه اللّه : ويلزم مؤجر الدابة كلما يحتاج إليه في إمكان الركوب من الرحل والقطب وآلته والحزام والزمام ، وفي رفع المحمل وشده تردد ، أظهره اللزوم.

أقول : التردد في رفع المحمل وشده ، هل هو على المكري أو المكتري؟ ومنشأ التردد من أصالة براءة الذمة من وجوب ذلك عليه ، ولأن المحمل غير واجب عليه ولا يجب عليه شده وحله ، ومن انه من الحمولة ، وجميع الأحمال يجب على المكاري رفعها وحطها وشدها وحلها فيكون ذلك واجبا عليه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : كلما يمكن فعله على الراحلة كصلاة النوافل والأكل والشرب لا يجب على المكاري إن يوقفها لأجله ، وما لا يمكن فعله عليها كالصلاة اليومية الفرض ، وقضاء الحاجة يجب عليه ان يوقفها لذلك ، وليس للمصلي أن يطول صلاته ، بل يقتصر على إتمام (1) الأفعال ويختصر الأذكار ، لأن حق الغير قد تعلق به.

الثاني : على الجمال (2) ان يبرك البعير لركوب المرأة ونزولها ، لأنها ضعيفة الخلقة ، ولأنها عورة ربما انكشفت ، والرجل ان كان مريضا أو سمينا لا يقدر على الركوب ، كان حكمه حكم المرأة ، وإلا فلا ، عملا بالعرف والعادة.

ص: 324


1- في « ر 2 » : تمام.
2- « ر 2 » : الحمال.

الثالث : لو كانت العادة تقتضي النزول والمشي عند قرب بعض المنازل لم يجب على الراكب النزول فيه وان كان جلدا على المشي.

الرابع : إذا استأجر بهيمة ثمَّ ذكر أنها متعبة ، نظر في حاله فان كان ذلك من قبله ، مثل ان يكون لإعادة له بالركوب ولا صبر له عليه ، لم يكن له خيار ، وان كان ذلك من قبل البهيمة كالعثار والصعوبة فإن كان قد اكتراها بعينها مخيرا بين الفسخ والإمضاء ، ولا يجب على المالك إبدالها ، وان كان في الذمة ردها وأخذ بدلها ، لأن ذلك عيب.

الخامس : لو اختلفا في أوقات السير وأماكن النزول ، بأن اختار أحدهما السير بالليل والآخر بالنهار ، كان المرجع إلى العادة.

قال رحمه اللّه : لو حفر بعض ما قوطع عليه ثمَّ تعذر حفر الباقي إما لصعوبة الأرض أو مرض الأجير أو غير ذلك قوم حفرها وما حفر منها ورجع عليه بنسبته في الأجرة ، وفي المسألة قول آخر مستند إلى رواية مهجورة.

أقول : روى الشيخ في النهاية عن ابي شعيب المحاملي ، عن الرفاعي ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قبل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ثمَّ عجز ، قال يقسم على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى والاثنين للثانية والثلاثة للثالثة ، وعلى هذا الحساب على عشرة » (1) ، ولم يتعرض الشيخ للإفتاء وعدمه.

وقال في المبسوط : يقسط المسمى على اجرة المثل ، لأن الحفر يختلف فحفر ما قرب من الأرض أسهل ، لأنه يخرج التراب من قرب ، وحفر ما هو أبعد أصعب ، فإن كان اجرة مثل ما بقي عشرة واجرة مثل ما حفر خمسة كان له ثلث

ص: 325


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 35 ، حديث 2 ، وفي التهذيب 6 : 287 ، كتاب القضايا والاحكام ، باب 92 في الزيادات في القضايا والأحكام ، حديث 1 (794).

المسمى. واختاره ابن إدريس والعلامة والمصنف ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويجوز استئجار المرأة للرضاع لمدة معينة بإذن الزوج ، فان لم يأذن فيه تردد ، والجواز أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقه.

أقول : ذهب الشيخ الى اشتراط اذن الزوج ، لأن منافع المرأة مملوكة له بعقد النكاح ، فلا يجوز لها العقد على شي ء منها بغير اذنه ، واختاره ابن إدريس ، وذهب المصنف الى الجواز ما لم يمنع الرضاع حقه وهو الاستمتاع ، واختاره العلامة لأصالة الجواز ، وعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، ولأن المملوك للزوج منفعة الاستمتاع خاصة ، فإذا لم تمنع الإجارة من الاستمتاع كانت صحيحة لا مانع منها ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط ذكر الموضع الذي يرضع فيه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة الصحة وأصالة عدم اشتراط الموضع ، ومن اختلاف الأغراض في ذلك ، لأن الرضاع في بيت المرضعة أسهل عليها ليحصل الجمع بين الرضاع وبين إصلاح منزلها ، والرضاع في بيت الطفل أصلح للطفل لاشراف أبيه عليه وهو أشق على المرضعة ، فيحصل الغرر بعدم اشتراط الموضع ، وبالاشتراط قال الشيخ ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

فروع :

الأول : لو استأجرها للرضاع لم يكن عليها حضانته ولا غسل خرقه ، ولا غسل الصبي وتنظيفه ما لم يشترط ذلك عليها ، لعدم تناول العقد لغير الرضاع.

الثاني : لو استأجرها بالأكل والكسوة مدة معلومة جاز بشرط تعيين الكسوة وتعيين نفقة كل يوم.

ص: 326


1- المائدة : 1.

الثالث : لو استأجر زوجته لإرضاع ولده جاز ، وقال الشيخ : لا يجوز ما دامت في حباله.

الرابع : على المرضعة ان تأكل وتشرب ما يكثر به اللبن ويدر ويصلح ، وللمستأجر ان يطالبها به ، لتوقف استيفاء المنفعة عليه.

قال رحمه اللّه : ولو مات أبوه هل يبطل؟ يبنى على القولين.

أقول : المراد بالقولين ان الإجارة هل تبطل بموت المستأجر أو لا؟ وقد تقدم البحث (1) في ذلك.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز إجارة الحائط المزوّق للتنزه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : القول بالجواز قول ابن إدريس إذا كان فيه غرض وهو التعلم من البناء المحكم ، كما يجوز اجارة كتاب فيه خط جيد للتعلم منه ، لأن فيه غرضا صحيحا ، ولأنه لا مانع يمنع منه ، وقال الشيخ : لا يجوز للمالك المنع من النظر اليه والتفرج عليه ، وكل منفعة ليس للمالك منع المنتفع بها لا يجوز إجارتها كالاستظلال بالحائط ، واختاره العلامة في المختلف ، واختار في القواعد والتحرير مذهب ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : ولو آجر عبدا آبقا لم تصح وان ضم إليه شي ء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من اشتراط القدرة على تسليم المنفعة ، والآبق لا يقدر على تسليمه ، ومن جواز بيعه مع الضميمة فيجوز إجارته معها ، لأن الإجارة ليست أبلغ من البيع ، وظاهر القواعد الجواز مع الضميمة.

قال رحمه اللّه : ولو منعه المؤجر منه سقطت الأجرة ، وهل له أن يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت؟ فيه تردد ، والأظهر نعم.

ص: 327


1- ص 312.

أقول : منشؤه من أن المستأجر قد ملك المنافع بنفس العقد فان منعه المالك منها كان غاصبا ، له ان يرجع عليه بالتفاوت بين (1) المسمى واجرة المثل ان كانت أكثر ، ومن أن استمرار القبض شرط في صحة الإجارة ، ولهذا تبطل مع تلف العين وان كان بعد قبضها ، وإذا لم يحصل القبض كانت الإجارة باطلة ، وإذا بطلت لم يصح الالتزام بالباطل ، والأول هو المعتمد كما لو كان المانع أجنبيا ، ويختص البطلان بالتلف دون المنع من التسليم.

قال رحمه اللّه : ولو انهدم المسكن كان للمستأجر فسخ الإجارة ، إلا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه ، وفيه تردد.

أقول : إذا فات شي ء من المنافع جاز الفسخ قطعا ، والتردد ( انما هو ) (2) إذا أعاده قبل فوات شي ء من المنافع.

ومنشؤه من وجود سبب الفسخ ، والأصل بقاؤه ، ومن زوال السبب المبيح للفسخ قبل فوات شي ء من المنافع فيزول أثره ، والمعتمد بقاء الخيار.

ص: 328


1- في « ن » و« ر 2 » : من.
2- لم يرد « ن » و« ر 2 ».

في أحكامها

قال رحمه اللّه : إذا تعدى في العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان ، ولو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك إن كانت دابة ، وقيل : قول المستأجر على كل حال ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية : القول قول المالك ان كانت دابة ، وان كانت غير الدابة ، فالقول قول الغارم ، ومستنده رواية أبي ولاد (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال ابن إدريس : القول قول الغارم مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لعموم قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2) ، والغارم منكر لما يدعيه المالك من الزيادة على ما اعترف به فيكون القول قوله.

ص: 329


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 17 في أحكام الإجارة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 3 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى مع اختلاف في المتن ، الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث 3.

قال رحمه اللّه : من تقبل عملا لم يجز أن يقبله غيره بنقيصة على الأشهر ، إلا أن يحدث فيه ما يستبيح به الفضل ، ولا يجوز تسليمه الى غيره إلّا أن يأذن له المالك ، ولو سلم من غير اذن ضمن.

أقول : إذا تقبل عملا كخياطة ثوب بدينار (1) مثلا ، هل يجوز ان يقبله غيره بأنقص من الدينار ، ويأخذ هو الفاضل قبل ان يحدث فيه حدثا كتفصيله أو خياطة شي ء منه؟ منع المصنف من ذلك ، وهو مذهب الشيخ رحمه اللّه ، ومنع العلامة في التحرير إذا قبله بالجنس ، وجوزه إذا كان بغير الجنس ، وأطلق الجواز في القواعد.

ودليل الشيخ والمصنف الروايات (2) ، ودليل العلامة ان المالك استحق عليه العمل المطلق ، فيكون له الاستنابة والاستئجار عليه والفاضل له بمقتضى العقدين ، وهو المعتمد ، إلا انه ان يكون ضامنا مع عدم الإذن ، لأن المالك لم يرض بغير أمانته ، ويحتمل عدم الضمان ، لأنه عمل ما هو مأذون فيه شرعا ، واذن الشارع لا يتعقبه ضمان.

قال رحمه اللّه : أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه من غير تعد ولا تفريط لم يضمن على الأصح ، وكذا المكاري والملاح لا يضمنان إلا ما يتلف عن تفريط على الأشهر.

أقول : اختلف أصحابنا في تضمين الصناع كالخياطين والقصارين والحجامين والفصادين وأشباههم ، وفي تضمين الملاحين والمكارين ، قال المفيد والسيد المرتضى : انهم ضامنون لجميع الأمتعة وعليهم البينة إلا ان يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفاعه ، مثل الحريق العام والنهب العام.

ص: 330


1- في « ن » بزيادة : أو خياطة شي ء منه.
2- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 23 في أحكام الإجارة.

وقال الشيخ وأبو الصلاح وابن إدريس : لا ضمان عليهم إلا فيما جنت أيديهم أو فرطوا في حفاظه. واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنهم أمناء ، والأصل براءة الذمة ، ورواية معاوية بن عمار في الصحيح (1) ، عن الصادق عليه السلام دالة على عدم الضمان.

احتج الأولون بعموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (2) ، فعلى قول الأولين لا يقبل قول الصناع والمكارين بالتلف إلا مع البينة العادلة ، أو الاشتهار بما لا يمكن رده ، وعلى قول الآخرين يقبل قولهم مع اليمين بالتلف من غير تفريط إلا مع قيام البينة بالتفريط وبعدم التلف ، ولو تلف بسبب فعلهم ضمنوا ، سواء كان بتفريط أو غير تفريط.

فرع : إذا استأجر عينا لينتفع بها مدة معلومة ثمَّ انقضت المدة ، هل يجب عليه ردها ومئونة ردها الى مالكها أو لا يجب ، بل الواجب عليه ان يرفع يده عنها إذا طلبها مالكها؟

قال الشيخ في المبسوط : يجب ، ويكون ضامنا مع التأخير ، قال : لأن الإمساك بعد مضي المدة غير مأذون فيه ، ومن أمسك شيئا بغير اذن صاحبه وتمكن من رده ولم يرده فهو ضامن ، قال : وفي الناس من قال : لا يصير ضامنا ولا يجب عليه الرد ولا مئونة الرد ، وأكثر ما يلزمه ان يرفع يده عنه إذا أراد صاحبه استرجاعه ، لأنه امانة في يده ، فلا يجب عليه رده كالوديعة ، والى هذا ذهب ابن إدريس والعلامة في القواعد ، واستشكله في التحرير والمختلف ، والمعتمد مذهب ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : ولو آجر الوصي صبيا مدة يعلم بلوغه فيها بطلت في المتيقن

ص: 331


1- الوسائل ، كتاب الإجارة ، باب 29 في أحكام الإجارة حديث 14.
2- تقدم ص 292.

وصحت في المحتمل ، ولو اتفق البلوغ فيه ، فهل للصبي الفسخ بعد بلوغه؟ قيل : نعم ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف وابن إدريس : ليس له الفسخ ، لأن العقد على الصبي أو ماله وقع صحيحا بلا خلاف ، فمن ادعى ان له الفسخ بعد بلوغه فعليه الدلالة.

وقال الشيخ في المبسوط : كان له فسخها ، وقيل : ليس له ذلك ، وهو الأقوى ، قال العلامة في المختلف : والحق ان له الفسخ ، لأن الولاية تابعة للصغر وقد زال فتزول الولاية ، والعقد تابع لها فيزول بزوالها ، ولأنه لو عقد عليه مدة يعلم بلوغه في بعضها بطل في الزائد ، وكذا المجهول مع وقوعه ، لأن العلم والجهل لا مدخل لهما في ثبوت الولاية. انتهى كلامه رحمه اللّه ، وهو المعتمد.

ص: 332

في التنازع

قال رحمه اللّه : إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع وأنكر المالك كلفوا البينة ، ومع فقدها يلزمهم الضمان ، وقيل : القول قولهم مع اليمين ، لأنهم أمناء ، وهو أشهر الروايتين.

أقول : وقد سبق (1) البحث في هذه أيضا.

قال رحمه اللّه : لو قطع الخياط ثوبا قباء ، فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول المالك مع يمينه ، وقيل : قول الخياط ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ في كتاب الإجارة من الخلاف وابن إدريس : القول قول المالك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم الإذن الذي يدعيه الخياط ، ولأنه لو اختلفا في الإذن كان القول قول المالك ، فكذا إذا اختلفا في صفته.

وقال الشيخ في كتاب الوكالة من الخلاف : القول قول الخياط ، لأن الأصل عدم تفريطه ، فعلى الأول يجب عليه الأرش والأجرة له ، وعلى الثاني الأرش

ص: 333


1- ص 330.

عليه ، وله اجرة المثل دون المسمى ان زاد ، لأنه يثبت (1) بقوله.

ص: 334


1- في بعض النسخ : لا يثبت.

كتاب الوكالة

اشارة

ص: 335

ص: 336

في العقد

قال رحمه اللّه : ومن شرطها أن تقع منجزة ، فلو علقت بشرط متوقع أو وقت متجدد لم تصح ، نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز.

أقول : لا خلاف في بطلان الوكالة إذا علقت على شرط ، مثل ان يقول : ( إذا قدم زيد من السفر فأنت وكيلي ) ، وكذا إذا علقت على صفة ، مثل ان يقول : ( إذا هل الشهر فأنت وكيلي ) ، أو ( إذا كان يوم الجمعة فأنت وكيلي ).

ومع بطلان الوكالة لتعليقها على شرط أو صفة ، هل يصح تصرف الوكيل ويكون لازما للموكل؟ يحتمل العدم ؛ لأن الفاسد لا يترتب عليه أثره ، وهذا عقد فاسد فلا يجوز للوكيل التصرف كما لا يجوز للمشتري بشراء فاسد أن يبيع ما اشتراه ، ولا يجوز للبائع التصرف في ثمنه ، وكل واحد من المتبايعين قبض ما صار إليه بإذن مالكه ، فكما لا يجوز للمتابعين التصرف بما صار إليهما مع فساد العقد كذا لا يجوز للوكيل التصرف لفساد عقد الوكالة.

ويحتمل الجواز ؛ لأن الموكل قد اذن له في التصرف ، والاذن باق لم يزل بفساد العقد ، وإذا لم يزل الإذن جاز التصرف ، وهو اختيار العلامة في التذكرة ، وكذلك في المختلف ؛ لأنه حكم فيه بصحة تصرف الوكيل بعد عزله نفسه عن

ص: 337

الوكالة اعتمادا على الإذن السابق ، ولا خلاف في بطلان الوكالة إذا عزل الوكيل نفسه عنها.

والفرق بين الوكالة الفاسدة والبيع الفاسد ظاهر ، فان البيع الفاسد وان تضمن الاذن في قبض الثمن والمثمن فهو باعتبار تملك الثمن للبائع والمثمن للمشتري ، وكل منهما يتصرف فيما قبضه لنفسه فاذا تبين انه غير مملوك كان تصرفه باطلا ، بخلاف الوكيل فإنه يتصرف للاذن لا لنفسه ، فكان تصرفه مأذونا فيه.

فان قيل : إذا جاز التصرف في الوكالة الفاسدة كما يجوز في الوكالة الصحيحة ، فما الفارق بينهما وما فائدة الصحة؟

قلنا : فائدة الصحة استحقاق الوكيل للجعل المسمى على تقدير الصحة ان كانت بجعل وبطلان المسمى والرجوع الى أجرة المثل على تقدير الفساد كالعامل في المضاربة ، وهذا هو المعتمد.

ولو قال : ( وكلتك في بيع هذا العبد مثلا ولا تبعه حتى يدخل الشهر الفلاني ) ، جاز قطعا ، وكذا لو قال : ( وكلتك في البيع شهرا ) صح ، ولا يجوز التصرف بعده.

قال رحمه اللّه : ولو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ولو وكله مطلقا لم يصح على قول ، والوجه الجواز.

أقول : المراد بالإطلاق بأن وكله في شراء عبد ولم يصفه ، بل أطلق ، قال الشيخ في المبسوط : لا يصح للغرر ، لأنه ربما اشترى له ما ليس بمطلوبه ، وذهب المصنف الى الجواز واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الموكل قد أقام الوكيل مقام نفسه وفوض اليه الاختيار فتنصرف الوكالة إلى شراء العبد الصحيح بنقد البلد ، والخيار في النوع والصفات الى الوكيل لأصالة صحة الوكالة.

ص: 338

قال رحمه اللّه : وللموكل ان يعزله بشرط أن يعلمه العزل ، ولو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل ، وقيل : إن تعذر إعلامه فاشهد انعزل بالعزل والإشهاد ، والأول أظهر.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : عدم الانعزال الا مع العلم وتصرفه قبل العلم ماض ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، لأنه من التكاليف الشرعية وهي لا تلزم إلا بعد الإعلام بها ، وإلا لزم تكليف الغافل ، ولأن في ذلك ضررا ، إذ قد يتصرف تصرفا يؤدي بطلانه الى الضرر ، كما لو باع جارية فوطئها المشتري ، أو طعاما فأكله ، أو تلف المبيع في يد المشتري ، فان استرجاع ذلك يؤدي الى ضرر المشتري ، ولرواية هشام بن سالم (1) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب.

الثاني : أن ينعزل مع الاشهاد على العزل وان لم يعلم إذا تعذر علمه ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وابي الصلاح وابن إدريس ، ووجهه الجمع بين الأحاديث (2).

الثالث : انعزاله بنفس العزل من غير شرط الاشهاد والإعلام ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأن الوكالة من العقود الجائزة ، فلكل منهما فسخها وان لم يعلم صاحبه ، وإلا كانت لازمة ، ولأن العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه ، فلا يفتقر الى علمه.

قال رحمه اللّه : إذا باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر كان القول قوله مع يمينه ، ثمَّ تستعاد العين إن كانت باقية ومثلها أو قيمتها ان كانت

ص: 339


1- الوسائل ، كتاب الوكالة ، باب 2 في أحكام الوكالة حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الوكالة باب 1 ، 2.

تالفة ، وقيل : يلزم الدلال إتمام ما حلف الموكل عليه ، وهو بعيد.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية ، ووجه بعده ظهور بطلان البيع لمخالفة الوكيل اذن الموكل ، وإذا بطل البيع ردت العين أو مثلها أو قيمتها - على التفصيل - الى المالك ، فلا وجه لغرامة الوكيل ، ويحمل قول النهاية على ما إذا تعذر استعادة العين وقيمتها من المشتري ، فيغرم الوكيل القيمة ويكون موافقة لما ادعاه المشتري ، وما اختاره المصنف (1) وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو المعتمد.

ولو اشترى جارية بعشرين ، فقال : ما أذنت إلا بعشرة ، قدم قول الموكل ، فان كان الشراء بالعين فذكر ان الشراء للموكل ردت الجارية على البائع ، واسترجع الثمن ، وان لم يذكر ان الشراء للموكل ، فان صدقه البائع للمشتري في دعواه ان الشراء لغيره ، وانه لم يرض بالشراء بهذا الثمن ردت الجارية أيضا الى البائع وان كذبه ، فإن ادعى عليه العلم حلفه على نفيه ، ويلزم البيع للوكيل ويغرم للموكل ، فان كان الوكيل كاذبا فالجارية للبائع ، وعليه دفع الثمن في الباطن لوقوع العقد باطلا ، لمخالفة أمر الموكل ، وان كان صادقا والموكل كاذبا كانت الجارية للموكل.

فعلى التقديرين لا يحل للوكيل وطي الجارية لعلمه بعدم استحقاقها ، إلا أن يشتريها ممن له باطنا ، فان كان الموكل ، قال : ( ان كنت أذنت لك بعتك بعشرين ) ويقبل الوكيل ، وان كان البائع ، قال : ( ان كنت صادقا ان الشراء للغير ، وهو باطل فقد بعتك بعشرين ) فحينئذ يحل له الوطئ ، ولا يقدح هذا الشرط في صحة البيع ، لأنه ليس شرطا حقيقيا وان كان بصيغة الشرط ، لأن الشرط الحقيقي هو المتوقع الذي يمكن وقوعه ويمكن عدم وقوعه ، وهذا واقع في الماضي فلا يكون شرطا ، فان امتنع من هي له من البيع ، جاز للحاكم ان يتولى بيعها.

ص: 340


1- كذا.

وان كان الشراء في الذمة وأطلق لزمه البيع ، وان ذكر ان الشراء للموكل بطل ، وكل موضع بطل فيه البيع ترجع العين إلى البائع ، وكل موضع يصح البيع يكون العين للموكل ، وانما يلزم الوكيل البيع ظاهرا ، وطريق الاستحلال ما ذكرناه.

ص: 341

ص: 342

في ما لا تصح فيه الوكالة

قال رحمه اللّه : والالتقاط والاحتطاب والاحتشاش.

أقول : ذهب المصنف الى عدم جواز التوكيل في حيازة المباحات ، وهو بناء على انها تملك بالحيازة من دون النية ، فإذا ملكها بالاستيلاء لم ينتقل عنه الى الموكل ، ومن قال ان تملك المباحات يفتقر إلى النية أجاز التوكيل في ذلك وكان ما يجوزه للموكل ، لأنه حازه انه لموكله ، فلا يدخل في ملك الوكيل ، لأنه لم ينو التملك لنفسه ، وقد سبق (1) البحث في تحقيق افتقار تملك المباحات إلى النية في باب الشركة ، فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : وفي الجهاد على وجه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : وأما الجهاد ، فلا يصح فيه النيابة بحال ، لأن كل من حضر الصف توجه عليه فرض القتال وكيلا كان أو موكلا ، وقد روي (2) انه يدخله النيابة ، وقال ابن البراج : تدخله النيابة ، واختاره العلامة ، قال : ولهذا قال : صح الاستئجار عليه.

ص: 343


1- تقدم ص 239.
2- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 8 جهاد العدو وما يناسبه حديث 1.

وقوله : ( على وجه ) أي إذا لم يتعين عليه ، مثل ان يستنيب قبل ان يحضر الصف ولم يكن عينه الإمام للخروج ، فهذا يجوز ان يستنيب في الجهاد لعدم تعينه.

قال رحمه اللّه : ولو وكله على كل قليل أو كثير ، قيل : لا يصح لما يتطرق من [ احتمال ] الضرر ، وقيل : يجوز ، ويندفع الحال باعتبار المصلحة ، وهو بعيد عن موضع الفرض ، نعم لو وكّله على كل ما يملكه صح ، لأنه يناط بالمصلحة.

أقول : القول بعدم الصحة قول الشيخ في الخلاف ، لأن في ذلك ضررا عظيما ، لأنه ربما ألزمه بالعقود بما لا يمكنه الوفاء به ، أو يؤدي الى ذهاب جميع ماله ، مثل ان يزوجه بأربع حرائر ويطلقهن قبل الدخول ، فيلزمه نصف مهورهن ثمَّ يزوجه بأربع حرائر أخرى ويطلقهن قبل الدخول ، وهكذا ، أو يشتري له من الأرضين والعقارات وغيرها ما لا حاجة له فيه ، وفي ذلك ضرر عظيم ، وما يؤدي الى الضرر فهو باطل ، واختاره فخر الدين.

وقال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن البراج وابن إدريس بالجواز ، واختاره العلامة في الإرشاد والمختلف ، لأن كل واحد من الأفعال التي تدخله النيابة يصح التوكيل فيه على حدته ، فاذا عم الوكالة دخل الجميع تحتها ، والضرر الذي ذكره الشيخ مدفوع ، لأن فعل الوكيل منوط بالمصلحة ، سواء كانت عامة أو خاصة ، فكل فعل يفعله ان كان فيه مصلحة للموكل كان صحيحا وإلا كان باطلا ، وهذا هو المعتمد.

وقول المصنف : ( وهو بعيد عن موضع الفرض ) مراده إذا خصصنا فعل الوكيل بما فيه مصلحة كان بعيدا عن موضع الفرض ، إذ الفرض انه وكيل في كل قليل وكثير مما للموكل ان يفعله ، وذلك ليس مقيدا بالمصلحة ، فالتقييد بالمصلحة إخراج للمسألة عن موضعها.

ص: 344

والجواب يعلم مما سبق (1) من ان فعل الوكيل منوط بالمصلحة بخلاف الموكل ، فلو وكل في بيع عين مشخصة لم يجز للوكيل ان يبيعها بأقل من ثمن المثل والموكل له ذلك فقد ظهر انه ليس للوكيل ان يفعل كل ما يفعله الموكل إذ له ان يتصدق ويهب ويحابي ، وليس للوكيل ذلك سواء كانت الوكالة عامة أو خاصة.

وقوله : ( نعم لو وكله على ما يملك صح ، لأنه يناط بالمصلحة ) الضمير في ذلك عائد إلى الوكيل ، اي لو قال : وكلتك على قليل وكثير مما يملك فعله ، صح ، لأن الوكيل لا يملك فعل ما ليس بمصلحة فيكون وكالة صحيحة لتقييدها بالمصلحة ، ولا يجوز عود الضمير الى ما يملكه الموكل من التصرفات ، لأنه يملك كل قليل وكثير مما فيه مصلحة ومما ليس فيه مصلحة ، فلا فرق حينئذ بين المسألتين.

قال رحمه اللّه : ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه ، كالوصية والصدقة والطلاق على رواية.

أقول : جواز الوكالة في هذه الأشياء مبني على جواز مباشرتها من الموكل ، وقد سبق البحث في ذلك في باب البيع ، والمعتمد عدم الجواز مباشرة وتوكيلا.

قال رحمه اللّه : وتصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ، وللحاضر على الأظهر.

أقول : منع الشيخ في النهاية من توكيل الحاضر في الطلاق ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج ، لرواية سماعة عن الصادق عليه السلام « قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق » (2). فحملوها على الحاضر ، وحملوا الروايات (3) الدالة على

ص: 345


1- ص 344.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 أبواب مقدماته وشرائطه ، حديث 5 وفيه عن ابن سماعة.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 من أبواب مقدماته وشرائطه.

الجواز على الغائب جمعا بين الأدلة.

وقال ابن إدريس بالجواز ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لأصالة الصحة ، ولأنه من الأفعال القابلة للنيابة لوقوع الإجماع على جواز توكيل الغائب في الطلاق ، وإذا ثبت قبوله للنيابة جاز نيابة الحاضر فيه ، إذ لا مانع من ذلك غير الرواية المذكورة ، وهي مع ضعف سندها غير دالة على مطلوب الشيخ ، لأنها دالة على المنع مطلقا وهو لا يقول به.

والمراد بالحضور هو الحضور في البلد وان كان غائبا عن مجلس الطلاق ، فعلى القول بالمنع من وكالة الحاضر لا يصح وكالته مع غيبته عن مجلس الطلاق وحضوره في البلد.

ص: 346

في الوكيل

قال رحمه اللّه : ويجوز للمرأة ان تتوكل في طلاق غيرها ، وهل يجوز في طلاق نفسها؟ قيل : لا ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : واما المرأة فإنها تتوكل لزوجها في طلاق نفسها عند الفقهاء ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، والأظهر انه لا يصح ، وتبعه ابن إدريس على عدم الصحة. قال العلامة : والوجه الجواز ، لأنه فعل يقبل النيابة صدر من اهله فكان واقعا عملا بالأصل ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يتوكل الذمي على المسلم للذمي ولا للمسلم على القول المشهور ، وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم؟ فيه تردد ، والوجه الجواز على كراهية.

أقول : لا يخلو حال الوكيل والموكل والموكل عليه عن ثمانية أقسام :

الأول : ان يتوكل المسلم للمسلم على المسلم ، وهذا لا نزاع فيه.

الثاني : ان يتوكل المسلم للمسلم على الذمي ، وهذا لا نزاع في صحته أيضا.

ص: 347

الثالث : ان يتوكل المسلم على الذمي للذمي ، وهذا صحيح أيضا.

الرابع : ان يتوكل الذمي على ذمي ، وهذا صحيح أيضا.

الخامس : ان يتوكل الذمي للمسلم على الذمي وهذا لا شك في صحته.

السادس : ان يتوكل الذمي للذمي على مسلم ، ولا شك في بطلان هذا القسم.

السابع : ان يتوكل الذمي على مسلم لمسلم. ذهب المصنف الى عدم الجواز ، وهو المشهور بين أصحابنا لإثبات السبيل على المسلم (1) ، وهو غير جائز.

الثامن : ان يتوكل المسلم للذمي على مسلم ، وقد تردد المصنف في صحة هذه الوكالة ثمَّ اختار الجواز ، ومنشأ التردد من أصالة الجواز ، ولأن للذمي مطالبة المسلم بالحقوق ، فيكون تولي المسلم لذلك أولى ، وهو مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة.

ومن ان في ذلك سلطنة وسبيلا ، فكما لا يجوز ان يتسلط الذمي على المسلم كذا لا يجوز أن يسلط المسلم على المسلم وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وبه قال المفيد وأبو الصلاح وسلار.

ص: 348


1- النساء : 141.

في ما به تثبت الوكالة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا بشاهد ويمين على قول مشهور.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم ثبوت الوكالة بشاهد ويمين ، ولا أعلم في ذلك خلافا ، لأن جميع الولايات لا تثبت بغير الشاهدين العدلين الذكرين ، والمصنف لما لم يقف على دليل مقنع عنده على ذلك نسبه الى القول المشهور ، كما جرت عادته في ذلك من ان كل قول يجده مشهورا بين الأصحاب لا يختلفون فيه ولم يجد عليه دليلا أشار إليه بالمشهور ، وقد أشرنا الى ذلك في أول هذا الشرح (1).

والظاهر ان الذي منع المصنف من الجزم في هذه المسألة نظره الى قاعدتين : إحداهما ان الولايات لا تثبت إلا بالشاهدين ، والأخرى كلما كان مالا أو المقصود منه المال يثبت بشاهد ويمين ، والوكالة قد يكون المقصود منها المال ، كما لو وكل وكيلا في قبض دينه من زيد ، فدفع زيد الى الوكيل فأنكر الموكل الوكالة ، فأقام الغريم شاهدا واحدا بالوكالة ، فإنه يحتمل ثبوتها بالشاهد واليمين ، لأن المقصود هنا إثبات دفع المال وما شابه ذلك ، فلما عمل الأصحاب بالقاعدة

ص: 349


1- الجزء الأول ص 38 - 39.

الأولى وتركوا الثانية - مع احتمال جواز العمل بها - لم يجزم بما عملوا به لعدم ترجيح قاعدتهم التي بنوا عليها على القاعدة التي تركوها.

قال رحمه اللّه : ولو اختلفا في لفظ العقد بأن شهد أحدهما أن الموكل قال : وكلتك ، وشهد الآخر انه قال استنبتك ، لم تقبل ، لأنها شهادة على عقدين ، إذ صيغة كل واحد منهما مخالفة للأخرى ، وفيه تردد ، إذ مرجعه إلى أنهما شهدا في وقتين.

أقول : قال الشيخ بعدم القبول لما ذكره المصنف ، وقال ابن الجنيد بالقبول ، والمعتمد ان شهدا على الإنشاء لم يقبل وكان الحق ما قاله الشيخ ، وان شهدا على الإقرار قبل وكان الحق ما قاله ابن الجنيد ، ولو قال أحدهما : ( أشهد انه وكله ) ، وقال الآخر : ( أشهد أنه استنابه ) ولم يحكيا قول الموكل جاز بغير خلاف.

قال رحمه اللّه : لو ادعى الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم فلا يمين عليه. الى آخر المسألة.

أقول : لا يخلو المال الذي ادعى الوكالة في قبضه من ان يكون عينا أو دينا. وعلى التقديرين إما ان يعترف الغريم بالوكالة أو لا ، والأول ان يكون المال عينا وينكر الغريم الوكالة ولا بينة ، فليس لهذه الدعوى حكم في وجوب الدفع إجماعا ، سواء صدقه الغريم أو كذبه ، فلا يجب التسليم اليه مع التصديق ، لأن تصادق الغريم والوكيل على ثبوت الوكالة لا ينفذ (1) على الموكل ، وهل يجوز الدفع؟ قال الشيخ في المبسوط بالجواز ، والمشهور العدم.

الثاني : ان يكون المال دينا وينكر الغريم الوكالة ولا بينة ، وهنا لا يخلو إما ان يدعي عليه العلم أو لا ، فان ادعى عليه العلم لا يخلو إما ان يعترف بالوكالة أو ينكرها ، فان اعترف بها ، هل يجب التسليم إليه أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : لا

ص: 350


1- في « ر 2 » : ( يتعلق بحق له ) بدل : ( ينفذ ).

يجب ، وهو اختيار المصنف والعلامة. وقال ابن إدريس : يجب الدفع إليه ، لأنه صار وكيلا عليه بتصديقه إياه ، لأن إقرار العقلاء على نفوسهم جائز (1).

ووجه الأول انه لا يجبر على دفع غير مبرئ ، وهذا الدفع غير مبرئ ، لاحتمال إنكار الوكالة فيكون القول قوله في ذلك ، ومن هذين الوجهين نشأ التردد ، والمعتمد عدم وجوب الدفع.

وان أنكر العلم ، هل يجب اليمين؟ قال ابن إدريس : يجب اليمين وهو بناء على قاعدته من وجوب الدفع مع الاعتراف ، وهذه قاعدة مطردة في جميع الأحكام ان كل موضع يجب الحق مع الإقرار يجب اليمين مع الإنكار ، وما لا فلا.

فرعان :

الأول : إذا ادعى إحالة الغائب عليه فصدقه احتمل وجوب الدفع ، لأن الحوالة ناقلة للمال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، وقد اعترف الغريم بالحوالة فيكون قد اعترف بمال في ذمته فيجب دفعه اليه ، وهو المعتمد.

ويحتمل عدم وجوب الدفع ، لاحتمال إنكار المحيل الحوالة فلا يجبر الغريم بالدفع ، وهو ضعيف ، لأن احتمال إنكار الحوالة - بل تحقق إنكارها - لا يوجب إسقاط حق المحتال عليه ، والفرق بين دعوى الحوالة ودعوى الوكالة ظاهر ، لأن دعوى الحوالة يتضمن إثبات حق لنفسه وقد اعترف له ، فيجب دفعه اليه ، ودعوى الوكالة تتضمن استحقاق إثبات يده على مال الغير.

الثاني : لو ادعى انه وارث الغريم ولا وارث سواه ، فان صدقه وجب الدفع وان كذبه وجبت اليمين ، فان دفع المال وظهر وارث سواه فلا غرم ، فان كان لتصديقه إياه غرم حصة الوارث.

ص: 351


1- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 أبواب الإقرار ، حديث 2.

ص: 352

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو ادعى بعد ذلك ان تلف المال قبل الامتناع ، أو ادعى الرد قبل المطالبة ، قيل : لا تقبل دعواه ولو أقام بينة ، والوجه انها تقبل.

أقول : إذا طالب الموكل الوكيل بالرد فقال : ( غدا أرده عليك ) مع تمكنه من رده في الحال كان ضامنا ، فان ادعى بعد ذلك التلف ، وذكر انه قبل المطالبة وادعى انه ردّه قبل (1) لم يقبل قوله ، لأنه صار ضامنا بتأخيره للرد مع الإمكان ، فإن أقام بينة قال الشيخ : فيه وجهان :

أحدهما : أنها تقبل ، وهو الصحيح ، واختاره المصنف ، لأنه أقامها على تلف أو رد ، ولو صدقه عليه لا يدفع عنه الضمان ، فمع التكذيب تقبل البينة ، وقيل : لا تقبل دعواه ولا بينة (2) ، لأنه مكذب لها بقوله : ( أرده عليك ) فلا تكون مقبولة ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : كل من في يده مال لغيره أو في ذمته له أن يمتنع من التسليم

ص: 353


1- في « ن » و« ر 2 » : قبلها.
2- كذا في النسخ.

حتى يشهد صاحب الحق بالقبض ، ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده وما لا يقبل إلا بينة. الى آخر المسألة.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، إلا أنه قيد في التحرير ما لم يؤد الإشهاد إلى تأخير الحق ، قال : فإن ادى الى التأخير ، فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل قوله فيه مع اليمين ، فإن أخر ضمن ، وأطلق في القواعد كما أطلق المصنف.

وقيل بالتفصيل فان كان الحق مما يقبل القول في رده مع اليمين من غير بينة ليس له الامتناع من التسليم لأجل الإشهاد ، لعموم وجوب دفع الحق إلى مستحقه عند الطلب ، خرج منه ما لا يقبل القول بردّه إلا بالبينة حذرا من الإنكار المؤدي إلى غرم المال ، وان كان الحق مما يقبل القول بردّه جاز ذلك ، والمشهور الجواز مطلقا ، لأن مع الإنكار يفتقر الى اليمين وهي محظورة (1) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن ، ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن ، وفيه تردد.

أقول : الفرق بينهما ان الوداعة مبنية على الإخفاء والكتمان ، وقضاء الدين مبني على الظهور والإعلان ، قال الشيخ رحمه اللّه : ولو امره بقضاء الدين فلم يشهد ضمن بترك الاشهاد وان صدقه على القضاء ، لأنه فرط حيث دفع دفعا غير مبرئ ، ومنشأ التردد من الوجه الذي ذكره بترك الاشهاد الشيخ ، ومن انه امتثل ما امره به وهو القضاء ، والجحود من القابض لا يوجب الضمان على الدافع ، والبراءة في نفس الأمر قد وقعت ، والأول هو المشهور.

فرع : لو أنكر الودعي الوديعة فصدقه الموكل ، وادعى على الوكيل عدم

ص: 354


1- في « ن » : محروزة ، وفي « ر 2 » : محذورة.

الإيداع ، كان القول قول الوكيل ، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما هو وكيل فيه وليس للوكيل ان يحلف الودعي ، لأنه لا يدعي عليه حقا لنفسه ولا لموكله ، لأن موكله لا يدعي عليه شيئا ، لأنه مصدقه على عدم دفع الوكيل اليه ، والوكيل لا يغرم شيئا بحيث يرجع عليه فيه ، ومع عدم تصديق الموكل للودعي تكون المخاصمة للموكل دون الوكيل.

قال رحمه اللّه : إذا اذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز ، وفيه تردد ، وكذا في النكاح.

أقول : قد مضى البحث في هذا في كتاب البيع (1) ، والمنع مذهب الشيخ وابن إدريس وابن الجنيد ، والجواز مذهب المصنف والعلامة ، ومنشأ التردد من ان البيع يفتقر إلى إيجاب وقبول ، ولا يتصور إلا من اثنين ، فالشخص الواحد لا يكون موجبا قابلا.

وأجيب بأن الشخص الواحد إذا كان موجبا باعتبار البيع قابلا باعتبار الشراء كان قائما مقام اثنين.

وصورة العقد هنا ان يقول : بعت هذه العين عن موكلي من نفسي بدينار مثلا ، قبلت البيع لنفسي ، وكذا النكاح ، فيقول : زوجت موكلتي من نفسي بكذا ، قبلت الزواج لنفسي.

ص: 355


1- ص 17.

ص: 356

في التنازع

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا اختلفا في رد المال الى الموكل ، فان كان بجعل كلف البينة ، لأنه مدعي ، وان كان بغير جعل ، قيل : القول قوله كالوديعة ، وهو قول مشهور ، وقيل : القول قول المالك ، وهو الأشبه.

أقول : لا يخلو الوكيل من أحد أمرين اما ان يكون وكيلا بجعل أو بغير جعل : الأول ان يكون بجعل ، وقد افتى المصنف في كتابيه ان القول قول الموكل ، وهو المشهور ، وقال الشيخ في المبسوط : فيه وجهان : أحدهما أن القول قول الموكل ، لأن الوكيل قبض المال لمنفعة نفسه وهو الجعل فهو كالمرتهن والمستعير. والثاني : ان القول قول الوكيل ، لأنه قبض العين لمنفعة الموكل ، بخلاف المرتهن والمستعير ، لأن حقهما متعلق بالعين.

الثاني : ان يكون بغير جعل ، وهذا (1) - قال (2) الشيخ - : يكون قوله مقبولا في الرد ، لأنه قبض العين لمنفعة الموكل دون منفعة نفسه فهو كالمودع ، واختاره

ص: 357


1- في « ر 2 » : وبهذا.
2- في « ن » : قول.

المصنف في المختصر. وقال ابن إدريس : القول قول الموكل لعموم قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (1) ، خرج منه الودعي بالإجماع ، يبقى الباقي داخلا في العموم ، واختاره المصنف هنا ، وهو مذهب العلامة وقواه فخر الدين.

قال رحمه اللّه : إذا ادعى الوكيل التصرف وأنكر الموكل ، مثل ان يقول : بعت أو قبضت ، قيل : القول قول الوكيل ، لأنه أقر بماله أن يفعله ، ولو قيل : أن القول قول الموكل أمكن ، لكن الأول أشبه.

أقول : إذا ادعى الوكيل بيع العين التي وكّل في بيعها أو قبض الثمن الذي وكل في قبضه ، وادعى انه قد تلف بعد القبض فأنكر الموكل دعواه ، كان القول قول الوكيل على قول مشهور بين الأصحاب ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ويحتمل ان يكون القول قول الموكل ، لأنه إقرار في حق الغير فلا يلزم به ، لكن الأول هو المشهور.

قال رحمه اللّه : إذا زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه ، ويلزم الوكيل مهرها ، وروي نصف مهرها ، وقيل : يحكم ببطلان العقد في الظاهر ، ويجب على الموكل أن يطلقها إن كان يعلم صدق الوكيل وان يسوق لها نصف المهر ، وهو قوي.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب المهر كملا على الوكيل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وقواه ابن إدريس ، لأن المهر يثبت جميعه بالعقد وانما ينتصف بالطلاق ، وليس هنا طلاق ، لأن (2) الوكيل منع حقها بترك الاشهاد على الوكالة

ص: 358


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 3.
2- في « ر 1 » : ولأن.

فيكون ضامنا.

الثاني : وجوب نصف المهر على الوكيل ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، لأنها فرقة قبل الدخول ، فيكون كالطلاق ، ولرواية عمر بن حنظلة (1) ، عن الصادق عليه السلام.

الثالث : بطلان العقد في الظاهر ، ولا يجب على الوكيل شي ء كما لو اشترى عينا مدعيا وكالته فأنكر الوكالة ، فإن القول قوله ويبطل البيع ولا يغرم الوكيل شيئا ، ولأن التفريط ليس من الوكيل ، بل هو منسوب إليها كيف أجابت إلى التزويج بمن لم تثبت وكالته شرعا.

وإذا حكم ببطلان العقد في الظاهر يبقى الموكل فيما بينه وبين اللّه تعالى ، فان كان وكل وجب عليه ان يطلقها ويدفع اليه نصف مهرها ، فان لم يفعل كان مأثوما عند اللّه تعالى ، وهذا القول نقله المصنف هنا والعلامة ، ولم يسميا قائله ، وقواه المصنف هنا ، والعلامة في المختلف ، وهو قوي لمناسبته لأصول المذهب ، ولا يضمن الوكيل شيئا إلا ان يضمن لها بعد العقد ، فحينئذ يغرم الجميع ، وله مقاصة (2) الموكل ان كان صادقا في الوكالة واذن له في الضمان ، وإلا فلا.

فروع :

الأول : إذا لم تعلم المرأة صدق الوكيل جاز لها التزويج ظاهرا ، وان علمت صدقه لم يجز لها ان تتزوج إلا مع الطلاق ، فلو لم يطلق لم يجبر عليه وفسخ الحاكم العقد ، فان لم يكن هناك حاكم فسخت هي دفعا للضرورة.

الثاني : لو طلقها وسماها عند الطلاق ، بأن قال : ( زوجتي فلانة طالق ) ، كان إقرارا بالنكاح ، ويجب دفع نصف المهر الى الوكيل ان كان قد غرمه ، وإلا الى

ص: 359


1- الوسائل ، كتاب الوكالة ، باب 4 في أحكام الدعوى ، حديث 1.
2- في « ر 2 » و« ن » : معاوضة.

المرأة.

الثالث : لا يجوز للوكيل ان يتزوجها في موضع يحكم ببطلان العقد ظاهرا من غير طلاق ، ولا فسخ ان كان صادقا في دعواه لعلمه انها ذات بعل ما لم يمت الموكل ، فتحل له حينئذ بعد العدة بالنسبة إليه لا إليها.

الرابع : لو ادعى أن فلانا الغائب وكله في زواج امرأة فزوجها له ، ثمَّ مات الغائب

لم ترثه إلا ان يصدقه الورثة أو تقوم بذلك بينة ، ويجب عليها العدة للزوم العقد قبل موته وإنكاره ، وانما منعت من الإرث ، لأن الأصل عدمه ما لم يتحقق السبب الموجب له وهو غير متحقق ، وليس كذلك لو زوجها فضوليا ثمَّ مات الزوج قبل الإجازة أو الفسخ ، فان هنا لا يجب عليها العدة وان كان العقد لازما من جهتها ، لأنها هنا أوقعت عقدا غير لازم للزوج حالة وقوعه ، وانما هو موقوف على اجازته ، وهناك أوقعت عقدا لازما له في زعمها حالة وقوعه ، وانما تجدد له الفسخ ظاهرا بسبب الإنكار للوكالة ، والأصل عدمه ، فالفرق حاصل بين عقد يعتقد لزومه حالة وقوعه ، وبين عقد يعتقد عدم لزومه حالة وقوعه.

قال رحمه اللّه : لو وكل بقبض دينه من غريم له ، فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، فالقول قول الموكل ، وفيه تردد.

أما لو أمره ببيع سلعة وتسليمها وقبض ثمنها ، فتلف من غير تفريط فأقر الوكيل بالقبض وصدقه المشتري وأنكر الموكل ، فالقول قول الوكيل ، لأن الدعوى هنا على الوكيل من حيث انه سلم المبيع لم يتسلم الثمن ، فكأنه يدعي ما يوجب الضمان ، وهناك الدعوى على الغريم ، وفي الفرق نظر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا وكل وكيلا في استيفاء دين له على إنسان ، فقال : استوفيته وصدقه الغريم وأنكر الموكل ، نظر فان قال : استوفيته وهو قائم بيدي فحده ، كان

ص: 360

عليه قبضه من الوكيل ولا معنى لهذا الاختلاف ، وان قال استوفيته وتلف من غير تفريط ، وأنكر الموكل الاستيفاء احتمل ان يكون القول قول الموكل ، لأصالة بقاء الحق فلا يقبل تصادق الوكيل والغريم إلا ببينة ، لأن قولهما على خلاف الأصل ، ويحتمل ان يكون القول قول الوكيل ، لأنه اختلاف في التصرف المأذون فيه ، وهو أمين فيكون قوله مقبولا فيه.

وفتوى الأصحاب على ان القول قول الموكل في هذه المسألة إلا فخر الدين ، فإنه اختار ان القول قول الوكيل ، واتفقت فتاويهم على ان القول قول الوكيل ، إذا اختلفا في التصرف المأذون فيه.

الثانية : إذا أمره ببيع سلعة وتسليمها إلى المشتري وقبض الثمن منه فادعى أنه باعها وقبض ثمنها ثمَّ تلف الثمن من غير تفريط ، فأنكر الموكل قبض الثمن من المشتري ، فالقول قول الوكيل على ما تطابقت عليه فتاوي الأصحاب ، لأن الوكيل لا يجوز ان يسلم المبيع حتى يتسلم الثمن ، فلو فعل ذلك كان مفرطا فيصير ضامنا فإذا أنكر الموكل قبض الوكيل للثمن بعد ثبوت قبض المشتري للسلعة يكون قد ادعى خيانة الوكيل وتفريطه حيث قدم على فعل غير جائز ، وهو تسليم المبيع قبل قبض الثمن ، والأصل عدم الخيانة والتفريط.

قال المصنف : ( وفي الفرق نظر ) ، وجه النظر ان الدعوى هنا على المشتري أيضا ، كما ان الدعوى هناك على الغريم ، ووجه قبول قول الموكل في صورة استيفاء الدين كون الدعوى على غير الوكيل وهي هنا كذلك. هذا وجه عدم الفرق الذي نظره رحمه اللّه ، وهو ضعيف ، لأنه لو قلنا ان القول قول الموكل هنا ، وتعذر استيفاء الثمن من المشتري رجع على الوكيل لتفريطه بخلاف صورة استيفاء الدين فإنه إذا تعذر استيفاؤه من الغريم ليس على الوكيل شي ء ، فالفرق ظاهر.

قال رحمه اللّه : ولو ظهر في المبيع عيب ، ردّها على الوكيل دون الموكل ،

ص: 361

لأنه لم يثبت وحول الثمن اليه ، ولو قيل برد المبيع على الموكل كان أشبه.

أقول : وجوب رده على الوكيل مذهب الشيخ رحمه اللّه ، وذهب المصنف والعلامة وفخر الدين الى رده على الموكل ، وهو المعتمد ، لأنه ملك للموكل فيكون الرد عليه مع ثبوت الوكالة شرعا ، لأنه قد صار في يد وكيله ، فهو كما لو كان في يده ، لأن يد الوكيل يد الموكل ، والمخاصمة بين المشتري والموكل إذا تحققت الوكالة ، فلا وجه لرده على الوكيل.

فرع : إذا رده على الوكيل لجهل المشتري بالوكالة ، فان صدقه الوكيل على سبق العيب لزمه قبوله ولا يمضي تصديقه على الموكل ، فان صدقه الموكل أيضا أو قامت بذلك بينة رده الوكيل على الموكل ، وان كذبه وكان الغيب مما يمكن حدوثه ولا بينة ، كان القول قول الموكل ، فإذا أحلفه لم يملك الوكيل رده عليه ، وان كذب الوكيل المشتري حلف ، فان نكل الوكيل عن اليمين وحلف المشتري رده على الوكيل ، وهل يملك الوكيل رده على الموكل؟ فان قلنا ان اليمين المردودة على المدعى كإقرار الخصم لم يملك رده على الموكل ، وان قلنا انها كالبينة كان له رده عليه.

ص: 362

كتاب الوقوف والصدقات

اشارة

ص: 363

ص: 364

في العقد

قال رحمه اللّه : ولو قال : حبست وسبّلت ، قيل : يصير وقفا وإن تجرد ، لقوله عليه السلام : « حبس الأصل ، وأطلق الثمرة » ، وقيل : لا يكون وقفا إلا مع القرينة ، إذ ليس ذلك عرفا مستقرا بحيث يفهم من الإطلاق ، وهذا أشبه.

أقول : القول بحصول الوقف بقوله : ( حبست وسبلت ) مجردا عن القرينة ، قول الشيخ في الخلاف ، وبه قال السيد المرتضى وابن زهرة ، واختاره العلامة في القواعد ، فالصريح عندهم ثلاثة : ( وقفت وحبست وسبلت ) ؛ لأن ( حبست وسبلت ) ثبت لهما عرف الاستعمال بين الناس ، وللخبر الذي ذكره المصنف.

وقال الشيخ في المبسوط : الذي يقوى في نفسي ان صريح الوقف قول واحد وهو : ( وقفت ) لا غير ، وبه يحكم بالوقف ، واما غيره من الألفاظ فلا يحكم به الا بدليل ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، والعلامة في الإرشاد ، وقواه في التحرير ، وبه قال فخر الدين والشهيد ، وهو المعتمد ، لأصالة بقاء الملك على صاحبه ما لم يتحقق السبب المزيل ، وهو غير متحقق هنا ، والموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على التخصيص ، ولفظ ( حبست وسبلت ) موضوع للتأبيد وغير التأبيد فهو

ص: 365

مشترك ، فلا يحمل على التأبيد من غير قرينة دالة عليه ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه تصدق بداره في بني زريق ، وكتب :

« بسم اللّه الرحمن الرحيم

هذا ما تصدق به أمير المؤمنين على بن ابي طالب ، وهو حي سوي ، وتصدق بداره التي في بني رزيق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها اللّه الذي يرث السموات والأرض ، واسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن ، وإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين » (1).

فغير لفظ الوقف يحتاج إلى قرينة دالة على التأبيد ، كما في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام مثل : « لا تباع ولا توهب حتى يقبض اللّه الأرض ومن عليها » ، وبالجملة كل ما يدل على التأبيد.

وألفاظ الوقف ستة : ( وقفت وحبست وسبلت وحرمت وتصدقت وأبدت ) وكلها تفتقر إلى القرينة عدا ( وقفت ).

قال رحمه اللّه : أما لو وقف في مرض الموت ، فان أجاز الورثة ، وإلا اعتبر من الثلث كالهبة والمحاباة في البيع ، وقيل : يمضي من أصل التركة. والأول أشبه ، ولو وقف ووهب وأعتق وباع فحابى ولم يجز الورثة ، فإن خرج ذلك من الثلث صح ، وان عجز بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي قدر الثلث ، ثمَّ يبطل ما زاد ، وهكذا لو أوصى بوصايا ، ولو جهل المتقدم قيل : يقسم على الجميع بالحصص.

أقول : يأتي تحقيق البحث في هذه إنشاء اللّه تعالى في باب الوصايا (2).

ص: 366


1- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 4.
2- ص 451 من هذا الجزء ، تصرفات المريض.

في الشرائط

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يصح وقف الدنانير والدراهم؟ قيل : لا ، وهو الأظهر ، لأنه لا نفع لها الا التصرف فيها ، وقيل : يصح ، لأنه قد يفرض لها نفع مع بقائها.

أقول : الذهب والفضة إذا كان حليا صح وقفه إجماعا ، والخلاف انما هو في الدراهم والدنانير ، ونقل في المبسوط الإجماع ، إلا ممن شذ على عدم جواز وقفها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن نفعها في إخراجها ، وهو مناف للوقف.

وقيل : يصح مع تقدير المنفعة الحكمية كالتحلي بها. قال العلامة في التحرير : ولو سوغناه ففي جواز عمله حليا للموقوف عليه نظر ، والمعتمد عدم الجواز على القول بالصحة ، لأنه يؤدي الى تغيير عين الوقف ، وهو غير جائز ، ويحتمل الجواز ، لأنه نوع انتفاع مع بقاء العين.

قال رحمه اللّه : ولو وقف ما لا يملكه لم يصح وقفه ، ولو أجاز المالك ، قيل : يصح ، لأنه كالوقف المستأنف ، وهو حسن.

أقول : استقرب العلامة في القواعد صحة الوقف مع الإجازة ، وهو ظاهر

ص: 367

الإرشاد ومنع منه في التحرير ، وهو مذهب الشهيد رحمه اللّه ، وقواه فخر الدين ، قال : لعدم صحة التقرب بمال الغير.

قال رحمه اللّه : وفي وقف من بلغ عشرا تردد ، والمروي جواز صدقته ، والأولى المنع.

أقول : جواز وقف من بلغ عشرا مذهب الشيخ رحمه اللّه وابي الصلاح وابن الجنيد ، لرواية زرارة (1) عن الصادق عليه السلام المتضمنة جواز صدقته والوقف صدقة ، والمنع مذهب سلار وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لعموم الحجر عليه قبل البلوغ (2).

قال رحمه اللّه : ولو بدأ بالمعدوم ثمَّ بعده بالموجود ، قيل : لا يصح ، وقيل : يصح على الموجود ، والأول أشبه.

أقول : إذا كان الوقف منقطع الابتداء متصل الانتهاء ، كأن يقف أولا على من لا يصح الوقف عليه ، ثمَّ على من يصح ، كأن يقف على نفسه أو عبده أو المجهول كأحد هذين ، أو المعدوم ، ثمَّ على الفقراء والمساكين ، قال الشيخ في الخلاف : يبطل الوقف فيمن بدأ بذكره ، لأنه لا يصح الوقف عليه ويصح (3) في حق الباقين ، لأنه يصح الوقف عليهم وقواه في المبسوط ، لأنه ذكر نوعين أحدهما لا يصح الوقف عليه والآخر يصح الوقف عليه فيبطل في حق من لا يصح الوقف عليه ، ويصح في حق من يصح في حقه ، لأن تفريق الصفقة جائز ، فلا مانع من صحة هذا الوقف ، واختار المصنف البطلان ، وهو مذهب العلامة

ص: 368


1- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 15 في أحكام والوقوف والصدقات ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الحجر ، الباب 1 ، حديث 4.
3- من « ن » ، وفي « ر 2 » : وهل يصح ، وباقي النسخ : فيبطل.

وفخر الدين ، وهو المعتمد ، لأنه لا مقر له في الحال ، فيكون باطلا.

فروع :

الأول : إذا قلنا بصحة الوقف فيمن يصح في حقهم ، هل تصرف منفعة الوقف إليهم في الحال؟ قال الشيخ في المبسوط : ينظر فان كان الذي بطل الوقف في حقه لا يمكن انقراضه كالمعدوم والميت فإن منفعة الوقف تصرف الى من يصح في حقهم في الحال ، ويكون أولئك بمنزلة المعدوم الذي لم يذكر في الوقف ، فان كان الموقوف عليه أولا يمكن انقراضه كالعبد ، فمنهم من قال يصرف إليهم في الحال ، لأنه لا مستحق غيرهم ، وهو الأصح ، ومنهم من قال لا يصرف إليهم في الحال ، لأنه انما جعل منفعة الوقف لهم بشرط انقراض من قبلهم ، والشرط لم يوجد ، فيصرف الى الفقراء والمساكين مدة بقاء الموقوف عليه أولا ، ثمَّ إذا انقرض رجعت إليهم ، هذا جميعه قول الشيخ في المبسوط ، وهذا الفرع ساقط سقوط أصله.

الثاني : لو انقطع وسط الوقف ، [ احتمل الصحة في الطرفين ] كما لو وقف على زيد ثمَّ على عبده ثمَّ على الفقراء والمساكين ، احتمل الصحة في الطرفين فيصرف (1) منفعته في الوسط الى الواقف أو وارثه ولو كان منقطع الطرفين ، فهو كمنقطع الأول.

الثالث : إذا وقف على ما ولده سنة ثمَّ على الفقراء والمساكين صح ، لأنه مؤبد في طرفيه ووسطه.

الرابع : إذا وقف على أولاده وشرط ان يكون غلة العام الأول لزيد ، والعام الثاني لعمرو ، وهكذا ، وبعدهم على الفقراء والمساكين ، العام الأول لعلمائهم ، والثاني لزهادهم ، والثالث لعبادهم ، صح ولزم الشرط.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على المؤمنين انصرف الى الاثني عشرية ، وقيل :

ص: 369


1- من « ن » ، وفي « ر 2 » : وتصرف ، وفي الباقي من النسخ : وصرف.

إلى مجتنبي الكبائر ، والأول أشبه.

أقول : لا خلاف في انصرافه إلى الاثني عشرية القائلين بإمامة الاثني عشر عليهم السلام ، وانما الخلاف في اشتراك الجميع أو اختصاص مجتنبي الكبائر منهم.

قال الشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج وابن حمزة : باختصاص مجتنبي الكبائر منهم ، وقال سلار وابن إدريس : باشتراك الجميع ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن الفسق لا يخرج المؤمن عن إيمانه.

وقال العلامة في المختلف : والتحقيق ان الإيمان ان جعلناه مركبا من الاعتقاد القلبي والعمل بالجوارح لم يكن الفاسق مؤمنا ، وان جعلناه عبارة عن الأول كان مؤمنا ، قال : وهو الحق عندي.

قال رحمه اللّه : ويشترك الذكور والإناث المنتسبون إليه من جهة الأب نظرا إلى العرف ، وفيه خلاف للأصحاب.

أقول : إذا قال : وقفت على الهاشميين أو العلويين أو الحسينيين ، كان لمن انتسب الى هاشم أو علي أو الحسين بن علي ، ويشترك الذكور والإناث في ذلك ما لم يحصل التفصيل ، وهل يشترط الانتساب بالأب أو يدخل المنتسب بالأم؟.

اختلف الأصحاب في ذلك ، والمشهور اختصاص المنتسب بالأب والأم أو الأب خاصة دون المنتسب بالأم خاصة ، وقال السيد المرتضى : يدخل المنتسب بالأم خاصة ، ويشارك أهل الوقف ، وقد مضى تحقيق ذلك في باب الخمس (1) فلينظر من هناك.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على جيرانه يرجع إلى العرف ، وقيل : لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا ، وهو حسن ، وقيل : إلى أربعين دارا من كل جانب ، وهو

ص: 370


1- تقدم في الجزء الأول ص 297 - 298.

مطرح.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : الرجوع الى العرف ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، لأن مع تعذر الحقيقة الشرعية يرجع الى العرف.

الثاني : مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس.

الثالث : قول بعض الأصحاب ، وهو منقول عن عائشة ، وهو متروك.

فروع :

الأول : هل يشترط ملك الجار للدار ، حتى لو كان مستأجرا أو مستعيرا لم يستحق من الوقف شيئا؟ يحتمل ذلك ، لأن الجار الحقيقي هو مالك (1) الدار دون مستعيرها ومستأجرها. ويحتمل استحقاق المستعير والمستأجر لصدق اسم المجاورة عرفا ، اما الغاصب فالأقرب عدم دخوله ، لأنه مأمور بالخروج في كل آن فلا يصدق عليه المجاورة ، وعلى القول باستحقاق المستأجر والمستعير لو خرجا خرجا عن الوقف.

الثاني : إذا باع الملك (2) خرج عن الوقف ويصير للمشتري لصيرورته جارا.

الثالث : لو لم تكن الدار مسكونة ، هل يستحق مالكها شيئا من الوقف؟ يحتمل ذلك لصدق اسم المجاورة بالملك ، فإنه يجوز ان يقال : فلان جار فلان إذا كانت داره الى جانب داره وان لم تكن مسكونة ، ويحتمل العدم ، لأن المجاورة في العرف انما تكون مع السكنى به دون الملك ، ولهذا يصدق على المستأجر والمستعير

ص: 371


1- من « ن » ، وفي النسخ : المالك.
2- من « ن » ، وفي النسخ : مالك.

بأنه جار.

الرابع : لو كان في داره اثنان فصاعدا دخلوا في الوقف لصدق المجاوزة.

الخامس : لا يخرج صاحب الدار عن الوقف بسفره المتقطع ، ولا في تردده بالسكنى بينها وبين غيرها.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على بني تميم صح ويصرف الى من يوجد منهم ، وقيل : لا يصح لأنهم مجهولون ، والأوّل هو المذهب.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا وقف على بني تميم أو بنى هاشم صح الوقف ، وان كانوا غير محصورين كالفقراء والمساكين ، قال : وفي الناس من قال : انه لا يصح ، لأنه مجهول. وقال ابن حمزة : لا يجوز الوقف على بنى فلان ، وهم غير محصورين في البلاد ، والمشهور الجواز ، وهو المعتمد لوقوع الإجماع على صحة الوقف على الفقراء والمساكين وعلى المسلمين والمؤمنين ، ولا شك في انتشارهم وعدم انحصارهم.

ويجب إعطاء ثلاثة فما زاد ولا يجزي أقل من ثلاثة ، ولا يجب الزائد عليها ، وكذا حكم كل قبيلة منتشرة ، ولا يجب التسوية بين المدفوع إليهم ، بخلاف المحصورين فإنه يجب التسوية والاستيعاب (1) ، ولو كانوا منحصرين ثمَّ انتشروا وجب استيعاب ما أمكن ، لأن الواقف أراد التسوية والتعميم في ابتداء وقفه لكونه ممكنا لانحصار الموقوف عليه ، فاذا تعذر بعد ذلك وجب العمل بما أمكن بخلاف المنتشرين ابتداء ، لأن الواقف لم يقصد التعميم ولا التسوية لتعذره في حق المنتشرين ، فلا يجب أكثر من أقل الجمع ، ولا يكفي دونه.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على الذمي جاز ، لأن الوقف تمليك فهو كإباحة المنفعة ، وقيل : لا يصح ، لأنه يشترط فيه نيّة القربة إلا على أحد الأبوين ، وقيل :

ص: 372


1- في « ن » : الاستيعاب.

يصح على ذوي القرابة ، والأوّل أشبه ، وكذا يصح على المرتد ، وفي الحربي تردد ، أظهره (1) المنع.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في جواز الوقف على الذمي ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك على أربعة أقوال :

الأول : الجواز مطلقا ، وهو مذهب المصنف والشهيد ، لقوله تعالى ( لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) (2).

الثاني : انه يصح على ذي الرحم دون الأجنبي ، وهو مذهب الشيخين للحث على صلة الأرحام.

الثالث : يصح على الوالدين دون غيرهم ، واختاره ابن إدريس ، لقوله تعالى ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (3) ، وللحث على برّهما ، ثمَّ رجع بعد ذلك الى مذهب الشيخين ، وهو يدل على اضطرابه في هذه المسألة.

الرابع : المنع مطلقا ، واختاره فخر الدين لقوله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (4) الآية وهي دالّة على النهي عن مودة الكافر وان كان أبا.

الثانية : في المرتد عن غير فطرة ، ذهب المصنف والعلامة في القواعد الى جواز الوقف عليه ، ووجه الصحة كون الوقف صدقة ، وهي جائزة على المرتد

ص: 373


1- في بعض النسخ : أشبهه.
2- الممتحنة : 8.
3- لقمان : 15.
4- المجادلة : 22.

من غير فطرة ، لأنه له أهلية التمليك ، ولعموم : « على كل كبد حرى أجر » (1). ويحتمل المنع لكونه كافرا ، واختاره فخر الدين.

الثالثة : في الحربي ، لا خلاف في عدم جواز الوقف على الأجانب ، وانما الخلاف في جوازه على الأقارب ، قال الشيخان : بجوازه عليهم سواء كانوا أبوين أو غيرهما من ذوي الأرحام ، وكذا أبو الصلاح وابن حمزة ، وقال سلار : ووقف المؤمن على الكافر باطل ، وقد روي انه ان كان الكافر أحد أبوي الواقف أو من ذوي رحمه كان جائزا ، والأول لم يثبت ، ومثله قال ابن البراج.

وجزم المصنف في المختصر بعدم جواز الوقف على الحربي ، وهو مذهب العلامة ، ووجه الجواز والمنع ما تقرر في الذمي.

قال رحمه اللّه : وكذا لو جعله لمن ينقرض غالبا ، كأن يقفه على زيد ويقتصر أو يسوقه الى بطون تنقرض غالبا ، أو يطلقه في عقبه ولا يذكر ما يصنع به بعد الانقراض ، ولو فعل ذلك ، قيل : يبطل الوقف ، وقيل : يجب إجزاؤه حتى ينقرض المسمّون ، وهو الأشبه فإذا انقرضوا رجع الى ورثة الواقف ، وقيل : إلى ورثة الموقوف عليهم ، والأوّل أظهر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : من شرط في الواقف التأبيد فإذا جعله لمن ينقرض غالبا ، كما وصفه المصنف ولم يسقه بعد ذلك الى من لا ينقرض كالفقراء والمساكين والمساجد والمشاهد ، هل يصح ذلك؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا وقف على من يصح انقراضه في العادة مثل ان يقف على ولده وله ولد وسكت ، فمن أصحابنا من قال : لا يصح الوقف ، ومنهم من قال : يصح ، والمشهور الصحة ، وهو مذهب الشيخين وابن الجنيد وسلار وابن إدريس وابن حمزة ، واختاره المتأخرون ،

ص: 374


1- عوالي اللئالي 1 : 95 ، حديث 3.

ويكون حبسا أو سكنى أو عمرى بلفظ الوقف ؛ لأنه نوع تمليك وصدقة ، فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ، ولأن تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأول ، وإلا لزم الدور ، لأن تمليك الأول شرط في تمليك الثاني ، فلو كان تمليك الثاني شرطا في تمليك الأول لزم الدور.

واحتج المانعون بأن الوقف مقتضاه التأبيد ، فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول ، فلا يصح كما لو وقفه على مجهول في الابتداء.

الثانية : إذا انقرض الموقوف عليهم ، هل يرجع الوقف إلى ورثة الواقف أو ورثة الموقوف عليهم أو الى وجوه البر؟ فيه ثلاثة أقوال :

الأول : الى ورثة الواقف ، وهو مذهب الشيخ وابن البراج وسلار ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه حبس في الحقيقة لانقراض أربابه ، وحكم الحبس رجوعه الى ورثته عند انقراض المحبس عليهم لعدم خروجه عن ملكه بالكلية.

الثاني : الى ورثة الموقوف عليهم ، وهو مذهب المفيد ( وابن إدريس ) (1) ، لأن الوقف خرج عن ملك الواقف فلا يعود اليه ولا الموقوف عليه تملك الوقف فينتقل الى ورثته بعد موته.

والجواب عدم انتقال الرقبة إلى الموقوف عليه هنا لما بينا من انه حبس في الحقيقة ، وانما ينتقل الوقف الى الموقوف عليه في صورة التأبيد.

الثالث : قال ابن زهرة : ينتقل الى وجوه البرّ لانتقال الوقف عن الواقف وزواله عن ملكه ، ومال إليه العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على أولاده الأصاغر فقبضه يكون قبضه عنهم ، وكذا الجد للأب ، وفي الوصي تردد ، أظهره الصحة.

ص: 375


1- لم يرد في « ن ».

أقول : منشؤه : من انه قائم مقام الأب والجد مع فقدهما ، فيكون حكمه حكمهما ، ومن انه لا يجوز ان يتولى طرفي العقد عند الشيخ وابن إدريس ، وهذا عقد ، والمعتمد الجواز.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على نفسه لم يصح ، وكذا لو وقف على نفسه ثمَّ على غيره ، وقيل : يبطل في حق نفسه ويصح في حق غيره ، والأول أشبه.

أقول : هذا منقطع الابتداء ، وقد مضى (1) البحث فيه.

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا وقف على أولاده الأصاغر جاز أن يشرك معهم وإن لم يشترط ، وليس بمعتمد.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج لرواية عبد اللّه بن الحجاج (2) ، عن الصادق عليه السلام ، والمشهور المنع ، وهو المعتمد لعدم جواز تغيير الوقف ، ولرواية جميل بن دراج (3) ، عن الصادق عليه السلام.

ص: 376


1- ص 368.
2- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 5 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 3.
3- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 4 في أحكام الوقوف والصدقات حديث 2 و7.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو وقف حصته من عبده ثمَّ أعتقه لم يصح العتق لخروجه عن ملكه ، ولو أعتقه الموقوف عليه لم يصح أيضا لتعلق حق البطون به ، ولو أعتقه الشريك مضى العتق في حصته ولم يقوم عليه ، لأن العتق لا ينفذ فيه مباشرة ، فالأولى أن لا ينفذ فيه سراية ، ويلزم من القول بانتقاله الى الموقوف عليهم افتكاكه من الرق ، ويفرق بين عتقه مباشرة وعتقه سراية بأن العتق مباشرة يتوقف على انحصار الملك في المباشر أو فيه وفي شريكه ، وليس كذلك افتكاكه فإنه إزالة للرق شرعا فيسري في باقيه ويضمن الشريك القيمة ، لأنه يجري مجرى الإتلاف ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من عدم ترجيح احد الاحتمالين وقد بين وجههما ، وعدم نفوذ العتق مباشرة وسراية مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في مصنفاته ، وهو المعتمد ، وعلى القول بالانتقال الى اللّه تعالى لا يتوجه احتمال الافتكاك ، وانما يتوجه على القول بانتقاله الى الموقوف عليهم.

قال رحمه اللّه : إذا وقف مملوكا كانت نفقته في كسبه ، اشترط ذلك أو لم

ص: 377

يشترط ، ولو عجز عن الاكتساب كانت نفقته على الموقوف عليهم ، ولو قيل في المسألتين كذلك كان أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : نفقة العبد الموقوف في كسبه إذا لم يشترط أو شرطها في الكسب ، لأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف عليه ، وانما يمكن ذلك ببقاء عينه ، وانما يبقى بالنفقة ، فمقتضى العقد يوجب كون النفقة في كسبه ، هذا إذا كان ذا كسب ، واما إذا عجز عن الكسب فالنفقة على الموقوف عليهم على القول بانتقال الملك إليهم ، وعلى القول بانتقاله الى اللّه تعالى فهي من بيت المال مع عجز العبد عن التكسب.

وظاهره ترجيح كون النفقة على الموقوف عليهم ، سواء كان ذا كسب أو لم يكن لكونه مملوكا لهم والنفقة تابعة للملك ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو جنى العبد الموقوف عمدا لزمه القصاص. الى آخر المسألة.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا جنى العبد الموقوف ، فان كانت الجناية عمدا فلا خلاف في جواز الاقتصاص منه وبطلان الوقف ، وإذا كانت خطأ لم يتعلق برقبته ، لأنه انما يتعلق برقبته من يباع بالأرش ، أما رقبة من لا يباع بالأرش فلا يتعلق بها ، وهذا إجماع وانما الخلاف في محل الدية ، هل هو كسب العبد أو مال الموقوف عليه أو مال الواقف أو بيت المال؟ فيه أقوال :

الأول : تعلقها بمال الموقوف عليه ، وهو بناء على انتقال الملك إليه ، وقد تعذر استيفاء الدية من رقبة المملوك لعدم جواز بيعه ، ولا سبيل إلى إهدار الجناية فيكون في مال المالك.

الثاني : تعلقها بمال الواقف ، وهو بناء على انتقال الملك الى اللّه تعالى ، لأنه

ص: 378

الذي منع الرقبة من تعلق الأرش بها بالعتق ، فيكون ضامنا.

الثالث : تعلقها ببيت المال كالحر المعسر ، وهو بناء على انتقال الملك الى اللّه تعالى أيضا.

الرابع : تعلقها بكسبه ، لأنه أقرب الأشياء الى رقبته ، فاذا تعذر تعلقها برقبته تعلقت بما هو أقرب الأشياء إليها ، وهذا هو المعتمد ، لأنه لا يجوز إهدار الجناية ولا تعلقها برقبة العبد لعدم جواز بيعه بها ولا بمال المولى ، لأن المولى لا يعقل عبدا ، فوجب تعلقها بالكسب ، وقال العلامة في المختلف : ويحتمل تعلقها بالرقبة وتباع فيه كما تقبل في العمد والبيع أدون من القتل ، وهذا الاحتمال لم يقل به احد ، ولو لم يكن له كسب كان الاحتمال قويا.

فرع : لو كانت الجناية عمدا هل يتخير المجني عليه بين القتل والعفو والاسترقاق كما يتخير في الطلق أو يتحتم القتل أو العفو دون الاسترقاق؟ يحتمل ذلك لوجوب دوام الوقف بدوام الحياة في الحيوان ، لأنه يقتضي التأبيد ، وهو مانع من تملك غير الموقوف عليه للوقف ما دام موجودا ، ويحتمل جواز الاسترقاق ، لأن له ابطال الوقف بقتله ، فإبطاله مع بقاء الحياة أولى ، لأنه عفو ، وهو حسن ، والأول أقوى.

الثانية : في الجناية على العبد الموقوف ، فاذا جنى عليه فلا خلاف في وجوب أرش الجناية على الجاني ، وانما الخلاف في مصرفها ، قال الشيخ في المبسوط : قال قوم يشتري بها عبدا آخر ويقام مقامه ، سواء قيل بانتقال الملك الى اللّه تعالى أو الى الموقوف عليه ، لأن حق البطون الأخر متعلق برقبة العبد ، فاذا فاتت أقيم غيرها بقيمتها مقامها ، ومنهم من قال بنقل القيمة إليه ، قال : وهو الأقوى ، لأنا قد بينا ان ملكه له ، والوقف لم يتناول القيمة. هذا كلامه في المبسوط ، وهو يدل على اختياره انتقال القيمة إلى الموقوف عليه ، ويكون ملكا

ص: 379

له كالنماء ، واختاره المصنف.

والعلامة اختار ان يشتري بها غيره ويقام مقامه ، لأن البطن الأول لا يملك الوقف على الخصوص ، ولهذا ان البطن الثاني يتلقى الوقف من الواقف لا من البطن الأول.

وهنا فروع :

الأول : على القول بتملك البطن الأول للقيمة يجوز لهم العفو ، وعلى القول بوجوب شراء بدله ليس لهم العفو.

الثاني : على القول بوجوب الشراء يتولاه الناظر الخاص ، وهو الذي جعل الواقف النظر اليه ، ومع فقده يتولاه الناظر العام ، وهو الامام عليه السلام أو من يقوم مقامه ، وهو حاكم الشرع ، ومع التعذر يتولاه الموقوف عليه.

الثالث : لا يفتقر هذا العبد المشترى الى وقف جديد ، بل يصير وقفا بنفس الشراء ، لأنه بدل من الوقف ، لأنه انما اشتري ليكون وقفا فلا يفتقر الى وقف ، وهو مذهب فخر الدين ، والشهيد في شرح الإرشاد.

الرابع : يجب ان يكون البدل من جنس المبدل ، ويجب المماثلة ما أمكن حتى في الذكورة والأنوثة.

الخامس : لو لم تف قيمة الأول بعبد اشترى بها شقص عبد يكون وقفا ، ولو فضل عن قيمة العبد اشترى بها شقص (1).

قال رحمه اللّه : إذا كان له موال من أعلى - وهم المعتقون له - وموال من أسفل - وهم الذين أعتقهم - ثمَّ وقف على مواليه ، فإن علم أنه أراد أحدهما انصرف إليه ، وإن لم يعلم انصرف إليهما.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ وابن إدريس

ص: 380


1- كذا.

والمصنف ، لأن الاسم متناولهما ، وذهب العلامة إلى البطلان عند عدم القرينة الدالة على إرادة أحدهما ، لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر ، فلا يمكن حمله عليهما ، لأن الاسم يقع عليهما بمعنيين مختلفين كالاسماء المشتركة مثل العين ، والاسم المشترك لا يمكن حمله على جميع مسمياته ، وحمله على البعض دون البعض من غير قرينة ترجيح (1) من غير مرجح ، فيبطل ، لأنه يجري مجرى الوقف على احد هذين.

قال رحمه اللّه : ولو وقف على أولاده انصرف الى أولاده لصلبه ولم يدخل معهم أولاد الأولاد ، وقيل : بل يشترك الجميع ، والأول أظهر.

أقول : إذا قال : ( وقفت على أولادي ) ، فلا يخلو إما ان يحصل قرينة دالة على اختصاص البطن الأول ، مثل ان يقول : ( على أولادي لصلبي أو الذي يلوني ) ، أو تحصل قرينة دالة على التشريك ، كما لو قال : ( وقفت على أولادي ) ، وليس له أولاد لصلبه ، بل أولاد أولاد ، أو قال : ( ويفضل أولاد الأكبر أو الأعلم على غيرهم ) ، أو قال : ( فإذا خلفت الأرض من عقبي فهو للمساكين ) ، أو قال : ( أو يفضل أولاد الذكور على أولاد الإناث ) ، أو قال : ( ويفضل الأعلى من يليه ) ، أو ما شابه ذلك من القرائن الدالة على التشريك ، أو يتجرد اللفظ عن القرائن الدالة ، ولا شك في وجوب اتباع القرائن في التخصيص والتشريك.

والبحث انما هو مع تجرد اللفظ عن القرائن ، وهنا قال الشيخ في المبسوط وابن الجنيد بتخصيص البطن الأول ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والمختلف ، وهو المعتمد ، لأن اللفظ إذا أطلق حمل على الحقيقة دون المجاز ، ولا يجوز ان يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير قرينة دالة على المجاز وليس.

ولا شك في ان الولد حقيقة هو ولد الصلب المتكون من نطفته دون ولد

ص: 381


1- في « ن » ، وفي باقي النسخ : ترجح.

الولد ، لأن إطلاق اسم الولد عليه مجاز ، ولهذا يصح سلبه عنه ، فإنه يصح ان يقال : ( هذا ليس : بولدي ، بل ولد ولدي ) ، وصحة النفي من علامات المجاز.

وقال المفيد وابن البراج وابن إدريس يشترك الأولاد وأولاد الأولاد ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن اسم الولد شامل للولد من الصلب ولولد الولد ، ولقوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (1) ، وهو شامل لأولاد البنين وإن سفلوا ، ولقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (2) ، وهو شامل للبنت وبنت البنت وان نزلت ، ومثل هذا كثير في القرآن ، والمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي ان يحمل على المطلق من كلام اللّه تعالى ، ومطلق كلام اللّه تعالى دال على دخول أولاد الأولاد في لفظ الأولاد ، فيحمل عليه كلام الآدمي.

قال رحمه اللّه : ولو قال : على أولادي فإذا انقرضوا وانقرض أولاد أولادي فعلى الفقراء ، فالوقف لأولاده ، فإذا انقرضوا ، قيل : يصرف إلى أولاد أولاده ، فإذا انقرضوا فإلى الفقراء ، وقيل : لا يصرف إلى أولاد الأولاد ، لأن الوقف لم يتناولهم لكن يكون انقراضهم شرطا لصرفه إلى الفقراء ، وهو أشبه.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ، ثمَّ قوى الأول ، لأنه شرط انقراض أولاد الأولاد ، وذلك بظاهره يدل على انه وقف عليهم ، فهو كما لو صرح به ، والمصنف ذهب الى الثاني ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد ، ووجهه ما قاله المصنف فيكون الوقف منقطع الوسط ، ففي حال انقطاعه تصرف غلته الى الواقف ، ان كان ، وإلا إلى ورثته.

قال رحمه اللّه : وإذا وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز

ص: 382


1- النساء : 11.
2- النساء : 23.

بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا يخشى خرابه ، بل كان البيع أنفع ، قيل : يجوز بيعه ، والوجه المنع ، ولو انقلعت شجرة من الوقف ، قيل : يجوز بيعهما لتعذر الانتفاع الا بالبيع ، وقيل : لا يجوز لإمكان الانتفاع بالإجارة للسقف وشبهه ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز بيع الوقف إذا وقع بين الموقوف عليهم خلف وخشي خرابه ، وتحقيق البحث ان الأصحاب قد اختلفوا هنا على ستة أقوال :

الأول : جواز بيعه إذا حدث (1) للموقوف عليهم ما يمنع الشرع عن معونتهم والقربة الى اللّه تعالى بصلتهم ، وهو قول المفيد رحمه اللّه ، وهو محمول على ان الواقف قصد معونة الموقوف عليهم لصلاحهم وديانتهم ثمَّ يخرج أربابه عن هذا الوصف الى حد الكفر ، فحينئذ يمكن خروجهم عن الاستحقاق ، ولأن الوقف صدقة والصدقة يشترط التقرب بها الى اللّه تعالى ، فمن لا يصح التقرب عليه لا يصح الوقف عليه ، فيبطل الوقف في حقهم ويرجع طلقا.

الثاني : جواز بيعه إذا كان البيع انفع لهم وأردف وارد (2) عليهم من تركه ، وهو قول المفيد أيضا ، وكأنه عول على رواية جعفر بن حسان ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقف غلة على قرابته من أبيه وقرابته من امه ، فللورثة أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا أو اختلفوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال : نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا باعوا » (3) ، فهذه الرواية دالة على جواز البيع إذا كان انفع لهم من بقائه.

ص: 383


1- في « ر 2 » : أحدث.
2- في « ن » و« ر 2 » : وارف.
3- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 8 مع ، وفيه ( حنان ) بدل ( حسان ).

الثالث : جواز بيعه إذا حصل لأربابه ضرورة شديدة إلى ثمنه ، ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة ، وهو قول السيد المرتضى والمفيد وسلار وابن حمزة ، لأن الواقف قصد بالوقف نفع الموقوف عليهم ودفع حاجتهم ، وإذا لم يمكن دفع حاجتهم الا بالثمن جاز بيعه.

الرابع : جواز بيعه إذا وقع بين أربابه فتنة وخشي خرابه ، ولا يمكن انسدادها بدون بيعه ، وهو قول الشيخين ، واختاره العلامة ، وهو ظاهر المصنف ، لأن المقصود من الوقف استيفاء منفعته فاذا تعذرت جاز بيعه تحصيلا للغرض ، ولأن الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للمال وتعطيل لغرض الواقف ، ولرواية علي بن مهزيار (1).

الخامس : التفصيل ، وهو ان كان الوقف مؤبدا لم يجز بيعه بحال ، وان كان حبسا على أقوام معينين ، وليس فيه ما يقتضي تأبيده جاز بيعه عند خوف هلاكه ، وإفساده إذا كان بأربابه حاجة ضرورية ، وهو قول ابن البراج ، وابي الصلاح ومحمد بن بابويه ، ويمكن استدلالهم برواية جعفر بن حسان المتقدمة التي استدللنا بها على مذهب المفيد ، لأن مفهومها دال على عدم التأبيد.

السادس : عدم جواز البيع مطلقا ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره فخر الدين لما رواه علي بن راشد ، « قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ، قلت : جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلما وزنت المال خبرت ان الضيعة وقف ، قال : لا يجوز شراء الوقف ولا يدخل الغلة في مالك ، ادفعها الى من أوقفت عليه ، قلت : لا اعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها » (2) ،

ص: 384


1- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 6 أحكام الوقوف والصدقات ، حديث 1 ، وفي المصدر ( أبي علي ) بدل ( علي ).

وما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطيلها ، والمعتمد مذهب المصنف والعلامة.

الثانية : إذا انقلعت نخلة من الوقف ، قال الشيخ : يجوز بيعها ، لأنه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلا على هذا الوجه ، وقال ابن إدريس : يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها بأن يعمل جسرا أو زورقا (1) ، إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها ، ومنع من بيعها ، والمعتمد جواز بيعها مع خروجها عن المنافع بالكلية ، وعدم الجواز مع فرض المنفعة.

تنبيه : إذا بيع الوقف بحيث يجوز بيعه ما يصنع بثمنه؟ قال المرتضى والمفيد : يدفع الى الموجودين ينتفعون به ، وقال العلامة : والأقوى عندي ان أمكن شراء شي ء بالثمن يكون وقفا على أربابه كان أولى ، فإن اتفق مثل هذا الوقف كان اولى ، وإلا جاز شراء مهما كان مما يجوز وقفه ، وان لم يكن (2) صرف الثمن الى التابعين (3) ينتفعون به مهما شاءوا ، ولأن فيه جمعا بين التوصل الى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام ، وبين النصف الدال على عدم جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد.

وإذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص وأمكن بحسب النوع وجب ، لأنه موافق لغرض الواقف وداخل تحت الأول الذي وقع العقد عليه ، ومراعاة الخصوصية بالكلية تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه ، ولأن قصر الثمن على التابعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه ، مع انهم

ص: 385


1- في النسخ : ردنوقا ، وما أثبتناه من السرائر ج 3 ص 167.
2- كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : يمكن.
3- في « ر 2 » : البائعين.

يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الأول ، تعذر وجودهم حالة الاستحقاق. الى هنا كلام العلامة ، وهو المعتمد.

ويتولى البيع والشراء البطن الذي اشترطه الواقف ، فان لم يكن فالحاكم فان لم يكن فالموقوف عليهم ، ويصير وقفا بنفس الشراء على ما اختاره فخر الدين والشهيد ، ولا يفتقر إلى إحداث عقد الوقف بعد الشراء.

قال رحمه اللّه : ولو آجر البطن الأول الوقف إلى مدة ثمَّ انقرضوا في أثنائها. إلى آخر المسألة.

أقول : ( على القول ) (1) بأن الموت لا يبطل الإجارة ، واختار (2) المصنف والعلامة وابنه بطلانها هنا ، ووجهه ما قاله المصنف ، وقد سبق البحث في هذه في باب الإجارة (3) ، واختيار المصنف هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل تصير أم ولد؟ قيل : نعم وتنعتق بموته وتؤخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون ، وفيه تردد.

أقول : إذا وطأ الأمة الموقوفة أحد من أرباب الوقف فأحبلها ، فلا يخلو إما أن يكون الوقف عاما كالوقف على الفقراء والمساكين ، أو خاصا كالوقف على أقوام معينين وعلى عقبهم وما تعاقبوا ، وعلى التخصيص لا يخلو إما ان يكون في طبقة الواطئ أو غيره أو لم يكن ، فالأقسام ثلاثة :

الأول : ان يكون الوقف عاما كالوقف على الفقراء والمساكين فيطأها أحدهم فيحبلها ، فهنا لا تصير أم ولد إجماعا ، ولو كان هناك شبهة وجب المهر جميعه على الفقير الواطئ يقبضه الحاكم ، وله دفعه الى غيره من الفقراء ، ويجوز

ص: 386


1- كذا ، وفي « ر 2 » : لم يرد.
2- في « ر 2 » : واختيار.
3- ص 312.

ان يدفع اليه بعضه لكونه فقيرا ولا يجوز دفع جميعه إليه ، لأن الوقف العام لا يجوز صرف غلته إلى أقل من ثلاثة.

الثاني : ان يكون الوقف خاصا ولا يكون في طبقة الواطي غيره ، فهنا لا يلزمه عقر (1) ، لأنه لا يتعلق بذمته شي ء لنفسه ، فإذا أحبلها هل تصير أم ولد أم لا؟ فيه إشكال ينشأ من انها ملكه ، وقد علقت منه فتصير أم ولد ، ومن أدائه إلى بطلان حق باقي البطون بعتقها بموت مولاها ، واختار فخر الدين صيرورتها أم ولد ، لأن الاستيلاد مبني على التغليب ، وعلى القول به تنعتق بموت مولاها ويؤخذ قيمتها من تركته ، لأنه أتلفها على من بعده من البطون بعد موته ، وهذا على القول بعدم اختصاص البطن الأول بعوض الموقوف ، وعلى القول بالاختصاص لا يؤخذ شي ء لاستحالة غرمه لنفسه ، قاله الشهيد في شرح الإرشاد ، وهو معارض بأن الغرم انما يتحقق بعد موته ، وهو لا يملك شيئا حينئذ ، فلا يتصور غرمه لنفسه بل لغيره من البطون ، وهو مذهب فخر الدين ، وهو لا يتوجه إلا على القول بأن السبب إذا كان عدوانا ضمن فاعله ما يتلف به ، وان كان بعد موته كمن حفر بئرا عدوانا في ملك غيره ، فوقع فيها إنسان بعد موت الحافر فإن الدية تؤخذ من تركة الحافر على ما هو مشهور بين الأصحاب.

وقال عميد الدين : انما يتوجه عتقها بعد موت سيدها ، ويؤخذ ثمنها من تركته إذا كان ولده منها داخلا في الوقف ، فاما إذا كان لم يكن داخلا في الوقف فإنها تعتق لعدم انتقالها الى الولد ، بل الى البطون ، ومذهب فخر الدين عتقها بعد موت الواطئ وأخذ قيمتها من تركته مطلقا ، سواء كان ولدها داخلا في الوقف أو لم يكن.

وجرى بين السيد عميد الدين وبين الشهيد بحث في هذه المسألة ذكره

ص: 387


1- في « م » : عرقه.

الشهيد في شرح الإرشاد ، قال : قلت له ان الأصحاب أطلقوا انها تصير أم ولد ، وحكم أمهات الأولاد العتق بموت المولى من نصيب الولد ، فقال : إذا لم يكن له نصيب منها ، فكيف يقال انها تعتق من نصيبه؟! فقلت : إذا حكم بأنها أم ولد اقتضى موت المولى جري (1) المواريث فيها فصار له فيها نصيب وتعتق من نصيبه ، وطول البحث هنا.

والمعتمد اختيار فخر الدين ، فان كان الولد غير داخل في الوقف جعلت في نصيبه لصيرورتها أم ولد ، وأم الولد موروثة بعد موت المولى وان كان داخلا في الوقف ، هل يحسب القيمة من نصيبه؟ يحتمل ذلك لعموم النص (2) ، واختاره فخر الدين.

ويحتمل العدم ، لأن الوقف صح فيها ولا ينفك إلا بخروجها عن صلاحية الملك ، وهذا الاحتمال ذكره فخر الدين ، وهو ضعيف.

الثالث : ان يكون الوقف خاصا ويكون في طبقة الواطئ غيره ، والحكم على القول بنفوذ الاستيلاد دفع قيمة حصص الشركاء إليهم في الحال أو يشتري به شي ء يكون وقفا ، ولا يجب الصبر الى بعد الوفاة ، وأما حصة الواطئ فالإشكال فيها بعد وفاته كما تقدم ، ويجب عليه حصص الشركاء من المهر يختصون به ، لأنه كان كالمنافع ، وكذا حصصهم من قيمة الولد يوم سقوطه حيا.

ص: 388


1- في « ن » : كون.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاء ، احاديث الباب 6.

في العطيّة

قال رحمه اللّه : ولا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض سواء عوّض عنها أو لم يعوض ، لرحم كانت أو لأجنبي ، على الأصح.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم جواز الرجوع في الصدقة بعد القبض ، سواء كانت فرضا أو نفلا ، وقال الشيخ في المبسوط : صدقة التطوع بمنزلة الهبة في جميع الأحكام ، فكل موضع يجوز الرجوع في الهبة يجوز الرجوع في الصدقة.

والمعتمد الأول لما قاله المصنف : من ان المقصود منها الثواب ، وقد حصل فهي كالمعوض عنها ، وادعى ابن إدريس الإجماع على ذلك ، ولا فرق بين الرحم والأجنبي.

ص: 389

ص: 390

كتاب السكنى والحبس

قال رحمه اللّه : فيلزم بالقبض ، وقيل : يلزم ان قصد به القربة ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب والمعول عليه عندهم اللزوم بالقبض بعد الإيجاب والقبول ، ولا يجوز الرجوع بعد القبض مطلقا ، سواء نوى القربة أو لم ينو ، وهذه الأقوال التي نقلها المصنف ، نقلها العلامة في كتبه ، وفخر الدين وعميد الدين في شرحيهما ، وأبو العباس في المهذب ، كما نقلها المصنف من غير إشارة إلى تخصيص القائل ، ولم ينسبوا شيئا من هذه الأقوال إلى شخص معين ، ونسب المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر القول بعدم اللزوم مطلقا الى الشيخ ، ونسب القول باللزوم مع القربة الى ابي الصلاح ، والمعتمد ما هو مشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولو قال لك سكنى هذه الدار ما بقيت أو حييت ، جاز وترجع الى المسكن بعد موت الساكن على الأشبه.

أقول : حكى الشيخ رحمه اللّه في المبسوط أن في هذه المسألة قولين : أحدهما بطلان الوقف ، والآخر الصحة ، ثمَّ القائلون بالصحة اختلفوا فمنهم من

ص: 391

قال : يكون للعمر مدة حياته ولورثته بعده ، ومنهم من قال : يكون له مدة حياته ، فاذا مات رجعت الى المعمر أو ورثته ان كان مات ، ثمَّ قال : وهذا هو الصحيح على مذهبنا. هذا قوله رحمه اللّه في المبسوط ، ولم أجد في هذه المسألة خلافا لأصحابنا ، والخلاف الذي ذكره رحمه اللّه للجمهور ، ذكره شارح مختصر الشافعي.

قال رحمه اللّه : ولو قال أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك ، كان عمرى ولم تنتقل الى المعمر ، وكان كما لو لم يذكر العقب.

أقول : إذا قال : ( أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك ) ، هل يرجع الى المالك بعد انقراض العقب أو يصير ملكا للمعمر ولا يرجع الى المالك الأول؟ المشهور رجوعها الى المالك بعد انقراض المعمر وعقبه ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ، وظاهر الشيخ في المبسوط وابن البراج في المهذب ان المعمر يملكها ولا يرجع الى المالك ، لأنه أعطى إعطاء يجري فيه الإرث ، وانما يورث المملوك ، ولما رواه جابر : « ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : أيّما رجل عمر عمرى له ولعقبه ، فإنما هي للذي يعطاها ، ولا يرجع الى الذي أعطاها ، فإنه أعطاها إعطاء وقعت فيه المواريث » (1).

قال رحمه اللّه : ولا تبطل بالبيع ، بل يجب أن يوفى للمعمر ما شرط له.

أقول : هذه العبارة تقتضي جواز البيع مطلقا سواء كان مقرونا بالمدة أو بالعمر ، ولا خلاف في جواز البيع إذا كان الإسكان مقرونا بالمدة ، وكذلك الحبس إذا كان الى مدة معلومة ، ومع عدم العلم يتخير المشتري ، اما إذا كان الحبس أو الإسكان مقرونا (2) بالعمر ، هل يجوز بيعه أم لا؟ قال ابن الجنيد بالجواز ، وهو

ص: 392


1- صحيح مسلم 2 : 64 ، كتاب الهبات ، باب 4 حديث 22 مع اختلاف في المتن.
2- من « ن » و« ر 2 » وفي الباقي : غير مقرون.

ظاهر المصنف لإطلاقه الجواز.

وأطلق العلامة في الإرشاد كإطلاق المصنف هنا ، ورواية الحسن بن ابي نعيم (1) ، عن ابي الحسن الكاظم عليه السلام دالة على جواز البيع ، وهي حجة القائلين به. واستشكل العلامة صحة البيع في القواعد والمختلف ، واستقرب في التحرير عدمه ، واستشكله الشهيد أيضا ، ومنشؤه جهالة وقت الانتفاع ، ولأنهم قد منعوا من بيع المسكن الذي تعتد فيه المرأة بالأقراء بجهالة وقت الانتفاع ، وهذه العلة سارية هنا.

وجواز الشيخ في المبسوط بيع العبد الموصى بخدمته على التأبيد ، ويلزم منه جواز البيع هنا ، ومنع العلامة في القواعد من بيعه ، ويلزم منه عدم جواز البيع هنا.

والذي سمعناه من مشايخنا جواز البيع على المحبس عليه والمعمر دون الغير ، ولعل وجهه انتفاء المانع ، وهي جهالة وقت الانتفاع ، لأن المنافع مملوكة في الحال ، فاذا ملك الرقبة صارت المنافع والرقبة ملكا له مقبوضة في يده ، فلا مانع حينئذ ، وهو حسن.

ص: 393


1- الوسائل ، كتاب السكنى والحبس ، باب 2 ، حديث 2.

ص: 394

كتاب الهبات

اشارة

ص: 395

ص: 396

في الحقيقة

قال رحمه اللّه : ولو وهب ما في الذمة ، فإن كان لغير من عليه الحق لم يصح على الأشبه.

أقول : ذهب الشيخ وابن إدريس والعلامة في المختلف إلى صحة هبة الدين بغير من هو عليه لصحة بيعه والمعاوضة عليه كالعين فيصح هبته. نعم يشترط في اللزوم القبض ، فاذا قبضه الموهوب له ممن هو عليه لزمت الهبة ، وذهب المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير الى عدم الجواز على غير من هو عليه ، والدليل ما ذكره المصنف في المتن ، وهو اشتراط القبض ، وهذا الدليل غير ناهض بمطلوبهم ؛ لأن القبض كما هو ممكن في العين هو ممكن في الدين فالفرق ضعيف ؛ لأنه كما هو شرط في العين وهو شرط في الدين ، فلو جعلوا دليلهم حصول الجهالة لعدم التعيين كان أقوى ؛ لأن الدين غير متعين قبل قبضه ولو وهبه شيئا غير معين كشاة من قطيع أو أحد العبدين بطلت الهبة إجماعا ، نصوا على ذلك في مصنفاتهم ، وعللوا بحصول الجهالة ، وهي سارية في الدين ولم يعللوا بها ، بل بما لا يصلح أن يكون علة.

ص: 397

قال رحمه اللّه : ولا يشترط في الإبراء القبول على الأصح.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط وابن زهرة وابن إدريس إلى اشتراط القبول في الإبراء لاشتماله على المنة ، ولا يجبر على قبولها كالعين فلو لم يعتبر قبوله أجبر على قبول المنة ، وذهب المصنف والعلامة الى عدم اشتراط القبول ، واستدل القائلون بعدم اشتراط القبول بقوله تعالى ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) (1) ، ومن العجب استدلالهم بهذه الآية على عدم القبول ، وهم اجمعوا على اشتراط القبول في الصدقة ، وإذا كان الإبراء صدقة اشترط فيه القبول ، والآية وان كانت مطلقة فإنها دلت على ان الإبراء صدقة ، وقد ثبت افتقار الصدقة إلى القبول والقرآن مخصص بالإجماع ، وقد اجمعوا على افتقار الصدقة إلى القبول ، فلا تكون الآية دليلا ، والدليل ان الإبراء إسقاط حق ، فلا يفتقر الى القبول كالعتق والطلاق بخلاف الهبة ، فإنها تمليك ، والتمليك يفتقر الى القبول.

قال رحمه اللّه : ولو وهب ما هو في يد الموهوب له صح ، ولا يفتقر إلى إذن الواهب في القبض ولا مضي زمان يمكن فيه القبض ، وربما صار الى ذلك بعض الأصحاب.

أقول : الصائر الى ذلك الشيخ في المبسوط ، ومذهب المصنف هو المعتمد ، لأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على الرضا بالقبض السابق.

قال رحمه اللّه : وإذا قبضت الهبة فإن كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع إجماعا ، وكذا إذا كان ذا رحم غيرهما ، وفيه خلاف.

أقول : عبارة المصنف هنا وفي المختصر دالة على اختصاص الإجماع بالمنع من الرجوع بالهبة إذا كانت لأحد الأبوين أولهما ، ويفهم منه وقوع الخلاف إذا كانت الهبة للأولاد لتخصيص الإجماع بالأبوين ، وكذلك عبارة العلامة في

ص: 398


1- البقرة : 280.

التحرير ، لأنها كعبارة المصنف هنا.

وقال العلامة في المختلف : وإذا وهب ولده الصغير أو الكبير واقبضه لم يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعا ولو كانت لغير الولد من ذوي الأرحام للشيخ قولان ، وهذه العبارة دالة على عدم وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأب للأولاد ، ودالة على وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأولاد لآبائهم ، وهو عكس مذهب المصنف.

والشهيد قصر الإجماع بعدم الرجوع على هبة الأب لولد الصغير ، ويفهم منه وقوع الخلاف في الكبير وفي الآباء ، والمقتضي للجمع بين الأقوال وقوع الإجماع على عدم جواز الرجوع إذا كانت لأحد الأبوين وان علا والأولاد وان نزلوا ، وهو مذهب ابن حمزة.

وأما غير العمودين من ذوي الأرحام ففيه خلاف ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : بجواز الرجوع ، وهو مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس ، وقال الشيخ في النهاية والمفيد وسلار وابن البراج بعدم جواز الرجوع ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد لرواية محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام : « قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها حيزت أو لم تحز ، إلا لذي رحم ، فإنه لا يرجع فيها » (1).

قال رحمه اللّه : وهل يلزم بالتصرف ، قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : اللزوم مع التصرف مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس والعلامة ، وأبو العباس في المقتصر ، وقال سلار وأبو الصلاح بجواز الرجوع ما دامت العين باقية وان تصرف ، واختاره المصنف والعلامة ، والمعتمد الأول ، لأن المتهب قد ملك الهبة بالعقد والإقباض ، وقد ظهر

ص: 399


1- الوسائل ، كتاب الهبات ، باب 3 في أحكام الهبات ، حديث 2.

أثر الملك بالتصرف ، فيقوى وجود السبب وكان تاما ، وإذا ملك ملكا تاما افتقر في خروجه عنه الى سبب ، والرجوع هنا ليس سببا لاستقرار الملك بالتصرف ، ولهم عليه روايات (1).

واستدل المجوزون برواية محمد بن مسلم المتقدمة (2) في مسألة ذوي الأرحام ، وإطلاق التصرف أعم من ان يكون مخرجا للعين عن الملك كالبيع والهبة ، أو لا يكون مخرجا كالرهن والكتابة ، وسواء غير صفته كقصارة الثوب وعمل الخشب بابا أو سريرا ، أو لم يغير صفته كاستخدام العبد والوطئ ولبس الثوب ، وبالجملة كل تصرف يفتقر الى الملك واذن المالك فإنه مانع من الرجوع على إطلاق الشيخ وابن إدريس والعلامة في القواعد والمختلف والإرشاد ، وقسم ابن حمزة التصرف غير المخرج عن الملك الى ما يحصل معه تغيير الصفة ، كقصارة الثوب ونسج الغزل ، والى ما لا يحصل معه التغيير كالرهن والكتابة ، ومنع الرجوع في الأول ، وجوزه في الثاني.

تنبيه : انما تملك الهبة وتلزم بالقبض ان كانت لرحم ، وبالتصرف ان كانت لأجنبي إذا تمت بشروطها من الإيجاب والقبول والقبض ، فلو كانت معاطاة من غير عقد لم يحصل الملك ، بل يباح التصرف ، وللمالك الرجوع ما دامت العين باقية سواء كانت لرحم أو لأجنبي ، فلو نقلها الى غيره بعقد لازم أو أتلفها سقط الرجوع ، وقد أشار العلامة في القواعد الى ذلك ، قال : ولا يكفي المعاطاة ولا الأفعال الدالة على الإيجاب ، نعم يباح التصرف.

قال رحمه اللّه : ويكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها والزوج لزوجته ، وقيل : يجري مجرى ذوي الرحم ، والأول أشبه.

ص: 400


1- الوسائل ، كتاب الهبات ، باب 8 في أحكام الهبات ، حديث 1.
2- ص 399.

أقول : جواز الرجوع لكل من الزوجين على صاحبه مذهب الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف لرواية محمد بن مسلم المتقدمة ، فإنه حكم فيها بجواز الرجوع في حق غير ذوي الرحم ، وهو عام وليس الزوج رحما.

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب تحريم الرجوع ، واختاره العلامة في التذكرة ، وفخر الدين في شرح القواعد وأبو العباس في المقتصر ، لرواية زرارة الصحيحة ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام : « قال : ولا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ، ولا المرأة فيما تهبه لزوجها خيرت أو لم تخر ، أليس اللّه تعالى يقول ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) (1) ، وقال تعالى ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (2) وهذا يشمل الصداق والهبة » (3).

فرع : استقرب العلامة في القواعد والتحرير عدم انتقال حق الرجوع بالهبة إلى الوارث ، واختاره فخر الدين ، لأن الموهوب قد ملك الهبة بالقبض واستحقاق الرجوع على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، وانما ورد في الواهب خاصة ، فلا يستحق غيره ذلك.

ص: 401


1- البقرة : 229.
2- النساء : 4.
3- الوسائل ، كتاب الهبات ، باب 7 أحكام الهبات ، حديث 1.

ص: 402

في حكم الهبات

قال رحمه اللّه : ولو تلفت والحال هذه أو عابت لم يضمن الموهوب له ، لأن ذلك حدث في ملكه ، وفيه تردد.

أقول : إذا اشترط عليه الثواب ولم يثبه حتى تلفت العين أو عابت ، هل يضمن المتهب قيمة العين في صورة التلف ، والأرش في صورة العيب؟ تردد المصنف في ذلك بعد الفتوى بعدم الضمان ، ومنشأ التردد من ان التلف أو التعيب حصل في العين المملوكة للمتهب بغير عوض لازم له ، لأنه مخير بين دفع العوض وبين عدم دفعه فلا يلزم ضمان ، ومن انه لم يملكها مجانا ، بل بشرط دفع العوض ، ولو كان العوض غير لازم له قبل التلف وقد صار لازما له بعده ، لأن المالك يتسلط على استرجاع العين مع عدم دفع العوض إذا كانت باقية ، وهذا التسلط قد تعذر بتلف العين فيتحتم العوض إذا كانت العين باقية ، وهكذا التسلط ، وكذا الأرش لحصول النقص في يده ، وهذا هو المعتمد ، فحينئذ لا يخلو إما ان يكون العوض مقدارا أو غير مقدر ، فان كان مقدرا كان عليه أقل الأمرين من المقدر ومن قيمة العين ، لأنه ان كانت القيمة أقل فهي اللازمة له ، لأن العوض غير لازم له ، لأنه كان مخيرا بين دفع العوض وبين عدم دفعه ، فيتسلط المالك على العين ،

ص: 403

وان كان العوض أقل من قيمة العين فقد رضي المالك به عوضا عن عينه فليس له أزيد منه.

فان قيل : إذا كان العوض غير مقدر تخير المتهب بدفع ما شاء ، وان قل ، نص عليه المصنف والعلامة مع بقاء الدين ، فكيف يتحتم مع التلف قيمة المثل؟

قلنا : الجواب : الفرق بين الصورتين حاصل ، فان في صورة بقاء العين إذا دفع ما شاء يتخير المالك بين قبوله وبين استرجاع العين إذا كان أقل من القيمة ، فإذا اختار القبول فقد رضي بترك الزائد مع قدرته على أخذه باسترجاع العين ، أما في صورة تلف العين فقد تعذر الاسترجاع فتتعين القيمة ، لأنه قبضها على انها مضمونة عليه ، وضمان القيمي بقيمته ، فهذا فرق بين الصورتين.

قال رحمه اللّه : إذا وهب في مرضه المخوف فبرأ صحت الهبة ، وان مات في مرضه ولم يجز الورثة اعتبرت من الثلث على الأظهر.

أقول : منجزات المريض تلزم مع البرء إجماعا ، فإذا مات في ذلك المرض اختلف في خروجها من الثلث أو الأصل ، وسيأتي البحث في تحقيق ذلك إنشاء اللّه تعالى في باب الوصية.

فرع : حكم الهدية حكم الهبة ، والمشهور افتقارها إلى الإيجاب والقبول والقبض كالهبة ، ومن دون الإيجاب والقبول نطقا يباح للمهدي إليه التصرف فيها مع بقائها على ملك المهدي ، فلو كانت جارية لم يجز له وطؤها ، لأن الاستمتاع لا يحل بالإباحة ، فمن أراد تمليك المهدى اليه وكل رسوله في الإيجاب والإقباض ، ويحتمل عدم الحاجة الى الإيجاب والقبول نطقا ، ويكفي الفعل الدال عليها ، لأن الهدايا كانت تحمل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولم ينقل انه راعى العقد ، وكان يتصرف فيها تصرف المالك ، وعلى هذا الناس في سائر الأمصار والأعصار ، وهذا الاحتمال ظاهر العلامة في التحرير.

ص: 404

كتاب السبق والرماية

اشارة

ص: 405

ص: 406

في الألفاظ المستعملة فيه

قال رحمه اللّه : فالسابق هو الذي يتقدم بالعنق والكتد ، وقيل : بإذنه ، والأول أكثر.

أقول : الكتد - بفتح التاء وكسرها والأول أشهر - مجمع الكتفين من أصل العنق والظهر ، والسبق به مذهب الشيخ وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، واعتبار الاذن مذهب ابن الجنيد ، لقوله عليه السلام : « بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما يسبق الآخر بإذنه » (1).

ص: 407


1- مسند أحمد بن حنبل 2 : 331.

ص: 408

في عقد المسابقة

قال رحمه اللّه : عقدا المسابقة والرماية يفتقر إلى إيجاب وقبول ، وقيل : هي جعالة ، فلا يفتقر الى قبول ، فيكفي البذل.

أقول : اختلف في عقد المسابقة هل هو لازم أم جائز؟ قال ابن إدريس : انه لازم ، وهو اختيار المصنف في المختصر ، وظاهره هنا اختيار اللزوم أيضا لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) ، وقال الشيخ انه جائز ، واختاره العلامة ، لأصالة عدم اللزوم ، لأنه نوع جعالة ، لأن قوله : ( من سبق فله كذا ) هو عين الجعالة.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط التساوي في الموقوف ، قيل : نعم ، والأظهر لا ، لأنه مبني على التراضي.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم اشتراط التساوي في الموقف ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأنه مبني على التراضي كما قاله المصنف ، وقيل بالاشتراط ، لأنه أقرب الى العدل.

ص: 409


1- المائدة : 1.

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد ، والأظهر أنه (1) لا يشترط.

أقول : المبادرة مثل من سبق إلى إصابة خمسة من عشرين فقد نضل صاحبه ، فان كان الرشق عشرين والإصابة خمسة ، أو شرطا المبادرة ، فمن بدر إلى إصابة الخمسة قبل صاحبه فقد نضله ، ولا يجب الإكمال.

والمحاطة (2) إسقاط ما تساويا فيه شيئا بشي ء حتى ينتهي العدد.

إذا عرفت هذا ، هل يشترط المبادرة أو المحاطة في العقد؟ تردد المصنف ثمَّ اختار عدم الاشتراط ، ومنشأ التردد من أصالة الصحة ، وحمل الإطلاق على المحاطة ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، ومن حصول الجهالة المفضية إلى التنازع.

ص: 410


1- في الشرائع : والظاهر.
2- من « ن » و« ر 2 » وفي باقي النسخ : المحاطاة.

في أحكام النضال

قال رحمه اللّه : ولو شرط في العقد إطعامه لحربه لم أستبعد صحته.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : يكون النضال صحيحا والشرط باطلا ، وقال في المبسوط : النضال باطل ، وظاهر المصنف صحة النضال والشرط معا ، واختاره العلامة.

ص: 411

ص: 412

كتاب الوصايا

اشارة

ص: 413

ص: 414

في الوصيّة

قال رحمه اللّه : ولا ينتقل منفردا عن القبول على الأظهر.

أقول : ذهب الشيخ في الخلاف الى انتقالها بالموت منفردا عن القبول ؛ لأنه لا يمكن بقاء الموصى به على ملك الميت ؛ لأن الميت لا يملك ولا يمكن انتقاله الى الوارث ، لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1) ، جعل الميراث لهم بعد الوصية ، ولم يقل بعد وصية الموصي وقبول الموصى له ، فكانت ملك الموصى له بنفس الموت وان لم يقبل.

ونقل في المبسوط ثلاثة أقوال :

أحدها : انتقال الملك بموت الموصي وقبول الموصى له ، فإذا وجد الشرطان انتقل الملك عقيب القبول.

والثاني : أنه من ادعى أنه قبل الوصية تبيّنا أنه انتقل إليه بوفاة الموصي ، وإن لم يقبل تبيّنا أنه انتقل إلى الورثة.

والثالث : أنه ينتقل الى الموصى له بوفاة الموصي كالميراث ،

والمعتمد ان نقول : الوصية إن كانت لمن لا يمكن حصرهم كالفقراء

ص: 415


1- النساء : 12.

والمساكين ، أو لقبيلة منتشرة كبني هاشم ، أو كانت للمساجد والمدارس وشبه ذلك ، فإنها تنتقل بنفس الموت ، لعدم اعتبار القبول هنا ، وإن كانت لمعيّن لم تنتقل إلا بالموت والقبول معا ، لأن القبول هنا معتبر ، فلا يحصل الملك قبله كسائر العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، ولا يشترط القبول لفظا ، بل يكفي الفعل الدالّ عليه.

قال رحمه اللّه : ولو قبل قبل الوفاة جاز ، وبعد الوفاة آكد.

أقول : نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا عدم الاعتداد بالقبول قبل الوفاة ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنه أوجب له بعد الموت ، فقبله ليس محلا للقبول فهو كما لو قبل [ قبل ] الإيجاب.

وقال في القواعد : وقبوله بعد الموت لا اثر له لو تقدم. فهو موافق لمذهبه في المختلف ، ثمَّ رجع عنه في ثاني سطر الى اختيار المصنف هنا ، قال : فلو قبل بعد الموت بمدة أو في الحياة بعد مدة صح. وهو مذهبيه في التحرير والإرشاد.

وهو المعتمد ، لعدم اشتراط مقارنته للإيجاب ، فهو كما يجوز تأخيره عن الموت يجوز تقديمه عليه ، إذ لا مانع من ذلك ، وهو اختيار ابن إدريس أيضا.

قال رحمه اللّه : ولو ردّ بعد الموت والقبول وقبل القبض ، قيل : تبطل ، وقيل : لا تبطل وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط وابن حمزة : تبطل الوصية إذا ردها قبل القبض بعد الموت والقبول ، لأن ملكه لا يستقر إلا بالقبض كالموقوف عليه.

وقيل : لا تبطل ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين.

وهو المعتمد ، لحصول الملك بالموت والقبول فلا يزول إلا بسبب ناقل ، والرد ليس شيئا ناقلا للملك عن مالكه.

ص: 416

في الموصي

قال رحمه اللّه : ولا الصبي ما لم يبلغ عشرا ، فإن بلغها فوصيته جائزة في وجوده المعروف لأقاربه وغيرهم على الأشهر إذا كان بصيرا ، وقيل : تصح وإن بلغ ثمانيا ، والرواية شاذة.

أقول : الصحة مع بلوغ العشر مذهب الشيخ وأبي الصلاح ، والصحة مع بلوغ الثمان مذهب ابن الجنيد ، وعدم الصحة قبل البلوغ مذهب ابن إدريس ، وعليه عمل المتأخرين ، للحجر عليه قبل البلوغ ، ودليل المجوّزين الروايات (1).

ص: 417


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44 في أحكام الوصايا ، وباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات ، حديث 3.

ص: 418

في الموصى

اشارة

به قال رحمه اللّه : وإجازة الوارث تعتبر بعد الوفاة ، وهل تصح قبل الوفاة؟ فيه قولان : أشهرهما أنه يلزم الوارث.

أقول : اختلف الأصحاب في اعتبار الإجازة ولزومها قبل الوفاة.

قال المفيد وسلّار وابن إدريس بعدم اللزوم ، واختاره فخر الدين ، لأن الورثة قبل الوفاة لا يستحقون شيئا ، فلا تعتبر إجازتهم فيما لا يستحقونه.

وقال الشيخ وابن حمزة وابن الجنيد والعلامة في المختلف بلزومها ، وهو ظاهر المصنف ، واختيار ابي العباس والمقداد.

وهو المعتمد ، لأن الرد حق الورثة ، فإذا رضوا بالوصية سقط حقهم.

ولما رواه منصور بن حازم في الصحيح (1) ، ومحمد بن مسلم في الحسن (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « في رجل اوصى بوصية وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ قال : ليس لهم ذلك ، الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته » ، وبمعناها روايات (3).

ص: 419


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 13 في أحكام الوصايا ، حديث 2 ( مع اختلاف في المتن ).
2- المصدر المتقدم ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 11 حديث 19 ، وباب 11 ، أيضا حديث 1 و16 و17 و18.

وادعى الشيخ الإجماع على ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى الى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح بينه وبين ورثته نصفان صحّ ، وربما يشترط كونه قدر الثلث فأقل ، والأول مرويّ.

أقول : المشهور بين الأصحاب صحّة هذه الوصية إذا كان الأولاد صغارا ودليلهم الروايات (1).

وقال ابن إدريس : الوصية لا تنفذ إلا بالثلث قبل موته والربح قد تجدد بعد موته فلا تنفذ فيه وصية ، وقد سبق البحث في هذه في باب المضاربة.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بثلثه لواحد ، وبثلثه لآخر كان ذلك رجوعا عن الأول إلى الثاني.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال ابن إدريس والمصنف ، لأن الإنسان لا يستحقّ في ماله بعد موته غير الثلث ، فإذا أوصى به لزيد ثمَّ أوصى به بعد ذلك لعمرو ، فقد نقل الثلث الذي يستحقه من زيد إلى عمرو ، ولأنه يعلم أنه لا يستحقّ في ماله غير الثلث ، فتكون الوصية الثانية ناسخة للأولى.

وقيل : لا يكون رجوعا ، واختاره العلّامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد ، لأصالة بقاء الوصية الاولى ، والثانية لا تنافيها ، لأنه مع الإجازة تصح الوصيتان إجماعا ، فلو كانت الثانية ناسخة للأولى لم تؤثر الإجازة فيها ، لأنها تنعقد بفعل (2) الموصي لا (3) ابتداء عطية ، فلو اوصى لزيد بشي ء ثمَّ رجع عنه وأجاز

ص: 420


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 92 في أحكام الوصايا ، حديث 1 و2.
2- من « ر 2 » وفي الباقي : لفعل.
3- في « ن » : له.

الورثة الوصية لم تثمر الإجازة ملكا إجماعا ، فدل على ان الوصية الثانية ليست رجوعا عن الاولى ، والا لم تفد الإجازة سببا. هذا إذا لم تحصل قرينة دالة على الرجوع مثل ان يقول : ( أعطوا عمروا الثلث الذي أوصيت به لزيد ) ، أو يوصي لزيد بثلث ولعمرو بثلث ، ثمَّ يقول : ( هما ثلث واحد ) ، أو يقال له عقيب الوصيتين : ( أضررت بالورثة ) ، فيقول : ( انما أوصيت بالثلث ) فان حصلت قرينة دالة على الرجوع كان رجوعا ، والا ففيه الاشكال.

وعلى القول بعدم الرجوع إذا لم يجز الورثة كان الثلث للأول ، لعموم قولهم : « إذا زادت الوصايا عن الثلث ولم يجز الورثة بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث ويدخل النقص على الأخير » (1).

ولو ردّ أحدهما الوصية ولم يقبلها كان الثلث للآخر مع الإجازة وعدمها.

وعلى القول بكون الثانية رجوعا ولم يجز الورثة ، فإن ردّ الأول فلا حكم لرده ، لبطلان وصيته بالوصية الثانية ، وان رد الثاني رجع المال إلى الورثة وبطلت الوصيتان معا ، تبطل الأولى بالثانية ، والثانية بالرد.

ومذهب المختلف قوي.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك من يملكه منفردا ومن يملك بعضه أعتق نصيبه حسب ، وقيل : يقوّم عليه حصة شريكه إن احتمل ثلثه ذلك ، وإلا أعتق منهم من يحتمله الثلث ، وبه رواية ضعيفة.

أقول : عدم التقويم مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والإرشاد ، لأن ملكه قد زال بالموت فلا يسري عليه حينئذ.

وقال الشيخ في النهاية وابن البراج : يقوّم عليه ، لأنه أوجد سبب السراية

ص: 421


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 11 في أن من اوصى بأكثر من الثلث صحت الوصية في الثلث.

لاستناد العتق في الحقيقة اليه ، ولرواية أحمد بن زياد (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه واحلفوا على الزائد ، وفيه تردد ، أما لو أوصى بعبد أو دار فأجازوا الوصية. الى آخره.

أقول : فرّق الأصحاب هنا بين الوصية بالجزء المشاع كالنصف مثلا ، وبين الوصية بالمعيّن كالعبد والدار مثلا ، وفتواهم على قبول دعوى الورثة ظن القلة إذا كانت بجزء مشاع ، وعدم قبول دعواهم ظن الكثرة إذا كانت بمعين ، إلا انهم اختلفوا في الجزم وعدمه ، فالمصنف هنا جزم بعدم الالتفات الى دعواهم إذا كانت الوصية بمعيّن ، وتردّد في قبول دعواهم إذا كانت بمشاع.

والعلامة في القواعد والتحرير جزم بقبول دعواهم إذا كانت بمشاع ، ولم يجزم بعدم القبول إذا كانت بمعيّن ، بل يحتمل عنده القبول أيضا ، كما لو كانت بمشاع ، عكس مذهب المصنف.

ووجه الفتوى : ان الوصية إذا كانت بجزء مشاع من التركة كنصفها مثلا ، كان العلم بمقداره موقوفا على العلم بالجميع ، والأصل عدم كونه معلوما ، فيقبل دعوى الجهالة فيه مع اليمين ، بخلاف ما إذا كانت بمعيّن ، لحصول العلم بمقدار ما تضمنته الوصية.

ووجه تردّد المصنف في عدم قبول الدعوى إذا كانت الوصية بمشاع - كما لا تقبل إذا كانت بمعلوم ، لأن الوصية قد لزمت بالإجازة فيلزمهم العمل بها ، ولا تقبل دعواهم ما يبطلها - لأصالة عدم البطلان بعدم اللزوم.

ووجه احتمال قبول قولهم في المعين كقبوله في المشارع - كما ذهب إليه العلامة -

ص: 422


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 74 في أحكام الوصايا ، حديث 2.

دفع ضرر الوارث ، لأنه إنما يسمح بذلك المعيّن ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه ، فإذا بان خلاف ذلك حقه الضرر بالإجازة ، وقد قال عليه السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (1).

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن له عود إلا عود اللّهو ، قيل : يبطل ، وقيل : يصح ، وتزال عنه الصفة المحرّمة أما لو لم يكن فيه منفعة إلا المحرمة بطلت الوصية.

أقول : نقل العلامة في التحرير هذا القول ، كما نقله المصنف هنا. وظاهر القواعد والإرشاد صحة الوصية مع إمكان إزالة الصفة المحرمة ، لأنه شرط في البطلان عدم إمكان إزالة الصفة المحرمة.

واشترط الشهيد في الصحة قصد الرضاض في الوصية ، فلو لم يقصده كانت باطلة.

قال رحمه اللّه : لو أوصى بجزء من ماله ، فيه روايتان ، أشهرهما العشر ، وفي رواية سبع الثلث.

أقول : ورد في هذه المسألة ثلاث روايات :

الاولى : تضمنت العشر ، وهي صحيحة عبد اللّه بن سنان : « قال : إن امرأة أوصت إليّ ، وقالت : ثلثي تقضي به ديني ، وجزء منه لفلان ، فسألت عنه ابن ابي ليلى ، فقال : ما أرى لها شيئا ما أدري ما الجزء! فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة وما قال ابن ابي ليلى ، فقال : كذب ابن ابي ليلى ، لها عشر الثلث ، إن اللّه أمر إبراهيم عليه السلام وقال : ( اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ

ص: 423


1- الوسائل ، كتاب إحياء الموات ، باب 12 حديث 3 ، 5 ، وكتاب الشفعة ، باب 5 من أبواب الشفعة ، حديث 1.

جُزْءاً ) (1) والجبال كانت عشرة ، فالجزء هو العشر من الشي ء » (2).

وبمضمونها افتى ابن بابويه ، والشيخ في التهذيب والاستبصار ، وهو اختيار المصنف ، والعلامة في المختلف.

الثانية : تضمنت السبع ، وهي صحيحة أحمد بن محمد البزنطي ، « قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله ، فقال واحد من سبعة ، ان اللّه تعالى يقول ( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) (3) » (4).

وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية والخلاف ، والمفيد والسيد وسلّار وابن الجنيد وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، والعلامة في القواعد.

الثالثة : سبع الثلث ، وهي رواية الحسن بن خالد ، عن ابي الحسن عليه السلام (5) ، ذكرها ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها ، جعله في وجوه البر ، وقيل : يرجع ميراثا.

أقول : جعله في وجوه البر مذهب الشيخين ، ومحمد بن بابويه وابن البراج واختاره المصنف والعلامة ، لأنه خرج عن ملك الورثة بالوصية وخفي مالكه ومستحقه فيصرف في وجوه البر ، لأن الغالب قصد القربة ، ولأن الوصية قد لزمت فلا يجوز تغييرها.

ص: 424


1- البقرة : 260.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 54 الوصايا ، حديث 2.
3- الحجر : 44.
4- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 54 من أحكام الوصايا ، حديث 12.
5- من لا يحضره الفقيه 4 : 155 ، حديث 5477 ، والوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 54 أحكام الوصايا ، حديث 14.

والقول برجوعه ميراثا مذهب ابن إدريس ، نقله عن الشيخ في الحائريات ؛ لتعذر القيام بالوصية ، فيبطل ويصير ميراثا.

والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بسيف معين وهو في جفن ، دخل الجفن والحلية في الوصية ، وكذا لو أوصى بصندوق وفيه ثياب ، أو بسفينة وفيها متاع ، أو جراب وفيه قماش ، فإن الوعاء وما فيه داخل في الوصية ، وفيه قول آخر بعيد.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخين ومحمد بن بابويه وأحمد بن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في الإرشاد ، وجزم به في التحرير.

ومستند الحكم في السيف والصندوق رواية أبي جميلة ، عن الرضا عليه السلام ، « قال : سألته عن رجل أوصى بسيف كان في جفن وعليه حلية ، فقال له الورثة : إنما لك النصل وليس لك المال ، فقال : بل السيف بما فيه له ، قال : قلت : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال له الورثة إنما لك الصندوق ، وليس لك المال ، قال : فقال أبو الحسن عليه السلام : الصندوق بما فيه له » (1).

وأبو جميلة كذّاب ملعون ، إلا أن أكثر الأصحاب على العمل بهذه الرواية ، وعمل الأصحاب وان لم يستند إلى نصّ فهو حجة.

ومستندهم في السفينة رواية عقبة بن خالد ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسمّ ما فيها وفيها طعام ، أيعطاها الرجل وما فيها؟ فقال : هي للذي أوصى له بها ، إلا ان يكون صاحبها

ص: 425


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 57 في أحكام الوصايا ، حديث 1 مع اختلاف يسير في المتن.

استثنى ما فيها » (1).

وقول المصنف : ( وفيها قول آخر بعيد ) ، اي بعدم دخول الجميع ، ونقله أبو العباس في المقتصر عن ابن إدريس ، ونقل عنه في المهذب دخول الجميع ، كما هو المشهور وهو الصحيح ، وهذا مذهبه في السرائر ، ولم اعلم له كتابا غيره. وظاهر العلامة في المختلف عدم دخول الجميع إلا مع القرينة الدالة على الدخول - واختاره فخر الدين في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر - ، لأن الجفن والطعام والمتاع ليس داخلا في مسمى الوصية ، ولا هو جزء من أجزائها فلا يدخل في الوصية.

والشهيد حكم بدخول الجفن والحلية في السيف والمتاع في الصندوق ، ولم يحكم بدخول الطعام في السفينة ، قال : والعمل بالقرينة هنا متوجّه.

تنبيه : اشترط الشيخ وابن البراج في الموصي في هذه الأشياء العدالة ، قال : فان لم يكن عدلا وكان متّهما لم تمض الوصية بأكثر من الثلث. وباقي الأصحاب على عدم الاشتراط ، وأن الوصية لا تمضي بأكثر من الثلث ، سواء كان الموصي عدلا أو فاسقا. وأطلق الشيخ ذكر الصندوق والجراب. وقيد المفيد وأبو الصلاح الصندوق بالقفل والجراب المشدود.

وقال فخر الدين : والبحث إنما هو في المشار اليه.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم تمض ، وهل يلغو اللفظ؟ فيه تردد بين البطلان وإجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله لمن عدا الولد ، فتمضى في الثلث ويكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة ، والوجه الأول ، وفيه رواية بالجواز مهجورة.

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 59 في أحكام الوصايا ، حديث 1 مع اختلاف في المتن ، وفي من لا يحضره الفقيه بنفس المتن 4 : 163.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في صحة هذه الوصية ، وأكثر الأصحاب على عدم الصحة ، لأن النسب إذا ثبت شرعا ثبت الإرث شرعا أيضا ، فلا يملك الإنسان إزالته ولا تغييره.

وقد وردت رواية بلزوم هذه الوصية ، رواها محمد بن بابويه ، عن وصي علي بن السري ، « قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إن علي بن السري توفي واوصى إليّ ، فقال : رحمه اللّه ، قلت : وإن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له ، فأمرني ان أخرجه من الميراث ، فقال لي : أخرجه فإن كانت صادقا فسيصيبه خبل ، قال : فرجعت فقدّمني إلى أبي يوسف القاضي ، فقال له : أصلحك اللّه أنا جعفر بن علي بن السري ، وهذا وصيّ أبي ، فمره فليدفع إليّ ميراثي ( من أبي ) (1) ، فقال لي : ما تقول؟ فقلت : نعم هذا جعفر بن علي بن السري وانا وصي علي بن السري ، قال : فادفع اليه ماله ، فقلت : أريد أن أعلمك (2) ، قال : فادن ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي ، فقلت له : هذا وقع على أم ولد أبيه (3) فأمرني أبوه ، وأوصى اليّ أن أخرجه من الميراث ولا أورّثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأخبرته وسألته ، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورّثه شيئا ، فقال : اللّه ، قسما أن أبا الحسن عليه السلام أمرك؟ قلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ، ثمَّ قال : أنفذ ما أمرك به فالقول قوله ، قال الوصي : فأصابه الخبل بعد ذلك » (4).

قال محمد بن بابويه عقيب إيراد هذه الرواية : من أوصى بإخراج ابنه من

ص: 427


1- من المصدر.
2- في المصدر : أكلمك.
3- في المصدر : لأبيه.
4- الفقيه 4 : 165 ، حديث 5155 ، ورواه في الوسائل كتاب الوصايا ، باب 90 ، أحكام الوصايا حديث 2.

الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيته في ذلك. وهو يدل على أنه إن فعل ذلك جاز إخراجه من الميراث.

وقال الشيخ في الاستبصار : هذا الحكم مقصور على هذه الوصية فلا يتعدى الى غيرها. وهو المعتمد.

الثاني : هل تلغو هذه الوصية ويكون وجودها كعدمها ، أو يختص الورثة دونه بالثلث ويشاركهم بالثلثين؟ اختار المصنف الأول ، وهو اختيار فخر الدين. وهو المعتمد ، لأنه لفظ لا يعتبره الشارع فلا يكون له أثر.

واختار العلامة في المختلف الثاني ، لأن إخراجه من تركته يستلزم تخصيص باقي الورثة فيها ، فيمضي من الثلث.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أعطوه كثيرا ، قيل : يعطى ثمانين درهما كما في النذر ، وقيل : يختص هذا التفسير بالنذر اقتصارا على موضع النقل.

أقول : الأول قول الشيخ ومحمد بن بابويه وابن البراج ، لأن الكثير ثمانون فما زاد ، لقوله تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (1) وكانت ثمانين. موطنا.

والثاني قول ابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأن الرواية وردت في من نذر أن يتصدّق بمال كثير ، ولم يرد في الوصية ، فيقتصر بالرواية على مورد النص ، ويرجع في الوصية إلى تفسير الوارث كما لو قال : ( أعطوه حظا أو قسطا ) فإن للورثة ان يعطوا ما شاؤوا.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بخدمة عبد مدة معينة فنفقته على الورثة ، لأنها تابعة للملك ، أو ثمرة بستان أو سكنى دار ، أو غير ذلك من المنافع على التأبيد أو مدة معينة ، قوّمت المنفعة فإن خرجت من الثلث ، وإلا كان للموصى له ما يحتمله

ص: 428


1- التوبة : 25.

الثلث ، وإذا اوصى بخدمة عبده.

أقول : لا خلاف في جواز الوصية بالمنافع على التأبيد والتأقيت ، وقد اختلف في كيفية التقويم في الحالين.

أما المؤقتة ، فقد قيل : إنها تقوّم بنفسها من دون الرقبة ، لأن قيمة المنفعة المؤقتة معلومة بدون تقويم الرقبة ، لأن قيمتها اجرة المثل تلك المدة ، فيحسب من الثلث. وقيل : تقوّم الرقبة بمنافعها ، ثمَّ تقوّم مسلوبة المنافع تلك المدة ، فالناقص يخرج من الثلث ، وهذا هو المشهور.

وهو المعتمد ، لأن هذه الوصية تنقص قيمة العين قطعا ، فيكون النقص محسوبا على الموصى له.

وأما المؤبدة فيمتنع تقويمها بمنفعتها دون العين ، لأن المراد بالتأبيد هنا ما دامت العين باقية ، ومدة بقائها غير معلومة ، فلا يمكن تقويمها بنفسها ، فلا بد من تقويمها مع العين.

إذا عرفت هذا فقد نقل الشيخ في المبسوط في كيفية التقويم ثلاثة أقوال :

أحدها : ان تقوّم الرقبة والمنفعة ، ويعتبر خروج الرقبة ومنافعها من الثلث ، فإن خرج من الثلث صحّت الوصية بمنافعها ، وإن لم تخرج من الثلث صحّت فيما يخرج منها من الثلث ، وبطلت في الباقي.

ووجه هذا القول : أن استحقاق منفعة العين على التأبيد بمنزلة إتلاف الرقبة ، لأن المقصود من الأعيان المنافع ، فتقوّم العين ومنافعها على الموصى له.

والثاني : تقوّم المنفعة من الثلث والرقبة من الثلاثين على الورثة. ووجهه : ان الرقبة تنتقل إلى الورثة كما تنتقل المنفعة الى الموصى له ، فتكون الرقبة مقوّمة على من انتقلت اليه. وطريق التقويم أن يقوّم العين بمنافعها ، فإذا قيل : مائة ، قوّمت العين مسلوبة المنافع ، فإذا قيل : عشرة علم أن قيمة المنفعة تسعون ، فالمحسوب على

ص: 429

الورثة قيمة الرقبة ، والمحسوب من الثلث قيمة المنفعة.

وهذا هو المعتمد إن فرض للرقبة قيمة ، وإلا كان الأول هو المعتمد.

الثالث : الرقبة لا تقوّم لا على الوارث ولا على الموصى له ، واختاره الشيخ ، لأن الرقبة إذا كانت مسلوبة المنافع فلا قيمة لها كالحشرات. والمصنف هنا لم يتعرض لكيفية التقويم ، بل قال : ( قوّمت المنفعة ) ولم يذكر الرقبة ، ويفهم من تقييده وجوب النفقة على الوارث في الموقتة ، وعدم وجوبها عليهم في المؤبدة. وقد جزم العلامة في التحرير بوجوبها في الحالين على الورثة.

فروع :

الأول : لو كان الموصى بخدمته على التأبيد أمة ، لم يملك الوارث وطء الجارية ، لأنه إنما يملك الرقبة مسلوبة المنافع ، والوطء من المنافع فلا يملكه ، ولا يملكه الموصى له أيضا وإن كان من جملة المنافع ، لأن النكاح إنما يستباح بملك الرقبة أو التحليل أو عقد النكاح ، والكل مفقود هنا ، وليس لها أن تتزوج إلا بإذنهما.

الثاني : لو وطئت بشبهة ، هل يكون المهر للوارث أو للموصى له بالخدمة على التأبيد؟ قال الشيخ : إنه للموصى له ، لأنه من جملة المنافع. وحكم العلامة في التحرير بأنه للوارث ، لأنه عوض منفعة البضع ، وهي لم تدخل بالوصية. وكذلك حكم الصداق لو زوّجاها.

الثالث : لو أتت بولد من الزنا كان مملوكا ، وهل يكون للوارث أو للموصى له؟ جزم في التحرير بأنه للوارث. واستشكله في القواعد ، من ان الولد كالجزء من أمّه ، والأم ملك الوارث ، ومن أنه كالنماء.

الرابع : لو قتل العبد الموصى بخدمته على التأبيد ، فإن كان القتل موجبا للقصاص كان المطالبة للوارث ، وان كان موجبا للدية احتمل صرفها الى الوارث ،

ص: 430

لانتهاء الوصية بانتهاء العمر.

واحتمل ان يشتري بها من يكون حكمه حكم المقتول ، واحتمل تقسيطها على قيمة الرقبة والمنفعة ، لأن الدية قيمة الجميع ، فيكون للوارث ما قابل الرقبة ، وللموصى له ما قابل المنافع.

قال رحمه اللّه : ولا تثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين ، ولا تقبل شهادة النساء في ذلك ، وهل تقبل شهادة شاهد مع اليمين؟ فيه تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من ان ثبوت الولاية حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والمشهور عدم ثبوتها بغير الشاهدين الذكرين ، ومن أن كل ما كان مالا أو المقصود منه المال فإنه يثبت بالشاهد واليمين ، والولاية هنا قد يستفيد منها مالا ، لأنه يستحق اجرة مثله أو قدر نفقته مع الحاجة ، على الخلاف بين الأصحاب. والشيخ في المبسوط قوّى ثبوتها بشاهد وامرأتين ، ويلزم منه ثبوتها بشاهد ويمين.

والمعتمد عدم ثبوتها بغير الشاهدين الذكرين العدلين.

قال رحمه اللّه : ولو أشهد إنسان عبدين له على حمل أمته أنّه منه ، ثمَّ مات فأعتقا ، فشهدا بذلك ، قبلت شهادتهما ولا يسترقهما المولود ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : إطلاق المصنف القول بأنه : ( لا يسترقهما المولود ) لا وجه له ، لأنه يفهم منه انه يجب على المولود إمضاء العتق الذي صدر من الوارث بعد موت مولاهما الذي شهدا على إقراره ، وليس كذلك ، بل الخلاف فيما إذا ادعيا أن مولاهما الذي أشهدهما أعتقهما.

قال الشيخ في النهاية : إذا أشهد رجل عبدين له على نفسه بالإقرار لوارث فردّت شهادتهما وحاز الميراث غير المقر له فأعتقهما بعد ذلك فشهدا للمقر له ، قبلت شهادتهما له ، ورجع بالميراث على من كان أخذه ، ورجعا عبدين ، فان ذكرا

ص: 431

أن مولاهما كان أعتقهما في حال ما كان أشهدهما ، لم يجز للمقر له أن يردهما في الرق ويقبل شهادتهما في ذلك ، لأنهما أحييا حقه ، هذا قول الشيخ في النهاية ، وهو مراد المصنف في قوله : ( ولا يسترقهما المولود ) ، إلا انه غير مفهوم من لفظه.

وقال ابن إدريس : قول الشيخ هذا غير واضح ولا مستقيم ، لأن هذه الشهادة الأخيرة شهادة على سيدهما ، وقد ثبت أنه لا يجوز شهادة العبيد على ساداتهم.

والمعتمد كراهية استرقاقهما ان ادعيا أن مولاهما أعتقهما.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده ، استخرج ذلك العدد بالقرعة ، وقيل : يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك العدد ، والقرعة على الاستحباب. وهو حسن.

أقول : وجه القرعة : ان الوصية بالعتق مع عدم التشخيص حق للجميع ، وتخصيص البعض دون البعض من غير قرعة ترجيح من غير مرجح. ووجه القول بالتخيير : أن الواجب على الورثة إعتاق العدد المعين من غير تخصيص فيكون التخصيص إليهم. واستحسنه المصنف هنا ، واستجوده العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا وليس له سواه ، قيل : عتق كله ، وقيل : يعتق ثلثه ويسعى للورثة في باقي قيمته. وهو أشهر.

أقول : الخلاف هنا مبني على ان منجزات المريض ، هل هي من الأصل أو الثلث؟ وسيأتي (1) تحقيق البحث في ذلك ، إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ، فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب.

أقول : البحث هنا في موضعين :

ص: 432


1- ص 451.

الأول : في جواز عتق المخالف غير الناصب عند تعذّر المؤمن ، وبالجواز قال الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف ، لرواية علي بن حمزة (1) ، عن ابي الحسن عليه السلام. ومنع ابن إدريس من ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو مذهب فخر الدين ، لقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (2) ، والوصية تضمنت عتق المؤمن فإذا أعتق المخالف كان تبديلا للوصية ، بل يتوقع الرقبة المؤمنة.

وهو المعتمد.

الثاني : في تفسير الناصب وقد حكى المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر في تفسيره وجوها :

الأول : انه الخارجي الذي يقول في علي عليه السلام.

الثاني : انه الذي ينسب الى احد المعصومين ما يسقط العدالة.

الثالث : من إذا سمع فضيلة لعلي عليه السلام أو لغيره من المعصومين أنكرها.

الرابع : من اعتقد أفضلية غير علي عليه السلام.

الخامس : من سمع النص على علي عليه السلام من النبي ، أو سمعه متواترا بطريق يعتقد صحته ، فأنكر.

قال : والحق صدق النصب على الجميع ، أما من يعتقد إمامة غيره للإجماع أو لمصلحة (3) ، ولم يكن من أحد الأقسام الخمسة ، فليس بناصب ، ثمَّ نقل عن المرتضى وابن إدريس أنهما أطلقا النصب على غير القائل بإمامة الاثني عشر عليهم السلام.

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 74 أحكام الوصايا ، حديث 1 و2.
2- البقرة : 181.
3- في « ن » : مصلحته.

ص: 434

في الموصى له

اشارة

قال رحمه اللّه : وتصح الوصية للذمي ولو كان أجنبيا ، وقيل : لا يجوز مطلقا. ومنهم من خص الجواز بذوي الأرحام ، والأول أشبه ، وفي الوصية للحربي تردد ، أظهره المنع.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في الوصية للذمي ، وقد حكى المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : صحة الوصية له مطلقا سواء كان رحما أو أجنبيا ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأنها نوع عطية ، وهي جائزة له ، ولرواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام (1).

الثاني : عدم الجواز مطلقا ؛ لتحريم مودة الكافر (2) ، وهو قول ابن البراج.

الثالث : جوازها للرحم دون الأجنبي ، حكاه الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا ؛ للحث على صلة الأرحام.

ص: 435


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 32 في أحكام الوصايا ، حديث 1.
2- المجادلة : 22.

الثانية : في الوصية للحربي ، والمشهور بين الأصحاب عدم جوازها ، وتردد المصنف. ومنشأ التردد من ان الوصية نوع صلة ومودة ، وهي غير جائزة للكافر ، ومن كونها نوع عطية ، وهي جائزة.

والمعتمد عدم الجواز للحربي سواء كان رحما أو أجنبيا.

قال رحمه اللّه : ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث فإن كان بقدر قيمته أعتق وكان الموصى به للورثة ، وإن كان قيمته أقل اعطي الفاضل ، وإن كانت أكثر سعى للورثة فيما بقي ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى به له ، فإن بلغت ذلك بطلت الوصية ، وقيل : يصح ويسعى في الباقي كيف كان ، وهو حسن.

أقول : إذا أوصى لمملوك نفسه بجزء مشاع كثلث التركة أو نصفها أو ربعها مثلا صحت الوصية إجماعا ، وكان الحكم ما قاله المصنف من أن الوصية إن كانت بقدر قيمته أعتق ، وان كانت أقل من القيمة سعى بالباقي ، وان كانت أكثر أخذ الفاضل سواء كانت الوصية أكثر من القيمة أو أقل.

وهذا هو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة : ان كانت قيمته ضعف الوصية ، أي بقدرها مرتين بطلت الوصية.

ومستندهما رواية الحسن بن صالح (1) ، عن الصادق عليه السلام المتضمنة مطلوبهما ، وهو زيدي اليه تنسب الصالحية.

وإذا أوصى لعبده بشي ء معيّن من التركة ، هل يصح أم لا؟ استشكله العلامة في القواعد ، واختار في المختلف عدم الصحة ، لأنه إذا أوصى له بمعيّن لم يجز صرف ذلك المعيّن إلى قيمة رقبته ، لما فيه من تبديل الوصية ، وهو غير جائز ، ولأنه يكون قد قصد تمليكه لتلك العين والعبد لا يملك شيئا ، وانما صحّت الوصية ، بالجزء

ص: 436


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 79 في أحكام الوصايا ، حديث 2.

المشاع ، لتناولها رقبة العبد ، فهو كما لو اوصى بعتقه.

والأصحاب أطلقوا جواز الوصية ولم يفصّلوا بين المعين وغيره ، وحكموا بصرف ما اوصى له سيده إلى قيمة نفسه من غير تفصيل. وانما فصل ابن الجنيد والعلامة في المختلف. وفخر الدين اختار إطلاق الأصحاب ، وكذا الشهيد.

وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا أوصى بعتق مملوكه وعليه دين ، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق وسعى في خمسة أسداس قيمته ، وإن كانت قيمته أقل بطلت الوصية بعتقه. والوجه ان الدين يقدم على الوصية فيبدأ به ويعتق منه الثلث مما فضل عن الدين ، أما لو نجز عتقه عند موته كان الأمر كما ذكرنا أولا ، عملا برواية عبد الرحمن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا أوصى بعتق عبده المستوعب وعليه دين. وما حكاه المصنف من اشتراط كون قيمته ضعف الدين مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لحسنة الحلبي (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام. وما اختاره من تقديم الدين على الوصية مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة.

وهو المعتمد ، لأن الدين من الأصل ، والوصية من الثلث.

الثانية : إذا أنجز عتق المستوعب وعليه دين ، فإن قلنا : إن المنجزات من الأصل ، مضى العتق في جميعه وسقط الدين ، وإن قلنا المنجزات من الثلث ، فيه قولان :

أحدهما : اختيار المصنف ، وهو إن كانت قيمته بقدر الدين مرتين ، نفذ العتق في سدسه وسعى بنصف قيمته للدين وبثلث قيمته للورثة ، وإن كان الدين أكثر من

ص: 437


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 39 أحكام الوصايا ، حديث 3.

نصف قيمته ، بطل العتق واسترق أهل الدين بقدر دينهم وللورثة الباقي ، وهو مذهب المفيد ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج (1) ، عن الصادق عليه السلام.

والثاني : الحكم بصحة العتق من ثلث الفاضل عن الدين وإن قلّ ، ويستسعى للديّان والورثة على النسبة ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى الإنسان لأم ولده ، صحت الوصية ، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب ولدها؟ قيل : تعتق من نصيب ولدها ويكون لها الوصية ، وقيل : تعتق من الوصية ، لأنه لا ميراث إلا بعد الوصية.

أقول : القول بأنها تعتق من نصيب ولدها وتأخذ الوصية قول الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن التركة تنتقل إلى الورثة بنفس الموت ، فيثبت ملك الولد على جزء من امه فتنعتق عليه وتستحق الوصية.

والقول بأنها تنعتق من الوصية ، وإن فضل منها شي ء أعتق من نصيب الولد ، قول ابن إدريس ، واختاره العلامة في التحرير وأبو العباس في المقتصر ، لأن الإرث متأخّر عن الوصايا. لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (2).

قال رحمه اللّه : وكذا لو أوصى لأعمامه وأخواله ، كانوا سواء على الأصح ، وفيه رواية مهجورة.

أقول : إذا اوصى لأعمامه وأخواله وأطلق الوصية ، قال الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج بتفصيل الأعمام على الأخوال كالميراث. ومستندهم رواية زرارة (3) ، عن الباقر عليه السلام ، وهي التي أشار إليها المصنف بالهجر.

ص: 438


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 39 أحكام الوصايا ، حديث 5.
2- النساء : 12.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 62 أحكام الوصايا ، حديث 1.

وذهب ابن إدريس إلى التسوية ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن الإطلاق يقتضي التسوية ، فما اقتضى التسوية بين الذكور والإناث من الأولاد اقتضى التسوية بين الأعمام والأخوال. وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبة مصيرا إلى العرف ، وقيل : كان لمن يتقرب إليه إلى آخر أب وأم له في الإسلام ، وهو غير مستند إلى شاهد.

أقول : التفسير الأول مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، حملا للّفظ على المعنى العرفي عند تعذر النص الشرعي. والتفسير الثاني مذهب المفيد ، ومعناه الارتقاء إلى أبعد جدّ في الإسلام والى فروعه ، ولا يرتقي إلى أب المشرك.

قال الشيخ في الخلاف : ولم أجد به نصا ، ولا عليه دليلا مستخرجا ، وهو معنى قول المصنف : ( وهو غير مستند الى شاهد ) اي لا يشهد به نص ولا دليل.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى لقومه قيل : هو لأهل لغته.

أقول : قال الشيخان : قومه جماعة أهل لغته من الذكور والإناث. وبه قال ابن حمزة وابن البراج. وقال أبو الصلاح : يعمل بالمعلوم من قصده ، فان لم يعلم قصده عمل يعرف قومه في ذلك الإطلاق. وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته الأدلة الظاهرة انه يكون مصروفا الى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف أنهم اهله وعشيرته دون غيرهم ممن سواهم ، هذا الذي تشهد به اللغة ، وعرف العادة وفحوى الخطاب ، قال الشاعر :

قومي هم قتلوا أميم أخي *** فإذا رميت يصيبني سهمي

واختاره العلامة مذهب الشيخين ، قال : لأنهما أعرف باللغة ومقاصد العرب ، والمرجع في ذلك إليهم أي إلى العرب.

ص: 439

قال رحمه اللّه : ولو قال : لجيرانه ، قيل : كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب ، وفيه قول آخر مستبعد.

أقول : القول المستبعد أربعون دارا ، وهو مروي عن عائشة (1) ، وقد سبق البحث في ذلك في باب الوقف فيطلب من هناك.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى لإنسان فمات قبل الموصي ، قيل : بطلت الوصية ، وقيل : إن رجع الموصي بطلت الوصية ، سواء رجع قبل موت الموصى له أو بعده ، وان لم يرجع كانت الوصية لورثة الموصى له ، وهو أشهر الروايتين.

أقول : كون الوصية لوارثه مع عدم رجوع الموصي هو المشهور بين الأصحاب لرواية محمد بن قيس (2) ، عن الباقر عليه السلام.

وقال ابن الجنيد : تبطل الوصية ، واختاره العلامة في المختلف ، لما رواه أبو بصير ومحمد بن مسلم معا ، عن الصادق عليه السلام (3).

قال رحمه اللّه : ولو أوصى في سبيل اللّه صرف إلى ما فيه أجر ، وقيل : يختص بالغزاة ، والأول أشبه.

أقول : القائل باختصاص الغزاة الشيخ في الخلاف ، لأن عرف الشرع يقتضي حمل السبيل على الغزاة ، وحكم كلام الآدميين إذا أطلق حمل على عرف الشرع.

والمعتمد اختيار المصنف ، لأن سبيل اللّه كل طريق يؤدي الى الأجر.

ص: 440


1- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 86 أحكام العشرة ، حديث 1 وباب 90 ، حديث 1 و2 و3 و4 ، والمستدرك ، كتاب الحج باب 76 من أحكام العشرة ، حديث 1 و2 و3 ، وليس في المصدرين عن عائشة.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 30 أحكام الوصايا ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 30 أحكام الوصايا ، حديث 4 و5.

في الأوصياء

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل تعتبر العدالة؟ قيل : نعم تعتبر ، لأن الفاسق لا أمانة له ، وقيل : لا ، لأن المسلم محل للأمانة كالوكالة والاستيداع.

أقول : اشتراط العدالة هو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، والمفيد في المقنعة ، وابن البراج وابن حمزة وسلّار ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وفخر الدين والشهيد. وعدم اشتراط العدالة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة في المختلف ، وقد ذكر المصنف دليل الفريقين.

والفرق بين الوصية إلى الفاسق ووكالته وإيداعه ظاهر ، لأن الوكالة والإيداع ولاية على مال نفسه ، والوصية إليه ولايته على مال غيره ، فافترق الحكم.

والعمل على المشهور مع كونه أحوط.

اما إذا اوصى الى عدل ففسق ، أجمع الأصحاب على بطلان وصيته ، إلا ابن إدريس فإنه لم يبطلها ، قال : لأن الأصل عدم تبديل الوصية ، وبطلانها تبديل لها ،

ص: 441

وهو حرام.

قال رحمه اللّه : ولو مرض أحدهما أو عجز ضمّ إليه الحاكم من يقويه ، أما لو مات أو فسق لم يضم الحاكم الى الآخر ، وجاز له الانفراد ، لأنه لا ولاية للحاكم مع وجود وصي ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من إطلاق أكثر الأصحاب أنه يستند من غير ضم ، ولأنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم ، والوصي هنا موجود ، ومن احتمال وجوب الضم ، لأن الموصي لم يرض برأي أحدهما بانفراده ، والوصي انما هو هما معا ، لا أحدهما بانفراده ، فلا بد من ضم آخر اليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير وفخر الدين والشهيد.

وهو المعتمد.

فرعان :

الأول : على وجوب الضم ، هل يجوز للحاكم أن يجعل جميع الولاية للباقي منهما؟ فيه وجهان ، أحدهما : عدم الجواز ، لأن الموصي لم يرض برأيه منفردا ، فليس للحاكم ان يفوّض اليه الجميع ، والآخر الجواز ، لأن النظر قد صار للحاكم.

والأول هو المعتمد.

الثاني : لو تغيّر حالهما معا وصرفهما الحاكم ، جاز له نصيب واحد ، ولا يجب التعدد ، والفرق أنّ الباقي منهما في الصورة الأولى منصوب الموصي ، وهو لم يرض برأيه وحده ، وهنا قد انقطع نظر الموصي وصار النظر الى الحاكم ، فله نصب ما شاء ، وهو اختيار الشهيد.

قال رحمه اللّه : ولو كان للوصي دين على الميت ، جاز أن يستوفي مما في يده من غير إذن حاكم إذا لم يكن له حجّة ، وقيل : يجوز مطلقا ، وفي شرائه لنفسه من نفسه تردد ، والأشبه الجواز.

ص: 442

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في جواز استيفاء دينه مما في يده ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز أن يأخذ مما في يده إلا ما تقوم به البيّنة ، وتبعه ابن البراج. وقال ابن إدريس : يجوز وان لم يكن له بينة ، لأن من له على غيره مال ولا له عليه بينة ولا يقدر على أخذه ظاهرا فله أخذه باطنا. وقيل : ليس له الأخذ بغير اذن الحاكم إلّا مع عدم البينة ، فأما إذا كانت له بينة فليس له ذلك ، لأنه قادر على استيفاء حقه ظاهرا فليس له أخذه باطنا ، وهو ظاهر المصنف هنا.

وذهب العلامة إلى جواز الأخذ بغير اذن الحاكم مطلقا : سواء كان له بينة أو لم يكن.

الثانية : في جواز بيعه من نفسه ، وقد سبق (1) البحث في ذلك.

والمعتمد الجواز.

قال رحمه اللّه : وإذا أذن الموصي للوصي أن يوصي جاز إجماعا.

أقول : لا خلاف في عدم جواز الإيصاء إذا منعه منه ، كما لا خلاف في جوازه مع الأمر به ، وإنما الخلاف في الإطلاق ، فهل يجوز للموصي أن يوصي؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، ووجهه أنه ملك ولاية فيملك الإيصاء بها. ولرواية محمّد بن الحسن الصفار (2) ، عن الحسن بن علي عليهما السلام ، وهي مشتملة على المكاتبة. وقال المفيد : لا يجوز ، وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس.

وهو المعتمد ، لبطلان ولايته بالموت ، والأصل عدم جواز تسليط الغير على حق الأطفال ما لم يحصل الإذن الشرعي ، وولاية الوصي تابعة لإذن الموصي ، وهو

ص: 443


1- ص 18.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 70 في أحكام الوصايا ، حديث 1.

مقصور على تصرفه دون تصرف غيره.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولّاه من المؤمنين من يوثق به ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه من أن الولاية الشرعية إنما تثبت للأب أو الجدّ أو الحاكم ، فلا يجوز لغيرهم ، ومن أنه محلّ ضرورة ، فتجوز الولاية مع فقدهم لغيرهم من المؤمنين ، وهو المشهور بين الأصحاب. والمراد بالحاكم هنا السلطان العادل الأصلي أو نائبه ، فإن تعذّر فالفقيه الجامع شرائط الفتوى.

قوله : ( فان لم يكن حاكم ) ، المراد فقد هؤلاء الثلاثة.

قال رحمه اللّه : وإذا أوصى بالنظر في مال ولده الى أجنبي وله أب لم يصحّ وكانت الولاية إلى جد اليتيم دون الوصي ، وقيل : يصحّ ذلك في قدر الثلث مما ترك ، وفي أداء الحقوق.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : بطلانها مطلقا ، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، والعلامة وابنه ، وهو مذهب المصنف ، لأن ولاية الجد ثابتة بالأصل وهي مساوية لولاية الأب أو أقوى منها ، فكما لا يصح وصية الجدّ مع بقاء الأب كذلك العكس.

الثاني : عدم جواز العمل بالوصية مع وجود الجدّ ، فإذا مات أو حدث عليه أمر يمنع ولايته ، جاز للوصي العمل بوصية الأب اليه ، وهو منقول عن بعض الأصحاب.

الثالث : ذهب الشيخ في موضع من المبسوط إلى صحة الوصية بالثلث ، لأن له إخراجه عن ملك الوارث فإزالة الولاية أولى.

والمعتمد الأول.

ص: 444

أما الوصية بإخراج الحقوق إلى الأجنبي مع وجود أب (1) الموصي فهي صحيحة.

قال رحمه اللّه : الصفات المعتبرة في الوصي تعتبر حال الوصية ، وقيل : حين الوفاة ، فلو أوصى الى صبي فبلغ ثمَّ مات الوصي صحّت الوصية ، وكذا الكلام في الحرية والعقل ، والأول أشبه.

أقول : الصفات المعتبرة في الوصي وهي : البلوغ والعقل والحرية ، والإسلام - إذا كان الموصي مسلما - والعدالة ، على القول باشتراطهما (2) تعتبر حالة موت الموصي إجماعا ، وهل تعتبر حالة الوصية؟ في هذه المسألة ثلاث أقوال :

الأول : اعتبارها حالة الموت خاصة ، لا قبل ذلك ؛ لأن الوصية إنما تلزم بالموت ويثبت للوصي (3) النظر والتصرف في تلك الحالة ، فالشرائط معتبرة حينئذ ؛ لأن قبل ذلك لا تصرّف ولا ولاية ، فلا فائدة في اعتبار الشرائط قبله.

الثاني : لا بدّ أن تكون ثابتة حالة الوصية والموت معا ، أما حالة الموت فلما تقدم ، وأما حالة الوصية ، لأنها حالة الإيجاب والقبول والركون اليه ، ولأنه لو مات بعد الوصية بلا فصل كان للموصي التصرف ، فلا بد من ان يكون جامعا للصفات حالة الوصية.

الثالث : حالة الوصية والموت ، وما بينهما وما بعدهما ، فلو أوصى الى عاقل فجنّ بعد الوصية ثمَّ زال العذر قبل موت الموصي ، صحّ على القولين الأولين دون الثالث. وقوى الشيخ وابن إدريس الوسط ، واختاره المصنف والعلامة.

وهو المعتمد.

ص: 445


1- من « ر 2 » و« ن ».
2- كذا في النسخ.
3- في « ن » : الموصى إليه.

قال رحمه اللّه : يجوز لمن يتولى أموال اليتيم أن يأخذ أجرة المثل عن نظره في ماله ، وقيل : يأخذ قدر كفايته ، وقيل : أقل الأمرين ، والأول أظهر.

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : أجرة المثل ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وأبو العباس ، لأنه عمل عملا محترما لم يتبرّع به ، فكان له اجرة مثله.

الثاني : قدر الكفاية ، وهو قول ابن إدريس بشرط الحاجة ، لصحيحة عبد اللّه بن سنان (1) ، عن الصادق عليه السلام.

الثالث : أقل الأمرين من قدر الكفاية واجرة المثل ، قاله الشيخ في المبسوط والتبيان.

وهذا البحث إذا كان الوصي محتاجا ، فإذا كان غنيا ، هل يجوز له ذلك ، أو يجب عليه الاستعفاف؟

أوجبه ابن إدريس عملا بظاهر الآية ، وهي قوله تعالى ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (2).

وحمل الشيخ وابن الجنيد والعلامة الاستعفاف على الندب ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، لرواية هشام بن الحكم ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فيمن تولى مال اليتيم ، ما له أن يأكل منه؟ فقال : ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجرة لهم ، فيأكل بقدر ذلك » (3) ، وهي عامة.

ص: 446


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 72 ما يكتسب به ، حديث 1.
2- النساء : 6.
3- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 72 ما يكتسب به ، حديث 5.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو كان له زوجة وبنت ، وقال : مثل نصيب بنتي ، فأجاز الورثة ، كان له سبعة أسهم وللبنت مثلها وللزوجة سهمان ، ولو قيل : لها سهم واحد من خمسة عشر كان أولى.

أقول : كونها من ستة عشر ، قول الشيخ ، وهو سهو القلم ، لأن الزوجة إذا أخذت سهمين من ستة عشر خرجت الوصية جميعها من نصيب البنت دون نصيب الزوجة ، لأن السهمين ثمن الستة عشر من غير نقص ، بل يجب ان يكون من خمسة عشر ، لأن أصل الفريضة ثمانية ، للزوجة سهم وللبنت سبعة ، فإذا زاد عليها سبعة أخرى صارت خمسة عشر ، فيصير سبعة الموصى له خارجة من الجميع. هذا مع الإجازة.

ومع الرد تكون المسألة من اثني عشر ، للموصى له أربعة وللبنت والزوجة ثمانية ، سهم للزوجة وسبعة للبنت ، فلو أجازت إحداهما وردت الأخرى ضربت وفق مسألة الإجازة في مسألة الرد أو بالعكس ، والوفق هنا بالثلث ، فاذا ضربت ثلث إحدى المسألتين بالأخرى بلغت ستين ، فمن أجاز منهما أخذ نصيبه

ص: 447

من مسألة الإجازة مضروبا في وفق مسألة الرد ، ومن ردّ أخذ نصيبه من مسألة الرد مضروبا في وفق مسألة الإجازة ، فمع اجازة الزوجة ورد البنت تأخذ الزوجة نصيبها من مسألة الإجازة ، وهو سهم مضروبا في وفق مسألة الرد وهو أربعة ، فيكون لها أربعة ، وتأخذ البنت نصيبها من مسألة الرد وهو سبعة مضروبا في وفق مسألة الإجازة وهو خمسة ، يكون لها خمسة وثلاثون يبقى من ستين احد وعشرون للموصى له.

ومع اجازة البنت ورد الزوجة تأخذ البنت نصيبها من مسألة الإجازة وهو سبعة مضروبا في ثلث مسألة الرد وهو أربعة يكون لها ثمانية وعشرون ، وتأخذ الزوجة نصيبها من مسألة الرد وهو سهم مضروبا في ثلث مسألة الإجازة وهو خمسة ، فيكون لها خمسة يبقى من الستين سبعة وعشرون للموصى له.

وهذه قاعدة مطردة مع اختلاف الورثة بالرد والإجازة ، فإنه ينظر إلى مسألة الرد ومسألة الإجازة ثمَّ ينظر إلى الموافقة بينهما ، فتضرب جزء الوفق من أحدهما بالأخرى ، فما اجتمع فرض فيه كما فرضناه في هذه المسألة.

قال رحمه اللّه : ولو كان له اربع زوجات وبنت ، فأوصى بمثل نصيب إحداهن ، كانت الفريضة من اثنين وثلاثين ، يكون للزوجات الثمن أربعة بينهن بالسوية ، وله سهم كواحدة ، يبقى سبعة وعشرون للبنت ، ولو قيل : من ثلاثة وثلاثين كان أشبه.

أقول : كونها من اثنين وثلاثين قول الشيخ ، وهو مردود بما قلناه في المسألة السابقة ، لأن الوصية كلها تكون من نصيب البنت خاصة ، وهو غير جائز ، بل السهم الموصى به يكون على الجميع فيزاد على أصل الفريضة فتصير ثلاثة وثلاثين ، للبنت ثمانية وعشرون ، ولكل واحدة من الزوجات والموصى له سهم.

قال رحمه اللّه : ولو اوصى لأجنبي بنصيب ولده ، قيل : تبطل الوصية ،

ص: 448

لأنها وصية بمستحقة ، وقيل : تصح فيكون كما لو اوصى بمثل نصيبه ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، ولم يختر في القواعد والإرشاد والتحرير شيئا ، بل قال : احتمل الصحة والبطلان. وفخر الدين اختار البطلان ، وهو قوي ، لأن قوله : ( أوصيت لزيد بنصيب ابني ) ، يجري مجرى قوله : ( أوصيت لزيد بدار ابني ) ، ولا شك في بطلان هذه الوصية ، لأنها وصية بما يستحقه الغير ، وكذلك الوصية بنصيبه ، لأنه مستحق له ، كما ان داره مستحقة له.

ونقل الشيخ عن بعض علمائنا صحة الوصية وتكون بمنزلة من قال : ( بمثل نصيب ولدي ) ، واختاره المصنف ، لأن اللفظ يحمل على مجازه عند تعذر حمله على حقيقته صونا لكلام العقلاء عن الهذر.

قال رحمه اللّه : ولو كان له ابن قاتل وأوصى له بمثل نصيبه ، قيل : صحت الوصية ، وقيل : لا تصح ، لأنه لا نصيب له ، وهو أشبه.

أقول : عدم الصحة قول الشيخ في المبسوط ، وقيل : يصح ويقدر كما لو لم يكن قاتلا صونا لكلام العاقل عن الهذرية ، وقال في المختلف : ان علم انه قاتل وان القاتل لا يستحق شيئا بطلت الوصية ، وان جهل أحدهما صحت الوصية ، واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أوصى بضعف نصيب ولده كان له مثلاه ، ولو قال : ضعفاه كان أربعة ، وقيل : ثلاثة ، وهو أشبه.

أقول : إذا اوصى بضعفي نصيب ولده للشيخ فيه قولان :

أحدهما : يكون له أربعة أمثاله ، لأن ضعف الشي ء مثلاه ، فاذا ثناه وجب ان يكون أربعة أمثاله وللآخر ثلاثة أمثاله ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن ضعف الشي ء ضم مثله اليه فاذا ثناه فكأنه ضم مثليه إليه.

ص: 449

قال رحمه اللّه : وهل يجب ان يعطي ثلاثة فصاعدا؟ قيل : نعم ، وهو الأشبه.

أقول : الخلاف هنا مبني على ان الفقراء اسم جمع أو اسم جنس؟ فعلى الأول يكون أقله ثلاثة ، وعلى الثاني يكفي الواحد ، لأن اسم الجنس يصدق على القليل كما يصدق على الكثير ، والأصل براءة الذمة من الزائد.

قال رحمه اللّه : إذا اوصى له بدار فانهدمت ، وصارت براحا ثمَّ مات الموصي بطلت الوصية ، لأنها خرجت عن اسم الدار ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من ان الاعتبار بالوصية ما يقع عليه الاسم عند لزوم الوصية ، والبراح لا يصدق عليه اسم الدار ، فتبطل ، ومن ان الوصية بالدار تتضمن الوصية بالبراح ، فالوصية انما هي بالبراح والجدران والسقوف ، فلا تبطل الوصية بالمجموع بفوات بعض الأجزاء ، كما لو اوصى له بعبدين فمات أحدهما ، فإن الوصية ثابتة في الباقي منهما إجماعا.

قال رحمه اللّه : إذا قال : أعطوا زيدا والفقراء كذا ، كان لزيد النصف من الوصية ، وقيل : الربع ، والأول أشبه.

أقول : وجه الأول انه أضاف الوصية اليه وإليهم فوجب ان يساويهم وحده ، ووجه الثاني ان الفقراء اسم جمع ، واقله ثلاثة ، فكأنه اوصى له ولثلاثة ، فيكون له الرابع ، ويحتمل ان يكون كأحدهم للتسوية بينهم وبينه ، واختاره فخر الدين ، فعلى هذا يعطى كواحد منهم ويكون فائدة ذكره عدم جواز الإخلال به ، ووجوب الدفع اليه وان كان غنيا.

ص: 450

في تصرّفات المريض

قال رحمه اللّه : منجزات المريض إذا كانت تبرعا كالمحاباة في المعاوضات والهبة والوقف والعتق ، فقد قيل : انها من أصل المال ، وقيل : من الثلث.

أقول : القول انها من الأصل قول الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج وابن إدريس ، لأنه مالك تصرف في ملكه فكان تصرفه ماضيا كالصحيح ، لأن الأصل عدم الحجر على البالغ العاقل ، لقوله عليه السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (1).

وقال الشيخ في المبسوط ومحمد بن بابويه وابن الجنيد : انها من الثلث ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، والمستند الروايات (2).

قال رحمه اللّه : كل مرض لا يؤمن معه الموت غالبا فهو مخوف ، كحمى الدّق والسل وقذف الدم والأورام السوداوية والدموية والإسهال المنتن والذي يمازجه دهنية أو براز أسود يغلي على الأرض وما شاكله ، وأما الأمراض التي

ص: 451


1- بحار الأنوار 2 : 272.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 10 وباب 11 وباب 17.

الغالب فيها السلامة فحكمها حكم الصحة ، كحمى يوم ، وكالصداع عن مادة أو غير مادة والدمل والرمد والسلاق ، وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى العفن والزحير والأورام البلغمية ، ولو قيل : يتعلق الحكم بالمرض الذي يتفق به الموت سواء كان مخوفا بالعادة أو لم يكن ، كان حسنا.

أقول : إذا ثبت ان المنجزات الواقعة تخرج من الثلث اقتصر على بيان المرض ، فان المرض فيه مخوف وغير مخوف ، وقد بينه المصنف في المتن ، والشيخ في المبسوط علق الخروج من الثلث على المرض المخوف دون ما ليس بمخوف ، لرواية علي بن يقطين : « قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ، ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث كثير » (1).

فقوله : ( عند موته ) لا يكون الا عند امارة الموت ، والأمارات انما تكون بالمرض المخوف دون غيره.

وذهب المصنف والعلامة إلى تعليق الحكم بكل مرض اتفق فيه الموت سواء كان مخوفا أو غير مخوف لصدق اسم المرض عليه ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : « المريض محجور عليه الا في ثلث ماله » (2) ، والوصف هنا سبب ، فاذا اتصف بالمرض وحصل الموت ثبت الحكم ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أعتقها في مرض الموت وتزوج ودخل بها ، صح العتق والعقد وورثت ان خرجت من الثلث ، وان لم تخرج فعلى ما مر من الخلاف.

أقول : المراد بالخلاف المشار اليه ان منجزات المريض ، هل هي من الأصل أو من الثلث؟ فعلى القول بأنها من الأصل ينفذ العتق والنكاح سواء خرجت من

ص: 452


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 10 في أحكام الوصايا ، حديث 8.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 10 في أحكام الوصايا ، حديث 4 و7 و8 مع اختلاف في المتن.

الثلث أو لم تخرج ، وعلى القول بأنها من الثلث فان خرجت منه فلا بحث ، وان لم تخرج منه افتقرنا الى البحث ، فان لم تكن سواها ولم يدخل عتق ثلثها ، واسترق ثلثاها ، وبطل النكاح ، وان كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها مثلا عتق منها ثلاثة أسباعها واسترق أربعة أسباعها.

وطريقه ان نقول : عتق منها شي ء ولها بصداقها نصف شي ء وللورثة شيئان ، فيجمع ذلك فتكون ثلاثة أشياء ونصف ، فاذا بسطناها انصافا كانت سبعة ، لها منها ثلاثة ولهم أربعة تسعى فيها للورثة.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق أمته وقيمتها ثلث تركته ، ثمَّ أصدقها الثلث الآخر ودخل ثمَّ مات ، فالنكاح صحيح ، ويبطل المسمى ، لأنه زائد عن الثلث وترثه وفي ثبوت مهر المثل تردد ، وعلى القول الآخر يصح الجميع.

أقول : أما وجه بطلان المسمى ، لأن ثبوته يتوقف على صحة العقد المتوقف على العتق المتوقف على الخروج من الثلث المتوقف على بطلان المسمى.

وأما وجه التردد في ثبوت مهر المثل ، لأنه مع ثبوت المهر لم يبق هنا ثلث ينفذ عتقها فيه ، وإذا لم تعتق لم يصح النكاح ولا الصداق ، فلا بد من ابطال المهر حتى يصح العتق والنكاح.

ومن حيث ان مهر المثل كأرش الجناية فلا يجوز إسقاطه ، وهو المعتمد ، وحينئذ لا تعتق بجملتها ، وإلا لوجب لها مهر المثل كملا ، فينقص الثلث عن قيمتها ، فلا ينفذ العتق ، فلا يثبت جميع مهر المثل ، بل يعتق بعضها ويثبت لها من مهر المثل بإزاء ما عتق ، فحينئذ يدخلها الدور ، لأن نقصان مهر المثل يستلزم زيادة التركة فيزيد العتق فيزيد مهر المثل ، فيتوقف معرفة مهر المثل على معرفة قدر العتق ومعرفة قدر العتق ، على معرفة مهر المثل ، وهو دور.

وطريق التخلص ان نقول : عتق منها شي ء ولها من مهر المثل شي ء بإزاء ما

ص: 453

عتق منها وللورثة شيئان يقابلان ما عتق منها دون ما حصل لها من مهر المثل ، لأنه كأرش الجناية فهو لا يجب (1) على احد.

والتركة حينئذ في تقدير أربعة أشياء : شيئان للجارية ، وشيئان للورثة ، وقيمة الجارية ثلث التركة فينعتق ثلاثة أرباعها ، لأن ربع الجمع ثلاثة أرباع الثلث ، ويحصل لها ثلاثة أرباع الثلث الآخر ، مهر المثل تؤدي منه ثلثه تمام قيمتها ، ويبقى معها نصف الثلث ومع الورثة ثلث ونصف ثلث بقدر ما عتق منها مرتين ، لأن الذي عتق منها ثلاثة أرباعها وهو سدس التركة ونصف سدسها ، ومهر المثل غير محسوب عليها ، فلا يجب مقابله (2) شي ء للورثة.

تمَّ الجزء الأول (3) من كتاب غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ، ويتلوه الجزء الثاني ان شاء اللّه تعالى والحمد لله حق حمده ، وصلّى اللّه على محمد عبده ورسوله وآله الطيبين الطاهرين ، والحمد لله رب العالمين.

ص: 454


1- في « ر 2 » : يحسب.
2- في « ر 2 » : في مقابله.
3- هذا بحسب تقسيم الشارح رضوان اللّه تعالى عليه.

محتويات الجزء الثاني كتاب التجارة

الموضوع / الصفحة

فيما يكتسب به

بيع الأبوال... 5

مسألة في بيع المسوخ... 5

مسألة في بيع السباع... 6

أخذ الاجره علي القضاء ، فرع... 6

تنبيه في الضابط الذي جعله فخر المحققين لما يحرم أخذ الاجرة عليه... 7

حكم بيع الكلب... 9

في عقد البيع

في اشتراط تقديم الايجاب علي القبول... 11

في نفوذ بيع الصبي وعدمه... 12

في صحة ابتياع العبد نفسه في غيره... 12

البيع الفضولي

فروع خمسة وفي الأول منها فائدة... 13

في عدم الرجوع بالثمن مع العلم بالغصب... 16

ص: 455

الموضوع / الصفحة

تنبيه وفيه بيان لعباره للشيخ في النهاية... 16

جواز تولي طرفي العقد وعدمه... 17

مسألتان : في تولي الوصي طرفي العقد ، وافتراضه مع الملأة... 18

في لزوم كون المشتري مسلماً اذا ابتاع مسلماً... 19

حكم الارض المأخوذه عنوة ، وحكم بيوت مكة... 19

بيع الوقف... 20

بيع ام الولد... 21

تنبيه في مواضع بيع أم الولد... 21

حكم بيع العبد الجاني... 22

حكم عتق العبد الجاني... 23

حكم بيع ما يتعذر تسليمه الا بعد مدة... 24

حكم ما لو باع بحكم احدهما... 24

حكم اختلاف البائع والمشتري في المبيع... 25

حكم شراء ما يمكن اختباره من غير اختبار... 25

حكم بيع سمك الآجام والجلود والأوبار علي الانعام... 26

طهارة المسك وحكم بيعه... 27

حكم الربح علي المؤمن معه الاضطرار وعدمه... 28

مسألة : في الدخول في سوم المؤمن ، وفيها تنبيه... 29

مسألة : في توكل الحاضر للبادي... 29

مسألة في تلقي الركبان... 30

مسألة في حرمة النجش وحكم البيع معه... 31

ص: 456

الموضوع / الصفحة

مسائل أربعة في حكم الاحتكار ومحله وحده والاجبار علي البيع معه... 32

في الخيار

في ما يسقط به خيار المجلس... 33

حكم مالو قال : اختر ، فسكت... 34

في حكم خيار المجلس إذا كان العاقد واحد... 34

خيار الحيوان... 35

فرع : فيما اذا باعه حيواناً بحيوان... 35

كشف وايضاح في خيار الغبن ، حقيقته ، ثبوته وعدمه... 36

في أن التصرف غير الناقل لا يبطل هذا الخيار... 37

في صحة العقد إذا لم يقبض الثمن مع عدم اشتراط

تأخيره وعدم تسليم المبيع... 38

حكم مالو تلف المبيع قبل القبض... 39

تنبيه... 39

فروع أربعة... 40

حكم ما يفسد من يومه ، وفيه بحث طويل وتحقيق... 40

في محل هذا الخيار ، وبيان مناقصة في عباره فخر المحقيقن... 41

في حكم البيع بعد انقضاء اليوم ، والجمع بين عبارات الاصحاب... 42

في العقود التي يثبت فيها خيار المجلس... 43

فروع : في من انشأ العقد من بعد مفرط... 43

الكلام في العقود التي يثبت فيها خيار الحيوان وخيار الشرط... 44

ص: 457

الموضوع / الصفحة

الكلام في العقود يثبت فيها خيار المغبون... 45

في أن المبيع يملك بالعقد أو به وبانقضاء الخيار؟... 46

في أن خيار الشرط يثبت من حين التفرق أو من حين العقد... 46

فروع ستة... 47

في أحكام العقود

حكم مالو باع بثمن حال وبأزيد منه الي أجل... 49

فرعان... 49

حكم مالو ابتاعه بجنس ثمنه بزيادة أو نقيصة... 50

في أن قبض الحق واجب علي صاحبه ، وحكم امتناعه منه... 50

حكم من ابتاع شيئاً بثمن مؤجل وأراد بيعه مرابحة... 51

فيما يدخل في المبيع... 53

في التسليم

في معني القبض... 56

حكم تلف المبيع قبل التسليمة الي المشتري... 56

حكم اختلاط المبيع بغيره... 57

حكم مالو باع شيئاً فغصب من يد البائع... 57

حكم مالوابتاع متاعاً ولم يقبضه ثم أراد بيعه... 57

حكم مالو دفع من عليه طعام الي ديانه مالاً وقال : اشتر به طعاماً... 58

مسألتان : في الاسلاف والاقراض في بلد والمطالبة في آخر... 59

ص: 458

الموضوع / الصفحة

مسألة : في الغصب في بلد ومطالبة المغصوب منه في آخر... 60

في الشرط

في جواز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه وعدمه ، وفيه مقامان ، الاول... 61

فروع سبعة... 62

لو باعه بشرط التدبير... 63

حكم مالو باع العبد بشرط ان يكاتبه... 64

المقام الثاني : حكم مالو اشتري جارية بشرط منافٍ لعقد البيع... 64

تنبيه : في جواز بيع الشيء اليسير بأضعاف قيمته... 65

فروع خمسة ، وبيان اشكال في عبارة التذكرة... 66

حكم مالو باعه اُرضاً أنها جربان معينة وكانت أقل... 68

فرع... 69

في أحكام العيوب

معني التصرية وأن فيها الخيار ، وحكم اللبن المحتلب منها... 71

في ثبوت هذا الخيار في الناقة والبقرة وعدمه... 72

تنبيه في مدة هذا الخيار... 73

في أن الخيار يثبت بتحمير الشعر وتدليس الوجه... 73

فرع ، حكم حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض... 74

في المراجعة والمواضعة

إذا باع الثمن أنقض مما وقع عليه العقد... 75

ص: 459

الموضوع / الصفحة

إذا ادعي الغلط وأن رأس ماله أكثر مما ذكره... 76

حكم مالو حط البائع بعض الثمن... 76

في الربا

حكم بيع المتماثلين في الجنس والمختلفين مع كونهما ربويين... 77

في كون الحنطه والشعير جنساً واحداً وعدمه... 78

مسألتان : في كون كل من الحمام والسموك جنساً واحداً وعدمه... 79

في ثبوت الربا في الطين الموزون كالارمني وعدمه... 79

في حكم المكيل والموزون مع العلم بالحال في عصر النبي أو الجهل به... 80

في بيان حكم بيع الرطب باليابس من جنسه متساوياً نقداً ،

وفيه عدة مسائل... 81

حكم مالو كان المبيعان في حكم الجنس الواحد واحدهما

مكيل والأخر موزون... 82

في ثبوت الربا بين المسلم والذمي... 83

تنبيه... 83

في جواز بيع لحم الحيوان من جنسه وعدمه من غيره... 84

بيع الصرف

في أن التقابض شرط من بيع الصرف... 84

فرع... 84

حكم مالو كان له عليه دراهم فاشتر بها دنانير... 85

حكم ما اذا اشتر دراهم في الذمة بمثلها... 86

ص: 460

الموضوع / الصفحة

بيان عبارة موهمة للعلامة في القواعد... 86

إذا اشتري ديناراً بدينار فدفعه فزاد... 87

حكم بيع الدرهم بالدرهم مع شرط صياغة خاتم ،

وحكم تعديته الي باقي الشروط... 88

تنبيه... 89

بيع المراكب المحلاة بجنس الحلية... 89

لو باع ثوباً بعشرين درهماً... 89

تحقيق في حكم بيع مئة درهم بدينار إلا درهماً... 90

بيع الثمار

حكم بيع النخل قبل ظهورهما عاماً واحداً... 91

حكم بيع النخل قبل بدو صلاحها عاماً... 92

تنبيه في بيان مراد العلامة في قواعده وتحريره... 92

تفريع علي اشتراط بدو الصلاح ، وأنه يختلف باختلاف محله... 93

مسألة في المزابنة... 94

مسألة في تعدية التحريم إلي غير ثمره النخل من الفواكه... 95

مسألة في المحاقلة ، في حكم بيع العرايا... 95

فروع أربعة... 97

بيع الحيوان

في قبول اقرار لقيط دار الحرب بالرقية وعدمه... 99

تنبيه في بيان المراد بدار الاسلام... 99

ص: 461

الموضوع / الصفحة

في تسوية الرضاع بالنسب في عدم جواز الملك... 100

حكم تبعية الحمل للمبيع... 101

حكم مالو باع واستثني الرأس والجلد... 101

فرع... 101

حكم مالو قال الربح لنا والخسران عليك... 102

حكم وطي من ولدت من الزنا... 103

بيان الخلاف في أن العبد يملك أولا... 103

حكم مال العبد المباع... 104

حكم مالو قال اشترني ولك علي كذا... 105

البحث في تحريم التفرقة وكراهتها... 105

البحث في الغاية التي يزول معها التحريم او الكراهة... 106

من أولد ثم ظهر أنها مستحقة ، وحكم الرجوع علي البائع بما اغترمه... 106

حكم ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الامام... 107

تنبيه... 107

فرع... 108

إذ دفع الي مأذون مالاً ليشتري نسمة ويعتقها ويحج ... ، وهنا فرع... 109

مسألة فيمن اشتري عبداً في الذمة ووضع البائع عبدين ... 110

مسألة فيما اذ اشتري عبداً من عبدين معينين علي أن يختار أحدهما... 111

حكم ما إذا وطأ احد الشريكين مملوكة بينهما... 111

فروع ستة... 112

المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كل منهما صاحبه من مولاه... 113

ص: 462

الموضوع / الصفحة

من اشتري جارية سرقت من أرض الصلح... 114

بيع السلف

في احتمال انعقاد البيع بلفظ السلم... 115

في عدم جواز اشتراط الأجود... 115

حكم بيع الجلود مع المشاهده وعدمه... 116

مسألتان في جواز الاسلاف في شاة معها ولدها أو

حامل أو جارية كذلك... 116

حكم الاسلاف في جوز القز ، حكم شرط كون الثمن من دين عليه ، وحكم الاسلاف في المعدود  117

حكم مالو قال : الي شهرين... 118

في شروطية ذكر موضع التسليم... 118

في عدم جواز كونه الثمن مؤجلاً في السلف... 119

في جواز بيع الدين بعد حلوله ، وفيه بيان سهو للشهيد وأبي العباس... 120

تنبيه فيما لو باع الدين بأقل من ثمنه ، ويليه فرع... 121

مسألة فيما إذا سلف في غنم واشتراط اصواف نعجات معينه... 122

مسألة فيما إذا أسند السلف الي معين... 122

لو شرط الصحاح عوض المكسرة... 123

تنبيه... 124

في اقتراض المثلي والقيمي وأنه يثبت بالثاني القيمة... 124

حكم اقتراض الجواري واللآلي... 125

ص: 463

الموضوع / الصفحة

في أن القرض يملك بالقبض لا بالتصرف... 125

في شرط التأجيل في القرض وأنه لا يتأجل إلا بأمور ثلاثة... 125

حكم الدين الذي غاب صاحبه غيبة منقطعة... 126

لو كان عل الدين رهن... 127

دين المملوك

في أن المملوك محجور عليه في انواع التصرفات

ولا يجوز له التصرف في نفسه... 129

في بيان غلط صاحب الترددات... 130

حكم الدين مع الاذن للعبد عل الاستدانة... 130

حكم تلف المال مع الاذن له في الستدانة دون التجارة ويليه فرع... 131

في أن أجرة البيع أو الشراء علي الآمر بأحدهما... 132

كتاب الرهن

في شرطية القبض وعدمه... 135

فيما لو أقر الراهن بالاقباض... 136

في اعتبار اذن الشريك في جواز تسليم المشاع... 137

تنبيه : في امتناع الشريك من الاذن في القبض... 137

في شرائط الرهن

في رهن المدبر... 139

ص: 464

الموضوع / الصفحة

حكم رهن المسلم خمرا ، حكم رهن ما لا يصح قبضه... 140

في صحة الرهن زمن الخيار... 141

مسألة في جواز رهن العبد المرتد... 141

مسألة في جواز رهن العبد القاتل... 142

فرعان... 142

حكم ما لو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل... 143

فرع... 143

في الحق

في جواز أخذ الرهن علي مال الكتابة... 145

في عدم صحة الرهن علي ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن وصحته علي ما هو ثابت في الذمة 145

في حكم الاستدانة بعد الرهن وجعل الرهن عل المالين... 146

فروع ثلاثه... 147

في أن ليس للمالك فسخ الوكالة في بيع الرهن وأن الوكالة

تبطل مع الموت دون الرهانة... 148

فرع... 149

في أن المرتهن أحق من غيره في استيفاء دينه... 149

في حكم الرهن ذي المؤنة كالدابة... 149

مسألتان في تصرف الراهن والمرتهن في الرهن وهنا فرع... 151

في حكم رهن الامة بعد وطأ الراهن لها... 152

ص: 465

الموضوع / الصفحة

مسألة في رهن المغصوب عند الغاصب... 152

مسألة في رهن المقبوض بالبيع الفاسد... 153

مسألة في ابراء الغاصب من ضمان الغصب وهو في يده... 153

فروع ثلاثة... 154

في أن حمل الشجرة والمملوكة رهن كالأصل... 154

في دخول الثمرة في رهن النخل وعدمه... 155

فرع... 155

في اجبار الراهن علي ازالة النابت بعد الرهن وعدمه... 155

حكم مالو رهن لقطة مما يلتقط كالخيار... 156

حكم مالو رهن من مسلم خمرا... 157

مسألة في القيمة التي يغرمها المرتهن إذا ثبت تفريطه... 157

مسألة في لو اختلف الراهن والمرتهن في القيمة... 158

حكم مالو اختلفا علي الرهن او في متاع... 159

كتاب المفلس

في منع التصرف

حكم إقرار المفلس بالدين أو العين... 163

فيما لو ادعي المفلس أن هذه المال مضاربة لغائب... 164

في اختصاص الغريم بعين ماله

في أن من وجد من الغرماء عين ماله كان له أخذها أو الضرب مع الغرماء... 165

ص: 466

الموضوع / الصفحة

حكم الخيار في ذلك ، وأنه علي الفور أو لا؟... 166

مسألة فيمن وجد بعض المبيع سليماً أو معيباً

بعيب قد استحق أرشه... 166

تحقيق وفيه بيان لعبارة غامضة في القواعد... 167

حكم مالو كان النماء متصلاً فزادت قيمته... 169

حكم مالو اشتري أرضاً بغرس المشتري فيها ، أو زيتاً فخلطه بمثله... 170

حكم مالو أسلم في متاع ثم أفلس المسلم إليه... 171

تنبيه... 171

فيما لو شهد للمفلس شاهد بمال... 171

في أن المفلس إذا مات هل يحل ماله وما عليه؟... 172

في وجوب إنظار المعسر وعدم جواز إلزامه ولا مؤاجرته... 173

في قسمة ماله

فيما لو اقتضت المصلحة تأخير القسمة... 175

في زوال الحجر بمجرد الأداء أو أنه يفتقر الي حاكم... 175

كتاب الحجر

في موجباته

في السن الذي يعلم به البلوغ... 179

الوصف الثاني : الرشد... 180

حكم مالو باع فأجاز الولي... 180

ص: 467

الموضوع / الصفحة

تنبيه في حكم حرف الصبي امواله في وجوه الخير بعد البلوغ... 181

أحكام الحجر

في أن حجر المفلس يثبت بحكم الحاكم أو بظهور السفه... 183

حكم ضمان الوديعة مع اتلافها قبل الحجر وبعده... 184

حكم نذر السفيه ويمينه... 184

في اختبار المرأة ، والصبي قبل البلوغ... 185

بيان وجه استشكال العلامة في القواعد في صحة بيع الصبي قبل البلوغ... 185

كتاب الضمان

في تعريف الضمان ، وأنه ثلاثة أقسام... 191

ضمان المال

في اشتراط العلم بالمضمون له أو المضمون عليه... 194

في اشتراط رضي المضمون له وأنه لا عبرة برضي المضمون عنه... 194

مسائل أربعة متفرعه علي أن الضمان ناقل للذمة لا ضام إليها... 195

حكم الضمان المؤجل والحال... 196

تنبيه... 197

فروع ثلاثة وفي الاول مع منها تحقيق... 198

تنبيه في شرح بمارد غامضة للعلامة في القواعد... 199

حكم ضمان مال السبق والرماية ، وبيان أن الحقوق علي اربعة اقسام... 200

ص: 468

الموضوع / الصفحة

فرعان... 201

حكم ضمان الاعيان المضمونة... 202

في عدم اشتراط العلم بكمية المال المضمون... 202

إذا ضمن عهدة الثمن ، معني ضمان العهده... 203

في بيان معني العهدة... 204

حكم مالو ضمن ضامن للمشتري درك ما يحدث... 205

ضمان المريض... 205

حكم مالو كان الدين مؤجلاً وضمنه حالاً... 205

بحث في أنه ضامن المؤجل حالا هل له مطالبة الاصيل قبل حلول الأجل... 206

في الحوالة

مسألة في اعتبار رضي الثلاثة... 207

مسألة في اشترط ابراء المحتال للمحيل... 208

مسائل في شروط الحوالة... 209

تحقيق في احكام الحوالة... 211

حكم إحالة المشتري البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب السابق... 211

فروع أربعة... 212

مسألة فيما اذا أحال البائع ثمناً ، وفيما إذا ظهر فساد البيع... 213

في الكفالة

في صحتها حالة ومؤجلة... 215

حكم من أطلق غريماً من يد صاحب الحق قهراً عليه... 216

ص: 469

الموضوع / الصفحة

فروع ثلاثة... 216

في وجوب تسلم الغريم إذا أحضر قبل الأجل... 217

مسائل في لواحق الكفالة... 217

تنبيه في حكم الكفالة ببدن من عليه الحد... 218

كتاب الصلح

في تعريف الصلح... 221

حكم مالو أتلف علي رجل ثوباً قيمته درهم فصالحه علي درهمين... 222

لو ادعي داراً فأنكر من هي في يده ثم صالحه المنكر علي سكني سنة... 223

في أحكام النزاع في الأملاك

حكم اخراج الرواشن ولأجنحة الي الطرق مع الضرر وعدمه... 225

في حكم الاستطراق من غير الباب المعتادة في الطرق المرفوعة... 226

فرع... 226

مسألة في جواز الرجوع بعد وضع الجذوع في حائط الجار... 227

مسألة فيما إذا انهدم الجدار ثم أعاده المالك ، هل يعود للوضع؟... 227

في بقية مسائل النزاع... 228

كتاب الشركة

أقسام الشركة

في أن الشركة تحصل في ثلاثة أشياء... 233

ص: 470

الموضوع / الصفحة

حكم اشتراط احدهما الزيادة في الربح مع تساوي المالين أو العكس... 234

تنبيه علي ما وقع لعميد الدين في شرح القواعد مع ذكائه وعظم

نباهته... 236

في اللواحق

في افتقار التملك بالحيازة إلي نية وعدمه... 239

مسألتان... 240

لو باع اثنان عبدين كل واحد منهما بانفراده صفقة بثمن واحد... 241

كتاب المضاربة

فيما لو شرط أن يشتري أصلاً يشتركان في نمائه... 245

حكم مالو كان لنفسه مال غير مال القراض... 246

حكومة الشارح بين شارحي القواعد... 246

تنبيه في معني النفقة والسفر... 247

فرع... 247

في مال القراض

حكم القراض بالنقرة... 249

في كفاية المشاهدة وعدمها... 250

في الريح

في اللازم بالشرط... 251

ص: 471

الموضوع / الصفحة

مسائل في الربح... 252

في اللواحق

في قبول قول المضارب في التلف والرد... 253

مسألة... 254

شراء العامل أبا رب المال... 254

فرع... 254

مسألتان... 255

مسائل أربعة وفي الأخيرة مباحثة مع صاحب الترددات... 256

فيما اذا قارض العامل غيره بغير إذن المالك... 258

فيما اذا تلف مال القراض أو بعضة بعد دورانه في التجارة... 260

فيما لو شرط أن يأخذ له بضاعة... 262

حكم شراء المضارب الجارية التي يطؤها... 262

كتاب المزارعة

فيما لو شرط أحدهما علي الآخر شيئاً يضمنه... 267

مسألة في إجارة الارض بحنطة أو شعير يخرج منها... 267

مسألة في الارض بأكثر مما استأجرها به... 268

حكم الازالة فيما لو مضت المدة والزرع باق ، فرع... 268

إذا استأجر أرضاً ليغرس فيها ما يبقي بعد المدة... 269

ص: 472

الموضوع / الصفحة

حكم مالو تنازعا في المدة أو في قدر الحصة ، أو في كونها عارية... 270

كتاب المساقاة

حكم المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعدها... 273

فرع... 273

في بطلان المساقاة بموت المساقي أو العامل وعدمه... 274

حكم المساقاة فيما لا ثمرة له... 274

مسألة فيما لو شرط أن يعمل غلام المالك معه... 275

مسألة فيما اذا شرط علي رب المال أجرة الاجراء أو

خروج أجرتهم من وسط الثمرة... 275

حكم مالو شرط مع الحصة من النماء حصة من الاصل الثابت... 276

حكم المساقاة مع عدم التعيين ، حكم الاجارة بحصة... 277

في أن هرب العامل لا يبطل المساقاة ، وما يترتب عل ذلك من أحكام... 278

فرع... 279

حكم ثبوت خيانة العامل... 280

تنبيه... 280

فرع... 281

لو انقسما الثمرة وتلفت... 281

كتاب الوديعة

في أن دفع الوديعة علي أربعة أنحاء... 285

ص: 473

الموضوع / الصفحة

فرع... 286

حكم ايداع الغاصب المغصوب الممزوج بماله... 287

في اللواحق

حكم مالو ادعي عليه الوديعة فأنكر ، ومالو اعترف بها ثم ادعي التلف... 289

حكم مالو اعترف بالوديعة ثم ادعي التلف... 290

تنبيه فيه فروع... 290

إذ أقام المالك البينة علي الوديعة بعد الانكار... 291

اذا حضرته الوفاة وعنده وديعة ، أو اعترف بها وبصفتها... 292

في المحاكمة بين فخر الدين وعميد الدين... 293

فروع ثلاثة... 293

اذا فرَّط واختلفا في القيمة... 294

كتاب العارية

حكم الضمان لو استعار من الغاصب وهو لا يعلم... 297

فرع... 297

في العين المعارة

حكم استعارة الارض للزرع والغرس والبناء... 299

تنبيه... 299

تحقيق في الامر بالازالة بعد الاذن بالبناء أو الغرس... 300

ص: 474

الموضوع / الصفحة

في أن أقسام المسألة أربعة ، وفي الأول منها فرع... 301

حكم مالو أذن له في غرس شجرة فانقلعت... 302

في الاحكام المتعلقة بها

حكم بيع المستعير غروسه وأبنيته في الارض المستعارة... 305

حكم اختلاف المالك وراكب الدابة... 306

مسألة في أن المضمون هل هو قيمة يوم التلف أو أعلي القيم؟... 307

مسألة في الاختلاف في القيمة... 307

فروع أربعة... 307

كتاب الاجارة

في عقد الاجارة

في الفاظ العقد... 311

في بطلان الاجارة بالموت وعدمه... 312

في أن العين المستأجرة أمانة... 314

في شرائط الاجارة

في عقد المميز... 315

فرع في إجارة الولي الصبي... 315

مسألة في كفاية المشاهدة في مال الاجارة... 316

مسألة في حكم التعجيل لو لم يشترط التأحيل... 316

مسألة في جواز إيجار شيء بأكثر مما استأجر مع اتحاد الجنس... 316

ص: 475

الموضوع / الصفحة

مسألة في ما اذا سكن بعض الدار وآجر الباقي... 317

مسألة فيما اذا استأجره ليحمل له متاعاً... 317

مسألة فيما اذا قال : آجرتك كل شهر بكذا... 318

فيما لو قال إن خطته فارسياً فلك درهم ورومياً فدرهمان... 318

فيما لو قال إن عملت اليوم فلك درهمان وغداً فدرهم... 319

حكم استعمال الاجير قبل المقاطعة علي الاجرة

وأنه لا يضمن الا مع التهمة... 320

حكم مالو قدر المدة والعمل... 320

مسألة في اشتراط اتصال مدة الاجارة بالعقد... 321

مسألة فيما لو عين شهراً متأخراً عن العقد... 322

فيما اذا سلم العين المستأجرة ومضت مدة... 322

فيما لو انقضي بعض المدة ثم تلف او تجدد فسخ الاجرة... 323

في أن كل ما يحتاج اليه في إمكان الركوب لازم علي مؤجر الدابة... 324

فروع خمسة... 324

حكم مالو حفر بعض ما قوطع عليه ثم تعذر حفر الباقي... 325

حكم استئجار المرأة للرضاع... 326

فروع أربعة... 326

حكم اجارة الحائط المزوَّق للتنزه... 327

وحكم اجارة العبد الآبق... 327

حكم مالو انهدم المسكن... 328

ص: 476

الموضوع / الصفحة

في أحكامها

حكم الاختلاف في القيمة... 329

حكم تقبيل الغير العمل الذي تقبله... 330

حكم تضمين الصناع... 330

فرع... 330

فرع... 331

حكم مالو آجر الوصي صبياً... 331

في التنازع

فيما لو قطع الخياط ثوباً قباءً فقال المالك أمرتك بقطعه قميصاً... 333

كتاب الوكالة

في العقد

في صحة الوكالة معلقة... 337

في تربطة الوصف لانتفاء الغرر وحكم عدمه... 338

حكم العزل... 339

فيما لو باع الوكيل بثمن فانكر المالك الاذن في ذلك القدر... 340

في ما لا تصح فيه الوكالة

حكم التوكيل في حيازة المباحات... 343

حكم التوكيل علي كل قليل أو كثير... 344

ص: 477

الموضوع / الصفحة

حكم الوكالة في الطلاق... 345

في التوكيل

حكم توكل المرأة في طلاق نفسها وغيرها... 347

حكم توكل المسلم والذمي علي المسلم والذمي... 347

في ما به تثبت الوكالة

في ثبوت الوكالة بشاهد ويمين... 349

حكم الاختلاف في لفظ العقد... 350

حكم ادعاء الوكالة عن غائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم... 350

فرعان... 351

في اللواحق

حكم مالو ادعي بعد زوال العذر وتأخر التسليم تأخر

الامتناع عن تلف المال... 353

في أن كل من في يده مال لغيره له أن يمتنع من التسليم

حتي يشهد علي القبض... 353

في حكم الوكيل في الايداع اذا لم يشهد علي الودعي... 354

فرع... 354

حكم ما إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع... 355

ص: 478

الموضوع / الصفحة

في التنازع

في الاختلاف في رد المال الي الموكل... 357

فيما لو ادعي الوكيل التصرف وانكر الموكل... 358

فيما اذا زوجه امرأة فانكر الوكالة ولا بينة... 358

فروع أربعة... 359

مسألة في من وكل وكيلاً في استيفاء دين ثم صدقه الغريم وأنكر الموكل... 360

مسألة فيمن أمر ببيع سلعة وتسليمها الي المشتري وقبض الثمن منه ففعل ثم ادعي التلف من غير تفريط       361

في حكم الرد لو ظهر في المبيع عيب... 361

فرع... 362

كتاب الموقوف والصدقات

في العقد

في الفاظ العقد... 365

في الشرائط

حكم وقف الدنانير والدراهم... 367

حكم وقف ما لا يملك... 367

حكم وقف وصدقة من بلغ عشراً... 368

حكم مالو بدأ الوقف بالمعدوم ثم بعده بالموجود... 368

فروع أربعة... 369

ص: 479

الموضوع / الصفحة

في أنه اذا وقف علي المؤمنين انصرف الي الاثني عشرية... 369

في اشتراك الذكور والاناث في المنسبين ، واختلاف

حكم المنتسب بالأب الو الام... 370

حكم مالو وقف علي جيرانه... 370

فروع خمسة... 371

حكم الوقف علي غير المحصور والذمي... 372

مسألة في الوقف علي المرتد عن غير فطرة... 373

مسألة في الوقف علي الحربي... 374

مسألة في شرطية التأبيد... 374

مسألة في حكم الوقف اذا انقرض الموقوف عليهم... 375

في حكم قبض الواقف علي أولاده الا صاغر... 375

في اللواحق

في حكم نفقة المملوك الموقوف... 377

مسألة فيما اذا جني العبد الموقوف... 378

فرع ، مسألة في الجنابة علي العبد الموقوف... 379

فروع خمسة... 380

فيما لو وقف عل أولاده... 381

فيمالو قال علي أولادي فاذا انقرضوا فعلي الفقراء... 382

تحقيق في جواز بيع الوقف مع الخلاف وخشية الخراب... 383

مسألة في ما إذا انقلعت نخلة من الوقف... 385

ص: 480

الموضوع / الصفحة

تنبيه فيما يصنع بثمن الوقف لو جاز بيعه... 385

في مالو وطأ الامة الموقوفة واحد من أرباب الوقف... 386

مباحثة بين الشهيد والسيد عميد الدين... 387

في العطية... 389

كتاب السكني والحبس

في ما تلزم به... 391

في البطلان بالبيع وعدمه... 392

في جواز البيع علي المحبس عليه والمعمر وعدمه... 393

كتاب الهبات

في الحقيقة

حكم مالو وهب ما في الذمة... 397

في اشتراط القبول في الابراء وعدمه... 398

في حكم الرجوع بالهبة بعد القبض... 398

في لزوم الهبة بالتصرف وعدمه... 399

في حكم رجوع الزوج في يهبه لزوجته والعكس... 400

فرع في انتقال حق الرجوع بالارث... 401

ص: 481

الموضوع / الصفحة

في حكم الهبات

حكم الضمان في مالو اشترط عليه الثواب ولم يثبه حتي تلفت أو عابت... 403

حكم الهبة إذ وهب في مرضه المخوف... 404

فرع في حكم الهدية... 404

كتاب السبق والرماية

في الالفاظ المستعملة فيه... 407

في عقد المسابقة

في افتقاره الي الايجاب والقبول وعدمه... 409

في اشتراط التساوي في الموقوف... 409

في اشتراط المبادرة والمحاطة... 410

في احكام النضال... 411

كتاب الوصايا

في الوصية

في الانتقال بالموت منفرداً عن القبول... 415

حكم مالو قبل قبل الوفاة وبعدها... 416

حكم مالو رد بعد الموت والقبول وقبل القبض... 416

ص: 482

الموضوع / الصفحة

في الموصي... 417

في الموصي به

في اعتبار إجازة الوارث بعد الوفاة... 419

لو أوصي بثلثه لواحد وبثلثه لآخر... 420

لو أوصي بعتق مماليكه... 421

لو أوصي بنصف ماله فأجاز الورثة ثم قالوا ظننا أنه قليل... 422

لو أوصي بجزء من ماله... 423

لو أوصي بوجوه فنسي الوصي وجهاً... 424

لو أوصي بسيف معين وهو في جفن... 425

تنبيه... 426

في صحة الوصية باخراج بعض الولد من التركه... 426

حكم مالو قال أعطوه كثيرا... 428

في الوصية بالمنافع مؤقتاً ومؤبداً وكيفية التقويم في الحالين... 428

فروع أربعة... 430

فيما تثبت به الوصية... 430

لو أشهد عبدين له علي حمل أمته منه... 431

لو أوصي بعتق عدد مخصوص من عبيده... 431

لو أوصي بعتق رقبة مؤمنة... 432

في جواز عتق المخالف عند تعذر المؤمن... 432

في تفسير الناصب... 433

ص: 483

الموضوع / الصفحة

في الموصي له

مسألة في الوصية للذمي... 435

مسألة في الوصية للحربي... 436

فيما يوصي به للمملوك... 436

مسألة فيما اذا أوصي بعتق عبده المستوعب وعليه دين... 437

مسألة فيما اذا انجز عتق المستوعب وعليه دين... 437

حكم الوصية لأم الولد والاعمام والاخوال... 438

حكم الوصية لذوي القرابة والقوم والجيران... 439

لو أوصي لانسان فمات قبل الموصي... 440

لو أوصي في سبيل اللّه... 440

في الاوصياء

في اعتبار العدالة... 441

حكم مالو مرض أحد الموصي اليهما أو عجز أو مات أو فسق... 441

فرعان... 442

مسألة في جواز استيفاء الوصي دينه مما في يده... 442

إذا اذن الموصي للوصي أن يوصي... 443

في جواز تولي المؤمنين وصاية من لا وصي له... 443

إذا أوصي بالنظر في حال ولده الي أجنبي وله أب... 444

في اعتبار الصفات في الوصي حال الموت والوصية... 444

في جواز أخذ أجرة المثل من مال اليتيم لمن يتولي أمواله... 445

ص: 484

الموضوع / الصفحة

في اللواحق

فيمن كان له زوجة وبنت وقال : مثل نصيب بنتي ، فأجاز الورثة... 447

فيمن كان له أربع زوجات وبنت فأوصي بمثل نصيب إحداهن... 448

فيمن أوصي لأجنبي بنصيب ولده... 448

لو أوصي لابنه القاتل... 449

لو أوصي بضعفي نصيب ولده... 449

لو أوصي للفقراء... 450

لو أوصي بدار فانهدمت... 450

لو قال : أعطوا زيدا والفقراء كذا... 450

في تصرفات المريض

في أن تصرفات المريض التبرعية تخرج من الثلث أو الاصل... 451

في بيان المرض المخوف... 451

اذا أعتقها في مرض الموت وتزوج ودخل بها... 452

لو أعتقها وقيمتها ثلث تركته ثم أصدقها الثلث الآخر ودخل ومات... 453

ص: 485

المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 548

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الثالث

دارالهادي

ص: 1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

كتاب النكاح

اشارة

ص: 3

ص: 4

في آداب العقد

قال رحمه اللّه : النكاح مستحب لمن تاقت نفسه من الرجال والنساء ، وإن لم تتق فيه خلاف ، والمشهور استحبابه.

أقول : المشهور استحباب النكاح للقادر عليه ، سواء اتاقت (1) النفس أو لم تتق ، لعموم الأدلة الواردة (2) في الترغيب فيه ، وقد ذكر المصنف طرفا منها ، فيه كفاية ، وقال الشيخ في المبسوط : تركه أولى لمن لم تتق نفسه إليه ، لأن اللّه تعالى وصف يحيى عليه السلام بكونه حصورا (3) ، وهو الذي لم يقارب النساء ، ولو لا أفضلية هذا الوصف لامتنع مدحه تعالى على ذلك ، ولا يجوز حمله على إطلاقه إجماعا ، فيحمل على من لم تتق نفسه الى النكاح ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وأكل ما ينثر في الأعراس جائز ، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر نعم.

ص: 5


1- في «ن» : تاقت.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب مقدماته وآدابه ، لاحظ جملة الباب.
3- آل عمران : 39.

أقول : لا خلاف في جواز أكل ما ينثر في الأعراس ، لا أخذه ، والظاهر ان المراد بالأخذ الممنوع منه هو نقله من المجلس لا التقاطه بعد النثر ، لأن الأكل جائز ولا يمكن الا بالالتقاط ، وظاهر عبارة المصنف تدل على ذلك ، وعبارة القواعد مصرحة به ، لأنه قال : ويجوز أكل نثار العرس لا أخذه ، فدل على ان المراد بالأخذ هو نقله من المجلس ، وعلى تقدير جواز الأخذ للإذن فيه أو لشاهد (1) الحال ، هل يملك بالأخذ؟ مذهب الشيخ في المبسوط أنه يملك بالأخذ ، واختاره المصنف والعلّامة في القواعد ، وجزم به في الإرشاد ، لأنه بالإذن فيه والاعراض عنه صار مباحا فيملك بالاستيلاء.

وفيه نظر لأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم (2) يعلم السبب الناقل ، فيكون مباحا مع بقائه على ملك مالكه ويجوز له الرجوع فيه ما دامت العين باقية.

ص: 6


1- في «ن» و «م» : بشاهد.
2- في «ن» زيادة : يكن.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : يجوز أن ينظر الى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها ، وله تكرار النظر إليها ، وان ينظرها قائمة وماشية ، وروي جواز أن ينظر الى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ، وكذا يجوز أن ينظر الى أمة يريد شراءها والى شعرها ومحاسنها ، ويجوز النظر الى أهل الذمة وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء ، لكن لا يجوز ذلك لتلذذ ولا لريبة ، ويجوز ان ينظر الرجل الى مثله ما خلا عورته ، شيخا كان أو شابا ، حسنا أو قبيحا ، ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ ، وكذا المرأة.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في مقامات :

الأول : في الأجنبية والنظر إليها لا يخلو إما ان يكون لضرورة أو لحاجة أو لغير حاجة ، فالضرورة مثل ان ينظر الطبيب إليها ، فإنه يجوز له النظر الى موضع العلة وان كانت العورة ، لأنه لا يمكن العلاج الا بعد الوقوف عليه. والحاجة مثل ان يتحمل شهادة على امرأة ، فله أن ينظر الى وجهها من غير ريبة ليعرفها ويحققها ، وكذا لو كان بينه وبينها معاملة أو مبايعة فيعرف وجهها ليعلم من التي

ص: 7

يعطيها الثمن ان كانت بائعة والمثمن ان كانت مشترية ، فان قيل : إذا كان البيع نقدا بنقد فما الحاجة (1) الى معرفة الوجه فإنه يدفع الثمن الى من دفع (2) اليه المثمن أو بالعكس ، فلا حاجة الى المعرفة فلا يباح النظر.

قلنا : الحاجة حاصلة كما لو ظهر ما صار اليه مستحقا فإنه يفتقر الى معرفتها ليدعي عليها بما صار إليها ، وروي : «ان امرأة أتت النبي صلى اللّه عليه وآله لتبايعه فأخرجت يديها ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : أيد امرأة أو يد رجل؟ فقالت : يد امرأة ، فقال : أين الحناء» (3). فدل هذا الخبر على جواز النظر عند الحاجة ، لأنه إنما عرف انه لا حنا على يديها (4) بالنظر إليها مكشوفة ، ومن الحاجة ان يريد نكاحها ، فيجوز له ان ينظر (5) الى وجهها وكفيها والى جميع جسدها من وراء الثياب مقبلة ومدبرة ، وهذا إجماع بشرط إمكان النكاح عرفا وشرعا ، فلو انتفى أحد الإمكانين لم يجز.

وقال المصنف : (وروي جواز ان ينظر الى شعرها ومحاسنها) ، أمّا رواية الشعر فهي إشارة إلى رواية عبد اللّه بن سنان ، «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يريد أن يتزوج المرأة فيجوز أن ينظر الى شعرها؟ فقال (6) : نعم انّما يريد ان يشتريها بأغلى الثمن» (7).

وأمّا رواية المحاسن فرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن

ص: 8


1- في «ن» : فلا حاجة.
2- في «ن» : يدفع.
3- مسند أحمد 6 : 262.
4- في «م» و «ن» : يدها.
5- في «ن» : النظر.
6- في «م» و «ن» : قال.
7- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 7.

علي عليه السلام : «في رجل نظر الى محاسن امرأة يريد ان يتزوجها ، قال : لا بأس ، انما هو مستام» (1).

تنبيه : أكثر عبارات الأصحاب تعطي الفرق بين المحاسن وبين الوجه والكفين ، لجزمهم بجواز النظر الى الوجه ، وترددهم بجواز النظر الى الشعر والمحاسن ، وعبارة أبي العباس في المهذب مصرحة بالمغايرة ، لأنه بعد ان ذكر جواز النظر الى الوجه والكفين ، قال : وهو إجماع من علماء الإسلام. بقي البحث في الشعر والمحاسن ، هل يجوز النظر الى ذلك أم لا؟ وهذا تصريح بالمغايرة وابن إدريس عرف المحاسن بالوجه واليدين (2) ، لأنه قال : ولا بأس ان ينظر الرجل الى أمة يريد شراءها وينظر الى شعرها ومحاسنها ووجهها ويديها فحسب ، فقوله : (ووجهها ويديها فحسب) يريد به المحاسن ، لأن قوله ومحاسنها معطوف على شعرها في جواز النظر ، وقوله : (ووجهها ويديها) عطف بيان ، يريد به تفسير المحاسن ، فعلى هذا يكون التردد في الشعر خاصة.

وان كان النظر إلى الأجنبية لغير (3) حاجة فقد جوز أكثر الأصحاب النظر الى وجهها وكفيها مرة لا أزيد ، لقوله صلى اللّه عليه وآله : «لكم أوّل نظرة ، فلا تتبعوها بالثانية» (4).

هذا مع عدم التلذذ وخوف الفتنة ، فإن حصل أحدهما انتفى الجواز.

وذهب فخر الدين الى المنع من ذلك ، ونقله عن والده في التذكرة ، لعموم

ص: 9


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 8.
2- ليست في «م».
3- في «ن» : بغير.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 104 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، الحديث (11 ، 13 ، 14 ، 15 ، 17) مع اختلاف يسير.

الآية (1) ، وهو أحوط.

الثاني : في النظر إلى الأمة ، وهو لا يخلو إمّا ان يريد شراءها أو لم يرد ، فان اراده جاز له النظر الى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها ، قال العلّامة في التذكرة : وله ان يمسّها بيده ويقلبها إلّا العورة لرواية أبي بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام.

وان لم يرد شراءها ، قال العلامة في التذكرة : لم يجز النظر إلّا الى الوجه والكفين ، لقول الصادق عليه السلام : «لا أحب الرجل (3) ان يقلب جارية إلّا جارية يريد شراءها» (4) ، وسأله حبيب بن معلى الخثعمي ، «قال : اني اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت ، قال : اما لمن تريد شراءها فليس به بأس وأمّا لمن لا تريد ان يشتري فإني أكرهه» (5) دلّ هذا الخبر على كراهة (6) النظر من غير تحريم ، وظاهر ابن إدريس تحريم (7) المنع لغير المشتري لعموم ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (8).

ومما يقوي الأول قول الشيخين بجواز النظر الى نساء أهل الذمة وشعورهن إلّا لريبة أو تلذذ (9) ، لأنهن بمنزلة الإماء ، ومما يقويه أيضا قولهم النظر واللمس

ص: 10


1- النور : 30.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب بيع الحيوان ، حديث 1.
3- في «م» و «ن» : للرجل.
4- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 20 من أبواب بيع الحيوان ، حديث 3.
5- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 20 من أبواب بيع الحيوان ، حديث 2.
6- في «ن» : كراهية.
7- ليست في «م» و «ن».
8- النور : 30.
9- في «ن» : لتلذذ.

لما (1) يسوغ لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكفين لا ينشر الحرمة.

فرع : الوكيل في التزويج وفي شراء الأمة ان كان وكيلا مطلقا بحيث يزوجه بمن شاء ويشتري له من يشاء (2) كان له النظر ، كما لو كان الزواج أو الشراء لنفسه ، بل أبلغ ، لأنه يجب عليه تحري المصلحة لموكله ، وذلك لا يتم إلّا بالنظر ، وان كان وكيلا على زواج معينة أو شراء معينة ، فلا يخلو اما ان يتراضيا على النكاح والشراء ولم يبق غير العقد أو لم يتراضيا ، فان كان الأول لم يجز للوكيل النظر ، لأنه وكيل على إيقاع العقد فقط.

وان كان الثاني جاز له النظر ، لأن الظاهر انه أقامه مقام نفسه على شي ء معين فلا بد ان ينظر اليه مع إمكان النظر ليعلم هل هو صالح لموكله (3) أو غير صالح.

الثالث : في النظر الى نساء أهل الذمة والى شعورهن ، والمشهور جوازه ، لأنهن بمنزلة الإماء لا حرمة لهن ، كما لا حرمة للأمة (4) ، ولما رواه محمد بن يعقوب يرفعه إلى السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لا حرمة لنساء أهل الذمة ، له أن ينظر الى شعورهن وأيديهن» (5).

وهذا بشروط ثلاثة : ان لا يكون النظر لريبة ، ولا تلذذ ، ولا يخاف الافتتان ، فان حصل شي ء من ذلك حرم ، وذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف الى عدم الجواز ، لعموم قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ

ص: 11


1- في «ن» : الذي.
2- في «ن» : شاء.
3- ليست في «م».
4- «ن» : (لنساء أهل الذمة) بدل : (للأمة).
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 112 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 1.

أَبْصارِهِمْ ) (1) والأول هو المعتمد ، وهو مذهب الشيخين (2) وابن البراج والعلامة في القواعد والتحرير والإرشاد.

الرابع : في النظر الى المحارم ، والمراد بالمحارم هنا كلّ امرأة يحرم نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو ملك يمين ، دون من حرم نكاحها بسبب غير ذلك كالمطلقة تسعا للعدة والمزني بها ، وهي تحت بعل أو معتدة أو كالملاعنة ، فإن هؤلاء لا يجوز النظر إليهن إجماعا وإن حرم نكاحهن مؤبدا.

وأما القسم الأول فيجوز النظر الى الوجه والكفين إجماعا ، ومثله (3) الثدي حالة الرضاع لحصول المشقة بالتحرز منه ، أمّا النظر اليه غير حالة الرضاع والنظر الى البدن ففيه خلاف ، والمشهور الجواز الى الجميع عدا العورة ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ ) (4) الآية ، ووجه المنع عموم ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ )

الخامس : الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء ، وهو الذي لا يبلغ مبلغا يحكي ما يرى ، فهذا يجوز لهن (5) التبرج قباله والنظر إليه ، لأن وجوده وعدمه سواء وامّا إذا بلغ مبلغا يحكي ما يرى فلا يجوز التبرج قباله.

وهل يجوز النظر اليه قبل بلوغه؟ نقول ان كان في النظر اليه تحريك شهوة أو شوق (6) الى الرجال فلا يجوز قطعا ، وان لم يكن فيه شي ء من ذلك ، احتمل الجواز وعدمه وهو أحوط.

ص: 12


1- النور : 30.
2- ليست في «م».
3- «ن» : ومثلهما.
4- النور : 31.
5- ليست في «ن».
6- «ن» : تشوق.

السادس : الشيخ والشيخة إذا صارا في غير محل الشهوة وقعدا عن النكاح جاز النظر إليهما لانتفاء دواعي الشهوة ، وكذا حكم الصبية الصغيرة التي ليست في محل الشهوة ، ولا يجوز النظر إلى العورة في حال لغير الزوجين وغير الطبيب حالة العلاج.

قال رحمه اللّه : هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأظهر ، لعموم المنع ، وملك اليمين المستثنى بالآية المراد به الإماء.

أقول : قيل : يجوز للخصي النظر إلى المرأة سواء كانت مالكته (1) أو أجنبية ، أمّا الأجنبية فقوله تعالى ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) (2) ، وأمّا المالكة فقوله (3) تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (4) ، وذهب العلامة في المختلف الى جواز نظره الى مالكته دون الأجنبية ، والمشهور المنع منهما لتفسير : ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) بالشيخ الفاني الذي ذهبت شهوته للنساء (5) ، وتفسير ملك اليمين بالإماء دون العبيد ، لعموم قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (6).

قال رحمه اللّه : الوطي في الدبر فيه روايتان ، إحداهما : الجواز ، وهي المشهورة بين الأصحاب ، لكن على كراهية شديدة.

أقول : رواية الجواز رواية عبد اللّه بن أبي يعفور (7) ، عن الصادق عليه

ص: 13


1- «ن» : مالكة.
2- النور : 31.
3- «م» و «ن» : فلقوله.
4- النور : 31.
5- تفسير القمي ، ج 2 ، ص 102.
6- النور : 30.
7- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 73 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 2.

السلام ، وهو المشهور بين الأصحاب ، للأصل ، وللرواية ، ولقوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (1) ورواية العدم رواية سدير (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو مذهب ابن حمزة من أصحابنا ، وبه قال جميع العامة غير مالك ، لأنه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك ان وطي المرأة في دبرها حلال ، ثمَّ قرأ ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) .

قال رحمه اللّه : العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن ، قيل : هو محرم ، وتجب معه دية النطفة عشرة دنانير ، وقيل : هو مكروه وإن وجبت الدية ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تحريم العزل أو كراهته ، فالتحريم مذهب المفيد وابن حمزة ، لأن حكم النكاح الاستيلاد ولا يحصل غالبا مع العزل ، فيكون منافيا لغرض الشارع.

والكراهة مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، وما رواه محمد بن مسلم ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العزل؟ فقال : ذلك الى الرجل يصرفه حيث شاء» (3) وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم السلام «انه سئل عن العزل؟ فقال : أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكرهه» (4).

الثانية : في دية النطفة ، وأوجبها الشيخ وابن إدريس ، واختاره (5)

ص: 14


1- البقرة : 223.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 72 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 75 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 76 من أبواب مقدماته وآدابه ، حديث 1.
5- ليست في «م» و «ن».

المصنف هنا ، والعلامة في الإرشاد ، والاستحباب مذهب المصنف في باب الديات ، واختار العلامة وأبو العباس في المقتصر في خصائص النبي صلى اللّه عليه وآله.

ص: 15

ص: 16

في خصائص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

قال رحمه اللّه : منها : ما هو في النكاح ، وهو تجاوز الأربع بالعقد ، وربما كان الوجه الوثوق بعدله بينهن دون غيره.

أقول : الوثوق بالعدل ليس علة تامة لإباحة تجاوز الأربع بالعقد (1) ، والا لسرت الى غيره ممن يحصل الوثوق بعدله من المعصومين ، والا لكان كل واحد من أئمتنا عليهم السلام يباح له ذلك الموثوق (2) بعدله فلما لم (يباح ذلك) (3) لهم بإجماع المسلمين مع الوثوق بعدلهم عندنا ثبت ان الوثوق بالعدل ليس علة تامة للإباحة ، وانما الوجه في ذلك الإكرام والتفضيل من اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وآله ليحصل له التمييز عن غيره من رعيته.

قال رحمه اللّه : وتحريم الصدقة الواجبة ، وفي المندوبة في حقه خلاف.

أقول : إنما عدّ تحريم الصدقة الواجبة من خواصه مع تحريمها على جميع

ص: 17


1- ليست في «ن».
2- «م» و «ن» : للوثوق.
3- من «م» ، وفي الأصل كلمة غير مقروءة.

مستحقي الخمس ، لأن التحريم على غيره بسببه ، لأن التحريم عليهم بسبب استحقاقهم الخمس ، وانما استحقوه به صلى اللّه عليه وآله ، فرفعهم اللّه تعالى عن الصدقة الواجبة لكونها أوساخا ، وعوّضهم عنها بالخمس تعظيما لرسوله وتشريفا له ولأهل بيته عليهم السلام ، فلما كان هو السبب في ذلك عدّها من خواصه صلى اللّه عليه وآله.

وأما الصدقة المندوبة فقد توقف الشيخ في المبسوط فيها ، والأكثر على عدم تحريمها كباقي بني هاشم.

قال رحمه اللّه : تحرم زوجاته صلى اللّه عليه وآله على غيره.

أقول : أما التي مات عنها بعد الدخول بها فإنها تحرم على غيره إجماعا ، وهل تحرم التي لم يدخل بها؟ قال العلامة في التحرير : زوجاته صلى اللّه عليه وآله كلهن دخل بهن. فعلى ما قال العلامة لو قدرنا أنه مات عن غير مدخول بها ، هل تحرم على غيره؟ الظاهر ذلك ، لدخولها في اسم الزوجات فتدخل في الآية (1).

ويحتمل العدم لأصالة الإباحة فيقتصر بالتحريم على المدخول بها دون غيرها.

واما من فارقها في حياته اما بفسخ كالمرأة التي وجد بكشحها بياضا ففسخ نكاحها ، أو بطلاق كالمرأة التي قالت : أعوذ باللّه منك ، فطلقها ، هل للغير نكاحها؟ يحتمل ذلك ، لأصالة الإباحة ، وقوله تعالى ( وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) دال على التحريم بعد الموت فيبقى ما قبله على أصالة الإباحة.

ويحتمل المنع وهو المعتمد ، لأن تحريمهن بعد الموت إكرام له عليه السلام ،

ص: 18


1- الأحزاب : 53.
2- المصدر المتقدّم.

والإكرام في حال الحياة أولى منه بعد الموت ، فيكون التحريم في حال الحياة أبلغ وأولى منه بعد الموت.

قال رحمه اللّه : من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى اللّه عليه وآله القسمة بين أزواجه ، لقوله تعالى ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) ، وهو ضعيف ، لأن في الآية احتمالا يرفع دلالتها ، إذ يحتمل أن تكون المشية في الإرجاء متعلقة بالواهبات.

أقول : ليس للمانعين من وجوب القسم على النبي صلى اللّه عليه وآله حجة غير هذه الآية (1) ، وقد نقل الشيخ رحمه اللّه في تفسيرها وجوها بعضها يدل على عدم وجوب القسم عليه ، وبعضها لا يدل على ذلك ، فالذي يدل على عدم الوجوب ما نقله عن مجاهد ، قال (2) : معناه تعتزل من شئت من نسائك فلا تأتيها ، وتأتي من شئت من نسائك فلا تقسم لها.

قال الشيخ : فعلى هذا يكون القسم ساقطا عنه ، قال : وكان ممن أرجى ميمونة وأم حبيبة وجودية (3) وصفية وسودة ، وكان يقسم لهن من نفسه وماله ما شاء ، وكان ممن يأوي عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ، وكان يقسم بينهن نفسه وماله بالسوية.

ومثله ما نقله عن قتادة ، قال : كان نبي اللّه يقسم بين أزواجه فأوحى (4) اللّه له ترك ذلك.

ونقل عن ابن عباس ان معناه : أن تترك نكاح من شئت وتنكح من تشاء من نساء أمتك ، ونقل عن زيد بن أسلم أن الآية نزلت في اللاتي وهبن أنفسهن ،

ص: 19


1- الأحزاب : 51.
2- ليست في «م».
3- «م» و «ن» : جوزية.
4- «م» و «ن» : فأحل.

فقال اللّه له : تزوج من شئت منهن واترك من شئت ، قال : وهو اختيار الطبرسي.

إذا عرفت هذا ، فالمصنف اختار هذا الوجه من وجوه تفسير هذه الآية ، وهو ظاهر الشيخ في التبيان ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله مكلف بالأحكام الشرعية كغيره من المكلفين الا ما أخرجه النص مما اختص به صلى اللّه عليه وآله ، ولم يثبت تخصيصه بهذا الحكم لحصول الاحتمال الرافع للتخصيص الذي (1) ثبت في العقد (2).

ص: 20


1- في «ن» بزيادة : الأصل عدمه ، والعلامة جزم في القواعد بعدم وجوب القسم عليه ، واستقرب في التحرير الوجوب.
2- (ثبت في) ليست في «م» و (ثبت في العقد) ليست في «ن».

في العقد

اشارة

قال رحمه اللّه : والعبارة عن الإيجاب لفظان : زوجتك وأنكحتك ، وفي متعتك تردد ، وجوازه أرجح.

أقول : منشأ التردد من أصالة عصمة الفرج وصيانته عن الغير ، خرج اباحته بما اتفق عليه من الألفاظ يبقى الباقي على أصالة المنع ، ولأن المتعة حقيقة في العقد المنقطع في العرف الشرعي فيكون مجازا في الدائم ، لأصالة عدم الاشتراك ، والمجاز لا يكفي في صيغ العقود والا لم تنحصر الألفاظ.

ومن أنهم قالوا : المنقطع إذا لم يذكر (1) فيه الأجل ينقلب دائما ، فلو لم يكن من صيغة لم ينعقد. والاقتصار على اللفظين خاصة مذهب الشيخ والسيد المرتضى وابي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف وهو أحوط.

ونقل عن بعض علمائنا انعقاده بلفظ المتعة ورجحه المصنف هنا ، وجزم به في المختصر وجزم به العلامة أيضا في القواعد والإرشاد.

ص: 21


1- «م» و «ن» : يكن.
فرعان :

الأول : يجب توقي اللحن المخل بالمعنى المقصود.

الثاني : لا يشترط في القبول لفظ معين ، بل كل ما دل على الرضا جاز وقوعه به ، لأنه كالمعلول للإيجاب والأثر له فلا يشترط غير ما يدل على الرضا بالإيجاب.

قال رحمه اللّه : ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي الدال على صريح الإنشاء اقتصارا على المتعين وتحفظا من الاشتمار المشبه للإباحة ، ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الإنشاء كقوله : زوجنيها ، فقال : زوجتك ، قيل : يصح كما في خبر سهل الساعدي وهو حسن ، ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله : أتزوجك ، فيقول : زوجتك جاز ، وقيل : لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول ، وفي رواية أبان بن تغلب في المتعة ، «أتزوجك متعة ، فإذا قالت : نعم ، فهي امرأتك».

أقول : لا خلاف في وقوع العقد بلفظ الماضي ، لأنه دال على صريح الإنشاء لدخول الماضي في الوجود فيحصل اليقين بوقوعه ، والمستقبل لا وثوق بحصوله ، لاحتمال (1) الوعد والاستفهام ، ولمشاركة الحال في الصيغة ، فهو لفظ مشتمر (2) أي غير منحصر بوجه ، ولهذا قال المصنف : وحفظا من الاشتمار المشبه المشتمل للإباحة ، اي (موقع للشبه) (3) في الإباحة ، لاحتمال ارادة الوعد أو الاستفهام ، فلا تحصل الإباحة بخلاف الماضي ، فإنه لا يحتمل غير المقصود لدخوله في الوجود ولا يحصل شبهة في الإباحة فتعين (4) الإتيان به دون ما يحصل فيه الشبهة ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس والعلامة ، وهو المعتمد لما بيناه.

ص: 22


1- «م» : لاحتماله.
2- «م» و «ن» : مستمر.
3- «م» و «ن» : الموقع للشبهة.
4- «م» و «ن» : فيتعين.

وظاهر المصنف هنا جواز الإتيان بلفظ المستقبل لرواية أبان بن تغلب (1) ، عن الصادق عليه السلام.

وأمّا وقوعه بلفظ الأمر فهو (2) مذهب الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف هنا ، لخبر سهل الساعدي : «ان امرأة أتت النبي صلى اللّه عليه وآله فقالت : إني وهبت نفسي لك يا رسول اللّه إن يكن لك في رغبة ، فقال : لا رغبة لي في النساء ، فقامت طويلا فقال رجل : يا رسول اللّه صلى اللّه عليك وآلك زوجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أعندك شي ء تصدقها إياه؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : ان أعطيتها جلست ولا إزار لك ، فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : هل معك من القرآن شي ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، وسماهما ، فقال رسول اللّه : زوجتك بما معك من القرآن» (3).

قال رحمه اللّه : ولو قال الولي أو الزوجة : متعتك بكذا ، ولم يذكر الأجل ، انعقد دائما ، وهو دلالة على انعقاد الدائم بلفظ التمتع.

أقول : انعقاد المنقطع دائما مع الإخلال بذكر الأجل مذهب الشيخ وابن البراج وابي الصلاح والسيد وابن زهرة ، واختاره المصنف رحمه اللّه لرواية عبد اللّه بن بكير في الموثق (4) ، عن الصادق عليه السلام.

وقال ابن إدريس : يبطل العقد ، واختاره العلامة ، لأن المتعة من شرطها ذكر الأجل ، ومع الإخلال يبطل المشروط رواه زرارة في الصحيح ، عن الصادق

ص: 23


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 18 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- من «م» ، وفي باقي النسخ : وهو.
3- المستدرك ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب المهور ، حديث 2 (مع اختلاف يسير).
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المتعة ، حديث 1.

عليه السلام ، «قال لا يكون متعة إلا بأمرين بأجل مسمى وأجر مسمى» (1).

ومثله ما رواه إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح : «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المتعة؟ فقال : مهر معلوم إلى أجل معلوم» (2).

قال رحمه اللّه : ولو قال : زوجت بنتك من فلان ، فقال : نعم ، فقال الزوج : قبلت ، صح ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال ولو لم يعد اللفظ ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ من ان نعم صريحة في إعادة السؤال وكأنه (3) قال : زوجت وقد حصل لفظ الإيجاب ، فإذا قبل الزوج صح النكاح لأصالة الصحة. ومن ان قوله : زوجت بنتك من فلان استخبار ، وقول الأب : نعم زوجت خبر ، لأنه جواب الاستخبار ، والجواب لا يصلح ان يكون إنشاء ، لأن الإنشاء لغة الابتداء ، واصطلاحا إيجاد عقد بلفظ يقارنه في الوجود ، فالجواب لا يكون إنشاء ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي السكران الذي لا يعقل تردد ، أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز ، وفي رواية : إذا زوجت سكرى نفسها ثمَّ أفاقت فرضيت أو دخل بها فأفاقت وأقرّته كان ماضيا.

أقول : لا فرق بين السكران والسكرى ، ومنشأ التردد ، من ان السكران الذي لم يحصل كالمجنون في زوال العقل ، فيكون حكمه حكمها في عدم الالتفات إلى عقده فيقع باطلا ، وإذا وقع باطلا لم يؤثر فيه الإجازة بعد الانعقاد.

ومن الرواية التي أشار إليها المصنف ، وهي رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح ، «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ابتليت بشرب

ص: 24


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 17 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 17 من أبواب المتعة ، حديث 3.
3- «ن» : فكأنه.

النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمَّ أفاقت فأنكرت ، ثمَّ ظننت انه يلزمها فوزعت منه ثمَّ أقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال : إذا أقامت عنده بعد ما أفاقت فهو رضا منها ، فقلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : نعم» (1).

وبمضمونها أفتى الشيخ رحمه اللّه في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، ومنع ابن إدريس من ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ص: 25


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب عقد النكاح ، حديث 1. (وفيه : ففزعت منه).

ص: 26

في أولياء العقد

اشارة

قال رحمه اللّه : وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل : نعم ، مصيرا إلى رواية لا تخلو من ضعف ، والوجه أنه لا يشترط.

أقول : اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج ومحمد بن بابويه وأحمد بن الجنيد وابي الصلاح ، لرواية الفضل بن عبد الملك ، عن الصادق عليه السلام «قال الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز» (1) مفهوم هذه الرواية على اشتراط بقاء الأب في ولاية الجد لقوله : «وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا» ، وذهب المفيد وسلار والسيد المرتضى وابن إدريس الى عدم الاشتراط ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن ولاية الجد ثابتة في حياة الأب فتثبت بعد وفاته عملا بالاستصحاب ، ولأن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب ، لأنهما لو زوجاها برجلين دفعة صح عقد الجد وبطل عقد الأب.

ولو اختار الأب زوجا واختار الجد غيره قدم اختيار الجد وكان ولايته

ص: 27


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب عقد النكاح ، حديث 4.

أقوى ، والأقوى لا يكون مشروطا بالأضعف ، والرواية قاصرة عن المطلوب ، لضعف سندها ، لأن في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وجعفر بن سماعة ، وهما واقفيان ، ولضعف دلالة المفهوم.

ولا فرق في ثبوت ولايتهما على الصغيرين والمجنونين ، قال أبو العباس في مهذبه : سواء كان جنونهما مستمرا قبل البلوغ أو عرض بعد زوال الولاية عنهما لرشدهما بعد البلوغ ، وهو جيد.

قال رحمه اللّه : ولا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين ، وكذا لو زوج الأب أو الجد الولد الصغير لزمه العقد ، ولا خيار له بعد بلوغه ورشده على الأشهر ، وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات ، أظهرها : سقوط الولاية عنها ، وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع حتى لا يجوز لهما ان ينفردا عنها بالعقد.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

أ - في ثبوت الخيار للصبية بعد البلوغ إذا زوجها أبوها أو جدها له ، والمشهور عدم ثبوته لها ، ولم يتردد فيه أحد من الأصحاب ، وجزم به المصنف في المختصر ، ولم يجزم به هنا ، بل قال على أشهر الروايتين (1) ، لأن محمد بن مسلم روى عن الباقر عليه السلام قال ، «سألته عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : ان كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، لكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بعد فالمهر على الأب» (2) فهذه الرواية دالة على ثبوت الخيار لهما ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب ، لأنه عقد صدر من ولي شرعي لا ضرر فيه على المولى عليه

ص: 28


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، حديث (1 و 2 و 3 و 7).
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، حديث 8.

فكان (1) ثابتا.

ب - في ثبوت الخيار للصبي إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه ، وأثبته الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، وهو مذهب ابن حمزة ، لرواية يزيد الكناني (2) ، والمعتمد لزوم العقد ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، لأنه عقد صدر من أهله وهو الولي الإجباري ، فيكون لازما كالصبية.

ويمكن الفرق بينهما فإن الصبي ربما تطرق اليه الضرر في ذلك ، لأنه أثبت لها في ذمته مهرا ونفقة ، ولا فائدة له في النكاح حالة الصبي ، بخلاف الصبية فإنه أثبت لها مهرا في ذمة الزوج ونفقة ، ولا ضرورة عليها.

والمعتمد المساواة بينهما في عدم ثبوت الخيار ، لأن الولي أعرف بالمصلحة ، وهي غير منتفية ، فيلزم العقد لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3).

ج - في ثبوت ولايتهما على البكر البالغة الرشيدة وقد اختلف الأصحاب هنا على خمسة أقوال :

الأول : لا ولاية عليها في الدائم والمنقطع ، بل الولاية لنفسها خاصة ، وهو قول المفيد في أحكام النساء ، وبه قال سلار والسيد المرتضى وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

الثاني : ثبوت الولاية عليها للأب خاصة ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج ومحمد بن بابويه.

الثالث : اشتراك الولاية بينها وبين الأب والجد بحيث لا ينفرد احد منهم دون الآخر ، وهو أحد قولي المفيد.

ص: 29


1- من «ن» و «م» وفي غيرهما : وكان.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث 9.
3- المائدة : 1.

الرابع : اشتراك الولاية بينها وبين الأب خاصة ، وهو قول أبي الصلاح.

الخامس : استقلالها دونهما بعقد المتعة خاصة ، لكن لا يطأها الزوج في الفرج ، وهو قول ابن حمزة ، وذكره الشيخ في النهاية رواية.

ونقل المصنف قولا سادسا : وهو استقلالها بالدائم دون المنقطع ، ولم أقف على قائله ، ومستند الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولا ولاية للوصي وان نص له الموصي على النكاح على الأظهر.

أقول : قال الشيخ في الخلاف بثبوت الولاية للوصي إذا نص الموصي على ذلك ، واختاره العلامة في المختلف لرواية أبي بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وقيل : ليس له ذلك وان نص الموصي ، واختاره المصنف والعلامة في باقي كتبه.

قال رحمه اللّه : ولو وكلته في تزويجها منه ، قيل : لا يصح لرواية عمار ، ولأنه يلزم ان يكون موجبا قابلا ، والجواز أشبه.

أقول : المشهور الجواز ، وهو المعتمد ، وقد تقدم البحث (3) في عدم المنع من كونه موجبا قابلا ، والرواية ضعيفة ، لأن عمارا فطحي ، وفي طريقها مصدق بن صدقة ، وهو فطحي أيضا.

وصورة العقد على نفسه ان يقول : زوجت موكلتي فلانة من نفسي ، قبلت النكاح.

قال رحمه اللّه : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، هل لها أن تعترض؟ فيه

ص: 30


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب (3 و 4 و 6 و 9) من أبواب عقد النكاح ، وباب 11 من أبواب المتعة.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب عقد النكاح ، حديث 4.
3- ج 2 ، ص 17 - 18 ، وص 355.

تردد ، والأظهر أن لها الاعتراض.

أقول : منشأ التردد من ان النكاح معاوضة على الفرج ، فكما لها الاعتراض إذا باع مالها بدون ثمن المثل ، كذا لها الاعتراض إذا زوجها بدون مهر المثل.

ومن انه ليس بمعاوضة محضة لجواز أخلاء النكاح عن ذكر المهر ، ولأن المقصود من النكاح النسل وكف الشهوة ، والمهر تابع ، بخلاف بيع المال فان المقصود منه العوض فقط ، والأصل الصحة.

وذهب المصنف والعلامة في القواعد ان لها الاعتراض ، واختاره فخر الدين ، وهل الاعتراض في فسخ المهر؟ أو فسخ النكاح أطلق المصنف والعلامة في القواعد وفخر الدين ذلك ، وجزم العلامة في التحرير بان لها فسخ المسمى ، قال : وهل لها فسخ النكاح؟ فيه نظر.

قلت : هذا نظر غريب من العلامة ، لأن الذي يقتضيه الأصل عدم جواز فسخ النكاح قطعا ، لجواز النكاح عن ذكر المهر ، وانما الاعتراض في فسخ المسمى إذا كان دون مهر المثل ، وقد نصوا على ذلك في باب تفويض المهر.

قال المصنف : ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد ، وفيه تردد. منشأ التردد من أن الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره ، وهو أشبه.

وقال العلامة في القواعد ولو زوج الولي مفوضة أو بدون مهر المثل صح ، وقيل : يثبت مهر المثل بنفس العقد ، وفيه إشكال ينشأ من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر الولي.

وقال في التحرير نحو ذلك. فقد ثبت ان التردد في المهر دون العقد.

قال رحمه اللّه : عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر.

ص: 31

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يكون موقوفا ، والعمل على المشهور ، وقد تقدم احتجاج الفريقين في باب البيع.

قوله : ويقع من البكر بالسكوت عند عرضه عليها.

الأصل في ذلك قول النبي صلى اللّه عليه وآله : «البكر تستأذن ، واذنها صماتها ، والثيب يعرب عنها لسانها» (1) والاعراب هو التبيين أي يبين عنها لسانها ، وقال ابن إدريس : لا بد من النطق ولا يكفي السكوت ، لأنه أعم.

قال رحمه اللّه : وإذا زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا (لو زوج)(2) الطفل ، وقيل : بالمنع في الطفل ، لأن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت ولا خوف في جانب الصبي.

أقول : قوله : (وكذا الطفل) أي لو زوجه بالمملوكة ليس له خيار بعد البلوغ ، وسيأتي وجه الخلاف في ذلك إنشاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ، ولو كانت امرأة ، وقيل : لها ان تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها ، والأول أشبه.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية استنادا إلى رواية سيف بن عميرة (3) ، عن الصادق عليه السلام ، والأول هو المعتمد ، لعموم قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (4).

قال رحمه اللّه : إذا اذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح ، واقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر أمثاله ، فإن زاد كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر ، ويكون

ص: 32


1- سنن ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب استئمار البكر والثيب ، حديث 1872 (قريب منه).
2- من المطبوعة.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب المتعة ، حديث 1 و 2 و 3.
4- النساء : 25.

مهر المثل على مولاه ، وقيل : في كسبه ، والأول أظهر ، وكذا القول في نفقتها.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

أ - ان المهر والنفقة على المولى ، لأنهما من توابع العقد المأذون فيه ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في قواعده وفخر الدين ، وهو المعتمد.

ب - في كسب العبد وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ج - التفصيل وهو ان كان مكتسبا كان في كسبه ، وان لم يكن مكتسبا كان على المولى ، وهو قول ابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، وسيأتي تحقيق ذلك ان شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : إذا زوجها الأخوان برجلين ، فان وكلتهما فالعقد للأول ، ولو دخلت بمن تزوجها أخيرا فحملت ألحق الولد به وألزم مهرها وأعيدت إلى السابق بعد انقضاء العدة ، وان اتفقا في حالة واحدة ، قيل : يقدم الأكبر ، وهو تحكم.

أقول : القائل بتقديم عقد الأكبر مع الاقتران هو الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج ، لرواية وليد بياع الاصفاط (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

ومنع ابن إدريس من ذلك ، ونسب المصنف تقديم الأكبر إلى التحكم - وهو القول بغير دليل - لأنهما وكيلان ، ومع الاقتران يبطل العقدان لتدافعهما ، فتقديم أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، فلهذا نسبه الى التحكم.

قال العلامة في المختلف : وليس ببعيد عندي من الصواب ان يجعل لها الخيار في إمضاء عقد أيهما كان إذا عقد كل واحد منهما قد قارن زوال ولايته ، لأنه

ص: 33


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 7 من أبواب عقد النكاح ، حديث 4.

حالة عقد الآخر فبطلت هيئة عقد كل واحد منهما وهي (ونهى) (1) اللزوم ، ويبقى كل واحد منهما كأنه فضولي في العقد ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وفيه نظر ، لأنهم قد حكموا ببطلان العقدين مع التقارن ، فتخصيص البطلان بالهيئة التي هي اللزوم دون بطلان أصل العقد تخصيص من غير مخصص.

فروع :

الأول : إذا تحقق سبق عقد أحد الوكيلين أو الوليين كالأب والجد له واشتبه ، فيه احتمالات ، أقواها انهما يؤمران بالطلاق ، بأن يقول كل واحد منهما : ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق ، ثمَّ ينكح من شاءت بعد ذلك ، فان امتنعا أو أحدهما من الطلاق لم يجبرا عليه ولا أحدهما ، للإجماع على عدم وقوع طلاق المكره ، ولا يقرع بينهما ، لأن القرعة امارة ضعيفة تفيد الظن ، فلا يباح بها الفروج المترتب عليها إلحاق النسب ، وتحريم المحارم ، وجواز النظر إليهن ، وما شاكل ذلك من الأمور المهمة المبنية على الاحتياط ، ولا يجب التربص الى حين التذكر لما في ذلك من الإضرار بالمرأة ، بل يفسخ الحاكم ان كان والا المرأة دفعا للضرر المنفي ، والا لزم تعطيلها ومنعها من حقوقها ، وذلك ضرر عظيم ، وهو منفي بقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (2) ، ولا مهر مع الفسخ ، لأنه كفسخ العيب.

الثاني : لو اشتبه الحال ، فلم يعلم السبق ولا الاقتران ، فالعلامة في القواعد جعل حكمه كما لو علم سبق أحدهما واشتبه ، وقال الشيخ : مع الاشتباه يبطل العقد ، لأنه إن اقترنا بطلا (3) ، وان ترتبا لم يمكن العلم به ولا بخصوصية السابق فيبطل ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، لأن العلم به غير مقدور لنا ، فلا يمكن

ص: 34


1- كذا في الأصل ، وليست في «م» و «ن».
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 212 حديث 3 و 4 و 6 ، وكتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 1.
3- «م» و «ن» : بطل.

إمضاؤه ، وكل عقد تعذر إمضاؤه فهو باطل.

ومذهب العلامة أحوط لاحتمال ترتيبهما ، فيكون أحدهما صحيحا فلا يباح لها نكاح غيره بغير الطلاق أو الفسخ.

الثالث : لو ادعى كل منهما السبق وصدقت (1) أحدهما احتمل ثبوت عقده ، لأنه ادعى عليها حقا فاعترفت به فيثبت ما ادعاه. ويحتمل العدم ، لأن الخصم هو الزوج الآخر فلا ينفذ تصديقها في حقه ودعواه ثابتة ، فعلى القول بعدم اعتبار تصديقها يكون الحكم كما في الفرع الأول ، وعلى القول باعتباره ، هل يسقط دعوى الآخر ، لأن الحق قد ثبت لغيره ، أو لا تسقط؟ والفائدة ثبوت مهر المثل للثاني لو اعترفت له على القول بضمان منفعة البضع بالتفويت ، وسيأتي تحقيقه في بابه إنشاء اللّه تعالى.

ولو نكلت عن اليمين فحلف ، فان قلنا : اليمين مع النكول كالبينة ، انتزعت من الأول الى الثاني ، لأن البينة أقوى من الإقرار ، وان قلنا : كالإقرار فهي للأول وتغرم للثاني.

قال رحمه اللّه : ولا ولاية للأم على الولد ، فلو زوجته فرضي لزمه العقد ، وان كره لزمها المهر ، وفيه تردد ، وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة ذمة الأم من المهر ، لأن عقدها فضولي كالأجنبي وكما (2) لا يضمن الأجنبي مع عدم الرضا بعقده شيئا ، كذا لا تضمن الأم مع عدم الرضا بعقدها شيئا.

ومن رواية محمد بن مسلم (3) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على لزوم المهر

ص: 35


1- «م» و «ن» : فصدقت.
2- «م» و «ن» : فكما.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 7 من أبواب عقد النكاح ، حديث 3.

للأم ، وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، ومنع منه ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، والحمل على دعوى الوكالة ضعيف ، لأن الرواية خالية عن ذلك.

قال رحمه اللّه : إذا زوج الأجنبي امرأة ، فقال الزوج : زوّجك العاقد من غير إذنك ، فقالت : بل أذنت ، فالقول قولها مع يمينها على القولين ، لأنها تدعي الصحة.

أقول : المراد بالقولين القول بان عقد الفضولي يقف على الإجازة والقول بأنه يقع باطلا ، فعلى القولين يكون القول قولها.

فان قيل : أما على القول بوقوعه باطلا فقد يتصور لهذه الدعوى فائدة : وهي لو اعترفت له بما ادعاه أو نكلت فحلف بطل العقد ، أما على القول بوقوفه على الإجازة ، فلا يتصور للدعوى فائدة ، لأنها لو اعترفت بعدم الاذن ثمَّ اجازته لزم العقد ، فما الفائدة في قوله : (على القولين)؟

قلنا : الفائدة هنا - مع التصديق - انتفاء اللزوم ، (إذ لو صدقت) (1) بما ادعاه لم يلزمه العقد حالة وقوعه ، وكان لها فسخه ، وربما رجا (2) ذلك منها ، لأنه إذا قال : زوّجك العاقد بغير إذنك وأريد أن تفسخي العقد ، ربما أجابت الى ذلك ، فيتصور للدعوى فائدة ، وانما كان القول قولها على القولين ، لأن على أحدهما تدعي الصحة ، وعلى الآخر تدعي اللزوم فيقدم قولها ، لأن الأصل في العقد الصحة واللزوم.

ص: 36


1- في «م» و «ن».
2- «ن» : جاز.

في أسباب التحريم

قال رحمه اللّه : فلو زنا فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب اليه شرعا ، وهل يحرم على الزاني والزانية؟ الوجه انه يحرم ، لأنه مخلوق من مائه ، فهو يسمى ولدا لغة.

أقول : أجمعت الإمامية على التحريم هنا ، إلا أنهم اختلفوا في وجهه ، قال الشيخ في الخلاف : دليلنا انه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت الحرمة وهذه بنتها ، ثمَّ قال : وأيضا قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (1) وهذه بنته لغة وان لم يكن شرعا.

وابن إدريس جعل الوجه كفر ولد الزنا ، والكافر لا يجوز نكاحه للمسلم.

والمصنف والعلامة وغيرهما من المتأخرين جعلوا الوجه ثاني وجهي الشيخ رحمه اللّه ، وهو أنسب.

والمعتمد انه لا يثبت من توابع النسب غير تحريم النكاح فقط ، وما عداه فالحكم فيه كالأجانب.

ص: 37


1- النساء : 23.

قال رحمه اللّه : ولو احتمل ان يكون منهما استخرج بالقرعة على تردد ، أشبهه ان يكون للثاني.

أقول : إنما يحتمل ان يكون منهما إذا كان لستة أشهر من وطي الثاني ولغيره (1) لعشرة ، فما (دون من وطي الأول ، فهنا) (2) يحتمل ان يكون منهما ، وتردد المصنف بين القرعة وبين لحاقه بالثاني (3) من عموم قوله عليه السلام : «الولد للفراش» (4) والمراد به الوطي (المباح ، فهي فراش للثاني) (5) حقيقة ، لأن الأول قد زال فراشه بالطلاق.

ومن احتمال الحاقه بكل (واحد منهما ، فاختصاص) (6) أحدهما دون الآخر من غير قرعة ترجيح من غير مرجح ، فلا بد من القرعة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره فخر الدين ، والأول اختيار المصنف والعلامة في القواعد.

ص: 38


1- ليست في «م» و «ن».
2- من «م» و «ن».
3- هنا زيادة في «م» و «ن» : (من غير قرعة ومنشأ التردد).
4- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 9 ، حديث 3.
5- من «م» و «ن».
6- ما بين القوسين من «م» و «ن».

في الرضاع

اشارة

قال رحمه اللّه : الأول : أن يكون اللبن عن نكاح ، فلو درّ لم ينشر ، وكذا لو كان عن زنا ، وفي نكاح الشبهة تردد ، أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح.

أقول : منشؤه من ان اللبن تابع للنسب ، ونكاح الشبهة يلحق به النسب بلا خلاف ، وقال عليه السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1) ، فيكون حكم لبن الشبهة حكم لبن النكاح الصحيح لتساويهما في التحاق النسب فيتساويان في حكم الرضاع.

ومن أصالة الإباحة ما لم يعلم السبب المحرم ، وهو غير معلوم هنا.

والأول هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، والثاني مذهب ابن إدريس (فإنه قال : الشبهة لا تنشر حرمة ، ثمَّ بعد ذلك بلا فصل قوى التحريم ، ثمَّ قال : في ذلك نظر وتأمل ، وحاصله يرجع الى تردده فيه) (2).

قال رحمه اللّه : ولا حكم لما دون العشر إلا في رواية شاذة ، وهل يحرم

ص: 39


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- ليس في «م» و «ن».

بالعشر؟ فيه روايتان ، أصحهما : أنه لا يحرم ، وينشر الحرمة ان بلغ خمس عشرة رضعة ، أو رضع يوما وليلة.

أقول : يعتبر تقدير الرضاع المحرم بأمور ثلاثة :

أ - ما أنبت اللحم وشد العظم والمرجع فيه الى عرف أهل الخبرة.

ب - رضاع يوم وليلة بشرط ان لا يمنعه من الرضاع في اليوم والليلة مانع من مرض أو غيره ، ولا بد ان يحصل مسمى الارتضاع ، فاذا حصل ذلك نشر الحرمة من غير اعتبار عدد ولا اشتداد.

ج - العدد ، وقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال أربعة :

أ - ما يصدق عليه اسم الرضعة - وهو ملأه بطن الصبي ، إما بالمص أو بالوجر - محرم للنكاح ، وهو قول ابن الجنيد محتجا برواية علي بن مهزيار (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وهي مشتملة على المكاتبة ، وإليها أشار المصنف بقوله : (في رواية شاذة).

ب - ما رواه محمد بن بابويه : «انه لا يحرم الإرضاع خمسة عشر يوما» (2) ، وروي «انه لا يحرم الا ما ارتضع من ثدي واحد سنة» (3).

ج - حصول التحريم بعشر رضعات ، وهو قول المفيد والسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن أبي عقيل ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في كتابيه ، لأنه أحوط ، وعليه روايات (4) كثيرة ، وهو قول

ص: 40


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 10.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث 5. راجع المقنع : 110.
3- المصدر المتقدم ، حديث 17 ، ومن لا يحضره الفقيه 3 : ص ، حديث 13 - 14 (1475 - 1476).
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 11 وغيره.

أكثر الأصحاب.

د - اشتراط خمس عشرة رضعة ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، والدليل الروايات (1).

وابن إدريس اختار في أول بحثه التحريم بالعشر رضعات ، وشنع على الشيخ ، وجعل قوله مذهب الشافعي ثمَّ رجع الى قول الشيخ في آخر بحثه ، فشنع عليه العلامة في المختلف في ذلك.

قال رحمه اللّه : ويرجع في تقدير الرضعة إلى العرف ، وقيل : أن يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه.

أقول : القولان للشيخ رحمه اللّه ، والمشهور اعتبار العرف ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن كل لفظ أطلقه الشارع ولم يبين (2) له حدّا رجع فيه الى العرف ، والثاني اختيار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولا بد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، إلا ابن الجنيد فإنه لم يشترط الامتصاص من الثدي ، بل اكتفى بالوجور في حلقه لرواية جميل بن دراج في الصحيح (3) ، عن الصادق عليه السلام.

والأول هو المعتمد ، لأنه لا يسمى رضاعا الا مع الامتصاص من الثدي.

قال رحمه اللّه : ولو ارتضع من ثدي الميتة أو رضع بعض الرضعات وهي حية وأكملها وهي ميتة لم ينشر الحرمة ، لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام وهي كالبهيمة المرتضعة ، وفيه تردد.

ص: 41


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 1 و 14.
2- «م» : يعين.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 3.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن عموم قوله عليه السلام : «حرمة الميتة كحرمة الحية» (1) ومن جملته انتشار التحريم بالرضاع ، ولم أجد به قولا لأصحابنا ، بل هو قول أكثر الجمهور كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي ، وفتاوي أصحابنا كلها متطابقة على عدم انتشار الحرمة بلبن الميتة.

قال رحمه اللّه : الثالث : أن يكون في الحولين ويراعى ذلك في المرتضع ، لقوله عليه السلام : «لا رضاع بعد فطام» ، وهل يراعى في ذلك ولد المرضع؟ الأصح انه لا يعتبر.

أقول : اما اعتبار الحولين في المرتضع فهو إجماع الا من ابن ابي عقيل ، فإنه نشر الحرمة بالرضاع بعد الحولين كما قبلهما إذا لم يتخلله فطام ، والمشهور الأول ، لما رواه حماد بن عثمان في الموثق : «قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : جعلت فداك ، وما الفطام؟ قال : الحولان اللذان قال اللّه عزوجل» (2).

أما المرتضع الذي حصل اللبن بولادته فالمشهور عدم اعتبار الحولين فيه ، لأن المرأة إذا كان لها لبن من نكاح حلال ومضى لها أكثر من حولين ثمَّ أرضعت به من له أقل من حولين رضاعا محرما انتشرت الحرمة بينهما.

وقال أبو الصلاح وابن حمزة وابن زهرة باعتبارهما في ولد المرضعة كاعتبارهما في المرتضع ، لأن الرضاع المعتبر ما حصل قبل الفطام ، وكما (3) اعتبر في أحد المرتضعين اعتبر في الآخر ، ولعموم قوله عليه السلام : «لا رضاع بعد فطام» (4) والأول هو المعتمد ، وهو اختيار المصنف والعلامة في أكثر كتبه ،

ص: 42


1- الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب 19 من أبواب حد السرقة ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب ما يحرم الرضاع ، حديث 5.
3- «م» : فكما. وفي «ن» : فلما.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الأحاديث (2 و 5 و 9 و 11 و 12).

وتوقف في المختلف.

فرع (1) : لو حصل الاشتباه في الرضاع ، هل وقع قبل الحولين أو بعدهما؟ فقد تعارض أصل البقاء وأصل الإباحة ، لأن الأصل عدم خروج الحولين ما لم تتحقق ، والأصل عدم التحريم ما لم يتحقق السبب المحرم وهو غير متحقق ، لأن مطلق الرضاع غير محرم ، بل إذا حصلت شروطه (2) وبعض شروطه غير متحقق ، وهو وقوعه في الحولين فيرجع أصل الإباحة لثبوته قبل الرضاع ، والسبب الناقل عنه غير متحقق.

قال رحمه اللّه : ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنا ، وروي : أنه إذا أحلها مولاها فعلها طاب لبنها وزالت الكراهة ، وهو شاذ.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «قال : سألته عن غلام لي وثب على جارية فأحبلها فولدت ، واحتجنا الى لبنها ، فإذا أحللت لهما ما صنعا يطيب لبنها؟ قال : نعم» (3) وبمضمون الرواية أفتى الشيخ في النهاية ، واطرحها الباقون لمخالفتها للأصل ، لأن التحليل انما يبيح إذا وقع قبل الفعل لا بعده.

قال رحمه اللّه : وهل ينكح أولاده الذين لم يرضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل : لا ، والوجه الجواز.

أقول : قال (4) الشيخ في الخلاف بعدم الجواز معولا على رواية أيوب بن

ص: 43


1- «ن» : فروع : الأول.
2- «ن» : شرائطه.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 75 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 5.
4- «م» : قول.

نوح (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، والجواز مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، لأن أخ الأخ إذا لم يكن أخا يحل من النسب فحله من الرضاع أولى ، وهو المعتمد.

فرع : المشهور بين أصحابنا انه يجوز للفحل ان يتزوج (2) بأخت المرتضع وجدته ، لأنه لا نسب بينهما ولا رضاع ، وخالف ابن إدريس في ذلك ، لأنه لا يجوز ان يتزوج بجدة ولده ولا أخته من النسب ، فكذا لا يجوز من الرضاع.

وأجيب بأن التحريم من جهة النسب لأجل المصاهرة ، ولا مصاهرة في الرضاع.

قال رحمه اللّه : ولو تولت المرضعة إرضاعها مختارة ، قيل : كان للصغيرة نصف المهر ، لأنه فسخ حصل قبل الدخول ولم يسقط ، لأنه ليس من الزوجة ، وللزوج الرجوع على المرضعة بما أداه إن قصدت الفسخ ، وفي الكل تردد ، مستنده الشك في ضمان منفعة البضع.

أقول : لا شك (3) ان ضمانها والرجوع عليها مبني على ضمان منفعة البضع بالتفويت ، وهو مشكوك فيه من أصالة براءة الذمة ، لأنه ليس بمال ، ولأن منفعة البضع لا تضمن بغير الوطي المباح لها ظاهرا.

ومن قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) الى قوله ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (4) وأراد بذلك المهر عوض المنفعة ، ولأن المهر عوض المنفعة ، فإذا أتلف أحد المنفعة التي قابلها يكون ضامنا لها ، فعلى هذا يتحقق الضمان ، وهل يفتقر الضمان الى قصد الفسخ؟ ظاهر المصنف افتقاره إليه ،

ص: 44


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث 1.
2- «ن» : يزوج.
3- «ن» : لأن.
4- الممتحنة : 10.

وظاهر العلامة ومذهب فخر الدين عدم الافتقار ، لأن جميع المتلفات لا يفتقر في ضمانها الى قصد الإتلاف.

وهل الضمان للجميع أو للنصف؟ المشهور ضمان النصف ، لأنها فرقته (1) حصلت قبل الدخول ، ويحتمل وجوب الجميع ، لأنه يجب جميعه بالعقد ، وانما يتنصف بالطلاق ، ولم يحصل ، فيجب الجميع.

قال رحمه اللّه : وللصغيرة مهرها لانفساخ العقد بالجميع(2)، وقيل : يرجع به على الكبيرة.

أقول : سبق البحث في هذه ، لأن مبناه على ضمان منفعة البضع ، وقد سبق (3) البحث فيها.

قال رحمه اللّه : نعم لو كانت موطوءة بالعقد رجع عليها ، وعندي في ذلك تردد.

أقول : منشؤه من القول بضمان منفعة البضع وعدمه ، وقد سبق (4).

قال رحمه اللّه : إذا قال : هذه أختي من الرضاع أو بنتي على وجه يصح فان كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا ، وان كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها ، فان كان قبل الدخول فلا مهر ، وان كان بعده كان لها المسمى ، وان فقد البينة وأنكرت الزوجة ، لزمه المهر كله مع الدخول ونصفه مع عدمه على قول مشهور ، ولو قالت المرأة : ذلك بعد العقد ، لم تقبل دعواها في حقه إلا ببينة ، ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.

أقول : هنا مسئلتان :

ص: 45


1- «م» و «ن» : فرقة.
2- في الشرائع المطبوع : بالجمع.
3- ص 33.
4- ص 33.

الأولى : ان يكون المدعي هو الزوج ولا يخلو اما ان يدعي ذلك قبل الدخول أو بعده ، وعلى التقديرين لا يخلو اما ان تصدقه المرأة أو تكذبه ، فالأقسام أربعة :

أ - ان يكون قبل الدخول وتصدقه المرأة ، فيبطل العقد ولا مهر ولا متعة.

ب - قبل الدخول أيضا وتكذبه المرأة ولا بينة فيحكم عليه بالمحرمية دونها ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1) ، واما المهر فالمشهور انه يجب عليه نصفه ، لأنها فرقة حصلت من جهته قبل الدخول فأشبهت الطلاق.

ويحتمل وجوب الجميع عليه ، لأن الجميع قد ثبت بالعقد ، وانما يتنصف بالطلاق ، وهو لم يحصل ، فيجب الجميع ، وهو المعتمد.

ج - ان يكون الدعوى بعد الدخول وتصدقه المرأة ، فإن كانت جاهلة حالة العقد وجب لها المهر المسمى على المشهور ، لأن العقد هو سبب ثبوت المهر ، ولأنه السبب في إباحة الوطي ، وكان كالصحيح المقتضي لوجوب المسمى.

ويحتمل ثبوت مهر المثل دون المسمى لظهور بطلان العقد والمهر ما لزمه من جهة العقد ، بل هو من جهة الوطي بالشبهة ، فيكون لها عوض البضع ، وهو مهر أمثالها ، وهو المعتمد والضابط ان كل عقد حكم ببطلانه من أصله ثمَّ تعقبه وطي مع جهل المرأة وجب فيه مهر المثل ، وكل عقد تعقبه الفسخ وجب فيه المسمى.

د - ان يكون بعد الدخول وتكذبه المرأة ولا بينة ، فهنا يجب المسمى قطعا ، وتحرم عليه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، ولا يحل لها الزواج لاعترافها بأنها زوجة.

ويستحب له ان يطلقها بأن يقول : (ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق) فان امتنع لم يجبر على ذلك ، وفسخ الحاكم ان كان ، والا فسخت هي دفعا

ص: 46


1- الوسائل ، كتاب الإقرار باب 3 ، حديث 2.

للضرورة.

الثانية : أن تكون المرأة هي المدعية والأقسام الأربعة آتية هنا :

أ - ان يكون قبل الدخول ويصدقها ، فحينئذ تثبت الفرقة ولا مهر ولا متعة.

ب - ان يكون قبله ويكذبها ، فلا تحصل الفرقة ، وليس لها المطالبة بشي ء ، وان ادعت علمه بذلك وجبت اليمين على نفي العلم ، فان حلف ثبت العقد بمعنى عدم حلها للأزواج لا بمعنى (1) وجوب تسليم نفسها إليه ، لأنها أقرت على نفسها بأنها محرمة عليه ، فلا يحل لها تمكينه من نفسها ، وان نكل حلفت على الجزم وبطل العقد.

ج - ان يكون بعد الدخول وتصدقها ، فحينئذ يثبت المحرمية قطعا ، اما المهر فان ادعت جهلها حالة العقد ثمَّ حصل لها العلم بذلك بعد العقد والدخول بقول الثقات كان لها المسمى أو مهر المثل على الاحتمال السابق.

د - أن يكون بعد الدخول ويكذبها ، والحكم فيه كما لو كان قبل الدخول ثمَّ كذبها فلا تحصل الفرقة بينهما ، الا ان هناك ليس لها المطالبة بشي ء خلافه هنا ، إلا في المهر فان هناك لا مهر وهنا يثبت لها مع الجهل لها مهر المثل.

فروع :

الأول : إذا استقر العقد بيمين الزوج أو بنكولها بعد نكوله بقيت معطلة ما لم يطلقها أو تموت ، وليس للحاكم ولا لها فسخ النكاح ، كما لها فسخه إذا كان الزوج هو المدعي.

والفرق إذا كان الزوج هو المدعي فان الضرورة قد حصلت لها بفعل الزوج لا بفعلها فساغ الفسخ دفعا للضرورة ، وإذا كانت هي المدعية فالضرورة

ص: 47


1- من «م» و «ن» وفي غيرهما : معنى.

قد حصلت لها بفعلها بنفسها ، فلا يباح الفسخ ، لأصالة عدم جواز اشتراط (1) حق الغير بغير رضاه ، خرج منه الضرورة الأولى ، لأنه أنزل الضرورة بغيره فساغ للشارع دفعها بإسقاط حق من أنزله بها.

الثاني : ليس لها المطالبة بشي ء من حقوق الزوجية المتضمنة للاستمتاع قطعا لاعترافها بتحريم ذلك عليها ، ولا يجوز لها تمكينه منه لو أراده منها ، وهل لها المطالبة بالنفقة؟ استشكل العلامة ذلك ، لأنه معترف باستحقاق النفقة عليها ، وقد عطلها عن الأزواج فيجب النفقة دفعا للضرورة.

وهذا ضعيف جدا ، لأن النفقة لا تجب مع عدم التمكين من الزوجية ، فكيف تجب مع انتفاء التمكين واعتراف الزوجة بعدم الزوجية؟!

الثالث (2): لو كذب المقر نفسه أو ادعى الغلط بعد الفرقة لم يقبل ، لأنه أقر بما يقتضي التحريم ظاهرا ، فلا يباح برجوعه عن الإقرار.

قال رحمه اللّه : وهي تتحقق مع الوطي الصحيح ، وتشكل مع [الزنا و] الوطي بالشبهة والنظر واللمس.

أقول : يأتي تحقيق البحث في ذلك إنشاء اللّه تعالى (3).

قال رحمه اللّه : ولو تجرد العقد عن الوطي حرمت الزوجة على أبيه وولده ، ولم تحرم بنت الزوجة عينا ، بل جمعا ، ولو فارقها جاز له نكاح بنتها ، وهل تحرم أمها بنفس العقد؟ فيه روايتان : أشهرهما أنها تحرم.

أقول : إذا عقد الإنسان على امرأة ثمَّ فارقها قبل ان يدخل عليها لم تحرم عليه بنتها إجماعا ، وهل تحرم أمها؟ المشهور بين الأصحاب التحريم ، وهو

ص: 48


1- «م» و «ن» : إسقاط.
2- كذا «م» و «ن» وفي الأصل : فحينئذ.
3- ص 40 وص 42.

المعتمد لقوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (1) وجه الاستدلال انه أطلق تحريم أم الزوجة ولم يقيده بالدخول بالبنت ، وقيد تحريم الربيبة التي هي بنت الزوجة بالدخول بالأم ، فوجب العمل بمقتضى إطلاق الآية ، ولما رواه إسحاق بن عمار ، عن الصادق (2) عليه السلام : «ان عليا عليه السلام كان يقول الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير في الحجور سواء ، والأمهات مبهمات ، دخل بالبنات أو لم يدخل بهن ، فحرموا وأبهموا ما أبهم اللّه» (3).

وقال الحسن بن أبي عقيل ومحمد بن بابويه في كتابه بعدم تحريم الأم إلا مع الدخول بالبنت لأصالة الإباحة ، ولتقييد تحريم الربائب بالدخول ، وهو معطوف على تحريم الأمهات فيكون أيضا تحريم الأمهات مقيدا بالدخول لتساوي المعطوف والمعطوف عليه بالحكم ، ولرواية جميل بن دراج ، عن الصادق عليه السلام («قال : الأم والبنت سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوج المرأة ثمَّ طلقها قبل ان يدخل بها فإنه ان شاء تزوج أمها وان شاء ابنتها» (4) تهذيب) (5).

قال رحمه اللّه : ولو وطأ الأب زوجة ابنه لشبهة ، لم تحرم على الابن لسبق الحل ، وقيل : تحرم ، لأنها منكوحة الأب ، ويلزم الأب مهرها ، ولو عاودها الولد فان قلنا : الوطي بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران ، وان قلنا : لا يحرم - وهو

ص: 49


1- النساء : 23.
2- «م» و «ن» : عن الباقر عليه السلام.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3 وباب 20 ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث (3 و 4).
5- ما بين المعقوفتين ليس في «م» و «ن».

الصحيح - فلا مهر سوى الأول.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي التحريم وعدمه (1) ، والمعتمد عدم التحريم ، وقوله : فان قلنا : الوطي بالشبهة ينشر الحرمة كان عليه مهران ان المراد به وطي الأب المذكور في هذه المسألة ، وانما وجب عليه مهران على تقديم التحريم ، لأنه يجب عليه مهر بالعقد السابق على وطي أبيه ثمَّ يجب عليه مهر آخر بالوطي الآخر المتأخر عن وطي أبيه ، لأنها صارت محرمة عليه وقد وطأها للشبهة فيجب عليه مهر آخر لوطي الشبهة.

قال رحمه اللّه : ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلا ، وقيل : كان للعمة وللخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه أو فسخ عقدهما بغير طلاق والاعتزال ، والأول أصح.

أقول : الأول مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف وأبو العباس لكونه منهيا عنه ، والثاني قول الشيخين وسلار وابن إدريس (2) وابن البراج ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، والدليل الروايات (3).

والثالث نقله العلامة في المختلف عن أكثر الأصحاب ، قال : ويحتمل ان يقال : ليس لها فسخ نكاحها ، بل فسخ نكاح الداخلة ، قال : وهو اختيار شيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد ، لأن المنهي عنه انما هو العقد الثاني ، فيختص الحكم به ، ولا فرق بين العمة والخالة الدنيا كأخت الأب وأخت الأم ، أو العليا كأخت أب الأب وان علا وأخت أم الأم وان علت ، ولا بين كونها (4) من النسب أو الرضاعة ، ولا بين الحرة والأمة في العقد.

ص: 50


1- ليس في «م» و «ن».
2- ليس في «م» و «ن».
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- «م» و «ن» : كونهما.

أمّا (1) ملك اليمين فالعلامة في القواعد ذهب الى جواز نكاح بنت الأخت وبنت الأخ على العمة والخالة لأصالة الإباحة ، ولأن الأمة لا اعتراض لها على سيدها ، ولا تملك معه من أمر نفسها شيئا. وذهب فخر الدين الى التحريم أيضا لعموم قوله عليه السلام : «لا ينكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» (2) نهى عن النكاح على العمة والخالة ، وهو عام في العقد وملك اليمين ، وهو أحوط.

قال رحمه اللّه : وان كان الزنا سابقا على العقد ، فالمشهور تحريم العمة والخالة إذا زنى بأمهما ، أما الزنى بغيرهما ، هل ينشر حرمة المصاهرة كالوطي الصحيح؟ فيه روايتان : إحداهما ينشر ، وهي أصحهما طريقا ، والأخرى لا ينشر.

أقول : الزنا بالمرأة هل ينشر حرمة التزويج في أمها وبنتها؟ وهل يحرم على أبي الزاني وابنه؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، والبحث هنا يقع في أماكن :

أ - في الزنا المتأخر عن العقد والوطي كمن زنا بأم زوجته أو بنتها أو بزوجة أبيه أو ابنه بعد الدخول بالزوجة ، فهذا الزنا لا ينشر الحرمة إجماعا.

ب - في الزنا المتأخر عن العقد المتقدم على الوطي ، وهذا لا ينشر الحرمة أيضا عند الأكثر ، وخالف ابن الجنيد في ذلك ونشر الحرمة به ، فعنده من عقد على امرأة ثمَّ زنا بأمها أو بنتها ، أو لاط بأبيها أو ابنها أو أخيها قبل دخوله بالزوجة حرمت الزوجة عليه وانفسخ عقده ، وكذا لو زنى بزوجة أبيه أو ابنه قبل دخول الأب أو الابن عليها ، والمعتمد الأول لسبق الحل ، وقوله عليه السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (3).

ج - في الزنا السابق على العقد ، وهو محل الخلاف ، وهو على قسمين : زنا

ص: 51


1- «ر 1» : أو.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.

بالعمة والخالة ، وزنا بغيرهما.

أما الزنا بالعمة والخالة فهو محرم لبنتيهما على المشهور بين الأصحاب إلا ابن إدريس ، فظاهره التوقف في ذلك ، والمعتمد التحريم ، والمستند رواية أبي أيوب ، عن الصادق عليه السلام (1) وأما الزنا بغيرهما فهو ينشر الحرمة عند الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة (2) ، واختاره العلامة في المختلف ، وقواه فخر الدين ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، وهو (3) أحوط ، والخطر في تحريم النكاح عظيم ، والخطر وان كان هنا غير متيقن فهو مظنون لورود الأخبار الصحاح بالتحريم ، كصحيحة محمد بن مسلم (4) ، وصحيحة عيص بن القسم (5) ، وصحيحة منصور بن حازم (6) وغير ذلك ، والضرر المظنون يجب التحرز منه بترك ما لا ضرر فيه.

وقال المفيد وسلار والسيد وابن إدريس : لا ينشر الحرمة ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في الإرشاد ولم يختر في القواعد والتحرير شيئا ، واستدلوا بقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ) (7) ولأصالة الإباحة ، ولأنه وطي لا حرمة له فلا يوجب تحريما ، ولهم عليه روايات ، منها رواية هشام بن المثنى (8) ، ورواية حنان بن سدير (9) ، والأول مجهول والثاني واقفي.

ص: 52


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1 - 2.
2- ليس في «ن».
3- «م» و «ن» : لأنه.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
6- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3.
7- النساء : 3.
8- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 7 - 10.
9- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 11.

وأجيب عن الآية : ان المراد ب ( ما طابَ لَكُمْ ) أي مما حل وأبيح ، وهذه ليست حلالا. وعن الأصل : بوجوب مخالفته للدليل وقد بيناه ، وعن الروايات : بحملها على وقوع الزنا بعد العقد أو على ما يكون دون الوطي لتفصيل رواية منصور بن حازم الصحيحة ، عن الصادق عليه السلام : «في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ قال : ان كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وان كان إجماعا فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها هي» (1).

قال رحمه اللّه : وأما الوطي بالشبهة فالذي خرجه الشيخ ان ينزل منزلة النكاح الصحيح ، وفيه تردد ، والأظهر انه لا ينشر ، لكن يلحق مع النسب.

أقول : منشأ التردد من ان حكمه حكم الصحيح في الإباحة ، ولحوق النسب ، ووجوب المهر ، فيكون حكمه كذلك في نشر الحرمة ومن أصالة الإباحة.

والأول مذهب الشيخ والعلامة في أكثر كتبه ، والثاني مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، وعلى القول بنشر الحرمة بالزنا فهو هنا اولى.

قال رحمه اللّه : اما النظر واللمس مما يسوغ لغير المالك ، كنظر الوجه ولمس الكف لا ينشر الحرمة ، وما لا يسوغ لغير المالك كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة فيه تردد ، أظهره أنه يثمر كراهية.

أقول : إذا نظر الإنسان من (2) مملوكته أو لمس بشهوة ما يحرم على غيره ، هل تحرم على أبيه وابنه؟ وهل تحرم أمها وبنتها على الناظر واللامس أم لا؟البحث هنا في أماكن.

أ - في تحريمها على أبيه وابنه ، وقد تردد المصنف فيه ، من عموم قوله

ص: 53


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3 - 4.
2- ليست في «م».

تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (1)وشراء الأمة مع النظر واللمس بشهوة أقوى في الاستمتاع من نشر الحرمة في العقد المجرد عن الوطي ، وهذه (2)تحرم على الأب والابن بمجرد العقد ، وكذلك تحرم بالشراء مع النظر واللمس لما لا يباح لغير المالك ، ومن أصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (3) وقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (4) ولموثقة علي بن يقطين ، عن العبد الصالح عليه السلام : «في الرجل يقبّل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج ، أتحل لأبيه وابنه؟ قال : لا بأس» (5).

وبنشر الحرمة قال الشيخ وابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة في التذكرة والمختلف ، وبعدمه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وهو مذهب المصنف.

ب - في تحريم أمها وبنتها على الناظر واللامس ، وبه قال الشيخ في الخلاف ، فإنه جزم فيه بتحريم أم المنظورة وان علت ، وبنتها وان نزلت ، وهو مذهب أحمد بن الجنيد.

وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة بعدم التحريم ، وهو المعتمد.

ج - قد تقدم انه إذا عقد على امرأة ثمَّ فارقها قبل الدخول حلت له بنتها ، فلو نظر أو لمس من زوجته ما لا يحل لغيره ثمَّ فارقها قبل الوطي ، هل تحرم بنتها عليه؟ قال الشيخ في الخلاف وابن الجنيد : نعم ، والمعتمد عدم التحريم.

قال رحمه اللّه : ولو تزوج بأختين كان العقد للسابقة ويبطل عقد الثانية ،

ص: 54


1- النساء : 22.
2- «م» و «ن» : وهي.
3- النساء : 3.
4- النساء : 24.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 77 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 3.

ولو تزوجهما في عقد واحد ، قيل : بطل نكاحهما ، وروي أنه يتخير أيتهما شاء ، والأول أشبه ، وفي الرواية ضعف.

أقول : القول بالبطلان قول ابن إدريس وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، وبه قال فخر الدين ، وهو المعتمد ، لأنه عقد منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد ، وقال الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج : يتخير أيتهما شاء ، واختاره العلامة في المختلف لرواية جميل بن دراج (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام ، ولان العقد عليهما عقد على كل واحدة منهما والانضمام لا يقتضي تحريم المباح ، كما لو جمع بين المحرم والمحلل في البيع ، والرواية مرسلة ، ولهذا أشار إليها المصنف بالضعف.

وحكم الجميع بين الخمس بعقد واحد وبين الاثنتين لصاحب الثلاث كحكم الجمع بين الأختين ، فإن القائل بالبطلان في الأختين قائل بالبطلان هنا ، والقائل بالتخيير هناك قائل به هنا.

فرع : لو تزوج الأختين على التعاقب ثمَّ اشتبه السابق منهما منع منهما لوجوب اجتناب غير الزوجة ولا يتم الا باجتنابهما ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، ويجب عليه طلاقهما لقوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (2) والإمساك متعذر فتعين التسريح ، ولا يتم الا بطلاقهما ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فاذا حصل الطلاق فان كان قبل الدخول وجب عليه دفع (3) ربع المهرين فيوقف (4) حتى يصطلحا عليه.

وان كان بعد الدخول وجب المهران ، فان اتفق المسميان ومهر المثل فلا

ص: 55


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
2- البقرة : 229.
3- ليست في «م» و «ن».
4- «ن» : فيوفق.

بحث ، وان حصل الاختلاف (1) بين المسمين ومهر المثل أو مسمى أحدهما ومهر مثلهما فالقرعة أو الاتفاق حتى يصطلحا.

قال رحمه اللّه : ولو وطئ أمة بالملك ثمَّ تزوج بأختها ، قيل : يصح وحرمت الموطؤة بالملك أولا.

أقول : هذا هو المشهور ، لأن النكاح أقوى من الوطئ بالملك لتضمنه وجوب القسمة والمهر ، بخلاف الوطئ بالملك.

قال رحمه اللّه : ولو كان له أمتان فوطئهما ، قيل : حرمت الأولى حتى تخرج الثانية عن ملكه ، وقيل : ان كان بجهالة لم تحرم الأولى ، وان كان مع العلم حرمت حتى تخرج الثانية لا للعود إلى الأولى ، ولو أخرجها للعود والحال هذه لم تحل الأولى ، والوجه ان الثانية تحرم على التقديرين دون الأولى.

أقول : إذا ملك أختين جاز له وطئ أيتهما شاء ، فاذا وطئ أحدهما حرم عليه وطئ الأخرى حتى تخرج الموطوءة عن ملكه ، فان وطئ الثانية بعد وطيه للأولى ، قال الشيخ في النهاية : ان كان عالما بتحريمها حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية أو تخرج عن ملكه ، فإن أخرج الثانية ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها وإن أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع الى الاولى وان لم يعلم تحريم (2) ذلك عليه جاز له الرجوع الى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ببيع أو هبة.

والفرق بين العالم والجاهل عند الشيخ ان العالم لا تحل له الأولى إذا أخرج الثانية لأجل العود إلى الأولى ، والجاهل يحل له الأولى إذا أخرج الثانية ، سواء كان الإخراج للعود أو لغير العود ، فهذا فرق بينهما ، ولا فرق عنده في تحريمهما إذا

ص: 56


1- «م» و «ن» : اختلاف.
2- «م» و «ن» : بتحريم.

أبقاهما في ملكه ، وتابعه ابن البراج وابن حمزة على ذلك ، واختاره العلامة في المختلف ، والدليل الروايات (1).

وقال ابن إدريس : ان أبقاهما في ملكه حرمت الثانية دون الأولى وان اخرج إحداهما حلت الأخرى ، سواء كان الإخراج للعود أو لغيره ، ولا فرق عنده بين العالم والجاهل ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد لسبق حل الأولى (فلا تحرم عليه الا الثانية) (2) لقوله عليه السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (3) فإن أخرج الأولى حلت الثانية ، ويشترط في الإخراج ان يكون محرما للوطئ تحريما لا يقدر على دفعه ، فهو يحصل بأمور :

أ - بالبيع اللازم ، فلو كان بخيار للبائع لم يجز ، ويجزي لو كان الخيار للمشتري.

ب - بالهبة مع القبض ولا تكفي قبله.

ج - قال في التحرير : يكفي الكتابة واستشكله في القواعد لعدم الخروج عن الملك.

د - الرهن والتزويج لا يكفي وان كان محرما للوطئ لبقائها على ملكه.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين : عدم الطول وهو عدم المهر والنفقة ، وخوف العنت وهو المشقة من الترك وقيل : يكره ذلك من دونهما ، وهو الأشهر.

أقول : عدم الجواز مع وجود الشرطين مذهب المفيد وابي الصلاح وابن الجنيد وابن البراج ، لقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ

ص: 57


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- «م» و «ن» : فلا يحرمه وطئ الثانية.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.

الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ ) إلى قوله ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) (1) الآية ، وهي دالة على عدم الاستطاعة وخوف العنت في (إباحة) (2) نكاح الإماء بالعقد.

والجواز على كراهية مع وجود الشرطين مذهب الشيخ في النهاية ، والمصنف والعلامة ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (3) ، وأصالة الإباحة.

ويتفرع على القول بالمنع مع وجود الشرطين.

فروع :

الأول : لا فرق بين الدائم والمنقطع.

الثاني : المرجع الى قوله في خوف العنت وعدم الطول ولو كان في يده مال وادعى ان عليه دينا بقدره قبل قوله من غير نيّة ولا يمين.

الثالث : حدوث الشرطين بعد العقد لا يبطله وان كان قبل الدخول ، وكذا لو حدثا بعد الطلاق الرجعي ، فإنه يباح له الرجوع ، لأنها ليست ابتداء عقد.

قال رحمه اللّه : لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها ، فإن بادر كان العقد باطلا ، وقيل : كان للحرة الخيار في الفسخ والإمضاء ، ولها فسخ عقد نفسها ، والأول أشبه ، اما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا ولها الخيار في نفسها ان لم تعلم ، ولو جمع بينهما في عقد واحد صح عقد الحرة دون الأمة.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في أماكن :

أ - إذا تزوج الأمة على الحرة ولم تأذن الحرة ، وقلنا بصحة العقد على الأمة لمن عنده حرة ، هل يقع باطلا أو موقوفا على إجازة الحرة؟ بالأول قال ابن

ص: 58


1- النساء : 25.
2- من «م» و «ن».
3- النور : 32.

الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ، وحكاه عن الشيخ في التبيان ، واختاره المصنف لكونه منهيا عنه ، ولهم عليه روايات (1).

وبالثاني قال الشيخان (2) وابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، ولهم عليه روايات.

وهل للحرة فسخ عقد نفسها إذا أدخلت الأمة عليها؟ قال الشيخان : نعم ، وبه قال ابن البراج وسلار وابن حمزة ، والوجه فيهما ما تقدم في العمة والخالة ، ومنعه المصنف والعلامة لوقوع عقدها صحيحا ، والمنهي عنه عقد الأمة فيختص بالحكم.

ب - إذا تزوج الحرة على الأمة ، قال الشيخ : تتخير الحرة بين الصبر والاعتزال ، وبه قال القاضي وابن زهرة ، واختاره المصنف والعلامة ، وقال الشيخ في التبيان : لها فسخ عقد الأمة ، ومنعه ابن إدريس لوقوعه صحيحا ، بل تتخير في فسخ عقد نفسها.

ج - ان يجمع بينهما في عقد واحد ، بأن يقول : تزوجتكما على ألف ، فيقولا : زوجناك ، قال المصنف : يصح عقد الحرة ويبطل عقد الأمة ، وهو بناء على مذهبه.

اما على القول بوقوعه موقوفا ، فان قبلتا لم يكن للحرة الفسخ بعد ذلك ، ولو قالت في القبول : زوجتك نفسي وفسخت عقد الأمة ثبت عقدها ، وبطل عقد الأمة.

قال رحمه اللّه : إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم

ص: 59


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وباب 47 منه ، حديث 2 (وراجع حول روايات الثاني ما ذكره في الحدائق 23 : 573).
2- «م» : الشيخ.

تخرج من حباله ، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح.

أقول : أطلق الشيخ تحريمها بنفس الوطي سواء أفضاها أم لم يفضها ، لما رواه يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، عن الصادق عليه السلام : «قال إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل ان تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا» (1).

والمشهور أن التحريم منوط بالإفضاء تمسكا بالعقد الصحيح وأصالة الإباحة ، خرج ما وقع عليه الإجماع ، وهو التحريم مع الإفضاء ويبقى الباقي على أصالة الإباحة واللزوم ، وهو المعتمد.

ولهذه أحكام :

أ - هل تخرج من حباله بنفس الإفضاء ، أو لا تخرج الا بالطلاق؟ نص ابن حمزة على خروجها من حباله بغير طلاق ، وهو ظاهر الشيخ ، لأن خروج البضع عن الإباحة يقتضي البينونة ، ولأن التحريم كما يبطل العقد سابقا يبطله لاحقا كالرضاع ، ونص ابن إدريس على عدم الخروج بغير طلاق ، وهو ظاهر المفيد ، واختاره المصنف (2) لأصالة بقاء العقد ، ولرواية بريد العجلي (3) الدالة على مطلوبهم ، ولما رواه محمد بن بابويه في كتابه ، يرفعه الى حمزة (4) بن حمران ، عن الصادق عليه السلام (5) ، وهي دالة على المطلوب أيضا ، ويتفرع عليه تحريم الأخت والخامسة والتوارث قبل الطلاق ، وعلى الأول تنتفي هذه الأحكام بنفس

ص: 60


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
2- «ر 1» : العلامة.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 3.
4- «ن» : ابن حمزة.
5- الفقيه 3 : 272 ، حديث 79 ، والوسائل ، كتاب النكاح ، باب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1. لكن فيهما (حمران) بدل (حمزة بن حمران).

الإفضاء.

ب - وجوب الدية والإنفاق (1) عليها ، وان طلقها فان تزوجت فالأقرب زوال النفقة عنه (2) ، لأن وجوبها عليه لأجل تعطيلها عن الأزواج ، فاذا صلحت لهم وتزوجت وجبت النفقة على الزوج الثاني فلا تبقى على الأول ، لأن المرأة لا تجب نفقتها بالزوجية على اثنين بغير اشتباه ، فان طلقها الثاني بائنا (3) أو مات عنها عاد الإنفاق على الأول لانتفائه عن الثاني.

ج - لو اندمل الموضع وصلح للوطئ لم يعد الحل لحكم الشارع بالتحريم بنفس الإفضاء ، والأصل بقاؤه.

د (4) - هذه الأحكام ثابتة للزوجة المعقود عليها دائما أو منقطعا ، حرة أو امة ، وهل تحرم الموطوءة بالملك أو الشبهة أو المفضاة بالإصبع؟ استقرب العلامة في القواعد عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ، واختاره فخر الدين لأصالة الإباحة وعدم النص على الأمة والمفضاة بالإصبع.

واما الموطوءة بالشبهة فالشيخ في الخلاف جعلها كالزوجة في جميع الأحكام ، وابن إدريس منعها من النفقة لأصالة براءة الذمة ، واختاره العلامة في المختلف ، ولو أكرهها على الزنا قبل التسع فأفضاها وجبت الدية والمهر.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج في العدة ودخل فحملت ، فان كان جاهلا لحقه الولد ان جاء لستة أشهر فصاعدا منذ دخل ، وفرق بينهما ولزمه المسمى ، وتتم العدة للأول وتستأنف أخرى للثاني ، وقيل : تجزي واحدة ، ولها مهرها على الأول ومهر على الآخر إن كانت جاهلة بالتحريم ، ومع علمها فلا مهر.

ص: 61


1- «ن» : والنفقة.
2- «ر 1» : على الزوج.
3- «ن» : ثانيا.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : تنبيه.

أقول : إذا تزوج المعتدة بائنا أو رجعيا أو عدة وفاة ، فاما ان يكون عالما بالعدة والتحريم أو جاهلا بأحدهما ، فهنا قسمان : الأول أن يكون عالما وله أحكام.

أ - ثبوت التحريم المؤبد بنفس العقد سواء كانت عالمة أو جاهلة ولا مهر لها الا مع الدخول وجهلها ، ولا تحرم على أبيه وابنه بنفس العقد.

ب - عدم انقطاع عدتها من الأول وان دخل الثاني وحملت لعدم اعتبار وطئ الثاني في نظر الشرع ، فان كانت معتدة بالشهور أكملت ثلاثا من حين الطلاق ، سواء حملت أو لم تحمل ، وان كانت معتدة بالأقراء فلا بد من ثلاثة ، وان حملت فان كان قد مضى قبل الحمل قروء فلا بد من قرئين آخرين فإن رأت الدم في زمان الحمل وقلنا باجتماعه مع الحمل احتسبت ما تراه فيه من العدة ، فإن أكملت قبل الوضع ثلاثة أقراء خرجت من العدة والا صبرت حتى تضع ، فإن رأت الدم عند الولادة أعتدت به حيضة وخرجت من العدة ان كانت ثالثة والا صبرت حتى تكمل ثلاثة اقرء ، وان تأخر الحيض لمكان الرضاع ، لأنها من أهل الأقراء وانقطاع الدم هنا لعارض ، فلا تخرج إلا بالأقراء.

ج - يجوز للأول المراجعة ان كان الطلاق رجعيا فان كانت حاملا جاز له الوطي قبل الوضع ، لأن هذا الحمل لا حرمة له ، وان كانت حائلا ، قال : أبو العباس في مهذبه : لا يحل له الوطي في الطهر الذي وطأ فيه العاقد حتى تحيض لجواز (ان تحمل) (1) من الوطي ، والولد للزوج في الظاهر ، فيكون قد ألحق بنسبة من ليس منه ، وهو غير جائز هذا كلامه رحمه اللّه.

وفيه نظر ، لأنه زان ، والزاني لا حرمة لوطيه ، والا لوجب اجتناب كل زوجة زنت في طهر لم يقربها زوجها فيه قبل الزاني حتى تحيض وتطهر ، وهو خلاف المشهور.

ص: 62


1- «م» و «ن» و «ر 1» : حملها.

د - لو راجعها الزوج وهي حامل من الزاني ووطأها ، جاز له طلاقها في الحال من غير استبراء ، لأن المراد من الاستبراء علم براءة الرحم من الزوج وهو هنا حاصل.

الثاني ان يكون جاهلا ، وله أحكام :

أ - عدم التحريم بنفس العقد ، بل بالوطي ، فلو عقد في العدة جاهلا فسد العقد ، فان دخل في العدة حرمت مؤبدا ، وان دخل بعد العدة ، قال أبو العباس في مهذبه : لم تحرم مؤبدا ، لأن الحكم في الجاهل متعلق بالوطي وقد حصل بعد العدة ، وحينئذ لا فرق بين ان يتجدد له العلم بعد العدة أو قبلها إذا كان الوطي بعد العدة (1) هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وهو جيد ، لأن ابن إدريس قيد الدخول في العدة ، فيحمل إطلاق غيره عليه.

ب - ينقطع عدة الأول بوطي الثاني وان لم تحمل منه ، وهل (2) يكفي واحدة عنهما بأن تعتد عند مفارقة الثاني بثلاثة أقراء ان كانت من أهل الأقراء ، أو بثلاثة أشهر ، ويكتفي بها عنهما (3) ، أو لا بد من عدتين بأن تكمل عدة الأول عند مفارقة الثاني إذا لم تحمل من الثاني ثمَّ تستأنف للثاني عدة أخرى فإن حملت من الثاني أعتدت له بوضع حمله ثمَّ تكمل عدة الأول بأن تبني على ما مضى من الأقراء ان كانت من أهلها أو الشهور ان لم تكن من أهلها؟

قيل بالأول ، لأن المقصود من العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالعدة الواحدة ، ولرواية زرارة (4) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على الاكتفاء بالعدة

ص: 63


1- في «م» بزيادة : (إلا إذا كان الجهل للتحريم ، فإنها تحرم بنفس العقد ولو لم يدخل على أصح القولين) أقول : هذه الزيادة ليست في المهذب البارع ، راجع المهذب 3 : 285.
2- ليست في «ن».
3- «ن» : عنها.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.

الواحدة (1).

وقيل بالثاني ، لأنهما حكمان ، وتداخلهما على خلاف الأصل فلا بد من عدتين ، وهو المعتمد.

ج - للزوج مراجعتها في عدته سواء كانت متأخرة عن عدة العاقد كما في صورة الحمل ، أو متقدمة عليها كما في صورة عدمه ، وهل له مراجعتها في عدة العاقد في صورة تقدمها على عدته؟ منع العلامة في القواعد منه ، قال : وله الرجعة في الإكمال دون زمان الحمل وظاهر أبي العباس جواز الرجوع في زمان حمل الثاني الا انه يمنع من الوطي ، أما لو كان الطلاق بائنا فإنه لا يجوز له ان يعقد عليها في عدة الثاني إجماعا ، ولا في عدة نفسه إذا كانت متقدمة على عدة الثاني ، لأن التزويج يسقط عدته فيثبت (2) حكم عدة الثاني فيمتنع عليه الاستمتاع ، وكل عقد لا يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلا عدا ما أخرجه النص والإجماع من جواز العقد على الصغيرة وان حرم نكاحها (حتى تبلغ) (3).

فروع :

الأول : لو تزوج بذات بعل هل يكون حكمه حكم المعتدة؟ قال العلامة : فيه اشكال من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم ، وقال في التحرير : لا نعرف لعلمائنا فيه فتيا ، وحمله على ذات العدة قياس ، مع ان الأقرب ذلك ، وثبوت الحكم فيه من طريق التنبيه لا القياس.

وعن زرارة ، عن الباقر عليه السلام : «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثمَّ قدم زوجها بعد ذلك فطلقها قال تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر

ص: 64


1- «م» و «ن» : بعدة واحدة.
2- «م» و «ر 1» : ويثبت.
3- ليس في «م» و «ر 1».

عدة واحدة وليس للأخير ان يتزوجها أبدا» (1).

قال العلامة : وفي طريقها ابن بكير ، وهي تدل على مساواة النكاح للعدة. ومذهب أبي العباس المساواة ، وفخر الدين اقتصر على مورد النص.

الثاني : هل وطي الأمة في الاستبراء كالوطي في العدة؟ استشكل (2) العلامة من أنه عدة الأمة ، ومن اختصاصه باسم لم يتناوله النص ، والأصل الإباحة ، وفخر الدين على عدم التحريم.

الثالث : لو تزوج ذات البعل عالما حرمت عليه قطعا ، وانما الإشكال إذا كان جاهلا أو لشبهة ، كما لو طلقها رجعيا ثمَّ رجع في العدة وأشهد على الرجعة من حيث لا تعلم ، فتزوجت بعد انقضاء العدة ، فأقام البينة بالرجعة في العدة ، أو كمن قامت البينة عندها بوفاة زوجها ، فنكحت غيره ثمَّ ظهرت حياته.

قال رحمه اللّه : من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها ، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا ، وكذا لو زنت امرأته وإن أصرت على الأصح ، ولو زنا بذات بعل ، أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا في قول مشهور.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في جواز نكاح الزانية ، والمشهور جوازه على كراهية وان كان الزاني هو العاقد عليها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والإستبصار ، ومذهب ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأصالة الإباحة ، ولهم عليه روايات (3).

وقال المفيد والشيخ في النهاية : إذا فجر بامرأة غير ذات بعل فلا يجوز (4) العقد عليها ما دامت مصرة على ذلك الفعل ، فان ظهر منها التوبة جاز

ص: 65


1- تقدمت الإشارة إلى مصدرها ص 53.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : استشكله.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : بزيادة له.

له العقد عليها وتعتبر توبتها بان يدعوها الى ما كان منه فإن أجابت امتنع من العقد عليها ، وان امتنعت عرف بذلك توبتها. ومثله قال ابن البراج ، وأبو الصلاح أطلق تحريم الزانية حتى تتوب.

احتج الشيخ ومن تابعه برواية أبي بصير «قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثمَّ أراد بعد ان يتزوجها؟ فقال : إذا تابت حل له نكاحها ، قلت : كيف نعرف توبتها ، قال : يدعوها الى ما كانت عليه من الحرام فان امتنعت واستغفرت ربها عرف توبتها» (1) ومثلها رواية عمار ابن موسى الساباطي (2) ، عن الصادق عليه السلام.

احتج أبو الصلاح على إطلاقه بقوله تعالى ( الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (3).

الثانية : في تحريم الزوجة إذا زنت وأصرت على الزنا ، وبالتحريم قال سلار ، وهو قول المفيد ، الا انها لا تبين إلا بإطلاق ، وقال ابن حمزة : ينفسخ نكاحها على قول بعض الأصحاب.

احتج سلار بأن أعظم فوائد النكاح التناسل ، وأعظم حكمة الحد والزجر عن الزنا اختلاط الأنساب ، فلو أبيح نكاح الزانية لزم اختلاط الأنساب.

والمشهور عدم التحريم لقوله عليه السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (4) ، ولرواية عباد بن صهب (5) ، عن الصادق عليه السلام (6) ، الدالة على جواز

ص: 66


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 7.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
3- النور : 5.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 2.
5- في «ن» : غياث بن صهيب. وفي «م» : عباد بن صهيب. وكذا في المصدر.
6- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 1.

إمساك الزانية.

الثالثة : الزنا بذات البعل أو العدة الرجعية ، والمشهور تحريمها مؤبدا لا أعلم فيه خلافا ، وادعى عليه المقداد رحمه اللّه في شرح المختصر الإجماع ، ولا فرق عندهم بين علم الزاني بالزوج والعدة وعدمه ، ولا بين دخول الزوج وعدمه ، ولا بين الدائم والمنقطع.

ولو زنا بذات عدة بائن أو وفاة أو عدة المستمتع بها هل تحرم أم لا؟ قال العلامة في التحرير : ليس لأصحابنا فيه (1) نص ، وعلى ما قلناه من التفسير (2) يحتمل التحريم مع العلم ، لأنا قد بينا ثبوته مع العقد ، فمع التجرد عنه اولى ، قال : وهو الأقرب. وجزم في القواعد بعدم التحريم.

وهل الزنا بالأمة الموطؤة كالزنا بذات البعل؟ قال في القواعد : فيه نظر ، واختار فخر الدين عدم التحريم ، وهو اختيار العلامة في التحرير لخلوها عن النص.

قال رحمه اللّه : إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين ، فان سبقت إحداهما كان العقد لها ، وإن اتفقا في حال بطل العقدان ، وروي أنه يتخير ، وفي الرواية ضعف.

أقول : الرواية هي رواية جميل بن دراج (3) ، وهي مرسلة وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن البراج ، وقد سبق (4) البحث في هذه المسألة ، والمعتمد فيها البطلان.

قال رحمه اللّه : لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا ، وفي تحريم

ص: 67


1- «م» و «ن» : في ذلك.
2- في «م» و «ر 1» : التنبيه ، وفي «ن» : البينة.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، حديث 1.
4- ص 55.

الكتابية من اليهود والنصارى روايتان ، أشهرهما المنع في الدائم ، والجواز في المؤجل وملك اليمين ، وكذا حكم المجوس على أشهر الروايتين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى - في جواز نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى ، وقد اختلف الأصحاب هنا على أقوال كثيرة ، والمشهور منها ثلاثة :

الأول : تحريم النكاح بجميع أنواعه ، وهو مذهب السيد المرتضى والشيخ في كتابي الأخبار ، وأحد قولي المفيد ، وقواه ابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، قال : وهو الذي استقر عليه رأي والدي ، وهو مذهب ابي العباس في كتابيه لأنهن مشركات لقوله تعالى ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ) الى قوله تعالى ( سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) (1) وإذا ثبت انهن مشركات ثبت تحريم نكاحهن لقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (2) وقوله ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (3) ، ولأن النكاح يستلزم المودة ، لقوله تعالى ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (4) ومودة الكافر غير جائزة ، لقوله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (5) الآية.

الثاني : جوازه بجميع أنواعه ، وهو مذهب ابني بابويه وابن ابي عقيل ، لقوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (6) ولرواية أبي (7) مريم

ص: 68


1- التوبة : 30 ، 31.
2- البقرة : 221.
3- الممتحنة : 10.
4- الروم : 21.
5- المجادلة : 22
6- المائدة : 5.
7- «ن» : ابن.

الأنصاري (1) ، عن الصادق عليه السلام. وأجيب عن الآية بأنها منسوخة بقوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (2) وعن الرواية بضعف السند.

الثالث : جواز المتعة وملك اليمين دون الدائم ، وهو مذهب سلار وأبي الصلاح ، واختاره المصنف واستقربه العلامة في القواعد والتحرير ، لرواية أبان بن عثمان ، عن زرارة (3).

الثانية : في نكاح المجوسيات ، والمشهور ان حكمهن حكم أهل الكتاب ، لقوله عليه السلام : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (4) ومنع ابن إدريس من مناكحتهن لأصالة تحريم المشركات ، خرج منه اليهوديات والنصرانيات على الخلاف ، ويبقى الباقي على أصالة المنع.

قال رحمه اللّه : ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر ، وان كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، وقيل : ان كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا ، غير انه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها نهارا ، والأول أشبه.

أقول : القول المحكي قول الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار معولا على رواية جميل بن دراج (5) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما السلام وقال في

ص: 69


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 3. في «م» و «ن» و «ر 1» : عن الباقر عليه السلام
2- الممتحنة : 10.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب 49 من أبواب جهاد العدو حديث 9.
5- التهذيب ، كتاب النكاح ، فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب الحديث 12 (1254) ج 7 ص 300. والإستبصار ، أبواب ما أحلّ اللّه العقد عليهن وما حرّم ، باب الرجل والمرأة إذا كانا ذميين فتسلم المرأة دون الرجل حديث 1 5. ج 3 ص 181. وفي الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر حديث 1.

الخلاف بانفساخ العقد مطلقا ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن التزويج نوع سلطنة على الزوجة والكافر ممنوع من السلطنة على المسلم.

قال رحمه اللّه : ولو قبّل ولمس بشهوة يمكن أن يقال : هو اختيار ، كما هو رجعة في حق المطلقة ، وهو يشكل بما يتطرق اليه من الاحتمال.

أقول : وجه الاشكال ان التقبيل واللمس قد يوجدان في الأجنبية فهما أعم من الاختيار وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ومن مشاركة الاختيار للرجعة (1) في إرادة النكاح ، وكل ما كان رجعة كان اختيارا وهما إذا قارنا الشهوة رجعة إجماعا فيكونان رجعة اختيارا ، وهو مذهب العلامة في القواعد والتحرير ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج امرأة وبنتها ثمَّ أسلم بعد الدخول بهما حرمتا ، وكذا لو كان دخل بالأم ، أما لو لم يكن دخل بواحدة بطل عقد الأم دون البنت ، ولا اختيار ، وقال الشيخ : له التخيير ، والأول أشبه.

أقول : إذا أسلم عن امرأة وبنتها زوجتين ولم يكن دخل بإحداهما ، قال الشيخ : يتخير أيهما شاء ، لأن عقد الشرك لا يحكم لصحته (2) الا بانضمام الاختيار حال الإسلام ولهذا لو تزوج عشرا واختيار منهن أربعا لم يجب للبواقي مهر ولا نفقة وكنّ بمنزلة من لم يقع عليهن عقد ، فاذا اختار الأم كان بمنزلة من لم يعقد على البنت ، قال : ويحتمل لزوم عقد البنت ، إذ نكاح الشرك صحيح ، كما لو تزوج أختين وانه (3) يختار أيهما يشاء ، فيكون صحيحا فيهما وصحة النكاح في البنت تقتضي التحريم المؤبد في الأم والمصنف اختار هذا الاحتمال ، وهو اختيار

ص: 70


1- «م» و «ر 1» : للرجعية. وفي «ن» : للمرجعية.
2- كذا
3- «م» و «ن» و «ر 1» : فإنه.

العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات ، فأسلم معه اثنتان ثمَّ أعتق ولحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين ، لأنه كمال العدد المحلل له ، ولو أسلمن وأعتق ، أو أسلمن بعد إسلامه وعتقه في العدة ثبت نكاحه عليهن لاتصافه بالحرية المبيحة للأربع ، وفي الفرق إشكال.

أقول : منشؤه من وجود الحرية المبيحة للأربع في الصورتين قبل الاختيار ، فيكون له اختيار الأربع في الصورتين ، ووجه الفرق انه في الصورة الأولى حين ثبوت الاختيار كان عبدا ، لأن ثبوته حال اجتماع الإسلامين (1) ، وهو حينئذ عبد ، وفي الصورة الثانية حالة (2) اجتماعهما وهو حر ، هذا الفرق بينهما ، وحينئذ لا فرق ان يختار في الصورة الأولى من سبق إسلامها عتقه أو تأخر إسلامها عنه ، وله ان يحدد العقد على الأخيرتين.

قال رحمه اللّه : اختلاف الدين فسخ لإطلاق فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط المهر ، وان كان من الرجل فنصفه على قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويحتمل ثبوت الجميع لأن التنصيف مشروط بالطلاق ، والفسخ ليس طلاقا ، ولا يعد في الثلاث.

قال رحمه اللّه : ولو لم يسم مهرا والحال هذه كان لها المتعة كالمطلقة ، وفيه تردد ، ولو دخل الذمي وأسلم وكان المهر خمرا ولم يقبضه ، قيل : سقط ، وقيل :يلزمه مهر المثل ، وقيل : تجب قيمته عند مستحله ، وهو أصح.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا لم يسم مهرا ثمَّ أسلم قبل الدخول ، قال الشيخ : لها المتعة ، كما

ص: 71


1- في «ن» : الإسلام.
2- «ن» : حال.

لو طلقها ، وبه قال المصنف ثمَّ تردد من انه فسخ قبل الدخول فأشبه الطلاق في وجوب المتعة إذا لم يسم مهرا ، ومن أصالة براءة الذمة ، لأنه لم يسم لها مهرا صحيحا ولا فاسدا ولا طلقها ، فلا يثبت عليه شي ء ، لأن المتعة مشروطة بالطلاق قبل الدخول ولم يحصل.

الثانية : إذا سمى مهرا فاسدا كالخمر والخنزير ، ثمَّ أسلم بعد الدخول وقبل قبض المهر ما الواجب عليه؟ حكى المصنف ثلاثة أقوال :

أ - السقوط ، ووجهه سقوط الخمر عن ذمته بإسلامه ، والأصل براءة الذمة مما سواه لعدم تناول العقد لغير الخمر فلا يلزمه شي ء.

ب - وجوب مهر المثل ، ووجهه استقراره في ذمته بالدخول فلا يسقط لكونه فاسدا ، فيكون كما لو لم يسم مهرا.

ج - وجوب قيمته عند مستحليه ، ووجهه أنه أتلف بإسلامه حقا لذمي يستحقه ويملكه ، فيكون ضامنا بقيمته ، واختاره المصنف وهو قوي.

قال رحمه اللّه : إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطئ زوجته المسلمة (ووقف نكاحها على انقضاء العدة)(1) ، فلو وطئها لشبهة وبقي على كفره الى انقضاء العدة ، قال الشيخ : عليه مهران ، الأصلي بالعقد والآخر بالوطي بالشبهة ، وهو يشكل بما انها في حكم الزوجية إذا لم يكن عن فطرة.

أقول : إذا ارتد الزوج أو الزوجة أو هما بعد الدخول عن غير فطرة ، حرم الوطي من حين الارتداد ، ووقف انفساخ النكاح على خروج العدة ، فإن عاد (2) أو عاد المرتد منهما إلى الإسلام في العدة فالزوجية باقية والا تبينا البينونة من حين الارتداد ، فإن وطأها مدة التربص لشبهة ، هل يجب عليه مهران؟ قال الشيخ :

ص: 72


1- (*) ما بين القوسين من الشرائع المطبوع.
2- كذا في الأصل ، وفي «ن» : عادوا.

نعم ، واستشكل المصنف ، ومنشؤه من انها بحكم الزوجة (فهي كالمطلقة) (1) رجعيا ، لجواز الرجوع إليها بإسلام المرتد منهما ووجوب النفقة إذا كان المرتد هو الزوج ، فهي في العدة بحكم الزوجة ، فلا يجب بوطئها مهر ، كما لا يجب بوطي المطلقة رجعيا.

ومن كون العدة كاشفة عن حصول البينونة حين الارتداد ، فلما انقضت على الارتداد تبين كونها أجنبية في زمان العدة ، ومن وطأ أجنبية للشبهة كان عليه مهر مثلها ، فيكون عليه المهر هنا ، وهو اختيار العلامة في التحرير جزما.

قال رحمه اللّه : ولو مات أو متن ، قيل : يبطل الخيار والوجه استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات وموروثات.

أقول : إذا أسلم على أكثر من أربع ثمَّ أسلمن في العدة كان عليه اختيار أربع ، فلو متن أو مات بعضهن قبل الاختيار لم يسقط الاختيار ، بل له ان يختار من يشاء ويرثهن ، فلو متن أو مات قبل الاختيار قيل : يبطل الاختيار ، ولتعذره (2) بموت الزوج ، وحينئذ يوقف ربع تركته أو نصف ربعها للجميع حتى يصطلحن ، ويوقف من تركته كل واحدة نصفها أو ربعها حتى يصطلح ورثتها وورثة الزوج عليه ، واختار المصنف استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات وموروثات ، وقد اشكلن فيقرع بينهن ، لأن كل أمر مشكل فيه القرعة ، والقول بالبطلان يؤدي الى توريث غير الوارث ومنع الوارث من إرثه أو بعضه ، وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : ولو مات قبلهن ورثه أربع منهن لكن لما لم يتعين وجب إيقاف الحصة حتى يصطلحن ، والوجه القرعة أو التشريك.

ص: 73


1- في الأصل : وهي المطلقة.
2- كذا.

أقول : ذكر المصنف في النصيب الموقوف - وهو الربع أو نصفه - ثلاثة وجوه :

الأول : ان يصطلحن عليه ، ووجهه ان المستحق له منحصر فيهن ، لكنه مجهول فالاحتياط يقتضي الصلح.

الثاني : القرعة ، لأنه أمر مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة.

الثالث : القسمة بينهن بالسوية لانحصار المستحق فيهن وعدم أولوية البعض دون البعض فكان مشتركا بينهن ، كما لو تداعيا عينا ولا ترجيح لأحدهما.

قال رحمه اللّه : روى عمار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «ان إباق العبد طلاق امرأته فإنه بمنزلة الارتداد ، فان رجع بالعدة فهي امرأته بالنكاح الأول ، وان رجع بعد العدة وقد تزوجت فلا سبيل له عليها ، وفي العمل بها تردد ، منشؤه ضعف السند.

أقول : أفتى الشيخ في النهاية بمضمون هذه الرواية (1) ، وأنكره ابن إدريس ، لأصالة بقاء النكاح ، ولضعف سند الرواية ، لأن عمارا فطحي المذهب ، ولا يعمل بما انفرد به ، خصوصا مع مخالفة (2) الأصل.

ص: 74


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 73 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.
2- كذا. ولعل الصحيح : مخالفته.

مسائل من لواحق العقد

اشارة

قال رحمه اللّه : الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وان تأكد استحباب الإيمان.

أقول : ظاهر المفيد وابن الجنيد الاكتفاء بالإسلام وان تأكد استحباب الايمان ، فعلى هذا يجوز نكاح المؤمنة للمخالف ، لرواية محمد بن الفضل الهاشمي «قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : الكفؤ أن يكون عفيفا ويكون عنده يسار» (1) ولقوله عليه السلام : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه زوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (2).

ومنع الشيخ في المبسوط من نكاح المخالف للمؤمنة ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لرواية عبد اللّه بن سنان ، عن

ص: 75


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح ، حديث 5 مع اختلاف يسير.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح ، حديث 1 - 2 - 3 - 6.

الصادق عليه السلام : «ولا نزوج المستضعف مؤمنة» (1) وفي رواية زرارة ، عن الباقر عليه السلام «قال : ان العارفة لا توضع الا عند عارف» (2) و «سئل الصادق عليه السلام عن امرأة مؤمنة عارفة وليس في الموضع أحد على دينها ، هل تزوج منهم؟ قال : لا تزوج الا من كان على دينها. ولأن المرأة تأخذ من دين بعلها ، فلا يؤمن ان يخدعها عن دينها» (3).

واستدلال المجوزين بقوله عليه السلام : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» (4) لا يصلح ان يكون دليلا لهم ، لأن دين المخالف ليس بمرضي عند المؤمن ، فلا يدخل في الأمر بزواجه لعدم الارتضاء بدينه.

فرع : إذا ثبت ان الايمان شرط في إباحة نكاح المؤمنة كما أن الإسلام شرط في إباحة نكاح المسلمة وان المخالف يمنع من المؤمنة ، كما ان الكافر يمنع من المسلمة ، ثبت ابطال الخلاف لعقد المؤمنة لاحقا كإبطاله سابقا ، فلو خرج المؤمن من دينه الى دين أهل الخلاف انفسخ نكاح زوجته المؤمنة كانفساخ نكاح المسلمة بارتداد الزوج ، لأن الشرط يجب مصاحبته للمشروط ، وينتفي المشروط عند انتفاء الشرط ، فكما تنتفي إباحة الصلاة عند انتفاء الطهارة كذلك تنتفي اباحة المؤمنة والمسلمة عند انتفاء الايمان والإسلام ، لأن الايمان والإسلام شرط في إباحتهما ، كما ان الطهارة شرط في إباحة الصلاة.

إذا عرفت هذا ، فهل تبين زوجته المدخول بها حين انفساخ العقد

ص: 76


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 6.
2- الرواية الموجودة بنفس النص المذكور ليست عن زرارة عن الباقر عليه السلام بل عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام راجع الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر حديث 5.
3- المستدرك ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث 8.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، حديث 1.

باختلاف الدين ، أو يتوقف الفسخ على انقضاء العدة كالمرتد عن ملة فإن عاد الى الإيمان في العدة كانت الزوجية باقية وان بقي على الخلاف بانت منه كالمرتد؟ يحتمل ذلك ، لأن خروج المؤمن إلى دين أهل الخلاف ليس أبلغ من الارتداد عن الإسلام إلى الكفر ، وقد ثبت ان الارتداد لا يوجب بينونته (1) حتى تنقضي العدة ، فتوقّف البينونة على انقضاء العدة في الخروج الى دين أهل الخلاف أولى ، ويكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، لا من باب القياس.

ويحتمل البينونة بنفس انفساخ العقد حالة الخروج عن الأيمان ، لأن الأصل في الفسخ اقتضاء البينونة من حين الفسخ ، سوى (2) اقتضى التحريم المؤبد كالفسخ بسبب الرضاع أو لا يقتضي ذلك كالفسخ بالعيب خرج منه الفسخ بسبب الارتداد للنص (3) ، والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة ما يقتضيه الفسخ من البينونة من حينه.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تمكنه من النفقة؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : القائل بالاشتراط هو الشيخ في المبسوط ، وقال في النهاية بعدم الاشتراط ، وبه قال ابن حمزة والمصنف والعلامة ، وهو مذهب القاضي وابن الجنيد ، وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (4) ولا فائدة في الآية مع اشتراط الغنى ، ولأنها لو علمت بعسره ثمَّ رضيت فنكاحه صحيح إجماعا ، فلو كانت القدرة شرطا لما سقطت بالتراضي كغيرها من

ص: 77


1- «م» و «ن» و «ر 1» : البينونة.
2- كذا. ولعلها : سواء.
3- الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب 6 من أبواب موانع الإرث ، حديث 4.
4- النور : 32.

الشروط. وقال ابن إدريس بعدم الاشتراط الا أن المرأة تسلط على الفسخ مع عدم العلم بفقره ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو تجدد العجز عن النفقة هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان ، أشهرهما : أنه ليس لها.

أقول : اما على القول بأشراط التمكين من النفقة ابتداء ، كمذهب الشيخ في المبسوط ، فاذا تجدد العجز ثبت لها الخيار ، واما على القول بعدم اشتراطه ، كما هو المشهور ، هل يثبت الخيار؟ قال ابن الجنيد : نعم ، ونقله ابن إدريس عن بعض أصحابنا ، واختاره العلامة في المختلف دفعا للضرورة الحاصلة لها لاحتياجها إلى النفقة وتحريم تزويجها بغيره ، فمع عدم اباحة الفسخ يحصل الضرر العظيم ، وهو منفي بالآية (1) والرواية (2).

والمشهور عدم جواز الفسخ لأصالة بقاء العقد ، ولعموم قوله تعالى : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (3) وهذا البحث مع دخولها عليه موسرا ثمَّ تجدد له الإعسار ، اما لو دخلت عليه معسرا لم يكن لها الفسخ قطعا ، لأنها هي التي أدخلت الضرر على نفسها وأسقطت حقها باختيارها.

تنبيه : على القول بان التمكن من المؤمنة شرط ليس هو كغيره من الشروط التي لا يباح المشروط بدونها ، كالطهارة في إباحة الصلاة ، والإيمان والإسلام في إباحة المؤمنة والمسلمة ، بل هو شرط في وجوب الإجابة ، لأنه مع الرضا بإعساره يباح له النكاح إجماعا ، وليس كذلك لو رضيت بكونه كافرا أو مخالفا مع كونها مؤمنة أو مسلمة ، فإنه لو رضيت المؤمنة بالمخالف لم يبح لها نكاحه

ص: 78


1- البقرة : 231. والطلاق : 6.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 وفي كتاب الفرائض ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 12.
3- البقرة : 280.

إجماعا من القائلين بالمنع ، ولو رضيت المسلمة بالكافر لم يبح لها إجماعا ، فقد ظهر الفرق بين اشتراط القدرة على النفقة وبين غيره من الشروط.

قال رحمه اللّه : وإذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته وان كان أخفض نسبا ، ولو امتنع الولي كان عاصيا.

أقول : روي (1) انه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشي ء يدخل فيه في جملة الفساق ، وان كان حقيرا في نفسه قليل المال ، فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلى اللّه عليه وآله.

قال ابن إدريس : ووجه الحديث في ذلك انما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والانفة منه كذلك (2) ، واعتقاد ان ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إذا رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه ، فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث.

هذا تحقيق ابن إدريس رحمه اللّه ، وهو جيد ، الا ان قوله : واعتقاد ان ذلك ليس بكفؤ في الشرع ، فإنه يفهم منه انه لو رده للأنفة من فقره وخفض نسبه مع اعتقاد انه كفوء في الشرع ، فإنه لم يكن عاصيا وهذا غير صحيح ، والا كان تارك الواجب مع اعتقاده انه واجب لم يكن عاصيا ، وهو ضروري البطلان ، لأنه إذا ترك اجابته مع علمه بأنه كفوء في الشرع وان أجابه الكفوء واجبة وانما ترك ذلك لأنفة كان تاركا للواجب مع علمه بكونه واجبا ، وهذا يكون عاصيا إجماعا ، فيكون تقييده للعصيان بالاعتقاد بأنه ليس بكفوء غير صحيح ، بل لو قيده بالاعتقاد بأنه كفوء كان أحسن.

ص: 79


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : لذلك.

وقال العلامة في القواعد : ولو امتنع الولي كان عاصيا الا الى العدول إلى الأعلى ، جوّز الامتناع إذا كان العدول إلى الأعلى ، وعند التحقيق يلزم من إطلاق قول العلامة ترك العمل بما تضمنه الخبر (1) من وجوب إجابة المؤمن إذا كان قليل المال أو أخفض نسبا ، لأنه إنما يترك الإجابة لأجل العدول الى من هو أعلى منه لا لقصد عدم تزويج ابنته ، فاذا جاز رد المؤمن لأجل قصد من هو أعلى لزم ترك العمل بالخبر ، فلو قيد العدول إلى الأعلى بحضوره ورغبته في النكاح كان حسنا.

فرعان :

الأول : هل حكم المرأة إذا كان أمرها بيدها حكم الأب في وجوب إجابة المؤمن إذا خطبها وان كان اخفض نسبا بحيث لو منعته كانت عاصية؟ يحتمل ذلك ، لأنه كفوء في الشرع وإذا خطب الكفوء وجبت الإجابة ، فكما يجب على أبيها إذا كان أمرها بيده يجب عليها إذا كانت مالكة أمر نفسها.

ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة من اشتغالها بواجب أو ندب ما لم يحصل الدليل الشاغل ، والرواية (2) إنما وردت في الأب ، فيقتصر في الوجوب على مورد النص دون ما عداه.

الثاني : لو كان للمرأة أخ أو عم وكان أمرها مفوض اليه ، هل يجب عليه الإجابة أم لا؟ يحتمل العدم ، لأنه ليس وليا حقيقا ، والنص انما ورد في الولي الإجباري إذ مع عدمه يكون أمرها بيدها ، ويحتمل الوجوب لأنه مع التفويض اليه وعدم مخالفته يصير كالولي الإجباري ، فيجب عليه الإجابة ، فإن رضيت والا انتفى الوجوب عنه ، وهذا هو الأحوط.

ص: 80


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب مقدمات النكاح ، حديث 1.
2- المتقدمة آنفا.

قال رحمه اللّه : لو انتسب الى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ ، وقيل : ليس لها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على أربعة أقوال :

أ - قول الشيخ في النهاية قال : إذا انتمى الرجل إلى قبيلة وتزوج ، فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، وجعله ابن البراج رواية ، وهي رواية الحلبي (1) ، وهي حجة القوم.

ب - عدم ثبوت لزوم (2) الخيار ولزوم العقد ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لأصالة بقاء العقد ، ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (3).

ج - ثبوت الخيار إذا بان أدنى من القبيلة التي انتسب إليها بحيث لا يلائم شرفها شرفه ، وهو قول العلامة في المختلف.

د - ثبوت الخيار ان اشترط ذلك في العقد ، وعدم ثبوته ان لم يشترط ، وهو قول فخر الدين ، ووجهه الجمع بين الأقوال.

فرع : هل الحكم مشترك بين الرجل والمرأة؟ قال ابن الجنيد وابن حمزة (4) : نعم ، ولم يتعرض له الباقون ، وحكم الانتساب إلى الصنعة حكم الانتساب إلى القبيلة عند ابن الجنيد لما روي : «ان رجلا تزوج على انه يبيع الدواب ، فوجد بائعا للسنانير فلم يفسخ أمير المؤمنين عليه السلام نكاحه ، وقال : السنانير دواب» (5) ، وهي دالة على الحكم من حيث المفهوم.

ص: 81


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 1.
2- ليست في «م» و «ن» و «ر 1».
3- المائدة : 1.
4- ليس في «ن».
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 16 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج بامرأة ثمَّ علم أنها كانت زنت ، لم يكن له فسخ العقد ولا الرجوع على الولي بالمهر ، وروي أن له الرجوع ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وهو شاذ.

أقول : الرواية إشارة إلى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن الصادق عليه السلام ، «قال : سألته عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها انها كانت (1) زنت؟ قال : ان شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وان شاء تركها» (2) وابن الجنيد وابن بابويه أثبتا له الخيار ، وأثبته ابن الجنيد للمرأة بزنا الرجل ، والمعتمد انه لا خيار ولا رجوع على الولي.

ويحصل العلم بالزنا للزوج بالتواتر والمشاهدة أو قول المعصوم أو البينة الشرعيّة.

قال رحمه اللّه : ولو خطب فأجابت قيل : يحرم على غيره خطبتها ، ولو تزوج ذلك الغير كان العقد صحيحا.

أقول : بالتحريم قال الشيخ رحمه اللّه ، وهو مبني على تحريم الدخول في سوم المؤمن ، والمشهور الكراهية بناء على كراهية الدخول في سوم المؤمن ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا تزوجت المطلقة ثلاثا ، فلو شرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد ، وربما قيل : يلغو الشرط ، ولو شرطت الطلاق ، قيل : يصح النكاح ، ويبطل الشرط.

ص: 82


1- «م» و «ن» و «ر 1» : قد.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 6 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 4.
أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا شرطت المرأة على المحلل (إذا حللها) (1) فلا نكاح بينهما ، قال المصنف : بطل العقد واستقربه العلامة في القواعد ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ونقل فخر الدين عن الشيخ قولا بعدم البطلان ، وهو ان وجود هذا الشرط كعدمه ، والمعتمد الأول لعدم حصول التراضي بدون الشرط ، وهو مناف للعقد فيكون باطلا.

الثانية : إذا اشترطت عليه الطلاق بعد التحليل قال الشيخ في المبسوط يصح العقد ويبطل الشرط ، واختاره العلامة في التحرير ، والمعتمد البطلان ، وهو اختيار فخر الدين لما قلناه أولا : من عدم حصول التراضي بدون سلامة الشرط ، وهو لا يصح سلامته.

قال رحمه اللّه : نكاح الشغار باطل.

أقول : قال الجوهري : والشغار بكسر الشين نكاح كان في الجاهلية ، وهو ان يقول الرجل للآخر : زوجني ابنتك أو أختك على ان أزوجك أختي أو بنتي على ان صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، كأنهما رفعا المهر واخليا البضع عنه.

وفي الحديث «لا شغار في الإسلام» (2) فإذا عرفت ان الشغار عبارة عن جعل نكاح امرأة مهر الأخرى فهو لا يخلو من أقسام.

أ - ان يدور مثل ان يقول : زوجتك بنتي على ان تزوجني بنتك على ان يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي ونكاح بنتي مهرا لبنتك ، فيقول : زوجتك وقبلت

ص: 83


1- ليس في «ن».
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 27 من أبواب عقد النكاح ، حديث 2.

النكاح ، فيبطل النكاحان لحصول (1) الاشتراك في البضع ، لأنه صار ملكا للزوج بالزوجية ، وللبنت (2) بالمهر.

ب - ان لا يدور مثل ان يقول : زوجتك بنتي على ان تزوجني بنتك على ان يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك ، فيقول : زوجتك وقبلت النكاح ، فهنا يبطل نكاح الممهورة خاصة ، وهي بنت المخاطب ، وصح نكاح بنت المخاطب ، ولو عكس مثل ان يقول : على ان نكاح بنتك مهرا لبنتي انعكس الحكم.

ج - ان يقول : زوجتك بنتي بمائة وتزوجت ابنتك بمائة أو أقل أو أكثر ، فيقول : زوجتك (3) ، فهنا يصح النكاحان والصداقان لعدم الشرط ، ولو لم يذكرا صداقا صح النكاحان وثبت لكل واحدة مهر المثل مع الدخول.

د - لو قال : زوجتك بنتي بمائة على ان تزوجني بنتك بمائة ، فقال : زوجتك وقبلت النكاح ، قال الشيخ : يصح العقدان ويبطل المهران ، لأنه شرط مع المهر تزويجا ، وهو غير لازم ، فيبطل وإذا بطل الشرط بطل المهر ، لأن التزويج بعض (4) الصداق ، فاذا بطل بجهل المهر فيبطل ، وهو المشهور ، وبه قال العلامة في كتبه ، وتردّد المصنف ، مما قاله الشيخ ، ومن انه شرط سائغ فيجب الوفاء به لقوله عليه السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (5) وكذا لو زوجه وشرط ان ينكحه ابنته ولم (6) يذكر مهرا ففيه التردد بين وجوب الوفاء بالشرط وعدمه.

فرع : لو قال : (زوجتك جاريتي على ان تزوجني بنتك ويكون رقبة

ص: 84


1- «م» : بحصول.
2- في الأصل : (وليست) ، وما أثبتناه في سائر النسخ.
3- «م» و «ن» و «ر 1» بزيادة : وقبلت النكاح.
4- «ن» : بعد.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4.
6- «م» و «ن» «ر 1» : ولو لم.

جاريتي مهرا لبنتك) صح النكاحان لقبول الرقبة للنقل وليس تشريكا ، لأن الرقبة ملك للبنت ، والبضع ملك لأبيها فلا يشتركان في البضع اثنان ، لكنه يبطل المهر ، لأنه شرط نكاح إحداهما في نكاح الأخرى ، وهو غير لازم كما قاله الشيخ رحمه اللّه ، ويكون لكل منهما مهر المثل.

ص: 85

ص: 86

في النكاح المنقطع

قال رحمه اللّه : ويشترط فيهما الإتيان بهما بلفظ الماضي ، فلو قال : أقبل أو أرضى وقصد الإنشاء لم يصح ، وقيل : لو قال : أتزوجك مدة كذا بمهر كذا وقصد الإنشاء فقالت : زوجتك صح ، وكذا لو قالت : نعم.

أقول : هذا قول ابن ابي عقيل لرواية أبان بن تغلب (1) الدالة عليه ، والمشهور عدمه ، وقد تقدم (2) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : كاليهودية والنصرانية والمجوسية على أشهر الروايتين.

أقول : هذا هو المشهور ، وقد سبق (3) تحقيق البحث فيه.

قال رحمه اللّه : ولو تبين فساد العقد إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها وما شاكل ذلك من موجبات الفسخ ولم يكن دخل بها فلا مهر ، ولو قبضته كان له استعادته ، ولو تبين ذلك بعد الدخول كان لها ما أخذت ، وليس

ص: 87


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 18 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- ص 22 - 23.
3- ص 68 - 69.

عليه تسليم ما بقي ، ولو قيل : لها المهر ان كانت جاهلة ويستعاد [ما أخذت] ان كانت عالمة كان حسنا.

أقول : إذا ظهر فساد العقد في المتعة ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر وان كان بعده قال الشيخ في النهاية : لها ما أخذت وليس عليه تسليم ما بقي ، مستدلا برواية حفص بن البحتري (1) في الحسن ، عن الصادق عليه السلام.

واستحسن المصنف استعادة ما أخذت مع علمها ، لأنها بغية حينئذ ولا مهر لبغية ، وثبوت المهر لها مع جهلها لما استحل من فرجها ، واختاره العلامة واختار المصنف في المختصر بطلان المسمى مع الجهل والرجوع الى مهر المثل ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد لبطلان العقد فلا يلزم ما ذكر فيه.

قال رحمه اللّه : ولو قال مرة أو مرتين ولم يجعل ذلك مقيدا بزمان لم يصح ، وينعقد دائما ، وفيه رواية دالة على الجواز وانه لا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه ، وهي مطروحة لضعفها ، ولو عقد على هذا الوجه انعقد دائما ، ولو قرن ذلك بمدة صح متعة.

أقول : يشترط في الأجل أن يكون معلوما مضبوطا بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلو قدره بالفعل كالمرة والمرتين ، فلا يخلو اما ان يقول (2) : الفعل بمدة مضبوطة أو لا ، فهنا قسمان :

أ - ان يقيده بمدة مضبوطة ، وهذا يصح قطعا ولا يجوز له الزيادة على القدر المشترط.

ب - ان لا يقيده بمدة مضبوطة ، وهذا يكون مجهولا ، والمعتمد فيه البطلان ، وهو اختيار العلامة وابي العباس ، وقال الشيخ في النهاية ينقلب دائما ، واختاره

ص: 88


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 28 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- «م» و «ر 1» : يقرن. وفي «ن» : يقدر.

المصنف هنا ، لأن الأجل المجهول كغير المذكور ، وعندهما انه إذا لم يذكر الأجل ينقلب دائما ، وهو ممنوع ، لأن المتعة من شرطها ذكر الأجل ، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة ، واعتمد (1) الشيخ على ما قاله في النهاية على رواية ابن فضال ، عن القاسم بن محمد ، عن رجل سماه «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، الرجل يتزوج المرأة عن فرد واحد قال لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر» (2) وهي مع ضعف الطريق مرسلة ولا تدل على مطلوب الشيخ لقوله : «فليحول وجهه ولا ينظر» دل على تحريمها بعد الفراغ من إيقاع (3) ما شرطه ، وهو منافي انعقاده دائما.

فرعان :

الأول : لو عقد على مدة متأخرة عن زمان العقد صح ، ومنعت الزواج (4) فيما بينهما ، لأن عليهما عقد ولها زوج ، ولا يجوز ان يكون للمرأة زوجان ولا يكون عليها عقدان بإجماع المسلمين ، ولا يجوز ان يتزوج بأختها وان وفت المدة بالأجل والعدة قبل حلول المدة المعينة ، لأنه يكون جامعا (5) بين الأختين.

الثاني : لو مات بعد العقد وقبل حضور المدة المشترطة احتمل بطلان العقد ولا مهر ولا عدة ، لأن العقد سبب لتأثير الإباحة عند حضور المدة المشترطة ، فإذا مات (6) زالت صلاحية التأثير فيبطل العقد.

ص: 89


1- «م» و «ن» و «ر 1» : واعتماد.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب المتعة ، حديث 4 (لكن فيه «على عرد» بدل «عن فرد»).
3- في الأصل : أنواع ، وما أثبتناه في بقية النسخ.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : من الزواج.
5- «م» : جمعا.
6- «ن» : بانت.

ويحتمل عدم البطلان فيجب المهر والعدة ، لأنه وقع صحيحا والموت يرفع استمراره لا ابتدائه كالدائم. وذهب فخر الدين الى عدم جواز العقد على مدة متأخرة عنه ، واختار على القول بالجواز البطلان مع الموت قبل حضور المدة ، واحتمال عدم البطلان لا يخلو من قوة لما ثبت من تحريمها على الأزواج فيما بين العقد والمدة وتحريم أختها عليه ، وذلك لكونها زوجة ، وكل زوجة مات عنها زوجها كان عليها العدة ويثبت لها المهر ، وقد ثبت انها زوجة فتدخل في حكم الأزواج.

قال رحمه اللّه : كل شرط يشترط فيه فلا بد ان يقرن بالإيجاب والقبول ، ولا حكم لما يذكر قبل العقد ما لم يستعد فيه ولا لما يذكر بعده ، ولا يشترط مع ذكره في العقد استعادته بعده ، ومن الأصحاب من شرط اعادته بعد العقد ، وهو بعيد.

أقول : قال الشيخ في النهاية : كل شرط يشترطه الرجل على المرأة انما يكون له تأثير بعد ذكر ذلك العقد فان ذكر الشروط وذكر العقد بعدها كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها وان ذكرها بعد العقد ثبت على ما شرطه وقال ابن إدريس لا شرط يجب ذكره ويلزم الا شرطان ذكر الأجل المحروس من الزيادة والنقصان والمهر المعلوم بالكيل أو الوزن أو المشاهدة والمعتمد ان كل شرط سائغ تخلل ذكره بين الإيجاب والقبول كان لازما وان كان غير سائغ وتخلل ذكره بين الإيجاب والقبول كان باطلا ومبطلا للعقد ولا عبرة بما تقدم على العقد ولا بما تأخر عنه سواء كان سائغا أو غير سائغ الا ان يذكر قبله ثمَّ يعاد فيه ولو جهله كان يقول زوجتك نفسي بكذا مده كذا على ما تقدم من الشروط المذكورة فيقول قبلت فهنا يكون لها تأثير.

قال رحمه اللّه : لا يقع بها طلاق وتبين بانقضاء المدة ، ولا يقع بها (إيلاء

ص: 90

ولا)(1) لعان على الأظهر ، وفي الظهار تردد ، أظهره انه يقع (2).

أقول : هذه مسائل :

الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في المستمتع بها لا يقع (3) بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة أو هبتها إياها ، وفي رواية محمد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم» (4).

الثانية : لا يقع بها إيلاء على أقوى الوجهين ، لظاهر قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) (5) وليس في المتعة طلاق ، ولأن من لوازم الإيلاء على أقوى الوجهين المطالبة بالوطي ، وذلك في المتعة منتف ، وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم.

ويحتمل ضعيفا الوقوع ، وهو قول المرتضى لعموم لفظ النساء في قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (6) ورفع العموم بقوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) فان عود الضمير الى بعض العام تخصيصه.

الثالثة : لا يقع بها لعان لنفي الولد ولا للقذف ، اما الأول فظاهر ، لأن الولد ينتفي بمجرد نفيه قطعا ، ولا خلاف فيه وانما الخلاف في وقوع اللعان للقذف ، فقال الأكثر كالشيخ وابن الجنيد وأبي الصلاح والمصنف : لا يقع ، لصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه السلام «لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي تمتع بها» (7) وهو اختيار العلامة.

ص: 91


1- (*) من الشرائع المطبوع.
2- في «ر 1» بعد المتن : أقول : سيأتي البحث في ذلك ان شاء اللّه تعالى.
3- كذا.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب المتعة ، حديث 1.
5- البقرة : 227.
6- البقرة : 226.
7- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 10 ، حديث 2.

وقال المفيد بالوقوع لأنها زوجة قطعا للعلم بأنها ليست ملك يمين وجعل الوطء منحصر فيهما ، وكل زوجة يقع بها اللعان لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) (1) فإن الجمع المضاف للعموم.

وجوابه ان ذلك في الدائم ، لأن الكتاب يخص بالسنة ، والأصح عدم الرابعة اختلفوا في وقوع الظهار بها ، فقال الصدوق وابن إدريس : لا يقع ، لأصالة بقاء الحل ، ولأن المظاهر يلزم بالفيئة أو الطلاق ، ولا طلاق في المتعة ، والإلزام بالفيئة وحدها بعيد.

وقال الحسن والمفيد والمرتضى وأكثر الأصحاب : يقع لعموم الآية ، فإن المستمتع بها زوجة لما قدمناه) (2).

قال رحمه اللّه : لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا ، ولو شرطا التوارث أو شرط أحدهما ، قيل : يلزم عملا بالشرط ، وقيل : لا يلزم ، لأنه لا يثبت الا شرعا فيكون اشتراطا لغير وارث ، كما لو شرط للأجنبي ، والأول أشهر.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

أ - ثبوت الميراث بالأصل ، ويسقط باشتراط سقوطه ، وهو مذهب ابن ابي عقيل ، وحكاه المصنف في المختصر عن السيد المرتضى ، اما ثبوته بالأصل فلصدق اسم الزوجة عليها فيدخل في عموم الآية (3) ، واما سقوطه مع الشرط فلموثقة محمد بن مسلم (4) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على المطلوب.

ب - سقوطه في الأصل وثبوته مع الشرط ، وهو مذهب ابن حمزة ،

ص: 92


1- النور : 6.
2- ما بين القوسين ، أي من قوله : (أقول إلى قوله : لما قدمناه) ليس في باقي النسخ.
3- النساء : 12.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب المتعة ، حديث 4.

والشيخ في النهاية ، واختاره المصنف في المختصر وهو ظاهره هنا ، لحسنة احمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه السلام «قال : تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ، ان اشترط الميراث كان ، وان لم يشترط لم يكن» (1).

ج - عدم ثبوته مطلقا ، وهو مذهب ابي الصلاح وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأنه غير ثابت بأصل (2) الشرع ، فاشتراطه يجري مجرى الميراث للأجنبي ، وهو مخالف للكتاب والسنة ، فيكون باطلا وإذا بطل الشرط بطل العقد على القول بأن الشرط الفاسد يقتضي فساد العقد ، لأن التراضي لم يحصل بدونه.

قال رحمه اللّه : إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان ، وروي حيضة وهو متروك ، ولو كانت لا تحيض ولم تيأس فخمس وأربعون يوما وتعتد من الوفاة ، ولم يدخل بها ، بأربعة أشهر وعشرة أيام ان كانت حائلا ، وبأبعد الأجلين ان كانت حاملا على الأصح ، ولو كانت أمة كانت عدتها حائلا شهرين وخمسة أيام.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في عدة الفرقة بعد الدخول اما بانقضاء الأجل أو بهبة ما بقي من أيامها ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في النهاية : انها حيضتان أو خمسة وأربعون يوما ، وبه قال سلار وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال المفيد انها قران لمستقيمة الحيض وبه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف ، وقال ابن ابي عقيل انها حيضة واحدة ، وقال ابن بابويه :

ص: 93


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 32 من أبواب المتعة ، حديث 1.
2- «م» و «ن» : في أصل.

حيضة ونصف ، ودليل الجميع الروايات (1). وأطبق الجميع على خمسة وأربعين يوما للمسترابة ، ولا فرق هنا بين الحرة والأمة.

ب - في المتوفى عنها ، وقد اختلف الأصحاب في كميتها ، والمشهور أنها أربعة أشهر وعشرة أيام ان كانت حائلا ، وبأبعد الأجلين ان كانت حاملا ، وقال المفيد وسلار : انها شهران وخمسة أيام ، وعند ابن أبي عقيل عدة الحامل في الوفاة بوضع الولد ولم يعتبر الشهور وهو شامل للدائم والمنقطع والحرة والأمة ، والمعتمد هو المشهور.

واما عدة الأمة المتوفى عنها في المتعة فشهران وخمسة أيام ان كانت حائلا وبأبعد الأجلين ان كانت حاملا ، اختاره المفيد والمصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال ابن إدريس : انها أربعة أشهر وعشرة أيام كالحرة وقواه العلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس للعموم (2) ، ولحديث زرارة (3) ، عن الباقر عليه السلام الدالة عليه ، فيكون عدة الأمة في المتعة أطول منها في الدائم.

ص: 94


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 24 وباب 4 وباب 22 من أبواب المتعة ، وباب 12 من أبواب ما يحرم بالاستيفاء ، وباب 52 من أبواب العدد.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 52 من أبواب العدد ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 52 من أبواب العدد ، حديث 2.

في نكاح الإماء

اشارة

قال رحمه اللّه : لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك ، فان عقد أحدهما من غير اذن وقف على اجازة المالك ، وقيل : يكون اجازة المالك كالعقد المستأنف ، وقيل : يبطل فيهما وتلغى الإجازة ، وفيه قول رابع مضمونه اختصاص الإجازة بعقد العبد دون الأمة ، والأول أظهر.

أقول : حكى المصنف هنا أربعة أقوال :

أ - وقوعه موقوفا ، وهو المشهور واختاره المصنف والعلامة وابن إدريس في أول بحثه.

ب - كون الإجازة كالعقد المستأنف ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والفرق بينه وبين الأول انه في الأول يحكم بصحة العقد من حين وقوعه ، وفي الثاني من حين الإجازة ، ويتفرع على ذلك : ما لو كان عنده أخت الزوجة حين العقد وحصلت الإجازة بعد موتها أو فارقها بائنا ، فإنه يبطل على الأول ويصح على الثاني.

ج - البطلان فيهما أي في العبد والأمة ، وهو قول الشيخ في المبسوط و

ص: 95

الخلاف ، واختاره ابن إدريس في آخر بحثه.

د - اختصاص الإجازة بعقد العبد دون الأمة ، وهو قول ابن حمزة ، والطريق الروايات (1) ، وقد سبق (2) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به ، سواء كان الحر هو الأب أو الأم ، الا ان يشترط المولى رق الولد ، فان شرط لزم الشرط على قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور لا أعلم فيه خلافا ، ولم يجزم المصنف هنا وتردد في المختصر ، ووجهه ان الولد منعقد حرا مع عدم الشرط ، والشرط إذا اشتمل على استرقاق الحر كان باطلا.

والجواب ان شرط استرقاق الحر بعد انعقاده حرا غير جائز ، أما الشرط قبل الانعقاد (3) فلا مانع منه إذا كان أحد أبويه رقا لعموم : «المؤمنون عند شروطهم» (4) وحينئذ ينعقد رقا.

قال رحمه اللّه : وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية لزمه المهر ، وقيل : عشر قيمتها ان كانت بكرا أو نصف العشر ان كانت ثيبا ، وهو المروي ، ولو كان دفع إليها مهرا استعاد ما وجد منه وكان ولدها منه رقا ، وعلى الزوج ان يفكهم بالقيمة ويلزم المولى دفعهم اليه ، ولو لم يكن له مال سعى في قيمتهم ، وان أبى السعي فهل يجب ان يفديهم الامام؟ قيل : نعم تعويلا على رواية فيها ضعف ، وقيل : لا يجب ، لأن القيمة لازمة للأب ، لأنه سبب الحيلولة ، ولو قيل : بوجوب الفدية على الامام ، فمن أي شي ء يفديهم؟ قيل : من سهم الرقاب ، ومنهم من

ص: 96


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 23 ، 24 ، 26 ، 29 ، من أبواب نكاح العبيد والإماء.
2- ص 32.
3- «ن» : انعقاده.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 20 من أبواب المهور ، حديث 4.

أطلق.

أقول : إذا ادعت الحرية فتزوجها على ظاهر الحال ، ثمَّ ظهرت أمة كان البحث في أماكن.

أ - في المهر ، وهو واجب هنا إجماعا ، لأنه وطئ ليس بزنا ولا ملك يمين ، فيجب فيه المهر ، وفي قدره خلاف :

الأول : قال ابن البراج : يلزمه المسمى ، واختاره العلامة ، لأنه عقد صحيح قبض فيه أحد العوضين فيجب العوض الآخر.

الثاني : العشر مع البكارة ونصفه مع الثيبوبة ، وهو اختيار ابن حمزة وأبي علي ابن الجنيد لرواية الوليد بن صبيح (1) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالث : مهر المثل ، وهو قول الشيخ في المبسوط لظهور فساد العقد فيكون شبهة فيلزمه مهر المثل.

ب - في حكم الأولاد فقد حكم المصنف برقهم وإلزام الأب لفكهم مع الإيسار وبالاستسعاء (2) مع الإعسار ، وإلزام المولى بتسليمهم اليه عند دفع قيمتهم ، وهو مذهب الشيخ وابن حمزة لما رواه سماعة ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن مملوكة أتت قوما وهي تزعم أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم وأولدها ولدا ، ثمَّ ان مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكته ، وأقرت الجارية بذلك؟ قال : تدفع الى مولاها هي وأولادها (3) ، وعلى مولاها ان يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير اليه ، قلت : فان لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده ، قلت : فان أبى الأب ان يسعى

ص: 97


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 67 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1.
2- «م» : وبالسعي.
3- «م» و «ن» «ر 1» : وولدها.

في ثمن ابنه عنده؟ قال : فعلى الامام ان يفديه ولا يملك ولد حر» (1).

دلت هذه الرواية على أمور :

الأول : كون الولد رقا للسيد ، لقوله «تدفع هي وولدها» ، وبه قال الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة والمصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال أبو الصلاح : يكون الولد حرا وعليه قيمته لمولى الأمة ، وبه قال ابن إدريس والعلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس في المهذب وقوله في آخر الرواية : «ولا يملك ولد حر» بتنوين الدال والراء ، يدل عليه ، ومن اضافة نفي الاستدلال.

الثاني : دلت على لحوق النسب ، لقوله عليه السلام : «يسعى أبوه في ثمنه» ، وهو إجماع.

الثالث : دلت على وجوب قبول القيمة على السيد ودفعه الى أبيه عند دفع القيمة وهو إجماع أيضا.

الرابع : اعتبار القيمة يوم دفعها اليه ، والمصنف هنا ، والعلامة في القواعد وابن إدريس أوجبوا القيمة يوم سقوطه حيا ، لأنه وقت الحيلولة.

الخامس : جواز حجر السيد على الولد حتى يقبض قيمته ، لقوله عليه السلام فيها : «حتى يؤديه ويأخذ ولده» ، وهو جيد على القول بانعقاده رقا ، ويشكل على القول بانعقاده حرا.

السادس : وجوب السعي على الأب مع إعساره ، وحمل بعضهم الأمر بالسعي على سبيل الاستحباب لا الوجوب.

السابع : مع تعذر الفك من جهة الأب ، قال الشيخ : يفكهم الامام من سهم الرقاب ، وتبعه ابن حمزة ، وليس في الرواية ما يدل على ان الفك من جهة سهم

ص: 98


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 5.

الرقاب ، وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب ان الامام لا يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، لأن ذلك السهم مخصوص بالعبيد والمكاتبين ، وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين ، بل هم أحرار في الأصل انعقدوا كذلك ما مسهم رق ، وقد وصفه انه ولد ، فكيف يشتري الحر من سهم الرقاب؟ وانما أثمانهم في ذمة أبيهم ، لأن من حقهم ان يكونوا رقا لمولى الأمة ، فلما حال الأب بينه وبينهم بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء ، وهو وقت الحيلولة.

والعلامة في المختلف جوز دفعه من بيت المال لا على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الجواز ، لأنه لمصالح المسلمين. وانما حصل الخلاف في بعض الأحكام لما تتضمنه (1) الرواية ، لأنها ضعيفة السند ، لأن سماعة واقفي ، فلهذا رجع بعضهم فيما خالفت فيه الأصل الى الأصل وترك العمل بها.

الثامن : لو تعذر فكه ، قال ابن حمزة : بقي الولد رقا حتى يبلغ ويسعى في فكاك رقبته ، وهو بناء على مذهبه من انعقاده رقا ، وقال أبو العباس : يبقى في يد السيد مع انه اختار ان الولد حر في الأصل وان وجوب القيمة على أبيه من باب الإتلاف ، وفي الجمع بين انعقاده حرا وبين إبقائه في يد السيد مع تعذر الفك إشكال ، لأنه يكون (2) معاقبا بجناية غيره ، بل يكون القيمة متعلقة بذمة الأب تؤخذ منه مع يساره وينظر مع إعساره ، ويحاص الغرماء بعد موته ، وبالجملة حكمها كالدين ، ويجوز ان يدفع من سهم الغارمين.

ج - في حكم الرجوع بالمهر وقيمة الولد على من دلسها فان كانت هي دلست نفسها بدعواها الحرية رجع عليها بعد العتق ، ولو تزوجها على ظاهر الحال من غير دعواها للحرية فلا رجوع على احد لعدم الغرور ، والتفريط حصل

ص: 99


1- «م» و «ن» و «ر 1» : تضمنته.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : يصير.

من طرفه بتركه للسؤال ، وكذا لو تزوجها على سماعه لشهادة (1) شاهدين بالحرية من غير ان يحكم الحاكم بشهادتهما ، ولو كان المدلس هو السيد فان تلفظ بما تقتضي الحرية حكم عليها (2) بها ، ويثبت العقد وكان المهر لها عملا بظاهر إقراره ، وان لم يتلفظ بما يوجب الحرية لم تعتق وسقط عن الزوج قيمة الولد والمهر إلا أقل ما يصلح ان يكون مهرا ، قاله الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد.

ولو كان المدلس أجنبيا رجع عليه بالجميع ، ولو تزوجها بشهادة شاهدين ، وحكم الحاكم بشهادتهما (ثمَّ) (3) ظهرت الرقية فإن كان برجوعهما عن الشهادة لم تقبل ذلك في حق الزوج ولا الزوجة وغرما للسيد قيمة الجارية وقيمة الولد والمهر واستمر النكاح ، وان كان بتزويرهما حكم بفساد النكاح وردت رقا وغرم الزوج المهر وقيمة الولد ، ويرجع به عليهما ، لأنهما سبب الغرور.

قال رحمه اللّه : إذا زوج المولى عبده أمته هل يجب ان يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل : نعم ، والاستحباب أشبه.

أقول : بالوجوب قال الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح وابن البراج ، لما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه السلام «عن المملوك يكون لمولاه أو مولاته امة يريد ان يجمع بينهما ، أينكحه نكاحا ، أو يجزيه ان يقول : أنكحتك فلانة ويعطي من قبله شيئا أو من قبل العبد؟ قال : نعم ولو مد ، وقد رأيته يعطي الدراهم» (4) ومثله ما

ص: 100


1- «م» و «ن» «ر 1» : شهادة.
2- «م» و «ن» «ر 1» : عليه.
3- من «م» و «ن» و «ر 1».
4- التهذيب 7 : 346 ، حديث 47. ورواه في الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 3.

رواه الصدوق محمد بن بابويه في كتابه في الصحيح ، عن العلاء ، عن محمد ابن مسلم ، عن الباقر عليه السلام ، «قال : سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزيه ان يقول : قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها شيئا من قبله أو من مولاه ولو مد من طعام أو درهم أو نحو ذلك» (1) وبعدم الوجوب قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن مهر الأمة للمولى ، وهو لا يستحق في ذمة نفسه شيئا ولا يثبت له في ذمة عبده مال ، وحملوا الروايات (2) الواردة بالدفع على الاستحباب جبرا لخاطر الأمة ورفعا لمنزلة العبد عندها وجبرا له أيضا.

تنبيه : صيغة العقد هنا على ما تضمنته الرواية ان يقول : (أنكحتك فلانا) أو (أنكحتك فلانة) من غير افتقار الى قبول من العبد ولا السيد ، لقوله في الرواية : «وانه يجزيه ان يقول : أنكحتك فلانة» ولم يذكر القبول ، فلو كان القبول شرطا كان ما جعله مجزيا غير مجز ، فظهر ان القبول غير شرط حيث اجتزأ بدونه.

قال العلامة في القواعد : ولو زوج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ، ينشأ من انه عقد أو إباحة ، (فعند من يقول) (3) : انه عقد - كما هو المشهور بين الأصحاب - افتقر الى قبول ، لأن كل عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول ، وان قيل : انه اباحة - كمذهب ابن إدريس - لم يفتقر الى قبول ، وجزم في التحرير والمختلف انه عقد ، ومنع من كونه اباحة.

وأجاب في المختلف عن حجة ابن إدريس : انه ليس عقدا ، لأنه لا يفتقر الى القبول ، ولو كان عقدا لافتقر إليه بأن القبول انما يشترط في حق من يملكه ،

ص: 101


1- الفقيه 3 : 284 ، حديث 1 ، ورواه في الوسائل ، باب 43 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1 (باختلاف يسير فيهما).
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
3- «ر 1» : فإنه ان قيل.

والعبد هنا لا يملك القبول ، سواء قلنا انه عقد أو إباحة ، لأن النكاح مبني على الاحتياط التام ، ومع احتمال اشتراط القبول وعدمه إذا اتى بالقبول صح النكاح قطعا ، وإذا لم يأت به كان مشكوكا فيه ، فالاحتياط يقتضي القول بوجوب القبول ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : لو تزوج أمة بين شريكين ، ثمَّ اشترى حصة أحدهما بطل العقد وحرم عليه وطؤها ، ولو امضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح ، وقيل : يجوز له وطؤها بذلك ، وهو ضعيف ، ولو حللها له ، قيل : تحل ، وهو المروي ، وقيل : لا ، لأن سبب الاستباحة لا يتبعض.

أقول : إذا ملك بعض زوجته بطل عقده عليها ، لأنه لا يستقر عقد إنسان على ملكه ، ويحرم عليه وطؤها لعدم اختصاصه بملكها ، وهل هناك طريق إلى إباحتها (سوى اشترى) (1) الباقي؟ قيل : لا ، لأن سبب الإباحة لا يتعدد ولا يتبعض ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية : إذا أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع جاز وطؤها. واستضعفه المصنف ، لأن العقد الأول قد بطل بالشراء فلا يصير صحيحا بالإجازة ، وعقد البيع أوقعه الشريك ، فلا يفتقر إلى إجازة ، فقول النهاية لا وجه له.

وقال ابن إدريس : الأولى ان يقال : أو يرضى مالك بضعها (2) ، بأن يبيحه وطي ما يملكه فيها ، ويطأها بالملكية والإباحة دون العقد ، لأن الفرج لا يتبعض ، فيكون بعضه بالملك وبعضه بالعقد. هذا مذهب ابن إدريس : ويعضده رواية محمد

ص: 102


1- كذا في «م» و «ن» وفي الأصل كلمة غير مقروءة ، وفي «ر 1» : سواء سرى.
2- «م» و «ر 1» : نصفها.

بن مسلم (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام.

وفيه اشكال لتعدد الأسباب فلا طريق إلى إباحة وطئها بدون شراء للباقي.

قال رحمه اللّه : وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم يجز له وطؤها بالملك ولا بالعقد (2) ، فإن هايأها على الزمان ، قيل : يجوز ان يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها ، وهو مروي ، وفيه تردد لما ذكرناه من العلة.

أقول : قوله : (وكذا) عطف على المنع من وطي من ملك بعضها ، فاذا كان البعض الآخر حرا فهاياها مولاها على الزمان ، قال في النهاية : يجوز نكاحها متعة في أيامها ، اعتمادا على رواية محمد بن مسلم (3) ، عن الباقر عليه السلام ، ولأنها في أيامها كالحرة.

ومنع المصنف والعلامة ، لأن الفرج لا يتبعض ، اما جواز متعتها لغيره بإذنه فهو جائز.

قال رحمه اللّه : فإذا أعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها سواء كانت تحت حر أو عبد ، ومن الأصحاب من فرق ، وهو الأشبه ، والخيار على الفور.

أقول : لا خلاف في ثبوت الخيار لها إذا كان زوجها عبدا ، واختلفوا في ثبوت الخيار لها إذا كان زوجها حرا ، فالشيخ في النهاية والمفيد وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس لم يفرقوا بين الحر والعبد ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

واختار الشيخ في المبسوط والخلاف عدم ثبوته إذا كانت تحت حر ،

ص: 103


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 41 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1. رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن مسلم.
2- في الشرائع المطبوع : بالعقد الدائم.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 41 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1. رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن مسلم.

واختاره المصنف هنا ، وأصل الخلاف ينشأ من اختلاف الرواية (1) في واقعة بريرة ، ففي بعضها : ان زوجها كان حرا ، وفي بعضها : انه كان عبدا ، وذلك ان عائشة اشترت بريرة ، وهي تحت زوج وأعتقتها ، فخيرها رسول اللّه.

وقد ورد في بعض (2) روايات أصحابنا : ان زوجها كان حرا ، وكذا ورد من طريق العامة (3) ، وروى ابن عباس : «ان زوج بريرة كان عبدا أسود اسمه مغيث ، كأني انظر اليه يطوف خلفها وهو يبكي ودموعه تجري على لحيته ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للعباس : يا عباس الا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟! فقال لها صلى اللّه عليه وآله : لو راجعته فإنه أبو ولدك ، فقالت : يا رسول اللّه أتأمرني؟ فقال : إنما اشفع ، فقالت : لا حاجة لي فيه» (4).

احتج الشيخ على الفرق باختصاص النص بالعبد فيختص بالحكم دون الحر ، لأن العقد قد ثبت ، والخيار يحتاج الى دليل.

واحتج المثبتون بأن المقتضي للخيار في العبد موجود في الحر ، وهو ملكها نفسها لقوله عليه السلام لبريرة : «ملكتي بضعك ، فاختاري» (5) ولهم عليه روايات (6) والخيار انما هو على الفور.

ص: 104


1- لاحظ باب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
2- لم نعثر عليها ، بل يوجد روايات مطلقة مثل (كان لها زوج) أو (كانت تحت زوج لها) ولا يوجد فيها وصف الزوج بأنه حر أو عبد.
3- سنن البيهقي : 7 : 223.
4- مستدرك الوسائل 15 : 32 ، حديث 3.
5- هذا النص غير موجود بعينه. ومضمونه في الوسائل ، ب 52 نكاح العبيد ، ح 6 و 9.
6- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 52 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 11 وغيره.
فروع :

الأول : لو أخرت الفسخ لجهالة العتق لم يسقط خيارها لاستحالة تكليف الغافل.

الثاني : لو أخرته لجهالة ثبوت الخيار احتمل السقوط ، لأن جاهل الحكم لا يعذر ، ويحتمل عدم السقوط ، لأنه حكم خفي لا يجب معرفته على الأعيان وكان جاهله معذورا والا لزم الحرج ، وانما الحكم الذي لا يعذر جاهله الذي يجب معرفته على الأعيان ، ودقائق الفقه معرفتها واجبة على الكفاية دون الأعيان ، فيكون الجاهل بها معذورا حتى يعلم بها باجتهاد أو تقليد لأهله.

الثالث : لو علمت بالعتق والخيار وأخرته لجهلها بالفورية ، احتمل مساواته لجهل أصل الخيار لاتحاد طريق المسألتين ، لأن العلة فيهما واحدة ، وهي جهل الحكم فان عذرت هناك عذرت هنا والا فلا.

ويحتمل الفرق بين جهل أصل الخيار وجهل الفورية ، والحكم بالعذر في الأول دون الثاني ، لأنها إذا لم تعلم بأصل الخيار كان التأخير لغير الإهمال والتقصير فلا يظهر منها امارة (1) الرضا ، بخلاف ما إذا علمت بثبوت الخيار لها ثمَّ أخرته ، فإن التأخير هنا أمارة دالة على الرضا وان جهلت الفورية.

الرابع : لو أعتقت في العدة الرجعية كان لها خيار الفسخ فيمتنع الرجعة حينئذ ، وتكمل عدة الحرة ، ولو اختارت البقاء على النكاح لم يصح ، لأنها جارية إلى بينونة ، ولا يسقط خيارها لو راجعها في العدة فتعتد عدة اخرى من حين الفسخ.

الخامس : لو أعتقت الصبية أو المجنونة كان لهما الخيار عند زوال العذر.

قال رحمه اللّه : ويجوز ان يجعل عتق الأمة صداقها ويثبت عقده عليها

ص: 105


1- «ن» زيادة : دالة على.

بشرط تقديم لفظ العقد على العتق ، بأن يقول : تزوجتك وأعتقتك وجعلت عتقك صداقك ، لأنه لو سبق العتق كان لها الخيار في القبول والامتناع ، وقيل : لا يشترط ، لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة ، وهو حسن ، وقيل : يشترط تقديم العتق ، لأن بضع الأمة يباح لمالكها فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك ، والأول أشبه (1).

أقول : الأصل في هذه المسألة واقعة صفية بنت حي بن اخطب من ولد هارون بن عمران عليهما السلام ، اصطفاها النبي صلى اللّه عليه وآله من الغنيمة يوم فتح خيبر ، وأعتقها وتزوجها ، جعل عتقها صداقها بعد ان حاضت حيضة» (2) وأجمعت الإمامية (أصحابنا) (3) على انها من السنن المباحة المشروعة لجميع الأمة ، فإنه يجوز لكل واحد من أمة محمد صلى اللّه عليه وآله ان يعتق أمته ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها ، وأكثر الجمهور جعلوا ذلك من خصائص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.

فاذا ثبت ذلك ، فهل يشترط تقديم النكاح أو تقديم العتق أو لا يشترط أحدهما؟ حكى المصنف ثلاثة أقوال ، وقد أشار الى وجوهها (4) بما فيه كفاية.

أ - قول الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف.

ب - قول أبي الصلاح ، واختاره العلامة في المختلف وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

ج - قول الشيخ في الخلاف.

تنبيه : هل يشترط في هذا العقد القبول؟ أطلق جميع الأصحاب صحة هذا

ص: 106


1- في الشرائع المطبوع : أشهر.
2- البحار : 21 : 34.
3- ليس في «م» و «ن» و «ر 1».
4- «ن» : أجودها.

العقد ولم يذكروا فيه القبول تبعا لواقعة صفية المتقدم ذكرها ولم ينقل اعتبار قبولها ، ولأن (سبب حريتها تزويج السيد بها فلو اعتبرنا قبولها لزوم الدور لأن اعتبار قبولها) (1) سبب حريتها ، وحريتها متوقفة على التزويج ، فلو توقف التزويج على القبول لزم الدور فلا يفتقر الى القبول.

واستشكل العلامة في قواعده اشتراط قبولها من انه عقد نكاح (2) ، فاشترط فيه القبول كغيره من عقود النكاح ، والأول هو المعتمد ، لأن هذا العقد مخالف للأصل وانما صير إليه لأجل النص ، فيجب المتابعة على ما ورد فيه النقل.

قال رحمه اللّه : وأم الولد لا تنعتق الا بعد وفاة مولاها من نصيب ولدها ، ولو عجز النصيب سعت في المتخلف ، ولا يلزم على ولدها السعي فيه ، وقيل : يلزم ، والأول أشبه.

أقول : إلزام ولدها بالسعي في المتخلف مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن حمزة لرواية يونس بن يعقوب (3) ، ووجوب السعي عليها مذهب ابن إدريس والمفيد ، واختاره المصنف والعلامة لأصالة براءة ذمة الولد من وجوب السعي عليه.

قال رحمه اللّه : ويجوز بيعها (مع وجود ولدها)(4) في ثمن رقبتها.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب البيع ، وقد ذكرنا جواز بيعها في اثني عشر موضعا.

قال رحمه اللّه : لو كان ثمنها دينا فتزوجها المالك وجعل عتقها مهرها ثمَّ

ص: 107


1- ليس في «ر 1».
2- في الأصل : النكاح.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 15 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 2. راجع الحدائق 24 : 269.
4- (*) من الشرائع المطبوع.

أولدها وأفلس بثمنها ومات بيعت في الدين ، وهل يعود ولدها رقا؟ قيل : نعم لرواية هشام بن سالم ، والأشبه انه لا يبطل العتق ولا النكاح ولا يرجع الولد رقا لتحقق الحرية فيهما.

أقول : روى الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، «قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام وانا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوجها وجعل مهرها عتقها ، ثمَّ مات بعد ذلك بشهر؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ان كان الذي اشتراها إلى سنة له مال أو عنده ما يحيط بقضاء ما عليه من ثمن (1) رقبتها كان عتقه ونكاحه جائزان ، وان لم يكن يملك ما يحيط بقضاء ما عليه من ثمن رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلان ، لأنه عتق ما لا يملك ، وأرى أنها لمولاها الأول ، قيل له : فان كانت قد علقت من الذي أعتقها وتزوجها ، ما حال الذي في بطنها؟ قال : الذي في بطنها مع أمه كهيئتها» (2) وبمضمون هذه الرواية أفتى الشيخ في النهاية ، وابن البراج وابن الجنيد.

وقال ابن إدريس : لا يبطل العتق ولا النكاح ، لأنهما صادفا ملكا صحيحا ، والولد قد انعقد حرا فلا سبيل الى بطلان ذلك. واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن هذه الرواية قد خالفت أصلين قطعيين مجمع على عدم جواز مخالفتهما : الأول : اقتضت بطلان العتق بعد وقوعه صحيحا لصدوره من مالك بالغ عاقل جائز التصرف ، مع ان العتق إذا وقع صحيحا لم يجز إبطاله قطعا. الثاني : انها اقتضت استرقاق مولود بين حرين ، وهو مجمع على بطلانه ، فلا يرجع عن الأصول القطعية إلا بأدلة قطعية مثلها ، ولم

ص: 108


1- «م» و «ن» و «ر 1» : الدين في.
2- التهذيب 8 : 213 ، حديث 762 ، ورواه في الوسائل ، كتاب العتق ، باب 25 ، حديث 1.

يحصل.

وأوّل أصحابنا الرواية بتأويلات لا يخلو أحدها من ضعف ، فلا فائدة في إيرادها ، بل اما ان يرجع الى صورة النص من غير تأويل ، كمذهب الشيخ ومن تابعه ، أو الى الأصول المسلمة كمذهب ابن إدريس ومن تابعه من غير توسط تأويل.

قال رحمه اللّه : وكذا حكم العبد إذا كان تحته أمة ، ولو كان تحته حرة فبيع كان للمشتري الخيار على رواية فيها ضعف.

أقول : إذا بيعت الأمة المزوجة كان لمشتريها الخيار وان كانت تحت حر ، ولو بيع العبد المزوج كان لمشتريه الخيار إذا كانت زوجته أمة ، ولو كانت حرة هل يكون له خيار؟ قال الشيخ في النهاية والقاضي وابن حمزة : نعم ، واختاره العلامة وأبو العباس لرواية محمد بن علي (1) ، عن أبي الحسن عليهم السلام ، ومنع ابن إدريس لأصالة بقاء العقد.

فرع : لو كان المشتري جماعة ، فاختار بعضهم الفسخ وبعضهم الإمضاء قدم اختيار الفاسخ.

قال رحمه اللّه : لو باعها بعد الدخول كان المهر للأول ، سواء أجاز الثاني أو فسخ ، لاستقراره في ملك الأول ، وفيه أقوال مختلفة ، والمحصل ما ذكرناه.

أقول : اختيار المصنف هو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في المبسوط : ان كان الأول قبض المهر فهو له ، فان كان بعد الدخول استقر ، وان كان قبله رد نصفه وان كان لم يقبضه فلا مهر لها لا للأول ولا للثاني ، فإن اختار المشتري الإمضاء ولم يكن قبض الأول المهر كان للثاني ، لأنه

ص: 109


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 4.

تجدد في ملكه ، فان دخل بها بعد الشراء استقر الكل ، وان طلقها قبل الدخول كان عليه نصف المهر للثاني ، وان كان الأول قد قبض المهر ورضي الثاني بالعقد لم يكن له شي ء ، فان باعها قبل الدخول فرضي المشتري بالعقد ودخل بها الزوج بعد البيع كان نصف المهر للسيد الأول ونصفه للثاني ، وان كان قد قبض الأول بعض المهر ثمَّ باعها لم يكن له المطالبة بباقي المهر سواء دخل بها أو لم يدخل ، لأنه حال بينه وبين الاستمتاع بها ، فان كان الثاني رضي بالعقد كان له المطالبة بباقي المهر (سواء دخل بها أو لم يدخل) (1) وان لم يرض لم يكن له ذلك.

ومستنده في ذلك رواية سعدان بن مسلم (2) ، عن ابي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام.

قال رحمه اللّه : لو زوج عبده بحرة ثمَّ باعه قبل الدخول ، قيل : كان للمشتري الفسخ ، وعلى المولى نصف المهر ، ومن الأصحاب من أنكر الأمرين.

أقول : المنكر ابن إدريس فإنه أنكر ثبوت الفسخ لمشتري العبد إذا كان تحته حرة ، وقد سبق البحث في ذلك ، وعلى تقدير الفسخ أنكر تنصيف المهر ، وأوجب الجميع على السيد ، لأنه يجب الجميع بالعقد ، وانما تنصف بالطلاق ولم يحصل فلا يسقط منه شي ء لأصالة بقاء حق المسلم ما لم يعلم سقوطه ، وهو لا يعلم بغير الطلاق.

ووجوب النصف خاصة مذهب الشيخ رحمه اللّه وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، لأن البيع سبب التفريق فاذا انضم اليه فسخ المشتري كمل السبب فيسقط نصف المهر كالطلاق ، ولرواية علي بن

ص: 110


1- ليس في «م» و «ن» و «ر 1».
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 87 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.

حمزة (1) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، الدالة على المطلوب.

قال رحمه اللّه : لو باع أمته وادعى ان حملها منه ، وأنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع ويقبل في التحاق الولد ، لأنه إقرار لا يتضرر به الغير ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انه إقرار لا يتضرر به المشتري ، لأنه لا يخرج عن ملكه بنفس الإقرار ، بل هو وأمه باقيان على ملك المشتري وان التحق نسبه بالمقر ، ومن احتمال تطرق الضرر الى مالكه كما لو مات أبوه من غير وارث سواه ، فإنه يشتري قهرا على مالكه ، وهو عليه ضرر ، وكل إقرار يتضرر به الغير فهو غير مقبول.

قال رحمه اللّه : ولو زوجه أمته كان عقدا صحيحا لا اباحة ، وكان الطلاق بيد المولى وله ان يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق ، مثل أن يقول : فسخت عقدكما ، أو يأمر أحدهما باعتزال صاحبه ، وهل يكون هذا اللفظ طلاقا؟ قيل : نعم حتى لو كرره مرتين وبينهما رجعة حرمت حتى تنكح غيره ، وقيل : يكون فسخا ، وهو أشبه.

أقول : إذا فرق بينهما بلفظ الطلاق كان طلاقا على القول بأن تزويج العبد بأمة مولاه عقد ، وحينئذ تفتقر الى شروط الطلاق ، وعلى القول بأنه اباحة - كمذهب ابن إدريس - لا يكون طلاقا وان فرق بينهما بالطلاق ، اما إذا فرق بينهما بغير لفظ الطلاق ، كقوله : (فسخت عقدكما) أو بأمر أحدهما باعتزال صاحبه ، فقد قيل : انه يكون طلاقا ، لأنه قائم مقام الطلاق في الفرقة وحكم احد المساويين حكم الآخر ، ولأن الفسخ انما يكون بواسطة عقد أو بيع أو عتق أو رده ، وليس هذا منها ، فيكون هذا اللفظ طلاقا.

ص: 111


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 78 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.

وقيل : انه فسخ لامتناع وقوع الطلاق بالكناية بإجماع الإمامية ، ولو قلنا : انه طلاق لوقع الطلاق بالكناية ، وهو خلاف إجماع الإمامية ، فلا يكون طلاقا ولا يفتقر إلى شرائط الطلاق ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وهو المعتمد.

فرعان :

الأول : لو استقل العبد بالطلاق من غير اذن السيد ، هل تقع أم لا؟ (اختاره العلامة) (1) على اشكال ، ووجه الاشكال عموم قوله عليه السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2) غاية ما في الباب انه منهي عنه بغير اذن السيد هنا ، والنهي هنا لا يدل على الفساد.

ومن ان الطلاق بيد السيد هنا لما رواه ليث المرادي «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن العبد يجوز طلاقه؟ قال : ان كانت أمتك فلا ان اللّه تعالى يقول ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ ) (3) وان كانت امة غيرك أو حرة جاز طلاقه» (4) وهذا نص على عدم صحة طلاقه ، ولأن الطلاق هنا بيد المولى ، والطلاق لا يجوز ان يكون بيد العبد (5) ، فلو جوزنا طلاق العبد هنا بغير اذن سيده لكان الطلاق بيد العبد (6) بالأصالة وهو غير جائز فلا يصح طلاق العبد بغير اذن السيد هنا ، وهو المعتمد.

الثاني : لو امره المولى بالطلاق ، هل يكون نفس الأمر فسخا؟ يحتمل

ص: 112


1- «م» و «ن» و «ر 1» : اختار العلامة وقوعه.
2- سنن البيهقي 7 : 360.
3- النمل : 75.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 43 من أبواب مقدماته وشرائطه ، حديث 2.
5- «م» و «ن» و «ر 1» : اثنين.
6- «م» و «ن» و «ر 1» : اثنين.

ذلك ، لأن الأمر بالاعتزال يتضمن الاعتزال ، وهو معنى الفسخ ، ولأن عصمة نكاح العبد أمة مولاه ضعيفة يكفي في زوالها ادنى امارة ، وقد وجدت فيوجد الفسخ.

ويحتمل العدم ، لأن الأمر بالطلاق يتوقف على بقاء الزوجية إلى حين إيقاعه ، فلو دل على فسخ العقد بنفس الأمر بالطلاق لتنافي مدلولا (1) اللفظ ، ولأن أمر العبد بالطلاق يدل على إيراده (2) إيقاع الطلاق بفعل العبد فيتوقف على فعله فلا يحصل قبله ، وهو المعتمد.

ص: 113


1- «م» و «ن» و «ر 1» : مدلول.
2- «ن» : إرادة.

ص: 114

في ملك المنفعة

اشارة

قال رحمه اللّه : اما الصيغة فان يقول : أحللت لك وطأها أو جعلتك في حل من وطئها ، ولا يستباح بلفظ العارية ، وهل يستباح بلفظ الإباحة؟ فيه خلاف ، أظهره الجواز.

أقول : الاقتصار على لفظ التحليل مذهب الشيخ وابن حمزة (1) ، واختاره فخر الدين لأصالة التحريم ما لم يحصل السبب المبيح بنص الشارع ، وهو لم يحصل بغير التحليل فيبقي الباقي على أصالة التحريم ، وسوغه ابن إدريس بلفظ الإباحة ، واختاره العلامة لمشاركة التحليل الإباحة في المعنى فيشتركان في الحكم ، وهو ظاهر المصنف.

فروع :

الأول : لو كانت مشتركة ووكل أحدهما الآخر في العقد أو يؤكلان ثالثا فلو باشرا فقال كل منهما : (أحللت لك وطأها) صح إذا أوقعاه دفعة ، وان كان على التعاقب لم يصح ، ولو قال كل منهما : (أحللت لك حصتي) هل يصح أم لا؟

ص: 115


1- «م» و «ن» و «ر 1» : زهرة.

يحتمل الصحة ، لأن إباحة كل منهما انما هو لحصته وقد ثبت انهما إذا باشرا دفعة بأن قال كل منهما : (أحللت لك وطي هذه الجارية) صح لدلالة اللفظ على حصته ضمنا ، وإذا دل اللفظ على الحصة بالمطابقة كان اولى.

ويحتمل العدم ، لأن منفعة البضع واحدة فلا يصح إفراد حصة كل واحد منهما بالإباحة ، وهذا هو المعتمد ، وكما لا يصح إفرادها بالإباحة لا يصح افرادها بالعقد ، ولا يجوز لأحد الشريكين الاستمتاع بما يحرم على الأجنبي.

الثاني : هل يفتقر هذا العقد الى تعيين مدة؟ نص الشيخ في المبسوط على افتقاره إلى مدة ، قال : لأنه يجري مجرى إسكان الدار وأعمارها ، (ولأن حل) (1) ذلك يحتاج إلى مدة (2) ، وظاهر ابن إدريس عدم احتياجه إلى المدة ، وهو اختيار العلامة ، لأنه نوع تمليك خال عن المعاوضة فأشبه العارية ، وهذا هو المعتمد ، فحينئذ يباح الوطي حتى يحصل النهي عنه ، ولو قرنه بمدة جاز الرجوع قبل انقضائها.

الثالث : هل يفتقر هذا العقد الى قبول مقارن للإيجاب؟ أطلق أكثر الأصحاب ذلك ولم يذكروا القبول ، وقال فخر الدين : قال ابن إدريس : انه ملك منفعة ، ونقل عن المرتضى انه عقد ، ثمَّ قال : تذنيب يلزم من ذلك ذنبك (3) اشتراط القبول عندي (4). هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، واختاره أبو العباس في المهذب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل هو عقد أو تمليك منفعة فيه خلاف بين الأصحاب ، منشؤه عصمة الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك ، ولعل الأقرب هو الأخير.

ص: 116


1- «م» و «ن» و «ر 1» : ولأجل.
2- «م» و «ن» و «ر 1» : بزيادة معلومة.
3- كذا في الأصل و «م» ، أما في «ن» و «ر 1» لا توجد : ذنبك.
4- «م» و «ن» و «ر 1» : وهو الأقوى عندي.

أقول : نقل ابن إدريس عن السيد المرتضى في الانتصار ان تحليل السيد جاريته لغيره عقد متعة ، والتحليل والإباحة عبارة عنه ، لأن إباحة الفروج منحصرة في العقد والملك (لا لغيرهما) (1) ، وملك الرقبة هنا منتف فما بقي غير العقد ، ولا يجوز ان يكون عقدا دائما ، لأن رفعه لا يتوقف على اختيار الزوج الرجوع ، فيكون عقد متعة.

ونقل عن الشيخين وغيرهما من المشيخة انه تمليك منفعة مع بقاء الأصل ، كسكنى الدار وأعمارها ، ثمَّ اختار مذهب الشيخين ، وهو اختيار المصنف والعلامة.

ويتفرع على قول السيد تعيين الأجل واذن الحرة ان كانت عنده ، وكذلك إذن العمة والخالة إن كانتا عنده ، وعلى قول ابن إدريس لا يفتقر إلى شي ء من ذلك ، وعلى قول ابن إدريس للسيد النظر إليها ولمسها وتقبيلها بشهوة وغير شهوة ، وليس له ذلك على قول المرتضى.

قال رحمه اللّه : وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان أحدهما المنع ، ويؤيدها انه نوع من تمليك والعبد بعيد عن التملك ، والأخرى الجواز إذا عين له الموطوءة ، ويؤيدها انه نوع من اباحة وللمملوك أهلية الإباحة ، والأخير أشبه.

أقول : المنع مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرحه لرواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام «انه سئل عن المملوك أيحل له ان يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : لا يحل له» (2) ولأنه نوع تمليك والعبد لا يملك شيئا ، والجواز مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والإرشاد لعموم قوله تعالى :

ص: 117


1- «م» و «ن» و «ر 1» : لغيرهما.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 2.

( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (1) وعموم قوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (2) ولأنه نوع اباحة ، والعبد أهل لها.

والمراد بقولهم : (نوع إباحة) أي في الحكم ، لأن للمالك رفع يده في كل حين ، وعند (3) استيفاء المنفعة يحصل الملك (4) كالعارية ، لأن الناس فريقان قائل بأنه عقد ، وقائل بأنه تمليك منفعة ، ولا قائل بأنه اباحة ، فثبت ان المراد بقولهم : (انه نوع اباحة) ما قلناه.

فرع : لو أحل أمته لمملوك غيره فان قلنا : انه عقد أفتقر إلى اذن السيد قبله أو إجازته بعده ، وان قلنا : انه تمليك لم يجز ، لأن العبد لا يملك شيئا.

قال رحمه اللّه : ولو ملك بعضها فأحلته نفسها لم تحل ، ولو كانت مشتركة فأحله الشريك ، قيل : تحل والفرق انه ليس للمرأة ان تحل نفسها.

أقول : القائل بالحل مع تحليل الشريك هو الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، ويحتمل العدم لعدم جواز تبعيض سبب الإباحة.

والتحقيق انه ان جعلناه عقدا كمذهب السيد فالتبعيض هنا حاصل فلا يجوز ، وان جعلناه تمليكا كمذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة كان الجواز قويا ، لان الملك له أسباب كالشراء والإرث والاتهاب والإجارة والعارية ، ومن جملتها التحليل هنا ، لأنه سبب تمليك (5) منفعة البضع فيصير الجميع مملوكا له فلا تبعيض ، لأن تبعيض الملك غير مانع.

ويحتمل المنع ، لأنه ملك البعض تبعا للرقبة ، والبعض الآخر مجرد عن

ص: 118


1- النساء : 25.
2- النور : 32.
3- «ن» : وعنده.
4- «ن» : للمالك.
5- «ر 1» : تمليكه.

الرقبة فهو كالتزويج والتبعيض حاصل فيقوى المنع.

قال رحمه اللّه : ولد المحللة حر ، ثمَّ ان شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ولا سبيل على الأب وان لم يشترط قيل : يجب على أبيه فكه بالقيمة ، وقيل : لا يجب ، وهو أصح الروايتين.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية أن ولد المحللة مع عدم اشتراط الحرية لمولاها ، وعلى أبيه ان يشتريه بماله ان كان له مال ، والا استسعى في ثمنه لرواية ضريس بن عبد الملك «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال : هو حلال ، فان جاءت بولد منه فهو لمولى الجارية الا ان يكون اشترط على مولى الجارية حين أحلها إن جاءت بولد فهو حر» (1) ومثلها رواية حسين العطار (2) ، عنه عليه السلام.

وقال ابن إدريس : الولد يكون حرا وليس على أبيه شي ء ، لأن الولد يلحق بأشرف الطرفين ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن مبنى الحرية على التغليب ، ولهذا لو أعتق جزءا من مائة جزء سرى العتق الى الجميع ، ولما رواه زرارة في الحسن «قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس ، قال : قلت : فان جاءت بولد؟ قال : يضم اليه ولده ويرد الجارية على صاحبها ، قلت له : انه لم يأذن في ذلك؟ قال : قد اذن له وهو لا يأمن ان يكون ذلك» (3) وفي معناها رواية إسحاق بن عمار (4).

ص: 119


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 2.
3- التهذيب 7 : 247 ، حديث 1073 ، ورواه في الوسائل ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 4.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 37 من أبواب نكاح العبيد ، حديث 7.

ص: 120

في العيوب

قال رحمه اللّه : عيوب الرجل ثلاثة : الجنون والخصاء والعنن فالجنون سبب لتسليط الزوجة على الفسخ دائما كان أو أدوارا ، وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطي أو بعد العقد والوطي وقد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات الصلاة وهو في موضع التردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في عدد عيوب الرجل ، والمشهور أربعة بإضافة الجب الى ما عده المصنف هنا ، وجزم به في المختصر ، وهو مذهب العلامة ، وتردد في الجب هنا لأصالة التمسك بمقتضى العقد حتى يتحقق السبب المبيح للفسخ ، ومن تحقق العجز عن الوطي ، وزاد ابن البراج في المهذب البرص والجذام والعمى ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، واستحسنه العلامة في المختلف ، لأن هذه الثلاثة عيوب في المرأة إجماعا ، ففي الرجل أولى ، لأن الرجل له مندوحة التخلص بالطلاق ، وقد (1) جعل الشارع له الفسخ دفعا للضرورة فيكون ثبوت الفسخ لمن ليس له مندوحة التخلص بدونه

ص: 121


1- «م» و «ن» و «ر 1» : فقد.

اولى.

احتج المانعون بأصالة بقاء العقد.

ب - في الجنون المتجدد بعد العقد أو بعده وبعد الوطي ، فالمصنف والعلامة أثبتا الفسخ فيه وان كان أدوارا ، واختاره أبو العباس لعموم النص ، روى علي بن أبي حمزة «قال سئل أبو إبراهيم عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون؟ قال : لها تنزع نفسها منه إذا شاءت» (1) ولما فيه من الضرر المنفي.

واشترط الشيخان والقاضي وابن حمزة وابن إدريس ان لا يعقل أوقات الصلاة ، ومعنى قولهم : (لا يعقل أوقات الصلاة) أي لا يميز بينها وبين غيرها من الأوقات.

قال رحمه اللّه : والخصاء : وهو سل الأنثيين وفي معناه الوجاء ، وانما يفسخ به مع سبقه على العقد ، وقيل : وان تجدد [بعد العقد] ، وليس بمعتمد.

أقول : للشيخ قول بثبوت الفسخ بالمتجدد بعد العقد ، وهو قول ابن البراج ، لأن به انقطاع النسل وهو ضرر عظيم ، والمشهور عدمه لأصالة بقاء اللزوم.

قال رحمه اللّه : فلو وطأها ولو مرة ثمَّ عن أو امكنه وطئ غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولهم عليه روايات (2) مع التمسك بأصالة بقاء اللزوم ، والمفيد لم يفرق بين العنة الحادثة بعد الدخول وقبله لما في ذلك من الضرر بفوات فائدة النكاح ، وتوقف العلامة في المختلف ، اما العنن المتجدد بعد العقد وقبل الدخول فالخيار ثابت فيه.

ص: 122


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 12 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب العيوب والتدليس.

قال رحمه اللّه : ولو حدث الجب لم يفسخ به ، وفيه قول آخر.

أقول : إذا تجدد الجب الموجب للفسخ بعد الوطي ، هل يثبت فيه الخيار؟ قال الشيخ في موضع من المبسوط : نعم ، وهو مذهب ابن البراج ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وهو اختيار فخر الدين وأبو العباس لفوات الاستمتاع وهو ضرر عظيم.

وقال في موضع من المبسوط والخلاف : لا خيار لها ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، والعلّامة في الإرشاد لأصالة بقاء العقد.

قال رحمه اللّه : ولو بان خنثى لم يكن لها الفسخ وقيل : لها ذلك وهو تحكم مع إمكان الوطي.

أقول : قال [قوى] الشيخ في موضع من المبسوط بجواز [جواز] الفسخ إذا بان خنثى ، ونسبه المصنف الى التحكم وهو القول بغير دليل ، والمراد انه يلحق بالرجال مع إمكان الوطي من طرفه.

تنبيه : المتحقق من مذاهب الأصحاب في عيوب الرجل ان الجنون أو الجبب يبيحان الفسخ وان تجددت بعد الوطي ، وكذلك الجذام على القول بأنه عيب ، وهو ظاهر القواعد ، واما العنة فإنها تبيح الفسخ وان تجددت بعد العقد قبل الوطي ولا تبيحه بعده ، واما الخصي فإنه يبيحه إذا كان سابقا على العقد ولا يبيحه بعده.

قال رحمه اللّه : واما القرن فقد قيل هو العفل ، وقيل : عظم ينبت في الرحم ، يمنع الوطء والأول أشبه.

أقول : القرن بسكون الراء ، قال الشيخ في المبسوط : انه عظم ينبت في الفرج يمنع (الواطئ من الوطي) (1) وحكى في المبسوط أيضا انه لحم ينبت في

ص: 123


1- «م» و «ن» و «ر 1» : من الوطي.

فرج المرأة لعارض يعتريها عند الولادة يسمى العفل ، واختاره ابن الجنيد والمصنف ، لأن العظم لا ينبت في الفرج ، وقال فخر الدين : ان اعتبر الوضع اللفظي وهي مسألة من علم (1) التشريح ، والفقيه يسلمها ويبحث عن القدر المشترك ، وهو كل مانع من الوطي يثبت فيه الفسخ لفوات غاية النكاح والا فلا.

وعلى التقديرين إذا لم يمنع من الوطي فلا فسخ ، وان منع ثبت الفسخ الا ان يمكن ازالته ويغلب (2) ذلك فلا فسخ حينئذ.

ص: 124


1- «ر 1» بزيادة : اللغة ، وان اعتبرت الحقيقة فهي مسألة من علم التشريح.
2- «م» و «ن» : وفعلت.

في أحكام العيوب

قال رحمه اللّه : واما العرج ففيه تردد أظهره دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد ، وقيل : الرتق احد العيوب المسلطة على الفسخ ، وربما كان صوابا إذا منع من الوطي أصلا لفوات الاستمتاع.

أقول : أطلق أكثر الأصحاب جواز الفسخ بالعرج والرتق ، وهو التحام الفرج ولم يفصّلوا ، وبعضهم أعرض عن ذكرهما أصلا ، وفصل المصنّف وهو إن بلغ العرج الى حد الإقعاد والرتق الى المنع من الوطي أصلا جاز الفسخ والّا فلا ، واختاره العلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ ، وما يتجدد بعد العقد والوطي لا يفسخ به ، وفي المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض.

أقول : منشأ التردد من عموم الأخبار (1) الدالة على جواز الفسخ بهذه العيوب ، خرج منه إذا كان بعد العقد والوطي يبقى الباقي على العموم ، وهو مذهب

ص: 125


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب العيوب والتدليس.

الشيخ في المبسوط والخلاف.

ومن أصالة لزوم العقد بعد وقوعه صحيحا ، خرج ثبوت الفسخ بالعيب السابق على العقد ، يبقى الباقي على أصالة اللزوم ، وهو مذهب ابن إدريس (1) ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد. وابن البراج اثبت الفسخ بالجنون المستغرق إذا حدث بعد العقد وقبل الوطي.

قال رحمه اللّه : لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج أو البينة بإقراره أو نكوله ، ولو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : يقام في الماء البارد فان تقلص حكم بقوله وان بقي مسترخيا حكم لها ، وليس بشي ء.

أقول : هذا قول ابني بابويه وابن حمزة ، وأنكره ابن إدريس ، واختار عدم ثبوته بغير الإقرار ، والنكول (2) مع يمين الزوجة على الخلاف ، واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو ثبت العنن ثمَّ ادعى الوطي فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : ان ادعى الوطي قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء وان كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا فان ظهر على العضو صدق ، وهو شاذ.

أقول : إذا ثبت العنن بإقراره أو نكوله ويمينها ورفعت أمرها إلى الحاكم اجله سنه من حين الترافع لتمر به فصول السنة الأربعة ، فإن كان ذلك من رطوبة زال في زمان اليبس ، وان كان من حرارة زال في زمان البرد ، فان واقعها فيها أو واقع غيرها فلا خيار ، وان ادعى انه واقعها في مدة التربص فأنكرت كان القول قوله مع يمينه لعدم إمكان إقامة البينة على دعواه ، وهو مذهب ابن ابي عقيل والشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة ، والقول باعتبار النظر إليها ان كانت بكرا واعتبار الخلوق ان كانت ثيبا قول الشيخ في الخلاف ، واستدل بإجماع

ص: 126


1- «م» و «ن» و «ر 1» بزيادة : وابن حمزة.
2- «ر 1» : أو النكول.

الفرقة واخبارهم.

قال رحمه اللّه : ويحكم عليه ان نكل وقيل : بل يرد اليمين عليها ، وهو مبني على القضاء بالنكول.

أقول : يأتي البحث في ذلك ان شاء اللّه تعالى.

ص: 127

ص: 128

في التدليس

قال رحمه اللّه : إذا تزوج امرأة على انها حرة فبانت امة (الى آخر البحث).

أقول : سبق البحث في هذه مستوفى في باب نكاح الإماء ، فليطلب من هناك.

قال رحمه اللّه : إذا عقد على بنت رجل على انها بنت مهيرة فبانت بنت امة كان له الفسخ ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط إلا مع إطلاق العقد.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ثبوت الفسخ من غير قيد الشرط ، لرواية محمد بن مسلم (1) ، عن الباقر عليه السلام ، وقيده المصنف بالشرط ، واختاره العلامة لأصالة صحة العقد.

قال رحمه اللّه : إذا تزوج امرأة ، وشرط كونها بكرا فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ لإمكان تجدده بسبب خفي وكان له ان ينقص من مهرها ما بين مهر البكر والثيب ويرجع فيه الى العادة ، وقيل : ينقص السدس ، وهو غلط.

ص: 129


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 1 و 2.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - هل يثبت له خيار الفسخ أم لا؟ قال أبو الصلاح : لا خيار له ، وهو المشهور بين الأصحاب لأصالة بقاء العقد وإمكان الذهاب بسبب خفي كالنزوة والحرقوص ، وقال العلامة : إذا تحقق سبق الثيبوبة ثبت له الخيار لعدم تحقق الشرط ، لأنه اشترط صفة كما لو لم يوجد فيثبت له الخيار.

ب - في نقص المهر ، قال أبو الصلاح : لا ينقص منه شي ء لثبوته بالعقد ، والأصل بقاؤه ، والمشهور النقص ، وفي قدره أربعة أقوال :

أ - في نقص شي ء من غير تعيين القدر ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج لرواية محمد بن جزّك - بالجيم المفتوحة والزاي المنقطة المشددة والكاف أخيرا - «قال كتبت الى ابي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها المهر كاملا أو ينقص؟ قال ينقص» (1) ولا بد من إضمار شي ء.

ب - انه ينقص السدس ، قاله الراوندي في شرح مشكل النهاية حملا على الوصية ، لأن الشي ء في عرف الشرع السدس. قال المصنف : وهو غلط ، لأن اللازم من الرواية إضمار شي ء ، وهو يصدق على القليل والكثير ، فتخصيصه بالسدس تخصيص من غير مخصص.

ج - ان ينقص ما بين مهر البكر والثيب والمرجع فيه الى العادة واختاره المصنف هنا ، وهو مذهب العلامة ، لأن الشارع لم يقدره فالمرجع فيه الى العادة.

د - الرجوع في التقدير الى نظر الحاكم ، قاله المصنف في نكت النهاية ، واختاره أبو العباس في مقتصره.

قال رحمه اللّه : إذا استمتع امرأة فبانت كتابية لم يكن له الفسخ من دون

ص: 130


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب العيوب والتدليس ، حديث 2.

هبة المدة ولا له إسقاط شي ء من المهر ، وكذا لو تزوجها دائما على احد القولين.

أقول : المراد بأحد القولين القول بجواز نكاح الكتابية دائما أو منقطعا ، وعلى القول بالمنع منه دائما إذا ظهرت كتابية ظهر بطلان العقد من أصله لعدم مشروعيته.

قال رحمه اللّه : كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطي مهر المثل لا المسمى ، وكل موضع حكمنا فيه بصحة العقد فلها مع الوطي المسمى وان لحقه الفسخ ، وقيل : ان كان الفسخ بعيب سابق على الوطي لزمه مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده ، والأول أشبه.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط قال : لأن أحكام العقد الفاسد تترتب عليه وكذا (1) المهر ، والمعتمد مذهب المصنف ، لأنه عقد صحيح ، ولهذا لو اختار البقاء عليه جاز ذلك ولزم ، بخلاف العقد الفاسد فإنه لا يلزم بالرضا به ولا يجوز ذلك ، وكل عقد صحيح يعقبه دخول وجب المسمى فيه.

ص: 131


1- بقية النسخ : فكذا.

ص: 132

في المهور

اشارة

قال رحمه اللّه : وعلى اجارة الزوج نفسه مدة معينة ، وقيل بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف مع قصورها عن افادة المنع.

أقول : إذا جعل المهر عملا مضمونا في ذمة الزوج جاز قطعا وان جعل منفعة (1) مدة معينة ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، وكذلك قال ابن البراج في كتابه الكامل لما رواه أحمد بن محمد في القوي ، عن أبي الحسن عليه السلام «قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط إجارته شهرين؟ قال : موسى عليه السلام قد علم انه يستمر له شرطه ، فكيف لهذا بان يعلم بأنه سيبقى حتى يفي» (2) واستضعفها المصنف ، لأن رجالها غير منصوص على عدالتهم.

والمشهور الجواز للأصل ولقوله تعالى ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ ) (3) والرضا قد وقع على الإجارة ، ولهم عليه روايات (4).

ص: 133


1- «م» «ن» «ر 1» : منفعته.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 22 من أبواب المهور ، حديث 1.
3- النساء : 24.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب المهور.

قال رحمه اللّه : ولو كانا مسلمين أو كان الزوج مسلما ، قيل : يبطل العقد ، وقيل : يصح ويثبت لها مع الدخول مهر المثل ، وقيل : بل قيمة الخمر ، والثاني أشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في صحة عقد المسلم على الخمر والخنزير ، وبالصحة قال الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن حمزة وابن زهرة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن عقد النكاح لا يشترط فيه ذكر المهر فاذا أوقعه على مهر باطل كان كما لو لم يذكر مهرا ، وقال الشيخ في النهاية بعدم الصحة ، وبه قال المفيد وأبو الصلاح وابن البراج ، لأن العقد مترتب على الرضا بالمهر ، وهو باطل والمترتب على الباطل باطل ، لأنه عقد معاوضة فيفسد بفساد العوض.

ب - على القول بالصحة ما يثبت لها؟ حكى المصنف قولين : أحدهما مهر المثل ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة وظاهر ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن مع بطلان المسمى يخلو العقد عن المهر فيجب مهر المثل مع الدخول كما لو لم يذكر مهرا ، ولأن مهر المثل هو قيمة البضع وقد بطل عوضه المسمى فرجع (1) الى قيمة العوض ، وهو مهر المثل.

والآخر ثمن الخمر عند مستحليه قاله الشيخ في موضع من المبسوط ، لأنهما لم يغفلا المهر وذكرا عوضا فاسدا فيرجع الى قيمة العوض.

قال رحمه اللّه : وقيل بالمنع من الزيادة على مهر السنه ، ولو زاد رد إليها ، وليس بمعتمد.

أقول : المشهور عدم تقدير المهر في طرف القلة ما لم يخرج عن التمول ، وهو

ص: 134


1- «م» «ن» «ر 1» : فيرجع.

إجماع ، اما في طرف الكثرة فالمشهور عدم تقديره أيضا ، لأنه عقد معاوضة يرجع فيه الى تراضي المتعاوضين لقوله تعالى ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (1) ولرواية الوشاء (2) ، عن الرضا عليه السلام الدالة على المطلوب.

وقال السيد المرتضى : إذا تجاوز مهر السنه وهو خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا رد إليها ، ورواية الصدوق (3) في كتاب من لا يحضره الفقيه ، واستدل بعد الإجماع برواية الفضل بن عمر «قال : دخلت على ابي عبد اللّه عليه السلام ، فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يؤخره قال : فقال : مهر السنة المحمدية خمسمائة درهم ، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ، ولا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة» (4).

وأجيب بضعف الرواية لوقوع محمد بن سنان في طريقها ، وقد ضعفه الشيخ والعلامة.

قال رحمه اللّه : ويجوز ان يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد ويكون المهر بينهن بالسوية ، وقيل : يقسط على مهور أمثالهن ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بالتسوية (5) ، واختاره ابن البراج عملا بالأصل ، لأن النكاح ليس معاوضة حقيقية فلا يعتبر فيه قيمة البضع ، وقيل بالتقسيط على مهر المثل ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو تزوجها على خادم غير مشاهد ولا موصوف ، قيل :

ص: 135


1- النساء : 20.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب المهور ، حديث 1.
3- الفقيه 3 : 252 ، حديث 12.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب المهور ، حديث 14.
5- «م» و «ن» : بالسوية.

كان لها خادم وسط ، وكذا لو تزوجها على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي بن أبي حمزة ، أو دار على رواية ابن أبي عمير.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن إدريس والعلامة في الإرشاد مصيرا الى النص (1) المذكور ، وجزم به المصنف في المختصر وحكاه هنا ، والعلامة في القواعد ساكتين عليه ، وفخر الدين اختار بطلان المسمى والرجوع الى مهر المثل ، وهو قوي ، لأنه مع عدم التعبير (2) أو الوصف يصير مجهولا فيبطل ، لأنه يشترط علمه بما يرفع الجهالة.

قال رحمه اللّه : وشرط ان تعطي أباها منه شيئا معينا قيل : يصح المهر ويلزم الشرط.

أقول : هذا القول نقله فخر الدين عن بعض الأصحاب ، وظاهر كلام ابن الجنيد ان شرطت الزوجة في نفس العقد لزم ، لأنه جعله بعض الصداق ، وهو قوي لأن الرضا لم يحصل الا به ، وقال الشيخ ان كان على سبيل الهدية لم يلزمه (3) الوفاء به ، وان كان على سبيل التوكيل فكذلك.

قال رحمه اللّه : فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها ، ولو أبهم فسد المهر وكان لها مع الدخول مهر المثل ، وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، ويلقنها الجائز وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : وهل يجب تعيين القراءة ، وهي الحرف الذي يعلمها إياها؟ على وجهين : أحدهما لا يجب ، وهو الأقوى ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله لم يعين على الرجل (4).

ص: 136


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 25 من أبواب المهور ، حديث 1 و 2.
2- «م» «ن» «ر 1» : التعيين.
3- «م» «ن» «ر 1» : يلزمها.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 2 من أبواب المهور ، حديث 1.

والوجه الآخر لا بد من تعيين الحرف ، لأن بعضها أصعب من بعض ، فمن قال انه شرط فان ذكره والا كان فاسدا ولها مهر المثل ، ومن قال ليس بشرط لقنها أي حرف شاء ، وان شاء بالجائز وهو الصحيح عندنا ، لأن التعيين يحتاج الى دليل انتهى كلام الشيخ رحمه اللّه.

ومنه يعلم تحقيق المسألة ، والمعتمد عدم الوجوب ويلقنها ما شاء من السبعة دون العشرة ، وهو ظاهر التحرير.

فرع : لو نسيت الآية الأولى عقيب تلقين الثانية ، هل يجب الإعادة؟ ذكر الشيخ في المبسوط في هذه المسألة وجهين : أحدهما عدم وجوب الإعادة ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير لحصول القبض باستقلالها بالتلاوة والنسيان بسبب تفريطها فلا يضمنه الزوج.

والآخر انها لا تكون قابضة أقل من ثلاث آيات ، لأن أقل ما نفع (1) الاعجاز بثلاث ايات لقوله تعالى ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (2) وأقل سورة وجدت ثلاث آيات ، وهي سورة الكوثر ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو أصدقها ظرفا على انه خل فبان خمرا قيل : كان لها قيمة الخمر عند مستحليه ، ولو قيل : كان لها مثل الخل كان حسنا.

أقول : القول بوجوب القيمة عن مستحليه قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، والقائل بوجوب المثل ابن إدريس وابن الجنيد ، واختاره المصنف ، وفيه قول آخر وهو وجوب مهر المثل واختاره العلامة في القواعد ، ولو تزوجها (3) على عبد فبان حرا كان الحكم كذلك.

ص: 137


1- «م» «ن» «ر 1» : يقع.
2- البقرة : 23.
3- «م» «ن» «ر 1» : زوجها.

قال رحمه اللّه : والمهر مضمون على الزوج فلو تلف قبل تسليمه كان ضامنا له بقيمته وقت تلفه على قول مشهور لنا.

أقول : إذا أصدقها عينا معينة فتلفت قبل تسليمها إليها ، فإن كانت مثلية كان عليه مثلها ، وان كانت قيمية فالمشهور وجوب القيمة يوم التلف ، لأنه حين الانتقال إلى القيمة ، وقيل : أعلى القيمة (1) ، لأنه كان كالغاصب إلا في الإثم ، فإنه لا اثم عليه.

والتحقيق : انه لا يخلو اما ان يتلف قبل المطالبة بالتسليم أو بعدها فان تلف قبل المطالبة كان عليه القيمة يوم التلف ، لأن العين قبل المطالبة لا يجب تسليمها والحق متعلق بها ، فاذا تلفت انتقل الحق إلى القيمة حين التلف ، وان كان التلف بعد المطالبة والامتناع لغير عذر كان عليه أعلى القيم من حين المطالبة إلى حين التلف ، هذا إذا كان التلف بسببه أو بأمر سماوي ، ولو أتلفه أجنبي تخيرت بين إلزام الزوج بالقيمة يوم التلف أو أكثر على ما قلناه من التفصيل وبين إلزام المتلف بالقيمة يوم التلف خاصة مطلقا ، سواء كان الإتلاف قبل المطالبة أو بعدها ، فان رجعت على الزوج رجع على المتلف بقيمته يوم إتلافه خاصة ، سواء رجعت عليه بها أو بالأكثر.

وان رجعت على المتلف بالقيمة يوم التلف وكان التلف بعد المطالبة ، هل لها ان ترجع على الزوج بتفاوت القيمة من حين المطالبة إلى حين الإتلاف؟ يحتمل ذلك ، لأنه حق لها ، فلها الرجوع به ، ويحتمل العدم ، لأن الشارع خيّرها في الرجوع على أيهما شاءت ، ولا يسوغ لها الرجوع عليهما وقد رضيت بالرجوع على المتلف فليس لها الرجوع على الزوج بشي ء.

قال رحمه اللّه : ولو وجدت به عيبا كان لها رده بالعيب ، ولو عاب بعد

ص: 138


1- «م» «ن» «ر 1» : القيم.

العقد ، قيل : كانت بالخيار في أخذه أو أخذ القيمة ، ولو قيل : ليس لها القيمة ولها عينه وأرشه كان حسنا.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، لأنه إنما أصدقها العين سليمة ، وهي مضمونة في يده ، فان عابت قبل التسليم فهي بالخيار بين ان يقبضها معيبة وبين ان تردها ، فلو اختارت الرد كان كتلف الصداق معيبا (1).

واستحسن المصنف أخذ العين معيبة مع أرش العيب ، واختاره العلامة لوجود العين التي تناولها العقد والعيب يجبر بالأرش ، فلا يجوز العدول عما تناوله العقد الى غيره مع وجوده ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولها ان تمنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ قيل : نعم ، وقيل : لا وهو الأشبه.

أقول : اما الامتناع قبل الدخول فهو إجماع ، واما بعده فالشيخ في الخلاف والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس قد منعوا من ذلك ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لحصول الملك التام بالعقد (2) ، فليس لها الامتناع بعده ، لأن التسليم الأول استقر به العوض برضا المسلم (3) ، فهو كما لو سلم المبيع قبل تسليم الثمن ، ولأن البضع حق له والمهر حق عليه ، وليس إذا كان له عليه (4) حق جاز له (5) ان يمنع حقه.

وقال في المبسوط : لها الامتناع ، لأن الامتناع كان سائغا لها قبل ان تسلم

ص: 139


1- «ن» «ر 1» : المعين.
2- «م» «ن» بزيادة : والقبض.
3- «م» : المتسلم.
4- «م» : وعليه.
5- ليست في «م» «ن» «ر 1».

نفسها ، فكذا بعده توصلا الى استيفاء حقها.

فرعان :

الأول : لو أكرهها على تسليم نفسها قبل دفع المهر كان لها الامتناع بعده ، لأن هذا التسليم لا اعتبار به لعدم الرضا به.

الثاني : لو كان المهر مؤجلا لم يجز لها الامتناع قبل الحلول إجماعا ، فلو حل قبل التسليم احتمل جواز الامتناع ، لأنه مهر حال على زوج لم يدخل بزوجته فلها ان تمتنع حتى تقبضه إجماعا (1) ، ويحتمل العدم لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول ، والأصل بقاء ما كان على ما كان وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد ، وفيه تردد منشؤه ان الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، وقد مضى البحث فيها مستوفى في باب أولياء العقد.

الثانية : إذا زوجها مفوضة (2) ، ولا إشكال في صحة العقد ، وانما الإشكال في صحة التفويض مما قاله المصنف وهو الوثوق بنظر الولي ، فيصح التفويض ، ومما قاله الشيخ رحمه اللّه ، وهو عدم صحة التفويض ، لأنه عقد معاوضة فلا يصح للولي إخلاؤه من العوض كسائر المعاوضات ، فعلى قول الشيخ يثبت لها مهر المثل بنفس العقد لفساد التفويض ، ويتفرع على القولين : ما إذا كان لو طلقها قبل الدخول فعلى قول الشيخ يجب لها نصف مهر المثل ، وعلى ما اختاره المصنف يجب

ص: 140


1- ليست في «م» «ن» «ر 1».
2- «ن» : مفوضته.

لها المتعة ، والمعتمد اختيار المصنف.

فروع :

الأول : مفوضة البضع لها ان تمتنع (1) من الدخول حتى يوصلها المهر ويسلم إليها فإن اتفقا على الفرض جاز ، وان اختلفا وترافعا الى الحاكم فرض مهر المثل ما لم يتجاوز مهر السنة فيرد إليها ، وليس له الفرض قبل ان يعلم مهر مثلها.

الثاني : هل يجوز للأجنبي ان يفرضه ويدفعه من ماله؟ يحتمل ذلك ، لأنه يصح قضاؤه عنه ، ويحتمل العدم لعدم ثبوت الولاية والوكالة له ، فلا يجوز ذلك فلا يصح الفرض ولا الدفع ويكون مضمونا عليه (2) لأنها قبضته قبضا فاسدا ، وكل من قبض شيئا (3) قبضا فاسدا كان مضمونا عليه.

وعلى احتمال الصحة لو طلقها قبل الدخول ، احتمل رجوع النصف الى الزوج ، لأنه ملكه حين قضائه دينا عليه ، لأن الإنسان إذا قضى دين غيره دخل المدفوع في ملك المديون ضمنا آنا (4) ، ثمَّ ينتقل الى ملك الديان.

ويحتمل رجوعه إلى الأجنبي ، لأنه قضا ما وجب عليه ، وبالطلاق (5) سقط النصف فيرد النصف الى من دفعه ، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه عنه فيعود اليه ، وفخر الدين منع هذا الحكم من أصله وأبطل فرض الأجنبي ودفعه.

الثالث : لو فرض الزوج فرضا ولم ترض به الزوجة بطل الفرض إذا كان دون مهر المثل ، فلو طلقها قبل الدخول كان لها المتعة دون نصف الفرض الذي فرضه ، لأنها لم تقبله.

ص: 141


1- «ر 1» : تمنع.
2- «م» «ن» «ر 1» : عليها.
3- من «م» و «ر 1».
4- ليست في «ن».
5- «م» «ن» «ر 1» : وبالبطلان.

الرابع : لو كان محجورا عليه ثمَّ فرض أكثر من مهر المثل ضربت بما قابل مهر المثل مع الغرماء ، والزائد عن مهر المثل يتبعه به بعد فك حجره ولا تشارك الغرماء فيه.

الخامس : لو وطي المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها وجب مهر المثل معتبرا بحال العقد.

السادس : لو أبرأته قبل الوطي والفرض والطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح ، لأنه إبراء مما لم يجب ، ولو قالت : (أسقطت حقي من طلب الفرض) لم يسقط.

تنبيه : يجب على الفقيه ان يعرف مهر المثل على وجه كلي والولي (1) ، لأنه يبحث عنه في أماكن مثل وطي الشبهة ووطي المكرهة ومفوضة البضع والتسمية الفاسدة ، والتقسيط عليه كما لو تزوج امرأتين بمهر واحد ، أو جمع بين النكاح وغيره من العقود وما شابه ذلك ، ويفتقر معرفتهم (2) الى اعتبار حال المرأة في أمرين :

الأول : النسب ، وهو الركن الأعظم فيه ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط باعتبار حال نسائها من الطرفين كالأم والأخت والعمة والخالة ومن يجري مجراهن ما لم يتجاوز خمس مائة درهم فان تجاوزها رد إليها ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير لاختلاف المهور باختلاف الأحوال من الطرفين ، ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن الصادق عليه السلام «في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ،

ص: 142


1- «م» «ن» «ر 1» : قانوني.
2- «م» «ن» «ر 1» : معرفته.

ثمَّ دخل بها؟ قال : صداق نسائها» (1) والنساء شامل للعصبات وغيرها ، وابن البراج اعتبر نساءها من جهة الأب دون الأم ونساءها من جهتها ، قال : لأن المرأة أم الولد تكون من عرض المسلمين تحت الشريف النسب ، مثل الرجل يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام ، فيتزوج المرأة من العامة ليس لها نسب ولا حسب ، فالمعتبر من نسائها من كان (من) (2) جهة الأب.

وجزم العلامة في القواعد بعدم اعتبار الأم ، قال : لأنها ليست من نسبها ، واستشكل في اعتبار العصبات أو الأقارب ، والمصنف أطلق اعتبار حال نسائها ولم يفرق بين العصبات وغيرها ، وظاهره الاعتماد على قول الشيخ ، وهو المعتمد.

الثاني : في اعتبار الصفات ، فالمفيد اقتصر على الجمال والشرف ، وزاد أبو الصلاح السن والتحصين ، وقال الشيخ : كل أمر يختلف المهر لأجله فإنه يعتبر ، وقال ابن البراج ، يعتبر سنها وعقلها وحمقها وجمالها وقبحها ويسارها وإعسارها وأدبها والبكارة والثيبوبة. وهذا بالحقيقة تفسير لكلام الشيخ ، وبعضهم اعتبر البلد أيضا ، وأنكره فخر الدين وينبغي اعتبار الأقرب فالأقرب إلى المستحقة لمهر المثل ، لأنهن أشبه بها.

ولو (3) فقدت نساءها ، قال ابن البراج : يعتبر نساء أهل بلدها ، فان تعذر ، قال : يعتبر حال نساء أقرب البلدان الى بلدها ، واستشكله العلامة في التحرير.

تنبيه : آخر الاعتبار لمهر المثل المستند الى العقد الفاسد يوم الوطي لا يوم العقد ، فلو عقد عليها عقدا فاسدا ثمَّ وطأها بعد مدة وقد تغيرت أوصافها اعتبر

ص: 143


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 12 من أبواب المهور ، حديث 3.
2- من «ن».
3- في الأصل : وقد.

يوم الوطي ، لأن سبب المهر هنا الشبهة والاعتبار (1) بوطي الشبهة يوم الوطي ، فإن اتحدت (2) الشبهة كالعقد الفاسد والتشبيه بالزوجة وجب مهر واحد وان تعدد الوطي.

ولو زنا بها مكرها لغير شبهة كان عليه لكل وطي مهر ، والفرق اتحاد سبب المهر هناك ، وهو الشبهة الواحدة وتعدد سبب المهر هنا وهو الوطي إكراها.

واستقرب العلامة عدم ردها الى مهر السنة إذا تجاوز مهور نسائها فيما يشبه الجنابة (3) ، كالنكاح الفاسد ووطي الشبهة والإكراه ، لأنه قيمة متلف (4) فلا تتقدر بمهر السنة ، بخلاف المفوضة فإنه لا يتجاوزه إجماعا لورود النص (5) فيه ، وهو جيد.

قال رحمه اللّه : ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول قيل : يسقط المهر ولها المتعة ، وقيل : ليس لها أحدهما ، والأول مروي.

أقول : إذا فوض (6) تقدير المهر إلى أحدهما مثل ان تقول : (زوجتك نفسي على ما شئت أو ما شئت أنا) صح النكاح والتفويض ، فلو مات من فوض اليه تقدير المهر بعد الدخول وقبل الفرض وجب مهر المثل ، وان كان قبل الدخول والفرض فيه ثلاثة أقوال :

أ - وجوب المتعة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والعلامة في المختلف ، واختاره أبو العباس لما رواه محمد بن مسلم في

ص: 144


1- «ن» : ولا اعتبار.
2- «ر 1» : تجددت.
3- كذا ، ولعلها : الجناية.
4- «ن» : يختلف.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 21 من أبواب المهور ، حديث 1.
6- كذا ، ولعلها : فوضت.

الصحيح ، عن الباقر عليه السلام «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل ان يدخل بها؟ قال لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها» (1) وهو المعتمد.

ب - لا شي ء لها ، لأن المتعة تجب بالطلاق ولم يحصل ، ومهر المثل بالدخول ولم يحصل فلا شي ء لها ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ج - وجوب مهر المثل ، حكاه الشيخ في المبسوط ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأنهما ذكرا مهرا مجهولا ، وقد تعذر تعيينه بموت من اليه التعيين فيرجع الى قيمة البضع ، وهو مهر المثل.

قال رحمه اللّه : إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان دينا عليه ولم يسقط بالدخول ، سواء طالت مدتها أو قصرت طالبت به أو لم تطالب ، وفيه رواية أخرى مهجورة.

أقول : نقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا ان الدخول يهدم المهر ، والى خلاف هذا القول أشار المصنف بقوله : (ولا يسقط بالدخول).

والرواية المهجورة إشارة الى ما رواه محمد بن مسلم (2) ، عن أحدهما عليهما السلام انها مع الدخول ليس لها المطالبة إذا لم تطالبه أولا.

قال رحمه اللّه : والدخول الموجب للمهر هو الوطي قبلا أو دبرا ، ولا يجب بالخلوة ، وقيل : يجب ، والأول أظهر.

أقول : الموجب لتقرير المهر أمور :

1 - الوطي قبلا أو دبرا وان كان مكرها أو حراما كالوطي في الحيض أو

ص: 145


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 21 من أبواب المهور ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب المهور ، حديث 6. (ولكن الرواية عن «أبي جعفر عليه السلام» وليست عن «أحدهما عليهما السلام»).

الإحرام.

2 - ارتداد الزوج.

3 - موته على المشهور بين الأصحاب ، وخالف فيه محمد بن بابويه في المقنع.

4 - موت الزوجة على المشهور أيضا ، وخالف فيه الشيخ وابن البراج في الكامل.

5 - الخلوة التامة ، وهي المعركة العظيمة بين الفقهاء ، والمراد بالتامة إرخاء الستر وإغلاق الباب مع عدم المانع من جهة الزوج كالعنن ، ومن جهة الزوجة كالقرن والرتق ، وغير ذلك كالمرض من أحدهما ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، حكى الشيخ في المبسوط والخلاف عن قوم من أصحابنا انها قائمة مقام الدخول في تقرير المهر ، ويؤيده رواية زرارة ، عن الباقر عليه السلام «قال : إذا تزوج الرجل المرأة ثمَّ خلا بها فأغلق عليها بابا وأرخى سترا ثمَّ طلقها فقد وجب الصداق» (1).

وابن الجنيد اشترط في الخلوة الوطي أو الإنزال بسبب النظر أو التقبيل أو اللمس ، وحكى الشيخ في المبسوط والخلاف أيضا ان وجود الخلوة كعدمها مع عدم الوطي ، والقول قول الزوج في عدمه ، قال : وهو الظاهر في روايات (2) أصحابنا.

واختاره المصنف ، والعلامة في أكثر كتبه ، وهو اختيار فخر الدين لما رواه يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه السلام «قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر

ص: 146


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 55 من أبواب المهور ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، وباب 55 منه.

الا الوقاع في الفرج» (1) وفي معناها رواية حفص بن البختري (2) ، وإذا ثبت عدم استقراره بدون الوقاع والأصل (3) عدمه ولأصالة براءة الذمة.

وقيل : ان وجود الخلوة كعدمها في نفس الأمر الا انها أمارة دالة على رجحان قبول قول المرأة إذا ادعت الدخول وأنكره الرجل ، فان القول قولها مع يمينها ، لأن الظاهر من حال الصحيح السليم إذا خلى بالزوجة المواقعة ، فيكون القول قولها عملا بالظاهر ولا تستحق في نفس الأمر غير النصف ان كانت كاذبة ، وهذا القول نقله الشيخ عن محمد بن أبي عمير ، عن قدماء الأصحاب ، ثمَّ استحسنه وافتى به ، واختاره أبو العباس في كتابيه.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثمَّ دخل كان ذلك مهرها ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول الا ان تشارطه قبل الدخول على ان المهر غيره ، وهو تعويل على تأويل رواية واستناد الى قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب الشيخين وسلار وابن البراج ، وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، ومستندهم رواية ابي عبيدة والفضل في الصحيح (4) ، عن الباقر عليه السلام ، وتوقف المصنف ، لأن مقتضى الأصل مع الدخول وعدم التسمية وجوب مهر المثل ، والذي قدمه قبل الدخول قد يكون مهرا وقد يكون هدية ، وعدم مشارطتها على غيره لا يدل على الرضا به ، ولا دلالة للعام على الخاص.

وقال العلامة : قد كان في الزمن الأول لا يدخل الرجل حتى يقدم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعل منشأ الحكم هو العادة فنقول : ان كانت العادة في

ص: 147


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، حديث 7.
3- «م» «ن» «ر 1» : فالأصل.
4- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 8 من أبواب المهور ، حديث 13.

بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدم وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها (1). هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، واستحسنه أبو العباس ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : ولو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة ، قيل : كان له نصف القيمة [سليما] ولا يجبر على أخذ نصف العين ، وفيه تردد.

أقول : إذا دفع المهر قبل الدخول ثمَّ طلقها قبله رجع بنصفه ، ولو تعيب هل يجبر على أخذ نصفه معيبا؟ قال الشيخ في المبسوط : يتخير بين نصف العين ونصف القيمة ، وتردد المصنف من عموم قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (2) فليس له غير نصف ما فرض مع نصف أرش النقصان ، لأن الجميع مضمون عليها ، فكذا الأبعاض والصفات ، وهو اختيار العلامة في القواعد.

ومن ان المفروض عين صحيحة وقد صارت معيبة ، والمعيب غير الصحيح ، فلا يجبر على أخذ المعيبة.

قال رحمه اللّه : ولو زاد بكبر أو سمن كان له نصف قيمته من دون الزيادة ولا تجبر المرأة على دفع العين على الأظهر.

أقول : إذا زاد الصداق زيادة منفصلة كانت للزوجة إجماعا ، وان زاد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعليم الصنعة ، فإن دفعت نصف العين اجبر على قبولها إجماعا ، ولو امتنعت من دفع العين وبذلت القيمة ، فالمشهور قبول ذلك

ص: 148


1- النسخ مضطربة في نقل عبارة العلامة (قده) ، وقد أثبتنا أقربها إلى المختلف ، لاحظ المختلف : 543.
2- البقرة : 237.

منها ، لأن العين قد نمت في ملكها فيكون النماء لها من دون الزوج ، وهو لا يتميز عن العين ولا يمكن دفع العين بدونه فلا يجب دفعها.

وقال الشيخ في المبسوط بعد ان خيرها بين دفع العين أو القيمة : ويقوى في نفسي ان له الرجوع في نصفه مع الزيادة التي تتميز (1) لقوله تعالى ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (2) وان كان الأول قويا ، والأول هو المعتمد.

فرع : لو زادت العين ونقصت باعتبارين كتعليم صنعة ونسيان أخرى ، فعلى القول بإجبار الزوج على قبول نصف العين معيبة - كمذهب القواعد - ويكون (3) الخيار هنا للزوجة لكونها مخيرة في طرفي الزيادة والنقصان ، وعلى القول بتخيره بين نصف العين ونصف القيمة - كمذهب الشيخ ، والعلامة في الإرشاد والتحرير - فالخيار لهما لحصول موجبه له بالنقيصة ولها بالزيادة ، فإن اتفقا على نصف العين جاز ، وان امتنعت من تسليم نصفها أو امتنع من الرجوع في النصف اعطي الزوج نصف القيمة خالية عن الزيادة والنقصان.

قال رحمه اللّه : ولو كان تعليم سورة قيل : يعلمها النصف من وراء الحجاب ، وفيه تردد.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط والخلاف ، وتردد المصنف من ان الواجب مع الطلاق قبل الدخول نصف المهر المسمى ، وهو قد سمى سورة فيجب ان يعلمها نصفها من وراء الحجاب لتحريم نظرها عليه بعد الطلاق ، ومن ان التنصيف في التعليم غير ممكن لاختلاف الآيات بالسهولة والصعوبة ، والتعليم يختلف باختلاف ذلك ، فلا يجب التعليم ويجب نصف أجرة المثل ، وهو اختيار

ص: 149


1- «م» «ن» «ر 1» : لا تتميز.
2- البقرة : 237.
3- كذا ، ولعل الواو زائدة.

العلامة ، وهو المعتمد.

ولا فرق بين تعليم السورة وتعليم الصنعة ، ولو كان الطلاق بعد التعليم رجع بنصف الأجرة.

قال رحمه اللّه : إذا أمهرها مدبرة ثمَّ طلقها صارت بينهما نصفين ، فاذا مات تحررت ، وقيل : بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها ، وهو أشبه.

أقول : إذا جعل المدبرة مهرا هل يبطل التدبير وتملك المرأة رقبة المدبرة أو لا يبطل التدبير وينصرف الأمهار إلى الخدمة وتنعتق بموت المولى ولا سبيل للمرأة عليها بعد موته ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، وسواء طلق أو لم يطلق؟ بالأول قال أكثر الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن التدبير كالوصية ، وهي تبطل بالتصرف ، فكذا التدبير.

وبالثاني قال الشيخ وابن البراج ، وهو بناء على ان التدبير لا يبطل الا بصريح الرجوع.

قال رحمه اللّه : وكذا لو شرط ان لا يفتضها لزم الشرط ولو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية ، وقيل : يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع ، وهو تحكم.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على خمسة أقوال :

أ - صحة العقد والشرط واباحة الافتضاض مع الاذن في الدائم والمنقطع ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد جزما ، وأبو العباس في المقتصر لأصالة صحة العقد ، ووجوب الوفاء بالشرط ، واما تسويغه بعد الإذن ، لأنه بالعقد ملك الاستمتاع ، وانما وجب الامتناع لوجوب الوفاء بالشرط ، وقد زال برضاها ، ولرواية سماعة بن مهران ، عن الصادق عليه السلام

ص: 150

«قال : قلت له : في رجل جاء الى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على ان تلمس مني ما شئت من نظر والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له منها الا ما اشترط» (1).

وعن إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه السلام «قال : قلت : رجل تزوج بجارية عاتق عانس (2) على ان لا يفتضها ، ثمَّ أذنت له بعد ذلك؟ قال : إذا أذنت له فلا بأس» (3).

ب - بطلان الشرط خاصة ، وصحة العقد في الدائم والمنقطع ، وله ان يفتضها وان لم ترض ، وهو مذهب ابن البراج وابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، ووجهه كون الشرط فاسدا لمنافاته للعقد ، لأن العقد يقتضي إباحة النكاح ، وهذا الشرط يقتضي تحريمه فيكون شرطا فاسدا ، وفساد الشرط لا يقتضي فساد العقد ، كما لو شرط ان لا يتزوج عليها أو لا يتسرى.

ج - مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو بطلان العقد والشرط إذا وقع في الدائم ، وصحتها إذا وقع في المنقطع ، ونسبه المصنف الى التحكم ، لأنه لا دليل عليه.

د - مذهب ابن حمزة ، وهو بطلان الشرط دون العقد في الدائم ، وصحتهما في المنقطع.

ه - مذهب العلامة في المختلف ، وهو بطلانهما في الدائم والمنقطع ، لأنه شرط يمنع المقصود من العقد فكان باطلا ، فيبطل العقد لعدم الرضا بدون سلامة

ص: 151


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب المهور ، حديث 1.
2- ليست في النسخ والا المصدر.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 36 من أبواب المهور ، حديث 2.

الشرط.

قال رحمه اللّه : إذا شرط ان لا يخرجها من بلدها ، قيل : يلزم ، وهو المروي ولو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده وأقل منه ان لم تخرج معه فأخرجها إلى بلد الشرك لم يجب اجابته ولها الزائد وان أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما ، وفيه تردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - في جواز اشتراط أن لا يخرجها من بلدها وبجوازه قال الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأن الأغراض تتعلق باللبث في المنازل والبلدان التي حصل فيها المربي ، وهو أمر مطلوب للعقلاء ، سائغ في نظر الشرع ، فجاز جعله شرطا في عقد النكاح توصلا الى تحصيل الأغراض المباحة ولرواية أبي العباس ، عن الصادق عليه السلام «في الرجل يتزوج امرأة وتشترط ان لا يخرجها من بلدها؟ قال : يفي لها بذلك ، أو قال يلزمه ذلك (1)».

وقال في المبسوط والخلاف بصحة العقد وبطلان الشرط ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، لأن اقتضاء النكاح وجوب طاعة الزوج والخروج معه اين شاء ، وتسلط الزوج على الزوجة بالإسكان والاستمتاع في كل مكان ، وهذا الشرط يخالفه فكان باطلا.

ب - إذا شرط لها مائة دينار مثلا ان أخرجها إلى بلاده ، وخمسين ان لم يخرجها من بلادها ، قال المصنف : (إن أخرجها إلى بلاد الشرك لم يجب اجابته ولها الزائد ، وان أخرجها إلى بلاد الإسلام كان الشرط لازما) ثمَّ تردد في ذلك ، وما حكاه هو قول الشيخ رحمه اللّه في النهاية وقول ابن البراج.

ص: 152


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 40 من أبواب المهور ، حديث 1.

فان قيل : كيف تستحق المئة مع عدم الخروج إذا طلب إخراجها إلى بلد الشرك ، وهو لم يجعل المئة الا على الخروج معه ، فكيف يلزمه مع عدم الخروج؟!

قلت : المراد ان العقد وقع على مائة وشرط الخمسين على تقدير الامتناع من الخروج معه ، فحينئذ ان أراد إخراجها إلى بلاده وهي بلاد الكفر لم يجب إجابتها له لوجوب الهجرة عن بلاد الشرك ، فلا يعقل وجوب الهجرة إليها ولا ينقص من المهر الذي وقع عليه العقد شي ء ، وان أرادها (1) إلى بلاد الإسلام وجبت اجابته ، فان لم يفعل نقص من المهر بمقدار ما اقتضاه الشرط ، ومستند الحكم حسنة علي بن رئاب ، عن الكاظم عليه السلام «قال : سئل - وانا حاضر عنده - عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على ان تخرج معه الى بلاده ، فان لم تخرج فمهرها خمسون دينارا أرأيت ان لم تخرج معه الى بلاده؟ فقال : ان أراد ان يخرجها الى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار الذي أصدقها إياها ، وان أراد ان يخرجها الى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترطه عليها ، والمسلمون عند شروطهم» (2) وتردد المصنف مما تضمنته الرواية ، ومما قاله الشيخ في المبسوط والخلاف وقول ابن إدريس من فساد الشرط ، ونقل أبو العباس عن بعض الأصحاب فساد المهر لعدم تعيينه ، ثمَّ استضعفه واعتمد على ما تضمنته الرواية.

قال رحمه اللّه : الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين ولها التصرف فيه قبل القبض على الأشبه ، فإذا طلق الزوج عاد اليه النصف وبقي للمرأة النصف.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تملك المرأة لجميع الصداق بنفس العقد ، وهو المشهور بين

ص: 153


1- «م» «ن» «ر 1» : أراد إخراجها.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 40 من أبواب المهور ، حديث 2.

الأصحاب لقوله تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (1) أمر باتيانهن كله ، ولم يفرق قبل الدخول أو بعده ، ولما رواه عبيد بن زرارة في الموثق ، عن الصادق عليه السلام «قال : قلت له : رجل تزوج امرأة وأمهرها مهرا ، فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عبيدها ، وطلقها قبل الدخول بها؟ قال : ان كان ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وان كن حملن عندها فلا شي ء له من الأولاد» (2) لأن الصداق بدل البضع فاذا ملك الزوج البضع بنفس العقد ملكت الزوجة بدله.

وقال ابن الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد منه هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها كذلك ، لأنه لو ملكته بالعقد لاستقر ولم يزل عن ملكها الا بسبب ناقل كالبيع والهبة ، ولما رواه يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه السلام «قال : سمعته يقول : لا يوجب المهر الا الوقاع في الفرج» (3) والأول هو المعتمد.

الثانية : في جواز التصرف فيه قبل القبض ، فالشيخ في الخلاف منع من ذلك ، واستدل بالإجماع على جواز تصرفها فيه بعد القبض ، ولا دليل على جواز التصرف فيما قبله وللنهي عن بيع ما لم يقبض.

والمشهور الجواز ، وهو المعتمد ، لأنها ملكته بالعقد فلها التصرف فيه ، والنهي محمول على الكراهية.

ص: 154


1- النساء : 4.
2- التهذيب 7 : 368 ، حديث 54 ، وفي الوسائل باب 34 من أبواب المهور حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 54 من أبواب المهور ، حديث 6.
فرعان :

الأول : إذا طلق الزوج قبل الدخول ، هل تملك نصف المهر بغير اختياره كالإرث أو يملك ان اختار التملك؟ قال الشيخ بالأول ، وجزم به العلامة في القواعد ولم يجزم في التحرير بل نقله عن الشيخ ، ثمَّ قال : ويحتمل انه يملك ان تملك فيه ويتفرع (1) على ذلك النماء فعلى قول الشيخ نماء النصف من حين الطلاق للزوج وعلى الاحتمال فهو للمرأة إلى حين اختيار التمليك ، والأول هو المعتمد.

الثاني : لو تلف النماء المتجدد بعد الطلاق في يدها فان كان بتفريطها ضمنته قطعا ، وان كان بغير تفريطها فان كان بعد المطالبة والمنع من التسليم ضمنته أيضا قطعا ، وان كان قبل المطالبة احتمل الضمان أيضا ، لأنه تولد من أصل مضمون فيكون مضمونا.

ويحتمل العدم ، لأنه امانة في يدها ، ولا يلزم من ضمان الأصل ضمان النماء ، لأن الأصل قبضته لنفسها فكان مضمونا عليها ، والنماء قبضته لا لنفسها ، بل لغيرها فهو أمانة ، حكمه حكمها ، اما لو تلف الأصل أو تعيب فهو مضمون عليها.

قال رحمه اللّه : فلو عفت عما لها كان الجميع للزوج ، وكذا لو عفى الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الولي كالأب والجد للأب ، وقيل : أو من توليه المرأة عقدها (الى آخر البحث).

أقول : المطلقة اما ان تكون بالغة رشيدة أو غير بالغة ، فان كانت بالغة رشيدة كان العفو بيدها ، فان كان المهر دينا في ذمة الزوج جاز عفوها عنه ، قال الشيخ في المبسوط بألفاظ ستة : العفو والتمليك والهبة والاسقاط والترك والإبراء ، قال وهل تفتقر الى قبوله؟ فيه وجهان (والأولى ان تقول) (2) تفتقر الى قبوله ،

ص: 155


1- من «م» «ن» «ر 1» وفي الأصل : فرع.
2- كذا في الأصل ، وفي «ن» : (الأول) بدل ما بين القوسين.

والمعتمد عدم الافتقار الى القبول ، لأنه إبراء وإسقاط ، فهو كالعتق والطلاق فلا تفتقر الى القبول.

ولو قبضته المرأة ثمَّ تلف في يدها كان للزوج العفو بهذه الألفاظ ، ولو كان عينا مشخصة قائمة في يد الزوج أو المرأة وأراد العفو من ليس هو في يده جاز بلفظ العفو والهبة والتمليك ، ويشترط هنا القبول ولا يشترط مضي زمان يمكن فيه القبض ، ولو كان العافي من هو في يده صح بلفظ الهبة والتمليك دون غيرها ، وافتقر الى القبول والقبض ، وان كانت صغيرة كان العفو بيد الأب والجد له ، لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح ، وليس لغيرهما العفو ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في النهاية وابن البراج : للذي توليه أمرها العفو كما هو للأب والجد له ، وفيه روايات (1) ، والمعتمد هو المشهور بين الأصحاب.

وأصل هذا الحكم قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (2) فحينئذ يشترط في عفو الولي كون المرأة صغيرة ، وكونه بعد الطلاق وقبل الدخول ، وكونه عن بعض النصف لا عن جميعه.

قال رحمه اللّه : لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع (الى آخره).

أقول : قد سبق (3) البحث في هذه المسألة.

قال رحمه اللّه : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل الى آخره.

أقول : قد سبق (4) البحث في هذه المسألة في باب أولياء العقد فليطلب من

ص: 156


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 52 من أبواب المهور.
2- البقرة : 237.
3- ص 140.
4- ص 140.

هناك.

قال رحمه اللّه : لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثمَّ طلق الولد رجع الولد بنصف المهر ولم يكن للوالد انتزاعه لعين ما ذكرناه في الصغير وفي المسألتين تردد.

أقول : المراد بالمسألتين هذه المسألة والمسألة السابقة عليها ، وهي إذا زوج الوالد ولده الصغير ثمَّ دفع المهر من مال نفسه عن ولده ثمَّ بلغ الولد وطلق قبل الدخول ، قال المصنف : يرجع النصف الى الولد دون الأب ، لأن دفعه عنه يجري مجرى الهبة له ، ثمَّ تردد في الصورتين ، ومنشؤه من ان التبرع بقضاء الدين عمن هو عليه يجري مجرى الهبة للمديون ، فلا بد ان يدخل في ملك المديون أولا قهرا ، ثمَّ ينتقل عنه في ثاني الحال الى الديان ، وإذا ثبت دخوله في ملكه فاذا عاد بعد ذلك عاد اليه دون المتبرع لانتقاله عنه.

ومن ان الدفع انما كان قضاء عن الواجب عليه ، وبالطلاق سقط عنه النصف فلم يسقط بالدفع واجب (1) عمن قضاه عنه ، فيرجع الى ملك الدافع ، والأول هو المعتمد ، وكذا لو عاد جميع المهر لردّة الزوجة قبل الدخول أو الفسخ قبله بأحد العيوب الموجبة للفسخ.

قال رحمه اللّه : إذا اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج مع يمينه ولا أشكال قبل الدخول لاحتمال تجرد العقد عن المهر ، لكن الاشكال لو كان بعد الدخول ، فالقول قوله أيضا.

أقول : هذا هو المشهور أيضا بين الأصحاب ، وهو مبني على أن العقد لا يستلزم ثبوت المهر ، لأن ذكر ذلك المهر ليس بشرط في صحته لقوله تعالى :

ص: 157


1- «م» : وأوجب.

( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) دلت هذه الآية على جواز العقد بغير مهر ، فاذا جاز خلو العقد من المهر كان القول قوله في عدم ذكره ، لأن الأصل عدمه.

هذا إذا كان قبل الدخول ، واما إذا وقع الاختلاف بعده فكذلك عند المصنف وغيره ممن تقدمه ، ووجهه عدم استلزام الدخول لوجوب المهر في ذمة الزوج ، بل قد يكون في ذمة غيره ، كما لو زوج الأب ولده الصغير المعسر ، وكما لو زوج المولى عبده ثمَّ أعتقه فإن المهر في ذمة الأب قطعا ، وفي ذمة المولى على الصحيح من المذهب ، وإذا ثبت ان الدخول لا يستلزم وجوب المهر في ذمة الداخل في بعض الصور كان القول قوله استنادا إلى البراءة الأصلية.

قال العلامة رحمه اللّه - ونعم ما قال - : والتحقيق انه ان أنكر التسمية صدق باليمين ، لكن يثبت عليه قبل الدخول مع الطلاق المتعة ، ومع الدخول مهر المثل ، والأقرب ان دعواها ان قصرت عنهما ثبت ما ادعته ، ولو أنكر الاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها التسمية فإن اعترف بالنكاح فالأقرب عدم سماعه ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وهو مشتمل على قبول إنكار التسمية وعدم قبول إنكاره الاستحقاق ، وقبول دعواها ان قصرت عما يستحقه بالطلاق أو الدخول مع عدم التسمية ، ومراده رحمه اللّه في ذلك إذا وقع الاختلاف بعد الطلاق أو بعد الدخول لا قبلهما ، لأنه إذا قبل قوله في عدم التسمية لم يستحق شيئا قبل الدخول أو الطلاق ، ولو مات قبلهما لم يثبت لها شي ء من المهر ولو ادعى قبلها عدم الاستحقاق قبل قطعا وان لم يقبل عنده إذا وقع بعد أحدهما ، لأن الطلاق موجب للمتعة مع عدم التسمية ولنصف المسمى معها ، والأمر لا يخلو عن أحد القسمين فهو يستحق أخذهما ، فلما كان الأصل عدم التسمية كان عليه المتعة ، والدخول

ص: 158


1- البقرة : 236.

موجب لاستقرار المهر قطعا مطلقا ، والأصل عدم تعلقه بذمة غير الداخل فيقبل قوله في عدم التسمية ، ويرجع فيه الى مهر المثل ، فان نقصت دعواها عن المتعة إذا كان الاختلاف بعد الطلاق أو عن مهر المثل إذا كان الاختلاف بعد الدخول كان لها ما ادعت ، لأنه أقل ما ثبت لها ، وقد اعترفت بالرضا به فليس لها غيره ، وان زادت دعواها عن المتعة إذا كان الاختلاف بعد الطلاق ردت إليها ، وكذا ان زادت عن مهر المثل إذا كان بعد الدخول فإنها ترد اليه (1) ، ولو كان قبلهما لم يثبت لها شي ء هذا تحقيق كلام العلامة رحمه اللّه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا خلا بها فادعت المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة - بأن ادعت هي أن المواقعة قبلا وكانت بكرا - فلا كلام ، وإلا كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم المواقعة وهو منكر لما تدّعيه. وقيل : القول قول المرأة عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل ، والأول أشبه.

أقول : سبق (2) البحث في ذلك فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : إذا أقامت المرأة بينة انه تزوجها في وقتين بعقدين فادعى الزوج تكرار العقد الواحد ، وزعمت المرأة أنهما عقدان ، فالقول قولها ، لأن الظاهر معها ، وهل يجب عليه مهران؟ قيل : نعم عملا بمقتضى العقدين ، وقيل : يلزمه مهر ونصف ، والأول أشبه.

أقول : جزم الشيخ في المبسوط بوجوب المهرين ، ثمَّ نقل عن بعضهم وجوب مهر ونصف ، ثمَّ قواه وهو يدل على تردده ، واختار المصنف وجوب المهرين ، واختاره العلامة في القواعد ، وتردد في التحرير : من ان العقد يوجب المهر كملا ، والأصل بقاؤه ما لم يعلم المسقط ، وهو غير معلوم ، والتحقيق انه ان

ص: 159


1- «ن» : إليها.
2- ص 147.

ادعى عدم الإصابة في الأول قبل قوله ، لأن الأصل عدمها ، وان اعترف بها أو سكت لزمه مهران لثبوت موجبهما ، والأصل عدم المسقط.

ص: 160

في القسم

قال رحمه اللّه : والقسمة بين الأزواج حق على الزوج حرا كان أو عبدا ، ولو كان عنّينا أو خصيّا ، وكذا لو كان مجنونا ، ويقسم عنه الولي ، وقيل : لا تجب القسمة حتى يبتدي بها ، وهو أشبه.

أقول : القسمة بين الأزواج واجبة لمن تجب لها النفقة ، وهل هي واجبة من حين العقد ، أو إذا أراد الابتداء بواحدة وجب ان يقسم؟ المشهور الأول ، لأنه حق مشترك بين الزوجين لاشتراك ثمرته فلها المطالبة بحقها منه ، وهو اختيار العلامة وابنه ، ولأنه حق واجب على الزوج ، والأصل عدم اشتراطه بالابتداء.

وقال الشيخ في المبسوط بالثاني ، واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة منه ابتداء ، خرج منه ما إذا ابتدأ بواحدة منهن ، فإنه يجب عليه القسم للبواقي بوجوب العد ، ولاستحالة الترجيح من غير مرجح ، فعلى الأول يبتدئ بالقرعة وجوبا ، وعلى الثاني استحبابا.

قال رحمه اللّه : وهل يجوز ان يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة؟ قيل : نعم ، والوجه اشتراط رضاهن.

ص: 161

أقول : اما القسمة أقل من ليلة فلا تجوز قطعا لما فيه من التنغيص (1) ، واما ما زاد على ليلة ، فالمعتمد اعتبار رضاهن ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله كان يقسم ليلة ليلة (2) ، ولأن الزائد فيه إضرار لبعد العهد وتغرير ، لأنه قد يقسم لبعضهن ويلحقه ما يقطعه (3) عن القسم للباقيات ، فيفتقر الى رضاهن بذلك ، وقيل : يجوز بغير رضاهن لعدم التفاوت ، وقال الشيخ : يجوز ثلاث ليال بغير رضاهن ، وأما الزائد فلا بد فيه من رضاهن.

قال رحمه اللّه : ولو تزوج أربعا دفعة رتبهن بالقرعة ، وقيل : يبدأ بمن شاء حتى يأتي عليهن ، ثمَّ يجب التسوية على الترتيب ، وهو أشبه.

أقول : هذا مبني على القول بوجوب القسمة ابتداء أو حتى يبتدي بها ، فعلى الأول تجب القرعة ، وعلى الثاني يتخير بالابتداء بمن شاء.

قال رحمه اللّه : ويختص الوجوب بالليل دون النهار ، وقيل : يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها ، وهو المروي.

أقول : المشهور بين الأصحاب اختصاص القسم بالليل دون النهار ، لأنه زمان الراحة والدعة ، والنهار زمان الانتشار والمعاش ، وقال ابن الجنيد : والواجب مبيت الليل وطول صبيحة تلك الليلة ، ومستنده رواية إبراهيم الكرخي «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل له أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاثة منهن في لياليهن ، فاذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها ، فهل عليه في هذا أثم؟ قال له عليه السلام : انما عليه ان يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في

ص: 162


1- «م» «ن» : التبعيض.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب القسم والنشوز ، حديث 2 (يدل على المطلوب) وسنن البيهقي 7 : 300 - 301.
3- «ن» «ر 1» : يقنطه.

صبيحتها ، وليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك» (1) فعلى هذه الرواية يكون صبيحة الليلة حكم الليلة ، ويأثم لو أخل بجزء منها الا برضاها كالليل ، ومذهب المصنف والعلامة في القواعد عدم تخصيصها بشي ء من النهار ليس على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الاستحباب في صبيحة الليلة خاصة ، وعند الشيخ في المبسوط محل القسم هو الليل ، والنهار تابع له من أوله الى آخره.

ولا فرق بين الصبيحة وغيرها ، ولا يجوز له إيثار احد الضرائر فيه ، وهو معنى التبعية ، الا انه يجوز له الانتشار فيه لحاجة وغير حاجة ، والدخول إلى الضرائر لحاجة وغير حاجة الا انه لا يجوز له اللبث الطويل عندهن ولا الجماع ، واختاره العلامة في التحرير الا الجماع ، فإنه استقرب جوازه ، وأبو العباس وافق المبسوط في الصبيحة.

تنبيه : على القول بمذهب المبسوط والتحرير والمقتصر يحصل الفرق بين الليل والنهار من وجه ، والمساواة بينهما من وجه ، أما الفرق : فالليل لا يجوز الدخول فيه الى الضرة ولا مع الحاجة ، بل مع الضرورة ، والنهار يجوز الدخول فيه لحاجة وغير حاجة.

واما المساواة : ففي وجوب قضاء اللبث الطويل فيهما وتحريم الجماع فيهما أيضا على اختيار المبسوط والمقتصر دون التحرير ، وعلى اختيار الشرائع والقواعد يجوز إيثار غير صاحبة الليلة بجميع نهارها ، والمعتمد مذهب المبسوط ، لأنه أقرب الى العدل وعدم الميل.

قال رحمه اللّه : ولو بات عند الأمة ليلة ثمَّ أعتقت قبل استيفاء الحرة ، قيل : يقضي للأمة ليلة ، لأنها ساوت الحرة ، وفيه تردد.

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، ومنشأ التردد مما قاله

ص: 163


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 5 من أبواب القسم والنشوز ، حديث 1.

الشيخ من أنها ساوت الحرة ، ومن انهما لم يتساويا الا بعد استيفاء الأمة لحقّها فلا يجب لها غيره حتى تستوفي الحرة حقها أيضا ، ثمَّ تصير القسمة بينهما بالسوية ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو سيق اليه زوجتان أو [ثلاث] زوجات في ليلة ، قيل : يبتدي بمن شاء ، وقيل : يقرع ، والأول أشبه والثاني أفضل.

أقول : سبق (1) البحث في هذه المسألة ، وانه مبني على القول بوجوب القسمة ابتداء أو حتى يبتدي بها ، واختاره المصنف هناك ، فهنا مبني على مذهبه من عدم الوجوب حتى يبتدي بها.

قال رحمه اللّه : وتسقط القسمة بالسفر وقيل : يقضي سفر النقلة والإقامة دون سفر الغيبة.

أقول : ظاهر المصنف سقوط القسم في السفر مطلقا ، سواء كان للنقلة ، كمن يريد الانتقال من بلد الى آخر أو سفر عينه (2) ورجوع فعنده إذا استصحب بعض نسائه في السفر لا قضاء للبواقي مطلقا ، لأن زمان السفر ليس داخلا في القسم ، ونقل وجوب القضاء في سفر النقلة والإقامة أي زمان الإقامة المنوية التي يجب فيها إتمام الصوم والصلاة ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأن سفر النقلة والتحويل لا يختص بإحداهن ، فإذا خص واحدة منهن قضا للبواقي ، وأيام الإقامة ليست من أيام السفر ، فاذا خص بها إحداهن قضا للبواقي ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويستحب ان يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن ، وهل يجوز العدول عمن خرج اسمها الى غيرها؟ قيل : لا ، لأنها تعينت للسفر ،

ص: 164


1- ص 161.
2- «م» «ن» «ر 1» : غيبة.

وفيه تردد.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط لتعينها بالقرعة والا لانتفت فائدة القرعة ، وتردد المصنف من ان هذا الزمان ليس داخلا في القسم ، فللزوج ان يتخير من شاء للخروج معه ، والأصل بقاء هذا التخيير ، لأن القرعة لا توجب ما ليس بواجب ، ولو أراد ترك من خرج اسمها والسفر وحده جاز إجماعا.

قال رحمه اللّه : ولو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج ، هل يلزم؟ قيل : لا ، لأنه حق لا يتقوم منفردا فلا يصح المعاوضة عليه.

أقول : هذا قول الشيخ رحمه اللّه ، لأن المعوض عنه كون الزوج عندها وهو لا يقابله عوض ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولا يوجد فيه خلاف ، وانما لم يجزم لاحتمال الجواز ، لأنه حق يقبل النقل بالهبة إجماعا ، وكلما يقبل النقل بالهبة يقبل النقل بالعوض ، والأول هو المعتمد ، وجزم به العلامة في القواعد ، ونقله في التحرير كنقل المصنف هنا.

ص: 165

ص: 166

في النشوز

قال رحمه اللّه : وصورة الهجر أن يحول إليها ظهره في الفراش ، وقيل : ان يعتزل فراشها ، والأول مروي.

أقول : لا خلاف في جواز الهجر مع ظهور امارة النشوز لقوله تعالى : ( وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) (1) وانما الخلاف في كيفيته ، قال ابنا بابويه : يحول ظهره إليها في المضجع ليتحقق (2) الهجران به ، لأن الأمر المطلق لما (3) يقبل الشدة والضعف ، إنما (4) يحمل على أضعف مراتبه ، وأقلها تحويل الظهر في الفراش ، وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال الشيخ في المبسوط وابن إدريس : يعتزل فراشها. قال العلامة في المختلف : وكلاهما جائز ، ويختلف ذلك باختلاف الحال في السهولة والطاعة وعدمهما ، وهو مذهبه في التحرير أيضا ، وهو المعتمد ، وفي القواعد نقل لفظ

ص: 167


1- النساء : 34.
2- «م» «ن» : لتحقق.
3- «ن» : لا ، وفي «م» و «ر 1» : بما.
4- في الأصل : اما.

المصنف هنا (فإنه قال : فان رجعت والا هجرها في المضاجع بأن يحول ظهره إليها في الفراش وقبل ان يعزل فراشها ، ولا يجوز له ضربها حينئذ ، فإن تحقق النشوز وامتنعت من حقه جاز له ضربها بأول مرة ، ويقتصر على ما يرجو الرجوع به ، ولا يبرح ولا يدمي انتهى) (1).

وليس الهجر قبل الوعظ فاذا تحقق النشوز والامتناع من حقه جاز الضرب ، ولا يجوز قبل ذلك ، لأن تقدير الآية : فعظوهن ان وجدتم امارة النشوز واهجروهن ان امتنعن واضربوهن إن أصررن على الامتناع من الحق.

وصورة الوعظ ان يقول : (اتقي اللّه فإن حقي عليك واجب واللّه يعاقبك على تركه) وما أشبه ذلك.

ص: 168


1- ما بين القوسين موجود في هامش الأصل ولم يذكر كونه من المتن وغير موجود في بقية النسخ.

في الشقاق

قال رحمه اللّه : وهل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل؟ الأظهر انه تحكيم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا ان ذلك تحكيم ، لأنهم رووا ان لهم الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا بعد استئذانهما ، ولو كان توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة بحسب شرطهما.

وبه قال ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما قاله الشيخ ، ولقوله تعالى ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُما ) (1) سماهما حكمين ، وجعل الإرادة لهما دون الزوجين ، ولو كانا وكيلين لم يكن لهما أراده ، لأن فعل الوكيل تابع لإرادة الموكل.

وقال ابن البراج في الكامل : ان بعثهما على سبيل التوكيل ، لأن البضع حق الزوج ، والمال حق المرأة ، فليس لأحد الحكمين ان يتصرف فيه الا بولاية عليهما أو وكالة عنهما ، وهما رشيدان ، فلم يكونا الا وكيلين ، ثمَّ رجع في كتابه المهذب

ص: 169


1- النساء : 35.

الى المذهب الأول ، لأنه لا امتناع من إثبات الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق.

ص: 170

في أحكام الأولاد

قال رحمه اللّه : وان لا يتجاوز أقصى الوضع وهو تسعة أشهر على الأشهر ، وقيل : عشرة أشهر ، وهو حسن يعضده الوجدان في كثير ، وقيل : سنة ، وهو متروك.

أقول : القول بالتسعة هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس وظاهر المصنف ، والقول بالعشرة حكاه ابن حمزة ، واستحسنه المصنف ، واختاره العلامة في أكثر كتبه وأبو العباس في مقتصره ، والقول بالسنة هو قول السيد في الانتصار ، وحكاه ابن حمزة ، وهو متروك ، ومستند الجميع ظاهر الروايات (1) ، والمعتمد اختيار ابي العباس.

قال رحمه اللّه : ولو وطأ أمته ووطأها آخر فجورا الحق الولد بالمولى ، ولو حصل مع ولادته امارة يغلب بها الظن انه ليس منه قيل : لم يجز له الحاقه به ولا نفيه ، بل ينبغي ان يوصي له بشي ء ولا يورثه ميراث الأولاد ، وفيه تردد.

ص: 171


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 17 من أبواب أحكام الأولاد ، وكتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد.

أقول : القول المشار اليه قول الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، ومستندهم رواية عبد اللّه بن سنان «ان رجلا من الأنصار أتى الصادق عليه السلام ، فقال له : اني ابتليت بأمر عظيم ان لي جارية كنت أطأها ، فوطئتها يوما وخرجت في حاجة بعد ما اغتسلت منها ونسيت نفقة يوم لي فرجعت الى المنزل فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية ، فقال عليه السلام : لا ينبغي لك ان (تقدمها ولا تنفيها) (1) ، ولكن أنفق عليها من مالك ما دمت حيا ، ثمَّ أوص عند موتك ان ينفق عليها من مالك حتى يجعل اللّه لك ولها مخرجا» (2).

وتردد المصنف من انه اما ان يكون سبب الالتحاق موجودا فيجب الإقرار ، ولا تعارضه الأمارة ، لأنها ليست سببا صالحا لنفي الولد ، واما ان لا يوجد السبب فيجب النفي ولا عبرة بالأمارة ، ومضمون هذه الرواية مناف لهذين الأصلين ، فأوجب له التردد.

ص: 172


1- «م» «ن» «ر 1» : تقربها ولا تبيعها.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.

في أحكام الولادة

قال رحمه اللّه : وهل تجب العقيقة؟ قيل : نعم ، والوجه الاستحباب.

أقول : المشهور الاستحباب لأصالة براءة الذمة ، وقال السيد المرتضى وابن الجنيد بالوجوب لما رواه علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح عليه السلام «قال : العقيقة واجبة إذا ولد للرجل ولد ، وان أحب ان يسميه من يومه فعل» (1).

وعن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن العقيقة واجبة هي؟ قال : نعم» (2) وعن أبي خديجة ، عن الصادق عليه السلام «قال : كل مولود مرتهن بالعقيقة» (3)

وأجيب بشدة الاستحباب ، وروي عن الباقر عليه السلام «قال : إذا ذبحت العقيقة ، فقل : بسم اللّه وباللّه والحمد لله واللّه أكبر إيمانا باللّه وثناء على

ص: 173


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 38 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 38 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 38 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 2.

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، والعظمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت ، وان كان ذكرا فقل : اللّهم انك وهبت لنا ذكرا وأنت اعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت وكل ما صنعنا ، فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلى اللّه عليه وآله واخسأ عنا الشيطان الرجيم لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين» (1).

ص: 174


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 46 من أبواب أحكام الأولاد ، حديث 4.

في الحضانة

قال رحمه اللّه : فلا يجب على الأم إرضاع الولد ولها المطالبة بأجرة إرضاعه ، وله استيجارها إذا كانت بائنا ، وقيل : لا يصح ذلك وهي في حباله ، والوجه الجواز.

أقول : أطلق الأصحاب عدم وجوب (1) الرضاع على الأم ، وعدم إجبارها عليه ، وقال العلامة في القواعد : تجبر على إرضاع اللبأ ، لأن الولد لا يعيش بدونه ، وهو المعتمد ، إلا انها تستحق الأجرة عليه جمعا بين الحقين ، فان اختارت بعد إرضاع اللبإ إرضاعه ، والّا لم تجبر عليه لقوله تعالى ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (2) ، وان أرضعته غير متبرعة استحقت الأجرة سواء كانت في حباله أو بائنة عنه على المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد لعموم قوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (3).

ص: 175


1- من «م» و «ن» و «ر 1».
2- الطلاق : 6.
3- الطلاق : 6.

وقال الشيخ في المبسوط : ان كانت في حباله لم تستحق أجرة ، لأن منافعها في كل وقت مستحقة للزوج لعقد النكاح فيما يرجع الى أحكام الوطي وتوابعه ، وإذا ملك جميع المنافع لم ينعقد الإجارة ، كما لو استأجر غيره لعمل شهر ، ثمَّ استأجره للعمل ذلك الشهر بعينه ، فإن الثاني باطل ، وان كانت مطلقة طلاقا لا يملك الزوج الرجعة فيه فلها ان تعقد على نفسها لرضاع ولدها. الى هنا كلام الشيخ.

وأجاب العلامة بالمنع من تملك الزوج لمنافعها ، وتملكه لوجوه الاستمتاع لا يقتضي تملكه للاسترضاع.

قال رحمه اللّه : لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم فالقول قول الأب ، لأنه يدفع عن نفسه وجوب الأجرة على تردد.

أقول : المشهور ان القول قول الأب ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد ، وتردد المصنف من ان دعواه تتضمن سقوط حق الأم من الرضاع والأجرة ، وهي منكرة ، فيكون القول قولها لعموم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (1).

ومن ان إنكارها لوجود المتبرعة يتضمن إثبات الأجرة في ذمة الأب ، والأصل براءة الذمة ، فصارت هي المدعية ، لأنها مدعية خلاف الأصل ، فيكون القول قول مدعي الأصل.

وتعليل المصنف بأنه يدفع عن نفسه الأجرة يريد ما حققناه من ان دعواه مطابقة للأصل ودعواها مخالفة له ، فيكون هي المدعية على تعريفهم ان المدعي هو الذي يدعي خلاف الأصل.

قال رحمه اللّه : فاذا فصل فالوالد أحق بالذكر ، والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ

ص: 176


1- مستدرك الوسائل 17 : 368 ، حديث 4 (21601).

سبع سنين ، وقيل : تسعا ، وقيل : الأم أحق بها ما لم تتزوج ، والأول أظهر.

أقول : الحضانة ولاية وسلطنة على تربية الولد لكنها بالأنثى أليق ، فإذا افترق الأبوان وبينهما ولد فتنازعا في حضانته ، فان كان بالغا رشيدا فأمره إلى نفسه ينضم الى من شاء ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، ولا حق للأبوين فيه الا انه يكره للأنثى (مفارقتها لأمها) (1) ما لم تتزوج الأم أو البنت.

وان كان طفلا فالأم أحق بالذكر مدة الرضاع ، وبالأنثى إلى سبع سنين ، ثمَّ يصير الأب أولى ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج في الكامل ، وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في الخلاف : الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت حتى تتزوج - يعني الأم - فإذا تزوجت الأم سقطت حضانتها ، وبه قال ابن الجنيد.

وقال ابن البراج في المهذب : الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت الى تسع.

واستدل الجميع بالروايات (2).

قال رحمه اللّه : فان فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب ، فإن عدم ، قيل : كانت الحضانة للأقارب ، وترتبوا ترتيب الإرث نظرا الى الآية ، وفيه تردد.

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (3).

وتردد المصنف من قول الشيخ ، ومن ان الحضانة حكم شرعي يتوقف على الدلالة الشرعية ، ومنع ابن إدريس من حضانة غير الأب والأم ، ومع فقدهما

ص: 177


1- «م» «ر 1» : مفارقة أمها.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 81 من أبواب أحكام الأولاد.
3- الأنفال : 75.

الجد للأب ، ونسب قول الشيخ الى تخريجات المخالفين ، والعلامة اختار مذهب الشيخ ، وهو المعتمد.

فرع : إذا سقطت حضانة الأم لتزويجها أو لانتهاء المدة لم يمنع من الاجتماع بأمه ، فالذكر يذهب إليها ، والجارية تأتي أمها إليها من غير اطالة ولا انبساط في بيت مطلقها ، ولو فعلته كان مكروها غير محرم ، ولو مرض الولد لم تمنع الأم من تمريضه ، ولو مرضت الأم لم يمنع الولد من التردد إليها ذكرا كان أو أنثى ، ولو مات الولد حضرته امه وتولت أمره وإخراجه ، ولو ماتت الأم حضرها الولد.

قال رحمه اللّه : إذا طلبت للرضاع الأم أجرة زائدة على غيرها فله تسليمه الى الأجنبية ، وفي سقوط حضانة الأم تردد ، والسقوط أشبه.

أقول : منشؤه من ان الحضانة والرضاعة حقان متغايران ، ولا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر ، ومن حصول الضرر على الطفل بنقله كل يوم من الأم إلى المرضعة ومنها إلى الأم ، فيشوش الولد لذلك ، ولأنها لما أسقطت حقها من الرضاع بطلب الزيادة كانت مسقطة لحقها من الحضانة لكونها تابعة للرضاع ، والمصنف اختار السقوط ، وفخر الدين اختار عدمه ، وهو اختيار العلامة في التحرير الا ان يتعذر حمل الصبي إلى المرضعة ويتعذر مجيئها الى امه لترضعه عندها فتسقط الحضانة حينئذ ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا تزوجت سقطت حضانتها فان طلقها رجعية فالحكم باق وان بانت منه ، قيل : لم ترجع حضانتها ، والوجه الرجوع.

أقول : القائل بعدم الرجوع ابن إدريس ، لأن ولايتها قد زالت بالتزويج وعودها يحتاج الى دليل ، وقال الشيخ : تعود الولاية بالطلاق البائن ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لزوال المانع بزوال التزويج ، ولأن الحضانة جعلت إرفاقا بالصبي ، فإذا تزوجت الأم خرجت باشتغالها بزوجها وحقوقه عن

ص: 178

الحضانة للطفل ، لأنها ربما منعت الزوج بعض حقوقه لو حضنته ، فاذا طلقت زال المانع فتعود الولاية.

ص: 179

ص: 180

في النفقات

قال رحمه اللّه : وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين.

أقول : منشؤه من ان مطلق العقد غير كاف في وجوب النفقة كسقوط (1) نفقة الناشز إجماعا ، فصار مشروطا بالتمكين فلا يجب قبله لأصالة براءة الذمة ما لم يعلم السبب الشاغل لها ، وهو غير متحقق قبل التمكين.

ومن عموم الآيات (2) والروايات (3) الدالة على وجوب النفقة بالعقد حتى يتحقق النشوز ، والمعتمد عدم الوجوب قبل التمكين ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير والإرشاد.

ويتفرع على الاحتمالين فروع :

الأول : لو تعاقد النكاح ولم يطالبها ولا بذلته بأن (4) قالت : (سلمت نفسي

ص: 181


1- «م» «ن» «ر 1» : لسقوط.
2- البقرة : 233 ، الطلاق : 7 ، النساء : 3 و 34.
3- الوسائل ، كتاب النكاح باب (1 ، 2 ، 4 ، 6) من أبواب النفقات.
4- «م» «ن» «ر 1» : فإن.

إليك) بل سكتا ومضى زمان ، لم يكن لها نفقة عن ذلك الزمان على القول باشتراط التمكين ، لأن النفقة تجب بالتمكين لا بإمكانه ، وعلى القول بأن الشرط عدم النشوز يجب نفقة ذلك الزمان لعدم تحقق النشوز قبل الطلب والامتناع.

الثاني : لو سافر قبل التمكين لم يستحق شيئا على اشتراطه ، فان حضرت عند الحاكم وبذلت التمكين لم تستحق شيئا قبل اعلامه ووصوله أو وكيله ، ويجب عليه (1) المبادرة بعد العلم ، وان علم ولم يبادر ولم ينفذ وكيلا مع الإمكان سقط عنه بقدر وصوله والزم بما زاد.

الثالث : لو تنازعا في التمكين كان عليها إقامة البينة على القول بأنه شرط ، وعلى القول بأن الشرط عدم النشوز كان عليه إقامة البينة بالنشوز.

قال رحمه اللّه : أما لو كانت كبيرة وزوّجها صغيرا قال الشيخ لا نفقة لها ، وفيه إشكال ، منشؤه تحقق التمكين من طرفها ، والأشبه وجوب الإنفاق.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف إذا كان الزوج كبيرا والمرأة صغيرة أو بالعكس ، فلا نفقة ، وتبعه ابن البراج في المهذب لأصالة براءة الذمة.

وقال ابن الجنيد بسقوط النفقة عن الزوج مع صغر الزوجة وان كان الزوج كبيرا ، ووجوبها للزوجة الكبيرة وان كان الزوج صغيرا. وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

أما سقوط نفقة الصغيرة ، لأن الموجب للنفقة التمكن (2) التام المستند الى العقد الصحيح ، وهو غير معلوم الثبوت هنا ، وإذا لم يعلم وجود السبب لم يعلم وجود المسبب.

وأما وجوب النفقة للكبيرة مع صغر الزوج إذا حضرت عند الحاكم وبذلت

ص: 182


1- في الأصل : عليها.
2- «م» «ن» «ر 1» : التمكين.

التمكين فلوجود المقتضي ، وهو التمكين التام من طرفها المستند الى العقد الصحيح ، وتعذر الوطي من طرفه لا يسقط حقها مع تمكينها كالمريض.

قال رحمه اللّه : وتسقط نفقة البائن وسكناها سواء كانت عن طلاق أو فسخ ، نعم لو كانت المطلقة حاملا لزم الإنفاق عليها حتى تضع ، وكذا السكنى ، وهل النفقة للحمل أو لأمّه؟ قال الشيخ رحمه اللّه : هي للحمل ، وتظهر الفائدة في مسائل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : قيل : فيه قولان أحدهما النفقة لها لأجل الحمل ، وهو أصحهما عند المخالف ، والثاني النفقة للحمل وهو أقواهما عندي ، واختاره العلامة في المختلف ، لأنها لو كانت حائلا لم يكن لها نفقة ، وإذا كانت حاملا كان لها النفقة ، وهي دائرة معه وجودا وعدما فتكون له ، ولأنه لما كانت النفقة له إذا كان منفصلا ، فهي له إذا كان متصلا.

احتج المخالف بأن نفقتها مقدرة بحال الزوج وكانت لها دون الحمل ، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة ، فلما كانت نفقتها مقدرة دل على انها للزوجة ، ولأنها لو كانت للحمل لوجبت على الجد مع فقد الأب ، فلما لم تجب عليه دل على انها لها.

وفائدة الخلاف تظهر في أماكن.

أ - إذا تزوج الحر أمة وشرط مولاها رق الولد ثمَّ ابانها الزوج ، فعلى القول بأنها للحمل ، نفقتها على سيدها ، لأنه مالك الولد ، وعلى القول بأنها للزوجة فهي على الزوج.

ب - إذا تزوج العبد بحرة أو بأمة ، ثمَّ اشترط سيده رق الولد لنفسه ثمَّ ابانها وهي حامل ، فعلى القول بأن النفقة للحمل فهي على سيد العبد ، وعلى القول بأنها للزوجة فهي اما على سيده أو في كسب العبد على الخلاف.

ج - إذا تزوج العبد بحرة أو بأمة ولم يشترط سيده رق الولد ثمَّ ابانها وهي

ص: 183

حامل فالولد هنا حر ، فعلى القول بأن النفقة للولد فهي على الزوجة ، لأن المملوك لا يجب عليه نفقة أقاربه ، ومن قال للزوجة فهي في كسب العبد أو في ذمة مولاه على الخلاف.

د - إذا كان النكاح فاسدا فافترقا لفساد النكاح وهي حامل ، فعلى القول بأن النفقة للحمل فهي على أبيه ، وعلى القول بأنها للزوجة فليس عليه شي ء ، لأن النفقة للمعتدة من نكاح صحيح دون النكاح الفاسد ، وانما يتساوى الصحيح والفاسد في لحوق النسب خاصة وسقوط الحد.

ه - لو أخر الدفع ومضى زمان علم فيه الحمل وجب القضاء على القول بأنها للزوجة ، ولا يجب على القول بأنها للحمل ، لأن نفقة الأقارب لا تقضى.

و - لو لم ينفق عليها ثمَّ أسقطت الحمل فعلى القول بأنها للزوجة بشرط الحمل ترجع عليه بالنفقة من حين الطلاق الى حين الأسقاط ، وعلى القول بأنها للحمل لم ترجع عليه بشي ء ، ولو أنفق عليها ثمَّ أسقطت لم يرجع عليها بشي ء على القولين ، وتسقط النفقة بعد الاسقاط على القولين أيضا.

قال رحمه اللّه : وفي الحامل المتوفى عنها زوجها روايتان أشهرهما انه لا نفقة لها ، والأخرى ينفق من نصيب ولدها.

أقول : الرواية المتضمنة للنفقة رواية أبي الصباح (1) الكناني ، عن الصادق عليه السلام «قال ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها» (2) وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح والرواية المتضمنة لعدم النفقة حسنة الحلبي ، عن الصادق عليه السلام «قال : المرأة الحبلى

ص: 184


1- «م» «ن» «ر 1» : الصلاح.
2- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 10 من أبواب النفقات ، حديث 1.

المتوفى عنها لا نفقة لها» (1) وبمضمونها افتى الحسن بن أبي عقيل وابن إدريس ، وهو اختيار العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم وجوب النفقة في مال الغير ما لم يحصل الدليل الشرعي ، ولأن الحمل لا يملك مستقرا ، بل ملكه مشروط بانفصاله حيا ، وهو غير متحقق لجواز سقوطه ميتا ، فيرجع نصيبه إلى باقي الورثة ، فيكون هذا الإنفاق قبيحا لاشتماله على التغرير بمال الغير ، ولأن نسبة الملك الى الحمل على سبيل المجاز ، وانما يجب الإنفاق فيما يملكه المنفق حقيقة ، وهو قبل انفصاله لم يملك شيئا حقيقة.

قال رحمه اللّه : وفي تقدير الإطعام خلاف فمنهم من قدره بمد للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر ، ومنهم من لم يقدر واقتصر على سد الخلة ، وهو أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

أ - التقدير بحال الزوج لا بحالها ، فان كان موسرا فعليه مدان في كل يوم ، وان كان متوسطا متجملا فمد ونصف ، وان كان معسرا فمد ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

ب - قوله في الخلاف ، وهو التقدير بمد للموسر والمعسر ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم.

ج - قول ابن إدريس ، قال : نفقة الزوجات عندنا غير مقدرة بلا خلاف إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه ، فإنه ذهب الى أنها مقدرة ، ومبلغها مد ، وقدره رطلان وربع ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، وهذا عجيب منه رضي اللّه عنه والسبر بيننا وبينه ، فان أخبارنا لم يرد فيها خبر بتقدير نفقة ، وأما أصحابنا المصنفون فما يوجد لأحد منهم في تصنيف له تقدير النفقة الا من قلده

ص: 185


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 9 من أبواب النفقات ، حديث 1 (مع اختلاف يسير).

وتابعه ، والدليل على أصل المسألة قوله تعالى ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) ، أي بما يتعارف الناس ، وأيضا الأصل براءة الذمة من التقدير ، فمن ادعى شيئا بعينه فإنه يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة (2). الى هنا كلام ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح ، ولو أخلقتها قبل المدة لم يجب عليه بدلها ، ولو انقضت المدة والكسوة باقية طالبته بكسوة لما يستقبل.

أقول : تحقيق هذا الكلام يحتاج إلى معرفة الأصل الذي يبنى عليه وهو ان الكسوة هل هي إمتاع أو تمليك؟ يحتمل الأول ، لأن المقصود من الكسوة يحصل بالإمتاع دون التمليك ، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب التمليك فيكون امتاعا كالمسكن ، وجزم به العلامة في الإرشاد.

ويحتمل الثاني لعطف الكسوة على الرزق في الآية ، وهي قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، ولا شك في تمليك الرزق فكذلك الكسوة للعطف عليه ، وهو اختيار العلامة في القواعد وابنه في شرحه.

إذا عرفت هذا ، فاذا دفع إليها كسوة لمدة كما فرضه المصنف فاخلقتها قبلها ، فالعلامة في القواعد بنى استحقاق المطالبة بغيرها قبل انقضاء المدة ، وعدمه على القولين ، جعل لها المطالبة على القول بالامتناع ، والعدم على القول بالتمليك ، ومع انقضاء المدة والكسوة باقية أوجب لها غيرها على القول بالتمليك ، ولم

ص: 186


1- النساء : 19.
2- السرائر 2 : 655.
3- البقرة : 233.

يوجب شيئا على القول بالإمتاع ، ثمَّ فرّع على المذهبين ما لو طلقها أو مات أحدهما قبل مضي المدة ، فعلى القول بالإمتاع تكون الكسوة للزوج ، وعلى القول بالتمليك يحتمل اختصاصها بها كما لو دفع لها نفقة يوم ثمَّ طلقها أو مات أحدهما قبل مضيه ، فإنها تملك مجموع النفقة إجماعا ، فكذلك الكسوة ، ويحتمل التشريك على قدر المدة (1) بين الماضية والمستقبلة ، وهو اختيار فخر الدين ، ويكون للزوجة أو ورثتها ما قابل الماضية ، وللزوج أو ورثته ما قابل المستقبلة ، لأنه إنما ملكها إياها لمجموع المدة بسبب الزوجية المقتضية لوجوب الكسوة.

وقد ظهر انتفاء الزوجية في بعضها ، فوجب ان يكون مقسومة على المدتين فان كان الماضي نصف المدة كان لها نصف ما بقي من الكسوة ، وان كان ثلث المدة كان لها ثلث الباقي ، وهكذا.

فاذا تحقق هذا كان كلام المصنف متناقضا ، لأنه منعها من غيرها إذا أخلقتها قبل مضي المدة المضروبة ، وأوجب عليه غيرها بعد المدة وان كانت الأولى باقية ، وهو بناء على القول بالتمليك ، كما قاله العلامة في قواعده ، ثمَّ قال المصنف : (ولو سلم إليها نفقة لمدة ثمَّ طلقها قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف الا نصيب يوم الطلاق ، اما الكسوة فله استعادتها ما لم تنقص المدة المضروبة لها) وانما يستعاد مجموع الباقي من الكسوة على القول بأنها إمتاع على ما تقدم من كلام العلامة ، فقد ظهر مناقضة كلام المصنف رحمه اللّه.

قال رحمه اللّه : ولا ينفق على بائن غير المطلقة [الحامل] ، وقال الشيخ : ينفق لأن النفقة للولد.

أقول : البائن غير المطلقة كالمعتدة من نكاح الشبهة أو الملاعنة إذا كانت حاملا ثمَّ اعترف بالحمل ، قال الشيخ : ينفق عليها ، لأن النفقة للحمل ، وقد

ص: 187


1- «م» «ن» «ر 2» : المدتين.

سبق (1) البحث في ذلك.

قال رحمه اللّه : نفقة زوجة المملوك تتعلق برقبته ان لم يكن متكسبا ويباع منه في كل يوم بقدر ما يجب عليه ، وقال آخرون : يجب في كسبه ، ولو قيل : يلزم السيد لوقوع العقد بأذنه كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا تزوج بإذن مولاه وكان متكسبا فالنفقة في كسبه ويكون اذن السيد في التزويج إذنا في تعلق نفقة الزوجة بكسبه ، وان لم يكن متكسبا قال قوم : يتعلق برقبته ، لأن الوطي في النكاح بمنزلة الجناية ، ومنهم من قال : يتعلق بذمته ، لأنه حق لزم باختيار من له الحق ، فكان في ذمته كالقرض ، والأول أليق بمذهبنا.

ثمَّ قال : فمن قال : يتعلق برقبته على ما اخترناه قال ان أمكن ان يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل ، وان لم يمكن بيع كله كما قيل في الجناية ووقف ثمنه ينفق عليها منه ، وقد انتقل ملك سيده عنه الى ملك سيد آخر.

وقال ابن إدريس : النفقة على السيد ، لأنه اذن في شي ء فيلزمه توابعه.واختاره المصنف والعلامة.

وقال ابن حمزة : إذا كان العبد مكتسبا تخير السيد بين جعل النفقة من كسبه والإنفاق من خالص ماله. واختاره العلامة في المختلف ، لأن السيد مخير في جهات القضاء كالدين ، وهو قول ابن إدريس ، لأن كسب العبد مال السيد ، فان وفى بالنفقة ، وإلا تممه السيد من خاصه (2).

قال : وقال رحمه اللّه : ولو كان مكاتبا لم تجب نفقة ولده من زوجته ويلزمه نفقة الولد من أمته ، لأنه ماله ، ولو تحرر منه شي ء كانت نفقته في ماله

ص: 188


1- ص 184.
2- «ن» «ر 1» : خاصته.

بقدر ما تحرر منه.

أقول : الضمير في قوله (قال رحمه اللّه) عائد إلى الشيخ رحمه اللّه ، وهذه المسألة لم أجد فيها خلافا ، الا ان المصنف نقلها عن الشيخ وكذلك العلامة في التحرير ، وجزم بها في القواعد ، والمراد بالزوجة المنكوحة بالعقد سواء كانت حرة أو امة أو مكاتبة ، فان ولده منها لا يجب نفقته عليه ، لأن نفقة الأقارب انما تجب مع اليسار ، والمكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يتحرر منه شي ء غير موسر ، لأن جميع ما في يده لسيده ، ولهذا لو رد في الرق كان الجميع له ، فان كانت الأم حرة كانت النفقة عليها مع يسارها ، ومع إعسارها أو فقدها وفقد من يقوم مقامها من الأجداد فعلى بيت المال ، وان كانت امة أو مكاتبة فالنفقة تابعة لملك الولد ، فمن كان ملكه كانت نفقته عليه ، واما وجه وجوب نفقته على ولده من أمته ، لأن المكاتب له ابتياع الرقيق ، لأن له تنمية المال ، فاذا ابتاع امه لم يجز له وطأها ، لأن في ذلك تغريرا لمال سيده ، فان اذن له جاز فإن وطأها بإذن سيده أو بغير اذنه فالولد لاحق به ، اما مع الاذن فظاهر ، واما مع عدمه فلحصول الشبهة فهو وطي لا يجب فيه الحد ، وكل وطي يسقط فيه الحد عن الوطئ فالنسب لاحق به والولد هنا مملوك ، لأنه تولد من مملوكين ، فيكون مملوكا لأبيه (1) ، لأنه ولد أمته ، ولا يعتق عليه ، لأنه ناقص الملك ، ولا يجوز له بيعه ، لأن الشرع منع من بيع الآباء والأولاد ، ولا يملك عتقه ، لأن فيه إتلاف لمال سيده ، بل يوقف فإن أدى الأب وتحرر تحرر الولد ، وان استرق الأب استرق الولد ، وعليه نفقته ، لأن المكاتب يجب عليه نفقة رقيقه ، لأن التنمية لا يحصل الا بها.

ولو تحرر من الأب شي ء كان عليه من نفقة ولده من الحرية بقدر ما تحرر منه ، والباقي على الأم.

ص: 189


1- «ر 1» : لابنه.

ص: 190

في نفقة الأقارب

قال رحمه اللّه : تجب النفقة على الأبوين ، والأولاد إجماعا وفي وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد ، أظهره الوجوب.

أقول : فتاوي الأصحاب كلها متطابقة على وجوب الإنفاق على الأبوين وان علوا والأولاد وان نزلوا ، وتردد المصنف فيما علا من الآباء لعدم صدق الأبوة عليهم حقيقة وان صدقت مجازا ، ولأصالة براءة الذمة وهو مذهب مالك ، والمعتمد الأول.

وأوجبها الشيخ لكل وارث والمعتمد الاقتصار على العمودين.

قال رحمه اللّه : ويشترط في وجوب الإنفاق الفقر وهل يشترط العجز عن الاكتساب؟ الأظهر اشتراطه.

أقول : وجه الاشتراط قد ذكره المصنف ، ووجه عدم الاشتراط صدق اسم الفقر عليه ، لأن الفقير هو الأذى لا مال له ، وهذا كذلك ، والمعتمد الاشتراط ، والمراد التكسب اللائق بحاله ، فلو كان قادرا على مكسب غير لائق بحاله ولا مروءته وجب الإنفاق عليه ولا يكلف ذلك ، وعلى القول ان المتكسب

ص: 191

غني لا يجب عليه الإنفاق على قريبه المعسر ، ويجب عليه التكسب لذلك.

تنبيه : قال فخر الدين رحمه اللّه : فائدة : المانع من الإرث كالرق والقتل والكفر مانع من وجوب الإنفاق ، قلت : اما الرق فمسلم لا نزاع فيه ، واما الكفر فجميع الأصحاب أوجبوا النفقة على القريب وان كان كافرا ، وبه قال أبوه في قواعده وتحريره ، وأما القتل فإنما يتصور الإنفاق بعده من المتقرب اليه بالمقتول ، ولم يتعرض الأصحاب لإسقاط نفقة القريب لغير الرق ، لأنها تجب على مولاه دون قريبه ، فاذا حصل القرابة والفقر وجبت النفقة على القريب الغني ما لم يعلم سقوطها ، وهو غير معلوم بغير الرق ، فيثبت الوجوب.

ص: 192

كتاب الطلاق

اشارة

ص: 193

ص: 194

في المطلق

قال رحمه اللّه : فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل بلوغه عشرا ، وفيمن بلغ عشرا عاقلا وطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الصدوق في كتابه عن زرعة عن سماعة ، «قال : سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته؟ قال : إذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس» (1) ، وهو جائز ، ورواية ابن بكير عن الصادق عليه السلام ، «قال يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين» (2) وبمضمونها أفتى الشيخان وابن البراج وابن حمزة ، ومنعه ابن إدريس لضعف سند الرواية ، لأن سماعة واقفي ، وابن بكير ملعون كذاب ، وهو واقفي أيضا ، مع المعارضة بروايات (3) أصح طريقا ، وكون الصبي محجورا عليه قبل البلوغ ، فلا يصح طلاقه قبل البلوغ وهو المعتمد.

ص: 195


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 32 من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث 7 - والفقيه ، كتاب الطلاق ، باب 157 في طلاق الغلام حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 32 من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث 6.
3- في «م» و «ن» و «ر 1» : (برواية). لاحظ المصدر المتقدم.

قال رحمه اللّه : فلو بلغ فاسد العقل(1) طلق وليه مع مراعاة الغبطة ومنع منه قوم ، وهو بعيد.

أقول : جواز طلاق الولي عمن بلغ فاسد العقل مع مراعاة الغبطة مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن الحاجة تشتد إليه وتدعو الضرورة إلى إيقاعه ، وهو غير ممكن من المجنون (2) لسلب أهلية التصرفات عنه ، فلو لم يشرع للولي ذلك لزم الضرر الدائم على المجنون ، وعلى الزوجة أيضا وهو منفي بقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (3) ، ولهم عليه روايات (4).

ومنع ابن إدريس ، لقوله عليه السلام : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (5) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وتجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ، وللحاضر على الأصح.

أقول : منع الشيخ في النهاية ، وابن حمزة وابن البراج من وكالة الحاضر في البلد ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام ، «قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق» (6) ، قال الشيخ في التهذيب والإستبصار (7) : وهذا الحديث لا ينافي

ص: 196


1- وفي نسخة في الأصل زيادة في المتن بعد قوله (رحمه اللّه) فاسد العقل : فيطلق عنه الولي مع الغبطة ، فإن فقد فالوصي ، فإن فقد فالحاكم ، فلو تجدد جنونه بعد عقله ورشده فالولاية عليه للحاكم.
2- في الأصل الجنون وباقي النسخ على ما أثبتناه.
3- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 ، وكتاب المواريث ، باب موانع الإرث ، حديث 12. وفي «م» : (ولا إضرار) بدل (ولا ضرار).
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 35 من أبواب مقدمات الطلاق.
5- كنز العمال : ج 5 ، ص 155 ، حديث 3151.
6- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث 5. وفي الأصل زيادة قوله (لحاضر) في ذيل الرواية.
7- هذه الكلمة من الأصل وليست في النسخ.

الأخبار الأولة (1) ، لأنا نحمل هذا الخبر على الحال التي يكون الرجل فيها حاضرا غير غائب عن بلده ، فإنه متى كان الأمر كما وصفناه لم تجز وكالته في الطلاق.

وابن إدريس يجوز (2) الوكالة مطلقا ، وهو المعول (3) عليه عند المتأخرين ، لأصالة الصحة ، ولعدم اشتراط وقوعه من مباشر معين ، فاذا جاز (4) الوكالة للغائب جاز للحاضر ، ولهم عليه روايات (5) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وكلها في طلاق نفسها قال الشيخ : لا يصح ، والوجه الجواز.

أقول : حجة الشيخ (رحمه اللّه) أن القابل لا يكون فاعلا ، وهي (6) مفعول بها (7) الطلاق فلا تكون فاعله ، وجوزه ابن إدريس والمتأخرون ، لأن كل فعل قبل النيابة لا يشترط فيه خصوصية النائب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو قال : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة ، قيل : يبطل ، وقيل : يقع واحدة ، وكذا لو قال : طلقي واحدة فطلقت ثلاثا ، قيل : يبطل ، وقيل : يقع واحدة ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في الخلاف ، بعدم وقوع شي ء لمخالفتها أمر الموكل ،

ص: 197


1- في «م» : الدالة.
2- في النسخ : (جوز).
3- في الأصل و «م» : المعمول.
4- كذا
5- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 39 من أبواب مقدماته وشرائطه.
6- في الأصل : وهي.
7- هذه الكلمة ليست في «ن».

واختاره فخر الدين وهو قوي ، لاختلاف الحكم بين ما أمرها به (1) وبين ما أوقعته ، لأن البائن تقتضي إسقاط النفقة والرجعة و (الطلقة) (2) ، الواحدة تقتضي ثبوتهما ، وربما كان (3) غرضه متعلق بحكم ما أمرها به ، وقد أوقعت ضده فلا يقع صحيحا.

وقيل : يقع (4) واحدة في الصورتين ، لأن الاذن في الثلاثة يستلزم الاذن في (5) الواحدة قطعا ، فاذا فعل الوكيل بعض المأمور به لا يجب عليه فعل الباقي ، ويصح ما فعله لكونه مأمورا به ، وكذلك لو أمرها بواحدة فأوقعت ثلاثا ، لأنها أوقعت المأمور به وغيره فيصح المأمور به ويبطل غيره ، واختاره المصنف والعلامة.

ص: 198


1- هذه الكلمة ليست في الأصل.
2- هذه الكلمة ليست في «ن» و «ر 1».
3- ليست في الأصل.
4- في النسخ : يصح.
5- هاتان الكلمتان ليستا في الأصل.

في المطلقة

اشارة

قال رحمه اللّه : ومن فقهائنا من قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب بشهر ، عملا برواية يعضدها الغالب في الحيض ، ومنهم من قدرها بثلاثة أشهر ، عملا برواية جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والمحصل ما ذكرناه.

أقول : اختلف علماؤنا في قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب على خمسة مذاهب (1).

الأول : عدم وجوب الانتظار وجواز الطلاق في أي وقت شاء ، وهو مذهب المفيد وسلار وعلي بن بابويه وأبي الصلاح وابن أبي عقيل ، ومستندهم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، «قال سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب؟ قال : يجوز طلاقه على كل حال ، وتعتد المرأة من يوم طلقها (2)».

الثاني : عدم جوازه قبل مضي شهر ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه

ص: 199


1- في «ن» : أقوال.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 26 من أبواب مقدماته ، حديث 1.

قال ابن حمزة ، والمستند رواية إسحاق (1) بن عمار.

الثالث : عدم جوازه قبل مضي ثلاثة أشهر ، وهو مذهب ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف ، لصحيحة جميل بن دراج (2).

الرابع : تحديد أقل المدة بشهر ، وأوسطها بثلاثة أشهر ، وأقصاها بخمسة أشهر أو ستة ، وهو مذهب محمد بن بابويه ، والمستند رواية إسحاق (3) بن عمار.

الخامس : اعتبار مدة يعلم انتقالها من طهر المواقعة إلى آخر بحسب عادتها ، والمراد بالعلم هنا غلبة الظن المستند إلى العادة التي يعلمها من شأنها (4) ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، ووجهه الجمع بين الروايات (5) ، فاذا علم انتقالها من طهر الى آخر صح طلاقها وإن صادف الحيض ، وكذا إذا علم حيضها حالة الطلاق ، أما لو رجع من غيبته فوجدها حائضا فإنه لا يصح طلاقها ، ولو علم انتقالها في حال الغيبة من طهر الى آخر لعموم (6) منع الحاضر من طلاق الحائض.

قال رحمه اللّه : ولو كان له زوجتان أو زوجات فقال : زوجتي طالق ، فان نوى معينة صح ويقبل تفسيره ، وإن لم ينو ، قيل : يبطل الطلاق ، لعدم التعيين ، وقيل : يصح ، وتستخرج بالقرعة وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في اشتراط تعيين المطلقة بالاسم أو الإشارة أو

ص: 200


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- المصدر السابق ، حديث 7.
3- المصدر السابق ، حديث 8 إلا أنه لم يتضمن الشهر الواحد ، لكن الحديث رقم 3 المقدم يتضمن ذلك.
4- في «ن» : نسائها.
5- الوسائل ، الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق.
6- الوسائل ، كتاب الطلاق ، لاحظ أحاديث الباب 9 والباب 25 من أبواب المقدمات.

القصد ، والمشهور اشتراطه ، وهو مذهب المفيد والسيد والشيخ في أحد قوليه ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في شرح المختصر ، وهو المعتمد.

ولم يشترطه الشيخ في موضع من المبسوط ، وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، ويكفي قوله إحدى نسائي طالق أو إحداهن (1) أو امرأتي طالق (2) ، من غير قصد ، ثمَّ يعين بعد ذلك.

احتج الأولون بأن الطلاق أمر معين فلا بد من محل معين ، لاستحالة وقوع المعين في المبهم ، ولأن توابع الطلاق كالعدة لا بد له من محل معين.

واحتج الآخرون بعموم النص (3) ، وان إحداهما زوجة وكل زوجة يصح طلاقها ، وفيه نظر ، لأن الكبرى ممنوعة وهي قولهم : وكل زوجة يصح طلاقها ، لأن من الزوجات ما لا يصح طلاقها كزوجة الصبي ، وزوجة الحاضر إذا كانت حائضا.

تنبيه :

على القول بوقوعه مع عدم التعيين ، هل الواقع سبب مؤثر في البينونة حالة الوقوع ، أو أثر له صلاحية التأثير عند وقوع(4) التعيين؟ كلاهما محتمل.

ويتفرع على ذلك فروع :

أ - يجب عليه (5) التعيين ويطالب به ويحبس عليه على الأول ، دون الثاني ، ويجب الإنفاق على الاحتمالين معا ، ولا فرق بين البائن والرجعي.

ص: 201


1- في النسخ : إحداكن.
2- هذه الكلمة في «ن».
3- الطلاق : 1.
4- هذه الكلمة من الأصل وليست في النسخ.
5- في الأصل : عليهما ، وفي «م» : (عليه).

ب - يجب العدة من حين التلفظ بالطلاق على الأول ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط ، ومن حين التعيين على الثاني ، وهو اختيار العلامة.

ج - التعيين بالقرعة على الأول ، وهو مذهب المصنف ، وباختيار المطلق على الثاني ، وهو اختيار القواعد.

د - يحرم عليه الجميع حتى (يعين على الأول) (1) ، كما لو اشتبهت زوجته بأجنبية ، وعلى الثاني الكل زوجات يباح (2) نكاحهن حتى يعين.

ه - لو وطئ واحدة وجب تعيين الطلاق في غيرها على الأول ، ويجوز أن يعينها على الثاني.

و - الفرع الذي ذكره المصنف ، وهو قوله : هذه طالق أو هذه (3) فعلى اشتراط التعيين يبطل الطلاق ، وعلى القول (بعدمه يعين للطلاق من شاء) (4).

قال رحمه اللّه : ولو قال : هذه طالق أو هذه ، وهذه ، طلقت الثالثة ويعين من شاء الأولى أو الثانية ولو مات استخرجت واحدة بالقرعة ، وربما قيل بالاحتمال في الأولى والأخيرتين جميعا ، فيكون له أن يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا ، والاشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة.

أقول : هذه فرع على القول بعدم اشتراط التعيين والقول بطلاق الثالثة هو قول الشيخ في المبسوط ، لأنها معطوفة على المطلقة (لأنه عدل من لفظ الشك الى واو العطف فلا تشاركهما الثالثة في الشك (5) وقال بعضهم : الثالثة معطوفة على الثانية لقربها ، وهو ظاهر واختاره ابن إدريس ، فعلى الأول تطلق الثالثة قطعا ،

ص: 202


1- ما بين القوسين من النسخ ، وفي الأصل : على تعيين الأول.
2- في «ر 1» : (يباح له).
3- هذه الكلمة ليست في «ر 1».
4- في «ن» بدل ما بين القوسين : بعدم التعيين يعين من شاء.
5- من «م» و «ن».

لأنها معطوفة على المطلقة) (1) في نفس (2) الأمر ويصير الترديد (3) بين الأولى والثانية يعين منهما من شاء.

وعلى القول الثاني حكم الثالثة حكم الثانية لعطفها عليها ، فيقع الترديد (4) بين الأولى وحدها وبين مجموع الثانية والثالثة ، فإن عين الأولى للطلاق كانت الثانية والثالثة زوجتين ، وإن عينهما للطلاق كانت الأولى زوجة.

قال رحمه اللّه : ولو نظر الى زوجته وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق ، ثمَّ قال : أردت الأجنبية ، قبل ، ولو كان له زوجة وجارة كل منهما سعدى ، فقال : سعدى طالق ، ثمَّ قال : أردت الجارة ، لم يقبل ، لأن إحداكما تصلح لهما ، وإيقاع الطلاق على الاسم يصرف إلى الزوجة ، وفي الفرق نظر.

أقول : لم يفرق الشيخ في المبسوط بين المسألتين ، لأنه قال : فرع : إذا نظر الى امرأته وأجنبية ، فقال : إحداكما طالق ، ثمَّ قال : نويت الأجنبية ، لم يقع الطلاق على زوجته بلا خلاف ، ولو كان اسم زوجته زينب ، فقال : زينب طالق ، ثمَّ قال عنيت به جارتي وكان له جارة اسمها زينب ، عندنا يقبل وعندهم لا يقبل منه.

والفرق بينهما : أن قوله : إحداكما يصلح لكل واحدة منهما (لفظا ، فإذا أخبر أنه أراد إحداهما قبل منه ، وليس كذلك الأخرى ، لأنه إنما طلّق واحدة (وانها تشار لها) (5) في هذا الاسم ، لا أن اللفظ تناولهما ، وإذا كان اللفظ لا يتناول إلا واحدة فالعادة أنه لا يطلق الا زوجته ، وعندي أنه لا فرق بين الموضعين.

ص: 203


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- في «ن» : تعيين.
3- في النسخ : التردد.
4- في النسخ : التردد.
5- في «ن» : (وانما تشاركها). وفي «م» : (وانما شاركها).

انتهى كلام الشيخ رحمه اللّه ، وقوله : (وعندهم لا يقبل منه) إشارة إلى الجمهور ، لأنهم مجمعون على الفرق بين الصورتين ، للفرق الذي ذكره الشيخ ، ووجه اختيار الشيخ أن إحداكما يصلح لكل واحدة منهما) (1) ، كذلك الاسم إذا كان موضوعا لهما (2) ، فالفرق بينهما لا وجه له.

ص: 204


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- في «م» : لها.

في الصيغة

قال رحمه اللّه : لو قال : أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات لم يكن شيئا ولو نوى به الطلاق ، وكذا لو قال : أنت مطلقة ، وقال الشيخ رحمه اللّه : إنه يقع إذا نوى الطلاق ، وهو بعيد عن شبه الإنشاء.

أقول : لا شك في عدم وقوع الطلاق بقوله : أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات ، وانما الشك في قوله : أنت المطلقة (1) ، قال الشيخ في المبسوط : قوله (أنت مطلقة) إخبار عما مضى فقط ، فان نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن تقول إنه يقع ، ومنع في الخلاف من وقوعه ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الطلاق لفظ إنشائي وضعه الشارع لازالة قيد النكاح ، فيقتصر على موضع الوضع ، لأصالة بقاء النكاح ما لم يعلم المزيل له.

قال رحمه اللّه : ولو قال : طلقت فلانة [فقال : نعم] قال [الشيخ] : لا يقع ، وفيه إشكال ينشأ من وقوعه عند سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم.

أقول : الضمير في قوله (قال : لا يقع) عائد إلى الشيخ رحمه اللّه ، ومراده

ص: 205


1- في «ر 1» : مطلقة.

أنه (1) لو قال : طلقت فلانة وقصد الإنشاء أنه (2) لا يقع الطلاق عند الشيخ ، قال المصنف : وفيه إشكال ، ينشأ من وقوعه عند سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم. وجه استدلاله رحمه اللّه أنه لو قيل له : هل طلقت امرأتك؟ فقال : نعم ، وقع الطلاق عند أكثر الأصحاب ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال فكأنه قال : طلقت امرأتي ، وإذا وقع الطلاق بما يتضمن قوله (طلقت) ، فوقوعه بالتصريح أولى.

واختار العلامة عدم الوقوع ، وهو المعتمد ، والأصل الذي بنى عليه المصنف ممنوع ، وسيأتي (3) تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : ويقع طلاق الأخرس بالإشارة الدالة ، وفي رواية يلقي عليها القناع فيكون ذلك طلاقا ، وهي شاذة.

أقول : المشهور أن طلاق الأخرس بالإشارة المفيدة أو الكتابة (4) إن عرفها ، وهو مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المتأخرون لما رواه أحد بن محمد بن أبي نصر ، «قال : سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يكون عنده المرأة يصمت فلا يتكلم ، فقال : أخرس ، فقلت : نعم ، قال فيعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها؟ قلت : نعم ،  أيجوز له أن يطلق عنه وليه؟ قال : لا ، ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت أصلحك اللّه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال : بالذي يعرف به من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها وبغضه لها» (5) وقال ابنا (6) بابويه : والأخرس إذا أراد أن يطلق ، ألقى على امرأته قناعا

ص: 206


1- ليست في «م».
2- ليست في «ن» و «ر 1».
3- ص 208.
4- «ر 1» : والكتابة.
5- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته ، حديث 1.
6- في «ن» : ابن.

يرى أنها قد حرمت عليه ، فاذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى أنها قد حلت له ، واحتجا بما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام «قال : طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثمَّ يعتزلها» (1) ، وكذا روى أبو بصير (2) عن الصادق عليه السلام ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل : يقع بالكتابة إذا كان غائبا عن الزوجة ، وليس بمعتمد.

أقول : قال الشيخ في النهاية : وان كان غائبا وكتب بخطه أن فلانة طالق وقع الطلاق ، وقال في الخلاف بعدم وقوعه بالكتابة مع القدرة على اللفظ ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لوجوب مراعاة اللفظ المخصوص والكتابة غير اللفظ ، ولأصالة بقاء النكاح ما لم يعلم السبب المزيل ، ولم يعلم بغير اللفظ المنصوص عليه.

احتج الشيخ على مذهبه في النهاية بما رواه الثمالي في الصحيح (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولو قال : اعتدي ، ونوى به الطلاق قيل : يصح وهي رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومنعه كثير وهو الأشبه.

أقول : قال ابن الجنيد : يقع الطلاق بقوله (اعتدي) إذا قصد به الطلاق ، ومستنده ما ذكره المصنف ، والأكثر على عدم الوقوع وهو المعتمد ، لأصالة بقاء العقد ما لم يعلم السبب المزيل له.

قال رحمه اللّه : ولو خيرها وقصد الطلاق فان اختارته أو سكتت ولو لحظة

ص: 207


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته ، حديث 5.
3- المصدر المتقدم ، باب 14 ، حديث 3 - وكذا في المصدر و «ر 1» ، ولكن في الأصل وباقي النسخ إلا «ن» : (عبد الرحمن الثمالي) وفي «ن» : اليماني.

فلا حكم ، وإن اختارت نفسها في الحال ، قيل : تقع الفرقة بائنة ، وقيل : تقع رجعية ، وقيل : لا حكم له ، وعليه الأكثر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ - وقوع التخيير وكونه طلاقا ، وبوقوعه قال ابن أبي عقيل وأحمد بن الجنيد بشروط ثلاثة ، وقوعه في طهر لم يقر بها فيه بجماع ، وحضور شهود ، وجوابها على الفور ، والمستند الروايات (1) ، وصورة التخيير أن يقول لها : اختاري نفسك ، أو جعلت أمرك بيدك ، أو خيرتك ، أو جعلت لك الخيار ، فان قالت : اخترت نفسي ، طلقت عند القائل به ، وإن قالت : اخترتك أو سكتت ثبت النكاح.

وقال الشيخ : لا يقع به الطلاق ، وبه قال ابن إدريس واختاره المتأخرون ، وهو المعتمد ، لأصالة بقاء النكاح ، والروايات الواردة بالجواز معارضة بغيرها (2).

ب - اختلف القائلون بوقوعه ، فقال بعضهم : إنه يقع طلقة واحدة رجعية ، وقال بعضهم : إنه يقع واحدة بائنة ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات (3).

قال رحمه اللّه : ولو قيل هل طلقت فلانه؟ فقال : نعم ، وقع الطلاق.

أقول : هذا مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد جزما ، لأن نعم تتضمن إعادة السؤال ، ولرواية السكوني (4) عن الصادق عليه السلام ، (والباقر عليه السلام) (5) ، وقال ابن

ص: 208


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، لا حظ أحاديث الباب 41 من أبواب مقدماته وشرائطه.
2- المصدر المتقدم.
3- المصدر المتقدم.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 16 من أبواب مقدماته حديث 6.
5- ما بين القوسين ليس في «ن».

إدريس : إذا قيل للرجل : هل طلقت فلانة؟ فيقول : نعم ، كان ذلك إقرارا بطلاق شرعي ، وظاهره أنه إن قصد الإنشاء لا يكون طلاقا ، واختاره العلامة في المختلف وهو المعتمد ، لأصالة البقاء ما لم يعلم المزيل وهو غير معلوم بدون اللفظ المتفق عليه وهو لفظ طالق.

قال رحمه اللّه : ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث قيل : يبطل الطلاق ، وقيل : تقع واحدة بقوله طالق ، ويلغى التفسير وهو أشهر الروايتين.

أقول : تفسير الطلقة بواحدة أو اثنين مثل أن يقول : أنت طالق ثلاثا ، أو اثنين ، قال الشيخ في النهاية وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس : تقع واحدة وتلغوا (1) الضميمة واختاره المصنف (2) والعلامة في المختلف والإرشاد ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد لوجود المقتضي ، - وهو قوله : أنت طالق - وانتفاء المانع ، لأنه ليس إلا الضميمة وهي مؤكدة غير منافية ، فلا يؤثر البطلان ، ولرواية جميل بن دراج في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام ، «قال : سألته عن الذي يطلق في حالة طهر في مجلس ثلاثا؟ قال : هي واحدة» (3).

وقال السيد المرتضى وابن ابي عقيل وابن حمزة بالبطلان ، لأن الواحدة المنفردة المقيدة بقيد الوحدة غير مرادة ، فلا يقع لاشتراط القصد في الطلاق ، ولصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، «من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشي ء» (4).

(وأجاب العلامة بالقول بالموجب ، فإن الثلاثة لا تقع ، فهو ليس بشي ء

ص: 209


1- في الأصل : تلغى وما أثبتناه فمن النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في «ر 1».
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 29 من أبواب مقدماته حديث 3.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 29 من أبواب مقدماته حديث 8.

فوجب ما قصده) (1) وهو تأويل حسن.

قال رحمه اللّه : ولو قال أنت طالق للسنة صح إذا كانت طاهرا ، وكذا لو قال للبدعة ، ولو قيل : لا يقع ، كان حسنا ، لأن البدعي لا يقع عندنا والآخر غير مراد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لو قال لها في طهر لم يجامعها فيه : أنت طالق للبدعة ، وقع طلاقه ، وقوله للبدعة لغوا (2) ، واستحسن المصنف عدم وقوعه واختاره العلامة وابنه ، لأن البدعي لا يقع بل ولا يتصور ثبوته هنا ، لانتفاء المانع من الطلاق من الحيض وغيره ، وغير البدعي غير مقصود والطلاق من (شرط صحته) (3) القصد ، وهو مفقود فيكون باطلا وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أنت طالق قبل طلقة أو بعدها أو قبلها أو معها لم يقع شي ء ، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن ، ولو قيل : تقع طلقة واحدة بقوله (طالق) مع طلقة أو بعدها أو عليها ، ولا يقع لو قال : قبلها طلقة أو بعد طلقة ، كان حسنا.

أقول : قال بعض علمائنا لا يقع شي ء من هذا الطلاق الموصوف بهذه الصفات ، لأنه طلاق معلق بما قبله أو ما بعده ، ولم يقصد طلاقا مطلقا ، بل قصده موصوفا بهذه الصفات فلا يقع الموصوف من حيث أنه موصوف ، ولا غير الموصوف ، لأنه غير مقصود.

وفصل المصنف بين قوله : مع طلقة أو بعدها طلقة (4) أو عليها ، وبين قوله

ص: 210


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- هكذا وردت هذه الكلمة في النسخ إلا «ر 1» فلم ترد فيها.
3- كذا في النسخ وفي الأصل : شرطه صحة العقد.
4- هذه الكلمة ليست في النسخ.

قبلها طلقة (1) أو بعد طلقة ، واستحسن الصحة في الأول والبطلان في الثاني.

ووجه الصحة في الأول : وقوع الطلاق بقوله : أنت طالق ، ويلغو قوله : مع طلقة أو بعدها طلقة (2) أو عليها ، لأنه قصد لفظ طلقة أخرى منضمة إلى الطلقة الواقعة ، فتصح المنجزة ، وتبطل المنضمة.

ووجه البطلان في الثاني : لأنه قصد طلقة بعد طلقة لم تقع ، فلا تقع المشروط بها.

قال رحمه اللّه : ولو قال : [أنت] طالق نصفي طلقة أو ثلاثة أثلاث ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا يقع ، ولو قيل : يقع [واحدة] بقوله أنت طالق ويلغوا الضمائم إذ ليست رافعة للقصد : كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بعدم الوقوع ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، لأنه قصد طلاقا ينتصف (3) ، وهو غير جائز ، وظاهر المصنف وقوع الطلاق بقوله : أنت طالق ، ويلغو الضمائم ، واستقربه العلامة في القواعد ، وجزم به في الإرشاد.

ص: 211


1- هذه الكلمة ليست في الأصل وإن كانت في هامش وفي باقي النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في «ر 1» : بتنصيف.

ص: 212

في الإشهاد

اشارة

قال رحمه اللّه : بل لا بد من حضور شاهدين ظاهرهما العدالة ، ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما ، والأول أظهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب اعتبار ظاهر العدالة ، لقوله تعالى ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (2).

والشيخ رحمه اللّه اقتصر في النهاية على اعتبار الإسلام ، والأول هو المعتمد.

فروع :

الأول : لا يشترط في صحة الطلاق العدالة الباطنة بل الظاهر ، فلو طلقها بحضرة شاهدين ظاهرهما العدالة وكانا فاسقين في الباطن ، صح طلاقها وحلت على غيرهما إجماعا.

ص: 213


1- البقرة : 231.
2- الطلاق : 2.

وهل تحل لهما؟ يحتمل ذلك لصحة طلاقها وبينونتها من زوجها في ظاهر الشرع ، فيجوز لكل أحد نكاحها لكونها مطلقة غير ذات بعل ، ويحتمل العدم ، لأن الظاهر إنما حكم بالنسبة إلى غيرهما (1) لعدم اطلاعه على باطن غيره ، فلو كلفناه بالباطن لزم تكليف ما لا يطاق وهو باطل ، واما بالنسبة إليهما أنفسهما فلا يحكم لهما بالظاهر لعلمهما بأنفسهما ضرورة ، وقد علما عدم حصول شرط الطلاق فلا يكون صحيحا بالنسبة إليهما فلا تباح لهما وهو المعتمد ، ولا يلزم من إباحتها لغيرهما إباحتها لهما.

الثاني : لو كان أحدهما فاسقا بالباطن دون صاحبه حرمت عليه خاصة على المختار ، ولو كان العدل عالما بفسق صاحبه حرمت عليهما.

الثالث : لو كان الزوج مطلعا على فسقهما ، هل يصح الطلاق أم لا؟ يحتمل عدم الصحة ، لأن الآية (2) تضمنت أمر الأزواج بإشهاد عدلين ولم يحصل ، لأنهما غير عدلين عنده فلا يحصل امتثال الأمر ، فلا يصح الطلاق وهو المعتمد.

ويحتمل الصحة ، لأن الشرط إشهاد من ظاهرهما العدالة وقد فعل ، لأن ظاهرهما العدالة عند غيره ، فلهذا يجوز للغير نكاحها ، وكان الطلاق صحيحا.

وعلى عدم الصحة لو ادعى علمه بفسقهما بعد إيقاع الطلاق لم يؤثر في إبطاله ما لم يقم البينة على فسقهما قبل الإيقاع ، ولو لم يقم بينة وصدقه الشاهدان لم يؤثر البطلان أيضا في حق الزوجة.

الرابع : لو علمت المطلقة بفسق الشاهدين دون المطلق ، احتمل صحة الطلاق ، لأن الزوج هو المأمور بإشهاد عدلين (3) وقد فعل ، فيقع الطلاق صحيحا

ص: 214


1- في «ر 1» : الجاهل.
2- الطلاق : 2.
3- في النسخ : العدلين.

لامتثال الأمر ، ويحتمل عدم الصحة بالنسبة إلى المرأة ، لعلمها بفساد شرط الصحة ، وهو عدالة الشاهدين ، ولا يؤثر (1) قولها بفساد الطلاق بالنسبة إلى الزوج وإن صدقها ، ويحرم عليها الأزواج ما دام حيا ، ولا يجب عليه طلاقها ثانيا بل يستحب له ، فان لم يفعل احتمل جواز فسخ الحاكم إن كان ، وإلا فسخت هي دفعا للضرر المنفي بقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (2) ، وهو قوي ، ويحتمل الصبر حتى يموت أحدهما.

ص: 215


1- «م» و «ر 1» : ولو تواتر.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 - وكتاب المواريث ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 12.

ص: 216

أقسام الطلاق

قال رحمه اللّه : إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها ويطلقها في الثانية للعدة إجماعا ، وقيل : لا يجوز للسنة ، والجواز أشبه.

أقول : هذه المسألة من مشكلات هذا الفن ، وتحقيقها يفتقر إلى معرفة أقسام الطلاق ، فنقول :

الطلاق ينقسم الى قسمين : سني ، وبدعي.

فالبدعي : ما نهي عنه ، كطلاق الحائض المدخول بها ، الحاضر زوجها عندها ، وطلاق النفساء قبل طهرها ، والطلاق في طهر المواقعة فبهذا بدعة عندنا غير صحيح ، وعند العامة يقع صحيحا وإن أثم فاعله.

والسني : هو الطلاق المأذون به شرعا ، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

طلاق عدة : وهو أن يطلقها على الشرائط ثمَّ يراجعها في العدة ويطأها فيها.

وطلاق سنة بالمعنى الأخص : وهو أن يطلقها على الشرائط ، ثمَّ يتركها حتى تنقضي عدتها ، ثمَّ يراجعها بعقد جديد ومهر جديد إن شاءت.

ص: 217

وطلاق سنة بالمعنى الأعم : وهو الذي يقابل البدعي ، سمي طلاق سنة (بالمعنى الأعم) (1) لأنه شامل للسني والعدي والبائن والرجعي وجميع أنواع الطلاق المباحة.

إذا عرفت هذا فإنه لا خلاف في جواز طلاق الحامل المستبين حملها ، فاذا طلقها فلا (2) خلاف في جواز الرجوع فيها قبل الوضع ، فإذا أراد أن يطلقها ثانيا ، فان كان واقعها بعد المراجعة جاز طلاقها إجماعا وكان طلاق العدة ، وإن لم يكن واقعها ، هل يجوز طلاقها ثانيا قبل المواقعة وقبل الوضع؟ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، وتابعه ابن البراج وابن حمزة ، لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «قال : الحلبي تطلق تطليقة واحدة» (3) ، ومثلها صحيحة إسماعيل الجعفي (4) عن أبي جعفر عليه السلام ، وصحيحة الحلبي (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، فهذه الروايات تضمنت وحدة طلاق الحبلى ، ففسر الشيخ رحمه اللّه ومن تابعه الوحدة بالوحدة النوعية ، أي لا يقع بها الا نوع واحد من أنواع الطلاق وهو العدي خاصة.

وقال ابن إدريس يجوز طلاقها للسنة كما يجوز (6) للعدة ، واختاره المتأخرون ، لعموم الروايات (7).

قال المصنف في نكت النهاية : وهذا التأويل بعيد ، يعني تأويل الشيخ ومن

ص: 218


1- ما بين القوسين ليس في الأصل.
2- في النسخ : لا.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 4.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.
5- المصدر السابق ، حديث 2.
6- في نسخة من الأصل : يصح.
7- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 3 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.

تابعه الوحدة بالوحدة النوعية ، قال : لأن (1) الطلاق واحد ، وانما يصير للسنة بترك الرجعة والمواقعة ، وللعدة بالمواقعة بعد الرجعة ، ولا ريب أنه إذا طلقها طلقة كان له مراجعتها ومواقعتها ، وله طلاقها من دون المواقعة عملا بإطلاق الاذن ، ومثله قال العلامة في المختلف.

والمراد بطلان السنة هنا السنة بالمعنى الأعم ، لأنه لا يتصور بالمعنى الأخص.

قال رحمه اللّه : إذا طلق الحائل ثمَّ راجعها فان واقعها وطلقها في طهر آخر صح إجماعا ، وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة ، فيه روايتان : إحداهما لا يقع الثاني أصلا ، والأخرى يقع ، وهو الأصح ، ثمَّ لو راجع وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه ، ومن فقهائنا من حمل الجواز على طلاق السنة والمنع على طلاق العدة ، وهو تحكم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في وقوع الطلاق وعدمه ، وقد وردت فيه روايتان إحداهما تتضمن الصحة ، وهي رواية محمد بن مسلم ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامعها ثمَّ طلق في طهر آخر على السنة؟ أتثبت التطليقة الثانية بغير إجماع؟ قال : نعم إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة» (2) ، وعلى هذه الرواية عمل جمهور الأصحاب ، ويعضدها رواية أحمد بن محمد (بن أبي نصر) (3) في الصحيح «قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل طلق امرأته بشاهدين (ثمَّ راجعها ولم

ص: 219


1- في الأصل : إن.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب أقسام الطلاق ، حديث 1.
3- «ن» : ابي بصير.

يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثمَّ طلقها على طهر بشاهدين) (1) ، أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال : نعم» (2) ، والرواية الأخرى تتضمن عدم الصحة ، وهي رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام : «المراجعة في الجماع ، والا فإنما هي واحدة» (3) ، وبمضمونها أفتى ابن أبي عقيل والأول هو المعتمد.

الثاني : في حمل الجواز على طلاق السنة ، والمنع على طلاق العدة ، وقد حمله بعض الأصحاب على ذلك ، ووجه هذا الحمل : أن لفظ الطلاق مشترك بين السني والعدي وغير ذلك من أنواع الطلاق ، فلا يلزم من ورود النفي والإثبات عليه تناقض ، لجواز اختلاف المعنيين ، وإذا أمكن الجمع بين الأخبار من غير مناقضة كان أولى من إبطال بعضها ، فتحمل رواية الجواز على الطلاق السني ، لعدم اشتراط الوطي فيه ، ورواية المنع على (الطلاق العدي لاشتراط الوطي فيه) (4) لئلا تتناقض الأخبار ، وقال المصنف : وهو تحكم ، أي قول بغير دليل ، لأن الأخبار وردت مطلقة ، فتخصيص خبر الجواز بطلاق السنة ، وتخصيص خبر المنع بطلاق العدة ، لا مخصص له فكان تحكما.

وفخر الدين جعل الاعتراض (أي قول المصنف) (5) غير هذا ، قال : لأن شرط العدي الوطي بعده وبعد الرجعة منه في العدة ، فهنا شرط سبق الوطي ، وليس بشرط في طلاق العدة ، فيلزم هذا القائل أنه أخذ غير الشرط مكانه ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

ص: 220


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب أقسام الطلاق ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 17 من أبواب أقسام الطلاق ، حديث 1.
4- ما بين القوسين ليس في «ن».
5- ما بين القوسين ليس في النسخ.

قلت : قوله (فهنا شرط سبق الوطي وليس بشرط في طلاق العدة) ممنوع ، بل هو شرط في طلاق العدة ، فلا يتصور بدونه ، لأنه (1) طلاق العدة وهو الذي يراجع بعده في العدة ويطأ ، فإذا لم يسبق الطلاق وطي فلا يكون طلاق العدة ، فثبت أن سبق الوطي على الطلاق شرط في طلاق العدة ، كما أن الرجوع في العدة والوطي بعده شرط فيه ، فلا يرد على الجامع بين الروايات اعتراض فخر الدين ، وإنما يرد عليه ما قلناه نحن واللّه الموفق للصواب ، وقد بينا حجة الجامع ، وهي الفرار من التناقض.

قال رحمه اللّه : وكذا لو أوقع الطلاق بعد المراجعة وقبل المواقعة في الطهر الأول ، فيه روايتان أيضا ، لكن هنا الأولى ، تفريق الطلقات على الأطهار إن لم يقع وطي.

أقول : أما رواية الجواز فهي رواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام ، «قال : قلت له : رجل طلق امرأته ثمَّ بدا له فراجعها بشهود ثمَّ طلقها ثمَّ راجعها بشهود ثمَّ طلقها بشهود ، أتبين؟ قال : نعم ، قلت : كل ذلك في طهر واحد؟ قال : تبين منه» (2) ، وأما رواية المنع فرواية عبد الرحمن بن الحجاج ، «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يطلق امرأته له أن يراجعها؟ قال : لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها» (3) ، وعمل الأصحاب على الأولى لاعتضادها بعموم القرآن (4) ، ويكون هذا الطلاق طلاق السنة بالمعنى الأعم لا

ص: 221


1- في النسخ : لأن.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 5 مع اختلاف يسير.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 17 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 2 مع اختلاف يسير أيضا.
4- البقرة : 229 - 230.

بالمعنى الأخص.

قوله رحمه اللّه : (لكن هنا الأولى تفريق الطلاق على الأطهار) ، أي إذا لم تحصل (المواقعة بعد) (1) المراجعة فالأولى تفريق الطلاق على الاطهار هو (2) ان لا يوقع الطلاق في طهر واحد ، بل إذا راجعها ولم يطأها تركها حتى تحيض وتطهر ثمَّ يطلقها كما في المسألة السابقة ، وليس هذه الأولوية مانعة من النقيض ، لوقوع الاختلاف مع تفريق الطلاق على الأطهار ، إذا لم يحصل الوطي بينها (3) كما تقرر في المسألة الأولى ، بل هذا أولى من إيقاعه في طهر واحد ، وعمل الطائفة الآن على الجواز.

ص: 222


1- ما بين القوسين ليس في نسخة بدل في الأصل ، وما أثبتناه موافق لنسخة الأصل الأخرى وباقي النسخ.
2- كذا
3- «ن» : (منهما) وفي «ر 1» : بينهما.

في طلاق المريض

قال رحمه اللّه : ولو قال طلقت في الصحة ثلاثا (1) قبل منه ولم ترثه والوجه انه لا يقبل بالنسبة إليها.

أقول : إذا أقر المريض أنه طلق زوجته في حال الصحة ثلاثة (2) قبل منه ، لأنه إقرار بما له أن يفعله فيكون مقبولا ، وهل ترثه؟ يحتمل العدم ، لأن قبول إقراره يقتضي عدم الإرث ، ويحتمل أنها ترثه ، لأن إقراره إنما يقبل بالنسبة إليه بمعنى تحريمها عليه حتى تنكح زوجا غيره (ولا يقبل بالنسبة إليها بمعنى أنها ترثه إن مات في ذلك المرض ما لم تصدقه ، لأن إقرار الغير على غيره غير جائز) (3) ، (اما بالنسبة إليها فإقراره غير جائز) (4) ، ولو كان الإقرار في حال الصحة بانت منه قطعا.

قال رحمه اللّه : وهل التوريث لمكان التهمة؟ قيل : نعم ، والوجه تعلق

ص: 223


1- هذه الكلمة ليست في «م».
2- هذه الكلمة أيضا ليست في «م».
3- ما بين القوسين ساقط في نسخة بدل من الأصل.
4- ما بين القوسين ليس في النسخ.

الحكم بالطلاق في المرض لا باعتبار التهمة.

أقول : اختار الشيخ في الخلاف والمبسوط عدم اعتبار التهمة وأوجب الإرث مطلقا ، سواء كان متهما أو لم يكن ، واختاره ابن إدريس والمصنف لعموم الأخبار (1) الواردة بتوريث المريض إلى سنة ما لم تتزوج (2) أو يبرأ من مرضه ، وقال في الإستبصار : إنما ترثه بعد انقضاء العدة إذا طلقها للإضرار بها ، لما رواه زرعة عن سماعة ، «قال : سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض؟ قال : ترثه ما دامت في عدتها ، وإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة ، فان زاد على السنة يوم واحد لم ترثه» (3) ، وروى محمد بن القاسم الهاشمي ، «قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لا ترث المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان منهن في مرض الزوج وإن مات ، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه» (4) وهذا هو المعتمد ، لأن الأصل عدم الإرث بعد البينونة فيقف فيه على موضع الوفاق ، وهو إذا لم ترض بالطلاق بل وقع بغير رضاها.

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد ، أشبهه أنه لا ارث ، وكذا لو خالعته أو بارأته.

أقول : هذا التردد مبني على اعتبار التهمة وعدمها ، فان قلنا إنها تعتبر في استحقاق الإرث انتفى هنا قطعا ، لتحقق انتفاء التهمة ، وإن قلنا بعدم اعتبارها احتمل الإرث هنا للعموم (5) ، ويحتمل عدمه لتصريح الرواية (6) بسقوط إرث

ص: 224


1- الوسائل ، كتاب المواريث ، باب 14 من أبواب ميراث الأزواج.
2- في «ر 1» : يزوج.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 22 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 4.
4- الوسائل ، كتاب المواريث ، باب 15 من أبواب ميراث الأزواج ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب المواريث ، باب 14 من أبواب ميراث الأزواج ، حديث 1.
6- لاحظ رواية محمد بن القاسم الهاشمي المتقدمة في المسألة السابقة.

المختلعة والمبارأة والمستأمرة.

ويكون الفرق بين المسألة الأولى وهذه : أنه إن طلق بغير إذنها فإنها ترثه وإن لم يحصل قرينة دالة على التهمة ، أما إذا سألته الطلاق فقد رضيت بإسقاط حقها فلا ترثه ، فهذا فرق بينهما ولهذا اختلف اختيار المصنف فيهما ، اختار في الأولى الإرث للعموم (1) ، وفي الثانية عدمه لرضاها بإسقاط حقها ، ويترتب على اعتبار التهمة وعدمه ما ذكره المصنف من توريث الأمة إذا أعتقت بعد الطلاق ، ثمَّ مات بعد خروج العدة ، وتوريث الكتابية إذا أسلمت بعد الطلاق ، وحصل الموت بعد العدة ، والمعتمد عدم الإرث.

ص: 225


1- لاحظ العموم المقدم في هذه المسألة.

ص: 226

في ما يزول به تحريم الثلاث

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي المراهق تردد أشبهه انه لا يحلل.

أقول : يشترط في المحلل كونه بالغا ، وهل يحلل المراهق الذي يقارب البلوغ؟ قال المصنف : فيه تردد ، ومنشؤه من عموم قوله تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (1) ، ولا شك أن المراهق زوج قادر على الوطي فيدخل ، وهو مذهب ابن البراج (2) ، والشيخ في المبسوط والخلاف ، ومن أن غير البالغ لا يلحقه شي ء من أحكام المكلفين ، ولأن الأصل بقاء التحريم حتى يتحقق الرافع له ، ولقوله عليه السلام : «حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها» (3) والعسيلة لذة الجماع ، وهي لا تحصل من غير البالغ وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان أشهرهما أنه يهدم.

ص: 227


1- البقرة : 230.
2- في النسخ : ابن الجنيد.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 4 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 13.

أقول : رواية الهدم هي رواية رفاعة بن موسى النخاس (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ويؤيدها قول علي عليه السلام لعمر لما قضى أنها تبني (2) على ما بقي من الطلاق : «سبحان اللّه أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة؟» (3) ، وهذه الرواية أشهر ، وعليها عمل أكثر الأصحاب ، والأخرى رواية الحلبي (4) عن الصادق عليه السلام ، وهي متروكة ، ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا العمل بها.

قال رحمه اللّه : لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت وفارقها وقضت العدة وكان ذلك ممكنا في تلك المدة ، قيل : يقبل ، لأن في جملة ذلك ما لا يعلم الا منها كالوطي ، وفي رواية إذا كانت ثقة صدقت.

أقول : المشهور قبول قولها مع إمكان الصدق ، سواء كانت ثقة أو لم تكن ، لتعذر إقامة البينة (في كل مكان وزمان ، ولأن من شرط التحليل الوطي ، وهو لا يعلم الا بقولها لتعذر إقامة البينة) (5) عليه ، وهو مذهب العلامة ، ولم يجزم به المصنف لمخالفته للأصل ، لأن الأصل بقاء التحريم ما لم يعلم الرافع له ، وأما الرواية المشار إليها ، وهي رواية الحسين بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه وأراد مراجعتها ، فقال لها : إني أريد أن أراجعك فتزوجي زوجا غيري ، فقالت : قد تزوجت وحللت لك ،  أفيصدقها ويراجعها كيف يصنع؟ قال : إذا كانت ثقة صدقت في دعواها» (6).

قال رحمه اللّه : إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول ،

ص: 228


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.
2- في النسخ : تبقى.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 3.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 6 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 6.
5- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
6- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 11 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.

وإن كذبها ، قيل : يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها أو صدق المحلل ، ولو قيل : يعمل بقولها على كل حال كان حسنا ، لتعذر إقامة البينة لما تدعيه.

أقول : الأول اختيار الشيخ في المبسوط ، لأن الظن مناط الأحكام الشرعية ، والمعتمد قبول قولها مطلقا ، لأنها تصدق في شرطه ، وهو انقضاء العدة ، فتصدق في سببه ، ولتعذر إقامة البينة عليه ، فلو لم يقبل قولها لزم الحرج ، لاحتمال موت الزوج (أو عناده) (1) فيتعذر العلم به فيلزم الحرج ، وهو ظاهر المصنف واختاره العلامة وابنه.

فرع :

لو ادعت المرأة ان زوجها طلقها وانقضت العدة جاز العقد عليها ، ولا يجب مطالبتها بالبينة ولا بخط الطلاق ، لأن الخط لا يعمل عليه ، وإقامة البينة في كل مكان وزمان متعذر ، فلو لم يقبل قولها إلا ببينة لزم تعطيلها دائما ، وهو ضرر عظيم ، وقال عليه السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (2) فلو جاء الزوج الأول وادعى عدم الطلاق انتزعها من الثاني ما لم تقم البينة بالطلاق.

ص: 229


1- في «ن» بدل ما بين القوسين : لو أعاده.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 4 من أبواب أقسام الطلاق ، وأحكامه ، حديث 13 وفي «ن» بدل (ولا إضرار) : (ولا ضرار في الإسلام).

ص: 230

في الرجعة

قال رحمه اللّه : ولو قال راجعتك إذا شئت أو ان شئت لم يقع ولو قالت شئت وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الطلاق ما لم تتحقق الرجعة ، وهي لا تتحقق إذا كانت معلقة على شرط ، وان وجد فكما (1) أن النكاح والطلاق لا يقبل التعليق على شرط ، كذلك الرجعة ، وهو مذهب الشيخ ، وجزم به العلامة في القواعد ، ومن الدلالة على (الالتزام بالنكاح) (2) عند حصول الشرط ، وقد حصل فيصح الرجعة ، لأنها تحصل بجميع ما يدل على التمسك بالنكاح من الأقوال والأفعال ، وهي (3) ليست كالنكاح والطلاق ، لعدم ثبوتهما (4) بغير الألفاظ المخصوصة لهما (5).

ص: 231


1- من النسخ ، وفي الأصل : وكما.
2- في «ر 1» : النكاح بالالتزام.
3- في النسخ : فهي.
4- في «م» : ثبوتها.
5- في «م» : لها.

قال رحمه اللّه : ولو طلقها رجعية فارتدت فراجع لم يصح ، كما لا يصح ابتداء الزوجية ، وفيه تردد ، ينشأ من كون الرجعية زوجة ، [ولو أسلمت بعد ذلك استأنفت الرجعة إن شاء ، ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا ثمَّ راجعها في العدة ، قيل : لا يجوز ، لأن الرجعة كالعقد المستأنف ، والوجه الجواز ، لأنها لم تخرج عن زوجيته ، فهي كالمستدامة] (1).

أقول : ينشأ من أن الرجعية زوجة ، والرجعة استدامة للنكاح السابق والردة لا تنافي الاستدامة (في العدة) (2) ، ومن أنه بالطلاق زال عقد النكاح والمرتدة لا يصح ابتداء النكاح عليها ، فلا تصح مراجعتها ، والمعتمد صحة المراجعة فإن أسلمت في العدة والا بطلت ، وهو اختيار فخر الدين.

(قوله «ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا الى آخره» البحث في هذه كالسابقة ، ويزيد هنا أن الذمية لا يحرم استدامة نكاحها ، فاذا لم يجعل الطلاق مزيلا للنكاح الأول رأسا جازت الرجعة بخلاف المرتدة لتحريم نكاحها) (3).

قال رحمه اللّه : ورجعة الأخرس بالإشارة الدالة على المراجعة ، وقيل : بأخذ القناع عن رأسها ، وهو شاذ.

أقول : القائل ابنا بابويه فعندهما أن طلاق الأخرس بإلقاء القناع على رأسها ورجعته بأخذه عن رأسها ، لرواية السكوني (4) ، وقد سبقت في طلاق الأخرس (5) ، والمشهور أن طلاقه ورجعته بالإشارة الدالة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته فأنكر

ص: 232


1- ما بين القوسين زيادة اقتضاها بحث المصنف.
2- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
3- ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل هو في هامش الأصل.
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 19 من أبواب مقدماته وشروطه ، حديث 3.
5- ص 206 - 207.

المولى وادعى خروجها ، قبل الرجعة فالقول قول الزوج ، وقيل : لا يكلف اليمين لتعلق حق النكاح بالزوجين ، وفيه تردد.

أقول : التردد في توجه اليمين على الزوج ، ومنشؤه من تعلق حق النكاح بالزوجين كما قاله المصنف ، وقد تصادقا على الرجعة فلا يمين ، ومن أن المولى يدعي عود البضع إليه بانقضاء العدة ، والزوج ينكر ذلك فيكون عليه اليمين ، لعموم قوله عليه السلام : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (1) ، واختاره العلامة وفخر الدين في شرح القواعد وهو المعتمد.

فرع : لو تزوجها في العدة الرجعية بطل العقد ، لأنها زوجة ، وهل يكون رجعة؟ فيه إشكال من بطلانه شرعا ، فلا يترتب عليه أثر ، ومن دلالته على التمليك (2) بها ، وقواه الشيخ وفخر الدين وهو المعتمد ، لأن الرجعة تحصل بكل قول أو فعل يدل على التمسك ، والعقد عليها من هذا القبيل.

ص: 233


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث 3.
2- في النسخ : (التمسك بها).

ص: 234

في العدد

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا تجب العدة بالخلوة منفردة عن الوطي على الأشهر ، ولو خلا ثمَّ اختلفا في الإصابة فالقول قوله مع يمينه.

أقول : الدخول الموجب للعدة هو الدخول الموجب لتقرير المهر وقد سبق البحث فيه في باب الصداق (1) ، وعلى القول بأن القول قول الرجل إذا أنكر الإصابة وادعتها ، فإن العدة لازمة لها ، لاعتراضها بما يوجبها عليها ، ولا يلزم من عدم (2) قبول دعواها في حق الزوج بوجوب المهر ، عدم وجوب العدة عليها ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

قال رحمه اللّه : في ذات الأقراء ، وهي المستقيمة الحيض وهذه تعتد بثلاثة أقراء ، وهي الأطهار على أشهر الروايتين.

أقول : المستقيمة الحيض هي التي في سن من تحيض ، ولها عادة مستقرة ، وهذه قد اتفق الفقهاء على ان عدتها من الطلاق ثلاثة أقراء ، لقوله تعالى :

ص: 235


1- ص 145.
2- هذه الكلمة ليست في نسخة من الأصل.

( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (1) واختلفوا في تفسير القروء ، وهل هو الطهر أو الحيض؟ ذهب بعضهم إلى أنه الحيض ، وذهب بعضهم إلى أنه الطهر ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وبالطرفين روايات (2).

قال رحمه اللّه : وأقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ولكن الأخيرة ليست من العدة ، وانما هي دلالة على الخروج منها ، وقال الشيخ رحمه اللّه : هي من العدة ، لأن الحكم بانقضاء العدة موقوف على تحققها ، والأول أحق.

أقول : انما كان أقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، لأنه لا يتصور أقل من ذلك ، لأنه أقل الإمكان بأن يبقى الطهر بعد الطلاق لحظة ، ثمَّ ترى الدم ثلاثة أيام ، ثمَّ تطهر عشرة أيام ، ثمَّ ترى الدم ثلاثة أيام ، ثمَّ تطهر عشرة ، ثمَّ ترى لحظه وهل هذه اللحظة من العدة؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، ووجهه ما ذكره المصنف ، وقال ابن إدريس : ليست من العدة ، لأنها غير داخلة فيها ، لأن العدة هي الأطهار ، وقد انقضى لها ثلاثة ، وأختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وتظهر الفائدة في أماكن :

الأول : لو راجعها في تلك اللحظة صحت الرجعة عند الشيخ ، وبطلت عند ابن إدريس.

الثاني : لو تزوجت فيها ، صح النكاح عند ابن إدريس ، وبطل عند الشيخ.

الثالث : لو مات أحدهما فيها ورثه الآخر عند الشيخ ، ولم يرثه عند ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان أحدهما : أنهما تعتدان

ص: 236


1- البقرة : 223.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 14 من أبواب العدد.

بثلاثة أشهر ، والأخرى لا عدة عليهما ، وهو الأشهر.

أقول : عدم وجوب العدة عليهما مذهب ابني بابويه وسلار وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن العدة إنما شرعت لاستعلام فراغ الرحم من الحمل غالبا ، وهذه الحكمة منتفية عنهما ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام ، «قال : ثلاثة يتزوجن على كل حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : التي لها أقل من تسع سنين والتي لم يدخل بها والتي يئست من الحيض ، قلت : وما حدها إذا كان لها خمسون سنة» (1) ، ومثلها رواية زرارة (2) عن الصادق عليه السلام ، وكذلك رواية محمد بن مسلم (3) عن الباقر عليه السلام ، وأوجب السيد المرتضى عليها العدة ثلاثة أشهر ، لقوله تعالى ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (4) ، قال : وهذا صريح في أن اليائسات من المحيض واللائي لم يبلغن ، عدتهن الأشهر ، ولما رواه أبي بصير ، «قال عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر ، والتي قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر» (5) ، وأجيب عن الآية بأنها مشترطة بالريبة ، وعن الرواية بضعف السند ، لأن في طريقها سماعة وابن جبلة وعلي بن أبي حمزة وكلهم منحرفون عن الحق ، وهي غير مسندة الى الامام.

قال رحمه اللّه : وحد اليأس أن تبلغ خمسين سنة ، وقيل : في القرشية والنبطية : ستين سنة.

ص: 237


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 2 من أبواب العدد ، حديث 4 مع اختلاف يسير.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 3 من أبواب العدد ، حديث 3.
3- المصدر المتقدم ، حديث 1.
4- الطلاق : 4.
5- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 2 من أبواب العدد ، حديث 6.

أقول : في حد اليأس ثلاثة أقوال :

الأول : خمسين سنة مطلقا (وهو قول الشيخ في النهاية واختاره المصنف) (1).

الثاني : ستين مطلقا ، وهو قول العلامة في منتهى المطلب ، ورجحه في المختلف.

الثالث : التفصيل ، رواه ابن بابويه في كتابه (2) ، واختاره العلامة في أكثر كتبه.

ومستند الجميع الروايات (3) ، وقريش هو النضر بن كنانة ، فمن انتسب اليه فهو قرشي ، والنبط قيل : إنهم قوم يسكنون البطائح بين العراقين البصرة والكوفة ، وقيل : إنهم عرب استعجموا أو عجم استعربوا.

قال رحمه اللّه : اما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة ، صبرت تسعة أشهر ، لاحتمال الحمل ، ثمَّ أعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر ، وهي أطول عدة ، وفي رواية عمار تصبر سنة ، ثمَّ تعتد بثلاثة أشهر ، ونزلها الشيخ في النهاية على احتباس الدم الثالث ، وهو تحكم.

أقول : المرأة التي لا (4) تحيض ومثلها تحيض تعتد بثلاثة أشهر إجماعا ، وهي المسترابة ، وهذه تراعي الشهور والحيض ، فأيهما سبق خرجت به ، وقد تبتدى العدة بالأشهر ثمَّ تصير من ذوات الأقراء ، كما لو طلقها بعد بلوغ تسع سنين وقبل رؤية الحيض ، فإنه إذا جاءها الدم قبل انقضاء ثلاثة أشهر ولو بيوم بطل الاعتداد بالأشهر ، واحتسبت الماضي قراء وافتقرت الى قرئين آخرين.

ص: 238


1- في الأصل بدل ما بين القوسين قوله : (وقيل في القرشية والنبطية : ستين).
2- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 31 ، حديث 9 وغيره.
3- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 32.
4- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

وقد ينعكس بأن تبتدئ العدة بالحيض ، ثمَّ تصير من ذوات الشهور ، كما لو رأت قرءا أو قرائن ثمَّ بلغت اليأس ، فهذه تعويض عن كل قرء يبقى بشهر.

وان انقطع الدم لعارض فلا يخلو إما أن يكون معلوما كالحمل والرضاع ، أو غير معلوم ، فان كان معلوما انتظرت الأقراء ، ولا يجوز لها الاعتداد الا بها وإن طالت مدتها ، لأن انقطاع الدم هنا لعارض معلوم الزوال ، فلا تخرج إلا بالأقراء.

وان كان غير معلوم فهي مسألة الكتاب المبحوث عنها ، وهذه تصير أقصى مدة الحمل ، فان ظهر فيها حمل أعتدت بوضعه ، وإن لم يظهر حمل دل على براءة الرحم وأعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، لأن التربص السابق لم يكن عدة ، وانما اعتبر ليعلم أنها ليست من ذوات الأقراء ، فإذا علم ذلك بمضي مدة الحمل ، ولم يكن حمل ولا رضاع ولا بلغت اليأس ، تحققت الريبة ، فعليها الاعتداد بالأشهر.

والرواية المشار إليها رواية عمار الساباطي ، «قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض في كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلقها زوجها؟ قال أمر هذه شديد ، هذه تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة من غير جماع بشهود ، ثمَّ يتركها حتى تحيض ثلاث حيضات ، متى ما حاضتها انقضت عدتها ، قلت : فان مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيضات؟ قال : تتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثمَّ قد انقضت عدتها. قلت : فان ماتت أو مات زوجها؟ قال : فأيهما مات ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهر» (1).

وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية إن كان المحتبس هو الدم الثالث.

قال المصنف : وهو تحكم ، لأن الرواية وردت غير مقيدة بالثالث ، فمن

ص: 239


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 13 من أبواب العدد ، حديث 1.

قيدها به افتقر الى الدليل وليس ، فالتقييد مع عدم الدليل الموجب له يكون تحكما.

فرع :

إذا أعتدت بثلاثة أشهر بعد مدة التربص ، فان مضت ثلاثة لم تر فيها دما انقضت عدتها وحلت لها الأزواج ، وإن رأت فيها دما بطل اعتدادها بالأشهر ، لأنا تبينا أنها من ذوات الأقراء فيلزمها الاعتداد بها وإن طالت مدتها.

وهل يجب عليها ثلاثة أقراء غير الأقراء المتخللة بين الطلاق وغاية التربص؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، وذلك لأن مدة التربص ليست من العدة فلا عبرة بها ، ونقل أبو العباس عن الشهيد قولا : إنها تبني على ما بعد الطلاق فيكفيها تمام الثلاثة (1) أقراء وهو قوي ، لأنها لما رأت الدم بعد انقطاعه تبينا أنها من ذوات الأقراء وذوات الأقراء عدتهن ثلاثة أقراء من حين الطلاق لا أزيد من ذلك ، أما لو رأت الدم الثالث قبل مضي مدة التربص ولو بيوم انقضت عدتها إجماعا ، ولو رأته بعد مدة التربص ولو بيوم كان فيه الاحتمالان.

قال رحمه اللّه : ومتى طلقت في أول الهلال أعتدت بثلاثة أشهر أهلة ، ولو طلقت في أثنائه أعتدت بهلالين ، وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ، وقيل : تكمل ثلاثين وهو أشبه.

أقول : إنما يتصور الطلاق في أول الشهر إذا قارن آخر جزء من الطلاق أول جزء من الشهر ، فلو تأخر عن ذلك ولو بساعة حصل الانكسار ، ولا يظن ظان أنه إذا طلقها في أول يوم من الشهر كان ذلك أول الشهر ، واكتفت بثلاثة أشهر أهلة وتبين برؤية الرابع ، لأن ذلك ليس مرادا إجماعا ، لأن الشهر هو ما بين الهلالين من الأيام والليالي ، فإذا وقع الطلاق بعد مضي جزء مما بين الهلالين

ص: 240


1- في النسخ : ثلاثة.

حصل انكسار الشهر ، ويقال : إنها طلقت في أثنائه.

إذا عرفت هذا ، فاذا طلقت في أثناء الشهر فقد انكسر ذلك الشهر وتعتد بعده بشهرين هلاليين ، قال المصنف : وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ، أي (1) الشهر الثالث بالنسبة إلى الشهرين الهلاليين ، وهو رابع بالنسبة إلى الشهر الأول المنكسر.

وهذا مذهب أبي حنيفة ، وقواه الشيخ في المبسوط ، لأنه لو طلقت من أول الشهر اكتفت بما بين الهلالين ، فاذا كان بعد فوات بعضه أكتفت بقضاء الفائت ، وقال الشيخ في الخلاف (2): تكمل المنكسر بثلثين ، سواء كان تاما أو ناقصا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن الشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما ، والأول متعذر في المنكسر فتعين الثاني ، فعلى الأول لو مضى من الشهر عشرون يوما ثمَّ طلقها وأهل ناقصا ، اكتفت بشهرين هلاليين بعده ، وبعشرين يوما من الرابع ، وعلى الثاني تحتسب بتسعة من الأول وتأخذ من الرابع أحد وعشرين يوما وتلفق الساعات والأنصاف ، ولا عبرة بطول الأيام وقصرها.

قال رحمه اللّه : لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة والنكاح لم يبطل ، وكذا لو حدثت الريبة بالحمل بعد العدة وقبل النكاح ، أما لو ارتابت قبل انقضاء العدة لم تنكح ولو أنقضت العدة ، ولو قيل بالجواز ما لم يتيقن الحمل كان حسنا.

أقول : المرتابة بالحمل هي التي يحصل لها بعض أمارات الحمل ، بحيث يحصل مع وجود تلك الأمارة شك في الحمل ، ككبر البطن وثقلها وغير ذلك من الأمارات ، ولا يخلو إما أن يحصل الريبة في العدة ، أو بعدها. وقبل النكاح ، أو

ص: 241


1- «م» : الى.
2- في الأصل (المختلف) والظاهر أنه تصحيف وفي «ر 1» : (المبسوط).

بعدها أو بعد النكاح (1) ، ففي الفرضين الآخرين لا يبطل النكاح ولا يحرم للحكم بخروج العدة وصحة النكاح شرعا ، ولا (2) يقدح الإباحة الشك في الحمل ما لم يتحقق. وفي الفرض الأول - وهو حصول الريبة قبل انقضاء العدة.

قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز لها ان تنكح ، فان خالفت ونكحت على تلك الحال فالنكاح باطل ، لأن النكاح مبني على الاحتياط التام ، واستحسن المصنف جواز النكاح واختاره العلامة وهو (المعتمد ، لوجود) (3) المقتضي لإباحة النكاح ، وهو خروج العدة وانتفاء الرجعة والنفقة وجواز نكاح الأخت والخامسة ، وذلك دليل على انقطاع العصمة بينهما ما لم يتحقق الحمل ، فان تحقق بعد النكاح بطل وكان نكاح شبهة.

ص: 242


1- كذا في الأصل وجميع النسخ.
2- النسخ : فلا.
3- ما بين القوسين سقط من «ر 1».

في عدة الحامل

قال رحمه اللّه : ولو طلقت (فادعت الحمل) (1) صبر عليها أقصى الحمل ، وهي تسعة أشهر ، ثمَّ لا يقبل دعواها ، وفي رواية سنة وليست مشهورة.

أقول : قد مضى تحقيق البحث في باب إلحاق الأولاد في أقصى مدة الحمل (2) ، والمعتمد أنه عشرة أشهر ، وهو اختيار المصنف (والعلامة) (3) في أكثر كتبه وأبي العباس في مقتصره ، وقال السيد المرتضى في الانتصار وأبو الصلاح : إنه سنة ، والأكثر على أنه تسعة أشهر ، واستناد الجميع الى الروايات (4).

تنبيه : إذا مضى أقصى مدة الحمل ، هل تنقضي عدتها للعلم بكذب دعواها ، أو تفتقر إلى ثلاثة أشهر بعدها؟ بالأول قال ابن إدريس ، لعدم ظهور الحمل وقد حصل ثلاثة أشهر يقين (5) فتخرج العدة بانقضاء أقصى مدة الحمل ،

ص: 243


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- ص 171.
3- ما بين القوسين ليس في «م».
4- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد.
5- كذا والكلمة في النسخ غير واضحة ، ولعل الصحيح (بيقين).

وقال الشيخ (في النهاية) (1) بالثاني ، واختاره العلامة في المختلف وفخر الدين في شرح القواعد ، لأن الأشهر التسعة مدة الاستبراء ، فتجب العدة بعدها ، ولما رواه عبد الرحمن في الصحيح ، «قال سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا أنتظر تسعة أشهر فإن ولدت والا أعتدت بثلاثة أشهر ثمَّ بانت منه» (2).

قال رحمه اللّه : ولو كان حملها اثنين بانت بالأول ، ولم تنكح الا بعد وضع الأخير ، والأشبه أنها لا تبين الا بوضع الجميع.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، لرواية عبد الرحمن بن عبد اللّه البصري (3) عن الصادق عليه السلام ، ولأن الحامل تبين من المطلق بوضع الحمل ، وهذه يصدق عليها الوضع ، وانما لم يجز نكاحها قبل وضع الثاني لاشتغال رحمها.

والثاني مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (4) ، والحمل هو الجميع ، ويظهر فائدة الخلاف في أماكن :

الأول : جواز الرجعة فيما بين الوضعين على مذهب الخلاف دون النهاية.

الثاني : وجوب النفقة على المطلق على مذهب الخلاف (دون النهاية.

الثالث : لو مات أحد الزوجين بين الوضعين ورثه الآخر على مذهب الخلاف دون النهاية) (5) ، وبالجملة هي بينهما زوجة على مذهب الخلاف.

ص: 244


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 10 من أبواب العدد ، حديث 1.
4- الطلاق : 4.
5- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

فرع : لا تنقضي العدة بانفصال بعض الولد فلو مات الزوج أو المرأة بعد خروج رأسه ورثه صاحبه ، على رأيه وورثه صاحبه ولو خرج منه قطعه كيده لم يحكم بالانقضاء ولو خرج ما يصدق عليه اسم الولد (1) ناقصا كيد علم بقاؤها (2) ، اختار (3) العلامة خروج العدة بذلك لصدق وضع الولد ، واختار فخر الدين عدم خروج العدة به ، لعدم فراغ الرحم من الحمل وهو أحوط.

قال رحمه اللّه : لو أقرت بانقضاء العدة ثمَّ جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها ، قيل : لا يلحق ، والأشبه الحاقه ما لم يتجاوز أقصى مدة الحمل.

أقول : إذا طلقها ثمَّ مضى بعد الطلاق مدة يمكن فيها انقضاء العدة ، فادعت انقضائها قبل قولها ، فإذا أتت بعد ذلك بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها ، وادعت أنه من المطلق ، قال الشيخ في المبسوط لا يحلق به ، لأن هذه الدعوى مكذبة لإقرارها (4) بانقضاء العدة ، فلا تكون مقبولة مع إمكان تجدده بعد الطلاق ، وهو ممكن بمضي ستة أشهر فصاعدا ، وقد مضت فلا يحلق الولد بالمطلق.

واختار المصنف التحاقه به ما لم يتجاوز أقصى مدة الحمل ، وذلك مع خلوها من زوج ومولى ، ووجهه : أنها كانت فراشا له وهذا الولد يمكن أن يكون منه ، وليس هنا من هو أولى منه أو (5) مساو له فيلحق به ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو المعتمد.

ص: 245


1- في نسخة في الأصل : الآدمي.
2- كذا.
3- «م» : واختار.
4- من النسخ ، وفي الأصل : إقراره.
5- في النسخ : ولا.

ص: 246

في عدة الوفاة

اشارة

قال رحمه اللّه : وفي الأمة تردد أظهره أنه لا حداد عليها.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة من وجوب الحداد ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه السلام : «إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجيهما سواء في العدة إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد» (1) ، ومن قوله عليه السلام : «لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوج أربعة أشهر وعشرة أيام» (2) ، ولم يفرق بين الحرة والأمة فيجب عليها (3) الحداد ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره ابن إدريس ، والأول مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره ابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : وان خرجت من العدة ولم تتزوج فيه روايتان ، أشهرهما

ص: 247


1- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 42 من أبواب العدد ، حديث 2.
2- المستدرك : كتاب الطلاق ، باب 25 من أبواب العدد ، حديث 9.
3- «ن» و «ر 1» : عليهما.

أنه لا سبيل عليها.

أقول : إذا أعتدت زوجة المفقود بإذن الحاكم بعد البحث عنه أربع سنين ثمَّ جاء بعد انقضاء عدتها وقبل زواجها ، قال الشيخ في النهاية والخلاف : هو أولى بها ، واختاره فخر الدين ، وقال سلار وابن إدريس هي أولى بها ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن حكم الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق ، وحكمه عدم الرجوع بعد المدة (1).

فروع :

الأول : ابتداء المدة المضروبة من حين رفع القضية إلى الحاكم ، ولا عبرة بالمدة السابقة على ذلك وإن طالت.

الثاني : لا بد من أمر الحاكم بالاعتداد بعد انقضاء المدة المضروبة ، فلو أعتدت بغير إذنه لم يجز ، وافتقرت الى عدة أخرى بعد الإذن ، لأن هذا الحكم منوط بالحاكم لكونه من المسائل الاجتهادية ، فلا بد من إذنه فيه ، ولا يناط باجتهاد غير الحاكم.

الثالث : هذه العدة كعدة الوفاة ، يجب فيها الحداد على الزوجة ، وإن قيل بافتقارها الى الطلاق.

الرابع : لو غلط الحاكم في الحساب فأمرها بالاعتداد قبل مضي أربع سنين ، فاعتدت وتزوجت ثمَّ ظهر الغلط ، بطل النكاح الثاني ، واستقرب العلامة في قواعده أنها تحرم على الثاني مؤبدا ، وقواه فخر الدين ، لأن مدة التربص كالعدة ، وكل من عقد على معتدة ودخل بها حرمت عليه أبدا ، ويحتمل العدم ، لأن مدة التربص ليست عدة حقيقة ، ولم يحصل من (2) زنا بذات بعل لحصول

ص: 248


1- في النسخ : العدة.
2- في النسخ : (منه).

الشبهة ، ولأصالة الإباحة.

تنبيه : هل يفتقر الى الطلاق (1) بعد البحث أم لا؟ أطلق الشيخان وابن البراج وابن إدريس والمصنف القول بالاعتداد بعد مدة البحث عدة الوفاة ، ثمَّ تحل للأزواج ولم يقيدوا بالطلاق ، قال (2) ابن الجنيد : يأمر السلطان الولي بالطلاق ، فان لم يطلق أمرها بالعدة ، وقال ابن بابويه يأمر السلطان الولي بالطلاق ، فان لم يطلق طلقها الحاكم ، وبه قال ابن حمزة ، واختاره العلامة وفخر الدين وأبو العباس ، لما رواه بريد بن معاوية العجلي في الصحيح ، «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المفقود ، كيف تصنع امرأته؟ قال : ما سكتت وصبرت فخل عنها ، وإن رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ثمَّ يكتب الى الصقع الذي فقد فيه. فيسأل عنه ، فإن أخبر عنه بحياة صبرت وإن لم يخبر عنه بحياة حتى يمضي أربع سنين دعا ولي الزوج المفقود ، فقيل له : هل للزوج مال؟ فان كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته ، وإن لم يكن له مال قال أنفق عليها ، فان فعل فلا سبيل لها الى أن تتزوج ما أنفق عليها ، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي أن يطلقها تطليقة في استقبال العدة. وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فان جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين وإن انقضت العدة قبل أن يجي ء ويراجع فقد حلت للأزواج ، ولا سبيل للأول عليها» (3) ، انتهت الرواية.

وقال العلامة في قواعده والأقرب أنّ للحاكم أن يطلقها بعد مضي مدة (4) البحث ، للرواية الصحيحة وهي هذه الرواية التي ذكرناها ، وانما أسند العلامة

ص: 249


1- في النسخ : (طلاق).
2- في النسخ : (وقال).
3- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، حديث 1.
4- هذه الكلمة ليست في «ن».

الطلاق الى الحاكم والرواية دالة على إيقاعه من الولي ، لأن الحاكم هو المطلق بالحقيقة ، لأن طلاق الولي موقوف على أمر الحاكم وإذنه فيه ، وهو غير واقع بغير إذن الحاكم ، فكأن الحاكم هو المطلق وإن كان المباشر غيره ، ولو لم يكن للمفقود ولي باشر الطلاق الحاكم.

قال رحمه اللّه : لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها ، نظرا الى حكم الحاكم بالفرقة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن نفقة الزوجة تابعة للزوجية والتمكن ، وقد حكم الحاكم بالفرقة فتنقطع الزوجية فتنقطع النفقة ، ومن حيث أنه إذا حضر قبل انقضاء العدة صارت كالعدة الرجعية ، لجواز رجوعه فيها فيلزمه النفقة على مذهب الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في التحرير ، وهو اختيار فخر الدين (1).

قال رحمه اللّه : إذا أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به ، ولو ادعاه الأول وذكر أنه وطأها سرا لم يلتفت الى دعواه ، وقال الشيخ : يقرع بينهما ، وهو بعيد.

أقول : بالقرعة قال الشيخ في المبسوط لكونه ممكنا ، ووجه بعده أنه قد بانت من الأول وزال فراشه وصارت فراشا للثاني ، وقال عليه السلام : «الولد

ص: 250


1- في هامش الأصل حاشية لم يعلم لمن وهي : إذ مات المفقود أو زوجته بعد الحكم بالفرقة ، فاما أن يكون موته في أثناء العدة أو بعدها قبل التزويج أو بعده ، ففي الأخير لا توارث بينها ، وكذا لو كان بعد العدة ، لانقطاع العصمة بينهما. وعلى القول بأنه لو حضر كان أحق بها يحتمل التوارث لظهور وجوده ، والأقوى عدم التوارث ، ولو مات أحدهما وهي في العدة فقولان : العدم لأن العدة عدة وفاة ، والآخر التوارث وهو الأقوى لبقاء حكم الزوجية.

للفراش» (1) فيكون تابعا له وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة وكذا لا ترثه ، والتردد لو مات أحدهما في العدة ، والأشبه الإرث.

أقول : منشؤه من أنها عدة بائنة ، والبائنة لا ميراث فيها ، ومن عدم (2) انقطاع العصمة بينهما ، لأنه لو حضر في العدة كان له الرجوع فيها وكل عدة يصح الرجوع فيها يثبت فيها التوارث ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ص: 251


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 9 ، حديث 3.
2- هذه الكلمة ليست في «م».

ص: 252

في عدة الإماء

قال رحمه اللّه : عدة الإماء في الطلاق مع الدخول قرآن وهما طهران ، وقيل : حيضتان ، والأول أشهر.

أقول : تقدم البحث (1) في تفسير القرء فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه اللّه : وعدة الذمية كالحرة في الطلاق ، والوفاة ، وفي رواية تعتد عدة الأمة ، وهي شاذة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، «قال : سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها ، هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال : لا ، الى قوله ، فقلت : ما عدتها؟ فقال : عدتها عدة الأمة ، حيضة أو خمسة وأربعون يوما» (2) والمشهور أن عدتها عدة الحرة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كانت أم ولد لمولاها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا.

ص: 253


1- ص 236.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 45 من أبواب العدد ، حديث 1. وفيه (حيضتان) بدل (حيضة).

أقول : مراده إذا زوج السيد أمته وله منها ولد كانت عدتها من (الطلاق ووفاة) (1) الزوج كالحرة ، لأن لها تشبثا بالحرية كالمكاتبة ، ولو مات السيد عن أم ولد يطأها ، قال أبو الصلاح : أعتدت من موته كالحرة ، وهو ظاهر ابن حمزة ، واختاره أبو العباس في مهذبه لموثقة إسحاق بن عمار (2) عن أبي إبراهيم عليه السلام.

وقال ابن إدريس : لا عدة عليها من موت سيدها غير الاستبراء بحيضة ، لأصالة براءة الذمة من وجوب العدة ، لأنها ليست زوجة بل هي باقية على الملك والعبودية إلى حين الوفاة ، وهي (3) كسائر الإماء الموطوءات ، وجنح إليه العلامة في المختلف ، وجزم به في التحرير.

ص: 254


1- ما بين القوسين ليس في نسخة في الأصل ، وما أثبتناه موافق للنسخ ولنسخة الأصل الأخرى.
2- الوسائل ، كتاب الطلاق ، باب 42 من أبواب العدد ، حديث 4.
3- في النسخ : فهي.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو طلقت في مسكن دون مستحقها ، جاز لها الخروج عند الطلاق الى مسكن يناسبها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من عموم تحريم الخروج من منزل الطلاق ما لم تأت بفاحشة ، ومن حصول الغضاضة على الزوجة بلبثها في مسكن غير مناسب لحالها ، فلها الانتقال الى ما يناسب حالها ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد.

وكذا يجوز نقلها من منزل الطلاق الى غيره عند الضرورة ، كما لو كان بيتها في طرف البلد وخافت من الإقامة فيه ، أو كانت بين قوم فسقة ، أو خافت انهدام المسكن.

قال رحمه اللّه : لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إذا كان بقدر مسكنها إلا بإذنها ، أو مع انقضاء عدتها ، لأنها استحقت السكنى فيه على صفة ، والوجه أنه لا سكنى بعد الوفاة ما لم تكن حاملا.

أقول : السكنى تابعة لوجوب النفقة ، فمن لا نفقة لها لا سكنى لها ، والنفقة إنما

ص: 255

هي للمطلقة الرجعية والبائن الحامل ، والموت مع عدم الحمل مسقط للنفقة إجماعا.

وهل يسقطها مع الحمل؟ فيه خلاف قد تقدم (1) ، وهو مبني على أن النفقة هل هي للحمل أو للحامل بشرط الحمل؟ وقد سبق تحقيقه.

قال رحمه اللّه : ولا نفقة للمتوفي عنها ولو كانت حاملا ، وروي أنه ينفق عليها من نصيب الحمل ، وفي الرواية بعد.

أقول : قد سبق البحث في هذه في باب النفقات (2).

قال رحمه اللّه : لو تزوجت في العدة لم يصح ولم تنقطع عدة الأول فإن لم يدخل الثاني بها فهي في عدة الأول ، وإن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك حملت أو لم تحمل ، ولو كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول ، لأنها أسبق واستأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين.

أقول : قد سبق البحث في هذه في باب المحرمات (3) مستوفى فليطلب من هناك ، وباقي الخلاف المذكور في هذا الباب الى كتاب الخلع لا يفتقر الى الشرح لتنبيه المصنف على وجه الخلاف فيها.

ص: 256


1- ص 184.
2- ص 184.
3- ص 61 - 63.

كتاب الخلع

اشارة

ص: 257

ص: 258

في الصيغة

قال رحمه اللّه : وهل يقع بمجرده؟ المروي نعم ، وقال الشيخ : لا يقع حتى يتبع بالطلاق.

أقول : قال المرتضى وابن الجنيد والمفيد وسلار ومحمد بن بابويه وابن حمزة يقع بمجرده ، واختاره العلامة في مختلفة ، وفخر الدين وأبو العباس في مقتصره ، لروايات (1) كثيرة ، منها ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ، «قال الخلع تطليقة بائنة» (2) ، وقال الشيخ : يفتقر إلى إتباعه بالطلاق ، واختاره ابن إدريس ، لأصالة بقاء النكاح حتى يعلم السبب المزيل له ، ولرواية موسى بن بكير عن أبي الحسن الأول عليه السلام ، «قال : المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في عدتها» (3) ، والأول هو المعتمد.

تنبيه : لا يشترط تقديم البذل على الخلع ، بل يكفي قوله خلعتك ، أو

ص: 259


1- «ر 1» : والروايات.
2- الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، باب 5 ، حديث 2 مع اختلاف يسير.
3- الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، باب 3 ، حديث 1.

أخلعتك ، أو خلعت موكلتك فلانة على كذا ، فتقول هي أو وكيلها : قبلت ، ولا يلزم بدون القبول منها أو من وكيلها ، ولو سبق البذل منها أو من وكيلها لم يفتقر الى القبول بعد الخلع ، ولو قلنا بافتقاره الى الطلاق أو أتبعه به وإن لم يفتقر اليه ، فقال : خلعتك على كذا (وأنت) (1) طالق ، فلم تقبل وقعت الطلقة رجعية ، إن شاء رجع وإن شاء ترك ، ولا يجب عليها القبول.

قال رحمه اللّه : وبتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع هل يكون فسخا أو طلاقا؟ قال المرتضى رحمه اللّه : هو طلاق ، وهو المروي ، وقال الشيخ رحمه اللّه : الأولى ان يقال فسخ ، وهو تخريج.

أقول : القول بوقوع الفرقة بلفظ الخلع ، هل هو طلاق؟ بمعنى أنه (هل تعد في الثلاث) (2)؟ قال المرتضى وابن الجنيد والعلامة في المختلف : إنه طلاق بمعنى أنه يعد في الثلاث (3) ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو المعتمد ، لما روي عن (4) ثابت بن قيس لما خلع زوجته بين يدي النبي صلى اللّه عليه وآله لم يأمره بلفظ الطلاق ، فلما خالعها قال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أعتدي ، ثمَّ التفت الى أصحابه وقال : هي واحدة» (5) ، ولما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام : «الخلع تطليقة بائنة (وليس فيها رجعة) (6)» (7) ، وفي

ص: 260


1- في النسخ : أنت.
2- في «م» : (يعد في الثلاث) وفي «ن» و «ر 1» : (يعد من الثلاث).
3- في «م» : (بمعنى أنه يعد في الثلاث).
4- في النسخ : (أن).
5- لاحظ كنز العمال ج 3 ص 224 ، وفي المستدرك ، كتاب الخلع والمبارأة ، باب 3 ما يناقض ذلك مع اتحاد الحادثتين ظاهرا.
6- ما بين القوسين ليس في النسخ.
7- تقدمت هذه الرواية في المسألة السابقة.

معنى ذلك روايات كثيرة (1).

وقال الشيخ : ولو قلنا بوقوعه مجردا كان الأولى أنه فسخ ، لأنه لو كان طلاقا لكان كناية لا صريحا ، والطلاق لا يقع بالكناية ، ولقوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) ثمَّ قال ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) ، ثمَّ قال ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (2) ، وقد ذكر تعالى تطليقتين ، والخلع وتطليقة بعده ، فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا ، وهذا محال.

وقول المصنف (وهو تخريج) : أي قول الشيخ مخرج غير منصوص عليه ، لأن التخريج هو : تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه ، ولم يرد النص بأن الخلع فسخ ، وانما حمله الشيخ على الفسخ لخلوه من لفظ الطلاق وكل فرقة حصلت بغير لفظ الطلاق فهي فسخ ، فكان الخلع فسخا.

ويحتمل أن يكون مراده بالتخريج هنا : تنزيل الحكم على غير مذهب القائل على تقدير قوله بالمذهب الذي يتفرّع عليه الحكم ، لأن الشيخ لم يقل بوقوعه مجردا ، فكان قوله بأنه فسخ تخريجا على مذهب القائل بوقوعه مجردا لا على مذهبه.

وعلى القول بأنه فسخ يصح من ولي الطفل مع المصلحة ، ولا يصح على القول بأنه طلاق.

ص: 261


1- الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، حديث 3 - 5 - 10.
2- لاحظ الآيتين 229 ، 230 من سورة البقرة.

ص: 262

في الفدية

قال رحمه اللّه : ويصح بذل الفداء منها ومن وكيلها وممن يضمنه بأذنها ، وهل يصح من المتبرع؟ فيه تردد ، والأشبه المنع.

أقول : منشؤه من أنه عقد معاوضة فلا يكون المعوض لشخص والعوض على غيره ، فلا يصح من المتبرع ، ومن أنه افتداء ، لقوله تعالى ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (1) ، وهو يصح من الأجنبي ، والأول مذهب الشيخ واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : اما لو قال(2) طلقها على ألف من مالها وعلي ضمانها ، أو على عبدها هذا وعلي ضمانه صح ، فان لم ترض بدفع البذل صح الخلع وضمن المتبرع ، وفيه تردد.

أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، ومنشأ التردد من فتوى الشيخ ، ولأنه مما تمس الحاجة إليه فهو كقوله : ألق متاعك في البحر وعلي

ص: 263


1- البقرة : 229.
2- هذه الكلمة ليست في «م» و «ن».

ضمانه ، ومن أنه ضمان ما لم يجب فيكون باطلا ، ومع بطلان العوض يبطل الخلع ، لاشتراط صحته بسلامة العوض ، وهو لم يسلم.

قال رحمه اللّه : ولو خالعت في مرض الموت صح وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل ، وفيه قول أن الزائد عن مهر المثل من الثلث ، وهو أشبه.

أقول : الخلاف هنا مبني على أن منجزات المريض هل هي من الأصل أو من الثلث؟ وقد سبق (1) البحث في ذلك ، والمعتمد أنها من الثلث.

قال رحمه اللّه : ولو خلعها على عين فبانت مستحقة ، قيل : يبطل الخلع ولو قيل : يصح ويكون له القيمة أو المثل إن كان مثليا كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط ، يبطل الخلع ، لأن العوض شرط في صحة الخلع ، وإذا بطل الشرط بطل المشروط ، ويحتمل عدم البطلان لأصالة الصحة ، ويضمن المثل أو القيمة ، والمعتمد الأول وهو اختيار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ويصح البذل من الأمة ، فان أذن مولاها انصرف الإطلاق إلى الاقتداء بمهر المثل ، ولو بذلت زيادة عنه ، قيل : يصح وتكون لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار ، وتتبع بأصل البذل مع عدم الإذن.

أقول : المشهور بين الأصحاب جواز بذل الأمة مع الاذن وعدمه ، فمع عدم الاذن يتعلق البذل في ذمتها تتبع به بعد العتق واليسار ، وكذا لو زاد بذلها عن القدر المأذون فيه ، أو زاد عن مهر المثل مع الإطلاق ، فالزائد في ذمتها تتبع به بعد العتق واليسار لا أعلم في ذلك خلافا.

وإنما الخلاف في محل البذل المأذون فيه ، قال الشيخ في المبسوط : إن كانت مأذونا لها في التجارة أعطت مما في يدها ، وإن لم تكن تاجرة أعطت من كسبها ، فإن لم يكن لها كسب تعلق بذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها ، واستحسن العلامة

ص: 264


1- ج 2 ، ص 451.

في القواعد تعلقه بذمة السيد مع الاذن مطلقا ، سواء كانت تاجرة أو لا وسواء كانت مكتسبة أو لا ، وهو بناء على أن مهر العبد على سيده مع الاذن بالنكاح ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قالت : لأدخلن عليك من تكرهه لم يجب [عليه] خلعها ، بل يستحب ، وفيه رواية بالوجوب.

أقول : بمضمون الرواية (1) قال الشيخ في النهاية ، لأنه قال : إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها : إني لا أطيع لك أمرا ، ولا أقيم لك حدا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه إن لم تطلقني ، فإذا سمع منها هذا القول أو علم من حالها عصيانه في شي ء من ذلك إن لم يطلق وجب عليه خلعها ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة ، لأن النهي عن المنكر واجب ، ولا يتم الا بالخلع.

وأنكر الوجوب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب ، وهو المعتمد.

ص: 265


1- صرح في الجواهر (33 : 45) - ونقله عن غيره أيضا - أنه لم يعثر على رواية بالوجوب.

ص: 266

في الأحكام

قال رحمه اللّه : إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها ، وقيل : هو منسوخ ، ولم يثبت.

أقول : إذا فعلت المرأة الفاحشة ، وهي الزنا ، جاز للرجل عضلها - وهو منعها - من حقوقها حتى تفدي نفسها ، لقوله تعالى ( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (1) ، قال الشيخ في المبسوط دلت هذه الآية على أنها متى زنت جاز عضلها وإحواجها (2) بالعضل الى أن تفدى نفسها ، قال : وقيل : إنها منسوخة كما نسخت أية الحبس (3) بالفاحشة عن الحبس الى الحدود ، ثمَّ قال : والأول أقوى ، لأنه الظاهر ولا دليل على أنها منسوخة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لقيام الدليل على الجواز ، وعدم ثبوت النسخ.

ص: 267


1- النساء : 19.
2- في النسخ : (وإخراجها).
3- النساء : 15.

ويحتمل العدم ، لقوله تعالى ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (1) ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قالت : طلقني ثلاثة بألف فطلقها قال الشيخ : لا يصح ، لأنه طلاق بشرط ، والوجه أنه طلاق في مقابله بذل ، فلا يعد شرطا.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي القولين ، واختار المصنف والعلامة وابنه صحة الطلاق وهو المعتمد ، لأنه طلاق لغرض - وهو البذل - فلا مانع منه.

قال رحمه اللّه : فان قصدت الثلاث ولاء لم يصح البذل وان طلقها ثلاثا مرسلا ، لأنه لم يفعل ما سألته ، وقيل : يكون له الثلث لوقوع الواحدة.

أقول : معنى الولاء أن يقول : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، ومعنى المرسلة هنا : أن يقول أنت طالق ثلاثا.

ووجه البطلان في الأول امتناع الغاية المجعول عليها ، لأن الطلاق الثاني والثالث (لو) (2) أوقعه على مطلقة فهو لغو لا حكم له ، وإذا امتنع الفعل المجعول عليه بطلت الجعالة.

واما وجه البطلان في الثاني وهو الطلاق المرسل ، فلأنه لم يوقع ما سألته ، لأنه سألته ثلاثا فلا يستحق مع المخالفة شيئا ، والمعتمد بطلان البذل ووقوع الطلاق رجعيا.

قال رحمه اللّه : ولو كانت معه على طلقة ، فقالت طلقني ثلاثا بألف ، فطلق واحدة كان له ثلث الألف ، وقيل : له الألف إن كانت عالمة ، والثلث إن كانت جاهلة ، وفيه الاشكال.

ص: 268


1- النساء : 4.
2- هذه الكلمة ليست في «ر 1».

أقول : منشأ الاشكال من حيث أن البذل وقع في (1) مقابلة المجموع من حيث هو مجموع ، فلا يقع البعض مقابل البعض ، ووجه وجوب الالف مع العلم تنزيل كلام المسلم على الصحة ، وهي تعلم عدم وقوع الثلاث عليها فيكون مقصودها تكميل الثلاث ليقع التحريم ، وأما مع الجهل فيكون مقصودها العدد و (هو) (2) لا يقع منه غير واحدة ، فيكون لها (مع) (3) مقابلها من البذل.

والمعتمد إن قصدت تكميل الثلاث ليحصل التحريم استحق الألف وإلا لم يستحق شيئا.

قال رحمه اللّه : لو اتفقا على ذكر القدر دون الجنس واختلفا في الإرادة ، قيل : يبطل ، وقيل : على الرجل البينة ، وهو أشبه.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط ، لأن عند التناكر يصير البذل مجهولا ، فيبطل ويرجع الى مهر المثل ، واختار المصنف أن على الزوج البينة ، لأنه مدع ومع فقد البينة يكون القول قولها ، لأنها أبصر بنفسها (4) وقصدها ، واختاره العلامة وابنه.

ص: 269


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في «ن» و «ر 1».
3- هذه الكلمة ليست في «م» و «ر 1».
4- في «م» و «ر 1» : (بنيتها).

ص: 270

كتاب الظهار

اشارة

ص: 271

ص: 272

في الصيغة

قال رحمه اللّه : ولو شبهها بظهر احدى المحرمات نسبا أو رضاعا كالأم أو الأخت ، فيه روايتان أشهرهما الوقوع.

أقول : اختلف الأصحاب في المشبه بها ، قال الشيخان وابن الجنيد هي كل محرمة بنسب أو رضاع ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لقوله عليه السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (1) ، ولما رواه زرارة في الصحيح (2) عن الباقر عليه السلام.

وقال (ابن إدريس : إنها الأم خاصة ، واختاره فخر الدين لرواية سيف التمار عن الصادق عليه السلام) (3) ، «قال : قلت له : إن الرجل يقول لامرأته : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي ، فقال : إنما ذكر اللّه الأمهات ، وإن هذا الحرام» (4) واقتصر ابن البراج على المحرمات بالنسب دون الرضاع للفرق بين

ص: 273


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 4 ، حديث 1.
3- ما بين القوسين ليس في «م».
4- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 4 ، حديث 3.

التحريم بالنسب والتحريم بالرضاع ، لأن التحريم بالنسب ملازم للوجود ، والتحريم بالرضاع مسبوق بالإباحة ، وإنما حصل التحريم بعد الرضاع ، فالفرق ظاهر ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو شبهها بيد أمه أو شعرها أو بطنها ، قيل : لا تقع ، اقتصارا على منطوق الآية ، وبالوقوع رواية فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه سدير عن الصادق عليه السلام ، «قال : قلت له الرجل يقول لامرأته : أنت علي كشعر أمي أو بطنها أو كرجلها؟ قال : ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار» (1) ، وفي طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط ، وابن البراج في المهذب ، وابن حمزة.

وقال المرتضى وابن إدريس بعدم الوقوع ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لأصالة الإباحة ما لم يعلم السبب المحرم ، وهو غير معلوم هنا.

قال رحمه اللّه : ولو جعله يمينا لم يقع ولا يقع الا منجزا ، فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة لم يقع على القول الأظهر ، وقيل : يقع ، وهو نادر. وهل يقع في إضرار؟ قيل : لا ، وفيه إشكال ، منشؤه التمسك بالعموم ، وفي وقوعه موقوفا على الشرط تردد ، أظهره الجواز. ولو قيده بمدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة ، قال الشيخ : لا يقع ، وفيه إشكال مستند الى عموم الآية ، وربما قيل : إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع ، وهو تخصيص للعموم بالحكم المخصوص ، وفيه ضعف.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : لا يقع الظهار بجعله يمينا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي إن

ص: 274


1- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 9 ، حديث 2.

فعلت كذا ، فصورة اليمين صورة الشرط ، ويحصل الفرق بينهما من وجهين :

الأول : أن اليمين لا يكون متعلقة (1) بفعل غير المتكلم ، والشرط قد يتعلق بفعل المتكلم وبغير فعله ، كقوله : إن برئ مريضي أو قدم مسافري ، والبرء والقدوم ليس من فعل الحالف.

الثاني : إن اليمين يكون المقصود منها كف النفس وزجرها عن إيجاد الشرط ، وإلزام نفسه بمحذور الظهار إن أوجد الشرط ، فهو يترك الشرط حذرا من الظهار ، كما يترك الحالف الحنث حذرا من الكفارة ، وأما الشرط فالمقصود منه مجرد التعليق ، فغرضه وجود المشروط (2) عند وجود الشرط (3) ، فهو نقيض (4) اليمين.

الثانية : هل يقع معلقا على صفة ، كقوله إذا انقضى الشهر : أنت على كظهر أمي ، أو إذا دخل يوم الجمعة : أنت علي كظهر أمي؟ المشهور بين الأصحاب عدم وقوعه معلقا على الصفة.

وأعلم أن القول بوقوعه هنا فرع على القول بوقوع المشروط ، فكان ينبغي للمصنف تقديم الأصل على الفرع في الترتيب كما فعله في المختصر ، وهنا قدم الفرع على الأصل ، وهو غير مستحسن ، فكل قائل بعدم وقوعه مشروطا (منعه هنا) (5) ، والقائلون بوقوعه مشروطا اختلفوا هنا ، قال الشيخ في المبسوط : بالوقوع لاشتراكهما بالتعليق ، وقال الأكثر : لا يقع ، لعدم النص على وقوعه معلقا

ص: 275


1- كذا
2- في «ن» : (الشرط).
3- في «ن» : (المشروط).
4- في «م» : (مقتضى).
5- في النسخ بدل ما بين القوسين : (قائل بعدم وقوعه معلقا بالصفة).

على الصفة ، وقد ورد النص (1) بوقوعه مشروطا ، والفرق بينهما : أن الشرط يمكن وقوعه والمعلق على الزمان يستحيل وقوعه في الحال ويتحتم وقوعه فيما بعد.

الثالثة : هل يقع الظهار إذا قصد به إضرار المرأة؟ قال الشيخ في النهاية : لا يقع ، واختاره العلامة ، لقوله عليه السلام : «لا ضرر ولا إضرار» (2) ، ويحتمل وقوعه مطلقا ، لعموم الآية (3) ، وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد وابن إدريس ، لأنهم أطلقوا القول بوقوع الظهار ولم يقيدوا بعدم الإضرار ، والمعتمد مذهب العلامة.

والمراد بالإضرار المانع من الظهار : هو أن يكون مقصود المظاهر إضرار المظاهر منها فقط ، فهذا القصد يمنع من وقوع الظهار عند القائل به وإن لم تتضرر المرأة بالظهار ، وإن أوقعه لغرض غير الإضرار ، فإنه يقع وإن تضررت به ، فالمعتبر قصد المظاهر ولا أثر لتضررها مع عدم قصد الإضرار ، ولا (أثر) (4) لعدم تضررها مع قصد الإضرار ، لأن دليلهم على حكم الظهار قوله تعالى ( قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَسْمَعُ ) (5) ، الآيات ، وذلك أن خولة بنت مالك بن ثعلبة ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأخبرته بذلك ، فأخبرها بتحريمها عليه ، فرفعت يديها الى السماء وقالت : أشكو إلى اللّه فراق زوجي ، فنزلت الآيات (6) ، ولا خلاف بينهم في وقوع هذا الظهار ، والآية دلت على شكوى الزوجة الى اللّه ، والشكوى دلالة على تضررها بفراق زوجها ، فلو كان لتضرر الزوجة مع عدم

ص: 276


1- الوسائل ، كتاب الظهار ، الباب 16.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 7 ، حديث 2 ، مع اختلاف ولم نعثر عليه بلفظه.
3- المجادلة : 3.
4- هذه الكلمة ليست في نسخة من الأصل.
5- المجادلة : 1 و 2 و 3 و 4.
6- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 1 ، حديث 1 و 2 و 4.

قصد الزوج الإضرار أثر لوقع الخلاف في هذا الظهار ، وهو غير واقع ، فثبت أن الاعتبار بقصد الزوج ، ولا اعتبار بحال المرأة.

الرابعة : في وقوعه موقوفا على شرط ، وهو اختيار الشيخ ومحمد بن بابويه وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، لعموم الآية (1) ، ولما رواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، «قال : الظهار ظهاران ، أحدهما : أن يقول : أنت علي كظهر أمي ، ثمَّ يسكت. فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع ، وإذا قال : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا فقد وجبت عليه الكفارة حين يحنث» (2).

وقال السيد المرتضى وابن البراج وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس : لا يقع مشروطا ، لرواية القاسم بن محمد ، «قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إني ظاهرت من امرأتي؟ فقال : كيف قلت؟ قال : قلت : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ، فقال : لا شي ء عليك ولا تعد» (3).

الخامسة : هل يقع مؤقتا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي يوما ، أو شهر ، أو سنة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يقع ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، لما رواه سعيد الأعرج في الصحيح ، عن الكاظم عليه السلام ، «في رجل ظاهر من امرأته يوما؟ قال : ليس عليه شي ء» (4) ، وقال ابن الجنيد : يلزمه الظهار ، للعموم (5) ، فحينئذ لو أنقضت مدة الظهار حلت من غير تكفير ، واختاره العلامة في القواعد ، واختار فخر الدين مذهب الشيخ ، وعلى القول بوقوعه موقتا

ص: 277


1- المجادلة : 3.
2- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 16 ، حديث 7.
3- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 16 ، حديث 4.
4- المصدر المتقدم ، حديث 10 ، لاحظ الجواهر ، ج 33 ، ص 109 - 111.
5- المجادلة : 2.

لا فرق بين أن يقصر المدة عن زمان التربص أو لا ، للعموم (1) ، وزمان التربص هنا ثلاثة أشهر.

قال رحمه اللّه : وكذا لو قال : أنت حرام كظهر أمي.

أقول : هذا عطف على المسألة السابقة التي ذكر المصنف وجه الخلاف فيها ، ومذهب الشيخ في الأولى وقوع الظهار ، ومذهبه في هذه عدم وقوعه ، والمصنف عطف هذه على مذهبه في السابقة وهو عدم الوقوع ، لأن هذه (الصيغة غير) (2) الصيغة المنصوصة (3) ، والأصل بقاء الحل ، وهو ظاهر العلامة في القواعد ، واختار في المختلف وقوع الظهار ، واختاره فخر الدين أيضا ، لرواية زرارة الصحيحة ، عن الباقر عليه السلام ، «قال : سألته عن الظهار؟ فقال : يقول الرجل لامرأته وهي طاهر من غير جماع : أنت علي (حرام) كظهر أمي أو أختي ، وهو يريد الظهار» (4).

ص: 278


1- المصدر المتقدّم.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 1.
4- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 2 ، حديث 2. وما بين القوسين ليس في الأصل وإن كان في النسخ والمصدر أيضا.

في المظاهرة

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط الدخول تردد ، والمروي اشتراطه.

أقول : منشؤه من عموم الآية (1) ، ومن صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، «في المرأة التي لم يدخل بها؟ قال : لا يقع فيها إيلاء ولا ظهار» (2) ، ومثلها رواية الفضل بن يسار (3) ، عن الصادق عليه السلام ، واشتراط الدخول مذهب الشيخ وابن بابويه وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، وعدم الاشتراط مذهب المفيد وسلار وأختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : وهل يقع بالمستمتع بها؟ فيه خلاف ، والأظهر الوقوع.

أقول : وقوعه بها مذهب السيد المرتضى وابن زهرة وأبي الصلاح ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والمختلف ، وأبو العباس ، وهو المعتمد ،

ص: 279


1- المجادلة : 2.
2- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 8 ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 8 ، حديث 1.

لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (1) ، وهي من النساء.

وقال ابن بابويه وابن الجنيد : لا تقع بها ، واختاره ابن إدريس ، لما رواه ابن فضال ، عمن أخبره «قال : لا يكون الظهار الا على موضع الطلاق» (2) ، والمستمتع بها لا يقع بها طلاق ، فلا يقع بها ظهار.

وأجيب بإرسال الرواية مع ضعف سندها.

قال رحمه اللّه : وفي الموطؤة بالملك تردد ، والمروي أنه يقع كما يقع بالحرة.

أقول : منشؤه من أنها من النساء لتحريم أمها وبنتها وأختها ، فتدخل في عموم الآية (3) ، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، «قال : سألته عن الظهار على الحرة والأمة؟ قال : نعم» (4) ، ومثلها رواية إسحاق بن عمار (5) عن الكاظم عليه السلام ، ومن أصالة بقاء الحل ، ورواية حمزة بن حمران ، «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر أمه؟ قال : يأتيها ، وليس عليه شي ء» (6) ، وفي طريقها ابن فضال وهو ضعيف ، ومساواتها مذهب الشيخ في النهاية (والخلاف) (7) ، وبه قال ابن أبي عقيل ، وابن حمزة ، والعلامة في المختلف (والتحرير) (8) ورجحه أبو العباس في مقتصره ، وقال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس بعدم وقوعه بها ، والأول هو المعتمد.

ص: 280


1- المجادلة : 2.
2- الوسائل ، كتاب الظهار باب 16 ، حديث 13.
3- المجادلة : 3.
4- الوسائل ، كتاب الظهار ، باب 11 ، حديث 2.
5- المصدر المتقدم ، حديث 1.
6- المصدر المتقدم ، حديث 6.
7- ليست في «ن» وفي الأصل : (المختلف).
8- ليست في «ن».

في الأحكام

قال رحمه اللّه : الظهار محرم لاتصافه بالمنكر ، وقيل : لا عقاب فيه ، لتعقيبه بالعفو.

أقول : أجمع أصحابنا على تحريم الظهار ، لقوله تعالى ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) (1) وكل منكر حرام ، وكذا كل زور ، ثمَّ اختلفوا.

قال بعضهم : إنه يعفى عنه ولا يعاقب عليه في الآخرة ، لقوله تعالى ( وَإِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) (2) ، عقب بالعفو ، أو هو يستلزم نفي العقوبة ، (وقيل نفي العقوبة) (3) غير متحتم ، بل تفضل من اللّه تعالى ، إن شاء عفى وإن شاء عاقب.

قال رحمه اللّه : لا تجب الكفارة بالتلفظ وانما تجب بالعود ، وهو إرادة الوطي ، والأقرب أنه لا استقرار لها ، بل معنى الوجوب تحريم الوطي حتى يكفر.

أقول : إذا أراد المظاهر الوطي وجبت عليه الكفارة قبله ، لقوله تعالى :

ص: 281


1- المجادلة : 2.
2- المجادلة : 2.
3- ما بين القوسين ليس في «ن».

( ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (1) والعود إرادة الوطئ ، وهل يستقر بمجرد هذه الإرادة وتستقر في ذمته ، أو معنى الوجوب تحريم الوطي حتى يكفر؟ أكثر الأصحاب على الثاني ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، والأول مذهب نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واختاره العلامة في التحرير.

وتظهر الفائدة في أماكن :

الأول : لو أراد الوطي ثمَّ مات قبله ، وجبت الكفارة في ماله على الأول دون الثاني.

الثاني : لو طلق بعد إرادة الوطي قبله ، وجبت الكفارة على الأول خاصة.

الثالث : وجوب إخراجها على الفور عند الإرادة ، على الأول دون الثاني.

الرابع : سقوط الزكاة لو كانت الكفارة تمام النصاب ، وأراد الوطي قبل دخول الحول ، ولم يطأ حتى حال الحول ، على الأول دون الثاني.

قال رحمه اللّه : ولو ظاهر من واحدة مرارا وجب عليه بكل مرة كفارة ، فرّق الظهار أو تابعه ، ومن فقهائنا من فصّل.

أقول : تعدد الكفارة بتعدد المرات مطلقا ، سواء كان الثاني متراخيا أو غير متراخ ، وسواء اتحدت المشبه بها أو تعددت ، هو مذهب الشيخ في النهاية ، والحسن بن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن كل ظهار سبب مستقل يوجب التكفير لعموم الآية (2) ، ولأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية ، وأحكام الظهار معلقة على حصوله ، فيكون علة ، وهو موجود في كل مرة.

وقال الشيخ في المبسوط وابن حمزة بتكرر الكفارة مع تراخي الثاني عن

ص: 282


1- المجادلة : 3.
2- المجادلة : 3.

الأول ، ومع تتاليه ، إن قصد بالثاني ظهارا مستأنفا تعدد (1) وإن قصد به تأكيد الأول لم يتعدد ، وادعى الشيخ الإجماع على عدم التعدد مع قصد التأكيد ، وهو ظاهر فخر الدين.

وقال العلامة في المختلف : قول الشيخ لا بأس به.

وقال ابن الجنيد : يتعدد إن تعدد المشبه بها ، كقوله : أنت علي كظهر أمي ، أنت علي كظهر أختي ، لأنهما حرمتان انهتكتا ، وتتحد إن اتحد المشبه بها.

والمعتمد التعدد مطلقا ، ما لم يقصد بالثاني تأكيد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو كان الوطي هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله ، ولا تستقر الكفارة حتى يعود ، وقيل : تجب بنفس الوطي ، وهو بعيد.

أقول : القائل هو الشيخ رحمه اللّه ، بناء على أن الاستمرار وطي ثان ، ووجه بعده أن الوطي من ابتدائه إلى النزع واحد في العرف ، والإطلاق انما يحمل على العرف ، والمشروط إنما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله ، وقبل النزع لم يتحقق الشرط.

قال رحمه اللّه : يحرم الوطي على المظاهر ما لم يكفر ، سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام ، ولو وطأها خلال الصوم استأنف ، وقال شاذ منا : لا يبطل التتابع لو وطأ ليلا.

أقول : أجمع المسلمون على وجوب تتابع صيام كفارة الظهار ، وأجمعوا على وجوب الاستئناف مع الإفطار لغير عذر ، قبل (2) مضي شهر ويوم من الثاني ، واختلفوا في موضعين :

ص: 283


1- هذه الكلمة في النسخ وليست في الأصل.
2- في «ن» : وقبل.

الأول : إذا حصل الوطي ليلا في خلال الشهر (1) ، هل يبطل التتابع أم لا؟ قال ابن إدريس : لا يبطل التتابع ، وهو مذهب نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واستقربه العلامة في القواعد ، لأنه لم يبطل من الصوم شي ء ، فلا يجب الاستئناف ، لأصالة براءة الذمة ، لأن التتابع : هو إتباع صوم يوم لاحق بصوم يوم (2) سابق وهو حاصل ، لعدم بطلان الصوم بالوطي ليلا ، ويجب عليه كفارة أخرى للوطي قبل التكفير.

والمشهور الاستئناف ، لقوله تعالى ( فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ) (3) ، وهو لم يأت بالمأمور به فلا يجزيه ، وهو مذهب الشيخ ، والمصنف ، والعلامة في المختلف والتحرير ، وفخر الدين ، وهو المعتمد.

الثاني : إذا وطى نهارا قبل أن يمضي من الثاني شي ء ، قال الشيخ : إن تعمد الوطي بطل التتابع مطلقا ، سواء كان (عمدا أو سهوا) (4) ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، والسهو يسقط الإثم لا الإعادة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يحرم عليه ما دون الوطي ، كالقبلة والملامسة؟ قيل : نعم ، لأنه مماسة ، وفيه إشكال ، ينشأ من اختلاف التفسير.

أقول : تحريم الجميع مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، وهو اختيار فخر الدين ، لصدق اسم المسيس على التقبيل واللمس ، لأن حقيقة المسيس تلاقي الأبدان لغة ، والأصل عدم النقل ، وقال ابن إدريس : لا يحرم غير الوطي ، وقواه العلامة في المختلف ، لأن المسيس يراد به الوطي

ص: 284


1- في «م» و «ن» : (الشهرين).
2- ليست هذه الكلمة في «ر 1».
3- المجادلة : 3.
4- في النسخ بدل ما بين القوسين : (عامدا أو ساهيا).

لا غير ، لقوله تعالى ( مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) (1).

قال رحمه اللّه : إذا عجز المظاهر عن الكفارة أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار ، قيل : تحرم عليه حتى يكفر ، وقيل : يجزيه الاستغفار ، وهو أكثر.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في قوله أو ما تقوم مقامها ، فنقول الكفارة عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز أطعم ستين مسكينا ، ومع العجز عن الجميع ، هل لها بدل يقوم مقامها في حل الوطي أو لا؟

قال المفيد وابن الجنيد : لا بدل لها بل يحرم عليه وطؤها ، حتى يكفر بإحدى الثلاث المذكورة ، واختاره فخر الدين ، لأن نص القرآن (2) انما جاء على هذه الثلاث الخصال ، فلا يجزى غيرها ، ولما رواه أبو بصير ، عن الصادق عليه السلام ، «قال : كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار له كفارة ، ما خلا يمين الظهار ، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه وفرق بينهما ، الا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها» (3).

وقال كثير من الفقهاء (4) لها بدل يقوم مقامها في حل الوطي ، واختلفوا فيه ، قال الشيخ في النهاية : إذا عجز عن إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز عن ذلك كان حكمه ما قدمناه من أنه يحرم عليه وطؤها حتى يكفر (5).

ص: 285


1- البقرة : 237 ، والأحزاب : 49.
2- المجادلة : 3 - 4.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 6 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
4- في «م» و «ر 1» : (الأصحاب).
5- ص

وقال علي بن بابويه في الرسالة ، وابنه في المقنع : إذا عجز عن إطعام ستين مسكينا (تصدق بما يطيق ، ثمَّ قال في المقنع أيضا : وروي إذا لم يطق إطعام ستين مسكينا) (1) ، صام ثمانية عشر يوما (2).

وقال ابن البراج : يصوم ثمانية عشر يوما.

وقال ابن حمزة : فإن عجز عن الإطعام صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز تصدق عن كل يوم بمدين من طعام.

والمصنف أتى بما يشمل الجميع ، فقال : إن عجز عن الكفارة أو ما يقوم مقامها ، ومثله قال العلامة في القواعد.

الثاني : في حكم العاجز عن الكفارة وما يقوم مقامها ، هل يكفيه الاستغفار ويحل له الوطي؟ مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد ، وابن الجنيد ، وفخر الدين عدم ذلك ، وقد تقدم (3) وجهه.

وقال ابن إدريس : يكفيه الاستغفار ويستحل به الوطي ، واختاره المصنف ، والعلامة ، وأبو العباس ، لما رواه إسحاق بن عمار في الموثق ، عن الصادق عليه السلام ، «إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر اللّه ، وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ، وقد أجزي ذلك عن الكفارة» (4) ، ولأن إيجاب الكفارة عند (5) العجز عنها يكون تكليفا بما لا يطاق وهو محال.

ونقل ابن إدريس عن الشيخ في الإستبصار قولا ثالثا ، وهو إباحة الوطي بعد الاستغفار ، وبكون الكفارة في ذمته إذا قدر عليها كفر.

ص: 286


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 8 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
3- ص 285.
4- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 6 من أبواب الكفارات ، حديث 4.
5- في النسخ : مع.

والمعتمد مذهب ابن إدريس ، ولا بد في الاستغفار (من نية التكفير ، فيقول : أستغفر اللّه عن كفارة الظهار ، لوجوبه قربة الى اللّه ، والندم على ما صدر منه) (1) من الظهار ، والعزم على ترك العود الى مثله ، والتلفظ بالاستغفار ، ويكفي مرة واحدة ، ولا يكفي التلفظ من دون النية والندم والعزم على ترك المعاودة.

ص: 287


1- ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

ص: 288

في الكفارات

اشارة

قال رحمه اللّه : وكفارة من أفطر يوما نذر صومه على أشهر الروايتين ، وكذا كفارة الحنث في العهد وفي النذر على التردد ، والواجب في كل واحدة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : من أفطر يوما نذر صومه ، وكفارته كفارة رمضان كبيرة مخيرة عند الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال ابن بابويه : من نذر أن يصوم في كل سبت فليس عليه أن يتركه الا من علة ، وإن أفطر من غير علة تصدق لكل يوم على عشرة مساكين.

الثانية : كفارة الحنث في النذر ، قال الشيخ : إنها كبيرة مخيرة ، وتبعه ابن البراج ، وهو مذهب ابن حمزة وأبي الصلاح ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، وهو المعتمد.

وقال سلار : أنها كبيرة مرتبة.

ص: 289

وقال ابن بابويه : هي كفارة يمين.

ونقل ابن إدريس عن السيد المرتضى أنها كبرى (1) إن كان النذر صوما ، وكفارة يمين إن كان النذر غير الصوم ، واختاره العلامة في الإرشاد.

واستند الجميع الى الروايات (2) ، ووجه الأخير الجمع بينهما.

الثالثة : كفارة خلف العهد ، والمشهور أنها كبيرة مخيرة وهو المعتمد.

وقال المفيد : كفارة خلف العهد كفارة قتل الخطأ ، وهو يعطي وجوب الترتيب ، والمستند الروايات (3) أيضا.

قال رحمه اللّه : من حلف بالبراءة فعليه كفارة ظهار فإن عجز فكفارة يمين ، وقيل : يأثم ولا كفارة ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : الحلف بالبراءة من اللّه أو الرسول أو الأئمة عليهم السلام حرام ، وهل تجب به كفارة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : يأثم ولا كفارة ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وقال المفيد وسلار والشيخ في باب الكفارات من النهاية : تجب الكفارة.

واختلفوا في تقديرها ، قال الشيخ في النهاية وابن البراج : إنها كفارة ظهار ، فان عجز فكفارة يمين ، وقال ابن حمزة : إنها كفارة النذر ، وروى ابن بابويه ، «قال : كتب محمد بن الحسن إلى العسكري عليه السلام في رجل حلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله فحنث فما توبته وكفارته؟ فوقع عليه السلام : يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد ، ويستغفر اللّه عزوجل» (4) ، وعلى هذه الرواية

ص: 290


1- في «ن» : كبيرة.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 23 من أبواب الكفارات.
3- المصدر المتقدم ، باب 24.
4- المصدر المتقدم ، باب 20 حديث 1.

عمل العلامة في التحرير والمختلف.

تنبيه : هل يترتب الحكم على الحلف لكل واحد من الثلاثة ، أو لا بد من الجميع (1)؟ صرح الشيخ بالأول وهو المعتمد ، لدلالة الرواية (2) عليه ، وسلار رتب الحكم على المجموع.

وهل تستقر الكفارة بمجرد الحلف أو لا تستقر الا بالحنث؟ قال المفيد وسلار : إنما تجب مع المخالفة ، وقال ابن بابويه تجب بمجرد القول ، وهو يقتضي إلزامه بها معجلا عقيب الحلف.

ويتفرع على مذهب ابن بابويه وجوبها بالغموس وإن كان صادقا ، وعدم وجوبها على مذهب المفيد وإن كان كاذبا.

الثانية : في جز المرأة شعرها في المصاب ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب كفارة كبرى مرتبة ، قاله سلار وابن إدريس.

الثاني : وجوب كفارة مخيرة ، وهو مذهب ابن البراج ، وظاهر النهاية ، واختاره أبو العباس اعتمادا على رواية (خالد بن) (3) سدير (4) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالث : عدم وجوب الكفارة ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ، واختاره فخر الدين.

فروع :

الأول : لو جزته في غير المصاب لغير حاجة ، احتمل قويا وجوب الكفارة ، لأن وجوب الكفارة في المصاب يقتضي وجوبها في غير المصاب بطريق

ص: 291


1- في النسخ : (المجموع).
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 20 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ.
4- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 31 من أبواب الكفارات ، حديث 1.

الأولى ، ويحتمل عدمه ، لعدم النص عليه ، ولأصالة براءة الذمة ، أما لو جزته لحاجة فلا كفارة قطعا.

الثاني : الجز هو القص ، واستقرب العلامة إلحاق الحلق به ، وزاد الشهيد إلحاق الإحراق بهما ، ويحتمل العدم لعدم النص.

الثالث : لا فرق بين جزء الكل أو البعض ، لصدق اسم الجز على القليل والكثير.

الرابع : لا فرق ان تفعله مباشرة أو يفعله الغير بإذنها.

الثالثة : كفارة الحيض مع التعمد ، والعلم بالتحريم ، والتمكن من التكفير ، قيل : تستحب ، وقيل : تجب ، وهو الأحوط ، ولو وطأ أمته حائضا كفر بثلاثة أمداد من طعام ، وقد سبق البحث في هذه في باب الحيض (1).

الرابعة : من تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصواع من دقيق ، وهل هذه الكفارة واجبه أو مستحبة؟ بالوجوب قال ابن حمزة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، وهو ظاهر التحرير والدروس ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، وقال ابن إدريس : إنه مستحب ، واختاره المصنف ، والمستند الروايات (2) ، والشيخ أطلق التكفير ولم ينص على الوجوب ولا الاستحباب.

فروع :

الأول : لا فرق بين العدة البائنة والرجعية وعدة الوفاة.

الثاني : لو تزوج بذات بعل ، وجبت الكفارة أيضا لصريح الرواية (3) ، وروى ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ،

ص: 292


1- الجزء الأول ، ص 72.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 36 من أبواب الكفارات حديث 1 ، وكتاب الحدود ، باب 27 من أبواب حد الزنا ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 36 من أبواب الكفارات ، حديث 1.

«في رجل تزوج امرأة ولها زوج؟ فقال : إذا لم يرفع خبره الى الامام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع من دقيق هذا بعد ان يفارقها» (1).

الثالث : أطلق أكثر الأصحاب وجوب التكفير ، ولم يفصلوا بين العالم والجاهل ، ونص العلامة في التحرير على عدم الفرق بين العالم (بالعدة والتحريم) (2) والجاهل بهما أو بأحدهما ، ثمَّ استشكل ذلك وهو في محل الإشكال ، لأن رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام مصرحة بالعلم ، «قال سألته عن امرأة تزوجها رجل في عدتها فوجد لها زوجا؟ قال : عليه الجلد وعليها الرجم ، لأنه تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم ، وكفارته إذا لم يقدم الى الامام خمسة أصوع دقيقا» (3). فهذه الرواية مصرحة بعلمه ، وأيضا وجوب الحد والكفارة يقتضي العلم ، لأنهما عقوبة ، والجاهل لا عقوبة عليه.

والمعتمد عدم وجوبها على الجاهل ، وقوله في الرواية (فكفارته إذا لم يقدم الى الامام خمسة أصوع دقيقا ، تدل على أنه إذا أقيم عليه الحد لم تجب عليه الكفارة) (4) وانما تجب مع عدم رفع أمره الى الحاكم ، وإقامة الحد عليه.

الرابع : لا فرق بين الحرة والأمة ، ولا بين الدخول وعدمه.

الخامس : لا تجزي الصدقة من غير الدقيق وإن كان أصلا له ، كالحنطة والشعير ، ومنع المقداد رحمه اللّه من إجزاء غير دقيق الحنطة والشعير ، وجزم (5) العلامة في التحرير بإضافة دقيق الذرة والدخن الى دقيق الحنطة والشعير ،

ص: 293


1- الفقيه : كتاب النكاح ، باب 144 في النوادر ، حديث 23 (1440). ولاحظ المصدر المتقدم أيضا.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 27 من أبواب حد الزنا ، حديث 5.
4- ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.
5- من «ن» وفي باقي النسخ والأصل : (وجزم به).

واستقرب فيه أجزاء الخمسة الأصواع من الخبز.

الخامسة : من نام عن العشاء حتى جاوز نصف الليل أصبح صائما ، وهل الصوم واجب أو ندب؟ قال المرتضى وأبو الصلاح هو واجب ، لرواية عبد اللّه بن المغيرة ، عمن حدثه ، عن الصادق عليه السلام ، «في رجل نام عن العتمة ولم يقم الا بعد انتصاف الليل؟ قال : يصليها ويصبح صائما» (1) ، وهي مرسلة.

وأطلق الشيخ وكثير من الأصحاب الصوم ، ولم يقيدوا بالوجوب ولا بالاستحباب.

ونص ابن إدريس على الاستحباب ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

فروع :

الأول : يجب الصوم على غير النائم كالعامد والسكران والناسي ، ولا صوم على النائم عن غير العتمة ، اقتصارا على مورد النص (2).

الثاني : لو أفطر ذلك اليوم على القول بوجوبه ، احتمل وجوب الكفارة لتعين صوم ذلك اليوم ، وكل من أفطر في صوم معين وجبت عليه الكفارة ، ويحتمل العدم ، لأن صوم ذلك اليوم كفارة ، ولا كفارة في إفطار صوم الكفارة.

الثالث : لو اتفق ذلك اليوم(3) في السفر أو في العيد ، فلا شي ء عليه لعدم قبول الزمان للصوم.

الرابع : لو وافق ذلك(4) صوما معينا تداخلا ، قاله الشهيد ، وعلى القول به لا بد من نية السببين معا.

ص: 294


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 29 من أبواب المواقيت ، حديث 8.
2- المصدر المتقدم.
3- من «م».
4- هذه الكلمة ليس في النسخ.

السادسة : من نذر صوم يوم معين فعجز عنه ، قال المصنف : أطعم مسكينا مدين ، فان عجز تصدق بما استطاع ، فان عجز استغفر اللّه تعالى.

واقتصر الشيخ في النهاية على إطعام المدين.

وقال المفيد : إن أفطره لغير عذر كان عليه القضاء والكفارة ، وإن كان لعذر كان عليه القضاء دون الكفارة ، واختاره العلامة في المختلف.

وقال ابن إدريس : إن كان عجز لمرض لا يرجى زواله عادة - كالعطاش الذي لا يرجى برؤه - كان قول الشيخ صحيحا ، وإن كان لمرض يرجى زواله كالحمى كان عليه القضاء خاصة ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : الأول الإيمان وهو معتبر في كفارة القتل إجماعا ، وفي غيرها على التردد ، والأشبه اشتراطه ، والمراد بالإيمان هنا الإسلام أو حكمه.

أقول : أجمع المسلمون على اعتبار الإيمان في كفارة القتل لنص القرآن (1) ، واختلفوا في صحة عتق الكافر في غير (2) ذلك من الكفارات ، فالمرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس وسلار منعوا من عتق الكافر ، وكذلك الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وجزم في المبسوط والخلاف بجواز عتق الكافر في جميع الكفارات عدا القتل ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الرقبة المؤمنة ، ولأن اللّه لم يقيدها بالمؤمنة في غير القتل ، فحمل غيرها عليها يحتاج الى دليل.

احتج الأولون بحمل المطلق على المقيد ، وبقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (3) ، ولا شك في خبث الكافر ، ولأن دليل الاحتياط

ص: 295


1- النساء : 92.
2- هذه الكلمة من النسخ.
3- البقرة : 267.

يقتضيه لحصول يقين البراءة بعتق المؤمن وحصول الشك فيما عداه.

إذا عرفت هذا فأكثر مصنفات الأصحاب بأن (1) المراد بالايمان هنا الإسلام ، فيدخل فيه كل مظهر للشهادتين عدا الناصب والغالي.

وقال العلامة في القواعد : وهل يشترط الإيمان؟ الأقوى ذلك.

قال فخر الدين في شرحه : اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان ، قال المرتضى وابن إدريس : لا يجزى الا المؤمن ، وهو الأصح عندي وعند والدي ، لما تقدم من الاحتياط ، ولقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (2) ، والكافر خبيث إجماعا.

وهذا الكلام فيه نظر من وجهين :

الأول : نسبته قول المرتضى وابن إدريس إلى اشتراط الإيمان الحقيقي الذي يعتقده الإمامية دون غيرهم من أهل الخلاف ، مع أن عبارة ابن إدريس لا تدل على ذلك ، وهذه عبارته : قال شيخنا أبو جعفر الطوسي لا يعتبر الإيمان في العتق في جميع أنواع الكفارات إلا في كفارة قتل الخطأ خاصة وجوبا ، وما عداه يجوز أن يعتق من ليس بمؤمن وإن كان المؤمن أفضل ، وقال المرتضى وباقي أصحابنا باعتبار الإيمان في جميعها ، وهو الذي أعتمده وأفتي به ، لقوله تعالى : ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) والكافر خبيث بغير خلاف ، وأيضا دليل الاحتياط يقتضيه ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وهذا يدل على أن المراد بالإيمان هو الإسلام الذي هو ضد الكفر ، بدليل تقسيمه المسألة إلى قولين ، قول الشيخ بعدم اشتراط الإيمان في غير كفارة القتل ، وقول المرتضى وباقي الأصحاب باشتراطه في الجميع ، مع أن الفريقين إنما

ص: 296


1- كذا
2- البقرة : 267.

اختلفوا في جواز عتق الكافر وعدمه ، ولم يقع بينهم اختلاف في عتق المخالف ، ويدل عليه قوله : (والكافر خبيث بغير خلاف) ، فلو أراد بالمؤمن ضد المخالف من المسلمين لقال : والمخالف خبيث.

وأيضا يلزم من قوله (اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان) ، خروج السيد وابن إدريس من هذا التقسيم ، لأنهما قائلان بعدم إسلام المخالفين ، والخلاف (1) الذي ذكره بين القائلين بإسلامهم ، فلا يدخلان فيه ، فلا يصح الاستدلال بقولهما على مطلوبه.

وانما يصح استدلاله بقول من يقول بإسلام المخالف ، وهو يمنع من عتقه.

الوجه الثاني : الذي فيه النظر ، قول فخر الدين : والكافر خبيث إجماعا ، فهذا الاستدلال غير مطابق للقاعدة التي يبحث عنها ، لأن بحثه في جواز عتق غير المؤمن من المسلمين ، بدليل قوله (اختلف القائلون باشتراط الإسلام في اشتراط الإيمان) ، فالكافر لا مدخل له في هذا البحث ، فكان ينبغي الاستدلال (بخبث المخالف ، لأنه المبحوث عنه (عنده) (2) والكافر قد مضى البحث فيه في المسألة السابقة ، فالاستدلال) (3) بخبث الكافر غير مطابق للبحث.

والتحقيق : أن المسلمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين بعد اتفاقهم على اشتراط الإيمان في كفارة قتل الخطأ ، فالشيخ في المبسوط والخلاف ، وابن الجنيد من الإمامية ، وعطا ، والنخعي ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه من العامة ، جوزوا عتق الكافر في جميع الكفارات عدا كفارة قتل الخطأ ، وباقي الإمامية والشافعي ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق من العامة منعوا ذلك ، والجميع

ص: 297


1- في «م» : (فالخلاف) وفي «ن» : (في الخلاف).
2- من «ر 1».
3- ما بين القوسين من النسخ وليس في الأصل.

مجمعون أن المراد بالإيمان هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر.

ويلزم من مذهب السيد وابن إدريس عدم جواز عتق غير الإمامي ، لقولهما بكفر من عداه ، ولا يلزم منه خروج المسألة عن القولين ، لأن الناس عندهما على قسمين ، مؤمن وكافر ، والإسلام عندهما قسم واحد وهو الإيمان فقط ، والناس عند غيرهما من الإمامية على ثلاثة أقسام : مؤمن وكافر ومسلم ، فمن قال بإسلام المخالف قال بجواز عتقه عدا العلامة في القواعد ، فإنه قال : وهل يعتبر الإيمان؟ الأقوى ذلك. وهو يشعر بعدم جواز عتق المخالف ، وجزم في التحرير بجواز عتقه ، وكذلك في الإرشاد ، لأنه لم يشترط فيه غير الإسلام ، ولم أجد قولا غير عبارة القواعد تدل على اشتراط غير الإسلام ، ولهذا اقتصر عميد الدين رحمه اللّه في شرحه على بيان وجه القوة ، ولم يذكر أنه مذهب لأحد من الأصحاب.

وانما طولنا البحث في هذه المسألة لاشتباهها على كثير من الأصحاب بسبب تقرير فخر الدين ونسبته القول باشتراط الإيمان الى السيد وابن إدريس ، حتى قلده المقداد في ذلك ، وسطره في كتابه شرح المختصر ، وقد ظهر مما حققناه وحكيناه فساد ذلك ، واللّه الموفق للصواب.

ص: 298

في خصال الكفارة

اشارة

قال رحمه اللّه : والطفل في حكم المسلم ، ويجزي ان كان أبواه مسلمين ، أو أحدهما ولو حين يولد ، وفي رواية : لا يجزى في القتل خاصة ، إلا البالغ الحنث ، وهي حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه معمر بن يحيى في الحسن ، عن الصادق عليه السلام ، «قال : سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود؟ فقال : كل العتق يجزي فيه عتق المولود إلا في كفارة القتل ، فان اللّه تعالى يقول : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (1) ، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث» (2) ، ومثلها رواية الحسين بن سعيد (3) ، عن الصادق عليه السلام ، والمراد بالحنث الطاعة والمعصية ، أي يبلغ مبلغا يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية ، وبمضمون الرواية قال ابن الجنيد.

ص: 299


1- النساء : 92.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 7 من أبواب الكفارات ، حديث 6.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 7 من أبواب الكفارات ، حديث 6.

وقال ابن البراج : يجزي المولود في الجميع ، وهو ظاهر المصنف والعلامة ، واختاره فخر الدين ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (1) ، والإلحاق انما هو في الإيمان ، ولهذا يلحق به أحكام الارتداد والإيمان بعد بلوغه وإن لم يسبق منه لفظ الشهادة ، وذلك للحكم بإيمانه ، فيكون مجزيا في الجميع ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أسلم المراهق لم يحكم بإسلامه على تردد ، وهل يفرق بينه وبين أبويه؟ قيل : نعم ، صونا له أن يستزلاه عن عزمه ، وان كان بحكم الكافر.

أقول : منشأ التردد من وصفه برفع القلم عنه قبل البلوغ ، فلا يحكم بإسلامه ولا بكفره إلا بالتبعية ، ومن ورود الأخبار (2) بإمضاء أفعاله المشتملة على المعروف كالوصية والوقف والصدقة وغير ذلك فيصح إسلامه ، ولأن مباشرة الإسلام بعد التمييز أقوى من تبعيته للغير.

والمعتمد عدم الحكم بإسلامه في اعتبار شي ء من أحكام الإسلام ، وانما يعتبر في التفرقة بينه وبين اهله لئلا يردوه عن الإسلام ، ولا فرق بين الأبوين وغيرهما من أهله.

قال رحمه اللّه : ويجزي ولد الزنا ، ومنعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر ، أو لقصوره عن صفة الإيمان ، وهو ضعيف.

أقول : جواز عتق ولد الزنا في الكفارة هو المشهور بين علمائنا ، وادعى الشيخ عليه الإجماع ، ولما رواه سعيد بن يسار ، عن الصادق عليه السلام ، «

ص: 300


1- الطور : 21.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 44.

قال : لا بأس بأن تعتق ولد الزنا» (1) وهو عام في الكفارات (2) وغيرها.

ومنع المرتضى وابن الجنيد من عتقه في الكفارات (3) ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (4) ، وولد الزنا خبيث ، لما ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : «لا خير في ولد الزنا ، لا في لحمه ، ولا في دمه ، ولا في جلده ، ولا في عظمه ، ولا في شعره ، ولا في بشره ، ولا في شي ء منه» (5) واجزاؤه في الكفارات (6) ، وإسقاط الحكم به عن الجاني ضرب من الخير ، وقد نفاه الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فدل على أنه لا يجزي.

والمعتمد المشهور وهو الأجزاء ، قال الشهيد : ويتحقق إسلام ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ ، وتبعية السابي ، وفي تحققه بسبب الولادة من المسلم نظر ، من انتفائه عنه شرعا ، ومن تولده عنه حقيقة ، فلا يقصر عن السابي ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : فلا يجزي المدبر ما لم ينقض تدبيره ، وقال في الخلاف والمبسوط : يجزي ، وهو أشبه ، ولا المكاتب المطلق إذا أدى من مكاتبته شيئا ، ولو لم يؤد أو كان مشروطا ، قال في الخلاف : لا يجزي ، ولعله نظر الى نقصان الرق لتحقق الكتابة ، وظاهر كلامه في النهاية أنه يجزي ، ولعله أشبه من حيث تحقق الرق.

ص: 301


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 16 ، حديث 1.
2- في النسخ : (الكفارة).
3- في النسخ : (الكفارة).
4- البقرة : 267.
5- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 14 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث 7 باختلاف يسير.
6- في النسخ : الكفارة.
أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في جواز عتق المدبر في الكفارات (1) قبل نقض تدبيره ، قال الشيخ في النهاية : لا يصح الا بعد نقض تدبيره ، ورده الى محض الرق ، لما رواه عبد الرحمن في الموثق ، «قال : سألته عن رجل قال لعبده : إن حدث بي حدث فهو حر ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، إله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة ملك اليمين؟ قال : لا يجوز (للذي جعل) له ذلك» (2) ، وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة وابنه : يصح ، ويكون ذلك إبطالا لتدبيره ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط وهو المعتمد ، لأن التدبير وصية يجوز الرجوع فيها قولا وفعلا.

الثانية : في جواز عتق المكاتب المطلق الذي لم يؤد شيئا ، والمشروط الذي لم يوف جميع كتابته في الكفارة ، قال الشيخ : لا يصح ، واختاره (العلامة في المختلف) (3) ، لأن الملك غير تام ، وقال ابن إدريس : يجوز ، لأنه مملوك ، وكل مملوك يصح عتقه عن الكفارة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن ، وقال الشيخ : يصح مطلقا إذا كان موسرا ، ويكلف أداء المال ان كان حالا ، أو رهنا بدله إن كان مؤجلا ، وهو بعيد.

أقول : المعتمد عدم صحة عتق المرهون بدون إجازة المرتهن مطلقا سواء كان الراهن معسرا أو موسرا ، وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، وسواء وضع رهنا غيره أو لا ، لأن الراهن ممنوع من جميع التصرفات المقتضية لنقض المال من

ص: 302


1- في النسخ : الكفارة.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة ، باب 12 من أبواب التدبير ، حديث 1 - وما بين القوسين ليس في «ر 1».
3- في «ن» بدل ما بين القوسين : فخر الدين.

دون إذن المرتهن ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة ، فللشيخ قولان ، والأشبه المنع وان قتل خطأ ، قال في المبسوط : لم يجز عتقه ، لتعلق حق المجني عليه برقبته ، وفي النهاية ، يصح ويضمن السيد دية المقتول ، وهو حسن.

أقول : اختلف الفقهاء في جواز عتق العبد الجاني ، قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن الجناية إن كانت عمدا نفذ العتق ، لأن حق المجني عليه من القود لا يبطل بصيرورته حرا ، وإن كانت الجناية خطأ لم ينفذ ، لأنها تعلقت برقبته ، والعتق يمنع من الاسترقاق ، وقال في النهاية : يجوز عتقه إذا كانت خطأ ، ويلزم المعتق الدية ، لأنه عاقلة العبد ، وابن إدريس قوّى مذهب المبسوط.

وقال العلامة في المختلف : المعتمد أن تقول : إن كانت عمدا لم يصح عتقه ، الا أن يجيزوا أولياء المقتول ، وإن كانت خطأ وكان موسرا جاز وإلا فلا ، وفي القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين : إما دفع الدية قبل العتق أو يضمنها (ويرضى الولي) (1) بالضمان لا بدونهما ، وهو يدل على عدم جواز عتقه في العمد (والخطأ معا ، لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق ، لزوال تعلق الجناية برقبة العبد) (2) ، اما مع أداء المال فظاهر ، وأما مع الضمان فلان الضمان مع رضي الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى ، ولا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين ، وهذا هو المعتمد ، أما عدم جوازه في العمد ، فلأنه يؤدي الى إسقاط حق المجني عليه ، لأنه مخير بين قتله وبيعه واسترقاقه ، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق (3) وكل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل ، وأما عدم

ص: 303


1- في الأصل بدل ما بين القوسين : المولى.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- في «ر 1» : والاشتراط.

جوازه في الخطأ ، فلان الجناية متعلقة برقبته ، ومع عدم افتكاك (1) المولى (2) فهو مخير بين البيع والاسترقاق ، والعتق يمنع من ذلك ، فيكون باطلا ، وهو مذهب الدروس ، لأنه قال : ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج من عهدة الجناية ، ولا يخرج من عهدة الجناية إلا (3) بأحد الشرطين المذكورين.

قال رحمه اللّه : ولو تبرع بالعتق عنه ، قال الشيخ : نفذ العتق عن المعتق دون من أعتق عنه ، سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا ، ولو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت ، قال الشيخ : يصح والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع أو الجواز.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا تبرع أجنبي بالعتق عنه من غير مسألة ، قال الشيخ في المبسوط : يقع عن المالك المعتق لا عن المعتق عنه ، لأن العتق مبني على التغليب ، وهو لم يقع عن المعتق عنه فيقع عن المالك ، قال فخر الدين : والأصح انه لا يصح ، لأنه نوى العتق عن الغير بغير إذنه ، (وهو لا ولاية) (4) له ، فلا يصح عن الغير ولا عنه ، لأنه لم يقصده. واللفظ إنما هو تابع للإرادة ، وهو لم يقصد إزالة الرق (5) عن نفسه.

الثانية : إذا أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت ، قال الشيخ : يصح وفرق بين الوارث والأجنبي ، لأن الوارث قائم مقام الموروث في كثير من الأحكام ، لأن الوارث يملك ما كان يملكه الموروث ، ويقبل قوله فيما كان يقبل

ص: 304


1- في النسخ : انفكاك.
2- في «ن» : المنع.
3- من النسخ ، وفي الأصل غير مقروء.
4- في «م» : ولا ولاته.
5- ليست في «م».

قوله فيه كالإقرار (بالمجهول) (1) ، وتعيين المطلقة ، والمعتق وقضاء ما كان عليه من صيام أو صلاة ، وليس كذلك الأجنبي ، فحصل الفرق بينهما ، وهو ظاهر فخر الدين ، لأنه قال : وقال شيخنا ابن سعيد في شرائعه : والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث في المنع والجواز ، وضعفه ظاهر. حكم بضعف قول ابن سعيد في شرائعه ، وجزم في الدروس باجزاء نية المتبرع إن كان وارثا ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا قال أعتق عبدك عني فقال : أعتقت عنك ، فقد وقع الاتفاق على الأجزاء ، ولكن متى ينتقل الى الآمر ، قال الشيخ رحمه اللّه : ينتقل بعد قول المعتق أعتقت عنك ثمَّ ينعتق بعده وهو تحكم ، والوجه الاقتصار على الثمرة ، وهو صحة العتق وبراءة ذمة الآمر ، وما عداه تخمين ، ومثله إذا قال له : كل هذا الطعام فقد اختلف أيضا في الوقت الذي يملكه الآكل ، والوجه عندي أنه يكون إباحة للتناول ، ولا ينتقل الى ملك الأكل.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قال أعتق عبدك عني ففعل صح العتق ووقع عن الأمر إجماعا ، والنية هنا من الوكيل وهو المأمور بالعتق ، ولا بد من دخوله في ملك الآمر ضمنا ، لقوله صلى اللّه عليه وآله : «لا عتق إلا في ملك» (2) ، وفي وقت انتقاله الى ملكه إشكال ، نقل المصنف عن الشيخ انتقاله بعد قول المعتق (أعتقت عنك) ثمَّ ينعتق بعده (3) ، قال : وهو تحكم ، أي قول بغير دليل ، ووجه قول الشيخ : أن العلة في ملكه والعتق قوله أعتقت عنك ، فهو علة في أمرين : أحدهما سابق على الآخر ،

ص: 305


1- في «ن» و «ر 1» : المجهول.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 5 والعوالي.
3- في النسخ : (عنده).

وهو انتقال الملك اليه ثمَّ العتق واقتضاء (1) العلة الواحدة بسببين بالترتيب (2) بينهما ممكن.

ونقل فخر الدين قولا بانتقاله بالأمر ، وبكونه قوله (أعتقت عنك) كاشفا عن سبق الملك بالأمر ، لأن ملك المعتق شرط في صحة العتق ، ومقدم عليه بالزمان ، ولا واسطة بين قوله (أعتق عبدك عني) وبين قوله (أعتقت) (3) ، لأنه لو تخلل زمان لم يصح العتق ، لأنه بمنزلة إيجاب وقبول.

قال فخر الدين والأصح أن قوله (أعتقت) عقيب قوله (أعتق عني) مركب بأول جزء يحصل الملك للآمر ، والمجموع علة في انعتاقه عنه ، وهو اختيار المفيد.

(قلت : وهذا) (4) معنى قول الشيخ : وإن اختلف بعض اللفظ.

الثانية : إذا قال : كل هذا الطعام ، قيل : (يأكله مملوكا له) (5) ، واختلف في وقت ملكه ، قيل : يملكه بأخذه بيده ، وقيل : بوضعه (6) في فيه ، وقيل : بابتلاعه ، والأقوال الثلاثة حكاها الشيخ في المبسوط.

واختار المصنف كون ذلك إباحة للتناول ولا يدخل في ملك الآكل ، لأنه لا ضرورة هنا الى دخوله في ملكه بخلاف العتق ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح وهو المعتمد.

وعلى القول بالملك بالأخذ يجوز إعطاؤه لغيره ، ولو نبت من غائطه شجرة

ص: 306


1- من النسخ وفي الأصل : (فإنها).
2- في نسخة من الأصل : (والترتيب).
3- في «ن» : (أعتقت عنك).
4- في «م» : (وهذا هو).
5- في الأصل بدل ما بين القوسين : (يأكله يكون مملوكا).
6- في «ن» : (بمضغه).

كالبطيخ وغيره يكون للآكل على القول بالملك بأحد الأقوال الثلاثة ، وعلى القول بعدم الملك يكون لصاحب الطعام ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويعتبر نية التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة على الأشبه ، ولو كانت الكفارات من جنس واحد ، قال الشيخ : يجزي نية التكفير مع القربة ، ولا يفتقر الى التعيين ، وفيه إشكال ، أما الصوم فالأشبه بالمذهب أنه لا بد فيه من نية التعيين ، ويجوز تجديدها إلى الزوال.

أقول : يشترط في التكفير النية المشتملة على الوجه والقربة والتكفير ، فلو نوى الوجه والقربة ولم ينو عن الكفارة لم يجز ، وهذه الشروط مجمع عليها.

وهل يشترط التعيين؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، فالشيخ في المبسوط لم يشترط التعيين مطلقا سواء اتحد الجنس كما لو كان الجميع للظهار أو القتل أو النذر ، أو تعدد الجنس كما لو كان للظهار والقتل والنذر وغير ذلك ، ويكفي قوله : أنت حر ، عن الكفارة وإن لم يعين سببها.

وقال في الخلاف (1) : وإن اتحد الجنس كفى نية التكفير من غير افتقار إلى نية التعيين ، (وان تعدد الجنس أفتقر إلى نية التعيين ، واختاره ابن إدريس والعلامة في القواعد والتحرير.

وفصل في المختلف ، فقال : إن كانت الكفارة من جنس واحد كالحنث إذا تكرر منه فلا يفتقر الى التعيين) (2) فيها ، وإن كانت من أجناس مختلفة ، فإن اتفقت في الحكم كقتل الخطأ والظهار أجزأ الإطلاق أيضا ، لأن حكمهما واحد ، وهو العتق عينا ، فان عجز فالصوم ، وإن اختلف الحكم كالظهار والإفطار ، فلا بد من تعيين السبب ، لأنه إذا أعتق ونوى مطلق التكفير لم يكن صرفه إلى أحدهما

ص: 307


1- «م» : المختلف.
2- ما بين القوسين ليس في «ن».

أولى من الآخر ، فان صرفه الى الظهار بقي التخيير بين العتق والصيام والإطعام ، وإن صرفه إلى الإفطار تعين عليه العتق في الأخرى ، وليس إحداهما أولى من الأخرى ، فلا بد من التعيين.

والمصنف اختار هنا وجوب التعيين مع الاختلاف ، واستشكل وجوبه مع الاتفاق ، من أن التكفير جنس شامل يدخل فيه جميع جزئياته ، ومن أن كل واحد من الكفارات عمل ، وكل عمل يفتقر إلى نية ، فيشترط التعيين ليحصل التمييز.

والشيخ ادعى الإجماع على عدم وجوب نية التعيين مع اتحاد السبب ، ومذهب العلامة في الإرشاد وجوب التعيين وإن اتحد السبب.

قال الشهيد في شرح الإرشاد : لم أعرف هذا القول لأحد من العلماء.

ومذهبه في الدروس وجوب التعيين اتحدت الكفارات (1) أو تعددت ، اختلف الجنس أو اتحد ، وهو ظاهر المصنف في المختصر ، لأنه أطلق وجوب التعيين وهو المعتمد ، لحصول تعين البراءة به ، ولأنه أحوط ، والمراد بالتعيين تعيين السبب لا تعيين شخص الكفارة ، فلا يجب أن يقول قتل زيد أو عمرو ، ولا النذر الفلاني.

وإنما كان الأشبه عند المصنف وجوب التعيين في الصوم ، لإطلاق الأصحاب وجوب التعيين في صوم غير رمضان والنذر المعين ، وليس الكفارة منهما ، فيجب في صومها التعيين قطعا ، ويحتمل مساواة الصوم للعتق ، لاتحاد العلة فيتحد الحكم.

قال رحمه اللّه : ولو قال له قائل أعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا ، فأعتقه لم يجز عن الكفارة [لأنه قصد العوض] ، وفي وقوع العتق تردد ، ولو قيل

ص: 308


1- في النسخ : الكفارة.

بوقوعه ، هل يلزم العوض؟ قال الشيخ : نعم ، وهو حسن.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في وقوع العتق عن (1) غير الكفارة ، وبالوقوع قال الشيخ في المبسوط ، لأنه أوقعه عن أمرين : الكفارة والعوض ، وإذا لم يقع عن أحدهما وقع عن الآخر ، لأن العتق مبني على التغليب.

وتردد المصنف مما قال الشيخ ، ومن أن المعتق لم ينو (2) بالعتق غير (3) الكفارة ، وهو لم يقع عنها ، لأنه (لو وقع عن غيرها) (4) لزم وقوعه بغير نية وهو باطل.

واستشكل العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد من غير ترجيح ، وكذلك فخر الدين لم يرجح شيئا ، واستقرب الشهيد في دروسه عدم الوقوع ، وذهب في شرح الإرشاد إلى الوقوع.

الثانية : على القول بوقوع العتق لا عن الكفارة ، هل يلزم الباذل العوض؟ قال الشيخ : نعم ، واستحسنه المصنف ، وبه قال العلامة والشهيد تفريعا على الوقوع ، لأن المعتق لم يتبرع بالعتق ، بل جعله مقابله (5) عوض بذله الغير (6) فيكون لازما للباذل ، ويحتمل العدم ، لأن الجعل مقابل العتق المجزي عن الكفارة ، وهو لم يحصل ، ولا يلزم (7) البذل كما لو لم يعتق ، إذ لا فرق بين عدم

ص: 309


1- «ر 1» : من.
2- في «ن» : (ينف).
3- في النسخ : (بالعتق عن غير).
4- في «م» بدل ما بين القوسين : (أوقع عن غيرهما).
5- في «ر 1» : (معاملة).
6- في «م» : (للغير).
7- في النسخ : (فلا يلزم).

العتق ، وعتق لا يجزي عن الكفارة ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

قال رحمه اللّه : وان صام من الثاني ولو يوما أتمّ ، وهل يأثم مع الإفطار؟ فيه تردد ، أشبهه عدم الإثم.

أقول : منشؤه من أن التتابع في الشهرين إنما يحصل بكمالهما ، فاذا لم يحصل تحقق الإثم ، ومن أصالة براءة الذمة وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد ، وقال أبو الصلاح وابن إدريس : يأثم ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع ، ولو أفطرتا خوفا على الولد ، قال في المبسوط : ينقطع ، وفي الخلاف لا ينقطع ، وهو أشبه.

أقول : لا خلاف في جواز الإفطار مع الخوف على الولد ، وإنما الخلاف في انقطاع (1) التتابع وعدمه ، بالانقطاع قال في المبسوط ، وهو ظاهر ابن إدريس ، لأنه حصر الذي يقطع التتابع بالمرض والحيض لا غير.

والمشهور مذهب الخلاف ، لأن فيه حفظ نفس الغير وهو واجب فلا يوجب عقوبة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أكره على الإفطار لم ينقطع التتابع سواء كان إجبارا كمن وجر في حلقه ، أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، وفي المبسوط قال بالفرق.

أقول : الإكراه على قسمين ، أحدهما : أن (2) يبلغ حد الإلجاء ، وهو الذي

ص: 310


1- هذه الكلمة ليست في «ن».
2- من النسخ ، وفي الأصل : (أنه).

لا يبقى للمكره (1) معه قصد النية (2) ، ولا يمكنه الامتناع منه ، والآخر : لا يدفع القصد بالكلية ، ويمكن معه الترك وذلك مثل من يضرب حتى يأكل ، فهذا كان يمكنه ترك الأكل ، فقد حصل الفرق بينهما فيفترقان في الحكم أيضا.

والمشهور عدم الفرق وهو المعتمد ، لان دفع الضرر عن النفس واجب ، وهو لا يتم إلا بالإفطار فيكون واجبا ، وفاعل الواجب لا عقوبة عليه ، والاستئناف عقوبة فيكون منفيا.

قال رحمه اللّه : ويجب إطعام العدد [المعتبر] لكل واحد مد ، وقيل : مدان ، ومع العجز مد ، والأول أشبه.

أقول : المكفر مخير بين إطعام المساكين ، وبين التسليم إليهم ، والبحث في موضعين

الأول : التسليم إليهم ، وهل يجزي المد الواحد اختيارا؟ قال ابنا بابويه : نعم ، وبه قال المفيد وسلار ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس وهو المعتمد ، لما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ، الى أن قال : «فان لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا» (3) ، ولأن الواجب في الآية (4) الإطعام من غير تقييد ، والأصل براءة الذمة مما زاد عن المد.

وأوجب الشيخ مدين مع القدرة مستدلا بإجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط.

والواجب دفع الحب ، ولا يجب مئونة الطحن والخبز والأدم ، وأوجبه ابن الجنيد ، ولا فرق هنا بين الصغير والكبير إلا أن الدفع إلى ولي الصغير ، فان فقده فالى من يعني بحاله.

ص: 311


1- «م» و «ر 1» ، وفي الباقي غير مقروة.
2- «م» : البتة ، وهو محتمل في الأصل أيضا.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 10 من أبواب الكفارات ، حديث 1.
4- المائدة : 89.

ونية الدفع إلى ولي الصغير : أخرج هذا القدر من الكفارة إلى فلان ليقبضه عن فلان ، لوجوبه قربة الى اللّه ، وكذلك في الزكاة والخمس ، ولو لم يجد غير واحد دفع اليه يوما فيوما الى تمام ستين يوما ، ولا يجوز الدفع دفعة لجواز التمكن من العدد.

الثاني : الإطعام ، والواجب شبعه مرة واحدة على المشهور بين الأصحاب ، وقال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن البراج بوجوب شبعه في يومه ، وأوجب ابن الجنيد العشاء والغداء ، والأول هو المعتمد.

ولا يتقدر الشبع بمقدار ، سواء زاد شبعه عن المد أو نقص.

ولا يشترط إذن الولي في إطعام الطفل.

ومحل النية عند الشروع في الأكل ، فيقول : أطعم هؤلاء المساكين أو هذا المسكين عن كفارة كذا لوجوبه قربة الى اللّه ، وجوز الشيخ في النهاية دفعها الى المستضعف من المخالفين مع تعذر المؤمنين وأطفالهم وهو ظاهر المصنف ، لأنه لم يستثن غير الكافر والناصب ، واختاره العلامة (1) في المختلف ، ومنع ابن البراج وابن إدريس من إعطاء غير المؤمنين وأطفالهم ، ومع التعذر يتوقع وجودهم ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : كفارة اليمين مخيرة بين العتق والإطعام والكسوة فإذا كسا الفقير وجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة ، ومع العجز ثوبا واحدا ، وقيل : يجزي الثوب الواحد مع الاختيار ، وهو أشبه.

أقول : وجوب الثوبين مع القدرة مذهب الشيخ (في النهاية ، وتبعه ابن البراج. وقال محمد بن بابويه : لكل رجل ثوبان ، وروي ثوب ، والاقتصار على

ص: 312


1- في «ن» : (المصنف والعلامة).

الثوب الواحد مطلقا مذهب الشيخ) (1) في المبسوط ، واختاره المصنف وهو المعتمد.

والمشهور عدم الفرق بين الرجل والمرأة ، وفرق بينهما ابن الجنيد وأوجب للمرأة ما يصح فيه صلاتها ، وهو درع وخمار ، والمعتمد عدم الفرق ودليل الجميع الروايات (2) ، والمجزي قميص أو سراويل أو مئزر ، وكذلك للمرأة مقنعة أو إزار أو قميص أو سراويل أو مئزر ، ولا يشترط الجديد بل يكفي الغسيل ما لم يتخرق ، فلا يجزي حينئذ وان رقع ، ويكفي ما يواري الطفل وإن كان رضيعا إذا قبل (3) الولي عنه.

قال رحمه اللّه : من وجب عليه شهران [متتابعان] فان صام هلالين فقد أجزأه ولو كانا ناقصين ، وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصا ، وأكمل الأول ثلاثين ، وقيل : يتم ما فات من الأول ، والأول أشبه.

أقول : مضى البحث في هذه في باب العدة وباب السلف (4) ، فليطلب من هناك.

قال رحمه اللّه : إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه ، بل يجب الصبر ولو كان مما يتضمن المشقة بالتأخير كالظهار ، وفي الظهار تردد.

أقول : ما قاله المصنف من أول المسألة إلى قوله (كالظهار) حكاية قول الشيخ في المبسوط ، ثمَّ تردد المصنف في الظهار ، ومنشؤه من أن الصبر حتى يصل المال يتضمن ضررا وحرجا على المظاهر لتحريم الوطي عليه قبل التكفير ،

ص: 313


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 12 - 14 - 15 - 17.
3- في النسخ : (قبض).
4- ص 240 وج 2 ، ص 118 (باب السلف).

والضرر والحرج منفيان بالآية (1) والرواية (2) ، فينتقل فرضه الى الصيام ، ولا يجب عليه الصبر لما يتضمن من الضرر ، ومن عموم عدم جواز الانتقال في المرتبة من الخصلة العليا الى ما دونها الا مع تحقق العجز عن العليا ، وهو غير عاجز في ثاني الحال ، فيجب عليه الصبر الى حين القدرة ، لأنه حق (3) لا يفوت بالتأخير ، وكما يجب عليه الصبر في غير كفارة الظهار ، فكذلك فيها للمشاركة في العلة وهي الترتيب ، والمعتمد : الانتقال إن حصل في الصبر مشقة ، كما لو كان ذا شهوة ولا زوجة له غير المظاهر منها ، ومع عدم الانتقال ووجوب الصبر مع عدم المشقة (4).

قال رحمه اللّه : لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار ، قال الشيخ : لا يجزيه ، لأنه كفر قبل الوجوب ، وهو حسن.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأن الكفارة إنما تجب بنية العود وقبلها لا يجب ، فاذا كفر قبل النية لم يأت بالواجب عليه ، فلا يخرج من العهدة. وإنما لم يجزم المصنف به (5) لاحتمال الاجزاء ، لأن الكفارة هنا سبب في اباحة الوطي وشرط في تسويغه ، فالمعتبر تقديم الشرط على مشروطه ، ولا يعتبر تقديم غير الشرط عليه ، ولأن السبب الموجب للتكفير هو الظهار الموجب للتحريم بدون التكفير ، لأن إرادة الوطي من دون الظهار لا توجب التكفير وكان (6) الظهار هو السبب أو جزء السبب الموجب للتكفير ، فيصدق عليه أنه كفر بعد الوجوب فيكون مجزيا ، والأول هو المعتمد.

ص: 314


1- المائدة : 6.
2- الوسائل ، كتاب احياء الموات باب 7 ، حديث 2 وكتاب المواريث ، باب 1 من أبواب موانع الإرث ، حديث 1.
3- من «م» و «ن».
4- كذا.
5- من النسخ.
6- في «ر 1» : (فكان).

كتاب الإيلاء

اشارة

ص: 315

ص: 316

في الصيغة

قال رحمه اللّه : أما لو قال : لا أجمع رأسي ورأسك في بيت أو مخدة ، أو لا ساقفتك ، قال الشيخ في الخلاف : لا يقع به إيلاء ، وقال في المبسوط : يقع مع القصد ، وهو حسن.

أقول : معنى قوله (لا ساقفتك) : أي لا اجتمعت أنا وأنت تحت سقف ، وبالوقوع قال الشيخ في المبسوط ، واستحسنه المصنف ، واستقربه العلامة في التحرير (1) ، واختاره في المختلف ، لأنه (لفظ يستعمل) (2) عرفا فيما نواه وقصده ، فيحمل على ما نواه كغيره من الألفاظ ، وللأخبار (3) الدالة عليه ، وقال الشيخ في الخلاف : لا يقع وإن قصد ، واختاره ابن إدريس ، والعلامة في الإرشاد ، وفخر الدين في شرح القواعد ، لأصالة بقاء الحل ما لم يتحقق السبب المحرم ، وهو غير متحقق مع احتمال الألفاظ ، فلا يتحقق الا باللفظ الصريح.

ص: 317


1- في «ن» : (النهاية).
2- في «ر 1» بدل ما بين القوسين : (مستعمل).
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 8 و 10.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ [فيه] قولان ، أظهرهما اشتراطه.

أقول : مذهب الشيخ في الخلاف اشتراط تجريده عن الشرط ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (1) ، وبأصالة الإباحة ، وتابعه ابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد وفخر الدين ، وقال في المبسوط : يقع معلقا على الشرط والصفة ، واختاره العلامة في المختلف ، لعموم القرآن (2) ، والأول هو المعتمد.

ص: 318


1- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 8 ، حديث 1 - 9 ، وباب 9. لاحظ الجواهر ج 33 ص 301.
2- البقرة : 227.

في المؤلي

قال رحمه اللّه : وفي صحته من المجبوب تردد ، أشبهه الجواز وتكون فئته كفئة العاجز.

أقول : منشؤه من عموم الآية (1) فيصح من المجبوب وغيره من الأزواج ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والتحرير ، ومن أنه حلف على فعل ممتنع فلا يقع ، كما لو حلف ليصعدن الى السماء ، وأيضا الإيلاء لا يقع إلا في إضرار ، وهو لا يتصور (2) من المجبوب لعدم قدرته على الوطي ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وبه قال فخر الدين.

ولو بقي للمجبوب ما يمكنه معه الوطي صح ايلاؤه إجماعا.

ص: 319


1- البقرة : 226.
2- في «ن» و «ر 1» : (لا يقع).

ص: 320

في المؤلي منها

قال رحمه اللّه : وفي وقوعه بالمستمتع بها تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) ، والتعقيب بالطلاق يمنع دخول المستمتع بها ، لعدم وقوع الطلاق عليها ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، ومن أنها من النساء فيدخل في عموم قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ) (2).

ص: 321


1- البقرة : 227.
2- البقرة : 227.

ص: 322

في أحكامه

قال رحمه اللّه : فان طلق فقد خرج من حقها وتقع الطلقة رجعية على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأصالة عدم البينونة ما لم يثبت ، وقيل : يقع الطلاق باينا ، لعدم الفائدة مع ثبوت الرجعة ، والأول هو المعتمد ، فان راجع ضربت له (1) مدة أخرى ووقف بعد انقضائها ، فإن طلق (وراجع ضربت له مدة أخرى ووقف بعد انقضائها ، فإن طلقت) (2) بانت قاله في التحرير ، وربما قيل : لا يفتقر إلى مدة أخرى بعد الرجعة.

قال رحمه اللّه : لو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع من الوطي كالحيض والمرض. لم يكن لها المطالبة ، لظهور عذره في التخلف ، ولو قيل : لها بالمطالبة بفئة العاجز عن الوطي ، كان حسنا.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، لأن الامتناع من جهتها ، ووجه

ص: 323


1- في «ن» : (لها).
2- ما بين القوسين ساقط في «ن».

اختيار المصنف عدم سقوط الميسور بالمعسور فيطالبه (بفيئة) (1) العاجز ، وهو إظهار العزم على الوطي وهو اختيار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط : تنقطع الاستدامة عدا الحيض ، وفيه تردد.

أقول : معنى انقطاع الاستدامة : عدم احتساب أيام العذر غير الحيض من المدة ، فإذا زال العذر بنت على ما مضى من المدة قبل العذر ، والفرق بين الحيض وغيره من الأعذار كالجنون والإغماء والمرض : أن الحيض يتكرر في كل شهر مرة أو مرتين غالبا ، فلو قطع الاستدامة لما تمت مدة التربص في أربعة أشهر غالبا ، بخلاف باقي الأعذار فإنها نادرة ، فلهذا حكم الشيخ بالفرق بينهما.

وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن احتمال عدم الفرق بين الحيض وغيره في عدم قطع الاستدامة ، وقواه فخر الدين ونقله عن كثير من الأصحاب ، لقيام (العاجز فيه) (2) مقام الوطي من القادر ، وعدم قبول المحل كعدم القدرة من الفاعل (3) ، فكما يلزم بفيئة (4) العاجز عند عجزه عن الوطي ، كذلك يلزم عند عجزها عن الوطي أيضا ، فلا فرق حينئذ بين الحيض وغيره من الأعذار ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا ولو وطأ بعد المدة ، قال في المبسوط : لا كفارة ، وفي الخلاف : تلزمه ، وهو الأشبه.

أقول : مذهب الخلاف هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم قوله تعالى :

ص: 324


1- كذا في جميع النسخ.
2- في النسخ : (فيه العاجز).
3- في «م» : (القاعد).
4- كذا في الأصل وجميع النسخ.

( ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (1) ، ولرواية منصور بن حازم (2) عن الصادق عليه السلام ، ووجه اختيار المبسوط أصالة البراءة والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قال في المبسوط : المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (3) ، جعل المدة أربعة أشهر من حين الإيلاء ، ولرواية بريد (4) بن معاوية (5) في الحسن عن الصادق عليه السلام ، الدالة على ابتداء المدة من حين الإيلاء ، ومن أن ضرب المدة حكم شرعي فيقف على إذن الشارع ، وهو موقوف على الترافع.

والأول مذهب ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح ، والثاني مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره العلامة في الإرشاد ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو قال : واللّه لا وطئتك خمسة أشهر فإذا انقضت ، فو اللّه لا وطئتك سنة ، فهما إيلاءان ، ولها المرافعة لضرب مدة التربص عقيب اليمين ، ولو وافقته فماطل حتى انقضت خمسة الأشهر ، فقد انحلت اليمين ، قال الشيخ : ويدخل وقت الإيلاء الثاني ، وفيه وجه وبطلان الثاني ، لتعلقه على الصفة على ما قرره الشيخ.

ص: 325


1- المائدة : 89.
2- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 12 من أبواب الكفارات ، حديث 3.
3- البقرة ، 226.
4- في النسخ : يزيد.
5- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 10 من أبواب الكفارات ، حديث 1.

أقول : الذي قرره الشيخ أن هذا الإيلاء معلق على صفة ، قال في المبسوط : لو قال : واللّه لا أصبتك خمسة أشهر ، فإذا انقضت فو اللّه لا أصبتك سنة فهما إيلاءان ويمينان مختلفان ، أحدهما خمسة أشهر ، والآخر سنة ، والأولى مطلقة والثانية معلقة بصفة ، فإذا وجدت الصفة انعقدت (1) ، كقوله : إذا قدم زيد فو اللّه لا وطئتك سنة ، فمتى قدم زيد انعقد الإيلاء ، فقد ظهر من تقرير الشيخ أنه معلق على صفة ، وأنه يقع مع التعليق ، والقائل بعدم وقوعه معلقا منع منه ، وقد مضى (2) البحث فيه.

ص: 326


1- في «ن» : (انعقدت اليمين).
2- ص 318.

كتاب اللعان

اشارة

ص: 327

ص: 328

في السبب

قال رحمه اللّه : ولو كان للقاذف بينة فعدل عنها الى اللعان قال في الخلاف يصح ومنع في المبسوط التفاتا الى اشتراط عدم البينة في الآية وهو الأشبه.

أقول : مذهب الخلاف اختيار العلامة في المختلف ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله لاعن بين العجلاني وزوجته ، ولم يسأل هل له بينة أو لا (1). (ومذهب المبسوط اختيار المصنف) (2) ، والعلامة في أكثر كتبه ، وبه قال فخر الدين ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ) (3) ، شرط في اللعان عدم النية (4) وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وكذا ليس له مطالبة زوج أمته بالتعزير في قذفها ، فان ماتت ، قال الشيخ : له المطالبة ، وهو حسن.

ص: 329


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 1 ، حديث 9.
2- في نسخة من الأصل بدل ما بين القوسين : (ومذهب المصنف اختيار المبسوط).
3- النور : 6.
4- في النسخ : (البينة).

أقول : هذا هو المشهور ، لأنه حد قد ثبت بالقذف ، فلا وجه لإسقاطه ، لعدم جواز تعطل الحدود ، ويحتمل عدم جواز مطالبه السيد به ، لان الحد لا ينتقل بالملك ، والا لكان ملكا (1) له حال حياة الأمة وليس كذلك ، ولا ينتقل بالميراث ، لأن المملوك لا يورث شيئا ، والمعتمد ما هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولا يلحق الولد الخصي المجبوب على تردد.

أقول : إذا اتفق الخصى والجب في إنسان ، هل يلحق به الولد؟ تردد المصنف في ذلك ، من أن العادة قاضية بأن الخصي المجبوب لا يولد له ، والعادة لها تأثير في الشرع ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن عموم قوله عليه السلام ، «الولد للفراش» (2) ، علقه على مجرد الفراش ، وهي فراش للخصي المجبوب فيلحقه الولد ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كان الزوج حاضرا وقت الولادة ، ولم ينكر الولد مع ارتفاع الاعذار لم يكن له إنكاره بعد ذلك ، الا أن يؤخره بما جرت العادة به ، كالسعي إلى الحاكم ، ولو قيل : له إنكاره [بعد ذلك] ما لم يعترف به ، كان حسنا.

أقول : ما حكاه أولا مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ثمَّ استحسن المصنف قبول الإنكار ما لم يحصل الإقرار ، ووجهه : ان السكوت أعم من الاعتراف وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ولأنه مع الإنكار قبل الاعتراف يكون قد أنكر ولدا لم يعترف به ، فيقبل إنكاره له.

قال رحمه اللّه : وإذا طلق الرجل وأنكر الدخول فادّعته ، وادعت أنها حامل منه ، فإن أقامت بينة أنه أرخى سترا ، لاعنها وحرمت عليه وكان عليه المهر ، وان لم تقم بينه ، كان عليه نصف المهر ولا لعان ، وعليها مائة سوط ، وقيل :

ص: 330


1- في النسخ : مالكا.
2- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 9 ، حديث 3.

لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول وهو الوطي ، ولا يكفي إرخاء الستر ولا يتوجه عليه الحد ، لأنه لم يقذف ولا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به ، ولعل هذا أشبه.

أقول : ما حكاه المصنف أولا كلام الشيخ في النهاية ، وهو مشتمل على أحكام.

الأول : أن الخلوة قائمة مقام الدخول المترتب عليه كمال المهر ولحوق النسب ، وقد مضى (1) البحث في ذلك.

الثاني : مع عدم ثبوت الخلوة ينتفي الولد بغير لعان ، ولا يثبت عليه (2) غير نصف المهر.

الثالث : جلدها حينئذ مائة سوط حد الزنا ، لانتفاء الحمل عن الزوج بغير لعان ، فهو كإقرارها أو نكولها أو قيام البينة عليها بالزنا ، والقول الثاني قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، واختار أبو العباس في مقتصره مذهب النهاية عدا وجوب الحد عليها ، لإمكان صدقها فتتحقق الشبهة.

ص: 331


1- ص 146.
2- من «م».

ص: 332

في الملاعن قال رحمه اللّه : وفي لعان الكافر روايتان ، أشهرهما أنه يصح وكذا القول في المملوك.

أقول : اختلف الأصحاب في صحة لعان الكافر ، كما لو كانا ذميين وترافعا إلينا أو يكون الزوج مسلما والزوجة ذمية أو بالعكس ، كما لو أسلمت تحت الذمي وأتت بولد يلحقه شرعا ، وكذلك اختلفوا في لعان المملوك ، قال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف به ، وبه قال ابن بابويه وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لعموم الآية (1) ، ولحسنة جميل عن الصادق عليه السلام ، «قال : سألته عن الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ قال : نعم ، وبين المملوك والحرة ، وبين العبد والأمة ، وبين المسلم واليهودية والنصرانية ، ولا يتوارثان ، ولا يتوارث الحر والمملوكة» (2) ، وقال المفيد وسلار وابن الجنيد : لا يصح مطلقا

ص: 333


1- النور : 6 - 9.
2- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 3.

لأن اللعان شهادات ، لقوله تعالى ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ ) (1) ، لأنه يفتقر الى لفظ الشهادات ، والشاهد يشترط فيه الإسلام.

وفصل ابن إدريس والشيخ في الاستبصار فجوزا اللعان لنفي الولد دون القذف ، لرواية زرارة (2) ، وإسماعيل بن زياد (3) عن الصادق عليه السلام ، وعن الباقر عليه السلام : «أن عليا عليه السلام قال : ليس بين خمس نساء وأزواجهن ملاعنة : اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها ، والنصرانية ، والأمة تكون تحت الحر فيقذفها ، والحرة تكون تحت العبد فيقذفها ، والمجلود في الفرية ، لأن اللّه تعالى يقول ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) (4) ، والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان انما اللعان باللسان» (5).

قال رحمه اللّه : ويصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة كما يصح طلاقه وإقراره ، وربما توقف شاذ منا ، نظرا الى تعذر العلم بالإشارة وهو ضعيف ، إذ ليس حال اللعان بزائد على حال الإقرار بالقتل.

أقول : المشهور صحة لعان الأخرس بالإشارة المعقولة ، وتوقف ابن إدريس في صحة لعانه ، قال : لأن النطق منه بالشهادات في حال اللعان متعذر ، والأصل براءة الذمة ، واللعان حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وأيضا لو رجع عن اللعان عند من جوزه له وجب عليه الحد ، والرسول عليه السلام قال «ادرؤا الحدود للشبهات» (6) من المعلوم أن في إيمائه وإشارته بالقذف

ص: 334


1- النور : 6.
2- لم يروه في الوسائل عن زرارة.
3- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 12.
4- النور : 4.
5- انظر هامش 13.
6- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ، حديث 4.

شبهة ، هل إرادته القذف أو غيره؟ وهو غير المعلوم (1) يقينا ، كالناطق بلا خلاف ، ثمَّ قال : وإن قلنا يصح منه اللعان كان قويا ، لأنه يصح منه الإقرار والايمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام (2).

قال العلامة في المختلف : وهذا يدل على اضطرابه وتردده في هذه المسألة ، ولو التزم بالتوقف كما حكم به أولا كان أجود ، فإن الفرق بين الإقرار وأداء الشهادات ، وبين اللعان ظاهر ، لاشتراط خصوصية اللفظ هنا دون الإقرار والشهادات ، إذ القصد فيهما المعنى بأي عبارة كان.

ص: 335


1- في النسخ : (معلوم).
2- السرائر 2 : 702.

ص: 336

في الملاعنة

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار الدخول بها خلاف المروي أنه لا لعان [قبله] ، وفي قول بالجواز ، وقال : ثالث بثبوته بالقذف دون نفي الولد.

أقول : اعتبار الدخول مذهب الشيخ في النهاية ، وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة ، لموثقة أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، «قال لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته» (1) ، ومثلها رواية (2) مصادف (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

وعدم اعتبار الدخول منقول عن المفيد رحمه اللّه ، واختاره العلامة في القواعد ، لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) (4).

والتفصيل مذهب ابن إدريس ، واستحسنه العلامة في المختلف ، واختاره

ص: 337


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 2 ، حديث 6.
2- في «ر 1» : (زرارة).
3- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 2 ، حديث 4 ، 8 ، وفيه (ابن مضارب).
4- النور : 6.

فخر الدين وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، أما ثبوته بالقذف (1) فلعموم الآية (2) ، وأما عدم ثبوته لنفي النسب فلأنه إنما يلحق بعد الدخول ، وقبله ينتفي عنه بمجرد النفي ، والقول قوله فيه ، واللعان إنما يثبت لنفي النسب مع عدم نفيه بدون اللعان ، وقد ثبت أنه قبل الدخول يكون القول قوله في نفيه ، ولا يفتقر (3) الى اللعان (4).

قال رحمه اللّه : ويثبت اللعان بين الحر والمملوكة ، وفيه رواية(5)بالمنع ، وقال ثالث. بثبوته ينفي الولد دون القذف.

أقول : ثبوته مطلقا مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن بابويه وأبو الصلاح ، وهو ظاهر المصنف والعلامة ، لعموم القرآن (6) ، ولرواية جميل المتقدمة (7) ، ومنعه المفيد وسلار مطلقا لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام ، «قال : لا يلاعن الحر الأمة» (8) إلى آخر الحديث ، وبالفرق قال ابن إدريس ، لأن اللعان بالقذف لأجل إسقاط الحد ، ولا حد في قذف الأمة ، بل التعزير ، واختاره فخر الدين ، واستحسنه أبو العباس في مقتصره ، وضعفه الشهيد في شرح الإرشاد ، واختار ثبوته مطلقا.

قال رحمه اللّه : ولا تصير الأمة فراشا بالملك وهل تصير فراشا بالوطي؟ فيه روايتان ، أظهرهما : أنها ليست فراشا ، ولا يلحق ولدها إلا بإقراره ، ولو

ص: 338


1- في «ن» : (في القذف).
2- النور : 6.
3- في «م» : (فلا يفتقر).
4- في النسخ : (لعان).
5- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 4.
6- النور : 6.
7- ص 333.
8- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 5 ، حديث 4.

اعترف بوطئها ولو نفاه لم يفتقر الى لعان.

أقول : معنى صيرورة الأمة فراشا بالوطي أنها إذا أتت بولد بعد الوطي في مدة الحمل لحق به ولم يجز له نفيه ، ومعنى عدم صيرورتها فراشا : عدم وجوب اعترافه بالولد وجواز نفيه بغير لعان ، وهو اختيار الشيخ والمصنف والعلامة وفخر الدين ، لما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، «أن رجلا من الأنصار أتى الى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقال له : إني ابتليت بأمر عظيم ، إن لي جارية كنت أطؤها فوطئتها يوما وخرجت في حاجة لي بعد ما اغتسلت منها ، ونسيت نفقة لي ، فرجعت الى المنزل لأخذها فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية؟ فقال له عليه السلام : لا ينبغي لك أن تقربها ولا تنفيها ، ولكن أنفق عليها من مالك حتى يجعل اللّه عزوجل لك ولها مخرجا» (1).

واما الرواية الدالة على أنها تصير فراشا بالوطي ، فرواية سعيد بن يسار ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي ء ، وقد عزل عنها ، ولم يكن منه إليها شي ء ، ما تقول في الولد؟ قال : أرى إلا يباع هذا الولد يا سعيد ، قال : وسألت أبا الحسن عليه السلام؟ فقال : أتتهمها؟ فقلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، فقال : كيف تستطيع الا يلزمك الولد؟!» (2) والأول هو المعتمد.

ص: 339


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 55 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
2- المصدر المتقدم.

ص: 340

في كيفيّة اللعان

قال رحمه اللّه : ولا يصح إلا عند الحاكم أو من ينصبه لذلك ، ولو تراضيا برجل من العامة فلاعن بينهما جاز ، ويثبت حكم اللعان بنفس الحكم ، وقيل : يعتبر رضاهما بعد الحكم.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في اشتراط إيقاعه عند الحاكم أو من يأمره ، وهو مجمع عليه ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله تولى اللعان بنفسه بين هلال بن أمية وزوجته (1) ، وبين العجلاني وزوجته (2) ، ولأنه إما أيمان أو شهادات ، ولا يثبت حكم أحدهما إلا عند الحاكم ، قال الشيخ : ولا يفتقر الى حضوره بل إلى استدعائه وإلقائه على الزوجين ، والمعتمد أنه لا بد من حضوره وأمره وسماعه الشهادات ، فلو أمر به ثمَّ أوقعاه بغيبته لم يقع ، ولا يفتقر الى حضور الزوجين معا ، فلو لاعن كل واحد منهما بغيبة صاحبه جاز.

ص: 341


1- سنن البيهقي ، ج 7 ، ص 394.
2- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 1 ، حديث 9.

الثانية : إذا تراضيا برجل وهو جامع لشرائط الاجتهاد فلاعن بينهما ، هل يصح ذلك أم لا؟ بالصحة قال ابن حمزة والشيخ في موضع من المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، لأن الخصمين إذا تراضيا بحكم أحد من الرعية ، وهو جامع لشرائط الاجتهاد ، جاز له الحكم بينهما.

وقال العلامة في المختلف ، وفخر الدين في شرح القواعد : لا يجوز ، لأن اللعان حكم شرعي يتعلق به أحكام وكيفيات مخصوصة ، وحكمه يتعدى الى غير الزوجين كنفي الولد ، فيناط بالإمام وخليفته دون غيرهما.

الثالثة : على القول بصحة إيقاعه من غير الحاكم ومنصوبه ، هل يلزم بنفس الإيقاع أو يفتقر إلى التراضي بعده؟ يبنى على مسألة ، هي أن الخصمين إذا تراضيا برجل من العامة غير القاضي المنصوب من قبل الإمام يحكم بينهما ، فهل ينفذ (1) حكمه بنفس الحكم أو يفتقر الى تراضيهما بعده؟ فيه خلاف ، وسيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى في باب القضاء (2).

قال رحمه اللّه : فالواجب التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور ، وأن يكون الرجل قائما عند التلفظ ، وكذا المرأة ، وقيل : يكونان جميعا قائمين بين يدي الحاكم.

أقول : اختلف علماؤنا في المرأة حال تلفظ الرجل بالشهادات واللعن ، هل تكون قائمة أو قاعدة؟ قال الشيخ في المبسوط : تكون قاعدة ، وهو مذهب ابني (3) بابويه وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وقال الشيخ في النهاية : يجب قيامهما معا ، وبه قال المفيد وابن أبي عقيل وأبو

ص: 342


1- في «ن» : (يثبت).
2- لم نعثر عليه في كتاب القضاء.
3- في «م» : (ابن).

الصلاح وابن حمزة وسلار وابن زهرة ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو اختيار فخر الدين ، ودليل الفريقين الروايات (1).

قال رحمه اللّه : وقال الشيخ : اللعان أيمان وليست شهادات ، ولعله نظر الى اللفظ فإنه بصورة اليمين.

أقول : هل اللعان شهادات أو أيمان؟ قال الشيخ في المبسوط : هو أيمان ، لما روى عكرمة عن ابن عباس ، «أن النبي صلى اللّه عليه وآله لما لاعن بين هلال بن أمية وزوجته ، قال : إن أنت به على نعت كذا وكذا ، فما أراه إلا وقد كذب عليها ، وان أتت به على نعت كذا وكذا ، فما أراه الا من شريك بن السجا ، قال : فأتت به على النعت المكروه ، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله : لو لا الأيمان لكان لي ولها شأن» (2) ، فسمى اللعان يمينا ، وعندهم أنه شهادة ولا يصح الا ممن تصح منه الشهادة (3). هذا آخر كلام المبسوط ، وجزم العلامة في القواعد أنه أيمان ، وظاهر المصنف أنه شهادات.

ولا شك أن اللعان قد اشتمل على أحكام تشابه اليمين ، وأحكام تشابه الشهادات.

فالمشابهة لليمين اشتراط اسم اللّه فيه ، ولا شي ء من الشهادات يشترط فيه ذلك ، وأيضا افتقاره إلى صيغة مخصوصة ، وهي : أشهد باللّه ، وليست الشهادة كذلك ، بل يكفي ما يدل على المعنى ، والشهادة لا تصح لنفس الشاهد ، وهنا الشهادة لنفسه فلا يكون شهادة.

وأما المشابهة لأحكام الشهادات : إن أصل الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهود ،

ص: 343


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 1.
2- سنن البيهقي ، ج 7 ، ص 394.
3- المبسوط 5 : 183. مع اختلاف يسير في عبارة المبسوط.

وهو مشتمل على أربعة شهادات ، ولأن اللّه تعالى سماه شهادة لقوله تعالى : ( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ ) (1) ويلحقه أحكام أخر غير ما ذكرناه مما تشابه الايمان والشهادات أعرضنا عنها لئلا يطول الكتاب.

ص: 344


1- النور : 6.

في الأحكام

قال رحمه اللّه : ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد ، لكن يرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به ، وترثه الأم ومن يتقرب بها ، ولم يعد الفراش ولم يزل التحريم ، وهل عليه الحد؟ فيه روايتان ، أظهرهما : أنه لا حد.

أقول : رواية عدم الحد هي رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام : «في رجل لاعن امرأته وهي حبلى ، ثمَّ ادعى ولدها بعد ما ولدت ، وزعم أنه منه؟ فقال : يرد إليه الولد ولا تحل له ، لأنه قد مضى التلاعن» (1) وهو يدل على نفي الحد ، لأن قوله (مضى التلاعن) دليل على ترتب أثره عليه ، ومن جملته نفي الحد ، وإنما خرج الولد خاصة للنص والإجماع ، وصونا له عن الضياع ، فيبقى الباقي على أصله ، وهو مذهب الشيخ (في النهاية) (2) ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف والتحرير والإرشاد ، وأبو العباس في المقتصر.

والرواية المتضمنة لثبوت الحد رواية محمد بن الفضل عن أبي الحسن عليه

ص: 345


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 6 ، حديث 2 مع اختلاف.
2- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

السلام ، «قال : سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثمَّ أكذب نفسه ، هل يرد عليه ولده؟ فقال : إذا أكذب نفسه جلد الحد ورد عليه ابنه ، ولا ترجع عليه امرأته أبدا» (1) ، وهي صريحة في إثبات الحد ، وحملها الشيخ في التهذيب على حصول الإكذاب قبل إتمام اللعان ، وآخر الخبر يدفعه ، لأن قوله (ولا ترجع عليه امرأته أبدا) يدل على كون الإكذاب بعد اللعان ، وإلا لم تحرم عليه امرأته.

وبوجوب الحد قال الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في شرحه.

قال رحمه اللّه : ولو اعترفت بعد اللعان لم يجب عليها الحد الا أن تقر أربع مرات ، وفي وجوبه معها تردد.

أقول : منشؤه من أنها أقرت أربع مرات ، وكل من أقر بالزنا أربع مرات مع إمكانه وجب عليه الحد ، ومن عموم قوله تعالى ( وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (2) ، وقد شهدت فيسقط عنها الحد ، وهو اختيار فخر الدين للشبهة.

ووجوب الحد مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ويحيى بن سعيد وظاهر الإرشاد.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها فأقرت قبل اللعان ، قال الشيخ : لزمها الحد إن أقرت أربعا ، وسقط عن الزوج ، ولو أقرت مرة فإن كان هناك نسب لم ينتف الا باللعان ، وكان للزوج أن يلاعن لنفيه ، لأن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب ، إذ هو ثابت بالفراش ، وفي اللعان تردد.

أقول : التردد انما هو في اللعان فقط ، دون ثبوت الحد عليها مع الإقرار

ص: 346


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 6 ، حديث 6.
2- النور : 8.

أربعا ، ودون سقوط الحد عنه بالإقرار ولو مرة ، فهذا الاشكال (1) فيه عندهم (2) ، والاشكال إنما هو في ثبوت اللعان مع تصادقهما على الزنا ، واستشكله العلامة في كتبه أيضا ، ومنشأ الاشكال عندهم من أن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب الثابت بالفراش ، ومن أن اللعان إنما يتصور مع تكاذبهما ولا تكاذب (3) هنا ولا لعان.

قلت : مع التحقيق ينبغي انتفاء هذا الإشكال ، لأنه إذا تصادقا على الزنا ، لا يخلو إما أن يتصادقا على أن الولد من ذلك الزنا الذي تصادقا عليه أم لا.

فان كان الأول لم يتصور اللعان ، لأن من شرطه أن تشهد المرأة ( أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ ) ، وهذا الشرط منتف مع عدم التكاذب ، فينتفي المشروط وهو اللعان.

وإن كان الثاني وهو الا يتصادقا (على أن) (4) الولد من ذلك الزنا الذي تصادقا عليه ، وادعى الزوج أنه منه أو من غيره (ولم) (5) تصدقه عليه ، (أو ادعى) (6) أنه ليس ولده وأطلق ، وادعت أنه ولده فهاهنا (لا إشكال) (7) في عدم نفيه عنه بغير لعان ، (لأن الولد لاحق به (8) في ظاهر الشرع وقد تكاذبا في نفيه فلا ينتفي إلا باللعان) (9) فالإشكال منتف على التقديرين ، وهذا واضح

ص: 347


1- كذا
2- في «ن» : (عنده مسلم ثمَّ).
3- في النسخ : (فلا لعان).
4- ما أثبتناه من «ر 1» في باقي النسخ : (بأن).
5- في «ر 1» : (ولو لم).
6- في «ر 1» : (إن ادعى).
7- في «م» و «ر 1» : (الإشكال).
8- في «م» : (له).
9- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

لا غبار عليه.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها فاعترفت ثمَّ أنكرت فأقام شاهدين باعترافها ، قال الشيخ : لا يقبل إلا بأربعة ويجب الحد ، وفيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالإقرار لا بالزنا.

أقول : إذا قذفها فأنكرت فادعى إقرارها وأقام شاهدين بالإقرار ، هل يقبل بالنسبة إلى إسقاط الحد عنه؟ قال الشيخ : لا يقبل إلا أربعة ويجب عليه الحد ، لأنها (1) شهادة على الزنا ، وشهادة الزنا لا تقبل فيها إلا أربعة ، لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (2) ، واستشكل المصنف من أنها شهادة على الإقرار لا على الزنا ، فإنها لو أقرت مرة واحدة سقط الحد عن القاذف بتلك المرة ، فإذا ثبت إقرارها بالشاهدين (3) انتفى الحد عنه ولا يثبت زناها بذلك ، بل فائدة هذه الشهادة سقوط الحد عنه.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورثها الزوج وعليه الحد للوارث ولو أراد دفع الحد باللعان جاز ، وفي رواية أبي بصير : «إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له ، والا أخذ الميراث» ، وإليه ذهب [الشيخ] في الخلاف ، والأصل أن الميراث يثبت بالموت فلا يسقط باللعان المتعقب.

أقول : إذا قذف الرجل (4) زوجته وجب عليه الحد ، وانما يسقط بالبينة أو بالاعتراف أو اللعان ، فان ماتت قبل ذلك كان الحد باقيا وللوارث المطالبة به ،

ص: 348


1- في النسخ : (لأنه).
2- النور : 4.
3- في «ن» : (بالشاهد) ، وفي «ر 1» : (بشاهدين).
4- هذه الكلمة ليست في «م» و «ر 1».

فاذا طالب به ، هل له إسقاطه بلعانه وحده من غير احتياج الى اللعان (1) من الوارث؟ قال الشيخ في المبسوط : الوجه أنه لا لعان بعد موتها لوروده بين الزوجين ، واختاره ابن إدريس ، وجوزه المصنف والعلامة في القواعد ، واختاره أبو العباس لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (2) ، فعلى هذا يكون فائدة لعانه سقوط الحد خاصة دون باقي أحكام اللعان من البينونة (3) والتحريم المؤبد ، لتوقف ذلك على لعانهما (4) ، ويحكم بموتها على زوجيته ، فيرثها وعليه مئونة التجهيز وهو أولى بغسلها والصلاة عليها.

وهل لأحد من ورثتها ملاعنته لتبين منه ويسقط إرثه؟ قال الشيخ في النهاية والخلاف : نعم ، وبه قال ابن حمزة وابن البراج ، لرواية (5) أبي بصير ، ومنعه في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة ، لإضافة اللعان الى الزوجين في الآية لا إلى الولي (6) ، ولأن اللعان أيمان وكيف يحلف الإنسان عن غيره؟ ولأن الإرث قد ثبت بالموت فلا يبطل باللعان المتعقب له ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثمَّ قذفها به ، قيل : لا حد ، وقيل : يحد ، تمسكا بحصول الموجب وهو أشبه ، وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثمَّ قذفها به ، وهنا سقوط الحد أظهر.

ص: 349


1- في النسخ : (لعان).
2- النور : 6.
3- في «ن» : (التسوية).
4- في «م» و «ن» : (لعانها).
5- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 15 ، حديث 1.
6- في «م» : (المولى).

أقول : تكرار القذف من غير تخلل حد ولا لعان لا يوجب غير حد واحد إجماعا ، فإن تخلل أحدهما حصل الخلاف ، فهنا مسألتان :

الأولى : إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثمَّ قذفها به ثانيا ، هل يجب عليه حد أم لا؟ للشيخ قولان ، أحدهما : عدم الحد ، قاله في المبسوط ، قال : لأنه يثبت كذبه لعجزه عن البينة ، والقذف إنما يكون بما يحتمل الصدق والكذب ، وهذا محكوم بكذبه ، وقال في الخلاف بوجوب الحد لوجود المقتضي وهو القذف ، وانتفاء المانع وهو وجود ما يسقطه من بينة أو إقرار أو لعان فيثبت الحد ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

الثانية : إذا قذفها فلاعن ثمَّ قذفها به(1) ثانيا ، قال الشيخ في المبسوط (والخلاف) (2) بعدم ثبوت الحد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن اللعان جار مجرى إقامة البينة أو الإقرار في سقوط الحد ، ومع إقامة البينة أو الإقرار لا يجب الحد بإعادة القذف ، فكذلك لا يجب مع اللعان للمساواة.

ويحتمل ثبوت الحد بالقذف الثاني ، لأن اللعان إنما أسقط الحد الذي وجب قبله بالقذف السابق عليه (3) ولم يثبت زناها باللعان كما يثبت بالبينة أو الإقرار ، فإذا قذفها بعد اللعان وجب عليه الحد ، لعموم الآية (4) ، والمعتمد سقوطه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، والظاهر أن الخلاف الذي أشار إليه المصنف في قوله : (وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثمَّ قذفها) للجمهور ، لعطفها على المسألة السابقة ، لأن الشيخ حكى فيها خلافا لهم ثمَّ اختلف قولاه فيها (5) ، وأما هذه المسألة الثانية

ص: 350


1- من النسخ وليست في الأصل.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- من النسخ وليست في الأصل.
4- النور : 4.
5- في الأصل : فيهما.

ففتاوي الأصحاب متطابقة على سقوط الحد فيها. وإن لم يحصل الجزم ، لاحتمال عدم السقوط كما بيناه.

قال رحمه اللّه : ولو قذفها ولاعن فنكلت ثمَّ قذفها الأجنبي قال الشيخ : لا حد كما لو أقام بينة ، ولو قيل : يحد ، كان حسنا.

أقول : إذا قذفها الزوج ولاعن فنكلت (1) عن اللعان وحدت ثمَّ قذفها الأجنبي ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : لا حد ، لأن النكول كالبينة ، وإذا قامت عليها البينة بالزنا لم يحد القاذف لها بل يعزر ، ولأنها بنكولها وحدها خرجت عن الإحصان ، والحد إنما يجب بقذف المحصنة ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (2) ، واستحسن المصنف وجوب الحد ، لأنه لم يوجد منها إقرار ، ولا قامت عليها بينة بالزنا ، فلا يزول إحصانها ، واختاره (المصنف و) (3) العلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو شهد أربعة والزوج أحدهم فيه روايتان ، إحداهما : ترجم المرأة ، والأخرى يحد الشهود ويلاعن الزوج ، ومن فقهائنا من نزل رد الشهادة على اختلال بعض الشرائط ، أو سبق الزوج بالقذف ، وهو حسن.

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنا أحدهم زوجها (وجب عليها الحد ، وقد روي : «أن البينة يجلدون حد المفتري ويلاعنها زوجها) (4)» (5) ، قال : وهذه الرواية محمولة على أنه إذا لم (6) تعدل الشهود

ص: 351


1- في «ن» : (ثمَّ نكلت).
2- النور : 4.
3- ما بين القوسين من «ر 1».
4- النهاية : 690.
5- ما بين القوسين ليس في «م».
6- ليست في «ر 1».

واختلفوا في إقامة الشهادة أو اختل بعض شرائطها ، فاما مع اجتماع (1) شرائط الشهادة كان الحكم ما قدمناه ، فقد ظهر أن مذهب الشيخ في النهاية وجوب حد المرأة ما لم يختل بعض شرائط الشهادة.

وقال محمد بن بابويه وأبو الصلاح تحد الشهود ويلاعن الزوج ، لأن الزوج هو المدعي فلا تقبل شهادته ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وبه قال فخر الدين.

وقال ابن حمزة وابن إدريس بوجوب حد المرأة ما لم يسبق قذف الزوج لها ، واستحسنه المصنف ، ومال إليه العلامة في المختلف ، لعموم قوله تعالى : ( وَاللّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) (2) ، ولم يفرق بين أن يكون الزوج أحدهم أو لا وهو خطاب للحكام.

ص: 352


1- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.
2- النساء : 15.

كتاب العتق

اشارة

ص: 353

ص: 354

أسباب العتق

قال رحمه اللّه : وعبارته الصريحة التحرير ، وفي الإعتاق تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الملك على مالكه ، وأصالة بقاء الرق ما لم يعلم السبب الناقل ، وهو غير متحقق بغير لفظ التحرير ، لوقوع الخلاف فيما عداه ، ومن استعمال لفظ العتق في التحرير استعمالا ظاهرا بحيث لا يفهم منه عند الإطلاق إلا التحرير ، وإجماع علمائنا على حصول العتق بقوله : أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، والاقتصار على لفظ التحرير فقط مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس ، ووقوعه بلفظ العتق مذهب العلامة والشهيد ، واختاره أبو العباس وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال لأمته : يا حرّة وقصد العتق ففي تحررها تردد ، والأشبه عدم التحرر لبعده عن الإنشاء.

أقول : منشأ التردد من أن الشارع وضع للعتق صيغة الأخبار حقيقة (1) ، وهي : أنت حرّة ، والنداء ليس اخبارا ، فلا يفيد العتق ، لأصالة بقاء الرق ما لم

ص: 355


1- ليست في «ر 1».

يعلم السبب المزيل له ، ومن أن حرف الإشارة لم يعتبره الشارع ، وانما الاعتبار بلفظ التحرير وقد أتى به ، فقوله : يا حرّة مع قصد التحرير ، بمعنى قوله : أنت حرّة ، والمعتمد مذهب المصنف وهو اختار فخر الدين.

قال رحمه اللّه : أما لو قال : بدنك أو جسدك فالأشبه وقوع العتق ، لأنه هو المعني بقوله : أنت حرة.

أقول : الألفاظ الموضوعة للتحرير ، أنت حرّ ، أو عبدي حر ، أو زيد حر ، أو هذا حر ، فلو قال : بدنك أو جسدك حر ، هل يقع التحرير؟ قال المصنف والعلامة وابنه والشهيد بوقوعه ، وهو المعتمد ، لأن الإنسان على اختلاف مذاهب المتكلمين ، اما جوهر مجرد أو أجزاء أصلية في البدن أو هذا الهيكل المحسوس ، وعلى كل تقدير فالملك إنما يتناول الهيكل المحسوس دون الجوهر المجرد والاجزاء الأصلية ، والتحرير ازالة الملك بعد ثبوته عما يثبت عليه الملك ، والملك انما يثبت على هذا الجسد ، فاذا قصده بالتحرير تحرر ، ويحتمل عدم التحرير ، لأنه ليس الصيغة المنصوص عليها ، والأصل بقاء الملك.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر لا ، فلو قال : أحد عبيدي حر صح ، ويرجع الى تعيينه ، فلو عين ثمَّ عدل لم يقبل ، ولو مات قبل التعيين ، قيل : يعين الوارث ، وقيل : يقرع ، وهو أشبه لعدم اطلاع الوارث على قصده.

أقول : بعدم وجوب تعيين المعتق قال الشيخ وابن حمزة والمصنف ، والعلامة في جميع كتبه ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وفي الدروس قال : فيه خلاف ، ولم يرجح شيئا ، وقال فخر الدين : وعندي في هذه المسألة توقف ، وقال عميد الدين : لم أقف على قول باشتراط التعيين.

إذا عرفت هذا فحجة القائلين بعدم الاشتراط عموم مشروعية العتق

ص: 356

وأصالة عدم الاشتراط ، ويحتمل الوجوب ، لأن العتق أمر معيّن فيفتقر الى محل معين ، ولأصالة بقاء الرق ما لم يعلم السبب المزيل ، وهو غير معلوم مع عدم التعيين وعلى القول بالصحة يعين من شاء فان عين واحدا وعدل عنه الى غيره لم يقبل العدول ولم يعتق الثاني ، لأنه لم يبق محل للعتق ، بخلاف ما لو أعتق معينا واشتبه فعين ثمَّ عدل ، فإنهما يعتقان. والفرق أن التعيين في الصورة الأولى تعيين شهوة واختيار ، فاذا عينه في واحد تعين ولم يبق محل للعتق ، لأن محله واحد منهم وقد تعين ، والتعيين في الصورة الثانية تعيين إقرار واختيار ، فاذا عينه في واحد ثمَّ عدل عنه الى غيره لم يقبل العدول بالنسبة الى من عينه أولا ، وينعتق الثاني ، لأنه إقرار بعتقه ، «وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1) كما لو أقر لزيد بعين ثمَّ أقر بها لعمرو ، فإنه يغرم لعمرو ولا يمضي إقراره على زيد فكذا هنا ، وإذا مات قبل التعيين قيل تعيين الوارث ، لأنه قائم (2) مقام الموروث واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وقيل بالقرعة واختاره المصنف ، والعلامة في التحرير ، والشهيد في الدروس ، لعدم اطلاع الوارث على قصد الميت قاله المصنف ، وفيه نظر ، لأن المعتق لم يقصد معينا فلا يضر عدم الاطلاع على قصده ، ولأن القرعة لاستخراج ما هو معين في نفسه ، لا لتحصيل التعيين.

والتحقيق : أن الواقع هل هو العتق في الحال والتعيين كاشف أو سبب له صلاحية التأثير عند التعيين ، فعلى الأول يكون العمل على القرعة ، وعلى الثاني يكون التعيين للوارث ، ويتفرع على الوجهين فروع.

الأول : عدم جواز الاستخدام لواحد منهم قبل التعيين على الأول ، لأن فيهم حرا يحرم استخدامه وهو مشتبه ، وإذا اشتبه المحلل بالمحرم اجتنبا ، وعلى

ص: 357


1- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.
2- في الأصل : قام.

الثاني يجوز الاستخدام بالجميع قبل التعيين ، لعدم تحرير شي ء منهم قبل التعيين.

الثاني : عدم جواز بيع شي ء منهم قبل التعيين على الأول ، وجوازه على الثاني لما قلناه في الفرع الأول.

الثالث : عدم جواز وطي شي ء منهن لو كن إماء على الأول ، وجوازه على الثاني ، وأما النفقة فواجبة على الجميع قبل التعيين على الوجهين.

قال رحمه اللّه : وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا وصدقته تردد ، ومستند الجواز رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.

أقول : منشأ التردد من الرواية (1) المذكورة وبمضمونها أفتى الشيخ وابن البراج ، ومن ثبوت الحجر على الصبي (2) حتى يبلغ ، وهو المشهور وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويبطل باشتراط نية القربة عتق الكافر لتعذرها في حقه ، وقال الشيخ في الخلاف : يصح.

أقول : جوز الشيخ في الخلاف والمبسوط عتق الكافر للمسلم وأثبت له الولاء على العتق ، لعموم قوله عليه السلام «الولاء لمن أعتق» (3) ، لكنه لا يرثه ما دام كافرا ، لان الكفر يمنع الإرث من المسلم ، ومنع منه ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وهو مبني على اشتراط نية القربة ، لقوله عليه السلام «لا عتق الا ما أريد به وجه اللّه» (4) وقال العلامة في المختلف : إن كان الكفر باعتبار جهله باللّه تعالى فالوجه ما قاله ابن إدريس ، وإن كان باعتبار جحده النبوة أو بعض أصول الإسلام كالصلاة ، فالوجه ما قاله الشيخ ، وقواه الشهيد في شرح الإرشاد واستقربه في الدروس ، ولا بأس به إذا اعتقد أن العتق قربة الى اللّه ،

ص: 358


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 56 ، حديث 1.
2- في «ن» : عليه.
3- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 56 ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 35 ، حديث 1 و 2.

لعموم الدليل على صحة العتق إذا أريد به وجه اللّه ، فيقع وان لم يستحق عليه ثوابا لكفره.

قال رحمه اللّه : ويعتبر في المعتق الإسلام والملك فلو كان المملوك كافرا لم يصح عتقه ، وقيل : يصح عتقه مطلقا ، وقيل : يصح مع النذر.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : عدم الصحة مطلقا ، وهو قول السيد المرتضى وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في القواعد ، وهو مذهب فخر الدين ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (1) والكافر خبيث ، ولما رواه سيف بن عميرة عن الصادق عليه السلام «قال : سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا» (2).

الثاني : الصحة مطلقا وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، لما رواه الحسن بن صالح عن الصادق عليه السلام «قال : إن عليا عليه السلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم حين أعتقه» (3)

الثالث : وقوعه مع النذر لا بدونه ، وهو قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف في المختصر ، ووجهه الجمع بين الخبرين المذكورين ، وعلى القول بالصحة يشترط أن يتعلق النذر بعبد معين ، كقوله : لله علي أن أعتق سالما ، أما لو قال : لله علي أن أعتق عبدا كافرا ، لم ينعقد قطعا ، لأن الحكم على ماهية (4) مقيدة بوصف يشعر بعلية ذلك الوصف ، وحينئذ يكون النذر معصية لا طاعة فيه أصلا ، فلا ينعقد. أما مع تعيينه من غير تقييد بالوصف. لا يكون الوصف مقصودا.

ص: 359


1- البقرة : 267.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 17 ، حديث 5.
3- المصدر السابق ، حديث 2.
4- في «م» و «ن» و «ر 1» : الماهية.

قال رحمه اللّه : ويصح عتق ولد الزنا ، وقيل : لا يصح بناء على كفره ، ولم يثبت.

أقول : القائل ابن الجنيد وابن إدريس ، والمشهور الجواز وهو المعتمد ، لعدم ثبوت كفره ، ولما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام ، «قال : ولا بأس أن يعتق ولد الزنا» (1).

قال رحمه اللّه : ولو شرط على العتيق شرطا في نفس العتق لزمه الوفاء به ولو شرط إعادته في الرق إن خالف أعيد مع المخالفة عملا بالشرط ، وقيل : يبطل ، لأنه اشتراط لاسترقاق من ثبتت حريته.

أقول : يجوز أن يشترط على العتيق شرطا سائغا ، كقوله : أنت حر وعليك مائة دينار ، أو خدمة سنة مثلا ، ولا يكون هذا تعليقا بل عتقا وشرطا ، ولا يشترط رضا العبد في اشتراط الخدمة ، لأن السيد يملك الرقبة والمنافع ، فاذا استثنى منافعه مدة معلومة لم يفتقر الى رضاه ، ويشترط رضاه في اشتراط المال ، لأن المولى لا يملك إثبات مال في ذمة العبد الا برضاه.

إذا عرفت هذا ، (فاذا قال : فان لم تف بالشرط فأنت رد في الرق هل يصح هذا) (2) الشرط؟ فيه ثلاثة أقوال :

الأول : صحة العتق والشرط ، قاله الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (3) ولما رواه إسحاق بن عمار وغيره عن الصادق عليه السلام ، «قال سألته عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ، ويشترط ان هو أغارها أن يرده في الرق؟ قال : له

ص: 360


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 16 ، حديث 1.
2- ما بين القوسين سقط من «ر 1».
3- مستدرك الوسائل ، كتاب البيع ، باب 6 من أبواب الخيار ، حديث 7.

شرطه» (1).

الثاني : بطلانهما معا ، قاله المصنف في نكت النهاية ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير والمختلف ، والشهيد في شرح الإرشاد ، لأن العتق لا يقبل التعليق ، فلو قال : أنت حرّ إن فعلت كذا بطل ، وإذا شرط عوده في الرق مع المخالفة صار معلقا فيبطل.

الثالث : قال ابن إدريس : يبطل الشرط دون العتق ، لأن الحرّ لا يجوز أن يصير رقا ، فهذا الشرط مخالف للكتاب والسنة فيكون باطلا دون العتق ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو شرط خدمة زمان معين صح ، ولو قضى المدة آبقا لم يعد في الرق ، وهل للورثة مطالبته بأجرة مثل الخدمة؟ قيل : لا ، والوجه اللزوم.

أقول : إذا شرط خدمة سنة مثلا ثمَّ أبق بعد العتق حتى مضت السنة ، ليس للسيد ولا للورثة المطالبة بالخدمة ، لأن الزمان إن كان معينا فقد فات ، والشرط لم يتناول غير المعين وان كان مطلقا فهو يقتضي الاتصال بالعقد ، فيصير كالمعين وقد فات فلا يضمن الخدمة بمثلها ، لأنها ليست من ذوات الأمثال ، وانما يضمن القيمة وهي أجرة المثل.

إذا عرفت هذا ، فهل للسيد أو للورثة المطالبة بأجرة مثل المدة؟ قال الشيخ في النهاية وابن البراج : لا ، لصحيحة يعقوب بن شعيب ، «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعتق جاريته ، وشرط عليها أن تخدمه خمس سنين أو سنة. فأبقت ومات الرجل فوجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها؟ قال : لا» (2) وقال ابن إدريس : يجب عليها الأجرة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه

ص: 361


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 12 ، حديث 1 - 2 - 3.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 11 ، حديث 1 ، وفي النسخ : خمسين سنة.

وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن الخدمة مستحقة وقد فاتت أوقاتها ، فيرجع بقيمتها وهي أجرة المثل.

فرع : هل يجب على المعتق نفقة العتيق مدة الخدمة؟ قال ابن الجنيد : نعم ، لقطعه عن التكسب ، ويحتمل العدم ، لأنها تابعة للملك فينفق عليه من بيت المال أو الصدقات.

قال رحمه اللّه : لو نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة ، قيل : يعتق أحدهم بالقرعة ، وقيل : يتخير ويعتق ، وقيل : لا يعتق شيئا ، لأنه لم يتحقق شرط النذر ، والأول مروي.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : يعتق بعضهم بالقرعة وهو مذهب النهاية وابن البراج ، وهو ظاهر المصنف ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام ، «في رجل قال : أول مملوك أملكه فهو حر ، فورث سبعة جميعا؟ قال : يقرع بينهم ويعتق الذي يخرج اسمه» (1).

الثاني : التخيير ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف (2) في المختصر (3) ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وأبو العباس في المهذب ، لرواية الصيقل عن الصادق عليه السلام ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القرعة.

الثالث : بطلان النذر ، وهو قول ابن إدريس ، لعدم تحقق شرطه ، لأنه نذر عتق أول مملوك يملكه ، وليس لمن ملك جماعة في حالة واحدة أول.

قال رحمه اللّه : من أعتق وله مال فما له لمولاه ، وقيل : إن لم يعلم به المولى

ص: 362


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 57 ، حديث 1 مع اختلاف يسير.
2- في «م» : العلامة.
3- في غير الأصل : المختلف.

فهو له ، وإن علمه فهو للمعتق إلا أن يستثنيه المولى ، والأول أشهر.

أقول : هذه المسألة مبنية على أن العبد هل يملك أم لا؟ فعلى القول بعدم الملك فما في يده لمولاه (سواء علم به السيد أم لا) (1) وسواء استثناه أم لا ، ومن أثبت له الملك قال : إن علم به حالة العتق ولم يستثنه فهو للعبد ، وان استثناه فهو للسيد ، ومستندهم رواية (2) زرارة عن الصادق عليه السلام ، واشترط الشيخ تقديم الاستثناء ، بأن يقول : مالك لي وأنت حر ، ولو قال : أنت حر ومالك لي ، لم يصح عنده ، وبه قال فخر الدين تفريعا على القول بالملك ، لأنه إذا قال أنت حر وقع التحرير فلا يكون للاستثناء بعده فائدة ، والمشهور عدم اشتراط تقديم الاستثناء ، لأن الكلام كله كالجملة الواحدة ، لا يتم أوله إلا بآخره.

وتحقيق هذه المسألة مضى البحث فيه في باب البيع (3).

قال رحمه اللّه : ولو اختلفت القيمة ولم يمكن التعديل اخرج ثلثهم قيمة وطرح اعتبار العدد ، وفيه تردد.

أقول : إذا أعتق ثلث عبيده أو أعتقهم في مرض الموت ، ولا مال سواهم ولم تجز الورثة ، أو أوصى بعتق ثلثهم استخرج الثلث بالقرعة ، وحينئذ المفروض لا يخلو من ستة :

الأول : أن يمكن تعديلهم عددا وقيمة ، بأن يكونوا ستة أو تسعة قيمتهم واحدة ، فيقسمهم ثلاثة أقسام قسما للحرية وآخرين للرقية ، ويكتب ثلاث رقاع في واحدة حرية ، وفي أخريين رقية ، وتستر ثمَّ يقال لرجل لم يحضر : اخرج على اسم هذا القسم ، فان خرجت رقعة الحرية عتق ، وان خرجت رقعة الرقية رق ،

ص: 363


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 24 ، حديث 1 عن الباقر (عليه السلام).
3- ج 2 ص 104.

وأخرجت أخرى فإن خرجت (رقعة الحرية عتق ورق الثالث ، وان خرجت) (1) رقعة الرقية رق وعتق الثالث ، أو يكتب اسم كل قسم في رقعة ثمَّ يخرج رقعة على الحرية فينعتق المسمون فيها وكان الباقين رقا ، وان أخرج على الرقية رق المسمون فيها وافتقر إلى إخراج أخرى على الرقية أو الحرية ، فإن أخرج على الحرية عتق المسمون فيها وكان الباقي رقا ، وان اخرج على الرقية رق المسمون فيها وكان الباقي حرا.

الثاني : أن يمكن تعديلهم بالعدد والقيمة معا ، لكن قيمتهم مختلفة كستة قيمة كل واحد من اثنين ألف وكل واحد من آخرين ألفان ، وقيمة كل واحد من الباقين ثلاثة آلاف ، فالمجموع اثنا عشر ألفا ، فتجعل الأوسطين جزءا وواحدا من الأولين وواحدا من الآخرين جزءا ، وكذا الثالث ثمَّ تقرع كما تقدم.

الثالث : ان يمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة ، أو بالقيمة دون العدد ، (ولا يمكن الجمع بينهما كستة قيمة واحد ألف ، وقيمة اثنين ألف ، وقيمة ثلاثة ألف فإن اعتبرنا العدد لم يمكن التعديل بالقيمة ، وان اعتبرنا القيمة) (2) لم يمكن التعديل بالعدد ، فحينئذ ما المعتبر منهما؟

قال الشيخ رحمه اللّه : يعتبر القيمة ويترك العدد ، كما أن قسمة الدار إذا لم يمكن بالمساحة والاجزاء عدلت بالقيمة ، وقال آخرون : يعتبر العدد ويترك القيمة ، فيضم الى من قيمته ألف واحد من الثلاثة الذين قيمتهم ألف ، فتكون عبدان أقل من ألف وعبدان أكثر من ألف ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله جعل كل عبدين جزءا ، قال : والأول أصح عندنا ، وعنى بفعل النبي صلى اللّه عليه وآله ما رواه عمران بن حصين : «ان رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته لم يكن

ص: 364


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- ما بين القوسين ساقط من «ن».

له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقال قولا سديدا ودعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ، ثمَّ أقرع بينهم فأعتق عبدين وأرق أربعة» (1) وحملت على تساوى القيمة.

وتردد المصنف من إطلاق الرواية الدالة على اعتبار العدد ، ومن حصول الضرر على الورثة بحصول التشخيص في العتق ، وهو ضرر عظيم ، ومراعاة ما لا ضرر فيه أولى.

الرابع : أن يمكن التعديل بالعدد دون القيمة ، كستة قيمة اثنين ألف ، وقيمة اثنين خمسمائة ، وقيمة اثنين سبعمائة ، فيقسم أثلاثا بالعدد كل اثنين قسما ، فتجعل كل واحد ممن قيمتهما (ألف ، وواحد ممن قيمتهما خمس مائة جزء ، وتجعل اللذين قيمتهما) (2) سبع مائة جزء ثمَّ يقرع ، فإن أخرجت القرعة على جزء قيمته أقل من الثلث أعتقا ، وأكمل الثلث من الباقين بالقرعة ، وان خرجت على جزء قيمته أكثر من الثلث أقرع بينهما ، فينعتق من تخرجه القرعة ومن الباقين (3) تتمة الثلث ، ويسعى في باقيه للورثة.

الخامس : أن يمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد ، كسبعة قيمة أحدهم ألف ، وقيمة اثنين ألف ، وقيمة أربعة ألف ، فيعدلون بالقيمة.

السادس : أن لا يمكن تعديلهم لا بالعدد ولا بالقيمة ، كخمسة قيمة أحدهم ألف ، وقيمة اثنين ألف ، واثنين ثلاثة آلاف ، فحينئذ يكتب خمس رقاع بأسمائهم ثمَّ تخرج على الحرية ، فإن كان الخارج بقدر الثلث عتق ، وان زاد سعى في الباقي ، وان نقص أكمل من الباقي ، واستقرب العلامة هذا العمل في جميع المفروض.

ص: 365


1- سنن أبي داود ، ج 2 ، كتاب العتق ، الباب 10 فيمن أعتق عبدا له لم يبلغهم الثلث ، ص 240 ، حديث 3958.
2- ما بين القوسين ساقط من «م».
3- في «م» و «ن» : الباقي.

قال رحمه اللّه : من أشترى أمة نسيئة ولم ينقد ثمنها فأعتقها ، وتزوجها ومات ولم يخلف سواها ، بطل عتقه ونكاحه ، وردت إلى البائع ، رقا. ولو حملت كان ولدها رقا ، وهي رواية هشام بن سالم ، وقيل : لا يبطل العتق ، ولا يرق الولد ، وهو أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه في باب النكاح (1).

قال رحمه اللّه : إذا اوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه ، فإن امتنع أعتقه الحاكم ، ويحكم بحريته حين الإعتاق لا حين الوفاة وما اكتسبه قبل الإعتاق وبعد الوفاة يكون له ، لاستقرار سبب العتق بالوفاة. ولو قيل : يكون للوارث لتحقق الرق عند الاكتساب ، كان حسنا.

أقول : ذكر المصنف وجهي المسألة ، والأول مذهب الشيخ في المبسوط ، والثاني اختيار العلامة وهو المعتمد ، لأنه قبل العتق رق لا يملك شيئا.

قال رحمه اللّه : إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الآمر ، وينتقل الى الآمر عند الأمر بالعتق ، ويتحقق العتق في الملك ، وفي الانتقال تردد.

أقول : مضى البحث في هذه في باب الكفارات مستوفى فليطلب من هناك (2).

قال رحمه اللّه : والعتق في مرض الموت يمضى من الثلث ، وقيل : من الأصل ، والأول مروي (3).

أقول : قد مضى البحث في هذه أيضا في باب الوصايا (4) ، وهل تعتبر قيمة المعتق يوم الوفاة أو يوم العتق؟ قال الشيخ في المبسوط : قيمة من أعتقه في مرضه

ص: 366


1- ص 108.
2- ص 305.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 17 ، حديث 13.
4- تقدم في الجزء ص

يوم الإعتاق ، لأنه وقت إتلافه ، وقيمة من أوصى بعتقه تعتبر يوم الوفاة ، لأنه وقت استحقاق العتق ، ومثله قول ابن الجنيد.

والتحقيق : أن الأصل في هذه المسألة أن العبد إذا أعتقه مولاه المريض ولا شي ء سواه (1) ثمَّ مات العبد قبل مولاه ، هل يكون حرا كله أو رقا كله ، أو يعتق ثلثه لا غير؟ يحتمل الأول ، لعدم الفائدة للوارث في رده الى الثلث ، ويحتمل الثاني لعدم تملك الوارث ضعفه ، ويحتمل الثالث كما لو بقي حتى مات المولى ، فان قلنا : إنه يتحرر كله ، فالوجه مذهب العلامة في المختلف ، وهو اعتبار القيمة حين الوفاة وان نقصت قيمة المنجز ، لأنه لو بقي عبدا لم يتفاوت على الورثة ، سواء نقص القيمة فلم يتلف عليهم أكثر منها ، وان زادت القيمة كان بمنزلة الكسب للعلم يعتق شي ء منه وقت الإعتاق ، فإذا زادت قيمة المعتق لم تحسب الزيادة المقابلة للشي ء المعتق منه من التركة وعلى (اعتبار القيمة وقت الإعتاق) (2) تحسب على المعتق (3) ، وأما ما قابل الرق فتحسب زيادته من التركة فإن خلف ضعف قيمته الاولى من غيره عتق كله ، وإن خلف أقل أو لم يخلف شيئا دخلها الدور لزيادة التركة بزيادة قيمة الرق (من العتق) (4) فيكثر العتق ، فتقل التركة ، فيقل العتق ، فيكثر التركة ، وذلك دور.

وطريق استخراج معرفة مقدار ما انعتق منه أن يقول : لو كانت قيمته مائة وقت العتق ثمَّ مات السيد ولم يخلف سواه بعد أن صارت قيمته ثلاث مائة فنقول : عتق منه شي ء وله من زيادة القيمة شيئان ، لأن الزيادة بقدر القيمة مرتان (5) ،

ص: 367


1- كذا.
2- ما بين القوسين ليس في «ن» وفي «م» و (ر) بدل ما بين القوسين : قول الشيخ.
3- في «م» زيادة : ثمَّ يحسب الزيادة المقابلة للشي ء المعتق من التركة وعلى قول الشيخ.
4- في النسخ وليست في الأصل.
5- في النسخ : مرتين.

وللورثة شيئان ضعف ما انعتق منه ، فيصير العبد في تقدير خمسة أشياء ، ثلاثة له واثنان للورثة ، فينعتق منه مائة وثمانون ، وللورثة مائة وعشرون ، ولو صارت قيمته مائتين وخلف السيد مائة غيره ، فنقول : عتق منه شي ء وله من نفسه باعتبار زيادة القيمة شي ء آخر ، وللورثة من نفسه ومن المئة شيئان باعتبار ما عتق منه ، فالمجموع في تقدير أربعة أشياء ، شيئان للعبد من نفسه ، وشيئان للورثة ، فالشي ء خمسة وسبعون ، فينعتق منه ثلاثة أرباعه ، وتسلم المئة والربع الأخر للورثة.

وإن قلنا بالاحتمال الثاني ، وهو أن العبد إذا مات قبل سيده مات كله رقا ، كان الاعتبار بالقيمة يوم الإعتاق ، كما ذهب اليه الشيخ وابن الجنيد ، لأنه وقت الإتلاف فإذا زادت القيمة فلا عبرة بالزيادة عندهما ، وإن نقصت دخلها الدور أيضا على قولهما ، لأنا لا نعلم مقدار ما عتق منه حتى يعلم مقدار ما يحصل للورثة ، ولا نعلمه حتى نعلم مقدار ما عتق منه.

وطريق استخراج معرفة القدر الذي انعتق منه أن نفرض قيمته مائة مثلا حال الإعتاق ، ثمَّ نفرض رجوعه الى خمسين حال موت السيد ، فنقول عتق منه شي ء ورجع الى نصف شي ء يبقى خمسون الا نصف شي ء ، يعدل ضعف ما عتق منه ، وذلك شيئان فاجبر الخمسين بنصف شي ء ، وقابل بمثله ليصير خمسين كاملة ، تعدل شيئين (1) ونصف شي ء ، فالشي ء عشرون ، فلما حكمنا برجوع الشي ء الى نصف شي ء ظهر أن المعتق خمس العبد ، لأن نصف شي ء هو خمس شيئين ونصف ، وكان قيمة خمس العبد يوم الإعتاق عشرين ، وعادت يوم موت السيد إلى عشرة ، وبقي للورثة أربعة أخماس ، وقيمتها يوم موت السيد أربعون وهي (2) ضعف قيمة خمسه يوم الإعتاق.

ص: 368


1- في الأصل والنسخ : ستين. وما أثبتناه فهو من «ر 1».
2- في النسخ : وهو.

ولو خلف السيد مائة أخرى ، فعلى مذهب العلامة ينعتق كله لخروجه من الثلث ، وعلى مذهب الشيخ وابن الجنيد نقول : عتق منه شي ء ورجع (1) الى نصف شي ء بقي منه خمسون الا نصف شي ء ، يبقى للورثة المئة والخمسون الا نصف شي ء يعدل شيئين ، فبعد الجبر والمقابلة تصير المئة والخمسون تعدل شيئين ونصف ، فالشي ء ستون فينعتق منه ثلاثة أخماسه هي الآن ثلاثون ، وللورثة مائة وعشرون ضعف ما عتق منه حالة الإعتاق.

ولو أعتق ثلاثة أعبد قيمة كل واحد مائة يوم الإعتاق فعادت قيمة أحدهم إلى خمسين يوم موت السيد ، أقرع بينهم ، فان خرجت رقعة الحرية للذي أنقص قيمة عتق ثلث آخر من الاثنين الباقيين بالقرعة على مذهب العلامة رحمه اللّه ، وعلى مذهب الشيخ وابن الجنيد لم يعتق من الآخر شي ء ، لأن قيمة المعتق يوم الإعتاق مائة وينبغي أن يبقى للورثة ضعفها وان خرجت القرعة لأحد الآخرين فعلى قول العلامة وقولهما تعتق خمسة أسداسه وقيمتها ثلاثة وثمانون وثلث ويبقى للورثة سدسه والاخران وقيمتهما مائة وستة وستون وثلثان ضعف ما عتق منه ، لان المحسوب على الورثة الباقي بعد النقصان وهو مائتان وخمسون وقس على هذا جميع ما يرد في هذا الباب.

وانما طولنا البحث في هذه لخلو أكثر مصنفات أصحابنا عنها وقد يحتاج الفقيه إلى معرفة ذلك.

قال رحمه اللّه : إذا أعتق ثلاثة إماء في مرض الموت ، ولا مال له سواهن أخرجت واحدة منهن بالقرعة. فإن كان بها حبل تجدد بعد الإعتاق فهو حر إجماعا. وان كان سابقا على الإعتاق ، قيل : هو حر أيضا وفيه تردد.

أقول : القائل بحرية الحمل وان كان سابقا على العتق هو الشيخ في المبسوط

ص: 369


1- في «ر 1» : أو رجع.

وابن الجنيد رحمهما اللّه ، وهو بناء على مذهبهما من أن الحمل جزء من الحامل يتبعها في البيع والعتق وغير ذلك من العقود الناقلة ، وتردد المصنف مما قالاه ، ومن سبق رق الحمل على إعتاق أمه ، والأصل بقاؤه على ما كان عليه وهو منفرد عن الام وليس كالجزء منها ، بل هو كالنماء وهو المعتمد.

واعلم أن تقدير المسألة تساوي قيمة الثلاث بحيث يكون كل واحدة ثلث التركة ، ولا بد من تقويم الحمل فعلى تقدير يقوم من الثلث ، وعلى تقدير رقيته يقوم على الورثة.

ص: 370

في السراية

قال رحمه اللّه : وقيل : إن قصد الإضرار فكه إن كان موسرا ، أو بطل عتقه ان كان معسرا وان قصد القربة عتقت حصته ، وسعى العبد في حصة الشريك ، ولم يجب على المعتق فكه.

أقول : إذا أعتق أحد الشريكين حصته لا يخلو إما أن يكون موسرا أو معسرا فهنا قسمان :

الأول : في الموسر ، وشرط الشيخ (عليه في التقويم) (1) قصد الإضرار لشريكه ، ومع قصد القربة لا يقوم عليه بل يستحب له افتكاكه ، فان فكه والا سعى العبد ، وان امتنع من السعي كان له بقدر ما عتق منه لمولاه الباقي ، واحتج برواية الحلبي الحسنة ، عن الصادق عليه السلام : «انه سئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه؟ فقال : إن كان مضادا كلف أن يعتق كله (2) والا استسعى العبد في النصف الآخر» ، وأورد ابن إدريس عليه لزوم التناقض

ص: 371


1- في النسخ بدل ما بين القوسين : في التقويم عليه.
2- من النسخ وليستا في الأصل.

لاشتراط نية القربة في العتق ، ومع قصد الإضرار تنقضي القربة ، فلا عتق حينئذ.

وأجاب العلامة بأن الشيخ لم يقصد أنه أعتق لمجرد (1) الإضرار من غير قصد التقرب ، وهو لا ينافي منع الشريك من التصرف في حصته ، ومعنى الإضرار هو هذا ، وهو معلوم أنه لو قصد التقرب لا غير حصل هذا النوع من الضرر (2) ، فلما كان تضرر الشريك حاصلا على التقديرين لم يكن قصد الإضرار مانعا من ارادة التقرب ، فإنه لا يريد بالإضرار شيئا زائدا (3) على المقدر في الشرع ، وإذا كان ذلك القدر حاصلا على كلا التقديرين لم يكن مانعا من العتق قصده أو لا. هذا آخر كلام العلامة رحمه اللّه.

وأجبته (4) قلت : والتحقيق ان ضم نية اللازم إلى نية القربة هل يقدح في نية القربة ، كضم نية البرد إلى نية القربة في الوضوء أم لا؟ فان قلنا ببطلان الوضوء مع ضم نية التبرد قلنا ببطلان العتق هنا ، وإن قلنا بصحته قلنا بصحة العتق هنا ، لأن الإضرار لازم بعتق الشريك كما أن التبرد لازم للوضوء ، والمشهور التقويم مطلقا ، لعموم قول النبي عليه السلام : «من أعتق شقصا من عبد وله مال قوم عليه الباقي» (5) (القسم) الثاني : المعسر وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : إن قصد الإضرار بطل العتق ، وإن قصد القربة استسعى العبد في فك رقبته ، فان امتنع من السعي كان له من نفسه بقدر ما عتق منه ولمولاه الباقي ، وهو قول الشيخ في النهاية.

ص: 372


1- في النسخ : بمجرد.
2- في النسخ : التضرر.
3- في الأصل : أبدا ، وما أثبتناه من النسخ.
4- هذه الكلمة ليست في النسخ.
5- سنن البيهقي : ج 10 ص 285 ، سنن ابي داود : كتاب العتق ، باب في ذكر سعاية العبد ، حديث 2.

الثاني : استقرار الرق في الباقي ، وهو قول الشيخ في المبسوط.

الثالث : استسعاء العبد في نصيب الشريك ، وهو المشهور. والمستند في الجميع الروايات.

فرع : إذا وجب على العبد السعي ، هل يكون جميع سعيه له أو له منه بقدر الحرية؟

يحتمل الأول ، لما رواه القاسم بن محمد عن الصادق عليه السلام «قال سألته عن مملوك بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه؟ قال : يقوم عليه ثمَّ يستسعى فيما بقي ، وليس للثاني أن يستخدمه ولا يأخذ الضريبة» (1) ، وهو يدل على انقطاع الشريك من التصرف فيه وفي كسبه ، ونحوها رواية سليمان بن خالد (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وهو ظاهر القواعد والدروس.

ويحتمل الثاني ، لأن النماء تابع للأصل فيكون نصيب الرقية للشريك ، لأنه نماء ملكه فلو كان محسوبا عليه كان قد فك ماله بماله.

قال رحمه اللّه : وتعتبر القيمة وقت العتق لأنه وقت الحيلولة ، وتنعتق حصة الشريك بأداء القيمة لا بالإعتاق ، وقال الشيخ : هو مراعى.

أقول : اختلف الأصحاب في أي وقت ينعتق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية ، قال المفيد والشيخ في النهاية : عند الأداء ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير والمختلف ، لأن للأداء مدخلا في العلة (3) ، ولهذا لا ينعتق مع الإعسار ، ولأنه لو انعتق مع الإعتاق لزم تضرر الشريك بتقدير هرب المعتق أو إعساره (4) قبل الأداء ، ولقوله عليه السلام : «لا عتق إلا في ملك» (5) ، وهو قبل

ص: 373


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 10 ، مع اختلاف يسير.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 9.
3- في النسخ : العلية.
4- في «ن» : اعتبار وفي «ر 1» : إذ إعساره.
5- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 5 ، حديث 2 ، مع اختلاف يسير.

الأداء غير مالك لحصة الشريك فلا ينفذ العتق فيها ، ولرواية محمد بن قيس (1) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على توقف الإعتاق على الأداء.

وقال الشيخ في المبسوط : يكون مراعى إن أدى تبينا عتقه (2) وإن لم يؤد حتى مات أحدهما أو أعسر المعتق تبينا رقه. ووجهه الجمع بين قولي الشيخ عتقه باللفظ وعتقه بالأداء ، وقال ابن إدريس : يعتق جميعه حالة الإعتاق ، ومستنده (رواية سليمان بن خالد) (3) ورواية : غياث بن إبراهيم (4) ، عن الصادق عليه السلام ، وفخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد توقفا في هذه المسألة.

ويتفرع على عتق حصة الشريك بالأداء أو الإعتاق فروع :

الأول : لو أعتق الشريك بعد إعتاق شريكه نفذ العتق ، لمصادفته الملك على الأول ويسقط الغرم على المعتق أو لا ، وعلى الثاني لا يسقط الغرم عنه لبطلان عتق الثاني ، لمصادفة الحرية.

الثاني : لو اختلفا في القيمة بعد مضي زمان يمكن تغيره ، قدم قول المعتق عند ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، سواء قلنا : يعتق بالأداء أو الإعتاق ، لأنه غارم ، ولعموم قوله عليه السلام : «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (5) ، وبناها الشيخ على العتق باللفظ أو بالأداء ، فعلى الأول القول قول المعتق ، وعلى الثاني يحلف الشريك ، لأن النصيب ينتزع من يده ، واختاره العلامة في التحرير والشهيد في الدروس.

الثالث : يعتبر القيمة عند الأداء على الأول عند الشهيد ، وعند المصنف

ص: 374


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 3.
2- في النسخ : زيادة (حالة الإعتاق) بعد قوله : (عتقه).
3- ما بين القوسين ليس في «ن» والرواية في : الوسائل ، كتاب العتق ، باب 18 ، حديث 9.
4- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 64 ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، حديث 3.

والعلامة حالة الإعتاق مطلقا.

الرابع : لو مات العبد قبل الأداء مات مبعضا ولا شي ء على المباشر على الأول ، وعلى الثاني يموت حرا ويغرم المباشر.

الخامس : لو مات المباشر قبل الأداء يسعى العبد في باقيه على الأول ، وتؤخذ قيمة حصة الشريك من التركة على الثاني.

السادس : لو ادعى على شريكه العتق فأنكره وحلف ، بقي نصيب المدعى على الرق لا غير (1) ، لاعترافه بعتقه فلا يبطل بإنكار الشريك.

السابع : لو ادعى كل واحد من الشريكين عتق شريكه تحالفا واستقر ملكهما عليه على الأول إن كانا موسرين ، وتحرر على الثاني ، لاعتراف كل منهما بعتق شريكه ، ولو كانا معسرين سعى لهما ، ولو كانا عدلين ، قال العلامة في التحرير : يحلف معهما ويتحرر (2) أو يحلف مع أحدهما ويتحرر نصفه ، ومثله قال في القواعد ، وهو يقتضي ثبوت العتق بالشاهد واليمين ، (مع أنه جزم في كتاب القضاء من الكتابين معا) بعدم (3) ثبوت العتق بالشاهد واليمين) (4) ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ثمَّ أوصى في كتاب الشهادات من الكتابين الى ثبوت العتق بشاهد وامرأتين ، وهو يقتضي ثبوته بالشاهد واليمين ، لأن كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين.

قال رحمه اللّه : ولو ورث شقصا ممن ينعتق عليه ، قال في الخلاف : يقوّم عليه ، وهو بعيد.

أقول : عتق الشقص أما مباشرة بالصيغة وقد مضى حكمه ، أو بالسبب

ص: 375


1- في النسخ : على الأول.
2- ليست هذه الكلمة في «ن».
3- هذه الكلمة ليست في «ر 1».
4- ما بين القوسين ليس في «م».

وهو ملك القريب ، والملك إما باختياره أو لا ، فهنا قسمان :

الأول : ان يملك الشقص باختياره ، كالبيع والهبة والصلح والصداق ، فهذا هل يقوم عليه الباقي مع يساره أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط بالتقويم واختاره العلامة وابنه ، لأنه فعل سبب العتق اختيارا فكان كالمباشر.

الثاني : أن يملك الشقص بغير اختياره كالإرث ، قال الشيخ في الخلاف : يقوّم عليه أيضا ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم (1) ، وقال في المبسوط : لا يقوّم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن العتق ليس من فعله فلا يسري عليه.

قال رحمه اللّه : ولو أعتق الحامل تحرر الحمل وإن استثنى رقه على رواية السكوني ، عن أبي جعفر عليه السلام ، وفيه إشكال منشؤه : عدم القصد الى عتقه.

أقول : مضى البحث في هذه ، وبمضمون الرواية (2) أفتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والمعتمد عدم تبعية الحمل لأمه في (3) العتق ولا في البيع ولا يسري عتق أمه إليه ، لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص.

قال رحمه اللّه : فاذا دفع لمعتق قيمة نصيب شريكه ، هل ينعتق عند الدفع ، أو بعده؟ والأشبه انه بعد الدفع ليقع العتق في الملك ، ولو قيل بالاقتران كان حسنا.

أقول : منشأ التردد من عموم قوله عليه السلام : «لا عتق إلا في ملك» (4) ، وهو لا يملك إلا بالأداء فيكون العتق بعده ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن

ص: 376


1- راجع ما ذكره في عيون الحقائق الناظرة ، ج 1 ، ص 293.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 69 ، حديث 1.
3- في «ر 1» : لا في.
4- تقدم ص 373.

قيام الأداء هنا مقام الصيغة ، فيقع العتق مقارنا للأداء كما يقع مقارنا للصيغة ، لتساويهما في سببية العتق.

ص: 377

ص: 378

في الملك

قال رحمه اللّه : ولو ملك الرجل من جهة الرضاع من ينعتق عليه بالنسب هل ينعتق عليه؟ فيه روايتان أشهرهما : العتق.

أقول : أما الرواية المتضمنة للعتق فرواية الحلبي (1) ، ومثلها رواية أبان بن عثمان (2) ، عن الصادق عليه السلام ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، وأما الرواية المتضمنة لعدم العتق فرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال : إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر الا ما كان من قبل الرضاع» (3) ، ومثلها رواية الحلبي ، عن الصادق عليه السلام «في بيع الام من الرضاع؟ قال : لا بأس» (4) ، وبمضمونها افتى الشيخ وسلار وابن إدريس.

قال رحمه اللّه : إذا ملك شقصا ممن ينعتق عليه [لم] يقوم عليه ان كان معسرا ، وكذا لو ملكه بغير اختياره ، ولو ملكه اختيارا وكان موسرا قال الشيخ :

ص: 379


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 8 ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 8 ، حديث 2.
3- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب 1 ، حديث 118 ، ولم نعثر عليه في الوسائل.
4- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب 1 ، حديث 119 ، ولم نعثر عليه في الوسائل.

يقوم عليه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أصالة براءة الذمة من التقويم ، خرج ما وقع عليه الاتفاق وهو التقويم مع مباشرة عتق شقص ، يبقى الباقي على الأصل ، ومن أنه ملك بعض قريبه باختياره مع علمه بأنه ينعتق عليه ، فكان كالمباشر للعتق ، فيجب تقويمه عليه ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو أوصى له ببعض من ينعتق عليه وكان معسرا ، جاز القبول ، ولو كان المولى عليه موسرا ، قيل : لا يقبل ، لأنه يلزمه افتكاكه ، والوجه القبول ، إذ الأشبه : أنه لا يقوم عليه.

أقول : هذه المسألة مبنية على وجوب الافتكاك وعدمه ، فالقائل بوجوبه يمنع من القبول ، والقائل بعدم الوجوب لا يمنع منه ، وقد تقدم البحث في ذلك (1).

ص: 380


1- تقدم قبل قليل.

في العوارض

قال رحمه اللّه : واما العوارض فهي العمى ، والجذام ، والإقعاد ، وإسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه ، ودفع قيمة الوارث ، وفي عتق من مثل به مولاه تردد ، والمروي : أنه ينعتق.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الرق والملك ما لم يثبت المزيل المتفق عليه ، ومن الرواية الصحيحة المتضمنة للعتق بالتنكيل ، روى الصدوق في الصحيح ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام «قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكه : إنه حر لا سبيل عليه» (1) والمشهور العمل بمضمون الرواية ، وقال ابن إدريس : أورد شيخنا هذه الرواية في نهايته إيرادا ، وهو يدل على ضعفها عنده.

ص: 381


1- من لا يحضره الفقيه ، باب 53 في الحرية حديث 5 ، لكنه رواه عن أبي جعفر عليه السلام وكذلك الوسائل ، كتاب العتق ، باب 22 ، حديث 2.

ص: 382

كتاب التدبير

اشارة

ص: 383

ص: 384

في العبارة

قال رحمه اللّه : وفي صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج المملوكة ، ووفاة من يجعل له خدمته تردد ، أظهره الجواز ، ومستنده النقل.

أقول : منشؤه من أن العتق يقبل التأخير كما أنه يقبل التنجيز ، ولا تفاوت بين الأشخاص فإذا جاز تعلقه (1) بوفاة المالك جاز تعليقه بوفاة غيره ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب «قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون له الخادم ، فقال : هي لفلان تخدمه ما عاش ، فاذا مات فهي حرة ، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثمَّ يجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها بقدر ما أبقت؟ فقال : إذا مات الرجل فقد عتقت» (2) ومن أصالة بقاء الرق ، والتدبير في عرف الشرع هو عتق العبد بعد موت مولاه ، والمجعول له الخدمة غير المولى ، فلا يصح التدبير بموته ، (ولأن

ص: 385


1- في النسخ : تعليقه.
2- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب 2 التدبير ، حديث 28. وفي الاستبصار ، كتاب العتق ، باب 17 من أبواب التدبير ، حديث 2. وفي الوسائل ، كتاب التدبير باب 11 حديث 1.

التدبير) (1) وصية وهي لا تصح معلقة بموت غير الموصي ، ولأن التدبير لو صح تعليقه على موت غير المالك لبطل بالإباق ، كما يبطل به إذا علق بموت المالك ، وهو مذهب ابن إدريس والأول مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج واختاره المصنف والعلامة وابنه.

وأجاب العلامة بعدم الملازمة بين الصحة والبطلان بالإباق ، ولان حمله على تعليقه بموت المولى قياس لا نقول به ، ولحصول الفارق بينهما ، لأن الخدمة إذا جعلت للمولى ثمَّ أبق ، فقد قابل النعمة بالكفر والإباق ، فيبطل التدبير مقابلة بنقيض مقصوده ، كقاتل العمد في المنع من الإرث ، بخلاف ما إذا جعلت الخدمة للغير.

إذا عرفت هذا فالنص إنما ورد بجواز التعليق بموت من جعلت له الخدمة ، ثمَّ عداه المصنف والعلامة إلى التعليق بموت زوج الأمة للمشابهة ، قال الشهيد : ويظهر من ابن الجنيد جواز تعليقه بموت الغير مطلقا ، قلت : وهو اللازم من تعليل العلامة في المختلف ، لأنه قال : لنا أن العتق قابل للتأخير كما هو قابل للتنجيز ، ومعلوم أنه لا تفاوت بين الأشخاص في ذلك ، وهذا يدل على جواز تعليقه على موت الغير مطلقا.

فرع : على القول بجواز تعليقه بموت الغير لو مات ذلك الغير في حياة المدبر كان التدبير ماضيا من الأصل ، ولو مات المالك أولا خرج من الثلث وليس للورثة الرجوع بتدبيره ثمَّ (2) مع خروجه من الثلث (لا بحث) (3) ، ولو خرج بعضه من الثلث كان ذلك البعض مدبرا يتحرر بموت من علق تدبيره على موته ،

ص: 386


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ ، وفي الأصل في نسخة دون أخرى.

ثمَّ يسعى للورثة في باقيه.

قال رحمه اللّه : ولو كان المملوك لشريكين ، فقالا : إذا متنا فأنت حر ، انصرف قول كل واحد منهما الى نصيبه وصح التدبير ، ولم يكن معلقا على شرط ، وينعتق بموتهما إن خرج نصيب كل واحد منهما من ثلثه ، ولو خرج نصيب أحدهما تحرر وبقي نصيب الآخر أو بعضه رقا ، ولو مات أحدهما تحرر نصيبه وبقي نصيب الآخر حتى يموت.

أقول : أطلق المصنف صحة التدبير مع قولهما : إذا متنا فأنت حر ، ثمَّ حكم بأنه لو مات أحدهما تحرر نصيبه من ثلثه (1) ، وبقي نصيب الآخر حتى يموت ، وهذا الذي حكاه جميعه قول الشيخ رحمه اللّه.

ونقل العلامة : في القواعد قول المصنف ، ثمَّ قال : أما لو قصدا عتقه بعد موتهما بطل التدبير ، وانما يصح لو قصدا توزيع الاجزاء على الاجزاء ، ويحمل إطلاق المصنف على هذا التفصيل ، وقال الشهيد في دروسه : ولو قال الشريكان فاذا متنا فأنت حر ، وقصدا تبعية النصيب بموت صاحبه وقع ، وإن قصدا تبعيته بموتهما بطل ، وهو موافق لمذهب القواعد ، لأن معنى قوله في القواعد : وانما يصح لو قصدا توزيع الاجزاء على الاجزاء ، وهو ما قاله الشهيد رحمه اللّه ، وهو تبعية النصيب بموت صاحبه.

وقال في التحرير - بعد أن نقل كلام الشيخ - والوجه عندي بطلان التدبير الا مع تجويز التعليق بموت الغير ، نعم لو قال كل واحد منهما : إذا مت فنصيبي حر ، كان تدبيرا صحيحا وكان الحكم فيه ما تقدم.

وقال في الإرشاد : ولو قال الشريكان : فاذا متنا فأنت حر ، لم يعتق شي ء بموت أحدهما حتى يموت الأخر ، وليس للورثة بيعه حتى يموت الشريك.

ص: 387


1- في «ر 1» : الثلث.

فظهر من هذه العبارة أن للعلامة في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : قوله في القواعد : وهو تقييد الصحة بقصد توزيع الاجزاء على الاجزاء ، أي (1) قصد تبعية (2) النصيب يموت صاحبه ، وتابعه الشهيد.

الثاني : قوله في التحرير وهو بطلان التدبير(3) مطلقا إذا قالا : إذا متنا فأنت حر ، وانما يصح إذا قال كل منهما : إذا مت فنصيبي حر ، وبين (4) جوازه إذا قالا إذا متنا فأنت حر ، على القول بجواز التعليق بموت الغير ، ومراده بالغير غير المالك والزوج المجعول له الخدمة ، لأن الشريك ليس من هؤلاء ، وهذا قول نادر كما تقدم.

الثالث : قوله في الإرشاد وهو الصحة مطلقا وإن قصدا عتقه بموتهما ، بدليل قوله لم يعتق منه شي ء بموت أحدهما حتى يموت الآخر ، وهذا يدل على أنهما لم يقصدا عتقه الا (5) بعد موتهما (6) ، إذ لو قصد تبعية النصيب بموت صاحبه تحرر بموته ، وقول الإرشاد خارج عما تقدمه من الأقوال ، ويفهم منه جواز التعليق على شرط ، لأنه إذا لم يتحرر نصيب كل واحد عند موته كان موت كل واحد شرطا في تحرير نصيب الآخر ، والمعتمد مذهب القواعد.

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط نية القربة تردد ، والوجه أنه غير مشترط.

أقول : منشؤه من أن التدبير هل هو عتق أو وصية؟ فعلى الأول يشترط

ص: 388


1- في «ر 1» : إن.
2- هذا من النسخ ، وفي الأصل : بتبعية.
3- من النسخ وفي الأصل : التحرير.
4- في النسخ : وبنى.
5- هذه الكلمة موجودة في النسخ ، وفي الأصل جعلت على نحو النسخة البدل.
6- في هذه الكلمة من «ن» و «ر 1» وفي الأصل و «م» : موت أحدهما.

نية القربة على القول باشتراطهما في العتق ، وهو مذهب ابن إدريس ، وعلى الثاني لا يشترط نية القربة ، لعدم اشتراطهما في الوصية ، وهو المشهور بين الأصحاب.

ويتفرع على القولين جوازه من الكافر (وعدمه) (1) ، وعلى اشتراط القربة لا يصح تدبيره ، ويصح على عدم الاشتراط ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الشرط الثاني تجريدها عن الشرط والصفة في قول مشهور للأصحاب.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن التدبير لا يصح (2) معلقا على شرط ولا صفة ، قال العلامة : للإجماع المنعقد بيننا على أن العتق بشرط باطل ، وذهب ابن البراج الى وقوعه معلقا بالشرط والصفة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو حملت بمملوك سواء كان عن عقد أو زنا أو شبهة كان مدبرا كأمّه ، فلو رجع المولى في تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير ولدها ، وقيل : له الرجوع ، والأول مروي.

أقول : القول الأول - وهو عدم جواز الرجوع في تدبير الولد - قول الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وهو ظاهر المصنف هنا وصرح به في المختصر ، لرواية أبان بن تغلب (3) ، عن الصادق عليه السلام الدالة على عدم جواز الرجوع في تدبير الولد ، ولان الرجوع انما يكون فيما دبره باختياره والولد ليس كذلك ، لان تدبيره بغير اختياره بل بالسراية فليس له الرجوع فيه.

والقول الثاني - وهو جواز الرجوع - قول ابن إدريس واختاره العلامة

ص: 389


1- من النسخ وليست في الأصل.
2- في النسخ : لا يقع ، وهو في الأصل أيضا على نحو النسخة البدل.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 7 من أبواب التدبير ، حديث 1.

وابنه وأبو العباس ، لأنه مدبر (وكل مدبر) (1) يصح الرجوع فيه ، فعلى تجويز الرجوع في الولد يصح فيه دون الام وبالعكس ، ولا يلزم من الرجوع في أحدهما الرجوع في الأخر.

ص: 390


1- ما بين القوسين ليس في «م».

في المباشر

قال رحمه اللّه : ولا يصح التدبير الا من بالغ ، عاقل ، قاصد ، مختار ، جائز التصرف. فلو دبر الصبي لم يقع تدبيره. وروي : أنه إذا كان مميزا له عشر سنين صح تدبيره ، ولا يصح تدبير المجنون ، ولا المكره ، ولا السكران ، ولا الساهي ، وهل يصح التدبير من الكافر؟ الأشبه : نعم ، حربيا كان أو ذميا.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في تدبير الصبي إذا بلغ عشر سنين ، وقد مضى البحث في تصرفات من بلغ عشر سنين مرارا متعددة (1).

الثانية : في تدبير الكافر ، وهو مبني على اشتراط نية القربة ، فمن اشتراطها منع تدبير الكافر ، ومن لم يشترطها لم يمنع من ذلك ، وقد مضى البحث في اشتراط نية القربة وعدمه (2).

قال رحمه اللّه : ولو دبر المسلم ثمَّ ارتد لم يبطل تدبيره ، ولو مات في حال

ص: 391


1- ص 358. وج 2 ص 12.
2- ص 388.

ردته عتق المدبر ، هذا إذا كان الارتداد لا عن فطرة ، ولو كان عن فطرة لم يعتق المدبر بوفاة المولى لخروج ملكه عنه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الارتداد عن فطرة موجب لخروج الملك عن المالك ، وشرط العتق بالتدبير بقاء الملك على المدبر الى حين وفاته ، فيبطل التدبير بالارتداد عن فطرة الموجب لخروج الملك عن المدبر ، ومن سبق حق العبد المدبر على حق الوارث ، فلا ينتقل الى الوارث بارتداد مدبره ، وهو مبني على القول بعدم جواز بيع (1) رقبة المدبر قبل الرجوع في التدبير.

لكن هنا دقيقة وهي : إذا قلنا بعدم بطلان التدبير وأنه ينعتق بموت المدبر ، لم ينعتق غير ثلاثة (2) ، لأنه لا مال للمدبر سواه ، لأن ماله قد انتقل إلى الورثة بنفس الارتداد ، (ولم يبق غير العبد المدبر (لتعلق التدبير به) (3) فلا ينعتق جميعه بل ثلثه ، ولو قيل : ينعتق بنفس الارتداد) (4) عن فطرة لإجراء الارتداد هنا مجرى الموت كان وجها.

والمعتمد بطلان التدبير ، لأن المدبر مملوك يقبل النقل على المشهور بين الأصحاب ، والارتداد عن فطرة ناقل جميع أموال المرتد (5) الى ورثته وهو (6) من جملتها.

قال رحمه اللّه : ولو ارتد لا عن فطرة ثمَّ دبر صح على تردد.

أقول : منشؤه من بقاء ملك المرتد عن غير فطرة عليه ، فاذا دبر صح

ص: 392


1- هذه الكلمة ليست في الأصل.
2- كذا والظاهر كونه : ثلثه.
3- ما بين القوسين من «م» و «ر 1».
4- سقط من «ر 1» من قوله : ولم يبق إلى هنا.
5- من «ن» وفي الأصل وباقي النسخ : المدبر.
6- في النسخ : والمدبر.

تدبيره ، لأنه بالغ عاقل مالك ، وكل من كان كذلك صح تدبيره ، ومن أنه محجور (1) عليه بالردة فلا يصح تدبيره ، والمعتمد صحة تدبيره موقوفا ، فان تاب والا بطل ، وهو فتوى القواعد.

ص: 393


1- كذا في الأصل والنسخ.

ص: 394

في الأحكام

قال رحمه اللّه : التدبير بصفة الوصية يجوز الرجوع فيه ، قولا ، كقوله : رجعت في هذا التدبير ، وفعلا ، كأن يهب ، أو يعتق ، أو يوقف ، أو يوصي ، سواء كان مطلقا ، أو مقيدا ، وكذا لو باعه بطل تدبيره ، وقيل : إن رجع في تدبيره ثمَّ باع صح بيع رقبته ، وكذا إن قصد ببيعه الرجوع ، وإن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقيته.

أقول : إنما قال : التدبير بصفة الوصية ولم يقل وصية ، لوقوع الخلاف فيه ، فقد قيل : انه وصية بالعتق ، لأنه يعتبر من الثلث ويجوز الرجوع فيه إجماعا ، وهذا حكم الوصية ، ولأن العتق لا يقع معلقا والتدبير معلق بالموت فيكون وصية.

وقيل : هو عتق بصفة لعدم اشتراط القبول فيه ، وعدم افتقاره إلى الإعتاق بعد الموت ، وكان عتقا بصفة ، وانما جاز تعليق العتق هنا للإجماع عليه.

إذا عرفت هذا ، فالرجوع بالتدبير جائز إجماعا ، وهو قد يكون بالقول ، مثل رجعت بالتدبير ، أو أبطلته ، أو رفعته ، أو فسخته ، أو نقضته ، أو أزلته ، بأي

ص: 395

هذه الألفاظ أتى بطل التدبير إجماعا.

وقد يكون بالفعل ، مثل الهبة ، والعتق ، والوقف ، والوصية به للغير ، وقد جزم المصنف ببطلانه في هذه الأشياء ، سواء كان مطلقا ، مثل قوله : أنت حر بعد وفاتي ، أو معلقا (1) ، مثل قوله : إن مت في سنتي هذه (2) أو مرضي هذا فأنت حر ، وهذا الذي صرح به المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب ابن حمزة إلى بطلان الهبة والوقف والوصية قبل الرجوع في التدبير لفظا.

أما البيع قبل الرجوع في التدبير فقد منع منه محمد بن بابويه والحسن ابن أبي عقيل الا مع اشتراط العتق على المشتري عند موته ، فإذا أعتقه كان الولاء للمعتق.

وقال الشيخ في النهاية : ومتى أراد بيعه من غير أن ينتقض (3) تدبيره لم يجز له ذلك الا أن يعلم المشتري أنه يبيعه خدمته ، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه ، ومستنده الروايات (4) ، فعلى هذا يتحرر بموت البائع ولا سبيل للمشتري عليه حينئذ.

وقال ابن إدريس ببطلان التدبير مع البيع ، لأن التدبير وصية ، وكل وصية تبطل بإخراج الموصى به عن ملك الموصي في حياته ، وبيع المنافع لا يصح لعدم كونها أعيانا ، وعدم العلم بها وبمقدارها ، وتحمل الأخبار (5) الدالة على المنع من بيع المدبر على ما إذا كان التدبير واجبا بالنذر ، فهنا لا يجوز لما فيه من مخالفة النذر.

ص: 396


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- هذه الكلمة من النسخ ، وليست في الأصل.
3- في النسخ : ينقض.
4- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 1 من أبواب التدبير.
5- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 1 و 3 و 4 من أبواب التدبير.

قال رحمه اللّه : ولو كان على الميت دين يستوعب التركة ، بطل التدبير ، وبيع المدبر فيه ، وإلا بيع منه بقدر الدين ، وتحرر ثلث من بقي ، سواء كان الدين سابقا على التدبير ، أو لاحقا على الأصح.

أقول : ما حكاه المصنف هو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأن التدبير بمنزلة الوصية ، والدين مقدم عليها فيكون مقدما على التدبير ، سواء كان سابقا على التدبير أو متأخرا عنه.

وفصل الشيخ في النهاية وابن البراج ، قالا : إن كان الدين متقدما على التدبير فهو مقدم عليه ، وإن كان متأخرا عنه فالتدبير مقدم على الدين ، ومستندهما صحيحتا أبي بصير (1) ، عن الصادق عليه السلام وعلي بن يقطين (2) ، عن الكاظم عليه السلام.

تنبيه : إذا كان الدين بقدر نصف المدبرين مثلا ولا تركة سواهم ، كتب رقعة للدين وأخرى للتركة بعد أن يقسم العبيد قسمين ، ثمَّ يخرج رقعة على أحد القسمين ، فان خرجت رقعة الدين بيع ذلك القسم فيه ، وعتق ثلث القسم الآخر (في التدبير) (3).

وإن كان الدين بقدر ثلث العبيد كتب ثلاث رقاع ، واحدة للدين واثنتين للتركة وهكذا ، وكذلك الحكم لو أعتق المريض في مرض الموت ومات وعليه دين ، واحتجنا الى بيع بعض المعتقين في الدين.

قال رحمه اللّه : لو دبر الشريكان ثمَّ أعتق أحدهما لم تقوّم عليه حصة الأخر ، ولو قيل : تقوّم ، كان وجها.

ص: 397


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 9 من أبواب التدبير ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 9 من أبواب التدبير ، حديث 1.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل فيها : بالقرعة أيضا وإن خرجت رقعة التركة أعتق ثلث القسم الذي خرجت عليه ، وبيع القسم الآخر في الدين.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بعدم التقويم ، لأن حصة الشريك لها جهة يعتق بها ، والمعتمد التقويم ، لأنه عبد لم يخرج بالتدبير عن الرقية وهو مذهب المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ولو دبر أحدهما ثمَّ أعتق وجب عليه فك نصيب الأخر ، ولو أعتق صاحب الحصة القن لم يجب عليه فك الحصة المدبرة على تردد.

أقول : منشأ التردد في هذه المسألة معلوم من المسألة السابقة ، إذ لا فرق بينهما.

قال رحمه اللّه : ولمولاه أن يبيع خدمته وله أن يرجع في تدبيره ثمَّ يبيعه.

أقول : سبق البحث في هذه (1) ، والمعتمد عدم جواز بيع الخدمة (كما) (2) تقدم.

قال رحمه اللّه : أما لو دبره ثمَّ كاتبه كان نقضا للتدبير ، وفيه إشكال.

أقول : منشؤه من أن التدبير وصية وهي تبطل بفعل ما ينافيها ، والكتابة منافية للوصية ، لأنها تقتضي العتق في حال حياة المكاتب ، والوصية تقتضي العتق بعد موت الموصي ، وهما متنافيان ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة ، ومن أصالة بقاء التدبير ما لم يعلم السبب المبطل له ، والكتابة ليست سببا مبطلا للتدبير ، لاجتماعهما في صورة تقدم الكتابة على التدبير ، فكذلك مع التأخر عنه إذ لو تنافيها لما اجتمعا في حال ، لأن المقصود من الكتابة والتدبير هو العتق فلا يتنافيان ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن البراج واختاره الشهيد ، لصحيحة أبي بصير (3).

ص: 398


1- تقدم عند شرح قوله التدبير بصفة الوصية.
2- في الأصل مع هذه الكلمة على نحو النسخة البدل : لما.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 من أبواب التدبير ، حديث 1.

كتاب المكاتبة

اشارة

ص: 399

ص: 400

في الأركان

قال رحمه اللّه : ولا يصح من دون الأجل على الأشبه.

أقول : اشتراط الأجل في الكتابة مذهب الشيخ وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، وفي موضع (1) من القواعد وفخر الدين والشهيد ، لأن ما في يد العبد لمولاه فلا تصح المعاملة عليه ، وانما يقع على المتوقع حصوله بالكسب (2) ، فلا بد من الأجل حذرا من جهالة وقت الحصول.

وابن إدريس لم يشترط الأجل وجوزها حاله واختاره العلامة في موضع من القواعد وفي التحرير ، لأصالة عدم الاشتراط ، وعموم قوله تعالى : ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (3).

قال رحمه اللّه : وهل يفتقر الى قوله : فإذا أديت فأنت حر ، مع نية ذلك ، قيل : نعم ، وقيل : تكفي النية مع العقد ، فإذا أدى عتق سواء نطق بالضميمة أو

ص: 401


1- في «ن» : مواضع.
2- في «م» و «ن» : بالتكسب ، وفي «ر 1» : في الكسب.
3- النور : 33.

أغفلها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف قولا الشيخ في هذه المسألة ، ففي المبسوط لم يشترط قوله في العقد : فإذا أديت فأنت حر ، واشتراط ذلك في الخلاف ، واختار المصنف والعلامة مذهب المبسوط ، لأن الكتابة عقد مشروع بالنص والإجماع ، وغايتها تحرير العبد عند أداء المال ، فلا يفتقر الى ذكر الغاية في العقد ، كما لا يفتقر الى (1) ذكرها في غير الكتابة كالبيع والإجارة وغير ذلك.

وفخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد رجحا مذهب الخلاف ، لأن لفظ الكتابة مشترك بين المراسلات والكتابة الشرعية ، وهي أعم ، ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه اللّه : وحد العجز أن يؤخر نجما الى نجم ، أو يعلم من حاله العجز عن فك نفسه ، وقيل : أن يؤخر نجما عن محله ، وهو مروي.

أقول : اختلف الأصحاب في حد العجز بالمبيع (2) للفسخ في المشروط (3) ، قال المفيد والشيخ في الاستبصار وابن إدريس : حدّه أن يؤخر النجم عن محله ، واختاره المصنف في المختصر والعلامة في المختلف والإرشاد وفخر الدين وأبو العباس ، لصحيحة معاوية بن وهب (4) وقال الشيخ في النهاية : وحدّه أن يؤخر نجما الى نجم أو يعلم من حاله العجز ، ومعناه انه ليس للسيد أن يعجزه بنفس تأخر النجم عن محله ، بل يجب الصبر الى أن يحل نجم آخر الا أن يعلم من حاله العجز علما عاديا ، فلا يجب الصبر حينئذ ، وبه قال ابن البراج ، وهو ظاهر المصنف هنا

ص: 402


1- ليست في الأصل.
2- في الأصل : بالبيع.
3- في النسخ : المشروطة.
4- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 5 من أبواب المكاتبة ، حديث 1 و 2.

والعلامة في القواعد والتحرير ، والمستند رواية إسحاق بن عمار (1) ، عن الصادق عليه السلام ، وقال محمد بن بابويه : حدّه التأخير إلى ثلاثة أنجم.

قال رحمه اللّه : والكتابة عقد لازم ، مطلقة كانت أو مشروطة ، وقيل : إن كانت مشروطة فهي جائزة من جهة العبد ، لأن له أن يعجز نفسه ، والأول أشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : هل هي لازمة أو جائزة؟ وللأصحاب فيه ثلاثة أقوال : الأول : قول الشيخ وهو لزومها من جهة السيد (2) (وجوازها من جهة العبد) (3) ، ولم يقيد بالمشروطة ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم (4) على أن المكاتب متى عجز كان للمولى رده في الرق إذا كانت الكتابة مشروطة ، وهذا الاستدلال يدل على أن المراد المشروطة ، وصرح ابن إدريس بلزوم المطلقة من الطرفين ، وجواز المشروطة من طرف العبد ، وهو موافق لقول الشيخ.

الثاني : قول ابن حمزة ، وهو جواز المشروطة من الطرفين ، ولزوم المطلقة من جهة السيد ، وجوازها من جهة العبد.

الثالث : لزومها مطلقا ، سواء كانت مشروطة أو مطلقة ، وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، واختاره العلامة وابنه وهو المعتمد ، لأن عقد الكتابة اقتضى وجوب السعي على العبد ، فليس له تركه مع القدرة عليه.

الثاني : في معنى الجواز ، وفسره الشيخ في الخلاف بأنه له الامتناع من أداء ما عليه ، فيتخير السيد حينئذ بين الفسخ وبين البقاء على العقد ، وقال في

ص: 403


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 من أبواب المكاتبة ، حديث 13 وفيه لفظ عام أو عامين.
2- في «ر 1» العبد.
3- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
4- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 وباب 10 من أبواب المكاتبة.

المبسوط : ولسنا نريد بقولنا جائزة من جهة العبد ، أن له الفسخ كعامل القراض ، بل له أن يمتنع من أداء ما عليه مع القدرة على ذلك ، فيتخير المالك حينئذ ، والقائل باللزوم يوجب عليه السعي مع القدرة ، ويجبره على ذلك الحاكم أو السيد.

قال رحمه اللّه : وهل يعتبر الإسلام؟ فيه تردد.

أقول : هل يشترط في صحة الكتابة إسلام السيد؟ قال المصنف : فيه تردد ، ومنشؤه من أن الكتابة ، هل هي عتق بعوض أو معاملة بين السيد وعبده على عوض معلوم؟ فعلى الأول يشترط الإسلام عند من اشترطه في العتق (1) ، وعلى الثاني لا يشترط الإسلام ، لأنها نوع معاملة فلا يشترط فيها الإسلام ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، هذا إذا كان السيد والعبد كافرين أما لو كان السيد كافرا والعبد مسلما ، فالمعتمد وجوب البيع على الكافر و (لا) (2) يصح (له) (3) مكاتبة العبد المسلم ، لعموم النص (4) بوجوب البيع وليست الكتابة بيعا ، ولوجوب إخراج المسلم عن ملك الكافر على الفور ، ولحصول السبيل بالتسلط على المسلم بالاستيفاء وهو منفي (5) ، ويحتمل الجواز لقطع السلطنة.

قال رحمه اللّه : ويجوز لولي اليتيم مكاتبة مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولى عليه ، وفيه قول بالمنع.

أقول : للشيخ في هذه المسألة قولان : أحدهما الجواز ، قاله في الخلاف ، لأن للولي التصرف بجميع ما فيه غبطة ، فإذا حصلت الغبطة في الكتابة جاز له ذلك ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، والثاني عدم الجواز ، قاله في

ص: 404


1- في «م» و «ر 1» : المعتق.
2- ليست في «ر 1».
3- ليست في الأصل.
4- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 73 ، حديث 1.
5- إشارة إلى قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) النساء : 141.

المبسوط ، لأنها نوع (من أنواع التبرعات ، لأنها) (1) معاملة على ماله بماله ، وليس للولي أن يتبرع بشي ء من مال الطفل.

قال رحمه اللّه : ويعتبر في المملوك البلوغ ، وكمال العقل ، لأنه ليس لأحدهما أهلية القبول ، وفي كتابة الكافر تردد أظهره المنع ، لقوله تعالى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (2).

أقول : منع السيد المرتضى والشيخ في المبسوط من كتابة العبد الكافر ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وظاهر المختلف الجواز وقواه أبو العباس في المهذب.

والخلاف مبني على تفسير الخير (3) المذكور في الآية (4) ، قال السيد : إنه الدين والأمانة ، فعلى هذا لا يصح كتابة الكافر ، لأنه على هذا التفسير لا خير فيه أصلا ، وقال الشيخ : إنه الكسب والامانة فعلى هذا لا يصح أيضا ، لأن الكافر لا أمانة له ، وقال الحسن البصري والثوري : هو الاكتساب حسب ، فعلى هذا لا يصح (5) كتابة الكافر ، ولا شك أن الخير ورد في القرآن بمعنى المال ، مثل قوله تعالى ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) (6) ومثل قوله ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) (7) ، ولا شك ، ان المراد بالخير هنا المال ، وورد بمعنى العمل الصالح في قوله تعالى ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (8) ، وهو مناسب

ص: 405


1- ما بين القوسين ليس في «ن».
2- النور : 33.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 1 من أبواب المكاتبة ، حديث 1.
4- النور : 33.
5- في النسخ : يصح.
6- العاديات : 8.
7- البقرة : 180.
8- الزلزلة : 7.

للدين ، لأن عمل الكافر لا خير فيه ، وورد بمعنى الثواب في قوله تعالى ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ) (1) ، يعنى ثوابا ، وهذا مناسب للدين أيضا ، لأن الثواب مترتب على الايمان فغير المؤمن لا ثواب له.

قال رحمه اللّه : وأما الأجل ففي اشتراطه خلاف.

أقول : مضى ذكر الخلاف فيه (2).

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار اتصال الأجل بالعقد تردد.

أقول : منشؤه من أصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم السبب الناقل ، وهو غير معلوم مع عدم اتصال الأجل بالعقد. وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن أصالة الصحة وحصول شرائطها من ذكر الأجل وضبطه ، وذكر المال ، وصدور الصيغة من أهلها ، وهو اختيار العلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو قال : على خدمة شهر بعد هذا الشهر ، قيل : يبطل على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد ، وفيه تردد.

أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط وهو تفريع على اتصال المدة بالعقد ، وفيه التردد المذكور في المسألة الاولى ، وقد مضى البحث فيه (3).

قال رحمه اللّه : ولو كاتبه ثمَّ حبسه مدة ، قيل : يجب أن يؤجله مثل تلك المدة ، وقيل : لا يجب ، بل تجب أجرته لمدة احتباسه ، وهو أشبه.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ثمَّ قواهما معا الا أن الأول عنده أرجح ، واستحسنه فخر الدين ، لأن المدة لا قيمة لها فيضمنها بمثلها ، واختار المصنف والعلامة الثاني ، لأن منافع الأيام إنما تضمن بالقيمة ، وهي

ص: 406


1- الحج : 36.
2- ص 401.
3- في الحاشية السابقة.

مثل (1) أجرة ذلك الزمان وهو المعتمد.

ص: 407


1- ليست في الأصل.

ص: 408

في الأحكام

قال رحمه اللّه : إذا مات المكاتب ، وكان مشروطا بطلت الكتابة ، وكان ما تركه لمولاه ، وأولاده رقا ، وإن لم يكن مشروطا تحرر منه بقدر ما أداه ، وكان الباقي رقا ، ولمولاه من تركته بقدر ما فيه من رق ، ولورثته بقدر ما فيه من حرية ، ويؤدي الوارث من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة ، وإن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم ، ومع الأداء ينعتق الأولاد. وهل للمولى إجبارهم على الأداء؟ فيه تردد ، وفيه رواية أخرى (1) ، تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة ، ويتحرر الأولاد ، وما بقي لهم ، والأول أشبه.

أقول : إذا كان الأولاد أحرارا كان لهم مما تركه أبوهم بقدر ما تحرر (من أبيهم) (2) ، وللسيد بقدر ما فيه من الرقية ولا سعي عليهم ، وإن كانوا أرقاقا وولدوا (3) بعد الكتابة كان ما قابل نصيب الرقية منهم مكاتبا ، وكان عليهم أن

ص: 409


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 23 من أبواب موانع الإرث ، حديث 6 - 8.
2- في النسخ بدل ما بين القوسين : منه.
3- في النسخ : ولدوا.

يؤدوا (1) ما بقي على أبيهم من مال الكتابة ، لا (2) ما يساوي قيمتهم.

فاذا لم يف نصيبهم بما بقي على أبيهم وامتنعوا من السعي بالباقي ، هل يجبرون عليه؟ تردد المصنف في ذلك من أصالة البراءة ، وكون الاخبار (3) على خلاف الأصل ، ومن أن الشارع جعل السعي عوضا عن رقية الأولاد وقطع تصرفه عن ملكه مقابل هذا العوض ، فلا يجوز لهم الامتناع منه (4) ، وهو اختيار العلامة في القواعد. والرواية المتضمنة لأداء ما عليه من أصل التركة كالدين ، واختصاص الورثة بالباقي هي رواية جميل ، عن الصادق عليه السلام «قال : سألته عن مكاتب يؤدي بعض مكاتبته ثمَّ يموت وترك أبناء له من جارية له؟ فقال : إن كان اشترط عليه إن عجز فهو رق رجع ابنه منها مملوكا وان لم يشترط عليه صار ابنه حرا ورد على المولى بقية المكاتبة وورث ابنه ما بقي» (5) ، ومثلها صحيحة ابن سنان (6) ، عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد ، والمعتمد مذهب المصنف وهو المشهور بين الأصحاب.

فرع : إذا كان وارث المكاتب جماعة انعتق من كل واحد منهم بقدر ما انعتق من أبيهم ، ومع عدم وفاء نصيبهم من ميراث أبيهم بالباقي من مال الكتابة يتعلق الباقي بكل واحد بعينه وبالجميع كواجب الكفاية ، فإذا أداه بعضهم انعتقوا أجمع ، وإن أدى بعضهم بعضه انعتق من الجميع بقدره ، ولا يختص المؤدي بالعتق ،

ص: 410


1- في «ن» : يردوا.
2- في «م» : إلا.
3- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 19 من أبواب المكاتبة.
4- في النسخ إضافة : ولأنه عوض اقتضته المعاوضة الشرعية اللازمة فلا يجوز لهم الامتناع منه. وفي «ن» سقطت (منه) الاولى.
5- التهذيب ، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة ، باب المكاتب ، حديث 25 ، وفي الوسائل اشارة اليه في كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 19 من أبواب المكاتبة ، حديث 3.
6- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 19 من أبواب المكاتبة ، حديث 3.

لأن الجميع كواحد وهو المورث.

قال رحمه اللّه : ولو كان المولى أذن له ، قيل : لم يجزه ، لأنه كفّر بما لم يجب عليه.

أقول : إذا كفّر المكاتب بغير الصوم بغير إذن مولاه لم يجزه قطعا ، لأنه محجور عليه في التصرفات المتضمنة لإخراج المال بغير عوض بقدره أو أزيد منه ، ويكفر بالصيام سواء كانت مخيرة أو مرتبة.

ولو أذن له السيد بالعتق أو الإطعام ، هل يجزيه أم لا؟ قيل : لا يجزيه ، لأن فرضه الصيام فاذا كفّر بغيره كان قد كفر بغير الواجب عليه فلا يجزيه ، والمعتمد الاجزاء ، لأنه بالغ عاقل مالك ، وانما لم يجزه مع عدم الإذن ، لأنه محجور عليه لحق السيد ، فإذا أذن السيد زال المانع ، ويمتنع انحصار فرضه في الصيام بل حكمه حكم العاجز عن غير (1) الصوم ، ومع الاذن لا يتحتم عليه العتق في المرتبة بل تصير مخيرة.

قال رحمه اللّه : إذا ملك المملوك نصف نفسه ، كان كسبه بينه وبين مولاه ، وهو طلب أحدهما المهاياة أجبر الممتنع ، وقيل : لا يجبر ، وهو أشبه.

أقول : وجه الإجبار أن لكل منهما الانفراد بحصته ولا يلزمه مشاركة صاحبه ، (ولا يمكنه من) (2) الانفراد إلا بالمهاياة فيجبر الممتنع عليها ، ووجه عدم الإجبار كون المهاياة جارية مجرى قسمة ما لا يمكن قسمته ، لأن المشترك بينهما اما الرقبة وهي لا يمكن قسمتها أو المنافع طول حياته وذلك غير معلوم المقدار فيكون مجهولا ، وقسمة المجهول غير ممكنة فلا يجبر الممتنع ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد.

ص: 411


1- ليست في «م» و «ر 1».
2- في النسخ : ولا يمكن.

قال رحمه اللّه : إذا اختلف السيد والمكاتب في مال الكتابة ، أو في المدة ، أو في النجوم ، فالقول قول السيد مع يمينه ، ولو قيل : القول قول المنكر زيادة المدة والمال ، كان حسنا.

أقول : إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر مال الكتابة مثل أن يقول السيد : هو خمسون ، ويقول العبد : هو أربعون ، أو اتفقا على قدر المال واختلفا في المدة ، مثل أن قال السيد : المدة شهر ، وقال العبد : إنها شهران ، أو اتفقا على المدة واختلفا في النجوم ، مثل ان قال السيد : هي نجمان وقال العبد : هي ثلاثة.

قيل : القول قول السيد (في هذه الصور (1) كلها ، لأن العبد وكسبه لسيده ، والمكاتبة معاملة على مال السيد) (2) بماله ، فالمدعي بالحقيقة هو العبد ، لأنه يدعي العتق بأداء ما اعترف به من المال ، والسيد هو المنكر فيكون القول قوله ، ولا شك في أن القول قوله في إنكار زيادة المدة وزيادة النجوم ، لأن الأصل عدم الزيادة ، ولأن العبد هو المدعي فيهما قطعا ، فيصير القول قوله في الجميع.

واستحسن المصنف أن القول قول منكر الزيادة منهما ، لأن السيد قد اعترف بالكتابة وادعى على (3) العبد مالا زائدا عما اعترف به ، والعبد ينكر تلك الزيادة فيكون القول قوله فيها ، والقول قول السيد في إنكار زيادة المدة والنجوم ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا دفع مال الكتابة وحكم بحريته ، فبان العوض معيبا ، فإن رضي المولى فلا كلام ، وإن رده بطل العتق المحكوم به ، لأنه مشروط بالعوض ، ولو تجدد بالعوض عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش

ص: 412


1- من «ر 1» وفي الأصل وباقي النسخ : الصورة.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- في «ر 1» : عليه.

الحادث ، وقال الشيخ : يمنع ، وهو بعيد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في بطلان العتق مع رد العوض بالعيب ، وبالبطلان قال الشيخ في المبسوط والمصنف والعلامة في الإرشاد والتحرير ، وفي موضع من القواعد ، وبه قال الشهيد وهو المعتمد ، لان العتق مشروط بدفع العوض الذي وقع عليه العقد وهو الصحيح السليم ، فلما ظهر العوض معيبا ظهر أنه غير العوض المذكور في العقد ، ومع عدم دفع العوض يتحقق عدم العتق.

واستشكل العلامة بطلان العتق في موضع من القواعد ، ثمَّ كتب عليه حاشية بخطه وهذه صورتها : منشأ الاشكال أن يقال : العتق إتلاف واستهلاك فاذا حكم بوقوعه لم يبطل كالخلع ، وأن يقال العتق انما يستقر باستقرار الأداء ، وقد ارتفع الأداء فيرتفع العتق. هذا آخر ما كتبه العلامة نقله عنه فخر الدين في إيضاحه.

الثاني : إذا تجدد بالعوض عيب عند السيد ، هل يجوز له رده بالعيب السابق مع أرش الحادث؟ منع منه الشيخ في المبسوط كما في البيع ، واختار المصنف والعلامة الرد مع الأرش.

قال رحمه اللّه : يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي حرا أو رقا له ، ومنعه الشيخ ، ولو كان الباقي لغيره فأذن صح ، وإن لم يأذن بطلت الكتابة ، لأنها تتضمن ضرر الشريك ، لأن الكتابة ثمرتها الاكتساب ومع الشركة لا يمكن من التصرف.

أقول : إذا كاتب بعوض بعض عبده لا يخلو البعض الأخر من كونه حرا أو رقا ، له أو لغيره ، فان كان البعض الآخر حرا صحت الكتابة إجماعا ،

ص: 413

لاستغراق الكتابة للرق (1) ، فلا مانع حينئذ ، وان كان بعضه رقا لنفسه منع الشيخ في المبسوط من كتابة البعض ، قال : لأن المقصود من الكتابة : وقوع العتق بالأداء ، وهذا مفقود هنا ، لأنه لا يتمكن من التصرف ، لأن السيد يمنعه من التصرف بما فيه من الرق ، ولا يأخذ من الصدقات وإذا أخذ اقتضى أنه يقاسمه السيد عليها ، وإن كان الباقي رقا لغيره اشترط الشيخ في صحة كتابة حصته إذن الشريك واختاره المصنف ، وقد ذكر المصنف الوجه في ذلك.

وذهب في الخلاف الى الجواز مطلقا واختاره العلامة وهو المعتمد لقوله عليه السلام : «الناس مسلطون على أموالهم» (2) ، ولأنه يجوز بيع النصيب وعتقه فيجوز كتابته ، لأنها لا تنفك عنهما وتمنع ضرر (3) الشريك بالكتابة فإن السعي الثابت قبل الكتابة ثابت بعدها أقصى ما في الباب أن الشريك يقاسم شريكه وهنا يقاسم العبد ، ويمنع مشاركته فيما يأخذه من الصدقات ، لأنه انما يأخذ بجزئه المكاتب ما يصرفه في الكتابة ، ولا يجوز له صرفه في غيرها فلا يشاركه السيد في ذلك.

ص: 414


1- في نسخة في الأصل : بالعتق.
2- البحار ، ج 2 ، ص 272.
3- في الأصل : شرر.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : إذا كان للمكاتب على مولاه مال ، وحل نجم ، فان كان المالان متساويين جنسا ووصفا تهاترا ، ولو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل ، وان كانا مختلفين لم يحصل التقاص إلا برضاهما ، وهكذا حكم كل غريمين ، وإذا تراضيا كفى ذلك ، وإن لم يقبض الذي له لم يعده عوضا ، سواء كان المال أثمانا أو أعواضا ، وفيه قول آخر بالتفصيل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا كان للمكاتب على سيده مال وحل للسيد شي ء من النجوم ، فان كان الحقان من جنس واحد من النقود تقاصا ، وان اختلف الجنس أو كان من غير النقود فإن أحدهما لا يصير قصاصا عن الأخر ، ثمَّ إن كان المالان نقدين لم يحتج الى قبض الحقين (معا بل) (1) يقبض أحدهما ما عليه من صاحبه ، ثمَّ يرده عليه عوضا عما له في ذمته ، لان دفع العوض عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز ، وإن كانا عرضين فلا بد أن يقبض كل واحد منهما ماله على صاحبه ، ولا يجوز أن يقبض أحدهما ثمَّ يرد ما قبضه على الآخر

ص: 415


1- في «ر 1» و «ن» : مقابل.

عوضا عما له عليه ، لأن هذا العوض الذي في الذمة ثابت في أحد الجنسين (عن سلم) (1) فان المكاتب لا يجوز له أن يعوض عما في ذمته من المال ، وأخذ المال الثابت عن كتابة لو (2) سلم غير جائز ، وإن كان أحدهما نقدا والآخر عرضا فإنه إن قبض صاحب النقد حقه لم يجز أن يدفعه عوضا عن العرض الذي في ذمته بل عليه تسليمه وإقباضه ، وإن قبض صاحب العرض حقه جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه ، الى هنا كلام الشيخ ، وهو الذي أشار إليه المصنف بالتفصيل والمعتمد مذهب المصنف وهو اختيار العلامة ، لأن التقاص نوع من الإبراء فلا يفتقر الى القبض.

قال رحمه اللّه : إذا جنى عبد المكاتب لم يكن له فكه بالأرش ، إلا أن يكون فيه الغبطة له ، وكذا لو كان المملوك أبا المكاتب لم يكن له انفكاكه بالأرش ، ولو قصر عن قيمة الأب ، لأنه يتعجل بإتلاف مال له التصرف فيه ، ويستبقي مالا ينتفع به ، لأنه لم يتصرف في أبيه ، وفي هذا تردد.

أقول : هذا التردد مبني على جواز شراء المكاتب لقريبه الذي ينعتق عليه ، فنقول أما مع إذن السيد فلا خلاف في جوازه ، ومع عدم الاذن فيه إشكال ، من حيث أنه تصرف يستلزم نقص المال ، لأن المكاتب إذا اشترى من ينعتق عليه كان موقوفا إن أدى (3) المكاتب مال الكتابة (والعتق ، العتق القريب) (4) ، وإن عجز المكاتب واسترق استرق القريب ، فيلزم من شراء القريب نقص المال ، لانقطاع تصرفه بقيمته ، وكل تصرف يشتمل على نقص المال فهو ممنوع منه بغير

ص: 416


1- في الأصل : غير مسلم ، وما أثبتناه من النسخ.
2- في النسخ : أو
3- في «ر 1» : نوى.
4- ما بين القوسين من «م» و «ر 1» وفي الأصل : انعتق العتق القريب وفي «ن» : انعتق القريب.

إذن السيد ، ومن حيث أنه أشترى مملوكا لا ضرر فيه (1) على السيد بشرائه ، لأنه يأخذ كسبهما ومع العجز يسترقهما ، فلا ضرر عليه في ذلك.

والمعتمد الأول وهو مذهب الشيخ والعلامة فخر الدين ، فعلى هذا لو أذن السيد لمكاتبه بشراء أبيه فجنى الأب ، لم يجز له (افتكاكه الا مع) (2) الإذن أيضا ، وإن كان في ذلك (3) غبطة ، ولو قلنا بجواز الشراء مع عدم (4) الاذن جاز الافتكاك مع الغبطة من غير اذن.

ص: 417


1- ليست هذه الكلمة في «ر 1».
2- في «ر 1» بدل ما بين القوسين : إنكار.
3- في نسخة من الأصل : فيه.
4- هذه الكلمة ليست في الأصل وهي في النسخ.

ص: 418

في أحكام المكاتب

قال رحمه اللّه : إذا قال ضعوا عنه أوسط نجومه فان كان فيها أوسط عددا ، أو قدرا انصرف اليه ، وإن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيهما شاؤوا ، وقيل : تستعمل القرعة ، وهو حسن.

أقول : إذا قال : ضعوا عنه أوسط نجومه ، فاما أن يكون فيها وسط بحسب العدد لا غير ، أو بحسب القدر لا غير ، أو بحسب الأجل لا غير ، أو بحسب العدد والقدر ، أو بحسب العدد والقدر والأجل ، أو لا يكون لها وسط بحسب شي ء ، فالأقسام ستة :

الأول : أن يكون لها وسط بحسب العدد لا غير ، كما إذا كان مال الكتابة ثلاثة دنانير في ثلاثة نجوم ، أجل كل نجم شهر ، قسط كل نجم دينار ، فان الوسط هنا بحسب (1) العدد لا غير ، لأنه لا تفاوت في المال ولا في الأجل ، ومع عدم التفاوت لا يتقدر الوسط فيهما ، فلم يبق غير العدد.

الثاني : أن يكون لها وسط بحسب القدر لا غير ، كسبعة دنانير في أربعة نجوم

ص: 419


1- في الأصل : بسبب.

أجل كل نجم منها شهر ، قسط الأول ديناران والثاني دينار ، والثالث دينار أيضا ، والرابع ثلاثة دنانير ، فالوسط هنا (الديناران ، لأن أقل ما فيها من المقادير دينار ، والأكثر الثلاثة ، وأوسط المقادير الديناران ، لأنه لا وسط لها) (1) بحسب عدد النجوم ، لأنه أربعة ، ولا بحسب الأجل ، لأنه أربعة أشهر ، فلم يبق غير القدر.

الثالث : أن يكون لها وسط بحسب الأجل لا غير ، كأربعة دنانير في أربعة نجوم ، قسط كل نجم دينار ، وأجل الأول شهر ، والثاني شهران ، والثالث ثلاثة ، والرابع ثلاثة أيضا ، فالأوسط الشهران (2) ، لأنهما بين الأقل والأكثر.

الرابع : أن يكون لها وسط بحسب العدد والقدر دون الأجل ، كستة دنانير في ثلاثة نجوم أجل كل نجم شهر ، وقسط الأول ديناران ، والثاني قسطه دينار ، وقسط الثالث ثلاثة ، فالثاني أوسط بحسب العدد ، والأول أوسط بحسب القدر ، لأنه بين الأقل والأكثر ، فلا أوسط لها بحسب الأجل لتساويهما.

الخامس : أن يكون لها وسط بحسب العدد والأجل والقدر ، كما إذا كان عدد النجوم ثلاثة ، ومال الكتابة ستة ، وأجل النجم الأول شهر وقسطه دينار ، وأجل الثاني شهران وقسطه ديناران ، وأجل الثالث ثلاثة أشهر وقسطه ثلاثة دنانير ، فالثاني وسط بحسب العدد والقدر والأجل.

السادس : أن لا يكون لها وسط بحسب شي ء كما إذا كانت النجوم أربعة ومال الكتابة أربعة ، والآجال أربعة ، فهنا لم يحصل الوسط بحسب شي ء.

إذا عرفت هذا رجعنا الى الحكم فمع وجود الوسط وكونه واحدا يتعين ، لعدم وجود ما يحمل عليه لفظ الموصي غيره ، ومع تعدد الوسط يتخير الوارث ،

ص: 420


1- ما بين القوسين من نسخة في هامش الأصل.
2- في نسخة من الأصل إضافة كلمة : الثلاثة.

وقال ابن البراج : يستعمل القرعة ، واستحسنه المصنف لما فيه من العدل والمعتمد الأول ، والثاني أفضل ، ومع عدم الوسط يجمع بين نجمين فالثاني والثالث وسط للأربعة ، والثالث والرابع وسط للستة ، وهكذا.

قال رحمه اللّه : إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة ، فإن برأ فقد لزم العتق والإبراء ، وإن مات خرج من الثلث ، وفيه قول آخر : إنه من أصل التركة.

أقول : هذا القول مبني على خروج منجزات المريض من الأصل ، وقد مضى البحث فيه (1).

ص: 421


1- تقدم في الجزء الثاني ، كتاب الوصايا ص 451.

ص: 422

كتاب الاستيلاد

اشارة

ص: 423

ص: 424

في الأحكام

قال رحمه اللّه : ولو أولد أمة غيره مملوكا ثمَّ ملكها لم تصر أم ولده ، ولو أولدها حرا ثمَّ ملكها ، قال الشيخ : تصير أم ولد ، وفي رواية ابن مارد : لا تصير أم ولد.

أقول : إذا وطئ أمة الغير بشبهة أو بعقد فأولدها حرا ثمَّ ملكها بعد ذلك ، قال الشيخ : تصير أم ولد ، لأن طريقة الاشتقاق تقتضيه ، فالضابط عنده اجتماع نسب الولد منه وحريته وملك أمه ، فإذا اجتمعت هذه الثلاثة شروط صارت أم ولد ، والمعتمد عدم صيرورتها أم ولد الا مع علوقها منه في ملكه للأصل ، ولما رواه الشيخ في التهذيب يرفعه الى ابن مارد ، عن الصادق عليه السلام : «في رجل يتزوج الأمة ويولدها ثمَّ يملكها ولم تلد عنده بعد ذلك؟ قال : هي أم ولد إن شاء باعها ، ما لم يحدث بعد ذلك حمل ، وإن شاء أعتق» (1).

قال رحمه اللّه : ولو وطأ المرهونة فحملت دخلت في حكم أمهات الأولاد ، وكذا لو وطأ الذمي أمته فحملت منه ، ولو أسلمت بيعت عليه ، وقيل : يحال بينه

ص: 425


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 4 من أبواب الاستيلاد ، حديث 1 ولم نجدها في التهذيب.

وبينها ، وتجعل على يد امرأة ثقة ، والأول أشبه.

أقول : البيع على الذمي مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة في التحرير والشهيد في شرح الإرشاد ، لوجوب انتفاء سبيل الكافر على المؤمن ، وهو لا ينتفي إلا بالبيع.

وقال الشيخ في الخلاف : يحال بينه وبينها ، وتوضع على يد امرأة ثقة ، لعموم المنع (1) من بيع أمهات الأولاد.

وقال العلامة في المختلف : تستسعى في قيمتها فإذا أدت عتقت للنهي عن بيع أمهات الأولاد ، وإبقاؤها في يد المولى لا يجوز ، وعتقها مجانا إضرارا على المولى ، وكذا الحيلولة بينه وبينها ، فيتعين السعي ، واختاره فخر الدين والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا مات مولاها وولدها حر جعلت في نصيب ولدها ، وعتقت عليه ، ولو لم يكن سواها عتق نصيب ولدها منها ، وسعت في الباقي ، وفي رواية : تقوم على ولدها إن كان موسرا ، وهي مهجورة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بصير (2) ، عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط وابن الجنيد ، وهو بناء على أن من ملك بعض قريبه بغير اختياره هل يقوم عليه أم لا؟ وقد سبق البحث فيه (3) ، والمشهور الاستسعاء وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أوصى لأم ولده ، قيل : تنعتق من نصيب ولدها وتعطى الوصية ، وقيل : تنعتق من الوصية ، فإن فضل منها شي ء عتق من نصيب ولدها ،

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 2 من أبواب الاستيلاد ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 5 من أبواب الاستيلاد ، حديث 2.
3- ص 379.

وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية تعتق من نصيب ولدها وتعطي الوصية ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن التركة تنتقل إلى الورثة بنفس الموت ، فيثبت ملك الولد على جزء من أمه فينعتق عليه وتعطي الوصية.

وقال ابن إدريس : تنعتق من الوصية ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير وأبو العباس في باب الوصايا من المقتصر ، وهو المعتمد ، لأن الإرث متأخر عن الوصايا ، لقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (1).

قال رحمه اللّه : إذا جنت أم الولد تعلقت الجناية برقبتها ، وللمولى فكها وبكم يفكها؟ قيل : بأقل الأمرين من الجناية وقيمتها ، وقيل : بأرش الجناية ، وهو الأشبه ، وإن شاء رفعها إلى المجني عليه ، وفي رواية مسمع ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «جنايتها في حقوق الناس على سيدها» (2).

أقول : إذا جنت أم الولد تعلقت الجناية برقبتها ، لأنها مملوكة وجناية المملوك متعلقة برقبته ، فلو أراد المولى فكها في الخطأ كان ذلك اليه.

وبكم يفكها؟ قال الشيخ في المبسوط : بأقل الأمرين ، واختاره العلامة ، لأنه ان كانت الجناية أقل فلا يجب غيرها ، وإن كانت أكثر فلا يجب عليه غير قيمة الجاني ، وقال في الخلاف : يفكها بالأرش سواء زاد عن قيمتها أو نقص ، لأنه هو الذي تعلق برقبتها ، فاذا اختار المولى فكها كان الواجب فكها بما تعلق برقبتها ، واختاره المصنف. واختار الشهيد الأول وهو المعتمد ، ورواية مسمع (3)

ص: 427


1- النساء : 11 - 12.
2- الوسائل ، كتاب الحدود والتعزيرات ، باب 14 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ، حديث 2.
3- المتقدمة.

محمولة على أن للمولى الفداء.

وقال الشيخ في باب الديات من المبسوط : جناية أم الولد على سيدها بلا خلاف إلا أبو ثور جعلها في ذمتها تتبع به بعد العتق ، وقال في باب الاستيلاد من المبسوط ، أيضا : يتعلق أرش جنايتها برقبتها بلا خلاف.

قال رحمه اللّه : روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في وليدة نصرانية أسلمت عند رجل ، وولدت منه غلاما ومات ، فأعتقت وتزوّجت نصرانيا وتنصرت وولدت ، فقال عليه السلام : ولدها لابنها من سيدها ، وتحبس حتى تضع فإذا ولدت فاقتلها ، وفي النهاية : يفعل بها ما يفعل بالمرتدة ، والرواية شاذة.

أقول : رواية محمد بن قيس (1) هذه مخالفة للأصول في شيئين ، لأنها تضمنت استرقاق الولد وهو حر ، والحر لا يجوز استرقاقه ، وتضمنت تحتم القتل على المرأة بالارتداد وهو ممنوع ، والمعتمد اطراح الرواية والحكم بحرية الولد ، وتحبس هي وتضرب أوقات الصلوات حتى تتوب أو تموت.

ص: 428


1- الوسائل ، كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد ، باب 8 من أبواب الاستيلاد ، حديث 1.

كتاب الإقرار

اشارة

ص: 429

ص: 430

النظر الأول في الصيغة

قال رحمه اللّه : ولو قال : ان شهد لك فلان فهو صادق ، لزمه الإقرار في الحال ، لأنه إذا صدق وجب الحق وان لم يشهد.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط ، ونقلها المصنف والعلامة في كتبه كما قالها الشيخ ولم يترددوا (1) فيها ، ومنع الشهيد ذلك ، قال : لإمكان اعتقاد المخبر أن شهادته محال ، والمحال جاز ان يستلزم المحال ، ولأن الإقرار المعلق على شرط ممكن باطل.

وعلل المصنف لزوم الإقرار في الحال : لأنه إذا صدق وجب الحق وإن لم يشهد ، وبيانه : أن المقر قد اعترف بصدق الشاهد على تقدير الشهادة ، ويلزم من صدقه ثبوت المال في ذمة المقر ، وينعكس الى قولنا كلما لم يكن المال ثابتا في ذمة المقر لم يكن الشاهد صادقا ، وقد ثبت كونه صادقا بإقراره ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2) ، فيكون المال ثابتا في ذمته ، فيلزم به في الحال وان لم

ص: 431


1- كذا.
2- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

يشهد ، لأن الشهادة ليس لها تأثير في ثبوت الصدق ولا عدمه ، لأنه لو لا ثبوت الصدق عند المقر لما علقه على الشهادة ، إذ يستحيل أن تجعله الشهادة صادقا إذا كان غير صادق ، وإذا لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق وقد حكم به ، وجب أن يلزم بالمال وإن لم يشهد الشاهد.

ووجه اختيار الشهيد أن تعليق الصدق على شهادته يوجب توقفه على الشهادة ، لأن المعلق على شرط متوقف على حصول ذلك الشرط ، والشهادة وإن كانت ممكنة في نفس الأمر فإنها قد تكون محالة بالنسبة إلى اعتقاد المخبر ، لأنه قد يعتقد عدم ثبوت المال في ذمته ويعتقد صدق الشاهد ، وأنه لم يشهد بغير الحق ويجزم بذلك.

ويلزم من هذا الاعتقاد عدم وقوع الشهادة من الشاهد الذي أشار إليه ، لاعتقاده صدقه وعدالته ، وعدم ثبوت المال في ذمته فلا يشهد عليه بما ليس في ذمته ، فتعليق الإقرار على شهادته لا يكون إقرارا ، وأيضا فإن الإقرار المعلق على شرط باطل باتفاقهم ، لأن الواجب لا يقبل التعليق وهذا معلق فيكون باطلا ، وهذا في غاية القوة الا انه مخالف لجمهور الأصحاب.

قال رحمه اللّه : إذا قال : له علي ألف إذا جاء رأس الشهر ، لزمه الالف ، وكذا لو قال : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف ، ومنهم من فرّق ، وليس شيئا.

أقول : الفرق هو إن بدأ بالمال لزمه ولغت الضميمة ، وان بدأ بالشهر لم يلزمه شي ء ، وهذا مذهب العلامة في التحرير ، أما اللزوم مع تقدم ذكر المال.فلأن قوله : علي ألف ، إقرار صحيح وقوله : إذا جاء رأس الشهر ، تعقيب له بما يبطله ، فيلزم الإقرار وتلغو الضميمة ، واما البطلان مع تقديم فلأن قوله : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف ، تعليق على الصفة ، والإقرار المعلق غير جائز.

والمصنف استضعف هذا الفرق ، إذ لا فرق بين تقديم حرف الشرط

ص: 432

وتأخيره ، فكما يلزم الإقرار مع تأخير الشرط ، كذا يلزم مع تقديمه.

والشهيد رحمه اللّه أطلق البطلان في الصورتين معا للتعليق ، ولعدم الفرق بين تقديم الشرط وتأخيره ، وجزم العلامة في القواعد والإرشاد بالصحة مع قصد التأجيل ، وبالبطلان مع قصد الشرط وهذا هو المعتمد ، فعلى هذا يستفسر ويقبل قوله بالقصد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : كثيرا ، قال الشيخ رحمه اللّه : يكون ثمانين ، رجوعا في تفسير الكثرة إلى رواية النذر(1) ، وربما خصها بعض بموضع الورود ، وهو حسن ، وكذا لو قال : عظيم جدا ، كان كقوله : عظيم ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قال له عندي مال كثير ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يلزم ثمانون درهما ، وتبعه ابن البراج ، لأنه قد ثبت في عرف الشرع هذا المقدار في النذر فكذا في غيره ، والا لزم الاشتراك والأصل عدمه ، وقال ابن إدريس يرجع في تفسيره اليه ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن حمله على النذر قياس وهو باطل ، ولأنه مجهول فيرجع في تفسيره اليه وهو المعتمد.

الثانية : إذا قال له عندي مال عظيم جدا ، هل يقبل تفسيره بالقليل كما يقبل لو قال عظيم واقتصر؟ قال الشيخ وابن إدريس : يقبل ، واختاره العلامة والشهيد وهو المعتمد ، وتردد المصنف ، ومنشؤه من أن لفظة جدا موضوعة للمبالغة في الكثرة فلا يقبل تفسيره لها بأقل ما لا يمكن حمل الكثرة عليه ، ومن أن كل مال فهو عظيم جدا لعظم خطره (وهو كفر مستحله) (2) والأصل براءة الذمة من الزائد على ما يفسره المقر.

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 3 ، حديث (1 ، 2 ، 3 ، 4).
2- ما بين القوسين ليس في «م» و «ر 1».

قال رحمه اللّه : لو قال له كذا درهم ، كان اليه تفسيره ، كما لو قال : شي ء ، ولو فسره بالدرهم نصبا أو رفعا ، كان إقرارا بدرهم ، وقيل : إن نصب كان له عشرون ، ويمكن هذا مع الاطلاع على القصد ، وإن خفض احتمل بعض الدرهم ، واليه تفسير البعضية ، وقيل : يلزمه مائة مراعاة لتجنب الكسر ، ولست أدري من أين نشأ هذا الشرط.

أقول : قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إذا قال له على كذا درهم ، بالرفع لزمه درهم ، فان خفض لزمه مائة ، وإن نصب لزمه عشرون ، ووجهه : أن أقل عدد مفرد تفسيره بمفرد مجرور مائة ، وأقل عدد مفرد تفسيره بمفرد منصوب عشرون ، وقال ابن إدريس : يرجع بالتفسير إليه ، لأن كذا لفظ مفرد مبهم مجمل ، ولا يعلق على الذمم شيئا بلفظ مجمل ، لأصالة براءة الذمة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وهو المعتمد ، ويكون الرفع على البدل والنصب على التمييز والجر على الإضافة ، لأن الجر يحصل بعد الجزء من الدرهم مثل نصف درهم وربع درهم وما شابه ذلك.

وقال العلامة في المختلف : ان كان المقر من أهل اللسان لزمه ما قاله الشيخ ، وإلا رجع الى تفسيره كما اختاره ابن إدريس ، واختاره المقداد في شرح المختصر وهو معارض بالبراءة الأصلية ، وكون الرفع على البدل والنصب على التمييز والجر على الإضافة كما قلناه أولا ، فلا يخرج بذلك عن كونه (1) من أهل اللسان.

قال رحمه اللّه : ولو قال : كذا كذا ، فان اقتصر فإليه التفسير ، وإن أتبعه بالدرهم نصبا أو رفعا ، لزمه درهم ، وقيل : إن نصب لزمه أحد عشر ، ولو قال : كذا وكذا درهما نصبا ، أو رفعا لزمه درهم ، وقيل : ان نصب لزمه أحد

ص: 434


1- في «ر 1» : من.

وعشرون ، والوجه الاقتصار على التعيين [اليقين] الا مع العلم بالقصد.

أقول : إذا كرر كذا (1) بغير عطف ، قال الشيخ : يلزمه أحد عشر درهما ، لأن أقل عددين ركبا وانتصب ما بعدهما أحد عشر ، وعند ابن إدريس والمصنف والعلامة ومن تابعهم يلزمه درهم ، كأنه قال : شي ء شي ء ، وفي الجر يحتمل أنه أضاف الجزء الى جزء ثمَّ (2) أضاف الأخر إلى الدرهم كنصف ربع درهم ، والأصل براءة الذمة من الزائد ، وهذا هو المعتمد.

وإذا كرر مع العطف ، قال الشيخ : يلزمه أحد وعشرون ، وقال ابن إدريس. ومتابعوه : يلزمه درهم ، لأنه مجمل فيرجع الى تفسيره ، لأصالة براءة الذمة من الزائد وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ، كان إقرارا ، ولو قال : نعم ، لم يكن إقرارا ، وفيه تردد من حيث يستعمل الأمران استعمالا ظاهرا.

أقول : منشأ التردد من تعارض العرف واللغة ، لأن أهل العرف لا يفرقون بين لفظي نعم وبلى في كونهما إقرارا ، لأن تقدير الكلام : نعم لك عندي ، والإقرار انما يحمل على مفهوم العرف دون دقائق العربية ، ومن حيث أن نعم في جواب السؤال تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ، فقوله : نعم ، أي ليس لك علي كذا وبلى تكذيب لما دخل عليه حرف الاستفهام ، لأن أصل بلى بل وهي للرد والاستدراك ، وقوله : بلى ، رد لقوله : أليس لي عليك كذا ، لأنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ، ونفي النفي إثبات ، قال تعالى ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى ) (3) ، فلو قالوا : نعم كفروا ، وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ

ص: 435


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- هذه الكلمة ليست في الأصل.
3- الأعراف : 172.

عِظامَهُ ، بَلى قادِرِينَ ) (1) ، والمشهور عند (2) الأصحاب أن قوله (نعم) بعد الاستفهام ليس إقرارا ، وهو مذهب الشيخ واختاره العلامة وابنه وأبو العباس في مقتصره ، وتردد المصنف في كتابه (3).

واستقرب الشهيد في دروسه عدم الفرق بين بلى ونعم في كونهما إقرارا ، وربما قيل : بالتفصيل ، وهو إن كان المقر من أهل العربية لم يكن إقرارا ، والا كان إقرارا ، وهو غير بعيد من الصواب.

قال رحمه اللّه : الاستثناء من الجنس جائز ، ومن غير الجنس على تردد.

أقول : منشؤه من ان الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ ، وغير الجنس غير داخل في اللفظ فلا يخرج بالاستثناء ، ولان ثبوت الاستثناء في الإقرار على خلاف الأصل ، لما يتضمن من الإنكار بعد الإقرار ، فيقتصر على موضع الوفاق ، ومن أن استعمال الاستثناء من غير الجنس كاستعماله من الجنس ، وقد ورد ذلك في قوله تعالى وفي أشعار العرب ، أما قوله تعالى ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلّا رَبَّ الْعالَمِينَ ) (4) ، ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً ) (5) وأمثال ذلك ، وأما أشعار العرب فمثل قولهم :

وبلدة ليس بها أنيس

الا اليعافير والا العيس (6)

وأمثال ذلك كثير ، وإذا ورد استعماله من غير الجنس كاستعماله من

ص: 436


1- القيامة : 2 ، 3.
2- في «ر 1» : بين.
3- في «م» : كتابه.
4- الشعراء : 77.
5- الواقعة : 25 ، 26.
6- أوضح المسالك ، ج 2 ، الشاهد رقم 261.

الجنس ، ثبت الجواز فيهما ، لثبوت الاستثناء في الإقرار وهو المعتمد ، لكن يجب أن يبقي شيئا بعد رفع قيمة المستثنى ، فلو لم يبق شي ء ، قال ابن الجنيد : بطل الاستثناء ووجب ما أقرّ به أولا ، لأن الاستثناء باطل وإذا بطل بقي ما أقرّ به ، والمعتمد بطلان التفسير ويطالب بتفسير غيره ، بحيث يبقى بعد قيمة المخرج شي ء.

قال رحمه اللّه : إذا قال : له عشرة إلا درهما ، كان إقرارا بتسعة ونفيا للدرهم ، ولو قال : الا درهم ، كان إقرارا بالعشرة.

أقول : الفرق بين النصب والرفع كون النصب على الاستثناء ، لأن الاستثناء من الموجب يوجب النصب ، فإلّا هنا حرف استثناء ، والرفع يكون على الوصف فلا يكون إلا حرف استثناء ، ولهذا كان ما بعدها مرفوعا ، قال ابن إدريس : لأن المعنى غير درهم ، ومثله قول الشيخ في المبسوط.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ما له عندي شي ء إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، وكذا لو قال : ما له عشرة إلا درهم ، كان إقرارا بدرهم ، ولو قال : إلا درهما ، لم يكن إقرارا بشي ء.

أقول : الفرق بين الرفع والنصب هنا كون الرفع على البدل من العشرة ، فكأنه قال : ما له علي إلا درهم ، أبدل الدرهم من العشرة فيثبت عليه درهم ، وأما عدم لزوم شي ء مع النصب ، فلأنه أدخل حرف النفي ، وهو (ما) على الجملة الموجبة المشتملة على الاستثناء ، وذلك ما له على عشرة إلا درهما ، فلما أدخل حرف النفي وهو (ما) على هذه الجملة يكون قد نفى ثبوت ذلك عن ذمته ، ومعناه أن هذا المقدار الذي هو عشرة إلا درهما ليس له علي ، فلهذا لم يلزمه شي ء.

ص: 437

ص: 438

النظر الثاني في المقر

قال رحمه اللّه : ويقبل إقرار المفلس ، وهل يشارك المقر له الغرماء ، أو يأخذ حقه من الفاضل؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من تعلق حقوق الغرماء بأعيان ماله فلا يشارك المقر له ، بل يعطي من الفاضل عن الغرماء إن كان والا بقي في ذمة المقر ، ومن أن المقر له صار غريما فيشارك الغرماء ، في أعيان ماله ، وقد مضى البحث في هذه في باب المفلس (1).

والتحقيق : إن كان المفلس غير متهم في إقراره اختص المقر له بالعين ويشارك الغرماء في الدين ، وإن كان منهما وكان الإقرار بعين أوقفت ، فإن فضلت عن دين الغرماء أخذها المقر له ، وإن لم تفضل أخذها الغرماء وتبع المقر له المفلس في قيمتها ، وإن كان الإقرار بدين لم يشارك الغرماء مع التهمة ، فإن فضل عن الغرماء شي ء أخذه المقر له والا بقي في ذمة المقر.

قال رحمه اللّه : ويقبل وصية ، المريض في الثلث وان لم يجز الورثة ، وكذا

ص: 439


1- ج 2 ص 163.

إقراره للوارث والأجنبي مع التهمة على أظهر القولين.

أقول : اختلف علماؤنا في إقرار المريض إذا مات في مرضه على أربعة أقوال :

الأول : أنه يمضي من الأصل مع عدالة المقر وانتفاء التهمة في إقراره ، ومن الثلث إن كان متهما ، سواء كان الإقرار لوارث أو لأجنبي ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج والمصنف هنا ، واختاره العلامة والشهيد ، ومستندهم الروايات الصحاح ، كرواية إسماعيل بن جابر (1) في الصحيح وصحيحة الحلبي (2) وصحيحة منصور بن حازم (3) ، عن الصادق عليه السلام.

الثاني : قال المفيد : إقرار العاقل في مرضه للأجنبي والوارث سواء ، وهو ماض واجب لمن أقر له به ، وإذا كان على الرجل دين معروف بشهادة قائمة وأقر لقوم آخرين بدين مضافا الى ذلك ، كان إقراره ماضيا عليه ، وللقوم أن يحاصبوا (4) باقي الغرماء فيما تركه بعد وفاته ، وإذا كان عليه دين يحيط بما في يده فأقر بأنه وديعة لوارث أو غيره قبل إقراره إن كان عدلا مأمونا ، وإن كان متهما لم يقبل إقراره انتهى كلام المفيد رحمه اللّه.

ومضمونه قبول الإقرار بالدين ، ووجوبه لمن أقر له به سواء كان وارثا أو غير وارث ، وسواء كان هناك دين أو لم يكن ، وسواء كان متهما أو غير متهم ، وهو قول سلار وابن إدريس ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (5) ، ولم

ص: 440


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 16 من أبواب أحكام الوصايا ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 16 من أبواب أحكام الوصايا ، حديث 5 - 7.
3- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 16 من أبواب أحكام الوصايا ، حديث 1 وكتاب الإقرار ، باب 1 ، حديث 1.
4- من النسخ وفي الأصل غير واضح وكأنها : يحاسبوا.
5- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

يشترط العدالة في الإقرار بالعين إلا إذا كان هناك دين مستغرق ، وقال الشيخ في النهاية : إذا كان عليه دين مستغرق (1) فأقر أن جميع ما في ملكه لبعض ورثته لم يقبل إقراره إلا ببينة ، فان لم يكن عند المقر له بينة أعطى صاحب الدين حقه أو لا ثمَّ ما يبقى يكون ميراثا ، قال ابن إدريس : ما ذكره رحمه اللّه صحيح إن أضافه الى نفسه ولم يقل إنه حق واجب ، وأما إن أطلق إقراره ولم يقل : جميع ما في ملكي ، أو هذه داري لفلان ، بل قال : هذه الدار لفلان ، أو جميع هذا الشي ء لفلان ، كان ذلك صحيحا ، سواء كان المقر له وارثا أو غير وارث ، في صحة كان إقراره أو في مرض ، وعلى جميع الأحوال.

قال العلامة في المختلف : والحق أن الشيخ رحمه اللّه لم يعتبر ما قاله ابن إدريس هنا ، إذ لا خصوصية لهذا الموضع بهذا الحكم ، بل إنما لم يقبل إقراره ، لأنه في الحقيقة إقرار في حق الغير فلا يسمع إلا بالبينة انتهى كلام العلامة ، والمراد بالبنية بينه المقر له على استحقاق المقر به ، وظاهر المختلف موافقة النهاية ، وهو الصحيح مع التهمة إذ لو صح ذلك لكان وسيلة إلى إسقاط حق أهل الدين ، لان كثيرا من الناس لا يبالي بذمته ويجتهد بإسقاط الحق عنه بالجحود والايمان الكاذبة والشهود المزوره ، فاذا حصل له إسقاط الحق عنه بإقراره ان ما في يده لورثته أو لغيرهم من غير بينة باستحقاق المقر له كان ذلك أهون عليه من كل شي ء ، وفعل ذلك أكثر الناس الا الأتقياء والصالحين وقليل ما هم.

الثالث : انه يمضى من الأصل مطلقا ، سواء كان لوارث أو لأجنبي ، وسواء كان متهما أو غير متهم ، وهو قول سلار وابن إدريس ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2).

ص: 441


1- هذه الكلمة ليست في النسخ.
2- تقدمت في الصفحة السابقة.

الرابع : أنه يمضي من الثلث إن كان لوارث ، سواء كان المقر متهما أو غير متهم ، ومن الأصل إن كان لأجنبي ، مع عدم التهمة ومعها من الثلث ، وهو قول المصنف في المختصر ولم أجد به قائلا غيره ، ولعل وجهه الجمع بين الأقوال والروايات (1) ، والمعتمد الأول.

تنبيه : المراد بالتهمة العلم أو الظن المتاخم له بقرينة حالية أو مقالية بإرادة تخصيص المقر له ، وان الإقرار ليس صحيحا في نفس الأمر ، ولو اختلفا في التهمة فادعاها الوارث وأنكرها المقر له ، كان الأصل عدم التهمة فعلى مدعيها البينة وعلى المنكر اليمين مع عدمها ، ويكفيه الحلف على عدم العلم بالتهمة.

ولا يجب عليه الحلف على أنها ليست حاصلة في نفس الأمر ، لأن الإقرار مبني على الظاهر وهو غير مطلع على قصد المقر ، ولا يشترط في صحة الإقرار علم المقر له بثبوت الحق في ذمة المقر ، لإمكان خفاء سبب الاستحقاق ، فلا يجب عليه يمين الاستحقاق في ذمة المقر ، بسبب غير الإقرار ، لأنه قد لا يعلمه بل يجب عليه الحلف أنه لا يعلم كونه متهما في حقه ، ولا بينهما مواطاة على ذلك ، فان ذكر المقر السبب وصدقه المقر له وجب الحلف على الاستحقاق.

قال رحمه اللّه : ويقبل الإقرار بالمبهم ، ويلزم المقر بيانه ، فان امتنع حبس وضيق عليه حتى يتبين ، وقال الشيخ رحمه اللّه : يقال له : إن لم تفسر جعلتك ناكلا ، فإن أصر حلق المقر له.

أقول : المعتمد اختيار المصنف وهو حبسه حتى يبين ، لأنه صار مقرا ، وبالامتناع عن التفسير يصير مانعا لحق قد ثبت عليه ، ومن امتنع من حق ثابت عليه مع قدرته عليه ، حبس حتى يخرج منه.

ص: 442


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 11 وباب 16.

في المقر له

قال رحمه اللّه : لو أقر للبهيمة لم يقبل ، ولو قال : بسببها ، صح ويكون الإقرار للمالك ، وفيه إشكال ، إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه المالك ، كأرش الجناية على سائقها أو راكبها.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال بسببها كان لمالكها حملا على أنه استأجرها أو جنى عليها ، وعوض الإجارة وأرش الجناية للمالك قطعا ، ولأن الأسباب المقتضية لتمليك المالك هي الغالبة ، ويرد عليه ما قاله المصنف ، لأنه قد يجب بسببها مالا يستحقه المالك ، كأرش الجناية على سائقها أو راكبها ، فحينئذ الكلام محتمل لأمرين وتخصيصه في أحدهما دون الأخر لا وجه له ، إذ لا دلالة للعام على الخاص.

وظاهر العلامة في القواعد والتحرير بطلان الإقرار ما لم يقل بسببها لمالكها أو لأجنبي ، فيلزم حينئذ ، فعلى هذا لو قال بسببها واقتصر لزم التفسير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أقرّ لحمل صح ، سواء أطلق أو بين سببا محتملا ،

ص: 443

كالإرث والوصية ، ولو نسب الإقرار إلى السبب الباطل كالجناية عليه ، فالوجه الصحة ، نظرا إلى مبدإ الإقرار ، وإلغاء لما يبطله.

أقول : وجه الصحة عموم قوله عليه السلام : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1) وقد أقر إقرارا ممكنا مع كونه مختارا فيلزم بما أقر به ، ولا يلتفت الى تفسيره بما يبطله ، لعدم قبول الإنكار بعد الإقرار وهذا اختيار المصنف والعلامة ، وقال ابن الجنيد وابن البراج : يبطل إقراره ، واختاره فخر الدين ، لأصالة براءة الذمة ، ولان الكلام كله كالجملة الواحدة لا يتم أوله إلا بآخره.

فرع : لو أقر لمسجد أو مقبرة وفسره بسبب صحيح ، كما لو قال من غلة وقفه صح الإقرار قطعا ، وان أطلق أو فسره بسبب فاسد كان فيه الوجهان المذكوران في الحمل ، والمعتمد صحة الإقرار له مطلقا سواء أطلق أو فسره بسبب صحيح أو فاسد.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بعبد لإنسان فأنكر المقر له ، قال الشيخ : يعتق ، لأن كل واحد منهما أنكر ملكيته ، ولو قيل : يبقى على الرقية المجهولة المالك كان حسنا.

أقول : أما قول الشيخ فقد ذكر المصنف وجهه ، واما وجه ما استحسنه المصنف فإنه عبد محكوم برقه ، وهو مال ورفع الخاص لا يستلزم رفع العام ، لأنه لا يلزم من خروجه عن ملك المقر بالإقرار ، وخروجه عن ملك المقر له بالإنكار ، خروجه عن المالية المجهولة المالك ، فان ادعى العبد الحرية ، قال فخر الدين : يقبل دعواه ، لأنه مدع لا منازع له ، ويحتمل العدم للحكم عليه بالملكية.

فروع الأول : إذا أقر بعبد لزيد فكذبه زيد ، وأقر العبد أنه لعمرو وصدقه عمرو على إقراره ، قوّى الشيخ عتق العبد وعدم الالتفات إلى إقراره لعمرو ،

ص: 444


1- تقدم ذكر الرواية ص 440.

وصاحب اليد اعترف به لزيد وقد أنكره زيد فينعتق ، وتبعه ابن البراج.

واختار العلامة قبول إقرار العبد ، لانتفاء ملك المقر والمقر له ، فيبقى إقراره صادر عن عاقل فينفذ الإقرار إذ لا مزاحم له.

الثاني : إذا أقر بعين لزيد فكذبه لم تسلم العين لزيد ، وهل يترك في يد المقر أو ينتزعها الحاكم؟ يحتمل الأول ، لأنا لا نعرف مالكها ويد من له أهلية اليد عليها ، والأصل في يد المسلم وأفعاله الصحة فهو أولى الناس بحفظها ، ويحتمل انتزاع الحاكم لها وكونه أولى من صاحب اليد ، لأنه ولي الغائب فحينئذ له أن يتركها في يد صاحب اليد ويكون أمينا للحاكم.

الثالث : لو رجع المقر له عن تكذيب المقر وصدقه على إقراره له بالعين ، قبل رجوعه ، لأنه لم يصدر منه اعتراف لغيره بل اقتصر على مجرد الإنكار ، وذلك غير قادح في رجوعه ، لأنه (1) صاحب اليد قد أعترف له بها (فصدقه وله) (2) انتزاعها ، ولا فرق بين العبد وغيره على القول ببقاء العبد على الرقية المجهولة المالك.

الرابع : لو رجع المقر عن إقراره وكذب نفسه بالإقرار بعد إنكار المقر له ، لم يقبل رجوع المقر ، لأنه اعترف بالحق لغيره وسلبه عن نفسه فلا يقبل رجوعه بعد ذلك ، لعموم : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (3) ، والفرق بين رجوع المقر والمقر له أن رجوع المقر إنكار بعد إقرار وهو غير مقبول ورجوع المقر له اعتراف بدعوى أنكرها قبل والاعتراف بعد الإنكار مقبول.

قال رحمه اللّه : ولو أقر أن المولى أعتق عبده ثمَّ اشتراه ، قال الشيخ : صح

ص: 445


1- في «م» و «ر 1» : لأن.
2- في النسخ بدل ما بين القوسين : وصدقه فله.
3- تقدم ذكر الرواية قريبا.

الشراء ولو قيل يكون ذلك استنقاذا لا شراء كان حسنا ، وينعتق.

أقول : الشهادة على الغير بعين في يده يكون إقرارا من الشاهد من وجه ، بمعنى أنه لو لم ينفذ شهادته ثمَّ حصل يوما من الدهر في يد الشاهد ، بحيث لو لا شهادته كان ملكه ، تمحضت تلك الشهادة للإقرار وحكم عليه بمقتضاها ، فلو قال : أن زيدا أعتق سالما ، لم يحكم بحريته لمجرد قوله ويبقى على ملك زيد ، فلو اشتراه الشاهد من زيد ، قال الشيخ في المبسوط : صح الشراء ، لأن الشارع لم يعتبر قول الشاهد فكان شراؤه صحيحا ، لأنه اشترى عينا مملوكه للبائع في ظاهر الشرع فيصح شراؤه ، واستحسن المصنف كون الشراء هنا استنقاذا ، لان البيع مركب من جزئين إيجاب وقبول ، وصحة البيع موقوفة على صحتهما ويفسد بفساد أحدهما ، والقبول غير صحيح لاعتراف المشتري بحرية العبد والحر لا يصح تملكه. والمعتمد أنه بيع من جهة البائع واستنقاذ من جهة المشتري فلا يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار الشرط.

فان مات هذا العبد ولا وارث له ، قال المصنف كان للمشتري من تركته قدر الثمن خاصة ، وأطلق القول في ذلك والمراد به إذا اعترف أنه أعتقه عتقا يستحق به الولاء على العبد ، أما إذا لم يكن له على العبد ولاء فإنه لا يجوز أخذ شي ء من تركته. واستشكل الشهيد أخذ الثمن من تركته على تقدير ثبوت الولاء ، لأن المشتري متبرع بدفع الثمن فليس له مقاصة المدفوع اليه ، ثمَّ أجاب بأن مثل هذا الدفع مرغب فيه للاستنقاذ ، ويكون مضمونا على القابض لظلمة.

قال رحمه اللّه : إذا قال : علي ألف وقطع ، ثمَّ قال : من ثمن مبيع لم أقبضه ، لزم الالف ، ولو وصل فقال : له علي ألف من ثمن مبيع وقطع ، ثمَّ قال : لم أقبضه ، قبل ، سواء عين المبيع أو لم يعينه ، وفيه احتمال بالتسوية بين الصورتين ، ولعله أشبه.

ص: 446

أقول : أما لزوم الألف في الصورة الأولى فهو إجماع لم أجد فيه مخالفا ، وأما الصورة الثانية فقد قال الشيخ في المبسوط والخلاف : يقبل قوله (لم أقبضه) ، وبه قال ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف وابنه في شرح القواعد ، لأن قوله (1) (لم أقبضه) لا ينافي إقراره الأول ، لأنه قد يكون عليه ألف درهم ولا يجب عليه التسليم قبل قبض المبيع ، ولأن للإنسان أن يخبر بما هو ثابت في ذمته على حد ما هو ثابت في الذمة ، وقد يشتري الإنسان ولا يقبض المبيع وكان له أن يخبر بذلك ، ولو ألزم بغير ما أقر به كان ذلك ذريعة إلى سد باب الإقرار ، وقال ابن إدريس : لا فرق بين الصورتين ويجب عليه الالف ولا يقبل تفسيره ، لما فيه من إسقاط ما أقر به بعد الاعتراف ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير.

ص: 447


1- من النسخ وفي الأصل : وقوله.

ص: 448

في الإقرار بالنسب

قال رحمه اللّه : ولا يعتبر تصديق الصغير ، وهل يعتبر تصديق الكبير؟ ظاهر كلامه في النهاية [لا ،] وفي المبسوط يعتبر ، وهو أشبه.

أقول : المشهور مذهب المبسوط وهو المعتمد ، لأن الأصل عدم الانتساب ، ولأنه إقرار في حق الغير فلا يقبل الا مع التصديق والبينة (1) ، خرج منه الإقرار بالصبي والمجنون للإجماع على قبول ذلك من غير بينة ولا تصديق ، لأن تصديقهما غير معتبر.

واحتج الشيخ على مذهب النهاية بأن التصديق غير معتبر والا لما صح الإقرار بالطفل والمجنون. أجيب بأنه لا اعتداد بتصديقهما ، فلا يكون شرطا بخلاف البالغ العاقل.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بابن إحدى أمتيه وعينه لحق به ، ولو ادعت الأخرى أن ولدها [هو] الذي أقر به كان القول قول المقر مع يمينه ، ولو لم يعين ومات ، قال الشيخ : يعين الوارث ، وان امتنع أقرع بينهما ، ولو قيل باستعمال

ص: 449


1- في النسخ : أو البينة.

القرعة بعد الوفاة مطلقا ، كان حسنا.

أقول : وجه حسنه كونه أمرا مشكلا لتعذر العلم بخصوصية المقر به بعد موت المقر ، فيدخل في عموم : «كل أمر مشكل فيه القرعة» (1) ، ولما في ذلك من العدل ، وقال الشيخ في المبسوط : يعين الوارث ، لأنه قائم مقام مورثه والأول هو المعتمد وهو اختيار العلامة ، وذهب الشهيد الى اختيار الشيخ.

قال رحمه اللّه : ولا يثبت النسب إلا بشهادة رجلين عدلين ، ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين على الأظهر ، ولا بشهادة رجل ويمين.

أقول : قال الشيخ في الخلاف وفي موضع من المبسوط : يثبت بشهادة رجل وامرأتين ، وقال في موضع آخر من المبسوط : لا يثبت إلا بشهادة رجلين عدلين ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة (2) وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو شهد الاخوان وكانا عدلين بابن للميت ، ثبت نسبه وميراثه ، ولا يكون ذلك دورا.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط الى ثبوت النسب دون الميراث حذرا من الدور ، لأنه قال : كل موضع يثبت النسب بالإقرار يثبت المال إلا في موضع واحد ، وهو إذا كان إثبات الميراث يؤدي الى إسقاطه ، مثل أن يقر الاخوان بابن للمورث ، فان نسبه يثبت ولا يثبت الميراث ، لأنه لو ورث حجب الأخوين فخرجا عن كونهما وارثين فيبطل الإقرار بالنسب ، إذ هو إقرار من غير وارث ، وإذا بطل النسب بطل الميراث فإذا أدى إثبات الميراث إلى إسقاطه أسقط ليثبت النسب دونه.

ص: 450


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 11 الى 18 ، والمستدرك ، كتاب القضاء ، باب 11 من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعوى ، حديث 1.
2- ليست في الأصل.

هذا كلامه رحمه اللّه ، حكم بأن إثبات الميراث يؤدي الى إسقاطه وذلك دور ، وجزم المصنف بثبوت الميراث ، لأنه تابع للنسب وقد ثبت بشهادتهما فيثبت الميراث ولا دور الى آخره.

ص: 451

ص: 452

الجعالة

قال رحمه اللّه : إذا بذل جعلا فان عينه فعليه تسليمه مع الرد ، وإن لم يعينه لزمه مع الرد أجرة المثل ، إلا في رد الآبق على رواية أبي سيّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جعل في الآبق دينارا إذا أخذ في مصره ، وإن أخذ في غير مصره فأربعة دنانير(1) ، وقال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط : هذا على الأفضل لا الوجوب ، والعمل على الرواية ، ولو نقصت قيمة العبد ، وقيل الحكم في البعير كذلك ، ولم أظفر فيه بمستند.

أقول : إذا رد الإنسان عبد غيره أو ضالته ، لا يخلو إما أن يذكر المالك جعلا مجهولا أو معينا أو لم يجعل شيئا ، فإن جعل جعلا معينا لزم مع الرد ولا كلام ، وان جعل جعلا مجهولا لزم مع الرد أجرة المثل إلا في رد العبد والبعير ، فان في رد كل واحد منهما من المصر دينار قيمته عشرة دراهم ، ومن غير المصر أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما ، وإن رده من غير ذكر جعل معلوم ولا مجهول لم يكن له شي ء في غير العبد والبعير إجماعا ، لأنه متبرع بالعمل فلا يستحق عليه جعلا ،

ص: 453


1- التهذيب ، كتاب المكاسب ، باب 94 اللقطة والضالة ، ص 398 ، حديث 1203.

وإن رد العبد و (1) البعير فقد اختلف الأصحاب فيه ، ذهب الشيخ في النهاية والمفيد وابن حمزة إلى وجوب المقدار المذكور في الرواية التي أشار إليها المصنف ، وظاهره العمل بها ، وحمل الشيخ الرواية بالنسبة إلى المتبرع على الأفضل لا على الوجوب ، ولم يوجب ابن إدريس شيئا واختاره المتأخرون وهو المعتمد ، لأنه متبرع.

نعم لو أمر بالرد ولم يذكر عوضا فالأولى العمل بالرواية ، ومع العلم بها يجب العمل بها على إطلاقها وإن قصرت قيمة العبد والبعير عن المقدار المذكور فيها على ما هو مشهور بين الأصحاب ، واستشكله العلامة في القواعد ، وجزم به (2) في التحرير كما (3) جزم به المصنف هنا ، وهو لزوم المقدار وان قصرت قيمة العبد عنه ، والنص مختص في العبد ، وألحق الشيخان البعير بالعبد ، قال المصنف : ولم أظفر فيه بمستند.

قال رحمه اللّه : لو جعل لواحد جعلا على الرد ، فشاركه آخر في الرد ، كان للمجعول له نصف الأجرة ، لأنه عمل نصف العمل ، وليس للآخر شي ء ، لأنه تبرع وقال الشيخ : يستحق نصف أجرة المثل ، وهو بعيد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ان قال لواحد : إن جئتني بعبدي فلك دينار فجاء به هو وغيره ، فان هذا الذي عينه يستحق نصف الدينار ولا يستحق للآخر شيئا ، لأنه تطوع به ، قال : وعلى ما قلناه يستحق أجرة المثل.

قال العلامة في المختلف بعد حكاية قول الشيخ : قوله (وعلى ما قلناه) ان من رد العبد فله ما عين ويجعل ذلك عاما مع الجعالة (4) والإطلاق ، ويجعل

ص: 454


1- في النسخ : أو.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في النسخ : بما.
4- في «م» : الجهالة.

بأجرة (1) المثل ما قرره الشارع لكن الوجه عدم ذلك ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وقال في القواعد : ولو قصد الثاني إعانة العامل. وللعامل الجميع ، ولو قصد أجرة لنفسه فهو متبرع.

ص: 455


1- في النسخ : أجرة.

ص: 456

في اللواحق

قال رحمه اللّه : لو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه ، فالقول قول الجاعل مع يمينه ، قال الشيخ : وتثبت أجرة المثل ، ولو قيل : أقل الأمرين من الأجرة والقدر المدعى ، كان حسنا ، وكان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل ، وهو خطأ ، لأن فائدة يمينه إسقاط دعوى العامل لا ثبوت ما يدعيه الحالف.

أقول : إذا اختلفا في قدر الجعل بعد الرد ، مثل أن قال المالك دينار ، وقال العامل بل جعلت دينارين ، أو في جنسه ، مثل أن قال المالك مثقال فضة ، وقال العامل بل مثقال ذهب ،فالبحث هنا في موضعين.

الأول : في اليمين ، هل هي على المالك خاصة ، لأنه منكر لما يدعيه العامل من الزائد على ما اعترف به ويكون القول قوله ، كما لو أنكر أصل الجعالة؟ أو يتحالفان ، لأن كل واحد منهما مدع لعقد مخالف للعقد الذي يدعيه صاحبه ، ومنكر لما يدعيه الأخر؟ فالأول قول الشيخ وابن البراج واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد والتحرير ، والثاني قاله العلامة في القواعد ، والشهيد قال بالأول إن كان الاختلاف بالقدر وبالثاني إن كان الاختلاف بالجنس ، والأول

ص: 457

أشهر بين الأصحاب.

الثاني : في الثابت للعامل بعد اليمين،وقد اختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أقوال :

الأول : أجرة المثل ، وهو قول الشيخ وابن البراج ، لبطلان ما ادعاه العامل بيمين المالك ، ولا يقبل ما أعطاه (1) المالك ، لعدم موافقة العامل عليه فلم يبق غير أجرة المثل.

الثاني : أقل الأمرين من أجرة المثل وما يدعيه العامل ، وأكثر الأمرين من أجرة المثل وما يدعيه المالك ، وهو مذهب المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، لأن أجرة المثل إن كانت أقل مما يدعيه العامل لم يستحق غيرها ، لبطلان ما ادعاه بيمين المالك ، وان كانت أكثر مما يدعيه لم يستحق الزائد ، لاعترافه بعدم استحقاقه لغير ما ادعاه (بيمين المالك) (2) ، وإن كان ما يدعيه المالك أكثر من أجرة المثل فقد اعترف له به فيجب تسليمه اليه ، وإن كان أقل من أجرة المثل فهو قد أستحق أجرة المثل ، لبطلان ما يدعيه المالك بإنكار العامل.

الثالث : قول الفقيه محمد بن نما شيخ المصنف رحمهما اللّه تعالى ، وهو الذي أشار إليه بقوله : وكان بعض من عاصرناه يثبت مع اليمين ما ادعاه الجاعل قال : يحلف المالك ويثبت ما ادعاه ، وقواه الشهيد كما لو كان الاختلاف في الإجارة ، وكما (3) يثبت ما يدعيه المؤجر مع يمينه ، كذا يثبت ما ادعاه الجاعل ، مع يمينه ، لأصالة عدم الزائد واتفاقهما على العقد المشخص بالأجرة المعينة وانحصارها في دعواهما ، فاذا حلف المالك على نفي دعوى العامل ثبت مدعاه لقضية الحصر.

ص: 458


1- في النسخ : ما ادعاه.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- في النسخ : فكما.

كتاب الأيمان

اشارة

ص: 459

ص: 460

في ما به ينعقد اليمين

قال رحمه اللّه : لا ينعقد اليمين الا باللّه ، أو بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره ، إذ مع إمكان المشاركة ينصرف إطلاقها [إليه ،] فالأول كقولنا : ومقلب القلوب الذي نفسي بيده الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، والثاني كقولنا : واللّه والرحمن ، والأول الذي ليس قبله شي ء ، والثالث كقولنا : والخالق والباري والرازق ، وكل ذلك ينعقد به اليمين مع القصد.

أقول : اعلم أن المصنف رحمه اللّه قسم ما ينعقد به اليمين إلى ثلاثة أقسام :

الأول : باللّه تعالى.

الثاني : بأسمائه التي لا يشركه فيها غيره.

الثالث : ما يمكن معه المشاركة وينصرف إطلاقه إليه تعالى.

ثمَّ عرف الأول الذي هو الحلف باللّه تعالى بقوله : ومقلب القلوب ، والذي نفسي بيده ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، وتابعه العلامة على ذلك ، وهو تعريف ابن إدريس ، فعندهم أن هذه الألفاظ ليست أسماء لله بل دالة عليه.

واستضعفه الشهيد ، قال : لأن مرجعه إلى أسماء تدل على صفات الافعال ،

ص: 461

كالخالق والرازق التي هي أبعد في الانعقاد من الأسماء الدالة على صفات الذات ، كالرحمن الرحيم هذا كلامه رحمه اللّه ، لأن صفاته تعالى على قسمين : صفات ذات ، وصفات فعل ، وصفات الذات كالرحمن الرحيم ، وكعظمة اللّه وجلالة اللّه وقدرة اللّه وكبرياء اللّه وما شابه ذلك ، وصفات الفعل كالخالق والرازق والمصور ، فكما أن الخالق فاعل الخلق والرازق فاعل الرزق ، فكذا مقلب القلوب ، لأنه فاعل التقليب.

وانما كانت صفات الافعال أبعد في الانعقاد من صفات الذات ، لأن صفات الافعال مشتركة بينه وبين خلقه ، فإنه يقال : خالق الخلق له تعالى ، وخالق الافك لغيره تعالى ، ويقال : رازق الخلق له تعالى ، ورازق الجند لغيره تعالى ، ورب العالمين له تعالى ورب البيت لغيره ، وصفات الذات مختصة به تعالى ، والحلف بالصفة المشتركة أبعد في الانعقاد من الحلف بالصفة المختصة.

قال رحمه اللّه : ولو قال : وقدرة اللّه ، وعلم اللّه ، فان قصد المعاني الموجبة للحال لم ينعقد اليمين ، وإن قصد كونه قادرا عالما جرى مجرى القسم باللّه القادر والعالم ، وكذا ينعقد بقوله : وجلال اللّه وعظمة اللّه وكبرياء اللّه ، وفي الكل تردد.

أقول : المراد بالمعاني الموجبة للحال ما ذهب إليه الأشاعرة من كونه قادرا بقدرة وعالما بعلم ، فان قصد الحالف هذه المعاني لم ينعقد يمينه قطعا ، وان قصد كونه قادرا عالما انعقدت يمينه عند الشيخ وابن إدريس والعلامة من غير تردد ، وكذا الحلف بعظمة اللّه وجلال اللّه وكبرياء اللّه ، وما شابه ذلك من صفات الذات لم يترددوا في الانعقاد ، والمصنف تردد في ذلك من أن انعقاد اليمين حكم شرعي يفتقر ثبوته الى دليل شرعي لأصالة براءة الذمة ، والدليل إنما دل على انعقادها بالحلف به أو بأسمائه المختصة أو المشتركة مع انصراف إطلاقها إليه لقوله عليه

ص: 462

السلام : «من كان حالفا فليحلف باللّه أو يترك» (1) ، ومن أن الصفات المختصة به تعالى يعبر بها عن الذات كما يعبر بالأسماء المختصة ، فينعقد اليمين بها كما ينعقد بالأسماء وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وكذا أشهد ، إلا أن يقول : باللّه ، وفيه للشيخ قولان.

أقول : إذا قال : أشهد ، ولم يقل : باللّه ، لم ينعقد ، كما لو قال : أقسم ، ولم يقل : باللّه ، وإن قال : أشهد باللّه (2) ، قال الشيخ في الخلاف : لا يكون يمينا ، وتبعه ابن إدريس ، لأن هذا لفظ الشهادة ، ولفظ الشهادة لا يسمى يمينا ، وقال في المبسوط : إن أراد به اليمين كان يمينا ، وتبعه ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة للعرف ، ولاستعمال ذلك في اللعان (3).

قال رحمه اللّه : وكذا وحق اللّه ، فإنه حلف بحقه لا به ، وقيل : ينعقد ، وهو بعيد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال وحق اللّه كانت يمينا إذا أراد يمينا ، وقال في الخلاف : لا يكون يمينا قصد أو لم يقصد ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد ، وهو مذهب ابن إدريس ، لأنه حلف بحق اللّه وحق اللّه فروضه وعباداته ، واختار العلامة في المختلف والتحرير وابنه في شرح القواعد الانعقاد مع قصد اليمين باللّه ، واستقربه الشهيد وإن أطلق به القصد كما لو قصد به اللّه الحق أو المستحق للعبادة ، ولأن حق صفة عامة فإذا أضيفت الى اللّه اختصت به ، ولأن اختصاص الإضافة تفيد الاختصاص فهو كما لو حلف بعظمة اللّه وكبرياء اللّه ، وليس ببعيد من الصواب.

ص: 463


1- المستدرك ، كتاب الايمان ، باب 24 ، حديث 1 مع اختلاف يسير.
2- في «ر 1» : لله.
3- في «ن» : اللغات.

قال رحمه اللّه : ولو تراخى عن ذلك من غير عذر حكم باليمين ، ولغي الاستثناء ، وفيه رواية مهجورة(1)، ويشترط في الاستثناء النطق ، ولا يكفي النية.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : يجوز الاستثناء بمشيئة اللّه في اليمين إجماعا ، وقد استثنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يمينه ، «قال : واللّه لأغزون قريشا إن شاء اللّه» (2) ، واستثنى أمير المؤمنين عليه السلام في صفين ، «قال : واللّه لأقتلنهم غدا إن شاء اللّه» (3) ، لكن بشرط الاتصال العادي فلو فصل بالتنفس والسعال وابتلاع اللقمة وقذف النخامة بحيث لا يخرج عن الاتصال لم يضر ، ولو تراخى لغير عذر حكم باليمين ولغي الاستثناء عملا بعادة (4) اللغة وأهل اللسان ، فإنهم لا يلحقون الاستثناء المنفصل بالكلام الأول بل يلغونه ، ولما رواه الجمهور عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : «من حلف على شي ء ورأى غيره خيرا فليكفر وليأت الذي هو خير» (5) ، فلو جاز تأخير الاستثناء لارشدنا اليه لينحل اليمين به من غير كفارة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وروى محمد بن بابويه في الصحيح ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن الصادق عليه السلام ، «قال : للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي ، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء؟ فقال : تعالوا غدا أحدثكم ولم يستثن ، فاحتبس عنه جبرئيل

ص: 464


1- الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 29 ، حديث 3 ، 4 ، 6.
2- المستدرك ، كتاب الايمان ، باب 1 ، حديث 3 نقله عن العوالي وسنن ابي داود ، كتاب الايمان والنذور ، حديث 3285.
3- الكافي ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النوادر ، حديث 1.
4- في «م» : بعبارة.
5- سنن ابن ماجه ، كتاب الكفارات ، باب 7 ، حديث 2108.

عليه السلام أربعين يوما ثمَّ أتاه ، فقال : «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلّا أَنْ يَشاءَ اللّهُ ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» (1) ، وتأولها العلامة بحملها على ما إذا حلف وفي ضميره الاستثناء ونسيه لفظا ، فجاز له استدراكه ولا حد له ، والتقييد في الحديث بالأربعين للمبالغة وفي هذا التأويل نظر.

الثاني : هل يشترط النطق في الاستثناء أو يكفي النية؟ اختلف الأصحاب في ذلك على ثلاثة أقوال :

الأول : لا يكفي النية بل لا بد من النطق ، قاله الشيخ في المبسوط واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في القواعد والإرشاد جزما.

الثاني : الاكتفاء بالنية والاعتقاد ، سواء حلف سرا أو علانية ، وهو قول العلامة في المختلف ، وقواه الشهيد.

الثالث : من حلف علانية فليستثن علانية ، ومن حلف سرا فليستثن سرا ، وهو قول (الشيخ في النهاية) (2) ، ورواه محمد بن بابويه (3).

قال رحمه اللّه : ولا يدخل بالاستثناء غير اليمين وهل يدخل الإقرار؟ فيه تردد ، والأشبه انه لا يدخل.

أقول : المراد بدخول الاستثناء (4) في الإقرار أنه إذا عقب الإقرار بالمشيئة بطل الإقرار ولم يلزمه ما أقر به ، كما يبطل اليمين إذا عقب بها.

إذا عرفت هذا فمنشأ التردد من أن الاستثناء يتضمن بطلان ما أقر به ، فهو

ص: 465


1- من لا يحضره الفقيه ، باب 98 الايمان والنذور والكفارات ، حديث 2 (ج 3 ص 229) وفي الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 29 ، حديث 6.
2- في «م» بدل ما بين القوسين : الشهيد.
3- من لا يحضره الفقيه ، باب 98 الايمان والنذور والكفارات ، حديث 29 (ج 3 ص 233 ، حديث 29) وفي الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 25 ، حديث 2.
4- في «ر 1» : الإقرار.

كالإنكار عقيب الإقرار فلا يكون مقبولا ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في القواعد ، وابنه في شرحه.

ومن أصالة براءة الذمة مما أقر به ، والأصل عدم لزومه له ، فاذا استثنى بطل إقراره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في المختلف ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : والحروف التي يقسم بها : الباء ، والواو ، والتاء ، وكذا لو خفض ونوى القسم من دون النطق بحرف القسم على تردد أشبهه الانعقاد.

أقول : منشؤه من أصالة عدم انعقاد اليمين ، خرج ما اتفق عليه - وهو مع الإتيان بأحد حروف القسم - يبقى الباقي على أصالة عدم الانعقاد ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وحكاه عن جميع الفقهاء إلا أبا جعفر الأسترآبادي ، وتبعه ابن إدريس.

ومن أن أهل اللغة جوزوا حذف حرف القسم ، ولو بطل القسم حينئذ لما جاز ذلك في اللغة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : هاء اللّه كان يمينا ، وفي أيمن اللّه تردد ، من حيث هو جمع يمين ، ولعل الانعقاد أشبه ، لأنه موضوع للقسم بالعرف ، وكذا ايم اللّه ، ومن اللّه ، وم اللّه.

أقول : منشأ التردد في أيمن اللّه ، من اختلاف النحاة في هذه اللفظة ، قال الكوفيون هي جمع يمين ، واستدلوا بقول الشاعر :

تبدي لها من أيمن وأشمل (1).

ص: 466


1- لسان العرب ، مادة شمل.

فلو لم يكن جمعا لما قابلها بالاشمل ، فعلى هذا لا يكون يمينا (قطعا) (1) ، لأن اليمين ليس بقسم فكذا جمعها ، لأنه عبارة عن تضعيف الواحد.

وقال البصريون : هي مفردة ، واشتقاقها من اليمن والبركة ، فعلى هذا يكون يمينا قطعا.

والمشهور انعقاد اليمين بها ، لأنها موضوعة للقسم.

وأما ايم اللّه فأصلها : أيمن اللّه ، فحذف النون منها تخفيفا لكثرة استعمالها ، وهمزتها تكسر وتفتح ، وأما من اللّه فأصلها : أيمن اللّه أيضا ، فحذفت الهمزة تخفيفا ، وبقيت الياء ساكنة ، والابتداء بالساكن محال فحذفت أيضا ، وحكى الجوهري في الصحاح في هذه اللفظة : ثلاث لغات : فتح الميم والنون وكسرهما وضمهما.

وأما وم اللّه فأصلها : ايم اللّه.

واعلم أن التردد في الجميع ، لأن أصل الجميع أيمن اللّه ، والتردد واقع فيه فيكون التردد واقعا في الجميع.

ص: 467


1- ليست في النسخ.

ص: 468

في الحالف

قال رحمه اللّه : ويصح اليمين من الكافر كما يصح من المسلم ، وقال في الخلاف : لا يصح ، وفي صحة التكفير منه تردد ، منشؤه الالتفات الى اعتبار نية القربة.

أقول : ومن عموم الايات (1) والأخبار (2) الدالة على وجوب فعل الكفارة مع الحنث.

وأعلم أن الأصحاب اختلفوا في انعقاد يمين الكافر ، قال الشيخ في المبسوط بانعقاده ، واختاره ابن البراج والمصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، لعموم الآيات الدالة على انعقاد اليمين ، وهو مذهب الشهيد ، قال : لأن القربة غير مرادة.

وقال في الخلاف : لا ينعقد يمين الكافر ، واختاره ابن إدريس ، لأن اليمين إنما يصح باللّه ممن يكون عارفا باللّه ، والكافر غير عارف باللّه فلا يصح يمينه.

ص: 469


1- المائدة : 89.
2- الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 15 و 30.

وفصل العلامة في المختلف ، قال : إن كان الكفر باعتبار جهل اللّه وعدم علمه به ينعقد (1) يمينه ، لأنه يحلف بغير اللّه ، وإن كان باعتبار جحده نبوة أو فريضة معلومة الثبوت من دين الإسلام ، انعقدت يمينه باللّه تعالى ، لوجود المقتضي وهو الحلف باللّه من عارف به عاقل ولا ولاية لا حد عليه ، وإذا انعقدت وجب عليه الفعل المحلوف عليه ، فان كان من الطاعات وقصد إيقاعه على وجه التقرب الى اللّه ، وجب تقديم الإسلام وفعله إذا لا طاعة من الكافر ، وإن كان غير طاعة وجب عليه فعله مطلقا ، ومتى حنث وجبت عليه الكفارة ، لوجود المقتضي ، لكن لا يصح منه أداؤها إلا بتقديم الإسلام عليه ، فان أسلم بعد الحنث سقطت الكفارة عنه ، لعموم : «الإسلام يجب ما قبله» (2).

واعلم أنه لا يتحقق الحنث قبل الموت الا مع التقييد بزمان معين ، ومع عدمه لا يتحقق الا بعد الموت فيعاقب عليه في الآخرة ، واختار فخر الدين وأبو العباس في مقتصره مذهب المختلف ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا ينعقد من الولد مع والده إلا مع إذنه ، وكذا يمين المرأة والمملوك إلا أن يكون اليمين في فعل واجب أو ترك قبيح ، ولو حلف أحد الثلاثة في غير ذلك كان للأب والزوج والمالك حل اليمين ولا كفارة.

أقول : في عبارة المصنف هنا تسامح ، لأنه حكم أولا بعدم انعقاد يمين الثلاثة مع عدم إذن الوالد والزوج والمالك ثمَّ قال : ولو حلف أحد الثلاثة كان للزوج والأب والمالك حل اليمين ، والحل إنما يكون بعد العقد ، وقد حكم بعدم الانعقاد فينبغي وقوعها لاغية فلا تفتقر الى حل ، وانما تفتقر الى الحل على الوجه الذي خرجه العلامة في القواعد ، قال : ولو قيل بانعقاد ايمانهم كان وجها ، نعم لهم الحل

ص: 470


1- في النسخ : لم ينعقد.
2- عوالي اللئالي 2 : 54 ، 224.

في الوقت مع بقاء الوالد والزوجية والعبودية ، فلو مات الأب أو طلقت الزوجة أو أعتق العبد وجب عليهم الوفاء مع بقاء الوقت ، وعبارة التحرير كعبارة الشرائع فالاعتراض متوجه عليه أيضا.

الا أن يقال : المراد بعدم الانعقاد عدم اللزوم ، والمراد بالاذن هو السابق على اليمين والمتعقب له ، وهو تعسف ، لأن فيه حملا للفظ على غير ظاهره ، لأن ظاهر عدم الانعقاد وقوعه لاغيا ، وظاهر الاذن هو السابق على العقد.

فرع : على القول بوقوع اليمين لاغية مع عدم الاذن ، فلو أجازها الأب أو الزوج أو المالك بعد الحلف لم ينعقد ، لأن الإجازة لا تؤثر في الفاسد ، وعلى القول الآخر ينعقد مع الإجازة.

ص: 471

ص: 472

في متعلق اليمين

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا حلف : لا يشرب من لبن عنز له ، ولا يأكل من لحمها ، لزمه الوفاء ، وبالمخالفة الكفارة ، إلا مع الحاجة الى ذلك ، ولا يتعداها التحريم ، وقيل يسري التحريم إلى أولادها على رواية فيها ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه عيسى بن عطية ، «قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إني آليت أن لا أشرب من لبن عنز لي ولا آكل من لحمها فبعتها وعندي من أولادها؟ قال : لا تشرب من لبنها ولا تأكل من لحمها فإنها منها» (1) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وأنكر ابن إدريس تعدية التحريم إلى الأولاد ، واختاره المصنف والعلامة (2) وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، ولعدم تناول النهي للأولاد ، ولضعف الرواية ، لأن في طريقها عبد اللّه بن الحكم وهو ضعيف ، وسهل بن الحسن ويعقوب بن إسحاق وهما مجهولان.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لا يأكل طعاما ما اشتراه زيد ، لم يحنث بأكل ما

ص: 473


1- الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 37 ، حديث 1.
2- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

يشتريه زيد وعمرو ، ولو اقتسماه على تردد ، ولو اشترى كل واحد منهما طعاما وخلطاه ، قال الشيخ : إن أكل زيادة على النصف حنث ، وهو حسن.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : أن يأكل ما اشتراه زيد وعمرو صفقة واحدة قبل القسمة ، والمشهور عدم الحنث هنا ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن كل جزء يشار اليه لم ينفرد زيد بشرائه ، بل يقال : اشتراه زيد وعمرو ، لأن الشراء عقد واحد فاذا اشترك فيه اثنان اختص كل واحد منهما في العرف بنصفه ، فلم تكتمل الصفقة لأحدهما فلا يقع الحنث.

وقوى في المبسوط الحنث ، لأنهما لما اشترياه معا فكل واحد قد اشترى نصفه ، لان على كل واحد منهما ثمن نصفه ، فاذا كان لزيد نصفه فقد أكل من طعام اشتراه زيد.

الثانية : اقتسماه ثمَّ أكل من حصة زيد ، هل يحنث أم لا؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشؤه من أن القسمة تمييز لما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو ، فإذا أكل مما حصل بعد القسمة لزيد صدق عليه أنه أكل مما اشتراه زيد ، ومن أن ذلك القدر الحاصل لزيد بالقسمة لم يشتره زيد بانفراده ، فلا يحنث بأكله ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وهو المعتمد.

الثالثة : لو اشترى زيد طعاما صفقة بانفراده واشترى عمرو طعاما بانفراده ثمَّ خلطاه وأكل منه الحالف ، هل يحنث؟ قوى الشيخ في الخلاف والمبسوط عدم الحنث ما لم يزد على النصف ، والحنث إذا زاد ما اكله عليه ، لأنه لا يقطع على أنه أكل من طعام انفرد زيد بشرائه حتى يزد على النصف ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، وقال ابن البراج : يحنث بأكل القليل والكثير ، لأنه

ص: 474

لم يقطع أنه لم يأكل من طعام اشتراه زيد.

وفصل العلامة في المختلف ، قال : إن كان مائعا كاللبن والعسل أو ما يشبه الممتزج كالدقيق ، حنث بأكل قليله وكثيره ، لامتزاجه واختلاط جميع أجزائه بعضها ببعض ، فأي شي ء أكل منه علم ان فيه جزءا مما اشتراه زيد ، وان كان متميزا كالرطب والخبز لم يحنث حتى يأكل أكثر مما اشتراه عمرو ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو حلف لا شربت من الفرات ، حنث بالشرب من مائها ، سواء كرع منها ، أو اغترف بيده ، أو بإناء ، وقيل : لا يحنث الا بالكرع منها ، والأول هو العرف.

أقول : إذا حلف لا شربت من الفرات أو من نهر ، قال الشيخ في الخلاف : متى شرب من مائها حنث ، سواء اغترف بيده أو بإناء أو كرع منها كالبهيمة واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأن معنى هذا الكلام لا شربت من مائها ، بهذا جرت العادة وهو المتعارف عند الناس.

وقوى في المبسوط عدم الحنث بدون الكرع ، واختاره ابن إدريس ، لأن الكلام في الحقائق دون المجاز ، وهذا هو الحقيقة وما عداه مجاز ، لأنه إذا شرب غرفا بيده ما شرب منها ، وانما شرب من يده وكذلك الإناء ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا حلف : لا أكلت رؤوسا ، انصرف الى ما جرت العادة بأكله غالبا ، كرؤس البقر والغنم والإبل ، ولا يحنث برؤوس الطيور والسمك والجراد ، وفيه تردد ، ولعل الاختلاف عادي ، وكذا لو حلف : لا يأكل لحما ، وهنا يقوى أنه يحنث بالجميع ، ولو حلف : لا يأكل شحما ، لم يحنث بشحم الظهر ، ولو قيل : يحنث ، كان حسنا ، ولو قال : لا ذقت شيئا ، فمضغه ولفظه ، قال الشيخ : يحنث وهو حسن.

ص: 475

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا حلف لا يأكل الرؤوس ، فان نوى نوعا انصرف اليمين اليه. وإن خلا عن النية ، هل ينصرف إلى الحقيقة اللغوية أو العرفية؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يحنث إلا بأكل رؤوس النعم خاصة كالإبل والبقر والغنم ، لأنها هي المأكولة بالعرف والعادة ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والتحرير والشهيد.

وقال ابن إدريس يحنث بأكل جميع الرؤوس ، لأن ذلك هو الحقيقة ، فلا يعدل عنه الى المجاز.

وقال العلامة في المختلف : إن نوى الحالف نوعا صرف اليه ، وان لم ينو ، فان كان هنا عرف خاص يعهده الحالف انصرف (1) إطلاق لفظه اليه ، وحمل (2) عليه والا حمل على الحقيقة اللغوية ، واختاره فخر الدين.

الثانية : إذا حلف لا يأكل لحما ، فان نوى معينا انصرف اليه ، وإن لم ينو شيئا انصرف الى لحم الانعام والصيد والطائر ، وهل ينصرف الى لحم السمك أيضا ويحنث باكله؟ ذهب الشيخ في المبسوط الى عدم الحنث بأكل لحم الحيتان ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، للعرف والعادة (3) ، وقال في الخلاف : يحنث بأكله لان اسم اللحم يطلق عليه ، لقوله تعالى ( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (4) ، ورجحه ابن إدريس وقواه المصنف ، وقال العلامة في المختلف : يرجع الى العرف.

الثالثة : إذا حلف لا يأكل شحما ، هل يحنث بشحم الظهر؟ ذهب الشيخ في

ص: 476


1- في النسخ : ويصرف.
2- في النسخ : حمل ، بدون الواو.
3- ليست في الأصل.
4- فاطر : 12.

المبسوط الى عدم الحنث به ولا بالألية ، قال : لان الشحم هو ما يكون في الجوف من شحم الكلاء (1) وغيره فإن أكل منه حنث ، وإن أكل من غيره لم يحنث ، لأن اسم الشحم لا يقع عليه ، واختاره العلامة في القواعد ، لأنه لحم سمين ولهذا يحمر عند الهزال.

وقال ابن إدريس : يحنث بشحم الظهر ، واستحسنه المصنف واختاره العلامة في المختلف والتحرير ، وهو المعتمد ، لأن الشحم عبارة عن غير اللحم من أي موضع كان ، سواء كان شحم الألية أو الظهر أو البطن ، ولأن اللحم والشحم جنسان مفترقان في الاسم والحقيقة ، أما افتراقهما في الاسم فظاهر ، وأما افتراقهما في الحقيقة فلأن اللحم أحمر كثيف ذو طعم خاص ، والشحم أبيض رخو ذو طعم آخر ، سواء كان في الجوف أو في الظهر أو غيره ، ولقوله تعالى ( مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) (2) ، فلو لم يكن شحما كان الاستثناء من غير الجنس فيكون مجازا والأصل عدمه.

الرابعة : إذا حلف لا ذقت شيئا فمضغه ولفظه حنث ، لأن الذوق عبارة عن معرفة طعم الشي ء ، وهو يحصل بالمضغ وإن لم يبتلعه.

قال رحمه اللّه : لو قال : لا أكلت من هذه الحنطة ، فطحنها دقيقا أو سويقا. لم يحنث ، وكذا لو حلف : لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله ، وكذا لو حلف : لا يأكل لحما ، فأكل إلية لم يحنث ، وهل يحنث بأكل الكبد والقلب؟ فيه تردد.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : إذا حلف لا أكلت من هذه الحنطة ، فطحنها دقيقا أو سويقا ، أو حلف لا يأكل الدقيق فخبزه وأكله ، هل يحنث أم لا؟

ص: 477


1- في النسخ : الكلى.
2- الأنعام : 146.

اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف : (لا يحنث ، وجزم به المصنف والعلامة في القواعد ، وقال ابن البراج يحنث ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير) (1).

والتحقيق : أن الأيمان قد تتبع الأعيان المتعينة بالإشارة ، كما لو قال : لا أكلت هذا الطعام أو لا لبست هذا الثوب ، فان اليمين يتعلق بتلك العين ، فلا يحل له أكل ذلك الطعام ولا لبس ذلك الثوب على أى حال كان.

وقد تتبع الأسماء ، كما لو حلف : لا أكلت حنطة أو لا لبست ثوبا ، تعلق اليمين بالاسم هنا ، فلو أكل دقيقا أو خبزا لم يحنث ، لزوال الاسم بزوال الصفة.

فلو اجتمع الاسم والإشارة ، كما لو قال : لا أكلت هذه الحنطة ، فهنا تعلقت اليمين بالعين والاسم ، فان تغيرت الصفة تغيرا لا يوجب تغير الاسم فلا يخلو إما ان تستحيل الاجزاء أم (2) لا ، فان استحالت (3) الاجزاء كما لو حلف : لا يأكل هذه الحنطة فصارت دقيقا أو سويقا ، أو هذا الدقيق فصار خبزا ، هل يتبع اليمين العين أو الاسم؟ يحتمل الأول ، لأن العين التي تعلقت بها اليمين موجودة وانما تغيرت بالطحن والخبز ، لأن مبني الأيمان على العرف ، وإضافة الأكل إلى الحنطة انما يكون على هذه الصفة ، لأن اسم الأكل لا ينصرف إلى الحنطة إلا إذا صارت دقيقا أو سويقا أو خبزا ، ويحتمل الثاني لأصالة براءة الذمة ، ولأنه حلف على أكل ما هو مسمى حنطة لا ما يسمى دقيقا.

الثانية : إذا حلف لا يأكل لحما فأكل الألية ، هل يحنث أم لا؟ نقول : من اقتصر على أن الشحم هو ما في البطن ، كالشيخ في المبسوط اقتضى قوله الحنث

ص: 478


1- ما بين القوسين ليس في «م».
2- كذا.
3- في النسخ والأصل : استحالة.

بالألية ، إذا حلف : لا يأكل لحما ، لأنها لحم.

وعلى ما اختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في المختلف من أن الشحم يعم ما في البطن وغيره لا يحنث وهو المعتمد.

الثالثة : إذا حلف لا يأكل لحما ، هل يحنث بأكل الكبد والقلب؟ تردد المصنف في ذلك من أصالة براءة الذمة ، وانفراد الكبد والقلب باسم خاص غير اسم اللحم ، ومن صدق اسم اللحم عليه لغة. وعدم الحنث فيهما مذهب الشيخ في الخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد والحنث فيهما (1) مذهب ابن إدريس ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : لو حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا حنث ، وفيه قول آخر ضعيف.

أقول : القول الآخر لابن إدريس ، فإنه قال : الذي يقوى في النفس أن لا يحنث للعرف ، لأن الإنسان إذا قال لغلامه : اشتر لنا رطبا ، فاشترى منصفا لم يمتثل أمره ، وكذلك إذا أمره باشتراء البسر فاشترى المصنف ، لان العرف والعادة أن الرطب هو الذي نضج جميعه ، والبسر هو الذي جميعه لم ينضج.

والحنث مذهب الشيخ رحمه اللّه ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأن المنصف هو الذي نصفه رطب ونصفه بسر ، فاذا حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا فقد أكل الرطب وأكل معه شي ء آخر ، وكذا لو حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا ، وقال العلامة في المختلف : يحكم للأغلب والأكثر ، فإن كان مذنبا فإنه يجري عليه حكم البسر ، وإن كان قد أرطب أكثره فإنه يجري عليه حكم الرطب ، ولم يفرق في التحرير بين المذنب والمصنف.

قال رحمه اللّه : الفاكهة تقع على : الرمان والعنب والرطب ، فمتى حلف لا

ص: 479


1- في النسخ : بهما.

يأكل فاكهة حنث بأكل واحد من ذلك ، وفي البطيخ تردد.

أقول : الفاكهة : اسم لما يتفكه به بعد الطعام وقبله ، وليس المقصود منه التقوت بل التنعم ، فهل البطيخ فاكهة؟ تردد المصنف في ذلك ، من أنه يصدق عليه اسم الفاكهة عرفا ، ولان له نضجا كنضج الرطب ، يحلو إذا نضج ويوكل كالعنب فيكون فاكهة ، ومن أنه من الخضروات كالقثاء والخيار ، ولا خلاف في أن الخضروات ليست فاكهة فلا يكون البطيخ فاكهة ، ولأنه ورد في تفسير قوله تعالى ( أَزْكى طَعاماً ) (1) ، أنه البطيخ فلا يكون فاكهة.

والأول مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير ، وهو مذهب الشهيد ، لأنه عد من الفاكهة حب الصنوبر والبطيخ بقسميه ، واشترط العلامة في التحرير الرطوبة فلا يحنث يابس الفاكهة.

قال رحمه اللّه : إذا قال : لا شربت ماء هذا الكوز لم يحنث إلا بشرب الجميع.

أقول : إذا قال : واللّه لا شربت ماء هذا البئر ، هل يحنث بشرب البعض أو لا يحنث الا بشرب الجميع دون البعض؟ قيل : لا يحنث بشرب البعض لأصالة براءة الذمة ، ولأن الكلام يحمل على الحقيقة دون المجاز ، وحقيقة ماء البئر جميعه ، فاذا شرب البعض لم يحنث ، لأن اليمين تعلقت بجميع ماء البئر وهو لم يشربه فلم يحنث ، فلهذا استحسنه المصنف.

والمشهور الحنث بالبعض حملا لليمين على العرف والعادة ، وهي لم تجر بشرب جميع ماء البئر إذ لا يمكن ذلك ، فيحمل الكلام على عدم الشرب من مائها ، لأن بذلك جرت العادة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قال : لا شربت لك ماء من عطش ، فهو حقيقة في تحريم الماء ، وهل يتعدى الى الطعام؟ قيل : نعم عرفا ، وقيل : لا تمسكا بالحقيقة.

ص: 480


1- الكهف : 19.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال : لا شربت لك ماء من عطش عقيب تعديد انعامه عليك ، كقوله : أحسنت إليك أو وهبتك كذا أو أعطيتك كذا وكذا ، تعلق الحكم بشرب مائه من عطش ، فان انتفع بغير الماء من ماله وأكل من طعامه ولبس ثيابه وركب دوابه لم يحنث ، لأنه إنما ينظر الى مخرج اليمين ويحنث صاحبها ويبر (1) على مخرجها دون أسبابها ، وقال بعضهم : يحنث بكل (2) حال ، والأول أقوى عندي ، لأصالة براءة الذمة ، والثاني قوي لفحوى الخطاب : هذا آخر كلامه ، وهو يدل على تردده.

والمعتمد : أن مبنى اليمين على نية الحالف ، فان قصد بيمينه رفع المنة انصرف الى كل ما فيه منه ، وإن لم يقصد شيئا احتمل صرفه إلى الحقيقة اللغوية وهو الماء فقط ، ويحتمل صرفه الى العرف وفحوى الخطاب فيصرف الى كل ما فيه منه ، لان حلفه بعد تعديد إنعامه عليه يدل على الامتناع عن كل ما يعد نعمة ، ويحصل فيه منة ، ولعل الأقوى عدم الحنث ، لأصالة براءة الذمة ما لم يتحقق اشتغالها ، وهو غير متحقق مع الاحتمال.

قال رحمه اللّه : أما التطيب ففيه التردد ، ولعل الأشبه : أنه لا يحنث بالاستدامة.

أقول : الأفعال على ثلاثة أقسام :

الأول : ما يحنث فيه بابتداء الفعل واستدامته ، مثل السكنى واللبس والركوب والغصب والجماع ، فاذا حلف : لا ساكنت فلانا وهو ساكن معه ، وجب الخروج على الفور ، (وإذا حلف لا لبست ثوب زيد وهو لابسه ، وجب نزعه على

ص: 481


1- في الأصل وفي «ن» : وهي.
2- كذا في النسخ وفي الأصل : لكل.

الفور) (1) ، وكذا لا ركبت وهو راكب وجب النزول على الفور ، ووجب رد المغصوب على الفور لو حلف لا غصبت شيئا ، ولو حلف عن الجماع وهو مجامع وجب النزع على الفور ، فلو تأخر في هذه الصور مع الإمكان حنث ، لأن اسم الفعل في هذه الصور يطلق على الاستدامة كما يطلق على الابتداء فاستوى حكمها (2).

الثاني : ما يحنث بالابتداء دون الاستدامة ، وهو النكاح والإحرام والشراء والرهن والوقف ، وبالجملة كل عقد لازم ، فلو حلف لا نفعل أحد هذه العقود وقد فعله لا يحنث حتى يستأنفه.

الثالث : ما اختلف فيه ، هل يكون استدامته كابتدائه أم لا؟ وهو ثلاثة : الطيب والطهارة والسفر ، والشيخ ذهب الى عدم الحنث بالاستدامة واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأن التطيب حقيقة في الابتداء مجاز في الاستدامة ، لأنه يجوز للمتطيب أن يقول ما تطيبت الآن ، والسلب من علامات المجاز ، ولأصالة براءة الذمة.

قال رحمه اللّه : لو حلف : لا دخلت دار زيد ، أو لا كلمت زوجته أو لا استخدمت عبده ، كان التحريم تابعا للملك ، ومتى خرج شي ء من ذلك عن ملكه زال التحريم ، أما لو قال : لا دخلت دار زيد هذه ، تعلق التحريم بالعين ، ولو زال الملك ففيه قول بالمساواة حسن.

أقول : إذا قال لا دخلت دار زيد هذه ، أو لا كلمت عبده هذا أو زوجته هذه ، هل يزول اليمين بزوال الإضافة أم لا؟ قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف : يزول بزوالها ، واستحسنه المصنف لأصالة براءة الذمة ، ولأنه إذا دخل الدار بعد

ص: 482


1- ما بين القوسين ليس في «ر 1».
2- في «م» : حكمهما.

خروجها عن ملك زيد لا يقال دخل دار زيد ، فيجب أن لا يحنث ، لان اليمين متعلقة بالاسم فاذا زال الاسم زالت اليمين.

وقال ابن البراج : يحنث مع بقاء الإضافة وعدمها ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد ، وبه قال فخر الدين والشهيد ، لان اليمين تعلقت بالعين وهي موجودة والإضافة للتعريف ، ولأن الدخول فعل موضوعه الدار وإضافتها الى زيد لا تقتضي تعلق الحكم بها ، لأنه أعم ولا دلالة للعام على الخاص.

هذا إذا لم يقصد الإضافة ولا العين بل أطلق وقصد ما يطلق عليه هذا اللفظ ، ومع القصد لا إشكال في التعليق بما قصده ، وكذا لو قصد في التعليق العداوة والمباينة للمضاف اليه ، اختصت اليمين بالإضافة دون العين.

(قال رحمه اللّه : أما لو قال : لا دخلت هذه الدار فانهدمت وصارت براحا ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا يحنث ، وفيه اشكال ، من حيث تعلق اليمين بالعين فلا اعتبار بالوصف.

أقول : ومن عدم (1) تسمية العرصة بالدار ، والأصح الحنث) (2).

قال رحمه اللّه : لو حلف لا أدخل على زيد بيتا ، فدخل عليه وعلى عمرو ناسيا أو جاهلا بكونه فيه ، فلا يحنث ، وإن دخل مع العلم حنث ، سواء نوى الدخول على عمرو خاصة أو لم ينو ، والشيخ رحمه اللّه فصّل.

أقول : التفصيل مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو إن نوى الدخول على عمرو دون زيد لم يحنث ، وإن لم يستثن زيدا بالنية حنث ، (لأن مبنى) (3) هذه المسألة على من حلف لا يكلم زيدا ثمَّ سلم على جماعة هو فيهم واستثناه من

ص: 483


1- هذا من «ن» وفي الأصل و «ر 1» : عده أو عنده وهي غير واضحة.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- في الأصل و «ر 1» : لا بد مبنى ، وفي «م» : لأنه مبنى وما أثبتناه من «ن».

بينهم ، وقوى عدم الحنث مع الاستثناء ، فكذلك الدخول عنده ، وفرق بينهما في الخلاف وجوز الاستثناء في الكلام دون الدخول ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأن السلام لفظ عام فيجوز أن يخصه بقلبه ، والدخول فعل واحد فلا يجوز تخصيصه بعمرو دون زيد ، وإذا لم يقبل التخصيص فقد حنث بالدخول ، سواء خصص أو لم يخصص.

قال رحمه اللّه : وهل يحنث بدخوله عليه في مسجد أو الكعبة؟ قال الشيخ : لا ، لأن ذلك لا يسمى بيتا في العرف ، وفيه إشكال ، يبنى على ممانعته دعوى العرف.

أقول : هذه المسألة مبنية على ان المسجد والكعبة ، هل يسمى كل واحد منهما بيتا في العرف أو لا؟ قال الشيخ : لا يسمى بيتا ، لأن البيت إذا أطلق يتناول ما بني للايواء والسكنى ، فلا يحنث بما بني للعبادة والصلاة ، واستند في ذلك الى العرف ، وتابعه العلامة في قواعده واختاره الشهيد ، واستشكله المصنف وبنى الإشكال على ممانعة العرف (1) الشيخ دعوى العرف ، أي يمنع دعوى الشيخ أن كلا من الكعبة والمسجد لا يسمى بيتا في العرف ، لأن اللّه تعالى سماه بيتا (2) فهو بعرف الشرع يسمى بيتا ، وان كان بعرف العادة والاستعمال لا يسمى بيتا ، وإذا طرئ عرف الشرع على عرف اللغة أو الاستعمال كان الحكم لعرف الشرع ، وهو مذهب ابن إدريس.

والمعتمد اتباع القصد فان خلا عن القصد انصرف الى عرف الحالف.

قال رحمه اللّه : العقد : اسم للإيجاب والقبول فلا يتحقق إلا بهما ، فاذا حلف ليبيعن لا يبرّ إلا مع حصول الإيجاب والقبول ، وكذا لو حلف ليهبن ، وللشيخ في

ص: 484


1- هذه الكلمة ليست في «م» و «ن».
2- الحج : 30 ، النور : 36.

الهبة قولان ، أحدهما : أنه يبر بالإيجاب ، وليس بمعتمد.

أقول : الاكتفاء بالإيجاب خاصة مذهبه في الخلاف ، واشتراط القبول مذهبه في المبسوط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن الهبة عقد وهو لا يكون الا بين اثنين فهو كالبيع ، الا أن القبول في الهبة قد يكون قولا وقد يكون فعلا ، ولا يكون البيع الا بالقول دون الفعل.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ : الهبة : اسم لكل عطية متبرع بها ، كالهدية والنحلة والعمرى والوقف والصدقة ، ونحن نمنع الحكم في العمرى والنحلة إذ يتناولان المنفعة ، والهبة تتناول العين ، وفي الوقف والصدقة تردد ، منشؤه متابعة العرف في أفراد كل واحد باسم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في العمرى والنحلة ، هل يعدان هبة أم لا؟ ذهب الشيخ إلى أنهما نوعان من أنواع الهبة ، فإذا حلف لا وهبت له فأعمره أو نحلة حنث عند الشيخ ، واختاره العلامة والشهيد ، لمساواة المنافع للأعيان في النقل والتقويم ، فاذا تبرع بها كانت هبة كالعين ، ومنع المصنف من ذلك ، لأن إطلاق الهبة ينصرف الى تمليك الأعيان فما لا يكون تمليكا للأعيان لا يكون هبة ، فلا يحنث بتمليك المنفعة مجردة عن العين ، لأصالة براءة الذمة.

الثاني : في الوقف والصدقة المندوبة ، هل يتناولهما اسم الهبة؟ قال الشيخ : يتناولهما اسمها إذا حلف على عدم الهبة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف لاندراجهما تحت اسم الهبة ، لأنها كل عطية متبرع بها حال الحياة ، وانما قلنا حال الحياة ليخرج الوصية ، لأنها عطية متبرع بها لكنها بعد الموت. فلا تسمى هبة.

وقال ابن إدريس : قوله الهبة عبارة عن كل عطية يملكه إياها متبرعا بغير عوض فغير واضح ، لأن الوقف كذلك ولا يسمى هبة بغير خلاف ، وصدقة

ص: 485

التطوع عندنا لا تسمى هبة ، بل بينها وبين الهبة فرق كثير ، لأن صدقة التطوع (1) بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها ، والهبة يجوز الرجوع فيها ، وتردد المصنف في ذلك لافراد كل واحد من الهبة والصدقة والوقف باسم ، واليمين إنما تناول اسم الهبة فلا يدخل الوقف والصدقة (باسم فيها ، بل) (2) وللمغايرة في الحكم أيضا ، لأن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته بخلاف العين الموهوبة ، ولأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان (3) يقبل الهبة ويرد الصدقة ، ولأن المقصود من الصدقة التقرب الى اللّه تعالى وتحصيل الأجر ، والمقصود من الهبة تحصيل المودة ، فإذا حصل المغايرة في الاسم والحكم والغاية خرجا عن حد الهبة وهو قوي.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لا يفعل لم يتحقق الحنث إلا بالمباشرة ، فإذا قال : لا بعت ، أو لا شربت ، فوكل فيه لم يحنث ، أما لو قال : لا بنيت بيتا فبناه البناء بأمره أو استئجاره ، قيل : يحنث نظرا الى العرف ، والوجه : أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ، ولو قال : لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث ، وفي السلطان تردد ، أشبهه أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ، ولو قال : لا أستخدم فلانا فخدمه بغير إذنه لم يحنث ، ولو توكل لغيره في البيع أو الشراء ففيه تردد ، والأقرب الحنث لتحقق المعنى المشتق منه.

أقول : إذا حلف لا يفعل ثمَّ باشر الفعل بنفسه حنث مطلقا ، سواء كان (مما جرت عادته) (4) بمباشرة ذلك الفعل أو لا ، وإن فعله غيره بإذنه أو فعله هو نيابة عن غيره ، هل يحنث أم لا؟ البحث هنا في موضعين :

الأول : أن يفعله غيره بأمره ، فنقول : إن كان الحالف عادته (5) مما يلي ذلك

ص: 486


1- في الأصل : لأن الصدقة التطوع الهبة القربة ، وما أثبتناه من «م» و «ن».
2- في «ن» : فيها ، وفي «م» و «ر 1» : فيهما.
3- هذه الكلمة في «ر 1».
4- في «ن» بدل ما بين القوسين : ما جرت العادة.
5- هذه الكلمة ليست في النسخ.

الفعل بنفسه فوكل فيه غيره لم يحنث ، لأنه لم يفعله ، لأن الإيمان إنما تتعلق بحقائق الأسماء والأفعال ، فإذا فعله غيره فهو وإن أضيف اليه لم يفعله حقيقة ، لصحة سلب الفعل عنه.

وإن كان الحالف ممن لم تجر عادته بتولي ذلك الفعل بنفسه مثل السلطان ، يحلف على عدم البيع أو الشراء أو الضرب فيأمر فيه ، أو غير البناء يحلف على عدم البنيان ، فيأمر فيه ، هل يحنث أم لا؟ تردد المصنف في ذلك ثمَّ رجح عدم الحنث ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، لأن حقيقة اضافة الفعل اليه أن يباشره بنفسه ، وانما ينسب ما يفعله غيره بأمره اليه على ضرب من المجاز ، ولهذا يحسن أن يقال ما ضربه وإنما ضربه غلامه ، والايمان تتعلق بالحقائق دون المجازات ، والأصل براءة الذمة ، وقوى في المبسوط الحنث وقوى (1) عدمه أيضا ، واختار العلامة وابنه والشهيد الحنث اتباعا للعرف ، لان العرف صرف حقيقة اللفظ الى مجازه ، فيصير اعتبار المجاز حيث اقترن بالعرف أولى من اعتبار الحقيقة إذا فارقت العرف ، لأن المتبادر الى فهم السامع حمل اللفظ عند إطلاقه إلى المتعارف بين الناس وإن خالف الحقيقة.

وهذا البحث انما يتوجه مع إطلاق (2) اللفظ (عند إطلاقه إلى المتعارف) (3) وقصد مدلوله ، أما مع قصد المباشرة أو الأمر فلا يحنث بل يتبع القصد.

الثاني : إذا باشر الفعل المحلوف على تركه لغيره كما لو حلف لا يبيع ولا يشتري ثمَّ باع أو اشترى لغيره ، هل يحنث أم لا؟ تردد المصنف في ذلك ثمَّ رجح الحنث ، قال : لتحقق المعنى المشتق منه ، لأن البائع من صدر منه البيع ،

ص: 487


1- في النسخ : ثمَّ قوى.
2- كذا.
3- ما بين القوسين ليس في النسخ.

والمشترى من صدر منه الشراء ، وهذا المعنى متحقق في المباشر للبيع والشراء ، سواء كان لنفسه أو لغيره.

ويحتمل عدم الحنث ، لأن المتبادر الى الفهم عند إطلاق لفظ البيع والشراء ما كان لنفسه دون غيره ، فيحمل اللفظ عند إطلاقه إلى المتبادر الى فهم السامع ويعضده أصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط ، قيل : يجزي الضغث ، والوجه انصراف اليمين الى الضرب بالآلة المعتادة كالسوط والخشبة.

أقول : إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط في الحد والتعزير المأمور به ، انعقدت اليمين ووجب الوفاء بها ، ولا يجب الوفاء بها (1) إذا كان للتأديب على شي ء من المصالح الدنيوية ، ولا يحنث بالترك بل يكون أولى.

ومع وجوب الوفاء ، قال الشيخ في المبسوط : يجزي ضربة واحدة بضغث مشتمل على العدد لقوله تعالى ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) (2) ، ولأن حقيقة الضرب وقوع الإله المضروب بها على المضروب بقوة فعل (3) الضارب ، وقد حصل المسمى الحقيقي فيبرئ.

واختار المصنف عدم اجزاء الضغث مع عدم الخوف على نفس المضروب ، بل لا بد من الضرب بالآلة المعتادة للضرب ، كالسوط والخشبة ، واختاره المصنف وهو المعتمد ، لاقتضاء العرف ذلك والأيمان تنصرف الى المتعارف بين الناس ، وهنا هو المتعارف ، فينصرف اليمين عند إطلاق اللفظ اليه.

تنبيه : لا بد في الضرب من الإيلام ، فلا يجزي وضع الآلة ورفعها من غير

ص: 488


1- ليست في الأصل.
2- صاد : 44.
3- في النسخ : بفعل.

إيلام ، لأنه لا يسمى في العرف ضربا الا مع الإيلام ، ومع عدمه لا يصدق عليه (1) اسم الضرب حقيقة ، واللكم واللطم المؤلم يسمى ضربا ، بخلاف العصر والخنق والقرص ، خلافا لابن الجنيد في الثلاثة.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لا ركبت دابة العبد ، لم يحنث بركوبها ، لأنها ليست له حقيقة ، وإن أضيفت إليه فعلى المجاز ، أما لو قال : لا ركبت دابة المكاتب ، حنث بركوبها ، لان تصرف المولى ينقطع عن أمواله ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن عدم تمامية الملك ، لأنه ممنوع من التصرف في أمواله بغير الغبطة ولأصالة براءة الذمة ، والمشهور الحنث ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في كتبه (2).

قال رحمه اللّه : التسري [هو] وطئ الأمة ، وفي اشتراط التحذير نظر.

أقول : منشأ النظر من اختلاف الأصحاب في حقيقة التسري ، قال الشيخ في الخلاف : إذا حلف لا يتسرى فمتى تسرى حنث ، وما هو التسري؟ الاولى أن يقال : إنه عبارة عن الوطي والتخدير ، لأن الجارية ضربان : سرية وخادمة ، فاذا خدرها ووطى فقد تسرى وترك الاستخدام ، وتابعه ابن إدريس واختاره العلامة في الإرشاد.

ونقل في المبسوط ثلاثة أقوال : الأول : مذهبه في الخلاف والثاني : أن التسري مجرد الوطي أنزل أو لم ينزل ، حصنها أو لم يحصنها ، واختاره العلامة في التحرير والشهيد في دروسه. الثالث : أنه الوطي مع الانزال وان لم يخدرها ، ثمَّ قواه.

واختار العلامة في المختلف الرجوع الى العرف ، فإنه يختلف باختلاف

ص: 489


1- هذه من النسخ ، وفي الأصل : معه.
2- في «ن» : أكثر كتبه.

الزمان والأصقاع (1) والأوضاع (2) ، واختاره فخر الدين وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا حلف لأقضين دين فلان الى شهر كذا ، كان غاية ، ولو قال : الى حين أو زمان ، قال الشيخ : يحمل على المدة التي حمل عليها نذر الصيام ، وفيه إشكال من حيث هو تعد عن موضع النقل وما عداه إن فهم المراد به ، والا كان مبهما.

أقول : إذا قال لأقضين حقه الى حين أو الى زمان ، قال الشيخ رحمه اللّه : يحمل على نذر الصوم ، وهو أن الحين ستة أشهر والزمان خمسة ، وقواه العلامة في المختلف ، لأن العرف الشرعي ناقل عن الوضع اللغوي ، والعرف الشرعي نقل الحين في نذر الصوم إلى ستة أشهر والزمان إلى خمسة أشهر ، واستقر (3) العرف في ذلك.

وابن إدريس خص ذلك بمورد النقل ، وهو نذر الصوم خاصة ، لأن الزمان والحين من الأسماء المبهمة التي تقع على القليل والكثير ، قال تعالى ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (4) وفسر بيوم القيامة ، وقال تعالى ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) (5) ، وفسره بعضهم بتسعة أشهر مدة حمله ، وقيل : هو أربعون سنة ، إشارة إلى آدم عليه السلام ، لأنه صور من حمأ مسنون وطين لازب ثمَّ نفخ فيه الروح بعد أربعين سنة ، وقال تعالى ( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ ) (6) ،

ص: 490


1- من النسخ وفي الأصل : والاجتماع.
2- ليست في النسخ.
3- في «م» : واستقرب.
4- صاد : 88.
5- الدهر : 1.
6- المؤمنون : 54.

وقال ( حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (1) ، فهو اسم مشترك بين القليل والكثير ، ولا يمكن حمله على جميع معانيه فلهذا صار مبهما.

والبحث في الزمان كالبحث في الحين ، لأنه اسم مبهم يصدق على القليل والكثير أيضا.

والمعتمد : أنه (2) إن فهم المراد عمل عليه والا كان مبهما لا يتحقق الحنث فيه الا بموت أحدهما ، لحصول تعين الحنث حينئذ ، والأصل فيما عداه براءة الذمة.

ص: 491


1- الروم : 17.
2- من «ر 1».

ص: 492

في اللواحق

قال رحمه اللّه : اليمين بالبراءة من اللّه سبحانه ، أو من رسوله صلى اللّه عليه وآله لا ينعقد ، ولا يجب فيها كفارة ، ويأثم ولو كان صادقا ، وقيل : يجب بها كفارة ظهار ولم أجد به شاهدا ، وفي توقيع العسكري عليه السلام الى محمد بن يحيى : يطعم عشرة مساكين ويستغفر اللّه (1).

أقول : لا خلاف في عدم جواز الحلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من الأئمة عليهم السلام ، سواء كان الحالف صادقا أو كاذبا ، وانما الخلاف في وجوب الكفارة لو حلف ثمَّ حنث ، قال المفيد رحمه اللّه : ولا يجوز اليمين بالبراءة من اللّه ومن رسوله ومن أحد الأئمة عليهم السلام ، فمتى حلف بشي ء من ذلك ثمَّ حنث كان عليه كفارة ظهار ، ومثله قال الشيخ في باب الكفارات من النهاية ، وزاد : فان لم يقدر على ذلك كان عليه كفارة يمين ، وتبعه ابن البراج ، وقال ابن حمزة يأثم ويلزمه مع المخالفة كفارة النذر ، وقال في المبسوط والخلاف : يأثم ولا

ص: 493


1- التهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النوادر ، حديث 7 (ج 7 ص 461) ونقله في الوسائل - عن محمد بن الحسن - في كتاب الايمان ، باب 7 ، حديث 3.

كفارة ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنه لا يمين بغير اللّه ، واعتمد العلامة في المختلف على توقيع العسكري عليه السلام الى محمد بن يحيى ، وقد أشار إليه المصنف وهو : «إطعام عشرة مساكين ثمَّ يستغفر اللّه تعالى» (1).

قال رحمه اللّه : إذا انعقدت يمين العبد ، ثمَّ حنث وهو رق ففرضه الصوم في الكفارات مخيّرها ومرتبها ، ولو كفر بغيره من عتق أو كسوة أو إطعام ، فإن كان بغير إذن المولى لم يجز ، وإن أذن أجزأه ، وقيل : لا يجزيه ، لأنه لا يملك بالتمليك ، والأول أصح ، وكذا لو أعتق عنه المولى بإذنه.

أقول : القول بعدم الاجزاء وإن أذن له المولى نقله الشيخ في المبسوط عن بعضهم ثمَّ قواه ، قال : لأنه وإن ملكه مولاه لا يملك عندنا ، واختار المصنف الاجزاء مع الإذن ، لأنه كالمعسر ، فلو كفر الغير عن المعسر بإذنه صح ، وادعى العلامة الإجماع على ذلك ، وكما يصح عن المعسر يصح عن العبد ، إذا لا مانع سوى عدم الوجدان ، وهو كما يثبت بالإعسار يثبت بالارقاق ، واختاره العلامة.

وذهب فخر الدين الى عدم الاجزاء ، قال : أما العتق فلاشتراط الملك والعبد لا يملك ، وكذا الإطعام والكسوة إلا مع القول بأن تبرع الأجنبي يجزي عن الحي ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه ، وقد حكينا عن أبيه أنه ادعى الإجماع على إجزاء تكفير الغير عن المعسر بإذنه ، قاله في المختلف.

قال رحمه اللّه : ولو حنث من غير إذنه كان له منعه ولو لم يكن الصوم مضرا ، وفيه تردد.

أقول : إذا حلف العبد بإذن سيده ثمَّ حنث بغير إذنه ، هل له منعه من

ص: 494


1- التهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النوادر ، حديث 7 (ج 7 ص 461) ونقله في الوسائل - عن محمد بن الحسن - في كتاب الايمان ، باب 7 ، حديث 3.

الصيام أم لا؟ ظاهر الشيخ في المبسوط له المنع ، سواء كان الصوم مضرا أو مضعفا في بدنه وعمله كزمان الصيف ، أو غير مضر كزمان الشتاء وما جاوره (1) ، لأنه إذا أذن له باليمين فقد منعه من الحنث.

وقال ابن البراج : إن كان الصوم يضره لسيده منعه ، وإن لم يضره ليس له منعه ، لان الصوم لا ضرر على السيد فيه.

وتردد المصنف من أن الأمر بالشي ء يستلزم الأمر بلازمه ، والكفارة من لوازم اليمين المأذون فيها ، لأن سبب الكفارة ليس الحنث المطلق ، بل الحنث عن اليمين المأذون فيها ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، ونقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، ومن أن الحنث مناف لليمين فهو ضد له ، والأمر بالشي ء يستلزم النهي عن ضده. (فالأمر باليمين يستلزم (النهي عن) (2) الحنث ، فلا يستلزم معلول الحنث) (3) وهو قوى.

ص: 495


1- في «ن» و «ر 1» : أو ما جاوزه.
2- ما بين القوسين ليس في «م».
3- ما بين القوسين ليس في «ر 1».

ص: 496

كتاب النذر

اشارة

ص: 497

ص: 498

في الناذر

قال رحمه اللّه : ويشترط في نذر المرأة بالتطوعات إذن الزوج ، وكذا يتوقف نذر المملوك على إذن المالك ، فلو بادر لم ينعقد وإن تحرر ، لأنه وقع فاسدا ، وإن أجاز المالك ، ففي صحته تردد ، أشبهه اللزوم.

أقول : منشأ التردد من الشك في إذن السيد ، هل هو شرط في الانعقاد ، بمعنى أن نذر المملوك لا ينعقد بدونه أو شرط في اللزوم ، بمعنى أنه ينعقد بدون الاذن لكنه لا يلزم الا معه؟ فعلى الأول لا يلزم مع الإجازة لأن الإجازة لا تؤثر في الفاسد الصحة ، وعلى الثاني يلزم مع الإجازة ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد ، والشهيد في دروسه وفي شرح الإرشاد.

وحكم الزوجة مع الزوج والولد مع الوالد حكم العبد مع سيده ، فعلى مذهب المصنف والعلامة والشهيد إذا أعتق العبد أو طلقت الزوجة أو مات الزوج أو الوالد قبل الحل والإجازة لزم النذر ، لوقوعه صحيحا ، لزوال مانع اللزوم وهو المعتمد.

فرعان : الأول : لو بيع العبد بعد النذر وقبل الإجازة والحل لم يلزم النذر

ص: 499

لبقاء الحجر وللمشتري حله وإجازته.

الثاني : لو قال زيد : إن تزوجت عمرة فلله علي أن أطأها كل جمعة ، وقالت عمرة أن تزوجني زيد فلله على أن أصوم كل جمعه ثمَّ تزوجها انعقد نذرها دونه ، لأنها نذرت في حاله لا يتوقف نذرها على رضاه ، وقد حصل الشرط فانعقد النذر ووجب الوفاء به ، لأن نذر الوطي إنما يتناول الوطي المباح دون المحرم ، ولا شك في تحريم وطيها في صومها الواجب عليها ، كما لو كانت حائضا ، ولأنه لو نذر وطيها في يوم معين فاتفق الحيض فيه بطل نذره ، نعم لو صادف يوم الجمعة سفرا أو طهرت في أثنائه من الحيض أو النفاس وجب الوطئ لوجوب الوفاء بالنذر مع الإمكان ، ولا فرق بين علم كل واحد منها بنذر صاحبه وعدمه.

ص: 500

في الصيغة

قال رحمه اللّه : ولا شبهة في انعقاد النذر بالأولين ، وفي الثالث خلاف ، والانعقاد أصح.

أقول : اختلف علماؤنا في النذر المطلق غير المعلق على شرط ، مثل قوله لله عليّ أن أصوم يوما والأكثر على وقوعه وصحته ، وهو مذهب الشيخ وابن إدريس واختاره المتأخرون ، لأن النذر المطلق يصدق عليه أنه نذر فيجب عليه الوفاء ، لعموم الآيات (1) الدالة على وجوب الوفاء بالنذر ، وعموم قوله عليه السلام : «من نذر أن يطيع اللّه فليطعه» (2) ولصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السلام : «قال سألته عن رجل قال : علي نذر؟ إنه قال : ليس النذر بشي ء حتى يسمي شيئا لله صياما أو صدقة أو هديا أو حجا» (3) وقال السيد المرتضى : لا ينعقد النذر الا معلقا على شرط ، كأن يقول : لله على إن قدم فلان أو

ص: 501


1- منها الحج : 29 ، الإنسان : 7 ، آل عمران : 35.
2- المستدرك ، باب 12 من أبواب النذر والعهد ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 1 من أبواب النذر ، حديث 2 والتهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب النذور ، حديث 2.

إن كان كذا فلله علي كذا ، واحتج بالإجماع ، ولأن معنى النذر ما كان معلقا على شرط وما ليس بمعلق لا يستحق اسم النذر ، وأجيب بمنع الإجماع وبأن معنى النذر ما كان معلقا (1) على شرط هو المتنازع فيه ، فلا يكون دليلا.

ص: 502


1- في الأصل : ما يكون مطلقا ، وفي «ن» : أن يكون معلقا.

في متعلق النذر

قال رحمه اللّه : أما الحج فنقول : لو نذره ماشيا لزم ، ويتعين من بلد النذر ، وقيل من الميقات.

أقول : إذا نذر الحج ماشيا أو راكبا انعقد أصل النذر إجماعا ، وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه خلاف مبني على أن المشي أفضل من الركوب أو الركوب أفضل من المشي ، وقد مضى تحقيق البحث في ذلك في باب الحج (1). فاذا لزم قيد المشي ، هل يلزم المشي من بلد النذر أو من الميقات؟ الأول ظاهر الشيخ في المبسوط ، واختاره (المصنف و) (2) العلامة للعرف ، والألفاظ إنما تحمل على الاصطلاح العرفي ، ونقل في المبسوط أنه يلزمه من الميقات ، والأول هو المعتمد ما لم يقصد من الميقات ، وباقي فروع هذه المسألة مذكورة في كتاب الحج فلا فائدة في الإعادة.

قال رحمه اللّه : لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام انصرف الى بيت اللّه

ص: 503


1- ج 1 ص 398.
2- ليست في الأصل بل من النسخ.

سبحانه بمكة ، وكذا لو قال : الى بيت اللّه ، واقتصر ، وفيه قول بالبطلان إلا أن ينوي الحرام.

أقول : إذا قال لله على أن أمشي إلى بيت اللّه ولم يقل الحرام ، للشيخ في ذلك قولان : أحدهما : ينصرف الى بيت اللّه الحرام ، لأن الإطلاق ينصرف اليه وهو قوله في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس ، وقال في الخلاف : يبطل الا أن يقصد البيت الحرام ، واختار العلامة في المختلف عدم البطلان ، فان انصرف الى المسجد الحرام بمكة والا انصرف الى مطلق المساجد فيتخير في إتيان أي مسجد شاء ، وإذا انعقد النذر وجب الإتيان بحج أو عمرة ، لعدم جواز دخول مكة بغير إحرام فلو جاز ذلك كالمتكرر أو من دخل بعد إحرام لم يمض له شهر لم يجب النسك.

قال رحمه اللّه : ولو قال : أن أمشي إلى بيت اللّه لا حاجا ولا معتمرا ، قيل : ينعقد بصدر الكلام وتلغو الضميمة ، وقال الشيخ : يسقط النذر ، وفيه إشكال من كون قصد بيت اللّه طاعة.

أقول : المعتمد إن كان لا يجوز له الدخول بغير إحرام : بطل نذره ، لأنه نذر ترك الواجب وهو لا ينعقد ، وان جاز له الدخول بغير إحرام كمن دخل بعد إحرام لم يمض له شهر ، أو كان متكررا كالحطاب والحشاش انعقد نذره ، لأن نفس قصد البيت طاعة ، فاذا انعقد لم يلزم القيد ، وهو الدخول بغير حج ولا عمرة ، بل هو مخير إن شاء دخل محرما بحج أو عمره ، وإن شاء دخل غير محرم ، لأن الإحرام غير واجب عليه ، لان الواجب المشي الى البيت خاصة فلا يجب النسك ، ما لم يكن واجبا عليه قبل النذر أو بسبب الدخول.

فرع : إذا نذر المشي الى أحد المساجد انعقد نذره ووجب الوفاء به ، قال الشيخ : فاذا وصله لزم أن يصلي فيه ركعتين ، لأن الطاعة المقصودة من المشي الى

ص: 504

المسجد الصلاة فيه ، لأن القصد لغير الصلاة ليس بطاعة ، وقال العلامة والشهيد : لا يلزمه فيه صلاة ، لأن نفس القصد طاعة ، لقوله عليه السلام : «من مشي الى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس الا سبحت له إلى الأرضين السابعة» (1) ، ولأنه إن كان القصد طاعة انعقد ولم يجب الصلاة ، لعدم تناول اللفظ لها والأصل براءة الذمة منها ، وان لم يكن القصد طاعة فلا ينعقد النذر فلا يجب الصلاة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو نذر أن يحج ولم يكن له مال ، فحج عن غيره ، أجزأه عنهما ، وفيه تردد.

أقول : سبق البحث في هذه في باب الحج (2) والمعتمد عدم الاجزاء ما لم يكن ذلك بنيته (3).

قال رحمه اللّه : كما لو نذر يوم قدوم زيد ، سواء قدم ليلا أو نهارا ، أما ليلا فلعدم الشرط ، وأما نهارا فلعدم التمكن من صيام اليوم المنذور ، وفيه وجه آخر.

أقول : أما مع القدوم ليلا فلا خلاف في عدم الانعقاد لعدم حصول الشرط ، وانما الخلاف إذا قدم نهارا ، قال الشيخ وابن إدريس بعدم الانعقاد أيضا ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد وفخر الدين ، لعدم التمكن من صيام اليوم المنذور ، لأنه إذا قدم في أثناء النهار فقد مضى جزء من النهار قبل حصول شرط الصوم وهو قدوم زيد وبقي بعض ، فلا يصح افراد بعض النهار

ص: 505


1- الوسائل ، كتاب الصلاة ، الباب الرابع من أبواب أحكام المساجد ، حديث 1 ، وفيه زيادة كلمة : (الأرض) بين كلمتي : (له الى).
2- ج 1 ص 399.
3- في النسخ : (في نيته).

بالصوم ، ولو سبق (1) الوجوب الى الجزء الماضي لزم وجوب صوم زمان بعد مضيه وفواته وهو باطل ، فلا يكون النذر صحيحا ، وقال ابن الجنيد : من نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم في بعض النهار أجزأه صوم ذلك اليوم ، وإن لم يبيت الصيام من الليل ، والاحتياط أن يصام يوم مكانه بتقدم نيته على كل حال ، ولا يختار له فطر ذلك اليوم إذا لم يكن أحدث ما يفطر الصائم وان قدم ليلا لم يلزمه النذر ، هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

ووافقه العلامة في باب النذور من المختلف على انعقاد النذر ، ووجوب الصوم إذا قدم قبل الزوال ولم يتناول الناذر ، واختاره الشهيد ، لأنه قد يجب الصوم في زمان لا يمكنه فعله كما لو برئ المريض أو قدم المسافر قبل الزوال ولم يتناولا المفطر ، فإنه يجب عليهما إكمال الصوم وينويان حينئذ ويجزئهما ، فيكون نيتهما مؤثرة في الزمان المتقدم عليها ، وكذا لو أصبح بنية الإفطار يوم الشك ثمَّ ثبت الهلال قبل الزوال.

قال رحمه اللّه : ولو اتفق ذلك يوم عيد أفطر إجماعا ، وفي وجوب قضائه خلاف ، والأشبه عدم الوجوب.

أقول : إذا نذر صوم يوم قدوم زيد دائما ، فقدم يوم الخميس مثلا لزمه صوم كل خميس يأتي بعد يوم القدوم إجماعا ، أما الخميس الذي قدم فيه فعلى ما مر من الخلاف ، فاذا اتفق العيد يوم الخميس أفطره إجماعا ، لتحريم صوم يوم العيد.

وهل يجب القضاء فيه قولان : أحدهما : الوجوب ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، لرواية علي بن مهزيار (2) عن أبي الحسن عليه السلام الدالة

ص: 506


1- في «ن» و «ر 1» : سرى وفي «م» : سراء
2- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 10 من أبواب النذر ، حديث 1.

على وجوب القضاء ، الثاني عدم الوجوب ، وهو مذهب ابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأنه نذر زمانا لا يصح صومه فلا ينعقد صومه ، كما لو نذر صوم الليل ، والجهل بكونه يوم العيد لا يخرج المحل عن عدم قبوله للصوم ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الصيام في بلد معين ، قال الشيخ : صام أين شاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أنه إذا لم يوقعه في البلد المعين بالنذر لم يأت بالمنذور فلا يخرج من العهدة ، ومن أنه لا ترجيح لإيقاعه في البلد المنذور ، لأنه لم يحصل للصوم صفة زائدة لإيقاعه في ذلك المكان ، فلا ترجيح حينئذ وهو قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير ، وابنه في شرح القواعد ، وذلك إذا لم يكن للمكان المذكور مزية على غيره ، أما لو كان له مزية كصوم ثلاثة أيام للحاجة في المدينة ، فلا شك في تعينه بالنذر.

قال رحمه اللّه : إذا نذر صلاة فأقل ما يجزيه ركعتان ، وقيل : ركعة ، وهو حسن ، وكذا لو نذر أن يفعل قربة ولم يعينها.

أقول : إذا نذر صلاة وأطلق ، قال الشيخان وابنا بابويه والشهيد : أقل ما يجزيه ركعتان ، لرواية مسمع بن عبد اللّه (1) عن الصادق عليه السلام ، ولان المعهود من الشرع إنما هو صلاة ركعتين والركعة نادرة ، ونقل الشيخ عن بعض الجمهور وجوب ركعة لا غير ، وهو مذهب ابن إدريس واستحسنه المصنف ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير والمختلف ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنها عبادة فتكون مجزية.

ص: 507


1- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 2 من أبواب النذر ، حديث 3 لكنه نقله عن مسمع بن عبد الملك وكذلك في التهذيب.

فعلى إجزاء الركعة هنا لو نذر أن يفعل قربة وأطلق ، اجتزأ بالركعة الواحدة ، ولا شك أن الأول أحوط ، للنهي عن البتراء فيقتصر بها على موضع الوفاق.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين من المسجد لزم ، لأنه طاعة ، أما لو نذر الصلاة في مكان لا مزية فيه للصلاة على غيره ، قيل : لا يلزم وتجب الصلاة ، ويجزي إيقاعها في كل مكان ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أنه لا ترجيح في إيقاعها في المكان المعين ، لعدم المزية له على غيره فلا يلزم إيقاعها فيه ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، ومن أنه مع عدم الإيقاع في ذلك المكان المعين لم يأت بالمنذور (على وجهه) (1) فلا يخرج من العهدة.

قال رحمه اللّه : ولو نذر عتق عبد كافر غير معين لم ينعقد ، وفي المعين خلاف ، والأشبه : أنه لا يلزم.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا نذر عتق رقبة فإنه يجزي أي رقبة كانت صغيرة أو كبيرة ، معيبة أو سليمة ، مؤمنة كانت أو كافرة ، ومثله قال في الخلاف ، وقال ابن البراج : إذا نذر عتق رقبة معينة أعتقها على كل حال ، سواء كانت مؤمنة أو كافرة ، وان كانت غير معينة أعتق أي رقبة بعد أن لا تكون كافرة ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وقال ابن إدريس : لا يجوز عتق الكافرة مطلقا ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (2) ، والكافر خبيث واختاره المصنف.

قال رحمه اللّه : ومن نذر أن لا يبيع مملوكا لزمه النذر ، فان اضطر الى بيعه ،

ص: 508


1- ما بين القوسين ليس في النسخ.
2- البقرة : 267.

قيل : لم يجز ، والوجه الجواز مع الضرورة.

أقول : القول بعدم جواز البيع وان اضطر قول الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج ، لما رواه الشيخ في الضعيف ، عن الحسن بن علي ، عن أبي الحسن عليهم السلام : «قال : قلت له : إن لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية ، وهي تحتمل الثمن الا أنى حلفت عليها يمين ، فقلت : لله على أن لا أبيعها أبدا ولى الى ثمنها حاجة مع تخفيف المونة ، فقال : ف لله بنذرك» (1) ، ومنع ابن إدريس من ذلك وجوز البيع مع الضرورة ، للإجماع (على جواز) (2) مخالفة النذر إذا كانت المخالفة أصلح دينا أو دنيا ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

فروع : الأول : لو باع ما نذر ترك بيعه من غير ضرورة بل كان الاولى ترك البيع ، هل يصح البيع؟ يحتمل عدم الصحة ، لكونه منهيا عنه ، لأنه ممنوع من البيع منعا شرعيا ، فهو كبيع المحجور عليه فلا يقع صحيحا ، ويحتمل الصحة ، لأنه بيع صدر من مالك بالغ عاقل فيكون صحيحا ، والنهي الموجب للبطلان النهي المتعلق بالعبادات لا في المعاملات ، وهو المعتمد ، فحينئذ تجب الكفارة بمخالفة النذر اختيارا ، ولو قلنا بالبطلان لم يجب الكفارة.

الثاني : إذا نذر أن يعتق عبده إن برئ المريض أو قدم المسافر ، هل يجوز له بيعه قبل حصول الشرط؟ يحتمل ذلك ، لأنه قبل حصول الشرط مالك للعبد ملكا تاما ، ولم يوجد مانع من التصرف فيه ، لأن المانع وجوب الوفاء بالنذر وهو مشروط بوقوع الشرط ، ويستحيل تقدم المشروط على شرطه ، والمقتضي لجواز البيع موجود وهو الملك التام ، والمانع وهو وجوب الوفاء بالنذر مفقود ، فيجوز

ص: 509


1- التهذيب ، كتاب الايمان والنذور والكفارات ، باب 5 في النذور ، حديث 26. وفيه (ف لله بقولك له). والوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 17 من أبواب النذر ، حديث 11 (وفيه بدل - ف لله بنذرك - ف لله بقولك).
2- في «ر 1» : مع.

البيع. وهو مذهب ابن الجنيد وظاهر العلامة في المختلف.

ويحتمل العدم لتعلق النذر به ، ولهذا قال علماؤنا : لو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأتلفه اليوم باختياره كان عليه الكفارة ، فاقتضى ذلك تعلق النذر بهذه العين قبل مجي ء الغد ، فلا يصح بيعه قبل حصول الشرط ، وهو اختيار فخر الدين ، لأن النذر قبل حصول الشرط له صلاحية التأثير ، وإخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير فلا يكون جائزا وهو قوي ولو نذر الصدقة بعين مشخصة عند حصول الشرط كان الحكم بجواز بيعها قبل حصول الشرط كذلك.

الثالث : ولو قلنا بجواز البيع فأعتق العبد ، المنذور عتقه عند حصول الشرط ، قبل حصوله ، (وتصدق بالعين التي نذر الصدقة بها كذلك ، صح العتق والصدقة قطعا ، ولو قلنا بالمنع من البيع فأعتق) (1) أو تصدق قبل حصول الشرط ، هل يقع ذلك صحيحا؟ يحتمل العدم ، لأنه ممنوع من التصرف المخرج من الملك قبل حصول الشرط ، لما في ذلك من إبطال النذر الذي ألزم بالوفاء به ، فيكون فعلا منهيا عنه ، والنهي يدل على فساد ما اشترط فيه نية القربة ، وهي مشروطة في العتق والصدقة ، فلا يقع شي ء من ذلك صحيحا ، ويحتمل وقوعه صحيحا ، لأنه تصرف قد صادف الملك وهو فعل مرغب فيه غير مناف لغاية النذر ، لأن الغاية فيه تحصيل العتق أو الصدقة بتلك العين ، فاذا فعل ذلك قبل الوجوب عليه كان ذلك مسارعة في الخير ومبادرة في الطاعة ، فيكون صحيحا ، لعدم منافاته لغرض الشارع وهو المعتمد.

الرابع : لو نذر عتق عبده غدا فأعتقه اليوم تبرعا ، هل يكون الحكم كذلك؟ يحتمل العدم للفرق بين المعلق على شرط والمعلق على صفة ، لتحتم وقوع

ص: 510


1- ما بين القوسين ليس في «م».

الصفة والشك في حصول الشرط ، فسبب (1) الوجوب المعلق على صفة متحقق ، والمعلق على الشرط مشكوك فيه ، ولهذا قال علماؤنا : ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث ، لتحقق المخالفة ، ولو كان معلقا على شرط لم يتحقق الحنث بإتلافه قبل حصول الشرط قولا واحدا وان حرم الإتلاف ، فعلى هذا لا يصح عتقه قبل الغد.

ويحتمل الصحة وعدم الحنث ، للفرق بين العتق وأكل الطعام ، لأن أكل الطعام من باب المباح المتساوي فعله وتركه ، ولم يكن أكله في اليوم أولى من أكله في الغد والا لم يتحقق الحنث ، والعتق من باب الطاعات المندوب (2) إلى المسارعة إليها والمبادرة فيها (3) ، وتعجيل الطاعة أولى من تأخيرها فيصح العتق ولا حنث ، لعدم المنافاة كما قلناه أولا ، وهو (فتوى ابن إدريس بجواز) (4) مخالفة النذر إذا كانت المخالفة أصلح دينا أو دنيا.

قال رحمه اللّه : ولو نذر الصدقة في موضع معين وجب ، ولو صرفها في غيره أعاد الصدقة بمثلها فيه.

أقول : إنما وجبت الإعادة فيه ، لأنه إذا نذر الصدقة بموضع معين أستحق النذر أهل ذلك الموضع ، فكأنه نذر الصدقة على أقوام معينين ، فاذا تصدق في غير ذلك الموضع فقد دفع النذر الى غير المنذور له ، فلا تجزيه الصدقة وتجب الإعادة على المنذور له ، فان كان المال معينا وجبت الكفارة أيضا والا اكتفى بالإعادة.

وهل تجزي الصدقة على أهل ذلك البلد المعين في غيره؟ استشكله العلامة في القواعد من أن النذر الصدقة في بلد معين ينصرف الى أهل ذلك البلد ، وقد

ص: 511


1- في الأصل : فيثبت.
2- في الأصل : المندوب.
3- في النسخ : إليها.
4- في النسخ بدل ما بين القوسين : قوي لجواز.

تصدق عليهم فيخرج من العهدة ، ومن أنه لم يأت بالمنذور فلا يخرج من العهدة ، والمعتمد إن بقي في البلد أحد وجب الصرف اليه ولا يجوز في غيره ، وإن لم يبق أحد صرف إلى أهله أين كانوا.

فروع : الأول : إذا نذر الصدقة إلى (1) أقوام معينين لزم وان كانوا أغنياء أو هاشميين ، وهل يجب عليهم القبول؟ فيه إشكال ، من توهم أنه كالدين فيجب قبوله ، لأنه يجب على الديان قبول دينه عند الدفع إليه إذا كان حالا ، ومن توهم أنه كالهبة المنذورة المعينة (2) ، فلا يجب القبول ، فحينئذ إذا دفعه إليهم ولم يقبلوا بطل النذر ، لتعذر مصرفه وسقط عن الناذر ، وهو مذهب العلامة وابنه ، ولا يبطل النذر على القول بوجوب قبولهم مع الرد.

الثاني : لا يملك المنذور له الإبراء إذا تعلق النذر بعين مشخصة ، لأن الإبراء يتناول ما في الذمم ، والعين ليست كذلك ، ولا يجزي القيمة ، ولو نمت العين قبل دفعها الى المنذور له كان النماء تابعا للملك ، فان قلنا بالملك القهري فهو للمنذور له ، وإن قلنا انه لا يملك الا بالاختيار فهو للناذر.

ولو كان المنذور غير مشخص بل في الذمة ملك المنذور له الإبراء ، وجاز احتساب الدين والمعاوضة ، إن كان صيغة نذره ان لفلان علي كذا ، وإن نذر الصدقة عليه أو الإهداء اليه أو الإيصال لم يجز الإبراء والاعتياض ، فلو مات أحدهما قبل الصدقة أو الإهداء أو الإيصال وكانت صيغة نذره لفلان علي كذا لم يبطل النذر بموت المنذور له وينتقل النذر الى ورثته ، ولا كفارة على الناذر ، لعدم تحقق المخالفة فإنه لم ينذر غير إثبات الشي ء في ذمته لزيد مثلا ، ولم ينذر دفعه اليه فصار كالدين المعلق في ذمته ، ولهذا لم يبطل بالموت من أحدهما.

ص: 512


1- كذا.
2- في النسخ : لمعين.

الثالث : ذهب الشهيد الى جواز مطالبة المنذور له للناذر بالنذر على كل تقدير ، سواء كان النذر معلقا بعين مشخصة أو بشي ء مقدر بالذمة ، وسواء كانت صفة النذر أن له على كذا أو أتصدق عليه أو أهدى اليه ، وهو يشكل على القول بالمواسعة وهو مذهبه ، لأن كل موضع (1) لا يلزم من عليه الحق الدفع حالا ليس للغريم المطالبة ، كالدين (2) المؤجل ، وقد يجاب بأن الدفع هنا واجب وان جاز التأخير ، وإذا وجب الدفع جازت المطالبة بخلاف الدين المؤجل فإن الدفع غير واجب قبل حلول الأجل ، فلهذا لم يجز المطالبة ، وقول الشهيد هو المعتمد إلا أنه مع الامتناع من الدفع لا يجوز حبسه ولا مقاصته لإباحة التأخير له.

الرابع : إذا قيد النذر بعين مشخصة أو قدر الفعل بزمان معين ، فأخر حتى تلفت العين أو فات الزمان اختيارا كان عليه القضاء والكفارة ، وإن كان غير مختار فالقضاء خاصة.

قال رحمه اللّه : ولو نذر أن يهدي واقتصر ، انصرف الإطلاق في الهدي الى النعم ، وله أن يهدي أقل ما يسمى من النعم هديا ، وقيل : كان له ان يهدي ولو بيضة ، وقيل : يلزم ما يجزي في الأضحية ، والأول أشبه.

أقول : جزم الشيخ في الخلاف بأن إطلاق الهدي ينصرف الى ما يجزي في الأضحية من النعم ، وهو الثني من الإبل والبقر والمعز ، والجذع من الضأن ، سواء نكر مثل أن قال : لله على أن أهدى هديا ، أو عرف بالألف واللام كأن يقول : لله علي أن أهدى الهدي ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، بأنهم رووا : «أن الهدي لا يقع الا على النعم» (3) ، وقوى في المبسوط أن يلزمه أقل ما يقع عليه

ص: 513


1- في الأصل : حق.
2- في «م» و «ر 1» : كالنذر.
3- الوسائل ، كتاب الحج ، باب 10 من أبواب الذبح ، حديث 1 ، 5 ، 9 ، 11.

الاسم من تمرة أو بيضة فما فوقها ، لأن اسم الهدي يقع عليه لغة ، وشرعا ، يقال : أهدي بيضة وتمرة ، وقال تعالى ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (1) ، وقد يحكمان بقيمة عصفور أو جرادة ، وسمى النبي صلى اللّه عليه وآله البيضة هديا فقال : «في التكبير إلى الجمعة الا ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة» (2) ، واختاره العلامة في المختلف لأصالة براءة الذمة من الزائد على ذلك ، واختاره المصنف انصراف الإطلاق إلى النعم وأجزأ أقل ما يسمى هديا ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وبه قال فخر الدين والشهيد وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو نذر أن يهدي الى بيت اللّه سبحانه غير النعم ، قيل : بطل النذر ، وقيل : يباع ذلك ويصرف في مصالح البيت.

أقول : القول بالبطلان قول ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس وابن أبي عقيل ، لأصالة براءة الذمة ، ولما رواه أبو بصير في طريق ضعيف عن الصادق عليه السلام : «فان قال الرجل : أنا أهدي هذا الطعام ، فليس بشي ء إنما يهدي البدن» (3) ، ولأنه لم يتعبد بالإهداء إلا في النعم فيكون نذرا لغير متعبد به.

وقيل : ينعقد النذر ويباع ذلك ويصرف في مصالح البيت ، واختاره العلامة في المختلف ، وبه قال فخر الدين والشهيد ، لأنه طاعة وقربة فيقع لمساكين تلك البقعة فينعقد ويجب الوفاء ، والخلاف أنما هو في غير النعم وغير العبد والجارية والدابة ، لإجماعهم أن من جعل عبده أو أمته أو دابته هديا لبيت اللّه ، بيع ذلك وصرف في مصالح البيت.

ص: 514


1- المائدة : 95.
2- سنن البيهقي ، ج 3 ص 226.
3- الوسائل ، كتاب النذر والعهد ، باب 1 من أبواب النذر ، حديث 3.

قال رحمه اللّه : ولو نذر نحر الهدي بمكة وجب ، وهل يتعين التفرقة بها؟ قال الشيخ : نعم عملا بالاحتياط ، وكذا بمنى ، ولو نذر نحره بغير هذين ، قال الشيخ : لا ينعقد ، ويقوى أنه ينعقد ، لأنه قصد الصرف على فقراء تلك البقعة ، وهو طاعة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا نذر أن ينحر بمكة ولم يزد على هذا ، قال قوم : يلزمه النحر والتفرقة معا بها ، ومنهم من قال : يلزم النحر فقط ، ويفرق اللحم حيث يشاء ، والأول أقوى عندنا (1) وأحوط ، فاما إن نذر بغير مكة كالبصرة والكوفة وغيرهما ، فان نذر أن ينحر ويفرق اللحم بها لزمه ذلك ، لأن نذره لمساكين تلك البقعة ، وإن أطلق ولم يذكر تفرقة اللحم ، قال قوم : إنه يلزمه النحر وتفرقة اللحم بها ، ومنهم من قال : لا ينعقد نذره أصلا ، وهو الأقوى عندي ، لأن الأصل براءة الذمة.

وقال في الخلاف : فان نذر نحره بالبصرة أو الكوفة لزمه الوفاء ، ويفرق في الموضع الذي ذكره ، واختار المصنف مذهب الخلاف ، وهو ظاهر العلامة في الإرشاد والتحرير ، فإنه اختار فيهما انعقاد النذر ولم يذكر التفرقة ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : وهو اختيار الشيخ في الخلاف ونجم الدين ، فدل على أن مذهب الخلاف كمذهب الإرشاد والشرائع ، وهو انعقاد النذر ووجوب التفرقة في موضع النحر وإن كان بغير مكة ومنى.

وفصل الشهيد في دروسه بعد أن أوجب تفرقة اللحم بمكة ومنى إن كان النحر فيهما ، فقال : ولو نوى غيرهما وقصد الصدقة أو الإهداء للمؤمنين صحّ ، وإن قصد الإهداء للبقعة بطل ، وإن قصد مجرد الذبح فيهما فهو من باب المباح ،

ص: 515


1- في «ن» : عنده.

وهو جيد مع حصول القصد ، والاشكال انما هو مع الإطلاق واعتقاد القصد ، لأنه المبحوث عنه.

ص: 516

في اللواحق

قال رحمه اللّه : والشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما ، ولو صام شوالا وكان ناقصا أتمه بيوم بدلا عن العيد ، وقيل بيومين ، وهو حسن.

أقول : تردد الشيخ في المبسوط بين الإتمام بيوم أو يومين ، ففي أول بحثه حكم بالإتمام بيومين ، وفي آخره قوى الإتمام بيوم ، ووجه الإتمام بيومين : أن الشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوما ، وهو قد أفطر يوما من شوال فصار الاعتبار بالعدد ، ووجه الإتمام بيوم واحد ، لأنه لم يفطر من الشهر الهلالي غير يوم فلا يجب عليه غيره ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : [الثالثة :] إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان لم ينعقد ، لأن صيامه مستحق بغير النذر ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن صيامه مستحق بغير النذر ولا يمكن وقوع غير رمضان فيه فلا ينعقد نذره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، ومن انعقاد الإجماع على انعقاد النذر إذا كان المنذور طاعة ، ووجوب صومه بأصل الشرع لا ينافي الانعقاد ، لما فيه من الحث على فعل الواجب ، حذرا من لزوم

ص: 517

الكفارة معه ، لأنه مع الإخلال يلزمه كفارتان ، وقيل النذر كان يلزمه كفارة واحدة ، فيحصل تأكيد الوجوب ، وهو مذهب العلامة والشهيد وهو المعتمد.

فرع : على القول بانعقاد نذر الواجب ينبغي التعرض لنية المنذور الموكل مع الأصل مثل ان يقول : أصوم غدا لوجوبه علي بالأصل والنذر قربة الى اللّه ، ويجوز ترامي النذر أيضا وتعدد الكفارة بتعدده ، كما لو نذر أن يصوم شهرا مطلقا ، ثمَّ بعد انعقاد النذر نذر أن يصومه من سنة معينة ثمَّ بعد انعقاده نذره بعينه بشهر معين من تلك السنة ، فان أخل به حتى مات لزمه ثلاث كفارات وإن اتى به في غير السنة المعينة لزمه كفارتان ، وإن أتى به في تلك السنة المعينة في غير ذلك الشهر المعين منها لزمه كفارة واحدة.

قال رحمه اللّه : [الخامسة :] إذا عجز الناذر عما نذره سقط ، فلو نذر الحج فصدّ سقط النذر ، وكذا لو نذر صوما ، لكن روي في هذا : يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه محمد ابن منصور ، عن الرضا عليه السلام ، «قال : كان يقول من عجز عن صوم نذره فمكان كل يوم مد» (1) ، وقد سبق البحث في ذلك في باب الكفارات (2).

قال رحمه اللّه : وكفارة المخالفة في العهد كفارة يمين ، وفي رواية : كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان (3) ، وهي أشهر.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب الكفارات (4) ، والمعتمد أنها كفارة

ص: 518


1- الوسائل ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب بقية الصوم الواجب ، حديث 2 وفيه اختلاف يسير.
2- ص 289 لكن ليس فيه صورة العجز.
3- الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب 24 من أبواب الكفارات : حديث 2.
4- ص 290.

من أفطر يوما من شهر رمضان.

قال رحمه اللّه : [السابعة :] النذر والعهد ينعقدان بالنطق ، وهل ينعقدان بالضمر والاعتقاد؟ قال بعض الأصحاب : نعم ، والوجه : أنهما لا ينعقدان الا بالنطق.

أقول : الانعقاد بالضمير والاعتقاد مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، وهو ظاهر المفيد ، لقوله عليه السلام : «إنما الأعمال بالنيات» (1) ، وإذا انتفى العمل عند انتفاء النية وجب تحققه عند تحققها ، ولأن المناط في العبادات (2) اللفظية الاعتقاد ، وهو هنا حاصل ، واللفظ انما هو لإعلام الغير بما في الضمير ، واللّه تعالى عالم بسرائر القلوب ، ولقوله تعالى ( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ ) (3).

وقال ابن الجنيد : لا ينعقد الا باللفظ مع النية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لان النذر إيقاع فلا يكفي فيه مجرد النية ، كاليمين والعتق ، ولأنه من الأسباب ولا يجري على ما في القلوب بل لا بد من ظهورها.

ص: 519


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 10.
2- في الأصل : الاعتقادات.
3- البقرة : 284.

ملاحظة

قد تمت طريقة التحقيق في هذين الجزأين - أي الثالث والرابع - على خلاف ما قبلهما ، لتوفر نسخة مهمة لدينا تبدأ من كتاب النكاح إلى نهاية الشرح ، وقد عرّفنا بها في مقدمة التحقيق ج 1 ص 20 ورمزنا لها ب- «ي» فراجع.

لذا جعلناها «أصلا» ، وما خالفها من بقية النسخ أشرنا إليه في الهامش ، إلا ما اعتقدنا خطأه في نسخة الأصل فصححناه اعتمادا على النسخ الأخرى ، مع الإشارة إلى ذلك.

ص: 520

محتويات الجزء الثالث

كتاب النكاح

الموضوع / الصفحة

آداب العقد

في اللواحق... 7

تنبيه في الفرق بين المحاسن وبين الوجه والكفين... 9

فرع في حكم نظر الوكيل إلى المرأة التي يريد تزويجها للموكل أو الأمة التى يريد شراء ها له... 11

حكم النظر إلى نساء أهل الذمة وإلى شعورهن... 11

في النظر إلى المحارم... 12

في جواز تبرج النساء قبال الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء... 12

حكم نظر الخصي إلى المرأة... 13

حكم الوطء في الدبر... 13

حكم العزل عن الحرة... 14

مسألة فى دية النطفة... 14

في خصائص النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)... 17

ص: 521

في العقد... 21

حكم العقد وقع بغير الماضي... 22

حكم الإخلال بذكر الأجل في العقد المنقطع... 23

حكم السكران أو السكرى إذا زوجت نفسها... 24

في أولياء العقد... 27

في حكم ولاية الجد مع بقاء الأب... 27

في ثبوت الخيار للصبية بعد البلوغ إذا زوجها أبوها جدها له... 28

في ثبوت الخيار للصبي إذا زوجه أبوه أو جده لأبيه... 29

في ثبوت ولايتهما على البكر البالغة الرشيدة... 29

في ولاية الوصي على النكاح... 30

لو وكلته في تزويجها منه... 30

لو زوجها الولي بدون مهر المثل... 30

حكم سكوت البكر... 32

في جوازها نكاح الأمة بإذن مالكها... 32

إذا زوجها الاخوان برجلين... 33

فروع في اختلاف الوكيلين أو الوليين... 34

في ولاية الأم على الولد... 35

في العقد الفضولي مع انكار الزوج الاذن... 36

في أسباب التحريم... 37

في الرضاع... 39

في تقدير ما ينشر الحرمة... 40

فرع فيما لو حصل الاشتباه في الرضاع... 43

فى كراهية استرضاع من ولادتها عن زنا... 43

ص: 522

فرع في جواز ترويج الفحل لأخت المرتضع وجدته... 44

إذا عقد الانسان على امرأة ثم فارقها قبل الدخول لم تحرم عليه بنتها فهل تحرم امها 48

هل للعمة الخالة الخيار في اجازة العقد ونسخه فيما لو تزويج بنت اخيها أو أختها 50

الزنا بالمرأة هل ينشر حرمة التزويج في أمها وبنتها... 51

حكم الوطيء بالشبهة... 53

حكم النظر واللمس الذي يسوغ لغير المالك... 53

هل تحرم المملوكة على أبي اللامس أو ابنه إذا أو لمس ما يسوغ لغير المالك حكم ما لو تزوج بأختين         54

حكم ما لو وطيء أمة بالملك ثم تزوج بأختها... 56

في شرطي جواز عقد الحر على الأمة... 57

فروع... 58

في عدم جواز نكاح الأمة على الحرة إلا باذنها... 58

حكم المفضاة التي لم تبلغ تسعاً... 59

حكم الدخول بالمعتدة... 61

فروع... 64

حكم التزوج بذات البعل... 64

حكم وطي الأمة في الاستبراء... 65

في أن من زنا بامرأة لم يحرم عليه نكاحها... 65

في جواز نكاح الزانية على كراهية... 65

حكم الزنا بذات عدة بائن أو وفاة أو عدة المستمتع بها... 67

إذا طلق احدى الاربع بائناً وتزوج اثنتين... 67

ص: 523

في عدم جواز نكاح غير الكتابية... 67

في جواز نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى... 68

في نكاح المجوسيات... 69

حكم ما لو أسلمت زوجته قبل الدخول... 69

إذا تزوج امرأة وبنتها ثم أسلم بعد الدخول بهما حرمتا... 70

لو اسلم العبد وعنده أربع حرائر وثينات... 71

في ان اختلاف الدين فسخ لا طلاق... 71

إذا لم يسم مهراً ثم أسلم قبل الدخول... 71

إذا سمى مهراً فاسداً كالخمر والخنزير ثم اسلم بعد الدخول وقبل قبض المهر... 72

إذا ارتد المسلم بعد الدخول... 72

لم اسلم على أكثر من أربع ثم اسلمن فى العدة... 73

في ان اباق العبد طلاق امرأته فانه بمنزلة الارتداد... 74

في مسائل من لواحق العقد... 75

في ان الكفاءة شرط في النكاح... 75

هل يشترط التساوي في الايمان... 75

فرع... 76

لو تجدد عجز الزوج عن النفقة هل تتسلط على الفسخ... 78

تنبيه في أن التمكن من المؤنة هل هو شرط في وجوب الاجابة... 78

في وجوب اجابة المؤمن القادر على النفقة إذات خطب ولو امتنع الولي كان عاصياً 79

فرعان... 80

في انتماء الرجل إلى قبيلة وتزوج فبان الخلاف... 81

فرع... 81

ص: 524

إذا تزوج بامرأة ثم علم أنها كانت زنت... 82

لوخطب فأجابت هل يحرم على غيره خطبتها... 82

في بطلان العقد مع اشتراط المرأة على المحلل ان لا نكاح بينهما بعد التحليل... 83

في اشتراطها الطلاق بعد التحليل... 83

في بطلان نكاح الشغار... 83

فرع... 84

النكاح المنقطع

ضبط الأجل ومعلوميته... 88

فرعان... 89

في أن الشروط يجب أن تقرن بالايجاب والقبول... 90

في ان المستمتع بها تبين بانقضاء المدة... 90

في انه لا يقع لعان بالمستمتع بها لنفي الولد... 91

لاتوارث بين الزوجين في المنقطع... 92

في عدة المستمتع بها... 93

نكاح الاماء

تنبيه في صيغة العقد هنا... 101

في انه إذا ملك بعض زوجته بطل عقده عليها... 102

إذا اعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها... 103

فروع تتعلق في خيار المملوكة المزوجة بعد العتق... 105

في جواز جعل عتقه الأمة صداقها... 106

ص: 525

في ان الولد تنعتق بعد وفاة مولاها من نصيب ولدها... 107

لو زوج عبده بحرة ثم باعه قبل الدخول... 110

في ان طلاق الأمة بيد المولى... 111

فرعان... 112

حكم ما لو استقل العبد باطلاق من غير اذن السيد... 112

هل أمر المولى بالطلاق يكون فسخاً... 112

في ملك المنفعة... 115

فروع... 115

حكم تحليل امته لمملوكه... 117

في ان ولد المحللة حر... 119

في العيوب

في عيوب الرجل... 121

تنبيه في أن الجنون أو الجبب يبيحان الفسخ وان تجددت بعد الوطي... 123

في تعريف القرن... 125

في أحكام العيوب

في الجنون... 125

في العنن... 126

في التدليس... 129

في المهور... 133

إذا جعل المهر عملاً مضموناً في ذمة الزوج... 133

ص: 526

حكم عقد المسلم على الخمر والخنزير... 134

حكم الزيادة على مهر السنة... 134

في جواز ان يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد... 135

فرع... 137

لو أصدقها ظرفاً على انه خل فبان خمراً... 137

في ان المهر مضمون على الزوج... 138

وهنا تحقيق... 138

لو وجدت في مهرها عيباً كان لها رده بالعيب... 138

في ان لها ان تمنع من تسليم نفسها حتى تقبض المهر... 139

فرعان لو زوجها الولي بدون مهر المثل... 140

فروع... 141

تنبيه في انه يجب على الفقيه ان يعرف مهر المثل على وجه كلي... 142

تنبيه آخر الاعتبار لمهر المثل المستند إلى العقد الفاسد يوم الوطي لا يوم العقد... 143

لو فوضت تقدير المهر إلى أحدهما (هي أو الزوج)... 144

في الدخول الموجب للمهر... 145

إذا لم يسم لها مهراً وقدم لها شيئاً ثم دخل كان ذلك مهرها... 147

لو شرط ان لايفتضها لزم الشرط... 150

إذا شرط ان لا يخرجها من بلدها... 152

في ان الصداق يملك بالعقد... 153

فرعان... 155

في الاختلاف في أصل المهر... 157

ص: 527

إذ خلا بها فادعت المواقعة... 159

في القسم

في ان القسمة بين الأزواج حق على الزوج... 161

في اختصاص القسم بالليل... 162

في سقوط القسمة بالسفر... 164

في النشوز... 167

في صورة الهجر... 167

في الشقاق... 169

في ان بعث الحكم على سبيل التحكيم لا التوكيل... 169

أحكام الأولاد

في ان أقصى الوضع هو تسعة أشهر... 171

في أحكام الولادة

حكم العقيقة... 173

في الحضانة

في عدم وجوب الرضاع على الأم... 175

إذا ادعى الأب وجود متبرعة وانكرت الأم... 176

في حق الحضانة... 177

ص: 528

فرع يتعلق بسقوط حضانة الأم... 178

في ان أولوية الرضاع للأم ما لم تطلب اجرة زائدة... 178

إذا طلقت الأم فهل ترجع حضانتها... 178

في النفقات

هل ان وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين... 181

فروع... 181

حكم النفقة مع صغر أحد الزوجين وعدم تمكنه... 182

في سقوط نفقة البائن وسكناها... 183

في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها... 184

في تقدير الإطعام... 185

في كسوة الزوجة وهل هي إمتاع أو تمليك... 186

في نفقة زوجة المملوك... 188

في نفقة الأقارب

في نفقة الأبويين والأولاد... 191

تنبيه وفيه ان المانع من الارث مانع من وجوب الانفاق... 192

كتاب الطلاق

في المطلق

في طلاق الغلام الذي لم يحتلم... 195

في طلاق الولي عمن بلغ فاسد العقل... 196

ص: 529

في الوكالة في الطلاق للغائب... 196

حكم توكيلها في طلاق نفسها... 197

في المطلقة

في تقديرة المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب... 199

هل يشترط تعيين المطلقة بالاسم أو بغيره لمن كان له من زوجة... 200

تنبيه يتفرع عليه فروع... 201

إذا نظر إلى اجنبية وزوجته فقال إحداكما طالق... 203

في الصيغة

في الطلاق بغير الصيغة المعهود... 205

في طلاق الأخرس... 206

لوخيرها وقصد الطلاق... 207

في الطلاق المعلق... 210

في تنصيف الطلاق... 211

في الاشهاد

في اشتراط العدالة بالشاهدين... 213

فروع تتعلق بعدالة الشاهدين... 213

في أقسام الطلاق

في طلاق الحامل... 217

في تعريف الطلاق البدعي والسني... 217

ص: 530

في طلاق الحائل ثم مراجعتها... 219

في طلاق المريض

في اقرار المريض بطلاق زوجته في حال الصحة ثلاثاً... 233

إذا سألته الطلاق فلا إرث لها... 224

في ما يزول به تحريم الثلاث

في المحلل وشروطه... 227

لو ادعت المطلقة ثلاثاً انها تزوجت وقضت العدة... 228

فرع في جواز العقد على المرأة لو ادعت انها مطلقة وانقضت عدتها... 229

في الرجعة

في عدم تحقق الرجعة المعلقة على شرط... 231

حكم ارتداد المطلقة رجعية... 232

في كيفية رجعة الأخرس... 232

لو تزوجها في العدة الرجعية... 233

في العدد

في الدخول الموجب للعدة... 235

في عدة المستقيمة الحيض... 235

في اقل زمان تنقضي به العدة... 236

في عدة اليائسة... 236

ص: 531

في حد اليأس... 237

في عدة المرأة المسترابة... 238

فرع... 240

حكم المدة في ما إذا طلقت في اثناء الشهر... 240

حكم المرتابة بالحمل... 241

في عدة الحامل

في أقضى مدة الحمل... 243

تنبيه في مضي اقصى مدة الحمل... 243

حكم الحامل باثنين... 244

فرع في انه لا تنقضى العدة بانفصال بعض الولد... 245

لو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعداً... 245

في عدة الوفاة

في وجوب الحداد على الأمة وعدمه... 247

حكم اعتداد زوجة المفقود باذن الحاكم ثم رجوعه بعد انقضاء العدة وقبل زواجها 248

فروع... 248

في انه لانفقة على الغائب في زمان العدة... 250

حكم الولد لستة أشهر من دخول الثاني... 250

في انه لاتوارث لو كان الموت بعد العدة... 251

حكم الميراث لومات أحدهما في العدة... 251

في ان البائنة لا ميراث فيها... 251

ص: 532

في عدة الاماء

في عدة الذمية... 253

في عدة أم الولد... 253

في اللواحق

حكم المطالقة في مسكن دون مستحقها... 255

في ان السكنى تابعة لوجوب النفقة... 255

كتاب الخلع

في الصيغة

في وقوع الخلع بمجرده... 259

تنبيه في انه لا يشترط تقديم البذل على الخلع... 259

هل ان وقوع الفرقة بلفظ الخلع طلاق أم فسخ... 260

في الفدية

في من يصح منه بذل الفداء... 263

لو خالعت في مرض الموت صح... 264

لو خلعها على عين فبانت مستحقة... 264

في صحة البذل من الأمة... 264

متى يجب الخلع على الزوج... 265

ص: 533

في الأحكام

متى يجوز للرجل عضل الزوجة... 267

في معنى العضل... 267

حكم الطلاق بشرط... 268

في معنى الولاء... 268

حكم البذل المجهول... 269

كتاب الظهار

في الصيغة

حكم شبيه بغير الأم (أي انه يقع الظهار؟)... 273

حكم التشبيه بيد الأم أو الشعر أو البطن... 274

في انه لايقع الظهار بجعله يميناً... 274

حكم تعليق الظهار على صفة... 275

هل يقع الظهار إذا قصد به اضرار المرأة... 276

في وقوعه موقوفاً على شرط... 277

هل يقع الظهار مؤقتاً... 277

في وقوعه بغير الصيغة المنصوصة... 278

في المظاهرة

في اشتراط الدخول وعدمه... 279

هل يقع الظهار بالمستمع بها... 279

في وقوعه بالموطوءة بالملك... 280

ص: 534

في الأحكام

في حرمة الظهار... 281

في وجوب الكفارة على المظاهر... 281

في تعدد الكفارة بتكرر الظهار... 282

في حرمة الوطي على المظاهر ما لم يكفر... 283

في حرمة ما دون الوطيء عليه... 284

في اجزاء الاستغفار إذا عجز من الكفارة... 285

في الكفارات

في كفارة من أفطر يوماً نذر صومه... 289

في كفارة الحنث في النذر... 289

في كفارة خلف العهد... 290

حكم من حلف بالبراءة من اللّه أو الرسول أو الأئمة عليهم السلام... 290

تنبيه في ترتب الحكم على الحلف لكل واحد أو للجميع... 291

هل تستقر الكفارة بمجرد الحلف أو لا بد من الحنث... 291

في جز المرأة شعرها في المصاب... 291

فروع... 292

في معنى الجز... 292

في كفارة الحيض مع التعمد... 292

حكم من تزوج امرأة في عدتها... 292

فروع... 292

في وجوب الكفارة على من تزوج بذات بعل... 292

ص: 535

في انه لا يجزي الصدقة من غير الدقيق... 293

حكم من نام عن (صلاة) العشاء حتى جاوز نصف الليل... 294

فروع... 294

في اعتبار الايمان في الرقبة في كفارة القتل وعدمه... 295

في المراد بالايمان... 296

تحقيق في مسألة اشتراط ايمان الرقبة... 297

في خصال الكفارة

في جواز عتق المولود في كفارة الظهار... 299

في اسلام المراهق... 300

في جواز عتق ولد الزنا في الكفارة... 300

في جواز عتق المدبر في الكفارات... 302

في عدم صحة عتق المرهون بدون إجازة المرتهن... 302

في جواز عتق العبد الجاني... 303

في تبرع أجنبي بالعتق عنه... 304

إذا أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت... 304

إذا قال: اعتق عبدك عني ففعل... 305

في كيفية ملك الطعام الذي قدم للأكل بقول مالكه (كل هذا الطعام)... 306

في انه يشترط في التكفير النية المشتملة على الوجه والقربة والتكفير... 307

في وقوع العتق عن غير الكفارة فيما لو قال له قائل اعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي كذا     308

حكم من أفطر في اليوم الثاني من الشهر الثاني في صوم الكفارة... 310

في عدم انقطاع التتابع لو أفطرت الحامل أو المرضع خوفاً على أنفسهما... 310

ص: 536

في ان الاكراه على الافطار لا يقطع التتابع... 310

في اقسام الاكراه... 311

في تخير المكفريين اطعام المساكين وبين التسليم اليهم... 311

في ان كفارة اليمين مخيرة بين العتق والاطعام والكسوة... 312

في وجوب كفارة الظهار بنية العود... 314

كتاب الايلاء

في الصيغة

في ان الايلاء لايتحقق إلا باللفظ الصريح... 317

حكم الايلاء المعلق على شرط أو صفة... 318

في المؤلي

في صحة الايلاء من المجبوب وعدمها... 319

في المؤلى منها

في انه لايقع بالمستمع بها... 321

في أحكام الايلاء

في معنى انقطاع الاستدامة... 324

حكم الوطء في مدة التربص... 324

ص: 537

كتاب اللعان

في السبب

في عدول القاذف عن البينة إلى اللعان... 329

في لحوق الولد بالخصي والمجبوب وعدمه... 330

في الملاعن

في صحة لعان الكافر... 333

في كيفية لعان الاخرس... 334

في الملاعنة

في اعتبار الدخول بالملاعنة وعدمه... 337

في ثبوت اللعان بين الحر والمملوكة... 338

في صيرورة الأمة فراشاً بالوطي وفي معناه... 339

في كيفية اللعان

في اشتراط ايقاع اللعان عند الحاكم... 341

في وضع الرجل والمرأة (من القيام أو القعود) حال تلفظه بالشهادة واللعن... 342

هل اللعان شهادات أو أيمان... 343

ص: 538

في الأحكام

فيما لو أكذب نفسه بعد اللعان... 345

في انه لايجب الحد عليها لو اعترفت بعد اللعان... 346

حكم اقرارها بعد القذف وقبل اللعان... 346

إذا قذفها فماتت قبل اللعان... 348

إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثم قذفها به... 349

حكم نكولها بعد القذف واللعان ثم قذفها الاجنبي... 351

حكم شهادة اربعة نفر على امرأة بالزنا أحدهم الزوج... 351

كتاب العتق

في أسباب العتق

في وقوع العتق بغير لفظ التحرير... 355

في الألفاظ الموضوعة للتحرير... 356

في اشتراط تعيين المعتق... 356

في صحة عتق الصبى... 358

في بطلان عتق الكافر... 358

في شروط صحة العتق... 359

في صحة عتق ولد الزنا... 360

في لزوم وفاء العتيق بشروط المعتق... 360

من نذر عتق أول مملوك فملك جماعة... 362

حكم العتق في مرض الموت... 363

تحقيق في مسألة العتق في مرض الموت... 367

ص: 539

في السراية

في عتق أحد الشريكين حصته... 371

فرع في وجوب السعي على العبد... 373

في انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شروط السراية... 373

فروع حول عتق حصة الشريك... 374

في ان عتق الشقص إما مباشرة بالصيغة أو بالسبب... 375

لو أعتق الحامل تحرر الحمل... 376

إذا دفع لمعتق قيمة نصيب شريكه... 376

في الملك

لو ملك من جهة الرضاع من ينعتق عليه... 379

في العوارض

في عتق من مثل به مولاه... 381

كتاب التدبير

في العبارة

في تعليق التدبير بوفاة غير المالك... 385

فرع لومات المالك أولاً... 386

في صحة تدبير المملوك لشريكين مع قولهما إذا متنا فأنت حر... 387

في اشتراط نية القربة... 388

ص: 540

في تعليق التدبير على شرط أو صفة... 389

في عدم جواز الرجوع في تدبير الولد... 389

في المباشر

في تدبير الصبي... 391

في تدبير الكافر... 391

في بطلان تدبير المرتد عن فطرة... 392

في عدم بطلان تدبير المرتد عن غير فطرة... 392

في الأحكام

في ان التدبير بصفة الوصية... 395

في بطلان التدبير لو كان على الميت دين يستوعب التركة... 397

في ان الكتابة منافية للتدبير... 398

كتاب المكاتبة

في الأركان

في اشتراط الأجل في الكتابة... 401

في حد العجز بالمبيع للفسخ في الشروط... 402

في أن الكتابة عقد لازم... 403

في معنى الجواز المقابل للزوم... 403

هل يشترط في صحة الكتابة اسلام السيد... 404

ص: 541

في جواز مكاتبة مملوك اليتيم من قبل وليه... 404

في اعتبار البلوغ والكمال والاسلام في المكاتبة... 405

لوكاتبة ثم حبسه مدة... 406

في الأحكام

في موت المكاتب... 409

فرع لو كان وارث المكاتب جماعة... 410

في تكفير المكاتب بغير الصوم بغير إذن مولاه... 411

إذا ملك المملوك نصف نفسه... 411

في اختلاف السيد والمكاتب في مال الكتابة... 412

في بطلان العتق مع رد العوض بالعيب... 413

في مكاتبة بعض عبده... 413

في اللواحق

إذا كان للمكاتب على سيده مال وحل للسيد شيء من النجوم... 415

في جواز شراء المكاتب لقريبه الذي ينعتق عليه... 416

في أحكام المكاتب

إذا قال ضعوا عنه أوسط نجومه... 419

ص: 542

كتاب الاستيلاد

إذا وطيء أمة الغير بشبهة أو بعقد فأولدها... 425

لو وطأ الذمي أمته فحملت منه وأسلمت... 425

إذا أوصى لأم ولده... 426

إذا جنت أم الولد... 427

في وليدة نصرانية اسلمت... 428

كتاب الاقرار

في الصيغة

في ان الاستثنا من الجنس جائز... 436

في المقر

في إقرار المفلس... 439

في اقرار المريض... 440

في قبول الاقرار بالمبهم... 442

في المقر له

في الاقرار للبهيمة... 443

في الاقرار للحمل... 443

ص: 543

فرع لو أقر لمسجد أو مقبرة... 444

لو أقر بعبد لانسان فأنكر المقر له... 444

فروع... 444

إذا أقر بعين لزيد فكذبه... 445

لورجع المقر له عن تكذيب المقر... 445

لو رجع المقر عن اقراره... 445

في ان الشهادة على الغير بعين في يده يكون اقراراً... 446

لو قال علي ألف وقطع ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضة... 446

في الاقرار بالنسب

في عدم اعتبار تصديق الصغير... 449

في ثبوت النسب... 450

في الجعالة

إذا رد الانسان عبد غيره أو ضالته... 453

لو جعل لواحد جعلا على الرد فشاركه آخر... 454

في اللواحق

لو اختلفا في قدر الجعالة... 457

ص: 544

كتاب الإيمان

في مابه ينعقد اليمين

في اقسام ما ينعقد به اليمين... 461

في المراد بالمعاني الموجبة للحال... 462

في الاستثناء بمشيئة اللّه... 464

في دخول الاقرار بالاستثناء... 465

في الحروف التي يقسم بها... 466

في الحالف

في صحة يمين الكافر وعدمها... 469

في يمين الولد والزوجة والمملوك... 470

فرع... 471

في متعلق اليمين

إذا حلف ان لايشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها... 473

إذا حلف أن لايأكل طعاماً اشتراه زيد فأكل ما اشتراه زيد وعمرو... 473

لوحلف لاشربت من الفرات... 475

إذا حلف لا يأكل الرؤوس... 476

إذا حلف لايأكل لحماً... 476

إذا حلف لايأكل شحماً... 476

ص: 545

إذا حلف لايأكل من هذه الحنطة فطحنها... 477

لو حلف لايأكل بسراً... 479

في معنى الفاكهة... 480

إذا قال لا شربت ماء هذا الكوز... 480

إذا حلف أن لا يتطيب... 481

لو حلف لا دخلت دار زيد... 482

لو قال: لا دخلت هذه الدار فانهدمت... 483

لوحلف: ليبيعن... 485

في المراد من الهبة وكيفية القبول فيها... 485

إذا حلف لايفعل ثم باشر الفعل بنفسه حنث... 486

إذا حلف ليضر بن عبده مئة سوط... 488

إذا حلف لا ركبت دابة العبد... 489

في حقيقة التسري... 489

إذا حلف لأقضين دين فلان إلى حين أو زمان... 490

في اللواحق

في عدم جواز الحلف بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من الأئمة عليهم السلام 493

إذا انعقدت يمين العبد ثم حنث وهو رق... 494

إذا حلف العبد باذن سيده ثم حنث بغير اذنه... 494

ص: 546

كتاب النذر

في الناذر

يشترط إذن الزوج في نذرة المرأة... 499

فرعان... 499

في الصيغة

في النذر المطلق... 501

في متعلق النذر

في نذر الحج... 503

لو نذر أن يمشي إلى بيت اللّه... 504

فرع إذا نذر المشيء إلى أحد المساجد... 504

لو نذر صوم يوم قدوم زيد... 505

لو نذر الصيام في بلد معين... 507

إذا نذر صلاة فأقل ما يجزيه ركعتان... 507

لو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين منه لزم... 508

لو نذر عتق عبد كافر غير معين لم ينعقد... 508

من نذر أن لا يبيع مملوكاً... 508

فرع... 509

إذا نذر أن يعتق عبده ان برئ المريض أو قدم المسافر هل يجوز له بيعه قبل

ص: 547

حصول الشرط... 509

لو نذر عتق عبده غداً فأعتقه اليوم تبرعاً... 510

لو نذر الصدقة في موضع معين... 511

فرع لو نذر الصدقة إلى اغنياء أو هاشميين... 512

في مطالبة المنذور له بالنذر... 513

لو نذر الهدي والطلق... 513

لو نذر أن يهدي الى بيت اللّه سبحانه غير النعم... 514

لو نذر نحر الهدي بمكة... 515

في اللواحق

في ان الشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون يوماً... 517

إذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان... 517

فرع... 518

إذا عجز الناذر عما نذره سقط... 518

في كفارة المخالفة في العهد... 518

في ان النذر والعهد ينعقدان بالنطق... 519

محتويات الكتاب... 521

ص: 548

المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1420 ه-.ق

الصفحات: 527

المكتبة الإسلامية

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ مفلح الصميري البحراني

من أعلام القرن التاسع الهجري

تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي

الجزء الرابع

دارالهادي

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1420 ه - 1999 م

دارالهادي للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 834265 - 820320 - فاكس: 603379 - 821203

ص.ب: 25/286 غبيري-بيروت-لبنان

ص: 2

كتاب الصيد

اشارة

ص: 3

ص: 4

فيما يؤكل صيده

قال رحمه اللّه : ولو أرسل المجوسي أو الذمي لم يحل أكل ما يقتله ، وإن أرسله اليهودي والنصراني فيه خلاف ، أظهره أنه لا يحل.

أقول : قال ابن أبي عقيل : ولا بأس بصيد اليهود والنصارى وذبائحهم ، واعلم أن الخلاف في حال الصيد كالخلاف في حال الذبح ، فمن قال بحل ذبائحهم قال بحل صيدهم ، وسيأتي (1) تحقيق ذلك إن شاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : وقيل : يحرم أن يرمي الصيد بأكبر منه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى تحريم رمي الصيد بما هو أكبر منه ، وحكم بتحريم الصيد أيضا مع اتفاق ذلك ، وذهب المصنف إلى الكراهة واختاره العلامة ، وهو المعتمد لأصالة الإباحة.

ص: 5


1- يأتي في أول كتاب الذباحة.

ص: 6

في أحكام الاصطياد

قال رحمه اللّه : ولو قطعه بنصفين فلم يتحركا فهما حلال ، ولو تحرك أحدهما فالحلال هو ، وقيل : يؤكلان إذا لم يكن في المتحرك حياة مستقرة ، وهو أشبه ، وفي رواية : يؤكل ما فيه الرأس ، وفي أخرى يؤكل الأكبر دون الأصغر ، وكلاهما شاذ.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، والمحقق من مذاهبهم أنه إذا قطع الصيد باثنين ، فان لم يتحركا حلا ، وان تحركا أو أحدهما فإن كان مع عدم استقرار الحياة حلا أيضا ، لعدم اعتبار هذه الحركة ، لأنّها كحركة المذبوح ، وان كان مع استقرار الحياة حل ما فيه الرأس مع التذكية ، وحرم الآخر ، لأنه أبين من حي فهو ميتة ، هذا هو المحقق وهو المعتمد ، والقول المشار إليه بأنهما يؤكلان إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة هو قول ابن إدريس ، والرواية المتضمنة أكل ما فيه الرأس هي رواية إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عليه السلام ، والرواية

ص: 7


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 35 من أبواب الصيد ، حديث 2.

المتضمنة أكل الأكبر دون الأصغر هي رواية النوفلي (1) عن الصادق عليه السلام أيضا ، وأقوال الأصحاب هنا كثيرة أعرضنا عنها لئلا يطول الكتاب واقتصرنا على المحقق منها الذي يجب المصير اليه.

ص: 8


1- المصدر المتقدم ، حديث 4.

في اللواحق

قال رحمه اللّه : إذا عض الكلب صيدا ، كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الأصح.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لنجاسة الكلب وقد لاقى موضع العضة برطوبة فيجب غسله ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لا يجب الغسل لإطلاق الاية (1) الأمر بالأكل من غير قيد الغسل فلا يجب ، والجواب عدم الأمر بالغسل لا ينافي وجوبه بدليل خارجي ، والدليل إجماع أصحابنا على نجاسة ما لاقاه الكلب برطوبة.

قال رحمه اللّه : إذا أرسل كلبه أو سلاحه فأدركه حيا ، فان لم تكن حياته مستقرة فهو بحكم المذبوح ، وفي الاخبار : أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده يركض رجله أو تطرف عينه ، أو يتحرك ذنبه ، وإن كانت مستقرة والزمان يتسع لذبحه لم يحل حتى يذكى.

أقول : اختلف الأصحاب في مستقر الحياة ما هو؟ قال الشيخ في المبسوط

ص: 9


1- المائدة : 4.

مستقر الحياة هو ما يمكن أن يعيش يوما أو نصف يوم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن حمزة : أدناه أن يطرف عينه أو تركض رجله أو يتحرك ذنبه ، وهو ظاهر المصنف في المختصر ، وهو الذي تضمنته الاخبار ، رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : في كتاب علي عليه السلام ، إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه ، فقد أدركت ذكاته » (1) ، وعن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك » (2) وروى محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : سألته عن الذبيحة؟ قال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي » (3) ، فهذه الأخبار دالة على مذهب ابن حمزة ، ولا شك أن مذهب الشيخ أحوط ، لحصول تعين الحل.

إذا عرفت هذا فغير مستقر الحياة غير صيد الكلب والسهم لم يحل بالتذكية سواء كان وحشيا أو إنسيا ، لأنه بحكم الميتة ، أما صيد الكلب والسهم إذا أدرك حيا وغير مستقر الحياة فهو حلال ، سواء ذكاة أو لم يذكه والذكاة أفضل.

قال رحمه اللّه : وقيل : إذا لم يكن معه ما يذبح به ، ترك الكلب يقتله ثمَّ يأكله إن شاء ، أما إذا لم يتسع الزمان لذبحه فهو حلال.

أقول : إذا أدرك الصيد وحياته مستقرة لم يحل إلا بالتذكية ، فان لم يكن معه ما يذكيه به ، قال الشيخ في النهاية : يترك الكلب حتى يقتله ثمَّ يأكل أن شاء ، وبه قال محمد بن بابويه وابن الجنيد واختاره العلامة ، لعموم قوله تعالى : ( فَكُلُوا

ص: 10


1- الوسائل ، كتاب الصيد الذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 6.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 5.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 3.

مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (1) ، ولما رواه جميل بن دراج في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه ، أفيدعه حتى يقتله الكلب ويأكل منه؟ قال : لا بأس » (2) وقال ابن إدريس : لا يحل بغير التذكية واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، واستحسنه في التحرير وهو اختيار فخر الدين وأبي العباس وهو المعتمد ، لأن كل مستقر الحياة غير ممتنع لا يحل بغير التذكية.

ص: 11


1- المائدة : 4.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 8 من أبواب الصيد ، حديث 1.

ص: 12

كتاب الذباحة

اشارة

ص: 13

ص: 14

في الأركان

قال رحمه اللّه : اما الذابح فيشترط فيه الإسلام أو حكمه ، ولا يتولاه الوثني. فلو ذبح كان المذبوح ميتة ، وفي الكتابي روايتان ، أشهرهما : المنع ، فلا تؤكل ذباحة اليهودي ، ولا النصراني ، ولا المجوسي ، وفيه رواية ثالثة ، تؤكل ذباحة الذمي ، إذا سمعت تسميته ، وهي مطروحة.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

الأول : تحريم ذبائح غير المسملين من جميع أصناف الكفار ، سواء كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ذهب اليه الشيخ والمفيد والمرتضى وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد لقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (1) ، والكافر لا يعرف اللّه ولا يذكره على الذبيحة ، ولا يعتقد ذلك فرضا ولا سنة ، وقد ورد في المنع روايات كثيرة ، منها : رواية سماعة في الموثق ، عن الكاظم عليه السلام ، « قال : سألته عن ذباحة اليهودي

ص: 15


1- الانعام : 121.

والنصراني؟ فقال : لا تقربها » (1).

الثاني : إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقا سواء سمعته يسمي أو لا ، وهو قول الحسن بن أبي عقيل وظاهر ابن الجنيد ، لقوله تعالى ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (2) ، وورد في ذلك روايات ، منها : صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم؟ قال : لا بأس به » (3).

الثالث : إباحة ذبائحهم مع سماع التسمية (4) من الذابح ، قال محمد بن بابويه ، لصحيحة حمران ، « قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني : لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم اللّه تعالى ، قلت : والمجوسي؟ قال : نعم إذا سمعته يذكر اللّه ، أما سمعت قول اللّه : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّه عليه » (5) ، وفي معناها غيرها من الصحاح (6) ، وأجاب الأولون عن الطعام بحمله على الحبوب ، وعن الروايات بحملها على التقية لا الضرورة.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط الايمان ، وفيه قول بعيد باشتراطه ، نعم لا تصح ذباحة المعلن العداوة لأهل البيت عليهم السلام وإن أظهر الإسلام.

أقول : البحث هنا في موضعين :

ص: 16


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذباحة ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 9.
2- المائدة : 5.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 34.
4- في الأصل : التذكية.
5- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 31 مع اختلاف يسير.
6- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 27 من أبواب الذبائح ، حديث 45 و 39 و 18.

الأول : في اشتراط الايمان وتحريم ذبائح المخالفين ، وهو مذهب ابن البراج وأبي الصلاح الحلبي وابن حمزة وابن إدريس ، وتحل عنده ذباحة المستضعف ، وعنى به من ليس منا ولا منهم ، وهو الذي لا يعرف الحق ولا يعتقد ضده ، واستدلوا برواية زكريا بن آدم ، « قال : قال أبو الحسن عليه السلام : إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلا في وقت الضرورة ، أو في محل التقية » (1) ، واكتفى الشيخ بالإسلام ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين والشهيد ، لعموم قوله تعالى ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) (2) ، ولما رواه محمد بن قيس ، عن الباقر عليه السلام ، « قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه عليه » (3) ، وللأصل ، وأجابوا عن الرواية المتقدمة بالحمل على الكراهة.

تنبيه : يشترط في إباحة ذبيحة المخالف التسمية كاشتراطه في إباحة ذبيحة المؤمن ، لتقييد الآية (4) والرواية (5) بذكر اسم اللّه ، وهل يشترط مع الذكر اعتقاد الوجوب؟ أكثر مصنفات الأصحاب خالية عن ذكر اعتقاد الوجوب وعدمه ، واشترط العلامة في المختلف اعتقاد الوجوب ، ولم يشترطه الشهيد في دروسه ، وأطلق الأصحاب تحريم الذبيحة مع الإخلال بالتسمية عمدا والحل مع

ص: 17


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 26 من أبواب الذبائح ، حديث 9. وليس فيها : ( أو في محل التقية ).
2- الأنعام : 118.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 28 من أبواب الذبائح ، حديث 1 ، رواية محمد بن قيس.
4- الانعام : 118.
5- هي رواية محمد بن قيس المتقدمة.

النسيان ، ولم يفصلوا بين معتقد الوجوب وغيره ، ولا بين المؤمن والمخالف.

وفصل الشهيد بين معتقد الوجوب وعدمه ، قال : ولو تركها عمدا فهو ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها ، وفي غير المعتقد نظر ، وظاهر الأصحاب التحريم لكنه يشكل بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبيا ، ولا ريب أن بعضهم لا يعتقد وجوبها فتحل الذبيحة ولو تركها عمدا.

قلت : انما كان ظاهر الأصحاب التحريم ، لأن جميع مصنفاتهم مصرحة بالتحريم مع الإخلال بالتسمية عمدا ، ولم يفرقوا بين معتقد الوجوب وعدمه ، واعترض الشهيد عليهم من حيث إطلاقهم اباحة ذبيحة المخالف مع أن بعضهم لا يعتقد وجوب التسمية ، ولم يفرقوا بين المعتقد للوجوب وغيره ، وغير المعتقد للوجوب يجوز له ترك التسمية عمدا ، وقد أباحوا ذبيحته لحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ، فهذا الإطلاق مناف لإطلاقهم التحريم مع ترك التسمية عمدا ، بل ينبغي تقييده بمعتقد وجوبها دون غيره وهذا الاعتراض غير وارد على صاحب المختلف ، لأنه اشترط في إباحة ذبيحة المخالف اعتقاد وجوب التسمية.

إذا عرفت هذا فلو سمى غير المعتقد للوجوب احتمل الحل ، لحصول الشرط ، وهو ذكر اسم اللّه على الذبيحة ، وهو ظاهر الشهيد ، ويحتمل العدم ، لأنه كغير القاصد إلى التسمية ، ومن ثمَّ لم تحل ذبيحة المجنون والسكران وغير المميز ، لعدم تحقق القصد إلى التسمية.

تنبيه : أجمع أصحابنا على تحريم ذبيحة الناصب وفي تفسيره وجوه :

الأول : أنه الخارجي الذي قال في علي عليه السلام ما قال ، وهو ظاهر المصنف والعلامة.

الثاني : أنه الذي ينسب الى أحد المعصومين ما يثلم العدالة.

الثالث : انه من إذا سمع فضيلة لعلي عليه السلام أو لغيره من المعصومين

ص: 18

أنكرها.

الرابع : من اعتقد فضيلة غير علي عليه السلام.

الخامس(1): من سمع النص على علي عليه السلام من النبي صلى اللّه عليه وآله ، أو بلغه متواترا أو بطريق يعتقد صحته فأنكره.

وهذه الوجوه نقلها المقداد في كتاب الوصايا من شرح المختصر ، ثمَّ قال بعد أن نقل هذه الوجوه : والحق صدق النصب على الجميع ، أما من يعتقد إمامة غيره للإجماع أو لم يكن لمصلحة ولم يكن من أحد هذه الأقسام الخمسة فليس بناصب.

قال رحمه اللّه : وهل تقع الذكاة بالظفر والسن مع الضرورة؟ قيل : نعم ، لأن المقصود يحصل ، وقيل : لا ، لمكان النهي ولو كان منفصلا.

أقول : تتعين التذكية بالحديد مع القدرة ولا يجوز بغيره ، سواء كان من المعادن كالذهب والفضة والنحاس ، أو الخشب والقصب أو غير ذلك مما يفري الأوداج غير الحديد ، ويجوز مع الضرورة كخوف فوات الذبيحة أو مع الحاجة الى أكلها بكل ما يفري الأوداج إذا تعذر ذبحها بالحديد.

وهل يجوز بالظفر والسن إذا أمكن فري الأوداج بهما؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى المنع ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، وذهب في التهذيب الى الجواز واختاره ابن إدريس والعلامة في التحرير والمختلف ، والشهيد في الدروس ، واعلم أن روايات أصحابنا خالية من ذكر الظفر والسن ، أما مصنفاتهم فمطبقة على اعتبار الحديد مع القدرة ، واجزاء ما عدا الظفر والسن مع الضرورة ، ثمَّ يترددون فيهما مع عدم النص عليهما من طريقهم ، وانما ورد النهي عنهما من طريق العامة ، روى رافع بن خديج ، بالخاء

ص: 19


1- ليست في الأصل.

المعجمة المفتوحة ، والدال المهملة ، والجيم بعد الياء المثناة تحت ، « قال : يا رسول اللّه إنا نرجوا أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى ، أنذبح بالقصب؟ قال : قال عليه السلام : ما أبهر الدم وذكر اسم اللّه عليه فكلوا الا ما كان من سن أو ظفر وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعظم من الإنسان ، وأما الظفر فمدى الحبشة » (1) ، استثنى الظفر والسن من المأكول فلا يكون مأكولا ، والسؤال انما وقع عن حال الاضطراري ، وبهذه الرواية استدل الشيخ في الخلاف على المنع.

ولم يفرق أصحابنا بين المنفصل والمتصل ، وفرق أبو حنيفة فأجاز مع الانفصال ومنع مع الاتصال ، لكون ذلك أشبه بالأكل والتقطيع ، والمقتضي للتذكية هو الذبح ، ولم يفرق الشافعي أيضا.

فرع : على ما تضمنته الرواية لا يجوز التذكية بعظم الإنسان عند الضرورة ، لتعليله السن بأنه عظم من الإنسان ، دل هذا على المنع من الذبح بعظم الإنسان ، وابن إدريس لم يعتبر هذه الرواية ، لأنها من طريق المخالفين.

قال رحمه اللّه : والواجب قطع الأعضاء الأربعة ، المري وهو مجرى الطعام ، والحلقوم وهو مجرى النفس ، والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم ، فلا يجزي قطع بعضها مع الإمكان ، هذا في قول مشهور ، وفي رواية : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن رجل لم يكن بحضرته سكين ، أيذبح بقصبة؟ قال : اذبح بالحجر ، والعظم ، والقصبة ، والعود ، إذا لم تصب الحديد ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس » (2) ، وفي حسنة عبد الرحمن بن الحجاج ،

ص: 20


1- سنن ابن ماجه ، كتاب الذبائح ، باب 5 ، حديث (3178).
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 2 من أبواب الذبائح ، حديث 3.

عن أبي إبراهيم عليه السلام ، « قال : سألته عن المروة والقصبة والعود يذبح بها إذا لم يجد سكينا؟ قال : إذا أفرى الأوداج فلا بأس » (1) ، واشترط في المبسوط والخلاف قطع الأعضاء الأربعة ، وانعقد عليه الإجماع ، فلو بقي من أحد الأعضاء الأربعة ولو بمقدار الشعرة لم تحل الذبيحة ، أما النحر فلا يشترط فيه قطع شي ء من الأعضاء ، بل يكفي الطعن في وهدة اللبة ، وهي النقرة التي بين الترقوتين ، والوهدة الموضع المنخفض والجمع وهاد ، واللبة المنحر والجمع لباب.

قال رحمه اللّه : فان نحر المذبوح أو ذبح المنحور فمات لم يحل ، ولو أدركت ذكاته فذكي حل ، وفيه تردد ، إذ لا استقرار للحياة بعد الذبح والنحر.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن إدريس الحل مع إدراك الذكاة ، لوجود المقتضي للحل ، وهو الذبح أو النحر ، وتردد المصنف ، لعدم استقرار الحياة بعد ذبح المنحور أو نحر المذبوح ، والمعتمد الحل إذا صادفت الذكاة حياة مستقره ، والتحريم مع عدم استقرار الحياة ؛ لأنه يجري مجرى ذبح الميت ، وكذا لو قطع بعض الأعضاء ثمَّ أرسله ثمَّ تممه ، فان كانت الحياة مستقرة أو قصر الزمان حل وإلا حرم.

قال رحمه اللّه : وفي إبانة الرأس عمدا خلاف ، أظهره الكراهة ، وكذا سلخ الذبيحة قبل بردها ، أو قطع شي ء منها.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : في إبانة الرأس عمدا ، وقد اختلف الأصحاب هنا على أربعة أقوال ، الأول : تحريم الأكل والفعل ، وهو قول الشيخ في النهاية ، الثاني : كراهتهما معا ، وهو قول ابن إدريس ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، الثالث : كراهة الفعل وتحريم الذبيحة ، وهو قول الشيخ في الخلاف ، الرابع : تحريم

ص: 21


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 2 من أبواب الذبائح ، حديث 1.

الفعل وكراهة الذبيحة ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين والشهيد وأبو العباس ، ومنشأ الاختلاف من اختلاف الروايات (1).

الثانية : في سلخ الذبيحة قبل بردها ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز سلخ الذبيحة إلا بعد بردها ، فان سلخت قبل أن تبرد أو سلخ منها شي ء لم يحل أكله ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، لما رواه أحمد بن محمد بن يحيى رفعه ، قال : « قال الرضا عليه السلام : الشاة إذا ذبحت وسلخت أو سلخ منها شي ء قبل أن تموت فليس يحل أكلها » (2) ، وأنكر ذلك ابن إدريس ، لقوله تعالى ( فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ) (3) وهذا ذكر اسم اللّه عليه وذبح ذباحة شرعية ، وحصلت جميع الشرائط المعتبرة في الذباحة ، فيكون حلالا ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد ، وتحمل الرواية على الكراهية.

الثالثة : إذا قطع شي ء من أعضاء الذبيحة بعد ذبحها وقبل بردها ، قال أبو الصلاح : إنه حرام لا يجوز أكله ، واحتج بقوله تعالى ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها ) (4) ، فلا يجوز الأكل قبل ذلك ، والمشهور بين الأصحاب الكراهة ، وهو المعتمد ، لأنها بعد الذبح ذكية فتكون حلالا.

قال رحمه اللّه : الحركة بعد الذبح كافية في الذكاة ، وقال بعض : لا بد مع ذلك من خروج الدم ، وقيل : يجزي أحدهما ، وهو أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

الأول : الاكتفاء بالحركة فقط ، وهو قول محمد بن بابويه ، واختاره العلامة

ص: 22


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 15 من أبواب الذبائح ، حديث 2 - 3 وباب 9 من أبواب الذبائح ، حديث 1 - 3 - 5 - 6 - 7.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 8 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
3- الانعام : 118.
4- الحج : 36.

في المختلف ، لما رواه محمد الحلبي في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الاذن فهو ذكي » (1) ومثلها رواية رفاعة (2) عن الصادق عليه السلام.

الثاني : لا بد من الحركة وخروج الدم المعتدل ، ويعنى به الدفع القوي لا ما يكون متثاقلا ، وهو الذي يسيل من غير دفع ، وهو مذهب المفيد وسلار وابن البراج ، للاحتياط ، ولأن الأصل تحريم الحيوان حتى يعلم ذكاته ، ومع اعتبار الأمرين يحصل يقين الحل ، لوقوع الإجماع عليه وما عداه مشكوك.

الثالث : الاكتفاء بأحدهما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد وأبو العباس ، أما الاكتفاء بالحركة ، فلرواية محمد الحلبي وقد تقدمت ، واما الاكتفاء بخروج الدم المعتدل فلرواية الحسين بن مسلم ، « قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ جاءه محمّد بن مسلم ، قال : جعلت فداك تقول لك جدتي : إن رجلا ضرب بقرة بفأس فطرحها ثمَّ ذبحها؟ فلم يرسل معه بالجواب ، ودعى سعيدة مملوكة أم فروة ، فقال لها : إن محمد جائني برسالة منك فكرهت أن أرسل معه بالجواب ، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه » (3).

تنبيه : إذا ذبح المشرف على الموت كالنطيحة ، والمتردية ، والموقوذة ، وأكيل السبع ، وما ذبح من قفاه ، اعتبر في حالة استقرار الحياة ، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند أكثر المتأخرين ، وان علم بقاؤه فهو حلال ، ولو اشتبه

ص: 23


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذباحة ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 من أبواب الذبائح ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 12 من أبواب الذبائح ، حديث 2.

اعتبر بالحركة بعد الذبح ، أو خروج الدم المعتدل ، أو هما على الخلاف ، وظاهر الاخبار (1) والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف وان لم تكن الحياة مستقرة ، ونقل الشهيد عن الشيخ يحيى أن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ، قال : - ونعم ما قال - قلت : انما استحسنه الشهيد لأن الأخبار (2) الواردة في هذا المعنى لم يذكر فيها غير الحركة وخروج الدم المعتدل ولم يذكر في شي ء منها اشتراط استقرار الحياة وكذلك ، قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) الى قوله ( إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ ) (3) لم يشترط غير الذكاة ، وقد دلت الاخبار على وقوعها مع الحركة وخروج (4) الدم المعتدل من غير اشتراط قيد آخر ، والمذهب هو ما دل عليه القرآن (5) والأحاديث (6) ، ولم يدلا على اشتراط استقرار الحياة فلهذا قال : اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب.

وأعلم أن من اشترط استقرار الحياة لم يصير في ذلك الى النص الصريح ، وانما استخرجه من الأصول المنصوصة المجمع عليها ، ولا شك في النص (7) والإجماع على تحريم الميتة ، فاستخرجوا من ذلك تحريم غير مستقر الحياة ؛ لأن حركته تجري مجرى حركة المذبوح ، فهو مقطوع على موته عاجلا كالقطع على موت المذبوح ، فلا اعتبار بتلك الحركة ، وقد يقال : ان النص والإجماع إنما انعقد على تحريم الميتة ، ومن فيه روح وله حركة فليس بميت ، وظاهر الآيات

ص: 24


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 وباب 12 من أبواب الذبائح.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 11 وباب 12 من أبواب الذبائح.
3- المائدة : 3.
4- في « ر 1 » : أو خروج.
5- المائدة : 3.
6- تقدمت في 24 ، 25.
7- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 1 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 ، 3 ، 5.

والروايات دالة على إباحته.

قال رحمه اللّه : وأن تنخع الذبيحة وأن تقلب السكين فيذبح الى فوق ، وقيل : فيهما : يحرم ، والأول أشبه ، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر إليه.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : نخع الذبيحة وهو قطع نخاعها متصلا بالذبح قبل بردها ، والنخاع بضم النون وكسرها وفتحها هو الخيط الأبيض الناظم للخرز ، وهو ممدود من الرقبة إلى أصل الذنب ، وقد مضى البحث في التحريم والكراهة في إبانة الرأس (1) ، لأن المسألة واحدة في الحكم وان أوردها في مسألتين باللفظ ، قال الشيخ في النهاية : ومن السنة أن لا تنخع الذبيحة إلا بعد بردها ، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد وتقطع النخاع ، ومثله قول ابن البراج ، وقال ابن إدريس : ويكره أن تنخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد بالموت ، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد ويقطع النخاع ، وهو الخيط الأبيض الذي الخرز منظومة فيه ، فهذه العبارة (2) دالة على أن النخع هو إبانة الرأس ، وابن الجنيد جعل النخع غير إبانة الرأس ، قال : وليس للذابح أن يعتمد قطع رأس البهيمة إلا بعد خروج نفسها ، فان سبقته شفرته وخرج الدم لم يكن به بأس ، وليس له أيضا أن ينخع الذبيحة وهو كسر رقبتها أو يركبها برجله ليستعجل خروج نفسها.

الثانية : قلب السكين بأن يذبح الى فوق ، ومعناه أن يدخل السكين في وسط اللحم تحت الحلقوم ثمَّ يقطع الى الجلد ، وبتحريمه قال الشيخ وابن البراج ، لرواية حمران بن أعين ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : ولا تقلب السكين

ص: 25


1- ص 21.
2- في النسخ : العبارات.

تدخلها تحت الحلقوم وتذبح الى فوق » (1) ، وبالكراهية قال ابن إدريس ، واختاره المتأخرون للأصل.

الثالثة : أن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه ، قال الشيخ في النهاية : ولا يجوز ذبح شي ء من الحيوان صبرا ، وهو أن يذبح شاة وينظر اليه حيوان آخر ، وقال ابن إدريس : هذه رواية (2) أوردها إيرادا ، فإن صحت حملت على الكراهية دون الحظر ، لأنه لا دليل على حظر ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والأصل الإباحة (3) ، وتابعه المتأخرون على الكراهية دون التحريم ، وهو المعتمد.

ص: 26


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 3 من أبواب الذبائح ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 7 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
3- السرائر 3 : 109.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا ، ولو وثب فأخذه قبل موته حلّ ، ولو أدركه بنظره ، فيه خلاف ، أشبهه أنه لا يحل.

أقول : اكتفى الشيخ في النهاية بإدراكه بنظره وإن لم يأخذه بيده ، لما رواه سلمة بن حفص ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « أن عليا عليه السلام كان يقول في صيد السمك : إذا أدركها وهي تضطرب وتضرب بذنبها وتطرف بعينها فهو ذكاتها » (1) والمعتمد أن ذكاة السمك أخذه حيا إما باليد أو بآلة متصلة باليد ثمَّ يموت خارج الماء ، ولا يكفى النظر الا في صيد الكافر إذا شاهده مسلم وهو مخرجه من الماء حيا ، وهو مذهب متأخري أصحابنا ، لحسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام ، قال : « إنما صيد الحيتان أخذه » (2) ، وانما للحصر ، وللاحتياط.

فروع :

الأول : يشترط في إباحة السمك إخراجه من الماء مستقر الحياة ، فلو

ص: 27


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، ب 34 من أبواب الذبائح ، ح 2.
2- المصدر المتقدم ، ب 32 ح 9.

ضربه بمجدد أو بمثقل ثمَّ أخرجه غير مستقر الحياة لم يحل ، ومستقر الحياة هو الذي لو ترك في الماء لعاش يوما أو أياما.

الثاني : لو أخرج السمكة حية وألقاها في قدر فيه ماء وهو يغلي على النار فماتت فيه ، حرمت ، لأنها ماتت في الماء ، ولو كان في القدر غير الماء من المائعات كالزيت والخل وغير ذلك فألقاها فيه وهي حية فماتت فيه لم تحرم ، لأنها لم تمت فيما فيه حياتها.

الثالث : لو قطع منها قطعة بعد إخراجها من الماء ثمَّ وقعت في الماء وهي مستقرة الحياة لم تحرم تلك القطعة ، لأنها قطعت بعد ان حكم بتذكيتها ، ولو قطع منها قطعة وهي في الماء كانت حراما.

قال رحمه اللّه : وهل يحل أكل السمك حيا؟ قيل : لا ، والوجه الجواز ، لأنه مذكى.

أقول : القائل بعدم الجواز الشيخ في المبسوط ، والمشهور الجواز لما قاله المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو نصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه الحي بالميت ، قيل : حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه ، وقيل : يحرم الجميع تغليبا للحرمة ، والأول أحسن.

أقول : حل الجميع مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن أبي عقيل واختاره المصنف ، لرواية ابن مسلم (1) في الصحيح ، عن الباقر عليه السلام الدالة على إباحة الجميع ، ومثلها رواية مسعدة بن صدقه (2) عن الصادق عليه السلام ، ولأنه لا طريق الى تمييزه وهو مما تعم به البلوى ، لأن الغالب موت بعض

ص: 28


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 35 ، حديث 2.
2- المصدر المتقدم ، حديث 4.

السمك في الشبكة والحظيرة ( ولهذا علل ابن أبي عقيل الحل بأنه هكذا يكون صيد السمك ، أي لا بد أن يموت بعضه في الشبكة والحظيرة ) (1) وتحريم الجميع مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه ، لأن السمك إذا مات في الماء حرم ، لما رواه عبد المؤمن ، « قال : أمرت رجلا أن يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صاد سمكا وهنّ احياء ، ثمَّ أخرجهن بعد ما مات بعضهن؟ فقال : ما مات فلا تأكله ، فإنه مات فيما فيه حياته » (2) ، وإذا ثبت تحريم ما مات في الماء وجب اجتنابه ، ولا يتم الا باجتناب الجميع ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فوجب اجتناب الجميع وهو المعتمد ، وحملت الاخبار بالإباحة على عدم الموت في الماء ، بل في الشبكة والحظيرة ولا دلالة فيها على الموت في الماء.

قال رحمه اللّه : ذكاة الجنين ذكاة أمّه إن تمت خلقته ، وقبل أن تلجه الروح ، ولو ولجته لم يكن بد من تذكيته ، وفيه إشكال ، ولو لم تتم خلقته لم يحل أصلا ، ومع الشرطين يحل بذكاة أمّه ، وقيل : ولو خرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله ، والأول أشبه.

أقول : ورد في الأحاديث من طريق العامة والخاصة عنه صلى اللّه عليه وآله : « ذكاة الجنين ذكاة أمه » (3) ، والمشهور الضم في الذكاتين معا ، الاولى على الابتداء ، والثانية على الخبر ، يكون المعنى : ذكاة الجنين هي ذكاة أمه ، فهي مبيحة له وقائمة مقام ذكاته ، وروى نصب الثانية بنزع الخافض ، وهو الكاف فيكون المعنى : ذكاة الجنين هي كذكاة أمه ، أي مثلها. فعلى هذا لا يباح بدون التذكية ولا تبيحه ذكاة أمه ، فلو خرج ميتا أو حيا ولم يتسع الزمان لذبحه حرم ويكون حكمه

ص: 29


1- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
2- المصدر المتقدم ، حديث 1.
3- مستدرك الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 16 من أبواب الذبائح ، حديث 2 نقلا عن عوالي الآلي ، ولا حظ الوسائل ، من باب 18 من أبواب كتاب الصيد والذبائح.

بانفراده حكم سائر الذبائح ، والمعتمد الأول وعليه عمل أكثر الأصحاب لكن بشرطين :

الأول : ان تتم خلقته ، وحد ذلك أن يشعر أو يؤبر ، ولو خرج ميتا ولم تتم خلقته لم يحل إجماعا.

الثاني : اختلف الأصحاب فيه على أربعة أقوال :

الأول : أنه يشترط مع تمامية الخلقة أن لا تلجه الروح ، ولا يحل مع اختلال أحد الشرطين ، فلو ولجته الروح ولم يتم خلقته لم يحل ، ولو تمت خلقته وولجته الروح في جوف أمه لم يحل إلا بالتذكية بعد خروجه حيا ، فلو خرج ميتا أو حيا ولم يتسع الزمان لذبحه حلّ ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في الإرشاد.

والى هذين الشرطين أشار المصنف بقوله ( ومع الشرطين يحل بذكاة أمه ) ، لكنه استشكل في ذلك ، ووجه الاشكال أن اشتراط عدم إيلاج الروح مع اشتراط الاشعار والايبار بعيد ، لأن الرواية (1) خالية من ذكر هذا الشرط ، ولأنه لم يجر في العادة أنه يشعر أو يؤبر قبل أن تلجه الروح ، فالشرطان متنافيان.

الثاني : خروجه ميتا أو حيا ، ولم يتسع الزمان لفعل التذكية نفسها ، لا باعتبار (2) عارض من فقد آله أو بعد مذكى ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (3) لأنه مع قصور الزمان عن تذكيته في حكم غير مستقر الحياة ، ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية وإن ضاق الزمان عنها ، وهو معارض بإطلاق الأصحاب وجوب (4) التذكية مع خروجه حيا.

ص: 30


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 18 من أبواب الذبائح.
2- في الأصل : إلا باعتبار.
3- في « ر 1 » : النهاية.
4- في الأصل و « ن » : ووجوب.

الثالث : خروجه ميتا من غير قيد تقدم ولوج الروح ، وهو مذهب المصنف في المختصر ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في شرحه واختاره أبو العباس في مقتصره.

الرابع : الاقتصار على تمامية الخلقة من غير قيد آخر ، وهو مذهب المفيد والحسن بن أبي عقيل.

والمعتمد : أن الجنين لا يحل بذكاة أمه الا مع تمام خلقته بالإشعار أو الايبار (1) ، وخروجه ميتا أو حيا غير مستقر الحياة ، لأنه في حكم الميت حينئذ ، أما مع خروجه حيا مستقر الحياة فلا يحل إلا بالتذكية ، فإن قصر الزمان عنها لم يحل ، لإطلاق الأصحاب وجوب التذكية مع خروجه حيا.

ص: 31


1- في « م » : بالاوبار.

ص: 32

خاتمة

قال رحمه اللّه : المسوخ لا تقع عليها الذكاة كالفيل والقرد والدب ، وقال المرتضى : تقع.

أقول : أما القائل بنجاسة المسوخ كالشيخين وسلار وابن حمزة يلزمهم (1) ( عدم وقوع الذكاة عليها ، وأما القائل بالطهارة فأكثرهم على وقوع الذكاة ، للانتفاع بجلودها ، ولم يقل منهم ) (2) بعدم الوقوع غير المصنف ، ولعل وجهه أن الذكاة حكم شرعي فيقف على الدليل الشرعي وليس ، ولا يلزم من الحكم بالطهارة وقوع الذكاة ، لما في الذبح من التعذيب المنهي عنه (3) ، فلا يباح بغير دليل.

قال رحمه اللّه : الثالث : الحشرات كالفأرة وابن عرس والضب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، أشبهه أنه لا يقع.

ص: 33


1- في النسخ : يلزم منهم.
2- ما بين القوسين سقط من « م ».
3- راجع مسند أحمد 2 : 6 ، وفيه النهي عن التمثيل به ، والوسائل ، التجارة ب 94 ( ما يكتسب به ) ح 6 وفيه : النهي عن إحراقه بالنار.

أقول : منشأ التردد من أن وقوع الذكاة حكم شرعي فيقف على الدليل الشرعي وليس ، ولأن ذبح الحيوان وقتله محظور ما لم يرد الشرع بإباحته لما فيه من التعذيب ، وقد نهى (1) النبي صلى اللّه عليه وآله عن تعذيب الحيوان ، فلا يصح الا مع ورود الشرع به ، ومن أنها طاهرة فتصح ذكاتها للانتفاع بجلودها أيضا كالمسوخ ، والمشهور عدم الوقوع وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع : السباع كالأسد والنمر والثعلب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، والوقوع أشبه ، وتطهر بالذكاة ، وقيل : لا تستعمل مع الذكاة حتى تدبغ.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في وقوع الذكاة عليها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأنهم جوزوا استعمال جلود السباع وجلود الثعلب والأرنب ، ولو لا وقوع الذكاة عليها (2) لما جاز استعمال جلودها ، وقيل بعدم الوقوع ، لعدم الدليل عليه ، والأول هو المعتمد.

الثاني : في جواز استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه بعد الذكاة وقبل الدباغ ، وبالجواز قال المصنف في كتاب الصلاة ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو ظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ، لأنه إما أن يطهر بالتذكية أو لا ، فان لم يطهر لم يجز استعماله بعد الدباغ ، لأن الدباغ غير مطهر عندنا ، وإن طهر جاز استعماله قبل الدباغ ، لأنه طاهر.

وقال الشيخان والمرتضى وابن البراج وابن إدريس : لا يجوز الاستعمال قبل الدباغ ، للإجماع على جوازه بعده ولا دليل على جوازه قبله.

ص: 34


1- تقدم في الصفحة السابقة.
2- هذه الكلمة من « م » و « ر 1 ».

قال رحمه اللّه : ولو اتخذ موحلة للصيد ، فتشبث بحيث لا يمكنه التخلص ، لم يملكه بذلك ؛ لأنها ليست آلة معتادة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن أنه صيره غير ممتنع بفعله بما يصلح أن يكون آلة فيملكه بذلك ، والمشهور الأول وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، وظاهر المصنف والعلامة ، وقوى الشهيد الملك مع القصد ؛ لأن الصيد يملك ( بالإثبات المزيل ) (1) للمنعة ، وهو حاصل.

قال رحمه اللّه : ولو أغلق عليه بابا ولا مخرج له في مضيق لا يتعذر قبضه ملكه ، وفيه أيضا إشكال ، ولعل الأشبه : أنه لا يملك هنا الا مع القبض باليد أو الآلة.

أقول : منشأ الاشكال من انه لم يقبضه في يده ولا أثبته في آلته فكان باقيا على أصل الإباحة ، ومن انه أزال امتناعه بإلجائه الى المضيق الذي لا يمكنه التخلص منه ، والأول أقوى. لكنه هل يصير أولى به من غيره كالمحجر؟ نقل فخر الدين عن والده انه يصير أولى به.

قال رحمه اللّه : ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه ، وان نوى إطلاقه وقطع نيته عن ملكه ، وهل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه : لا ؛ لأنه لا يخرج عن ملكه بنية الإخراج وقيل : يخرج كما لو وقع منه شي ء حقير فأهمله ، لأنه كالمبيح له ، ولعل بين الحالين فرقا.

أقول : أطلق الشيخ وابن إدريس عدم خروج الصيد عن الملك إذا انفلت بعد إقباضه ، ولم يتعرضا له (2) إذا قطع نية التملك عنه ، وانما تعرض له المصنف هنا والعلامة في القواعد والشهيد في الدروس ، واختار الجميع عدم الخروج عن

ص: 35


1- في « ن » : بإثبات المزيلة.
2- في النسخ : لما.

الملك ، ونقلوا قولا بالخروج محتجا (1) على إذا ما (2) القى الحقير مهملا له كالكسرة والتمرة ، ولهذا أباح السلف الصالح التقاط المسكين للسنابل ، فعند القائل أن هذا الشي ء القليل يخرج عن ملك ملقيه إذا أهمله ، قاس عليه خروج الصيد إذا أطلقه وقطع نية التملك عنه.

قال المصنف : ولعل بين الحالين فرقا.

قال شارح ترددات الشرائع : أشار بالفرق الى أن الإهمال هنا أنما أفاد الإباحة على تقدير تسليمها ، وهو غير المتنازع فيه ، إذ النزاع انما وقع في إفادة الملك وهو غير الإباحة. هذا آخر كلامه رحمه اللّه.

وليس مراد المصنف رحمه اللّه أن القائل المنسوب اليه القول بخروج الصيد عن الملك قائل بخروج الحقير إذا ألقاه مهملا ، لأنه جعل إلقاء الحقير وإهماله أصلا ثمَّ قاس عليه خروج الصيد إذا أطلقه قاطعا لنية التملك عنه ، وقد أجمع (3) القائلون بالقياس على اشتراط عدم الفرق بين الفرع ( والأصل المقيس عليه ، فلو أن مراد القائل بإباحة الحقير مع بقائه على ملك ملقيه لما جاز قياس ) (4) خروج الصيد عليه ، ويدل على ما قلناه قول الشهيد : ولمانع أن يمنع خروج الحقير عن ملكه وإن كان ذلك إباحة لتناول غيره وفي الصيد كذلك ، دل على أن مراد القائل خروج الحقير عن ملك من أهمله والا لم يحسن منعه.

إذا عرفت هذا فالظاهر من كلام فخر الدين في شرح القواعد ، أن المراد بالفرق : الفرق بين ملك الصيد وملك (5) الحقير ، فإن الأصل في الصيد الإباحة

ص: 36


1- في النسخ : مقيسا.
2- في النسخ : ما إذا.
3- في « م » و « ن » : احتج وفي « ر 1 » : اجتمع.
4- ما بين القوسين سقط من « م ».
5- هذه الكلمة ليست في الأصل وهي من النسخ.

وانما ملك بقبضه (1) مع نية التملك ، فإذا أطلقه وقطع نيته عن ملكه فقد زال سبب التملك ، فيزول الملك ويرجع الى أصله وهو الإباحة ، أما الشي ء الحقير فالأصل فيه الملك ، لأنه مال مملوك بالأصل ، والإهمال ليس سببا ناقلا للملك عن مالكه ، وأيضا فإن الملك لا ينتقل الى غير مالكه وعلى القول بخروج الحقير عن ملك مهملة يلزم منه انتقال الملك الى غير مالك (2) وهو باطل (3). وإذا ثبت الفرق بن الأصل والفرع ( المقيس عليه بطل القياس ، فيكون قياس خروج الملك عن الصائد بإطلاق الصيد وقطع نية التملك عنه ، على خروج الحقير عن الملك بإلقائه وإهماله باطلا ، للفرق بينهما فيكون لكل من الأصل والفرع ) (4) حكم على حدته ، فهذا مراد المصنف بذكر الفرق.

فعلى القول به يكون حكم الصيد خروجه عن الملك بإطلاقه وقطع نية التملك عنه ، ويكون حكم الحقير عدم جواز (5) خروجه عن الملك بإلقائه وإهماله بل يكون مباحا لمن يتناوله ، والمعتمد بقاؤهما على ملك الصائد والملقي ، ويباح للغير تناولهما لحصول القرائن الدالة على الإباحة ، ولا يملكهما بالتناول بل يباح له التصرف فيهما بالأكل وغيره ، وللأول الانتزاع ما دامت العين باقية.

قال رحمه اللّه : ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الثاني ، فهو متلف فإن كان أصاب محل الذكاة فذكاه على الوجه فهو للأول ، وعلى الثاني الأرش وان أصابه في غير المذبح فعليه قيمته إن لم تكن لميته قيمة وإلا كان له الأرش وإن جرحه الثاني ولم يقتله ، فإن أدرك ذكاته فهو حلال للأول ،

ص: 37


1- هذه الكلمة ليست في الأصل وهي من النسخ.
2- هذا من النسخ وفي الأصل : مالكه.
3- في « م » : غير باطل.
4- ما بين القوسين سقط من « م ».
5- هذه الكلمة ليست في النسخ.

وإن لم يدرك ذكاته فهو ميتة ، لأنه تلف من فعلين أحدهما مباح والآخر محظور ، كما لو قتله كلب مسلم ومجوسي ، وأما الذي يجب على الجارح فالذي يظهر أن الأول ان لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ، وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا ، ولعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار فرض نفرضه ، وهي دابة قيمتها عشرة جني عليها فصارت تساوي تسعة ، ثمَّ جرحها آخر فصارت إلى ثمانية ، ثمَّ سرت الجنايتان ، ففيها احتمالات خمسة : لا يخلو أحدها من خلل الى آخر البحث.

أقول : هذه المسألة من المسائل المشكلة من هذا الفن ، وقد ذكر المصنف هنا خمسة احتمالات ثمَّ ذكر أنه لا يخلو أحدهما من خلل ، أي لا يخلو كل احتمال من هذه الاحتمالات الخمسة من خلل ، ونحن إن شاء اللّه نذكر لفظ المصنف في كل احتمال منها ونبين وجهه ونذكر (1) الخلل الذي فيه.

قال رحمه اللّه : وهو إما إلزام الثاني كمال قيمته معيبا ، لأن جناية الأول غير مضمونة بتقدير أن يكون مباحا ، وهو ضعيف ، لأن مع إهمال التذكية جرى مجرى المشارك في جنايته.

أقول : هذا هو الاحتمال الأول من الاحتمالات الخمسة ، وقد أشار المصنف الى وجهه والى وجه ضعفه ، ونزيده بيانا ، أما وجه ضمان الثاني كمال (2) قيمته معيبا ، لأن جناية الأول مباحة ، والثانية محرمة ، وإذا اجتمع المباح والمحرم غلب المحرم ، كما لو اشترك المؤمن والكافر في الرمي فمات الصيد من جرحيهما فإنه يكون حراما ، وإذا كان المحرم هو الجرح (3) الثاني فهو المتلف ، لأنه جعل اللحم

ص: 38


1- في « م » و « ن » : ثمَّ نذكر.
2- في الأصل : كماله.
3- في « م » و « ن » : جرح.

لا قيمة له فيكون الضمان عليه دون الأول ، ووجه ضمان الثاني نصف قيمته معيبا أنه تلف من فعلهما معا فلا يختص أحدهما بالضمان ، لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، كما لو كانت شاه مملوكة لواحد فجرحها ثمَّ جرحها آخر وماتت من الجرحين ، فإنه يسقط مقابل جرح المالك ويجب على الثاني مقابل جرحه من القيمة.

وهذا الاحتمال مذهب المصنف لقوله : والذي (1) يظهر أن الأول إن (2) لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول ، وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا ، وهو مذهب العلامة في قواعده وتحريره.

قال رحمه اللّه : وإما التسوية في الضمان ، وهو حيف على الثاني.

أقول : هذا الاحتمال الثاني من الاحتمالات الخمسة ، وهو التسوية في الضمان لتساويهما (3) بين الأول والثاني ، لأن كل واحد منهما انفرد بإتلاف ما قيمته درهم ، وتساويا في إتلاف الباقي بالسراية فيتساويان في الضمان ، لتساويهما في أرش السراية.

ويشكل بحصول الحيف على الثاني ، لأنه جنى عليه وقيمته دون قيمته حال جناية الأول ، ولأنه لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس.

وأجيب بأن دخول الأرش في بدل النفس إنما يكون في نفس لا ينتقض (4) بدلها ( بإتلاف بعضها ) (5) كالادمى.

أما البهائم فلا فإنه لو جنى عليها ما أرشه درهم نقص ذلك من قيمتها ، فإذا

ص: 39


1- في النسخ : فالذي.
2- في « م » : وإن.
3- هذا الكلمة ليست في النسخ.
4- في « ر 1 » : ينقص.
5- هذا من النسخ وفي الأصل يدل ما بين القوسين : في إتلاف كبعضها.

سرت الجناية إلى النفس أوجبنا على الجاني ما بقي من قيمة النفس.

قال رحمه اللّه : أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني بخمسة ، وهو حيف أيضا.

أقول : هذا الاحتمال الثالث ، ومبناه دخول أرش جناية كل واحد منهما في بدل النفس ، لأن الجناية إذا صارت نفسا سقط حكمها ، فعلى الأول نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته فعليه خمسه ونصف ، وعلى الثاني نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته وهي تسعة فعليه خمسة.

وانما أدخلنا نصف أرش كل منهما في بدل النفس ، لأنه لو انفرد بالجناية دخل جميع الأرش في بدل النفس ، فاذا شاركه غيره سرت جنايته الى نصف النفس فيدخل نصف الأرش في بدل نصفها ، ولم يدخل النصف الآخر في بدل النصف الباقي ، لأنه ضمنه غيره فلا يدخل أرش جنايته في بدل نفس ضمنها غيره ، كما لو قطع يد حر ثمَّ قتله آخر فإنه لم يدخل (1) اليد (2) في دية النفس.

فاذا ثبت هذا رجع الأول على الثاني بنصف أرش جناية الثاني ، وهو النصف الذي دخل في ( نصف بدل ) (3) النفس ، لأنه جنى على ما دخل في ضمان الأول ، ومن جنى على ما ضمنه غيره ضمنه له كالجاني على المغصوب ، فإنه يضمنه للغاصب (4) إذا دفعه (5) الغاصب الى المالك ، فان رجع المالك على الأول بخمسة ونصف رجع على الثاني بأربعة ونصف ، ويرجع الأول على الثاني بالنصف ، وإن رجع على الأول بخمسة رجع على الثاني بخمسة.

ص: 40


1- في « ن » : لا يدخل.
2- هذه الكلمة ليست في « م ».
3- في « ن » : بدل النصف.
4- في « ن » : الغاصب.
5- في « م » و « ر 1 » : دفع وفي « ن » : رجع.

والمصنف لم يتعرض لرجوع الأول على الثاني بشي ء ، لكن ذلك مراده ، لحصول الزيادة بدونه في (1) مستحقه للمالك ، والحيف الحاصل على الثاني في الاحتمال السابق حاصل هنا ، لتساويهما حينئذ في الضمان مع أن الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمته حين جناية الأول عشرة (2).

قال رحمه اللّه : أو إلزام الأول بخمسة ، والثاني بأربعة ونصف ، وهو تضييع على المالك.

أقول : هذا الاحتمال الرابع ، ووجهه دخول جناية كل منهما في بدل النفس ، لأن كل واحد منهما لو انفرد بالجناية دخل أرش جنايته في بدل النفس ، فكذا إذا اجتمعا ، فحينئذ يضمن كل واحد منهما نصف قيمة النفس حال جنايته ، وقيمة النفس حال جناية الأول عشرة ، فيضمن نصفها خمسة وقيمتهما حال جناية الثاني تسعة ، فيضمن نصفها أربعة ونصف ، فيضيع نصف درهم على المالك وهو غير جائز.

قال رحمه اللّه : أو إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته يوم جنى عليه ، وضم القيمتين ، وبسط العشرة عليهما فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر ، وهو أيضا إلزام الثاني بزيادة لا وجه لها.

أقول : هذا هو الاحتمال الخامس ، ومبناه على دخول أرش جناية كل منهما في بدل النفس ، وعلى وجوب رجوع كمال القيمة على المالك ، وهذا الاحتمال اختيار الشيخ ، وعلله (3) بسلامته من جميع المحذورات ، وهو اختيار نجيب الدين يحيى بن سعيد ، واستقر به العلامة في القواعد والتحرير.

ص: 41


1- في النسخ : وهي.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في النسخ : وعلل.

واعترض عليه المصنف بان فيه إلزام الثاني (1) بزيادة لا وجه لها ، وتابعه العلامة في القواعد ، وذلك أنا إذا بسطنا العشرة على التسعة عشر ضربنا التسعة عشر في عشرة يبلغ مائة وتسعين ، يكون على الأول مائة ، وهي خمسة دراهم وخمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا ( من درهم ، وعلى الثاني تسعون ، وهي أربعة دراهم وأربعة عشر جزءا من تسعة عشر جزءا من درهم ) (2) ، وقد أتلف نصف تسعة دراهم أربعة دراهم ونصف ، وهي خمسة وثمانون جزءا ونصف جزء ، وقد ألزمناه بتسعين جزءا فيزيد عليه (3) أربعة أجزاء ونصف جزء من تسعة عشر جزءا من درهم ، فهذه الزيادة عند المصنف لا وجه لها.

قلت : تخصيص الزيادة بالثاني دون الأول غير مسلم ، لأن الأول عليه نصف العشرة كما أن الثاني عليه نصف التسعة ، وقد أوجبنا على الأول مائة جزء من مائة وتسعين جزءا ، وذلك خمسة دراهم وخمسة أجزاء ، فقد زاد عليه خمسة أجزاء (4) من تسعة عشر جزءا من درهم ، فالزيادة لاحقة لهما ، وقد أشار العلامة في التحرير الى ذلك.

وقوله : لا وجه لها ، غير مسلم أيضا ، لأن هذا الاحتمال مبني على رجوع جميع القيمة إلى المالك ، فلو ألزمناهما بنصف القيمتين لضاع على المالك نصف درهم ، وهو تسعة أجزاء ونصف وهو غير جائز ، فوجب تقسيط ذلك النصف عليهما (5) بالنسبة ، فيلحق الأول خمسة أجزاء من تسعة عشر جزءا من درهم ، والثاني أربعة ونصف من تسعة عشر جزءا من درهم ، وذلك هو المدعى ، فيسلم

ص: 42


1- في النسخ : للثاني.
2- ما بين القوسين سقط من « م ».
3- في « م » : على.
4- في « م » و « ن » : أخرى.
5- في الأصل : عليها.

تعليل الشيخ : انه سالم من جميع المحذورات.

قال رحمه اللّه : والأقرب أن يقال : يلزم الأول خمسة ونصف ، والثاني أربعة ونصف ، لأن الأرش يدخل في قيمة النفس فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف ، ويبقى عليه نصف الأرش مضافا الى ضمان نصف القيمة ، وهو أيضا لا يخلو من ضعف.

أقول : هذا الاحتمال السادس (1) ذكره المصنف ، وهو مبني على دخول نصف أرش جناية الأول في بدل النفس تبعا لضمان نصف القيمة ، ودخول مجموع أرش جناية الثاني في بدل النفس بمشاركة غيره بخلاف الأول ، لأنه جنى عليه ( قبل ان يجني عليه ) (2) ، وإذا دخل نصف أرش جناية الأول في بدل النفس وهو درهم ، بقي (3) عليه نصف درهم مضافا الى نصف القيمة يوم جنايته ، وهي عشرة فيلزمه (4) خمسة ونصف ، وإذا دخل مجموع أرش جناية الثاني في بدل النفس لم يلزمه غير نصف قيمته يوم جنى عليه ، وهي تسعة فيلزمه أربعة ونصف.

وهذا لا يخلو من ضعف ، لانفراد الثاني بإتلاف ما يساوي درهما ، ولم يشتركا إلا في ثمانية ، فإن أدخلنا (5) نصف أرش (6) جناية الأول في بدل النفس كان الثاني كذلك ، وإن أدخلنا مجموع جناية الثاني كان الأول كذلك ،

ص: 43


1- هذا من « ن » وفي الباقي : سادس.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- في الأصل : نفى.
4- في الأصل : يلزمه.
5- هذه الكلمة ليست في « ر 1 ».
6- هذه الكلمة ليست في الأصل.

لانفراد كل منهما بما يساوي درهما واشتراكهما في الباقي ولا فارق (1) بينهما.

تنبيه : لو قال كل واحد منهما : أنا أثبته وأنت قتلته فعليك ضمانه ، حلف كل واحد منهما للآخر ولم يثبت لأحدهما على الآخر شي ء ، فان حلف أحدهما ونكل الآخر حلف مع نكوله على ما ادعاه واستحقه ، ولو قال الأول : أنا أثبته وأنت قتلته ، فقال : أصبته ولم تثبته وبقي على امتناعه وأنا أثبته ، فإن كان يعلم انه لم يبق له بعد جراحة الأول وامتناع ، كما لو كسر جناح من يمتنع بالطيران ، فالقول قول الأول ، وإن كان يجوز أن يمتنع بعد جراحة الأول ، فالقول قول الثاني مع يمينه ، لأن الأصل الامتناع فلا يزول بجراح الأول.

قال رحمه اللّه : إذا كان الصيد ممتنع بأمرين كالدراج والقبج ، يمتنع بجناحيه وعدوه ، فكسر الرامي جناحه ثمَّ كسر الأخر رجله ، قيل : هو لهما ، وقيل : هو للآخر ، لأن بفعله تحقق الإثبات ، والأخير أقوى.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط ، ثمَّ قوى الاشتراك ، لأن سبب الملك الإثبات وقد حصل بفعلهما إذ فعل كل واحد لو (2) انفرد لم يكن مثبتا.

فكان الملك لهما ، وقوى المصنف أنه للأخير ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد ، وهو مختار الشهيد ، لأن الإثبات قد حصل بفعله.

قال رحمه اللّه : إذا أصابا صيدا دفعه وأثبتاه فهو لهما ، ولو كان أحدهما جارحا والآخر مثبتا فهو للمثبت ، ولا ضمان على الجارح ، لان جنايته لم تصادف ملكا لغيره ، ولو جهل المثبت منهما فالصيد بينهما ، ولو قيل : يستخرج بالقرعة كان حسنا.

أقول : أما وجه كونه لهما فلاتحاد نسبتهما اليه ولاستحالة ترجيح أحدهما

ص: 44


1- في النسخ : فلا فارق.
2- في الأصل : أو.

من غير مرجح ، وأما وجه القرعة فللعلم بأن أحدهما أثبته دون الآخر ، فالاشتراك يوجب تمليك من ليس بمالك وهو غير جائز ، فلما لم يتعين المثبت منهما وجب استخراجه بالقرعة ، لقوله عليه السلام : « كل أمر مشكل فيه القرعة » (1) ، أما لو حصل الاشتباه في الإثبات (2) هل هو بفعلهما أو بفعل أحدهما؟ فالاشتراك أقوى.

ص: 45


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 11 الى 18 ، والمستدرك كتاب القضاء ، باب 11 من أبواب الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 1.
2- في « م » : بالإثبات.

ص: 46

كتاب الأطعمة والأشربة

اشارة

ص: 47

ص: 48

في حيوان البحر

قال رحمه اللّه : أما ما ليس له فلس كالجري ، ففيه روايتان ، أشهرهما : التحريم ، وكذا الزمار والمارماهي والزهو ، لكن أشهر الروايتين هنا الكراهة.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في الجري - بكسر الجيم - والمشهور تحريمه ، لرواية سمرة بن سعيد ، « قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام على بغلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فخرجنا معه حتى انتهينا الى موضع السمك فجمعهم ، فقال : أتدرون لأي شي ء جمعتكم؟ قالوا : لا ، قال : لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه » (1) ، ومثلها رواية ابن فضال (2) عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق عليه السلام ، وقال ابن البراج انه يكره ، لرواية زرارة الصحيحة عن الباقر عليه السلام : « قال : سألته عن الجريث؟ فقال : ما الجريث؟ فنعته له ،

ص: 49


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 14.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 15.

فقال : ( لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ) (1). الاية ، ثمَّ قال : لم يحرم اللّه شيئا من الحيوان في القرآن الا الخنزير بعينه ، ويكره كل شي ء من البحر ليس له قشر كالورق ، وليس بحرام وانما هو مكروه » (2) ، ومثلها صحيحة محمد بن مسلم (3) ، والمعتمد التحريم.

الثانية : في الزمار والمارماهي والزهو ، وظاهر المصنف كراهية ذلك ، وهو مختار الشيخ في موضع من النهاية وبه قال ابن البراج ، لرواية زرارة المتقدمة ، وقال الشيخ في الخلاف وفي موضع آخر من النهاية بالتحريم ، وهو مذهب ابني بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن إدريس والعلامة في المختلف ، واختاره الشهيد وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لرواية سمرة بن سعيد المتقدمة.

قال رحمه اللّه : ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى ، حلت إن كانت من جنس ما يحل ، وإلا فهي حرام ، ولهذا روايتان طريق إحداهما السكوني والأخرى مرسلة ، ومن المتأخرين من منع استنادا الى عدم اليقين بخروجها حية ، وربما كانت الرواية أرجح استصحابا لحال الحياة.

أقول : إذا شق جوف سمكه فوجد فيها أخرى ، قال الشيخ في النهاية : حلت إن كانت مما يحل أكلها ولم تنسلخ ، ولا تحل لو انسلخت ، وقال المفيد وعلي بن بابويه : حلت ان كانت ذات فلس ، ولا تحل إن لم يكن لها فلس ، ولم يشترطا عدم السلخ ، وجزم المصنف في المختصر بحلها إن كانت مما يؤكل ولم يشترط عدم السلخ وهو ظاهره هنا ، لما رواه السكوني في الموثق عن الصادق عليه السلام :

ص: 50


1- الأنعام : 145.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 19.
3- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 20.

« أن عليا عليه السلام سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة؟ قال : كلهما جميعا » (1) ، ومثلها رواية أبان عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام ، « قال : يؤكلان جميعا » (2) وفي طريق الاولى السكوني وهو ضعيف ، والثانية مرسلة ، وإليهما أشار المصنف ، ثمَّ مال الى ترجيح الرواية استصحابا لحال الحياة ، لأن الأصل بقاء الحياة إلى حين أخذها ، فيكون شرط التذكية موجودا ، لأصالة عدم موتها قبل الأخذ.

ومنع ابن إدريس من أخذها ما لم توجد حية ، لأن الشرط في إباحة ( السمك إخراجه ) (3) من الماء حيا (4) ، وهذا الشرط غير معلوم فلا يباح أكلها ، واختاره فخر الدين ، لأن المشروط بدون وجود الشرط محال والا لم يكن الشرط شرطا.

قال رحمه اللّه : ولو وجدت في جوف حية أكلت إن لم تكن تسلخت ، والا لم تحل ، ولو تسلخت لم تحل ، والوجه انها لا تحل إلا أن يقذفها والسمكة تضطرب ، ولو اعتبر مع ذلك أخذها حية لتحقق الذكاة ، كان حسنا.

أقول : إذا قذفت الحية سمكة ، قال الشيخ في النهاية : حلت ان لم تنسلخ ، ومنع ابن إدريس من ذلك الا أن تقذفها والسمكة تضطرب ، وظاهر المصنف اعتبار أخذها بالتذكية (5). (6) ، واختاره العلامة وهو مبني على أن ذكاة السمك هل هي إخراجه باليد أو بالآلة المتصلة باليد أو يكفي موته خارج الماء مع

ص: 51


1- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 36 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 36 من أبواب الذبائح ، حديث 1.
3- في « م » و « ر 1 » : السمكة إخراجها.
4- في ( م ) و « ر 1 » : حية.
5- في النسخ : باليد حية.
6- هنا كلمة في الأصل غير مقروة.

الإدراك بالطرف وان لم يأخذه بيده ، وقد تقدم البحث في ذلك (1).

احتج الشيخ رحمه اللّه بما رواه أيوب بن أعين عن الصادق عليه السلام ، « قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثمَّ طرحتها وهي حية تضطرب ، أيحل أكلها؟ فقال : إن كان فلوسها تسلخت فلا تأكلها ، وان لم تكن تسلخت فكلها » (2) ، وأجيب بالقول بموجب الرواية وليس فيها ( دلالة على مطلوب الشيخ ، لأنها مصرحة بأن الحية القت السمكة وهي ( تضطرب و) (3) لم يذكر فيها ) (4) إخراجها ميتة والمعتمد اختيار المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو اختلط الميت بالحي بحيث لا يتميز ، قيل : حل الجميع واجتنابه أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه في باب الصيد والذبائح (5) ، واختيار المصنف هناك إباحة الجميع وهنا اختار المنع وهو المعتمد.

ص: 52


1- ص 27.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 15 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
3- ليست في « ر 1 ».
4- ليست في « م ».
5- تقدم.

في البهائم

قال رحمه اللّه : وقد يعرض التحريم للمحلل من وجوه ، أحدها : الجلال ، وهو أن يغتذي عذرة الإنسان لا غير ، فيحرم حتى يستبرئ ، وقيل : يكره ، والتحريم أظهر ، وفي الاستبراء خلاف والمشهور استبراء الناقة بأربعين يوما ، والبقرة بعشرين ، وقيل تستوي البقرة والناقة في الأربعين ، والأول أظهر ، والشاة بعشرة ، وقيل بسبعة ، والأول أظهر ، وكيفيته أن يربط ويعلف علفا طاهرا هذه المدة.

أقول : البحث هنا في أماكن :

الأول : في تحريم الجلال ، وبتحريمه قال جمهور الأصحاب وهو المعتمد ، لرواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : لا تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله » (1) ، وقال ابن الجنيد بالكراهية لأصالة الإباحة.

الثاني : فيما به يحصل الجلل ، وهو بالاعتذاء بعذرة الإنسان محضا ، فلا يحرم

ص: 53


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

لو خلط على المشهور بين الأصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : الجلالة هي (1) التي تكون أكثر علفها العذرة ، وهو يدل على ( حصول الجلل مع الخلط وليس يعتمد الا على القول بالكراهية ، لأنها متحققة مع الخلط والمشهور عدم ) (2) حصول الجلل (3) بغير الاغتذاء بعذرة الإنسان ، خلافا لأبي صلاح (4).

إذا عرفت هذا فقد أطلق الأصحاب أن الجلال هو الذي يغتذي بعذرة (5) الإنسان محضا ، ولم يذكروا القدر الذي يصير به الحيوان جلالا وهل (6) هو أيام متعددة أو يوم واحد أو أكله واحدة ، والروايات (7) خالية عن هذا التقدير أيضا ، ونقل أبو العباس عن المصنف أنه قال : وحيث لا تقدير في ذلك فالذي يتغلب أن يخلو من العلف الطاهر ويصير ما يتناوله من العذرة ماليا لآلات الغذاء ، بحيث يتحقق استحالة القدر الذي ( يتناوله الى شبه ) (8) الأعضاء إذ لا يتحقق التمحيض في الغذاء الا على هذا الوجه.

الثالث : فيما يزول به حكم الجلل وهو الاستبراء ، ويختلف باختلاف الحيوان ونحن نذكر إن شاء اللّه كل قسم من الأقسام المذكورة في المتن على حدته.

الأول : الناقة ، واستبراؤها بأربعين يوما إجماعا.

ص: 54


1- من النسخ.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- في « م » بعد هذا : مع الخلط والمشهور عدم حصول الجلل.
4- كذا.
5- في الأصل ، عذره ، وما أثبتناه فمن النسخ.
6- من النسخ.
7- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة ، وباب 28 ، وباب 24.
8- ما بين القوسين من النسخ ، وفي الأصل : شربه.

الثاني : البقرة ، والمشهور استبراؤها بعشرين يوما قاله الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وقال الشيخ في المبسوط : تستبرئ بأربعين يوما ، وهو مذهب أبي الصلاح ، واختاره فخر الدين للاحتياط ، وقال ابن بابويه : تستبرئ بثلاثين.

الثالث : في الشاة،وقد اختلف الأصحاب في مقدار ما تستبرئ به على أربعة أقوال :

أ ) عشرة أيام ، قاله الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن زهرة واختاره المصنف والعلامة.

ب ) عشرون ، قاله محمد بن بابويه في المقنع واختاره فخر الدين.

ج ) أربعة عشر يوما حكاه ابن الجنيد رواية (1).

د ) سبعة أيام ، قاله الشيخ في المبسوط ، وبه قال أبو الصلاح.

واستدلال الجميع في هذه المسائل بالروايات (2) ، والمشهور استبراء البطة بخمسة أيام والدجاجة بثلاثة أيام ، وقيل بالعكس ، ويشترط في العلف الذي يستبرئ به الجلال أن يكون طاهرا بالأصل خاليا عن نجاسة عارضة.

ص: 55


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 - 2 - 3 - 5 وغيرها ، والمستدرك ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 - 3.

ص: 56

في الطير

قال رحمه لله : وفي الغراب روايتان ، وقيل : يحرم الأبقع والكبير الذي يسكن الجبال ، ويحل الزاغ ، وهو غراب الزرع ، والغداف وهو أصغر منه يميل إلى الغبرة ما هو.

أقول : المشهور عند علمائنا أن الغراب على أربعة أضرب :

الأول : الكبير الأسود الذي يسكن الجبال والخربات ويأكل الجيف.

الثاني : الأبقع وسماه ابن إدريس العقعق ، وعرفه بأنه طويل الذنب.

الثالث : الزاغ ، وهو غراب الزرع أسود صغير.

الرابع : الغراف ، وهو أصغر من الزاغ وأغبر اللون كالرماد.

وأضاف أبو العباس الى هذه الأربعة خامسا : وهو أنه جعل الأبقع على ضربين : أحدهما المذكور آنفا وهو المسمى بالعقعق طويل الذنب ، والآخر المسمى عند عامة أهل العراق بالبقيع وهو أكبر من العقعق ، والعقعق أشد منه بياضا وأطول منه ذنبا ، وهو الذي ذكره أبو العباس مشاهدة في العراق والبصرة كما وصفه لكن الظاهر أن مراد الأصحاب الأعم الشامل للعقعق والبقيع ، لصدق

ص: 57

الاسم عليهما ، وأن كان أحدهما أصغر من الأخر وأطول منه ذنبا.

إذا عرفت هذا فالمشهور مما ورد في الغربان روايتان : إحداهما تتضمن تحريم الجميع ، والأخرى تتضمن إباحة الجميع على كراهية ، والذي يتضمن تحريم الجميع رواية على بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، « قال : سألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكله؟ قال : لا يحل شي ء من الغربان زاغ ولا غيره » (1) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط والخلاف وفخر الدين وأبوه في المختلف.

والرواية التي تتضمن إباحة الجميع على كراهية فهي رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام أنه قال : « إن أكل الغربان ليس بحرام إنما الحرام ما حرم اللّه في كتابه ولكن للنفس نفرة عن كثير من ذلك تعززا » (2) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والاستبصار واختاره المصنف في المختصر ، لاعتضاد الرواية بأصالة الإباحة.

وذهب ابن إدريس إلى إباحة الزاغ وتحريم البواقي ، واختاره أبو العباس في مقتصره ، وهو مذهب العلامة في التحرير والإرشاد.

قال رحمه اللّه : وفي الخطاف روايتان (3) ، والتحريم أشبه.

أقول : الخطاف طائر أسود صغير في قدر العصفور يأتي العراق في آخر القر فيقيم فيه حتى يبيض ويفرخ ، فاذا استوت أولادها للطيران ذهبت جميعا في

ص: 58


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 3 وفي كتاب رسائل علي بن جعفر ص 174 الحديث 310.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1 مع اختلاف يسير.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 39 من أبواب الصيد ، حديث 1 - 2 - 5 - 6 وفي كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 17 من الأطعمة المحرمة ، حديث 2 - 6.

أول سمائم الحر.

إذا عرفت هذا ففي تحريمها خلاف بين الأصحاب ، فالمفيد على الإباحة واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة الإباحة ، ولصحيحة زرارة ، « قال : واللّه ما رأيت مثل أبي جعفر عليه السلام قط ، قال : سألته ، قلت : أصلحك اللّه ما يؤكل من الطير؟ قال : يؤكل كل ما دف ، ولا يؤكل كل ما صف » (1) ، ومثلها رواية سماعة بن مهران (2) ، عن الصادق عليه السلام ، والخطاف مما يدف.

وقال الشيخ في النهاية بالتحريم وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، لما رواه الحسن بن داود البرقي ، « قال : بينما نحن قعود عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ مرّ رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام حتى أخذه من يده ثمَّ رمى به ثمَّ قال : أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟! فقد أخبرني أبي عن جدي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن قتل ستة : النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطاف » (3).

وأجيب بأن المنع من القتل لا يدل على تحريم الأكل.

ص: 59


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الصيد والذبائح ، باب 39 من أبواب الصيد ، حديث 2 - 3 وفي كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 17 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

ص: 60

في الجامدات

قال رحمه اللّه : وهل يعتبر فيها الجز؟ الوجه أنها إن جزت فهي طاهره ، وان انتسلت غسل موضع الاتصال ، وقيل لا يحل منها ما يقلع ، والأول أشبه.

أقول : اختيار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، للحكم بطهارة شعر الميتة ووبرها ، وما اتصل بالميتة من الشعر والوبر فهو ميتة ، فيجب طهارته مع القلع ويصح استعماله بعد ذلك ، لكن يشترط خلوه من أجزاء الميتة.

وقال الشيخ : لا يجوز استعماله مع القلع ، ولعل وجهه أنه مع القلع لا ينفك عن شي ء من أجزاء الميتة ، لأن الغالب ذلك ، والمعتمد هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وفي اللبن روايتان ، إحداهما : الحل ، وهي أصحهما طريقا ، والأشبه التحريم ، لنجاسته بملاقاة الميت.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار والمفيد ومحمد بن بابويه وابن حمزة إلى إباحة اللبن المحلوب من الميتة ، لرواية زرارة عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الانفحة يخرج من الجدي الميت؟ قال : لا بأس

ص: 61

قلت اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت فقال لا بأس به » (1) ، وقال ابن إدريس : إنه حرام لما رواه وهب عن الصادق عليه السلام وعن الباقر عليه السلام : « أنه سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟ فقال : قال علي عليه السلام : ذلك الحرام محضا » (2) ، ولأنه ينجس بملاقاة الميتة ، واختاره المتأخرون وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا اختلط الذكي بالميت وجب الامتناع منه حتى يعلم الذكي بعينه ، وهل يباع من مستحل الميتة؟ قيل : نعم ، وربما كان حسنا إن قصد بيع الذكي حسب.

أقول : إذا اختلط اللحم الذكي بالميت ولا طريق الى تمييزه ، فقد أجمع الأصحاب على تحريم الجميع وعلى عدم جواز بيعه على غير مستحل الميتة ، واختلفوا في جواز بيعه على مستحل الميتة ، قال الشيخ في النهاية بالجواز ، وتبعه ابن حمزة ، لما رواه الحلبي في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سمعته يقول إذا اختلط الذكي بالميت باعه ممن يستحل الميتة » (3) ، ومنع ابن إدريس من بيعه وأنكر العمل بهذه الرواية ، لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه » ، ولقوله عليه السلام : « لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها » (4) ، فذمهم على بيع ما حرم اللّه أكله ، ولا شك في تحريم الميتة فيحرم بيعها.

واختار العلامة في المختلف مذهب الشيخ ، قال : لأنه في الحقيقة ليس بيعا بل هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا.

ص: 62


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 10.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 11.
3- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
4- المستدرك ، كتاب التجارة ، باب 6 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 8.

ويرد عليه أن مال الكافر محرما (1) إذا كان ذميا الا على الوجه الشرعي ، ولهذا يحرم أخذ الربا منه.

وحمل المصنف والعلامة في القواعد والتحرير والإرشاد صحة البيع على قصد المذكى دون الميتة ، ويرد عليهم جهالة المبيع حينئذ وعدم إمكان تسليمه مميزا.

قال رحمه اللّه : المحرمات من الذبيحة خمس : الطحال ، والقضيب ، والفرث ، والدم ، والأنثيان ، وفي المثانة والمرارة والمشيمة تردد ، أشبهه التحريم لما فيها من استخباث ، أما الفرج ، والنخاع ، والعلبا ، والغدد ، وذات الأشاجع ، وخرزة الدماغ ، والحدق ، فمن أصحابنا من حرمها ، والوجه الكراهية.

أقول : عد المصنف هنا خمسة عشر شيئا ، ثمَّ اختار تحريم ثمانية منها ، خمسة جزما وثلاثة على التردد ، والكراهة في الباقي ، وذهب ابن إدريس إلى تحريم الجميع واختاره العلامة في القواعد جزما والشهيد كذلك ، واستقر به أبو العباس في مهذبه ، لقوله تعالى ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) (2) ، وهذه أشياء مستخبثه فتدخل في عموم الآية ، ومذهب الشيخ في النهاية تحريم الجميع عدا المثانة (3) واقتصر المفيد على ذكر الطحال والقضيب والأنثيين ولم يتعرض لغير ذلك ، وكذا سلار ، والأحوط مذهب ابن إدريس.

تفسير : المثانة مجمع البول ومحقنه ، والمشيمة بيت الأولاد ، والنخاع بحركات النون الثلاث هو الخيط الأبيض الذي في وسط سلسلة الظهر الناظم لخرز السلسلة ، ويسمى الوتين لا قوام للحيوان بدونه ، والعلبا عصبان عريضتان

ص: 63


1- كذا.
2- الأعراف : 157.
3- في النسخ : الثمانية.

ممدودتان من الرقبة إلى أصل الذنب ، وذات الأشاجع هي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف ، والحدق المراد به حبة الحدقة وخرزة الدماغ ، قال ابن إدريس : تكون في وسط الدماغ ، والدماغ المخ ، يخالف لونها لون المخ ، هي بقدر الحمصة تميل (1) إلى الغبرة ما يكون (2) ، وتابعه العلامة في التحرير على هذا التفسير وكذلك المقداد في شرح المختصر ، وقال أبو العباس في مهذبه : المراد بها المخ الكائن في وسط الدماغ شبه الدودة ، وابن إدريس فسر الدماغ بالمخ والخرزة في وسطه بقدر الحمصة ، وأبو العباس فسر الخرزة بالمخ في وسط الدماغ شبه الدودة ولم يفسر الدماغ ، ويلزم من تفسير الخرزة أن الدماغ غير المخ ، فعلى تفسير ابن إدريس يكون الى (3) المخ مباحا ، والمحرم الخرزة التي في وسطه ، وعلى تفسير أبي العباس يكون المخ حراما والدماغ غيره.

وهذه الأشياء محرمة من كل شي ء يذبح سواء كان كبيرا كالجزور أو صغيرا كالعصفور.

قال رحمه اللّه : أو وقعت فيه نجاسة وهو مائع كالبول ، أو باشره الكفار وإن كانوا أهل الذمة على الأصح.

أقول : اختلف الأصحاب في نجاسة ما يباشره الذمي من المائعات ، قال الشيخ في النهاية بعدم نجاسته ، لما رواه في الصحيح ، عن عيص بن القاسم ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن مؤاكلة اليهودي والنصراني؟ فقال : إذا توضأ فلا بأس » (4) ، والمراد بالتوضي غسل اليد ، وحملها العلامة في القواعد

ص: 64


1- ليست في النسخ.
2- كذا.
3- ليست في النسخ.
4- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 53 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

على تعدد الأواني ، وفي المختلف على ما لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة ، وحكم بنجاسة ما يلاقيه من المائعات ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأنهم أنجاس فينفعل ما يباشرونه برطوبة.

قال رحمه اللّه : الرابع الطين ، ولا يحل منه الا تربة الحسين عليه السلام ، فإنه يجوز للاستشفاء ، ولا يتجاوز قدر الحمصة ، وفي الأرمني رواية بالجواز (1) وهي حسنة لما فيه من المنفعة المضطر إليها.

أقول : المشهور بين الأصحاب جواز استعمال الطين الأرمني إذا دعت الضرورة اليه ، وقيل :إنه من طين قبر الإسكندر رحمه اللّه (2) ويحصل الفرق بينه وبين تربة الحسين عليه السلام بأمور :

الأول : التربة يجوز تناولها للاستشفاء وإن لم يصفها الطبيب بل ولو حذر منها ، والأرمني لا يجوز تناوله إلا إذا كان موصوفا.

الثاني : التربة لا يجوز أن يتناول منها أكثر من الحمصة ، والأرمني لا يتقدر بقدر بل هو راجع الى تقدير الطبيب وإن زاد على قدر الحمصة.

الثالث : ان التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة ، والأرمني ليس بمحترم.

والمحترم من التربة الذي لا يجوز تقريب النجاسة منه هو ما أخذ من الضريح أو من خارج ووضع على الضريح المقدس ، أما ما أخذ من خارج ولم يوضع على الضريح فإنه لم يثبت له الحرمة ، الا أن يأخذه بالدعاء المرسوم ويختم عليه فيثبت له الحرمة حينئذ.

قال رحمه اللّه : ولو قطر قليل من دم كالأوقية فما دون في قدر وهي تغلي

ص: 65


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 60 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
2- كذا.

على النار ، قيل : حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان ، ومن الأصحاب من منع الرواية ، وهو حسن.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

الأول : طهارة المرق إذا كان الدم قليلا كالأوقية فما دون ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، لما رواه سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم ، أيؤكل؟ قال : نعم ، ثمَّ قال النار تأكل الدم » (1).

الثاني : إطلاق القول بطهارته إذا ذهب الدم بالغليان وان كان كثيرا ، وهو مذهب المفيد وسلار ، لعموم رواية زكريا بن آدم ، عن الرضا عليه السلام ، « قال : سألته عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق كثير؟ قال : يهراق المرق أو يطعم أهل الذمة أو الكلاب ، واللحم اغسله وكله. قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال : الدم تأكله النار إن شاء اللّه تعالى » (2).

الثالث : نجاسة المرق سواء قل الدم أو كثر ، وهو مذهب ابن إدريس واستحسنه المصنف واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه ماء قليل أو مضاف لاقته نجاسة فينجس.

قال رحمه اللّه : ولو كان المائع دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز تحت الأظلة ، وهل ذلك لنجاسة دخانه؟ الأقرب ، لا ، بل هو تعبد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في عدم جواز الاستصباح به تحت الأظلة ، وهو مذهب الشيخين

ص: 66


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 44 من أبواب الشربة المحرمة ، حديث 1. مع اختلاف يسير.

وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وهو مذهب ابن إدريس ، وقال الشيخ في المبسوط : إنه مكروه ، واختاره فخر الدين ، لأصالة براءة الذمة ، ولأن دخانه ليس بنجس ، ولأن رواية معاوية بن وهب (1) عن الصادق عليه السلام ، وصحيحة زرارة (2) (3) مطلقتان من غير قيد بالسماء ، لكن الأول هو المشهور في فتاوي الأصحاب.

الثاني : هل عدم جواز الاستصباح به تحت الأظلة لنجاسة دخانه أو تعبد شرعي؟ نقل في المبسوط عن قوم أن كلما نقطع بنجاسته فدخانه نجس ، قال : وهو الذي دل عليه الخبر الذي قدمناه من رواية الأصحاب ، والذي قدمه جواز الاستصباح به تحت السماء دون السقف ، ثمَّ قال : وقال آخرون : - وهو الأقوى - ليس بنجس. وقال ابن إدريس : ويجوز الاستصباح به تحت السماء لا تحت الأظلة لا لأن دخانه نجس بل تعبد ، لأن دخان الأعيان النجسة ورمادها طاهران عندنا بغير خلاف بيننا ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأن النار تطهر ما أحالته رمادا أو دخانا.

قال رحمه اللّه : والكفار أنجاس ، ينجس المائع بمباشرتهم ، سواء كانوا أهل حرب ، أو أهل ذمة على أشهر الروايتين (4).

أقول : تقدم البحث في ذلك (5).

قال رحمه اللّه : ولو عجن بالماء النجس عجين لم يطهر بالنار إذا خبز على الأشهر.

ص: 67


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 2.
3- في النسخ : ورواية زرارة عن الباقر عليه السلام.
4- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 52 و 53 من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- ص 64.

أقول : قال الشيخ في باب المياه من النهاية بطهارته ، وقال في باب الأطعمة منها بعدمه ، وهو المعتمد ، لأن النار إنما تطهر ما أحالته رمادا أو دخانا.

قال رحمه اللّه : [ الرابع : ] الأعيان النجسة ، كالبول مما لا يؤكل لحمه ، نجسا كان الحيوان كالكلب والخنزير ، أو طاهرا كالأسد والنمر ، وهل يحرم ما يؤكل؟ قيل : نعم ، إلا بول الإبل ، فإنه يجوز للاستشفاء ، وقيل : يحل الجميع لمكان طهارته ، والأشبه التحريم لاستخباثها.

أقول : اختلف قولا المصنف في هذه المسألة ، اختار هنا تحريم الأبوال كلها لاستخباثها ، واختار (1) في المختصر وفي باب البيع من هذا الكتاب المشروح الإباحة ، لأنها أعيان طاهرة فيكون الأبوال كلها مباحة ، وهو مذهب السيد المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس ، فعلى هذا يجوز شرب الأبوال كلها لضرورة وغيره ضرورة.

والتحريم مذهب ابن حمزة واختاره العلامة والمصنف وأبو العباس في مقتصره فعلى هذا لو احتيج إليها للاستشفاء جاز (2) شربها.

ص: 68


1- في الأصل : واختاره ، وفي « ن » ليست هذه الكلمة موجودة.
2- ليست في النسخ.

في اللواحق

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا وجد لحما ولا يدرى أذكي هو أو ميت؟ قيل : يطرح في النار ، فان انقبض فهو ذكي ، وإن انبسط فهو ميت.

أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف في المختصر جزما ، والمستند رواية شعيب (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « عن رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لا يدرى أذكي هو أو ميت؟ قال : يطرحه في النار فما انقبض فهو ذكي ، وما انبسط فهو ميت » (2) ، ومنع العلامة في القواعد من هذا القول ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة التحريم في الصيد واللحم ما لم يعلم تذكيته ، ولو وجد عليه آثار التذكية كتقطيع القصاب وهو في بلاد الإسلام ، فهو حلال كالجلد إذا وجد في بلاد الإسلام وعليه آثار التذكية كالدباغة.

ص: 69


1- في النسخ : شبيب. والمصدر.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره إلا بإذنه ، وقد رخص مع عدم الاذن في التناول من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم منه الكراهية ، ولا يحمل منه ، وكذا ما يمر به الإنسان من النخل ، وكذا الزرع والشجر على تردد.

أقول : الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، لقوله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (1) ، وقوله عليه السلام : « المسلم أخو المسلم لا يحل ماله الا عن طيب نفس منه » (2) ، واخرج النص من هذا الأصل وجوها :

الأول : ثبوت من تضمنته الآية ، وهي قوله تعالى ( وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) (3) إلى آخر الآية ، واشترط الأصحاب عدم علم الكراهية فلو تيقن الكراهية لم يحل الأكل ، ولو لم يعلم هل يكره أم لا؟ جاز الأكل لأصالة عدم الكراهية ، لأنه ألا يشترط علم عدم الكراهية بل يشترط عدم علم الكراهية والا لم يحصل الفرق (4) بين ثبوت من تضمنته الآية وبين غيرها ، لأنه مع علم عدم الكراهية يجوز الأكل من جميع البيوت ، لأن علم عدم الكراهية يقوم مقام الاذن الصريح في جواز الأكل من جميع البيوت ، ويكفي في ذلك غلبة الظن.

ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا أنه لا يأكل إلا ما يخشى عليه التلف ،

ص: 70


1- البقرة : 188.
2- المضمون موجود في الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 1 من أبواب القصاص في النفس ، حديث 3 ، والمستدرك ، كتاب القصاص ، باب 1 من أبواب القصاص في النفس ، حديث 6 - 23.
3- النور : 61.
4- ليست في الأصل.

واشترط في جواز (1) الأكل من غير إذن الاذن في الدخول ، والمشهور عدم اشتراط الاذن في الدخول ، بل يكفي البناء على حسن الظن ، لأن الروايات (2) الدالة على جواز الأكل مطلقة غير مقيدة بالإذن في الدخول ، وكذلك الآية ، والمشهور أيضا عدم تقييد الأكل بما يخشى تلفه بل هو عام يتناول كل مأكول.

الثاني : الأموال المشتركة كالمباطخ والأشجار والنخل فان لكل واحد من الشريكين الأكل بدون شريكه بشرط عدم علم الكراهية لقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (3).

الثالث : جواز الشرب والغسل والوضوء من المياه المملوكة ، كمياه الدوالي والدواليب وما شابه ذلك لشاهد الحال ، ولو علم الكراهية حرم.

الرابع : ما يمر به الإنسان من النخل والشجر والزرع ، وقد سبق البحث فيه في باب التجارة (4).

قال رحمه اللّه : ولو ألقي في الخمر خل حتى يستهلكه لم يحل ولم يطهر ، وكذا لو ألقي في الخل خمر فاستهلكه الخل ، وقيل : يحل إذا ترك حتى يصير الخمر خلا ، ولا وجه له.

أقول : تصوير المسألة أن نفرض إناءان في أحدهما خمر وفي الآخر خل ، فوقع من إناء الخمر في إناء الخل قطرة فما زاد فنجس الخل لملاقاته النجاسة ، فلو فرضنا صيرورة الخمر الذي وقع منه في إناء الخل خلا ، فإنه يحل قطعا للإجماع على حله بانقلابه.

وهل يطهر الخل الذي فيه الخمر ويحل؟ فيه ثلاثة أقوال :

ص: 71


1- في « ر 1 » : في عدم جواز الأكل.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 24 من أبواب آداب المائدة.
3- النساء : 29.
4- من كتاب الشرائع 2 : 55 ( في لواحق بيع الثمار ) ولم يعلق الشارح على المسألة هناك.

الأول : الطهارة وحله ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والتهذيب ، واستقربه العلامة في المختلف ، لأن انقلاب الخمر الواقع منه يدل على انقلاب الخمر الواقع في الخل (1) فتزول نجاسة الخل ، لأن نجاسة الخل تابعة لنجاسة الخمر فاذا انقلب الى الخل طهر فيطهر الخل.

الثاني : حل الخل إذا مضت عليه مدة ينقلب (2) في مثلها العين من التحليل الى التحريم ومن التحريم الى التحليل ، سواء انقلب الأصل أو لا ، وهو قول ابن الجنيد.

الثالث : بقاء الخل على النجاسة والتحريم ، لأصالة بقاء النجاسة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

فروع : الأول : يطهر الخمر بانقلابه خلا إجماعا بشرط نجاستها بسبب التخمير ، فلو لاقاه نجاسة من خارج قبل انقلابه كمباشرة الكافر له أو غير ذلك لم يطهر بالانقلاب ، وإذا حكم بطهارته حكم بطهارة إنائه ، سواء كانت تامة أو ناقصة ، وسواء كان النقص ( بعد الامتلاء أو لا ، وسواء كان النقص ) (3) بسبب الأخذ منه أو بسبب شرب الإناء له أو غير ذلك من الأسباب.

الثاني : لا يكره استعمال هذا الخل إذا انقلب من نفسه ، ويكره لو كان بعلاج ، وتطهر الأجسام الواقعة فيه للعلاج أو لغيره ، وان حكمنا بنجاستها قبل الانقلاب ، كما يطهر الإناء بعد الحكم بنجاسته ، لأن النجاسة لمكان الخمرة (4) وقد زالت.

الثالث : العصير إذا غلى حرم ، ومعنى الغليان : أن يصير أسفله أعلاه ، ولا

ص: 72


1- من النسخ وليس في الأصل.
2- في النسخ : ينتقل.
3- ما بين القوسين ليس في « م ».
4- في « م » و « ر 1 » : الخمرية.

فرق بين أن يكونه ذلك من نفسه أو بسبب تسخينه بالنار أو الشمس ، ولا يشترط ان يقذف بالزبد ، ولا صيرورته مسكرا فيحرم حينئذ العنب والرطب دون التمر والزبيب ، الا أن يصير مسكرا فيحرم حينئذ ، ويطهر بانقلابه خلا أو بذهاب ثلثيه ، ولا يشترط كون الذهاب بالغليان بل لو ذهب الثلثان بالشمس أو بالهواء حل ، وإذا حكم بطهارته حكم بطهارة القدر والمسواطة (1) ، ويطهرا على القدر الذي قذف اليه الزبد بالغليان.

قال رحمه اللّه : أواني الخمر من الخشب والقرع والخزف غير المغضور ، لا يجوز استعماله لاستبعاد تخليصه ، والأقرب الجواز بعد زوال عين النجاسة وغسلها ثلاثا.

أقول : عدم جواز الاستعمال مذهب الشيخ في النهاية ، وقوى في المبسوط جواز الاستعمال واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويكره الإسلاف في العصير ، وأن يستأمن على طبخه من يستحل شربه قبل أن يذهب ثلثاه إذا كان مسلما ، وقيل : لا يجوز مطلقا ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الإسلاف في العصير ، قال الشيخ في النهاية : إنه مكروه ، لأنه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه وقد تغير الى حال الخمر ، بل ينبغي أن يتبعه يدا بيد. وان كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا ، وقال ابن إدريس ما ذكره شيخنا فيه نظر ، لأن السلف لا يكون إلا في الذمة ولا يكون في العين ، فاذا كان في الذمة فسواء تغير ما عنده الى حال الخمر أو لم يتغير فإنه يلزمه تسليم ما في ذمته اليه من أي موضع

ص: 73


1- في « م » : السواطة.

كان ، فلا أرى لكراهيته وجها ، وانما هذا لفظ خبر واحد (1) أورده إيرادا ، وأجاب العلامة في المختلف بحمل كلام الشيخ على بيع عين مشخصة ، ويسلمها إليه في وقت معين ، وأطلق عليه اسم السلف مجازا.

الثانية : اختلف الأصحاب في جواز أن يؤتمن على طبخه من يستحل شربه قبل ذهاب ثلثيه ، قال الشيخ : لا يجوز ، لأنه لا يقبل شهادته في ذهاب ثلثيه ولا غيرها ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، لرواية معاوية بن عمار (2) ، عن الصادق عليه السلام ، واختار المصنف الجواز وهو اختيار العلامة في الإرشاد على كراهية.

ص: 74


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 59 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 7 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 4.

النظر في حال الاضطرار

اشارة

قال رحمه اللّه : ولا يرخص للباغي ، وهو الخارج على الامام ، وقيل : الذي يبغي الميتة ، ولا العادي ، وهو قاطع الطريق ، وقيل : الذي يعد وشبعه.

أقول : إذا اضطر الباغي أو العادي إلى أكل الميتة لم يجز له إجماعا ، لقوله تعالى ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) (1) ، واختلفوا في تعريفهما ، والمشهور أن الباغي هو الخارج على الامام العادل ، والعادي هو قاطع الطريق.

ونقل المصنف والعلامة في القواعد والتحرير قولا بأن الباغي هو الذي يبغي الميتة ، والعادي هو الذي يعدو ويتبعه ، وقوى فخر الدين عدم الإباحة لهما معا واختاره الشهيد وهو المعتمد ، لأن باغي الميتة (2) والعادي من اتبعه لا ضرورة له الى ذلك.

قال رحمه اللّه : ولو اضطر الى طعام الغير ، وليس له الثمن وجب على صاحبه بذله ، لأن في الامتناع اعانة على قتل المسلم ، وهل له المطالبة بالثمن؟

ص: 75


1- البقرة : 173.
2- من النسخ وما في الأصل غير واضح.

قيل : لا ، لان بذله واجب فلا يلزم العوض ، وإن كان الثمن موجودا وطلب ثمن مثله وجب دفع الثمن ، ولا يجب على صاحب الطعام بذله ، لو امتنع من بذل العوض ، لأن الضرورة المبيحة لاقتساره مجانا زالت بالتمكن من البذل ، وإن طلب زيادة عن الثمن ، قال الشيخ : لا يجب الزيادة ، ولو قيل : تجب كان حسنا ، لارتفاع الضرورة بالتمكن.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير بمعنى أنه إن لم يستعمله تلف ولم يكن المالك مضطرا اليه ، هل يجب على المالك بذله أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط : يجب ، وقد ذكر المصنف الوجه في ذلك ، وهو عدم جواز الإعانة على قتل المسلم ، وفي الامتناع من بذل الطعام إعانة على ذلك ، وهو غير جائز فوجب البذل ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، وقال الشيخ في الخلاف : لا يجب البذل ، لأصالة براءة الذمة واختاره ابن إدريس.

الثانية : على المختار من وجوب البذل ، هل يجب على المضطر العوض إذا لم يكن (1) يقدر عليه في الحال ، بمعنى أنه يصير متعلقا في ذمته يجب عليه دفعه عند القدرة عليه؟ نقل المصنف والعلامة قولا بعدم وجوب العوض لوجوب (2) البذل ولا عوض على الواجب ، واختار فخر الدين الوجوب لعصمة مال الغير ، ولما فيه من الجمع بين الحقين وهو المعتمد.

الثالثة : أن يكون الثمن موجودا عند المضطر وطلب صاحب الطعام أزيد من ثمن المثل فحينئذ لا خلاف في وجوب دفع ثمن المثل ، وإنما الخلاف في دفع الزيادة ، لارتفاع الضرورة بالتمكن من دفع الزيادة ، واختاره العلامة وابنه وهو

ص: 76


1- ليست في النسخ.
2- في الأصل : لوجوب.

المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وجد ميتة وطعام الغير فان بذل له الغير طعامه بغير عوض أو بعوض هو قادر عليه ، لم يحل الميتة ، ولو كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا ولم يبذل وقوي صاحبه عن دفعه عن طعامه ، أكل الميتة فإن كان صاحب الطعام ضعيفا لا يمنع ، أكل الطعام وضمنه ولم تحل الميتة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من انتفاء الضرورة المبيحة لأكل الميتة ، لوجود طعام حلال بأن يقومه على نفسه ويأكله ثمَّ يؤدي قيمته عند القدرة عليها ، وانما يباح الميتة مع عدم وجود طعام غيرها ، وهو هنا موجود فلا يباح الميتة ، ومن عموم النهي (1) عن التصرف بمال الغير من غير إذنه ، خرج منه جواز التصرف لدفع الضرورة التي لا تندفع الا بتناوله ، للإجماع على ذلك ، ولوجوب حفظ النفس ، والضرورة هنا مندفعة بتناول الميتة ، فلا يحصل الشرط المبيح لتناول مال الغير قهرا ، وهو قوى.

قال رحمه اللّه : ولو لم يجد المضطر ما يلزم رمقه سوى نفسه ، قيل : يأكل من المواضع اللحمة كالفخذين ، وليس شيئا إذ فيه دفع الضرر بالضرر.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : فان لم يجد المضطر شيئا حلالا (2) بحال ، قال قوم : له أن يقطع من بدنه من المواضع اللحمة كالفخذ ونحوها ، لأنه لا يمنع من إتلاف البعض ، لاستبقاء الكل كما لو كان به أكله أو خبيثة فقطعها ، قال : والصحيح عندنا أنه لا يفعل ذلك ، لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه ، وفي القطع منه خوف على نفسه فلا يزال الخوف بالخوف ، ويفارق الخبيثة ، لأن في قطعها قطع سراية ، وليس كذلك قطع موضع من بدنه ، لأن في قطعه إحداث سراية ، وتابعه

ص: 77


1- تقدمت الإشارة إليه من الكتاب والسنة.
2- ليست هذه الكلمة في « ر 1 » و « ن ».

ابن إدريس والمصنف والعلامة وهو المعتمد ، وقوى فخر الدين الجواز ، لأن مع ترك الأكل يحصل الجزم بموته ، وعند قطع شي ء من لحمه يظن السلامة فكان أولى.

قال رحمه اللّه : ولو اضطر الى خمر وبول تناول البول ، ولو لم يجد إلا الخمر ، قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز دفع الضرورة بها ، وقال في النهاية : يجوز ، وهو الأشبه.

أقول : ذهب ابن البراج والمصنف والعلامة إلى اختيار مذهب النهاية ، لأن إباحة الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير للمضطر مستلزم إباحة كل ما حرم تناوله ، لأن تحريمها أفحش فإباحته يستلزم إباحة الأدون ، واستدل الشيخ على مذهبه في المبسوط بما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام « قال : سألته عن دواء عجن بالخمر؟ فقال : واللّه ما أحب النظر اليه فكيف أتداوى به وهو بمنزلة شحم الخنزير » (1) ، ونحوها رواية عمر بن أذينة (2) ، عن الصادق عليه السلام ورواية معاوية بن عمار (3) ، عنه عليه السلام أيضا.

ص: 78


1- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 1.
3- التهذيب ، كتاب الصيد والذبائح ، باب الذبائح والأطعمة ، حديث 226 (491) وقريب منها عن علي بن جعفر ، الوسائل ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب 20 من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث 15.

كتاب الغصب

اشارة

ص: 79

ص: 80

في السبب

قال رحمه اللّه : فالغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

أقول : اختلف الأصحاب في تعريف الغصب على معنيين :

أحدهما : أنه الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا ، وهو المشهور بين الأصحاب.

والآخر : أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، وبهذا عرفه العلامة في التحرير ، وهو أعم من الأول ، فعلى هذا لو كان لإنسان عند صانع أو غسال ثوب فرد عليه غيره غلطا ، ثمَّ علم به بعد قبضه والاستيلاء عليه كان غاصبا ، لحصول الاستيلاء على مال الغير بغير حق ، وعلى الأول لا يكون غاصبا ، لأنه غير ظالم ولا متعد بقبضه ، وكذا لو خرج من جامع فوجد نعالا مختلطة فصار يرفع نعلا ويضع نعلا ليعرف نعله ، فهو غاصب على التعريف الثاني وليس غاصبا على التعريف الأول ، لأنه إنما فعل ذلك ليميز نعله من نعل غيره ، وهو لا يتم الا بما فعله ، ولو كان غاصبا بذلك لزم الحرج ، والتعريف الأول هو المعتمد والا لزم الحرج.

ص: 81

قال رحمه اللّه : فلو سكن الدار مع مالكها قهرا لم يضمن الأصل ، وقال الشيخ : يضمن النصف ، وفيه تردد ، منشؤه عدم الاستقلال من دون المالك.

أقول : إذا سكن الدار قهرا مع مالكها ، هل يكون غاصبا بمعنى ضمان (1) نصف الدار لو تلفت عليه (2)؟ قال الشيخ نعم ، واختاره العلامة ، لتحقق معنى الغصب وهو إثبات اليد على مال الغير عدوانا ، لان مرادهم بإثبات اليد على مال الغير عدوانا هو إثبات القدرة على الانتفاع بمال الغير ظلما بغير وجه شرعي ، مع رفع قدرة المالك عن (3) الانتفاع بماله ، وليس المراد إثبات الجارحة ، واستشكل المصنف تحقق الغصب هنا ، لعدم استقلال الغاصب ، لأنهم عرفوا الغصب بأنه الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا ، والمراد بالاستقلال الانفراد ، وهذا لم ينفرد بإثبات يده لمشاركة المالك له بالتصرف والمعتمد اختيار الشيخ والعلامة.

إذا عرفت هذا فاذا تلفت الدار ضمن الغاصب النصف سواء سكن النصف أو أكثر أو أقل ، لأن المتصرف بالدار اثنان ، فيحال الضمان عليها (4) كالجنايات ، أما الأجرة فلا يضمن منها إلا قدر ما ينتفع به من السكنى ، وهذا البحث على تقدير تصرف كل واحد من المالك والغاصب في جميع الدار أما لو فرضنا استقلال الغاصب بيت من الدار مثلا ، ولم يشارك المالك في باقي الدار بل المتصرف فيه المالك وحده ، لم يضمن غير البيت الذي هو مستقل فيه خاصة ، ويضمن نصف المجاز الى البيت لمشاركة المالك له فيه ، ولو شارك المالك في باقي الدار ضمن البيت ونصف باقي الدار.

ص: 82


1- في « م » : ضامنا.
2- ليست هذه الكلمة في النسخ.
3- في « م » : على.
4- كذا.

قال رحمه اللّه : والحر لا يضمن بالغصب ولو كان صغيرا ، ولو أصابه حرق أو غرق أو موت في يد الغاصب من غير تسبيبه لم يضمنه ، وقال في كتاب الجراح : يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا وتلف بسبب ، كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط.

أقول : الحر لا يضمن تحت اليد ، لأنه ليس مالا ولا يتحقق غصبه فلا يضمن بالغصب ، لأن المضمون بإثبات اليد إنما هو الأموال ، أما الحر فلا وإنما يضمن بالجناية عليه.

فلو غصب حرا صغيرا وتلف قال المصنف : لا يضمنه الغاصب ، سواء كان التلف بسبب أو بغير سبب ، كما لو مات حتف أنفه ، وقال الشيخ في كتاب الجراح من المبسوط : يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا وتلف بسبب كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط ، واختاره العلامة ، لأنه فعل سبب الإتلاف إذا الصغير لا يمكنه الاحتراز فهو كحافر البئر ، ولأنه أتم احتياطا في حفظ الدماء وعصمة النفوس ، وقال في كتاب الغصب منه وفي الخلاف : لا يضمنه ، لأن الحر لا يضمن باليد بلا سبب وليس بمباشر والضمان معلل بهما ، وانتفاء العلة يوجب انتفاء معلولها ، فوجب القول بانتفاء الضمان ، ولأصالة البراءة ، ثمَّ قال : ولو قلنا بالضمان كان قويا والمصنف اختار عدم الضمان من غير فرق بين الموت بالسبب والموت بغيره ، وأكثر الأصحاب على الفرق.

قال رحمه اللّه : ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به ، لان منافعه في قبضته ، ولو استاجره لعمل واعتقله ولم يستعمله فيه تردد ، والأقرب أن الأجرة لا تستقر لما قلناه.

أقول : منشأ التردد من أن المؤجر قد ملك الأجرة بنفس العقد ، وقد مضى زمان يمكنه العمل فيه وهو باذل للمنفعة لكنه ممنوع بسبب المستأجر فتستقر

ص: 83

الأجرة عليه ، ومن أن منافع الحر لا تضمن بالفوات بل بالتفويت ، وهو لم يحصل فلا تستقر الأجرة ، وهو مذهب المصنف واختاره فخر الدين ، وهو مذهب أبيه في التحرير وهذا البحث ما إذا كان العمل في الذمة ، كما إذا وقع العقد على العمل ثمَّ حبسه مدة يمكنه فيها العمل.

اما لو كان العقد مقيدا بالزمان كما لو استأجره مدة معلومة ثمَّ حبسه تلك المدة ، فإنه تستقر الأجرة عليه قطعا ، لأنه قد استحق منافعه تلك المدة وقد فوتها على نفسه ، فتستقر (1) الأجرة عليه.

قال رحمه اللّه : ويضمن الخمر بالقيمة عند المستحل ، ولو كان المتلف ذميا ، وفي هذا تردد.

أقول : إذا أتلف الإنسان على الذمي خمرا وهو مشتريها ضمنها بالقيمة ، سواء كان المتلف مسلما أو ذميا ، لأنه مال مملوك للذمي معصوم فوجب ضمانها ، فان كان المتلف مسلما وجب عليه القيمة عند مستحله قطعا ، وإن كان المتلف ذميا ، هل يضمن بالمثل أو القيمة؟ تردد المصنف في ذلك ، ومنشأ التردد من أنه مال مملوك لكل منهما ، وهو من ذوات الأمثال فيضمن بمثله ، وهو مذهب ابن البراج ، ومن أنها محرمة في شريعة الإسلام فإذا تحاكموا إلينا لم نوجب المثل ، لكونه غير مملوك عندنا ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وهو ظاهر المصنف والعلامة واختاره فخر الدين وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو غصب شاة فمات ولدها جوعا ، ففي الضمان تردد ، وكذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق التلف ، وكذا التردد لو غصب دابة فتبعها الولد.

أقول : منشأ التردد في هذه المسائل الثلاث من عدم استقلال اليد على الولد

ص: 84


1- في « ن » : فلا تستقر.

والماشية فلا يتحقق الغصب فينتفي الضمان ، ولأن الأصل براءة الذمة ما لم يتحقق الشاغل لها ، ومن أنه سبب في إتلاف الولد والماشية إذ لولاه لم يتحقق التلف وإن كان لعلة (1) اخرى ، وتردد العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد ، ولم يرجح شيئا كالمصنف ، وظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ترجيح أصالة البراءة ، وفي الدروس اختار ضمان الولد إذا تبع أمه ولم يتعرض لموته جوعا ولا لحبس مالك الماشية عن حراستها بإثبات ولا نفى ، وظاهر الإهمال النفي ، ولم يفرق غيره بين الثلاث المسائل.

ولعل وجه الفرق كون السبب في اتباع الولد لأمه أقوى ، لميل الولد إلى متابعة أمه بالطبع بحيث لا يمكن الاستغناء عنها بغيرها ، بمعنى أنه لا يميل بالطبع الى غيرها كميله إليها بخلاف موته جوعا ، فإنه يمكن الاعتياض بلبن غيرها عنها ، وبخلاف حبس مالك الماشية عن حراستها ، فإنه تصرف في مالك الماشية ولم يتصرف فيها فأشبه المنع من إمساك الدابة المرسلة ، وقد أفتى جميع الأصحاب بعدم الضمان إذا منع المالك من إمساك دابته المرسلة ، فتلفت ، وترددوا في الضمان إذا حبسه عن حراسة دابته فتلفت ، وفي الفرق نظر.

قال رحمه اللّه : أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح أو ذاب بالشمس ، ففي الضمان تردد ، ولعل الأشبه أنه لا يضمن ، لان الريح والشمس كالمباشر ، ويبطل حكم السبب.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن أن الريح والشمس لا أثر لهما في إخراج السمن من الظرف وانما أثرا في انقلابه وإذابته ، وانما خرج السمن بسبب فتح رأس الظرف الصادر عنه فكان ضامنا له ، لضعف المباشر ، إذ لو انقلب الظرف أو ذاب ورأسه مشدود لم يؤثر الانقلاب والإذابة شيئا ، فكان السبب أقوى وهو

ص: 85


1- في النسخ : بعلة.

ص: 86

في الحكم

قال رحمه اللّه : ولو حدث في المغصوب عيب ، مثل تسويس التمر أو تحريق الثوب رده مع الأرش ، ولو كان العيب غير مستقر كعفن الحنطة ، قال الشيخ : يضمن قيمة المغصوب ، ولو قيل : يرد العين مع أرش العيب الحاصل ، ثمَّ كلما زاد دفع أرش الزيادة كان حسنا.

أقول : إذا غصب طعاما فعفن عنده بطول المكث أو بصب الماء عليه ولم يستقر نقصه ، قال الشيخ : فهو كالمستهلك يضمن ، واستحسن المصنف رد العين مع ضمان أرش العيب الحاصل ثمَّ كلما زاد دفع أرش الزيادة ، واختاره العلامة وابنه ، لبقاء العين المغصوبة فيجب ردها ورد نقصها الحاصل والمتجدد ، لأنه السبب في ذلك ، واستشكل العلامة رد المتجدد لحصول البراءة بدفع العين والأرش الحاصل.

والمعتمد ضمانه ، لأن وجود السبب كوجود المسبب. هذا إذا لم يمكن إصلاحه ولا التصرف فيه ، فلو أمكنا وأهمل فالأقرب انتفاء الضمان ، لاستناده الى تفريط المالك.

ص: 87

فرع : إذا غصب سمنا ودقيقا ودبسا واتخذ منه حلوى كان فيه الوجهان أيضا ، لأنه كالمستهلك عند من لا يريده فيضمن القيمة ، والمعتمد رده مع أرش النقص ، فحينئذ إن كانت قيمته لا تنقص بالاختلاط عن قيمته حال الانفراد ، أخذه المالك ولا شي ء للغاصب ولا عليه ، وان زادت بالاختلاط عن الانفراد أخذه المغصوب منه ولا شي ء للغاصب ، لأنه ليس له عين مال فيكون شريكا بها ، وانما حصل منه عمل في مال الغير بغير إذنه فلا يستحق بسببه شيئا ، وان نقصت قيمته بالاختلاط عن قيمته حال الانفراد رده مع أرش النقص ، لأنه السبب في ذلك.

قال رحمه اللّه : وإن لم يكن مثليا ضمن قيمته يوم غصبه ، وهو اختيار الأكثر ، وقال في المبسوط والخلاف : يضمن أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو حسن ، ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك على تردد.

أقول : يجب رد المغصوب مع بقاء عينه وان تعسر وأدى (1) الى إتلاف (2) مال الغاصب ، وكان قيمته أضعاف قيمة المغصوب ، كاللوح في السفينة وهي في اللجة وأدى نزعه الى غرقها وغرق ما فيها للغاصب ، اما لو كانت هي أو ما فيها لغير الغاصب أو كان ما (3) فيها له وادي نزع اللوح الى غرقه أو غرق حيوان له حرمة ، فإنه يؤخر النزع الى حيث يصل الساحل ، وللمغصوب منه المطالبة بالقيمة حتى يقبض العين ، ويرد القيمة التي قبضها ، ومع رد العين لا (4) يلتفت الى القيمة ، سواء زادت أو نقصت إذا كانت العين على صفتها ، فان تلفت العين أو تعذر ردها بان غصبها ظالم ، وجب على الغاصب رد

ص: 88


1- في النسخ : أو أدى.
2- في النسخ : تلف.
3- في النسخ : أو كانت وما فيها.
4- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

المثل إن كانت مثلية ، وهي التي تساوي قيمة أجزائها كالحبوب والادهان ، ورد القيمة إن كانت قيمية ، وهي التي لا تساوي قيمة أجزائها كالثياب والحيوان.

واختلف الأصحاب في القيمة المردودة على ثلاثة أقوال : الأول : قيمته يوم الغصب ، لأنه وقت انتقال الضمان اليه ، والضمان هنا بالقيمة فيقضى عليه بها ، نقله المصنف عن الأكثر. الثاني : قيمته يوم التلف ، لأنه وقت استقرار ضمان القيمة ، لأنه قبل ذلك مخاطب برد العين ، وانما خوطب برد القيمة بعد تلفها ، فيضمن القيمة يوم التلف ، وهو مذهب ابن البراج واختاره العلامة في المختلف.

الثالث : أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط ، واختاره فخر الدين وأبو العباس ، لأنه مضمون في جميع الحالات التي من جملتها الحالة العليا ، ولأنه أنسب (1) إلى التغليظ على الغاصب وهو المعتمد.

أما القيمة بعد التلف فلا يلتفت الى زيادتها ولا نقصانها (2) على ما هو المشهور بين الأصحاب ، ولم يتردد في ذلك غير المصنف والشهيد ، بناء على ضمان زيادة القيمة بعد التلف على القول بضمان القيمي بمثله ، وهو قول نادر لا عمل عليه.

والظاهر أن منشأ التردد من عدم التفات الأصحاب إلى زيادة القيمة أو نقصانها بعد التلف ، ومن أن الغاصب مخاطب برد العين أو قيمتها من حين الغصب الى حين الدفع ، فيكون مخاطبا بأعلى القيم من حين الغصب الى حين الدفع.

قال رحمه اللّه : والذهب والفضة يضمنان بمثلهما ، وقال الشيخ رحمه اللّه : يضمنان بنقد البلد كما لو كان مما لا مثل له.

ص: 89


1- في « ن » و « ر 1 » : السبب.
2- هذه الكلمة من النسخ وليست في الأصل.

أقول : هذا هو قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط حذرا من الربا ، وقال ابن إدريس يضمنان بالمثل ، لأنهما من ذوات الأمثال والربا إنما يكون في البيع (1) وهذا ليس بيعا ، واختاره المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولا تقدير في قيمة شي ء من أعضاء الدابة ، بل يرجع الى الأرش السوقي ، وروي (2) في عين الدابة ربع قيمتها ، وحكى الشيخ رحمه اللّه في المبسوط والخلاف عن الأصحاب في عين الدابة نصف قيمتها ، وفي العينين كمال القيمة ، وكذا كلما في البدن منه اثنان ، والرجوع الى الأرش السوقي أشبه.

أقول : المشهور الضمان بالأرش السوقي ، لأن الجناية على البهائم لا تضمن بمقدر بل بالأرش السوقي ، والرواية التي أشار إليها المصنف هي ما رواه أبو العباس عن الصادق عليه السلام ، « قال : من فقأ عين الدابة فعليه ربع قيمتها » (3) ، والمعتمد الأرش.

قال رحمه اللّه : ولو غصب عبدا أو أمة فقتله ، أو قتله قاتل ، ضمن قيمته ما لم يتجاوز قيمة الحر ، ولو تجاوز لم يضمن الزيادة ، ولو قيل : يضمن الزائد بسبب الغصب كان حسنا.

أقول : وجوب الرد إلى دية الحر مع زيادة قيمة العبد عليها مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف للعموم (4) ، واستحسن المصنف الإلزام (5) بالزيادة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره العلامة وهو المعتمد ، لأنه لو مات أو تلف بسبب غير القتل ضمنه بتمام القيمة فكذا لو قتله ، ولأن الحمل على الجاني غير

ص: 90


1- في الأصل : المبيع ، وما أثبتناه فهو من النسخ.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 47 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث ( 1 ، 2 ، 3 ، 4 ).
3- الوسائل : كتاب الديات ، باب 47 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 6 من أبواب ديات النفس ، حديث ( 2 ، 3 ، 5 ).
5- في النسخ : إلزام الغاصب.

الغاصب قياس لا نقول به ، فان كان الجاني هو الغاصب ضمن القيمة بالغا ما بلغت ، وإن كان غير الغاصب ورجع المالك على الغاصب أخذ القيمة بالغا ما بلغت ، وان رجع على الجاني رجع عليه بالقيمة ما لم تتجاوز دية الحر ، فان تجاوزت ردت إلى دية الحر ، وكان الزائد في مال الغاصب ، ومع الرجوع على الغاصب يرجع الغاصب على الجاني بما عدا الزائد على دية الحر.

قال رحمه اللّه : ولو جنى الغاصب عليه بما دون النفس ، فان كان تمثيلا ، قال الشيخ : عتق وعليه قيمته ، وفيه تردد ينشأ من الاقتصار بالعتق في التمثيل على مباشرة المولى.

أقول : قال الشيخ وابن البراج يعتق عليه ويضمن قيمته ، واختاره فخر الدين ، وظاهر المصنف عدم العتق ، لأن العتق بالتنكيل على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النقل وهو مباشرة المولى ، واختاره العلامة في أكثر كتبه.

قال رحمه اللّه : وكل جناية مقدرة في الحر فهي مقدرة في العبد بحساب قيمته ، وما ليست مقدرة في الحر ففيه الحكومة ، ولو قيل : يلزم الغاصب أكثر الأمرين من المقدر والأرش كان حسنا ، اما لو استغرقت قيمته ، قال الشيخ رحمه اللّه : كان المالك مخيرا بين تسليمه وأخذ القيمة ، وبين إمساكه ولا شي ء له ، تسوية بين الغاصب وغيره ، وفيه تردد.

أقول : إذا جنى الإنسان على عبد غيره فلا يخلو إما أن يجني عليه بما فيه مقدر من الحر أو بما ليس فيه مقدر ، وعلى التقديرين لا يخلو : إما أن تحيط الجناية بقيمة العبد أو لا ، فالأقسام أربعة :

الأول : أن يحني عليه بما فيه مقدر في الحر ، كقطع يد العبد ، فان في ذلك نصف القيمة ، لأن في يد الحر نصف ديته.

الثاني : أن يجني عليه بما ليس فيه مقدر من الحر ، كالجراحات في البدن ،

ص: 91

وهذا فيه الأرش ، وهو أن يقوّم سليما من تلك الجراحة ، ثمَّ يقوم مجروحا ، ثمَّ يغرم الجاني ما نقص بسبب الجراحة.

هذا إذا كان الجاني غير غاصب ، فان كان الجاني غاصبا ، هل يكون كذلك؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : نعم ، محتجا بإجماع الفرقة واخبارهم (1) ، وتبعه ابن إدريس.

واستحسن المصنف إلزام الغاصب بأكثر الأمرين من الأرش والمقدر الشرعي ، واختاره العلامة وقواه الشهيد وهو اختيار أبي العباس في مقتصره ، أما ضمان المقدر على تقدير الزيادة فلعموم ، وأما ضمان الأرش على تقدير الزيادة فلأنه نقص أدخله على مال غيره فيكون ضامنا له ، ولأنه أنسب (2) بالتغليظ ، لأن الغاصب مخاطب بأشق الأحوال ، فحينئذ لو قطع يد عبد قيمته مائة فصارت عشرين ضمن ثمانين ، ولو صارت ثمانين ضمن خمسين ، وهو المعتمد.

الثالث : أن لا تستغرق الجناية للقيمة ولا خلاف في أخذ العبد مع أرش الجناية مع القصور عن القيمة ولو بدرهم.

الرابع : أن تحيط الجناية بالقيمة مثل أن يقطع يده ورجله أو يقلع عينيه أو يقطع ذكره وما شابه ذلك ، فهنا يتخير بين دفع العبد إلى الجاني وأخذ القيمة منه ، وبين إمساكه مجانا ، فلو كان الجاني غاصبا هل الحكم كذلك؟ قال الشيخ في المبسوط : نعم ، لئلا يجتمع للمالك العين والقيمة ، وقال ابن إدريس : له إمساكه والمطالبة بالقيمة ، واختاره العلامة والشهيد ، لان الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإن تعذر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل ، ويملكه

ص: 92


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح ، حديث 2 - 4.
2- في « ر 1 » : المسبب.

المغصوب منه ، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ، ولو عادت كان لكل منهما الرجوع ، وعلى الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة من حين الغصب الى حين دفع البدل ، وقيل : إلى إعادة المغصوب ، والأول أشبه.

أقول : إذا تعذر رد العين وهي باقية ، كما لو أبق العبد ، ضمن الغاصب القيمة في الحال ، للحيلولة ، ويملكها المغصوب منه ملكا لا عوض له ، لأن الغاصب لا يملك العين المغصوبة مقابل ما دفع من القيمة ، فإذا عادت العين المغصوبة إلى الغاصب وتمكن من دفعها الى مالكها ترادا وجوبا مع التماس أحدهما ، ولو تراضيا بتلك المعاوضة جاز ، وعلى الغاصب أجرة العين المغصوبة من حين الغصب الى حين دفع البدل ان كانت ذات اجرة.

وهل يجب اجرة ما بين دفع البدل الى رده؟ قيل : نعم ، لبقاء العين ومنافعها على ملك المالك فالمنافع الفائتة تلك المدة مملوكة له ، فتكون مضمونة على الغاصب ، وذهب المصنف الى عدم ضمان المنافع تلك المدة ، واختاره العلامة وابنه ، لحصول البراءة بدفع البدل فلا معنى لضمان المنافع.

قال رحمه اللّه : ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين ، فتلف أحدهما ، ضمن التالف بقيمته مجتمعا ، ورد الباقي وما نقص من قيمته بانفراده ، وكذا لو شق ثوبا نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق ثمَّ تلف أحدهما ، أما لو أخذ فردا من خفين يساويان غيره فتلف في يده وبقي الأخر في يد المالك ناقصا عن قيمته بسبب الانفراد ، رد قيمة التالف لو كان منضما الى صاحبه ، وفي ضمان ما نقص من قيمة الأجر تردد.

أقول : منشؤه من أن الذي في يد المالك لم يجز عليه غصب ، ولا دخل تحت يد الغاصب فلا يضمن نقصه ، لأصالة البراءة من ذلك ، ومن كونه سبب النقص فيضمنه ، وهو المعتمد.

ص: 93

قال رحمه اللّه : ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى كان الولد لصاحب الأنثى ، وإن كانت للغاصب ، ولو نقص الفحل بسبب الضراب ضمن الغاصب وعليه أجرة الضراب ، وقال الشيخ في المبسوط : لا يضمن الأجرة ، والأول أشبه ، لأنها عندنا ليست محرمة.

أقول : احتج الشيخ بنهي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن كسب الفحل (1) ، وقال ابن إدريس بوجوب الأجرة ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأنها منفعة وكان عليه عوضها ، والنهي محمول على الكراهية دون التحريم.

قال رحمه اللّه : ولو أغلى الزيت فنقص ضمن النقصان ، ولو أغلى عصيرا فنقص وزنه ، قال الشيخ : لا يلزمه ضمان النقيصة ، لأنها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها بخلاف الاولى ، وفي الفرق تردد.

أقول : فرق الشيخ بين الصورتين ، لأن الزيت لا ماء فيه فاذا نقص منه شي ء نقص من أجزائه ، بخلاف العصير فان فيه أجزاء مائية لا قيمة لها ، فاذا نقص منه شي ء لم يضمنه الغاصب ، وتردد المصنف من أنه نقص أدخله على مال الغير فيكون مضمونا ، واختاره العلامة وابنه وهو المعتمد.

وموضوع المسألة نقصان العين دون القيمة ، أما لو نقصت القيمة ضمنها قطعا.

ص: 94


1- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 12 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 3.

النظر الثالث في اللواحق

قال رحمه اللّه : إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن ، فخلطه بمثله فهما شريكان ، وإن خلطه بأدون أو بأجود ، قيل : يضمن المثل لتعذر تسليم العين ، وقيل : يكون شريكا في فضل الجودة ، ويضمن المثل في فضل الرداءة الا أن يرضى المالك بأخذ العين.

أقول : لم يفرق ابن إدريس بين الخلط بالأجود وبالمثل ، وحكم في الصورتين أنه كالمستهلك يتخير الغاصب بين دفع المثل منه أو من غيره ، ونقل عن بعض أصحابنا أنه يكون شريكا كما نقله المصنف هنا ، واختاره العلامة في القواعد جزما وهو المعتمد ، لأن عين المغصوب موجودة في هذا العين فلا ينتقل الحق إلى المثل أو القيمة مع وجود العين.

أما لو مزجه بالأردى فإنه يتخير المالك بين أخذ العين أو المثل من غيرها.

قال رحمه اللّه : ولو أولدها المشتري كان حرا وغرم قيمة الولد ورجع بها على البائع ، وقيل : في هذه له مطالبة أيهما شاء ، ولو طالب المشتري رجع على البائع ، ولو طالب البائع لم يرجع على المشتري ، وفيه احتمال آخر.

ص: 95

أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، قال : يرجع بقيمة الولد على أيهما شاء ، أما البائع فلأنه السبب في حصول الجارية في يد المشتري ، وأما المشتري فللمباشرة ، وابن إدريس قصر الرجوع على المشتري خاصة ، لأن السبب ضعف بالمباشرة.

ويتفرع على مذهب ابن إدريس أنه إذا رجع على البائع رجع البائع على المشتري ، وإليه أشار المصنف بقوله ( وفيه احتمال آخر ).

والمعتمد أن المشتري يرجع على البائع ، لأنه غره ولم يحصل له في مقابلة (1) الولد نفع فيرجع على الغار بما اغترمه في مقابله (2) وان رجع على البائع لا يرجع على المشتري لاستقرار الضمان على البائع.

قال رحمه اللّه : إذا غصب مملوكة فوطئها فإن كانا جاهلين لزمه مهر أمثالها ، للشبهة ، وقيل : عشر قيمتها إن كانت بكرا ، أو نصف العشر إن كانت ثيبا ، وربما قصر بعض الأصحاب هذا الحكم على الوطي بعقد الشبهة.

أقول : القول بوجوب مهر المثل قول الشيخ وابن إدريس ، قال ابن إدريس : وذهب بعض أصحابنا الى أن عليه نصف عشر قيمتها ، قال : والأول أصح ، لأن ذلك في من اشترى جارية ووطأها وكانت حاملا وأراد ردها على بائعها ، فإنه يرد نصف عشر قيمتها فلا يقاس عليه ذلك ، والى هذا القول أشار المصنف بقوله ( وربما قصر بعض الأصحاب هذا الحكم على الواطي بعقد الشبهة ) ، وذهب العلامة في الإرشاد إلى وجوب العشر مع البكارة ونصفه مع الثيبوبة ، واختاره الشهيد ، وقال في القواعد : ويحتمل الأكثر من الأرش والعشر وهو قريب ، لأنه مأخوذ بأشق الأحوال ، وظاهر التحرير متابعة الشيخ وابن

ص: 96


1- في النسخ : مقابل.
2- في النسخ : مقابلة.

إدريس.

قال رحمه اللّه : ولو أحبلها ألحق به الولد ، وعليه قيمته يوم سقط حيا ، وأرش ما نقص من الأمة بالولادة ، ولو سقط ميتا ، قال الشيخ رحمه اللّه : لا يضمنه لعدم العلم بحياته ، وفيه إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي ، وفرق الشيخ رحمه اللّه بين وقوعه بالجناية وبين وقوعه بغير جناية.

أقول : ذهب الشيخ رحمه اللّه في المبسوط الى عدم الضمان مع خروجه ميتا لأصالة براءة الذمة ، ولأن الضمان إنما كان للحيلولة بين الولد ومالك الأمة ، والحيلولة إنما تتحقق بعد خروجه حيا ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد والشهيد في دروسه ، واستشكله المصنف ، لأن الأجنبي إذا ضربها فألقت جنينا ميتا ضمنه ، والمقتضي للضمان انما هو ظن حياته قبل الضرب ، وهذا المعنى موجود مع وضعه ميتا من غير ضرب ، والشيخ فرق بين الصورتين ، لأنه إذا ألقته ميتا عقيب ضرب بطنها كان الظاهر أن موته بسبب الجناية ، بخلاف ما إذا ألقته ميتا من غير جناية ، وهو حسن.

قال رحمه اللّه : ولو كان الغاصب والأمة عالمين بالتحريم ، فللمولى المهر إن أكرهها على الوطي ، وعليه الحد ، وإن طاوعت حد الواطي ولا مهر ، وقيل : يلزمه عوض الوطي ، لأنه للمالك ، والأول أشبه.

أقول : المشهور عدم ثبوت المهر مع علمها بالتحريم ومطاوعتها ، لأنها حينئذ بغية ، وقال عليه السلام : « لا مهر لبغية » (1) ، وقيل : يلزمه المهر ، لأن سقوط مهر الحرة مستند الى رضاها ، ورضا الأمة لا يؤثر في حق السيد ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وضعته ميتا ، قيل : لا يضمن ، لأنا لا نعلم حياته قبل

ص: 97


1- سنن البيهقي ، ج 6 ، ص 6 مع اختلاف في اللفظ.

ذلك ، وفيه تردد.

أقول : سبق البحث في هذه (1).

قال رحمه اللّه : ولو غصب حبا فزرعه ، أو بيضا فاستفرخه ، قيل : الزرع والفرخ للغاصب ، وقيل : للمغصوب منه ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في باب الغصب من الخلاف والمبسوط : إن الزرع والفرخ للغاصب ، لأن عين المغصوب قد تلفت ، وإذا تلفت لا يلزم غير القيمة ، قال : ومن يقول إن الفرخ عين البيض وإن الزرع هو عين الحب مكابر ، والمشهور أن الفرخ والزرع لمالك البيض والحب ، لأنهما متولدين من أصل مغصوب ، وتغير الأوصاف والألوان لا يوجب الخروج عن ملك المالك ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ في المبسوط : إذا خشي على حائط جاز أن يسند بجذع بغير إذن مالك الجذع مدعيا للإجماع ، وفي دعوى الإجماع نظر.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط محتجا بأن مراعاة المصالح الكلية أولى من الجزئية مع التعارض ، وفي اسناد الحائط حفظ النفس والمال ، وفي تركه حفظ بعض منافع جذع مع إمكان زواله سريعا ، وكان الأول أولى لوجوبه على صاحبه (2) كفاية ، وعينا بفقد سواه ، ومنشأ النظر من أنه تصرف في مال الغير بغير إذنه فلا يجوز.

قال رحمه اللّه : إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وهو قول الأكثر ، وقيل : القول قول الغاصب ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في النهاية والمفيد رحمه اللّه : إن القول قول المالك ونقله

ص: 98


1- ص 97.
2- في النسخ : صاحب الجذع.

المصنف عن الأكثر ، لأن الغاصب جاني (1) فلا يقبل قوله ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : القول قول الغاصب ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأنه منكر فيكون القول قوله ، ولأن الأصل عدم الزيادة عما يدعيه الغاصب.

قال رحمه اللّه : إذا باع الغاصب شيئا ثمَّ انتقل اليه بسبب صحيح ، فقال للمشتري : بعتك ما لا أملك وأقام بينة ، هل تسمع بينته؟ قيل : لا ، لأنه مكذب لها بمباشرة البيع ، وقيل : إن اقتصر على لفظ البيع ولم يضم اليه من الألفاظ ما يتضمن الملكية قبل ، وإلا ردّت.

أقول : اما وجه عدم القبول فقد ذكره المصنف وهو التكذيب بمباشرة البيع ، والظاهر أن الإنسان إنما يبيع ملكه فلا يقبل دعواه بعد ذلك أنه ليس بملكه ، وكل موضع لا يقبل الدعوى لا تسمع البينة ، لأنها متوقفة (2) على صحة الدعوى ، ووجه القبول أن الإنسان قد يبيع ملك غيره ، فنفس البيع مع عدم ما يتضمن الملك لا ينافي دعوى عدم الملك ، أما لو ضم الى المبيع (3) ما يتضمن الملك مثل قوله : بعتك ملكي أو هذا ملكي أو قبضت ثمن ملكي ، فإنه لا يقبل الدعوى بعد ذلك ما لم ينضم الى البيع شي ء من الألفاظ المتضمنة للملك ، والدعوى (4) مقبولة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا مات العبد فقال الغاصب : رددته قبل موته ، وقال المالك : بعد موته ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وقال : ولو قلنا في هذه بالقرعة ، كان جائزا.

ص: 99


1- في النسخ : خائن.
2- في النسخ : مترتبة.
3- في النسخ : البيع.
4- في النسخ : فالدعوى.

أقول : المعتمد أن القول قول المالك ، لأن الأصل عدم رد العبد قبل موته ، والأصل عدم زوال الضمان ما لم يعلم السبب المزيل ، ووجه القول بالقرعة أن كلا منهما مدع موت العبد عند صاحبه ولا ترجيح ، لأن الأصل عدم موته عند الغاصب فيعمل بالقرعة.

ص: 100

كتاب الشفعة

اشارة

ص: 101

ص: 102

ما تثبت فيه الشفعة

قال رحمه اللّه : وتثبت في الأرضين كالمساكن والعراص والبساتين إجماعا ، وهل يثبت فيما ينقل كالثياب والآلات والسفن والحيوان؟ قيل : نعم ، دفعا لكلفة القسمة ، استنادا إلى رواية يونس ، عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقيل : لا ، اقتصارا في التسلط على مال المسلم بموضع الإجماع ، واستضعافا للرواية المشار إليها ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب في محل الشفعة على أربعة أقوال :

الأول : اختصاصها في غير المنقول كالمساكن والعراص والبساتين ، وهو قول الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وابن حمزة ، واختاره المتأخرون وهو المعتمد ، لأن الشفعة على خلاف الأصل ، لأن الأصل عدم التسلط على مال الغير بغير اختياره ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولما رواه جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « لا شفعة إلا في ريع أو حائط » (1).

الثاني : ثبوتها في كل مبيع ، وهو قول ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيد

ص: 103


1- كنز العمال ، ج 4 ، ص 2 ، رقم 1. سنن البيهقي ، ج 1. ص 104 ، 109.

المرتضى وابن البراج وابن إدريس ، لرواية يونس ، عن بعض رجاله ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن الشفعة لمن هي وفي أي شي ء ولمن تصلح ، وهل تكون في الحيوان؟فقال : الشفعة جائزة في حيوان أو أرض أو متاع » (1) وأجيب باستضعاف الرواية ، لأنها مرسله.

الثالث : ثبوتها في كل مبيع بشرط عدم امتناع القسمة ، وهو قول الشيخ في النهاية فيخرج النهر والطريق والحمام والعضائد الضيقة ، لرواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام ، « قال : لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (2).

الرابع : ثبوتها في غير المنقول ، وفي العبد خاصة من المنقول ، نقله المصنف عن بعض الأصحاب ، واختاره العلامة في المختلف للضرر بقسمته.

قال رحمه اللّه : وفي دخول الدولاب والناعورة في الشفعة إذا بيع مع الأرض تردد ، إذ ليس من عادته أن ينقل.

أقول : منشؤه من أنه من المنقولات في الحقيقة فلا تثبت فيه الشفعة على القول باختصاصها في غير المنقول ، ومن جريان العادة بعدم نقله وتحويله فيدخل في الشفعة ، وهو اختيار فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كان بعض الدار وقفا وبعضها طلقا فبيع الطلق ، لم يكن للموقوف عليه شفعة ولو كان واحدا ، لأنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص ، وقال المرتضى رحمه اللّه : تثبت الشفعة.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

ص: 104


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 7 ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 3 ، حديث 7 وفيه بدل ( مقاسم ) قوله ( غير مقاسم ) ، راجع النهاية : ص 424.

الأول : ثبوتها مطلقا ، سواء كان الموقوف عليه واحد أو أكثر ، فإن كان للمساجد أو الفقراء والمساكين كان للحاكم المطالبة بالشفعة ، وهو قول المرتضى وأبي الصلاح ، وظاهر العلامة في التحرير ، لعموم (1) ثبوت الشفعة مع الشركة وهي حاصلة هنا.

الثاني : ثبوتها مع اتحاد الموقوف عليه ، وهو قول ابن إدريس واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، واستحسنه أبو العباس ، لأنه شريك واحد فكان له الشفعة.

الثالث : عدم الثبوت مطلقا ، وهو قول الشيخ ( في المبسوط ) (2) ، واختاره المصنف وقد ذكر وجهه ، وهو أنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص.

ص: 105


1- المصدر المتقدم.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

ص: 106

في الشفيع

قال رحمه اللّه : وتثبت بين الشريكين ، وهل تثبت لما زاد عن شفيع واحد؟ فيه أقوال : أحدها نعم ، وتثبت مطلقا على عدد الرؤوس ، والثاني تثبت في الأرض مع الكثرة ولا تثبت في العبد الا للواحد ، والثالث لا تثبت في شي ء مع الزيادة على الواحد ، وهو أظهر.

أقول : المشهور بين أصحابنا عدم ثبوت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين ، ويكاد أن يكون إجماعا كما (1) نقله ابن إدريس ، لأن الأصل عدم الشفعة ، وثبوت الملك للمشتري خرج منه موضع الإجماع ، لنفي الضرر بالشركة أو طلب القسمة ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولما رواه يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد اللّه بن سنان في الصحيح ، عن الصادق عليه السلام : « قال لا يكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما » (2) ، وأثبتها ابن الجنيد مع القسمة وهو نادر ،

ص: 107


1- ليست في الأصل.
2- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 7 ، حديث 1.

نعم (1) ورد في ذلك روايات وأثبتها (2) محمد بن بابويه مع الكثرة في غير الحيوان ، ( وفي الحيوان ) (3) مع الشريك الواحد وهو نادر ، والأول هو المعتمد ، ثمَّ اختلف ابن الجنيد وابن بابويه ، فقال ابن الجنيد : إنها تثبت على قدر السهام ، وقال ابن بابويه : على قدر الرؤس ، وهو أوجه ، لأن المقتضي للأخذ بالشفعة مطلق الشركة ، ولهذا لو انفرد الشريك بالجزء من المئة لأخذ الجميع ، فصار المعتبر مطلق الشركة.

قال ( رحمه اللّه ) : ولو باع الجد أو الأب عن اليتيم شقصه المشترك معه ، جاز أن يتشفع وترتفع التهمة ، لأنه لا يزيد على بيع ماله من نفسه؟ وهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ : لا ، لمكان التهمة ، ولو قيل بالجواز كان أشبه كالوكيل.

أقول : قال الشيخ في المبسوط لو باع ولي (4) اليتيم حصته من المشترك بينه وبينه لم يكن له الأخذ بالشفعة الا أن يكون أبا أو جدا ، لأن الوصي منهم فيؤثر تقليل الثمن ، ولأنه ليس له ان يشتري لنفسه ، بخلاف الأب والجد ، لأنهما غير متهمين ولهما أن يشتريا لأنفسهما ، وظاهر المصنف جواز الأخذ للوصي أيضا واختاره العلامة في القواعد وابنه والشهيد ، لأنه يجوز له عندهم أن يشتري لنفسه من نفسه كالأب والجد ، ولا يزيد الأخذ بالشفعة على ذلك ، والأمانة تدفع التهمة ، والأصل عدم الخيانة وهو المعتمد ، والعلامة في المختلف أبطل شفعة الولي مطلقا سواء كان أبا أو جدا أو وصيا للرضا بالبيع.

قال رحمه اللّه : ولو قال الحاضر لا أخذ حتى يحضر الغائب ، لم تبطل شفعته ، لأن التأخير لغرض لا يتضمن الترك ، وفيه تردد.

ص: 108


1- في الأصل : أورد.
2- هذه الكلمة ليست في الأصل.
3- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
4- في « ر 1 » : إلي.

أقول : منشؤه من ان الأخذ (1) [ ب ] الشفعة على الفور على الصحيح من المذهب ، والتأخير مناف للفورية فتبطل الشفعة ، ومن أن التأخير إذا كان لغرض لا يتضمن الترك وهو هنا كذلك.

قال رحمه اللّه : لو كانت أدار بين ثلاثة ، فباع أحدهم من شريكه استحق الشفعة الثالث دون المشتري ، لأنه لا يستحق شيئا على نفسه ، وقيل : يكون بينهما ، ولعله أقرب.

أقول : القائل بأن الشفعة بينهما هو الشيخ في المبسوط ، ووجه قربه أنهما اشتركا في الشركة الموجودة حال الشراء ، فوجب أن لا ينفرد أحدهما بالشفعة على القول بثبوتها مع الكثرة يكون اختصاص الثالث فيها أقوى (2) ، لأن الشفعة مستحقة على المشتري فلا تستحقها على نفسه.

ص: 109


1- من النسخ.
2- كذا وردت هذه الجملة في الأصل والنسخ.

ص: 110

في كيفية الأخذ

قال رحمه اللّه : ويدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب والفضة ، وإن لم يكن له مثل كالحيوان والثوب والجوهر ، قيل : يسقط لتعذر المثلية ، ولرواية علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقيل : يأخذ بقيمة العوض وقت العقد ، وهو أشبه.

أقول : القول بالبطلان إذا كان الثمن قيميا هو قول الشيخ في الخلاف وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، لأن الأخذ بالشفعة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، ولرواية على بن ذئاب (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، المتضمنة لسقوط الشفعة إذا كان الثمن قيميا ، وقال المفيد والشيخ في المبسوط وأبو الصلاح وابن إدريس : يأخذه بالقيمة حالة العقد ، لعموم ثبوت الشفعة (2) ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد وابنه والشهيد ، والمشهور الأخذ

ص: 111


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 7 ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 5 ، حديث 3 وباب 7 ، حديث 2.

بالقيمة يوم العقد ، وقال فخر الدين يأخذ بأعلى القيم ( من حين العقد ) (1) الى حين الدفع ، لأنه أخذ قهري كالغصب ، والأول هو المعتمد ، لأن الفرق بين الغاصب والشفيع ظاهر.

قال رحمه اللّه : ولو انهدم المبيع أو عاب ، فان كان بغير فعل المشتري ، أو بفعله قبل مطالبة الشفيع فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك والانقاض للشفيع ، باقيه : كانت في المبيع أو منقولة عنه ، لأنها لها نصيبا من الثمن ، وإن كان العيب بفعل المشتري بعد المطالبة ضمنها المشتري ، وقيل : لا يضمنها ، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ ، والأول أشبه.

أقول : إذا تعيب المبيع بعد المطالبة بفعل المشتري ، قال الشيخ : لا يضمن ، وقد ذكر المصنف حجته ، والمشهور أنه يضمن وهو المعتمد ، لأنه وان لم يكن (2) يملك بالمطالبة فقد تعلق حقه بالعين ، فلا يجوز للمشتري إحداث نقص فيها ولو أحدثه كان ضامنا.

قال رحمه اللّه : ولو حمل النخل بعد الابتياع فأخذ الشفيع قبل التأبير ، قال الشيخ رحمه اللّه : الطلع للشفيع ، لأنه بحكم السعف ، والأشبه اختصاص هذا الحكم بالبيع.

أقول : إذا نما المبيع في يد المشتري نماء منفصلا قبل الأخذ بالشفعة فهو للمشتري ، لأنه نمى في ملكه فاذا طلع النخل ثمَّ أخذه الشفيع ، فان كان بعد التأبير فهو للمشتري إجماعا ، وإن كان الأخذ قبل التأبير ، هل يكون الطلع للمشتري أو للشفيع؟ قال الشيخ رحمه اللّه : هو للشفيع ، لأنه بحكم السعف ، لأنه يتبع الأصل في البيع فكذا هنا ، وكما لو باع النخل بعد الطلع وقبل التأبير يكون الطلع

ص: 112


1- ليست في « ر 1 ».
2- هذه الكلمة من « ر 1 ».

للمشتري ، فكذلك يكون للشفيع إذا أخذه قبل التأبير ، لأن المقتضي للتبعية في البيع ليس الا كونه جزءا من المسمى فكذا هنا ، والمعتمد اختصاص هذا الحكم بالبيع وقوفا على مورد النص (1) ، وهو اختيار المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد ، لأن له في ذلك غرضا وهو الانتفاع بالمال ، وتعذر الانتفاع بالأرض المشغولة ، وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد.

أقول : منشؤه من أن التأخير لغرض صحيح فيكون جائزا ، ومن أن الأخذ بالشفعة على الفور ، والتأخير ينافيه فتبطل الشفعة معه ، وهو المعتمد.

ص: 113


1- الوسائل ، كتاب الشفعة ، باب 2 ، حديث 1.

ص: 114

في لواحق الأخذ بالشفعة

قال رحمه اللّه : إذا اشترى بثمن مؤجل ، قال في المبسوط : للشفيع أخذه بالثمن عاجلا ، وله التأخير وأخذه بالثمن في محله ، وفي النهاية يأخذه عاجلا ويكون الثمن عليه ، ويلزم كفيلا بالمال إذا لم يكن مليا ، وهو أشبه.

أقول : هذا الخلاف مبنى على اشتراط الفورية وعدمه ، والمشهور اشتراطها وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمفيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، ومن لم يشترط الفورية جوز التأخير إلى حلول الأجل.

قال رحمه اللّه : قال المفيد رحمه اللّه ، والمرتضى رحمه اللّه : الشفعة تورث ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لا تورث تعويلا على رواية طلحة بن زيد وهو بتري ، والأول أشبه ، تمسكا بعموم الآية.

أقول : احتج القائلون بالإرث بعموم آية الإرث (1) ولأنه حق للمورث فيكون موروثا كسائر الحقوق وهو المعتمد ، واحتج المانعون برواية طلحة بن

ص: 115


1- النساء : 7.

زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام ، « قال : الشفعة لا تورث » (1) ، وهي ضعيفة السند.

قال رحمه اللّه : وهي تورث كالمال ، ولو ترك زوجة وولدا فللزوجة الثمن وللولد الباقي ، ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه لم يسقط ، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع ، وفيه تردد ضعيف.

أقول : منشؤه من أن الورثة يقومون مقام مورثهم ، وهو لو عفى عن بعض الشفعة سقط الباقي وبطلت شفعته في الجميع ، فكذلك الورثة ، ومن أنه يلزم من ذلك إسقاط حق الغير بعفو غيره عن حقه وهو باطل ، ولهذا كان التردد ضعيفا.

قال رحمه اللّه : إذا باع الشفيع حصته بعد العلم بالشفعة ، قال الشيخ : سقطت شفعته ، لان الاستحقاق بسبب النصيب ، أما لو باع قبل العلم لم تسقط ، لان الاستحقاق سابق على البيع ، ولو قيل : ليس له الأخذ في الصورتين ، كان حسنا.

أقول : أما قول الشيخ فقد ذكر المصنف وجهه ، وأما وجه ما استحسنه المصنف فهو أن السبب في استحقاق الشفعة الشركة ، وقد زالت فيزول معلولها ، ولأن الشفعة إنما شرعت لازالة الضرر وقد زال ببيع ملكه ، فلو أثبتناها هنا لزم حصول ضرر آخر ، وأصالة البقاء منتفية لزوال السبب ، وهو اختيار العلامة في الإرشاد والمختلف.

قال رحمه اللّه : إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري ، أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع ، لم يسقط بذلك الشفعة ، وكذا لو كان وكيلا لأحدهما ، وفيه تردد ، لما فيه من أمارة الذمي بالبيع.

أقول : ذهب الشيخ وابن إدريس الى عدم سقوط الشفعة بهذه الأشياء ،

ص: 116


1- الوسائل ، الشفعة ، باب 12 ، حديث 1.

واختاره العلامة في القواعد والتحرير وهو اختيار فخر الدين ، وذهب في المختلف الى بطلان الشفعة ، لما في هذه الافعال من الدلالة على الرضا بتمليك المشتري ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع ، فان كان الشفيع والمشتري عالمين فلا خيار لأحدهما ، وإن كانا جاهلين ، فان رده الشفيع كان المشتري بالخيار في الرد والأرش ، وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ لخروج الشقص عن يده ، قال الشيخ رحمه اللّه : وليس للمشتري المطالبة بالأرش ، ولو قيل : له الأرش ، كان حسنا.

أقول : احتج الشيخ على عدم ثبوت الأرش بأن المشتري قد استدرك ظلامته بحصول جميع الثمن اليه من الشفيع ، ولأنه قد سقط الرد بأخذ الشفيع فيسقط الأرش ، لخروجه عن ملك المشتري ، ووجه عدم السقوط أنه ( عوض جزء ) (1) فائت ، فلا يسقط بخروجه عن ملكه ، فإذا أخذ الأرش سقط عن الشفيع من الثمن بقدره ، لأنه ليس له عليه الا الثمن الذي استقر عليه العقد ، والذي استقر عليه هو ما زاد عن الأرش ، ولو ترك المشتري الأرش لم يكن للشفيع الرجوع بشي ء ، لأنه إسقاط لبعض الثمن بعد العقد.

قال رحمه اللّه : ولو باع الشقص بعضو معين لا مثل له كالعبد فإن قلنا لا شفعة فلا بحث ، وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة فأخذه الشفيع وظهر في الثمن عيب ، كان للبائع رده والمطالبة بقيمة الشقص ، إذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد. ولا يرتجع الشقص ، لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة ، ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف ، كالهبة أو الميراث ، لم يملك رده على البائع ، ولو طلبه البائع لم يجب على المشتري إجابته. ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه

ص: 117


1- في « ر 1 » بدل ما بين القوسين : ( جزء عوض ).

أقل من قيمة العبد ، قيل : يرجع الشفيع بالتفاوت ، وفيه تردد ، والأشبه لا ، لأنه الثمن الذي اقتضاه العقد.

أقول : إذا كان الثمن قيميا كالعبد ، ثمَّ ظهر فيه عيب قديم بعد أخذ الشفيع للشقص ودفع قيمة الثمن ، لم يملك البائع استرجاع الشقص من الشفيع ، لأنه ملكه بالأخذ ، وله فسخ البيع والرجوع على المشتري بقيمة الشقص ، فلو كانت القيمة التي يرجع فيها أقل من قيمة العبد التي دفعها الشفيع إلى المشتري ، هل للشفيع الرجوع بالتفاوت؟ تردد المصنف في ذلك من أن الشفيع إنما يجب عليه دفع ما استقر ثمنا ، وليس إلا قيمة الشقص التي رجع فيها البائع بعد الفسخ على المشتري ، فيرجع الشفيع بالتفاوت ، لأنا تبينا أنه دفع أكثر مما وجب عليه.

ومن أن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي اقتضاه العقد ، والعقد وقع على العبد فيلزمه قيمته ، ونقيصة الثمن بسبب الفسخ لا يوجب سقوط ما وجب على الشفيع بسبب العقد.

والمعتمد ، إن كان المشتري أخذ من الشفيع قيمة العبد سليما رجع الشفيع عليه بالتفاوت ، وإن أخذ قيمته معيبا لم يرجع عليه بشي ء.

قال رحمه اللّه : لو كانت دارا لحاضر وغائب وحصة الغائب في يد آخر ، فباع الحصة وادعى أن ذلك بإذن الغائب ، قال في الخلاف : تثبت الشفعة ، ولعل المنع أشبه ، لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع. فلو قضى بها وحضر الغائب ، فان صدّقه فلا بحث ، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه ، وينتزع الشقص وله أجرته ، من حين قبضه الى حين رده ، ويرجع بالأجرة إن شاء على البائع ، لأنه سبب الإتلاف ، أو على الشفيع ، لأنه المباشر للإتلاف ، فإن رجع على مدعي الوكالة لم يرجع الوكيل على الشفيع ، وإن رجع على الشفيع ، رجع الشفيع على الوكيل ، لأنه غرّه ، وفيه قول آخر ، هذا أشبه.

ص: 118

أقول : القول الآخر هو قول الشيخ في المبسوط ، وهو أن رجع على الوكيل ، رجع الوكيل على الشفيع لحصول التلف في يده ، فيستقر الضمان ، لأن المباشرة أقوى من السبب ، والمعتمد اختيار المصنف ، لأن المباشرة ضعفت بالغرور ، فصار السبب أقوى ، فيستقر الضمان على الوكيل.

قال رحمه اللّه : وتبطل الشفعة بترك المطالبة مع العلم وعدم الغرر ، وقيل : لا تبطل إلا أن يصرح بالإسقاط وإن تطاولت المدة ، والأول أظهر.

أقول : الخلاف هنا مبني على الخلاف باشتراط الفورية وعدم الاشتراط ، وقد سبق البحث في ذلك (1) ، والمعتمد البطلان مع التأخير لغير عذر.

قال رحمه اللّه : ولو نزل عن الشفعة قبل البيع لم تبطل مع البيع ، لأنه إسقاط ما لم يثبت ، وفيه تردد ، وكذا لو شهد على البيع ، أو بارك للمشتري أو للبائع ، أو أذن للمشتري في الابتياع ، فيه تردد ، لأن ذلك [ ليس ] أبلغ من الاسقاط قبل البيع.

أقول : منشأ التردد في الجميع ، من حصول أمارة الرضا بالبيع على الغير وهو مسقط للشفعة ، لأنها إنما شرعت الإزالة ضرر الشريك ، ومع الرضا يزول الضرر ، ومن أن الشفعة انما تثبت بعد البيع ، والاسقاط قبله إسقاط لما لم يثبت فلا عبرة فيه ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، وظاهر المصنف واختاره العلامة في القواعد وابنه ، والسقوط مذهب الشيخين وابن حمزة ، لأنه تمكن من دفع الضرر ولم يفعل ، فتبطل شفعته.

قال رحمه اللّه : ولو بان الثمن مستحقا بطلت الشفعة لبطلان العقد ، وكذا لو تصادق الشفيع والمشتري غصبية الثمن ، أو أقرّ الشفيع بغصبيته ، منع من المطالبة ، وكذا لو تلف الثمن المعين قبل قبضه لتحقق البطلان على تردد في هذا.

ص: 119


1- ص 108 - 109.

أقول : منشؤه من أن الشفعة تابعة لصحة البيع ، والبيع قد بطل بتلف الثمن المعين قبل قبضه ، فتبطل الشفعة تحقيقا للتبعية وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، فلا فرق حينئذ بين ظهور الثمن مستحقا ، وبين تلفه مع تعيينه قبل القبض ، لاشتراكهما في بطلان البيع ، ومن أن الشفيع قد تعلق حقه بالشقص قبل بطلان البيع فلا يبطل بالفسخ المتجدد ، لأن الأصل بقاؤه ، وليس البيع هنا باطلا من أصله كظهور (1) الثمن مستحقا فافترق الحكم بينهما ، وهو ظاهر العلامة في المختلف واختاره فخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى عليه الابتياع فصدقه ، وقال : أنسيت الثمن ، فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلفه بطلت الشفعة ، أما لو قال : لم أعلم كمية الثمن لم يكن جوابا صحيحا وكلّف جوابا غيره وقال الشيخ : ترد اليمين على الشفيع.

أقول : فرق أصحابنا بين قول المشتري نسيت الثمن وبين قوله لم أعلم كميته ، وحكموا بصحة الأول وعدم صحة الثاني ، والمراد بالنسيان هو نسيان الجنس والقدر ، بحيث صار لا يعلم هل هو من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم؟ والمراد بعدم علم الكمية هو أن يذكر الجنس ويدعي جهالة القدر.

وانما حكموا بصحة دعوى النسيان ، لأنه اعترف بصحة البيع وادعى شيئا ممكنا ، لأن الإنسان قد ينسى الشي ء القريب ويذكر الشي ء البعيد ، ودعوى النسيان ليست منافية لصحة البيع الذي اعترف به ، بخلاف دعوى جهالة الكمية ، لأنه إذا اعترف بالبيع الصحيح وادعى عدم المعرفة بكمية الثمن ، - وهي منافية لصحة البيع ، لاشتراط الصحة بالعلم بقدر الثمن - فلا يسمع دعوى جهالة الكمية فيكلف جوابا صحيحا غير مناف لاعترافه.

وقال الشيخ رحمه اللّه : ترد اليمين على الشفيع ، لأنه لو ادعى رجل على

ص: 120


1- في « م » : لظهور.

رجل ألفا ، وقال : لا اعلم مقدار مالك علي ، فإنه يقال له : إما أن تبين مقدار ماله والا جعلناك ناكلا ، ورددنا اليمين على المدعي فيحلف ويستحق ما ادعاه ، فكذا هنا.

قال رحمه اللّه : ولو أقام كل منهما بينة حكم ببينة المشتري ، وفيه احتمال القضاء ببينته ، لأنه خارج.

أقول : إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن ولا بينة ، كان القول قول المشتري ، لأن الشقص ينتزع من يده ، ومع وجود البينة لأحدهما فالحكم له.

ولو أقام كل منهما بينة لما ادعاه ، قال المصنف البينة بينة المشتري وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، واختيار العلامة في التحرير ، لأنه المدعي وهو داخل ، وقال بن إدريس : البينة بينة الشفيع ، لأنه الخارج ، واختاره العلامة في القواعد.

ومبنى المسألة على تقديم بينة الداخل والخارج وسيأتي (1) إنشاء اللّه تعالى.

قال رحمه اللّه : قال في الخلاف : إذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي ، قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار ، وفيه تردد ، من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع ، ولعل الأول أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف وجهي المسألة ، والأول اختيار الشيخ والمصنف والعلامة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (2) ، ولا يلزم من عدم قبول قوله في حق المشتري بطلان حق الشفيع لترتبه على البيع ، وقد اعترف به

ص: 121


1- ص 259.
2- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

من الشقص (1) في يده فلا يسقط بإنكار غيره وهو المعتمد.

والثاني مذهب ابن إدريس ، لأن الشفعة إنما تثبت بعد ثبوت البيع ، والشفيع إنما يأخذ الشقص من المشتري دون البائع والبيع لم يحصل ، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بوقوعه فكان المستحق الشفيع ببيع لم يثبت عند الحاكم ، والجواب البيع يثبت بالنسبة إلى الشريك بإقراره وعدم ثبوته بالنسبة إلى المشتري غير مانع من أخذ الشفيع.

قال رحمه اللّه : إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك أنه ورث ، وأقاما بينة : قال الشيخ : يقرع بينهما لتحقق التعارض.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط وقد ذكر المصنف وجهه ، والمعتمد تقديم بينة الشفيع ، لأنها ناقلة وتلك مقررة ، والناقلة أولى من المقررة ، وهو مذهب العلامة والمصنف (2).

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الشريك الإيداع قدمت بينة الشفيع ، لأن الإيداع لا ينافي الابتياع ، ولو شهدت بالابتياع مطلقا وشهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تاريخ متأخر ، قال الشيخ : قدمت بينة الإيداع ، لأنها انفردت بالمالك ويكاتب المودع ، فان صدق قضى ببينته وسقطت الشفعة ، وإن أنكر قضى ببينة الشفيع.

أقول : إذا كانت الدار في يد رجلين نصفها لأحدهما والنصف الآخر لغائب فادعى مالك النصف على شريكه بالتصرف بالابتياع من المالك الغائب ، وأنه استحق الأخذ بالشفعة ، وأقام بذلك بينة ، وأنكر الشريك وادعى الإيداع وأقام

ص: 122


1- في الأصل والنسخ : النقص ، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصحيح.
2- هذه الكلمة من « ر 1 ».

بذلك بينة ، فان كانتا مطلقتين أو بينة الابتياع (1) متأخرة التاريخ ، أو مقيدة بأن المالك باع ما هو ملكه ، ولم تقيد بينة الإيداع بأن المودع أودع ما هو ملكه ، قدمت بينة الشفيع لعدم المنافاة حينئذ بين الابتياع والإيداع ، فلا منافاة بين البينتين لاحتمال الابتياع بعد الإيداع ، أما لو تأخر تاريخ بينة الإيداع عن تاريخ بينة الابتياع (2) ، وقيدت بأن المودع أودعه ما هو ملكه ، وأطلقت بينه الابتياع أي لم تقيد بأن البائع باع ما هو ملكه ، قال الشيخ : قدمت بينة الإيداع ، لأنها انفردت بالملك ، ومراده : أنه لم يحصل التعارض بينهما ، لترجيح بينة الإيداع بتقييدها بذكر الملك دون بينة الابتياع ، ومع ترجيح إحدى البينتين على الأخرى فلا تعارض ويقضى بالراجحة ، وحكاه المصنف والعلامة عن الشيخ ولم يتعرضا له بقوة ولا ضعف ، وجزم به الشهيد وانما لم يجزم به المصنف والعلامة ، لاحتمال عدم الترجيح بذكر الملك ، لأن الإنسان إذا باع شيئا ولم يقل هو ملكي ، ثمَّ ادعى بعد البيع أنه ملك زيد لم يقبل منه في حق المشتري ، ويحكم الشارع عليه بأنه ملكه ، وإذا حكم الشارع على البائع بملكية ما باعه مع الإطلاق كحكمه عليه مع التقييد ، فلا ترجيح حينئذ بذكر الملك ، فالتعارض حينئذ حاصل كما لو قيدنا بالملك أو اتحد التاريخان ، ومع حصول التعارض يحكم بالقرعة أو التساقط.

ص: 123


1- في الأصل و « ن » : الابتياع.
2- في « ر 1 » : الإيداع.

ص: 124

كتاب احياء الموات

اشارة

ص: 125

ص: 126

في الأرضين

اشارة

قال رحمه اللّه : واما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته ، إما لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه ، أو لاستيجامه ، أو غير ذلك من موانع الانتفاع ، فهو للإمام عليه السلام لا يملكه أحد وإن أحياه ، ما لم يأذن له الامام ، وإذنه شرط ، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما ، ولا يملكه الكافر ، ولو قيل : يملكه مع إذن الامام عليه السلام كان حسنا.

أقول : إذا أذن الإمام للذمي بإحياء الأرض الميتة ، هل يملكها الذمي بالاحياء حينئذ (1) كما يملكها المسلم مع الإذن بالاحياء؟ المشهور عند أصحابنا عدم الملك ، وهو مذهب الشافعي ، لقوله عليه السلام : « موتان الأرض لله ولرسوله وهي لكم مني » (2) وهو خطاب للمسلمين فيختص بهم ، واستحسن المصنف تملك الكافر بالاحياء مع إذن الامام ، واختاره العلامة في التحرير ، وهو

ص: 127


1- من « م » و « ر 1 ».
2- مستدرك الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 1 ، حديث 2. وفي الأصل ( موتاة ) ، وما أثتبناه من المصدر و « م » و « ر 1 ».

مذهب أبي حنيفة ، ولعل وجهه أن الذمي له أهلية التملك فاذا سلطه المالك وهو الامام على ملكيته (1) ملكه كغيره ، لعموم قوله عليه السلام : « من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق » (2).

والبحث انما هو مع إطلاق الإذن بالاحياء ولم يفهم منه ارادة التمليك ، اما لو علم منه ارادة التمليك فإنه يملك قطعا ، لأن الإمام عندنا لا يأمر بغير المشروع.

قال رحمه اللّه : الثاني : أن لا يكون حريما لعامر ، كالطريق والشرب وحريم البئر والعين والحائط ، وحد الطريق - لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة - خمسة أذرع ، وقيل : سبعة أذرع فالثاني يتباعد هذا المقدار ، وحريم الشرب بمقدار مطرح شرابه ، والمجاز على حافتيه ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم ، قضي به له مع يمينه ، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ، وفيه تردد ، وحريم البئر المعطن : أربعون ذراعا ، وبئر الناضح : ستون ، وللعين ألف ذراع في الأرض الرخوة ، وفي الصلبة خمس مائة ذراع ، وقيل حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ، والأول أشهر.

أقول : هنا مسائل :

الاولى : في حد الطريق المبتكر في الأرض المباحة ، فعند المصنف أنه خمسة أذرع واختاره العلامة في القواعد ، ونقله فخر الدين عن كثير من الأصحاب ، وقال الشيخ في النهاية : إنه سبعة أذرع ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف وقواه في التحرير وهو مذهب فخر الدين ، والشهيد رحمه اللّه قال :والقول بالخمس ضعيف ، والمستند الروايات (3).

ص: 128


1- في « ر 1 » و « ن » : ملكه.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب أحياء الموات ، باب 1 ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب أحياء الموات ، باب 11 ، حديث 5 و 6 وكتاب الصلح ، باب 15 ، حديث 1 و 2.

الثانية : إذا كان لشخص نهر في ملك غيره فادعى مالك النهر الحريم ، وادعاه مالك الأرض ، قال المصنف : يقضى به لمالك النهر ، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ، ثمَّ تردد المصنف في ذلك ومنشأ التردد من أن الحريم من جملة الأرض وهي لغير مالك النهر فيكون القول قول مالك الأرض ، ومن ان الحريم ملازم للنهر ، وثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم فيكون دعوى مالك النهر موافقة للظاهر ، فيكون القول قوله ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد والتحرير.

الثالثة : في حريم بئر المعطن بكسر الطاء ، وهي التي يسقى منها الإبل ، أربعون ذراعا ، وحريم بئر الناضح ، وهي التي يسقى منها الزرع - والناضح اسم للجمل أو الثور الذي يجذب الدلو - ستون ذراعا ، وحريم العين ألف ذراع في الأرض الرخوة ، وفي الصلبة خمس مائة ذراع ، هذا هو المشهور بين الأصحاب.

وقال ابن الجنيد : حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ، واختاره العلامة في المختلف ، والأول هو المعتمد لورود الروايات (1) الصحاح به.

قال رحمه اللّه : الثالث أن لا يسميه الشارع مشعرا للعبادة ، كعرفة ومنى والمشعر ، فإن الشرع دل على اختصاصها موطنا للعبادة ، فالتعرض لتملكها تفويت لتلك المصلحة ، أما لو عمر فيها ما لا يضر ولا يؤدي الى ضيقها عما يحتاج اليه المتعبدون كاليسير ، لم أمنع منه.

أقول : منع العلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد في الدروس من إحياء اليسير من هذه المواضع لتعلق حقوق الخلق كافة بها وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع : أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل ولو كان مواتا خاليا من تحجير ، كما أقطع النبي صلى اللّه عليه وآله الدور وأرضا بحضر موت ،

ص: 129


1- أما حريم المعطن والناضح ففي الوسائل ، إحياء الموات ، باب 11 ، حديث 5. وأما حريم العين فالمصدر السابق، حديث 3.

وحضر فرس الزبير ، فإنه يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة ، فلا يصح رفع هذا الاختصاص بالاحياء.

أقول : المراد بالدور هنا الدور التي أقطعها النبي صلى اللّه عليه وآله بالمدينة ، واختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : أقطع الخراب الذي أرادوا أن يبنوا فيه دورا فسماه بما يئول اليه من العمارة ، وقال آخرون : كانت تلك الخراب من ديار عاد فسماها باسمها التي (1) كانت عليه وكلاهما مجاز ، وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضر موت ، وأقطع الزبير حضر فرسه اى عدوها ، فأجراه حتى قام فرمى بسوطه فقال : أعطوه من حيث وقع السوط (2) ، وهذا غير ملك بل يفيد اختصاصها (3) كالتحجير.

ص: 130


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : باسرها.
2- سنن البيهقي - ج 6 ص 144. وفي المصدر ( بغ ) وفي « ن » دفع بدل ( وقع ).
3- في « م » و « ن » و « ر 1 » : اختصاصا.

في كيفية الاحياء

قال رحمه اللّه : ومن فقهائنا الان من يسمى التحجير إحياء ، وهو بعيد.

أقول : المرجع في كيفية الاحياء وصفته الى العرف والعادة فكلما تعارفه الناس احياء ملك به وما لا فلا ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » (1) ذكر ان الملك يحصل بالاحياء ولم يذكر كيفية ذلك ولا وصفه (2) ، وكلما ورد به الشرع مطلقا ولا بد من تحديده فالمرجع فيه الى العرف ، وقد بين المصنف كيفية الاحياء والتحجير ( وذكر أن التحجير ) (3) لا يفيد ملكا بل أولوية ، والاحياء يفيد الملك ، ثمَّ ذكر عن بعض فقهاء زمانه (4) أنه يسمى التحجير احياء ، بمعنى انه يحصل معه (5) الملك ، ثمَّ استبعد ذلك ، والقائل المشار اليه هو شيخ المصنف نجيب الدين محمد بن نما. وحمله الشهيد على

ص: 131


1- المستدرك ، كتاب إحياء الموات ، باب 1 ، حديث 1.
2- في « م » و « ر 1 » : صفته.
3- ما بين القوسين من « م » و « ر 1 » و « ن ».
4- في « ن » : فقهائنا.
5- في « ن » : منه.

أرض ليس فيها استيجام (1) ولا ماء غالب وتسقيها العيون (2) غالبا ، فان ذلك قد (3) يعد احياء.

والمعتمد ان الرجوع في ذلك الى العرف كما هو مشهور (4) بين الأصحاب.

ص: 132


1- من « ر 1 » وهو موافق للمصدر وهو الدروس ، ج 3 ، ص 56. وفي الباقي من النسخ : أشجار.
2- في المصدر و « م » و « ن » و « ر 1 » : الغيوث.
3- ليست في الأصل مع أنها في المصدر أيضا.
4- في « ن » : المشهور.

في المنافع المشتركة

قال رحمه اللّه : وقيل : لو قام لتجديد الطهارة أو إزالة نجاسة أو ما أشبه ذلك ، لم يبطل حقه.

أقول : إذا سبق الى موضع من المسجد كان أحق ما دام في المسجد ، فاذا فارقه زال الاستحقاق سواء كانت المفارقة لعذر كتجديد الطهارة وإزالة النجاسة ، أو لغير عذر ، جزم به العلامة في القواعد والتحرير والشهيد في الدروس ، لزوال سبب الاستحقاق بالمفارقة. ونقل المصنف قولا بعدم زوال الاستحقاق إذا كانت المفارقة لعذر كتجديد وضوء أو ازالة نجاسة ، ووجهه أنه صار أحق به بسبب السبق والأصل بقاء الاستحقاق ، خرج منه زوال حقه إذا فارق لغير عذر لوقوع الإجماع فلا التفات ، يبقى الباقي على أصالة الاستحقاق ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو فارق لعذر ، قيل : هو أولى عند العود ، وفيه تردد ، ولعل الأقرب عدم الأولوية.

أقول : منشؤه من أن المفارقة لعذر غير مانع لاستحقاقه ، وإلا حصل

ص: 133

التضرر المنفي اما بفوات غرضه أو بفوات الاستحقاق ، وما منه التضرر فهو ممنوع بقوله عليه السلام : « لا ضرر ولا إضرار في الإسلام » (1) فلا يسقط الاستحقاق بالمفارقة لعذر ، ومن زوال سبب الاستحقاق وهو الكون في المدرسة والرباط ، لاستحقاقه بسبب الكون في ذلك الموضع ، فاذا فارقه زال السبب ، فيزول المسبب وهو المعتمد.

ص: 134


1- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 12 ، حديث 3 و 4 و 5 والفقيه ، كتاب الإرث ، باب ميراث أهل الملك ، حديث 2.

في المعادن الظاهرة

قال رحمه اللّه : وفي جواز اقطاع السلطان للمعادن تردد ، وكذا في اختصاص المقطع بها.

أقول : منشؤه من عدم جواز الاختصاص بها فلا يجوز إقطاعها ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو بناء على عدم اختصاص الامام بها ، والبحث هنا في المعادن الظاهرة. ومن قول المفيد وابن البراج باختصاص الامام بها ، فيجوز إقطاعها ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو تسابق اثنان فالسابق أولى ، ولو توافيا وأمكن أن يأخذ كل منهما نصيبه فلا مبحث والا أقرع بينهما مع التعاسر ، وقيل : يقسم ، وهو حسن.

أقول : إذا لم يكن الجمع بينهما احتمل القرعة لانحصار الحق فيها ، وعدم أولوية أحدهما على صاحبه. وقيل : يقسم ذلك الموجود بينهما لاشتراكهما في سبب الاستحقاق ، وهو إثبات اليد دفعة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومن فقهائنا من خص المعادن بالإمام عليه السلام ، وهي

ص: 135

عنده من الأنفال فعلى هذا لا يملك ما ظهر منها وما بطن.

أقول : ذهب المفيد وابن البراج في المهذب الى أن جميع المعادن للإمام ، وذهب ابن إدريس الى أن ما كان في ملكه عليه السلام ، كبطون الأودية ورءوس الجبال فهو له ، وما كان في أملاك المسلمين فهو لهم دونه ، وذهب الشيخ في المبسوط الى أن المعادن للمسلمين كافة ، والناس كلهم فيها سواء ، يأخذ كل واحد منهم قدر حاجته ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو حفرها لا للتملك بل للانتفاع ، فهو أحق بها مدة مقامه عليها ، وقيل : يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته ، ولو قيل : لا يجب ، كان حسنا.

أقول : أقسام الابار ثلاثة : ما يحفر في ملكه (1) ، وما يحفر في الموات للتمليك ، وفي هذين القسمين يملك الحافر البئر وماءها ، وما يحفر في المباح لا للتمليك ، بل للانتفاع مدة إقامتهم عليها فهو أحق بها مدة الإقامة.

وهل يجب على الحافر بذل الفاضل عن قدر حاجته؟

قال الشيخ يجب ذلك لما رواه ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « الناس شركاء في ثلاثة : الماء والنار والكلاء » (2) ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : « من منع فضل الماء ليمنع به الكلاء ، منعه اللّه فضل رحمته يوم القيامة » (3) واستحسن المصنف رحمه اللّه عدم الوجوب ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وابنه في شرح القواعد ، والشهيد ، لأن المباحات إن قلنا : لا يفتقر في ملكها (4) إلى النية فقد ملك هنا الماء ، ولم يجب عليه بذل ما هو ملكه.

ص: 136


1- في « ن » و « م » و « ر 1 » : ملك.
2- مستدرك الوسائل ، إحياء الموات ، باب 4 ، حديث 2.
3- المصدر ، باب 6 ، حديث 5.
4- في « م » و « ن » و « ر 1 » : تملكها.

وإن قلنا : إنها تفتقر إلى نية فيكون هذا كالتحجير يفيد أولوية ، فلا يجب بذل الفاضل منه ، ويجوز بيعه كيلا ووزنا ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه الاولى : ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح ، قال الشيخ : لا يملكه الحافر كما إذا جرى سئل إلى أرض مملوكة ، بل الحافر أولى بمائه من غيره ، لأن يده عليه ، فان كان فيه جماعة ، فان وسعهم التراضي فيه فلا بحث ، وإن تعاسروا قسم بينهم على سعة الضياع ، ولو قيل : يقسم على قدر انصبابهم من النهر ، كان حسنا.

أقول : الأصل في الماء الإباحة لجميع الناس ، لقوله عليه السلام : « الناس شركاء في ثلاثة : الماء والنار والكلاء » (1) ويملك بالاحراز في الإناء إجماعا ، وباستنباط بئر أو عين بقصد التملك ، فإنه يملك البئر والماء على المختار.

وقال الشيخ في الخلاف وفي موضع من المبسوط : إذا ملك الإنسان البئر بالاحياء وخرج ماؤها ، فإنه أحق بها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته ، فان فضل بعد ذلك شي ء وجب بذله بغير عوض للمحتاج اليه لشربه ، والمعتمد عدم الوجوب.

وإذا حفر نهرا في ملكه أو في الموات ، وحصل فيه من الماء المباح شي ء ، هل يملكه مالك النهر وهو الحافر؟

قال الشيخ : لا يملك بل يكون أحق به من غيره ، لأنه لم يحدث على ملكه بل دخل فيه. والمعتمد أنه يملكه ، وهو اختيار العلامة في القواعد وابنه والشهيد ، لأنه مباح قابل للتمليك (2) ، وقد قبضه النهر المملوك فصار مملوكا ، كما لو كان نبعا من قعر النهر.

ص: 137


1- تقدم مصدره في هامش رقم 21.
2- في « م » : للتملك.

وعلى الحكم بالملك لا يصح لأحد التصرف فيه إلا مع الاذن صريحا أو عرفا ، كالوضوء (1) منه والشرب والغسل وغسل الثوب ، ولو علم الكراهية لم يجز.

ولو كان النهر المملوك لجماعة كان ماؤه بينهم على قدر انصابهم من النهر على ما استحسنه المصنف ، والنصيب (2) على قدر العمل باليد (3) أو النفقة ، لأن ملك الماء تابع لملك النهر ، وملك النهر مستفاد من العمل أو النفقة على العمل فيكون النصيب على قدر ذلك.

فحينئذ إن كفى الجميع فلا بحث ، وإن قصر وتراضوا على القسمة بالمهاياة أو غيرها صح وان تعاسروا قسم الحاكم بينهم على قدر حقوقهم من النهر ، وتوضع خشبة صلبة أو حجر مشقوق الطرفين والوسط ، فيوضع على موضع مستو من الأرض في مصدم (4) الماء فيه ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم ، يخرج من كل ثقب إلى ساقية منفردة الى كل واحد منهم ، فاذا حصل الماء في ساقية انفرد به.

فان اختلفت الحقوق بأن يكون لأحدهم نصفه ولاخر ثلثه وللثالث سدسه ، جعل فيه ستة ثقوب لصاحب النصف ثلاثة تصب في ساقية ، ولصاحب الثلث اثنان ، ولصاحب السدس واحد ، وعلى هذا فقس.

قال رحمه اللّه : لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ، لم يشارك السابقين ، وقسم له ما يفضل عن كفايتهم ، وفيه تردد.

أقول : قوله ( ولو أحيا أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ) أي الوادي

ص: 138


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : بالوضوء.
2- ليست في الأصل.
3- في « ن » : بالبذل.
4- في « ن » : مقدم.

المذكور في المسألة السابقة الذي لم يف مسيله (1) بسقي ما عليه دفعة.

وهذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط محتجا بأن هذا الماء من مرافيق أرضهم وحقوقها ، وكانوا أحق به من غيرهم مع حاجتهم اليه فلا يقسم لهذا المحيى الا ما فضل عن حاجتهم ، وهو اختيار العلامة والشهيد من غير تردد.

وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن أنه قد ملك الأرض بالإحياء فيكون له نصيب في الماء ، فعلى هذا لا خلاف في تقدمهم (2) عليه لسبقهم بالاحياء ، وكل من أحيا أولا كان حقه أسبق بالسقي. وإنما يبدأ بمن يلي الفوهة ، ثمَّ بمن يليه مع جهل السابق ، ولو علم سبق الأقصى وتأخر من يلي الفوهة قدم الأقصى بالسقي وتأخر المتأخر بالاحياء ، وهو الذي يلي الفوهة.

إذا عرفت هذا فهذا المحيي لا شك في تأخره ، فإن قلنا بالمشاركة سقي أخيرا ، ولا يجوز رد الماء إلى الأرض إلا بعد فراغه وإن احتاج الأول اليه ، وأن قلنا بعدم المشاركة كمذهب الشيخ والعلامة ، فإن فضل عن قدر حاجتهم شي ء قسم له ، وان احتاج اليه الأول بعد سقي الأخير قدم الأول على هذا المحيي ، لعدم الفضل حينئذ فهذا معنى قولهم ( ويقسم له ما يفضل عن كفايتهم ).

ص: 139


1- ليست في الأصل.
2- في « م » « ر 1 » : تقديمهم.

ص: 140

كتاب اللقطة

اشارة

ص: 141

ص: 142

في اللقيط

قال رحمه اللّه : ولا ريب في تعلق هذا الحكم بالتقاط الطفل غير المميز وسقوطه في طرف البالغ العاقل ، وفي الطفل المميّز تردد ، أشبهه جواز التقاطه ، لصغره وعجزه عن دفع ضرورته.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن امتناعه عن الضياع لاستقلاله (1) بحفظ نفسه فلا يجوز التقاطه. والمعتمد الجواز ، وهو مذهب المصنف والعلامة والشهيد.

قال رحمه اللّه : وهل يراعى الإسلام؟ قيل : نعم ؛ لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهرا ، ولأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين.

أقول : المشهور اشتراط الإسلام في ملتقط الطفل المحكوم بإسلامه ظاهرا ، كالوجود في دار الإسلام ، أو دار الكفر وفيها ولو مسلم واحد لما ذكره المصنف ، وهو اختيار العلامة والشهيد من غير توقف. وظاهر كلام المصنف يشعر بالتوقف ، ووجهه : أن الغرض الأهم حضانته وتربيته ، وهو يحصل من

ص: 143


1- في « ن » : لاشتغاله.

الكافر.

والمعتمد الأول ، لانتفاء سبيل الكافر عن المسلم ، ولا شك في ثبوت السبيل للملتقط على الملقوط.

قال رحمه اللّه : ولو كان الملتقط فاسقا ، قيل : ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه الى عدل ؛ لأن حضانته استيمان ولا أمان للفاسق ، والأشبه أنه لا ينتزع.

أقول : القول بانتزاعه من يد الفاسق قول الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، لعدم أمانة الفاسق فلا يؤمن أن يدعى رقه ، واختار المصنف عدم انتزاعه ، واستقربه الشهيد في دروسه ؛ لان المسلم محل للأمانة ، والأول أحوط.

قال رحمه اللّه : ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه ، أو حضري يريد السفر ، قيل : ينتزع من يده لما لا يأمن من ضياع نفسه [ نسبه ] ، فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه ، والوجه الجواز.

أقول : القول المحكى قول الشيخ في المبسوط ، وقد ذكر المصنف وجهه ، ثمَّ اختار جواز التقاط البدوي ومريد (1) السفر ، واختاره العلامة أيضا ، لوجود شرائط الالتقاط فيهما ، فيثبت لهما من الولاية بإثبات اليد ما يثبت لغيرهما ، وهو المعتمد.

وعلى القول بانتزاعه منهما ، إنما ينتزع مع وجود غيرهما أولى بالحفظ منهما ، ومع عدم ذلك لا ينتزع منهما قطعا.

قال رحمه اللّه : وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به ، وإلا استعان بالمسلمين ، وبذل النفقة عليهم واجب على الكفاية ؛ لأنه دفع ضرورة مع التمكن ، وفيه تردد.

ص: 144


1- في « م » : ومن يريد.

أقول : منشؤه من أنه إحسان ومعاونة على البر فيكون واجبا ، لعموم قوله تعالى ( وَأَحْسِنُوا ) (1) ، وقوله تعالى ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (2) ، ولما في ذلك من حفظ نفس المسلم ، فيكون واجبا على الكفاية ؛ لأن فعله غير مراد من واحد معين فاذا قام به البعض سقط عن الباقي.

ومن أن الوجوب حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، والأصل براءة الذمة ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه : أخذ اللقيط واجب على الكفاية ؛ لأنه تعاون على البر ، ولأنه دفع ضرورة المضطر ، والوجه الاستحباب.

أقول : المشهور وجوب أخذ اللقيط على الكفاية ، وجزم به العلامة والشهيد ، ولم يوجبه المصنف ، لأصالة البراءة ، وحمل الآية على الاستحباب ، وأستعبده الشهيد إذا خيف على اللقيط التلف.

قال رحمه اللّه : اللقيط يملك كالكبير. وفيما يوجد بين يديه أو الى جانبه تردد ، أشبهه أنه لا يقضى له ، وكذا البحث لو كان على دكة وعليها متاع ، وعدم القضاء هنا له أوضح.

أقول : منشأ التردد من انتفاء أسباب الملك هنا ؛ لان سبب الملك إثبات اليد على ما هو متصل به ، كالقميص الذي عليه ، ودراهم مشدودة فيه ، وفراش تحته ، ودراهم مصبوبة تحت الفراش ، ودابة هو راكبها أو مشدودة بشي ء متصل به ، فهذه الأشياء كلها تحت يده.

والذي بين يديه والى جانبيه غير متصل به ولا يده عليه ، فلا يقضى له به.

ومن أن العادة قاضية أن الإنسان قد يترك ماله بقربه وهو غير متصل به

ص: 145


1- البقرة : 195.
2- المائدة : 2.

كالميزان وغيرها للبقال.

والمعتمد ان هذا الشي ء الذي يقاربه وهو غير متصل به ، إن ادعاه مدع غير اللقيط قضي له به ، والا فهو اللقيط.

قال رحمه اللّه : وكذا لو كان أمّا ، ولو قيل : لا يثبت نسبه الا مع التصديق ، كان حسنا.

أقول : لم يفرق الشيخ في الخلاف والمبسوط بين دعوى الرجل والمرأة للبنوة ، وانه يقبل دعوى المرأة كما يقبل دعوى الرجل ، واستحسن المصنف عدم ثبوت نسب المرأة إلا مع التصديق ، والمراد به بعد البلوغ أو بإقامة البينة قبله ، وهو اختيار العلامة وابنه ؛ لأن الأصل عدم النسب ، خرج منه قبول دعوى الأب للإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع ما لم يحصل البينة أو التصديق بعد الدعوى.

قال رحمه اللّه : ولا يحكم برقه ولا بكفره إذا وجد في دار الإسلام ، وقيل : يحكم بكفره إذا أقام الكافر بينة ببنوته ، وإلا حكم بإسلامه لمكان الدار وإن لحق نسبه بالكافر ، والأول أولى.

أقول : الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه تبعا للدار ، فان ادعى كافر بنوته لحقه نسبه.

وهل يحكم بإسلامه أو بكفره؟ قال الشيخ في المبسوط : إن كان معه بينة حكم بكفره ؛ لأن البينة أثبتت فراشه ، والمولود على فراش الكافر يكون كافرا. وإن لم يكن معه بينة حكم بإسلامه لأنه وجد في دار الإسلام ، وقال في الخلاف مثل ذلك.

وظاهر المصنف الحكم بالإسلام مطلقا ، سواء أقام بينة أو لم يقم ، ووجهه أنه قد حكم الشارع بإسلامه لمكان الدار ، والأصل البقاء على الحكم بالإسلام

ص: 146

إلى حين البلوغ ، فان بلغ وأعرب الكفر حكم بارتداده ، وذهب العلامة إلى اختيار الشيخ وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اختلف مسلم وكافر ، أو حر وعبد في دعوى بنوته ، قال الشيخ : يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد ، وفيه تردد.

أقول : هذا إشارة الى ما قاله الشيخ في المبسوط ، فإنه حكى عن قوم ترجيح المسلم على الكافر ، والحر على العبد ، ثمَّ قال : وهو قوى.

وحكم في الخلاف بعدم الترجيح ، واستدل بعموم الاخبار فيمن ادعى النسب ولم يخصوا كافرا من مسلم ولا عبدا من حر.

وتوقف المصنف والعلامة ولم يرجحا شيئا.

ورجح فخر الدين المسلم إذا كان اللقيط محكوما بإسلامه كالملتقط في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم ، لتأييد دعوى المسلم بالحكم بإسلام اللقيط ، ولا يكون مسلما الا مع أحد أبويه ، وظاهر الشهيد في الدروس متابعته ، وظاهره في شرح الإرشاد متابعه مذهب الشيخ في الخلاف.

ص: 147

ص: 148

في الملتقط في الحيوان

قال رحمه اللّه : وكذا حكم الدابة ، وفي البقرة والحمار تردد ، أظهره المساواة ؛ لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير.

أقول : وقع الإجماع على عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد مطلقا ، سواء كان في كلاء وماء أو لم يكن ، وكذا إذا ترك من جهد في كلاء وماء ، والمشهور عند أصحابنا جواز أخذه إذا ترك من جهد في غير كلاء ولا ماء ، ويملكه الآخذ حينئذ بنفس الأخذ ، لأنه كالمباح.

ومنع ابن حمزة من أخذه مطلقا ، لما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، قال : « جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه انى وجدت بعيرا ، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، فلا تهيجه » (1) ، وهو محمول على الواجد في كلاء وماء ، أو ترك (2) من غير جهد.

ص: 149


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 13 ، حديث 1.
2- في « م » و « ن » و « ر 1 » : تركه.

إذا عرفت هذا فالمشهور إلحاق الدابة بالبعير ، وفي (1) جواز الأخذ إن تركت من جهد في غير كلاء ولا ماء ، والمنع ان تركت صحيحة أو مجهودة وهي في كلاء وماء لمساواتها للبعير في الامتناع ، ويحتمل جواز أخذها مطلقا ؛ لأن الخيل لا تصبر عن الماء صبر الإبل.

وهل حكم البقرة والحمار حكم الإبل والخيل؟

تردد المصنف في ذلك من المشاركة في العلة المانعة من أخذ البعير ، وهي القدرة على رعي الأشجار ، والشرب من الأنهار ، والامتناع من صغير السباع لكبر حجمها فيها بها صغير السباع ومن أن الحمير والبقر لا تصبر صبر البعير على الجوع والعطش ، فيجوز أخذها.

وجزم العلامة في القواعد بالمساواة وكذا الشهيد ، وهو المعتمد.

فرع : إذا أخذ البعير وشبهه في موضع الجواز ملكه بنفس الأخذ ولا ضمان عليه ؛ لأنه كالتالف ، فلو جاء المالك وأقام به بينة أو صدّقه الآخذ ، هل له انتزاع العين؟ استشكله العلامة في القواعد ، من أصالة بقاء الملك السابق ، ومن الحكم بملك الملتقط ، فلا يبطل بوجود المالك.

واختار فخر الدين وجوب الدفع الى المالك ، وجزم العلامة في التحرير والشهيد في الدروس باستقرار ملك الملتقط وعدم جواز الانتزاع ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد ؛ لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي معرّضة للتلف ، والآخذ بالخيار إن شاء ملكها ، ويضمن على تردد.

أقول : إذا وجد الشاة في الفلاة وهي الموضع الذي ليس فيه قرى مسكونة ولا أهل طنب جاز أخذها إجماعا وإذا أخذها كان مخيرا بين حفظها لمالكها ، وبين

ص: 150


1- كذا في النسخ.

دفعها الى الحاكم ليحفظها لمالكها ، ولا ضمان فيهما إجماعا ، وبين أن يتملكها.

وهل يضمن هنا؟ تردد المصنف في ذلك ، لقوله عليه السلام حين سئل عن ضالة الغنم « خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب » (1) ، وظاهر قوله هي لك يقتضي التمليك (2) ، فيكون كالبعير إذا ترك من جهد ، ومن عموم قوله عليه السلام : « لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفس منه » (3) ، وعموم قوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (4) ولا منافاة بين جواز الأخذ والضمان ، وهو المعتمد. وقوى العلامة عدم وجوب التعريف للخبر السابق وهو جيد.

قال رحمه اللّه : وفي حكمها كل ما [ لا ] يمتنع من صغير السباع ، كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير على تردد.

أقول : منشؤه من الاشتراك في العلة المبيحة للأخذ ، وهي عدم القدرة على الامتناع من صغير السباع ، والاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم ، ومن أصالة عدم جواز التسلط على مال الغير بغير اذنه ، فيقتصر فيه على مورد النص ولا يتعدى الى غيره ؛ لأن التعدي قياس لا نقول به.

والمعتمد الأول ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، وتابعه ابن إدريس والعلامة.

قال رحمه اللّه : ويصح أخذ الضالة لكل بالغ عاقل ، أما الصبي والمجنون فقطع الشيخ رحمه اللّه فيهما بالجواز ؛ لأنه اكتساب ، وينتزع ذلك الولي ويتولى التعريف عنهما سنة ، فان لم يأتي مالك ، فان كان الغبطة في تمليكه وتضمينه إياها

ص: 151


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 13 ، حديث 1 وغيره.
2- في « م » : التملك.
3- المستدرك ، الغصب ، باب 1 ، حديث 3 - 5.
4- المستدرك ، كتاب الوديعة ، باب 1 ، حديث 12. والمصدر السابق حديث 4.

فعل ، وإلا أبقاها أمانة ، وفي العبد تردد ، أشبهه الجواز ؛ لان له أهلية الحفظ ، وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه : لا ، وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في لقطة الكافر والفاسق فالمشهور بين الأصحاب جوازها لهما ؛ لأنها نوع اكتساب فيتساوى فيها المسلم والكافر والعدل والفاسق ، لتساويهما في جواز الاكتساب ، وظاهر ابن الجنيد عدم جواز أخذها للفاسق فيكون أولى منه الكافر ؛ لأن اللقطة أمانة وولاية ، وليس الفاسق والكافر أهلا لها ، فعلى هذا يحتمل منع الطفل والمجنون من أخذها ، لأنهما ليسا أهلا للأمانة والولاية ، ولهذا لم يجزم المصنف بجواز التقاطهما ، بل أسند ذلك الى الشيخ ، وهو يشعر بالتوقف.

والمعتمد تحريم لقطة الحرم على هؤلاء الأربعة ؛ لأنها أمانة محضة ، وجواز غيرها ؛ لأنها اكتساب مجرى القرض.

الثاني : في لقطة العبد ، والمشهور جوازها ؛ لأن له أهلية الاكتساب ، وأهلية الأمانة فكان له الالتقاط. وقال ابن الجنيد ليس له ذلك لما رواه أبو خديجة عن الصادق عليه السلام قال : « لا يعرض لها العبد » (1) ، ولأن المقصود من اللقطة التملك بعد الحول ، وهو ليس من أهل التملك.

والمعتمد جواز أخذ اللقطتين له.

اما لقطة الحرم فلأنها أمانة وهو أهل للأمانة ، ونقل الشهيد عن العلامة أنه قال : لا نعلم فيه خلافا ، وأما غير لقطة الحرم فلما تقدم من أنها نوع اكتساب ويتولى التعريف السيد إن أذن فيها أو رضى بها ، ولا ضمان على السيد إن كان العبد أمينا وان لم يكن أمينا ، وعرف سيده بذلك ولم ينتزعها منه كان الضمان على السيد لا في رقبة العبد ، قاله الشيخ في المبسوط ، وظاهر العلامة في المختلف

ص: 152


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 20 ، حديث 1.

والتحرير عدم ضمان السيد ؛ لان للعبد التسلط على اللقطة ولا يجب على السيد الانتزاع ؛ لأنه لا يجب عليه حفظ مال الغير ، وهو قوي.

قال رحمه اللّه : إذا كان للقطة نفع ، كالظهر واللبن والخدمة ، قال في النهاية : كان ذلك بإزاء ما أنفق ، وقيل : ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصّان ، وهو أشبه.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال : الأول ، كون النفع بإزاء النفقة سواء تساويا قيمة أو تفاوتا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، ومستنده رواية السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن آبائه صلى اللّه عليهم جميعا.

الثاني : التقاص ، ومعناه تقويم المنفعة والنفقة ، فإن تساويا تهاترا ، وان تفاوتا رجع صاحب الفضل (2) على صاحبه ؛ لأنه أنسب إلى العدل ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثالث : عدم الرجوع بالنفقة ؛ لأنها واجبة على الملتقط وهو مذهب ابن إدريس.

ص: 153


1- الوسائل ، كتاب الرهن ، باب 12 ، حديث 2.
2- في « ن » : الفاضل.

ص: 154

في اللقطة

قال رحمه اللّه : اللقطة : كل مال ضائع أخذ ولا يد لأحد عليه ، فما كان دون الدرهم جاز أخذه والانتفاع به بغير تعريف ، وما كان أزيد من ذلك ، فان كان في الحرم ، قيل : يحرم أخذه وقيل ، يكره ، وهو أشبه.

أقول : البحث هنا في لقطة الحرم ، والتحقيق : أن لقطة الحرم خالفت غيرها بأربعة أمور لا يخلو أحدها عن الخلاف.

أ ) هل يجوز أخذها أم لا؟ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، واختاره العلامة وأبو العباس ولهم عليه روايات (1) ، وقال الشيخ في الخلاف : أخذها مكروه ، واختاره المصنف ، لأصالة الجواز ، ولما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم « قال : لا تحل لقطة الحرم الا لمنشد » (2) ، دل بمفهومه على إباحتها مع نية الإنشاد ، قلت : وكذلك لقطة غير الحرم إذا تجاوزت الدرهم ، لا يحل أخذها إلا مع قصد الإنشاد وهو التعريف ، فلا فرق حينئذ. والمعتمد التحريم والا لم يبق

ص: 155


1- الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب 1.
2- سنن البيهقي - ج 6 - ص 199.

للحرم مزية على غيره.

ب ) هل تملك لقطة الحرم إذا قصرت عن الدرهم كما تملك لقطة غيره ، أو تكون أمانة يجب تعريفها حولا كما لو زادت على الدرهم؟ الأول ظاهر ابن البراج والمصنف ، واختاره الشهيد وهو مذهب ابن إدريس ، لأصالة الجواز ، ولعموم (1) تملك ما نقص عن الدرهم من اللقطة ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية والمفيد وابني بابويه ، وهو ظاهر القواعد والإرشاد والا لما حصل الفرق بين الحرم وغيره.

ج ) هل يجوز تملك لقطة الحرم بعد التعريف حولا كما يجوز تملك غيرها ، أم لا بل تبقى أمانة؟ بالأول قال أبو الصلاح ، وبالثاني قال أكثر الأصحاب.

د ) إذا تصدق بها بعد التعريف فكره المالك هل يضمن أم لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنه يضمن ، وهو اختيار العلامة في المختلف ، وقال الم فيد وابن البراج وابن حمزة لا يضمن ، واختاره أبو العباس وهو مذهب المصنف ؛ لأنه دفعه دفعا (2) مشروعا فلا يتعقبه ضمان ، احتج الموجبون بقوله عليه السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (3) ، ولأنه تصرف في إتلاف المال بغير اذن صاحبه ، فيكون مضمونا كلقطة الحرم ، وهو قوى.

قال رحمه اللّه : وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف ، أظهره الجواز ، وكذا العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال ، وأشباهه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها.

أقول : جزم أبو الصلاح بجواز التقاط الإداوة والقربة وغيرها من أوعية

ص: 156


1- الوسائل ، اللقطة ، باب 2 ، حديث 9.
2- في « م » و « ن » و « ر 1 » : دفع.
3- المستدرك ، كتاب الغصب ، باب 1 ، حديث 4.

الماء ، والحذاء والسوط ونحوه قول علي بن بابويه وابنه محمد بن بابويه ، وجوز ابن الجنيد التقاط الوتد والعقال والشظاظ لمن هو محتاج اليه ، قال : ويغرم (1) لمالكه مع التلف ، ومال إليه العلامة في المختلف ؛ لأنه أتلف مال الغير فيكون عليه ضمانه ، وقال الشيخ في النهاية : ويكره أخذ ماله قيمة يسيرة مثل العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباه ذلك وليس بمحظور ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، لأصالة الجواز ، ولرواية حريز (2) في الحسن عن الصادق عليه السلام الدالة على جواز التقاط هذه الأشياء.

احتج المانعون برواية عبد الرحمن (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهي محمولة على الكراهية.

قال رحمه اللّه : لا تملك اللقطة قبل الحول ، ولو نوى ذلك ، ولا بعد الحول ما لم يقصد التملك ، وقيل : يملك بعد التعريف حولا وإن لم يقصد ، وهو بعيد.

أقول : اختلف الأصحاب هنا على ثلاثة أقوال :

الأول : دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف قهرا بغير اختياره ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن بابويه وابن إدريس ؛ لقول الصادق عليه السلام : « يعرفها سنة فان جاء صاحبها والا فهي كسبيل ماله » (4) والفاء للتعقيب من غير تراخ ، فلو احتاج دخولها في الملك بعد التعريف إلى نية لحصل التراخي وهو باطل فلا تفتقر إلى نيته نية.

الثاني : لا يدخل في ملكه بعد التعريف الا باختياره ، ويكفي فيه القصد وإن لم يتلفظ ، قاله العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين وأبو العباس وهو

ص: 157


1- في الأصل : يحرم ويغرم.
2- الوسائل ، اللقطة ، باب 12 ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 2.
4- الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب 2 ، حديث 1.

المعتمد ، أما الافتقار إلى النية فلأصالة بقاء الملك على مالكه ما لم يحصل قصد التملك ، وأما عدم الافتقار الى اللفظ فلان النية من أفعال القلوب فيكفي فيها القصد كسائر النيات.

الثالث : لا يدخل في ملكه بعد التعريف إلا بالنية واللفظ ، مثل أن يقول اخترت تملكها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة وأبو الصلاح ، للإجماع على حصول الملك بذلك دون غيره ، فلا يحصل الملك بدونه.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه ، اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك وهو بعيد ؛ لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، لقوله عليه السلام : « من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يعنت ، فان جاء صاحبها فليردها والا فهو ما اللّه يؤتيه من يشاء » (1) ، واستبعده المصنف ؛ لأن المطالبة تتوقف على الاستحقاق ، فلو توقف الاستحقاق على المطالبة لزم الدور ، وهو باطل ، فيكون سبب الضمان نية التملك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يجب التعريف الا مع نية التملك ، وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها على المالك ، فلا يجوز تملكها الا بعد التعريف ، ولو بقيت في يده أحوالا.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا أراد حفظها على صاحبها لا يلزمه التعريف ؛ لأن التعريف انما يكون للتملك ، وإن أراد التملك وجب التعريف سنة ، والمشهور وجوبه مطلقا ، سواء قصد التملك أو لم يقصد ، لعموم (2) الأمر به ، ولأن فائدة الحفظ وصولها الى المالك ، وانما يتم بالتعريف لخفاء حالها على

ص: 158


1- سنن البيهقي ، ج 6 ، ص 187. وفي ن ( ويكتم ).
2- الوسائل ، اللقطة ، باب 2.

مالكها ، وانما يظهر بالتعريف ، ويجب أن يكون التعريف عقب الالتقاط بلا فصل ، وينبغي ان يكثر من التعريف يوم الوجدان وبعده على التدريج ، ونقل العلامة في التحرير قولا بأن أقله أن يعرف في الأسبوع ، وقال الشهيد : وينبغي أن يعرف كل يوم مرة أو مرتين من الأسبوع الأول ، ثمَّ في الأسبوع الثاني مرة ، ثمَّ في الشهر مرة ، ومثله عبارة القواعد ، والضابط : وجوب المتابعة بحيث لا ينسى اتصال التالي بمتلوه من غير تقدير معين (1).

فروع : أ ) لو نوى التملك قبل انقضاء الحول ، لم يحصل الملك وضمن بنفس النية ، ولا تصير أمانة لو عاد إلى نية الحفظ ، وله التملك بعد انقضاء التعريف ، لعدم تأثير الأولى غير الضمان.

ب ) تأخير التعريف حرام ، ولو أخره مع إمكانه أثم ، ولا يسقط التعريف بالتأخير ، وابتداء الحول من حين التعريف لا من حين الالتقاط.

ج ) لو أخر التعريف الحول الأول ثمَّ عرف الحول الثاني أو بعده ، كان له التملك بعد حول التعريف على المختار ، لعموم (2) جواز تملكها بعد التعريف.

قال رحمه اللّه : ولو عابت بعد التملك ، فأراد ردها مع الأرش جاز ، وفيه إشكال ؛ لأن الحق تعلق بغير العين فلم يلزمه أخذها معيبة.

أقول : إذا حضر المالك بعد أن نوى الملتقط التملك فطالب الملتقط ، وكانت قد تعيبت بعد نية التملك ، هل يجبر المالك على قبولها معيبة مع أرش العيب؟ يحتمل ذلك ؛ لأنها عين ماله فيجب عليه القبول والعيب (3) يجبر بالأرش ، ويحتمل العدم ؛ لان بنفس نية التملك تعلق حقه بالمثل أو القيمة ، فلا يجب عليه قبولها

ص: 159


1- من « م » و « ر 1 ».
2- الوسائل ، اللقطة ، باب 2 ، حديث 1 وغيره.
3- في الأصل : والفائت.

معيبة ، وانما وجب عليه قبولها صحيحة ؛ لأن وجوب قبول المثل أو القيمة يقتضي وجوب قبول العين صحيحة ؛ لأن وجوب قبولها أولى من وجوب قبول مثلها أو قيمتها ؛ لأن المثل انما يجب قبوله لكونه مشابها لها ، والقيمة انما يجب قبولها مع عدم وجود العين على صفاتها ، فاذا وجدت على صفاتها كان قبولها اولى من قبول المثل أو القيمة.

قال رحمه اللّه : ولو علم المولى قبل التعريف ولم يأخذ منه ، ضمن لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن حيث أن العبد له التسلط على اللقطة ، فلا يجب على المولى الانتزاع ؛ لأنه لا يجب عليه حفظ مال الغير ، وقد سبق البحث في ذلك (1).

ص: 160


1- ص 152.

كتاب الفرائض

اشارة

ص: 161

ص: 162

في موانع الإرث

قال رحمه اللّه : ولو كان الميت مرتدا ورثه الإمام مع عدم الوارث المسلم ، وفي رواية : يرثه الكافر ، وهي شاذة.

أقول : الرواية هي ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل ، « قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل نصراني أسلم ثمَّ رجع الى النصرانية ثمَّ مات ، قال : ميراثه لولده النصراني ، ومسلم تنصر ثمَّ مات؟ قال : ميراثه لولده المسلم » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ في الاستبصار ، والمشهور عند أصحابنا أن ميراثه للإمام مع فقد الوارث المسلم لتحريمه بالإسلام فلا يرثه الكافر ، والرواية محمولة على التقية وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما لو لم يكن وارث سوى الامام ، وأسلم الوارث فهو أولى من الامام ؛ لرواية أبي بصير ، وقيل : إن كان قبل نقل التركة إلى بيت مال الامام ورث وإن كان بعده لم يرث ، وقيل : لا يرث ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد.

ص: 163


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 6 من أبواب موانع الإرث ، حديث 1.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

الأول : إذا أسلم وارث الكافر كان أولى من الامام مطلقا سواء نقله الى بيت المال أو لم ينقله ، فعلى هذا له أخذه ما دامت العين باقية ، وهو اختيار المصنف ونقله فخر الدين عن كثير من الأصحاب ، ولم ينقله عميد (1) الدين عن غير المصنف ، والمستند رواية أبي بصير ، « قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله زوجة وولد مسلمان؟ فقال : إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس ، قلت : فان لم يكن له امرأة ولا ولد ، ولا وارث له سهم في كتاب اللّه من المسلمين وأمه نصرانية ، وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون ميراثه؟ قال : فإن أسلمت امه فان جميع ميراث لها ، وان لم تسلم امه وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب ، فان ميراثه له ، وإن لم يسلم من قرابته احد فهو للإمام » (2).

الثاني : التفصيل ، وهو إن أسلم قبل نقل التركة إلى بيت المال فهي له ، وإن كان بعده لم يستحق شيئا ، وهذا القول صرح به ابن حمزة ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في الإرشاد واختاره فخر الدين.

الثالث : وهو عدم الاستحقاق مطلقا ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ساكتين عليه.

فروع : الأول : لو أسلم الوارث قبل(3) قسمة بعض التركة فيه ثلاثة احتمالات، أحدها : المشاركة في الجميع إن كان مساويا ، واجازة (4) الجميع إن

ص: 164


1- في « ن » : غير عميد الدين.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من أبواب موانع الإرث ، حديث 1 ، وفي المصدر سألت أبا عبد اللّه ( عليه السلام ).
3- في النسخ : بعد.
4- في النسخ : اجازة.

كان أولى ؛ لأن التركة اسم لمجموع المال المتروك ولم يقسم المجموع ، فيصدق أنه أسلم على مال قبل قسمته ، فيجيزه إن كان أولى.

الثاني : أنه لا يرث فيما قسم ، ويرث في غير المقسوم ، أما عدم ميراثه من المقسوم ، فلوجود المانع من الميراث في ذلك البعض وهو القسمة ، فلا يرث منه شيئا ، وأما ميراثه من غير المقسوم ، فلعدم وجود المانع من الإرث ؛ لأن المانع القسمة ولم يوجد في ذلك البعض فيرث جميع (1) غير المقسوم أو بعضه على التفصيل.

الثالث : عدم الإرث من الجميع ؛ لأن الإرث مشروط بالإسلام قبل القسمة ، وهذا الشرط لم يوجد لحصول القسمة في البعض ، والثاني هو المعتمد.

الثاني(2): لو خلف الميت ما لا يمكن قسمته مثل العبد والجوهرة وأشباه ذلك ثمَّ أسلم الوارث ، هل يشارك في ذلك أم لا؟ يحتمل العدم ؛ لأن قولهم إذا أسلم على ميراث قبل قسمته ، يفهم منه اختصاص الإرث فيما يمكن قسمته دون ما لا يمكن ، والا لم يحسن قولهم قبل قسمته ، ويحتمل الإرث منه قبل القسمة (3) فيما بينهم ورد بعضهم على بعض لصدق إسلامه على مال قبل قسمته ، وهو المعتمد.

تنبيه (4) : هل يشارك في النماء المتجدد بين الموت والإسلام قبل القسمة؟ يحتمل ذلك ؛ لأن النماء تابع للأصل وهو يشارك في الأصل قطعا ، فيشارك في النماء خصوصا على القول ببقاء التركة على حكم مال الميت ، ولأنه لما استحق النصيب من التركة بالميراث عن الميت بينا (5) أنه كان مالكا حالة الموت والكفر

ص: 165


1- ليست في الأصل.
2- من « ن » وفي غيرها : الرابع.
3- في « م » و « ر 1 » : التثمين ، وفي « ن » : التمييز.
4- في الأصل : الثاني.
5- في « ن » : ثبت.

مانع وهو المعتمد ، ويحتمل العدم ، لتجدد النماء على ملك الورثة المسلمين فلا يستحق فيه شيئا ؛ لأنه انما يستحق فيما كان مملوكا لمورثه وهذا النماء لم يدخل في ملك المورث فلا يستحقه.

فرع (1): لو باع بعض الورثة حصته من التركة أو وهبها من آخر قبل القسمة ثمَّ أسلم الكافر ، هل يمنع من الميراث؟ يحتمل ذلك ؛ لأن البيع والهبة أقوى من القسمة ، لاقتضائهما (2) زوال الملك عن المالك (3) الى غيره ، والقسمة تقتضي تميز الحقوق بعضها عن بعض مع بقاء الملك على مالكه ، وإذا كان الأضعف مانعا من المشاركة كان منع الأقوى أولى ، وهو المعتمد ، ويحتمل عدم المنع لصدق الاسم (4) على مال قبل قسمته.

قال رحمه اللّه : ولو كان الوارث زوجا أو زوجة ، وآخر كافر ، فإن أسلم أخذ ما فضل من نصيب الزوجة ، وفيه إشكال ، ينشأ من عدم إمكان القسمة ، ولو قيل : يشارك مع الزوجة دون الزوج ، كان وجها.

أقول : الإرث هنا مبني على القول بعدم الرد على الزوج والزوجة ، وعدم الإرث مبني على القول بالرد ، وسيأتي أن شاء اللّه تحقيق ذلك (5).

قال رحمه اللّه : لو خلف نصراني أولادا صغارا ، وابن أخ وابن أخت مسلمين ، كان لابن الأخ ثلثا التركة ، ولابن الأخت الثلث وينفق الاثنان على الأولاد بنسبة حقهما ، فان بلغ الأولاد مسلمين فهم أحق بالتركة على رواية مالك بن أعين

ص: 166


1- ليست في الأصل.
2- في « ن » : لاقتضائها.
3- في « ن » : الكافر.
4- في النسخ : الإسلام.
5- ص 173.

أقول : روى مالك بن أعين عن الباقر عليه السلام ، « قال : سألته عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم ، وابن أخت مسلم ، وللنصراني أولاد وزوجة نصارى؟ قال : فقال : أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثا ما ترك ، ويعطى لابن أخته ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار ، وان كان له ولد صغار كان على الوارثين ان ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا ، قيل له : كيف ينفقان؟ قال : فقال : يخرج وارث الثلاثين ثلثي النفقة ، والأخر ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعت النفقة عنهم ، وإذا أسلموا وهم صغار دفع ما ترك أبوهم الى الامام حتى يدركوا ، فان بقوا على الإسلام دفع الامام ميراثهم إليهم ، وإن لم يبقوا إذا أدركوا دفع الامام الميراث الى ابن أخيه وابن أخته المسلمين » (1) وهذه الرواية من المشاهير ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة وابن البراج ، وردها ابن إدريس وحكم بالميراث لابن الأخ وابن الأخت المسلمين ؛ لأن الأولاد بحكم آبائهم ولم يوجب الإنفاق على الأولاد ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر ، وخرّج المفيد رحمه اللّه وجها آخر ، هو المنع من الدية ، وهو حسن ، والأول أشبه.

أقول : القتل إذا كان عمدا ظلما منع القاتل من إرث المقتول إجماعا مقابلة بنقيض مقصوده ، وعقوبة (2) على فعله ، واحتياطا في عصمة الدم كيلا تقتل أهل المواريث بعضهم بعضا طمعا في الميراث ، وإن كان خطأ فقد اختلف فيه الأصحاب على ثلاثة أقوال :

الأول : المنع مطلقا ، وهو قول ابن أبي عقيل احتياطا لعصمة الدم ، ولأنه

ص: 167


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 2 من موانع الإرث ، حديث 1.
2- في « ن » : بعقوبة.

يؤخذ منه الدية فكيف يرث منها.

الثاني : التوريث مطلقا ، وهو قول المفيد وسلار واختاره المصنف ؛ لان المنع عقوبة وقاتل الخطأ غير مذنب ، ولصحيحة عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ، « قال سألته عن رجل قتل أمه أيرثها؟ قال : إن كان خطأ ورثها ، وإن كان عمدا لم يرثها » (1) ولا يتوهم أحد من قول المصنف ( وخرج المفيد وجها وهو المنع من الدية ) أن ذلك مذهب المفيد ، بل مذهبه التوريث مطلقا ، نقله عنه العلامة في المختلف ، وابنه ، وعميد الدين في شرح القواعد ، والشهيد ، وأبو العباس ، والوجه الذي أشار إليه المصنف هو أن المفيد حمل الرواية (2) الواردة بمنع القاتل وان كان خطأ على المنع من الدية دون غيرها ، نقله عنه الشيخ في النهاية ، قال في النهاية : والقاتل ضربان ، قاتل عمدا ولا يرث المقتول على كل حال ، ولدا كان أو والدا ، زوجا أو زوجة ، من نفس التركة ومن الدية وقد رويت رواية بأن القاتل لا يرث وإن كان خطا ، وهذه رواية شاذة لا عمل عليها ؛ لأن أكثر الروايات على ما قدمناه ، وكان شيخنا رحمه اللّه يحمل هذه الرواية على أنه إذا كان القاتل خطأ لا يرث من الدية ويرث من التركة ، للجمع بين الاخبار ، وعلى هذا أعمل ؛ لأنه أحوط. هذا آخر كلام الشيخ في النهاية ، وانما نسب المصنف هذا التفصيل الى المفيد ؛ لأنه هو السابق اليه وليس ذلك مذهبا له.

الثالث : المنع من الدية دون باقي التركة ، وهو قول الشيخ والمرتضى (3) وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، للجمع بين الروايات (4).

ص: 168


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 9 من موانع الإرث ، حديث 2.
2- الوسائل - الإرث ، باب 7 من موانع الإرث ، حديث 1.
3- ليست في النسخ.
4- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 7 - 8 - 9 من أبواب موانع الإرث.

واما شبه العمد فكالعمد عند ابن الجنيد ، واختاره العلامة في القواعد وابنه ، وكالخطإ عند سلار ، واختاره العلامة في التحرير ، وألحق بالخطإ أيضا قتل الصبي والمجنون ، وقال في القواعد : والقتل بالسبب مانع ، وكذا قتل الصبي والمجنون والنائم ، ولعل المعتمد فتوى التحرير ، لعدم المؤاخذة بالعقوبة.

قال رحمه اللّه : ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعا ، وكان الميراث للإمام ، ولو أسلم الكافر كان الميراث له ، [ والمطالبة اليه ، ] وفيه قول آخر.

أقول : القول الآخر إشارة الى ما سبق (1) من الخلاف فيما لو لم يكن وارث غير الإمام فأسلم الوارث ، هل يجيز المال مطلقا أو لا يجيزه مطلقا ؛ لأن الإمام كالوارث الواحد أو يجيزه ما لم ينقل الى بيت المال وقد سبق البحث في ذلك واختيار المصنف هنا هو اختياره هناك ، وهو الحيازة مطلقا.

قال رحمه اللّه : يرث كل مناسب ومسابب عدا من يتقرب بالأم ، فإن فيهم خلافا.

أقول : اختلف الأصحاب في الوارث لدية المقتول على ثلاثة أقوال :

الأول : يرثها كل وارث ، وهو قول الشيخ في المبسوط وموضع من الخلاف ، وابن حمزة وابن إدريس في كتاب الجنايات ، واختاره أبو العباس في المقتصر.

الثاني : يرثها كل مناسب ومسابب عدا المتقرب بالأم ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، والعلامة في القواعد ، وابنه ، والشهيد.

الثالث : يرثها العمودان ، ومع فقدهما يرثها المتقرب بالأبوين معا ، دون من يتقرب بأحدهما من الاخوة والعمومة ، ومع فقدهم فلمولى النعمة ان كان ،

ص: 169


1- ص 164.

وإلا فالإمام وهو القول الثاني للشيخ في الخلاف ، ومستند الجميع الروايات (1).

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن للميت وارث سوى المملوك ، اشترى المملوك من التركة وأعتق ، وأعطي بقية المال ، ويقهر المالك على بيعه ، ولو نقص المال عن قيمته قيل : يفك بما وجد ويسعى في الباقي ، وقيل : لا يفك ويكون المال للإمام ، وهو الأظهر ، وكذا لو ترك وارثين أو أكثر وقصر نصيب كل واحد منهم أو نصيب بعضهم.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : فيما إذا كان الوارث واحدا ، وقصرت التركة عن قيمته ، هل يفك منه ما قابل التركة ويسعى في الباقي ، أو تكون التركة للإمام؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخان وسلار تكون التركة للإمام ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لأصالة عدم الفك ، خرج ما إذا وفت التركة بالقيمة ، يبقى الباقي على أصالة المنع ؛ لأن الأصل عدم جواز إجبار الغير على بيع ماله ، ونقل الشيخ وابن الجنيد وابن البراج عن بعض الأصحاب أنه يشتري منه ما قابل التركة ويستسعى في الباقي ، قال العلامة في المختلف : وليس بعيدا من الصواب ؛ لأن عتق الجزء يساوي عتق الكل في الأمور المطلوبة شرعا ، فيساويه في الحكم ، والأول هو المعتمد.

الثاني : فيما إذا تعدد الوارث ثمَّ قصر نصيب كل واحد عن قيمته ، أو قصر نصيب بعضهم ، وهذا تفريع على القول بعدم شراء بعض الوارث الواحد ، بل تكون التركة للإمام ، فعلى هذا القول لو خلف وارثين أو أكثر ، وقصرت التركة عن فك الجميع ونهضت بفك البعض ، إما لكثرة نصيبه أو لقلة قيمته ، هل تكون التركة للإمام أو يفك من نهض نصيبه بقيمته ( ويحوز الباقي؟ فيه إشكال ، منشؤه

ص: 170


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 10 - 11 من أبواب موانع الإرث.

من أن شراء الوارث مشروط بوفاء التركة بقيمته ) (1) وليس لأن الوارث مجموع الوارث ، والتركة قاصرة عن قيمة الجميع ، فلا يتحقق الشرط فينتفي المشروط ، فيكون التركة للإمام ؛ لأن اختصاص كل شي ء معين موقوف على حريته ، وليس له نصيب قبل الحرية حتى يفك به ، ولهذا إذا وفت التركة بقيمة الجميع فكوا من غير التفات الى تفاوت السهام ولا تفاوت القيمة ، فإنه لو كانت قيمة أحدهما جزء وسهمه مائة جزء ، والأخر بالعكس فكا جميعا لمجموع التركة ، من ( غير التفات الى هذا التفاوت ، فلو كان لأحدهما نصيب قبل الحرية لما جاز ذلك ، ومن وجود وارث تفي ) (2) التركة بقيمته فيشترى ويعتق ويعطى باقي التركة ، لعموم النص (3) ، واختاره فخر الدين ، قال : ولا إشكال عندي في هذه المسألة ، لأنه يجب عتق واحد لوجود المقتضي وهو وجود قريب وارث على تقدير الحرية ، فحينئذ يختص من (4) نهض نصيبه بقيمته وإلا أقرع.

تنبيه : لو امتنع المالك عن البيع ، دفع اليه الثمن وانتزع منه العبد قهرا ، ويكون ذلك كافيا في الشراء ، ولا يكفي الشراء عن العتق بعده ويتولاهما الامام ، ومع تعذره يتولاه الفقيه من باب الحسبة ، وكسبه قبل الشراء والعتق لسيده ، ولو باعه قبل شراء الامام صح البيع ويفكه الامام من الثاني (5).

قال رحمه اللّه : يفك الأبوان إجماعا ، وفي الأولاد تردد ، أظهره أنهم يفكون وهل يفك ما عدا الإباء والأولاد؟ الأظهر : لا ، وقيل : يفك كل وارث ولو كان زوجا أو زوجة ، والأول أولى.

ص: 171


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- الوسائل - الإرث ، باب 20 من موانع الإرث.
4- في « ن » : بمن.
5- في « م » : الباقي.

أقول : اختلف الأصحاب فيمن يفك من الوارث ومن لا يفك على أربعة أقوال :

الأول : الأبوان خاصة ، وهو قول سلار ، وظاهر ابني بابويه ؛ لأن الفك على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

الثاني : إضافة الأولاد إلى الأبوين ، والمراد بهم أولاد الصلب دون أولاد الأولاد ، وهو قول المفيد وابن حمزة ، وقواه ابن إدريس ، ونقله السيد المرتضى ، واختاره المصنف ، لحسنة جميل (1) عن الصادق عليه السلام الدالة على فك الأولاد.

الثالث : إضافة الأقارب إلى الأبوين والولد ، فيدخل فيه من علا من الآباء ومن سفل من الأولاد ، والإخوة والأعمام والأخوال ، وبالجملة كل وارث عدا الزوج والزوجة ، وهو اختيار العلامة وفخر الدين والشهيد وابى العباس ، والمستند رواية عبد اللّه بن طلحة (2) عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبهم.

الرابع : اضافة الزوجين إلى باقي الورثة ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والمستند صحيحة سليمان بن خالد (3) عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب.

قال رحمه اللّه : الغائب غيبة منقطعة لا يورث حتى يتحقق موته إلى آخره.

أقول : ذكر المصنف هذه المسألة في ما بعد (4) وبين وجهها بما لا يحتاج معه الى كشف.

ص: 172


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 20 من موانع الإرث حديث 4.
2- المصدر السابق حديث 5.
3- المصدر السابق ، حديث 10.
4- من كتاب الشرائع.

في الحجب

قال رحمه اللّه : الرابعة؟! أن لا يكون هناك وارث أصلا من مناسب ومسابب ، والنصف للزوج والباقي رد عليه ، وللزوجة الربع ، وهل يرد عليها؟ فيه أقوال ثلاثة : أحدها : يرد ، والأخر : لا يرد ، والثالث : يرد مع عدم الامام لا مع وجوده ، والحق انه لا يرد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

الأول : في الرد على الزوج مع فقد غيره من الوارث ، والمشهور الرد عليه (1) دون الامام حتى ادعى الشيخان والمرتضى عليه الإجماع ، ويظهر من سلار وجود الخلاف فيه ، لموثقة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام ، « قال : لا يكون الرد على زوج ولا زوجة » (2) وتعارضها (3) أخبار (4) صحاح مصرحة بالرد عليه.

ص: 173


1- في « م » و « ر 1 » : على الزوج.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من ميراث الأزواج ، حديث 8.
3- في « ن » : يؤيدها.
4- الوسائل ، كتاب الإرث ، احاديث البابين 3 - 4.

الثاني : في الرد على الزوجة ، وفيه ثلاثة أقوال نقلها المصنف :

الأول : الرد مطلقا في غيبة الامام وحضوره ، وهو قول المفيد ، وهو قول نادر قاله في آخر باب ميراث الاخوة من المقنعة ، ومستنده رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، « قال : قلت له رجل مات وترك امرأة؟ قال : المال لها ، قال : قلت امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال : المال له » (1) وحملها الشيخ على كونها قريبة له تأخذ الباقي بالقرابة.

الثاني : عدم الرد مطلقا ، وهو قول ابني بابويه وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف وفخر الدين ، لما رواه أبو بصير عن الباقر عليه السلام ، « قال : سألته عن امرأة ماتت وتركت زوجها ولا وارث لها غيره؟ قال : إذا لم يكن غيره فله المال والمرأة لها الربع وما بقي للإمام » (2).

الثالث : التفصيل وهو الرد عليها مع غيبة الإمام دون حضوره ، وهو قول محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، واستقربه الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في التحرير والإرشاد ، ووجهه الجمع بين الاخبار (3).

قال رحمه اللّه : وهل يحجب القاتل؟ فيه تردد ، والظاهر أنه لا يحجب.

أقول : منشؤه من عموم قوله تعالى ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) (4) خرج منه المماليك والكافر ، للرواية الصحيحة عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم

ص: 174


1- الوسائل ، كتاب الإرث - أبواب ميراث الأزواج. وهي رواية ابن مسكان عن أبي بصير ، قطعها في الوسائل ، فجعل قسما في باب 1. حديث 6 ، والأخر في : باب 4 ، حديث 9.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 4 من ميراث الأزواج ، حديث 8.
3- المصدر السابق ، احاديث باب 4.
4- النساء : 11.

يرثا؟ قال : لا » (1) فيبقى الباقي على العموم ، ولأنه لا يشترط في الحاجب أن يكون وارثا ، فإن الإخوة يحجبون ولا يرثون ، فكذلك القاتل يحجب وان منع من الإرث ، وهو مذهب محمد بن بابويه والحسن بن ابي عقيل ، ومن أن القاتل يشارك الكافر والمملوك في المنع من الإرث ، فيشاركهما في عدم الحجب ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، واستدل بإجماع الفرقة ، قال : ( اى كونهما ممنوعين من إرث الميت فيشتركان في عدم الحجب ) (2) بل بإجماع الأمة ، وابن مسعود خالف في ذلك ، وقد انقرض خلافه ، وبه قال المفيد وابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي اشتراط وجودهم منفصلين لا حملا تردد ، أظهره أنه شرط.

أقول : منشؤه من انتفاء علة الحجب ونفي وجوب نفقة الإخوة على الأب ، قال المفيد وابنا بابويه انما يحجب الإخوة للأب ؛ لأنهم عياله وعليه نفقتهم ، وهذه مروية (3) (4) وهي منتفية في الحمل فلا يكون حاجبا ، وعليه فتوى الأصحاب ومن عموم ( آية الحجب (5) وأصالة عدم اشتراط الانفصال ، والقائل بهذا غير معلوم ) (6).

ص: 175


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 14 من أبواب ميراث الأبوين ، حديث 1.
2- ما بين القوسين ليس في النسخ.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 10 من ميراث الأبوين والأولاد ، حديث 3.
4- في الأصل زيادة وهي : ( رواها الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام ).
5- في الأصل : أنه يحجب.
6- ما بين القوسين ليست في « م » و « ن ».

ص: 176

ميراث الأنساب

قال رحمه اللّه : ولو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت كان لأولاد الابن الثلثان ولأولاد البنت الثلث على الأظهر.

أقول : المشهور بين (1) الأصحاب أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في الميراث فلكل نصيب من يتقرب به ، فلأولاد الابن نصيب الابن ولأولاد البنت نصيب البنت ، فلو خلف ابن بنت وبنت ابن ، أخذ ابن البنت الثلث ، وأخذت بنت الابن الثلاثين هذا هو المشهور ، واستدل عليه بصحاح الأخبار ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن الصادق عليه السلام ، وصحيحة سعد بن أبي خلف (3) عن الكاظم عليه السلام ، وقال المرتضى وابن إدريس : إنهم يقتسمون مقاسمة الأولاد للصلب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا عبرة بالآباء ؛ لأن أولاد الأولاد أولاد حقيقة ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (4)

ص: 177


1- في الأصل : اتفق.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 7 من ميراث الأبوين ، حديث 4.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 7 من ميراث الأبوين ، حديث 3.
4- النساء : 23.

واجتمعت (1) الأمة على الاستدلال بهذه الآية على تحريم بنت البنت ، وقوله تعالى ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (2) واجتمعت (3) الأمة على تحريم زوجة ابن الابن وزوجة ابن البنت لهذه الآية ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : وأولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين كما يقتسم أولاد الابن ، وقيل : يقتسمون بالسوية ، وهو متروك.

أقول : القول بالسوية قول ابن البراج ، والمشهور الأول ، لعموم القرآن وهو قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (4).

قال رحمه اللّه : يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وسيفه ومصحفه ، وعليه قضاء ما عليه من صلاة وصيام ، ومن شرط اختصاصه أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي على قول مشهور ، وان يخلف الميت مالا غير ذلك.

أقول : البحث هنا في أماكن :

الأول : هل تخصيص الأكبر بالحبوة لازم للورثة على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟ ابن إدريس على الوجوب ، وهو ظاهر المصنف والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وهو مذهب الشهيد لإطلاق الروايات (5) الواردة في ذلك ، ونص المرتضى وابن الجنيد على الاستحباب ، وهو ظاهر أبي الصلاح ، واختاره العلامة في المختلف ، لأصالة عدم التخصيص.

الثاني : هل هذا التخصيص بالقيمة أو مجانا؟ قال المرتضى وابن الجنيد : هو بالقيمة ، للجمع بين قوله تعالى :

ص: 178


1- في النسخ : وأجمعت.
2- النساء : 23.
3- في النسخ : وأجمعت.
4- النساء : 11.
5- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 3 من أبواب ميراث الأبوين.

( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (1) وبين ما اجتمعت (2) عليه الطائفة من التخصيص ، ونص ابن إدريس أنه يعطى ذلك مجانا ، وهو ظاهر القائلين بالوجوب ، وهو المعتمد.

الثالث : المشهور اختصاص الحبوة بالأربعة التي ذكرها المصنف ، وهي ثياب البدن والخاتم والسيف والمصحف ، وزاد ابن الجنيد السلاح ، لرواية بشار (3) ، وفي رواية ربعي (4) عن الصادق عليه السلام إضافة الدرع والكتب والرحل والراحلة ، والمعتمد الأول ، لأصالة عدم التخصيص ، خرج المتفق عليه يبقى الباقي على أصالة المنع.

الرابع : لو تعددت أشخاص هذه الأربعة ، قال ابن الجنيد : يحبى بما كان الميت يعتاد لبسه ويديمه ، قال الشهيد : وهو حسن فيما جاء بلفظ الوحدة كالسيف والمصحف والخاتم ، وقال العلامة : يعطى واحد يتخيره الوارث ، أما الثياب فيعطى الجميع لمجيئها بلفظ الجمع المضاف وهو للعموم ، فالاقتصار على البعض على خلاف النص ، وهو المعتمد.

الخامس : هل العمامة من الثياب أم لا؟ استشكله العلامة من أن البدن هل هو اسم لهذا الهيكل المحسوس أو لما عدا الرأس؟ ومن أن العمامة هل هي من ثياب بدنه أم لا؟ واختار الشهيد دخول العمامة للعموم.

السادس : هل يشترط كونه غير سفيه ولا فاسد الاعتقاد؟ اشترط ابن إدريس وابن حمزة ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

السابع : لو تعدد الولد الأكبر قسمت الحبوة بينهم ، وهو المشهور بين

ص: 179


1- النساء : 11.
2- في النسخ : أجمعت.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من ميراث الأبوين - وليس فيه رواية لبشار والمظنون كونها تصحيف ( بن بشار ) وهي ذات رقم 6.
4- المصدر السابق ، حديث 1 و 2.

الأصحاب ، وأسقط ابن حمزة الحبوة لأنه اشترط عدم وجود آخر في سنه.

الثامن : هل يشترط بلوغ الأكبر حالة الموت أم لا؟ ظاهر ابن إدريس وابن حمزة اشتراطه ، والروايات (1) وأكثر فتاوى الأصحاب مطلقة.

التاسع : هل يشترط هذه الحبوة بقضاء الفائت من الصلاة والصيام بحيث يمنع من الإخلال بذلك ، أو الحبوة له والقضاء واجب عليه ، وليس أحدهما مشروطا بالآخر؟ ابن حمزة على الأول ؛ لأنه جعل قضاء الصلاة والصيام شرطا خامسا وظاهر الروايات (2) وفتاوى الأصحاب وجوب القضاء وإن لم يكن حبوة ، واستحقاق الحبوة وإن لم يكن على الميت قضاء صلاة ولا صيام ، وهو المعتمد.

العاشر : الحبوة انما تكون بعد الدين والوصايا ، فلو كان الدين مستغرقا فلا حبوة ، ولو لم يكن مستغرقا لم يجز بيعها في الدين ، ولا يجوز دفع العين الى الديان ، بل يقضى الدين من غيرها ، ولو أبرأ صاحب الدين المستوعب الميت أو قضاه متبرع تعينت الحبوة ، لحصول الميراث.

الحادي عشر : لو أوصى بالأعيان المشخصة للحبوة نفذت الوصية فيها (3) ، فان خرجت من الثلث والا افتقرت إلى إجازة الأكبر خاصة.

الثاني عشر : لا بد أن يخلف الميت مالا غير قدر الحبوة وإن قل.

قال رحمه اللّه : إذا ترك جد أبيه ، وجدته لأبيه ، وجده وجدته لأمه ، ومثلهم للام ، كان لأجدادها الثلث بينهم أرباعا ، ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا ، ثلثا ذلك لجده وجدته لأبيه ، بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الآخر

ص: 180


1- المصدر السابق.
2- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 12 من أبواب قضاء الصلوات - وكتاب الصوم ، الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ، وكتاب الإرث ، باب 3 من ميراث الأبوين.
3- في « م » : منها.

لجده وجدته لأمه أثلاثا على ما ذكره الشيخ رحمه اللّه ، فيكون أصل الفريضة ثلاثة ، تنكسر على الفريقين ، فتضرب أربعة في تسعة ، ثمَّ تضرب الجميع في ثلاثة فتكون مائة وثمانية.

أقول : للميت في الدرجة الأولى أربعة أجداد ، وفي الثانية ثمانية ، وفي الثالثة ستة عشر ، فاذا مات عن ثمانية أجداد كان لأجداد الأم الثلث بينهم أرباعا ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا كما فرضه المصنف وقاله الشيخ رحمه اللّه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وانما كان أصله ثلاثة ؛ لأن فيها ثلاثا وثلاثين ( وقد تبين ان مخرج المفرد المكرر سميه فهو من ثلاثة ) (1) ولا شك في انكسارها على الفريقين ، فتضرب أقل عدد ينقسم على أجداد الأم - وهو أربعة - في أقل عدد ينقسم على أجداد الأب وهو تسعة ، ثمَّ المجتمع في أصل الفريضة يبلغ العدد المذكور ، فيحصل لكل من أجداد الأم الأربعة تسعة ، ولجدي الام (2) للأب (3) أربع وعشرون بينهما أثلاثا ولجدي (4) أب الأب ثمانية وأربعون بينهما أثلاثا ، وقال معين الدين المصري رحمه اللّه : ثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية ، وثلثاه لأبوي أب الأم بالسوية ، وثلث الثلاثين لأبوي أم الأب بالسوية ، وثلثاهما لأبوي أبيه أثلاثا ، فسهام قرابة الأم ستة ، وسهام قرابة الأب ثمانية عشر ؛ لأنه أقل عدد ينقسم عليهم فيلغي أقل العددين ، لدخوله تحت الأكثر ، ويضرب الأكثر في أصل الفريضة تبلغ أربعة وخمسين ، ومنها تصح ، وقيل : ثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية ، وثلثاه لأبوي أب الأم أثلاثا ، فتصح أيضا من أربعة وخمسين ، والمعتمد الأول.

ص: 181


1- ما بين القوسين ليس في النسخ.
2- في النسخ : أم.
3- في « ر 1 » : الأب.
4- في « ن » : لأبوي.

قال رحمه اللّه : ولو اجتمع عم الأب وعمته ، وخاله وخالته ، وعم الأم وعمتها ، وخالها وخالتها ، قال في النهاية : كان لمن يتقرب بالأم الثلث بينهم بالسوية ، ولمن تقرب بالأب الثلثان ، ثلثه لخال الأب وخالته بينهما بالسوية ، وثلثاه بين العم والعمة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون أصل الفريضة ثلاثة تنكسر على الفريقين فتضرب أربعة في تسعة فتصير ستة وثلاثين ، ثمَّ تضربها في ثلاثة فتصير مائة وثمانية.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية ، وهو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن قرابة الأم يأخذ الذكر منهم مثل حظ الأنثى ، فالميراث بينهم بالسوية ، قال العلامة في القواعد : ويحتمل أن يكون لعم الام وعمتها ثلثا سهم الأم (1) بالسوية ، وثلثه لخالها وخالتها بالسوية ، ووجهه أن الأعمام والأخوال لو اجتمعوا كان للأعمام الثلثان ، وللأخوال الثلث ، وقد اجتمع أعمام الأم وأخوالها ، بالنسبة إلى الثلث فيقتسمون كذلك ، وهو ضعيف ؛ لأنهم جميعا يرثون الميت من جهة الأم ، فيشتركون بالسوية ، فعلى الأول يصح من مائة وثمانية ؛ لأن أصلها ثلاثة ، وأقل عدد ينقسم على أقرباء ( الأم أربعة وأقل عدد ينقسم على أقرباء ) (2) الأب ثمانية عشر ، وبينهما موافقة بالنصف ، فتضرب أربعة في تسعة ، ثمَّ المجتمع في ثلاثة يبلغ العدد المذكور ، وعلى الثاني تصح من أربعة وخمسين.

قال رحمه اللّه : إذا كان للزوجة من الميت ولد ، ورثت من جميع ما يترك ، ولو لم يكن لها ولد لم ترث من الأرض شيئا ، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والابنية ، وقيل : لا تمنع إلا من الدور والمساكن ، وخرج المرتضى رحمه اللّه قولا ثالثا وهو : تقويم الأرض وتسليم حصتها من القيمة ، والقول الأول أظهر.

ص: 182


1- في النسخ : الثلث.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال.

الأول : حرمانها من الأرض ، واستحقاقها من قيمة الآلات والابنية ، وهو المشهور واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

الثاني : حرمانها من أرض الدور خاصة دون أرض البساتين والضياع ، وتعطى قيمة آلات الدور وأبنيتها ، وهو قول ابن إدريس.

الثالث : قد ذكر المصنف قائله وهو المرتضى ، وابن الجنيد لم يحرمها من شي ء ، وقد سبقه الإجماع وتأخر عنه ، واستدلوا بالنصوص (1) الواردة عن أئمتهم عليهم السلام ، والحكمة في ذلك مذكورة في النصوص وعبارات الأصحاب ، وهو تطرق الضرر على أقرباء الميت ، إذا لا حجر لهم عليها بالتزويج فربما تزوجت بمن كان منافسا للميت وعدوا له فيثقل ذلك على أهله وعترته ، فعدل بها عن ذلك الى أجمل الوجوه ، وروى حماد بن عثمان ، عن ابي عبد اللّه عليه السلام : « انما جعل للمرأة قيمة الخشب لئلا تتزوج فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم » (2) ومثلها رواية محمد بن مسلم (3) ، عن أبي عبد اللّه عليهم السلام ، والمفيد والمرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس لم يخصوا (4) الحرمان بغير ذات الولد بل أطلقوا ، وابن إدريس صرح بحرمان ذات الولد كغيرها ، والمعتمد اختصاصه بغير ذات الولد ، وهو مذهب الشيخ ( في النهاية وأكثر ) (5) أصحابنا.

تنبيه : فتاوي أصحابنا ورواياتهم(6) مطلقة باستحقاق قيمة الأشجار

ص: 183


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، أحاديث باب 6 من أبواب ميراث الأزواج.
2- المصدر السابق ، حديث 9.
3- المصدر السابق ، حديث 7.
4- في « م » : يحصروا.
5- في النسخ بدل ما بين القوسين : متأخري.
6- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 6 من أبواب ميراث الأزواج.

والابنية والآلات ، ولم يذكروا كيفية التقويم ، والذي يدل عليه أصول المذهب وإطلاق الفتاوى والروايات استحقاق قيمة هذه الأشياء على الصفة التي هي عليها حالة الموت فتقوم قائمة مستحقة للبقاء حتى تستقلع الأشجار وينهدم البنيان ؛ لان الموت موجب لاستحقاق القيمة وهي على هذه الصفة ، فتكون مستحقة لها ، ولا يقوم على تقدير كونها مقلوعة ؛ لأنها لو كانت مقلوعة لاستحقه (1) العين إجماعا ، وانما تستحق القيمة لكونها قائمة ، وإذا علق الاستحقاق على وصف لم يجز أن يعطى المستحق على تقدير زواله ، والا لحصلت المناقضة ، فتقوم على الصفة التي هي علة الاستحقاق.

إذا عرفت هذا فلك في التقويم طريقان : أحدهما : أن تقوم هذه الأرض على تقدير خلوها من الأشجار ما تسوى فاذا قيل : عشرة مثلا ، قومت مضافة إلى الأشجار ، فإذا قيل : عشرون مثلا ، كانت شريكة في العشرة الزائدة ( وكذلك الرباع تقوم العرصة خالية من البناء ثمَّ تقوم مضافة إليه وتشارك في الزيادة ) (2) كما قلناه ، والثاني تقوم هذه الأشجار غروسا في الأرض مستحقة للبقاء الى حين تستقطع (3) ، والأبنية مستحقة للبقاء الى حين تستهدم ، من غير التفات إلى قيمة الأرض ، ثمَّ تأخذ حصتها من هذه القيمة.

فروع : الأول : يدخل قيمة الابنية والأشجار في ملك الزوجة قهرا كسائر المواريث ، وانما يعتبر القيمة حالة الموت ؛ لأنها التي تستحقها (4) بالموت ، ولا عبرة بالزيادة والنقصان بعد ذلك وإن تأخر التقويم.

الثاني : لو نمت هذه الأشجار قبل التقويم كان النماء للورثة دون الزوجة ؛

ص: 184


1- كذا.
2- ما بين القوسين ليس في « م ».
3- في « م » : تستقلع.
4- في النسخ : استحقتها.

لأن النماء تابع للأصل ، وهي لم تستحق في عين الأصل شيئا.

الثالث : لو باع الورثة هذه الابنية والآلات قبل التقويم صح البيع ، فان دفعوا حصتها إليها ، والا كان لها فسخه لتعلق حقها بالمبيع.

الرابع : هذه القيمة مستحقة من التركة وليس(1) متعلقه في ذمة الورثة ، ولو غصبت التركة من غير تفريط من الورثة لم يضمنوا لها ، فان عادت التركة عاد حقها.

الخامس : ولو دفعوا إليها حصتها من العين احتمل وجوب القبول ؛ لأن حقها متعلق بالعين ، وانما جاز للورثة دفع القيمة للإرفاق بهم ، فاذا تركوا هذا الإرفاق وجب عليها قبول العين ، ويحتمل العدم ؛ لأنها استحقت من تركة الميت قيمة هذه الأشياء دون أعيانها فلا يجب عليها قبول ما ليس بحق لها وهو أقرب.

السادس : لو كان لها شريكة ذات ولد أخذتا ثمن مجموع التركة ، واختصت ذات الولد بما منعت غير ذات الولد ، ودفعت إليها قيمة الأبنية والأشجار ، وليس للورثة ذلك لخروج مجموع الثمن عنهم.

السابع : أجرى الشهيد ولد ولد الزوجة إذا كان وارثا ، مجرى الولد في استحقاق الجدة من جميع التركة كاستحقاق أم الولد ، قال : ولو لم يكن وارثا كما لو كان هناك ولد للصلب ففيه نظر ، من صدق الولد ، ومن عدم إرثه ، فتبقى علة المنع موجودة وهي إدخال المرأة عليهم من يكرهونه ، ولو منع الولد من الصلب من الإرث لكونه قاتلا أو كافر احتمل الوجهان.

ص: 185


1- في « ر 1 » : وليست.

ص: 186

في الميراث بالولاء

قال رحمه اللّه : إنما يرث المنعم إذا كان متبرعا ، ولم يتبرأ من ضمان جريرته ولم يكن للمعتق وارثا مناسب ، فلو أعتق في واجب ، كالكفارات والنذور ، لم يثبت للمنعم ميراث ، وكذا لو تبرع واشترط سقوط الضمان ، وهل يشترط في سقوطه الإشهاد بالبراءة؟ الوجه لا.

أقول : إذا اشترط المعتق المتبرع بالعتق سقوط ضمان الجريرة كان ذلك مسقطا للولاية بإجماع الإمامية ، وهل يشترط في سقوط الولاء الإشهاد بالبراءة؟ ظاهر الشيخ ومحمد بن بابويه وجماعة من الأصحاب الاشتراط ، لما رواه ابن سنان عن الصادق عليه السلام ، « قال : من أعتق رجلا سابية فليس عليه من جريرته شي ء ، وليس له من الميراث شي ء وليشهد على ذلك » (1) وعن أبي الربيع ، « قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن السابية؟ فقال الرجل يعتق غلامه ، ويقول : اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي ء ، ولا علي من

ص: 187


1- الوسائل ، كتاب العتق ، باب 43 ، حديث 4.

جريرتك شي ء ، ويشهد على ذلك شاهدين » (1) وابن الجنيد لم يشترط الاشهاد واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لأن المراد بالإشهاد في جميع العقود عدا الطلاق ثبوتها عند الحاكم ، لا وقوعها في نفسها ، ولأصالة عدم الاشتراط وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو عدم المنعم ، قال ابن بابويه : يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث ، وهو حسن ، ومثله في الخلاف لو كان رجلا ، وقال المفيد رحمه اللّه : الولاء للأولاد الذكور دون الإناث ، ورجلا كان المنعم أو امرأة ، وقال الشيخ رحمه اللّه في النهاية : يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ، ولو كانت امرأة كان الولاء لعصبتها ، وبقوله رحمه اللّه تشهد الروايات.

أقول : إذا مات المنعم - وهو المعتق - الى من ينتقل الولاء بعده؟ للأصحاب فيه خمسة أقوال :

الأول : انتقاله إلى الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا ، كسائر المتروكات ، وهو قول محمد بن بابويه محتجا بقوله عليه السلام « الولاء لحمة كلحمة النسب » (2) ، واستحسنه المصنف.

الثاني : الاعتماد على هذا القول إن كان المنعم ذكرا ، وإن كان امرأة فالى عصبتها دون أولادها ، وهو قول الشيخ في الخلاف.

الثالث : انه للأولاد الذكور دون الإناث ، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، وهو قول المفيد.

الرابع : التفصيل المنقول عن الشيخ في النهاية ، وهو أنه للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ، وإن كان امرأة فهو لعصبتها ، وهو المشهور بين الأصحاب.

ص: 188


1- المصدر السابق ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، باب 42 ، حديث 6.

الخامس : انتقاله إلى العاقلة الذين يكون عليهم الدية إذا قتل خطأ ، ومستند الجميع الروايات (1).

والمعتمد مذهب النهاية ؛ لأنه أشهر في الروايات ، وأظهر بين الأصحاب ، وهو بعينه مذهب الخلاف لكن الأصحاب ذكروهما قولين فذكرنا هما كذلك.

قال رحمه اللّه : ومع عدم الأبوين والولد يرثه الاخوة ، وهل ترثه الأخوات؟ على تردد أظهره نعم ؛ لأن للولاء لحمة كلحمة النسب.

أقول : هذه المسألة فرع على التي قبلها ، فإن قلنا : إن الولاء ينتقل الى الذكور والإناث ممن يرث تركة المنعم انتقل إلى الإخوة والأخوات مع فقد الآباء والأولاد ، وان خصصنا به الذكور من الأولاد خصصنا به الاخوة دون الأخوات ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، قال : ولا يثبت الولاء لامرأة على رأي إلا إذا باشرت العتق ، فلها الولاء عليه ، وعلى أحفاده ، وعتيقه ، وعتيق عتيقه ، وهذا اختيار الشيخ في النهاية وابن البراج ، واختاره فخر الدين ، فعلى هذا لا ينتقل الولاء إلى المرأة ، سواء كانت أم المنعم أو ابنته أو عمته أو خالته.

قال رحمه اللّه : إذا أولد العبد من معتقة ابنا فولاء الابن المعتق أمه ، فلو اشترى الابن عبدا فأعتقه كان ولاؤه له ، فلو اشترى معتقه أب المنعم فأعتقه انجرّ الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب ، وكان كل واحد منهما مولى الأخر ، فلو مات الأب فميراثه لابنه ، وإن مات الابن ولا مناسب له فميراثه [ فولاؤه ] لمعتق أبيه وان مات المعتق ولا مناسب له فولاؤه للابن الذي باشر عتقه ، ولو ماتا ولم يكن لهما مناسب ، قال الشيخ : يرجع الولاء الى مولى الام ، وفيه تردد.

أقول : هذا قول الشيخ رحمه اللّه في المبسوط ؛ لأن « الولاء لحمة كلحمة

ص: 189


1- المصدر المتقدم ، باب 39 - 40 - 42 - 43 ، والباب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق.

النسب » ومعنى انجراره من مولى الأم (1) إلى مولى الأب ، صيرورة مولى الأب أولى من مولى الام ، ولا يزول الولاء عن مولى الام ، كما لا يزول النسب بوجود (2) أولى منه ، وتردد المصنف في ذلك ؛ لأنهم فسروا الانجرار بانقطاع ولاء مولى الام (3) وزواله من حين عتق الأب ، وإذا حكم بانقطاعه وزواله فلا وجه لعوده اليه ، بل يكون الميراث للإمام ، وهو مذهب العلامة وابنه وهو المعتمد.

ص: 190


1- في « ر 1 » : الإمام.
2- في الأصل : لوجود.
3- في « ر 1 » : الامام.

في ميراث ولد الملاعنة

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن ولد كان الميراث لامه ، الثلث بالتسمية والباقي بالرد ، وفي رواية ترث الثلث ، والباقي للإمام ؛ لأنه الذي يعقل عنه ، والأول أشهر.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام ، قال : « قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنه ترث أمه الثلث ، والباقي للإمام ؛ لأن جنايته على الامام » (1) ومثلها رواية أبي عبيدة (2) عن الباقر عليه السلام أيضا ، وبمضمون الرواية أفتى ابن الجنيد ، والمشهور عدم إرث الإمام مع وجود الأم ؛ لأنها وارثة ، وإرث الإمام مشروط بعدم المناسب ولهم عليه روايات (3) كثيرة.

قال رحمه اللّه : وهل يرث قرابة أمه؟ قيل : نعم ، لأن نسبه من الام ثابت وقيل : لا يرث إلا أن يعترف به الأب ، وهو متروك.

ص: 191


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 3 من أبواب ميراث ولد الملاعنة : حديث 4.
2- المصدر السابق ، حديث 3.
3- المصدر السابق ، احاديث باب 1.

أقول : ذهب الشيخ في الاستبصار الى أن ولد الملاعنة لا يرث أخواله ، بل هم يرثونه ، لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام في حديث طويل الى أن قال : « أما الولد فإني أرده اليه إن ادعاه ، ولا ادع ولده وليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن بل يكون ميراثه لأخواله ، فان لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم » (1) وذهب في التهذيب إلى أنه يرثهم ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ؛ لأن نسبه من الام ثابت ، فهم كالاخوة منها ، ولرواية زيد الشحام عن الصادق عليه السلام ، « قال : وهو يرث أخواله » (2).

قال رحمه اللّه : ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به ، فان اعترف به بعد اللعان ورث هو أباه ولا يرثه الأب ، وهل يرث أقارب أبيه مع الاعتراف؟ قيل : نعم ، والوجه أنه لا يرثهم [ ولا يرثونه ] ، لانقطاع النسب باللعان ، واختصاص حكم الإقرار بالمقر حسب.

أقول : قال أبو الصلاح : يرث الابن قرابة أبيه إذا أكذب الأب نفسه ، وقواه ابن إدريس ، قال : لأنه إذا أقربه حكم عليه بأنه ابنه الا ما أخرجه الدليل ؛ لأن الإقرار بمنزلة البينة بل أقوى ، والمشهور عدم إرثه لقرابة أبيه ، لانقطاع النسب باللعان وانما ورث أباه لاعترافه به ، وإقراره بنسبة ، وإقرار الإنسان على نفس (3) لا ينفذ على غيره ، فلا يرث قرابة أبيه ولا يرثونه ، قال العلامة في القواعد : ولو قيل : إن اعترفوا به وكذبوا الأب في اللعان يرثونه كان وجها ، وقواه فخر الدين ، لحصول الإقرار بالنسب من الأب وأقاربه ، قال الشهيد : وهو نادر ، مع أن الشرع حكم بانقطاع النسب فكيف يعود؟.

ص: 192


1- المصدر السابق ، باب 4 ، حديث 7.
2- المصدر السابق ، حديث 3 إلا أن فيه ( يوارث ) بدل ( يرث ).
3- كذا.

ميراث ولد الزنا

قال رحمه اللّه : واما ولد الزنا فلا نسب له ، ولا يرثه الزاني ولا التي ولدته ، ولا أحد من أنسابها ، ولا يرثهم هو ، وميراثه لولده ومع عدمهم للإمام ، ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأدنى مع الولد ، والأعلى مع عدمه ، وفي رواية : ترثه أمه ومن يتقرب بها مثل ابن الملاعنة ، وهي مطروحة.

أقول : ولد الزنا لا يرثه أبوه ولا من يتقرب به إجماعا ، وهل ترثه أمه ومن يتقرب بها؟ المشهور : لا ، لانتفاء النسب الشرعي ، ولدلالة الأخبار الصحاح على عدم التوارث بينهما ، كخبر عبد اللّه بن سنان (1) عن الصادق عليه السلام ، وخبر زيد الشحام عنه ، وعن الباقر عليه السلام ، « ان عليا عليه السلام كان يقول : ولد الزنا وابن الملاعنة يرثه أمه وإخوته لأمه أو عصبتها » (2) والمعتمد الأول.

ص: 193


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة ، حديث 3 و 4.
2- المصدر السابق ، حديث 9.

ص: 194

ميراث الخنثى

قال رحمه اللّه : في ميراث الخنثى من له فرج الرجال والنساء يرث على الفرج الذي يسبق منه البول ، فإن جاء منهما اعتبر الذي ينقطع منه أخيرا ، فيورث عليه. فان تساويا في السبق والتأخر ، قال في الخلاف : يعمل فيه بالقرعة محتجا بالإجماع والأخبار ، وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط : يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة ، وعليه دلت رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قضاء علي عليه الصلاة والسلام ، وقال المفيد والمرتضى رحمهما اللّه : تعدّ أضلاعه ، فإن استوى جنباه فهو امرأة ، وان اختلفا فهو ذكر ، وهي رواية شريح القاضي حكاية لفعل علي عليه السلام ، واحتجا بالإجماع ، والرواية ضعيفة والإجماع لم يتحقق.

أقول : الخنثى من له فرج النساء وفرج الرجال ، وأحدهما أصل والآخر زائد ، فهو إما ذكر وإما أنثى ويستحيل اجتماعهما ، فاذا اتفق ذلك ورث على الأصل منهما وألغي الزائد ، وكان حكمه حكم غيره من الزوائد على أصل الخلقة ، كالإصبع الزائدة وما شاكل ذلك ، فان عرف الأصل من الزائد فلا بحث ، وإن

ص: 195

اشتبه الأصلي منهما بالزائد اعتبر الفرج الذي يسبق منه البول ، فان سبق من أحدهما ورث عليه ، لاتفاق الأصحاب ، وإن خرج منهما دفعة اعتبر بالانقطاع ، فأيهما انقطع منه أخيرا فهو الأصلي ولا اشتباه حينئذ ، وإن تساويا أخذا وانقطاعا تحقق الاشتباه ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وهو قول الشيخين وسلار وابن حمزة (1) وابن إدريس والمصنف والعلامة والشهيد ، وادعى ابن إدريس عدم الخلاف فيه بين الأصحاب.

وأما ابنا بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد فجعلوا الاشكال بعد تساويهما في الأخذ ولم يعتبروا الانقطاع ، والأول هو المعتمد ، فاذا تحقق الاشكال فيه ففيه ثلاثة أقوال نقلها المصنف :

الأول : العمل بالقرعة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، محتجا بالإجماع والاخبار ؛ لأنه أمر مشكل ، وقال الصادق عليه السلام : « كل مشكل فيه القرعة » (2) وصورتها أن يكتب في رقعة ( عبد اللّه ) وفي أخرى ( أمة اللّه ) ، وتقول ما رواه الفضل بن يسار عن الصادق عليه السلام : « اللّهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في كتابك » (3) ثمَّ يورث على ما يخرج.

الثاني : قول الشيخ في النهاية والمبسوط والإيجاز ، وهو أن يعطى نصف

ص: 196


1- من « ر 1 ».
2- المستدرك ، كتاب القضاء ، باب 11 من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث 1 ، ولم أجده بلفظه.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، حديث 2 وفيه ( الفضيل ) بدل ( الفضل ).

ميراث رجل ونصف ميراث امرأة ، وهو المشهور بين (1) الأصحاب ، لما رواه هشام بن سالم (2) في الموثق عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب.

الثالث قول المفيد والمرتضى وابن إدريس ، قالوا : تعد أضلاعه ، فإن استوى جنباه فهو امراة ، وإن اختلفا فهو ذكر ، واستدلوا عليه بفعل علي عليه السلام : في المرأة التي جاءت الى شريح (3) ، ولما روى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر ، فصار الرجال أقل من النساء (4) ، والمعتمد ما هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب النهاية.

قال رحمه اللّه : ولو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين ، قيل : يكون للذكر أربعة أسهم وللخنثى ثلاثة ، ولو كان معهما أنثى كان لها سهمان ، وقيل : بل تقسم الفريضة مرتين ، وتفرض في مرة ذكر وفي أخرى أنثى ، ويعطى نصف النصيبين.

أقول : اختلف الفقهاء القائلون باستحقاقه نصف النصيبين ، في كيفية توريث الخنثى إذا اجتمع مع الذكور والإناث ، قال بعضهم : يجعل للأنثى سهمين ، وللخنثى ثلاثة ، وللذكر أربعة ؛ لأنا نجعل للأنثى أقل عدد له نصف وهو اثنان ، وللذكر ضعف ذلك أربعة ، وللخنثى نصفهما ثلاثة المجموع تسعة.

وقال آخرون : يجعل مرة ذكرا ومرة أنثى ، وتقسم الفريضة على هذا مرة ، وعلى هذا أخرى ، ثمَّ يعطى نصف النصيبين.

وهذه القسمة توافق الاولى في بعض المواضع ، وتخالفها في البعض ، كما لو اجتمع خنثى وذكر وأنثى ، فعلى القسمة الأولى تصح من تسعة للخنثى الثلث ثلاثة ، وعلى القسمة الثانية ، مسألة الذكورية من خمسة ، والانثوية من أربعة ،

ص: 197


1- في « م » و « ر 1 » : عند.
2- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 4 من أبواب ميراث الخنثى ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 3.
4- المصدر السابق.

وبينهما تباين ، فيضرب أحدهما في الأخرى تبلغ عشرين للخنثى ، على تقدير كونها ذكرا ثمانية ، وعلى تقدير كونها أنثى خمسة ، وليس للمجموع نصف صحيح فتضرب اثنين مخرج النصف في عشرين تبلغ أربعين ومنها تصح الفريضة ، فيحصل لها ثلاثة عشر سهما وهي دون ثلث الأربعين بثلث سهم ، فحصل التفاوت بين القسمين.

ولو جامع الخنثى ذكر فقط فعلى القسمة الأولى الفريضة من سبعة ، للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة ، وعلى القسمة الثانية الفريضة ، من اثنى عشر ، للذكر سبعة وللخنثى خمسة ، ولو جامع الخنثى أنثى فقط ، فعل الأولى الفريضة من خمسة ، وعلى الثانية من اثنى عشر أيضا.

قال رحمه اللّه : وفي كون الإباء والأجداد خناثى بعد ؛ لأن الولادة تنكشف عن حال الخنثى الا أن يبني على ما روي عن شريح في المرأة التي ولدت وأولدت ، [ و] قال الشيخ رحمه اللّه ولو كان الخنثى زوجا أو زوجة كان له نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ولا يتقدر في الخنثى أن يكون أبا أو أما ؛ لأنه متى كان أبا كان ذكرا بيقين ، ومتى كان أما كان أنثى بيقين ، ويتقدر أن يكون زوجا أو زوجة على ما روي في بعض الاخبار (1) ، فله نصف ميراث الزوج ونصف ميراث الزوجة.

قلت : كون الخنثى زوجا أو زوجة أبعد من كونه أما أو أبا ؛ لأن كونه أبا أو أما قد يتفق بوطي الشبهة ، أما كونه زوجا أو زوجة فإنه يتوقف على العقد الصحيح ، مع أنه لا يصح تزويج الخنثى ما دام مشكلا ، لا برجل لاحتمال كونه رجلا ، ولا بامرأة لاحتمال كونه امرأة.

ص: 198


1- المصدر السابق ، حديث 5 ، لاحظ الجواهر ، ج 39 ص 292 آخر الصفحة وما بعده.

وأبعد منه إرثه نصف نصيب الزوج ونصف نصيب الزوجة ؛ لأنه إن تزوج أنثى فلا يتقدر كونه زوجة ، وإن تزوج رجلا لا يتقدر كونه زوجا ، وانما يتقدر ذلك لو تزوج خنثى مثله ، وقلنا بصحته ، مع أنا لا نقول بصحة تزويجه مطلقا ما دام مشكلا.

والرواية التي أشار إليها المصنف هي ما رواه الشيخ رحمه اللّه عن أبي الحسين قال : حدثني محمد بن الكاتب ، عن علي بن عبد اللّه بن معاوية ابن ميسرة بن شريح ، « قال ميسرة : قدمت الى شريح امرأة فقالت : إني جئتك مخاصمة ، فقال : واين خصمك ، فقالت : أنت خصمي ، فأخلا لها المجلس وقال : تكلمي ، فقالت : إني امرأة لي إحليل ولي فرج ، فقال : قد كان لأمير المؤمنين عليه السلام في هذه قضية وورث من حيث جاء البول ، فقالت : إنه يجي ء منهما جميعا ، فقال من أين سبق البول؟ فقالت : ليس منهما شي ء يسبق ، يجيئان في وقت واحد وينقطعان كذلك ، فقال : إنك لتخبرين بعجب ، فقالت : أخبرك بما هو أعجب من هذا ، تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادما فوطئتها فأولدتها ، وإنما جئتك لمّا ولد لي لتفرق بيني وبين زوجي ، فقام من مجلس القضاء ودخل على علي عليه السلام وأخبره بما قالت المرأة ، فأمر بها فأدخلت وسألها عما قال القاضي ، فقالت : هو الذي أخبرك به ، قال : فاحضر زوجها ابن عمها وأخبره بما قالت المرأة فأمر بها فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هذه امرأتك ابنة عمك؟ قال : نعم ، قال : قد علمت ما كان؟ قال : نعم ، قد أخدمتها خادما فوطئتها فأولدتها ، قال : ثمَّ وطأتها بعد ذلك؟ قال : نعم ، قال له علي عليه السلام : لأنت أجرأ من خاصي الأسد ، علي بدينار الخادم وكان معدولا وبامرأتين فأوتى بهم ، فقال : خذوا هذه المرأة ، إن كانت امرأة فأدخلوها بيتا وألبسوها ثيابا وجردوها من ثيابها ، وعدوا أضلاع جنبيها ، ففعلوا ذلك ثمَّ خرجوا اليه فقالوا عددنا الجنب الأيسر

ص: 199

إحدى عشر ضلعا ، والجنب الأيمن إثنا عشر ضلعا ، فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر ايتوني بحجام ، فأخذ من شعرها وأعطاها رداء وحذاء ، وألحقها بالرجال ، فقال الزوج : يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال ، ممن أخذت هذه القضية؟ قال : إني ورثتها من أبي آدم عليه السلام ، وحواء خلقت من ضلع آدم ، فاضلاع الرجل أقل من أضلاع النساء بضلع ، وعدد أضلاعها أضلاع رجل فأمر بهم فأخرجوها ».

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه : لو كان للميت ابن موجود وحمل ، أعطي الموجود الثلث ووقف للحمل الثلثان ؛ لأنه الأغلب في الكثرة ، وما زاد نادر ، ولو كان الموجود أنثى أعطيت الخمس حتى يتبين الحمل ، وهو حسن.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا اعلم فيه خلافا ، وانما نسب القول الى الشيخ لخلوه عن خبر ناطق به.

ص: 200

في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق مما يحصل معه الاشتباه تردد.

أقول : إذا اشتبه تقدم موت أحد بسبب غير الهدم والغرق ، كالقتل والحريق وأكل السبع ، هل يحصل بينهما توارث أم لا؟ نص ابن حمزة وأبو الصلاح على التوارث كالغرق والهدم ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف (1) ، وقصره المفيد على الغرق والهدم ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وبه قال فخر الدين وأبو العباس في المقتصر ، وتردد المصنف ومنشؤه من الاشتراك في العلة ، وهي الاشتباه ( فيجب الاشتراك ) (2) في الحكم ، ومن أن الأصل اشتراط الإرث بحياة الوارث بعد موت الموروث ، وهو هنا مجهول ولا يجوز الحكم بالمشروط مع الجهل بالشرط ،

ص: 201


1- في النسخ : القواعد.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

ترك العمل بذلك في الغرقى والمهدوم عليهم للنص (1) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : فمع حصول الشرائط يرث بعضهم من بعض ، ولا يرث الثاني مما ورث منه ، وقال المفيد رحمه اللّه : يرث مما ورث منه ، والأول أصح.

أقول : إذا ورث أحدهما من صاحبه ثمَّ أردنا توريث الأخر ، هل يورثه من أصل مال الأخر دون من ورث من صاحبه ، أو يورثه منهما جميعا؟ فالشيخ وأبو الصلاح وابن أبي عقيل وابن حمزة وابن الجنيد وابن البراج على الأول ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لما قاله المصنف ، وهو انما نفرض الممكن ، والتوريث مما ورث منه يستدعي الحياة بعد الموت ، وهو غير ممكن.

فان قيل : هذا وارد على كل واحد من التقديرين ؛ لأنك تفرض موت أحدهما وتورث الأخر منه ، ثمَّ تفرض موت الثاني وتورث منه من فرضت موته أولا ، فقد لزم منه فرض الحياة بعد الموت ، وهو محال.

قلنا : أجيب بالفرق بين التقديرين ، وذلك ظاهر ؛ لأنا إذا فرضنا موت أحدهما وحياة الأخر ، وورثنا الأخر منه قطعنا النظر عن هذا الفرض ، ثمَّ نفرض موت الآخر وحياة الأول كانا لم نفرض موت الأخر ، ولم نجعل (2) للثاني منه ميراثا ، بخلاف ما إذا ورثنا الأول من الثاني مما كان قد ورث الثاني من الأول ، فإنه يلزم منه فرض موت الأول وحياته في حالة واحدة ، وهو محال واحتجوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام : « في أخوين ماتا لأحدهما مائة ألف درهم ، والأخر ليس له شي ء فركبا في السفينة

ص: 202


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 1 - من أبواب ميراث الغرقى. ويلاحظ أحاديث باب 5 أيضا.
2- في « م » و « ر 1 » : يحصل.

فغرقا ، ولم يدر أيهما مات أو لا؟ قال : الميراث لورثة الذي ليس له شي ء » (1) ، وقال المفيد رحمه اللّه وسلار : يرث منهما جميعا لوجوب تقديم الضعيف في التوريث ، ولو لا القول بوجوب التوارث مما ورث من صاحبه لم يكن للتقديم مزية.

قال رحمه اللّه : وفي وجوب تقديم الأضعف في التواريث تردد ، قال في الإيجاز : لا يجب ، وفي المبسوط : لا يتغير [ يتعين ] به حكم غير أنا نتبع الأثر في ذلك ، وعلى قول المفيد رحمه اللّه تظهر فائدة التقديم ، وما ذكره في الإيجاز أشبه بالصواب.

أقول : هل يجب فرض موت الأكثر نصيبا أو لا أو يورث الأضعف نصيبا أولا أو لا يجب ذلك؟ قال المفيد وسلار وابن إدريس بوجوب توريث الأضعف نصيبا أولا ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، لرواية عبيد بن زرارة ، « قال : سألت الباقر عليه السلام عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت؟ فقال : يورث المرأة من الرجل ، ثمَّ الرجل من المرأة » (2) ، ولأنه أحوط ، وعدم الوجوب مذهب الشيخ في الخلاف والإيجاز ، وهو ظاهر ابي الصلاح وابن زهرة واختاره المصنف والعلامة ، لأصالة براءة الذمة ، ولا ثمرة من تحقيقه الا على قول المفيد ، والمعتمد خلافه (3).

ص: 203


1- المصدر السابق ، باب 2 ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، باب 6 ، حديث 2.
3- في الأصل : وهو المعتمد.

ص: 204

في ميراث المجوس

قال رحمه اللّه : في ميراث المجوس : المجوسي قد ينكح المحرمات بشبهة دينه ، فيحصل له النسب الصحيح والفاسد ، والسبب الصحيح والفاسد ، ونعني بالفاسد ما يكون عن نكاح محرم عندنا لا عندهم ، كما إذا نكح أمه فأولدها ولدا ، فنسب الولد فاسد ، وسبب زوجيتها فاسد. فمن الأصحاب من لا يورثه الا بالصحيح من النسب والسبب ، وهو المحكي عن يونس بن عبد الرحمن ومتابعيه ، ومنهم من يورثه بالنسب صحيحه وفاسده ، وبالسبب الصحيح لا الفاسد ، وهو اختيار الفضل بن شاذان من القدماء ومن تابعه ، ومذهب شيخنا المفيد رحمه اللّه ، وهو حسن ، والشيخ أبو جعفر رحمه اللّه يورثه بالأمرين صحيحهما وفاسدهما.

أقول : نقل المصنف في توريث المجوس ثلاثة أقوال :

الأول : بالنسب والسبب الصحيحين دون الفاسدين منهما ، وهو قول يونس بن عبد الرحمن من متقدمي أصحابنا كان في زمن الصادق عليه السلام ، قال أبو العباس في المهذب : له مصنفات كثيرة قريب من اربع مائة مصنف ، واختاره أبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في المختلف ، لقوله تعالى ( فَإِنْ

ص: 205

جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً ، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) (1) ولا شي ء من الفاسد بقسط ، ولأن ما عدا الصحيح باطل فلا يتعلق به حكم.

الثاني : بالنسب الصحيح والفاسد ، والسبب الصحيح خاصة ، نقله عن الفضل بن شاذان من القدماء ، وهو من رجال الهادي عليه السلام ، ونقله عن المفيد أيضا ثمَّ استحسنه ، واختاره العلامة في القواعد ، وابنه في الإيضاح ؛ لأنه من الأنساب الفاسدة عندنا صحيح عندهم ، وقد أقرّهم الشارع عليه ، فلا أقل من أن يكون شبهة النسب ، ونحن نورث ولد الشبهة للحوق نسبه ، بخلاف السبب الفاسد فإن الإجماع منعقد على عدم اعتباره في شرع الإسلام ، فلا يوجب إرثا.

الثالث : بالنسب والسبب صحيحهما وفاسدهما ، نقله عن (2) ، الشيخ ابى جعفر ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة ؛ لأنهم يعتقدون ذلك نكاحا صحيحا ونسبا صحيحا ، ونحن مأمورون بإقرارهم على دينهم ولأنا نهينا عن قذفهم بالزنا ، لما روى : « أن رجلا سب مجوسيا بحضرة الصادق عليه السلام فزبره ونهاه ، فقال : إنه تزوج بأمه ، فقال : أما علمت أن ذلك عندهم النكاح » (3) ولما روى عن الصادق عليه السلام : « كل قوم دانوا بشي ء يلزمهم حكمه » (4) والمعتمد مذهب الفضل بن شاذان ، وهو اختيار أبي العباس في مقتصره.

قال رحمه اللّه : وكذا عمة هي أخت من أب لها نصيب الأخت دون العمة ، وكذا عمة هي بنت عمة لها نصيب العمة.

ص: 206


1- المائدة : 42.
2- من « م » و « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 1 من أبواب ميراث المجوس ، حديث 2.
4- المصدر السابق ، حديث 3.

أقول : هذا تفريع على مذهب الشيخ والفضل بن شاذان ، دون مذهب يونس ، فإنه منع من توريثهم بالنسب الفاسد ، وعلى الأول لو اجتمع سببان يمنع أحدهما الأخر ورث بالمانع خاصه ، ثمَّ ذكر المصنف أمثلة تصويرها (1) ظاهرا ، ثمَّ قال : وكذا عمة هي أخت لأب ، وتصويره : مجوسي تزوج بامه فأولدها بنتا وله ولد ، فالبنت أخت هذا الولد لأبيه وعمته أيضا ؛ لأنها أخت أبيه ، وعمة هي بنت عمه ، تصويره : مجوسي تزوج ببنته فأولدها بنتا وله ولد فهي أخت هذا الولد وبنت أخيه ، وهي عمة ولد هذا الولد وبنت عمته.

ص: 207


1- في « ن » : تصورها.

ص: 208

في المناسخات

قال رحمه اللّه : في المناسخات ونعني به أن يموت إنسان فلا تقسم تركته ، ثمَّ يموت بعض وراثه ويتعلق الفرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد. فطريق ذلك أن تصحح مسألة الأول ، ويجعل للثاني من ذلك نصيب ، إذا قسم على ورثته صح من غير كسر. فان كان ورثة الثاني هم ورثة الأول من غير اختلاف في القسمة كان كالفريضة الواحدة ، مثل إخوة ثلاثة وأخوات ثلاث من جهة واحدة ، مات أحد الإخوة ثمَّ ماتت إحدى الأخوات ثمَّ ماتت أخرى وبقي أخ وأخت ، فمال الموتى بينهما أثلاثا أو بالسوية ، ولو اختلف الاستحقاق أو الوارث أو هما فانظر نصيب الثاني فإن نهض بالقسمة على الصحة فلا كلام.

أقول : لا يخلو الحال عن أحد أربعة أقسام :

الأول : ان يتحد الوارث والاستحقاق ، كإخوة ثلاثة مات أخ ثمَّ آخر ، وبقي أخ ، فوارث الثاني هو بعينه وارث الأول ، والاستحقاق بالصورتين بالاخوة.

ص: 209

الثاني : اختلافهما ، كأخوين مات أحدهما ثمَّ مات الآخر عن ابن ، فوارث الثاني غير وارث الأول ، والاستحقاق في الأول كان بالاخوة والثاني بالبنوة.

الثالث : اختلاف الوارث خاصة ، كإنسان مات عن ولدين ، ثمَّ مات أحدهما عن ابن ، فله ما كان لأبيه فوارث الثاني غير وارث الأول ، والاستحقاق في الصورتين بالبنوة.

الرابع : اختلاف الاستحقاق خاصة ، كإنسان مات عن زوجة وابن ، ثمَّ ماتت الزوجة عن هذا الابن ، فوارث الثاني هو بعينه وارث الأول ، والاستحقاق في الأول كان بالزوجية ، وفي الثاني بالبنوة ، وفي هذه الصور الأربع نصيب الثاني ناهض بالقسمة على ورثته من الفريضة الاولى ، من غير كسر على ما مثلناه ، وإن لم ينهض نصيب الثاني على ورثته من غير كسر فلا يخلو : إما أن يكون بين فريضة الثاني ونصيبه وفق أولا ، فإن كان الأول فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى ، وإن كان الثاني فاضرب الفريضة الثانية في الفريضة الاولى.

وقد ذكر المصنف في المتن مثال الوجهين فلا فائدة في إعادته ، وانما ذكرنا هذه المسألة ، لتبين اختلاف الوارث أو الاستحقاق أو هما ، وما عدا ذلك فقد بينه المصنف فليطلب من هناك.

ص: 210

في معرفة سهام الوارث من التركة

قال رحمه اللّه : ولو كانت التركة عددا أصم فاقسم التركة عليه ، فان بقي ما لا يبلغ دينارا فابسطه قراريطا واقسمه ، فإن بقي ما لا يبلغ قيراطا فابسطه حبات واقسمه ، فإن بقي ما لا يبلغ حبة فابسطه أرزات واقسمه ، فإن بقي ما لا يبلغ أرزة فابسطه بالاجزاء إليها ، وقد يغلط الحاسب فاجمع ما يحصل للوارث ، فان ساوى التركة فالقسمة صواب ، وإلا فهي خطأ.

أقول : العدد الأصم في حساب الضرب هو الذي لا سبيل الى علم حقيقته أي أصله ، وهو الجذر الذي إذا ضرب في نفسه اجتمع منه المال ، والجذر المنطق (1): هو ما يعرف حقيقة مقداره ويمكن ان ينطق به كاثنين فإنها جذر الأربعة ، وثلاثة فإنها جذر التسعة ، وأربعة فإنها جذر الستة عشر ، والعشرة فإنها جذر المئة ، فالمال ما اجتمع من ضرب الجذر في نفسه ، كالأربعة والتسعة والستة عشر والمئة.

إذا عرفت هذا ، فالاصم هو الذي ليس له جذر إذا ضرب في نفسه اجتمع

ص: 211


1- في « م » و « ن » : المطلق.

منه المال ، كاثنين وثلاثة وعشرة ؛ لأنه ليس له جذر إذا ضرب في نفسه بلغ اثنين أو ثلاثة أو عشرة.

إذا عرفت هذا ، فمثال ما ذكره المصنف ، فنقول مثال ذلك : كما لو خلف الميت أحد عشر ولدا واثنى عشر دينارا ، فاعطى كل واحد دينارا يبقى دينار ، فابسطه قراريطا يكون عشرين قيراطا ، فأعط كل واحد قيراطا يبقى تسعة قراريط فابسطها حبات تبلغ سبعة وعشرين حبه ؛ لأن القيراط ثلاث حبات ، فأعط كل واحد حبتين يبقى خمس حبات ، فابسطها أرزات تبلغ عشرين أرزة ؛ لان الحبة أربع أرزات ، فأعط كل واحد أرزة يبقى تسع أرزات ، فابسطها احد عشر جزءا ، فأعط كل واحد جزءا ، فيحصل لكل واحد دينار وقيراط وحبتان وأرزة وجزءا من أحد عشر جزءا من تسع أرزات ، يكون الجمع اثنى عشر دينارا وذلك مجموع التركة.

ص: 212

كتاب القضاء

اشارة

ص: 213

ص: 214

في الصفات

قال رحمه اللّه : وهل يشترط علمه بالكتابة؟ فيه تردد ، نظرا الى اختصاص النبي عليه السلام بالرئاسة العامة مع خلوه في أول أمره من الكتابة ، والأقرب اشتراط ذلك لما يضطر اليه من الأمور التي لا تتيسر لغير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بدون الكتابة.

أقول : قد أشار المصنف ( رحمه اللّه ) الى منشأ التردد ، وما اختاره مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو اختيار العلامة والشهيد وابي العباس ، وهو المعتمد.

وأجيب بالفرق بين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبين غيره ، لعصمة النبي من الخطأ والنسيان ، وجواز ذلك على غيره ، ولأنه يوحى إليه عليه السلام بخلاف غيره.

وإنما قال لخلوه في مبدا أمره من الكتابة لأن الشيخ رحمه اللّه قال في المبسوط : انما كان خاليا من الكتابة قبل البعثة لا بعدها واختاره ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : وفي انعقاد قضاء الاعمى تردد ، أظهره أنه لا ينعقد ، لافتقاره الى التمييز بين الخصوم ، وتعذر ذلك مع الاعمى الا فيما يقل.

ص: 215

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن أن شعيبا عليه السلام كان أعمى ، ولأصالة الجواز.

وأجيب بالفرق بين الأنبياء وغيرهم ، واشتراط البصر هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط الحرية؟ قال الشيخ في المبسوط نعم ، والأقرب أنه ليس شرطا.

أقول : اشتراط الحرية مذهب الشيخ في المبسوط ، وابن البراج ، ويحيى بن سعيد ، واختاره العلامة وابنه والشهيد ؛ لان القضاء من المناصب الجليلة التي لا تليق بالعبد ، ولأن القضاء ولاية والعبد مولى عليه فلا يكونه واليا ، والمصنف لم يشترط الحرية ؛ لأن المناط العلم مع العدالة والاجتهاد ، فاذا حصل في العبد ذلك جاز أن يكون قاضيا لأصالة الجواز ، ولعموم قول الصادق عليه السلام : « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا الى قضاة الجور ، ولكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا » (1)

قال رحمه اللّه : تولى القضاء مستحب لمن يثق من نفسه بالقيام بشرائطه ، وربما يوجب ، ووجوبه على الكفاية ، وإذا علم الامام أن بلدا خال عن قاض لزمه أن يبعث له ، ويأثم أهل البلد بالاتفاق على منعه ، ويحل قتالهم طلبا للإجابة ، ولو وجد من هو بالشرائط فامتنع لم يجبر مع وجود مثله ولو ألزمه الإمام ، قال في الخلاف : لم يكن له الامتناع ، لأن ما يلزم به الامام واجب ، ونحن نمنع الإلزام ، إذ الإمام لا يلزم بما ليس لازما ، أما لو لم يوجد غيره تعين هو ولزمه الإجابة ، ولو لم يعلم به الامام وجب أن يعرف بنفسه ؛ لان القضاء من باب الأمر بالمعروف ، وهل يجوز أن يبذل مالا ليلي القضاء؟ قيل : لا ؛ لأنه كالرشوة.

ص: 216


1- الوسائل ، القضاء ، باب 1 من أبواب صفات القاضي ، حديث 5.

أقول : الناس في القضاء على أربعة أقسام :

أ ) من يستحب له ، وهو جامع الشرائط الواثق من نفسه بالقيام بشرائطه خصوصا إذا لم يكن له من ماله كفاية ، وافتقر في طلب الكفاية إلى الاشتغال بالمباح كالتجارة وغيرها ، وبذل له الرزق من بيت المال ، فهذا توليته للقضاء وصرف زمانه في طاعة اللّه تعالى وارتزاقه من بيت المال خير من الاشتعال بالمباح ، لما في ذلك من تضييع العلم والعمل.

ب ) من يستحب له تركه ، وهو من كان له كفاية من ماله وكان مشهورا بالعلم والفضل تقصده الناس وتتعلم منه ، فهذا يستحب له ترك القضاء ؛ لان التدريس والتعليم طاعة وعبادة مع السلامة من الاخطار ، والقضاء وان كان طاعة فهو مشتمل على خطر عظيم ؛ لقوله عليه السلام : « من نصب نفسه قاضيا فقد ذبح نفسه بغير سكين » (1) ، والاخبار في هذا المعنى كثيرة.

وإن لم يكن مشهورا ولا يعرف علمه وفضله ولا ينتفع أحد بعلمه ولا يقصده أحد ليتعلم منه ، فهذا قيل : يستحب له أن يلي القضاء ليدل الناس عليه ليحصل الانتفاع بعلمه وذلك مع استكمال الشرائط.

ج ) من يحرم عليه ، وهو الجاهل العدل أو العالم الفاسق وان كان مستترا بالفسق.

د ) من يجب عليه ، وهو جامع الشرائط إذا لم يوجد غيره ، فهذا على الامام أن يوليه ، وعليه أن يقبل ولو لم يعلم به الامام وجب عليه أن يعلمه بنفسه ليوليه القضاء ، لما في ذلك من الأمر بالمعروف ، ولا يجب أن يبذل مالا ليلي القضاء ، الا أن يعلم من تعين عليه أن الظالم لا يوليه إلا ببذل المال ، فيجوز له ذلك حينئذ إذا علم أنه إذا تولى القضاء تمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ص: 217


1- مستدرك الوسائل ، القضاء ، باب 3 من أبواب صفات القاضي ، حديث 4.

قال رحمه اللّه : إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما ، فان قلد الأفضل جاز ، وهل يجوز العدول الى المفضول؟ فيه تردد ، والوجه الجواز ؛ لان خلله ينجبر بنظر الإمام.

أقول : إذا تساويا في الشرائط المعتبرة في القاضي ، وكان أحدهما أفضل من الآخر ، إما بزيادة علم أو زهد ، هل يجوز للإمام تولية المفضول؟ اختار المصنف والعلامة في القواعد وابنه الجواز لان خلله ينجبر بنظر الامام ، وظاهر العلامة في التحرير والشهيد في الدروس عدم الجواز ، لعموم قبح تقديم المفضول على الفاضل.

تنبيه : هذا الخلاف إنما هو في حال ظهور الامام وكونه المتولي لنصب المفضول ، أما في حال الغيبة فإنه لا يجوز العدول عن الفاضل الى المفضول ، نص العلامة في القواعد والشهيد على ذلك ، ولأن العلة المبيحة لتقديم المفضول على الخلاف - وهي جبر خلله بنظر الإمام - منتفية في حال الغيبة ، فحينئذ يجب الترافع إلى الأعلم ، فإن تساويا فالاورع ، فلو كان أحدهما أعلم والآخر أورع رجح الأعلم ؛ لأن ما فيه من الورع يحجز عن التهجم على الحرام ويبقى علمه لا معارض له.

قال رحمه اللّه : أما أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف ، والوجه التفصيل ، فمع عدم التعيين وحصول الضرورة ، قيل : يجوز ، والاولى المنع ، ولو اختل الشرطين لم يجز.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط عن قوم ، جواز أخذ الجعل للقاضي من أحد المتحاكمين بشرط الضرورة وعدم التعيين ، وكذلك نقله المصنف والعلامة والشهيد ، واختار الجميع المنع ؛ لأنه يؤدي واجبا فلا يجوز أخذ الأجرة عليه ، ولأنه نوع من الرشوة وهو حرام.

ص: 218

احتج القائلون بالجواز بأنه فعل مباح غير متعين (1) على فاعله فكان له أخذ الجعل عليه مع الضرورة الى ذلك ، قال الشهيد : فان جوزناه ففي جواز تخصيص أحدهما به أو جعله على المدعي أو التشريك بينهما ، نظر من الشك في أنه تابع للعمل أو المنفعة الحاصلة.

قلت : الظاهر على القول به أنه تابع للشرط ، فان اشترطه عليهما أو على أحدهما والتزما به أو أحدهما لزم ، ومع عدم سبق الشرط لا يلزمهما ولا أحدهما شي ء.

قال رحمه اللّه : إذا حدث به ما يمنع الانعقاد انعزل وان لم يشهد الامام بعزله كالجنون والفسق ، ولو حكم لم ينفذ حكمه ، وهل يجوز أن يعزل اقتراحا؟ الوجه : لا ؛ لان ولايته تثبت شرعا فلا تزول تشهيا.

أقول : لا شك في جواز عزل القاضي للإمام أو نائبه ، لمصلحة كاطفاء الفتنة أو وجود من هو أصلح منه.

وهل يجوز عزله بغير سبب ولا لمصلحة؟ فيه قولان حكاهما الشيخ في المبسوط ، والمصنف اختار عدم الجواز وقد ذكر وجهه ، واختاره العلامة في الإرشاد (2) جزما ، واختار في التحرير الجواز ؛ لأنها ولاية تثبت بنظر الإمام أو نائبه فيتبع اختيار المنوب كالوكالة ، ولو حصلت ريبة عند الإمام في القاضي جاز له عزله قطعا ، وكفاه غلبة الظن ، قاله العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : إذا مات الامام [ عليه السلام ] ، قال الشيخ : الذي يقتضيه مذهبنا انعزال القضاة أجمع ، وقال في المبسوط : لا ينعزلون ؛ لان ولايتهم تثبت شرعا فلا تزول بموته ، والأول أشبه.

ص: 219


1- في الأصل و « ن » : معين.
2- في « ر 1 » : القواعد.

أقول : أما وجه عدم الانعزال فقد ذكره المصنف ، وأما وجه الانعزال فلأنهم كالوكلاء ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه والشهيد ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو مات القاضي الأصلي لم ينعزل النائب عنه ؛ لأن الاستنابة مشروطة بإذن الإمام ، فالنائب عنه كالنائب عن الامام فلا ينعزل بموت الواسطة ، والقول بانعزاله أشبه.

أقول : إذا زالت ولاية القاضي الأصلي بموت أو جنون أو فسق أو عزله الامام ، هل ينعزل النائب عنه؟ ذكر المصنف في أول بحثه أنه لا ينعزل ، وقد ذكر وجهه ، وذلك : أن القاضي المنصوب من قبل الامام لا يجوز له أن ينصب غيره الا بإذن الإمام صريحا ، مثل أن يقول له انصب قاضيا يعينك على القضاء ، أو بشاهد الحال : مثل أن يكون ولايته متسعة لا ينهض بها القاضي الواحد ، فشاهد الحال هنا يدل على إذنه بالاستنابة ، وإذا أذن له أن ينصب قاضيا كان منصوبا من قبل الامام ، فلا ينعزل بعزل الواسطة ، ثمَّ اختار (1) انعزاله ؛ لأن ظاهر إذن الامام بالاستنابة يدل على أن القاضي يستنيب عن نفسه لا عن الامام ، وإذا كان النائب عن القاضي انعزل بعزله وهو المعتمد ، إلا أن يقول له استنب عني فيستنيب عنه ، فحينئذ لا ينعزل بعزل الواسطة.

ص: 220


1- في « ن » : اختيار.

في الآداب والمسائل

قال رحمه اللّه : وأن يستعمل الانقباض المانع من اللحن بالحجة.

أقول : يكره للقاضي الانقباض وهو ضد الانبساط المانع من اللحن بالحجة ، أي التفطن لها ، قال صاحب الصحاح : اللحن بالتحريك الفطنة ، وقد لحن ، وفي الحديث : « ولعل أحدكم ألحن بحجته » (1) اى أفطن لها ، فهذا مراد المصنف باللحن ، وليس اللحن بسكون الحاء الذي هو الخطأ في الاعراب.

قال رحمه اللّه : الإمام يقضي بعلمه مطلقا ، وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس ، وفي حقوق اللّه تعالى ، على قولين أصحهما القضاء.

أقول : إذا أقر الخصم أو قامت البينة بما يدعيه خصمه جاز للحاكم الحكم قطعا ، وإن لم يتفق الإقرار ولا البينة بل علم الحاكم بما يوجب الحكم ، مثل أن شاهد الغصب أو الزنا أو سمع الطلاق أو العتق ، ثمَّ أنكر الفاعل ولم تقم عليه بذلك بينة ، هل يجوز له الحكم بعلمه؟

فنقول : أما بالنسبة إلى جرح الشهود وتعديلهم فيجوز الحكم بعلمه قطعا ،

ص: 221


1- الوسائل ، القضاء ، باب 2 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.

وأما غير ذلك من الحقوق فقد قال الشيخ في الخلاف والمرتضى وأبو الصلاح : يجوز مطلقا ، سواء كان إمام الأصل أو غيره ، وسواء كان الحق لله وأو لآدمي ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس ، لقوله تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (1) وقوله تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (2) علق الحكم على ثبوت الوصف وهو خطاب للحاكم (3) ، فاذا علم الحاكم بثبوت الوصف وجب الحكم بموجبة ، وإذا ثبت ذلك في الحدود ففي غيرها أولى ، ولان الحكم بالشاهدين ظن والعلم يقين ، ومحال في الحكمة جواز الحكم مع الظن ومنعه مع اليقين ، ولأنه لو لم يحكم بعلمه لزم فسق الحاكم أو إيقاف الحكم ؛ لأنه إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا ثمَّ جحد الزوج الطلاق مطلقا (4) كان القول قوله مع يمينه ، وإذا حكم الحاكم بغير علمه وهو إحلاف الزوج وتسليمها اليه فسق ؛ لأنه سلطه على فرج يعلم تحريمه عليه ، وإن لم يعلم (5) بشي ء لزم إيقاف الحكم وكذا لو غصب مال رجل بحضرته ثمَّ جحده ، فإنه يقضي الى ما قلناه ، فلم يبق إلا الحكم بعلمه وهو المعتمد.

وقال ابن حمزة وابن إدريس : أما الامام فيحكم بعلمه مطلقا ، وأما غيره ففي حقوق الناس دون حقه تعالى ؛ لان حقوقه تعالى مبنية على التخفيف.

قال رحمه اللّه : الحاكم إذا عرف عدالة الشاهدين حكم ، وإن عرف فسقهما أطرح ، وإن جهل الأمرين بحث عنهما ، وكذا لو عرف إسلامهما وجهل عدالتهما وقف حتى يتحقق ما يبني عليه من عدالة أو جرح ، وقال في الخلاف : يحكم ، وبه

ص: 222


1- النور : 2.
2- المائدة : 38.
3- في « ن » : للحاكم.
4- ليست في « م » و « ن » و « ر 1 ».
5- في غير « ر 1 » : يحكم.

رواية شاذة.

أقول : المشهور بين الأصحاب التوقف في مجهول العدالة حتى يتبين حاله ؛ لأن العدالة شرط في قبول الشهادة ، ولا يجوز الحكم بالمشروط مع جهالة الشرط ، وهو المعتمد. وقال الشيخ في الخلاف : إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما ولا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما ولا يقف على البحث الا بجرح المحكوم عليه ، بان يقول : هما فاسقان ، فحينئذ يجب عليه البحث ؛ لأن الأصل في المسلم العدالة ، ولأنه لم ينقل عن الصحابة والتابعين البحث عن حال المسلم ورواية حريز (1) عن الصادق عليه السلام دالة على ذلك.

قال رحمه اللّه : ولا يثبت الجرح الا مفسرا ، وفي الخلاف يثبت مطلقا.

أقول : نقل العلامة في المختلف وابنه في الإيضاح عن الشيخ أنه قال في المبسوط والخلاف : لا يقبل الجرح الا مفسرا ، ويقبل التعديل المطلق من غير تفسير ، وحكيا استدلاله في الخلاف ، وهو : ان الناس يختلفون فيما هو جرح وما ليس بجرح ، فيجب أن يفسر ؛ لأنه ربما اعتقد فيما ليس بجرح أنه جرح ، فاذا فسره عمل القاضي بما يقتضي الشرع فيه من جرح أو تعديل ، واستدل في المبسوط بأن التزكية إقرار صفة على الأصل فلهذا قبلت من غير تفصيل (2) ، والجرح اخبار عما حدث من عيوبه وتجدد من معاصيه ، فبان الفرق بينهما.

ونقل المصنف عن الشيخ في الخلاف أنه يثبت مطلقا اي لا يفتقر الى ثبوت (3) تفسير كالتعديل ، وهو ضد ما نقله عنه العلامة وابنه ، فعلى هذا للشيخ في الخلاف قولان : أحدهما لا يقبل في الجرح الا مفسرا ، والثاني : يقبل مطلقا ، والأول هو

ص: 223


1- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 40 ، حديث 18.
2- في « م » و « ن » و « ر 1 » : تفسير.
3- ليست في النسخ.

المعتمد.

وذهب ابن الجنيد الى التفصيل فيهما ، واختاره العلامة في المختلف ؛ لأن المقتضي لتفصيل الجرح ثابت في التزكية ؛ لأن الشي ء قد لا يكون سببا للجرح عند الشاهدين ويكون جارحا عند الحاكم ، فإذا أطلق الشاهد التعديل تعويلا منه على عدم تأثير ذلك الشي ء ، كان تغريرا للحاكم ، ثمَّ قال : والأحوط أن يسمع الجرح مطلقا ، ويستفصل عن سبب العدالة ؛ لأنه أحوط للحقوق.

قال رحمه اللّه : وإذا اختلف الشهود في الجرح والتعديل قدم الجرح ؛ لأنه شهادة بما يخفى عن الآخرين ، ولو تعارضت البينتان في الجرح والتعديل ، قال في الخلاف : وقف الحاكم ، ولو قيل : يعمل على الجرح ، كان حسنا.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : إذا شهد اثنان بالجرح وشهد اثنان (1) بالتعديل وجب على الحاكم أن يتوقف ، وقال في المبسوط : يقدم الجرح على التعديل ، واختاره ابن إدريس وابن حمزة ؛ لأن البينة الجارحة تشهد بما يخفى على المزكية.

قلت : فعلى هذا لا يصير فرقا بين اختلاف الشهود في الجرح ، وبين التعارض ؛ لأن الاختلاف هو ان يشهد شاهدان بالجرح وآخران بالتعديل ، وكذلك التعارض المحكي عن الشيخ ، مع أن المصنف والعلامة في القواعد والتحرير فرقا بين الاختلاف والتعارض ، وجزما بتقديم الجرح في صورة الاختلاف ، وحكيا الخلاف في صورة التعارض ، قال العلامة في المختلف بعد أن حكى قول الشيخ في الخلاف والمبسوط : والحق عندي التفصيل ، وهو أن نقول : إن جاز الجمع بين الشهادتين حكم بالجرح ، لجواز خفائه على المعدل ، وإن لم يجز وقف الحاكم ولم يحكم بالشهادة ، بل تتساقط بينة الجرح والتزكية ، وذلك

ص: 224


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : آخران.

بان (1) يشهد الجارح بسبب ينفيه المعدل ، كما لو شهد أنه في الوقت الفلاني كان في المكان الفلاني شرب خمرا ، وشهد المعدل أنه كان في ذلك الوقت بعينه في مكان آخر لم يمكن ان يجامع كونه في ذلك المكان الأول في ذلك الوقت ، لعدم أولوية القبول ، بخلاف الأول فإن قبول الجرح أولى. هذا آخر كلامه في المختلف.

فعلى هذا تصير (2) مسألة الجرح والتعديل على ظاهر الشرائع والقواعد والتحرير منقسمة إلى ثلاثة أقسام : اختلاف الشهود الذي جزما بتقديم الجرح به ، والتعارض وهو ينقسم الى قسمين : الى ما يجوز الجمع بين الشهادتين ، والى ما لا يجوز.

والمعتمد عدم الفرق بين اختلاف الشهود ، وبين التعارض غير المانع من الجمع بين الشهادتين ؛ لان الفرق غير متصور هنا ، وإنما يتصور مع عدم إمكان الجمع بين الشهادتين كما فرضه العلامة ، والحكم بتقديم الجرح في الأول والتوقف في الثاني.

ص: 225


1- في « م » و « ن » و « ر 1 » : مثل أن.
2- ليست في الأصل.

ص: 226

في كيفية الحكم

قال رحمه اللّه : إذا ورد الخصوم مترتبين بدأ بالأول فالأول ، فإن وردوا جميعا ، قيل : يقرع بينهم ، وقيل : يكتب أسماء المدعين ، ولا يحتاج الى ذكر الخصوم ، وقيل : يذكرهم أيضا لتحضر الحكومة معه ، وليس معتمدا ، ويجعلها تحت ساتر ثمَّ يخرج رقعة رقعة ، فيتعين صاحبها ، وقيل : إنما يكتب أسماءهم مع تعسر القرعة بالكثرة.

أقول : المشهور القرعة بين الخصوم إذا وردوا دفعة ، وهو اختيار العلامة والشهيد ، وقال ابن البراج : إن كان عددهم قليلا يمكن الإقراع بينهم أقرع بينهم ، فمن خرجت قرعته قدمه ، وان كثروا وتعذرت القرعة كتب الحاكم أسماءهم في رقاع ، وجعلها بين يديه يأخذ رقعة بعد أخرى ، فإذا قدم إنسانا بالسبق أو بالقرعة أو بالرقعة ، فحكم بينه وبين خصمه وفرغ منهما أمرهما بالقيام وقدم غيرهما ، فان قال الأول : لي حكومة أخرى لم يلتفت اليه.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ : لا تسمع الدعوى إذا كانت مجهولة ، مثل أن يدعي فرسا أو ثوبا ، ويقبل الإقرار بالمجهول ويلزم تفسيره ، وفي الأول إشكال.

ص: 227

أقول : إذا ادعى وصية مجهولة سمعت دعواه قطعا ، وكذا لو أقر له عند الحاكم أو عند الشهود بمجهول ، كان له المطالبة بما أقر له بلا خلاف ، أما غير ذلك كدعوى الفرس والثوب المجهولين ، فهل تسمع أم لا؟ قال الشيخ : لا تسمع ، لعدم فائدتها ، وهو حكم الحاكم بها لو أجاب بنعم ؛ لأن الحكم بالمجهول غير جائز. ثمَّ اعترض على نفسه بصحة الإقرار بالمجهول ، ثمَّ أجاب بالفرق بأنه لو طالبناه بالتفصيل ربما رجع ، بخلاف المدعي فإنه لا يرجع عند مطالبته بالتفصيل.

واختار المصنف في المختصر والعلامة وابنه وأبو العباس السماع ؛ لأن المدعى ربما يعلم حقه بوجه ما ، كما لو علم أن له عنده فرسا أو ثوبا ولا يعلم شخصها ولا صفتها ، فلو لم يجعل له الشارع طريقا الى الدعوى لبطل حقه ولزم (1) الحرج ، فتصح الدعوى المجهولة ويستفسره الحاكم كما يستفسره عن الإقرار المجهول.

والشهيد رحمه اللّه اختار مذهب الشيخ وهو عدم سماع الدعوى المجهولة ، بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته ، والقيمي بقيمته ، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها.

قال رحمه اللّه : ولا بد من إيراد الدعوى بصيغة الجزم ، فلو قال : أظن أو أتوهم لم يسمع ، وكان بعض من عاصرناه يسمعها في التهمة ويحلف المنكر ، وهو بعيد من شبهة [ شبه ] الدعوى.

أقول : اشترط المصنف إيراد الدعوى بصيغة الجزم ، والشرط إنما هو الجزم في الإيراد لا الجزم في نفس الأمر ، بمعنى أنه إن لم يكن جازما في نفس الأمر حرمت عليه الدعوى ، فان من المعلوم إذا كان للإنسان بينة تشهد له بالحق وهو

ص: 228


1- في الأصل : الزم.

لا يعلم ، كان له أن يدعي عند الحاكم لتشهد له البينة ، مع أن البينة تفيد الظن ، فصار الشرط الجزم في الإيراد خاصة.

واستشكله العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ولم يفت بشي ء ، ومنشأ الاشكال من عموم قوله تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ ) ، ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) (1) ، أوجب الحكم في مطلق التنازع ، وهو شامل لصورة الجزم وغيرها ، ومن أنه بعيد عن شبهة الدعوى ؛ لأن المعهود من الدعوى القول الجازم فلا يكفى الظن أو الوهم. وقوله ( وكان بعض من عاصرناه يسمعها في التهمة ) أشار بذلك الى شيخه الفقيه محمد بن نما الحلي ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : ولا بأس به ، لما فيه من حسم مادة النزاع ، وقال في الدروس : وأما الجزم فالإطلاق محمول عليه ، أي إطلاق الدعوى بصيغة الجزم ( محمولة على الجزم ) (2) ، ولا يشترط أن يقول الحاكم : هل أنت جازم أم لا؟ ثمَّ قال : ولو صرح بالظن أو الوهم فثالث الأوجه السماع فيما يعسر (3) الاطلاع عليه ، كالقتل والسرقة دون المعاملات.

تنبيه : على القول بسماع دعوى الظن أو الوهم لا يثبت الحق الا بالبينة ،ومع عدمها يحلف المنكر ، ولا يجوز له رد اليمين ، ولا يجوز للمدعي الحلف لا برد اليمين ولا بنكول ولا مع الشاهد الواحد ، فان حلف المنكر فلا كلام وان امتنع هل يلزمه الحق استشكله العلامة في التحرير والاشكال مبني على القول بالقضاء بالنكول مع الامتناع من اليمين أو يرد اليمين على المدعى فعلى الأول يقضى عليه هنا كما يقضى عليه بصورة الجزم لقيام النكول حينئذ مقام الإقرار وعلى الثاني

ص: 229


1- المائدة : 49 ، النساء : 65.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- في الأصل والنسخ : يعتبر ، وما أثبتناه من المصدر ص 175.

ليس الأخذ بمجرد إنكار المدعى عليه ونكوله عن اليمين من غير بينة ولا إقرار فحينئذ يحبس المنكر حتى يقر أو يحلف لو عاد المدعي بعد نكول المنكر عن اليمين وادعى العلم قوى الشهيد في شرح الإرشاد السماع لجواز حصوله فيما بعد.

قال رحمه اللّه : إذا تمت الدعوى ، هل يطالب المدّعى عليه بالجواب ، أم يتوقف ذلك على التماس المدعي؟ فيه تردد ، والوجه أنه يتوقف ؛ لأنه حق له فيقف على المطالبة.

أقول : منشؤه مما قاله المصنف ، ومن أن العادة وشاهد الحال دليلان على أن الخصم لا يحضر خصمه عند الحاكم ثمَّ يدعى عليه ثمَّ ينصرف من غير جواب ، واختار العلامة مذهب المصنف.

قال رحمه اللّه : أما الإقرار فيلزم إذا كان جائز التصرف ، وهل يحكم به عليه بغير سؤال المدعي؟ قيل : لا ؛ لأنه حق له فلا يستوفي إلا بمسألته.

أقول : البحث في الحكم عليه بغير سؤال المدعي كالبحث في المطالبة بالجواب وقد سبق.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الإعسار كشف عن حاله ، فان استبان فقره انظر ، وفي تسليمه الى غرمائه يستعملوه أو يؤاجروه روايتان ، أشهرهما : الانظار حتى يوسر.

أقول : قال ابن حمزة : إذا ثبت إعساره خلى سبيله إذا لم يكن ذا حرفة يكتسب بها وامره بالتحمل ، وإن كان ذا حرفة دفعه اليه ليستعمله ، فما فضل عن قوته وقوت عياله بالمعروف أخذه بحقه ، ومثله قول الشيخ في النهاية ، للخبر المشهور الذي رواه السكوني عن الصادق والباقر « أن عليا ( عليهم السلام ) كان يحبس في الدين ثمَّ ينظر ، فان كان له مال اعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه الى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم وأجروه وإن شئتم

ص: 230

استعملوه » (1). قال ابن إدريس : هذا الخبر غير صحيح ولا مستقيم ؛ لأنه مخالف لأصول مذهبنا ، ومضاد لتنزيل الكتاب ، فان اللّه تعالى قال ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (2) ولم يذكر : استعملوه ولا وأجروه ، وانما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقاد ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وهل يحبس حتى يبين حاله؟ فيه تفصيل ذكر في باب المفلّس.

أقول : التفصيل المذكور هو : إن كان له أصل مال أو كانت الدعوى مالا ، حبس حتى يثبت إعساره وإن لم يعلم له أصل مال ، ولا كانت الدعوى مالا فادعى الإعسار ، قبلت دعواه ولا يكلف البينة وللغرماء مطالبته باليمين.

قال رحمه اللّه : ولو أقام البينة بما حلف عليه المنكر لم تسمع ، وقيل : يعمل بها ما لم يشترط المنكر سقوط الحق باليمين ، وقيل : إن نسي بينة سمعت وإن أحلف والأول هو المروي.

نقل فخر الدين وأبو العباس إجماع المسلمين على عدم سماع الدعوى في مجلس الحلف ، وهل يسمع في غيره لو عاودها واقام البينة؟ فهنا اختلف الأصحاب على ثلاثة أقوال :

أ - عدم السماع مطلقا ، وهو اختيار الشيخ في النهاية والخلاف وموضع من المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد ؛ لأن البينة حجة المدعي فيكون اليمين حجة المنكر ، وكما لا تسمع يمين المنكر بعد بينة المدعي ، لا تسمع بينة المدعى بعد يمين المنكر ، ولصحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام : « قال : إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر فاستحلفه

ص: 231


1- الوسائل ، كتاب الحجر ، باب 7 ، حديث 3.
2- البقرة : 280.

فحلف أن لا حق له قبله ، ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له ، قلت له : وان كانت له بينة عادلة؟ قال : نعم ، وإن أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة ما كان له حق ، فان اليمين قد أبطلت كلما ادعاه قبله مما استحلفه عليه ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : من حلف لكم فصدقوه ، ومن سألكم باللّه فأعطوه ، ذهبت اليمين بدعوى المدعي فلا دعوى له » (1).

ب - السماع ما لم يشترط المنكر سقوط الحق بيمينه ، وهو قول المفيد وابن حمزة وابن البراج في الكامل ؛ لأن حكم البينة حكم الإقرار ، ولو أقر بعد اليمين لزم الحق قطعا ، فكذا مع قيام البينة ، وأجيب بمنع المساواة.

ج - لا تسمع البينة مع علم المدعى بها وإعراضه عنها ورضاه باليمين ، وتسمع لو لم يعلم بها من رأس ، بأن يولي غيره (2) الاشهاد على حقه ، أو يعملها ونسيها حالة الخصومة ، وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط ، واختاره أبو الصلاح وابن إدريس ، وجنح إليه العلامة في المختلف ؛ لأنه إنما طلب (3) اليمين لعجزه عن استخلاص حقه بالبينة :

فرع : لو أقام المدعي بينة على إقراره بالحق بعد الحلف سمعت ، لجواز المطالبة مع كذا به نفسه إجماعا.

قال رحمه اللّه : وإن نكل المنكر بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد ، قال له الحاكم : إن حلفت والا جعلتك ناكلا ، ويكرر ذلك ثلاثا استظهارا لا فرضا ، فإن أصرّ قيل : يقضي عليه بالنكول ، وقيل : بل يرد اليمين على المدعي ، فان حلف ثبت حقه ، وإن امتنع سقط ، والأول أظهر.

ص: 232


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 9 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 2.
2- في الأصل : بأن غيره أقام.
3- في « ن » : يطلب.

أقول : الأول اختيار ابني بابويه والمفيد وسلار وابى الصلاح الحلبي ، واختاره المصنف ، لصحيحة محمد بن مسلم (1) عن الصادق عليه السلام : « أنه حكى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ألزم أخرس بدين ادعى عليه به فأنكر ونكل عن اليمين ، فالزمه الدين بامتناعه عن اليمين » ، وأجيب باحتمال إلزامه عقيب إحلاف المدعي ، والثاني اختيار الشيخ في الخلاف وابن حمزة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه والشهيد ؛ لان الحكم مبني على الاحتياط التام ، والاحتياط يقتضي الحكم بعد يمين المدعي ، لامتناع الحق من غير بينة ، ولا إقرار ولا يمين ، لاحتمال نكوله عن اليمين ، لحرمة اليمين أو للحلف على عدم الحلف ، لا (2) لأن الحق ثابت عليه ، ولما روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله : « أنه رد اليمين على صاحب الحق » (3) ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو شهدت على صبي ، أو مجنون ، أو غائب ، ففي ضم اليمين إلى البينة تردد ، أشبهه أنه لا يمين.

أقول : منشؤه من مساواة الثلاثة للميت في المقتضي لوجوب اليمين على المدعي ، وهو جهل حاله وعدم العلم بجوابه ، فيثبت الحكم لهم كما هو ثابت له وهو المشهور ، ومن أصالة براءة الذمة من وجوب اليمين مع البينة ، خرج الميت بالنص (4) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع.

قال رحمه اللّه : وأما السكوت فان اعتمده ألزم الجواب ، فان عاند حبس حتى يبين ، وقيل : يحبس حتى يجيب ، وقيل : يقول الحاكم : إما أجبت وإلا جعلتك

ص: 233


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 33 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 1.
2- من « ن » و « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، حديث 2 عن ابي عبد اللّه عليه السلام مع اختلاف يسير.
4- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 4 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 1.

ناكلا وردت اليمين على المدعي ، فان أصرّ رد الحاكم اليمين على المدعي ، والأول مروي.

أقول : إذا سكت عن الجواب عنادا ، أي من غير آفة ، حكى الشيخ ثلاثة أقوال :

أ - أن يحبس حتى يجيب ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لأن الواجب عليه (1) الجواب فيحبس عليه حتى يجيب ، والأصل عدم إلزامه بغير ذلك.

ب - يجبر على الجواب وهذا القول نقله المصنف والعلامة.

ج - قول الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن إدريس ؛ لأن السكوت عنادا كالنكول ، والمعتمد الأول.

ص: 234


1- ليست في الأصل.

في القضاء على الغائب

قال رحمه اللّه : يقضى على من غاب عن مجلس القضاء مطلقا ، مسافرا كان أو حاضرا ، وقيل : يعتبر في الحاضر تعذر حضوره مجلس الحكم.

أقول : المشهور جواز القضاء على من غاب عن مجلس الحكم مطلقا ، أي سواء كان في البلد أو مسافرا ، وسواء تعذر إحضاره أم (1) لا ؛ لأنه إما منكر أو مقر ، فان كان منكرا فقد قامت عليه البينة ، وان كان مقرا فالبينة مؤكدة ، ولا ريب في جواز الحكم حينئذ على التقديرين ، وهذا هو المعتمد. ويبقى الغائب على حجته ، فان حضر وأقام بينة بفسق الشهود أو بالوفاء (2) أو الإبراء بطل الحكم ، وإلا فلا.

وقال الشيخ في المبسوط : فأما إذا كان حاضرا في البلد غير ممتنع من الحضور ، فهل له أن يحكم عليه وهو غائب عن مجلس الحكم (3) أم لا (4)؟

ص: 235


1- في « م » : أو.
2- في الأصل : القضاء.
3- في « ن » و « م » و « ر 1 » : حديث كم.
4- ليست في النسخ.

قال قوم : له ذلك ؛ لأنه غائب عن مجلس الحكم ، والصحيح أنه لا يقضى عليه ؛ لأنه مقدور على إحضاره ، والقضاء على الغائب إنما جاز لموضع الحاجة اليه وتعذر إحضاره (1)

قال رحمه اللّه : يقضى على الغائب في حقوق الناس كالديون والعقود ، ولا يقضى في حقوق اللّه كالزنا واللواط ؛ لأنها على التخفيف ، فلو اشتمل الحكم على الحقين قضى بما يخص الناس ، كالسرقة تقضى بالغرم ، وفي القضاء بالقطع تردد.

أقول : منشؤه من أن القضاء بالقطع لازم للقضاء بالسرقة ، والحكم بأحد المتلازمين يقتضي الحكم بالآخر ، وقد حكم بالسرقة فيحكم بالقطع.

ومن أن القطع حق من حقوق اللّه تعالى ولا يحكم بها على الغائب فلا يحكم به ، وهو المشهور ، وجزم به العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وجزم به الشهيد في الدروس ، وهو المعتمد.

ص: 236


1- في « ن » : حضوره.

في كيفية الاستحلاف

قال رحمه اللّه : ولا يستحلف أحد إلا باللّه ، ولو كان كافرا ، وقيل : لا يقتصر في المجوسي على لفظ الجلالة ؛ لأنه يسمى النور إلها ، بل يضم الى هذه اللفظة الشريفة ما يزيل الاحتمال.

أقول : القول المشار اليه قول الشيخ رحمه اللّه ، واختاره فخر الدين والشهيد ، ولا بد أن يضم اليه ما يزيل احتمال التأويل ، كقوله : واللّه خالق النور والظلمة ، فحينئذ ينتفي التأويل ويحصل الجزم بأنه حلف باللّه ، والمصنف والعلامة لم يشترطا ذلك ، لقوله تعالى ( فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما ) (1) وقوله تعالى ( وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ) (2) ، ولقوله عليه السلام : « من كان حالفا فليحلف باللّه » (3) ومن ألفاظ العموم.

قال رحمه اللّه : وحلف الأخرس بالإشارة ، وقيل : توضع يده على اسم اللّه

ص: 237


1- المائدة : 107.
2- الانعام : 109 وغيرها.
3- مستدرك الوسائل ، كتاب الايمان ، باب 24 ، حديث 1.

تعالى في المصحف ، ويكتب اسم اللّه سبحانه وتوضع يده عليه ، وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه فإن شرب كان حالفا وإن امتنع ألزم الحق ، استنادا الى حكم علي عليه الصلاة والسلام في واقعة الأخرس.

أقول : في كيفية تحليف الأخرس ثلاثة أقوال :

أ - الاكتفاء بالإشارة المفهمة وهو المشهور بين الأصحاب ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ؛ لان الشارع أقام إشارته مقام الكلام.

ب - لا بد مع الإشارة من وضع يده على اسم اللّه تعالى ، وهو مذهب الشيخ في النهاية.

ج - غسل اليمين بعد كتابته ويؤمر بشربه ، وهو قول ابن حمزة ، لما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه السلام : « قال : سألته عن الأخرس ، كيف يحلف إذا ادعى عليه دين ولم يكن للمدعي بينة؟ قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام لما ادعى عنده على أخرس بدين من غير بينة : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج اليه ، ثمَّ قال : ائتوني بمصحف فأوتى به اليه ، فقال للأخرس : ما هذا؟ فرفع رأسه الى السماء وأشار أنه كتاب اللّه عزوجل ، ثمَّ قال : ائتوني بوليه فأتي بأخ له فأقعده الى جنبه ، ثمَّ قال : يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمَّ قال لأخ الأخرس : قل لأخيك : هذا بينك وبينه إنه علي ، فتقدم اليه ثمَّ كتب أمير المؤمنين عليه السلام : واللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع المهلك المدرك ، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية أن فلان بن فلان المدعي ليس له قبل فلان بن فلان ، أعني الأخرس ، حق ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا بسبب من الأسباب ، ثمَّ غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع فالزم

ص: 238

الدين » (1).

وحملها ابن إدريس على أخرس له كتابة معقولة ولا إشارة مفهومة (2).

قال رحمه اللّه : أما المدعي ولا شاهد له فلا يمين عليه الا مع الرد ، أو مع النكول على قول ، فان ردها المنكر توجهت فيحلف على الجزم ، ولو نكل سقطت دعواه إجماعا ، ولو رد المنكر اليمين ثمَّ بذلها قبل الإحلاف ، قال الشيخ : ليس له ذلك الا برضى المدعي ، وفيه تردد منشؤه أن ذلك تفويض لا إسقاط.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : في ثبوت اليمين على المدعي مع نكول المنكر عن اليمين وقد مضى البحث في ذلك (3).

الثانية : في نكول المدعي عن اليمين إذا ردها المنكر ، قال المصنف : ولو نكل سقطت دعواه إجماعا ، والمراد به في ذلك المجلس. وهل تسمع في غيره؟ استشكله العلامة في القواعد من أصالة بقاء الحق ، ومن أدائه إلى التسلسل فيحصل الإضرار ولم تنقطع المنازعة. واختار العلامة في التحرير عدم سماع دعواه ما لم يأت ببينة كاملة ، واختاره الشهيد في الدروس ، وهو المعتمد ، لانتفاء التسلسل مع قيام البينة.

الثالثة : إذا رد المنكر اليمين ثمَّ بذلها قبل إحلاف المدعي ، قال الشيخ في المبسوط : ليس له ذلك إلا برضا المدعي ؛ لأن المنكر لما رد اليمين استحقها المدعي ، والأصل بقاء الاستحقاق فلا ينتقل عن المستحق إلا برضاه. وتردد المصنف والعلامة في القواعد ، من حيث أن الرد تفويض لا إسقاط ، وإذا كان

ص: 239


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 33 من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث 1.
2- في « م » : مفهمة.
3- ص 232.

تفويضا جاز الرجوع قبل الإحلاف ، واختاره فخر الدين والشهيد.

واعلم : أنه يظهر من المصنف والعلامة في القواعد الفرق بين اليمين التي ردها المنكر ، وبين اليمين التي ردها الحاكم بسبب النكول ؛ لأنهما جزما بعدم قبول بذل المنكر اليمين بعد نكوله ، وترددا في قبول بذله لها مع الرد.

ولعل الفرق : أن يمين النكول تثبت بحكم الحاكم وحكمه لا ينقض ما لم يظهر خطأه ، ويمين الرد تثبت باختيار المنكر فله الرجوع ( ما لم يحلف ) (1) ، والشهيد لم يفرق وجوز الرجوع قبل الحلف.

والمعتمد : إن قال القاضي بعد تعريف المنكر بحكم النكول قد حكمت بنكوله ورددت اليمين على المدعي ، لم يكن له الحلف بعد ذلك ما لم يرض المدعي ؛ لأن حكم الحاكم لازم (2) ، وقد ثبت اليمين بحكمه ، فلا يسقط الا برضاه ، وقال العلامة في التحرير : وكذا لو قال للمدعي : احلف ، فهو كالقضاء بالنكول ، ولو أقبل على المدعي بوجهه ، فقال الناكل : أنا حالف (3) ، فالأقرب أن له الرجوع.

فروع : أ ) إذا حلف المدعي ، هل يمينه كإقرار الخصم أو البينة؟ استشكله العلامة في القواعد ، وجزم في التحرير أنها كإقرار الخصم ، واختاره الشهيد. والفائدة في مثل إنكار الوكيل العيب ونكوله عن اليمين ، فيحلف المدعي ، فان جعلناها كالبينة ملك (4) رده على الموكل ، وإن جعلناها كالإقرار فلا.

ب ) هل للمدعي إلزام المنكر بإحضار المال قبل اليمين؟ قال أبو الصلاح : نعم ، وقال العلامة في المختلف : ولم يحضرني الآن قول لأصحابنا يوافقه ، قال : والوجه المنع ؛ لأن تكليف الإحضار قبل الثبوت تسليط على مال المسلم بغير

ص: 240


1- ما بين القوسين ليس في « ن ».
2- في « ن » : لزم.
3- في « م » و « ن » : أحلف.
4- في « م » : فله.

حق ، وانما يستحق الإحضار بعد اليمين ، ولا بأس بهذا القول.

ج ) لو طلب المدعي الإمهال باليمين المردودة أمهل ؛ لأن الحق له بخلاف المنكر ، فإنه لو طلب الإمهال لم يمهل ؛ لأن الحق عليه.

قال رحمه اللّه : لو كان له بينة فأعرض عنها والتمس يمين المنكر [ أو ] قال : أسقطت البينة وقنعت باليمين ، فهل له الرجوع؟ قيل : لا ، وفيه تردد ، ولعل الأقرب الجواز ، وكذا البحث لو أقام شاهدا فاعرض عنه ، وقنع بيمين المنكر.

أقول : قال الشيخ : ليس له الرجوع ؛ لأن إقامة البينة واليمين حق له وقد أسقطه فلا يعود اليه الا بدليل ، ويحتمل عدم السقوط ؛ لأن الحق له (1) لا يسقط بالاعراض ، والأصل بقاؤه ما لم يحلف المنكر ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : أما لو ادعى الصغير الحربي الإنبات بعلاج لا بالسن ليتخلص عن القتل ، فيه تردد ، ولعل الأقرب أنه لا يقبل الا مع البينة.

أقول : تقبل (2) دعوى الصبي المسلم البلوغ من غير يمين وإلا دار ، وتقبل دعواه عدم البلوغ من غير يمين أيضا (3) ، وإلا لزم من صحة اليمين إبطالها.

أما لو وقع صبي من المشركين في يد المسلمين فادعى عدم البلوغ ليسلم من القتل ويلحق بالذراري ، فاعتبر فوجد الشعر الخشن على عانته ، فادعى أنه استنبته بالدواء ، هل يقبل منه ذلك بلا يمين ، أو مع اليمين ، أو لا يقبل إلا بالبينة؟ فيه ثلاثة احتمالات :

أ ) القبول بلا يمين ؛ لأن مجرد الدعوى شبهة والقتل حد ، وقال عليه السلام :

ص: 241


1- من الأصل.
2- في الأصل : ( لا يقبل ).
3- ليست في الأصل.

« ادرءوا الحدود للشبهات » (1) ؛ ولأن دعواه موافقة للأصل ؛ لأن الأصل عدم البلوغ والقتل موقوف على تحقق الوقوع (2) ، وهو لم يتحقق فلا يقتل ويقبل قوله من غير يمين ، كدعوى الذمي الإسلام قبل الحول (3) ، ودعوى إخراج الزكاة وابدال النصاب ونقص الخرص ، فكما أن الدعوى بهذه الأشياء (4) مقبولة بغير يمين ؛ لأنها حقوق اللّه وهي مبنية على التخفيف كذلك هذه الدعوى ، ولأن يمين غير البالغ غير معتبرة فإذا قبل قوله بعدم القبول فلا فائدة بيمينه.

ب ) لا يقبل دعواه إلا باليمين ، وهو قول الشيخ في المبسوط واختاره العلامة ، ونقله فخر الدين عن كثير من الفقهاء ؛ لأنه محكوم ببلوغه ظاهرا ، ولا يزول هذا الحكم بمجرد دعواه فلا بدّ له من مزيل ، فقد (5) يتعذر إقامة البينة فلم يبق غير اليمين.

ج ) لا يقبل دعواه إلا بالبينة ، وهو اختيار المصنف ؛ لأن الشارع جعل الإنبات أمارة البلوغ وقد وجدت فيوجد البلوغ ، ودعواه مخالفة للظاهر فلا يقبل إلا بالبينة ، ولأنه لو كان عدم العلاج شرطا لما جاز قتل محتمل المعالجة إلا بعد علم انتفائها ، وهو باطل إجماعا.

ص: 242


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب المقدمات ، حديث 4.
2- في « ر 1 » : البلوغ.
3- في « م » : الحلول.
4- في « ن » : الأسباب.
5- كذا.

في اليمين مع الشاهد

قال رحمه اللّه : وضابطه ما كان مالا ، أو المقصود منه مال ، وفي النكاح تردد.

أقول : منشؤه من أن المشهور من فتاوى أصحابنا عدم ثبوت النكاح بالشاهد واليمين ، ومن أنه عقد معاوضة على مال فيثبت بالشاهد واليمين. واستقرب العلامة الثبوت إن كان المدعي المرأة ؛ لأنها تدعي ما يستلزم المال إن كان بعد الدخول والتسمية. وظاهر فخر الدين عدم الثبوت مطلقا ؛ لان المقصود من النكاح الإحصان وكف النفس وحصول التناسل ، والمهر والنفقة تابعان.

قال رحمه اللّه : وفي الوقف إشكال منشؤه النظر الى من ينتقل ، والأشبه القبول ، لانتقاله الى الموقوف عليهم.

أقول : على القول بانتقال الوقف الى اللّه تعالى لا يثبت بالشاهد واليمين ، وعلى القول بانتقاله الى الموقوف عليهم يثبت بهما ، وقد مضى تحقيق البحث في ذلك في باب الوقف (1).

ص: 243


1- ج 2 ص 378.

ص: 244

في كتاب قاضٍ الى قاضٍ

قال رحمه اللّه : إنهاء حكم الحاكم الى الآخر : إما بالكتابة أو العقول أو الشهادة ، أما الكتابة فلا عبرة بها ، لإمكان التشبيه ، واما القول مشافهة فهو أن يقول للآخر : حكمت بكذا ، أو أنفذت ، أو أمضيت ، ففي القضاء به تردد ، نص الشيخ في الخلاف : انه لا يقبل.

أقول : منشأ التردد من أن حكم الحاكم الثاني بمجرد أخبار الأول قول في الشرع بغير علم ، وهو غير جائز ، لقوله تعالى ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (1) ، وقوله تعالى ( أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (2) ، ومن أنه لما كان حكم الحاكم الأول مقبولا ماضيا كان إخباره مقبولا أيضا ، وهو اختيار العلامة في القواعد ، وبه قال الشهيد ، اما لو لم يقل : حكمت ، ولا أنفذت ولا أمضيت ، بل قال : ثبت عندي ، لم ينفذه الثاني قطعا ؛ لأن الأول لم يحكم ، والثاني لم يجز له ان يحكم بما ثبت عند غيره.

ص: 245


1- الاسراء : 36.
2- البقرة : 169.

قال رحمه اللّه : إذا عرفت هذا ، فالعمل بذلك مقصور على حقوق الناس ، دون الحدود وغيرها في حقوق اللّه تعالى ، فما ينهى إلى الحاكم أمران ، أحدهما : حكم وقع بين متخاصمين ، والثاني : إثبات دعوى مدع على غائب ، فإن حضر شاهدا لإنهاء خصومة الخصمين سمعاها يحكم به الحاكم ، وأشهدهما على حكمه ثمَّ شهدا بالحكم عند الأخر ، ثبت بشهادتهما حكم ذلك الحاكم ، وأنفذ ما ثبت عنده الا [ لا ] أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر إذ لا علم له به ، بل الفائدة فيه قطع خصومة الخصمين لو عاودا المنازعة في تلك الواقعة وإن لم يحضر الخصومة نحكي لهما الواقعة وصورة الحكم وسمى المتحاكمين بأسمائهما وابائهما وصفاتهما وأشهدهما على الحكم ، ففيه تردد والقبول أولى ؛ لأن حكمه كما كان ماضيا كان إخباره ماضيا.

أقول : منشأ هذا التردد كمنشأ التردد السابق من غير فرق ، إلا أن اخباره في الأولى للحاكم الأخر وهنا للشهود ، فكما جاز أن يشهدا بالحكم جاز لهما الشهادة بالأخبار ، وهو اختيار العلامة في القواعد.

واعلم أن المصنف قد ذكر في هذا الفصل تردد آخر ، ومنشؤه معلوم من هنا فلا فائدة في ذكره ؛ لأن منشأ الجميع واحد وإن تغابرت المسائل.

ص: 246

في مبحث القسمة

قال رحمه اللّه : وفي التراضي بقسمة الكافر نظر ، أقربه الجواز ، كما لو تراضيا بأنفسهما من غير قاسم.

أقول : منشؤه من عدم جواز الركون الى الكافر ، ومن عدم اشتراط الأمانة في غير القاسم المنصوب من جهة الامام ، ولقد جزم العلامة في القواعد والتحرير ، والشهيد في الدروس بجواز قسمة الكافر إذا تراضيا به.

قال رحمه اللّه : المنصوب من قبل الامام تمضي قسمته بنفس القرعة ، ولا يشترط رضاهما [ بعدها ] وفي غيره يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة ، وفي هذا إشكال من حيث أن القرعة وسيلة إلى تعيين الحق ، وقد قارنها الرضا.

أقول : ومن حصول الفرق بين قسمة قاسم الامام وقسمة غيره ؛ لأن قسمة قاسم الإمام بمنزلة حكمه ، فلهذا كانت لازمة بعد القرعة بخلاف قسمة غيره ، لأن الأصل بقاء الاشتراك ما لم يحصل التراضي بعد القرعة ، وبه جزم العلامة في التحرير وهو أحوط ، وجزم الشهيد بعدم اعتبار التراضي بعد القرعة إلا في قسمة الرد خاصة.

ص: 247

قال رحمه اللّه : ويتحقق الضرر المانع من الإجبار بعدم الانتفاع بالنصيب بعد القسمة [ وقيل ] بنقصان القيمة ، وهو أشبه ، وللشيخ قولان.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : والضرر عند قوم أن لا ينتفع بما يفرد له ولا يراعى نقصان قيمته ، وهو قول الأكثر ، وهو الأقوى ، وقال بعض المتأخرين : الضرر نقصان قيمة سهمه بالقسمة ، فمتى نقص بالقسمة فهو الضرر وهو قوي أيضا. وهذا يدل على تردده.

وذهب المصنف والعلامة إلى حصول الضرر بنقصان القيمة ، لعموم قوله عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (1).

قال رحمه اللّه : وإذا سألا الحاكم القسمة ولهما بينة بالملك قسم ، وإن كان يدهما عليه ولا تنازع ، قال في المبسوط : لا يقسم ، وقال في الخلاف : يقسم ، وهو أشبه ؛ لأن التصرف دال على الملك.

أقول : احتج المانع من القسمة بأن قسمة الحاكم حكم بالملك من غير حجة ، وهو باطل ، فأجاب الشيخ في الخلاف عن هذا بأنا نحترز من هذا بأن تكتب الصورة بأنه قسم بينهما بقولهما ، فاذا قال هذا لا يكون قد حكم لهما بالملك ، وهو اختيار المصنف والعلامة (2) وابنه (3) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإن تساويت الحصص قيمة لا قدرا ، مثل أن يكون لواحد النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس ، وقيمة أجزاء ذلك الملك متفاوتة [ متساوية ] سويت السهام على أقلهم نصيبا فجعلت أسداسا ثمَّ كم يكتب رقعة؟ فيه تردد بين أن يكتب بعدد الشركاء ، أو بعدد السهام ، والأقرب الاقتصار على

ص: 248


1- الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب 12 ، حديث 3 ، وفيه ( ضرار ) بدل ( إضرار ).
2- ليست في « م » و « ن » و « ر 1 ».
3- ليست في « ن ».

عدد الشركاء ، لحصول المراد به ، فالزيادة كلفة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : يكتب ست رقاع ، لصاحب السدس رقعة ، ولصاحب الثلث رقعتان ، ولصاحب النصف ثلاثة رقاع ، قال : وقال بعضهم : تجزي ثلاث رقاع ؛ لأنها إنما تخرج القرعة مرتين ويكتفي بها عن الثالث ، فإذا أمكن الاختصار فلا معنى للتطويل ، قال : والأول أقوى ؛ لأن كل من كان سهمه أكثر كان حظه (1) أوفر وله مزية على صاحب الأقل ، فإذا كتب لصاحب النصف ثلاث رقاع كان خروج قرعته أسرع وأقرب وإذا كتب له واحدة كان خروج قرعته وقرعة صاحب السدس سواء ، ولهذا قيل : يكتب له أكثر من رقاع غيره ، قال : والثاني أيضا قوي ؛ لأنا فرضنا أن القسمة متساوية فلا فائدة في ذكر التقديم والتأخير ، وهذا يدل على تردده ، والمعتمد اختيار المصنف وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : ولو كان المستحق مشاعا بينهما ، فللشيخ رحمه اللّه قولان : أحدهما : لا يبطل فيما زاد عن المستحق ، والثاني : يبطل ؛ لأنها وقعت من دون إذن الشريك ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا كان بينهما ضيعة نصفين فاقتسماها فبان ثلثها مستحقا ، فان كان معينا وحصل بينهما بالسوية لم تبطل القسمة ، والا بطلت. وإن كان مشاعا بطلت في قدر المستحق ، ولم تبطل فيما بقي وقال قوم : تبطل فيما بقي ، والأول مذهبنا ، والثاني قوي ؛ لأن القسمة تميز حق كل منهما عن صاحبه وقد بان أنه على الإشاعة ، قال : والعلة الجيدة أنهما اقتسماها نصفين وثلثها لغائب ومن قسم ما هو شرك بينه وبين غيره من غير حضوره كانت القسمة باطلة ، والى هذه العلة أشار المصنف بقوله ( لأنها وقعت من دون إذن الشريك ) ، والمعتمد مذهب

ص: 249


1- في « ن » : حديث صته.

المصنف وهو اختيار العلامة.

ص: 250

في أحكام الدعوى

قال رحمه اللّه : المدعي : هو الذي يترك لو ترك الخصومة ، وقيل : هو الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيا ، وكيف عرفناه فالمنكر في مقابلته.

أقول : اجتمعت (1) الأمة على أن البينة على المدعي واليمين على المنكر ، والأصل في ذلك قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2) ، وقيل : إن السبب في ذلك أن جانب المنكر أقوى من جانب المدعي لموافقة دعوى المنكر للأصل ؛ لأن الأصل براءة ذمته مما يدعيه عليه المدعي ، ومخالفة دعوى المدعي للأصل ، والبينة أقوى من اليمين لعدم التهمة فيها ، والإنسان قد يتهم بدعواه لنفسه فاعطى الشارع أقوى الحجتين لأضعف الجانبين ، وأضعف الحجتين لأقوى الجانبين ، ليجيز الضعيف القوي ليحصل المعادلة بينهما ، فهذه القاعدة أحوجت إلى معرفة المدعي من المدعى عليه ، ليطالب كل منهما بحجته ، وقد عرفوا المدعى بثلاث تعريفات :

ص: 251


1- في النسخ : أجمعت.
2- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.

الأول : الذي يترك لو ترك الخصومة ، فيكون المدعى عليه من لا يترك لو سكت.

الثاني : هو الذي يدعي خلاف الأصل ، والمدعى عليه هو الذي يوافق الأصل.

الثالث : هو الذي يدعي أمرا خفيا ، فيكون المدعى عليه هو الذي يدعي ما يوافق الظاهر.

إذا عرفت هذا فاذا ادعى زيد دينارا أو عينا على عمرو فزيد هو المدعي على التعريفات الثلاث ؛ لأنه لو سكت ترك وسكوته ، ولأنه هو الذي يدعي خلاف الأصل وخلاف الظاهر ؛ لأن الأصل والظاهر براءة ذمة عمرو مما يدعيه زيد.

والفائدة إنما تظهر في مثل ما إذا أسلم الزوجان قبل الدخول وادعى الزوج تقارن الإسلام ليثبت العقد ، وادعت الزوجة تعاقبه لينفسخ العقد ، فان قلنا : المدعي من يترك لو ترك الخصومة فالزوجة مدعية ؛ لأنها لو تركت لما نازعها (1) الزوج واستقر العقد فيحلف الزوج ويستقر عقده ، وكذا لو قلنا : إن المدعي هو الذي يدعي خلاف الأصل ، فالزوجة المدعية ؛ لأن الأصل عدم تقدم (2) أحدهما على الأخر ، وإن قلناه : إن المدعي هو الذي يدعي خلاف الظاهر فالزوج هو المدعي ؛ لأن التقارن (3) نادر والظاهر التعاقب.

ولو انعكست الدعوى فادعت الزوجة التقارن لتثبت النكاح والمهر ، وقال الزوج : أسلمت قبل فلا نكاح ولا مهر ، فعلى التفسير الأول فالمدعي الزوجة ؛

ص: 252


1- في « ن » : بان عنها.
2- من النسخ وفي الأصل : تقديم.
3- من النسخ وفي الأصل : والتقارن.

لأنها تخلى وسكوتها ، وكذا على الثالث ، لندور الاقتران ، وعلى الثاني فالمدعي الزوج ؛ لأن الأصل عدم سبق أحدهما على الأخر ، ففي المسألة الأولى الزوجة مدعية على الأول والثاني ، والزوج مدعي (1) على الثالث وفي المسألة الثانية الزوجة مدعية على الأول والثالث ، والزوج مدع على الثاني.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى المنكر فسق الحاكم أو الشهود ولا بينة ، وادعى علم المشهود له ، ففي توجه اليمين على نفي العلم تردد ، أشبهه عدم التوجه ؛ لأنه ليس له حقا لازما ، ولا يثبت بالنكول ولا باليمين المردودة ؛ لأنه [ يثير ] فسادا.

أقول : ومن أنه ينتفع به في حق لازم ، وهو بطلان الحكم مع الإقرار ، فحينئذ لو صدقه على فسق الحاكم أو الشهود وبطل الحكم ولم تبطل الدعوى ، فله اعادتها عند غير ذلك الحاكم ، وله إقامة غير تلك الشهود. والمعتمد عدم توجه اليمين ، وهو اختيار المصنف وفخر الدين والشهيد. أما لو التمس بعد إقامة البينة عليه إحلاف المدعي على الاستحقاق أجيب ، قاله العلامة في القواعد جزما.

قال رحمه اللّه : وفي إلزامه بالجواب عن دعوى الإقرار تردد ، منشؤه أن الإقرار لا يثبت حقا في نفس الأمر ، بل إذا ثبت قضى به ظاهرا.

أقول : منشؤه من أنه ينتفع به مع التصديق ؛ لأنه لو صدقه بأنه قد أقر له الزم بذلك الإقرار ، ومما قاله المصنف ، وبيانه : أن الإقرار لا يوجب حقا في نفس الأمر ؛ لأنه لو علم المقر له كذب المقر بما أقر به لم يحل له أخذ المقر به ، فلهذا قال المصنف : الإقرار لا يثبت حقا في نفس الأمر ، والمعتمد وجوب الجواب وهو اختيار العلامة وابنه.

قال رحمه اللّه : ولو كان المدين حاضرا و[ جاء ] للغريم بينة تثبت عند الحاكم ، والوصول اليه ممكن ففي جواز الأخذ تردد أشبهه الجواز ، وهو الذي

ص: 253


1- كذا.

ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وعليه دل عموم الاذن في الاقتصاص.

أقول : هذا هو المشهور ، لعموم قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1) ولقوله عليه السلام : « الواجد يحل عقوبته وعرضه » (2) واختاره المصنف هنا والعلامة والشهيد ، ويحتمل عدم الجواز ؛ لان التسلط (3) على مال الغير خلاف الأصل ، فيقتصر على محل الضرورة ، وهو عدم (4) وجود البينة وتعذر (5) الوصول الى الحاكم ، ونقله الشهيد عن المصنف في المختصر.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن بينة أو تعذر الوصول الى الحاكم ، ووجد الغريم من جنس ماله اقتص مستقلا بالإيفاء [ بالاستيفاء ] ، نعم لو كان المال وديعة عنده ، ففي جواز الاقتصاص تردد أشبهه الكراهية ، ولو كان من غير جنس الموجود أخذه بالقيمة العدل.

أقول : الكراهية مذهب الشيخ في الاستبصار ، وبه قال ابن إدريس : واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لرواية أبي العباس (6) عن الصادق عليه السلام الدالة على المطلوب ، وذهب الشيخ في النهاية (7) وابن البراج وابن زهرة إلى تحريم الأخذ ، لعموم قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (8) وهو ينافي جواز الأخذ ، ولرواية ابن أبي عمير (9) ، عن أبي

ص: 254


1- البقرة : 194.
2- الوسائل ، كتاب الدين ، باب 8 من أبواب القرض ، حديث 4.
3- في « ر 1 » : التسليط.
4- في النسخ : مع عدم.
5- في النسخ : أو تعذر.
6- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 83 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 1.
7- في « ن » : الاستبصار.
8- النساء : 58.
9- في النسخ : إلزام الغاصب.

عبد اللّه عليه السلام الدالة على عدم الجواز ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو تلفت قبل البيع ، قال الشيخ : الأليق بمذهبنا أنه لا يضمنها ، والوجه الضمان ؛ لأنه قبض لم يأذن فيه المالك ، ويتقاصان [ بقيمتها ] مع التلف.

أقول : إذا أخذ من مال (1) المماطل شيئا كان مخيرا بين أن يتملكه بالقيمة وبين البيع إذا لم يكن من جنس الحق ، فإن تلف قبل التملك أو قبل البيع ، هل يضمنه؟ قال الشيخ : لا يضمنه ؛ لأنه قبضه قبضا مشروعا فلا يتعقبه ضمان ، وقال المصنف : يضمنه ، وقد ذكر وجهه واختاره العلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه قبضه لنفسه فيكون مضمونا عليه.

قال رحمه اللّه : لو انكسرت سفينة في البحر ، فما أخرجه البحر فهو لأهله ، وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه ، وبه رواية في سندها ضعف.

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه الحسين بن يقطين ، عن أمية بن عمرو ، عن الشعيري : « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر فاخرج بعضه بالغوص واخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال : أما ما أخرجه البحر فهو لأهله اللّه أخرجه ، وأما ما اخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به » (2) وأوردها الشيخ في النهاية على صورتها ، واستضعفها المصنف ؛ لأن أمية بن عمرو واقفي. وقال ابن إدريس : ما أخرجه البحر فهو لأهله ، وما أخرج بالغوص ، فان تركه أهله آيسين منه فهو لمن أخرجه وغاص عليه ؛ لأنه بمنزلة المباح ، كالبعير يترك من جهد في غير كلاء ولا ماء ، فإنه يكون لواجده ، وادعى

ص: 255


1- ليست في الأصل.
2- الوسائل ، كتاب اللقطة ، باب 12 ، حديث 2.

الإجماع على ذلك ؛ لأن الأصل بقاء الملك على مالكه ما لم يعلم المخرج ، واستحسن أبو العباس في مقتصره قول ابن إدريس.

ص: 256

في الاختلاف في دعوى الاملاك

قال رحمه اللّه : لو تنازعا عينا في يدهما ولا بينة ، قضى بها بينهما نصفين ، وقيل : يحلف كل واحد منهما لصاحبه.

أقول : المشهور أنه لا يقضى بينهما (1) نصفين إلا بعد أن يتحالفا ؛ لأن كل واحد مدع بالنصف ، ومدع عليه في النصف الأخر ، فإن حلفا أو نكلا استقرت العين بينهما ويحلف كل واحد منهما على النفي ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ردت اليمين على الحالف ، فيحلف على الإثبات في النصف الأخر ؛ لأن هذه يمين المدعي المردودة ، ولو نكل الأول الذي بدأ به القاضي تحكما (2) أو بالقرعة ، عرض على الثاني يمين النفي واليمين المردودة ، ويكفى يمين واحدة جامعه بين النفي والإثبات ، فيحلف أن جميع العين له ليس لصاحبه فيها حق ، ولو قال : واللّه إن النصف الذي يدعيه ليس له فيه حق والنصف الأخر لي كفاه ؛ لأن الواجب في يمين النفي أن ينفيه عن المدعي ولا يجب عليه أن يثبته لنفسه.

ص: 257


1- في « م » : بها.
2- في الأصل تحاكما.

قال رحمه اللّه : وفي الثاني يقضى بها للخارج دون المتشبث ، ان شهدت لهما بالملك المطلق ، وفيه قول آخر ذكره في الخلاف بعيد ، ولو شهدتا بالسبب ، قيل : يقضي لصاحب اليد ، لقضاء علي عليه السلام في الدابة ، وقيل : يقضى للخارج ؛ لأنه لا بينة على ذي اليد كما لا يمين على المدعي عملا بقوله صلى اللّه عليه وآله : « واليمين على من أنكر » ، والتفصيل قاطع الشركة ، وهو أولى ، أما لو شهدت للمتشبث بالسبب ، وللخارج بالملك المطلق ، فإنه يقضي لصاحب اليد ، سواء كان السبب مما لا يتكرر كالنتاج ونساجة الثوب الكتان ، أو يتكرر كالبيع ، أو الصياغة ، وقيل : يقضي للخارج ، وإن شهدت بينة بالملك المطلق عملا بالخبر ، والأول أشبه.

أقول : إذا تداعيا عينا في يد أحدهما وأقام كل منهما بينة فلا يخلوا ، إما ان تشهد لهما بالملك المطلق ، أو تشهد لهما بالسبب ، أو تشهد لأحدهما بالملك المطلق وللآخر بالسبب ، فالأقسام أربعة :

أ ) أن تشهد لهما بالملك المطلق ، قال الشيخ في الخلاف : إن البينة بينه الداخل سواء أطلقتا أو قيدتا بالسبب ؛ لأن له بينة ويد ، ولما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة وكل منهما أقام بينة أنه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده ، وقال لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين » (1) ، ومثلها رواية جابر (2) عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم. واستبعده المصنف (3) ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب (4) والاستبصار ، لقوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على

ص: 258


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 12 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.
2- سنن البيهقي - ج 10 - ص 256.
3- في الأصل بعد هذا عبارة غير موجودة في النسخ وهي : وما اختاره من تقديم الخارج.
4- في « ن » : النهاية.

من أنكر » (1) ولا شك أن المتشبث منكر فيكون الخارج هو المدعي والبينة (2) بينته ، ولعدم دلالة الحديث على مطلوبه ؛ لأنه مقيد بالسبب فلا دلالة فيه على الإطلاق.

ب ) أن تشهد لهما بالسبب ، فهنا يقدم الداخل عند الشيخ في الخلاف والتهذيب والاستبصار ، والخارج عند الصدوقين والمفيد ، للحديث المشهور بين الأصحاب فيقدم الخارج لما تقدم من قوله عليه السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (3) ، جعل عليه السلام لكل واحد حجة ، وكما لا يمين على المدعي لا بينة على المنكر ، والا لزم الاشتراك بين المدعي والمنكر في البينة واليمين ، فلا يتحقق فائدة التفصيل أي تخصيص كل واحد بشي ء ، وهو معنى قوله ( والتفصيل قاطع للشركة ) أي تخصيص المدعي بالبينة والمنكر باليمين قاطع لشركتهما بالبينة واليمين ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

ج ) أن تشهد بينة الخارج بالملك المطلق والداخل بالسبب ، فهنا قال الشيخ في النهاية : يحكم له واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لتأييد اليد بالسبب ، ولرواية غياث بن إبراهيم المتقدمة عن علي عليه السلام ، ورواية جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، وقال ابن إدريس : يقضى للخارج مطلقا ، لعموم قوله عليه السلام « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ».

د ) ان تقيد بينة الخارج بالسبب ويطلق بينة الداخل ، فهنا يقدم الخارج بلا خلاف ؛ لأن القائل بتقديم بينة الداخل قيد ذلك بإطلاقهما أو بشهادتهما لهما بالسبب أو بتقييد الداخل بالسبب مع إطلاق الخارج ، ولم يقل احد بتقديم بينه

ص: 259


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.
2- في ن : فالبينة.
3- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 3.

الداخل مع إطلاقها وتقييد بينه الخارج بالسبب.

قال رحمه اللّه : ولو كانت في يد ثالث ، قضى بأرجح البينتين عدالة ، فإن تساويا قضى لأكثرهما شهودا ، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما فمن خرج اسمه أحلف وقضي له ، وإن امتنع أحلف الأخر وقضي له ، وإن نكلا قضي به بينهما بالسوية ، وقال في المبسوط : يقضى بالقرعة إن شهدتا بالملك المطلق ، ويقسم بينهما ان شهدتا بالملك المقيد ، وإن اختصت إحداهما بالتقييد قضى بها دون الأخرى ، والأول أنسب بالمنقول.

أقول : ما حكاه أولا - وهو الحكم بالقرعة مع التساوي عددا وعدالة - قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وقد ورد فيه وفي قول المبسوط روايتان (1) عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وانما كان مذهب النهاية أنسب بالمنقول ؛ لأنهما بينتان تعارضتا ولا ترجيح لأحدهما على الأخرى ، ولا يجوز إبطالهما ، فيتعين الجمع بينهما بالقسمة بعد القرعة واليمين ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ويتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين ، ولا يتحقق بين شاهدين وشاهد ويمين ، وربما قال الشيخ نادرا : يتعارضان ويقرع بينهما.

أقول : الشيخ ذكر هذه المسألة في موضعين من المبسوط ، أحدهما : فصل الرجوع عن الشهادة ، وحكى الخلاف فيها ولم يختر شيئا ، والأخر : فصل الدعاوي والبينات ، واختار عدم التعارض بل تقدم الشاهدان والشاهد والمرأتان على الشاهد واليمين ، وصرح في الخلاف بعدم التعارض أيضا ، وهو المعتمد.

ص: 260


1- الوسائل ، القضاء ، باب 12 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 1 و 6.

قال رحمه اللّه : إذا ادعى شيئا فقال المدعي عليه : هو لفلان اندفعت عنه المخاصمة ، حاضرا كان المقر له أو غائبا ، فإن قال المدعي : أحلفه أنه لا يعلم أنها لي ، توجهت اليمين ؛ لأن فائدتها الغرم لو امتنع لا القضاء بالعين لو نكل أورد ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لا يحلف ولا يغرم لو نكل ، والأقرب أنه يغرم ؛ لأنه حال بين المالك وملكه بإقراره لغيره.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى دارا في يد رجل ، فقال المدعي عليه : ليست بملك لي وانما هي لفلان ، فقال المدعي : أحلفوا المقر الذي ادعيت عليه أولا انه لا يعلم أنها ملكي ، قال قوم : يجب عليه اليمين ، وقال اخرون : لا يجب عليه ، بناء على مسألة هي : إذا قال الدار لزيد لا بل لعمرو سلمت الى زيد ، وهل يغرمها لعمرو؟ على قولين ، كذلك هنا لو اعترف بها للمدعي بعد أن أقر بها لغيره ، وهل عليه الغرم أم لا؟ ( على قولين ) (1) : فمن قال : لو اعترف لزمه الضمان ، قال : عليه اليمين ؛ لأنه لما لزمه الغرم مع الإقرار لزمه (2) اليمين مع الإنكار ، وقال قوم : لا يحلف ، لأنه لا فائدة فيها ؛ لأن أكثر ما فيه أن يعترف خوفا من اليمين ، ولو اعترف فلا شي ء عليه ، فلما لم يلزمه الغرم مع الإقرار لا يلزمه اليمين مع الإنكار ، قال : وهو الذي يقوى في نفسي ، والمعتمد مذهب المصنف وقد ذكر وجهه.

قال رحمه اللّه : لو ادعى دارا في يد إنسان ، وأقام بينة أنها كانت في يده أمس ، أو منذ شهر ، قيل : لا تسمع هذه البينة : وكذا لو شهدت له بالملك أمس ؛ لأن ظاهر اليد الآن الملك فلا تندفع بالمحتمل ، وفيه إشكال ، ولعل الأقرب القبول.

ص: 261


1- ما بين القوسين ليس في الأصل.
2- في « ر 1 » : لا يلزمه.

أقول : اختلف قولا الشيخ في هذه المسألة ، فتارة حكم بسماع البينة لسبق اليد ، وتارة لم يحكم بها ، واختار المصنف والعلامة في المختلف والإرشاد سماع البينة بذلك ؛ لأن اليد دليل ظاهر على الملكية ، وإذا ثبت بالبينة والإقرار (1) سبقها فقد ثبت دليل الملك ، وثبوت دليل الملك يقتضي ثبوت مدلوله وهو الملك ، والا لم يكن دليلا ، وقال فخر الدين : لا تسمع هذه البينة ولا تنتزع هذه (2) العين من ذي اليد بهذا (3) ؛ لأن هذه يد معلومة وتلك مظنونة ، والمظنون لا يعارض المعلوم ، ولأن اليد قد تكون مستحقة وقد لا تكون ، فاذا زالت ضعفت دلالتها.

واحتج الشيخ على عدم السماع بأن المدعي يدعي الملك الآن والبينة تشهد له بالملك (4) بالأمس ، فقد شهدت بغير ما يدعيه فلم يقبل ، ثمَّ قال : فان قالوا : شهدت له بالملك أمس والملك مستدام الى أن يعلم زواله ، قلت لا نسلم ان الملك يثبت بها حتى يكون مستداما ، على أن زوال الأول موجود فلا يزول (5) الثابت بأمر محتمل.

ص: 262


1- في النسخ : أو الإقرار.
2- هذه الكلمة ليست في النسخ.
3- في « ن » : هذا.
4- من « ن ».
5- في النسخ : يزال.

في الاختلاف في العقود

قال رحمه اللّه : إذا اتفقا على استيجار دار معينة شهرا معينا ، واختلفا في الأجرة ، وأقام كل منهما بينه بما قدّره ، فان تقدم تاريخ أحدهما عمل به ؛ لأن الثاني يكون باطلا ، وإن كان التاريخ واحدا تحقق التعارض إذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين ، فحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، هذا اختيار شيخنا في المبسوط ، وقال آخر : يقضى ببينة المؤجر ؛ لأن القول قول المستأجر لو لم يكن بينة ، إذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر فيكون القول قوله ، ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت البينة في طرف المدعي ، فحينئذ نقول هو مدع [ زيادة ] ، وقد أقام البينة بها ، فيجب ان تثبت ، وفي القولين تردد.

أقول : منشأ التردد من عدم ترجيح أحد القولين عنده ؛ لأن كل واحد منهما مدع وله بينة فتقديم أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح ، وذهب العلامة في التحرير الى اختيار الشيخ وهو اعتبار القرعة ، ولم يرجح في القواعد والإرشاد شيئا ، واختار الشهيد في شرح الإرشاد القرعة أيضا ، وهو قوي.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى استيجار دار ، فقال المؤجر ، بل آجرتك بيتا

ص: 263

منها ، قال الشيخ : يقرع بينهما ، وقيل : القول قول المؤجر ، والأول أشبه ؛ لأن كلا منهما مدع ، ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ ، ومع التفاوت يحكم للأقدم.

أقول : إذا ادعى المستأجر أنه استأجر جميع الدار المعينة بعشرة مثلا وادعى المؤجر أنه آجره بيتا منها بعشرة ولم يكن بينة ، حكى المصنف أنه يقرع بينهما ، ونقل قولا بتقديم قول الموجر ثمَّ اختار القرعة ، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه فلا أولوية بتقديم أحدهما على الأخر ، وظاهر العلامة وابنه أنهما يتحالفان ويبطل العقد ويرجع الى أجرة المثل ان كان بعد استيفاء المنفعة (1) ، وان كان قبل الاستيفاء فلا شي ء ، وان كان في الأثناء بطل في المختلف ، وله أجره المثل في الماضي ، وهذا القول نقله ( الشهيد عن ) (2) الشيخ وهو قريب ، وان أقام كل بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ فحينئذ يتساقطان ويرجع الى التحالف أو القرعة أو تقديم قول المؤجر كما لو لم يكن بينة ، ووجه تقديم قول المؤجر ؛ لأن (3) المستأجر يدعي استيجار الزائد على البيت والمؤجر منكر ، واختار العلامة في التحرير مذهب المصنف وهو القرعة ، وإن اختلف التاريخ عمل على الأسبق ، قال الشهيد : فان كان بينة الدار فلا بحث ، وان كان بينة البيت صح العقدان إلا أنه ينقص من العشرة بنسبة ما بين البيت والدار ، ومثله قول صاحب القواعد ، قال : إن كان الأقدم بينة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الأجرة ، بيانه : إن سبق عقد الدار حكمنا بصحته ولا بحث ؛ لأنه لم يبق شي ء يقع عليه العقد الثاني لاشتمال الدار على البيت ، وان سبق عقد

ص: 264


1- في الأصل : الاستيفاء.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- كذا.

البيت صح العقدان وحكم بإجارة البيت بأجرته وهي العشرة ، وحكم بإجارة مجموع الدار والبيت بعشر لكن ينقص من العشرة بنسبة ما بين الدار والبيت ، فيسقط ما قابل البيت ويؤخذ منه ما قابل بقية الدار ؛ لأن عقد الدار وقع على ما يملكه (1) وهو بقية الدار وعلى ما لا يملكه (2) وهو البيت ، لسبق العقد عليه ، هذا إذا لم يتفقا أنه لم يجر الا عقد واحد فان اتفقا على أنه لم يجر الا عقد واحد تحقق التعارض.

قال رحمه اللّه : لو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن وهي في يد البائع ، قضي بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة ، وعددا ، وتاريخا وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، ولا يقبل قول البائع لأحدهما ، ويلزمه إعادة الثمن على الآخر ؛ لأن قبض الثمنين ممكن ، فتزدحم البينتان فيه. ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ، ويرجع كل منهما بنصف الثمن ، وهل لهما ان يفسخا؟ الأقوى : نعم ، لتبعيض المبيع قبل قبضه ، ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم ، وفي لزوم ذلك له تردد أقربه اللزوم.

أقول : منشؤه من أنه يثبت له خيار الفسخ ابتداء والأصل بقاؤه ، ومن وجود المقتضي للزوم وهو دعواه الشراء وقيام البينة به ، وزوال المانع ؛ لأن المانع من اللزوم دعوى الآخر للشراء وقيامه البينة على ما ادعاه ، وقد زالت الدعوى فيلزم البيع (3) للآخر ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه. ولو لم يقيما بينة رجع إليه ، فإن كذبهما حلف لهما وتدافعا ، وإن صدق أحدهما حلف للآخر وقضي للأول ، وللثاني إحلاف الأول أيضا ، ولو أقر لكل واحد بالنصف قضى له به

ص: 265


1- في النسخ : يملك.
2- في النسخ : يملك.
3- في النسخ : المبيع.

وحلف لهما أيضا.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى عبد أن مولاه أعتقه ، وادعى آخر أن مولاه باعه منه ، وأقاما البينة ، قضي لأسبق البينتين تاريخا ، فان اتفقا قضي بالقرعة مع اليمين ، ولو امتنعا من اليمين ، قيل : يكون نصفه حرا ونصفه رقا لمدعي الابتياع ، ويرجع بنصف الثمن ، ولو فسخ عتق كله ، وهل يقوم على بائعه؟ الأقرب : نعم ، لشهادة البينة بمباشرة عتقه.

أقول : إذا ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخر أن مولاه باعه منه ولا بينة ، فان أنكرهما حلف لهما واستقر ملكه على العبد ، وإن أقر لأحدهما (1) ثبت ما أقربه ، وهل يحلف لمدعي الشراء مع إقراره بالعتق؟ يبنى على مسألة : هي أن إتلاف البائع للمبيع قبل قبض المشتري ، هل هو كالآفة السماوية أو كإتلاف الأجنبي؟ إن قلنا بالأول انفسخ العقد ولا يمين لا فراره بالعتق قبل قبض المشتري إتلافا فينفسخ العقد ، وان ادعى تسليم الثمن إلى البائع طالبه به ، فان اعترف سلمه اليه ، وان أنكر حلف ، وان قلنا بالثاني - وهو ان إتلاف البائع كإتلاف الأجنبي وهو المعتمد - كان له إحلافه ، فإن حلف برئ منه ، وإن أقرّ أو نكل فحلف المشتري غرم له قيمة العبد ، وإن أقرّ أولا بالبيع ، هل يحلف للعبد قيل : لا ؛ لأنه لو اعترف بالعتق بعد الإقرار بالبيع لم يعتق ولم يغرم ؛ لأنه عبد.

والمعتمد وجوب اليمين ، فان حلف برئ منه ، وان اعترف أو نكل فحلف العبد الزم بفكه من المشتري ، وإن أقام أحدهما بينة عمل بها ، ولو أقاما بينة وتساويا عدالة وعددا وتاريخا أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف وثبت مدعاه ، فان امتنعا قسم بينهما فيعتق نصفه ويرق نصفه للمشتري ، ويثبت للمشتري الخيار لتبعيض الصفقة ، وان فسخ عتق كله لقيام البينة بالعتق وانتفاء المعارض ؛

ص: 266


1- كذا.

لان المعارض حق المشترى (1) وقد زال ، وإن لم يفسخ (2) المشتري بل أخذ النصف ، هل يقوم على البائع مع يساره؟ قال المصنف : نعم ، واختاره العلامة وابنه ، لقيام البينة بالعتق مختارا ، وقد ثبت بها عتق النصف فيقوم عليه النصف الأخر ، ويحتمل العدم لإعمال بينة الشراء بالنصف وهو ينفي أصل العتق ، والنصف الآخر عتق قهرا فلا يقوم حينئذ ، هذا إذا كان العبد في يد البائع ، وان كان في يد المشتري قدمت بينته على القول بتقديم بينة الداخل ، وتقدم (3) بينة العبد على القول بتقديم بينة الخارج.

قال رحمه اللّه : لو ادعى كل واحد منهما أن الذبيحة له ، وفي يد كل واحد منهما بعضها ، وأقام كل منهما بينة قيل : يقضى لكل واحد بما في يد الآخر ، وهو الأليق بمذهبنا.

أقول : هذا القول مبني على القول بتقديم بينة الخارج ، وقد مضى البحث في ذلك (4).

قال رحمه اللّه : إذا تداعى الزوجان متاع البيت ، قضي لمن قامت له البينة ، ولو لم يكن بينة فيد كل واحد على نصفه ، قال الشيخ في المبسوط : يحلف لصاحبه ويكون بينهما بالسوية ، سواء كان مما يخص الرجال أو النساء أو يصلح لهما ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما ، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو زائلة ، ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوارث ، وقال في الخلاف : ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء للمرأة ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ، وفي رواية : أنه للمرأة ؛ لأنها تأتي بالمتاع من أهلها ، وما ذكره في الخلاف أشهر في الروايات

ص: 267


1- في النسخ : للمشتري.
2- في النسخ : يفسخه.
3- في النسخ : وتقديم.
4- ص 259.

وأظهر بين الأصحاب.

أقول : للشيخ في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : مذهبه في المبسوط ، وهو قسمته بينهما بالسوية ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وهو اختيار فخر الدين ، والحجة عليه إلحاقه بسائر الدعاوي لدخوله تحت الأصول المحققة والعمومات المسلمة.

الثاني : مذهبه في الخلاف ، وقد حكاه المصنف ثمَّ جنح اليه ، وبه قال ابن حمزة وابن الجنيد ، واختاره ابن إدريس والعلامة في التحرير وأبو العباس في المقتصر ، ودليلهم الروايات.

الثالث : مذهبه في الاستبصار وهو أنه للمرأة ؛ لأنها تأتي بالمتاع من أهلها ، لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام أنه قال : « المتاع متاع المرأة الا أن يقيم الرجل البينة قد علم من بين لابتيها يعنى جبلي منى أن المرأة تزف الى بيت زوجها المتاع ، ونحن يومئذ بمنى » (1) ، وقال العلامة في المختلف : إن كان هناك قضاء عرفي رجع اليه وحكم به بعد اليمين ، والا كان الحكم كما في غيره من الدعاوي ، قال : لأن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة الى ذلك ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل ، وكون المتشبث أولى من الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا ، فحكم بإيجاب البينة على من يدعى خلاف الظاهر ، والرجوع الى من يدعى ظاهر العرف ، واما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعوتين مع عدم الترجيح فيتساويان ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، ولا بأس به.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو

ص: 268


1- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 8 من أبواب ميراث الأزواج ، حديث 1 ، ويراجع في روايات القولين الآخرين باب نفسه.

غيره ، كلّف البينة كغيره من الأسباب ، وفيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه جعفر بن عيسى ، « قال : كتبت الى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها ما كان عندها من متاع وخدم ، أيقبل ذلك بلا بينة أم لا يقبل إلا ببينة؟ فكتب في الأب يجوز بلا بينة ، وكتبت اليه : إن ادعى زوج الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب لا » (1) ، والمشهور عدم الفرق بين الأب وغيره ، لعموم « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (2) وهو المعتمد.

ص: 269


1- الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 23 من أبواب كيفية الدعوى ، حديث 1.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب القضاء ، باب 3 من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، حديث 4 و 5. والوسائل ، كتاب القضاء ، باب 3 من أبواب كيفية الحكم والدعوى حديث ( 2. 2 ، 3 ، 5 ) مع اختلاف يسير.

ص: 270

كتاب الشهادات

اشارة

ص: 271

ص: 272

في صفات الشهود

اشارة

قال رحمه اللّه : الأول : البلوغ ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا وقيل : تقبل مطلقا إذا بلغ عشرا ، وهو متروك ، واختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل فروى جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « تقبل شهادتهم في القتل ويؤخذ بأول كلامهم ، ومثله روى محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقال الشيخ في النهاية : تقبل شهادتهم في الجراح والقصاص ، وقال في الخلاف : تقبل شهادتهم في الجراح ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على مباح ، والتهجم على الدماء بخبر الواحد خطر ، فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة : بلوغ العشر ، وبقاء الاجتماع إذا كان على مباح تمسكا بموضع الوفاق.

أقول : شهادة الصبي إما أن تكون في الجراح والقتل أو في غيرهما من الحقوق كالأموال وغيرها ، وعلى التقديرين إما أن يبلغ عشر سنين أو (1) لا ، فالأقسام أربعة :

ص: 273


1- في غير « م » : أم.

الأول : شهادتهم في غير الجراح والقتل قبل بلوغ العشر باطلة إجماعا.

الثاني : شهادتهم في الجراح والقتل قبل بلوغ العشر ، وظاهر الشيخ في النهاية أنها لا تقبل أيضا ؛ لأن عبارته فيها : ويجوز شهادة الصبيان إذا بلغوا عشر سنين الى أن يبلغوا في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول قولهم ، ولا يؤخذ بثانيه ، ولا يقبل شهادتهم فيما عدا ذلك ، وهو يدل على اشتراط بلوغ العشر ، وأطلق ابن الجنيد قبول شهادة الصبيان في الجراح ، وكذا الشيخ في الخلاف.

الثالث : قبول شهادتهم إذا بلغوا عشر سنين في الجراح خاصة دون القتل وغيره من الحقوق بقيود ثلاثة : بلوغ العشر ، وبقاء الاجتماع ، وكونه على المباح (1) ، وهو اختيار المصنف والعلامة والشهيد.

الرابع : القبول مطلقا في الجراحات وغيرها من الحقوق مع بلوغ العشر ، وهو القول الذي أشار إليه المصنف ، وقيل : يقبل مطلقا إذا بلغ عشرا ، وهو متروك. وهذا القول نقله العلامة والشهيد ، كما نقله المصنف ، قال عميد الدين في شرح القواعد : ولم نظفر الى الآن بهذا القائل.

تنبيه : إنما قال المصنف : اختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجراح والقتل ؛ لأنه لا خلاف بينهم في قبول شهادتهم في الجملة ، وانما الخلاف في العبارات ، فبعضهم قبلها في الجراح والقصاص وهو المفيد ، وبعضهم قبلها في الجراح دون القصاص ، وهو الشيخ في النهاية والمصنف والعلامة والشهيد ، وبعضهم اشترط الاجتماع على مباح ، وبعضهم لم يشترطه ، وبعضهم اشترط عدم الافتراق ، ولم يشترطه بعضهم ، ومنع فخر الدين من قبول شهادتهم مطلقا ، لقوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (2) ، ولأن إقراره غير مقبول

ص: 274


1- في النسخ : مباح.
2- البقرة : 282.

على نفسه فعدم قبوله على غيره أولى ، وهو قوي ، لكن مخالفة ما أجمع عليه الأصحاب مشكل.

قال رحمه اللّه : وتقبل شهادة الذمي خاصة في الوصية إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها ، ولا يشترط كون الموصي في غربة ، وباشتراطه رواية مطرحة ، ويثبت الإيمان بمعرفة الحاكم أو قيام البينة أو الإقرار. وهل تقبل شهادة الذمي على الذمي؟ قيل : لا ، وكذا لا تقبل على غير الذمي ، وقيل : تقبل شهادة كل ملة على ملتهم ، وهو استناد إلى رواية سماعة ، والمنع أشبه.

أقول : أجمع أصحابنا على عدم قبول شهادة غير المؤمن المحق العدل ، مسلما كان أو كافرا ، لاتصافه بالفسق فهو غير مقبول الشهادة وان كان موثقا ، إلا شهادة الذمي في الوصية ، فإنهم أجمعوا على قبولها بشروط ثلاثة : الأول : تعذر عدول المسلمين ، وكون الشاهد عدلا في دينه ، معتقدا تحريم الكذب ، وكون الشهادة على الوصية في المال دون الولاية. وهل يشترط كون الموصي غريبا مسافرا؟ قال أبو الصلاح وابن الجنيد : نعم ، لأصالة عدم قبول شهادة الكافر ، خرج منه قبول شهادة الذمي في الوصية بالشروط المذكورة مع السفر ، لقوله تعالى ( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (1) ، اشترط في القبول الضرب في الأرض وهو السفر ، ولما رواه حمزة بن حمران عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن قول اللّه عزوجل ( ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ) ؟ قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، قال : انما ذلك إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة ، وطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته ، فلم يجد مسلمين ، يشهد على وصيته رجلين ذميين من

ص: 275


1- المائدة : 106.

أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم » (1) ، والمشهور إطلاق القبول من غير تقييد بالسفر ، وهو اختيار المصنف والعلامة والشهيد ؛ لأن المناط في القبول عدم عدول المسلمين ، إذ لا تأثير للأرض في القبول.

وهل تقبل شهادة الذمي على غيره من أهل الذمة أم لا؟ نقول : أما في الوصية فهي مقبولة ؛ لأنه إذا قبلت على المسلمين في الوصية فقبولها على أهل الذمة فيها أولى ، وأما في غير الوصية فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال ابن الجنيد : تقبل مطلقا ، أي سواء اتفقت الملة أو اختلفت ، وقال ابن أبي عقيل والمفيد : لا تقبل مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأنهم فسقة والفاسق لا تقبل شهادته ، خرج القبول في صورة معينة للنص والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة المنع وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية : يقبل مع اتفاق الملتين أي ملة الشاهد والمشهود عليه ، كاليهودي على اليهودي ، ولا تقبل شهادة اليهودي على النصراني وبالعكس.

قال رحمه اللّه : الرابع : العدالة ، إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق ، ولا ريب في زوالها بمواقعة الكبائر ، كالقتل والزنا واللواط وغصب الأموال المعصومة ، وكذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار وفي الأغلب ، أما لو كان في الندرة ، فقد قيل : لا يقدح لعدم الانفكاك منها إلا فيما نقل باشتراط إلزام الأشق ، وقيل : يقدح لإمكان التدارك بالاستغفار ، والأول أشبه ، وربما توهم واهم أن الصغائر لا تطلق على الذنب الا مع الإحباط ، وهو بالاعراض حقيق ، فإن إطلاقها بالنسبة ، ولكل فريق اصطلاح.

أقول : العدالة شرط في قبول الشهادة ، لقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ

ص: 276


1- الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب 20 ، حديث 7.

مِنْكُمْ ) (1) وقوله ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (2) والفاسق ليس بمرضي ، وقوله ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (3) وهي كيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروة ، ولا شك في زوال التقوى بفعل شي ء من الكبائر وبالإصرار على الصغائر ، والكبيرة عند أكثر (4) الأصحاب كل فعل (5) توعد اللّه تعالى عليه بخصوصه بالعقاب ، ومنهم من قال : كل ذنب يوجب الحد فهو كبيرة وما لا يوجبه فهو صغيرة ، ومنه من قال : إن الذنوب كلها كبائر ، نظرا الى الاشتراك في مخالفة أمره ونهيه ، وانما سمي صغائر بالنسبة الى ما فوقها ، كالقبلة المحرمة ، صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، وجاء في الحديث « لا تنظر الى ما فعلت ولكن أنظر لمن عصيت » (6) وقال بعضهم : إن الصغائر لا تطلق على الذنب الا على القول بالإحباط كما هو مذهب المعتزلة ، وقد فسروا الكبيرة والصغيرة بثلاث معان :

الأول : بالإضافة إلى الطاعة ، وهو إن زاد عقابها على ثواب تلك الطاعة فهي كبيرة بالنسبة إليها ، وإن نقص فهي صغيرة ، الثاني : بالإضافة إلى معصية أخرى ، وهو إن زاد عقابها على عقاب تلك المعصية فهي كبيرة بالنسبة إليها ، وإن نقص فهي صغيرة. الثالث : بالإضافة إلى فاعلها ، فان صدرت ممن له علم (7) وزهد فهي كبيرة ، وإن صدرت ممن ليس له ذلك فهي صغيرة.

ص: 277


1- الطلاق : 2.
2- البقرة : 282.
3- الحجرات : 6.
4- ليست في « ن ».
5- في النسخ : ( ذنب ).
6- الوسائل.
7- في « ن » : علم بها.

قال المصنف : وهذا بالاعراض عنه حقيق ، فإن إطلاقها بالنسبة لكل فريق اصطلاح ، أي إطلاق الكبيرة والصغيرة عند هذا القائل بالنسبة إلى غيرها ، وذلك لا يستلزم الإحباط ؛ لأنهما يقالان بالنظر الى ذواتهما وبالنسبة إلى غيرهما كما عرفت ، وذلك لا يستلزم الإحباط ، لعدم العلم بمقدار ثواب الطاعة وعقاب المعصية حتى ينسب بعضها الى بعض ، وهذا اصطلاح المعتزلة ، فلا يلزمنا القول به (1).

واما المروة التي هي شرط في قبول الشهادة فتنزيه النفس عن الأفعال التي لا تليق بمثله ، كالسخرية ، وكشف ما يتأكد استحباب ستره في الصلاة ، وهو ما بين السرة والركبة ، والأكل في الأسواق غالبا ، ولبس الفقيه القبا والقلنسوة ، ولبسه لباس الجندي بحيث يسخر منه وبالعكس ، وكشف الرأس في المحافل وهم ليس كذلك ، وبالجملة كل فعل يسقط المحل والعزة من قلوب الناس ترد شهادة فاعله.

إذا عرفت هذا ، فهل يقدح فعل الصغيرة نادرا؟ قال ابن إدريس : نعم ، لإمكان التدارك بالاستغفار وقال الشيخ في المبسوط : لا يقدح ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لأن اشتراط اجتناب جميع القبائح مما يعسر ويشق ، ويؤدي الى بطلان الشهادة وعدم مشروعيتها ، لعدم انفكاك غير المعصوم عن ذلك ، قال العلامة : وقول ابن إدريس ليس بشي ء ، لأن مع التوبة لا فرق بين الصغيرة والكبيرة في سقوطها بها ، على أن التوبة من شرطها العزم على ترك المعاودة ، ولا شك أن الصغائر لا ينفك منها الإنسان ، فلا يصح هذا العزم منه غالبا فلا يمكن التوبة (2) في أغلب الأحوال ، وهذا هو المعتمد.

ص: 278


1- هكذا وردت هذه الفقرة.
2- ليست في الأصل.

قال رحمه اللّه : ولا تقبل شهادة القاذف ، ولو تاب قبلت ، وحد التوبة : أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ويواري باطنا ، وقيل : يكذبها إن كان كاذبا ، ويخطئها في الملإ إن كان صادقا ، والأول مروي ، وفي اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد ، والأقرب الاكتفاء بالاستمرار ؛ لان بقاءه على التوبة إصلاح ولو ساعة.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في حد التوبة ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ رحمه اللّه في النهاية ، وعلي بن بابويه والحسن بن أبي عقيل : حدها أن يكذب نفسه فيما قذف به إن كان صادقا ، واختاره المصنف في المختصر من غير قيد بالتورية مع الصدق ، لما رواه أبو الصباح (1) عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال : يكذب نفسه » (2) وهو عام ، وهنا قيد بالتورية مع الصدق ، واختاره الشهيد وأبو العباس ، لحصول التخلص ( عن الكذب ) (3) بالتورية ، وقال ابن إدريس : يقول : القذف باطل حرام ولا أعود الى ما قلت ، ولا يقول : كذبت ؛ لأنه قد يكون صادقا فيكون مأمورا بالكذب وهو قبيح ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط.

ومذهب العلامة في القواعد والإرشاد والمختلف التفصيل ، وهو : إن كان كاذبا كان توبته التصريح بالكذب والاعتراف به حقيقة ، وإن كان صادقا اعترف بتحريم ما قاله ، وأظهر الاستغفار منه من غير أن يصرح بالكذب ، وحمل الاخبار (4) على هذا التفصيل. وعلى جميع الأقوال لا بد من فعل ذلك عند الذي

ص: 279


1- وفي النسخ : أبو الصلاح.
2- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 36 ، حديث 1.
3- ليستا في الأصل.
4- راجع أخبار باب 36 من كتاب الشهادات من الوسائل.

قذف عنده (1) وعند الحاكم الذي أقام عليه الحد ، فان تعذر فعند (2) ملأ من الناس.

الثانية : هل يشترط إصلاح العمل ، وهو أن يفعل طاعة بعد التوبة ، قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يجب ذلك ، لقوله تعالى ( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا ) (3) اعتبر التوبة وإصلاح العمل وفسر الإصلاح بالاستمرار على التوبة ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة من الزيادة على ذلك.

قال رحمه اللّه : لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم ترد به الشهادة ، وفي الاتكاء عليه ، والافتراش له تردد ، والجواز مروي.

أقول : منشؤه من عموم (4) المنع من استعمال الحرير ، فيدخل الاتكاء والافتراش ، ومن أصالة الجواز خرج منه تحريم اللبس للنص (5) والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة الجواز ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي شهادة الولد على والده خلاف والمنع أظهر سواء شهد بمال أو بحق يتعلق ببدنه كالقصاص والحد.

أقول : ذهب السيد المرتضى الى جواز شهادة الولد على والده ، واختاره أبو العباس في المقتصر ، وقواه الشهيد في الدروس ، لقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ

ص: 280


1- في النسخ : وعند.
2- في النسخ : ففي.
3- آل عمران : 89.
4- الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب 11 الى 16 من أبواب لباس المصلي.
5- المصدر المتقدم.

وَالْأَقْرَبِينَ ) (1) وقال الشيخان وابنا بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس : لا تقبل ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد في شرح الإرشاد ، وادعى عليه (2) الشيخ في الخلاف الإجماع ، واستدل العلامة بقوله تعالى : ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (3) وليس من المعروف الشهادة عليه وإظهار كذبه ، فيكون ارتكاب ذلك معصية ، ولأنه نوع عقوق ، وفيه نظر ؛ لأن الشهادة بالحق غير منافية للمعروف ، بل ذلك هو المعروف بعينه ، خصوصا مع عدم قيام شاهد غيره يثبت به ذلك الحق ، والجواب (4) عن الآية بأن الأمر بالإقامة لا يستلزم وجوب (5) قبولها ، وفيه نظر أيضا ؛ لأن الأمر بالإقامة مع عدم القبول يستلزم العبث ، ولأنه معطوف على المقبول (6) وهو الشهادة على نفسه ، ومعطوف عليه المقبول وهو الشهادة على الأقربين ، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، فوجب أن يكون مقبولا ، فلا حجة للقائل بالمنع أقوى من الإجماع المنقول عن الشيخ ؛ لأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة والشهادة على الأم مقبولة.

قال رحمه اللّه : وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها مع غيرها من أهل العدالة ، ومنهم من شرط في الزوج الضميمة كالزوجة ، ولا وجه له ، ولعل الفرق انما هو لاختصاص الزوج بمزية القوة في المزاج أن تجذبه دواعي الرغبة.

ص: 281


1- النساء : 135.
2- ليست في الأصل.
3- لقمان : 15.
4- في النسخ : فأجاب.
5- ليست في الأصل.
6- في « ن » القبول.

أقول : شرط الشيخ في النهاية الضميمة في الزوج والزوجة ، والولد والوالد والأخ إذا شهد بعضهم لبعض ، والاشتراط في الوالد والأخ نادر ، وأما في الزوجين فتابعه ابن البراج وابن حمزة ، وظاهر المصنف الضميمة (1) في الزوجة دون الزوج ، وأشار الى الفرق بأن الزوج له مزية قوية (2) في مزاجه تمنعه من دواعي الرغبة ، وأما الزوجة فلضعف عقلها لا تؤمن من الانخداع ، والمشهور عدم اشتراط الضميمة مطلقا ، لانتفاء التهمة مع تحقق العدالة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما الفاسق المستتر إذا أقام فردت ثمَّ تاب وأعادها فيها [ فهنا ] تهمة الحرص على دفع الشبهة ، لاهتمامه بإصلاح الظاهر ، لكن الأشبه القبول.

أقول : لو شهد المستتر بالفسق فردت شهادته ، ثمَّ تاب ، قبلت شهادته في كل شي ء وهل تقبل شهادته (3) فيما ردت فيه ؛ بحيث لو أعاد الشهادة المردودة ، هل تسمع أم لا؟ يحتمل العدم ، لحصول التهمة بدفع عار الكذب ، والتهمة مانعة من قبول الشهادة ، ويحتمل القبول ، لوجود المقتضي وهو العدالة الثابتة بالتوبة ، وزوال المانع وهو الفسق ، وهو اختيار المصنف وفخر الدين ، أما المعلن بالفسق فاذا تاب قبلت شهادته مطلقا ، فيما ردت فيه وفيما لم ترد ، والفرق حرص المستتر على إصلاح الظاهر ، ودخول الغضاضة عليه بظهور كذبه ، بخلاف المعلن ؛ لأن المعلن بالشي ء لا يدخله غضاضة مع ظهوره ، فيحصل التهمة للأول دون الثاني.

قال رحمه اللّه : قيل : لا تقبل شهادة المملوك أصلا ، وقيل : تقبل مطلقا ، وقيل : تقبل إلا على مولاه ، ومنهم من عكس ، والأشهر القبول إلا على المولى ،

ص: 282


1- ليست في الأصل.
2- في النسخ : مزيد قوة.
3- من « ن ».

ولو أعتق قبلت شهادته على مولاه ، وكذا حكم المدبر والمكاتب المشروط ، أما المطلق إذا أدى من كتابته ، قال الشيخ : تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه وفيه تردد أقربه المنع.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في شهادة القن ومن هو في حكمه كالمدبر والمكاتب المشروط ، وقد (1) اختلف الأصحاب هنا على طرفين وواسطة ، الطرف الأول : المنع مطلقا ، وهو قول الحسن بن أبي عقيل العماني ، فإنه قال : لا يجوز شهادة العبيد (2) والإماء في شي ء من الشهادات ، الطرف الثاني : القبول مطلقا ، وهذا القول نقله المصنف والعلامة ، وأما الواسطة ففيها أقوال :

الأول : قول ابن الجنيد ، وهو المنع من القبول على الحر المؤمن مطلقا ، واحترز بالحر عن العبد ، وبالمؤمن عن الكافر ، فعنده يقبل شهادة العبد على مثله من المسلمين ، وعلى الكافر مطلقا (3).

الثاني : القبول مطلقا على غير مولاه ، وهو قول السيد المرتضى والمفيد والشيخ في النهاية وسلار وابن البراج وابن زهرة وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره ( المصنف و) (4) العلامة في القواعد والمختلف ، وابنه في الإيضاح ، للجمع بين الروايات.

الثالث : قول أبي الصلاح ، لا تقبل للسيد ولا تقبل عليه ، وتقبل فيما عداه.

الرابع : تقبل لغير السيد مطلقا ، وهو قول ابني (5) بابويه.

ص: 283


1- ليست في « ن ».
2- في غير « ر 1 » : العبد.
3- ليست في « ر 1 ».
4- ليست في النسخ.
5- في « م » و « ر 1 » : ابن.

الخامس : عدم القبول الا على مولاه ، نقله المصنف.

ودليل الجميع الروايات (1) ، والمعتمد مذهب السيد المرتضى وهو القبول مطلقا الا على مولاه.

الثانية : في شهادة من عتق بعضه ، قال الشيخ في النهاية : تقبل شهادة المكاتب على مولاه بمقدار ما ادى (2) وهو مذهب ابن الجنيد ، واستقرب المصنف والعلامة المنع ، واختاره فخر الدين والشهيد وهو المعتمد ؛ لأن الشهادة لا تتبعض.

قال رحمه اللّه : التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة فيمنع القبول ، أما في حقوق اللّه تعالى أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع ، إذ لا مدعي لها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الموضعين فيمنع من القبول فيهما ، لتساويهما في العلة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، نقله عنه صاحب كشف الرموز ، ومن أن حقوق اللّه تعالى والمصالح العامة لا مدعي لها فلو لم تقبل فيها شهادة المتبرع لأدى ذلك الى سقوطها ، والمشهور القبول هنا ، وهو المعتمد ؛ لأن العدالة تدفع التهمة.

قال رحمه اللّه : المشهور بالفسق إذا تاب لتقبل شهادته ، الوجه أنها لا تقبل حتى يستبين استمراره على الصلاح ، وقال الشيخ : يجوز أن يقول : تب لا قبل شهادتك.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، قال العلامة في القواعد : وليس بجيد ؛ لأن التوبة واجبة فيجب فعلها ؛ لأنها واجبة ، وفعل الواجب لا يقع صحيحا الا مع

ص: 284


1- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 23. والباب 1. حديث 6.
2- في « ر 1 » : ادعى.

الإخلاص بفعله لله ، وظاهر هذا انه لم يتب الا لتقبل شهادته ، فلم يحصل الإخلاص فلا تقبل توبته ، وكل فاسق لا تقبل (1) توبته لم تقبل شهادته ، وقواه فخر الدين ، والمعتمد اختيار المصنف ، وهو أنها لا تقبل حتى يستبين استمرار صلاحه فتقبل حينئذ.

قال رحمه اللّه : فلا تقبل شهادة ولد الزنا أصلا ، وقيل : تقبل في الشي ء اليسير مع تمسكه بالصلاح ، وبه رواية نادرة ، ولو جهلت حاله قبلت [ شهادته ] وإن نالته بعض الألسن.

أقول : القول المشار اليه قول الشيخ في النهاية ، لما رواه عيسى بن عبد اللّه عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن شهادة ولد الزنا؟ فقال : لا يجوز إلا في اليسير إذا رأيت فيه صلاحا » (2) وقال الشيخ في الخلاف : لا تقبل أصلا ، وبه قال المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد وأبو العباس ، ولهم عليه روايات (3) ، ولقوله عليه السلام : « ابن الزنا شر الثلاثة » (4) وإذا كان أشر (5) من الزاني ، والزاني لا تقبل شهادته ، فمن هو أشر منه أولى بعدم قبول شهادته ، وادعى السيد عليه الإجماع.

ص: 285


1- في النسخ : لم تقبل.
2- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 31 ، حديث 5.
3- راجع الباب السابق من المصدر المتقدم.
4- البحار ، ج 5 ، ص 285.
5- في « م » و « ن » : شر.

ص: 286

فيما به يصير شاهدا

قال رحمه اللّه : وتقبل فيه شهادة الأصم ، وفي رواية يؤخذ بأول قوله لا بثانيه ، وهي نادرة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه جميل عن الصادق عليه السلام : « قال : سألته عن شهادة الأصم في القتل؟ قال : يؤخذ بأول قوله » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والمشهور القبول مطلقا فيما لا يفتقر الى السماع مع تكامل شروط الشهادة ؛ لأن كل ما يدرك بحس البصر لا حاجة فيه الى السماع ، فلا فرق فيه بين الأصم وغيره وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وما يكفي فيه السماع فالنسب والموت والملك المطلق ، لتعذر الوقوف مشاهدة في الأغلب ، ويتحقق كل واحد من هذه بتوالي الاخبار من جماعة لا يضمهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم ، وفي هذا عندي تردد ، وقال الشيخ رحمه اللّه : لو شهد عدلان فصاعدا ، صار السامع متحملا وشاهد أصل ، لا شاهدا على شهادتهما ؛ لأن ثمرة الاستفاضة الظن وهو

ص: 287


1- الوسائل ، الشهادات ، باب 42 ، حديث 3.

حاصل بها ، وهو ضعيف ؛ لأن الظن يحصل بالواحد.

أقول : الأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين ، لقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (1) وروى عن ابن عباس أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الشهادة؟ « فقال : هل ترى الشمس؟ فقال : نعم ، قال : على مثلها فاشهد والا فدع » (2) خرج عن هذا الأصل الاستفاضة ، وبما تحصل الاستفاضة التي يصير بها شاهدا؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال الشيخ في الخلاف : والضابط الاستفاضة المفيدة للظن ، واستدل بأنا نحكم بزوجية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لزوجاته ( ولم نشاهدهم ولا طريق إلى ذلك غير الاستفاضة ، ثمَّ أعترض بأن النبي عليه السلام علم زوجيته بالتواتر ) (3) وأجيب بأن التواتر يشترط فيه استواء الطبقات في التواتر ، واستناده الى الحس ، ومن المعلوم بالضرورة أن الطبقات المخبرين بعد موت النبي صلى اللّه عليه وآله ، وموت أزواجه لم يخبروا عن مشاهدة العقد ولا عن إقرار النبي عليه السلام ، وانما أخبروا عن الطبقة الاولى ، والظاهر أن الطبقة الأولى لم تبلغ المشاهدة منهم حد التواتر ، وانما أخبروا عن السماع فلا طريق غير الاستفاضة ، وقال بعضهم : الاستفاضة بالإشهاد بحيث يتاخم العلم.

والفرق بينه وبين قول الشيخ في الخلاف هو : أن الشيخ بنى (4) الاستفاضة على مطلق الظن ، وهذا القائل اشتراط الظن الراجح المقارب للعلم بحيث لا يرجح عليه ظن مثله ، وانما يرجح عليه العلم (5) ، وتردد المصنف في

ص: 288


1- الأسراء : 36.
2- المستدرك ، كتاب الشهادات ، باب 15 ، حديث 2.
3- ما بين القوسين ليس في « م ».
4- في النسخ : علق.
5- في الأصل : مثله.

ذلك من عموم (1) النهي عن اتباع الظن ، وعموم (2) تحريم القول بغير علم ، ولا شك أن العلم اليقيني لم يحصل ، ومن أن العمل بقول الشيخ يقتضي العمل بهذا القول بطريق الاولى ، وقال : المصنف والعلامة وفخر الدين : إنما يتحقق ذلك بالأخبار من جماعة لا بضمهم قيد المواطاة على الكذب ، ويستحيل ذلك عادة ، فيثمر قولهم العلم ، فلا يكون السامع خارجا عن الأصل وهو أحوط ، وقال الشيخ في المبسوط : يكفيه السماع من عدلين فيصير شاهد أصل ، وهو بناء على قاعدته من اعتبار الظن ، واستضعفه المصنف ؛ لان الظن يحصل بقول الواحد ولو امرأة.

إذا عرفت هذا فالذي يثبت بالاستفاضة عشرة ، النسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح ، والموت ، والولاية من قبل الامام ولو (3) نصب قاضيا تثبت ولايته بالاستفاضة ، والولاء ، والعتق ، والرق ، والعدالة. هذا هو المحقق من فتاوي الأصحاب ، واقتصر ابن الجنيد على النسب فقط ، ولم يذكر المصنف غير الموت والنسب والملك المطلق والوقف ، والمعتمد ما قلناه.

قال رحمه اللّه : الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب ، مثل البيع والهبة والاستغنام ؛ لأن ذلك لا يثبت بالاستفاضة ، فلا يعزى الملك اليه مع إثباته بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة ، أما لو عزاه الى الميراث صح ؛ لأنه يكون عن الموت الذي يثبت بالاستفاضة والفرق تكلف ؛ لأن الملك إذا ثبت بالاستفاضة لم تقدح الضميمة مع حصول ما يقتضي جواز الشهادة.

أقول : أما الفرق بين سبب الإرث وغيره فقد ذكره المصنف ، وهو المشهور

ص: 289


1- يونس : 36.
2- الإسراء : 36.
3- في « ن » : فلو.

بين الأصحاب ، فإن أسنده إلى الإرث قبل بالأصل والسبب ، وإن أسنده إلى سبب غير الإرث - كالبيع والهبة وغيره - قبلت الشهادة في أصل الملك دون السبب ، ولم يكن ذكر السبب قادحا في قبول الشهادة في أصل الملك ، وظاهر المصنف عدم الفرق بين سبب الإرث وغيره ؛ لأنه جعل الفرق تكلفا.

وتظهر الفائدة في ترجيحه على مدع آخر ، فلو شهد شاهدان لواحد بالاستفاضة من غير سبب ، وشهد آخران لآخر بها مع ذكر السبب ، فان قلنا بقبول السبب كما هو ظاهر المصنف رجحناه على غير ذي السبب ، وإن قلنا بعدم قبول السبب (1) كما هو المشهور بين الأصحاب - وهو المعتمد - فلا ترجيح.

قال رحمه اللّه : إذا شهد بالملك مستندا إلى الاستفاضة ، هل يفتقر الى مشاهدة اليد والتصرف؟ الوجه : لا ، أما لو كان لواحد يد ولآخر سماع مستفيض ، فالوجه : ترجيح اليد ؛ لأن السماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره ، فلا تزال اليد بالمحتمل.

أقول : إما أن تجتمع اليد والتصرف والتسامع ، أو اليد والتصرف دون التسامع ، أو اليد فقط مجردة عن التصرف ، أو التسامع فقط مجردا عن اليد ، فالأقسام أربعة :

الأول : أن تجتمع اليد والتصرف والتسامع ولا شك حينئذ في جواز الشهادة بالملك المطلق ؛ لان هذا الاجتماع غاية الإمكان.

الثاني : أن يجتمع اليد والتصرف المتكرر من غير منازع دون التسامع ، فحينئذ هل يجوز الشهادة بالملك المطلق أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : يجوز ، واستدل بإجماع الفرقة واخبارهم ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وحكى في المبسوط قولين ،

ص: 290


1- في الأصل : الشهادة.

أحدهما : الجواز ، والآخر : عدمه ، ولم يختر شيئا ؛ لتساوي الاحتمالين ؛ لان اليد تختلف فتكون يد مالك ، ومستأجر ، ومستعير ، ووكيل ، ووصي ، والتصرف واحد ، فاذا اختلفت الأيدي وأحكامها لم تجز الشهادة بالملك المطلق ، والأول هو المعتمد.

الثالث : أن تخلو اليد عن التصرف والتسامع ، ولا ريب في جواز الشهادة باليد (1) ، وهل تشهد له بالملك المطلق؟ ظاهر الشيخ في المبسوط عدم الفرق بين اليد المتصرفة واليد المجردة عن التصرف ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وهو اختيار الشهيد ؛ لأن اليد قاضية بالملك ، ولما رواه محمد بن بابويه ، عن سليمان بن داود المقري ، عن حفص بن غياث ، عن الصادق عليه السلام « قال : قال له رجل : أرأيت إن رأيت شيئا في يد رجل ، أيجوز أن أشهد أنه له؟ فقال : نعم ، فقلت : فلعله لغيره ، قال : ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ، ثمَّ تقول بعد الملك ، هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه إليك من قبله ، ثمَّ قال الصادق عليه السلام : لو لم يجز هذا لما قامت للمسلمين سوق » (2) واستشكل المصنف هذا ، قال : لأن اليد لو أوجبت ملكا لم تسمع دعوى من يقول : الدار التي في يد هذا لي ، كما لا تسمع لو قال : ملك هذا لي ، وأجيب : بأن دلالة اليد ظنية ؛ لأنها تدل على الملك دلالة ظاهرة لا قطعية ، والإقرار قاطع ، والصرف عن الظاهر جائز بخلاف القاطع ، فحصل الفرق بين ثبوت الملك بدليل قطعي وثبوته بدليل ظني ، فلا منافاة بين جواز دعوى من يقول : الدار التي في يد فلان لي ، وبين عدم جواز دعوى من يقول ملك فلان لي ؛ لأن الثاني أقرّ بالملك لغيره فلا تقبل دعواه ، بخلاف الأول.

ص: 291


1- في الأصل : مع اليد.
2- الوسائل ، القضاء ، باب 25 من أبواب كيفية الحكم ، حديث 2.

الرابع : التسامع المجرد عن اليد ، وقد مضى البحث فيه (1) ، فأما على القول باشتراط السماع من جماعة يثمر أخبارهم العلم ، فلا كلام في جواز الشهادة به ، وأما على القول باعتبار الظن فيرجع الى الخلاف السابق.

بقي هنا مسألة : هي إذا كان لواحد يد والآخر (2) سماع مستفيض ، قال المصنف : الوجه ترجيح اليد ، واختاره العلامة والشهيد ، وذكروا الوجه في ذلك ، ويحتمل عدم الترجيح لليد (3) ، لان اليد قد تكون يد مالك ويد غيره ، فلا ترجيح على السماع.

قال رحمه اللّه : وأما النكاح فلأنّا نقضي بأن خديجة عليها السلام زوجة النبي صلى اللّه عليه وآله ، كما نقضي بأنها أم فاطمة عليها السلام ، ولو قيل : ان الزوجية تثبت بالتواتر ، كان لنا أن نقول : التواتر لا يثمر إلا إذا استند السماع الى المحسوس. ومن المعلوم أن المخبرين لم يخبروا عن مشاهدة العقد ، ولا عن إقرار النبي صلى اللّه عليه وآله ، بل نقل الطبقات متصل إلى الاستفاضة التي هي الطبقة الأولى ، ولعل هذا أشبه بالصواب.

أقول : قد سبق البحث في ذلك (4).

ص: 292


1- ص 288.
2- كذا.
3- ليست في النسخ.
4- ص 228.

في أقسام الحقوق

قال رحمه اللّه : وفي أقسام الحقوق وهي قسمان : حق اللّه سبحانه ، وحق الآدمي. والأول منه ما لا يثبت إلا بأربعة رجال ، كالزنا واللواط والسحق ، وفي إتيان البهائم قولان ، أصحهما ثبوته بشاهدين ، ويثبت الزنا خاصة بثلاثة رجال وامرأتين ، وبرجلين وأربع نساء ، غير أن الأخير لا يثبت به الرجم ويثبت به الجلد ، ولا يثبت بغير ذلك.

ومنه ما يثبت بشاهدين وهو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود كالسرقة وشرب الخمرة والردة.

ولا يثبت شي ء من حقوق اللّه تعالى بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ولا بشهادة النساء منفردات ولو كثرن.

وأما حقوق الآدمي فثلاثة ، منها ما لا يثبت إلا بشاهدين ، وهو الطلاق ، والخلع ، والوكالة ، والوصية إليه ، والنسب ، ورؤية الأهلة ، وفي العتق والنكاح والقصاص تردد ، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين ، ومنها ما يثبت بشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين ، وهو الديون والأموال ، كالقرض والقراض والغصب ،

ص: 293

وعقود المعاوضات ، كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارات والمساقاة والرهن والوصية له ، والجناية التي توجب الدية ، وفي الوقف تردد أظهره أنه يثبت بشاهد وامرأتين وبشاهد ويمين.

الثالث : ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمات ، وهو الولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة ، وفي قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف ، أقربه الجواز.

وتقبل شهادة امرأتين مع رجل في الديون والأموال ، وشهادة امرأتين مع اليمين ، ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولو كثرن ، وتقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهل وفي ربيع الوصية ، وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء لا يثبت بأقل من أربع.

أقول : الحقوق تقسم بالنسبة إلى الشهود أقساما :

الأول : لا يثبت إلا بأربعة رجال وهو السحق واللواط.

الثاني : لا يثبت إلا بأربعة رجال ، أو ثلاثة وامرأتين ، أو برجلين وأربع نساء ، وهو الزنا ، فان ثبت بالأولين وجب الرجم ، وان ثبت بالآخرين وجب الجلد خاصة ، والمشهور عدم ثبوت الزنا برجل واحد وست نساء ، وأثبته الشيخ في الخلاف بذلك ، وأوجب به الجلد وهو متروك.

الثالث : لا يثبت الا بشاهدين ذكرين ، وهو شرب الخمر ، والردة ، والقطع في السرقة ، وإتيان البهائم ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ؛ لأنه ليس زنا ولا يوجب الجلد بل التعزير ، ويحتمل عدم ثبوته بدون شهود الزنا ، لاشتماله على الهتك كالزنا ، والمعتمد الأول ، والقذف ، والطلاق ، والرجعة ، والعدة ، والخلع ، والوكالة ، والوصية اليه ، والنسب ، والهلال ، على ما هو المشهور بين الأصحاب ، وأثبت سلار هلال شهر رمضان بالشاهد الواحد احتياطا للصوم ، وهو متروك ،

ص: 294

والبلوغ ، والجرح والتعديل ، والعفو عن القصاص ، وتردد المصنف في العتق ، والقصاص ، والنكاح ، ثمَّ رجح الثبوت بالشاهد والمرأتين ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد ، وظاهر التحرير عدم الثبوت بغير الشاهدين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وضبطوا ذلك بما كان من حقوق اللّه أو حقوق الادميين ، وليس مالا ولا المقصود منه المال ، فإنه لا يثبت إلا بشهادة الرجال دون النساء.

الرابع : ما يثبت برجلين ، أو برجل وامرأتين ، أو رجل ويمين ، أو امرأتين ويمين ، وضابطه : ما كان مالا كالقرض ، والقراض ، والغصب ، وعقود المعاوضات ، كالبيع ، والصرف ، والسلم ، والصلح ، والإجارات ، والرهن ، والوصية له ، أو حقا متعلقا بالمال ، كالخيار ، والفسخ ، والأجل ، والشفعة ، أو (1) المقصود منه المال ، كقتل الخطأ ، والجرح المشتمل على التعزير ، كالهاشمة والمنقلة والمأمومة وإن كان عمدا ، وما لا قود فيه كقتل الوالد ولده ، والمسلم الكافر ، والحر العبد.

وهل يثبت الوقف الخاص (2) بذلك؟ تردد المصنف فيه ، ثمَّ رجح القبول ، واختاره العلامة وابنه والشهيد ومنشأ التردد ، من أن الوقف هل ينتقل الى اللّه تعالى ، أو الى الموقوف عليه ، أو لا ينتقل الى أحد بل يبقى على ملك المالك؟ فعلى الأول والثالث لا يثبت الا برجلين ، وعلى الثاني يثبت بما تثبت به الأموال ، وهو المعتمد. وكذلك قبض نجوم المكاتب ، وإن كان في الأخير إشكال.

الخامس : ما يثبت بشهادة الرجال والنساء منفردات ومنضمات ، وهو ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة ، والاستهلال ، وعيوب النساء الباطنة ، واختلف الأصحاب في الرضاع ، فمنع الشيخ في الخلاف من قبول شهادة النساء

ص: 295


1- في « ن » و « ر 1 » : و.
2- ليست في « ن ».

فيه مطلقا ، منفردات ومنضمات ، وقبلها المفيد منفردات ومنضمات ، وبه قال سلار وابن حمزة وابن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة وابنه والشهيد ، وهو المعتمد ؛ لأنه من الأمور الخفية عن الرجال ، ومنع ابن البراج من قبول شهادة الرجال في ما لا يجوز لهم النظر اليه ، واستضعفه الشهيد.

السادس : ما يثبت بشهادة امرأة واحدة ، وهو ربع الوصية ، وربع ميراث المستهل ، ويثبت بالمرأتين ، النصف ، وبالثلاث ثلاثة أرباع ، وبالأربع الجميع ، كل ذلك من غير يمين. ولو حلف مع المرأتين والثلاثة أخذ الجميع ، وليس له أن يحلف مع الواحدة ويأخذ النصف ، وليس للمرأة تضعيف المال ليصير ما أوصى به الربع (1) ، ولو فعلت ذلك قبل ظاهرا ، وهل يستبيح المشهود له المال مع علمه بالحال؟ المعتمد ذلك إن علم بالوصية والا فلا ، ولو شهد عدل واحد احتمل إلحاقه بالمرأة في ثبوت ربع الوصية من غير يمين ، والا لزم ان يكون أسوء حالا من المرأة وهو اختيار العلامة في القواعد ، ويحتمل عدم ( ثبوت شي ء بغير يمين ) (2) اقتصارا على مورد النص ، وهو اختيار فخر الدين وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا دعي من له أهلية التحمل وجب عليه ، وقيل : لا يجب ، والأول مروي.

أقول : اختلف الفقهاء في وجوب تحمل الشهادة على من له أهلية التحمل إذا دعي إلى التحمل ولا ضرر غير مستحق (3) عليه ولا على أحد من المؤمنين (4) في الدين ولا في الدنيا على ثلاثة أقوال.

الأول قول المفيد ، قال : ليس لأحد أن يدعى الى شي ء ليشهد به أو عليه ،

ص: 296


1- في النسخ : ربع الربع ما شهدت به للكذب.
2- ما بين القوسين من النسخ وفي الأصل غير مقروء.
3- في « م » : متحقق.
4- في « ن » : المسلمين.

فيمتنع من الإجابة الا أن يكون حضوره يضر بالدين أو بأحد من المسلمين ضررا لا يستحقه ، وهو يدل على الوجوب عينا ، وهو قول أبي الصلاح وابن البراج وسلار وابن زهرة ، لعموم قوله تعالى ( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) (1).

الثاني: قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، وهو الوجوب على الكفاية ، وقد يتعين إذا لم يكن غيره ، كغيره من فروض الكفايات ، واختاره العلامة وابنه.

الثالث: قول ابن إدريس ، وهو أنه لا يجب عينا ولا على الكفاية ، لأصالة البراءة ، وأجاب عن الآيات والروايات (2) المتضمنة لعدم جواز الامتناع بالحمل على بعد (3) التحمل لا قبله ، والمعتمد وجوبه على الكفاية ؛ لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو واجب على الكفاية.

ص: 297


1- البقرة ، آية : 282.
2- البقرة : 282 - 283 ، والوسائل ، كتاب الشهادات ، باب الأول.
3- كذا.

ص: 298

في الشهادة على الشهادة

قال رحمه اللّه : ولا تقبل في الحدود سواء كانت لله محضا ، كحد الزنا واللواط والسحق ، أو مشتركة ، كحد السرقة والقذف على خلاف فيهما.

أقول : أجمع الأصحاب على جواز الشهادة على الشهادة مرة واحدة في الأموال ، والديون ، ونحوها من حقوق الناس ،لعموم قوله تعالى: ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) (1) ، ولقول أبي جعفر عليه السلام في رواية محمد بن مسلم ، « حين سئل عن الشهادة على شهادة الرجل وهو حاضر في البلد؟ فقال : نعم ولو كان خلف سارية ، إذا لم يمكنه أن يقيمها لعذر يمنعه من أن يحضر ويقيمها » (2) وأجمعوا أيضا على عدم سماعها في حقوق اللّه تعالى المحضة ، ونقل المصنف والعلامة الخلاف في حد السرقة وحد القذف ، ثمَّ اختار المنع.

وابن الجنيد والشيخ في النهاية والخلاف وابن البراج وابن زهرة أطلقوا المنع في الحدود ، فيدخل حد السرقة والقذف ، وصرح الشيخ في المبسوط بالجواز

ص: 299


1- البقرة : 282.
2- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 44 ، حديث 1.

في حد القذف ، وبالمنع في حد السرقة ، وظاهر ابن حمزة المنع من حد القذف ، واختار الشهيد في شرح الإرشاد مذهب المبسوط.

قال رحمه اللّه : وللتحمل مراتب أتمها : أن يقول شاهد الأصل : أشهد على شهادتي أني أشهد على فلان بن فلان بكذا ، وهو الاسترعاء ، وأخفض منه أن يسمعه يشهد عند الحاكم فلا ريب في تصريحه هناك بالشهادة ، ويليه أن يسمعه يقول : أنا أشهد لفلان بن فلان بكذا ، ويذكر السبب مثل : أن يقول : من ثمن ثوب أو عقار ، إذ هي صورة جزم وفيه تردد.

أقول : منشؤه من التسامح بمثل ذلك في غير (1) مجلس الحكام ، ومن أنها صورة جزم والعدل لا يتسامح الى مثل هذه الغاية.

قال رحمه اللّه : أما لو لم يذكر سبب الحق بل اقتصر على قوله إنما أشهد لفلان على فلان بكذا ، لم يضر بتحمله لاعتبار التسامح بمثله ، وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب إشكال.

أقول : اعلم أن الشيخ في المبسوط فرّق بين الصورتين بعد أن ذكر أقسام التحمل كما ذكرها المصنف هنا ، وتبعه ابن إدريس ، ثمَّ قال : هذا جميعه أورده شيخنا في مبسوطه وأوردناه كما أورده ، ولم يرد في أخبارنا من هذا شي ء ، وهو يدل على تردده ، واستشكل المصنف الفرق بين هاتين الصورتين بعد تردده في الصورة الاولى ، ومنشأ الاشكال من تساوي الصورتين بالجزم في إثبات الحق في ذمة المشهود عليه فيتساويان في الحكم ، والمعتمد الفرق بينهما وهو (2) مشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة والشهيد.

قال رحمه اللّه : ولو شهد شاهد الفرع فأنكر [ شاهد ] الأصل ، فالمروي

ص: 300


1- ليست في « م ».
2- في النسخ : كما هو.

العمل بشهادة أعدلهما ، فإن تساويا أطرح الفرع ، وهو يشكل بما أن الشرط في قبول الفرع عدم الأصل ، وربما أمكن لو قال الأصل : لا أعلم.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه عبد اللّه بن سنان (1) ، عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وابنا (2) بابويه وابن البراج ، وقال في المبسوط : إن سمع الحاكم من الفرع ، والأصل مريض أو غائب ، ثمَّ قدم الغائب أو برئ المريض فان كان بعد حكم الحاكم لم يقدح ذلك في حكمه ؛ لأن حكمه قد نفذ قبل حضور الأصل ، وإن كان قبله لم يحكم بشهادة الفرع ؛ لأنه إنما يحكم بالفرع لتعذر الأصل ، واختاره العلامة وهو المعتمد.

وقال : ابن حمزة : وإن كان حكم بشهادة الفرع ثمَّ بعد الحكم كذبه الأصل ، فإن تساويا في العدالة نقض الحكم ، وإن تفاوتا أخذ بقول أعدلهما ، فإن لم يحكم سمع من الأصل ، وحمل المصنف قول الشيخ في النهاية على قوله : لا أعلم ، أما لو صرح بكذب الفرع أطرحت شهادة الفرع ، قال فخر الدين : والأولى عندي إذا قال شاهد الأصل : لا أعلم ، ثبتت شهادة الفرع ، وفيه نظر ؛ لأن المشهور بين الأصحاب عدم قبول شهادة الفرع مع حضور (3) شاهد الأصل ، وهو أعم من أن يقيم الأصل الشهادة أو يترك الإقامة ، لعدم علمه بها أو لغير ذلك.

قال رحمه اللّه : وتقبل شهادة النساء على الشهادة ، فيما تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية ، وفيه تردد أشبهه المنع.

أقول : منشؤه من أن قبول شهادتهن في هذه الأشياء يستلزم قبول

ص: 301


1- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 46 ، حديث 3.
2- في « م » : وابن.
3- في « ن » : حديث صول.

شهادتين فيها فرعا بطريق الأولى ؛ لأن الأصل أقوى من الفرع ، فاذا قبلت في الأقوى قبلت في الأضعف بطريق الاولى ، ولعموم قوله تعالى ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) (1) ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف ، والشهيد ، ومن انتفاء العلة المجوزة لقبول شهادة النساء منفردات ، وهي عدم اطلاع الرجال على هذه الأشياء غالبا وعدم (2) حضور الرجال حالة الوصية ، ودعاء ضرورة الموصي إلى الوصية ، فلهذه العلة جازت شهادة النساء وهي منتفية في صورة النزاع ، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول ، فلا تقبل شهادة النساء على الشهادة في شي ء البتة ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير وفخر الدين وأبو العباس.

ص: 302


1- البقرة : 282.
2- في « م » و « ر 1 » : أو عدم.

في الطوارئ

قال رحمه اللّه : ولو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم ، ولو رجعا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المحكوم به ، لم ينقض الحكم وكان الضمان على الشهود ، ولو رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فان كان حدا لله نقض الحكم للشبهة الموجبة للسقوط ، وكذا لو كان للادمي كحد القذف ، أو مشتركا كحد السرقة ، وفي نقض الحكم لما عدا ذلك من الحقوق تردد.

أقول : منشؤه من ان الشهادة إثبات حق يجري مجرى الإقرار ، والرجوع نفي ذلك الحق ، فهو جار مجرى الإنكار بعد الإقرار ، فلما لم يبطل الحكم بالإقرار (1) بحدوث الإنكار لم يبطل الحكم بالشهادة بحدوث الرجوع ، ولأن رجوعهما ليس شهادة منهما ، ولهذا لم تفتقر الى لفظ الشهادة ، فلا يسقط حقه بعد ثبوته بما ليس بشهادة عليه ، ولا إقرار (2) منه ، ولأن الشهادة أثبتت الحق ، فلا يزول بالطارئ كالفسق ، ومن أن الحق ثبت بشهادتهما فاذا رجعا سقط كما لو كان

ص: 303


1- في الأصل : الإقرار.
2- في « ن » و « ر 1 » : والإقرار.

قصاصا ، وأجيب بالفرق ؛ لأن القصاص والحدود تسقط بالشبهة ، بخلاف غيرها ، والأول هو المعتمد ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة.

قال رحمه اللّه : أما لو حكم وسلم فرجعوا والعين قائمة ، فالأصح أنه لا ينقض ولا تستعاد العين ، وفي النهاية : ترد على صاحبها ، والأول أظهر.

أقول : لا فرق عند ابن إدريس والعلامة وابنه إذا كان الرجوع بعد الحكم بين أن يكون قبل الاستيفاء أو بعده ، ولا بين كون العين المستوفاة قائمة أو تالفة ، وحكموا في الجميع بعدم نقض الحكم ، ويغرم الشهود كما لو كان الحكم (1) الرجوع بعد الاستيفاء (2) وتلف العين ، وقال الشيخ في النهاية إذا كانت العين قائمة نقض الحكم وردت العين الى صاحبها ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، وحجة الفريقين ما تقدم في المسألة الاولى ، والمعتمد مذهب ابن إدريس.

قال رحمه اللّه : يقتل ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية.

أقول : إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وهو محصن فرجم ثمَّ رجع واحد منهم عن الشهادة ، وقال : تعمدت فلم (3) يصدقه الباقون لم يمض إقراره عليهم ، وكان لأولياء المقتول قتله ، قال الشيخ في النهاية : ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، لرواية (4) إبراهيم بن نعيم ، وقال ابن إدريس : لا يمضي إقراره الا على نفسه ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأنه لا يجوز إلزام الغير بإقرار غيره ، فحينئذ يكون الرد من أولياء المقتول.

قال رحمه اللّه : إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور ، نقض الحكم واستعيد المال ،

ص: 304


1- ليست في النسخ.
2- في الأصل : بعد الحكم والاستيفاء.
3- في النسخ : فان لم.
4- الوسائل ، كتاب الشهادات ، باب 12 ، حديث 2.

فان تعذر غرم الشهود.

أقول : لا يثبت أنهم شهدوا بالزور بإقرارهم ؛ لأنه رجوع فله أحكام الرجوع ، ولا بشهادة غيرهم ؛ لأنه تعارض فيلحقه احكام التعارض ، وانما يثبت تزويرهم بدليل قاطع ، وهو علم الحاكم أو قول المعصوم ، ولهذا يجب نقض الحكم من غير تفصيل وبغير خلاف.

قال رحمه اللّه : إذا رجعا معا ضمنا بالسوية ، فإن رجع أحدهما ضمن النصف ، ولو ثبت بشاهد وامرأتين فرجعوا ضمن الرجل النصف ، وضمنت كل واحدة الربع ، ولو كان عشر نسوة مع شاهد فرجع الرجل ضمن السدس ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الضمان على الجميع مع الرجوع ، والرجل بامرأتين فيضمن السدس ، وهو المشهور بين الأصحاب وعليه فتاويهم ؛ لأن الحق ثبت بشهادة الجميع ، ومن أن الرجل نصف البينة ، ولهذا لا يثبت المال بدونه ولا غيره بالزائد على امرأتين ، لثبوت المال بشهادتهما مع الرجل ، ولا يثبت بشهادة العشر من دون الرجل ، فلهذا كان نصف البينة ، فيكون عليه نصف المال ، وهو قوي ، لكن فتاوي الأصحاب على الأول.

قال رحمه اللّه : لو كان الشهود ثلاثة ضمن كل واحد منهم الثلث ولو رجع واحد منفردا ، وربما خطر أنه لا يضمن ؛ لأن في الباقي ثبوت الحق ، ولا يضمن الشاهد بالحكم بشهادة غيره للمشهود له ، والأول اختيار الشيخ رحمه اللّه ، وكذا لو شهد رجل وعشر نسوة فرجع ثمان منهن ، قيل : على كل واحدة نصف السدس ، لاشتراكهن في نقل المال ، والاشكال فيه كما في الأول.

أقول : إذا شهد أكثر من العدد الذي يثبت به الحق كثلاثة في المال فرجع

ص: 305

الزائد قبل الحكم لم يمنع ذلك من (1) الحكم ولا غرم ، وإن رجع بعد الحكم ، قال الشيخ : يضمن بالنسبة ، وهو المشهور بين الأصحاب ؛ لأن الحق ثبت بشهادة الجميع ولا تخصيص بثبوته (2) بشهادة البعض دون البعض ، وهو المعتمد. وخطر للمصنف أنه لم يضمن ، وقد ذكر وجهه وهو ضعيف ؛ لأن الحكم ثبت بالجميع ، والراجع (3) جزء من السبب المتلف فيضمن وتخصيص الثبوت بشهادتهما دون شهادته ترجيح من غير مرجح ، فعلى هذا لو رجع ثمان من عشر نسوة ضمنت كل واحدة نصف السدس ، وعلى ما خطر للمصنف لم يضمنوا شيئا ؛ لأن الحق يثبت بالباقي.

قال رحمه اللّه : ولو حكم فقامت بينة بالجرح مطلقا لم ينقض الحكم ، لاحتمال التجدد بعد الحكم ، ولو تعين الوقت وهو متقدم على الشهادة نقض ، ولو كان بعد الشهادة وقبل الحكم لم ينقض ، وإذا نقض الحكم فان كان قتلا أو جرحا فلا قود والغريمة [ الدية ] من بيت المال ، ولو كان المباشر للقصاص هو الولي ففي ضمانه تردد ، والأشبه أنه لا يضمن مع حكم الحاكم وإذنه ، ولو قتل بعد الحكم وقبل الإذن ضمن الدية.

أقول : إذا حكم بشهادة اثنين في قطع أو قتل وأنفذ ذلك ، ثمَّ ظهر كفرهما أو فسقهما قبل الحكم نقض الحكم ، ولم يجب على الشاهدين ضمان لبطلان الحكم في نفسه ، بخلاف الرجوع ؛ لان الراجع معترف بكذبه ويضمن الحاكم لتفريطه وحكمه بشهادة من لا يجوز شهادته ، ولا قصاص ؛ لأنه مخطئ فتجب الدية ومحلها بيت المال ؛ لأنه نائب عن المسلمين ووكيلهم ، وخطأ الوكيل في حق

ص: 306


1- في « ن » : من ذلك.
2- في « م » : بثبوته.
3- في النسخ : فهو.

موكله عليه ، ولا يجب على عاقلته ولا الامام (1) وسوى (2) تولى ذلك الحاكم (3) بنفسه أو أمر من يتولاه.

وتردد المصنف في ضمان الولي إذا كان هو المباشر من أنه فاعل السبب والمباشرة فيكون ضامنا ؛ لان سبب الحكم الدعوى وإقامة البينة ، فإذا باشر بعد ذلك كان الضمان عليه دون الحاكم ، ومن أن الحاكم قد سلط الولي على القصاص ، وهو يدعي أنه حقه فلا ضمان عليه ، وهو المعتمد إذا كان ذلك بإذنه كما قاله المصنف ، ولو كان المحكوم به ما لا فالضمان على المحكوم له دون الحاكم ؛ لأن المال يضمن بالقبض بخلاف القصاص ، ولا فرق بين أن تكون العين باقية أو تالفة ، ولا بين أن يكون المضمون له موسرا أو معسرا ، خلافا للشيخ في المعسر ، فإنه قال : لو كان معسرا ضمن الامام ، ويرجع به على المحكوم له إذا أيسر.

ص: 307


1- في النسخ : عاقلة الإمام.
2- كذا.
3- في « م » : الحكم.

ص: 308

كتاب الحدود والتعزيرات

اشارة

ص: 309

ص: 310

في حد الزنا

قال رحمه اللّه : ولو تشبهت عليه فعليها الحد دونه ، وفي رواية يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا ، وهي متروكة.

أقول : بمضمون الرواية (1) أفتى ابن البراج والمعتمد اختصاصها بالحد لاختصاصها بالزنا دونه والا لزم تكليف ما لا يطاق (2).

قال رحمه اللّه : ويسقط الحد مع الإكراه ، وهو يتحقق في طرف المرأة قطعا ، وفي تحققه في طرف الرجل تردد ، والأشبه إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع.

أقول : لا شك أن المكره لا يتعلق به تحريم على فعل ما اكره عليه ، والا لزم تكليف ما لا يطاق ، وهل يتحقق الإكراه في طرف الرجل بمعنى هل تقدر المرأة أن تكره الرجل على الزنا بها؟ تردد المصنف في ذلك من أن الخوف يمنع من انتشار العضو ؛ لأنه مانع من انبعاث القوى ، ولا يمكن الزنا مع عدم انتشار العضو وهو

ص: 311


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 38 من أبواب حديث الزنا ، حديث 1.
2- في الأصل إضافة : الغافل به.

لا ينتشر الا مع انبعاث القوى بالشهوة ، والخوف يمنع من ذلك فامتنع الإكراه ، ومن أن الطبع له ميل الى ذلك فيحصل الانتشار لميل الطبع المزجور بالشرع ، فلو كان الخوف مانعا من انتشار العضو لامتنع انتشار عضو الزاني مطلقا ، لحصول الخوف بزجر الشرع عن الزنا ، والتوعد عليه بالعقوبة التي هي أعظم عليه (1) من العقوبة الحاضرة ، فلما لم يمنع ذلك من انتشار العضو دل على أن الخوف غير مانع ، وهو المعتمد ؛ لأن التخويف بترك الفعل ، والفعل لا يخاف منه فلا يمنع من الانتشار.

قال رحمه اللّه : ويثبت للمكرهة على الواطي مثل مهر نسائها على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ، وقال الشيخ في كتاب الحدود من الخلاف : لا مهر لها ، واستدل بقول النبي صلى اللّه عليه وآله : « أنه نهى عن مهر البغية » (2) ، وقال : البغي الزانية ، وقال ابن إدريس : وهذا الاستدلال نرغب عن ذكره ، وهل هذه المكرهة بغي حتى استشهد بهذا الحديث على نفي مهرها؟!

قال رحمه اللّه : وفي اعتبار كمال العقل خلاف ، فلو وطأ المجنون عاقلة وجب عليه الحد رجما أو جلدا ، هذا اختيار الشيخين رحمهما اللّه ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من اختلاف الأصحاب وتساوي أدلتهم عند المصنف ، وأوجب الشيخان وابن البراج وابن بابويه الحد على المجنون إذا زنى ، لرواية أبان بن تغلب (3) عن الصادق عليه السلام الدالة على وجوب الحد ، وقال سلار وابن إدريس : لا يجب ، واختاره العلامة وابنه ؛ لأن الحد عقوبة سببها

ص: 312


1- ليست في النسخ.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 13.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 21 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 2.

التحريم ، وهو منتف عن المجنون ؛ لأنه غير مكلف وهو المعتمد.

اما لو كان يفيق ثمَّ زنى وقت الإفاقة حد مائة جلدة محصنا كان أو غير محصن ، وهو مذهب أبي الصلاح واختاره أبو العباس ، وأجمع الكل على عدم حد المجنونة ؛ لأن المرأة تؤتى والرجل يأتي ، وانما يأتي إذا عقل ، وهذا الفرق ذكره الصادق عليه السلام في الرواية (1) وفيه دلالة على مذهب أبي الصلاح.

قال رحمه اللّه : ويجب الحد على الاعمى ، فإن ادعى الشبهة ، قيل : لا تقبل ، والأشهر القبول مع الاحتمال.

أقول : القول المحكي هو قول الشيخ رحمه اللّه ، والمشهور القبول مع احتمال صدقه ؛ لأنه في مظنة ما أخبر به ، ولأن دعواه شبهة ، وقال عليه السلام : « ذروا الحدود للشبهات » (2) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أقر أربعا في مجلس واحد ، قال في الخلاف والمبسوط : لا يثبت ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من عموم قوله عليه السلام « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (3) ولأن الحكم معلق على الإقرار ، ( لا على أماكن الإقرار ) (4) ، ومن أن حد الزنا مبني على التخفيف ، فيقتصر فيه على ما وقع في حضرة النبي صلى اللّه عليه وآله ، وهو لم يحد ماعزا حتى أقرّ أربعا في أربعة مجالس (5)

ص: 313


1- المصدر السابق.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ، حديث 4 وفيه ( ادرؤا ) بدل ( ذروا ).
3- الوسائل ، كتاب الإقرار ، الباب 3 ، حديث 2 وفي المستدرك ، باب الثاني من الكتاب ، حديث 1.
4- ما بين القوسين ليس في « ن ».
5- سنن البيهقي ، ج 8 ، ص 225 و 226 و 227.

والأول (1) هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : زنيت بفلانة ، لم يثبت الزنا في طرفه حتى يكرره أربعا ، وهل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد.

أقول : منشؤه من أن حد القذف شرع لمنع الناس من الفحش ، وهذا فحش ، ومن أن زناه بها لا يستلزم زناها ، لاحتمال إكراهها ولا دلالة للعام على الخاص.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بحد ولم يبينه ، لم يكلّف البيان وضرب حتى ينهى عن نفسه ، وقيل : لا يتجاوز به المئة ولا ينقص عن الثمانين ، وربما كان صوابا في طرف الكثرة ، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان ، لجواز أن يريد بالحد التعزير.

أقول : الأصل في هذه المسألة رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر برجل أقر على نفسه بحد ولم يسمه أن يضرب حتى ينهى عن نفسه » (2) ، وبمضمونها أفتى الشيخ وابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد والإرشاد ، والقول الذي أشار إليه المصنف هو قول ابن إدريس ، والمعتمد صوابه في طرف الكثرة ؛ لأن المئة أعلى الحد ، وعدم صوابه في طرف القلة بل متى نهى عن نفسه ترك ؛ لأن حد القواد خمسة وسبعون ، وهو أقل من الثمانين ، والتعزير قد يسمى حدا مجازا ، فتقييد طرف القلة بثمانين لا وجه له.

قال رحمه اللّه : وفي التقبيل ، والمضاجعة بإزار واحد ، والمعانقة روايتان ، إحداهما : مائة جلدة ، والأخرى : دون الحد ، وهي أشهر.

أقول : المشهور ان في ذلك التعزير ، لأصالة براءة الذمة من الزائد ، ولما

ص: 314


1- ليس في « ر 1 » ، والعبارة هكذا : وهو المعتمد.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 11 من أبواب المقدمات ، حديث 1.

رواه حريز في الصحيح عن الصادق عليه السلام ، « أن عليا عليه السلام وجد رجلا وامرأة في لحاف فحد كل واحد منهما مائة سوط الا سوطا » (1) وروى عبد الرحمن الحذاء عن الصادق عليه السلام « أنه إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة جلدة » (2) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وكذا قيل بالزاني بامرأة أبيه أو ابنه.

أقول : لا خلاف في قتل الزاني بإحدى المحرمات السبع الأم والبنت والأخت وبنتها وبنت الأخ والعمة والخالة ، وألحق الشيخ من زنى بامرأة أبيه ، وتبعه ابن البراج ، وابن حمزة أضاف (3) جارية الأب الذي وطأها ، وأضاف ابن إدريس الى ما ذكره الشيخ ، من زنى بامرأة ابنه أيضا ، والمشهور مذهب الشيخ وهو المعتمد ؛ لان عصمة نفس الإنسان أمر مطلوب للشارع ، فلا يصار الى خلافه إلا بدليل ، وحرمة الجارية ليس كحرمة الحرة ، فلا يثبت بالزنا بجارية الأب ما يثبت بالزنا بزوجته ، وحرمة الابن أقل من حرمة الأب فلا يجب على الأب القتل بالزنا بزوجة الابن ، واحتج القائل بالقتل بأنهما محرمتان كزوجة الأب.

قال رحمه اللّه : وهل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل : نعم ، وقيل : بل يجلد ثمَّ يقتل إن لم يكن محصنا ، عملا بمقتضى الدليلين ، والأول أظهر.

أقول : الزاني بإحدى المحرمات المذكورة ، والذمي إذا زنى بمسلمة ، ومن أكره امرأة على نفسها ، وجب قتله مطلقا ، محصنا كان أو غير محصن ، شابا كان أو شيخا ، حرا كان أو عبدا ، وهل يقتصر على ضرب العنق؟ قال الشيخان (4) :

ص: 315


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 10 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 20.
2- المصدر السابق ، حديث 5.
3- في « م » و « ر 1 » : وأضاف.
4- في « ن » : الشيخ.

نعم ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لرواية زرارة (1) عن أحدهما عليهما السلام ، وقال ابن إدريس : يجلد ثمَّ يقتل إن كان غير محصن ، ويجلد ثمَّ يرجم إن كان محصنا ، ليحصل امتثال الأمر في الحدين معا ، ولا يسقط واحد منهما.

قال رحمه اللّه : وأما الرجم فيجب على المحصن إذا زنى بالغة عاقلة ، فإن كان شيخا أو شيخه جلد ورجم [ ثمَّ رجم ] ، وإن كان شابا ففيه روايتان ، إحداهما : يرجم لا غير ، والأخرى : يجمع له بين الحدين ، وهو أشبه.

أقول : أما رواية الرجم لا غير فرواية عبد اللّه بن طلحة عن الصادق عليه السلام ، « قال : إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثمَّ رجما ، وإذا زنى النصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أحصن » (2) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وأبو الصلاح.

وأما رواية الجمع ، فعن محمد بن مسلم (3) عن الباقر عليه السلام ورواية زرارة (4) أيضا ، وذلك هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم قوله تعالى : ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (5) ، ولأن عليا عليه السلام : « جلد سراحة يوم الخميس وقتلها يوم الجمعة فقيل له : أتحدها حدين؟ فقال : حددتها بكتاب اللّه ، ورجمتها بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم » (6).

قال رحمه اللّه : وفي ثبوته في طرف المجنون تردد ، والمروي الثبوت.

ص: 316


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 17 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 2 - 4.
2- المصدر السابق ، باب الأول من أبواب حديث د الزنا ، حديث 11.
3- المصدر السابق ، حديث 8.
4- المصدر السابق ، حديث 14.
5- النور : 2.
6- سنن البيهقي ، ج 8 ، ص 220.

أقول : قد مضى البحث في ذلك (1) فلا وجه لإعادته.

قال رحمه اللّه : وأما الجز [ الجلد ] والتغريب ، فيجبان على الذكر الحر غير المحصن ، يجلد مائة ، ويجز رأسه ، ويغرب عن مصره الى آخر عاما ، مملكا كان أو غير مملك ، وقيل : يختص التغريب بمن أملك ولم يدخل ، وهو مبني على البكر ما هو؟ والأشبه أنه عبارة عن غير المحصن وإن لم يكن مملكا.

أقول : الأصل في هذا الحكم قول النبي صلى اللّه عليه وآله : « البكر بالبكر جلد مائة ويغرب عاما ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » (2) ، وقول الصادق عليه السلام في صحيحة الحلبي : « الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم ، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة » (3) ، واختلف الأصحاب في تفسير البكر ، قال الشيخ في النهاية : هو من أملك ولم يدخل ، أي عقد على امرأة ولم يدخل بها ، وبه قال ابن بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة وسلار ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وابنه في شرح القواعد ، وأبو العباس في المقتصر ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : هو غير المحصن ، سواء كان مملكا أو غير مملك ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف ، ومستند الفريقين الروايات (4) ، فعلى مذهب النهاية ينقسم الزاني غير المحصن الى قسمين : البكر : وهو من أملك ولم يدخل ، وحده الجز والجلد والتغريب ، ( وغير البكر وهو من ليس بمملك ) (5) وحده الجلد لا غير ، وعلى مذهب المبسوط والخلاف غير المحصن قسم واحد.

قال رحمه اللّه : ولو تكرر من الحر الزنا فأقيم عليه الحد مرتين ، قتل في

ص: 317


1- ص 312.
2- سنن البيهقي ، ج 8 ، ص 222.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب الأول من أبواب حديث الزنا ، حديث 9.
4- راجع احاديث باب المذكور. والباب السابع أيضا.
5- في الأصل بدل ما بين القوسين : ومن لم يملك.

الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : الأول مذهب محمد بن بابويه ، واختاره ابن إدريس مدعيا عليه الإجماع ، لقوله عليه السلام : « أهل الكبائر يقتلون في الثالثة » (1) والثاني قول الشيخين والمرتضى وابن البراج وأبي الصلاح وسلار ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : « قال : الزاني إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة » (2) ولما في ذلك من الاحتياط على حفظ النفس ، وعدم التهجم على إراقة الدم ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما المملوك إذا أقيم عليه الحد سبعا قتل في الثامنة ، وقيل : في التاسعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابنا (3) بابويه والمفيد وسلار وابن حمزة وأبو الصلاح وابن إدريس ، والثاني قول الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، والوجه معلوم مما تقدم.

قال رحمه اللّه : في كيفية الحد ، فان فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة ، ولو ثبت بالإقرار لم يعد ، وقيل : إن فر قبل إصابته بالأحجار أعيد.

أقول : إذا فر المرجوم من الحفيرة ، فإن ثبت موجب رجمه بالبينة أعيد إجماعا ، سواء أصابته الأحجار أو لم تصبه ، وإن ثبت الموجب بالإقرار قال المفيد وسلار وأبو الصلاح : لا يعاد مطلقا ، سواء أصابته الأحجار أو لم تصبه ، واختاره المصنف والعلامة ؛ لان فراره كالإنكار ، ولو أنكر بعد الإقرار لم يرجم فكذا إذا

ص: 318


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 5 من أبواب المقدمات ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 2.
3- في « م » و « ر 1 » : ابن.

فرّ ؛ لأن الحدود مبنية على التخفيف ، ولما روى من إنكار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على قتلة ماعز بن مالك ، لما فرّ فلحقه الزبير وضربه بساق بعير فوقع فلحقوه وقتلوه ، فأنكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذلك ، وقال : « هلا تركتموه لما هرب فذهب ، فإنه المقر على نفسه ، أما لو كان علي عليه السلام حاضرا لما ظلمتم » (1) وروي أنه فداه من بيت المال (2) ، وقال في النهاية : يعاد مع عدم إصابة الأحجار ، ولا يعاد مع اصابتها ، وتبعه ابن البراج ، وهو مذهب ابن الجنيد ، لرواية الحسين بن خالد (3) عن الكاظم عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ويستحب أن يحضر اقامه الحد طائفة ، وقيل : يجب تمسكا بالآية ، وأقلها واحد ، وقيل : عشرة ، وخرّج متأخر ثلاثة ، والأول أحسن.

أقول : هنا مسئلتان :

الأولى : حضور الطائفة ، هل هو مستحب أو واجب؟ بالأول قال الشيخ في الخلاف ، وهو ظاهر المصنف ، لأصالة البراءة ، وبالثاني قال ابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر ، وهو اختيار العلامة وأبو العباس ، لقوله تعالى : ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) ، والأمر حقيقة في الوجوب ، وهو المعتمد.

الثانية : اختلف الأصحاب في الطائفة ، قال في النهاية : أقلها واحد ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ؛ لأن الطائفة واحد من الفرقة ،

ص: 319


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، الباب 15 من أبواب حديث د الزنا ، حديث 1 ، وفيه ( ضللتم ) بدل ( ظلمتم ).
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- النور : 2.

لقوله تعالى ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) (1) والفرقة جماعة ، والطائفة واحد ، وقال الشيخ في الخلاف : أقلها عشرة ، نقله عن الحسن ( البصري ، وقال ابن إدريس : أقلها ثلاثة ؛ لأن الطائفة تقال عرفا على الجماعة ، وأقل الجمع ثلاثة ) (2) والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يرجمه من لله قبله حد ، وهو على الكراهية.

أقول : ورد في الروايات (3) النهي عن أن يرجمه من لله قبله حد ، فظاهره التحريم ، ويحتمل أن يكون الكراهية لأصالة البراءة ، وهو المشهور ، لوجوب القيام بأمر اللّه تعالى ، وعموم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرجم من هذا القبيل. واعلم أن الخلاف إنما هو في المقر ، أما من قامت عليه البينة فالواجب بدأة الشهود ؛ لأن النهي انما ورد في صورة الإقرار.

قال رحمه اللّه : يجلد الزاني مجردا ، وقيل : على الحالة التي وجد عليها قائما أشد الضرب ، وروى متوسطا.

أقول : المشهور جلده قائما مجردا ، سواء وجد بثيابه أو عاريا ، وقال في النهاية : يجلد على مثل حالة الزنا إن زنا وهو مجرد جلد مجردا ، وإن زنى وعليه ثيابه جلد بثيابه ، والأول هو المعتمد ، والمرأة تضرب وهي جالسة لابسة ثيابها على المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن بابويه : إن وجدت مجردة كذلك ، والأول هو المعتمد ، والمشهور أن (4) يضرب أشد الضرب ، ورواية التوسط رواية الحسين بن سعيد (5) عن الباقر عليه السلام ، والأول هو المعتمد ، لقوله تعالى :

ص: 320


1- التوبة : 122.
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، احاديث باب 31 من أبواب المقدمات.
4- في « ن » و « ر 1 » : أنها.
5- لم أعثر على رواية للحسين بن سعيد بهذا المضمون ، والموجود في الجواهر ، ج 41 ، ص 360 مرسل حرير. وهي مروية في الحدود من الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا - حديث 6 وفي باب رواية لابن سعيد حديث 1.

( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) (1) ، والضرب الضعيف رأفة وقد نهي عنه.

قال رحمه اللّه : إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا ، فادعت أنها بكر ، فشهد لها أربع نساء [ بذلك ] فلا حد ، وهل تحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية : نعم ، وقال في المبسوط : لأحد ، لاحتمال الشبهة في المشاهدة ، والأول أشبه.

أقول : بمذهب النهاية قال ابن الجنيد واختاره المصنف ؛ لأنهم شهدوا بزنا لم يثبت فيجب عليهم الجلد للفرية ، وبمذهب المبسوط قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لحصول الشبهة بتعارض الشهادتين وهي دارئة للحد ، ولإمكان عود البكارة ، قاله العلامة في القواعد ، والمعتمد مذهب المبسوط.

قال رحمه اللّه : قال الشيخ رحمه اللّه : لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم ، ولعل الأشبه الوجوب ، لوجوب بدأتهم بالرجم.

أقول : البدأة بالرجم واجب ، وهو لا يتم الا بالحضور ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، وقال في المبسوط والخلاف : لا يجب عليهم الحضور ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في شرح القواعد ، لأصالة براءة الذمة ، فعلى هذا يكون شرط وجوب البداءة الحضور لا الشهادة ، فإن حضروا واجب (2) عليهم البدأة بالرجم والا فلا.

قال رحمه اللّه : إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان ، ووجه الجمع [ سقوط ] العقوبة والحد إن اختل بعض شروط الشهادة ، مثل سبق الزوج بالقذف ، ويحد الزوج ، أو يدرأ باللعان ويحد الباقون ، وثبوت الحد إن لم يسبق

ص: 321


1- النور : 2.
2- كذا.

الزوج ولم يختل بعض الشرائط.

أقول : إذا كان الزوج أحد الشهود الأربعة ، قال المصنف : فيه روايتان ، أما رواية قبول شهادتهم ووجوب حد المرأة فرواية علي بن إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه السلام ، « قال : سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يجوز » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والخلاف والاستبصار ، وبه قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، ان لم يختل بعض شروط الشهادة ، ورواية حد الشهود دون المرأة رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام : « في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال : يلاعن ويحد الباقون » (2) ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج ، وحمل الأولون الرواية على اختلال بعض الشرائط ، كسبق الزوج بالقذف أو عدم تعديل الشهود واختلافهم (3) في الإقامة ، وقد سبق البحث في هذه في باب اللعان (4).

قال رحمه اللّه : إذا شهد بعض وردّت شهادة الباقين ، قال في الخلاف والمبسوط : إن ردّت بأمر ظاهر حد الجميع ، وإن ردّت بأمر خفي فعلى المردود الحد دون الباقين ، وفيه إشكال من حيث تحقق القذف العاري عن بينة.

أقول : مذهب الخلاف والمبسوط هو المشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير وهو المعتمد ؛ لأنهم أقاموا شهادة مقبولة في ظاهر الشرع ، ولم يطلعوا على جرح من ردت شهادته منهم ، لخفاء حاله عليهم ، فيختص المردود بالحد دونهم ، كما لو رجع في شهادته ، والا لزم تكليف ما

ص: 322


1- الوسائل ، كتاب اللعان ، باب 12 ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 2.
3- في « م » : وإحلافهم.
4- ج 3 ص 351.

لا يطاق وهو باطل ، وظاهر المصنف وجوب حد الجميع ، لتحقق (1) القذف الخالي عن بينة ، وهو معارض برجوع بعضهم عن الشهادة فإنه يختص بالحد مع عدم تحقق البينة.

قال رحمه اللّه : من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها ، ولو كانت أمة لزمه عشر قيمتها ، وقيل : يلزمه الأرش ، والأول مروي.

أقول : لزوم عشر القيمة مذهب الشيخ في النهاية ، ولزوم الأرش مذهب ابن إدريس ، وجعل ما قاله الشيخ رواية ، قال : وروي (2) أن عليه عشر قيمتها ويجلد من ثلاثين إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة ، قال : والأولى أن يغرم ما بين قيمتها بكرا وثيبا.

ص: 323


1- في الأصل : لتحقق حد القذف.
2- السرائر ، ج 3 ، ص 449.

ص: 324

في حد اللواط والسحق والقيادة

قال رحمه اللّه : ويحكم الحاكم فيه بعلمه ، إماما كان أو غيره على الأصح.

أقول : قد سبق البحث في هذه في كتاب القضاء.

قال رحمه اللّه : وكيفية إقامة الحد القتل إن كان اللواط إيقابا ، وفي رواية : إن كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ، والأول أشهر ثمَّ الامام مخير في قتله ، بين ضربه بالسيف ، أو تحريقه ، أو رجمه أو إلقائه من شاهق ، أو إلقاء جدار عليه ، ويجوز أن يجمع بين أحد هذه وتحريقه وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده مائة جلدة ، وقال في النهاية : يرجم إن كان محصنا ، ويجلد إن لم يكن والأول أشبه.

أقول : اللواط قد يكون إيقابا وغير إيقاب ، فالايقاب غيبوبة الحشفة في الدبر ، وغير الإيقاب كالتفخيذ بين الأليتين ، فإن كان الأول وجب قتل الفاعل والمفعول مع بلوغهما ورشدهما ، ولا فرق بين الحر والعبد ، ولا بين المسلم والكافر ، ولا بين المحصن وغيره ، وهذا هو المشهور وعليه فتوى الأصحاب ، قال المصنف : وفي رواية إن كان محصنا رجم وان كان غير محصن جلد ، وهو

ص: 325

إشارة الى ما رواه العلاء بن الفضل عن الصادق عليه السلام ، « قال : حد اللوطي مثل حد الزاني ، وقال : إن كان قد أحصن رجم والا جلد » (1) ، ومثلها رواية حماد بن عثمان (2) عن الصادق عليه السلام ، وحملها الشيخ على عدم الإيقاب أو التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة ، وان كان الثاني - وهو غير الإيقاب - فالمشهور أن الحد فيه جلد مائة مطلقا ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، وهو مذهب المفيد وسلار وأبي الصلاح وابن أبي عقيل والسيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، لأصالة براءة الذمة ، ولرواية سليمان بن هلال عن الصادق عليه السلام : « في الرجل يفعل بالرجل؟ قال : إن كان دون الثقب فالجلد وإن كان الثقب أقيم قائما ثمَّ ضرب بالسيف » (3) وقال الشيخ في النهاية : يرجم مع الإحصان ويجلد مع عدمه ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وهو ظاهر ابني بابويه للحديثين المتقدمين.

قال رحمه اللّه : لو تكرر منه الفعل وتخلله الحد مرتين قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : هذا غير الموقب ، والأول قول ابن إدريس ، والثاني قول الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد ، والوجه ما تقدم في الزنا.

قال رحمه اللّه : والحد في السحق مائة جلدة ، حرة كانت أو أمة ، مسلمة أو كافرة ، محصنة أو غير محصنة ، الفاعلة والمفعولة ، وقال في النهاية : ترجم مع الإحصان وتحد مع عدمه ، والأول أولى.

ص: 326


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب من أبواب حد اللواط ، حديث 3 وفيها العلاء بن الفضيل.
2- المصدر السابق ، حديث 4.
3- المصدر السابق ، حديث 2.

أقول : الأول مذهب السيد المرتضى والمفيد وأبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة ، ولما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام ، « قال المساحقة تجلد » (1) وبمذهب النهاية قال ابن البراج وابن حمزة لما رواه هشام بن حمزة وحفص ، عن الصادق عليه السلام ، « أنه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهم عن السحق؟ فقال : حدها حد الزاني ، فقالت المرأة : ما ذكره اللّه تعالى في القرآن؟ فقال : بلى ، فقالت : أين؟ قال : هن أصحاب الرس » (2) وحملت على حد الزاني من الجلد.

قال رحمه اللّه : والأجنبيتان إذا وجدتا في إزار مجردتين عزرت كل واحدة دون الحد ، فان تكرر الفعل منهما والتعزير مرتين أقيم عليهما الحد في الثالثة ، فإن عادتا ، قال في النهاية : قتلتا والأولى الاقتصار على التعزير ، احتياطا في التهجم على الدم.

أقول : قال الشيخ في النهاية : إذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما ، وليس بينهما رحم ولا أحوجتهما الى ذلك ضرورة من برد وغيره ، كان على كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين ، فان عادتا الى مثل ذلك نهيتا وأدبتا ، فإن عادتا ثالثة أقيم عليها الحد كاملا مائة جلدة فان عادتا رابعة كان عليهما القتل ، وتبعه ابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في المقتصر ، لما رواه أبو خديجة (3) عن الصادق عليه السلام ، « ولأن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة على المشهور ، وابن إدريس أوجب القتل في الثالثة بناء على مذهبه من أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ،

ص: 327


1- المصدر السابق ، باب 1 من أبواب حديث د السحق ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، حديث 1 ، وفيه هشام بن أبي حمزة.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 10 من أبواب حد الزنا ، حديث 25.

والمصنف لم يوجب القتل بل التعزير في الرابعة والحد في الثالثة ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير.

قال رحمه اللّه : إذا وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت ، قال في النهاية : على المرأة الرجم وعلى الصبية الجلد مائة بعد الوضع ، ويلحق الولد بالرجل ، وعلى المرأة المهر ، أما الرجم فعلى ما مضى من التردد ، واشتهر [ وأشبهه ] الاقتصار على الجلد ، وأما جلد الصبية فموجبه ثابت ، وهي المضاجعة [ المساحقة ] ، وأما لحوق الولد فلأنه ماء غير زان وقد انخلق منه الولد فيلحق به ، وأما المهر فلأنها سبب في إذهاب العذرة ، وديتها مهر نسائها ، وليست كالزانية في سقوط دية العذرة ؛ لأن الزانية أذنت في الافتضاض وليست هذه كذا ، وأنكر بعض المتأخرين ذلك ، وظن أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة وسقوط النسب.

أقول : أنكر ابن إدريس الرجم ولحوق الولد بالرجل وإيجاب المهر على الزوجة ، قال : لأنا قد بينا أن جلّ أصحابنا لا يرجمون المساحقة ، سواء كانت محصنة أو غير محصنة ، واستدللنا على ذلك ، فكيف نوجب على هذه الرجم؟ قال : وإلحاق الولد بالرجل فيه نظر يحتاج الى دليل قاطع ؛ لأنه غير مولود على فراشه ، والرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم قال « الولد للفراش » (1) وهذه ليست فراشا للرجل ؛ لأن الفراش عبارة في الخبر عن العقد ، وإمكان الولد ، ولا هو من وطى شبهة ، قال : وإلزام المرأة المهر أيضا فيه نظر ولا دليل عليه ؛ لأنها مختارة غير مكرهة ، وقد بينا أن الزاني إذا زنى بالبكر الحرة البالغة لا مهر عليه إذا كانت مطاوعة ، والبكر المساحقة هنا مطاوعة ، وقد أوجبنا عليها الحد ؛ لأنها بغي ، والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : « نهى عن مهر البغي » (2) إلى هنا كلام ابن

ص: 328


1- الوسائل ، كتاب النكاح ، باب 56 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب التجارة ، باب 5 من أبواب ما يكتسب به ، حديث 13.

إدريس (1).

قلت : اما الرجم فالمعتمد فيه مذهب ابن إدريس ، والشيخ بناء ذلك على مذهبه وهو وجوب رجم المساحقة إذا كانت محصنة ، وقد مضى البحث في (2) ذلك.

واما لحوق الولد بالرجل ووجوب المهر على الزوجة ، فالمشهور في ذلك مذهب الشيخ وقد بين المصنف الوجه في ذلك ، ولا يلحق الولد بالكبيرة إجماعا وهل يلحق بالصبية التي ولدته؟ استقرب العلامة في القواعد عدم اللحوق ، لانتفاء سببه ، وهو النكاح الصحيح أو الشبهة وهما منتفيان ، ولأنها في حكم الزانية ، ولهذا يجب عليها الحد ويحتمل اللحوق ؛ لأنها ولدته من غير زنا فيلحق بها ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ومع ثبوته يجب على القواد خمس وسبعون جلدة ، وقيل : يحلق رأسه ويشهر.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن القواد يحلق رأسه ويشهر شنعة له ، والمصنف لم يجزم بذلك لخلو الأحاديث (3) عنه ، وانما هو شي ء ذكره الشيخان وتبعهما الباقون.

قال رحمه اللّه : وهل ينفى بأول مرّة؟ قال في النهاية : نعم ، وقال المفيد رحمه اللّه : ينفى في الثانية ، والأول مروي ، أما المرأة فتجلد وليس عليها جز ولا شهرة ولا نفي.

أقول : القواد يجلد خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهر في البلد ، ثمَّ

ص: 329


1- السرائر ، ج 3 ، ص 465.
2- ص 326.
3- الوسائل ، كتاب الحدود ، أحاديث باب الخامس من أبواب حد السحق والقيادة.

ينفى من البلد الذي فعل فيه ذلك الى غيره ، أما الجلد والحلق والشهرة فبأول مرة ، وهل ينفى بأول مرة أيضا؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر وفخر الدين وأبو العباس ، لما رواه عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام ، « قال : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمس وسبعون سوطا ، وينفى عن المصر الذي هو فيه » (1) وقال المفيد : لا ينفى إلا في الثانية ، وبه قال أبو الصلاح وسلار.

ص: 330


1- المصدر السابق ، حديث 1.

في حد القذف

قال رحمه اللّه : ولو قال ولدت من زنا ، ففي وجوب الحد لأمه تردد ، لاحتمال انفراد الأب بالزنا ولا يثبت الحد مع الاحتمال ، أما لو قال : ولدتك أمك من الزنا فهو قذف للام ، وهنا الاحتمال أضعف ، ولعل الأشبه عندي التوقف لتطرق الاحتمال وان ضعف.

أقول : إذا قال لغيره ولدت من الزنا ففيه قولان ، أحدهما : اختصاص القذف بالأم ، لاختصاص الأم بالولادة ظاهر (1) وقد عداه الى الزنا بحرف الجر ، ومقتضاه نسبة الأم إلى الزنا ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، ونقله الشهيد عن نجم الدين في نكت النهاية ، وعن العلامة في التلخيص ، والثاني اشتراك القذف بين الام والأب ؛ لأن نسبته إليهما واحدة فلا اختصاص ، وهو قول ابن إدريس ، واستحسنه العلامة في المختلف ، ولم يصرح بثبوت الحد ولا نفيه ، وظاهر المصنف هنا عدم ثبوت الحد ، وقد ذكر وجهه وهو ظاهر العلامة في التحرير أيضا ، وجزم في القواعد بثبوته لهما ؛ لأن ظاهر اللفظ القذف لهما

ص: 331


1- كذا.

والاحتمال لا ينفي ما ثبت بظاهر اللفظ ، واختاره الشهيد في شرح الإرشاد ، فعلى هذا إذا قال : ولدتك أمك من الزنا ، كان قذفا للأم خاصة ، وكان احتمال ثبوت الحد لهما (1) أضعف ، وجزم العلامة بالثبوت ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : زنيت بفلان أو لطت به ، فالقذف للمواجه ثابت ، وفي ثبوته للمنسوب اليه تردد ، وقال في النهاية وفي المبسوط : يثبت حدان ؛ لأنه فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الآخر ، ونحن لا نسلم أنه فعل واحد ؛ لأن موجب الحد في الفاعل غير الموجب في المفعول ، وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.

أقول : ثبوت الحدين مذهب الشيخ وابن زهرة وأبي الصلاح وابن البراج ، واختاره العلامة في المختلف ، وفخر الدين في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ؛ لأنه أضاف الزنا واللواط إليهما ، وهو فعل واحد. وثبوته للمواجه خاصة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ؛ لان موجب الحد في الفاعل غير موجب الحد في المفعول ؛ لأن نسبته الى المفعول به الانفعال لا الى الفعل ، والانفعال أعم من المطاوعة والإكراه ، لصدق حقيقته فيهما ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ولا حد مع الاحتمال ، لكونه شبهة ، وقال عليه السلام « ذروا الحدود بالشبهات » (2).

قال رحمه اللّه : ولو قال لامرأته : زنيت بك ، فلها حد على التردد.

أقول : التردد المذكور هو ما سبق (3) من التردد في قوله : زنيت بفلان أو لطت به ، فمن أثبت القذف في هذه الصورة للمنسوب إليه ، أثبته للزوجة في صورة

ص: 332


1- ليست في الأصل.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب المقدمات ، حديث 4. وفيه ( ادرؤا ) بدل ( ذروا ).
3- تقدم في المسألة السابقة.

قول الزوج لها : زنيت بك ، ومن لا فلا وقد سبق البحث فيه.

قال رحمه اللّه : وهل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟ قيل : نعم ، وقيل : لا يشترط ، فعلى الأول يثبت نصف الحد ، وعلى الثاني يثبت الحد كاملا.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الحر والعبد في وجوب الثمانين جلدة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وابن الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في القواعد والتحرير ، لعموم قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (1) الاية ولما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي بكر الحضرمي ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن عبد مملوك قذف حرا؟ قال : يجلد ثمانين ، هذا من حقوق الناس ، وأما ما كان من حقوقه تعالى فإنه يضرب نصف الحد ، قلت : الذي من حقوقه تعالى ما هو؟ فقال : الزنا وشرب الخمر ، فهذا من الحقوق التي يضرب فيها نصف الحد » (2) وقال في المبسوط : يجلد العبد أربعين لما رواه أبو العباس بن سليمان ، « قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المملوك إذا افترى على الحر ، كم يجلد؟ قال : أربعين » (3) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى المقذوف الحرية فأنكرها القاذف ، فان ثبت أحدهما عمل عليه ، وإن جهل ففيه تردد ، أظهره أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال.

أقول : إذا قذف رجل رجلا ثمَّ اختلفا ، فقال المقذوف : أنا حر فعليك

ص: 333


1- النور : 4.
2- الوسائل ، الحدود ، باب 4 من أبواب القذف ، حديث 14.
3- المصدر السابق ، حديث 15.

الحد ، وقال القاذف : أنت عبد فعلي التعزير ، قال الشيخ في الخلاف : القول قول القاذف ؛ لأصالة البراءة ، وقال في المبسوط : إن علم أنه حر أو عبد أعتق قبل القذف فعليه الحد ، وان علم أنه مملوك عزر ، وإن جهل ، قال قوم : القول قول القاذف لأصالة البراءة ، وقال آخرون : القول قول المقذوف لأصالة الحرية ، وهما قويان ، وهو يدل على تردده ، واختار العلامة في المختلف مذهب الشيخ في الخلاف ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو قال لمسلم يا ابن الزانية ، أو أمك زانية ، وكانت أمه كافرة أو أمة ، قال في النهاية : عليه الحد تاما لحرمة ولدها ، والأشبه التعزير.

أقول : بمذهب النهاية قال ابن الجنيد وابن البراج ، والتعزير مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لأصالة براءة الذمة ؛ لأن الأصل مراعاة التكافؤ للقاذف أو علو المقذوف ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ لان المقذوف هنا الام ، وهي غير مكافئة للقاذف ، والمعتمد مذهب المصنف.

قال رحمه اللّه : إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين ، قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب ابن إدريس ؛ لأن أهل الكبائر عنده يقتلون في الثالثة ، والثاني مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس (1) ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قيل : لا يعزر الكفار مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض ، إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الامام بما يراه.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب لا أعلم فيه خلافا (2) ، ويحتمل

ص: 334


1- ليست في « ن ».
2- في الأصل : مخالفا.

ثبوت التعزير ، لعموم قولهم : « كل من ترك واجبا أو فعل محرما فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد » (1) ، قال المقداد في شرح المختصر : وجه العدم ثبوت التعزير في الطرفين فيتهاتران ، وفي هذا التوجيه نظر ؛ لأنه لو كان ثبوت التعزير في الطرفين علة في سقوطه عنهما لسرت في المسلمين ، مع أنه لو تقاذف اثنان من المسلمين عزرا إجماعا.

قال رحمه اللّه : يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط ، وكذا المملوك ، وقيل : إن ضرب عبده في غير حد حدا لزمه إعتاقه ، وهو على الاستحباب.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : من ضرب مملوكه فوق الحد كان كفارته أن يعتقه ، وتبعه ابن البراج ، وقال ابن إدريس : لا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة من العتق ، وبقاء الرق ، والمشهور الاستحباب ، وهو المعتمد لأصالة البراءة من الوجوب.

ص: 335


1- كأنه من عبارات الفقهاء. لاحظ مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني رحمه اللّه ، ج 1. ص 106 ، والتنقيح الرائع للمقداد السيوري رحمه اللّه ، ج 4 ، ص 364.

ص: 336

في حد المسكر

قال رحمه اللّه : أما التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار ، ففي تحريمه تردد ، والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ ، وكذا البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار ، والأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة.

أقول : التمر أو الزبيب إذا جعل (1) بالماء فغلى من نفسه أو بالنار ، ولم يبلغ الشدة المسكرة احتمل فيه التحريم ، مساواة للعصير إذا غلى ، ويحتمل عدم التحريم لأصالة الإباحة ، فيقتصر على موضع النص (2) ، وهو المشهور بين الأصحاب واختاره المصنف والعلامة وابنه وهو المعتمد.

تنبيه : اختلف في تعريف المسكر ، قيل : هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم ، وظهور السر المكتوم ، وقيل : هو ما يغير العقل ويحصل معه نشوة وسرور وقوة نفس وعربدة ، فان حصل مع ذلك تغيير الحواس الخمس فهو المرقد ، والمعتمد صدق السكر لكل واحدة من هذه الأشياء ، فإذا غلى التمر

ص: 337


1- من « ن » وفي غيرها : جعلا.
2- في المفاتيح ، ج 2 ، ص 87 : لم نجد مستنده.

والزبيب حتى صار أسفله أعلاه ، وحصل فيه القوة المسكرة التي تفعل بالمزاج أحد هذه الأشياء ، حرم والا فهو حلال.

قال رحمه اللّه : الحد ثمانون جلدة ، حرا كان الشارب أو عبدا ، رجلا كان الشارب أو امرأة ، وفي رواية يحد العبد أربعين ، وهي متروكة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بكر الحضرمي (1) عن الصادق عليه السلام وقد تقدمت في القذف ، وبمضمونها أفتى محمد بن بابويه ، والمشهور عدم الفرق بين الحر والعبد في وجوب الثمانين ، لإطلاق الروايات الدالة على ذلك ، كرواية زرارة (2) عن الباقر عليه السلام وفي رواية (3) أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام ، ورواية بريد بن معاوية (4) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهو مذهب الشيخين وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا حد مرتين ، قتل في الثالثة ، وهو المروي ، وقال في الخلاف : يقتل في الرابعة.

أقول : قتله في الثالثة مذهب المفيد وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، لما رواه أبو عبيدة عن الصادق عليه السلام ، « قال : من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد فاقتلوه » (5) ولصحيحة يونس عن الكاظم عليه السلام ، « قال : أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين

ص: 338


1- تقدمت في الهامش (61) ص
2- الوسائل ، الحدود ، باب 4 من أبواب حد المسكر ، حديث 7.
3- المصدر السابق ، باب 6 من أبواب حد المسكر ، حديث 4 - 5.
4- المصدر السابق ، باب 4 من أبواب حد المسكر ، حديث 1.
5- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 11 من أبواب حد المسكر ، حديث 3.

فتلوا في الثالثة » (1) ، وقتله في الرابعة مذهب الشيخ في المبسوط ومحمد بن بابويه ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو شهد واحد بشربها ، والآخر بقيئها ، وجب الحد ، ويلزم على ذلك وجوب الحد لو شهدا بقيئها نظرا الى التعليل المروي ، وفيه تردد لاحتمال الإكراه على بعد ، ولعل هذا الاحتمال يندفع ؛ لأنه [ بأنه ] لو كان واقعا لدفع به عن نفسه ، أما لو ادعاه فلا حد.

أقول : إذا شهد واحد بشربها والآخر بقيئها فالمشهور بين الأصحاب ثبوت الحد ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : وعليه فتوى الأصحاب ، لم أقف فيه على مخالف ، وفيه نظر ؛ لأن فخر الدين نقل عن والده في المختلف تقوية عدم وجوب الحد ، قال : وهو الأقوى عندي ، والأصل في هذه المسألة حكم على عليه السلام على الوليد بوجوب الحد ، حين شهد عنده واحد بشربها وآخر بقيها ، فقال عليه السلام : « ما قاءها إلا وقد شربها » (2) ، والى هذا التعليل أشار المصنف بقوله نظرا الى التعليل المروي.

احتج فخر الدين بان سبب الحد الشرب مختارا ، فلا يدل القي ء عليه لاحتمال الإكراه ، ويجاب بأن الأصل في الشرب الاختيار حتى يثبت الإكراه.

فعلى القول بثبوت الحد لو شهدا (3) بقيها ، هل يثبت أم لا؟ يحتمل الثبوت ، وهو المشهور لقوله عليه السلام : « ما قائها الا وقد شربها » ، ويحتمل العدم لاحتمال الإكراه ، قال المصنف : وهذا الاحتمال يندفع بأنه لو كان واقعا لدفع به عن نفسه ، أي لو كان مكرها لادعاه ، وقال : إني شربته مكرها ، فان ادعى

ص: 339


1- المصدر السابق ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، باب 14 من أبواب حد المسكر ، حديث 1 ، وليس فيه الوليد بل قدامة بن مظعون.
3- في الأصل : شهد.

الإكراه لم يثبت الحد قطعا.

قال رحمه اللّه : ومن شرب الخمر مستحلا استتيب ، فان تاب أقيم عليه الحد ، وإن امتنع قتل ، وقيل : يكون حكمه حكم المرتد ، أما سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج ، لما روي (1) عن النبي صلى اللّه عليه وآله في قضية قدامة بن مالك لما شرب الخمر مستحلا ، والثاني مذهب أبي الصلاح وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ؛ لأنه أنكر ما علم تحريمه من الدين ضرورة ، ومن أنكر شيئا من ذلك كان مرتدا.

قال رحمه اللّه : ولو كان ثبوت الحد بإقراره ، كان الامام مخيرا [ بين حدّه وعفوه ] ، ومنهم من منع التخيير وحتم الاستيفاء هنا ، وهو أظهر.

أقول : إذا ثبت الشرب بالإقرار فتاب بعد الثبوت ، قال الشيخ : يتخير الامام بين العفو أو إقامة الحد ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ، وابنه في الإيضاح وأبو العباس ؛ لأن التوبة تسقط تحتم القتل ، وهو أقوى من الحد فاسقاطها تحتم الحد أولى ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : يتحتم الحد هنا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والشهيد ، لثبوت الحد بالإقرار ، وسقوطه يفتقر الى دليل ، وحمله على الرجم قياس مع ثبوت الفارق.

قال رحمه اللّه : من قتله الحد أو التعزير فلا دية له ، وقيل : تجب على بيت المال ، والأول مروي.

أقول : الخلاف إنما هو في التعزير ، أما الحد فلا خلاف في سقوط الدية فيه ؛ لأنه مقدر بالشرع المطهر صلى اللّه على الصادع به وعلى آله ، أما التعزير فاجتهادي ، فان مات به ، قيل : لا دية له ، وبه قال الشيخ في الخلاف وابن

ص: 340


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 2 من أبواب حد المسكر ، حديث 1.

إدريس ، وهو ظاهر المصنف والعلامة وابنه ، لأصالة براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، ولان التعزير حد من حدود اللّه تعالى ، وكل من قتله الحد فلا دية له ، ولما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام ، « قال : من أقمنا عليه حدا من حدود اللّه تعالى فمات فلا ضمان » (1) ، وقال الشيخ في المبسوط : إذا عزر الامام رجلا فمات من الضرب فعليه كمال الدية ؛ لأنه ضرب تأديب ، قال : وأين تجب الدية؟

قال قوم : تجب في بيت المال ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أمر بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا ، فالنصف على الحداد في ماله ، ولو زاد سهوا فالدية على عاقلته ، وفيه احتمال آخر.

أقول : يحتمل أن يكون مراده بالاحتمال الآخر ما اختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وهو وجوب القصاص مع العمد ؛ لأنه مباشر للإتلاف عمدا فيقتص منه بعد رد نصف الدية ، ووجوب النصف على العاقلة مع السهو ، هذا اختياره في الكتابين المذكورين ، وقال في القواعد : ويمكن أن تسقط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت ، فيسقط ما قابل السائغ ، وإيجاب الجميع ؛ لأنه قتل حصل من فعله تعالى وعدوان الضارب فيحال الضمان كله على العادي كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف ، وكما لو ألقى (2) حجرا على سفينة موقرة فغرقها ، فيحتمل أن يكون مراد المصنف بالاحتمال هذا الإمكان الذي ذكره العلامة في قواعده.

ص: 341


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 3 من أبواب المقدمات ، حديث 4 ، مع اختلاف يسير.
2- في « ن » : أبقى.

ص: 342

في حد السرقة

اشارة

قال رحمه اللّه : ولو سرق الطفل لم يحد ويؤدب ولو تكررت سرقته ، وفي النهاية يعفى عنه أولا ، فإن عاد أدّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل ، وبهذا روايات.

أقول : بتفصيل النهاية قال ابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف في المختلف ، لرواية الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام ، واقتصر ابن إدريس على التأديب دائما ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، لأصالة البراءة ، ولاتصاف الطفل بما يوجب رفع القلم عنه ، وأما التأديب فليس من باب التكليف ، بل من باب وجوب التأديب على الحاكم ، لاشتماله على المصلحة ، وهذا هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : الرابع ارتفاع الشركة ، فلو سرق من مال الغنيمة فيه روايتان ، إحداهما : لا يقطع والأخرى : إن زاد ما سرقه عن نصيبه قدر النصاب قطع ، والتفصيل حسن.

ص: 343


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 28 من أبواب حد السرقة ، حديث 2.

أقول : أما رواية عدم القطع فعن محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام ، « قال : في رجل أخذ بيضة من المغنم ، قالوا : قد سرق أفنقطعه؟ فقال : إني لم أقطع أحدا له فيما أخذه شركة » (1) ، وبمضمونها أفتى المفيد وسلار وفخر الدين ، وأما رواية التفصيل فعن عبد اللّه بن سنان (2) عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن البراج ، وروى عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : سألته عن البيضة التي قطع فيها أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال : كانت بيضة حديد سرقها رجل من المغنم فقطعه » (3) ، وليس فيها دلالة على أن السارق من الغانمين.

قال رحمه اللّه : تقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه ، وفي رواية : لا يقطع ، وهي محمولة على حالة الاستيمان ، وكذا الزوج إذا سرق من زوجته ، أو الزوجة ، وفي الضيف قولان ، أحدهما : لا يقطع مطلقا ، وهو المروي ، والآخر : يقطع إذا أحرز من دونه ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في قطع الأجير إذا أحرز من دونه ، وبقطعه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لعموم القرآن (4) والأخبار (5) ، ومنع محمد بن بابويه والشيخ في النهاية من قطعه ، لرواية الحلبي (6) في الحسن عن الصادق عليه السلام ، ورواية سليمان (7) عنه والأول

ص: 344


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 24 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 4.
3- المصدر السابق ، حديث 3.
4- المائدة : 38.
5- الوسائل ، كتاب الحدود ، أحاديث باب الثاني من أبواب حد السرقة.
6- المصدر السابق ، باب 14 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.
7- المصادر السابق ، حديث 3.

هو المعتمد ، وروايات عدم القطع محمولة على الاستيمان ، وفيها دلالة عليه ، لقوله عليه السلام : « وهو مؤتمن ليس بسارق » (1).

الثانية : في قطع الضيف إذا أحرز من دونه ، وبقطعه قال الشيخ في الخلاف والمبسوط ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، لعموم الآية (2) ، وقال ابن بابويه والشيخ ( في النهاية ) (3) لا يقطع لما رواه محمد بن قيس عن الصادق عليه السلام ، « قال الضيف : إذا سرق لا يقطع وإذا أضاف الضيف ضيفا فسرق قطع ضيف الضيف » (4) والمعتمد القطع من الإحراز مطلقا.

وأما الزوج أو الزوجة فإذا سرق أحدهما من صاحبه وكان المال محرزا عنه ، فإنه يقطع بغير اشكال.

قال رحمه اللّه : ومن شرطه أن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن ، وقيل : كل موضع ليس لغير مالكه الدخول إلا بإذنه.

أقول : أجمع الأصحاب على اشتراط الحرز في القطع ، وعلى أن المرجع فيه الى العرف ؛ لأنه لا حقيقة شرعية له ، واختلف الأصحاب في تعريفه ، لعدم تنصيص الشارع عليه ، قال الشيخ في النهاية : الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول إلا بإذنه ، أو يكون مغلقا عليه ، أو مدفونا.

وقال في المبسوط : معرفة الحرز مأخوذة من العرف ، فما كان حرزا لمثله في العرف ففيه القطع ، وما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع ؛ لأنه ليس بحرز ، فحرز البقل والخضروات في الدكاكين وراء شريحة تغلق أو تقفل ، وحرز الذهب

ص: 345


1- لاحظ الروايتين السابقتين.
2- المائدة : 38.
3- ليست في الأصل.
4- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 17 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.

والفضة والجواهر والثياب الأماكن الحريزة في الدور الحريزة (1) وتحت الأغلاق الوثيقة ، وكذلك الدكاكن والخانات الحريزة ، فمن جعل الجوهرة في دكان البقل تحت شريحة قصب فقد ضيع ماله ، والحرز يختلف باختلاف المحرز فيه ، وقال قوم : إذا كان الموضع حرزا لشي ء فهو حرز لسائر الأشياء ، ولا يكون المكان حرزا لشي ء دون شي ء. قال : وهو الذي يقوى في نفسي ؛ لأن أصحابنا قالوا : إن الحرز هو كل موضع ليس لغير المالك أو المتصرف فيه دخوله إلا بإذنه.

وقال ابن إدريس : المراعاة بالعين حرز ، والذي يقتضيه المذهب أن الحرز ما كان مقفلا أو مغلقا أو مدفونا دون ما عدا ذلك ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وهو أحوط ، لما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام يرفعه الى علي عليه السلام : « لا يقطع الا من نقب نقبا أو كسر قفلا » (2).

وباقي ترددات هذا الباب وخلافاته الى قوله ( الثالث فيما فيه يثبت ) متفرعة على هذه المسألة ، فلا فائدة في ايراداتها (3) ، لرجوعها الى هذه القاعدة.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن له يسار ، قال في المبسوط قطعت يمينه ، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام : لا يقطع ، والأول أشبه.

أقول : محل القطع من السارق في المرأة الأولى يده اليمنى ، سواء كان له يد يسرى أو لم يكن ، وقال ابن الجنيد : لا يقطع مع فقد اليسرى ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج (4) المذكورة ، ولئلا يصير بلا يدين والمعتمد القطع لوجود الموجب

ص: 346


1- ليست في « ن ».
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 18 من أبواب حد السرقة ، حديث 3.
3- كذا.
4- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 11 من أبواب حد السرقة ، حديث 3.

والمحل.

قال رحمه اللّه : ولو سرق ولا يمين له ، قال في النهاية : قطعت يساره ، وقال في المبسوط : ينتقل الى رجله ، ولو لم يكن له اختيار قطعت رجله اليسرى ، ولو سرق ولا يد له ولا رجل حبس ، وفي الكل إشكال من حيث أنه تخط عن موضع القطع فيقف على إذن الشرع وهو مفقود.

أقول : إذا سرق السارق قطعت يده اليمنى في أول مرة ، فإذا سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى ، فاذا سرق ثالثا حبس دائما ، فلو سرق في الحبس قتل.

فلو فقد العضو المخصوص بالقطع ، هل يسقط القطع أو ينتقل الى غيره كما لو سرق ولا يمين له؟ قال ابن إدريس : تختص كل مرتبة بما وظف لها ، فلا يحبس من لم يسرق مرتين ، ويقطع في كل منهما بل يعزر ، وكذا لا يقطع رجل من لم يقطع يده في السرقة (1) ، وهو ظاهر المصنف ، وقال الشيخ : إذا فقد محل القطع انتقل الى غيره ، واختلف قولاه في الانتقال ، ففي المبسوط : ينتقل الى رجله اليسرى ؛ لأنها محل يؤخذ في السرقة ، واختاره ابن البراج في المهذب ، وفي النهاية : ينتقل الى يده اليسرى ؛ لأن اليد أقرب الى مماثلة اليد من الرجل ، ولا ينتقل الى الرجل الا مع فقد اليدين معا ، واختاره العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو تاب بعد الإقرار ، قيل : يتحتم القطع ، وقيل : يتخير الإمام في الإقامة والعفو ، على رواية فيها ضعف.

أقول : تحتم الحد قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لثبوت القطع بالإقرار ، والأصل عدم سقوطه ، والتخيير مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو الصلاح وأبو العباس ، لرواية أبي عبد اللّه البرقي (2) ، وهي

ص: 347


1- في النسخ : سرقة.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 18 من أبواب المقدمات ، حديث 3.

مرسلة ، فلهذا قال المصنف : فيها ضعف.

قال رحمه اللّه : إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان ، قال في النهاية : يجب القطع ، وقال في الخلاف : إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا ، وإن كان دون ذلك فلا قطع ، والتوقف أحوط.

أقول : القطع مذهب الشيخ في النهاية ، وهو قول السيد المرتضى وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة ؛ لأن موجب الحد ثابت ، وهو سرقة النصاب ، وقد صدر عن الجميع فيجب عليهم القطع ، وقال في الخلاف : لا قطع مع قصور نصيب كل واحد عن النصاب ، وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح ، وهو المعتمد لأصالة براءة الذمة ، ولعدم صدور الموجب عن كل واحد منهما ، بل الصادر عن كل واحد بعض السبب ، والبعض لا يقوم مقام الكل.

قال رحمه اللّه : ولو قامت الحجة بالسرقة ثمَّ مسكت حتى قطع ، ثمَّ شهدت عليه بأخرى ، قال في النهاية : قطعت رجله في الثانية ، استنادا إلى الرواية ، وتوقف بعض الأصحاب فيه ، وهو أولى.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه بكير بن أعين (1) ، عن الباقر عليه السلام ، وبمضمونها أفتى أبو الصلاح وابن بابويه والشيخ في النهاية ، وقال في المبسوط ؛ لا قطع في الشهادة (2) الثانية ، لعدم تأخر السرقة عن القطع الأول ، بل الكل سابق على القطع وان تأخرت البينة ، كما لو زنا وشرب مرارا ثمَّ قامت عليه البينة بالجميع ، فإنه يكفي حد واحد ، وبه قال ابن إدريس والمصنف وأبو العباس ، وهو المعتمد.

ص: 348


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 9 من أبواب حد السرقة ، حديث 1.
2- في النسخ : بالشهادة.

في حد المحارب

قال رحمه اللّه : المحارب : كل من جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر ، ليلا أو نهارا ، في مصر وغيره ، وهل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد ، أصحه أنه لا يشترط مع العلم بقصد الإخافة.

أقول : منشأ التردد من اختلاف فتاوى الأصحاب ، قال في النهاية المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من أهل الريبة أي الفساد ، ومثله قول المفيد ، وهو المشهور في عبارات الأصحاب ؛ لان من ليس من أهل الريبة أي الفساد لا يكون محاربا. ولم يشترط المصنف كونه من أهل الريبة ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لعموم الآية (1).

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت هذا الحكم للمجرّد مع ضعفه عن الإخافة تردد ، أشبهه الثبوت وتجرى بقصده.

أقول : منشؤه من عموم الآية (2) ، وصدق اسم المحارب عليه ؛ لأنهم

ص: 349


1- المائدة : 33.
2- المائدة : 33.

عرفوا المحارب بأنه من جرد السلاح لإخافة المسلمين ، فاذا حصل ذلك كان محاربا ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، ومن أنه إذا كان ضعيفا عن الإخافة لم يكن صالحا لها ، فلا فائدة في تجريده وقصده الإخافة مع ضعفه ، فيكون وجود فعله وعدمه سواء ، والمعتمد الأول لسلوكه طريق المحاربين ، فيجزى بقصده ونيته.

قال رحمه اللّه : وحد المحارب القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي ، وقد تردد فيه الأصحاب ، فقال المفيد رحمه اللّه بالتخيير ، وقال الشيخ أبو جعفر رحمه اللّه بالترتيب.

أقول : التخيير مذهب المفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف وابنه وأبو العباس ، لدلالة القرآن (1) عليه ، والترتيب المحكي في المتن للشيخ وابن البراج ، للروايات الدالة عليه ، كرواية عبد اللّه المدائني (2) عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : أما لو جرح طلبا للمال كان القصاص إلى الولي ، ولا يتحتم الاقتصاص في الجرح بتقدير أن يعفو الولي على الأظهر.

أقول : أجمع الكل على تحتم قتل المحارب إذا قتل غيره طلبا للمال ، فان كان المقتول كفؤا قتل قصاصا ، وان عفى الولي أو كان المقتول غير كفوء قتل حدا ، هذا في صورة القتل بلا خلاف.

فلو لم يقتل بل جرح جرحا يوجب القصاص في غير المحاربة طلبا للمال ، هل يتحتم القصاص كما يتحتم القتل سواء عفى الولي أو لم يعف ، أو إذا عفى الولي

ص: 350


1- المائدة : 33.
2- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 1 من أبواب حد المحارب ، حديث 4 ، وفيه ( عبيد اللّه ) بدل ( عبد اللّه ).

سقط القصاص؟ قال الشيخ في الخلاف : لا يتحتم القصاص وللولي العفو ، لأصالة جواز العفو ، وتحتم وجوبه في القتل لا يوجب تحتمه في الجرح ، واختاره المصنف وجزم به العلامة في القواعد ، وقال في المبسوط : يتحتم القصاص ، واختاره العلامة في المختلف ، قال : لنا أنه يتحتم القتل فكذا الجرح حسما لمادة الفساد ، ومجازاة له على فعله بمثله.

ص: 351

ص: 352

في حد المرتد

قال رحمه اللّه : وكم يستتاب؟ قيل : ثلاثة أيام ، وقيل : القدر الذي يمكن معه الرجوع ، والأول مروي ، وهو حسن لما فيه من التأني لإزالة عذره.

أقول : القولان نقلهما الشيخ في المبسوط عن قوم ، ثمَّ قوى الثاني ، وهو القدر الذي يمكن معه الرجوع ، قال : والأول أحوط ، وقوى فخر الدين ما قواه الشيخ ، وظاهر المصنف العمل على الأول ، والمعتمد مذهب فخر الدين ، لقوله عليه السلام : « لا تأخير في حد » (1).

قال رحمه اللّه : إذا تكرر الارتداد ، قال الشيخ : يقتل في الرابعة ، قال : وروى أصحابنا يقتل في الثالثة.

أقول : المشهور أنه يقتل في الرابعة ، وهو المعتمد ، وأما الرواية المذكورة ، قال فخر الدين : هي رواية الشيخ عن يونس عن الكاظم عليه السلام ، « قال : أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة » (2).

ص: 353


1- الوسائل ، كتاب الحدود ، باب 25 من المقدمات ، حديث 1 ، ولم أعثر عليه بلفظه.
2- المصدر السابق ، باب 5 من المقدمات ، حديث 1.

قال رحمه اللّه : كل ما يتلفه المرتد على المسلم ، يضمنه في دار الحرب أو دار الإسلام ، حالة الحرب وبعد انقضائها ، وليس كذلك الحرب ، وربما خطر اللزوم في الموضعين لتساويهما في تسبب الغرم.

أقول : قال الشيخ : الحربي لا يضمن ما يتلفه على المسلم مطلقا ، أي سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء كان في حال الحرب أو في غيره ، لقوله عليه السلام : « الإسلام يجب ما قبله » (1) ، وفصل فخر الدين ، قال : ان كان الإتلاف في حال الحرب سقط بالإسلام سواء كان نفسا أو مالا ، إذا لم تكن العين موجودة ، وان كان في غير حال الحرب ضمن النفس والمال ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وظاهر المصنف أن الحربي يضمن مطلقا كالمرتد ، لتساويهما في سبب الغرم ؛ لان السبب هو الإتلاف ظلما ، ولأن الكفار مخاطبون باتباع الشرائع ، واختاره العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : لو زوج حربي بنته المسلمة لم يصح ، لقصور ولايته عن التسلط على المسلم ، ولو زوج أمته ففي صحة نكاحها تردد ، وأشبهه الجواز.

أقول : منشؤه من بقاء الملك ، وكل مالك بالغ عاقل له تزويج مملوكته ، ومن أن الكافر ليس له على المسلم سبيل مع كونه محجورا عليه ، فلا يصح إنكاحه لمماليكه ، وجزم به العلامة في القواعد ، واختار في التحرير مذهب المصنف ، ومذهب القواعد هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قود ، ويسقط قتل الردة ، ولو عفى الولي قتل بالردة ، ولو قتل خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة ؛ لأنه لا عاقلة له على تردد.

أقول : منشؤه من أنه مرتد فلا يعقله المسلمون ؛ لأنه كافر ، ولا الكفار ؛

ص: 354


1- المستدرك ، كتاب الصوم ، باب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث 2.

لأنهم لا يرثونه ، فتكون الدية في ماله ، ومن أن ميراثه لوارثه المسلم ، فيكون دية الخطأ عليه ، وهو اختيار فخر الدين.

ص: 355

ص: 356

في إتيان البهائم

قال رحمه اللّه : وإن كان الأهم منها ظهرها لا لحمها ، كالخيل والبغال والحمير لم تذبح ، وأغرم الواطي ثمنها لصاحبها ، وأخرجت من بلد المواقعة ، وبيعت في غيره ، إما عبادة لا لعلة مفهومة لنا ، أو لئلا يعير بها صاحبها ، وما الذي يصنع بثمنها ، قال بعض الأصحاب : يتصدق به ، ولم أعرف المستند ، وقال آخرون : يعاد على المغترم ، وإن كان الواطي هو المالك دفع إليه ، وهو أشبه.

أقول : القول بالصدقة قول المفيد رحمه اللّه ، عقوبة للفاعل ورجاء لتكفير ذنبه ، والقول بالإعادة على المغترم قول الشيخ في النهاية ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة (1) وفخر الدين لأصالة عدم وجوب الصدقة ولأنه (2) لما غرم ثمنها صارت ملكا له ، والمتولي لإخراجها وبيعها الحاكم.

قال رحمه اللّه : وقيل : لا يثبت إلا بالإقرار مرتين ، وهو غلط.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن إتيان البهائم يثبت بشهادة رجلين

ص: 357


1- من « ن ».
2- في الأصل : لأنه.

عدلين ، وبالإقرار ولو مرة واحدة ، وقال ابن إدريس : يثبت بالإقرار مرتين ، ويفهم منه عدم ثبوته بالإقرار مرة واحدة ، ولهذا غلطه المصنف ، والمعتمد : إن كانت الدابة له ثبت بالمرة الواحدة التعزير والإحراق إن كانت ماكولة وإخراجها وبيعها عليه في غير البلد إن كانت غير مأكولة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (1) وإن كانت لغير المقر ثبت التعزير بالإقرار ، سواء اتحد أو تعدد ، ولا يثبت الحيلولة بين مالكها وبينها إلا بالبينة دون الإقرار ، لعدم نفوذ إقرار العاقل على غيره.

ص: 358


1- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

في الدفاع

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده مقبلا ، ورجله مدبرا ، ثمَّ يده مقبلا ، ثمَّ سرى الجميع ، قال في المبسوط : عليه ثلث الدية إذا تراضيا ، وإن أراد الولي القصاص جاز بعد رد ثلثي الدية ، أما لو قطع يده ثمَّ رجله مقبلا ، ويده الأخرى مدبرا ، وسرى الجميع ، فان توافقا قبض الدية ، وإن طلب القصاص رد نصف الدية ، والفرق أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى الجرح الواحد ، وليس كذلك في الأولى ، وفي الفرق عندي ضعف ، والأقرب أن الأولى كالثانية : لأن جناية الطرف يسقط اعتبارها مع السراية ، كما لو قطع يده والآخر رجله ، ثمَّ قطع الأول يده الأخرى ، فمع السراية بهما هما سواء في القصاص والدية.

أقول : فرق الشيخ بين توالي الجرحين المباحين ، وبين تخلل الجراح المحرم بينهما ؛ لأنهما إذا تواليا كان كالجرح الواحد ، وإذا تخللهما المحرم كانا اثنين ، فتسقط الدية عليهما وعلى المحرم ، والمعتمد ما قاله المصنف ، وهو اختيار العلامة ، وقد ذكر المصنف وجهه.

قال رحمه اللّه : ومن به سلعة إذا أمر بقطعها فمات ، فلا دية له على القاطع ،

ص: 359

ولو كان مولى عليه فالدية على القاطع إن كان وليا ، كالأب والجد للأب ، وإن كان أجنبيا ففي القود تردد ، والأشبه الدية في ماله لا القود ؛ لأنه لم يقصد القتل.

أقول : يحتمل القود ؛ لأنه تعمد فعل ما يقتل غالبا ، فاتفق القتل كان عليه القود (1) لعموم ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (2) والمعتمد اختيار المصنف.

ص: 360


1- كذا.
2- المائدة : 45.

كتاب القصاص

اشارة

ص: 361

ص: 362

قصاص النفس

اشارة

قال رحمه اللّه : ويتحقق العمد بقصد البالغ العاقل الى القتل بما يقتل غالبا ، ولو قصد القتل بما يقتل نادرا فاتفق القتل فالأشبه القصاص ، وهل يتحقق مع القصد الى الفعل الذي يحصل به الموت وإن لم يكن قاتلا في الغالب ، إذا لم يقصد به القتل ، كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف ، فيه روايتان ، أشهرهما : أنه ليس بعمد يوجب القود.

أقول : القتل على ثلاثة أقسام : العمد المحض وموجبه القصاص ، والخطأ المحض وموجبه الدية في مال العاقلة وشبيه العمد : وموجبه الدية في مال الجاني ، فالعمد يتحقق بقصد الفعل والقتل بما يقتل غالبا كالسيف والمثقل ، وهو اللت (1) والحراب والنشاب ، بقي هنا مسألتان :

الاولى : لو قصد الفعل والقتل بما يقتل نادرا لا غالبا فاتفق القتل ، هل يجب القصاص؟ قال المصنف : الأشبه القصاص ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لتحقق الإتلاف مع القصد اليه ، وظاهر الشيخ في المبسوط عدم وجوب القود بل الدية

ص: 363


1- من النسخ ، وفي الأصل غير واضحة.

مغلظة (1) في مال الجاني.

الثانية : أن يقصد الفعل دون القتل بما يقتل غالبا ، كما مثلناه فاتفق القتل ، هل يكون عمدا يوجب القود أم لا؟ قال المصنف : فيه روايتان : أشهرهما أنه ليس بعمد يوجب القود ، واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، لرواية أبان بن عثمان (2) عن الصادق عليه السلام ، ولأن شبيه العمد هو الذي يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، وهو هنا كذلك ، وقوى الشيخ في المبسوط وجوب القصاص ، لعموم ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (3) ولرواية أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام ، وأما الخطأ المحض فضابطه : ما كان مخطئا في فعله وقصده ، كمن رمى طائرا فتخطاه السهم الى إنسان فقتله ، وشبيه العمد ويسمى عمد الخطأ ، وهو ما قصد به الفعل دون القتل ، كالضرب للتأديب.

قال رحمه اللّه : اما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل غالبا ثمَّ أرسله فمات ، ففي القصاص تردد ، والأشبه القصاص إن قصد القتل ، والدية إن لم يقصد أو اشتبه القصد.

أقول : منشأ التردد من أنه أوجد علة القتل مختارا فيقتل به ، لعموم : ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (5) ، ومن أنه أوجد علة غير صالحة للقتل في العادة ، فحصل الشك بوجوب شرط القصاص ، مع أن في التهجم على الدماء خطر عظيم ، فلا يباح الا مع تحقق السبب الموجب ، وهو هنا غير متحقق ، والمعتمد التفصيل الذي ذكره المصنف وهو اختيار العلامة وابنه ، ولو كان المفعول به ضعيفا

ص: 364


1- في « م » : معلقة.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 11 من أبواب قصاص النفس ، حديث 7.
3- المائدة : 45.
4- المصدر السابق من الوسائل ، حديث 8.
5- المائدة : 45.

لا يحتمل مثل ذلك قيد به (1) قطعا.

قال رحمه اللّه : ولو جعل السم في طعام صاحب المنزل ، فوجده صاحبه فأكله فمات ، قال في الخلاف والمبسوط : عليه القود ، وفيه إشكال.

أقول : منشؤه من استقلاله بإتلاف نفسه بمباشرة الأكل العادي عن إذن جاعل السم في الطعام فيسقط القود ؛ لأن طرح السم في الطعام سبب ، وإذا اجتمع السبب والمباشر اختص الضمان بالمباشر دون ذي السبب ، ومن أنه قصد قتله بما يقتل غالبا ، والمباشرة ضعفت بالغرور فيكون عليه القود ، وتوقف المصنف والعلامة في كتبه ، وابنه في شرح القواعد.

وعلى القول بسقوط القصاص ، هل يلزمه الدية؟ يحتمل ذلك ، وهو ظاهر الشهيد في شرح الإرشاد ؛ لأنه سبب في إزهاق النفس مع عرضة (2) الأكل ، وسقوط القصاص للشك في موجبه فتثبت الدية ، ويحتمل عدم الأمرين لعدم السبب الحقيقي.

قال رحمه اللّه : ولو جرحه ثمَّ عضه الأسد وسرتا ، لم يسقط القود ، وهل ترد فاضل الدية؟ الأشبه : نعم ، وكذا لو شاركه أبوه أو اشترك عبد وحر في قتل عبد.

أقول : إذا جرحه إنسان وعضه أسد ثمَّ سرتا ، كان للولي قتل الجارح قطعا ، لكن هل يرد عليه نصف الدية؟ قال المصنف : الأشبه نعم ، وجزم به العلامة في القواعد والتحرير ؛ لأنه مات بسببين : أحدهما يوجب القصاص ، والآخر لم يوجبه ، فليس له القصاص الا بعد رد نصف الدية ، وهو المعتمد. ويحتمل عدم وجوب الرد ؛ لأنه مات من جرحين : أحدهما مضمون ، والآخر

ص: 365


1- في النسخ : قيل.
2- في النسخ : غرور.

غير مضمون ، فيحال الضمان على المضمون دون غير المضمون ، أما لو شاركه أبو المقتول أو اشترك حر وعبد في قتل عبد ، فلا يقتص من الأجنبي والعبد الا بعد الرد قطعا ؛ لأن جناية المشارك هنا مضمونة بالدية ، بخلاف الأولى.

قال رحمه اللّه : إذا أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر دون الآمر ولا يتحقق الإكراه في القتل ، ويتحقق في ما عداه ، وفي رواية علي بن رئاب : يحبس الآخر بقتله حتى يموت ، هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا ، ولو كان غير مميز كالطفل والمجنون فالقصاص على المكره ، لأنه بالنسبة إليه كالآلة ، ويستوي في ذلك الحر والعبد ، ولو كان مميزا عارفا غير بالغ وهو حر فلا قود ، والدية على عاقلة المباشر.

وقال بعض الأصحاب : يقتص منه إن بلغ عشرا ، وهو مطرح ، وفي المملوك المميز تتعلق الجناية برقبته فلا قود ، وفي الخلاف : إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية ، والأول أظهر.

أقول : لا يتحقق الإكراه في القتل ، لاشتماله على دفع الضرر بمثله ، ويتحقق فيما دونه ، ومن هذا الباب قيل : « لا تقية في الدماء » (1) ؛ لأنها انما أبيحت ليحقن بها الدم فلا يكون سببا لاراقته ، ويجوز فيما دون النفس إذا خاف على النفس.

إذا عرفت هذا فإذا أكره رجل غيره على قتل آخر ، فلا يخلو : إما أن يكون المأمور بالغا عاقلا ، أو مميزا غير بالغ ، أو لا بالغ ولا مميز ، وعلى التقادير لا يخلو اما ان يكون حرا أو عبدا فهنا أقسام :

ص: 366


1- هذا مضمون عدة روايات ، راجع الوسائل ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الباب 31. والمستدرك ، كتاب الأمر بالمعروف ، باب 1. والمذكور في المتن كأنه من عبارات العلماء ، لا حظ مثلا التنقيح ، ج 4 ص 406.

الأول : أن يكون المقهور بالغا عاقلا ، ولا شك في كون القصاص على المباشر دون الآمر ؛ لأنه قتل عمدا ظلما لاستيفاء نفسه ، فأشبه ما لو كان قتله في المخمصة ليأكله ، ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد قاله المصنف والعلامة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وأما الأمر فلا يجب عليه هنا قصاص ولا دية ، بل يحبس حتى يموت على ما هو مشهور (1) بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في كتبه ، وظاهر المصنف عدم الجزم ؛ لأنه نسبه الى رواية (2) علي بن رئاب ، وهو يدل على عدم الجزم.

الثاني : أن يكون مميزا غير بالغ وهو حر ، قال المصنف : لا قود والدية على عاقلة المباشر ، وبه قال العلامة ، ونقل المصنف عن بعض الأصحاب أنه يقتص منه إذا بلغ عشرا ، وهو قول الشيخ في المبسوط وأسند (3) ذلك الى الروايات ، ولو كان المميز عبدا ، قال الشيخ في المبسوط : تجب الدية متعلقة برقبته ، وجزم به المصنف والعلامة.

الثالث : أن يكون المقهور غير مميز ، كالطفل والمجنون فالقصاص على الآمر ، لأن غير المميز كالآلة ، والمشهور عدم الفرق بين الحر والعبد ، وقال الشيخ في الخلاف : إذا كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ، ووجبت الدية على السيد ، واختاره ابن إدريس وفخر الدين ، والأول مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره المصنف والعلامة (4) وهو ظاهر أبي العباس ، قال : واختيار المبسوط أوضح في الحكم وأقرب الى الأدلة العقلية ؛ لأن المجنون وغير المميز آلة محضة ، فيتوجه القود على الآمر بخلاف العاقل المميز.

ص: 367


1- في « م » و « ن » : المشهور.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 13 من قصاص النفس ، حديث 1.
3- في النسخ : واستند في
4- ليست في الأصل.

قال رحمه اللّه : لو قال : اقتل نفسك ، فان كان مميزا فلا شي ء على الملزم ، والا فعلى الملزم القود ، وفي تحقق إكراه العاقل هنا إشكال.

أقول : منشؤه من أن المقهور على قتل غيره انما يقتله ليدفع القتل عن نفسه ، فلا يعقل دفع القتل عن نفسه بقتل نفسه ، ومن تفاوت أسباب القتل ، فربما عدل الى سبب هو أقل ألما من السبب المتوعد به ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه فهلك ، قتلا به ، لأن سراية الأول لم تنقطع بالثاني ، لشياع ألمه قبل الثانية ، وليس كذلك لو قطع واحد يده وقتله الآخر ؛ لأن السراية انقطعت بالتعجيل ، وفي الأولى إشكال.

أقول : ما حكاه المصنف قول الشيخ في الخلاف ، وجزم به العلامة في القواعد ، واستشكله المصنف والعلامة في التحرير ، ومنشؤه من أن الثاني قطع سراية الأول ؛ لأنه لا يتجدد ألم للأول بعد قطع الثاني ، فيكون الأول قاطعا والثاني قاتلا ، فتكون المسألة الأولى كالثانية ، ولأن سراية الاولى مظنونة والثانية معلومه ، والمظنون لا يساوي المعلوم ، والمعتمد الأول.

قال رحمه اللّه : ولو كان الجاني واحدا دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا ، وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت فتوى الأصحاب فيه ، ففي النهاية : يقتص منه إن فرق ذلك ، وإن ضربه ضربة واحدة لم يكن له أكثر من القتل ، وهي رواية محمد بن قيس عن أحدهما عليهما السلام ، وفي المبسوط والخلاف : يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، وهو رواية أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام ، وفي موضع آخر من الكتاب : لو قطع يد رجل ثمَّ قتله قطع قتل ، والأقرب ما تضمنته النهاية لثبوت القصاص بالجناية الاولى ، ولا كذا لو كانت الضربة واحدة.

أقول : إذا جرحه بان قطع يده مثلا ثمَّ سرت الى نفسه تداخل القصاص

ص: 368

وليس له غير قتله إجماعا ، أما لو قطع يده مثلا ثمَّ قتله ، هل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ، بمعنى أنه لا يقتصر على قتله أو لا يدخل بل يقطع يده أولا ثمَّ يقتله (1) بعد ذلك؟ اختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أقوال.

الأول : التداخل مطلقا ، قاله الشيخ في المبسوط والخلاف ، وقد ذكر المصنف مستنده.

الثاني : عدم التداخل مطلقا ، وهو قول ابن إدريس ، لقوله تعالى : ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (2) وقوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (3) ، ولا فرق بين أن يكون ذلك بضربة واحدة أو بضربات.

الثالث : التفصيل ، لرواية محمد بن قيس ، عن أحدهما عليهما السلام : « في رجل فقأ عين رجل وقطع أنفه وأذنيه ثمَّ قتله؟ فقال : ان كان فرق ذلك اقتص منه ثمَّ قتل ، وان كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتص منه » (4) ، ومثلها رواية حفص بن أبي البختري (5) ، عن الصادق عليه السلام ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو اشترك رجل وامرأة فعلى كل واحد منهما نصف الدية ، وللولي قتلهما ، ويختص الرجل بالرد ، وفي المقنعة يقسم الرد بينهما أثلاثا وليس بمعتمد ، ولو قتل المرأة فلا رد ، وعلى الرجل نصف الدية ، ولو قتل الرجل ردّت المرأة عليه نصف ديته ، وقيل : نصف ديتها ، وهو ضعيف ، وكل موضع يوجب

ص: 369


1- في « ن » : يقتله.
2- المائدة : 45.
3- البقرة : 194.
4- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 51 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
5- المصدر السابق ، حديث 2.

الرد فإنه يكون مقدما على الاستيفاء.

أقول : الخلاف هنا في موضعين :

الأول : إذا قتلهما معا كان على الولي رد نصف الدية ، خمس مائة دينار ، وفي مستحقها قولان ، قال الشيخ واتباعه بكون الجميع لأولياء الرجل ؛ لأن عليه نصف الدية فيبقى له نصف ، بخلاف المرأة ؛ لأن عليها نصف الدية أيضا ، وديتها نصف دية الرجل فلا يبقى لها شي ء ، وهذا هو المعتمد. وقال المفيد في المقنعة : يقسم الرد أثلاثا ، ووجهه تقسيط الرد على ديتهما ، فكما أن دية المرأة ثلث الديتين يكون لها ثلث الرد.

الثاني : إذا قتل الرجل خاصة ردت المرأة نصف ديته خمس مائة دينار ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ؛ لأن عليها نصف الجناية فيكون عليها نصف الدية ، وقال الشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج. برد نصف ديتها ؛ لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا ، قال في النهاية : للأولياء أن يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم إليهم العبد ، أو يقتلوا العبد ، وليس لمولاه على الحر سبيل ، والأشبه أن مع قتلهما يؤدون إلى الحر نصف ديته ، ولا يرد على مولى العبد شي ء ، ما لم تكن قيمته أكثر من نصف دية الحر ، فيرد عليه الزائد ، وإن قتلوا العبد وكانت قيمته زائدة على نصف دية المقتول ، أدوا إلى مولاه الزائد ، فإن استوعب الدية والا كان تمام الدية للأولياء الأول ، وفي هذا اختلاف للأصحاب ، وما اخترناه أنسب بالمذهب.

أقول : اختلف الأصحاب في هذه المسألة على أقوال :

الأول : ما حكاه المصنف عن الشيخ في النهاية ، وهو قول المفيد وتبعهما ابن

ص: 370

البراج ، وفيه نظر ؛ لأنه قال : يقتلونهما ويؤدون إلى سيد العبد ثمنه ، وهذا لا وجه له ؛ لأنه يخرج العبد عن كونه جانيا ، لعدم دخول النقص حينئذ على سيده ، بل (1) يرد عليه الزائد عن نصف الدية ان اتفق والا فلا شي ء ، وفي رد سيد العبد على ورثة الحر نصف الدية في صورة قتل الحر خاصة نظر أيضا ، لاحتمال نقصان قيمة العبد عن ذلك ، فلا يلزم السيد أكثر من قيمة العبد ، وفي قوله : يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل ، نظر أيضا ، لاحتمال زيادة قيمة العبد على نصف دية الحر ، فيرجع سيده على الحر بالزيادة.

الثاني : قول أبي الصلاح ، وهو إذا قتلهما الولي رد قيمة العبد ؛ لأنها (2) الفاضل عن حقه على سيد العبد وورثة الحر يكون بينهما نصفين ، وإن قتل العبد خاصة دفع الحر الى سيده نصف قيمته ، وإن قتل الحر خاصة كان على سيد العبد نصف الدية ، وإن أختار الدية كان عليهما نصفين ، ويرد عليه ما ورد على قول الشيخ.

الثالث : كون الجناية عليهما نصفين ، وذلك يفضي الى ضمان كل واحد منهما لنصفها ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وحينئذ نقول قيمة العبد إما أن تزيد على جنايته أم لا ، وعلى التقديرين فالولي إما أن يختار قتلهما أو الدية منهما أو قتل الحر خاصة (3) أو العبد ، فالأقسام أربعة ، فإذا ضربت في القسمين الأولين أعني زيادة قيمة العبد على جنايته وعدم الزيادة ، صارت ثمانية ، أربعة منهما في طرف الزيادة ، وأربعة في طرف عدمها.

الطرف الأول في زيادة قيمة العبد على جنايته ، ومسائله أربعة.

ص: 371


1- في « ر 1 » : وهل.
2- كذا
3- من « ن ».

الاولى : أن يختار الولي قتلهما ، فله ذلك ويرد على الحر نصف ديته ؛ لأنه الفاضل عن قدر جنايته ، وعلى سيد العبد الزائد على قيمته عن نصف الدية ، ما لم يتجاوز القيمة دية الحر فيرد إليها.

الثانية : أن يختار الدية منهما ، فعلى الحر نصف الدية وعلى سيد العبد النصف الآخر ، أو تسليم ما قابل النصف من العبد إلى الولي ليسترقه.

الثالثة : اختيار قتل الحر فيؤدي سيد العبد الى الحر نصف ديته ، أو يسلم من العبد ما قابل نصف الدية ليسترقوه ، وليس لهم قتله.

الرابعة : اختيار قتل العبد فيؤدي الحر الى سيده ما زاد عن نصف الدية ، فإن قصر الزائد عن نصف الدية أدى الحر إلى الولي تمام النصف ، وإن لم يقصر لم يؤد الى الولي شيئا ، وإن زادت الزيادة عن النصف ردت إليه (1) ، لأن قيمة العبد إذا تجاوزت دية الحر ردت إليها.

الطرف الثاني في عدم الزيادة ، ومسائله أربع أيضا :

الأولى : اختار قتلهما ، فلا شي ء لسيد العبد على المولى ، ولا للمولى على سيد العبد ، ولورثة الحر نصف الدية على الولي.

الثانية : اختار الدية منهما (2) فعلى الحر نصفها وعلى سيد العبد النصف الآخر ، أو يسلم العبد إلى ولي المقتول إن شاء استرقه ، وإن شاء باعه ، وإن شاء قتله ، وليس على سيد العبد ولا على الشريك الحر تكميل ما نقص عن نصف الدية لو كان هناك نقص.

الثالثة : اختار قتل الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثته نصف ديته أو يسلم العبد إليهم فلهم استرقاقه وبيعه لا قتله ، فان كانت قيمته بقدر نصف الدية فهو

ص: 372


1- في « م » : إليهما ، وفي « ن » و « ر 1 » : إليها.
2- في « ر 1 » : منها.

حقهم ، وان كانت أنقص كان على الولي (1) تمام (2) النقص.

الرابعة : اختار قتل العبد ، ولا سبيل لسيده على الحر ، وعلى الحر نصف الدية للولي ، ولا شي ء له على سيد العبد لو نقصت قيمته عن النصف ؛ لأنه لا يعقل عبده ، ولا على الحر التمام أيضا ؛ لأن عليه النصف لا أزيد.

قال رحمه اللّه : فيقتل الحر بالحر ، والحرة مع رد فاضل ديته ، والحرة بالحرة ، وبالحر ، ولا يؤخذ ما فضل على الأشهر.

أقول : إذا قتلت المرأة رجلا كان لوليه قتلها ، وهل يأخذ منها مع ذلك نصف الدية؟ المشهور بين الأصحاب عدم ذلك وربما كان إجماعا ، للروايات المتضافرة عن أهل البيت عليهم السلام ، كرواية حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : إذا قتلت المرأة الرجل قتلت به وليس لهم الا نفسها » (3) ، وروى ابن أبي عمير عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا ، « في المرأة تقتل الرجل ما عليها؟ قال لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » (4) ، وانفرد أبو مريم الأنصاري بما رواه عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال ، « في امرأة قتلت رجلا؟ قال : تقتل ويؤدي وليها بقية المال » (5) ، قال الشيخ في الاستبصار : وهذه الرواية شاذة لم يروها إلا أبو مريم وان تكررت في الكتب في مواضع متفرقة ، ومع ذلك فإنها مخالفة لظاهر الكتاب العزيز ، قال تعالى ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ ) (6) الآية ولم يذكر معها شيئا آخر ،

ص: 373


1- في « ن » : للوالي.
2- في النسخ : إتمام.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 33 من أبواب قصاص النفس ، حديث 3.
4- المصدر السابق ، حديث 10.
5- المصدر السابق ، حديث 17.
6- المائدة : 45.

والرواية من الصحاح لكن الأصول وعمل الأصحاب على خلافها.

قال رحمه اللّه : ولا يقتل حر بعبد ولا أمة ، وقيل : إن اعتاد قتل العبيد قتل حسما للجرأة.

أقول : لا يقتل الحر بالعبد مع عدم الاعتياد إجماعا ، فإن اعتاد قتل العبيد ، هل يقتل أم لا؟ قال في النهاية : يعاقب من يعتاد قتل العبيد ويزجر عن مثله في المستقبل ، وهذا يدل على عدم القتل ، وبه قال في المبسوط والخلاف ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله تعالى ، ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) (1) وفي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام : « لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ، ويغرم ثمنه دية العبد » (2) وهو عام ، وقال الشيخ في التهذيب والإستبصار وأبو الصلاح : يقتل مع الاعتياد ، لرواية الفتح بن يزيد الجرجاني (3) ، والمرجع في الاعتياد الى العرف ، وقال ابن الجنيد : يقتل في الثالثة أو الرابعة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قتل المولى عبده كفّر وعزّر ولم يقتل به ، وقيل : يغرم قيمته ويتصدق بها ، وفي المستند ضعف ، وفي بعض الروايات إن اعتاد ذلك قتل به.

أقول : إذا قتل المولى عبده ، هل يجب عليه الصدقة بقيمته؟ المشهور بين الأصحاب : نعم ، وهو مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج وسلار وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، لما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « أن أمير المؤمنين عليه السلام رفع اليه رجل

ص: 374


1- البقرة : 178.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 40 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، باب 38 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1. وفي المصدر ( أبي الفتح )بدل( الفتح )

عذب عبده حتى مات ، فضربه مائة نكالا وحبسه سنه وغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه » (1) وتوقف المصنف والعلامة ، لضعف طريقها ، والمعتمد ما عليه الأصحاب.

وقوله ( وفي بعض الروايات ان اعتاد ذلك قتل ) إشارة الى ما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام ، « في رجل قتل مملوكه أو مملوكته؟ قال : إن كان المملوك له أدب فحبس إلا أن يكون معروفا يقتل المماليك فيقتل به » (2) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : والمدبر كالقنّ ، فلو قتل عمدا قتل ، وإن شاء الولي استرقاقه كان له ، وإن قتل خطا فإن فكه مولاه بأرش الجناية ، وإلّا سلّمه للرق ، فاذا مات الذي دبره ، هل ينعتق؟ قيل : لا ، لأنه كالوصية ، وقد خرج عن ملكه بالجناية فيبطل التدبير ، وقيل : لا يبطل ، بل ينعتق [ وهو المروي ] ومع القول بعتقه ، هل يسعى بفك رقبته؟ فيه خلاف ، الأشهر أنه لا يسعى ، وربما قال بعض الأصحاب : يسعى في دية المقتول ، ولعله وهم.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا جنى المدبر عمدا واختار ولي الدم استرقاقه ، أو خطأ ودفعه السيد للرق ، هل يبطل تدبيره ويستقر ملك أولياء المقتول عليه؟ أو لا يبطل بل ينعتق بموت المدبر؟ اختلف الأصحاب في ذلك والمشهور بطلانه ، وهو مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأنه خرج عن ملك المدبر بالجناية وصار ملكا لأولياء المقتول ، والأصل بقاء ملكهم عليه ،

ص: 375


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 37 من أبواب قصاص النفس ، حديث 5.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 38 من أبواب قصاص النفس ، حديث 2.

فمن أخرجه عن ملكهم يحتاج الى دليل ناقل ، ولرواية أبي بصير (1) ، عن الباقر عليه السلام الدالة على المطلوب ، وقال الشيخان وابن بابويه : لا يبطل التدبير ، لحسنة جميل بن دراج (2) عن الصادق عليه السلام الدالة على مطلوبهم.

الثانية : على القول بعدم بطلان التدبير ، هل يسعى بعد عتقه لأولياء المقتول بشي ء؟ فيه أقوال :

الأول : عدم السعي بشي ء وهو ظاهر المفيد ، لحسنة جميل المتقدمة ؛ لأنه قال فيها : « يخدمهم حتى يموت مدبره ثمَّ يرجع حرا لا سبيل عليه ».

الثاني : يسعى في دية المقتول إن كان حرا ، وفي قيمته إن كان عبدا ، وهو قول الشيخ في النهاية ؛ لأن الواجب في القتل دية الحر وقيمة العبد ، فاذا سعى انما يسعى في ذلك ؛ لأنه الواجب عليه ونسبه المصنف الى الوهم ؛ لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، وربما كانت الدية أكثر من قيمة نفسه وقال محمد بن بابويه يسعى بقيمة نفسه.

الثالث : قال فخر الدين يسعى بأقل الأمرين من قيمته والدية كما لو فكه مولاه.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يمين رجل ومثلها من آخر ، قطعت يمينه بالأول ويساره بالثاني ، فلو قطع يد ثالث ، قيل : سقط القصاص إلى الدية ، وقيل :قطعت رجله بالثالث ، وكذا لو قطع رابعا.

أقول : إذا قطع يمين رجل ومثلها من آخر ، قطعت يمناه بالأول ويسراه بالثاني إجماعا ؛ لأن اليد مساوية لليد ، وان اختلفا (3) ، وهل يجب بقطع الثالث

ص: 376


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 42 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.
3- في « ر 1 » : اختلفتا.

قطع رجله اليسرى ، وبالرابع رجله اليمنى ، وبالخامس الدية ، أو ينتقل إلى الدية بعد فقد اليدين؟ اختلف الأصحاب في ذلك ، قال ابن الجنيد والشيخ في النهاية وابن البراج بالترتيب المذكور ، لما رواه الشيخ في الصحيح يرفعه الى حبيب السجستاني (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام ، والانتقال إلى الدية مع فقد اليدين مذهب ابن إدريس ، ونقله فخر الدين عن نجم الدين في الشرائع وليس فيها ما يدل على ترجيح أحد القولين ؛ لأنه نقل القولين ولم يرجح شيئا ، احتج ابن إدريس باشتراط المماثلة ، والعدول من اليد الى الرجل على خلاف الأصل ( ولا دليل عليه ) (2) وهو ظاهر فخر الدين.

قال رحمه اللّه : ولو قتل العبد حرين على التعاقب كان لأولياء الآخر ، وفي رواية أخرى يشتركان فيه ما لم يحكم به للأول ، وهذه أشبه ، ويكفي في الاقتصاص أن يختار الولي استرقاقه ولو لم يحكم به الحاكم.

أقول : إذا قتل العبد حرين أو أكثر دفعة كان لأولياء الجميع قتله قولا واحدا ، وهل الحكم كذلك لو كان على التعاقب؟ قال الشيخ في الاستبصار : نعم ما لم يحكم به للأول ، وهو مذهب ابن الجنيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية زرارة (3) ، عن الباقر عليه السلام ، واشترط الشيخ في انتقاله إلى الأول حكم الحاكم به للأول ، وابن إدريس قال : يكفي في انتقاله إلى الأول اختيار أولياء المقتول استرقاقه وان لم يحكم به الحاكم ، واختاره المصنف والعلامة في التحرير وفخر الدين وهو المعتمد ، وقال الشيخ في النهاية : هو لأولياء الأخير ، ولم يشترط الحكم به للأول ، وعليه دلت رواية علي بن عقبة عن الصادق عليه

ص: 377


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 12 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 2.
2- من « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 45 من قصاص النفس ، حديث 1.

السلام ، « قال سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد واحد؟ قال : فقال : هو لأولياء الأخير إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه » (1) ؛ لأنه إذا قتل الأول استحقه أولياؤه فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأول فصار لأولياء الثاني ، فإذا قتل الثالث استحق من أولياء الثاني فصار لأولياء الثالث ، فاذا قتل الرابع استحق من أولياء الثالث فصار لأولياء الرابع إن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده قاطع ورجله آخر ، قال بعض الأصحاب : يدفعه إليهما ويلزمهما الدية ، أو يمسكه كما لو كانت الجناية [ الجنايتان ] من واحد ، والأولى أن له إلزام كل واحد بدية جنايته ولا يجب دفعه إليهما.

أقول : قوله ( قال بعض الأصحاب ) إشارة الى ما قواه الشيخ في المبسوط ، قال ابن إدريس : ما قواه الشيخ أضعف من التمام ، لأنه كان رقا للمولى فيستصحب حتى يظهر المزيل ولم يثبت ، ولو لا الإجماع في الواحد كان الحكم فيه كذلك (2) ، أيضا لكن صرنا الى الانتقال مع أخذ الدية للإجماع المنفي هنا ، وهو اختيار المصنف والعلامة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : كل موضع يفكه المولى إنما يفكه بأرش الجناية ، زادت عن قيمة المملوك الجاني أو نقصت ، وللشيخ قول آخر أنه يفديه بأقل الأمرين ، والأول مروي.

أقول : إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته ، فإن أراد سيده أن يفديه ، قال الشيخ في المبسوط : يفديه عند قوم بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية ؛ لأنه إن كانت قيمته أقل فليس عليه غير قيمته ، وإن كانت جنايته (3) أقل

ص: 378


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- في النسخ : ذلك.
3- في النسخ : الجناية.

فليس عليه غيرها (1) وعند آخرين (2) هو بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسمله للبيع (3) ؛ لأنه قد يرغب فيه راغب يشتريه بذلك القدر أو أكثر ، قال : وهذا أظهر في رواياتنا ، والأول أقوى ، واختاره العلامة في القواعد ، وقال في الخلاف يفديه بالأرش بالغا ما بلغ ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، ووجهه ما حكيناه عن الشيخ في المبسوط.

قال رحمه اللّه : إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه ، صح ولم يسقط القود ، ولو قيل : لا يصح لئلا يسقط حق الولي من الاسترقاق ، كان حسنا ، وكذا البحث في بيعه الى آخره.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة في باب البيع (4) فلا وجه للإعادة.

ص: 379


1- في « ن » : غير قيمته.
2- في « ر 1 » : آخر.
3- في الأصل : إلى البيع.
4- تقدم في الجزء الثاني ، ص 23.

ص: 380

فروع في السراية

اشارة

قال رحمه اللّه : إذا جنى الحر على المملوك فسرت الى نفسه ، فللمولى كمال قيمته ، ولو تحرر وسرت الى نفسه كان للمولى أقل الأمرين ، من قيمة الجناية أو الدية عند السراية ؛ لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له ، والزيادة حصلت بعد الحرية فلا يملكها المولى ، وإن نقصت مع السراية لم يلزم الجاني تلك النقيصة ؛ لأن دية الطرف تدخل في دية النفس ، مثل أن يقطع واحد يده وهو رق ، فعليه نصف قيمته ، فلو كانت قيمته ألفا كان الجاني خمس مائة ، فلو تحرر وقطع آخر يده وثالث رجله ثمَّ سرى الجميع ، سقطت دية الطرف وثبتت دية النفس وهي ألف ، فلزم الأول الثلث بعد أن كان يلزمه النصف ، فيكون للمولى الثلث وللورثة الثلثان من الدية ، وقيل : له أقل الأمرين هنا من ثلث القيمة وثلث الدية ، والأول أشبه.

أقول : إذا قطع أحد يد عبد فعتق ، ثمَّ قطع آخر يده ثمَّ آخر رجله ثمَّ سرى الجميع ومات من الكل ، فلا قصاص على الأول إذا كان حرا في النفس ولا في الطرف ، وعلى الأخيرين القصاص ، وأما الدية فتقع موزعة على الجنايات

ص: 381

الثلاث على كل واحد ثلثها ، ولا حق للسيد فيما يجب على الآخرين وأنما تعلق حقه بما يجب على الجاني الأول الذي جنى عليه حالة الرق ، وفيما يستحقه قولان :

الأول : أقل الأمرين من ثلث الدية وأرش الجناية ، وهو قول الشيخ في الخلاف ، ونقله عنه عميد الدين في شرح القواعد ، ووجهه ما ذكره المصنف ، وهو اختيار المصنف والعلامة في القواعد.

الثاني : أقل الأمرين من ثلث القيمة وثلث الدية ؛ لأنه إن كان ثلث القيمة أقل فلا شي ء للسيد فيما زاد على الثلث بالسراية حال الحرية ، وإن كان ثلث الدية أقل فلا يلزمه أكثر من ثلث دية الحر ؛ لأن قيمة العبد إذا زادت عن دية الحر ردت إليها ، وتوقف العلامة ( في المختلف ) (1) ، وابنه في شرح القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يده وهو عبد ثمَّ رجله وهو حر ، كان على الجاني نصف قيمته وقت الجناية لمولاه ، وعليه القصاص في الجناية حال الحرية ، فإن اقتص المعتق جاز ، وإن طالب بالدية كان له نصف الدية يختص به دون الولي ، ولو سرتا فلا قصاص في الأولى ، لعدم التساوي ، وله القصاص في الرجل ؛ لأنه مكافئ ، وهل يثبت القود؟ قيل : لا ؛ لأن السراية عن فعلين أحدهما لا يوجب القود ، والأشبه ثبوته مع رد ما يستحقه الولي.

أقول : أما وجه عدم القصاص فقد ذكره المصنف ، وأما وجه ثبوته فلوجود السبب وهو الجناية على الحر المكافئ وكون إحدى الجنايتين لا توجب القصاص غير مانع من القصاص بالجناية الأخرى ، كما لو ( قطع يد ولده ثمَّ ) (2) قطع أجنبي رجله ثمَّ سرتا ، فإنه يقاد الأجنبي مع رد نصف الدية ، وكذلك هنا يقاد الأجنبي مع رد نصف دية العبد ، وجزم به العلامة في كتبه.

ص: 382


1- ليستا في الأصل.
2- ما بين القوسين ليس في « م ».

قال رحمه اللّه : وقيل : إن اعتاد قتل أهل الذمة جاز الاقتصاص بعد رد فاضل ديته.

أقول : لا خلاف في عدم قتل المسلم بالذمي مع عدم الاعتياد ، ومع الاعتياد اختلف الأصحاب فيه على ثلاثة أقوال :

الأول: قول الشيخ في النهاية : إنه يقتل قصاصا بعد رد أولياء الذمي فاضل دية المسلم ، وهو قول المفيد واختاره المصنف في المختصر جزما.

الثاني : انه يقتل حدا لا قصاصا ولكن لا فساده قام مقام المحاربين ، وهو قول أبي الصلاح وأبي علي.

الثالث : عدم قتله مطلقا ، وهو قول ابن إدريس وهو ظاهر المصنف هنا ، والعلامة في القواعد واختاره فخر الدين ومستند الجميع الروايات (1) ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : والحق أن هذه المسألة إجماعية ، فإنه لم يخالف فيها أحد سوى ابن إدريس ، وقد سبقه الإجماع ولو كان هذا (2) الخلاف مؤثرا في الإجماع لم يوجد إجماع قط ، إذا عرفت هذا فهنا فروع :

الأول : المراد بالذمي هو الملتزم بشرائط الذمة السابقة فلو أخلّ بشرط واحد منها صار حربيا لم يقتل المسلم بقتله.

الثاني : معنى الاعتياد ، قيل : يحصل بقتله ثانيا ؛ لأنه مشتق من العود ، وقيل بقتله ثالثا ؛ لأن ثبوت العادة شرط في القصاص ، والشرط مقدم على المشروط ، فبقتله مرتين يحصل العادة ، وبالثالثة يجب القتل.

الثالث : على القول بأنه قصاص يتوقف على طلب الولي ، وعلى القول بأنه حد يقتله الامام عليه السلام لفساده في الأرض.

ص: 383


1- الوسائل ، أحاديث باب 47 من أبواب قصاص النفس.
2- ليست في النسخ.

الرابع : على القول بقتله قصاصا ، هل يتوقف على طلب جميع الأولياء أو طلب ولي الأخير خاصة؟ يبني على مسألة هي أن قتل ما قبل الأخير هل هو شرط في وجوب القصاص أو جزء سبب؟ فان كان الأول لم يتوقف على طلب الجميع بل على طلب ولي الأخير ؛ لأن قتله سبب تام في وجوب القصاص ، وان كان الثاني توقف على طلب الجميع ، ويتفرع على ذلك رد فاضل دية المسلم ، وكل من يتوقف القصاص على مطالبته كان الرد واجبا عليه.

قال رحمه اللّه : ولو قتل الذمي مسلما عمدا ، دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيرون بين قتله أو استرقاقه ، وفي استرقاق ولده الصغار تردد ، أشبهه بقاؤهم على الحرية ، ولو أسلم ، قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا قتله.

أقول : منشأ التردد من تبعية الطفل لأبويه في الكفر والإسلام ، فيتبعه في الرق ، ولأنه بخرق الذمة صار حربيا وحكم الحربي استرقاق أولاده الصغار ، ومن أصالة بقاء حريتهم السابقة ، لانعقادهم عليها وجناية الأب لا تخرجهم عنها لقوله تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (1) وبالاسترقاق قال المفيد وابن حمزة وسلار ونقله العلامة في التحرير وفخر الدين وعميد الدين عن الشيخ في النهاية ، قال الشهيد في شرح الإرشاد : ولم أر ذلك في شي ء من كتب الشيخ ، ومنع ابن إدريس من الاسترقاق ، واختاره المصنف والشهيد في شرح الإرشاد ، واستبعد القول باسترقاقهم.

قال رحمه اللّه : ولو قتل الذمي مرتدا قتل به ؛ لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي ، أما لو قتله مسلم فلا قود قطعا ، وفي الدية تردد ، والأقرب أنه لا دية.

أقول : منشؤه من أن المرتد مهدور الدم بالنسبة إلى المسلم ، فلا قود

ص: 384


1- الأنعام : 164.

ولا دية وان أساء بقتله ؛ لأن أمره الى الحاكم (1) ومن أنه لم يكن أقل حرمة من الذمي ، ويجب بقتل الذمي الدية فكذلك في (2) المرتد ، والأول هو المعتمد والمشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى اثنان ولدا مجهولا ، فان قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود لتحقق الاحتمال في طرف القاتل ، ولو قتلاه فالاحتمال بالنسبة الى كل واحد منهما باق ، وربما خطر الاستناد إلى القرعة ، وهو تهجم على الدم ، والأقرب الأول. ولو ادعياه ثمَّ رجع أحدهما وقتلاه ، توجه القصاص على الراجع بعد رد ما يفضل عن جنايته ، وكان على الأب نصف الدية وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده. ولو ولد مولود على فراش مدعيين له ، كالأمة أو الموطوءة بالشبهة في الطهر الواحد ، فقتلاه قبل القرعة ، لم يقبلا ، لتحقق الاحتمال بالنسبة الى كل واحد منهما ، ولو رجع أحدهما ثمَّ قتل لم يقتل الراجع ، والفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى ، وفي الفرق تردد.

أقول : فرق الأصحاب بين رجوع أحد المدعيين للولد المجهول ، وهو الذي لم يعلم ولادته على فراش معلوم ، وبين رجوع أحد المدعيين للولد المولود على فراشهما كما فرضه المصنف ، ثمَّ حكموا بقتل الراجع في الصورة ( الأولى إذا قتل الولد ، وبعدم قتل الراجع في الصورة ) (3) الثانية ؛ لأن البنوة إذا ثبتت بالفراش لم تنتف الا باللعان ، وإذا ثبتت بمجرد الدعوى انتفت بالرجوع عنها مع وجود مدع غير الراجع ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وتردد المصنف في الفرق ؛ لأن المانع من القصاص هنا انما هو احتمال البنوة وهذا المعنى مشترك بين

ص: 385


1- في النسخ : الامام.
2- من « ر 1 ».
3- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».

الصورتين لان النسب يثبت بالفراش المنفرد والدعوى المنفردة وكما ساوت الدعوى المنفردة الفراش المنفرد في ثبوت النسب وجب ان يتساوى الدعوى المشتركة والفراش المشترك في احتمال النسب فالفرق بينهما في صورة الاشتراك مع عدمه في صورة الاتحاد لا وجه له وعدم الفرق قوي غير ان عمل أكثر الأصحاب على الفرق من غير تردد.

قال رحمه اللّه : وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ، وفي أخرى إذا بلغ خمسة أشبار ، وتقام عليه الحدود ، والوجه أن عمد الصبي خطأ محض يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ خمسة عشرة سنة.

أقول : الرواية الأولى رواها الشيخ عن أبي بصير عن الباقر عليه السلام ، « قال : سأل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ؟ فقال : إن خطأ المرأة والغلام عمد ، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ويردوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم وإن أحبوا أن يقتلوا الغلام قتلوه ، وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية قال وان أحب أولياء المقتول ان يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف » (1) وحملها الشيخ على من بلغ العشر.

وأما الرواية الثانية فرواية السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية » (2) وبمضمون الأولى أفتى الشيخ وبمضمون الثانية أفتى ابن بابويه والمفيد ، والمشهور اختيار المصنف ، لقوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاثة ، عن الطفل حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ، والنائم حتى

ص: 386


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، الباب 34 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 36 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.

ينتبه » (1) ولعدم جواز التهجم على الدماء إلا في موضع اليقين.

قال رحمه اللّه : ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأصح.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد ؛ لعموم ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (2) وقال أبو الصلاح : لا يقتل به بل تؤخذ الدية ؛ لأن الكامل لا يقتل بالناقص ، والطفل ناقص فلا يقتل به البالغ.

قال رحمه اللّه : ولا يقتل العاقل بالمجنون ، وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها بالعمد ، وعلى العاقلة إن كان خطأ محضا ، ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا ، وفي رواية ديته في بيت المال.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بصير ، « قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل مجنونا؟ فقال : ان كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شي ء عليه من قود ولا دية ، وتعطى ورثته الدية من بيت المال » (3) وبمضمونها أفتى المفيد ، ولا بأس به لئلا يبطل (4) دمه والمشهور سقوط القود والدية معا ، لأن الدفع اما مباح أو واجب فلا يتعقبه ضمان.

قال رحمه اللّه : وفي ثبوت القود على السكران تردد ، والثبوت أشبه ؛ لأنه كالصاحي في تعلق الأحكام ، أما من بنّج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر ، فقد ألحقه الشيخ رحمه اللّه بالسكران ، وفيه تردد.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في ثبوت القود على السكران ، ومنشأ التردد فيه من مساواته للمجنون في زوال العقل فيساويه في انتفاء القصاص ، ولأن العمد يعتبر فيه القصد

ص: 387


1- الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ، حديث 10.
2- المائدة : 45.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 28 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
4- كذا.

الى القتل ، والسكران لا قصد له فلا قود عليه ، وتجب الدية في ماله ، ومن أن الشارع أجراه مجرى الصاحي في الأحكام ومن جملتها وجوب القود ، وهو اختيار المصنف وفخر الدين.

الثانية : هل حكم من بنج نفسه أو شرب مرقدا حكم السكران؟ قال الشيخ : نعم ؛ لأن إبطال عقله بفعله واختياره ، مع نهي الشارع عنه ، فكان حكمه حكم السكران في تعلق الاحكام ، وتردد المصنف لاختصاص النص (1) بالسكران دون غيره ؛ لأن الاعتبار بالافعال القصد والإرادة ، فمع عدم القصد والإرادة تكون ملحقة بأفعال الساهي ، خرج منه السكران بالنص (2) والإجماع يبقى الباقي على الأصل ، واختار فخر الدين مذهب الشيخ.

تنبيه : الفرق بين السكران والمبنج وشارب المرقد تابع للفرق بين خواص المسكرات ، فخاصة الخمر النشوة لشاربها والسرور (3) وقوة النفس ، وقد يحصل مع ذلك تغير العقل ، واختلال الكلام المنظوم ، وظهور السر المكتوم ، وعربدة في الكلام ، وخواص البنج تغير العقل لا غير ، من غير نشوه ولا سرور ولا قوة نفس مع تعب (4) الحواس ، وخاصة المرقد كخاصية البنج ويزيد على ذلك تغير (5) الحواس الخمس (6) بحيث يصير راقدا لا يتحرك منه شي ء كالميت ، غير أنه فيه نفس.

قال رحمه اللّه : وفي الأعمى تردد ، أظهره أنه كالمبصر في توجه القصاص

ص: 388


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2.
2- المصدر السابق.
3- في « ن » : وهو السرور.
4- في « ر 1 » : تغيب ، وفي « م » و « ن » : عدم تغيب.
5- في النسخ : تغيب.
6- من « ر 1 ».

لعمده ، وفي رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أن جنايته خطأ تلزم العاقلة.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية الى ان عمد الأعمى بمنزلة الخطأ يجب فيه الدية على عاقلته ، وتبعه ابن البراج وهو مذهب ابن الجنيد للرواية المذكورة ، وذهب ابن إدريس إلى وجوب القود عليه مع العمد كالمبصر ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لتحقق القصد منه فيدخل في عموم : ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (1) لأنه مكلف بالغ عاقل قاصد فيقتص منه كالمبصر.

ص: 389


1- المائدة : 45.

ص: 390

في دعوى القتل

قال رحمه اللّه : ولو حرر الدعوى بتعيين القاتل وصفة القتل ونوعه ، سمعت دعواه ، وهل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل ، فيه تردد أشبهه القبول.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا ادعى على رجل أنه قتل وليا له ولم يقل عمدا ولا خطا ، وأقام شاهدا واحدا يشهد له بما ادعاه ، قال قوم : لا يكون لوثا ؛ لأنه لو حلف مع شاهده لم يمكن الحكم بيمينه ؛ لأنا لا نعلم صفة القتل فيستوفى بموجبة فتسقط الشهادة ، وهذا القول مذهبه في المبسوط ، وتردد المصنف والعلامة في القواعد في ذلك ، قال فخر الدين وعميد الدين : ينشأ مما ذكره المصنف رحمه اللّه ، ومن إمكان علم الولي بصدور القتل من شخص وجهله بصفته ، فلو لم تسمع دعواه لزم ضياع حقه ، واختار المصنف والعلامة في التحرير سماع الدعوى.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى القتل ولم يقل عمدا أو خطا ، الأقرب أنها تسمع ويستفصله القاضي ، وليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى ، ولو لم يبين ، قيل : طرحت دعواه وسقطت البينة بذلك ، إذ لا يمكن الحكم بها ، وفيه تردد.

ص: 391

أقول : هذه المسألة هي السابقة بعينها ، وانما أوردها ثانيا ، لزيادة الإيضاح والتبيين ، وعلى ما اختاره المصنف والعلامة في التحرير من سماع الدعوى ، ينبغي الحكم بالدية في مال القاتل لا بالقصاص لما فيه من التهجم على الدماء مع الشك في السبب ، ولا في مال العاقلة لأصالة براءة ذمتهم ما لم يعلم الموجب ، فيتعين كونها في مال القاتل.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى على شخص القتل منفردا ، ثمَّ ادعى على آخر ، لم يسمع الثانية برئ الأول أو شرّكه ، لا كذابة نفسه بالدعوى الاولى ، وفيه للشيخ قول آخر.

أقول : القول الآخر نقله صاحب الترددات عن الشيخ في الخلاف ، وهو سماع الدعوى الثانية ؛ لأن قول الولي قتله فلان وحده لم يقطع به ، وانما قاله بغالب ظنه ، والمعتمد عدم السماع ما لم يصدقه الثاني فيؤخذ (1) بإقراره ، وهو اختيار العلامة في القواعد والتحرير.

قال رحمه اللّه : اما الإقرار فيكفي فيه المرّة ، وبعض الأصحاب يشترط الإقرار مرتين.

أقول : نص الشيخ في النهاية على وجوب الإقرار مرتين ، وتبعه ابن إدريس ، للاحتياط للدماء ، ولأنه لا تقصر عن الإقرار بالسرقة والزنا ، والمشهور الاكتفاء بالمرة ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (2) ، ولأنه حق آدمي فيكفي فيه المرة كغيره من الحقوق ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو أقر بقتله عمدا ، فأقر آخر أنه هو الذي قتله ، ورجع الأول درئ عنهما القصاص والدية ، وودي المقتول من بيت المال ، وهي قضية

ص: 392


1- في النسخ : فيؤاخذ.
2- الوسائل ، كتاب الإقرار ، باب 3 ، حديث 2.

الحسن عليه السلام.

أقول : هذه قضية (1) الحسن عليه السلام في حياة أبيه عليه السلام ، وعليها فتوى أكثر (2) الأصحاب ، وذهب أبو العباس في المقتصر الى تخيير الولي في تصديق أيهما شاء.

قال رحمه اللّه : أما البينة فلا تثبت ما يجب به القصاص الا بشاهدين ، ولا يثبت بشاهد وامرأتين ، وقيل : تجب به الدية ، وهو شاذ.

أقول : المشهور عدم قبول شهادة النساء منفردات ومنضمات فيما يوجب القصاص ، وقال ابن الجنيد : ولو لم يتم الشهادة على القتل بالرجال ، وشاركهم النساء أوجبنا بها الدية ، وقال أبو الصلاح : ولا يقتص بشهادتهن (3) وتؤخذ بها الدية ، والمعتمد ما هو مشهور (4) بين الأصحاب.

قال رحمه اللّه : ولو شهدا لمن يرثانه ان زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت ، ولا تقبل قبله ، لتحقق التهمة على تردد.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم القبول قبل الاندمال ، لوجود التهمة ؛ لأن الجرح قد يسرى الى النفس فتجب الدية على القاتل ، فيستحقها الشاهدان فتحققت التهمة ، وتردد المصنف ؛ لأن الوارث لو شهد للمريض بدين قبلت شهادته مع تحقق التهمة ، لاحتمال موته بذلك المرض ، فينتقل المال الى الشاهدين ، فلو أن تهمة الوارث مانعة لمنعت شهادته للمريض (5) ، والمعتمد ما

ص: 393


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 4 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.
2- ليست في « ن ».
3- في الأصل : بشهادتين.
4- في « م » : المشهور.
5- في « ن » شهادة المريض.

هو مشهور (1) بين الأصحاب.

ص: 394


1- في « م » : المشهور.

في القسامة

قال رحمه اللّه : ولو قال الشاهد : قتله أحد هذين ، كان لوثا ، ولو قال : قتل أحد هذين ، لم يكن لوثا ، وفي الفرق تردد.

أقول : فرق الشيخ في المبسوط بين المسألتين ؛ لأن في المسألة الأولى ثبت أن القتيل قتله أحدهما وتمييز القاتل قد يعسر ؛ لأنه يخفى (1) نفسه ، بخلاف المقتول ، وقد أطلق الأصحاب أن شهادة الواحد لوث وليس الثانية كذلك ؛ لأن كل ولي لا يعلم أن الشاهد يشهد له ، فلا يتحقق شهادة الواحد لأحدهما فلا لوث حينئذ.

وتردد المصنف في الفرق ، ومنشؤه مما قاله الشيخ ، ومن احتمال عدم اللوث في الأولى أيضا ؛ لأن شهادة الواحد إنما تكون لوثا مع جزم الشاهد بتعيين شخص القاتل وشخص المقتول ، بحيث لا يحتمل أحدهما الشركة ، لاشتراط الجزم في الشهادة ، فلما لم يحصل الجزم لم يثبت اللوث.

قال رحمه اللّه : ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه.

ص: 395


1- في « م » و « ر 1 » : لا يخفى.

أقول : هذا مذهب الشيخ في الخلاف وهو المشهور ؛ لأن العادة موت الإنسان بالأمراض ، وموت الفجأة نادر ، فلا يحمل على النادر الا بدليل ، إذ قد يقتل الإنسان غيره بأخذ نفسه وعصر خصيته وان لم يكن هناك أثر ، وقوى في المبسوط اشتراط وجود أثر القتل في تحقق اللوث ، فعلى هذا لا يتحقق بدونه والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهي في العمد خمسون يمينا فان كان له قوم حلف كل واحد يمينا إن كانوا عدد القسامة ، وإن نقصوا عنه كررت عليهم الإيمان حتى يكملوا القسامة ، وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرين يمينا ، ومن الأصحاب من سوى بينهما ، وهو أوثق في الحكم ، والتفصيل أظهر في المذهب.

أقول : اتفق الأصحاب على أن القسامة في العمد خمسون يمينا ، واختلفوا في الخطأ وشبيه العمد ، فمنهم من ساواهما بالعمد كالمفيد وسلار وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والإرشاد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ؛ لأن القسامة على خلاف الأصل فيعمل بها على الأحوط وكذلك (1) قال المصنف ، وهو أوثق ، وادعى ابن إدريس على ذلك إجماع المسلمين ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف : خمس وعشرون يمينا ، وادعى في المبسوط إجماع الأصحاب ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف ، وأبو العباس في المقتصر ، ولهم عليه روايات ، كرواية عبد اللّه بن سنان (2) عن الصادق عليه السلام ، ورواية يونس (3) عن الرضا عليه السلام.

قال رحمه اللّه : ولو كان المدعى عليهم أكثر من واحد ، ففيه تردد أظهره أن

ص: 396


1- في « م » : ولذلك.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 11 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 2.

على كل واحد خمسين يمينا ، كما لو انفرد ؛ لأن كل واحد منهم يتوجه عليه الدعوى بانفراده.

أقول : منشؤه مما قال المصنف ، ومن أنها جناية واحدة لاتحاد موضوعها ، وقد قدر لها الشارع خمسين يمينا فيقسط على الجميع ، والمعتمد اختيار المصنف وهو مذهب العلامة.

قال رحمه اللّه : لو امتنع من القسامة ولم يكن له من يقسم ، ألزم الدعوى ، وقيل : له رد اليمين على المدعي.

أقول : لا شك أن القسامة على المدعي ، فان لم يحلف كان له إحلاف المدعى عليه ، فان لم يحلف المدعى عليه ولا قومه أو (1) لم يكن له قوم ، هل له رد اليمين على المدعي؟ ذهب الشيخ في المبسوط الى جواز ردها عليه ، والمشهور عدم الرد ؛ لأنها كانت للمدعي أولا فردها على المنكر فلا يجوز الرد على المدعي ، والا لم تخل إما أن يجوز ردها على المنكر ثانيا أولا ، فإن كان لزم التسلسل ، وإن كان الثاني انتفت فائدة الرد ، والمعتمد عدم جواز الرد.

قال رحمه اللّه : وتثبت القسامة في الأعضاء مع التهمة ، وكم قدرها؟ قيل : خمسون يمينا احتياطا إن كانت الجناية تبلغ الدية ، وإلا فبنسبتها من خمسين ، وقال آخرون : ست أيمان فيما فيه دية النفس ، وبحسابه من ستة فيما فيه دون الدية ، وهي رواية أصلها طريف.

أقول : القول بالخمسين مذهب سلار وابن إدريس ، واختاره العلامة في القواعد والمختلف ؛ لأنه أحوط ، والقول بالستة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج ، واختاره المصنف في المختصر ، وفخر الدين في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ، والمستند

ص: 397


1- في « ن » : إذ.

رواية (1) سهل بن زياد ، عن الحسن (2) بن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح ، يرفعه الى الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وفي قبول قسامة الكافر على المسلم تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من عموم الأخبار (3) الدالة على ثبوت القسامة فتثبت للكافر على المسلم كالعكس ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، غير أنه لا يثبت به القصاص وانما تثبت الدية ، ومن أن استحقاق القسامة سبيل ، ولا سبيل للكافر على المسلم ، وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وهل يذكر في اليمين أن النية نية المدعي؟ قيل : نعم ، دفعا لتوهم الحالف ، والأشبه أنه لا يجب.

أقول : القائل هو الشيخ رحمه اللّه ، ومنع (4) المصنف والعلامة وابنه ( لأنه حكم شرعي وكل ) (5) حكم شرعي لا بد في ثبوته من دليل شرعي ، ولم يقم على ذلك دليل ، والأصل براءة الذمة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا اتهم والتمس الولي حبسه حتى يحضر بينته ، ففي إجابته تردد ، ومستند الجواز ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام ، فإن جاء الأولياء ببينة وإلا خلى سبيله ، وفي السكوني ضعف.

أقول : منشأ التردد من الرواية (6) المذكورة ، وبمضمونها أفتى الشيخ

ص: 398


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 11 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.
2- في « ن » : ( الحسين ) بدل ( الحسن ).
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، أحاديث الأبواب 9 و 10 و 11 من أبواب دعوى القتل.
4- في « ن » : ومنعه.
5- في « م » و « ر 1 » بدل ما بين القوسين : لان كل.
6- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 12 من أبواب دعوى القتل ، حديث 1.

وابن البراج ، ومن ان الحبس عقوبة لم يثبت سببها فلا يجوز الحبس (1) ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ص: 399


1- كذا.

ص: 400

في كيفية الاستيفاء

قال رحمه اللّه : ويرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فان لهما نصيبهما من الدية في العمد أو الخطأ ، وقيل : لا يرث القصاص إلا العصبة ، دون الأخوة والأخوات من الأم ومن يتقرب بها ، وهو الأظهر ، وقيل : ليس للنساء عفو ولا قود [ على الأشبه ] ، وكذا يرث الدية من يرث المال ، والبحث فيه كالأول.

أقول : اختلف الأصحاب في وارث القصاص ، قال الشيخ في المبسوط وابن إدريس : إنه كل وارث عدا الزوج والزوجة ، واختاره العلامة وابنه ، ونقل في المبسوط أيضا عن جماعة من أصحابنا أنه العصبة ، وقال في الاستبصار : ليس للنساء عفو ولا قود ، والمعتمد الأول ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (1).

قال رحمه اللّه : ولو كان الولي واحدا كان له المبادرة ، والاولى توقفه على إذن الامام ، وقيل : تحرم المبادرة ويعزر لو بادر ، ويتأكد الكراهية في قصاص

ص: 401


1- الأحزاب : 6.

الطرف.

أقول : قال الشيخ في في موضع من المبسوط : يتوقف على إذن الامام ؛ لأنها مسألة اجتهادية مبنية على الاحتياط التام ، فتكون منوطة بإذن الإمام ، فعلى هذا لو بادر من غير إذن الامام لم يضمن دية ولا أرشا ، بل يكون مأثوما ويعزر ، وقال في موضع آخر من المبسوط بعدم التوقف ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف وابنه في الإيضاح ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، لقوله تعالى ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (1) ، وقال في الخلاف : يتوقف على اذن الامام في الطرف ؛ لأنه من فروض الامام لجواز التخطي فإنه في معرض السراية ، واختاره العلامة في القواعد (2).

قال رحمه اللّه : ولو كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء الا بعد الاجتماع ، اما بالوكالة أو بالإذن لواحد ، وقال الشيخ : يجوز لكل واحد المبادرة ، ولا يتوقف على إذن الآخر ، لكن يضمن حصص من لم يأذن.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، مستدلا بالإجماع وعموم الآية (3) ، والمشهور اختيار المصنف وهو المعتمد ، فلو بادر أحدهم عزر وضمن حصص الباقين.

قال رحمه اللّه : إذا كان له أولياء لا يولى عليهم ، كانوا شركاء في القصاص ، فان حضر بعض وغاب الباقون ، قال الشيخ : للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، وكذا لو كان بعضهم صغارا ، وقال : لو كان الولي صغيرا وله أب أو جد ، لم يكن لأحد أن يستوفي حتى يبلغ ، سواء كان

ص: 402


1- الاسراء : 33.
2- ليست في « ر 1 ».
3- الاسراء : 33.

القصاص في النفس أو الطرف ، وفيه إشكال ، وقال : يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، وهذا أشد اشكالا من الأول.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الاولى : ان يكون الأولياء مكلفين ثمَّ يغيب بعضهم ويحضر بعض ، فهنا قال الشيخ في المبسوط والخلاف : للحاضر الاستيفاء ويضمن حصص الباقين ، ( وهو بناء على مذهبه من جواز المبادرة لكل واحد من الشركاء بشرط ضمان حصص الباقين ) (1) سواء كان الشريك حاضر أو غائبا ، وعلى قول من يوجب الاجتماع يحتمل عدم جواز الاستيفاء للحاضر ؛ لأن القتل غير مختص به ولا تبعيض ، فوجب تأخيره إلى حضور الغائب والا لزم ضياع حقه ، وحينئذ يحبس القاتل لوجوب حفظ حقوقهم وهو لا يتم الا بالحبس ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، وحكم الصغير غير ذي الأب والجد حكم الغائب.

الثانية : أن يكون بعض الأولياء صغيرا أو مجنونا وله أب أو جد ، قال الشيخ : ليس لأحد أن يستوفي حقه حتى يبلغ الصغير أو يفيق المجنون ؛ لأنه لا يمكن تلافيه (2) وكل حق هذا شانه لا يملكه الولي ، واستشكله المصنف ؛ لأن للولي استيفاء جميع حقوق المولى عليه مع المصلحة وهو قائم مقامه فله الاستيفاء ، وهو المعتمد.

الثالثة : قال الشيخ يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون لما تقدم ، قال المصنف : وهذا أشد إشكالا من الأول ؛ لأن الحبس زيادة عقوبة لا وجه لها ؛ لأن الواجب على القاتل القصاص أو الدية ، ولم يجب عليه الحبس هنا فوجوبه عليه يحتاج الى دليل.

ص: 403


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- في « ر 1 » : طاقته.

قال رحمه اللّه : ولو اختار بعضهم الدية وأجاب القاتل جاز ، فإذا أسلم سقط القود على رواية ، والمشهور أنه لا يسقط ، وللآخرين القصاص من بعد ان يردوا عليه نصيب من فاداه.

أقول : الرواية المتضمنة لسقوط القود هي رواية جميل بن دراج (1) عن زرارة عن الباقر عليه السلام ، والمشهور عدم السقوط وعليه فتوى الأصحاب.

قال رحمه اللّه : إذا قتل جماعه على التعاقب ، ثبت لولي كل واحد منهم القود ، ولا يتعلق حق واحد بالآخر ، فان استوفى الأول سقط حق الباقين لا الى بدل على تردد ، ولو بادر أحدهم فقتله فقد أساء وسقط حق الباقين ، وفيه إشكال من حيث تساوي الكل في سبب الاستحقاق.

أقول : منشأ التردد من فوات محل القصاص فيسقط لا الى بدل ، لقوله عليه السلام : « لا يجني الجاني على أكثر من نفسه » (2) ؛ لأن الدية انما تثبت بالتراضي منهما وقد تعذر ، وهو فتوى الشيخ في المبسوط والخلاف ، واستدل بإجماع الفرقة وأخبارهم ، ومن كون السقوط لا الى بدل يستلزم إهدار الدم المحقون ، وقال عليه السلام : « لا يبطل دم امرئ مسلم » (3) ( فلما تعذر القصاص وجب الانتقال الى بدله وهو الدية لئلا يظل دم امرئ مسلم ) (4) ، وهو اختيار فخر الدين ولا فرق عنده (5) بين أن يقتل بالأول أو بالأخير ، ولا بين أن يقتله أحد أولياء المقتولين بالقرعة أو بغير قرعة ، ويتفرع على ذلك ما لو قتله أجنبي خطأ أو مات قبل أن يقتص منه ، فعلى الأول ليس لهم إلا الدية ،

ص: 404


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 54 من أبواب قصاص النفس ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 33 من أبواب قصاص النفس ، حديث 10.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 6 من أبواب دوي القتل ، حديث 1.
4- ما بين القوسين ليس في الأصل.
5- ليست في الأصل.

فتكون بينهم على نسبة حقوقهم في صورة قتل الخطأ ، وتسقط حقوقهم في صورة الموت ، وعلى الثاني يرجع كل واحد على تركة الميت بتمام حقه.

ص: 405

ص: 406

قصاص الطرف

قال رحمه اللّه : وتقطع اليمين باليمين ، فان لم يكن يمين قطعت بها يسراه ، ولو لم يكن يمين ولا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح رفعه الى حبيب السجستاني (1) عن أبي جعفر عليه السلام وقد تقدم ذكرها ، وقال ابن إدريس : تنتقل إلى الدية مع فقد اليدين ، وقد مضى البحث في هذه المسألة (2).

قال رحمه اللّه : وهل يجوز القصاص قبل الاندمال ، قال في المبسوط : لا ، لما لا يؤمن من السراية الموجبة لدخول الطرف فيها ، وقال في الخلاف بالجواز مع استحباب الصبر ، وهو أشبه.

أقول : أما وجه مذهب المبسوط فقد حكاه المصنف ، وأما وجه مذهب الخلاف فعموم (3) قوله تعالى ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (4) ، وقوله تعالى :

ص: 407


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 12 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 2.
2- ص 347.
3- في الأصل : فمعلوم من.
4- المائدة : 45.

( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (1) أتى بالفاء الدالة على التعقيب وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو قطع عدة من أعضائه خطأ جاز أخذ دياتها ، ولو كان أضعاف الدية ، وقيل : يقتصر على دية النفس حتى يندمل ، ثمَّ يستوفي الباقي ، أو يسري فيكون له ما أخذه ، وهو أولى ؛ لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا.

أقول : أما وجه أخذ (2) جميع الديات وان زادت عن دية النفس فلأن الجناية موجبة للجميع والسراية مسقطة للبعض ، والأصل عدم الإسقاط لأصالة عدم السراية ، فلا يترك ما يتحقق استحقاقه لاحتمال سقوط ؛ لأن احتمال السقوط لا يوجب تأخير الحق ، ووجه التأخير ظاهر وهو احتمال السراية الموجبة لدخول دية الطرف في دية النفس وهو المعتمد (3).

قال رحمه اللّه : ويثبت القصاص في العين وان كان الجاني أعور خلقة ، وان عمي ، فان الحق أعماه ولا رد ، أما لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين ، اقتص له بعين واحدة ، وهل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل : لا ، لقوله تعالى « وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ » وقيل : نعم ، تمسكا بالأحاديث ، والأول أولى.

أقول : إذا قلع ذو العينين صحيحة الأعور وكان العور خلقة أو بآفة لم يوجب دية اقتص له بعين واحدة ، وهل تؤخذ له نصف الدية مع ذلك؟ للشيخ قولان : أحدهما : لا ، قاله في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف ، وذكر وجهه وقواه العلامة في التحرير ، والثاني : نعم ، قاله في النهاية والمبسوط ،

ص: 408


1- البقرة : 194.
2- في « ر 1 » : عدم.
3- في النسخ : والأول هو المعتمد.

وهو مذهب ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف وابنه وأبو العباس ؛ لأن في عينه (1) الدية كاملة لو كانت الجناية خطأ ، فإذا اقتص بما فيه نصف الدية كان له التفاوت والا لزم الظلم ، ولرواية محمد بن قيس (2) عن الباقر عليه السلام ، ورواية عبد اللّه بن الحكم (3) عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة ، وهل تؤخذ بالمخرومة؟ قيل : لا ، ويقتض الى حد الخرم ، والحكومة فيما بقي ، ولو قيل : يقتص إذا رد دية الخرم ، كان حسنا.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن الاذن الصحيحة تؤخذ بالمثقوبة في محل الثقب ، وهل تؤخذ بالمثقوبة في غير محل الثقب وبالمخرومة؟ المشهور عدمه ، بل تقتص الى حد الثقب أو الخرم والحكومة في الباقي ، هذا هو المشهور وجزم به العلامة في كتبه ؛ لأن الكامل لا يؤخذ بالناقص ، واستحسن المصنف جواز القصاص مع رد دية الخرم ، لعموم قوله تعالى ( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) (4) ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي السن القصاص ، وإن كانت سن مثغر وعادت ناقصة أو متغيرة كان فيها الحكومة ، وإن عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية ، ولو قيل بالأرش كان حسنا.

أقول : المثغر من سقطت أسنان اللبن منه ثمَّ نبتت ، فاذا قلع سن مثغر فان حكم أهل الخبرة أنها لا تعود ، كان له القصاص في الحال ، وان حكموا أنها تعود بعد مدة فإن انقضت المدة ولم تعد ثبت القصاص أيضا ، وان عادت في تلك المدة

ص: 409


1- في « م » : عينيه.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 15 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 1.
3- المصدر السابق ، حديث 2.
4- المائدة : 45.

فلا يخلوا إما أن تعود متغيرة أو على حالها التي كانت عليها ، فان عادت متغيرة كان فيها الحكومة إجماعا.

ومعنى الحكومة : أن يقوم ما لو كان عبدا وله سن تامة ما قيمته ، ثمَّ يقوم بالسن المتغيرة ، فالأرش هو تفاوت ما بين القيمتين ، وإن عادت كما كانت ، قال ابن البراج : لا قصاص ولا دية ، واستحسن المصنف وجوب الأرش ، واختاره العلامة ؛ لأن الجناية اقتضت نقصا في المجني عليه فلا يهدر.

قال رحمه اللّه : أما سن الصبي فينتظر بها [ سنه ] ، فان عادت ففيها الحكومة ، والا كان فيها القصاص ، وقيل : في سن الصبي بعير مطلقا.

أقول : القائل أبو الصلاح وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف ، والمستند رواية مسمع بن عبد الملك (1) عن الصادق عليه السلام ، والمشهور الأرش وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : إذا قطع يدا كاملة ، وله يد ناقصة إصبعا ، كان للمجني عليه قطع الناقصة ، وهل تؤخذ دية الإصبع؟ قال في الخلاف : نعم ، وفي المبسوط : ليس له ذلك إلا أن تكون فك [ يكون أخذ ] ديتها.

أقول : وجه القولين ظاهر ، والمعتمد مذهب المبسوط.

قال رحمه اللّه : إذا قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه من غير علم ، قال في المبسوط : يقتضي مذهبنا سقوط القود ، وفيه تردد ؛ لأن المتعين قطع اليمين فلا تجزي اليسرى مع وجودها.

أقول : ومن (2) أن اليسرى قد تقطع باليمين مع فقدها فكانت بدلا منها ، وحكم البدل حكم المبدل ، فاذا قطع اليسرى وقعت عن اليمين ، والمعتمد اختيار

ص: 410


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 33 - من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
2- في « ن » : من.

المصنف ؛ لأن البدل انما يجزي مع فقد المبدل ، والمبدل موجود فلا يجزي البدل.

قال رحمه اللّه : ولو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا ، وكان على القاطع ديتها ، ولا قصاص في اليمين ؛ لأنها موجودة ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه من أنه رضي باليسرى عن اليمين فيكون ذلك عفوا عن القصاص بعوض ، ومن أنها معاوضة فاسدة والفاسد لا يترتب عليه أثر ، فعلى هذا يضمن المقتص دية اليسرى وله قطع اليمنى وعلى القول بعدم قطع اليمنى لا يضمن المقتص دية اليسرى ، لوقوعها عوضا عن اليمنى ، واختار فخر الدين سقوط القصاص ؛ لأنه مبني على التخفيف وقد رضي المجني عليه بسقوطه (1) بقطع اليسار فيسقط.

قال رحمه اللّه : ولو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه ، قيل : وقع القصاص موقعه ، وقيل : لا يكون قصاصا ؛ لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء ، وهو أشبه ، ويكون قصاص المجنون باقيا [ على الجاني ] ودية جناية المجنون على عاقلته.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط القولين ، ثمَّ اختار الثاني ، واختاره المصنف أيضا وقد ذكر وجهه ، وأما وجه الأول فلان المجنون إذا كان له مال معين فأتلفه ، كان بمنزلة الاستيفاء كما لو كان وديعة عند شخص وهجم (2) عليها فأتلفها. فلا ضمان على المستودع ، والأول هو المعتمد ، وينتقل الى اليسار لفوات محل اليمين ، وهو معنى قول المصنف : ويكون قصاص المجنون باقيا.

قال رحمه اللّه : اما لو قطع يده فمات فادعى الجاني الاندمال ، وادعى الولي السراية ، فالقول قول الجاني إن مضت مدة يمكن فيها الاندمال ، ولو اختلفا

ص: 411


1- في الأصل : لسقوطه.
2- في النسخ : فهجم.

فالقول قول الولي ، وفيه تردد.

أقول : انما كان القول قول الجاني مع مضي المدة التي يمكن فيها الاندمال ، لأصالة براءة الذمة مما زاد على الجناية ، ولأن الأصل عدم السراية. فيكون القول قول الجاني ، ولو لم يمض مدة يمكن فيها الاندمال كان القول قول الولي ؛ لأن دعوى الجاني غير ممكنة فلا تكون مسموعة ، وذلك مع التصادق على المدة أو (1) قيام البينة بها ، ولو اختلفا فقال الجاني : مضت مدة يمكن فيها الاندمال ، وقال الولي : لم تمض ، قال المصنف : القول قول الولي وفيه تردد ، ومنشؤه من تعارض براءة الذمة مما زاد على دية اليد ، وأصالة عدم مضي المدة.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الجاني أنه شرب سما فمات ، وادعى الولي موته من السراية ، فالاحتمال فيها سواء ، ومثله الملفوف في الكساء إذا قده بنصفين ، وادعى الولي أنه كان حيا ، وادعى الجاني أنه كان ميتا ، فالاحتمالان متساويان ، فيرجح قول الجاني بما أن الأصل عدم الضمان ، وفيه احتمال آخر ضعيف.

أقول : إنما تساوي الاحتمالان في المسألتين لتعارض الأصلين في الاولى ، والأصل والظاهر في الثانية ؛ لأن الأصل عدم الموت بالسراية في الاولى ، والأصل عدم شرب السم ، والأصل حياة (2) الملفوف بالكساء في الثانية ، والظاهر موته ؛ لأن الظاهر من حال الملفوف في الكساء الموت ، ومع التعارض يجب التساقط والرجوع الى أصالة البراءة ؛ لأن الأصل عدم الضمان ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، ونقل عن بعض الفقهاء أن القول قول الولي ، واستضعفه الشيخ وتبعه المصنف.

قال رحمه اللّه : ولو صرح بالعفو صح فيما كان ثابتا وقت الإبراء ، وهو دية

ص: 412


1- في « ر 1 » : و.
2- في الأصل : عدم حياة.

الجرح ، أما القصاص في النفس أو الدية ففيه تردد ؛ لأنه إبراء مما لم يجب ، وفي الخلاف : يصح العفو عنها وعما يحدث عنها ، فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث ؛ لأنه بمنزلة الوصية.

أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، وهو أن العفو إبراء ، والإبراء مما لم يجب لا يصح ؛ لأن شرط العفو كون المعفو عنه ثابتا في الذمة ، وهذا ليس كذلك ، ومن أن وجود السبب كوجود المسبب ، وسبب السراية وهو الجرح موجود حالة العفو ( فيصح العفو ) (1) عنها ، كما لو كانت موجودة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته ، فان قال : أبرئك لم يصح ، وإن أبرأ السيد صح ؛ لأن الجناية وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك السيد ، وفيه إشكال من حيث أن الإبراء إسقاط لما في الذمة.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط ، وحكم بصحة إبراء السيد دون العبد ، واستشكله المصنف ؛ لأن الإبراء إسقاط لما في الذمة ، ولم يتعلق في ذمة المولى شي ء (2) فلا يصح الإبراء له (3) ، ولا للعبد أيضا ؛ لأن الجناية متعلقة برقبته ، لا في ذمته فلا يصح إبراء أحدهما ، أما لو قال : عفوت عن أرش هذه الجناية ، صح إجماعا.

ص: 413


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- ليست في « ن ».
3- ليست في « م » و « ن ».

ص: 414

كتاب الديات

اشارة

ص: 415

ص: 416

في أقسام القتل

قال رحمه اللّه : وهل تقبل القيمة السوقية مع وجود الإبل؟ فيه تردد والأشبه لا.

أقول : منشؤه من أن الواجب الإبل فلا تعدل عن الواجب الى غيره الا مع التراضي ، ومن أن المقصود المال والقيمة قائمة مقام العين في ذلك ، ولأصالة الجواز ، والمعتمد الأول وهو اختيار المصنف والعلامة وابنه.

ص: 417

ص: 418

في مقادير الديات

قال رحمه اللّه : ودية شبيه العمد ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، وأربعة وثلاثون ثنية طروقة الفحل ، وفي رواية ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وأربعون خلفة وهي الحامل.

أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة ابن سنان ، « قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في الخطأ شبيه العمد أن تقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر أن دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل منها أربعون خلفة من ثنية إلى بازل عامها ، وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون » (1) ، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد وأبو العباس في المقتصر ، وما اختاره المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج والعلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : وقال المفيد : تستأدى في سنتين ، فهي إذن مخففة عن العمد في السن والاستيفاء.

أقول : قول المفيد هو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال الشيخ في

ص: 419


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.

النهاية (1) ، وأبو الصلاح وسلار ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال الشيخ في الخلاف : تستأدى في سنة ، وجمع ابن حمزة بين القولين ، فقال : تستأدى في سنة إذا كان ذا يسار ، وفي سنتين إذا لم يكن ، والمعتمد الأول وهو اختيار أبي العباس.

قال رحمه اللّه : ودية الخطأ المحض عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، وفي رواية خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وتستأدى في ثلاث سنين.

أقول : اختار المصنف مذهب الشيخين وابن البراج وسلار وابن بابويه واختاره العلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد والمستند رواية ابن سنان (2) عن الصادق عليه السلام ، والرواية التي أشار إليها المصنف هي رواية العلاء بن الفضل عن الصادق عليه السلام ، « قال : في قتل الخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار ، فان كانت من الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقه ، وخمس وعشرون جذعة » (3).

قال رحمه اللّه : ولو قتل في أشهر الحرم ، ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان تغليظا ، وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة؟ قال الشيخان : نعم ، ولا يعرف التغليظ في الأطراف.

أقول : قد يعرض التغليظ في الدية وسببه أحد أمور ثلاثة :

الأول : العمد ، فيغلظ في السن بالنسبة إلى الإبل وفي الاستيفاء فإنها تؤخذ

ص: 420


1- في « ن » : الخلاف والمبسوط ، وفي ( م ) و « ر 1 » : المبسوط.
2- المصدر السابق.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، الباب 1 من أبواب ديات النفس ، حديث 13.

في سنه واحدة وغير العمد تؤخذ في سنتين أو ثلاث.

الثاني : الزمان ، بان تقع الجناية في أحد الأشهر الحرم رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم ، فيلزم القاتل دية وثلث إجماعا ، والسند رواية كليب الأسدي (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

الثالث : المكان ، بان تقع الجناية في أحد الحرمين أو مشاهد الأئمة عليهم السلام ، قاله الشيخان وتبعهما الباقون وليس عليه شاهد من الروايات ، فلهذا نسبه الى الشيخين ، والتغليظ انما هو في النفس دون الأطراف وإن كان فيها دية النفس.

قال رحمه اللّه : لو رمى في الحل الى الحرم فقتل فيه لزم التغليظ ، وهل يغلظ مع العكس؟ فيه [ ال ] تردد.

أقول : منشؤه من أن السبب الموجب للتغليظ هو القتل في الحرم ولم يوجد لأن التقدير أن القتل حصل في الحل ، والأصل براءة الذمة من وجوب التغليظ ، ومن أن سبب القتل حصل في الحرم ؛ لأن الرمي من الحرم الى الحل فهو كما لو رمى صيدا من الحرم فأصابه في الحل ، فإنه يجب عليه الكفارة فكذلك هنا يجب التغليظ ؛ لأنه إذا لزمه الكفارة في الصيد المباح لحرمة الحرم يكون لزوم التغليظ بالقتل المحرم أولى ، وهو اختيار فخر الدين ، والألف واللام في التردد لتعريف الماهية لا إشارة إلى تردد سابق.

قال رحمه اللّه : ولا يقتص من الملتجئ الى الحرم فيه ، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ، ولو جنى في الحرم اقتص منه لانتهاكه الحرمة ، وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام؟ قال به في النهاية.

أقول : إذا قتل ثمَّ التجأ الى احد مشاهد الأئمة عليهم السلام هل يقتص منه

ص: 421


1- المصدر السابق ، باب 3 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.

في المشهد ، أو يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج ، كما لو التجئ إلى الحرم؟ قال الشيخ في النهاية بالثاني ، لمساواة مشاهد الأئمة عليهم السلام للحرم في الحرمة ، ولم يجزم به المصنف ، لاحتمال جواز القصاص في المشهد ، لأصالة عدم وجوب تأخير الحق خرج ما إذا التجأ إلى الحرم للإجماع على ذلك ، يبقى الباقي على أصالة الجواز ، والأول (1) هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام دية المسلم ، وقيل : دية الذمي ، وفي مستند ذلك ضعف.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن دية ولد الزنا دية مسلم ، وذلك مبني على القول بإسلامه ، وقال السيد المرتضى في الانتصار : دية ذمي ، وقال ابن إدريس : والذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك ، وأن لا دية له لأصالة براءة الذمة ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ودية الذمي ثمان مائة درهم يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا ، ودية نسائهم على النصف ، وفي بعض الروايات دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم ، وفي بعضها دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، والشيخ رحمه اللّه نزلها على من يعتاد قتلهم.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن دية الذمي ثمان مائة درهم ، وعليه عمل الأكثر وهو المعتمد ، والمستند رواية درست عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال سألته عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي قال : هم سواء ثمان مائة درهم » (2) ، وروى أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال :

ص: 422


1- ليست في « ر 1 ».
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 13 من أبواب ديات النفس ، حديث 8.

دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم » (1) وحملها الشيخ على من يعتاد قتلهم ، فإن الإمام يغلظ عليه بما شاء حسما للجرأة.

قال رحمه اللّه : ويستوي في ذلك [ كله ] القن والمدبر ، ذكرا كان أو أنثى ، وفي أم الولد تردد على ما مضى.

أقول : الإشارة بقوله على ما مضى الى ما ذكره في باب أم الولد من قولهم : إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها ، الى قوله : وفي رواية مسمع (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام جنايتها في حقوق الناس على سيدها ، وقد سبق البحث في ذلك (3).

ص: 423


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 14 من أبواب ديات النفس ، حديث 2.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 43 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
3- ج 3 ص 427.

ص: 424

في موجبات الضمان

قال رحمه اللّه : النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه [ أو بحركته ] ، قيل : يضمن الدية في ماله ، وقيل : في مال العاقلة ، وهو أشبه.

أقول : لا خلاف في وجوب الدية ، وانما الخلاف في محلها ، قال الشيخان : هي في ماله ، واختار المصنف والعلامة وابنه انها في مال العاقلة ؛ لأنه مخطئ (1) فعله وقصده ، قال فخر الدين ، وانما جعلها الشيخ في ماله ؛ لأنه من باب الأسباب لا من باب الجنايات.

قال رحمه اللّه : إذا أعنف بزوجته جماعا في قبل أو دبر ، أو ضما فماتت ، ضمن الدية ، وكذا الزوجة ، وفي النهاية إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شي ء ، والرواية ضعيفة.

أقول : وجوب الدية مذهب المفيد (2) وسلار ، واختاره المصنف

ص: 425


1- من « ر 1 » ، وفي الأصل خطأ محض ، وليس في « م » و « ن » كلمة خطأ ، والأخرى غير واضحة.
2- في « ن » : السيد.

والعلامة وأبو العباس ، لإتلاف النفس المعصومة فتكون مضمونة بالدية ، لعدم التعمد ، ومستند النهاية رواية يونس (1) ، وهي مرسلة ، وأوجب ابن إدريس القصاص مع التهمة : ومع عدمها الدية ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كان مع المار صبي فقربه من السهم لا قاصدا فأصابه ، فالضمان على من قربه لا على الرامي ؛ أنه عرضه للتلف ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الرامي مباشر للإتلاف فيكون الضمان على عاقلته ؛ لأنه خطأ ، ومن أن المار هو الذي عرضه للإتلاف بتقربه من طريق السهم فهو سبب ، والمباشرة ضعفت بالغرور ، واختار فخر الدين ضمان الرامي أو عاقلته ، ولو قال الرامي حذار لم يضمن.

قال رحمه اللّه : روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام « أن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام » ، والرواية مناسبة للمذهب.

أقول : هذه الرواية (2) وإن كانت ضعيفة السند فان عليها عمل أكثر الأصحاب ، لكونها مناسبة للأصل ، قال المصنف في نكت النهاية : الأصحاب مجمعون على أن الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه ، وقال ابن إدريس : لا ضمان ؛ لأنه فعل سائغ مأدون فيه فلا يستعقب ضمانا ، والرواية من الآحاد مع ضعفها ، وعلى تقدير العمل بها يحمل على حصول التفريط ؛ لأنه قطع غير ما أريد القطع منه ؛ لأن الحشفة غير محل القطع.

قال رحمه اللّه : روى أبو جميلة ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جارية ، ركبت أخرى فنخستها ثالثة ، فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت ، أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة ، وأبو

ص: 426


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 31 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 24 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2.

جميلة ضعيف ، فلا استناد الى نقله ، وفي المقنعة على الناخسة والقامصة ثلثا الدية ، ويسقط الثلث لركوبها عبثا ، وهذا وجه حسن ، وخرج متأخر وجها ثالثا فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجئة للقامصة ، وإن لم تكن ملجئة فالدية على القامصة ، وهو وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب الأول.

أقول : نقل المصنف هنا ثلاثة أقوال :

الأول : العمل بمضمون رواية أبي جميلة (1) وهو مذهب الشيخ واتباعه.

الثاني : سقوط ثلث الدية ، لركوبها (2) عبثا ويجب الثلثان على الناخسة والقامصة ، وهو مذهب المفيد في المقنعة ، واختاره المصنف في نكت النهاية ، وقواه العلامة في المختلف ، لحصول التلف بالأسباب الثلاثة فتثبت الشركة.

الثالث : قول ابن إدريس ، وهو التفصيل إلى الإلجاء وعدمه ، واختاره العلامة ( في الإرشاد ) (3) وابنه في الإيضاح ؛ لأن مع الإلجاء يكون فعل المكره مستندا إلى مكرهه ، قال الشهيد : ويشكل بأن الإكراه على القتل لا يسقط الضمان.

قال رحمه اللّه : من دعى غيره فأخرجه من منزله ليلا ، فهو له ضامن حتى يرجع إليه ، فإن عدم فهو ضامن ديته ، وإن وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام بينة فقد برئ ، وإن عدم البينة ففي القود تردد ، والأصح [ أنه ] لا قود ، وعليه الدية في ماله ، وإن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد ، ولعل الأشبه أنه لا يضمن.

أقول : مستند هذا الحكم ما رواه عبد اللّه بن ميمون ، عن الصادق عليه السلام ، « قال إذا دعي الرجل أخاه ليلا فهو ضامن له حتى يرجع الى بيته » (4) ،

ص: 427


1- الوسائل ، كتاب الديات - باب 7 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- في « ن » : لرواية جميل بن دراج.
3- ليستا في « ر 1 ».
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

وروى عمرو بن أبي المقدام ، « قال : كنت شاهدا عند البيت الحرام وإذا رجل ينادي بأبي جعفر وهو يطوف وهو يقول يا أمير المؤمنين : إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله ولم يرجع إلي ، واللّه ما أدري ما صنعا به ، فقال لهما أبو جعفر ما صنعتما به؟ قالا يا أمير المؤمنين كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال لهما : وافياني غدا صلاة العصر في هذا المكان فوافياه من الغد صلاة العصر وحضرته ، فقال لجعفر بن محمد عليهما السلام وهو قابض على يده اقض بينهم ، قال : فخرج جعفر عليه السلام فطرح له مصلى قصب فجلس عليه ثمَّ جاء الخصمان فجلسوا قدامه فقال : ما تقول؟ فقال : يا ابن رسول اللّه ان هذين طرقا أخي ليلا فأخرجاه من منزله فو اللّه ما رجع إلي ، واللّه ما أدري ما صنعا به ، فقال : ما تقولان؟ فقالا : يا ابن رسول اللّه كلمناه ثمَّ رجع الى منزله ، فقال جعفر عليه السلام : يا غلام أكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : كل من طريق رجلا بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن له الا ان يقيم البينة أنه رده الى منزله ، يا غلام نح هذا فاضرب عنقه ، فقال : يا ابن رسول اللّه ما قتلته ولكني أمسكته ، ثمَّ جاء هذا فوجأه فقتله ، قال : يا غلام نح هذا واضرب عنق الآخر ، فقال : يا ابن رسول اللّه واللّه ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة ، فأمر أخاه فضرب عنقه ثمَّ أمر بالآخر فضرب جنبيه ثمَّ حبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب كل سنة خمسين جلدة » (1) إذا عرفت هذا فإذا دعي غيره فأخرجه من منزله ليلا فان رجع فلا كلام ، وان لم يرجع فلا يخلو إما أن لا يوجد ولا يعلم خبره أو يوجد مقتولا أو ميتا ، فان كان الأول فلا خلاف في وجوب الدية في مال المخرج ، ما لم يعترف بقتله عمدا فيكون عليه القصاص ، وإن كان الثاني ولم يقم بينة على أن القاتل غيره ، فقد تردد المصنف في وجوب

ص: 428


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 18 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.

القود ثمَّ رجح وجوب الدية دون القود ، واختاره العلامة وابنه وهو اختيار الأكثر ؛ لأن شرط القود تحقق القتل ظلما ، وهو غير متحقق ، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط ، وقال المفيد بوجوب القود للرواية المذكورة والأول هو المعتمد ، وان كان الثالث ، وهو أن يوجد ميتا فقد تردد المصنف في لزوم الدية ثمَّ رجح عدم اللزوم ، ومنشؤه من أصالة براءة الذمة ، فلا يلزمه شي ء ، وهو مذهب ابن إدريس ، إذا ادعى أنه مات حتف أنفه ولا لوث من عداوة أو خصومة ، ومع اللوث يحلف الولي القسامة ، ويثبت القود عند ابن إدريس والدية عند العلامة ، ومن كونه مضمونا حتى يرجع الى منزله فتجب الدية ، وهو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : روى عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في لص دخل على امرأة فجمع الثياب ووطأها قهرا ، فثار ولدها فقتله اللص ، وحمل الثياب ليخرج ، فحملت هي عليه فقتلته ، فقال : يضمن مواليه دية الغلام ، وعليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، وليس عليها في قتله شي ء ، ووجه الدية فوات محل القصاص ، وإيجاب المال دليل على أن مهر المثل في مثل هذا ، لا يتقدر بخمسين دينارا ، بل بمهر أمثالها ما بلغ. وتنزّل هذه الرواية على أن مهر أمثال القائلة هذا القدر.

أقول : هذه الرواية (1) من المشاهير بين الأصحاب ، وقد تضمنت أحكاما غير خالية عن الاعتراض (2):

الأول : إيجاب الغلام والجناية عمدا موجبها القصاص ، وأجيب

ص: 429


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 2 من أبواب قصاص النفس ، حديث 2.
2- في « ن » : الاعراض.

لوجوب (1) المصير إلى الدية عند فوات محل القصاص.

الثاني : إيجاب الدية على مواليه ، والعمد لا يضمنه العاقلة ، وأجيب بالحمل على فقره.

الثالث : أنها قتلته بعد ان قتل ابنها ، فكان الواجب براءته من دية الغلام لاستيفاء القصاص منه ، وأجيب بأن قتله لم يكن قصاصا بل دفاعا فكان هدرا.

الرابع : إيجاب أربعة آلاف درهم عن هذا الوطي ، مع أن الواجب مهر المثل وهو لا يزيد عن خمس مائة درهم ، وأجيب بأن مهر المثل في هذه الصورة لا يتقدر بالسنة (2) ؛ لأنه كالجناية فجاز أن يكون مهر المثل ما ذكره ولأجل توجه هذه الاعتراضات أوردها الأصحاب بلفظ الرواية.

قال رحمه اللّه : وروى عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في امرأة أدخلت ليلة البناء بها صديقا الى حجلتها ، فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي ، فقال : تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج ، وفي تضمين دية الصديق تردد أقربه أن دمه هدر.

أقول : هذه الرواية أيضا رواية عبد اللّه بن طلحة (3) ، والضمير عائد إليه في قوله : ( وروى عنه ) ، وتردد المصنف من أن الزوجة غارّة للصديق ، فيلزمها ضمانه كما هو مضمون الرواية ؛ لأنها سبب قتله ، ومن أنه دخل دار الزوج بغير إذنه ، ولأنه محارب والمحارب دمه هدر إذا لم يمكن الدفع بدونه ، وهذا هو المعتمد ، وهو اختيار ابن إدريس والمصنف والعلامة وابنه ، والرواية قضية في واقعة فلا تتعدى.

ص: 430


1- كذا
2- في « ر 1 » و « ن » : بالنسبة.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 2 من أبواب قصاص النفس ، حديث 2.

قال رحمه اللّه : روى محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن علي عليه السلام : في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان ، فقضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية ، وفي رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ، وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ، ومن المحتمل أن يكون عليه السلام قد اطّلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم.

أقول : اختلاف الروايتين (1) في الواقعة يوجب التوقف في الحكم ، والأصل أنه حكم خاص في واقعة خاصة فلا يوجب التعدي ، فلعله عليه السلام اطلع في هذه القضية على ما يوجب هذا الحكم وأكثر الأصحاب عملوا بالرواية الأولى ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك وأحسن ما وقفنا عليه من أقوالهم قول أبي العباس رحمه اللّه ، وهو أن هذه صورة لوث فلأولياء المقتولين القسامة ، ثمَّ للمجروحين أيضا القسامة (2) وهو جيد ؛ لأن كل واحد من المقتولين والمجروحين يجوز أن تكون الجناية عليه مضمونة ، ويجوز أن تكون مباحة بتقدير أن يكون غريمه قصد دفعه فيكون هدرا.

قال رحمه اللّه : روى السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومحمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن علي عليه السلام : في ستة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحد ، فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين ، فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين ، وخمسين على الثلاثة ، وهذه الرواية متروكة بين الأصحاب ، فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة فلا يتعدى

ص: 431


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1 ، رواية محمد بن قيس وحديث 2 رواية السكوني.
2- في « ر 1 » : على المقتولين.

لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

أقول : بمضمون هذه الرواية (1) أفتى ابن البراج ، وهي مع ضعف سندها قضية في واقعة فلا يجب تعديتها ، والذي يقتضيه المذهب أن إحدى الشهادتين إن سبقت الأخرى مع استدعاء الولي إياها عند الحاكم ، وكانت بالشرائط المعتبرة سمعت ثمَّ لا تسمع شهادة الأخرى (2) ليحقق بالتهمة (3) وان كانت الدعوى على الجميع أو حصلت التهمة للجميع لم تقبل شهادة أحد من الخمسة لتحقق التهمة فيها ، ويكون ذلك لوثا فللولي إثبات حقه بالقسامة ، وانما أورد المصنف هذه المسألة ونظائرها بلفظ الرواية ؛ لأن مضمونها مخالف للأصول فأوردها بيانا لعلة الحكم تفصيا من حصول الاعتراض عليه.

قال رحمه اللّه : ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين ، قيل : لا يضمن ؛ لان الحفر لذلك شائع [ سائغ ] ، وهو حسن.

أقول : القائل الشيخ في النهاية ؛ لأنه فعل سائغ وكل فعل سائغ لا يتعقبه ضمان ، واستحسنه المصنف واستقربه العلامة في التحرير ، واختار فخر الدين الضمان ؛ لان ما أساغه الشارع لا بد من خلوه من وجوه القبح والمفاسد ، فيكون سائغا بشرط عدم الوقوع ، فالوقوع كاشف عن اشتماله على وجه قبح فيكون مضمونا.

قال رحمه اللّه : ولو بنى مسجدا في الطريق ، قيل : إن كان بإذن الإمام لم يضمن ما يتلف بسببه ، والأقرب استبعاد الفرض.

أقول : إذا بنى مسجدا للمسلمين في طريق واسع في موضع لا يضر بالمارة

ص: 432


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- كذا
3- في « ر 1 » : التهمة.

كالزاوية ، فلا ضمان قطعا ، ولو كان يضر بالمارة ضمن ما يتلف بسببه ، وقيل : إن كان بإذن الإمام لم يضمن ، والمصنف استبعد هذا الفرض ؛ لأن الإمام إنما يأمر بالسائغ وهو لم يأمر به الامام ، فالفرض بعيد.

قال رحمه اللّه : ولو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم ، سقط نصيبه من الدية لمشاركته ، وضمن الباقون تسعة أعشار الدية ، وتتعلق الجناية بمن يمد الحبال دون من أمسك الخشب ، أو ساعد بغير المد ، ولو قصدوا أجنبيا بالرمي كان عمدا موجبا للقصاص ، ولو لم يقصدوه كان خطأ ، وفي النهاية إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته ؛ لأن كل واحد ضامن لصاحبه ، وفي الرواية بعد ، والأشبه الأول.

أقول : الرواية هي رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، « قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة فوقع على واحد منهم فمات ، قال : يضمن الباقيان ديته ؛ لأن كل واحد منهم ضامن دية صاحبه » (1) ، ووجه بعدها أنه تلف بفعله وفعل الباقيين فيسقط ما قابل فعله ، والا لزم أن يضمن الشريك في الجناية جناية شريكه وهو محال.

قال رحمه اللّه : نصب الميازيب الى الطريق جائز وعليه عمل الناس ، وهل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه اللّه : لا يضمن ، وقال الشيخ : يضمن ؛ لأن نصبها مشروط بالسلامة ، والأول أشبه.

أقول : عدم الضمان مذهب المفيد وابن إدريس وظاهر النهاية (2) واختاره المصنف ؛ لأنه فعل سائغ فلا يتعقبه الضمان ، وبالضمان قال الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، والعلامة في المختلف ؛ لأنه سبب الإتلاف

ص: 433


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 3 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- في « ر 1 » : العلامة.

فكان ضمانا ، وإباحة السبب لا ينافي الضمان كالطبيب والمؤدب بالسائغ شرعا ، ولما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام ، « قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : من أخرج كنيفا أو ميزابا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فهو له ضامن » (1) وقال في المبسوط : الحكم فيه كخشب الجناح سواء ، وقال في الجناح : يضمن النصف ؛ لأنه هلك من فعل مباح ومحظور ، ومراده بالمباح ما كان من الخشب في الحائط ، وبالمحظور ما كان خارجا عن الحائط إلى الطريق ، فعلى هذا لو انكسر الميزاب أو الجناح فسقط منه ما خرج عن الحائط ضمن الجميع ، وإنما يضمن النصف بوقوع الداخل في الحائط ، وهذا التفصيل مذهب العلامة في القواعد ، وبه قال فخر الدين ، وجعل المصنف للضمان ضابطا ، وهو كل ما كان للإنسان إحداثه في الطريق لم يضمن بسببه ، وما ليس له إحداثه يضمن بسببه وهو قوي.

قال رحمه اللّه : ولو بالت دابته في الطريق ، قال الشيخ : يضمن لو زلق فيه إنسان ، وكذا لو ألقى قمامة المنزل كقشور البطيخ ، أو رش الدرب بالماء ، والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش ، أو لم يشاهد القمامة.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، سواء كان راكبا أو سائقا أو قائدا ؛ لأن يده عليه كما لو بال هو في هذا المكان ، قال : ومثله لو أكل شيئا فرمى قشوره في الطريق كالبطيخ والخيار والباقلاء ، وكذا لو رش في الطريق ماء والباب واحد ( هذا كلامه رحمه اللّه ) (2) والمصنف اشترط عدم العلم من الواقع ؛ لأنه مع العلم يكون مباشرا أو سببا في إتلاف نفسه ، ولم يتعرض لبول الدابة بل خص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة ولم يذكر البول ، والظاهر أن الحكم عنده واحد

ص: 434


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 11 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- في الأصل غير مقروءة ، وما أثبتناه فهو من النسخ.

لاتحاد علة الجميع ، وجزم العلامة في موضع من القواعد بمذهب المبسوط ، ما لم يتعمد المار وضع الرجل عليه مع إمكان العدول عنه فلا ضمان حينئذ ، ثمَّ قال بعد ذلك بقليل : ولو بالت الدابة أو راثت فزلق إنسان فلا ضمان الا مع الوقوف على اشكال ، وهو رجوع عما جزم به أولا.

قال رحمه اللّه : وفي ضمان جناية الهر المملوكة تردد ، قال الشيخ : يضمن للتفريط مع الضرورة ، وهو بعيد ، إذ لم تجري العادة بربطها ، نعم يجوز فتلها.

أقول : منشأ التردد من أن السنور إذا كان ضاريا كان كالكلب في الأذى ، فيجب حفظه كما يجب حفظ الكلب العقور ، ويضمن مالك السنور مع التفريط كما يضمن مالك الكلب ومن أصالة براءة الذمة ، وقوله عليه السلام : « جرح العجماء جبار » (1) أي هدر ، ترك العمل به في الكلب العقور والدابة الصائلة مع التفريط لجريان العادة بربطها بخلاف الهرة ، فإنه لم تجر العادة بربطها ، وبالضمان قال الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد.

قال رحمه اللّه : ولو هجمت دابة على أخرى ، فجنت الداخلة ، ضمن صاحبها ، ولو جنت المدخول عليها كان هدرا ، وينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن البراج القول بضمان صاحب الداخلة إذا جنت على المدخول عليها ، وعدم الضمان إذا جنت المدخول عليها على الداخلة ، والأصل في ذلك قضية علي عليه السلام في زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم روى : « أن ثورا قتل حمارا على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله فرفع ذلك اليه عليه السلام وهو في الناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال يا رسول اللّه : بهيمة

ص: 435


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 32 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2 - 3 - 5.

قتلت بهيمة فما عليها شي ء ، فقال : يا عمر اقض بينهم فقال : مثل قول أبي بكر ، فقال يا علي : اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول اللّه ، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليه ، قال فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يده إلى السماء فقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين » (1) والمصنف اعتبر التفريط فان كان صاحب الداخلة فرط في احتفاظها ضمن ، والا فلا ردا للحكم إلى أصله ، واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها ، وفيما تجنيه برأسها تردد ، أقربه الضمان ، لتمكنه من مراعاته ، وكذا القائد.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة خرج ضمان ما تجنيه يديها للإجماع على ذلك ، يبقى الباقي على أصالة البراءة ، ومن مساواة الرأس لليدين في التمكن من المراعاة ، فيشتركان في الحكم وهو المشهور في فتاوى الأصحاب.

وانما يضمن الراكب ما تجنيه بيديها ورأسها مباشرة ، لا تسبيبا ، كما لو أصاب شي ء من الحصا المتطاير من وقع السنابك عين إنسان فأبطل ضوءها ، واستشكله العلامة في القواعد ، من أنه مما تجنيه بيديها ، ومن أصالة براءة الذمة.

قال رحمه اللّه : ولو أركب مملوكه دابته ضمن المولى جناية الراكب ، ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك ، وهو حسن.

أقول : اشتراط صغر المملوك ، مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لتفريطه حينئذ ، وأطلق الشيخ في النهاية وابن البراج وابن الجنيد ، لرواية الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « في رجل حمل عبده على دابته فوطئت طفلا؟ فقال الغرم على

ص: 436


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

مولاه » (1) ، وحمل على كونه صغيرا أو مجنونا وهو المعتمد.

هذا إذا كانت الجناية على نفس آدمي ولو كانت على مال لم يلزم المولى ، قال المصنف : وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا عتق ، وهو جيد ؛ لأن الاستسعاء إضرار بالسيد.

قال رحمه اللّه : ولو قال : ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة ، فألقاه فلا ضمان ، ولو قال : علي ضمانه ضمن دفعا لضرورة الخوف ، ولو لم يكن خوف ، فقال : القه وعلي ضمانه ، ففي الضمان تردد ، أقربه أنه لا يضمن.

أقول : إذا خيف على السفينة من الغرق ، فقال بعض الركبان لبعض : ألق متاعك وعلي ضمانه صح الضمان بلا خلاف ، لما في ذلك من المصلحة المطلوبة للعقلاء ، وهي دفع خوف الغرق على النفس والمال ، ولو لم يكن خوف فقال : القه وعلي ضمانه ، هل يصح هذا الضمان؟ ادعى الشيخ في المبسوط الإجماع على بطلانه ؛ لأنه ضمان ما لم يجب ، وتردد المصنف في ذلك ، لثبوت الضمان في الصورة الأولى مع أنه ضمان ما لم يجب فيثبت في الصورة الثانية ، لعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2) ، ومن أن الأصل عدم صحة ضمان ما لم يجب ، خرج عنه الصورة الأولى للمصلحة الظاهرة ، يبقى الباقي على أصالة المنع وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو وقع واحد في زبية الأسد فتعلق بثان ، وتعلق الثاني بثالث ، والثالث برابع فافترسهم ، فيه روايتان : إحداهما رواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قضى عليه السلام في الأول فريسة الأسد يغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة ، والثانية رواية مسمع ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أن عليا

ص: 437


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 16 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.
2- المائدة : 1.

عليه السلام قضى ان للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية كاملة ، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا ، والأخيرة ضعيفة الطريق الى مسمع ، فهي ساقطة ويمكن أن يقال : على الأول دية الثاني لاستقلاله بإتلافه ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى ، وإن قلنا بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، كان على الأول دية ونصف وثلث ، وعلى الثاني نصف وثلث ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير.

أقول : الزبية بضم الزاي حفيرة تحفر (1) للأسد في الموضع العالي غالبا ، والجمع الزبى ، ومنه قيل : بلغ السيل الزبا ، والأصل في ذلك واقعة علي عليه السلام في اليمن ، والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب وعليها فتاويهم ، وتوجيه الرواية : أن الثلاثة قتلوا الرابع بجرهم إياه ، فعلى كل واحد ثلث الدية ولم يكن على الرابع شي ء ، فأولياء الأول يدفعون إلى أولياء الثاني ثلث الدية ثمَّ نضيف أولياء الثاني إليه ثلثا آخر ويدفعون ذلك الى أولياء الثالث ، ثمَّ يضيف أولياء الثالث الى ذلك ثلثا آخر تتمة الدية ، ثمَّ يدفعون ذلك الى أولياء الرابع ، وهذا معنى قوله في الرواية : « وغرم أهله ثلث الدية للثاني ، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية ، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية » (2).

وأما توجيه الرواية الثانية (3) فإن الأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الباقين فوقه وهم ثلاثة ، وذلك مستند الى فعله فيسقط حصته من الضمان وهي ثلاثة أرباع ويبقى الربع على حافر الزبية ، ونزلها في القواعد على كون الحفر تعديا ، والثاني مات بسبب جذب الأول ، وهو ثلث السبب ووقع الاثنين فوقه

ص: 438


1- في النسخ : يحتفرها الأسد.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 4 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 2.
3- المصدر السابق ، حديث 1.

وهو ثلثاه ، ووقوعهما فوقه من فعله فيسقط ذلك من الدية يبقى له الثلث ، والثالث مات بسبب جذب الثاني وهو نصف السبب ، ووقوع الرابع عليه وهو من فعله فيسقط النصف ، ويجب له نصف الدية ، والرابع مات بجذب الثالث له فله كمال الدية ، فهذا توجيه قوله ( للأول ربع الدية ، وللثاني ثلث الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع كمال الدية ، وجعل ذلك على عاقله الذين ازدحموا ) أي جعل الثلث الذي وجب للثاني على عاقلة الأول ، والنصف الذي وجب للثالث على عاقلة الثاني ، والجميع الذي وجب للرابع على عاقلة الثالث ، وأما الربع الذي وجب للأول فعلى الحافر.

وأورد هنا الشهيد عليه إشكالين :

الأول : أن تكون الجناية إما عمدا أو شبيه عمد ، وكلاهما لا تضمنه العاقلة.

الثاني : قوله ( وجعل ذلك ) إشارة الى جميع ما تقدم ، فلا يختص بغير الأول.

وأجاب أبو العباس عن الأول بمنع الحصر ، أما نفي العمد فلان كل واحد منهم لم يقصد قتل صاحبه ، ولا ما اقتضت العادة بالتلف معه لظنه الخلاص ، وخلاصه وسلامته فرع على سلامة الممسوك ، وأما نفي شبيه العمد فلأنه حالة الوقوع غافل عن كل شي ء سوى ما يتوهمه منجيا له ، مع قطعه للنظر عما سوى ذلك ، فهو لا قصد له الى سواه ، فهو كرامي الطير.

وأجاب عن الثاني بالمنع من وجوب الإشارة إلى الجميع ، بل تجوز الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ، ( إذ لا يجب مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في كل حكم (1) ، وأبو العباس قدم الحكم على الجمل سهوا ، قال : بل يجوز

ص: 439


1- المهذب البارع ، الجزء الخامس ، ص 297.

الإشارة بالحكم الى بعض الجمل ) (1) ، وذلك سهو القلم.

وذكر المصنف في المسألة احتمالين : أحدهما : على الأول دية الثاني ، وعلى الثاني دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع ، لاستقلال كل واحد بإتلاف من باشر إمساكه ، والثاني : التشريك في الضمان بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب ، فيكون على الأول دية للثاني ( لاستقلاله بإتلافه ونصف دية الثالث ؛ لأنه تلف بجذبه وجذب الثاني ، وثلث دية الرابع ؛ لأنه تلف بجذب الثلاثة ، وعلى الثاني نصف دية الثالث ، وثلث دية الرابع ، لما ذكر ، وعلى الثالث ثلث دية لا غير ، وذكرهما ) (2) العلامة في القواعد والتحرير ، والمشهور العمل بمضمون الرواية الأولى.

ص: 440


1- ما بين القوسين ليس في « م ».
2- ما بين القوسين ليس في النسخ ، بل فيها : ( « وعليه و» على الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع وذكرها ). هذا وليس في « ر 1 » ما بين القوسين الصغيرين من هذه الجملة.

في الجناية على الأطراف

اشارة

قال رحمه اللّه : في شعر الرأس الدية ، وكذا في شعر اللحية ، فإن نبتا فقد قيل : في اللحية ثلث الدية ، والرواية ضعيفة ، والأشبه فيه وفي شعر الرأس الأرش إن نبت ، وقال المفيد رحمه اللّه : في شعر الرأس إن لم ينبت مائة دينار ، ولا أعلم المستند ، أما شعر المرأة ففيه ديتها ، ولو نبت ففيه مهرها ، وفي الحاجبين خمس مائة دينار وفي كل واحدة نصف ذلك ، وما أصيب منه فعلى الحساب ، وفي الأهداب تردد قال في المبسوط والخلاف : الدية إن لم ينبت ، وفيها مع الأجفان ديتان ، والأقرب السقوط حالة الانضمام والأرش حالة الانفراد ، وما عدا ذلك من الشعر لا تقدير فيه ، استنادا إلى البراءة الأصلية.

أقول : أقسام الشعر خمسة :

الأول : شعر الرأس وهو لا يخلو اما أن ينبت بعد الجناية أو لا ينبت ، فان لم ينبت ففيه قولان : أحدهما الدية ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وبه قال الشيخ في النهاية وأبو الصلاح وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف

ص: 441

والعلامة ، لقوله عليه السلام : « كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية » (1) ولما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام ، « قال : قلت له : رجل دخل الحمام فصب عليه صاحب الحمام الماء الحار فأسقط شعر رأسه ولحيته فلا ينبت ابدا؟ قال : عليه دية » (2) والثاني قول المفيد وهو مائة دينار عشر الدية ، قال المصنف ولا أعلم المستند ، وان نبت بعد الجناية ففيه قولان أيضا : أحدهما : مائة دينار ، وهو قول محمد بن بابويه وأبي الصلاح ، والثاني الأرش ، وهو قول الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة.

الثاني : شعر اللحية ، ولا يخلو إما أن ينبت بعد الجناية أو لا ينبت ، فان لم ينبت ففيه قولان : أحدهما : الدية كاملة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام : « قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة ، وإن نبتت فثلث الدية » (3) ويؤيده عموم : « كل ما في البدن منه واحد ففيه الدية » والثاني : مائة دينار ، قاله المفيد ، وان نبتت ففيه قولان أيضا : ثلث الدية قاله الشيخ ومحمد بن بابويه ، لرواية مسمع المتقدمة وطريقها ضعيف ، والثاني الأرش ، قاله المصنف واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

الثالث : شعر الحاجبين ، ولا يخلو اما أن ينبت بعد الجناية أولا ، فان لم ينبت ففيه خلاف ، والمشهور نصف الدية وفي كل واحد ربع الدية ، جزم به المصنف والعلامة ، وادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، وظاهر المبسوط الدية كاملة ، ويؤيده قوله عليه السلام : « كلما في البدن منه اثنان ففيه الدية » (4) ،

ص: 442


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 12.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- وسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.

وقال سلار : روي فيهما إذا لم ينبتا مائة دينار (1) ، والأول هو المعتمد.

الرابع : شعر الأهداب ، وهو شعر الأجفان وفيه خلاف للأصحاب ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : فيه كمال الدية ، واحتج بإجماع الفرقة ، وبه قال ابن حمزة ، والعلامة في القواعد ، وابنه في الإيضاح ، وقال ابن البراج : نصف الدية ، وقال ابن إدريس بوجوب الأرش حالة الانفراد ، والسقوط حالة الانضمام إلى الأجفان ؛ لأن الأهداب تتبع الأجفان كشعر الساعدين ، واختاره المصنف ومال إليه العلامة في التحرير والمختلف ، قال أبو العباس : وهو متين ، وقال الشيخ في المبسوط : يقتضي مذهبنا أن في الأجفان والأهداب ديتين ، واختاره العلامة في القواعد وابنه في الإيضاح.

الخامس : ما عدا ذلك من الشعر كشعر البطن والعانة والساقين والساعدين ، وفيه الأرش مع الانفراد ، ولا شي ء مع الانضمام إجماعا.

تنبيه : إذا قلع شعر الرأس أو اللحية نظر فان حكم أهل الخبرة بعدم النبات بان يذهب على وجه لا يرجى عوده ، مثل أن يقلب على رأسه ماء حار فيفسد المنبت وينقطع بالكلية بحيث لا يعود ، دفعت إليه الدية ، فإن عرض الإنبات بعد ذلك رجع عليه بالفاضل من الثلث أو الأرش على الخلاف ، وإن لم يحكم أهل الخبرة بعدم عوده بل حكموا بعوده أو اشتبه عليهم ولم يوجد من يعلم ذلك انتظر به سنة ، لما رواه الشيخ ، عن سلمه بن تمام ، « قال : أهرق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك الى علي عليه السلام فأجله سنة ، فجاء ولم ينبت شعره فقضى عليه بالدية » (2) ولو طلب الدية قبل

ص: 443


1- المراسم ص 245 مع تفاوت فليراجع.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 37 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3.

السنه لم يجب ، ولو طلب الأرش وأرجى الباقي أعطي ذلك.

قال رحمه اللّه : وفي الأجفان الدية وفي تقدير كل جفن خلاف قال في المبسوط : في كل واحد ربع الدية ، وفي الخلاف : في الأعلى ثلثا الدية ، وفي الأسفل الثلث ، وفي موضع آخر : في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف ، وينقص على هذا التقدير سدس الدية ، والقول بهذا كثير ، وفي الجناية على بعضها بحساب ديتها.

أقول : لا خلاف في وجوب الدية في الأجفان إذا قلعت جميعا ، والخلاف انما هو في تقدير كل واحد على الانفراد ، وللأصحاب فيه ثلاثة أقوال :

الأول : في كل واحد ربع الدية ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وهو اختيار أبي العباس ، قال : واختاره المصنف والعلامة ، والمستند رواية هشام بن سالم (1) ، وهي غير مسندة الى امام لكن الراوي ثقة.

الثاني : في الأسفل الثلث وفي الأعلى الثلثان ، قاله الشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، واختاره ابن إدريس.

الثالث : في الأعلى الثلث وفي الأسفل النصف ، قاله الشيخان في النهاية والمقنعة ، وبه قال ابن الجنيد وابن حمزة وأبو الصلاح ، فعلى هذا ينقص سدس الدية ، والمستند رواية ظريف بن ناصح (2) عن الصادق عليه السلام.

قال رحمه اللّه : أما العوراء ففي خسفها روايتان ، إحداهما : ربع الدية ، وهي متروكة ، والأخرى : ثلث الدية ، وهي مشهورة ، سواء كانت خلقه أو بجناية جان ، ووهم هاهنا وأهم فتوق زلله.

أقول : الأولى رواية عبد اللّه بن جعفر عن الصادق عليه السلام ، « في

ص: 444


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 12.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3 - 4.

العين العورا تكون قائمة فتخسف؟ قال : قضى علي عليه السلام نصف الدية في العين الصحيحة » (1) ومثلها رواية سليمان (2) عن الصادق عليه السلام وبهما أفتى المفيد وسلار ، والثانية رواية بريد بن معاوية (3) عن الباقر عليه السلام ، ومثلها صحيحة أبي بصير (4) عن الباقر عليه السلام أيضا ، وعليهما فتوى أكثر الأصحاب ، ولا فرق في هذا الحكم بين كون العور خلقة أو بجناية جان ؛ لأنه عوض (5) عضو أشل ، وانما التفصيل في صحيحة الأعور لا في فاسدته ، وفصل ابن إدريس ، قال : إن كان العور خلقة فدية كاملة ، أي دية العين كاملة بلا خلاف بين الأصحاب ، وإن كان العور بجناية جان ففيها ثلث الدية ، قال وهو اختيار شيخنا في مبسوطه ومسائل خلافه ، وذهب في نهايته الى أن فيها نصف الدية ، قال : والأول الذي اخترناه هو الأظهر الذي تقتضيه أصول مذهبنا ، والى هذا التفصيل أشار المصنف بقوله ( ووهم هنا واهم فتوق زلله ) فالواهم إشارة الى ابن إدريس ، والوهم إشارة الى عدم التدبر (6) لكلام الشيخ رحمه اللّه فتوهم غير مقصود الشيخ فوقع في الغلط ، والزلل هو ما ذهب اليه من التفصيل الى كون العور خلقه أو بجناية جان ، وإيجابه في الأول نصف الدية ، وحينئذ لا بد من إيراد لفظ الشيخ في النهاية ليتبين الوهم فهذا لفظه رحمه اللّه : وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت بآفة من جهة اللّه تعالى ، وإن كانت قد ذهبت وأخذ

ص: 445


1- المصدر السابق ، باب 29 ، حديث 1.
2- المصدر السابق ، حديث 2 وفيه عبد اللّه بن سليمان.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- المصدر السابق ، حديث 2.
5- ليست في النسخ.
6- في النسخ : فهم.

ديتها أو استحق ديتها وان لم يأخذها ، كان فيها نصف القيمة (1) ، هذه عبارة الشيخ في النهاية ، وابن إدريس فهم من كلام الشيخ أن مراده بالعين العوراء العين الفاسدة كما هو ظاهر اللفظ ، وأن مراده بالدية الكاملة دية العين لا دية النفس ، وان المراد بنصف القيمة نصف دية العين ، لا نصف دية النفس ، وليس ذلك مقصود الشيخ بل انما قصده بالعوراء الصحيحة ، وبالدية الكاملة دية النفس ، وبنصف القيمة نصف دية النفس ، كما تضمنه خبر العلاء بن الفضل عن الصادق عليه السلام في حديث ، الى أن قال : « وفي لسانه الدية تامة وأذنيه الدية تامة ، والرجلان بتلك المنزلة ، والعينان بتلك المنزلة ، والعين العوراء الدية تامة ، والإصبع من اليد أو الرجل فعشر الدية » (2) والشيخ استعمل ذلك تبعا للفظ الرواية واتساعا في اللغة ، وانما أطلق على الصحيحة اسم العوراء حيث لا أخت لها من جنسها ، وفي الحديث : إن أبا لهب اعترض على النبي صلى اللّه عليه وآله عند إظهار الدعوى ، فقال له أبو طالب يا أعور ما أنت وهذا؟ قال ابن الأعرابي : ولم يكن أبو لهب أعور وانما العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه أعور ، فلهذا أطلق الشيخ على الصحيحة اسم العوراء.

فلم يفهم ابن إدريس مراده ، وليس ذلك لقصور علم ابن إدريس ، ولا لبلادته. لأن فضله غير منكور ، ولكن الحكمة اقتضت وقوع الغلط من غير المعصوم وان كان حاذقا ، فلا بد من وجود معصوم حافظا للشرع ، والا لجاز ان يكلف اللّه الخلق بغير المشروع ، وهو قبيح تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

قال رحمه اللّه : وفي الروثة ، وهي الحاجز بين المنخرين نصف الدية ، وقال ابن بابويه : هي مجمع المارن ، وقال أهل اللغة : هي طرف المارن.

ص: 446


1- في « ن » : الدية.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 11.

أقول : للفقهاء في تفسير الروثة قولان ، أحدهما : ما قاله المصنف ، وبه قال العلامة ، والثاني ما حكاه (1) علي بن بابويه ، وهو موافق لما قاله أهل اللغة ؛ لأن مجتمع المارن هو طرفه ، وفي ديتها قولان : أحدهما نصف الدية كما قاله المصنف ، وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط ، واختاره العلامة في القواعد ، ونقل في القواعد قولا أن فيها الثلث ، لاشتمال المارن على ثلاثة أجزاء ، على المنخرين والروثة فتقسم الدية عليها ، لأصالة البراءة من الزائد.

قال رحمه اللّه : وفي أحد المنخرين نصف الدية ؛ لأنه إذهاب نصف المنفعة ، وهو اختياره في المبسوط ، وفي رواية غياث ، عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام : ثلث الدية ، وكذا في رواية عبد الرحمن العرفي ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ، وفي الرواية ضعف غير أن العمل بمضمونها أشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال : الأول : نصف الدية ، لأن في الأنف الدية ، وهو منخران فنقسم الدية عليها ، ولأنه أذهب نصف المنفعة ونصف الجمال ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط فتقسم الدية عليهما ، وبه قال ابن إدريس ، الثاني : ثلث الدية ؛ لأن الأنف مشتمل على ثلاثة أجزاء على منخرين وحاجز ، فتقسم الدية عليها أثلاثا ، وللروايتين المذكورتين (2) واختاره المصنف والعلامة في المختلف والتحرير ، وهو مذهب ابن الجنيد ، وقواه فخر الدين ، الثالث : الرابع ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة ، لاشتمال الأنف على أربعة : المنخرين والروثة والحاجز ، على قول من يقول أن الروثة غير الحاجز ، كقول ابن بابويه وأهل اللغة.

ص: 447


1- في « ر 1 » : عن علي.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 43 من ديات الأعضاء ، حديث 1 ، رواية غياث والباب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 13.

قال رحمه اللّه : الأذنان ، وفيهما الدية ، وفي كل واحدة نصف الدية وفي بعضها بحساب ديتها ، وفي شحمتها ثلث ديتها على رواية فيها ضعف ، لكن يؤيدها الشهرة ، قال بعض الأصحاب : وفي خرمها ثلث ديتها ، وفسره واحد بخرم الشحمة ، وبثلث دية الشحمة.

أقول : قال الشيخ في النهاية : وفي شحمة الاذن ثلث دية الاذن ، وكذلك في خرمها ثلث ديتها ، قال ابن إدريس : يعني في خرم الشحمة ثلث دية الشحمة ، وهو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة ، وقال في الخلاف : في شحمة الاذن ثلث دية الاذن وكذلك في خرمها ، قال العلامة في المختلف - بعد أن حكى قول الشيخ في الخلاف - : فهذا يدل على أنه أراد في النهاية خرم الاذن فثلث دية الاذن ، لا كما قال ابن إدريس ، ثمَّ حكى عبارة المبسوط ثمَّ قال : وتأويل ابن إدريس لا دليل عليه ، والظاهر أن المصنف لم يرض بتأويل ابن إدريس أيضا.

قال رحمه اللّه : الشفتان وفيهما الدية إجماعا ، وفي تقدير كل واحدة خلاف قال في المبسوط في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، وهو خيرة المفيد رحمه اللّه ، وفي الخلاف : في العليا أربع مائة ، وفي السفلى ست مائة ، وهي رواية أبي جميلة ، عن أبان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وذكره طريف في كتابه أيضا وفي أبي جميلة ضعف ، وقال ابن بابويه : هو مأثور عن طريف أيضا في العليا نصف الدية ، وفي السفلى الثلثان ، وهو نادر ، وفيه مع ندوره زيادة لا معنى لها. وقال ابن أبي عقيل : هما سواء في الدية ، استنادا الى قولهم عليهم السلام : كل ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، وهذا حسن ، وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها. وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن اللثة مع طول الفم ، والعليا ما تجافى عن اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم ، وليس حاشية الشدقين منها.

أقول : حكى المصنف للأصحاب هنا أربعة أقوال :

ص: 448

الأول : في العليا الثلث ، وفي السفلى الثلثان ، حكاه الشيخ في المبسوط ، قال : وهو خيرة المفيد ، وبه قال أبو الصلاح وسلار ، لزيادة منفعة السفلى على العليا ؛ لأنها تمسك الطعام والشراب ، وشينها أقبح من شين العليا ، قال المفيد : وبهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى عليهم السلام.

الثاني : في العليا أربع مائة ، وفي السفلى ست مائة ، حكاه عن الشيخ في الخلاف ، قال : وهي رواية أبي جميلة (1) ، عن أبان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وذكره ظريف (2) في كتابه أيضا ، وفي أبي جميلة ضعف.

الثالث : في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ومحمد بن بابويه ، واختاره العلامة في المختلف ، والمستند ما ذكره المصنف (3) ، قال : وهو نادر ، وفيه مع ندوره زياده لا معنى لها ، وهذا القول مذهب ابن الجنيد ؛ لأن السفلى تمسك الطعام والشراب وتمسك اللعاب ، فتزاد ديتها عملا بالمناسبة.

الرابع : كونهما سواء في الدية ، في كل واحدة منهما النصف ، حكاه عن ابن أبي عقيل واستحسنه المصنف هنا ، وقواه في المختصر وهو ظاهر العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد ، واختاره أبو العباس ، والمستند رواية هشام بن سالم ، « قال : كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية » (4) ، وهي مقطوعة لكن رجالها ثقاة ، قال العلامة في التحرير : وان لم يسندها الى امام الا أن هشاما ثقة ، والظاهر أنه سمعها من الامام.

قال رحمه اللّه : ولو تقلصت ، قال الشيخ : فيه ديتها ، والأقرب الحكومة ،

ص: 449


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 5 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، حديث 1.
3- المصدر السابق.
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 12.

ولو استرختا فثلثا الدية.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، لذهاب منفعتها بالكلية ، ووجه القرب (1) فيما اختاره المصنف أصالة براءة الذمة من وجوب الدية تامة ، ولعدم التقدير في ذلك ، فيرجع الى الأرش ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم ، وهي ثمانية وعشرون حرفا ، وفي رواية تسعة وعشرون حرفا ، وهي مطرحة.

أقول : أشار الى ما رواه حماد بن عيسى (2) عن الصادق عليه السلام ، وعمل الأصحاب على الثمانية والعشرين ، ولا فرق بين الحروف اللسنية والحلقية ، ولا بين الثقيلة والخفيفة.

قال رحمه اللّه : ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقة [ عند الجناية ] ، صدق مع القسامة ، لتعذر البينة ، وفي رواية : يضرب لسانه بإبرة ، فإن خرج الدم أسود صدق ، وإن خرج أحمر كذب.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الأصبغ بن نباتة ، « قال : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه ، كيف يعلم انه صادق؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام : اما ما ادعاه أنه لا يشم الرائحة فإنه يدنى منه الحراق فان كان كما يقول والأحول أنفه ودمعت عيناه ، وأما ما ادعاه في عينيه فإنه يقابل بعينه عين الشمس ، فان كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه ، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين ، وأما ما ادعاه من لسانه فإنه يضرب لسانه بالإبرة ، فإن خرج

ص: 450


1- في « ن » : الفرق.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات المنافع ، حديث 5.

الدم أحمر فقد كذب وان خرج الدم أسود فقد صدق » (1) ، وقال الشيخ : يثبت حقه بالقسامة ، واختاره المصنف والعلامة.

قال رحمه اللّه : ولو جنى على لسانه فذهب كلامه ثمَّ عاد ، هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط : نعم ، لأنه لو ذهب لما عاد ، وقال في الخلاف : لا ، وهو أشبه.

أقول : أما حجة الشيخ في المبسوط فقد حكاها المصنف ، وأما حجته في الخلاف فإن العائد من الكلام هبة متجددة من اللّه تعالى ، والمجني عليه قد استحق الدية بسبب الجناية الموجبة لها ، فلا تستعاد بسبب الهبة من اللّه تعالى ، وفصل في القواعد ، قال : والأقرب الاستعادة إن علم أن الذاهب أو لا ليس بدائم ، والا فلا معناه ان حكم أهل الخبرة بعدم دوام الذهاب ، بل يحتمل عود النطق ، وان كان بعلاج ثمَّ عاد استعيدت الدية ، وان حكموا بدوام الذهاب وعدم عود النطق ثمَّ عاد لم تستعاد الدية ؛ لأنه هبة متجددة حينئذ ، وهذا التفصيل لا بأس به لما فيه من الجمع بين القولين.

قال رحمه اللّه : وليس للزائدة دية إن قلعت منضمة إلى البواقي ، وفيها ثلث دية الأصلي إن قلعت منفردة ، وقيل : فيها الحكومة ، والأول أظهر.

أقول : القائل بالحكومة هو المفيد رحمه اللّه قال : وما زاد على هذه الأسنان فليس له دية مقطوعة شرعا ، لكن ينظر ما نقص من قيمة صاحبه بذهابه منه على تقدير أن يكون عبدا ويعطى بحسابه ، والمشهور الأول ، لأصالة براءة الذمة من الزائد عما قرره الشارع.

قال رحمه اللّه : ولو اسودت السن بالجناية ولم يسقط فثلثا ديتها وفيها بعد الاسوداد الثلث على الأشهر.

ص: 451


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 4 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1.
أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا اسودت السن بالجناية كان فيها الثلثان ، قاله الشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد ، والمستند رواية عبد اللّه بن سنان (1) ، وقال في المبسوط : فيها الحكومة.

الثانية : إذا قلعت بعد الاسوداد بالجناية ففيها ثلث الدية عند الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لرواية العزرمي ، عن أبيه ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ، « في السن السوداء ثلث ديتها » (2) ، ولأنها في معنى الأشل ، وقال في المبسوط : فيها الحكومة ؛ لأنها المتيقن وما زاد من التقدير في رواية ضعيفة السند لا تعارض البراءة الأصلية ، وقال في النهاية : فيها ربع دية السن ، لرواية عجلان عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « في السن السوداء ربع دية السن » (3) ، وهي ضعيفة السند.

قال رحمه اللّه : وفي انصداعها ولم تسقط ثلثا ديتها ، وفي الرواية ضعف ، والحكومة أشبه.

أقول : وجوب الثلاثين مع الانصداع أي التخلخل ، وعدم السقوط مذهب الشيخ في النهاية ، واختاره العلامة في القواعد ، ولعله تشبيه بالشلاء وكونها في معرض السقوط ، وأما الرواية المشار إليها بالضعف فلم نقف عليها ، واختار ( المصنف و) (4) العلامة الحكومة ، لأصالة براءة الذمة من وجوب شي ء مقدر ؛ لان التقدير حكم شرعي يتوقف على الدلالة الشرعية وليس.

قال رحمه اللّه : والدية في المقلوعة مع سنخها ، وهو الثابت منها في اللثة ،

ص: 452


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 4.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 43 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 40 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3.
4- ما بين القوسين ليس في النسخ.

ولو كسر ما برز عن اللثة فيه تردد ، والأقرب أن فيه دية السن.

أقول : منشؤه من أن الدية الكاملة انما تكون في مجموع السن ، والمجموع ما كان بارزا منه مع ما هو في اللثة ، ومع عدمه فلا يجب الدية كاملة بدون المجموع ، ومن إطلاق اسم السن على ما كان بارز منه عن اللثة ، قال الشيخ وابن إدريس : السن ما شاهدته بارزا منه عن اللثة ، والسنخ أصله ، وجزم العلامة بوجوب الدية في البارز عن اللثة وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وينظر بسن الصغير ، فان نبتت لزم الأرش ، ولو لم ينبت فدية المثغر ، ومن الأصحاب من قال : فيها بعير ولم يفصل ، وفي الرواية ضعف.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه النوفلي (1) عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهي ضعيفة السند ، والمعتمد التفصيل الذي ذكره المصنف ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف ، وتبعه القاضي وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد.

تنبيه : أطلق أكثر الأصحاب الانتظار من غير تعيين (2)) المدة ، وقيده العلامة بالسنة ؛ لأنه الغالب. وأورد عليه الشهيد بان من بلغ أربع سنين العادة قاضية بأن سنة لو قلعت لم تنبت الا بعد مدة تزيد عن السنة قطعا ، قال : وانما هذا شي ء اختص به المصنف رحمه اللّه - يعني العلامة - ولا أعلم وجه ما قاله ، وهو أعلم بما قال ، ثمَّ اختار التقييد بنبات أسنانه بعد سقوطها ، وفاقا لما قاله ابن البراج في المهذب قال : وينبغي للمجني عليه أن يصبر حتى تسقط أسنانه التي هي أسنان اللبن وتعود.

فرع : لو مات الصبي في مدة الانتظار قبل عودها وقبل اليأس منه لزم

ص: 453


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 33 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 3.
2- في الأصل : تقييد.

الجاني الأرش ، فيقوم مقلوع السن من حين الجناية إلى حين الموت وسليما هذه المدة ، وتؤخذ من الدية بنسبة تفاوت القيمتين.

قال رحمه اللّه : ولو قطعت من المرفق أو من المنكب ، قال في المبسوط : عندنا فيه مقدر ، محيلا على التهذيب.

أقول : في اليدين معا الدية كاملة ، وفي كل واحدة نصف الدية سواء اليمين والشمال ، وحدها المعصم وهو المفصل الذي بين الكف والذراع ، فلو قطعت مع الأصابع فدية واحدة خمس مائة دينار ، فان قطعت الأصابع منفردة ففيهما (1) خمس مائة دينار ، ولو قطع كفا لا أصابع لها فالحكومة ، سواء ذهبت الأصابع بجناية جان أو من قبل اللّه تعالى ، ولو قطع مع اليد بعض الزند في اليد خمس مائة دينار ، وفي الزائد حكومة ، وهذا كله مما لا أشكال فيه.

ولو قطع اليد من المرفق أو المنكب ، قال الشيخ في المبسوط : واليد التي تجب نصف الدية فيها هي الكف الى الكوع ، وهي ان يقطعها من المفصل الذي بينها وبين الكوع ، فان قطع أكثر من ذلك كان فيها دية وحكومة بقدر ما قطع ، فان كان من نصف الذراع أو من المرفق أو العضد أو المنكب ففي الزائد حكومة ، وكلما كانت الزيادة أكثر كانت الحكومة أكثر ، وعندنا أن جميع ذلك فيه مقدر ذكرناه في تهذيب الاحكام ، وهو يعطي أن الحكومة ليست مذهبا له وانما نقلها عن المخالف ، وقال المفيد : في اليدين إذا استؤصلتا الدية كاملة ، وكذا في الذراع والذراعين والعضد والعضدين ، وهو يعطي أن في الذراع وحده منفردا الدية ، وكذا في العضد ، وبه قال أبو الصلاح ، واختاره العلامة في القواعد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ، لقوله عليه السلام : « كلما في البدن منه اثنان ففيه الدية » (2)

ص: 454


1- كذا.
2- تقدم في الهامش (2) من ص 434 والموجود فيه ( ففيهما ) بدل ( ففيه ).

ويحتمل في الذراعين والعضدين الحكومة ؛ لأن الشارع لم يقدر لها دية بانفرادها (1) ، وتحقيق الأول : أن اليد إذا قطعت من المعصم أو من المرفق أو من المنكب ففيها الدية خاصة ، وان قطعت من غير المفصل (2) بل من بعض الزند أو بعض العضد ففيها دية وحكومة ، وإن قطعت من المعصم ثمَّ قطعت من المرفق كان فيها ديتان ، فان قطعت بعد ذلك من المنكب كان فيها دية أخرى ثالثة ، ولو قطعت أولا من مفصل ، وثانيا من غير مفصل كان في الأول دية وفي الثاني حكومة وهذا التحقيق مذهب المفيد وأبي الصلاح والقواعد والتحرير وهو المعتمد ، وظاهر المصنف العمل على ذلك ؛ لأنه قال في آخر كلامه : ويظهر لي في الذراعين الدية ، وكذا في العضدين ، وفي كل واحد نصف الدية.

قال رحمه اللّه : فلو قطعهما ففي الأصلية دية ، وفي الزائدة حكومة ، وقال في المبسوط : ثلث دية الأصلية ، ولعله تشبيه بالسن.

أقول : المشهور بين الأصحاب أن في اليد الزائدة حكومة ؛ لأن الشارع لم يجعل لها دية مقدرة ، وما ليس له مقدر فيه الحكومة ، والظاهر أن الشيخ أحال اليد الزائدة على السن الزائدة ، فكما أن في السن الزائدة ثلث الأصلية كذلك في اليد الزائدة ثلث الأصلية ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي أصابع اليدين الدية ، وكذا في أصابع الرجلين ، وفي كل واحدة ثمن الدية ، وقيل : في الإبهام ثلث الدية ، وفي الأربعة البواقي الثلثان بالسوية.

أقول : القائل أبو الصلاح وابن حمزة ، والمشهور الأول وهو مذهب

ص: 455


1- في الأصل : لانفرادها.
2- في النسخ : مفصل.

الشيخين وابن الجنيد (1) وابن البراج وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، ومستند الفريقين الروايات (2).

قال رحمه اللّه : وفي الظفر إذا لم ينبت عشرة دنانير ، وكذا لو نبت أسود ، ولو نبت أبيض كان فيه خمسة دنانير ، وفي الرواية ضعف غير أنها مشهورة ، وفي رواية عبد اللّه بن سنان في الظفر خمسة دنانير.

أقول : الرواية الأولى المشار إليها بالضعف رواية مسمع بن عبد الملك (3) عن الصادق عليه السلام ، وفي طريقها محمد بن الحسن بن شمون (4) ، قال ابن الغضائري : إنه وقف ثمَّ غلا فلا يلتفت الى مصنفاته وسائر ما ينسب اليه ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، والرواية الثانية (5) محمولة على نباته أبيض ، لوجوب حمل المطلق على المقيد ، وقال ابن إدريس يجب ثلثا ديته إذا خرج أسود ، وجنح إليه العلامة في المختلف ، واختاره فخر الدين واستحسنه أبو العباس ، لأصالة براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل ، وأيضا فليس خروجه أسود كلا خروجه ، فيكون ديته حال خروجه أسود أقل من ديته حال عدم خروجه عملا بالمناسبة.

قال رحمه اللّه : الثاني عشر : الظهر ، وفيه إذا كسر الدية ، وكذا إذا أصيب واحدودب أو صار بحيث لا يقدر على القعود ، ولو صلح كان فيه ثلث الدية ، وفي رواية ظريف : إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار ، وان عثم فألف دينار ولو كسر فشلت الرجلان فدية له ، وثلثا دية للرجلين ، وفي الخلاف : لو

ص: 456


1- ليس في « ر 1 ».
2- الوسائل ، كتاب الديات ، احاديث باب 12 و 39 من أبواب ديات الأعضاء.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 41 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
4- في « ن » : الحسين بن ميمون ، وفي « ر 1 » : الحسن بن شمعون.
5- المصدر المتقدم ، حديث 2.

كسر الصلب فذهب مشيه وجماعه فديتان.

أقول : مختار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، ومستندهم صحيحة الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام ، وما حكاه عن الخلاف من وجوب الديتين بذهاب المشي والجماع هو المشهور بين الأصحاب أيضا ، وجزم به العلامة في القواعد ، فعلى هذا لو جبر صلبه فعادت إحدى المنفعتين وجبت دية واحدة ، ولو عادت ناقصة فدية وحكومة عن نقص العائدة ، والقول قول المجني عليه مع يمينه في ذهاب الجماع إن ادعاه ، وشهدت أهل الخبرة أن هذه الجناية تؤدي الى ذهابه والا فلا ، ولو ذهب ماؤه دون جماعه احتمل وجوب الدية ؛ لأنه أذهب منفعة مقصودة ، ويحتمل الحكومة ؛ لأنه لم يذهب المنفعة أجمع وهو أقوى (2).

قال رحمه اللّه : ولو قطع الحلمتين ، قال في المبسوط فيهما الدية ، وفيه إشكال من حيث أن الدية في الثديين ، والحلمتان بعضهما ، أما حملتا الرجل ففي المبسوط والخلاف : فيهما الدية ، وقال ابن بابويه رحمه اللّه : في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية ، مائة وخمسة وعشرون دينارا ، وكذا ذكر الشيخ رحمه اللّه في التهذيب عن طريف ، وفي إيجاب الدية فيهما بعد ، والشيخ أضرب عن رواية ظريف ، وتمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في حلمة ثدي المرأة ، وقد حكى عن (3) الشيخ في الكتابين أن فيهما الدية ثمَّ استشكله ؛ لأن الدية في الثديين والحلمة بعضهما ، فلو وجب في الحلمة ما وجب في الجميع لزم مساواة الكل للبعض وهو باطل ، ونقض بالأنف

ص: 457


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب الأول من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 4.
2- في النسخ : قوي.
3- ليست في « ر 1 ».

واليد والذكر ، وأجيب بوجود النص هنا وفقده هناك. احتج الشيخ ب- « كل ما فيه من البدن اثنان فيه الدية » ، وفخر الدين ذهب الى وجوب الحكومة وهو ظاهر المصنف.

الثانية : في حلمة ثدي الرجل وقد حكى المصنف (1) عن الشيخ أن فيهما الدية ، لقوله عليه السلام : « كل ما في البدن منه اثنان ففيه الدية » ، ثمَّ حكى قول ابن بابويه ( أيضا ، وابن إدريس والعلامة في المختلف تابعا الشيخ ، وابن الجنيد وابن حمزة تابعا ابن بابويه ) (2) والمصنف استبعد الدية لما مر من الاشكال المتقدم في حلمتي المرأة وظاهره وجوب الحكومة وهو اختيار فخر الدين لان ذلك هو المتيقن وما عداه مشكوك فيه والأصل براءة الذمة.

قال رحمه اللّه : وفي الخصيتين الدية ، وفي كل واحدة نصف الدية ، وفي رواية في اليسرى ثلثا الدية ؛ لأن منها الولد ، والرواية حسنة لكن تتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة.

أقول : الرواية إشارة الى حسنة عبد اللّه بن سنان (3) عن الصادق عليه السلام ، وبمضمونها أفتى الشيخ في الخلاف ، وتبعه ابن حمزة وابن البراج في المهذب وسلار ، قال المصنف : لكن يتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة ، والمراد به ما ورد من قولهم : « كل ما في البدن منه اثنان ففيهما الدية » والمشهور التساوي فيهما ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي أدرة الخصيتين أربع مائة دينار ، فان فحج فلم يقدر

ص: 458


1- ليست في « م ».
2- ما بين القوسين ليس في « ر 1 ».
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.

على المشي فثمان مائة دينار ، ومستنده كتاب ظريف غير أن الشهرة تؤيده.

أقول : قال صاحب الصحاح الأدرة : نفخة في الخصية ، يقال رجل أدر بين الأدرة ، وتسمى في العرف القروة ، والمستند (1) وان كان ضعيفا لكن عليه عمل الأصحاب.

قال رحمه اللّه : وفي إفضاء المرأة ديتها ، ولو كانت المكرهة بكرا ، هل يجب لها أرش البكارة زائدا عن المهر؟ فيه تردد ، والأشبه وجوبه.

أقول : منشؤه من أنه فعل واحد فيجب مهر المثل وهو (2) عوض الوطي ، فلا يجب غيره ، ومن أنه جناية زائدة عن الوطي فوجب عليه أرشها ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولو كسر بعصوصه فلم يملك غائطه ، كان فيه الدية ، وهي رواية سليمان بن خالد ، ومن ضرب عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ، ففيه الدية ، وهي رواية إسحاق بن عمار.

أقول : البعصوص عظم دقيق حول الدبر ، والعجان ما بين الخصية إلى حلقة الدبر ، وقد ذكر المصنف مستند الحكم (3) في ذلك ولم أجد فيه مخالفا بل فتاوى الأصحاب متطابقة على ذلك.

قال رحمه اللّه : قال في المبسوط والخلاف : في الترقوتين الدية ، وفي كل واحدة منهما مقدر عند أصحابنا ، ولعله إشارة الى ما ذكره الجماعة عن ظريف ، وهو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا.

أقول : المشهور بين الأصحاب ما ذكره الشيخ في الكتابين المذكورين ،

ص: 459


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 18 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
2- ليست في الأصل.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1 - 2.

وجزم به العلامة ، والمستند كتاب ظريف (1) والمصنف لم يجزم بذلك ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ولم يذكر الأصحاب حكمها إذا لم تجبر أو جبرت على عيب (2) ، والظاهر أن فيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية ، لعموم قوله عليه السلام : « كل مافي البدن منه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية،وما كان فيه واحد ففيه الدية ».

قال رحمه اللّه : من داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه أو يفتدي ذلك بثلث الدية ، وهي رواية السكوني ، وهو ضعيف.

أقول : روى السكوني عن الصادق عليه السلام ، « قال : رفع الى أمير المؤمنين عليه السلام رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه ، فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث كما أحدث أو يغرم ثلث الدية » (3) وبمضمونها أفتى الشيخان وابن حمزة ، وقال ابن إدريس : لا قصاص هنا ، لما فيه من التغرير بالنفس (4) واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، ويقضي على الجاني بالحكومة ؛ لأنه المتيقن ، والتقدير بالثلث حكم شرعي فلا يثبت بمثل رواية السكوني لضعفه ، وإنما يثبت بالأخبار الضعيفة ما اعتضد بالأصل أو بعمل الأصحاب.

قال رحمه اللّه : من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ، فعليه ثلث ديتها ، وفي رواية ديتها ، وهو أولى ، وقيل : مهر نسائها.

أقول : أما وجوب ثلث ديتها فرواية محمد بن بابويه في من لا يحضره الفقيه والشيخ في التهذيب عن علي عليه السلام ، « في رجل افتض جارية بإصبعه

ص: 460


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 1.
2- في « م » : غير عيب.
3- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 20 من أبواب قصاص الطرف ، حديث 1.
4- في الأصل : التعزير في النفس.

فخرق مثانتها فلم تملك بولها فجعل لها ثلث نصف الدية مائة وستة وستين دينارا وثلثي دينار ، وذلك ثلث دية المرأة ، وقضى لها عليه صداقها مثل نسائها » (1) ، والرواية المتضمنة لديتها رواية هشام (2) عن أبي الحسن عليه السلام ، ويعضدها أن استمساك البول منفعة واحدة فيجب في تفويتها الدية ، وهو اختيار فخر الدين ، وهو المعتمد ، وعلى القولين لا بد من مهر نسائها لذهاب بكارتها.

ص: 461


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 30 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.
2- المصدر السابق ، حديث 3.

ص: 462

في الجناية على المنافع

قال رحمه اللّه : العقل وفيه الدية ، وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم ، إذ لا طريق الى تقدير النقصان ، وفي المبسوط يقدر بالزمان ، فلو جن يوما وأفاق يوما كان الذاهب نصفه ، أو [ جنّ ] يوما وأفاق يومين ، كان الذاهب ثلثه ، وهو تخمين.

أقول : جزم العلامة في القواعد بما قرره الشيخ في المبسوط ، وهو التقدير في الزمان وذلك مع إمكان الضبط ، مثل أن يجن يوما ويفيق يوما ، أو يجن يوما ويفيق يومين ، أو بالعكس وهكذا ، ولو لم يضبط زمان الإفاقة ولا زمان الجنون ، مثل أن يجن بعض يوم ويفيق بعضه فإنه يرجع الى تقدير الحاكم ، والمصنف لم يلتفت الى هذا التقدير ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية وليس ، والقول بغير دليل تخمين ، فالمرجع في ذلك الى رأي الحاكم سواء أمكن ضبط الزمان أو لم يمكن ، وهو ظاهر العلامة في التحرير.

قال رحمه اللّه : ولو شجه فذهب عقله لم يتداخل دية الجنايتين ، وفي رواية : إذا كان ضربة واحدة تداخلتا ، والأول أشبه ، وفي رواية : لو ضربه على

ص: 463

رأسه فذهب عقله انتظر به سنة ، فان مات فيها قيد به ، وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية ، وهي حسنة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن أبي عبيده الحذاء « قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ضرب رجلا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله؟ فقال : إن كان المضروب لا يعقل أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنه ينتظر به سنة ، فان مات فيما بينه وبين سنة قيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين سنة ولم يرجع اليه عقله ، لزم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله ، قلت فما ترى عليه في الشجة شيئا؟ قال : لا ؛ لأنه إنما ضربه واحدة فجنت الضربة جنايتين ، فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية ، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنى كائنا ما كانتا الا ان تكون فيهما الموت ، فيقاد به ضاربه بواحدة وتطرح الأخرى » (1) ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، واختار المصنف والعلامة عدم التداخل مطلقا ما لم تسر الجناية إلى النفس ، واختاره أبو العباس أيضا ؛ لأنهما جنايتان وتداخلهما على خلاف الأصل ، ولو قال المصنف : وفي الرواية كان أحسن من قوله : وفي رواية ؛ لأن الثانية هي الأولى.

قال رحمه اللّه : وفي رواية يقابل بالشمس فان كان كما قال بقيتا مفتوحتين.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) ، وقد تقدمت في اللسان (3).

ص: 464


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 7 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 4 من أبواب ديات المنافع ، حديث 1.
3- تقدم ص 450.

قال رحمه اللّه : وفي رواية : يحرق له حراق ويقرب منه ، فان دمعت عيناه ونحى أنفه فهو كاذب.

أقول : هذه رواية الأصبغ بن نباته المتقدمة ، ولا عمل عليها في شي ء مما تضمنته.

قال رحمه اللّه : قيل : في سلس البول الدية ، وهي رواية غياث بن إبراهيم ، وفيه ضعف ، وقيل : إن دام الى الليل ففيه الدية ، وإن كان الى الزوال فثلثا الدية ، والى ارتفاع النهار فثلث الدية.

أقول : روى غياث ابن إبراهيم عن الصادق عليه السلام ، « أن عليا عليه السلام قضى في رجل ضرب رجلا حتى سلس بوله بالدية كاملة » (1) وبمضمونها أفتى الشيخ وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلامة (2) ؛ لأنه منفعة (3) واحدة في البدن ، والمصنف توقف في ذلك ؛ لأن غياث بتري فعلى تقدير عدم العمل بالرواية يجب الحكومة ، وروى الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار ، « قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا حاضر عن رجل ضرب رجلا فلم ينقطع بوله؟ فقال : إن كان البول يمر الى الليل فعليه الدية ، وان كان الى نصف النهار فعليه ثلثا الدية ، وإن كان الى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية » (4) قال العلامة : والظاهر أن المراد في ذلك ( في كل ) (5) يوم والمعتمد اختيار المصنف.

ص: 465


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات المنافع ، حديث 4.
2- في النسخ : المصنف.
3- في النسخ : لأن منفعته.
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 9 من أبواب ديات المنافع ، حديث 3.
5- ما بين القوسين ليس في « م » و « ر 1 ».

ص: 466

في الشجاج والجراح

اشارة

قال رحمه اللّه : أما الخارصة فهي التي تقشر الجلد ، وفيها بعير ، وهل هي الدامية؟ قال الشيخ : نعم والرواية ضعيفة ، والأكثرون على أن الدامية غيرها ، وهي رواية منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

أقول : ذهب الشيخ الى أن الخارصة والدامية مترادفتان على معنى واحد ، وتبعه ابن البراج في الكامل وهو ظاهر أبي الصلاح وابن حمزة حيث أسقطا لفظ الخارصة وذكر (1) الدامية وهو تفسير الأصمعي ، استند الشيخ ومن تابعة إلى رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، « قال : قال : أمير المؤمنين عليه السلام قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في المأمومة ثلث الدية ، وفي المنقولة خمس عشرة من الإبل ، وفي الموضحة خمس من الإبل ، وفي الدامية بعير ، وفي الباضعة بعيران ، وقضى في المتلاحمة ثلاثة أبعرة » (2) ومثلها

ص: 467


1- كذا.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات الشجاج ، حديث 6 ورواية السكوني حديث 8.

رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، والمشهور المغايرة بين الدامية والخارصة ، لما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن علي عليه السلام : « في الخارصة وهي الخدش بعير ، وفي الدامية بعيران » (1).

وعلى القولين لا يزيد الشجاج على ثمان ولا ينقص عنها ، وهي الخارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة ، فعلى القول بأن الخارصة هي الدامية تكون الباضعة غير ( الدامية ) (2) المتلاحمة ، فحينئذ يصير الدامية والخارصة واحدا ، وهي التي تقشر الجلد وفيها بعير ، وان شئت سميتها خارصة ، وان شئت سميتها دامية ، وتصير الباضعة هي التي تأخذ في اللحم يسيرا ، وعلى القول بأن الدامية غير الخارصة تكون الباضعة هي المتلاحمة فلا تفاوت حينئذ في العدد ، ولا في الدية.

قال رحمه اللّه : أما الهاشمة فهي التي تهشم العظم ، وديتها عشر من الإبل أرباعا إن كان خطأ ، وأثلاثا إن كان شبيه العمد.

أقول : قوله أرباعا إن كان خطأ وأثلاثا إن كان شبيه العمد أي أربعة أسنان من الإبل أو ثلاثة منها ، وذلك ؛ لأن دية الخطأ عشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة ، فهذه أربعة أسنان ، ودية الهاشمة عشر ذلك ، فتأخذ عشر كل سن فيجتمع بنتا مخاض ، وابنا لبون ، وثلاث بنات لبون ، وثلاث حقاق فهذا معنى قوله ( أرباعا ) أي بالنسبة إلى الأسنان.

ودية شبيه العمد تشمل على ثلاث أسنان من الإبل ، هي ثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقه ، وأربعون خلفة وهي الحامل ، ودية الهاشمة عشر الجميع فتأخذ ثلاث بنات لبون ، وثلاث حقاق ، وأربع خلفات ، وهذا معنى قوله ( أو

ص: 468


1- المصدر السابق ، حديث 14.
2- ليس في النسخ.

أثلاثا ).

ولم يذكر العمد مع أن الواجب في الهاشمة الدية وإن كانت عمدا ، لأن أسنان الإبل لا تختلف في العمد ، بل يجب فيها مائة من مسان الإبل فلهذا أهمل ذكرها.

قال رحمه اللّه : ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما ، واتصل الهشم باطنا ، قال في المبسوط : هما هاشمتان ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن الهشمة (1) إنما تكون تبعا للإيضاح ، فاذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين ، ومن اتصال الهشم فيكون واحدا ولا يشترط في الهشم الجرح الظاهر ؛ لأنه لو حصل ( الهشم من غير جرح ) (2) ثبت ديته وإن لم يكن جرحا.

قال رحمه اللّه : ولا قصاص في المأمومة ؛ لأن السلامة معها غير غالبة ، ولو أراد المجني أن يقتص في الموضحة ، ويطالب بدية الزائد جاز ، والزيادة ثمانية وعشرون بعيرا ، قال في المبسوط : وثلث بعير ، وهو بناء على أن في المأمومة ثلاثة وثلاثين وثلثا ، ونحن نقتصر على ثلاثة وثلاثين تبعا للنقل.

أقول : قال ابن إدريس : وفي الثانية - يعني المأمومة - ثلث دية النفس ، ثلاث وثلاثون بعيرا فحسب من غير زيادة ولا نقصان إن كان من أصحاب الإبل ، ولا يلزمه ثلث البعير الذي يكمل به ثلث المئة بعير التي هي دية النفس ؛ لان روايتهم مطلقة وكذا مصنفاتهم وقول مشايخهم وفتاويهم ، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق أو ثلث الدية من العين أو الورق على السواء ؛ لأن ذلك يتحدد فيه الثلث ، ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم ، قال : وما حررناه واخترناه تحرير السيد المرتضى في جواب المسائل الناصريات التي هي الطبريات ، وكذا قال

ص: 469


1- كذا.
2- في الأصل و « م » : معه جرح ، بدل ما بين القوسين.

شيخنا المفيد في مقنعته : دية المأمومة ثلث دية النفس ثلاث وثلاثون بعيرا ، ولم يقل وثلث بعير ، وهكذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته (1) انتهى كلام ابن إدريس واختاره المصنف.

وجزم العلامة في القواعد : أن في المأمومة ثلاث وثلاثون بعيرا وثلث بعير ، كما هو مذهب المبسوط ، قال العلامة في المختلف : والروايات الدالة على أن فيها ثلث الدية تدل على ذلك ، لكن الروايات الأخرى تدل على أن الواجب ثلاث وثلاثون بعيرا ، روى الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام : « في المأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل ، والجائفة ثلاث وثلاثون من الإبل » (2).

قال رحمه اللّه : ولو طعن في صدره فخرج من ظهره ، قال في المبسوط : واحدة ، وفي الخلاف : اثنتان ، وهو أشبه.

أقول : مذهب الخلاف اختيار المصنف والعلامة في القواعد والتحرير ، وابنه في الإيضاح ، لإطلاق الاسم عليهما من (3) البطن والظهر ، ولما في ذلك من زيادة الألم المقتضي لزيادة العقوبة ، ولأنه لو انفردت كل منهما لا وجبت حكما ، فمع الاجتماع لا يزول ما كان ثابتا حالة الانفراد للاستصحاب ، ولأنه لو طعنه من كل جانب طعنة والتقتا كانتا جائفتين فكذا هنا ، إذ لا فارق غير اتحاد الضربة وتعددها وهو غير صالح للفرق. وحجة المبسوط أصالة البراءة ، ولأن الجائفة ما نفذت الى الجوف من ظاهر ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : قيل : إذا نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل ، ففيها مائة دينار.

ص: 470


1- السرائر ، ج 3 ، ص 408.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب ديات الشجاج ، حديث 4.
3- في الأصل : كما في.

أقول : هذا قول ظريف بن ناصح في كتابه ، قال : « والنافذة إذا نفذت من خنجر أو رمح في شي ء من أطراف الرجل فديتها عشر دية الرجل مائة دينار » (1) وظاهر المصنف التوقف في ذلك ؛ لأن التقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، فعلى عدم العمل بقول ظريف تكون فيها الحكومة ، وكذا لو كانت في أطراف المرأة فإن فيها الحكومة وإن قلنا بما تضمنه كتاب ظريف ، لاختصاص ذلك بالرجل.

قال رحمه اللّه : وفي احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف ، وفي اخضراره ثلاثة دنانير ، وكذا في الاسوداد عند قوم ، وعند آخرين ستة دنانير ، وهو أولى ، لرواية إسحاق بن عمار (2) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، ولما فيه من زيادة النكاية ، وقال في جماعة : ودية هذه الثلاث في البدن على النصف.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في احمرار الوجه أو اخضراره أو اسوداده في الجناية ، ولا خلاف فيما قدر في الاحمرار والاخضرار ، وانما الخلاف في الاسوداد ، فالمفيد وسلار وابن الجنيد وأبو الصلاح والسيد المرتضى وابن إدريس ذهبوا الى مساواة الاسوداد للاخضرار في إيجاب ثلاثة دنانير ، لأصالة براءة الذمة عما زاد على ذلك ، وقال الشيخ في النهاية والخلاف : في الاسوداد ستة دنانير ، وتابعه ابن حمزة وابن البراج في الكامل ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد والوجه ما ذكره المصنف.

الثانية : هذه الجناية إذا حصلت في البدن كان على النصف ، على ما هو مشهور بين الأصحاب ، وجزم به العلامة متابعة للأصحاب ، ولم يجزم به

ص: 471


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح ، حديث 1.

المصنف ؛ لأنه لم يظفر بدليل مقنع ، والتقدير حكم شرعي فيقف على الدلالة الشرعية ، فعلى تقدير عدم العمل بما هو مشهور بين الأصحاب يكون في ذلك الحكومة ، والمشهور هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : من لا ولي له فالإمام ولي دمه يقتص إن قتل عمدا ، وهل له العفو؟ الأصح : لا ، وكذا لو قتل خطأ فله استيفاء الدية ، وليس له العفو.

أقول : عدم جواز العفو هو المشهور بين الأصحاب ، وهو قريب من الإجماع ، لما رواه أبو ولاد عن الصادق عليه السلام : « في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الامام أنه ليس للإمام أن يعفو وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الامام وكذلك ديته تكون له » (1) ، وقال ابن إدريس له العفو ؛ لأنه وارث فله إسقاط حقه كغيره من الوارث ، والأول هو المعتمد.

ص: 472


1- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 60 من أبواب القصاص في النفس ، حديث 1 و 2.
في اللواحق

قال رحمه اللّه : ولو كان ذميا فعشر دية أبيه ، وفي رواية السكوني ، عن جعفر ، عن علي عليهما السلام : عشر دية أمّه ، والمعتمد على الأول.

أقول : وجه الأول أن الواجب في جنين الحر مائة دينار ، وهي عشر دية الأب ، فكذا دية جنين الذمي فيه عشر دية أبيه ، وروى السكوني عن جعفر عن علي عليهما السلام : « في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية أمه » (1) وهي متروكة ، وحملها العلامة على كون الأم مسلمة.

قال رحمه اللّه : ولو لم تتم خلقته ففي ديته قولان ، أحدهما عشرة ، ذكره في المبسوط ، وفي موضع من الخلاف ، وفي كتابي الأخبار ، والآخر : - وهو الأشهر - ، توزيع الدية على مراتب النقل ، ففيه عظما ثمانون ، ومضغة ستون ، وعلقة أربعون.

أقول : وجوب الغرة مذهب الشيخ في الكتب المذكورة ، وابن الجنيد أطلق وجوب الغرة في الجنين ، ولم يقيد بتمام الخلقة وعدمه ، لما رواه أبو بصير عن

ص: 473


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 22 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2.

الصادق عليه السلام ، « قال : إن ضرب رجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميتا ، كان عليه غرة عبد أو أمة يدفعها إليها » (1) ، والتوزيع مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، ولهم عليه روايات كثيرة (2) ، وهو المعتمد.

تنبيه : اختلف الأصحاب في الغرة ، والمشهور أنها عبد أو أمة ، وهو قول صاحب الصحاح وأبو عبيدة من أهل اللغة ، وقال العلامة في القواعد عبد أو أمة ولا يكون معيبا ولا شيخا كبيرا ولا له أقل من سبع سنين ، وقال الشيخ : الغرة من كل شي ء خياره ، وهو قول أبي سعيد الضرير ، والأول هو المعتمد ؛ لأنه قول الأكثر من الفقهاء وأهل اللغة.

قال رحمه اللّه : وقال بعض الأصحاب : وفيما بين كل مرتبة بحساب ذلك ، وفسره واحد بأن النطفة تمكث عشرين يوما ثمَّ تصير علقة ، وكذا بين العلقة والمضغة ، فيكون لكل يوم دينار ، ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه الأول ، ثمَّ نطالبه بالدلالة على أن تفسيره مراد. على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوما ، وكذا بين العلقة والمضغة ، روى ذلك سعيد بن المسيب ، عن علي بن الحسين عليهما السلام ، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وأبو جرير القمي عن موسى على السلام ، وأما العشرون فلم نقف بها على رواية ولو سلمنا المكث الذي ذكره ، من أين لنا أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال وليس محتمل واقعا ، مع أنه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق عليه الصلاة والسلام : « إن لكل قطرة تظهر في النطفة دينارين ». وكذا كل ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد

ص: 474


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 20 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 5.
2- راجع أحاديث الباب في المصدر السابق.

دينارين ، وهذه الاخبار وإن توقف فيها لاضطراب النقل أو لضعف الناقل ، فكذا توقف على التفسير الذي مر بخيال ذلك القائل.

أقول : قال الشيخ رحمه اللّه الجنين أول ما يكون نطفة وفيه عشرون دينارا ، ثمَّ يصير علقة وفيه أربعون دينارا ، وفيما بينهما بحساب ذلك ، ثمَّ يصير مضغة وفيها ستون دينارا ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ثمَّ يصير عظما وفيه ثمانون دينارا ، ثمَّ يصير مكسوا عليه اللحم خلقا سويا تشتق له العينان والأذنان والأنف قبل ان تلجه الروح وفيه مائة دينار ، وفيما بين ذلك بحسابه ، ولم يفسره.

قال ابن إدريس : الجنين الولد ما دام في البطن وأول ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها في الرحم الى عشرين يوما عشرون دينارا ، ثمَّ بعد العشرين يوما لكل يوم دينار إلى أربعين يوما ففيه أربعون دينارا ، وهي دية العلقة فهذا معنى قولهم ( وفيما بين ذلك بحساب ذلك )

وأنكر ذلك المصنف وطالبه بصحة ما ادعاه من أن النطفة تمكث عشرين يوما مع أن المروي في المكث بين المراتب أربعين يوما ، روى أبو حرير القمي ، عن العبد الصالح عليه السلام ، « قال : إنه يكون في بطن أمه أربعين يوما ثمَّ يكون علقة أربعين يوما » (1) ومثله رواه سعيد بن المسيب (2) عن زين العابدين عليه السلام ، قال : اما العشرون فلم نقف بها على رواية ، قال : ولو سلمنا المكث الذي ذكره ، من أين ان التفاوت في الدية مقسوم على الأيام ، ثمَّ قال : يحتمل أن يكون الإشارة بذلك الى ما رواه يونس الشيباني (3) ، عن الصادق عليه السلام ، وهذه الرواية رواها محمد بن بابويه في المقنع وفي كتاب من لا يحضره

ص: 475


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 9.
2- المصدر السابق ، حديث 8.
3- المصدر السابق ، حديث 5.

الفقيه ، قال في المقنع : في النطفة عشرون دينارا ، فان خرج في النطفة قطرة دم فهي عشر النطفة فيها اثنان وعشرون دينارا ، وإن قطرت قطرتين فأربعة وعشرون دينارا ، فان قطرت ثلاث قطرات فستة وعشرون دينارا ، فان قطرت أربع قطرات ففيها ثمانية وعشرون دينارا ، فان قطرت خمس قطرات ففيها ثلاثون دينارا ، وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى يصير علقة ، فإذا صارت علقة ففيها أربعون دينارا ، ان خرجت مخضخضة بالدم ، فان كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وان كان دما أسود فلا شي ء عليه الا التعزير ؛ لأنه ما كان من دم صاف فهو الولد وما كان من دم أسود فإن ذلك من الجوف ، فان كان في (1) العلقة شبه العرق من اللحم ففي ذلك اثنان وأربعون دينارا ، فان كان في المضغة شبه العقدة عظما ناتيا (2) فذلك العظم أول ما يبتدي ففيه أربعة (3) دنانير ومتى ( زاد زائد ) (4) أربعة حتى تتم الثمانون ، وإذا اكتسى العظم لحما وسقط الصبي ، لا يدري حيا كان أو ميتا ، فإنه إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه حياة ، وقد استوجب الدية ، وبمضمونها أفتى ابن بابويه ، وظاهر المصنف والعلامة التوقف.

قال رحمه اللّه : ولو قتلت المرأة فمات معها [ جنين ] فدية للمرأة ونصف الديتين للجنين إن جهل حاله ، ولو علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها ، وقيل : مع الجهالة يستخرج بالقرعة ؛ لأنه مشكل ولا إشكال مع وجود ما يصار اليه من النقل المشهور.

أقول : القرعة مذهب ابن إدريس ، قال : لأن القرعة مجمع عليها في كل

ص: 476


1- ليست في النسخ.
2- في « ن » : يابسا.
3- في « م » : أربعون.
4- في النسخ بدل ما بين القوسين : ما زاد أزيد.

مشكل وهذا من ذاك ، ونصف الديتين مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه لا اشكال مع النقل ، لتطابق الروايات بذلك مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان (1) ، ورواية ابن مسكان (2) ، عمن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وغير ذلك من الروايات (3).

قال رحمه اللّه : ولو عزل المجامع اختيارا عن الحرة ولم تأذن ، قيل : يلزم عشرة دنانير ، وفيه تردد ، أشبهه أنه لا يجب.

أقول : الوجوب مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن البراج ، وجزم به العلامة في القواعد ، وقال ابن إدريس : لا يجب ، واختاره المصنف هنا ، وقد مضى البحث في هذه المسألة في باب النكاح (4).

قال رحمه اللّه : في قطع رأس الميت المسلم مائة دينار ، وفي قطع جوارحه بحساب ديته ، وكذا في شجاجه وجراحه ، ولا يرث وارثه منها شيئا ، بل تصرف في وجوه القرب عنه ، عملا بالرواية ، وقال علم الهدى رحمه اللّه : يكون لبيت المال.

أقول : جرت عادة الفقهاء بالبحث عن دية قطع رأس الميت والجناية عليه عقيب دية الجنين ، للمشاركة بينهما في أن كل منهما صورة آدمي ليس فيه روح ، ولهذا ساوى الشارع بينهما في الدية ، والمشهور أن دية قطع رأس الميت مائة دينار وفي رواية عبد اللّه بن مسكان عن الصادق عليه السلام : « في قطع رأس الميت

ص: 477


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 2 ، لاحظ المهذب البارع ، ج 5 ، ص 382 ، وغوالي اللئالي ، ج 3 ، ص 653 ، والكافي ، كتاب الديات باب دية الجنين ، حديث 8.
2- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 21 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.
3- الوسائل ، كتاب الإرث ، باب 2 من أبواب ميراث الخنثى ، حديث 2.
4- ج 3 ص 14.

الدية ؛ لأن حرمته ميتا كحرمته وهو حي » (1) ، والمعتمد الأول ، والمشهور أنه يتصدق بها عنه وتصرف في وجوه القرب ، لما رواه الحسن بن خالد ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، « قال : دية الجنين إذا ضربت أمه فسقط من بطنها قبل أن تنشأ فيه الروح مائة دينار وهي لورثته ودية الميت إذا قطع رأسه أو شق بطنه فليست هي لورثته انما هي له دون الورثة ، قلت : وما الفرق بينهما؟ قال : ان الجنين مستقبل مرجو نفعه وان هذا قد مضى فذهبت منفعته ، فلما مثل به بعد وفاته صارت دية تلك المثلة له لا لغيره يحج بها عنه ويفعل بها من أبواب البر والخير من صدقة وغير ذلك » (2) ، وقال المرتضى وابن إدريس : هي لبيت المال ، لما رواه إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام ، « قلت : من يأخذ ديته؟ قال الامام : هذا لله » (3) ، وأجيب بعدم المنافاة بين الصدقة وبين كونها لله ، والأول هو المعتمد.

ص: 478


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 24 من أبواب ديات الأعضاء ، حديث 6.
2- المصدر المتقدم ، حديث 2 ، وفيه ( الحسين بن خالد ) بدل ( الحسن بن خالد ).
3- المصدر السابق ، حديث 3.

في الجناية على الحيوان

قال رحمه اللّه : وفي كلب الصيد أربعون درهما ، ومن الناس من خصّه بالسلوقي وقوفا على صورة الرواية ، وفي رواية السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في كلب الصيد ، أنه يقوم ، وكذا كلب الغنم وكلب الحائط ، والأول أشهر ، وكلب الغنم كبش ، وقيل : عشرون درهما ، وهي رواية ابن فضال عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، مع شهرتها لكن الأولى أصح طريقا ، وقيل : في كلب الحائط عشرون درهما ، ولا أعرف المستند. وفي كلب الزرع قفيز من البئر ، ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها ، ولا يضمن قاتلها شيئا ، أما ما يملكه الذمي كالخنزير ، فهو يضمن بقيمته عند مستحليه ، وفي الجناية على أطرافه الأرش.

أقول : الكلاب التي يجوز تملكها والانتفاع بها ويحرم على الغير الجناية عليها خمسة ، كلب الصيد وكلب الغنم وكلب الحائط وكلب الزرع وكلب الدار ، هذه الخمسة لا خلاف في جواز تملكها والانتفاع بها وإجارتها وتحريم الجناية

ص: 479

عليها ، وانما الخلاف في جواز بيعها وقد مضى البحث فيه (1) وفي تقدير دياتها ، وما عدا هذه الخمسة تسمى العكلى وكلب الهراش فهذا لا يجوز تملكه ولا يحرم الجناية عليه.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في ديات الكلاب ولنذكر كل صنف على انفرد.

الأول : كلب الصيد ، وفي ديته قولان : أحدهما أربعون درهما ، قاله الشيخان (2) وابن البراج وسلار وابن بابويه وابن إدريس ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن الجنيد : تجب القيمة ولا يتجاوز أربعين درهما ، واستحسنه العلامة في المختلف ومنهم من خص ذلك بالسلوقي ، وهو ما كان منسوبا الى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة ، روى الوليد بن صبيح ، عن الصادق عليه السلام : « قال : دية كلب السلوقي أربعون درهما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك لبني خزيمة » (3) وقال ابن إدريس : دية كلب الصيد أربعون درهما ، سواء كان سلوقيا أو غير ذلك إذا كان معلما ، قال : وشيخنا أطلق في دية الكلب السلوقي ، قال : الأولى تقييده بكلب معلم ؛ لأنه إذا كان غير معلم على الصيد ولا هو كلب ماشية ولا زرع ولا حائط فلا دية له وان كان سلوقيا.

الثاني : كلب الغنم ، وفيه كبش عند المصنف والعلامة في القواعد ، لرواية أبي بصير (4) عن أحدهما عليهما السلام ، وقال الشيخان وابن بابويه عشرون درهما ، لرواية ابن فضال (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وظاهر العلامة في

ص: 480


1- تقدم في
2- في « ن » : الشيخ.
3- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 19 من أبواب ديات النفس ، حديث 1.
4- المصدر السابق ، حديث 2.
5- المصدر السابق ، حديث 4.

المختلف وجوب القيمة لرواية السكوني (1).

الثالث : كلب الحائط ، وهو البستان ، قال الشيخان وابن البراج وابن إدريس : فيه عشرون درهما ، قال المصنف : ولا أعرف المستند ، وظاهر المختلف القيمة.

الرابع : كلب الزرع ، وهو الذي يتخذه أهل الزروع في مزارعهم للأنس به ، وليحرسهم وما عندهم من العوامل من الذئاب والخنازير وصغير السباع ، وفيه قفيز من طعام عند الشيخ في النهاية ، واختاره ابن البراج وابن إدريس والمصنف وأبو العباس ، لرواية أبي بصير (2) وظاهر محمد بن بابويه : فيه زنبيل من تراب ، على القاتل ان يعطى وعلى صاحب الكلب أن يقبل ، وظاهر المفيد : لا شي ء فيه ، والأول هو المعتمد.

الخامس : كلب الدار ، وهو الذي يتخذه البدوي (3) لحراستهم ، وكذا أهل الحضر أيضا تتخذه للحراسة والأنس ، وأوجب ابن الجنيد فيه زبيلا من تراب ، وهو ظاهر ابن بابويه ، والمشهور : لا شي ء فيه ، وهو المعتمد لأصالة البراءة.

قال رحمه اللّه : إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن صاحبها ولو كان نهارا لم يضمن ومستند ذلك رواية السكوني وفيه ضعف والأقرب اشتراط التفريط في موضع الضمان ليلا كان أو نهارا.

أقول : أكثر الأصحاب كالشيخين وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة على العمل بمضمون رواية السكوني (4) وابن إدريس اعتبر التفريط

ص: 481


1- المصدر السابق ، حديث 3.
2- المصدر السابق ، حديث 2 وليلاحظ الجواهر ج 42 ص 397.
3- كذا
4- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 40 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

وعدمه ، واختاره المصنف والعلامة وابنه وأبو العباس ، وهو المعتمد ؛ لأن السكوني عامي المذهب.

قال رحمه اللّه : وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قضى في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر ان على الشركاء حصته لأنه حفظ وضيع الباقون.

أقول : هذه رواية محمد بن قيس (1) ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال المصنف في نكت النهاية : إن صحت هذه الرواية فهي حكاية واقعة ولا عموم للواقع ، ولعله عقله وسلمه إليهم ففرطوا أو غير ذلك ، أما طرد الحكم على ظاهر الواقعة فلا.

قال رحمه اللّه : في كفارة القتل تجب كفارة الجمع بقتل العمد ، المرتبة بقتل الخطأ ، مع المباشرة لا مع التسبيب ، فلو طرح حجرا ، أو حفر بئرا ، أو نصب سكينا في غير ملكه ، فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفارة. وتجب بقتل المسلم ، ذكرا كان أو أنثى ، حرا أو عبدا ، وكذا تجب بقتل الصبي والمجنون ، وعلى المولى بقتل عبده ولا تجب بقتل الكافر ، ذميا كان أو معاهدا ، استنادا إلى البراءة الأصلية ، ولو قتل مسلما في دار الحرب مع العلم بإسلامه ولا ضرورة فعليه القود والكفارة ، ولو ظنه كافرا فلا دية وعليه الكفارة ، ولو كان أسيرا ، قال الشيخ : ضمن الدية والكفارة ؛ لأنه لا قدرة للأسير على التخلص ، بخلاف غير الأسير ، وفيه تردد.

أقول : إذا قتل مسلما في دار الحرب ظانا انه كافر فبان أسيرا ، قال الشيخ على القاتل الدية والكفارة ، واختاره العلامة ؛ لأن الأسير لا يقدر على التخلص بخلاف غير الأسير ، وتردد المصنف من مساواة الأسير وغيره في إباحة القتل مع

ص: 482


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 39 من أبواب موجبات الضمان ، حديث 1.

عدم العلم بالإسلام ، وتساويه (1) في عدم (2) وجوب الدية ، ومن عموم قوله تعالى ( مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) (3) وهذا مؤمن فيجب تسليم ديته إلى أهله ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وإذا قبل من العامة الدية وجبت الكفارة قطعا ، ولو قتل قودا هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط : لا تجب ، وفيه إشكال ، ينشأ من كون الجناية سببا.

أقول : منشؤه من أصالة البراءة واختار ابن إدريس مذهب الشيخ (4) ، ومن أن الجناية سبب وجوب الكفارة وقد ثبت السبب فيثبت المسبب ، فيجب في تركة الجاني ، لأن الكفارة حق مالي فيثبت في التركة كسائر الحقوق المالية ، وهو اختيار العلامة في المختلف.

ص: 483


1- في « م » و « ر 1 » : ولتساويه.
2- ليست في الأصل.
3- النساء : 92.
4- في الأصل : الشيخين.

ص: 484

في العاقلة

اشارة

قال رحمه اللّه : وقيل : هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل ، وفي هذا الإطلاق وهم ، فإن الدية يرثها الذكور والإناث ، والزوج والزوجة ، ومن يتقرب بالأم على أحد القولين.

أقول : اختلف الأصحاب في تفسير العصبة على أقوال :

الأول : هم المتقربون بالأب من الرجال كالاخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم سواء كانوا من أهل الإرث في الحال أو لا ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس وهو المعتمد.

الثاني : من يرث دية القاتل إذا قتل ، ولا يلزم من لا يرث دية ، وهو قول الشيخ في النهاية وهو مردود بما ذكره المصنف.

الثالث : هم المستحقون لميراث القاتل في الحال من الرجال العقلاء ، سواء كانوا من قبل أبيه أو أمه ، ولو تساوت القرابات كالإخوة للأب والأخوة للأم كان على إخوة الأب الثلثان وعلى إخوة الأم الثلث ، وهو قول ابن الجنيد مستدلا

ص: 485

برواية سلمة بن كهيل (1) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال المصنف وفي سلمة ضعف ، ووجه ضعفه أنه بتري.

قال رحمه اللّه : وهل يدخل الإباء والأولاد في العقل؟ قال في المبسوط والخلاف : لا ، والأقرب دخولهما ؛ لأنهما أدنى قومه.

أقول : احتج الشيخ على عدم الدخول بإجماعنا ، وأصالة البراءة وعدم الدليل على الدخول ، وذهب المفيد وابن الجنيد الى دخولهم ؛ لأنهم أدنى قومه اليه ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي رواية سلمة ما يدل على إلزام أهل بلد القاتل مع فقد القرابة ولو قتل في غيره ، وهو مطرح.

أقول : روى سلمة بن كهيل ، « قال : أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل من أهل الموصل قد قتل رجلا خطا ، فكتب أمير المؤمنين عليه السلام الى عامله بها في كتابه ، وسأل عن قرابته من المؤمنين فاجمعهم إليك ثمَّ انظر ، فان كان هناك رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية وخذه بها في ثلاث سنين وان لم يكن له أحد من قرابته له سهم في الكتاب وكانوا سواء في النسب ففض الدية على قرابته من قبل أبيه ، وقرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين ، اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية ، واجعل على قرابته من قبل أمه ثلث الدية ، وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا من قبل أمه ، ففض الدية على أهل الموصل ممن ولد بها ونشأ ولا يدخل فيهم غيرهم ، وإن لم يكن له قرابة ولا هو من أهل الموصل فرده إلي فأنا وليه والمودي عنه ولا يبطل دم امرء مسلم » (2) دلت هذه الرواية على دخول أهل البلد في العقل

ص: 486


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 2 من أبواب العاقلة ، حديث 1.
2- المصدر السابق.

مع فقد القرابة ، وابن كهيل بتري مذموم ، قاله الكشي.

قال رحمه اللّه : وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعا ، وهل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف : نعم ، ومنع في غيره ، وهو المروي ، غير أن في الرواية ضعفا.

أقول : منع في النهاية من تحمل العاقلة ما دون الموضحة ، وهو مذهب أبي الصلاح وابن الجنيد ، واختاره العلامة وابنه ؛ لأن الأصل إيجاب الدية على مباشر الجناية ، خرج عنه دية النفس في الخطأ والموضحة فما زاد للنص والإجماع ، يبقى الباقي على أصله ، ولرواية أبي مريم عن الباقر عليه السلام ، « قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يحمل العاقلة إلا الموضحة فصاعدا » (1) وفي طريقها ابن فضال وهو ضعيف ، وقال الشيخ في الخلاف : تحمل العاقلة الجميع وتابعه ابن إدريس ، وادعى الشيخ الإجماع على ما ادعاه في الخلاف ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ولا يعقل مولى المملوك جنايته ، قنّا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة على الأشبه.

أقول : الخلاف في أم الولد خاصة ، وفي رواية مسمع عن الصادق عليه السلام : « أن جنايتها في حقوق الناس على سيدها » (2) وقد مضى البحث في ذلك (3).

قال رحمه اللّه : وضا من الجريرة يعقل ، ولا يعقل عنه المضمون ولا يجتمع مع عصبة ولا معتق ؛ لأن عقده مشروط بجهالة النسب وعدم المولى ، نعم لا يضمن الامام مع وجوده ويسره على الأشبه.

ص: 487


1- الوسائل ، كتاب الديات ، باب 5 من أبواب العاقلة ، حديث 1.
2- الوسائل ، كتاب القصاص ، باب 43 من أبواب قصاص النفس ، حديث 1.
3- ص 423 ، وج 3 ص 427.

أقول : الامام عاقلة من لا عاقلة له من نسب أو معتق أو ضامن جريرة ، ولا يعقل الامام مع وجود ضامن الجريرة ويسره ، ولو لم يكن هناك ضامن جريرة (1) أو كان وهو فقير ضمن الامام من بيت المال لا أعلم فيه خلافا ، جزم الشيخ وابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه بذلك ، ولم يجزم المصنف ، لاحتمال ضمان الامام مع وجود ضامن الجريرة ويساره.

قال رحمه اللّه : وأما كيفية التقسيط ، فإن الدية تجب ابتداء على العاقلة ولا يرجع بها على الجاني على الأصح.

أقول : حكى الشيخ في المبسوط والخلاف عن بعض الأصحاب جواز الرجوع على القاتل ، قال : ولا أعرف به نصا ولا قولا ، ثمَّ استدل بظواهر الأخبار (2) الدالة على لزوم الدية على العاقلة ابتداء ، قال : وليس في شي ء منها ما يدل على الرجوع على القاتل ، ونسب ابن إدريس القول بالرجوع الى المفيد في المقنعة ، ولم يذكر مستنده ، وربما استدل بأنه غرم لزم العاقلة بسببه فيكون لها الرجوع عليه ، وعدم الرجوع هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : وفي كمية التقسيط قولان ، أحدهما : على الغني عشرة قراريط ، وعلى الفقير خمسة ، اقتصارا على المتّفق ، والآخر : يقسطها الامام على ما يراه بحسب أحوال العاقلة وهو أشبه وهل يجمع بين القريب والبعيد؟ فيه قولان : أشبههما الترتيب في التوزيع. وهل تؤخذ من الموالي مع وجود العصبة؟ الأشبه : نعم ، مع زيادة الدية عن العصبة ولو اتسعت أخذت من عصبة المولى ، ولو زادت فعلى مولى المولى ثمَّ عصبة مولى المولى ، ولو زادت الدية عن العاقلة أجمع ، قال الشيخ : يؤخذ الزائد من الامام حتى لو كانت الدية دينارا ، وله أخ ،

ص: 488


1- ليست في النسخ.
2- الوسائل ، كتاب الديات - أحاديث أبواب العاقلة.

أخذ منه عشرة قراريط ، والباقي من بيت المال ، الأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم يكن عاقلة سواه ؛ لأن ضمان الامام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية. ولو زادت العاقلة عن الدية لم يختص بها البعض ، وقال الشيخ : يخص الامام بالعقل من شاء ، لأن التوزيع بالحصص يشق والأول أنسب بالعدل ، ولو غاب بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر.

أقول : هذا البحث يشتمل على أحكام :

الأول : كمية التقسيط ، قال الشيخ في المبسوط : يقسط على الغني عشرة قراريط وعلى الفقير خمسة قراريط ، ثمَّ قال بعد ذلك : الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يقدر ذلك ، بل يقسم الامام على ما يراه من حاله من الغنى أو الفقر ، وتابعه ابن البراج على الأول ، وهو ظاهر العلامة في القواعد ؛ لأن ذلك متفق عليه ، والزائد مختلف فيه ، والأصل براءة الذمة ، واختار ابن إدريس الثاني ، وهو اختيار المصنف والعلامة في المختلف والتحرير ، لأصالة عدم التقدير.

الثاني : هل يجمع بين القريب والبعيد في العقل؟ قال المصنف : فيه قولان أشبههما الترتيب في التوزيع (1) ، أشار بذلك الى ما ذكره الشيخ في المبسوط ، قال : يقسم الامام على ما يراه من حالة الغنى والفقر ، وان يفرقه على القريب والبعيد ، وإن قلنا بتقدم الأول فالأول (2) كان قويا ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (3) ، واختاره المصنف ؛ لأنه كالميراث ، فعلى هذا يؤخذ من الموالي مع وجود العصبة مع زيادة الدية على العصبة ، ولو زادت على الموالي وموالي الموالي ، قال الشيخ : أخذ الزائد من الامام ، واختار المصنف

ص: 489


1- في « ر 1 » : والتوزيع.
2- كذا
3- الأحزاب : 6.

عدم جواز الأخذ من الامام ؛ لأن ضمانه مشروط بعدم وجود العاقلة أو عجزهم عن الدية.

الثالث : لو زادت العاقلة عن الدية ، قال الشيخ يخص الامام بالعقل من يشاء ؛ لأن التوزيع بالحصص يشق ، وقيل : يوزع على الجميع ، قال المصنف : وهو أنسب بالعدل ، ووجه كونه أنسب بالعدل ؛ لأن الدية وجبت على العاقلة كلهم ، فتبسط عليهم جميعا ، فمن خص بها قوما دون قوم فعليه الدلالة ، والتخصيص بغير دليل جور.

قال رحمه اللّه : ولو لم يكن عاقلة ، أو عجزت عن الدية أخذت من الجاني ، ولو لم يكن له مال أخذت من الامام ، وقيل : مع فقر العاقلة أو عدمها يؤخذ من الامام دون القاتل ، والأول مروي.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، وبه قال سلار وأبو الصلاح وابن الجنيد ، والثاني قول الشيخ في الخلاف ، قال : والجاني لا يدخل في العقل بحال مع وجود من يعقل عنه من العصبات وبيت المال ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه اللّه : ودية الخطأ شبيه العمد في مال الجاني ، فان مات أو هرب ، قيل : يؤخذ من الأقرب إليه ممن يرث ديته ، فان لم يكن فمن بيت المال ، ومن الأصحاب من قصرها على الجاني ، وتوقع مع فقره يسره ، والأول أظهر.

أقول : الأول (1) قول الشيخ في النهاية ، واختاره ابن البراج والمصنف والعلامة في المختلف ، لقوله عليه السلام : « لايبطل دم امرء مسلم » والثاني قول ابن إدريس ، قال : هذا غير واضح ولا مستقيم ؛ لأنه خلاف الإجماع وضد ما يقتضيه أصول مذهبنا ؛ لأن الأصل براءة الذمة ، فمن شغلها يحتاج الى دليل ، واختار فخر الدين مذهب ابن إدريس.

ص: 490


1- إلى هنا انتهت نسخة « ر 1 ».

قال رحمه اللّه : ولو قتل الأب ولده عمدا ، دفعت الدية منه الى الوارث ولا نصيب للأب ، ولو لم يكن وارث فهي للإمام عليه السلام ، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة ويرثها الوارث ، وفي توريث الأب هنا قولان ، ولو لم يكن وارث سوى العاقلة ، فإن قلنا : لا يرث فلا دية ، وإن قلنا : يرث ، ففي أخذه من العاقلة تردد ، وكذا لو قتل الولد أباه خطأ.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا كان هناك وارث غير العاقلة ، كولد المقتول أو أمه أو زوجته ، فهنا هل يرث الأب من الدية شيئا أم لا؟ سبق البحث في هذه في باب المواريث (1) ، فعلى القول بمنع القاتل مطلقا فلا يرث الأب شيئا وكذا على القول بمنعه من الدية ، وعلى القول بالإرث مطلقا فإن قلنا برجوع العاقلة على القاتل - كما هو مذهب المفيد وسلار - فلا ارث هنا أيضا ، وان قلنا بوجوب الدية على العاقلة ابتداء - كما هو المعتمد - احتمل إرثه منها لوجوب الدية على العاقلة للوارث وهو أحد الوارث ، ويحتمل العدم ؛ لأن العاقلة تتحمل جنايته فلا يعقل تحملها له ، وكيف يمكن عقلا أن يطالب الغير بجناية جناها ، والمعتمد عدم إرثه.

الثانية : لو لم يكن وارث سوى العاقلة ( فإن قلنا : إن الأب لا يرث فلا دية ، وان قلنا : يرث ، ففي أخذه من العاقلة تردد ) (2) ووجه المنع ما تقدم من أن العاقلة تحمل جنايته عنه فلا تحملها له ، ومن كون قتله (3) غير مانع من الإرث ، والجناية غير المطلوبة (4) ولا وارث لها سواه ، فتضمنها العاقلة له ، والمعتمد عدم إرثه مطلقا سواء كان وارث غيره أو لم يكن.

ص: 491


1- ص 169.
2- ما بين القوسين ليس في « م » و « ن ».
3- في « م » : عقلها.
4- في « م » : مطلوبة ، وفي « ن » : مطلق.

قال رحمه اللّه : وكذا لو رمى طائرا ثمَّ ارتد فأصاب مسلما ، قال الشيخ : لم يعقل عنه المسلمون من عصبته ولا الكفار ، ولو قيل : يعقل عنه عصبته المسلمون كان حسنا ؛ لأن ميراثه لهم على الأصح.

أقول : وجه اختيار الشيخ انه رمى وهو مسلم فلا يعقل عنه (1) الكفار ، وأصاب وهو كافر فلا يعقل عنه (2) المسلمون وما استحسنه المصنف هو اختيار فخر الدين ، لما قاله المصنف وهو المعتمد.

وهذا آخر ما قصدنا إيراده في هذا الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين ، وأنا التمس من أولي الأذهان الصافية ، والعقول الوافية من أهل العلم والاعتراف النظر اليه بعين الانصاف ، وإصلاح ما يتحققونه غلطا لا يقبل التأويل ، فإني في زمان يستكثر فيه القليل ، ويرضى منه باليسير دون الجليل ، ومع هذا فمن نظر الى كتابي هذا بعين الفكر والاعتبار ، وأعرض عن التقليد لأهل الفضل والاشتهار ، واتبع قول أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تنظر الى من قال وانظر الى ما قال ، فان الرجال تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالرجال » عرف فضل هذا الكتاب على ما سواه ، وأنه لم يسبق الى مثل إيجاز لفظه وبسط معناه ، واتخذه كنزا يرجع عند الحاجة اليه ، ويعول في المهمات عليه ؛ لأنه اشتمل على تفصيل مجملات ، وإيضاح مشكلات ، وفتق مرتقات ، وفروع وتنبيهات ، لم تنهض بها المطولات ، وقصرت عنها المقصورات ، فاسأل اللّه أن يتقبله بأحسن قبول ، ويبلغ فيه المأمول ، فإنه تعالى بفضله يقبل اليسير ، ويجازي عليه بالكثير ، ولنقطع الكلام حامدين لله رب العالمين ، ومصلين على

ص: 492


1- في الأصل : عند.
2- في الأصل : عند.

محمد وآله الطاهرين.

قد اتفق الفراغ من كتابته وتحرير ألفاظه بعون اللّه تعالى وحسن توفيقه فله الحمد وله الشكر وله الفضل والمنة والإحسان على ذلك في رابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ستة وستين وتسعمائة من الهجرة النبوية على مهاجرها أكمل التحيات وأفضل الصلاة وعلى إله الطاهرين على يد العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة اللّه الملك الغني غناه اللّه. بن الحسين بن المرتضى الحسيني عفا اللّه عنهم وعن جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات انه جواد كريم والحمد لله حق حمده وصلى اللّه على محمد رسوله وعبده وسلم تسليما ابدا دائما سرمدا كثيرا برحمتك يا ارحم الراحمين.

ص: 493

ص: 494

المصادر المعتمدة في التحقيق

الاعلام : للزركلي - ط. بيروت.

أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين - ط. بيروت.

أنوار البدرين : ط. قم.

أمل الآمل : الشيخ الحر العاملي - ط. بيروت.

أدب الطف : السيد جواد شبر - ط. بيروت.

بحار الأنوار : الشيخ محمد باقر المجلسي - ط. إيران.

تنقيح المقال : الشيخ المامقاني - ط. حجرية.

التهذيب : الشيخ الطوسي - ط. إيران.

جواهر الكلام : الشيخ محمد حسن النجفي - طبعة إيران.

الحدائق الناضرة : الشيخ يوسف البحراني - ط. جامعة المدرسين - قم.

الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الآغا بزرك الطهراني - ط. دار الإضواء بيروت.

رياض العلماء : الميرزا عبد اللّه الأفندي - ط. قم.

رجال السيد بحر العلوم ( الفوائد الرجالية ) : السيد محمد المهدي بحر العلوم - ط. إيران.

روضات الجنات : محمد باقر الخونساري - ط. إيران.

ص: 495

السرائر : محمد بن إدريس الحلي - ط. جامعة المدرسين - قم.

سنن البيهقي : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي - ط. الهند.

شرائع الإسلام : المحقق الحلي - ط. إسماعيليان - قم.

الصحاح : للجوهري - ط. إيران.

طبقات أعلام الشيعة : الآغا بزرك الطهراني - ط.

فهرست آل بابويه وعلماء البحرين : ط. إيران.

لسان العرب : ابن منظور - ط. بيروت.

المبسوط : الشيخ الطوسي - ط. إيران.

مسند أحمد : أحمد بن حنبل - ط. دار احياء التراث العربي - بيروت.

معجم البلدان : ياقوت الحموي - ط. بيروت.

مصفى المقال : الطهراني - ط. إيران.

معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة - ط. بيروت.

منية المريد تحقيق رضا مختاري : الشهيد الثاني - ط. قم.

من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق - ط. النجف.

مختلف الشيعة : العلامة الحلي - ط. حجرية.

المهذب البارع : ابن فهد الحلي - ط. جامعة المدرسين قم.

مقابيس الأنوار : الشيخ التستري - ط. حجرية.

مستدرك الوسائل : الميرزا النوري - ط. مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ).

النهاية : ابن الأثير : ط. إسماعيليان - قم.

النهاية : الشيخ الطوسي - ط. بيروت.

هدية العارفين : ط. بيروت.

وسائل الشيعة : الشيخ الحر العاملي ، ط. بيروت وط. مؤسسة آل البيت ( عليهم السلام ).

ص: 496

محتويات الجزء الرابع

كتاب الصيد

الموضوع / الصفحة

فيما يؤكل صيده

في صيد اليهود والنصارى... 5

في رمي الصيد بما هو أكبر منه... 5

في أحكام الاصطياد

في قطع الصيد باثنين... 7

في اللواحق

إذا عض الكلب صيداً... 9

في مستقر الحياة... 9

في عدم حلية الصيد إلا بالتذكية... 10

ص: 497

كتاب الذباحة

في الاركان

في ذبائح غير المسلمين... 15

في ذبائح المخالفين... 17

تنبيه في اشتراط التسمية لإباحة ذبيحة المخالف... 17

تنبيه في تحريم ذبيحة الناصب... 18

في تفسير الناصبي... 18

في التذكية بغير الحديد من الظفر والسن... 19

فرع: في التذكية بعظم الانسان... 20

في الاعضاء التي بجب قطعها في الذباحة... 20

في نحر المذبوح وذبح المنحور... 21

في إبانة الرأس عمداً... 21

في سلخ الذبيحة قبل بردها... 22

في قطع بعض الاعضاء بعد الذبح وقبل بردها... 22

في الاكتفاء بالحركة بعد الذبح في التذكية... 22

تنبيه: في ذبح المشرف على الموت... 23

في نخع الذبيحة... 25

في قلب السكين... 25

في ذبح حيوان وآخر ينظر إليه... 26

في اللواحق

في ذكاة السمك... 27

ص: 498

فروع... 27

هل يحل أكل السمك حياً... 28

لونصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه... 28

في ذكاة الجنين... 29

خاتمة

في تذكية المسوخ وعدمها... 33

في وقوع الذكاة على الحشرات... 33

في تذكية السباع... 34

في جواز استعمال جلود ما لا يؤكل لحمه... 34

لو اتخذ موحلة للصيد... 35

لو اغلق عليه باباً هل يملكه... 35

في عدم خروح الصيد عن الملك إذا انفلت... 35

لو اثبته الأول فقتله الثاني... 37

إذا كان الصيد ممتنع بأمرين فكسر الرامي جناحه والاخر رجله... 44

إذا أصابا صيداً دفعة... 44

كتاب الأطعمة والأشربة

في حيوان البحر

في ما ليس له فلس... 49

لو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى... 50

إذا قذفت الحية سمكة... 51

ص: 499

في البهائم

في تحريم الجلال... 53

فيما به يحصل الجلل... 53

في الاستبراء... 54

في الطير

في الغراب وانواعه... 57

في الخطاف... 58

في الجامدات

حكم شعر الميته ووبرها... 61

في اللبن المحلوب من الميتة... 61

في الختلاط اللحم الذكي بالميت... 62

في محرمات الذبيحة... 63

في نجاسة ما يباشره الذمي من المائعات... 64

في تناول الطين... 65

في الفرق بين الطين الأرمني وبين تربة الحسين عليه السلام... 65

لو قطر قليل من دم في قدر وهي تغلي... 66

في حكم الاستصباح بالدهن النجس... 66

في عجن العجين بالماء النجس... 67

في تحريم الأبوال... 68

ص: 500

في اللواحق

إذا وجد لحماً لا يدري أذكي هو أو ميت... 69

في من يحل الاكل من بيته مع عدم الاذن... 70

في القاء الخمر بالخل وبالعكس... 71

فروع... 72

في طهارة الخمر إذا انقلب خلاً... 72

في حرمة العصير إذا غلى وفي معنى الغليان... 72

في أواني الخمر... 73

الاسلاف في العصير... 73

النظر في حال الاضطرار

في ترخيص الباغي والعادي... 75

في تعريف الباغي والعادي... 75

لو الضطر إلى طعام الغير وليس له الثمن... 75

لو وجد المضطر ميتةً وطعام الغير... 77

إذا لم يجد المضطر شيئاً يأكله سوى نفسه... 77

لو اضطر إلى خمر أو بول... 78

كتاب الغصب

في السبب

في تعريف الغصب... 81

إذا سكن الدار قهراً مع مالكها... 82

ص: 501

الحر لا يضمن تحت اليد... 83

لو حبس صانعاً لم يضمن اجرته ما لم ينتفع به... 83

يضمن الخمر بالقيمة عند المستحل... 84

لو غصب شاة فمات ولدها جوعاً... 84

في الحكم

لوحدث في المغصوب عيب... 87

في ضمان القيمي... 88

في ضمان الذهب والفضة... 89

في كيفية ضمان أعضاء الدابة... 90

لوغضب عبداً فقتل... 90

في الجناية على العبد بما دون النفس... 91

في تعذر رد العين مع بقائها... 93

لو غصب فرداً من خفين فتلف في يده وبقي الآخر في يد المالك... 93

لو غصب فحلاً فأنزاه على الانثى... 94

لو أغلى الزيت فنقص ضمن النقصان... 94

في اللواحق

لوخلط المغصوب بالأدون أو الأجود... 95

إذا غصب مملوكة فوطأها... 96

لوغصب حباً فزرعه أو بيضاً فاستفرخه... 98

إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة... 98

ص: 502

إذ باع الغاصب شيئاً ثم انتقل اليه بسبب صحيح... 99

كتاب الشفعة

ما تثبت فيه الشفعة

في محل الشفعة... 103

في عدم ثبوت الشفعة في المنقولات... 104

لوكان بعض الدار وقفاً وبعضها طلقاً... 104

في الشفيع

في عدم ثبوت الشفعة مع زيادة الشركاء على اثنين... 107

لوباع ولي اليتيم حصته من المشترك معه لم يكن له الأخذ بالشفعة إلا ان يكون أباً أو جداً        108

في تأخير الاخذ بالشفعة حتى يحضر الغائب... 108

لوكانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم من شريكه... 109

في كيفية الاخذ

في سقوط الشفعة إذا كان الثمن قيمياً... 111

إذا تعيب المبيع بعد المطالبة بفعل المشتري... 112

إذا نما المبيع قبل الأخذ بالشفعة... 112

إذا كانت الأرض مشغولة بزرع... 113

ص: 503

في لواحق الأخذ بالشفعة

إذا اشترى بثمن مؤجل... 115

في تورث الشفعة... 115

إذا باع الشفيع حصته بعدالعلم بالشفعة... 116

إذا تبايعا شقصاً فضمن الشفيع الدرك... 116

إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيباً سابقاً على البيع... 117

إذا كان الثمن قيمياً كالعبد ثم ظهر فيه عيب قديم بعد أخذ الشفيع... 118

لوكانت داراً لحاضر وغائب فباع الحصة مدعياً اذن الغائب... 118

في بطلان الشفعة بترك المطالبة مع العلم وعدم الغرر... 119

في اسقاط الشفعة قبل البيع... 119

لوبان الثمن مستحقاً بطلت الشفعة... 119

في أن الشفعة تابعة لصحة البيع... 120

لو ادعى عليه الابتياع فصدقه... 120

إذا اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن... 121

إذا ادعى انه باع نصيبه من أجنبي فأنكر... 121

إذا ادعى الابتياع وزعم الشريك انه ورث... 122

لو ادعى الشريك الايداع... 122

كتاب احياء الموت

في الأرضين

تعريف الموت... 127

هل يملك الذمي الأرض بالاحياء بعد الاذن له... 127

ص: 504

في حد الطريق المبتكر في الأرض المباحة... 128

في حريم بئر المعطن وحريم بئر الناضح... 129

في احياء المواضع التي يسميها الشارع مشعراً للعبادة... 129

في الدور التي اقطعها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالمدينة... 130

في كيفية الاحياء

في أن المرجع في كيفية وصفته إلى العرف والعادة... 131

في المنافع المشتركة

إذا سبق إلى موضع من المسجد كان أحق... 133

لو فارق لعذر... 133

في المعادن الظاهرة

في جواز اقطاع السلطان للمعادن... 135

لو تسابق اثنان... 135

في اختصاص المعادن بالإمام عليه السلام... 135

في أقسام الآبار... 136

الأصل في الماء الاباحة لجميع الناس... 137

لو أحيا ارضاً ميتة على الوادي الذي لم يف بسقي ما عليه دفعة... 138

ص: 505

كتاب اللقطة

في اللقيط

في التقاط الطفل غير المميز... 143

اشتراط الاسلام في ملتقط الطفل المحكوم باسلامه... 143

لوكان المتقط فاسقاً... 144

في جواز التقاط البدوي ومريد السفر... 144

في استعانة الملتقط بالسطان للانفاق... 144

في وجوب أخذ اللقيط... 145

في ملكية اللقيط... 145

في دعوى النبوة... 146

إذا ادعى الكافر بنوة الملقوط لحقه نسبه ولم يحكم بكفره... 146

في التنازع في بنوته بين المسلم والكافر أو الحر والعبد... 147

في الملتقط من الحيوان

في عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد... 149

فرع... 150

إذا وجد الشاة في الفلاة أخذها... 150

في أخذ كل مالا يمتنع من صغير السباع... 151

في صحة أخذ الضالة لكل بالغ عاقل... 151

في لقطة الكافر والفاسق... 152

في لقطة العبد... 152

ص: 506

إذ كان للقطة منفعة... 153

في اللقطة

في لقطة الحرم... 155

في جواز التقاط النعلين والادواة والسوط... 156

لاتملك اللقطة قبل الحول... 157

في ضمان اللقطة... 158

في وجوب التعريف... 158

فروع... 159

لوعابت بعد التملك... 159

لوعلم المولى قبل التعريف ولم يأخذ منه ضمن... 160

كتاب الفرائض

في موانع الارث

لوكان الميت مرتداً ولا وارث مسلم له... 163

إذا أسلم وارث الكافر... 163

فروع... 164

لو خلف الميت ما لا يمكن قسمته... 165

تنبيه: هل يشارك في النماء المتجدد بين الموت واسلامه... 165

فرع: لو باع بعض الورثة حصته م التركة أو وهبها قبل القسمة ثم أسلم الكافر 166

لوكان الوارث زوجاً أو زوجاً أو زوجة وآخر كافر واسلم... 166

ص: 507

لوخلف نصراني أولاداً صغاراً وابن أخ وابن أخت مسلمين... 166

في توريث القاتل خطأ من ارث المقتول... 167

لوكان للقاتل وارث كافر فالميراث للإمام (عليه السلام)... 169

في الوارث لدية المقتول... 169

لولم يكن للميت وارث سوى المملوك... 170

في من يفك من الوارث... 171

في الغائب غيبة منقطعة... 172

في الحجب

في الرد الزوج مع فقد غيره من الوارث... 173

في الرد على الزوجة... 174

في حجب القاتل... 174

في حجب الحمل... 175

ميراث الأنساب

أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم... 177

أولاد البنت يقسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الانثيين... 178

في تخصيص الأكبر بالحبوة... 178

في الأمور التي تدخل في الحبوة... 179

في اشتراط كون الأكبر غير سفيه ولا فاسد الاعتقاد... 179

لو تعدد الولد الأكبر... 179

هل يشترط بلوغ الأكبر حالة الموت... 180

ص: 508

هل تشترط الحبوة بقضاء الفائت من الصلاة والصيام... 180

الحبوة تكون بعد الدين والوصايا... 180

لوترك الميت أجداداً لأكثر من درجة... 180

لو اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الأم وعمتها وخالهاوخالتها... 182

في إرث الزوجة من الأرض والأبنية... 182

فروع... 184

في الميراث بالولاء

في شروط إرث المنعم... 187

في انتقال الولاء للأولاد بعد موت المنعم... 188

في انتقال الولاء إلى الاخوة مع عدم الأولاد... 189

في ميراث ولد الملاعنة

الميراث للأم مع عدم الولد... 191

في إرث ولد الملاعنة من قرابة أمه... 192

يرث ولد الملاعنة قرابة أبيه مع تكذيب الأب لنفسه... 192

في ميراث ولد الزنا... 193

في ميراث الخنثى... 195

في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم... 201

لو اشتبه تقدم موت أحد بسبب غير الهدم والغرق... 201

هل يجب فرض موت الاكثر نصيباً أو الاضعف... 203

ص: 509

في ميراث المجوس... 205

في المناسخات... 209

في معرفة السهام... 211

لوكانت التركة عدداً أصم... 211

كتاب القضاء

في الصفات

في اشتراط علم القاضى بالكتابة... 215

في انعقاد قضاء الأعمى... 215

في اشتراط الحرية في القاضي... 216

تولي القضاء مستحب لمن يثق من نفسه... 216

من يستحب له ترك القضاء... 217

من يحرم عليه القضاء... 217

من يجب عليه القضاء... 217

إذا تساويا في الشرائط المعتبرة في القاضي... 218

تنبيه: انه في حال الغيبة لايجوز العدول عن الفاضل إلى المفضول... 218

في أخذ الجعل من المتحاكمين... 218

في عزل القاضي... 219

في انعزال القضاة اجمع بموت الإمام (عليه السلام)... 219

في انعزال النائب عن القاضي لو مات... 220

ص: 510

في الآداب والمسائل

في حكم القاضي بعلمه... 221

في ان العدالة شرط في قبول الشهادة... 222

في ثبوت الجرح... 223

إذا اختلف الشهود في الجرح والتعديل... 224

في كيفية الحكم

إذا ورد الشهود دفعة... 227

في الدعوى المجهولة... 227

في إيراد الدعوى بصيغة الجزم... 228

تنبيه: في عدم ثبوت الحق إلا بالبينة... 229

في مطالبة المدعى عليه بالجواب لو تمت الدعوى... 230

لو ادعى الاعسار... 230

في سماع الدعوى في غير مجلس الحلف... 231

فرع... 232

لونكل المنكر... 232

في ضم اليمين إلى البينة لو شهدت على صبي أو مجنون أو غائب... 233

إذا سكت عن الجواب عناداً... 234

في القضاء على الغائب

جواز القضاء على من غاب عن مجلس القضاء... 235

يقضى على الغائب في حقوق الناس... 236

ص: 511

في كيفية الاستحاف

في عدم الاستحاف إلا باللّه... 237

حلف الأخرس... 237

نكول المدعي عن اليمين... 239

إذا رد المنكر اليمين ثم بذلها... 239

فروع... 240

لوكان له بينة فأعرض عنها... 241

دعوى الصبي البلوغ... 241

في اليمين مع الشاهد... 243

في كتاب قاض إلى قاض... 245

في مبحث القسمة

في التراضي بقسمة الكافر... 247

في قسمة المنصوب من قبل الإمام... 247

لوكان المستحق مشاعاً بينهما... 249

في أحكام الدعوى

في تعريف المدعى... 251

في ادعاء المنكر فسق الحاكم أو الشهود... 253

في الزامه بالجواب عن دعوى الاقرار... 253

في الاقتصاص من المدين... 253

لو انكسرت سفينة في البحر... 255

ص: 512

في الاختلاف في دعوى الاملاك

لو تنازعا عيناً في يدهما... 257

إذا تداعياً عيناً في يد أحدهما... 258

في تقديم بينة الداخل والخارج... 259

إذا تداعيا عيناً في يد ثالث... 260

في معارضة البينة... 260

إذا ادعى داراً في يد رجل... 261

في الاختلاف في العقود

إذا اتفقا على الاستيجار واختلفا في الاجرة... 263

لو ادعى استيجار دار وادعى المؤجر انه آجره بيتاً... 264

لو ادعى كل منهما انه اشترى داراً معينة وأقبض الثمن... 265

لو ادعى عبد أن مولاه اعتقه وادعى آخر ان مولاه باعه منه... 266

إذا تداعى الزوجان متاع البيت... 267

لو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها... 268

كتاب الشهادات

في صفات الشهود

في شهادة الصبي... 273

تنبيه... 274

في قبول شهادة الذمي في الوصية... 275

ص: 513

العدالة شرط في قبول الشهادة... 276

في شهادة القاذف... 279

في توبة القاذف... 279

في لبس الحرير للرجال... 280

في شهادة الولد في والده... 280

في شهادة الزوج لزوجته... 281

في شهادة المستتر بالفسق... 282

في شهادة المملوك... 282

في التبرع بالشهادة قبل السؤال... 284

شهادة المشهور بالفسق إذا تاب... 284

في شهادة ولد الزنا... 285

فيما به يصير شاهداً

في شهادة الأصم... 287

في ما يكفي فيه السماع... 287

الأصل في الشهادة البناء على العلم واليقين... 288

ضابط الاستفاضة التي يصير بها شاهداً... 288

في أن الشاهدبالاستفاضة لايشهد بالسبب... 289

في اجتماع اليد والتصرف والتسامع... 290

في أقسام الحقوق... 293

تقسيم الحقوق بالنسبة إلى الشهود... 294

في وجوب تحمل الشهادة... 296

ص: 514

في الشهادة على الشهادة

عدم قبولها في الحدود... 299

في مراتب التحمل... 300

في عدم ذكر سبب الحق... 300

لو شهد شاهد الفرع فانكر الأصل... 300

في قبول شهادة النساء على الشهادة... 301

في الطوارئ

لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم... 303

في رجوع الشهود... 304

لو رجع أحد شهود الزنا بعد الرجم... 304

في نقض الحكم إذا ثبت الزور... 305

في ضمان الشهود بعد الرجوع... 305

إذا قامت بينة بالجرح بعد الحكم... 306

كتاب الحدود والتعزيرات

في حد الزنا

في سقوط الحد مع الاكراه... 311

في ثبوت مهر المثل للمكرهة... 312

في حد المجنون إذا زنى... 312

وجوب الحد على الأعمى... 313

في ثبوت الحد بالاقرار... 313

ص: 515

في ثبوت حد القذف عليه لو أقر مرة على نفسه... 314

لو أقر بحد ولم يبينه... 314

في حد المضاجعة بازار واحد... 314

في قتل الزاني باحدى المحرمات... 315

في رجم المحصن... 316

في الجلد والتغريب... 317

في تفسير البكر... 317

لو تكرر الحد على الحر... 318

المملوك يقتل إذا أقيم عليه الحد سبعاً... 318

في كيفية الحد... 318

إذا فر المحروم من الحفيرة... 318

في حضور الطائفة إقامة الحد... 319

في أقل الطائفة... 319

في النهي عن رجم الزاني من قبل من لله قبله حد... 320

في انه يجلد الزاني مجرداً... 320

إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلاً فادعت انها بكر... 321

في وجوب حضور الرجم على الشهود... 321

إذا كان الزوج أحد الأربعة... 321

إذا شهد بعض وردّت شهادة الباقين... 322

من افتض بكراً باصبعه... 323

في حد اللواط... 325

إن كان اللواط ايقاباً فحده القتل... 325

في حد السحق... 326

ص: 516

إذا وطأ زوجته فساحقت بكراً فحملت... 328

في حد القواد... 329

في حد القذف

إذا قال لغيره ولدت من الزنا... 331

لوقال: زنيت بفلان أو لطت به... 332

لوقال لامراته: زنيت بك... 332

لو ادعى المقذوف الحرية... 333

لو قال لمسلم يا ابن الزانية... 334

إذا تكرر الحد بتكرر القذف قتل... 334

في التعرير مع التنابز بالألقاب والتعيير بالأمراض... 334

في تأديب الصبي... 335

في حد المسكر

في غليان التمر والزبيب... 337

تنبيه: في تعريف المسكر... 337

في حد شارب الخمر... 338

إذا حد مرتين... 338

إذا شهد واحد بشربها والآخر بقيئها... 339

من شرب الخمر مستحلاً استتيب... 340

إذا ثبت الشرب بالاقرار فتاب... 340

من قتله الحد أو العزير فلا دية له... 340

ص: 517

لو زاد الحداد عمداً فقتل المحدود... 341

في حد السرقة

إذا كان السارق طفلاً... 343

لو سرق من مال الغنيمة... 343

في قطع الأجير... 344

في قطع الضيف... 345

اشتراط الحرز في القطع... 345

محل القطع من السارق... 346

لو سرق ولايمين... 347

لوتاب بعد الاقرار... 347

إذا سرق اثنان نصاباً... 348

هل يتكرر الحد بتكرر الشهادة عليه بالسرقة... 348

في حد المحارب

في تعريف المحارب... 349

في ثبوت حكم المحارب على الضعيف عن الاخافة... 349

كيفية حد المحارب... 350

لو جرح طلباً للمال... 350

في حد المرتد

في استتابة المرتد... 353

ص: 518

في تكرر الارتداد... 353

في ضمان الحربي ما يتلفه على المسلم... 354

في صحة تزويج مملوكته للحربي... 354

لو قتل المرتد مسلماً خطأً... 354

في اتيان البهائم... 357

في الدفاع... 359

كتاب القصاص

في قصاص النفس

في أقسام القتل... 363

لو حبس نفسه يسيراً لايقتل ثم ارسله فمات... 364

لوجعل السم في طعام صاحب المنزل فأكله فمات... 365

لو جرحه انسان وعضه أسد وسرتا... 365

الاكراه في القتل... 366

لو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه فهلك... 368

لوجرحه ثم سرت إلى نفسه... 368

لو اشترك رجل وامرأة في القتل... 369

إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمداً... 370

إذا قتلت المرأة رجلاً... 373

لايقتل الحر بالعبد... 374

لو قتل المولى عبده... 374

إذا جنى المدبر عمداً... 375

ص: 519

إذا قطع يمين رجل ومثلهما من آخر... 376

لو قتل العبد حرين على التعاقب... 377

لو قطع يده قاطع ورجله آخر... 378

إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته... 378

فروع في السراية

إذا قطع يد عبد فعتق... 381

لو قطع يده وهو عبد ثم رجله وهو حر... 382

في جواز الاقتصاص من المسلم إذا اعتاد قتل أهل الذمة... 383

لو قتل الذمي مسلماً عمداً... 384

لو قتل الذمي مرتداً قتل به... 384

لو ادعى اثنان ولداً مجهولاً... 385

لو اشترك غلام وامرأة في قتل رجل... 386

لو قتل البالغ الصبي قتل به... 387

لايقتل العاقل بالمجنون... 387

فى ثبوت القود على السكران... 387

حكم من بنج نفسه أو شرب مرقداً... 388

تنبيه: الفرق بين السكران والمبنج وشارب المرقد... 388

في أن الأعمى كالمبصر في توجه القصاص لعمده... 389

في دعوى القتل

لو ادعى القتل ولم يقل عمداً أوخطأً... 391

ص: 520

لو ادعى على شخص القتل منفرداً ثم ادعى على آخر... 392

في كفاية الاقرار مرة... 392

لو أقر بقتله عمداً فأقر آخر... 392

في شهادة النساء فيما يوجب القصاص... 393

في عدم قبول الشهادة مع تحقيق التهمة... 393

في القسامة

في اللوث... 395

في عدد القسامة... 396

في أن القسامة على المدعي... 397

ثبوت القسامة في الاعضاء وفي قدرها... 397

في قبول قسامة الكافر على المسلم... 398

في حبس المتهم بالدم... 398

في كيفية الاستيفاء

في وارث القصاص... 401

في مبادرة الولي استيفاء القصاص بدون إذن الإمام... 401

لو كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع... 402

في غياب بعض الاولياء المكلفين... 403

إذا كان بعض الاولياء صغيراً أو مجنوناً... 403

في حبس القاتل حتى يبلغ الصبى أو يفيق المجنون... 403

في سقوط القود... 404

ص: 521

إذا قتل جماعة على التعاقب... 404

قصاص الطرف

في جواز القصاص قبل الاندمال... 407

لو قطع عدة من أعضائه خطأً... 408

إذا قلع ذو العينين صحيحة الأعور... 408

في أن الاذن الصحيحة تؤخذ بالمثقوبة في محل الثقب... 409

في قصاص السن... 409

في قصاص اليد... 410

إذا قد الملفوف في الكساء نصفين... 412

لو صرح بالعفو صح في دية الجرح دون النفس... 412

لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته وأبرأ العبد... 413

كتاب الديات

في أقسام القتل... 417

في مقادير الديات

دية شبيه العمد... 419

دية الخطأ المحض... 420

التغليظ في الدية... 420

إذا قتل ثم التجأ إلى أحد مشاهد الأئمة عليهم السلام... 421

دية ولد الزنا دية مسلم... 422

ص: 522

دية الذمي... 422

في موجبات الضمان

النائم إذا أتلف نفساً... 425

إذا أعنف بزوجته جماعاً... 425

إذا قرب المار الصبي من السهم فأصابه... 426

في ضمان الختان لو قطع الحشفة... 426

في قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) في جارية ركبت اخرى فنخستها ثالثة

فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت... 426

من دعى غيره ليلاً فهوله ضامن حتى يرجع... 427

في لص دخل على امرأة فوطأها قهراً وقتل ولدها فحملت عليه فقتلته... 429

في امرأة أدخلت صديقاً إلى حجلتها فاقتتل مع الزوج فقتله الزوج فقتلته هي 430

في اربعة شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان... 431

في ستة غلمان كانوا في افرات فغرق واحد... 431

لو حفر في الطريق المسلوك... 432

لو بنى مسجداً في الطريق... 432

لو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم... 433

في نصب الميازيب إلى الطريق... 433

لو بالت دابته في الطريق أو ألقى القمامة فيه فزلق فيه انسان... 434

في ضمان جناية الهر المملوكة... 435

لو هجمت دابة على اخرى فجنت... 435

في ضمان راكب الدابة ما تجنيه... 436

ص: 523

في ضمان المولى جناية الدابة إذا أركبها مملوكه... 436

لوقال: ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة فألقاه... 437

لو وقع واحد في زبية الأسد فتعلق بثان والثاني بثالث وهو برابع فافتر سهم... 437

في الجناية على الأطراف

شعر الرأس... 441

شعر اللحية... 442

شعر الحاجبين... 442

شعر الأهداب وغيره من سائر البدن... 443

تنبيه:... 443

في قلع الأجفان... 444

في خسف العين العوراء... 444

في الروثة... 446

في اذهاب أحد المنخرين... 447

في الاذنان... 448

في الشفتان... 448

لو ادعى ذهاب نطقه... 450

لو جنى على لسانه... 451

في قلع السن الزائدة... 451

لو اسودت السن بالجناية... 451

في انصداع السن... 452

في سن الصغير... 453

ص: 524

تنبيه... 453

فرع... 453

في قطع اليدين... 454

في قطع اليد الزائدة... 455

في أصابع اليدين... 455

في الظفر... 456

في الجناية على الظهر... 456

في قطع حلمة الثدي... 457

في الخصيتين... 458

ف ادرة الخصيتين... 458

في افضاء المرأة... 459

في كسر البعصوص... 459

في الترقوتين... 459

في داس بطن انسان حتى أحدث... 460

في افتض بكراً باصبعة فخرق مثانتها... 460

في الجناية على المنافع

في الجناية على العقل... 463

لو شجه فذهب عقله... 463

في سلس البول... 465

في الشجاج والجراح

في الخارصة والدامية... 467

ص: 525

في الهاشمة... 468

في الموضحة... 469

في المأمومة... 469

لوطعن في صدره فخرج من ظهره... 470

إذا نفذت نافذة في شيء من أطراف الرجل... 470

في احمرار الوجه أو اخضراره أو اسوداده... 471

الإمام ولي من لا ولي له وليس له العفو... 472

في اللواحق

في دية الجنين... 473

تنبيه: في الغرة... 474

لو قتلت المرأة فمات معها الجنين... 476

في عزل النطفة عن الحرة... 477

في قطع رأس الميت المسلم... 477

في الجناية على الحيوان

في الكلاب التي يجوز تملكها ويحرم على الغير الجناية عليها... 479

في ديات الكلاب... 480

في جناية الماشية على الزرع... 481

في كفارة القتل... 482

ص: 526

في العاقلة

في تفسير العصبة... 485

في دخول الآباء والأولاد في العقل... 486

في دخول أهل البلد في العقل مع فقد القرابة... 486

في تحمل العاقلة ما دون الموضحة... 487

في أن ضامن الجريرة يعقل مع يسره... 487

الإمام عاقلة من لا عاقلة له... 488

في الرجوع بالدية على القاتل... 488

في كمية التقسيط... 488

لو زادت العاقلة عن الدية... 490

لو لم يكن عاقلة أو عجزت من الدية... 490

في دية الخطأ شبيه العمد... 490

في إرث الأب من الدية مع وجود ولد المقتول أو أمه أو زوجته... 491

لو لم يكن وارث سوى العاقلة... 491

لو رمى وهو مسلم فأصاب وهو كافر... 492

المصادر المعتمدة في تحقيق الكتاب... 495

المحتويات... 497

ص: 527

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.