نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر

هویة الکتاب

الكتاب: نُزْهَةُ القُلُوبِ وَالخَوَاطِر بَبَعْضِ مَا تَرَكَهُ الْأَوَائِلِ لِلْأَوَاخِرِ

اسم الناشر : مركز تراث سامرّاء.

اسم المطبعة: دار الكفيل.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة : ١٤٤٠ه_ / ٢٠١٩م.

رقم الاصدار: 37

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد / لسنة ٢٠١٩م.

ISBN:

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامرّاء

محرر الرقمی: محمّد رادمرد

اشارة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 1

ص: 2

العَتَبَةُ العَسْکَرِیَّةُ الْمُقَدَّسَةُ

نُزْهَةُ القُلُوبِ وَالخَوَاطِرْ

بَبَعْضِ مَا تَرَكَهُ الْأَوَائِلِ لِلْأَوَاخِرِ

تألیف

المِيرْزَا مُحَمَّد بْنِ عَبد الوهّاب الهمدانيّ 1305 ه

المُلَقَّب بِإِمَامِ الحَرَمَيْن

تَحقِيقُ

الشَّيْخْ مُحَمَّد لُطْفْ زَادَه

مُراجَعَة وَتَدْقِيقْ

مَرْكَز تُرَاثِ سامرّاء

ص: 3

ص: 4

مُقَدَّمَةُ المَرکَز

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، لا تزال هجرة السيّد المجدّد الشيرازيّ (قدّس سِرُّه) إلى سامرّاء تمثل حدثاً كبيراً وانعطافة كبرى في تاريخ المدينة المشرَّفة، فقد أسهم بتحويلها في فترة وجيزة الى حاضرة علمية عريقة بل ومنافسة للحواضر العلمية الأخرى.

ولكن أقلام الباحثين والكتاب كما لم تسلط الضوء كما ينبغي على هذه الظاهرة الفريدة كذلك لم تعط أي أهمية لمرحلة ما قبل هجرة السيّد المجدّد (قدّس سِرُّه)، وهل ان هناك محاولات سبقتها لانعاش الوضع العلمي أو لا؟

وهل ان تلك المحاولات كانت ضمن الجهود الفردية أو انها كانت تمثل مشروعاً علمياً؟

وهل كُتِب النجاح لتلك الجهود أو انها أخفقت؛ لعدم توفر الظروف الموضوعية لنجاحها ؟

وفي أثناء سعينا لجمع وإعداد (ما أُلِّف في سامرّاء) من كتب ومؤلفات لأعلام سامرّاء في محاولة منا لضبط وتوثيق أكبر عدد ممكن لتلك الجهود المباركة المبذولة من قبل العلماء (قدّس سِرُّه) لفت نظري أن بعضها قد أُلِّف قبل وصول السيّد المجدّد الشيرازيّ (قدّس سِرُّه) إلى سامرّاء بسنين عديدة قد يصل بعضها إلى خمسين سنة أو أكثر.

وهذه الجهود تستحق منا الاهتمام والمتابعة، خصوصاً أن بعض العلماء استقر في سامرّاء لأشهر عديدة، وأَلَّف عدة كتب فيها.

ص: 7

وكمحاولة منا لتسليط الضوء على تلك الجهود المباركة من قبل العلماء، قمنا بجردها أولاً، ثم تحقيق المهم منها - مع مراعاة بعض الأولويات _ وطباعته ونشره، ومن أهم تلك المؤلَّفات:

1- مناهج الأحكام، تأليف الشيخ أحمد بن محمد علي بن محمد باقر (ت١٢٤٣ه_)، وهو حفيد الشيخ الوحيد البهبهاني، وقد أَلَّف هذا الكتاب في سنة 1233ه_ في سامرّاء، حين الشروع ببناء سور سامرّاء، كما صرّح هو في أوائل كتابه، وذكره كذلك السيّد الأمين في أعيان الشيعة (1).

2 عصمة الحجج، تأليف السيّد علي الحسينيّ الميبدي اليزدي(ت١٣١٣ه_) فقد أَلّف كتابه هذا في سنة ١٢٨٥ه_ في سامرّاء، أي قبل وصول السيّد المجدّد الشيرازيّ (قدّس سِرُّه) إلى سامرّاء بست سنوات، وأَلَّف أيضاً فيها كتاباً في الرد على الشيخية، والأرجوزة الحمامية، وقد بقي عدّة أشهر في سامرّاء، امتدت من ربيع الأول سنة ١٢٨٥ ه_ إلى أواخر شعبان من تلك السنة، وكان بمعية بعض أساتذته من العلماء (2).

٣- زيارة آل يس، التي أُلحقت بكتاب مزار المولى محمد قاسم بن محمد رضا، بجنب شاطئ سامرّاء سنة (١٠٨٩ه_ ) (3).

٤- نتائج نتائج الأفكار، تأليف السيّد إبراهيم بن باقر الموسويّ القزويني. (ت ١٢٦٢ه_)، تلخيصاً لكتابه الضوابط، في (١٥٠) فصلاً، أيام زيارته للإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بسامرّاء وفرغ منه سنة (١٢٥٣ه_ ) (4).

5- نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر، تأليف الميرزا محمد بن

ص: 8


1- أعيان الشيعة: ٣ / ١٣٦.
2- ينظر : أحمد الحسينيّ مخطوطات مكتبة الميبدي : 27/ 29 ؛ مقدمة مركز تراث سامرّاء لكتاب عصمة الحجج.
3- ينظر الطهرانيّ الذريعة : 32٦/٢؛ السيّد النقوي، أقرب المجازات : ٩٦.
4- ينظر: الطهرانيّ، الذريعة ٤٢/٢٤.

عبد الوهّاب الهمدانيّ (ت ١٣٠٥ه_ ) الملقب بإمام الحرمين، وهو أحد تلامذة الشيخ الأعظم الأنصاريّ (قدّس سِرُّه)، وقد ألَّفه في سامرّاء سنة ١٢٨٥ه_.

وهذا الكتاب يمثل أحد مصاديق خفاء تراث سامرّاء المشرَّفة؛ لجهالة الكتاب ومؤلّفه حتى في الأوساط العلمية فضلاً عن غيرها، مع العلم أنّه في وقته كان أحد الأعلام المبرَّزين، وقد لُقِّب بإمام الحرمين؛ لأنه كان يؤم المصلّين في حرم الإمامين الكاظمين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

وقد تحمل أعباء حياة قاسية وظروف عصيبة ملأ جوفه همّاً فأفرغه مداداً لقلمه على صفحات عمره الشريف، فقال: (اعلم أنّي في أيام إقامتي بمشهد الكاظمين، وإمامتي بهذين الحرمين واستظلالي بهما من الهواجر، واستجارتي بهما من الزواجر، قليلاً ما شددتُ الرحالَ إلى سامرّاء، مع قُرب المسافة بينها وبين الزوراء؛ لمكان الفقر والفاقة، والعسر فوق الطاقة... وقد وردت علينا في أيّام الإقامة بتلك الأرض المقدّسة، والبقعة التي على التقوى مؤسّسة ثلاث وعشرون مسألة، من المسائل المشكلة، من المولى الحاوي لمحاسن الأوصاف، المحبوك الأطراف بالأشراف، الفاضل المتقن، ابن الميرزا محمد طاهر المولى محسن، وأملينا الجوابَ عنها بما سنح بالبال).

وقال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ في الذريعة ٢٤ / ١٢١ متحدثاً عن هذا الكتاب: (... حقّق فيه ٢٣ مسألة في فنون مختلفة في 1٥00 بيت تقريباً، أوله: «حمداً لمحسن تفضل علينا فجعلنا من سدنة العلوم سدنة العلوم...»؛ رأيته منضمّاً إلى كتابه «درة الأسلاك (ذ 8: 90) عند السماوي).

وقد تصدى لجمع تُراثه البالغ قرابة (12) مجلداً جناب الأخ المحقّق الشيخ محمد لطف زاده (حفظه اللّه)، وقد أكمل تحقيق هذا الكتاب الذي أُلِّف في سامرّاء، وقدّم له دراسة عن حياة المصنِّف مع ما ترشح من قلمه الشريف في بلدة الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مما هو مبثوث في بقيّة كتبه المخطوطة؛ فقدم لنا ولتراث هذه المدينة خدمة مشكورةً وجهداً مباركاً.

ص: 9

ونسأل اللّه تعالى أن يشملنا جميعاً بعين رعايته، وأن يتقبل منا ومن المؤلِّف والمحقّق والأخوة في مركز تراث سامرّاء، وأن يجعل لنا هذا الجهد ذخيرة يوم نلقاه، ويشملنا جميعاً بألطاف صاحب الدار عجل اللّه فرجه الشريف.

والحمد لله رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

الأقل

كريم مسير

٣٠ / ج ١ / ١٤٤0ه_ / سامرّاء المقدّسة

ص: 10

مقدمة التحقيق

ص: 11

ص: 12

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وخلق الأشياء كلَّها ناطقة بحمده وشكره، والصلاة والسلام على نبيّه محمّد المشتقّ اسمه من اسمه المحمود، وعلى آله الطاهرين أولي المحامد والمكارم والجود.

الكتاب في ثلاثة محاور، اختص الأوّل بشرح شيءٍ عن سيرة المصنف الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ (قدّس سِرُّه)، الملقّب ب_: إمام الحرمين (ت ١٣٠٥ه_) مع شحّة المعلومات وقلّة المصادر ؛ واشتمل المحور الثاني على نقل رشحات قلمه في بلدة الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، على ضوء نصوصه الخطّيّة، وأما المحور الثالث ففي تحقيق كتابه المسمّى ب_: (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر).

ص: 13

ص: 14

المحور الأوّل: نبذة مختصرة عن حياة المصنف (قدّس سِرُّه)

اشارة

ص: 15

ص: 16

توضیح:

المحور الأوّل: نبذة مختصرة عن حياة المصنف (قدّس سِرُّه)

كانت حضارتنا الإسلامية ولا تزال زاخرة بعلمائها الذين لم يألوا جهداً في خدمة الدين والإنسانيّة، عن طريق نتاجاتهم الفكرية التي رفدت المكتبة الإسلامية بمختلف العلوم والمعارف؛ لذلك فالتعريف بهم والكشف عن سيرتهم، وعرض نتاجهم وإبراز أثرهم الفكريّ هو فرض يمليه الضميرُ والوجدان؛ كي لا يعفى أثرهم، وتضيع على الأجيال أخبارهم.

فكُتب هذا البحث لهذا القصد، وتضمن تعريفاً بأحد الأعلام الأفذاذ، وهو أبو المحاسن، الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب بن داود الهمدانيّ الملقّب ب_(إمام الحرمين).

كان فقيهاً إماميّاً، نحويّاً، لغويّاً، مصنِّفاً، أولع بعلوم العربية والأدب، واعتنى بها اعتناءً بالغاً، ونظم الشعر بالعربيّة والفارسيّة، وكانت له اليد الطولى في العلوم الأدبية، وأقام علاقات واسعة مع أعلام عصره من العلماء والأدباء.

كانت له رحلة مع أصحابه في سنة (١٢٨٥ه_) وسنة (١٢٩٠ه_) إلى بلدة سامرّاء المقدّسة، وأقام بها مدرّساً ومؤرّخاً لتوسعة المشهد العسكري المقدّس، كما ألّف بعض كتبه بها، واشتهر في بلدة الكاظميّة، وتصدّى بها للقضاء، وأقام فترة من عمره الشريف في سامرّاء مع أصحابه، ودرس ودرَّس فيها.

ص: 17

مشايخه

تتلمذ على علماء عصره في مختلف الفنون، وروى بالإجازة عن جملة من الفقهاء، ومن هؤلاء:

١ - الشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاريّ (ت ١٢٨١ه_).

2 - السيّد عليّ بن محمد بن طيّب الموسويّ التستريّ (ت 1283ه_ ).

3- الشيخ عبد الحسين بن علي الطهرانيّ الحائريّ (ت ١٢٨٦ه_).

٤ - المولى حسين عليّ التويسركانيّ (ت ١٢٨٦ه_).

5 - الميرزا محمد عليّ بن حسين الحسينيّ الشهرستانيّ الحائريّ (ت ١٢٨٧ه_).

٦ - السيّد عليّ نقيّ بن السيّد حسن الطباطبائيّ (ت ١٢٨٩ه_).

7- السيّد أسد اللّه الموسويّ الأصبهانيّ (ت 1290ه_ ).

8 - الشيخ راضي بن محمّد النجفيّ (ت 1290ه_ ).

٩- المولى رفيع بن عليّ الرشتيّ (ت ١٢٩٠ه_).

10 - الشيخ قاسم النجفيّ (ت ١٢٩٠ه_).

11 - السيّد زين العابدين بن السيّد حسين الطباطبائيّ (ت ١٢٩٢ه_).

12 - المولى عليّ ابن الميرزا خليل الطبيب الرازيّ الغرويّ (ت ١٢٩٧ه_).

13 - الشيخ جواد بن الشيخ حسين نجف النجفيّ (ت ١٢٩٨ه_).

١٤ - السيّد حسين الترك الكوهكمريّ النجفيّ (ت ١٢٩٩ه_).

١٥ - المولى محمّد تقي بن حسين عليّ الهرويّ الإصفهانيّ الحائريّ (ت ١٢٩٩ه_).

١٦ - السيّد مهديّ بن السيّد حسين القزوينيّ (ت ١٣٠٠ه_).

ص: 18

17 - الشيخ جعفر الشوشتريّ (ت ١٣٠٣ه_).

18 - السيّد حسين بن رضا بن مهدي بحر العلوم الطباطبائيّ النجفيّ (ت ١٣٠٦ه_).

19 - المولى محمّد الإيروانيّ (ت ١٣٠٦ه_).

20 - الشيخ محمد حسين بن الشيخ هاشم الكاظميّ (ت ١٣٠٨ه_).

21 - الشيخ محمّد رحيم بن محمّد البروجرديّ (ت ١٣٠٩ه_).

22 - السيّد محمّد باقر بن زين العابدين الموسويّ الخوانساريّ (ت ١٣١٣ه_).

٢٣ - الميرزا هاشم الموسويّ الأصبهانيّ الخوانساريّ (ت 1318ه_ ).

٢٤ - الميرزا حسين بن محمّد تقيّ النوريّ الطبرسيّ (ت ١٣٢٠ه_).

المجازون عنه

1 - السيّد عناية اللّه بن عليّ بن كرم عليّ السامانيّ (ت ١٢٨٤ه_).

2 - الشيخ محمّد عليّ بن الحاج الشيخ جعفر التستريّ (ت ١٣٢٢ه_).

٣- السيّد إسماعيل بن السيّد صدر الدين الأصفهانيّ الشهير بالسيّد إسماعيل الصدر (ت 1338ه_ ).

٤ _ ابنه جمال الدين عليّ.

إطراء العلماء عليه

1 - قال الشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاريّ (قدّس سِرُّه) في حقّه:

«ثمرة فؤادي، ومحلّ اعتمادي، قدوة العلماء وزبدة الفقهاء، قطب الشيعة، ومعقل الشريعة، العالم العامل الأوحد، والنحرير الكامل الأرشد، ولدنا الأعزّ الأمجد، الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ - أقرّ اللّه عيوننا به وكثّر اللّه أمثالهم

ص: 19

-..»(1).

2 - أطراه السيّد علي نقي بن السيّد حسن الطباطبائيّ الحائريّ (ت ١٢٨٩ه_) بقوله: «العالم العامل، والفاضل الكامل مَن أفكاره تبصرة للبلوغ إلى نهاية المرام، وأنظاره تذكرة للإرشاد إلى تحرير قواعد الأحكام، المحفوظ بالسجيات الحسنة، والملكات المستحسنة، حاوي الفروع والأصول، جامع المعقول والمنقول، وحيد الدهر، وإنسان العصر، فخر المحقّقين الأعلام وزبدة العلماء الكرام، قرير الناظر، و سرور الخاطر، ولدي وقرّة عيني، ومَن لا أجد فرقاً بينه وبيني، الميرزا محمّد الهمدانيّ، نجل الخيّر التقي، والورع المتّقي، الحاجّ عبد الوهّاب، المحفوظ باللّه والنبيّ وآله الأطياب، كثر اللّه في الفرقة الناجية أمثاله، وزاد بفضله فضله وإفضاله، وأيّده اللّه تعالى في الدارين، ووفّقه لخير النشأتين، وحباه بكلّ ما تقرّ به العَين، ووجدتُه أهلاً لذلك، بل فوق ما هناك؛ لأنّه بحمد اللّه صاحب فضل وسَداد، وذهن وقّاد، أجل لا غرو فإنّ من جد وجد، ومن كد نال المقصد» (2).

٣- قال السيّد محمد عليّ الموسويّ العامليّ (ت ١٢٩٠ه_) في حقّه: «عالم عامل، فاضل كامل، تقيّ نقيّ، صفيّ وفيّ، لوذعيّ ألمعيّ، بحر تتلاطم بالفضل أمواجه، وكوكب تزهز وتزهو بالعلم أبراجه، منطيق بليغ فصيح، ذو قلم مليح، يجري في ميادين الفخر بالشعر والنثر، وفي المشكلات العلميّة مبدياً لسان يراعه بها الرموز الخفية. ذو تأليفات رائقة وتحقيقات فائقة، وتشقيقات بديعة، ومراتب في الخير بجميع ذلك رفيعة، همام مقدام، محقِّق مدقِّق، شاعر مفلق، وبدر عُلاً في سماء العلم مشرق (3).

ص: 20


1- الشجرة المورقة : 22.
2- الإجازة في آخر مخطوطة كتاب (ملوك الكلام) تحتفظ بها مكتبة آية اللّه الحكيم (رَحمهُ اللّه)، الرقم: (١٧٤٢).
3- عن يتيمة الدهر ٢ : ٢٢٦، في كواكب مشهد الكاظمين ٢ : ٢٦٥ الرقم: ١١٣.

٤ - كتب آية اللّه الميرزا محمد حسن الشيرازيّ (ت 1312 ه_) تقريضاً على كتاب إمام الحرمين الموسوم ب_ ( المشكاة في مسائل الخمس والزكاة)، وقال في حقه: «.. أما فقد نظرت، وتفكّرت فيما حرّره نور حدقة الفراسة، ونور حديقة الكياسة والرياسة، شمس فلك الهداية، نجم أفق الدراية، العالم المعتمد العامل، الفاضل المجتهد العادل، قدوة أرباب الفضيلة، الحائز للملكة الجليلة، والعلم والاجتهاد الواضح، والفضل والاستعداد اللائح، الميرزا محمّد الهمدانيّ، بن الحاجّ عبد الوهّاب؛ فوجدته ينبئ عن علم وافر، وفضل زاخر، وقد ذلّل بالدلائل صعاب المسائل، وكشف حجب المشاكل كساه اللّه تعالى حلل العزّ والتوفيق، وجعل له الإقبال خير رفيق.. »(1).

5 - قال السيّد حسن الصدر (ت ١٣٥٤ه_) :

«فاضل عالم، أديب كامل، نحويّ لغويّ، شاعر مصنف، حسن المحاضرة، جيّد الحفظ، حسن التحرير يعدّ في الكاملين في العلوم الأدبيّة.. وكان المتصدّي للقضاء في بلد،الكاظمين، وأخذ في ذلك منشوراً من السلطان ناصر الدين شاه لمّا جاء إلى الزيارة، وكاتب السلطان العثماني بتواريخ عملها في جلوسه، وحصّل لقب إمام الحرمين، وكنّى نفسه بأبي المحاسن، وكانت له خزانة كتب جيّدة.. » (2).

٦ - وقال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ (ت ١٣٨٩ه_):

«كان عالماً فاضلاً، أديباً لبيباً، لغوياً فقيهاً، أصولياً متكلّماً شاعراً مصنفاً، جامعاً للفنون، حسن المحاضرة، جيّد الخط» (3).

آثاره

ألَّف كتباً ورسائل كثيرة في مختلف العلوم إذ لم يقتصر على علم دون آخر

ص: 21


1- الشجرة المورقة : ٥٠ - ٥١.
2- تكملة أمل الآمل ٥ : ٥ الرقم: 2039.
3- نقباء البشر ٥ : ٢٣٦.

فكتب في الفقه والأصول، والطبّ واللغة والمنطق، والنحو والصرف وغيرها حتى تجاوزت مؤلّفاته السبعين ومن تأليفاته في أجوبة المسائل:

١ - أجوبة مسائل السيّد محمّد الجزائريّ التستريّ.

٢ - كشف النقاب عن المسائل الصعاب.

3- مشاعل النور في إيضاح ما خفي على الجمهور.

٤ - ملوك الكلام في جمع ما جرى بيننا وبين أولي الأفهام.

5- نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر. (وهو هذا الكتاب الذي بين يديك).

وغيرها الكثير، فقد كتبتُ فهرساً لتأليفاته، وذكرت له أكثر من سبعين تأليفاً.

لقبه

وقد لُقّب ب_ (إمام الحرمين)، والمراد بال_ (الحرمين) حرم الإمام الكاظم والإمام الجواد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وحكايته عن لسانه هكذا:

«إنّ ملك الروم السلطان عبد الحميد خان بن محمود خان الغازي، لمّا توفّي صبيحة يوم الغدير، وارتدى رداء الخلافة أخوه عبد العزيز خان؛ كلّفني بعض الأجلّة والأشراف أن أُنْشِئ تأريخاً مختصراً يُهْديه إليه من سبيل التلغراف، فقلتُ وأبدعتُ:

وَهَ__ب ال___ع___زي__زُ ل_ع_ب_ده***عِزّاً؛ له خَضَعَ العُلى

وع_لى سریرِ خلافة***ك___انت ل_____ه ق_َ____________دراً ع__ِ_لا

سَجَدَ ال__وَرَى شكراً له شكراً له***شکراً له سَجَدَ الوَرَى

وأب_______و المحاسن قامَ بعد***جلوسه يُنشي الثنا

وی__ول في تأريخه:***(مَلِكٌ عَلَى العرشِ استوىَ)

١٢٧٨ه_

ص: 22

ولما طار التأريخ بجناحَي شَطْرَيه إلى إسلامبول، ووجد من جانب السلطان شرف القبول، بعث إلينا كتاباً بالتركية، يُثني فيه على التأريخ والمؤرخ، فيه هذان البيتان:

أوْجَبَ الحقُّ على كلِّ فتىً***مستقيم في جوار الكاظمين

أن يراه دائماً مُقتدياً***ب__اب__ن داود إمام الحرمين»(1)

وفاته

وقع الخلاف بين أهل التراجم في تحديد تأريخ وفاته على أقوال عدّة، بل اضطربت كلمات الواحد منهم في كتبه المختلفة، وأهم الأقوال:

١ - أنّه توفّي سنة (١٣٠٠ه_) ونيّف (2).

٢ - أنّه توفّي سنة (١٣٠٠ه_).

كتب الشيخ محمد السماويّ فوق كتاب (عجائب الأسرار) عبارة نصّها:

«هذا عجائب الأسرار في الطلاسم والأدعية والأذكار، من تصانيف إمام الحرمين، الآقا ميرزا محمّد بن عبد الوهّاب بن داود الهمدانيّ (قدّس سِرُّه)، الكاظميّ مسكناً ومدفناً سنة ١٣٠٠ه_».

وأرّخ في كتاب صدى الفؤاد : ص ٤٨٩، ٤٩٠، وقال:

وكإمامِ الحرمين المشتَهَز***محمّد سليلِ داودَ الأبَزْ

الهمدانيّ ال__ع___ل_يِّ اله___م_ّ__ةْ***وص_اح_ب الم_ص___نِّف__ات الج__مّ__ةْ

قضَى فأرخُوابشطْرٍ سَاغا***(محمدألفي هُنا بلاغا)

1300ه_

ص: 23


1- المحاسن 1: 2.
2- الذريعة : ج 23 ص ٢٥٠، و ١٥ : ٢١٨، و ١٥ : ٢٧٤، ١٥: ٢٧٨، 21: 52.

3- أنّه توفّي سنة (1303 ه_) (1).

٤- أنه توفّي حدود سنة (1303 ه_) (2).

٥- أنه توفي بعد سنة (١٣٠٣ه_) بالكاظميّة (3).

٦ - أنّه توفّي حدود سنة (١٣٠٤ه_) (4).

7- أنّه توفّي حدود سنة (١٣٠٥ه_ ) (5).

8- أنّه توفّي سنة (١٣٠٥ ه_) (6).

9 - أنّه توفّي أواخر سنة (١٣٠٥ ه_) (7).

10 - أنّه توفّي سنة (١٣٣٠ ه_) (8).

الحاصل المشهور أنّه توفّي سنة 1303ه_، وورد في كثير من المصادر أنه توفي سنة ١٣٠٣ه_، وسرى هذا التاريخ إلى أكثر من ترجم له ممّا كان يكتبه الآقا بزرك في الذريعة، ولكنّه عدل عنه فيما بعد.

ص: 24


1- في التكملة ٥ : ٥ ؛ ومعارف الرجال،٢: ٣٥٦ مصفى المقال: ٤٣١ ؛ الذريعة 1 : 129، و 1 :،٥٠٠، و ٢ : ٤٦٧، و ٣ : ٤٠، و 3 : 301، و 5 : 138، و ١٦ : ٢٣٦؛ شعراء من كربلاء ٣: ٤٨؛ معجم الشعراء ٥ : 128 ؛ معجم الأدباء ٥: ٤٢٩ ؛ موسوعة طبقات الفقهاء ١٤ ق ٥٤٢:١.
2- أعيان الشيعة :9 : 39٤؛ الذريعة ١٥ : ٢١٦، و ١٦: ٦٨، و ١٨ : ٦٦.
3- الذريعة ١١: ٢٥، و 11: 138، و 12 : 73.
4- الذريعة ١١ : ١٨.
5- الذريعة 13 : ٤٥، و 1٤: 46، و ١٢٣:٢٠.
6- نقباء البشر ٥ : ٢٣٦؛ معجم المؤلِّفين ١٠ : ٢٦٨؛ كواكب مشهد الكاظمين ٢: 2٦٧ / الرقم : 113.
7- الذريعة ٢٢: ٤٠٣.
8- الأعلام ٦ : ٢٥٨.

وهنا نشير إلىّ بعض يوميّات إمام الحرمين بعد سنة ( ١٣٠٠ه_) حتّى يتبيّن لنا الحال؛ هل توفي قبل سنة ١٣٠٥ه_، أم لا؟ فأقول:

١ - سنة (1300ه_)، 10 جمادى الآخرة: فرغ من تأليف كتاب (منتخب فصوص اليواقيت).

2 - سنة (١٣٠٠ه_) : تأريخ وفاة شيخه في الإجازة الشيخ جعفر الشوشتريّ، كما قال في (غنيمة السفر).

٣- سنة (١٣٠٠ه_): تأريخ وفاة شيخه في الإجازة السيّد مهديّ الحسينيّ القزوينيّ، كما قال في ( غنيمة السفر).

٤ - سنة (١٣٠١ه_): كتب رسالة إلى السيّد هاشم الطبيب، للتشكّر من عمل الطبابة في العتبات العاليات.

٥ - سنة (1302 ه_) : تأريخ وفاة شيخه في الإجازة المولى حسين بن إسماعيل اليزديّ الأردكانيّ، كما قال في ( غنيمة السفر).

٦- سنة (١٣٠٢ه_) : تأريخ وفاة الخليل بن كاظم أحد أقربائه، كما قال في (غنيمة السفر).

٧- سنة (١٣٠٢ه_) : تأريخ وفاة محمّد بن الحسن الحسينيّ البغداديّ الأعرجيّ، كما قال في غنيمة السفر).

8- سنة (١٣٠٢ه_) : تأريخ تملكه على كتاب (التكملة في شرح التبصرة)، النسخة في مكتبة الإمام الحكيم العامة ذات الرقم: (283).

9 - سنة (١٣٠٢ه_) : تأريخ تملّك كتاب (لسان الخواص)، النسخة في مكتبة آية اللّه السيّد المرعشيّ، ذات الرقم: (13197).

١٠ - سنة (١٣٠٢ه_)، شعبان: تأريخ تملّك مجموعة، النسخة في مكتبة الإمام الحكيم العامة ذات الرقم : (٢٢٩٩ / ٦ ).

١١ - سنة (١٣٠٣ه_)، 23 ربيع الأوّل: فرغ من تأليف كتاب (غنيمة السفر).

ص: 25

١٢ - سنة (١٣٠٣ه_)، 2 جمادى الآخرة: تملك كتاب (شرح الصحيفة) لعليّ بن زين الدين، النسخة في مكتبة الإمام الحكيم العامّة ذات الرقم: (١٥٦١).

١٣ - سنة (١٣٠٤ه_)، ٧ ربيع الأوّل: تملّك كتاب (العدّة) للشيخ الطوسيّ، النسخة في المكتبة الهنديّة، الرقم: (١٦٧)

١٤ - سنة (١٣٠٤ه_)، 12 شعبان تملك كتاب خطيّ.

١٥ - سنة (١٣٠٤ه_)، ٤ رمضان المبارك: كان حيّاً، وكتب في هذا التأريخ تقريظه الثاني للتعليقات، المطبوع ضمن (سواطع الأنوار في تقريظات عبقات الأنوار).

١٦ - سنة (١٣٠٤ه_)، 12 شوّال المعظم تملك كتاب (مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام)، النسخة في المكتبة الهنديّة، الرقم : (109) (1).

17 - سنة (١٣٠٥ه_) : توفّي وحضر السيّد محمّد الهنديّ النجفيّ (ت ١٣٢٣ه_) جنازته (2).

بناءً على ما ذُكِر، وما نقله الدكتور حسين عليّ محفوظ (ت ١٤٣٠ه_) عن المجموعات الخطّية للشيخ محمد رضا الشبيبي (ت ١٣٨٥ ه_)، وعن كشكول السيّد محمّد الهندي النجفيّ (ت 1323 ه_)، الذي حضر جنازته (3) أنه توفي سنة ١٣٠٥ ه_. وقال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ ما نصّه : «اتّفقت وفاته سنة ١٣٠٥ ه_، وكتب حسين عليّ محفوظ رسالة مبسوطة في ترجمة أحواله»(4). ودفن في الكاظميّة كما قال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ (5)، والشيخ محمد السماويّ (رَحمهُ اللّه)، و عمر رضا كحّالة (6).

ص: 26


1- نقباء البشر ٥ : ٢٣٦.
2- نقباء البشر ٥ : ٢٣٦، كواكب مشهد الكاظمين ٢: ٢٦٧ الرقم: ١١٣.
3- كواكب مشهد الكاظمين ٢ : ٢٦٧/ الرقم: ١١٣.
4- نقباء البشر ٥ : ٢٣٦.
5- الذريعة ٥: ١٣٨، و ١١: ٢٥.
6- معجم المؤلِّفين ١٠ : ٢٦٨.

المحور الثاني: في ذكر ما رشحَ من قلم المؤلِّف في بلدة الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

اشارة

ص: 27

ص: 28

توضیح:

المحور الثاني

في ذكر ما رشحَ من قلم المؤلِّف في بلدة الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

واشتمل البحث هذا على ذكر :

١. ما أنشأه من الصلوات على الإمام الهَادِي النقيّ عليّ بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، و على أبي الإمام المنتظر، الحسن بن عليّ (عَلَيهِم السَّلَامُ)، و على صاحب العصر والزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

٢. الحوادث التي وقعت في سامرّاء، ونقلها إمام الحرمين (رَحمهُ اللّه) في كتبه، كما يلي:

أ: سنة (١٢٨٤ه_) : أرسل ناصرُ الدين شاه الشيخَ عبد الحسين بن عليّ الطهرانيّ (ت ١٢٨٦ه_) ونفراً من العَمَلَة لعمارة العتبات والمشاهد، من جملتها تذهيب قبّة العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في سامرّاء.

ب: سنة (١٢٨٤ه_) : أرّخ السيّد أحمد العطّار بناء روضة العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بالنظم.

ج: سنة (١٢٨٥ه_): رحل الميرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ مع أصدقائه إلى سامرّاء وألّف (رَحمهُ اللّه) فيها كتاباً.

د: سنة (١٢٨٥ه_) : تأليف كتاب (نزهة القلوب والخواطر) في سامرّاء.

ه_: سنة (1287ه_) : مجيء ناصر الدين شاه إلى العتبات للزيارة.

و: سنة (1287 ه_) : بنى أحد السادة الشُبّرية داراً في سامرّاء.

ص: 29

ز: سنة (1290ه_) : رحلة الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ إلى سامرّاء

ح: سنة (١٢٩٠ه_) : رسالة إلى حضرة السيّد محمّد رديف باشا، فكتب عنها السيّد محمّد رديف رسالة إلى قائم مقام قضاء سامرّاء، ثمّ كتب قائم مقام قضاء سامرّاء رسالة إلى الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ بإجراء حكمه بالنسبة إلى حوادث سامرّاء.

ط: سنة (١٢٩٥ه_) : تشرّف الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ إلى سامرّاء لزيارة أئمة سامرّاء (عَلَيهِم السَّلَامُ).

٣. رسالة من إمام الحرمين إلى آية اللّه الميرزا محمد حسن الشيرازيّ.

٤. تقريظ آية اللّه الميرزا محمد حسن الشيرازيّ على كتاب الهمدانيّ الموسوم ب_ (المشكاة في مسائل الخمس والزكاة).

٥. ما كتبه الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ إلى الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظميّ (ت 1308 ه_) حين وقوع الطاعون في بغداد.

٦. ما كتبه الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ عن حادثة وقعت حين تشرّفه في سامرّاء.

هذا إجمال ما في هذا المحور، وإليك التفصيل:

ص: 30

١. إنشاء صلوات منه على الهَادِي النقيّ عليّ بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وعلى أبي الإمام المنتظر الحسن بن عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، و على صاحب العصر والزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الهَادِي النَقِيُّ، عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

اللّهمَّ صَلَّ وَسَلَّمْ عَلى بِضْعَةِ الْأَنْبِياءِ، وَسُلالَةِ الْأَوْلِياءِ، وَوَصِيُّ الْأَوْصِياءِ، وَسِبْطِ الْأَنْقِياءِ، وَخَلَفِ الْأُمَناءِ النَّامُوسِ الْأَعْلَم، وَالْقَامُوسِ الْأَعْظَمَ، مَنْ رُفِعَتْ لَهُ الْأَسْتارُ، بِأَمْرِ الْمَلِكِ السَّتَارِ، وَأَخْرَجَ مِنْ اسْطُوانَةٍ، تَمْراً وَعِنَبَاً وَرُمَّانَةٌ، وَشَكى قَوْمٌ إِلَيْهِ الْجُوعَ والضُّرَ، فَضَرَبَ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَكَانَ هُمُ الدَّقيقُ وَالْبُرّ، وَأَرَى ابْنَ سَعِيْد الجنان وَالْقُصُورَ، وَالْولدانَ وَالْحُورَ، وَالظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ، وَأَنْهَاراً تَفُورُ، فَحارَ بَصَرُهُ وَحَسَرَ نَظرُهُ، وَامْتَلأَ الْجِرابُ الْخالِي، دَنانير بِأَمْرِهِ الْعالي، وَارْتَفَعَ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى غَابَ، وَرَجَعَ بِطَيْرِ مِنْ طُيُورِ الْجَنَّةِ ثُمَّ سَيَّبَهُ،فَآبَ، وَلم يُوَقَّرْهُ فِي الْمَجْلِسَ شَابٌ مَغْرُورٌ، فَكانَ بَعْدَ ثَلاثٍ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، وَأَخْبَرَ بِما كَانَ وَبِما يَكُونَ، وَعِنْدَهُ مِنْ حُرُوفِ الْاِسْمِ الْأَعْظَم اِثْنانَ وَسَبْعُونَ، وَمَصَّ حَصاةٌ وَوَضَعَها في فَم أَبي هاشم لِيَتَعَلّم اللغاتِ، فَتَكَلَّمَ وقتئذ باثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ لِساناً بِأَكْمَلِ الْبَلاعَاتِ، وَشَكَى إِلَيْهِ ضَيْقَ يَدِهِ فَناوَلَه كَفْاً مِنَ الرَّمْلِ الْأَصْفَر، فَإذا هُوَ يَتَّقِدُ كَالنَّيرانِ ذَهَباً أَحمر، وَقَوَى كُمَيْتَهُ فَصَلَّى الْفَجْرَ ببغداد، وَسارَ عَلَيْهِ فَأَدْرَكَ الزَّوالَ مِنْ يَوْمِهِ بِسُرٌ مَنْ رَأَى وَعاد، وَماتَ حمارُ بَعْضِ الْأَعْلامِ، فَوَكَزَهُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنى فقام، وَنَزَلَ إِلَى السَّبَاع فَتَذَلَّلَتْ إِلَيْهِ، وَخَضَعَتْ لَدَيْهِ، وَمَدَّتْ بِأَيْدِيها وَوَضَعَتْ رُؤُوسَها بَيْن يَدَيْهِ، تَتَمَسَّحُ بِثِيابِه وَتَدُورُ حَوْلَهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ برُؤُوسِها في أَعْظَم صَوْلَة، وَأَجْزَلَ الْعَطَاءَ لِثَلاثَةٍ مِنَ الْأَخْيَارِ، فَدَفَعَ إِلى كُلِّ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِيْنارٍ، وَهَيّاً مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، وَنَفَخَ فِيهِ فَطَارَ، وَاشْتَدَّ بِجُمُوع، الْحَرُّ وَالْعَطَسُ وَالْجُوعُ، وَهُمْ فِي أَرْضِ مَلْساء، وَصَحْراءَ قَفْراء، خالِيَةٍ مِنَ الْمَاءِ، وَالظَّلَّ وَالكَلا، فَأَظْهَرَ لهُمْ أَعْذَبَ عَيْنِ، وَشَجَرَتَيْن تُظَلَّلْهُمْ عَظيمَتَيْن، فَلَمَّا ارْتَحلُوا لَمْ يَقِفُوا عَلى أَثَر وَلا عَيْن، وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَرْمَدَ، وَعَلِمَ بِما يَحْدُثُ فِي الصَّيْفِ مِنَ الْبَرْدِ وَالْبَرَدِ، وَخَطْ بِيَدِه خطَّةً كَالْدَائِرَةِ، فَإِذا

ص: 31

سَبِيْكَة ذَهَبٍ يَخْطِفُ الْبَاصِرَة، وَأَخْبَرَ بِخَرابِ مَا فِي سُرَّ مَنْ رَأَى مِنَ الْعِمارَةِ، حَتَّى يَكُونَ فيها خانٌ رَبْعاً لِلْمَارَةِ، وَظَهَرَ لَهُ السَّطَلُ وَالْماءِ السَّخينُ في الشّتاءِ لِلْهُجُودِ، وَقُلامَة ظُفْرِه أَكْرَمُ عَلَى اللّه مِنْ نَاقَةِ ثَمُود، وَأَنْفَذَ بِشْراً لِشراءِ فَتاةٍ أَضَاءَتْ فِي الدَّيْجُورِ، وَمَليكَةٍ خَدَمُهَا الْمَلائِكَةُ وَالْخُورُ، خَطَبَهَا النَّبِيُّ لِابْنِهِ مِنْ وَصِيِّ المَسيح؛ لِتَلِدَ النُّورَ مِنَ النُّورِ، وَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلى شَكل سَبع في سِتْر الباب، وَقالَ قُم فَخُذ هذا المرتاب، فَوَثَبَ مِنْهُ أَسَدٌ عَظِيْمٌ كاشرُ الْأَسنان، وَابْتَلَعَ الْمُشَعْبِدَ وَرَجَعَ كَما كانَ، فَتَحَيَّرَ الْجَميعُ مِنْ هذَا المشكل، وَسَقَطَ لِوَجْهِهِ الْمُتَوَكَّل، وَعَرَضَ عَلَيْهِ عَسْكَرَهُ وَهُمْ تِسْعُونَ أَلْفَ فارس، فَدَعا اللّه فَإِذا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَلائِكَةٌ فَوارِس، وَعَزَمَ عَلَى قَتْلَه فَدَعاهُ إلَيْهِ، فَلمَّا دَخَلَ رَمى بنَفْسِهِ مِنَ السَّرِيرِ وَانْكَبَّ عَلَيْهِ، وَقَبْلَ بَيْن عَيْنَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَامْتَلَاتْ قُلُوبُ غِلْمَانِهِ خَوْفاً، وَرَأَوْا حَوْلَهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَة وَسَبْعِينَ سَيْفاً، فَسَجَدُوا لَهُ إِعْظاماً، وَسَقَطُوا لِوُجُوهِهِمْ إِجلالاً لَهُ وَإِكْرَاماً، وَدَخَلَ يَوْماً عَلَيْهِ، وَخَمْسُونَ غُلاماً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَخَرُّوا تَعْظِيْما لَدَيْهِ، فَذَبَحَهُمْ جَمِيْعًا، فَأَحْيَاهُمْ عَلَيْهِ السَّلامُ سَرِيْعاً، وَعَلِمَ بِمَا يَكُونُ مِنَ المَطَرِ، وَبِما فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ، وَقَالَ فِيها يَغْتَدِي وَيَرُوحُ، تَجَنَّبُوا جَعْفَراً فَإِنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ نُمْرُودَ مِنْ نُوحٍ، وأَخْرَجَ مِنَ الْأَرْضِ لِمُحْتاج أَضْمَرَ في نَفْسِهِ السُّؤال، نُقْرَةً صافِيَةٌ فيها أَرْبَعَاثَةُ مِثْقالَ، اَلْعالم الْفَقيْهِ، الْمُرْتَضَى الْوَجيهِ، الطَّيِّبِ الْكَريم، الْفَتّاح الْعَليم، النَّاصِح الأميْنِ، وَالْإِمَامِ الْمبيْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ النَّقِيُّ الْهادِي، صَلَواتُ اللّه وَسَلامُهُ عَلَيْهِ مَا تَرَنَّمَ الْحَادِي.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَليَّ اللّه، يَا بْنَ رَسُولِ اللّه، إِنَّا الْتَجَأْنَا إِلَيْكَ، وَخَضَعْنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَاتَّخَذْنا وِلاءَكَ ذَريعَةً لِنَجاتِنا، وَتَوَسَّلْنا بِكَ إِلَى اللّه فِي مُناجاتِنا، فَاشْفَعْ لَنا عِنْدَ اللّه في قضاء حاجاتِنا.

ص: 32

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أبِ الإِمَامِ المُنتظَر، الحَسَنِ بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى الْمُخْلِص الْوَفِي، وَالْخالِص الزَّكِيِّ، وَالسّراج المُضيء، مَنْ تَكَلَّمَ فِي اللُّغاتِ بِأَبْلَعْ الْبَلاغات، وَأَحَاطَ بِالْعِلْمِ الْمَكْنُونِ، وَأَخْبَرَ بِما كانَ وَبِما يَكُونُ، وَمَشَى في الْأَرْضِ فَلَمْ يُرَ لَهُ ظِلالٌ، وَمَيَّزَهُ اللّه عَنِ الرِّجَالِ بِمَعْرِفَةِ الْأَنْسَابِ وَالحَوادِثِ وَالآجال، ولولا ذلك لم تتضح المَحَجَّة، ولم يَكُنْ فَرْقُ بَيْن الْمَحْجُوج وَالْحُجَّةِ، وَمَدَّ يَدهُ إِلى رَبِّهِ الْتَعالِي وَرَدَّها وَقَدْ مُلِئَتْ لآلى، وَأَعاذَهُ اللّه مِنَ الاحْتِلام، وَمِنْ شَرِّ الْأَحْلام، كآبائِهِ الْكِرام، فَحاهُمْ في المَنامِ، كَحَالِهِمْ فِي الْيَقْظَةِ عَلَى عَكْسِ الأَنامِ، وَلا تَمَسُّهُمْ زَلَّةُ الشَّيْطَا،ن وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُخْلَصِينَ سُلْطَانٍ، وَطَوَى الْمَكانَ، وَسارَ فِي أَسْرَع زَمَانٍ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى إِلى جُرْجان، وَجَدَّدَ الْعَهْدَ بِالْإِخْوانِ، وَمَسَحَ ثَمَّةَ عَلَى عَيْنَيْ ضَرِيْرِ فَعادَ بَصيراً، وَقَضى حَوائِجَ الْجَميع صَغِيراً وَكَبيراً، وَدَعَا لِقَوْمه، وَانْصَرَفَ مِنْ يَوْمِهِ، وَكَذَبَ عُرْوَةُ عَلَيْهِ، فَا أَمْهَلَهُ يَوْمَهُ حَتَّى قَبَضَهُ مالكٌ إِلَيْهِ، وَخَطَرَ بِبالِ بَعْض زائِرِيهِ أَنْهُ فَقَدْ مِنْديلاً فيه،دنانير، فَأَخْبَرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ الْخَيْرَ، أَنَّهُ سَقَطَ منْهُ وَأَخَذَهُ أَخُوهُ الكبيرُ، وَدَعا لِعَيْن فَأَفاقَتْ وَقَدْ كانَتْ عَلى شُرُفِ الذَّهاب، وَأَجابَ عَنْ كِتابِ كَتَبَهُ إِلَيْهِ بِلا مِداد بَعْضُ النُّصاب، وَضَرَبَ بِيَدِهِ الْبِساط وَلَيْسَ شَيْءٌ عَلَيْه، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ دَنانير وَأَعْطَاهَا الْبَزّاز ثَمَنَ حِبْرَتَيْهِ، وَخَرَجَ راهِبٌ إِلَى الصَّحْراءِ وَمَعَهُ نَفَر، وَمَدَّ يَدَهُ فَهَطَلَتِ السَّماءُ بالمَطَر، فَشَكَ أَكْثَرُ النّاس وَغَدَوْا حَيارى، وَصَبَوْا إلى دينِ النَّصارى، فَاسْتَخْرَجَ مِنْ بَيْن أَصَابِعِهِ عَظْمَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِياءِ، وَاسْتَسْقَى فَتَقشَّعَتِ السَّماءُ، وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ بَيْضاء، وَكانَ يَكْتُبُ كِتاباً فَحانَ الزَّوال، فَوَضَعَهُ وَقامَ إِلَى الصَّلاةِ لِذِي الْجَلالِ، فَمَرَّ الْقَلَمُ بِنَفْسِه عَلى باقِي الْقِرْطاسِ، حَتَّى انْتَهى إلى آخِرِ الْكِتابِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، وَحُبِسَ عِنْدَ أَشَدَّ النَّاسِ غَيْظاً عَلَيْهِ، فَسَخَّرَهُ حَتَّى خَضَعَ لَدَيْهِ، وَوَضَعَ خَدَّيْهِ، وَكَانَ لا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ، وَقالَ لَهُ يَوْماً بَعْضُ الْإِخْوانِ، أَنْتَ حُجَّةُ اللّه وَقَدْ حُبسْتَ في هذَا الْخان، فَأَشارَ بيَدِه فَإِذا حَوالَيه رَوْضاتٌ عَالِيَةٌ، قُطُوفُها دانِيَةٌ فيها أَنهارٌ جاريةٌ، وَأعْطى لِمَنْ فَعَدَ لَهُ عَلى ظَهْرِ الطَّريقِ، وَشَكى إِلَيْهِ الْحَاجَةَ

ص: 33

وَالضَيْق، مِائَة ذَهَب أحمر، وَأَخْبَرَهُ بما دَفَنَهُ وَادَّخَر، وَطَبَعَ فِي حَصاةِ الْيَمَانِ، وَأَنَالَ الْأَنامَ الْأَمانيِّ، وَمَسَحَ عَلى جانِبَيْ بَعْضِ الْأَعْلام، وَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنامَ عَلَى يَمِيْنِه فَنامَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ مَنْ أَراد أَنْ يَسْأَلَهُ نَقاراً، يَصُوعُ بِهِ لِلتَّبَرُّكِ حَاتَمَا يَنالُ بِهِ فَخاراً، فَنَسِيَ ما جاءَ لَهُ وَرَجَعَ قَهْقَرَى، فَرَمى إِلَيْهِ َخاتَماً وَقالَ رَبَحتَ الفُصَّ وَالْكِراءَ، وَخاطَبَ الذِّئْبَ فَكَلَّمَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَارْتَعَدَتْ فَرائِصُ الْمُوَكَّلِينَ بِهِ إِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِ، وَرُمِيَ إِلَى السّباع فَوَثَبَتْ مِنَ الصَّوْلَةِ، وَرُئِيَ قائِماً يُصَلِّي وَهِيَ حَوْلَهُ، وَانْفَتحَ لَهُ الْبابُ المُقْفَل، وَأَنْبَأَ بِما عَمِلُوا مِنَ الْفُجُورِ فِي اللَّيْلِ الْأَلْيَلِ، وَعَجَزَتْ راضَةُ الْأَنامِ، عَنْ بَغْلٍ يَمْنَعُ ظَهْرَهُ وَالسَّرْجَ وَاللّجامَ، فَأَلْجَمَهُ وَأَشَرَجَهُ، وَرَكَبَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى الْهَمْلَجَةَ، وَحَكَّ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ وَأَحْسَبَهُ غَطَاهُ بِمِنْديل، وَأَخْرَجَ خَمْسَمائَةَ دِينَارٍ لِمَنِ اشْتَكَى إِلَيْهِ الْحَاجَةَ وَهُوَ عَليلٌ، وَشَكى إِلَيْهِ رَجُلٌ ضَيْقَ الْحَبْسِ وَكَلَبَ الْقَيْدِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ تُصَلِّي اليَوْمَ الظهر في مَنْزِلِكَ وَتُكْفَى الكَيْد، وَأَخْرَجَ فِي دَارِهِ عَيْناً أَعْذَبَ مِنَ السَّلْسَل، يَنْبَعُ مِنْهَا اللَّبَنُ وَالْعَسَلُ، وَشَكَوْا إِلَيْهِ قِلَّةَ الْأَمطارِ، فَكَتَبَ كِتاباً إِلَى الْأَقْطارِ، فَكَشَفَ اللّه عَنْهُمُ الْكُرَبَ، وَأُمْطِرُوا كَأَفَواهِ الْقِرَب، وَشَكَوْا كَثرَةَ الْأَمْطار، فَخَتَمَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَتِ السَّماءُ عَن الإمْطَارِ، وَلَبِسَ النَّاعِمَ مِنَ الثيابِ لِلْأَنام، وَالْخَشنَ تَحْته للملك العلام، وَأَمَرَ عِلْمانَهُ الوالي، بِضَرْبٍ مُحِبَّهِ الْمُوالِي، فَصَرَفَهُ اللّه عَنْهُ فَأَصابُوا تارَةَ الْأَرْضَ، وَأُخْرى عُدِلَ بِأَيْدِيهِمْ فَضَرَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ، وَسَلَكَ الْمَحجَّةِ، فَهَدَأَتِ الدَّوابُّ وَسَكَنَتِ الضَّجَّة، وَغَابَ تَحْتَ مُصَلاهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَ آبَ وَمَعَهُ حُوتٌ عَظِيْمُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَأَخْبَرَ بِقَتْلِ الْمُهْتَدِي، وَأَخَذَ الْآسَ وَجَعَلَهُ دِرْهَماً لِلْمُجْتَدِيْ، وَجْهِ اللّه الْوَضِيَّ، وَعَبْدِهِ الْمَرْضَيِّ ذِي الْحِلْمِ الْحَيْدَرِي، وَالْعِلْمِ الْجَعْفَرِيِّ، أَبِي مُحَمَّدِ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيَّ، صَلَواتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا أَضَاءَ الْمُشْتَرِي.

ص: 34

الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى صَاحِبِ العَصْرِ والزَمَانِ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيُّ اللّه يَا بْنَ رَسُولِ اللّه، إِنَّا إِلْتَجَأْنَا إِلَيْكَ، وَخَضَعْنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَاتَّخَذْنا ولاءَكَ ذَريعَةً لِنَجَاتِنا، وَتَوَسَّلْنا بِكَ إِلَى اللّه في مُناجاتِنا، فَاشْفَعْ لَنا عِنْدَ اللّه في قضاء حاجاتِنا.

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلى خَليفَتِكَ في أَرْضِكَ، الْمُحيى لِسُنَّتِكَ وَفَرْضِكَ، حُجَّتِكَ فِي بِلادِكَ، وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ، الدّاعي إِلَيْكَ، وَالدَّليل عَلَيْكَ، عَيْنِ الْحَيَاةِ، وَسَفِينَةِ النَّجاةِ، النَّجْمِ اللائح، وَالْخَلَفِ الصّالح، هادِي الْأُمَّةِ، وَخاتِم الْأَئِمَّةِ، مَنْ آتاه اللّه الْحِكْمَةَ وَالْإِمَامَةَ صَبيَّا، كَما جَعَلَ عيسى في الْمَهْدِ نَبِيّا، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَهُوَ جَنينٌ، وَوُلِدَ مُتَلَقِّياً لِلْأَرْضَ بالجَبين، ساجِداً لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ جَثَى عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ سَبَابَتَيْهِ، وَوَحَّدَ اللّه الَّذِي جَلَّ عَن الشَّبيهِ، وَصَلَّى عَلى نَبِيِّهِ النَّبِيهِ، وَابْن عَمِّهِ وَبَنيه، حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ، ثُمَّ تَلا ما أَنْزَلَ اللّه عَلَى رُسُلِهِ كِتاباً كِتاباً، وَما أَوْحاهُ إِلى أَنْبِيائِه باباً باباً، وَحَمَلَتْهُ أُمُّهُ في جَنْبها كَآبَائِهِ الكِرام، فَهُمْ يُحْمَلُونَ في الجنوب لا في البطونَ كَسائر الأَنامِ، وَيَخْرِجُونَ مِنَ الْفَخِذِ الْأَيْمَنِ لاَ مِنَ الْأَرْحام، نُورِ اللّه الَّذِي لاَ تَنالُهُ دناسَةٌ، وَلَم یُرَ بأَمَّهِ دَمٌ في نفاسِها وَهيَ في غايَةِ النِّفاسَةِ، وَوَلَدَتْهُ مُشْرِقاً مِنْهُ النُّور، مُنيراً لِلدَّيْجُورِ، ساطِعاً مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، نَظيْفاً مَخْتُونَا، تَخَالُهُ دُرّاً مَكْنُوناً، فَتَناوَلَهُ أَبُوهُ وَالطَّيْرُ يُرَفْرِفُ عَلى رَأْسِهِ، فَأَدْلى لِسانَهُ فِي فِيهِ وَغَذَاهُ بِأَنْفَاسِهِ، وَقَالَ لِطَيْرِ مِنْهَا احْمِلْهُ وَكُنْ مِنْ حُرَّاسِه فَطَارَ به رُوحُ الْقُدْسِ الْمُوَكَّلُ بِالْأَئِمَّةِ، لِيُسَدَّدَهُمْ وَيُسِرَّهُمْ بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، ثُم رَدَّهُ إلى أُمِّه، وَأَذْهَبَ عَنْهَا الْحَزَن، كما رُدَّ مُوسى إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنْ، وَتَكلَّمَ فِي الْمَهْدِ بِالْحِكْمَةِ، وَسَدَّدَهُ اللّه بِالْعِصْمَة، وَفَضَّ الْخَتْمَ عَنْ هَدايَا الأنام، وَمَيَّزَ بَيْنَ الحَلال مِنْها وَالْحَرام، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثَة أعوام، وَأَجابَ عَنْ مَعاضل في التَّأْويل، وَمَشَاكِلَ في التَّنزيل، وَعَوائِصَ مَسائِلَ غُرَرٍ، وَغَوامِضَ عَجَزَتْ عَنْ حَلَّهَا الفِكَر، وَهُوَ إِذْ ذاكَ غُلامٌ كَفِلْقَةِ قَمَر، فَاقَ الْمُشْتَرِي فِي الْخِلْقَةِ وَالْمَنْظَر، عَلى رَأْسِه فَرْقُ بَيْنَ وَفْرَتَيْنِ، كَأَنَّهُ أَلِفٌ بَيْنَ وَاوَيْن، وَبَعَثَ الْمُعْتَضِدُ غِلْمَانَهُ لِيَكْبِسُوا دارَه عَلَيْهِ،

ص: 35

وَيَأْتُوا برَأْسِهِ الشَّرِيْفِ إِلَيْهِ، وَإِذا ببَيْتٍ كَبير فيه بَحْرٌ غَزِيرٌ، وَفِي أَقْصَى الْبَيْتِ حَصِيرٌ، مَفْرُوشٌ عَلَى الْماءِ، وَهُوَ قائِمٌ فَوْقَهُ يُصَلِّ لِرَبِّ السَّماءِ، فَسَبَقَ أَحَدُهُمْ لِيَتَخَطَّى الْبَيْتَ، فَاضْطَرَبَ غَرِيْقاً حَتَّى سَقَطَ كَالمَيْت، فَمَدَّ صاحِبُهُ يَدَهُ إِلَيْهِ، وَأَخْرَجَهُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَ بِالْأَجالِ، وَبِصُرَرِ الرِّجالِ، وَبِما فيها مِنَ الْأَمْوالِ الإمام الطَّيِّبِ الْعُنْصُر، نَجْلِ الْأَوْلِياءِ فِي الْأَعْصُر، الْمَعْقُودِ عَلى مَعاليْهِ الخِنْصر، صاحِبَ الْغَيْبَتَيْنِ، وَمَنْ مَثَلُهُ في هذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ الْخَضْر وَذِي الْقَرْنَيْن، الغائب المستُور، المُنتظَر الظُهُور، المَخْلُوقِ مِنْ نُور، بَقِيَّةِ اللّه وَصَفِيَّه، سَمِيٌّ رَسُولِ اللّه وَكَنِيَّهِ، أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ الزَّمانِ، صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ مَدَى الْأَزْمان، وَعَظَّمَ لَهُ الْبُرْهَانَ، وَأَحْكَمَ لَهُ الْبُنْيانَ، وَعَجَّلَ ظُهُورَهُ، وَأَظْهَرَ نُورَهُ، وَأَفْلج حُجَّتهُ، كَما رَفَعَ دَرَجَتَهُ، وَأَنْقَذَ أَمْرَهَ، كَمَا أَطَالَ عُمْرَهُ، وَكَفَاهُ بَغْيَ حَاسِديْهِ، وَأَعاذَهُ مِنْ شَرِّ كَائِدِيْهِ، وَقصَمَ بِهِ ظُهُورَ كُلِّ جَبّارٍ، وَأَخْمَدَ بِسَيْفِه كُلَّ نارِ، وَهَدَمَ بِه أَرْكَانَ الضَّلال، وَأَهْلَكَ بعَدْلِه كُلَّ جائِرٍ مُختالِ، وَأَجْرى حكْمَهُ عَلى كُلِّ إِنْسانِ، وَأَذَلَّ بِسُلْطانِه كُلَّ سُلْطانِ، وَاسْتَأْصَلَ مَنْ أَرادَ إِخْمَادَ ذِكْره، وَجَحَدَ حَقَّهُ وَاسْتَهْزِأَ بِأَمْرِهِ، وَقَمَعَ بِهِ الْجُحُود، وَأَقامَ بِهِ الْخُدُودَ، وَجَدَّدَ بِهِ ما تُحِي مِنَ الدِّيْنِ، وَأَحْيِي بِهِ مَا عُطَّلَ مِنْ كِتَابِهِ المبين، وَأَمَاتَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتُدِعينَ، وَنَصَرَ الْإِسْلام، وَأَظْهَرَ بِهِ مَا أُخْفِيَ مِنَ الْأَحْكام، حَتَّى يَعُودِ الدِّينُ عَلَى يَدَيْهِ غَضّاً طَرِيَّاً، وَالْإِسْلامُ جَدِيداً قَوِيَاً.

اللّهمَّ إِنَّكَ أَمْهَلْتَ عِبادَكَ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّكَ أهْمَلَتَهُمْ، وَأَجَّلَتَهُمْ حَتَّى تَوَهُمُوا أَنَّكَ أَجْلَلْتَهُمْ، فَأَظْهرُ وَليَّكَ الذي يَعْمُرُ البلاد وَيَأْمُرُ الْعِباد.

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَنْ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْحِكْمَةُ وَالإمامَةُ، وَشَرِّفَهُ اللّه تعالى بالكَرامَة، إِنَّا إِلْتَجَأْنَا إِلَيْكَ، وَخَضَعْنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَتَوَسَّلْنا بِكَ إِلَى اللّه فِي مُناجاتِنا، وَاتَّخَذْنَا وِلاءَكَ ذَريعَةً لِنَجاتِنا، فَاشْفَعْ لَنا عِنْدَ اللّه فِي قَضاءِ حاجاتِنا.

اللّهمَّ إنَّ هؤُلاءِ أُمَناؤُكَ الأعْلامُ، وَخُلَفاؤكَ عَلَى الأنام، و خَلَقْتَهُمْ مِنْ

ص: 36

نُورِكَ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ برَحمَتِكَ، وَرَفَعْتَهُمْ في مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بمَلائِكَتِكَ، وَجَعَلْتَهُم أَلْسِنَةَ وَحِيْكَ، وَتَراجِمَةَ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، فَهُمْ دَعائِمُ الدّينِ، وَأَكارِمُ الْحُجَجِ الْهادِينَ، وَحَمَلَةُ التَّنْزِيلِ، وَالْعُلَماء بالتأويل، وَدَرَسَةُ الْإِنْجِيلِ، وَخَيْرُ جيل مِنْ سُلالة الخليل، وَهُداة الشبيل، وَالدَّليْلُ إِلَى الْجَلَيْلِ، قُلُوبُهُمْ أَوْعِيَةُ مَشِيَّةِ اللّه، فَإِذا شاؤُوا شَاءَ اللّه، وَلَا يَشاؤُونَ إِلَّا ما يَشَاءُ اللّه، بِهِمْ أَضَاءَتِ الْأَكوانُ، وَأَشْرَقَتْ عَوالِمُ الْإِمْكَانَ، وَهُمْ جَرَى فَلَمُ الْإِبْدَاعِ، وَخُلِقَ الْأَجْنَاسُ وَالْأَنْواعُ، وَبهمْ سَمِعَتِ الْأَسْمَاعُ، وَرَأَتِ الْعُيُون، وَحَمَلَتِ الْبُطُونَ، وَوَعَتِ الْقُلُوب، وَأَدْرَكَتِ الْعُقُول، وَلَوْلاهُمْ ما جَرَتِ الْأَنْهارِ، وَلَا اخْضَرَّتِ الْأَشْجَارِ، وَلا أَيْنَعَتِ الثَّمار وَلا فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْبَرَكاتِ، وَلا نَبَتَت فِي الْأَرْضِ نَبات، وَلا رُفِعَ الْبَلاء، وَلا كُشِفَ اللَّأْواء.

اللّهمَّ أَنْتَ عَظَّمْتَهُمْ وَكَرَّمْتَهُمْ، وَآتَيْتَهُمْ كُلَّ فَضيلَةٍ، وَفَضَّلْتَهُمْ عَلى كُلِّ قَبيْلَةٍ، وَوَهَبْتَ لهم المنزلَةَ الجَليْلَةَ، وَأَمَرْتَنا أَنْ نَتَّخِذَهُمْ إلَيْكَ وَسيلَة، فَنَسْأَلُكَ يا مَنْ يُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ في المُلِمّاتِ، وَيُتَوَسَّلُ إِلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَيا مَنْ لا تَغْشَاهُ الظُّلُماتُ، وَلا تَتَشابَهُ عَلَيْهِ الْكَلِمَاتُ، أَنْ تُثَبَّتَنا في ولائِهِمْ لِنَصْطَحِبَهُ جهازاً، وَنُنْفِقَهُ عَلَى الصِّراطِ وَنجِدَ جَوازاً، وَنَجْعَلَهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّارِ حِجازاً، وَتُوجبَ لَنا بهمْ غُفْرانَكَ، وَتَمنَحَنا جنانَكَ، وَتَكْشِفَ بِجاهِهِمْ عَنَّا السُّوءَ، وَتَدْفَعَ عَنّا ما يَسُوء، وَتَكْفِينَا الْمُؤنَةَ، وَتَكَفَّلَ لَنَا الْمَعُونَةَ، وَتُسَهَّلَ الْخُزونَة، وَتُنيْلَنَا الْمُنى، وتُذْهِبَ عَنَّا الْعَناء، وَتُحصِّنَ دِينَنَا بِالْغِنى، وَتُؤْوِيَنا مِنْ قَفْرِ، وَتُغْنِيَنَا مِنْ فَقْرِ، وَتَمدَّ بِحَقِّهِمْ في آجالنا، وَتُبَلِّغَنا أَفْضَلَ آمَالِنَا، وَتُذِّلَ مَنْ ناوانا، وَتُهَلكَ مَنْ عادانا، وَلا تَدَعْ هُمْ نَخْلاً إِلَّا عَقَرْتَهُ، وَلا عُمْراً إلَّا بَتَرتَهُ، وَلا مالاً إِلَّا نَهَبتَهُ، وَلا مُلكاً إلا سَلَبْتَهُ، وَلا ذُرِّيَّةً إِلَّا سَبَيْتَها، وَلا عافِيَةً إِلَّا زَوَيْتَها، إِنَّكَ عَلى ذلِكَ قَدِيرٌ، وَبِالْإِجابَةِ جَديرٌ (1).

ص: 37


1- البشرى: ١١٤ - ١٣٦.

وأيضاً أنشأ صلوات في كتاب (نزهة القلوب والخواطر) كما سيأتي.

2. الحوادث التي وقعت في سامرّاء ونقلها إمام الحرمين (رَحمهُ اللّه) في كتبه، كما يلي:

أ سنة (١٢٨٤ه_): أرسل ناصر الدين شاه الشيخ عبد الحسين بن عليّ الطهرانيّ (ت ١٢٨٦ه_) ونفراً من العَمَلَة لعمارة العتبات والمشاهد، من جملتها تذهيب قبّة العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في سامرّاء.

كان ناصر الدین شاه مغرماً ببناء المدارس والمساجد وعمارة العتبات والمشاهد، حتّى أنّه أرسل إلى العراق المولى الشيخ عبد الحسين الطهرانيّ ونفراً من العَمَلَة لعمارة المشاهد المطهّرة؛ فاشتروا في كربلاء الدور والأملاك من الحائر الحسينيّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأضافوها إلى صحنها؛ فتوسّعت ساحته، وبنوا في هذه الإضافة مساجد ومدارس وحجرات وسراديب لدفن الأموات؛ ثمّ جاؤوا إلى الكاظميّة وبنو طارمة رفيعة الدعائم، وذهّبوا الإيوان؛ ثمّ ذهبوا إلى سامرّاء وذهبوا قبّة العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، هذا مخلصه.

واستفدت كلّ ما كتبته من كلام الميرزا محمّد الهمدانيّ في (فصوص اليواقيت)(1)، وحكاية ذهابهم إلى سامرّاء هكذا:

«ثم ذهبوا إلى سامرّاء ؛ وذهّبوا، بمنظر من الأعداء، قبّة العسكريّين المفضلة على قبّة السماء على ساكنها أحسن التحية وأزكى الثناء، بما ينيف على ثلاثين طابقاً (2) من الذهب الأحمر، يُتراءى شعاعه لعين كلِّ راءٍ من مسيرة يومين أو أكثر، وفوقها تمثال شمسٍ من ذهب يتوقّد كشمس الضحى، يدور إذا لعبت به الريح دَوْرَ الرحى واللّه درّ القائل:

انْظُرْ إلى القبّة الغرّا مُذَهَبةً***كأنّها الشمس أعْطَتْها مُحَيَّاها

ص: 38


1- فصوص اليواقيت : ٨٦ - ٩٤.
2- الطابَق كهاجَر وصاحِب الآجُرُّ الكبير. القاموس المحيط ٣: ٢٥٦.

ولقد أجاد الإكسير الفاخر، وكيمياء المآثر، طغرائي زمانه؛ الشيخُ جابر، في مدح القبّة الشريفة بقصيدة غرّاء، وفريدة عذراء، تبلغ مائة واثنين وستّين بيتاً، فقال مادحاً مؤرّخاً :

شمس قدس أبى ضياها (1)***الغيابا قد أضاءت من العراق الهضابا (2)

جلببت نير السماء بنور***وأم__اط__ت ع_ن ال_ص_ب_اح نقابا

بضیاها توقّدت فأصارت***جم____رة فحمة الليالي التهابا

فالليالي بها اغتدت كاللآلي***مذ حبتها من الضياء اللبابا

وأضاءت بها العوالُم ل______مّا***كشفت عن خفيّها الانتقابا (3)

لاح في صفوها الوجود ارتساما***مُنذُ راقت بصفوها إعجابا

ق_د أن____ارت ووجهها صيقليّ***فأرتن__ا م___ن الج_____ال ال_ع_ج_اب_ا

وتَرَاءَى من نورها نور قدس***کم به کحّل الهدى أهدابا

ذهبت فضّةُ الفضا منذ أهدى***ضوؤها للفضا نضاراً مذابا

وتعالت مج_داً فأضحى لديها***تبرُّ شمس الضحى المصفّى ترابا

سامرت سامرّاء منها ذكاء***صحبتها وباعدت أصحابا (4)

هي شمس من مغرب الشمس لاحت***فعلمنا من من القيام اقترابا

شمس قدس تجلو الظلام بنور***قد أبي مدّة البقاء غيابا

كم مع الشمس أشرقت بضياها***وأضاءت مذ نير الأفق غابا

تأخذ الشمس أهبّة من ضياها***ثمّ تهدي إلى الصباح (5) إهابا

ص: 39


1- في المصدر: «سناها».
2- فى المصدر : «قد أنارت من العراق الرحابا».
3- في المصدر: «الاحتجابا».
4- في المصدر: «نورها أذهب الظلام ذهابا».
5- في بعض المصادر: «النهار».

قبّة في العُلى تعالت ففاقت***من أعالي السبع ال_ش_داد القبابا

فهي القبّة التي يتمنّى***لعلاها عرش الإله اقترابا

ببناها ابتنت جبال معال***مذ دناها يلملم ال_س_وء نابا

خفضت عندها الملائك رأساً***وَلَوت دونه____ا الم_ل_وك ال__رق__اب_ا

لا تزال الأملاك ذلاً لَدَيها***خضعاً لا تبارح الأعت_اب_ا

حجبتها عن مسّ كلّ رجيم***منذ أضحت ببيتها حجابا

وحمتها عن كلّ طارق سوء***أين منها الأسواء تطرق بابا

تستحيل الذنوب فيها بعفو***وبها يبذل العقاب ثوابا

فلك ف__ي__ه ن_______يران أضاءت***بها غرّة السماء إعجابا

ملكاً ملك سودد بمزايا***طرّزت بابْتهاجِهِا الاحسابا

ملأه الم__اثرات دار عليها***عسكر المعجزات تأبى الحسابا

فلهذا كلّ غدٍ عسكريّا***وله أم__ر م_ل_ك_ة الم_ج_د آبا

بهما المذنبون بالعفو فازت***من إله السماء وحازت ثوابا

لو تردّى الفتي بكلّ جميل***واعترى عن ولاهما لن يثابا

لهما (1) من محمّد ب___ردُ مج____دٍ***ودّ من وشيه العلا أثوابا (2)

ثم ساق الكلام إلى مدح النبي وسائر الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) إلى أن قال :

لهماشيّد يد الإل_ه سماءاً***ومن الن_ور ل_ف_ّع_ت أث_واب_ا

ص: 40


1- في المصدر: «ورثا».
2- ديوان الشيخ جابر الكاظميّ : ٧٠ _ ٧٤، باختلاف كثير.

قبّة فاقت السماء فأرّخ (1): (هي ع_رشٌ بشمسها ال_ن_ور آبا)

(١٢٨٥)(2)

ولم يزل شيخنا الحرّ الأخلاق، مدة إقامته بالعراق، مشغولاً مع الأصحاب بعمارة الأعتاب إلى أن دُعِيَ فأجاب، وبعد أن تمّت العمارة، تاقت نفس ناصر الدين شاه إلى الزيارة... » (3).

قال ياقوت الحموي (ت ٦٢٦ه_) : «(سامرّاء) لغة في (سرّ من رأى) مدينةٌ كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة.... وفيها لغات: (سامرّاء) ممدود، و (سامرا) مقصور، و (سرّ من رأى) مهموز الآخِر، و (سرّ من را)، مقصور الآخر» (4).

أقول: تقع سامرّاء شمال مدينة بغداد على بعد نحو (130) كيلومتراً، على الضفة اليسرى من نهر دجلة.

والناظر إلى مدينة سامرّاء، يرى هناك قبتَين؛ إحداهما مُغَشّاة بزلاج الذهب، والثانية مُغَشّاة بالكاشي الأزرق الملون.

أمّا القبّة الزرقاء فيقع تحتها الجامع الكبير، وما يسمّى سرداب الغيبة، وهي مستديرة الشكل.

أمّا القبّة الذهبية فيقع تحتها ضريحا الإمامين عليّ الهادي وولده الحسن العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، كما يوجد معهما في الضريح جعفر بن عليّ الهادي، وأخوه حسين، والشريفة حكيمة بنت محمّد الجواد والشريفة نرجس زوجة الإمام الحسن العسكريّ؛ وغيرهم من آل البيت الأطهار؛ والقبة الذهبيّة تقع في وسط الصحن الشريف.

ص: 41


1- في المصدر: «قبة طالت السماء أرّخوا».
2- ديوان الشيخ جابر الكاظميّ : ٧٦.
3- فصوص اليواقيت: 89 - 92.
4- معجم البلدان ٣: ١٧٣.

إنّ قبّة الإمامين مطلية بالذهب الذي تبرّع به السلطان ناصر الدین شاه القاجاريّ، وذلك سنة ١٢٨٥ ه_ كما هو مكتوب على القبّة نفسها؛ وهذه القبّة من أكبر قباب الأئمة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حيث يبلغ محيطها (٦8) متراً، وقطرها (22) متراً و (٤٣) سنتيمتراً، كما يبلغ عدد طابوق الذهب الملصوق بها (٧٢٠٠٠) طابوقة.

وبالجهة الجنوبية من الحضرة تقع منارتان مُغَشّاتان بالكاشي الأزرق يبلغ ارتفاع كل واحدة منها من الأرض إلى فوق (٣٦) متراً. وأما من سطح الحضرة فيبلغ (2٥) متراً، وفي داخل الصحن يوجد (٤٥) إيواناً؛ ١٦ من الغرب و ٩ من الجنوب و 20 من الشرق.

وحدثت حوادث في مدينة سامرّاء في أيام المعتمد، وهاجر الكثيرون من الناس فبعد أن كانت مدينة سامرّاء من أكبر بلاد العالم وأجملها وأكثرها إزدهاراً، فإذا بها انقلبت إلى مدينة مهجورة قلّ ساكنوها، وبقيت محلّة العسكري مأهولةً.

وكان لسامرّاء نهضة علمية لمّا سكنها الميرزا السيّد محمد حسن الشيرازيّ (رَحمهُ اللّه) وصارت إليه الرحلة العلميّة من الآفاق، وكانت في عصره مدرسة عظمى للشيعة في العلوم الدينيّة، وبعد وفاته سنة 1312 ه_؛ عادت إلى شبه حالتها الأولى (1).

العمارة الأولى

حينما حلّت سنة ٣٢٨ ه_ ولم يبق من مدينة سامرّاء إلّا خان وبقّال للمارة، وسقطت سامرّاء عن مركزيّتها، وفقدت مجالسها وبهاءها فتعيّن بعض الناس من بغداد ليقوموا بسدانة تلك الروضة، فكان أولئك الأفراد يرافقون الزوّار إلى سامرّاء ويرجعون معهم.

ص: 42


1- دائرة المعارف الإسلامية الشيعيّة ٧: ٢٤٨.

العمارة الثانية

وفي سنة 337 ه_ قام معزّ الدولة البويهيّ (ت ٣٥٦ ه_) بعمارة المشهد الشريف ؛ فإنّه دخل سامرّاء وأنفق أموالاً جليلة، ورتب للروضة المباركة القوّامَ والحجاب، وعيّن لهم رواتب، وعمّر القبّة الشريفة.

العمارة الثالثة

وقام ناصر الدولة الحمدانيّ (ت ٣٥٨ ه_)، وهو أخو سيف الدولة الحمدانيّ ببناء قبّة على القبرين الشريفين وجعل السامرّاء سوراً وجعل على مرقد الإمامين ضريحين جلّلهما بالستور وبنى دوراً حول دار الإمام، وأسكنها جماعة.

العمارة الرابعة

و في سنة ٣٦٨ ه_ قام عضد الدولة البويهي (ت 372 ه_) بعمارة المشهد المقدّس ؛ حيث بنى الروضة الشريفة بالأخشاب من الساج، ووسّع الصحن الشريف.

العمارة الخامسة

وفي سنة ٤٤٥ ه_ قام الأمير أرسلان البساسيريّ (ت ٤٥٢ ه_) بعمارة المرقد، وأمر بعمارة عالية على مرقد الإمامين، ونصب ضريحاً من خشب الساج على المرقدين.

العمارة السادسة

في سنة ٤٩٥ ه_ جاء الملك بركياروق السلجوقيّ (ت ٤٩٨ه_)، فجدّد أبواب الروضة من أغلى أنواع الخشب، وبنى سوراً للروضة المقدسة، وقام بترميم القبّة والرواق والصحن

العمارة السابعة

قام أحمد الناصر لدين اللّه العباسيّ (ت ٦٢٢ ه_) في سنة ٦٠٦ ه_ بتعمير القبّة والمآذن، وزيّن الروضة الشريفة.

ص: 43

العمارة الثامنة

وفي سنة ٦٤٠ ه_ قام المستنصر العباسيّ (ت ٦٤٠ه_)، ابن الناصر لدين اللّه العباسيّ بعمارة المشهد الشريف، وأمر السيّد أحمد بن طاوس أن يتولّى ذلك.

العمارة التاسعة

وفي سنة ٧٥٠ ه_ قام أبو أويس الجلايريّ (ت ٧٥٧ه_) بخدمات جليلة وآثار عظيمة في المشهد المقدّس

العمارة العاشرة

وفي سنة ١١٠٦ه_ وقع حريق آخر في بالروضة المباركة، فوصل الخبر إلى الشاه حسين الصفوي (ت ١١٣٤ ه_) - آخِر ملوك الصفوية _ فأمر جماعة من العلماء والأعيان أن يرافقوا الصناديق والضريح إلى سامرّاء، وكان دخولهم يوماً مشهوداً، وكتب اسم الشاه حسين على جبهة باب الضريح.

العمارة الحادية عشرة

وفي سنة ١٢٠٠ ه_ قام الأمير أحمد خان الدنبليّ (ت 1202 ه_) _ وهو من حكّام آذربيجان - بعمارة الروضة، وأمر بذلك الميرزا محمد رفيع السلماسيّ، الذي كان من أفاضل عصره، وأمره بعمارة الروضة الشريفة والسرداب والرواق والإيوان والصحن، على ترتيب بناء الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في النجف الأشرف.

وأضاف صحناً آخر، ورواقاً ينتهي إلى السرداب، وبنى الروضة الشريفة بأجمل بناء وأحسن فنّ هندسيّ، وهكذا الأبواب والصندوق، وأضاف صندوقاً وضريحاً للسيّدة نرجس، وضريحاً وصندوقاً للسيدة حكيمة.

العمارة الثانية عشرة

وقتل أحمد خان في نفس تلك السنة، وقام ابنه حسين قليّ خان (ت ١٢٠٧ ه_)

ص: 44

وأكمل البناء.

العمارة الثالثة عشرة

وفي سنة ١٢٨٥ ه_ قام الملك ناصر الدين شاه القاجاريّ (ت 1313ه_) بالتعمير والتجديد، وحمل إلى الروضة أحسن أنواع الرخام الأخضر، ورضعوا داخل الشباك، وكذلك الروضة والرواق والصحن، وقام بتذهيب القبّة المنورة، وترميم بعض جوانب الصحن (1).

العمارة الرابعة عشرة

وفي سنة ١٤٣٥ ه_ في عهد المرجع الديني آية اللّه السيّد علي السيستانيّ - دام ظله - تم صنع الضريح المبارك للإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، اشترك في صناعته أفضل الخبراء والمتخصّصين في هذا المجال، وإنّ الشباك استخدم فيه ١١ طناً من أفخر أنواع خشب الصاج المستورد من ميانمار و 70 كيلو غرام من الذهب، و ٤٥٠٠ كيلوغرام من الفضّة، و ٢٥٠٠ كيلو غرام من النحاس.

والبناء الموجود حالياً صرح جميل بهيج يملأ القلوب انشراحاً، ويشعر الزائرين بالروحانية والمهابة حينما ينظر إليه من الخارج ومن الداخل.

ب: سنة (١٢٨٤ه_) : أرّخ السيّد أحمد العطار بناء روضة العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بالنظم.

«قال [ السيّد أحمد العطّار] مؤرّخاً عام بناء روضة العسكريّين، بناءً لم تسمع [به ] أذنٌ ولم تَرَ مثلَه عَيْنٌ، بشعر :

الا إنّ هذا مشهد قد سما عُلا***فسامى السماء فخراً بمَنْ فيه قد حلّا

ص: 45


1- لا يخفى أنّه قد توالت العمارات على المرقد الشريف على أيدي الملوك والحكّام. ينظر : الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 57/2 ؛ النوبختي، فرق الشيعة: 118 ؛ الأمين، أعيان الشيعة ٣ / ١٧٤ ؛ العزاوي، تاريخ العراق بين احتلالين : ١٦٦/٥ ؛ القرشي، حياة الإمام المهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 108.

تَشَرَّف في تأسيسه أحمدُ الورى***وأسماهم قدراً وأجملهم فِعْلاً

بناه فسوّاه فأتقن صنعه***بأحسن إبداع به بَهرَ العقلا

فقلتُ وقد تمّ البناء مؤرّخاً***سماء علا فاقت على الفلك الأعلى» (1)

أقول: إنّ الدار التي كان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يسكنها مع عائلته في سامرّاء اشتراها من دليل بن يعقوب النصراني، وعاش فيها ودفن في وسط الدار ثم دفن بعض رجالات الأسرة وسيداتها.

ج: سنة (١٢٨٥ه_): رحل الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ مع أصدقائه إلى سامرّاء وألف (رَحمهُ اللّه) فيها كتاباً.

«فصل في تأريخ شدّ الرحال إلى سُرَّ مَن رأى :

اعلم إنّي في أيام إقامتي بمشهد الكاظمين، وإمامتي بهذين الحرمين، واستظلالي بهما من الهواجر، واستجارتي بهما من الزواجر ؛ قليلاً ما شددتُ الرحالَ إلى سامرّاء، مع قُرب المسافة بينها وبين الزوراء؛ لمكان الفقر والفاقة، والعُسر فوق الطاقة، وهذا هو الداء العضال، الذي يمنع الرجال عن ارتقاء مدارج الكمال، ومعارج الجلال، وهيهات مع حرفة الأدب، بلوغ وَطَر أو إدراك إرب، ودَأْبُ الزمن الغشوم، والدهر المَشُوم (2)، أن یَحرم الحذّاق، ويُحرِّم عليهم الأرزاق، ويُحلّ الأموال للجهّال:

فكم جوادٍ بلا راد بلا حمارٍ ***وك______م حم__ار ل___ه ج_______واد (3)

ص: 46


1- فصوص اليواقيت : ٢٦.
2- في هامش المخطوطة: «المَشوم والمَشْئُوم: من الشُؤم ضد اليُمْن». (منه) ينظر : النهاية في غريب الحديث الأثر ٥١١.:٢
3- والبيت لمحمد بن عبد الرحمن أبو بكر القاضي، المعروف بابن قريعة. ينظر : تاريخ بغداد : 120، بما نصه: يا خالق الليل والنهار*** صبراً على الذلّ والصغار كم من جواد بلا حمار***وم_______ن حم__ار على حمار

وأنا أحمد اللّه على أن ليس لي من المال نصيب، وسهمي من العلم المعلّى والرقيب.

المال يذهب حلّه وحرامه***طراً ويبقي في غَدٍ أثامه

ليس التقي بمتّقٍ لإلهه***حتى يسامي في العلوم مقامه(1)

فكان مدّة مديدة، وسنون عديدة، عاقني عن ذلك قلّةُ البضاعة، وحرَمني عن حرمها عدمُ الاستطاعة، فشبَّتْ في ضميري نيرانُ الأثواق، والتهب أُوار (2) الأشواق، فتضرّعتُ إليه تعالى أن يرزقني ذلك، ويوفّقني لسلوك تلك المسالك، فترصَّعَتْ دُررُ أدعيتي المستطابة، في تيجان،الإجابة، وتهيّأتِ الأسباب، لي ولعدّة من الأصحاب، ارتضيتُ خلائقهم، وأمِنْتُ بوائِقَهم، وطارت بروائق ظرائفهم عقبانُ أكداري، وطابت بدقائق لطائفهم ساعاتُ ليلي ونهاري فشدّدنا رواحل الأسفار، وقطعنا مراحل الفيافي القفار، وطاب لنا العيش وصفا، وشفى الدهر مما بنا من داء الفراق ما شفى، وجاد بنُجح بعد ما جفا، فسرنا ليالي وأياماً، نهبط وادياً ونعلو آكاما (3)، وكان شعارنا كلّما علونا قَتَبا، أو قطعنا سَبْسَبا (4)، لقد لقينا في سفرنا هذا طَرَباً لا نَصَبا، إلى أن لاح لنا سواد البلد، فكاد أن يطير منا فرحاً سويداء الخَلَد (5)، فوصلنا في خير وسلام، وفزنا ببلوغ المرام، وألقينا عصا الترحال، وأنَخْنا مطايا الآمال، وزال

ص: 47


1- البيت ليحيى بن معين البغداديّ، والمصرع الأخير في المصادر هكذا «حتى يطيب شرابه وطعامه». ينظر : شعب الإیمان 5: ٦٣، تاریخ بغداد ١٤ : ١٨٩.
2- في هامش المخطوطة: «هو كغُراب، حَرُّ النار، والشمس والعطش، والدخان، واللّهب. القاموس المحيط [٩:٢]».
3- في هامش المخطوطة: «الآكام جمع الأكمة، وهي التلّ أو هي دونَ الجبالِ، أَو المَوْضِعُ يكونُ أشَدَّ ارْتفاعاً مما حَوْلَه، القاموس المحيط [٤: ٧]. والقتب بالتحريك [القاموس المحيط ١: 151]
4- في هامش المخطوطة: «هو المفازة أو الأرض المستوية البعيدة، القاموس المحيط [١: ١٠٨]».
5- في هامش المخطوطة: «الخَلَد البال، والقلب والنفس، القاموس المحيط [٤٠٤:١]. سواد القلب، وسُوَيْدَاؤُه: حَبَّته مجمع البحرين :[3: 73]».

عنّا العَنا، ونلنا المُنى، وتشرفنا بزيارة مراقد الأئمة الكرام، وسادات الأنام عليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام، وداوينا بلَثْم أعتابهم الغرام، ومحونا بذلك عن ألواح أعمالنا الآثام، وأقمنا بفنائها الفسيح، تحت ظِلّ كنف مَنْ بَشِّر به المسيح، ووَدِدْنا المُقامَ بذلك الجناب، الرفيع القباب، السامي الأطناب، إلى أن نُسَوَّدَ التراب، ولا سيّما أنّ هَوا البَلدِ نَسيم، وماءه،تسنيم طابَ رَوْحُ نسيمه، فصح مزاجُ إقليمه، ولم يتخذه الخلفاء داراً للخلافة، إلّا لغلبة،هوائه وعذوبة مائه على الرصافة، لكن أهلَه امْتَطَوا نياق النفاق، واكتسوا ذمائم الأخلاق، كلّ منهم ملأ من العيب عَيْبَتَه، وبَيَّضَ - سوَّد اللّه وجهَه _ بالمساوي شَيْبَتَه، مذهبهم الذهبُ الأحمر، ودينُهم الدينار والأصفر، وإن رأيتَ فيه غير ذلك فهو غريب، أو أنّ ذلك من العجب العجيب ؛ وقد قلت في تأريخ هذا السفر، الذي هو وسيلة الظفر، ببلوغ الوَطَر :

مُذْتَشَّرفْنا لنا بسامرّاء في***غُر أصحاب كِرامِ بَرَرَه

والتجأنا نحو أنوار الهدى***بقلوب قَدْ غَدَتْ مُنكَسِرَه

كُلَّما كانَ مِنَ الذنب لَنَا***بِهِمُ الرَحمنُ أَرْجُ: (غَفَرَه)

١٢٨٥ه_

وقد وردت علينا في أيّام الإقامة بتلك الأرض المقدّسة، والبقعة التي على التقوى مؤسسة؛ ثلاث وعشرون مسألة من المسائل المشكلة، من المولى الحاوي لمحاسن الأوصاف المحبوك الأطراف بالأشراف، الفاضل المتقن، ابن الميرزا محمّد طاهر، المولى محسن، وأملينا الجواب عنها بما سنح بالبال، وتجلّى لمرآة الخيال، مما لم يُسْطَر في كتاب، ولم يجر ذكرها في خطاب، وذلك ببركة أهل بيت العصمة، وأنوار زَيْت الحكمة، أبواب مدائن العلوم، ومفاتيح خزّان الحي القيوم، عليهم الصلاة والسلام مدى الليالي والأيام، فجاء إنشاء شريفاً وإملاء منيفاً، سمّيته ب_(نُزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)، واستغنينا عن تأريخ إتمامه بوضع الأبيات المرقومة في ختامه»(1).

ص: 48


1- فصوص اليواقيت: 79 – 81.

د: سنة (١٢٨٥ه_): تأليف كتاب (نزهة القلوب والخواطر) في سامرّاء.

قال في آخِر (نزهة القلوب والخواطر) ما نصه:

W«فالحمد لله الذي تفضّل علينا بفتح مغالق تلك المسائل بالبراهين والدلائل، وحَلِّ عُقَدِ تلك الأخبار، بدقائق الأنظار والأفكار، مع أنه لم يكن يحضرني عند الإملاء كتابٌ أستعين به على وجوه الإفادة في الجواب، فإنّي كنت متشرّفاً يومئذ بزيارة أئمّة سامرّاء، الذين هم كهف الشيعة في الضرّاء والسرّاء، ومع ذلك جاء ببركتهم كتاباً شريفاً جُمِعَتْ فيه الشوارد، وجواباً ظريفاً جَمَّتْ فيه الفوائد، وتحريراً لطيفاً نُظِمَتْ في سلكه الفرائد موسوماً بنزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر، ولما كان إملاؤه وإنشاؤه في تلك البلدة المقدّسة، التي هي على التقوى مؤسّسة، اكتفينا عن تأريخه بنقل أبيات أرّخنا بها تَشَرِّفنا بسامرّاء، وهو من أحسن التواريخ من غير مِراء، وهي هذه:

مُذْتَشَرَّفْنا بِسُرَّ مَنْ رَأَى***مَعَ أصح__اب ك____رام بَرَرَه

واسْتَجَرْنا بِأَئِمَّة الهُدى***بقلوبِ قَدْ غَدَتْ مُنكَسِره

كُلَّما كانَ مِنَ الذَنْبِ لَنَا***بِهِمُ الرَحمنُ أَرِّخْ: (غَفَرَه)

١٢٨٥ه_

فالحمد لله المحسن إلى عبيده، والصلوة والسلام على رسوله، محمد الذي كساهم خلع توحيده، وآله المتوجّين بتاج تقديسه و تمجيده ما لاح بدر تمام وفاح مسك ختام».

ه_ سنة (١٢٨٧ه_) : مجيء ناصر الدین شاه إلى العتبات للزيارة.

توجّه ناصر الدين شاه إلى العراق في الخريف ومعه من الأمراء والوزراء ورجال دولته وأعيان مملكته والأطبّاء وجنوده، ما يقرب من اثني عشر ألف فارس وراجل.

دخل أرض العراق في ظهر يوم الأربعاء لليلة بقيت من شعبان سنة ١٢٨٧

ص: 49

ه_، وركب إلى زيارة مشهد الإمامين الجوادين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثم توجّه إلى مرقد حضرة سلمان الفارسيّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ليلة الميلاد النبويّ، ثمّ ارتحل يوم الخميس لستّ مضين من شهر رمضان المبارك إلى كربلاء المقدّسة، ثمّ توجّه إلى زيارة الحرّ، ثم ركب وانصرف، وعطف العنان إلى النجف الأشرف، فلمّا نال المقصد وقرب من باب البلد، وأدرك ما نوى ترجّل عن ظهر جواده عاجلاً ومشى راجلاً إلى أن ورد الصحن العلويّ، فمرّغ وجهه بغبار أبواب من قام الوجود بوجوده؛ أسد اللّه الغالب، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ وقال الميرزا محمّد بن عبدالوهّاب الهمدانيّ عن لسانه في تأريخه: (تَشَرِّفْنا بالزيارة: 1287 ه_) ؛ ثم رجع ماشياً إلى وادي السلام، ثمّ زار مرقد نبييّ اللّه صالح وهود (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثم ذهب إلى المسجدين السهلة والكوفة وزار قبري مسلم وهاني، وأتى بالأعمال، ثم عاد إلى النجف الأشرف، ويتقرّب إلى اللّه تعالى بإهداء ما يُعلّق من الهدايا في ذلك المقام العظيم، ولمّا أراد الوداع تشرّف بلقاء الميرزا محمد حسن الحسينيّ الشيرازيّ؛ فإنّه لم يكن في زمرة من استقبله من العلماء، ولا من جملة من زاره في المخيّم من الفقهاء، ثم عاد إلى كربلاء المقدّسة، ثم عاد بعد ليالي القدر إلى بغداد وقدّم الهمدانيّ يوم العيد إليه ما ينيف على ثلاثين مجلداً من كتبه، ففوَّضَ إلى الهمدانيّ القضاء، وكتب في ذلك منشوراً، ثمّ ركب إلى سرَّ من رأى لزيارة الأئمة الكرام.

هذا ملخّص مجيء ناصر الدين شاه إلى العتبات للزيارة، واستفدت كلَّ ما كتبته من كلام الميرزا محمد الهمدانيّ في (فصوص اليواقيت)(1)، ويأتي حكاية مجيئه إلى سامرّاء بما نصّه:

«ثم ركب قلوصَ (2) الخلوص، في ثاني شوّال وسار، وجد في التَسْيار (3)، كالفلك

ص: 50


1- فصوص اليواقيت : ٩٥ - ١١٤.
2- في هامش المخطوطة: «القلوص من الإبل : الشابة. القاموس المحيط [٢: ٤٨١]».
3- قال السيّد مرتضى الزبيديّ (ت ١٢٠٥ه_) : «التسْيار - بالفتح : يُذْهَبُ به إِلى الكَثْرَةِ، وهو تَفْعَالُ من السَيْر». تاج العروس ١: ٥٥٩.

السيّار، إلى سُرِّ مَن رأى لزيارة الأئمة الكرام، عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام؛ فتشرف بتقبيل تلك الأعتاب المباركة، التي هي مطاف الملائكة، مكفكفاً سيل عبرته على تشتّت آل الرسول وعترته، وافتخر على الملأ الأعلى بنزوله إلى السرداب، الذي لم يَحْدَوْدِب الفلكُ الأثير إلا للثم ثراه المستطاب، وعطّر جبهةَ افتخاره بعبير تراب أعتابه الوسيعة الرحاب، ولمّا قضى من زيارتهم الوطَر، وفاز ببلوغ المرام، رجع إلى بلاده في خيرٍ وسلام، متزوّداً ما يكون له زينة بين الأنام، ومزنة لدى الأوام.

فلا زال للدين رُكنا حَريزاً***ويَنْصُره اللّه نصراً عزيزاً(1)

وقد نظمنا في تأريخه على الارتجال، هذه الأبيات الفائقة على نظام اللآل :

مَلِك الفرس ناصر الدين لمّا***قد سعى مُخرماً إلى عتبات

بِرجال أعزةٍ وجنودٍ***خافقات الأع___لام وال___راي___ات

ونساءٍ ما أبرزت قطُّ يوماً***من خُدُورٍ وخُرَّد خَفِرات

لِيَزُوروا الأطهار من أهل بيت***المصطفى بالعراق والطاهرات

ويحوزوا سعادة الدين و***الدنيا وينالوا شرائفَ الدرجات

مخلص الحبّ في الولاء مليك***مثله لا أت___ى ولا ه__و آتي

شكر اللّه سعيه حين وافَى***مُستجيراً من طارق الحادثات

وأتاه النداء أه_ __لاً فأرّخ***(بمليك سعى إلى العتبات)

1287»(2).

و سنة (1287 ه_) : بنى أحد السادة الشُبّرية داراً في سامرّاء.

«السيّد حسين ابن علّامة العلماء، ومَن كتبه المنشورة في الأرض كالنجوم المنثورة في السماء، السيّد عبد اللّه طاب ثراه، نجل المولى الأفخر، السيّد رضا شبّر الحسينيّ الكاظمي، قطب رحى السعادة والسيادة، ومَن له صدرُ الوسادة بين الأئمّة

ص: 51


1- مقتبس من قوله تعالى: «وَيَنْصُرَكَ اللّه نَصْراً عَزِيزاً». سورة الفتح : ٣.
2- فصوص اليواقيت : ١١٣ - ١١٤، منتخب فصوص اليواقيت : ٢٣ - ٢٤.

والسادة، يعظّمونه لجلالة شأن أبيه الأكرم، ومن أجل عين ألف عين تُكْرَم، وإلّا فليس هو على ذلك السر، ولا يعرف هِراً مِن بِرّ، بنى في سُر من رأى داراً، هي بالنسبة إليه كقصر قيصر (1) ودار دارا، والتمسني مرّات، إنشاء تأريخ له في أبيات، فقلتُ:

ي__ا م__ن ح__وي__ت مح__اس__ن_اً***لانستطيع لهنّ حَصْرا

كلّفتني تأريخ بنيان***محا إي_وان کسری

لوش__ام__ه ه__ام____ان ه_ام***و صَرْحُه في مِصْرَ خَرّا

أو ع_______ادَ ع_ادٌ رام من***إرم مفرّاً لا مقرّ

نثر السماء عليه من***أفق العلى بدراً وزهرا

قم حامداً دُم خالداً***أرّخْ: (فَقَدْ شَيَّدْتَ قَصْرًا)

1289 ه_ » (2)

ز: سنة (١٢٩٠ه_) : رحلة الميرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ (ت ١٣٠٥ه_) إلى سامرّاء.

ح: سنة (١٢٩٠ه_): رسالة إلى حضرة السيّد محمّد رديف باشا، فكتب عنها السيّد محمّد رديف رسالة إلى قائم مقام قضاء سامرّاء، ثمّ كتب قائم مقام قضاء سامرّاء رسالة إلى الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ بإجراء حكمه بالنسبة إلى حوادث سامرّاء، بما نصّهما:

ص: 52


1- في هامش المخطوطة: «عجباً لقوم يعجبون برأيهم***وأرَى بعقلهم الضعيف قصورا هدموا قصورَهم بدار بقائهم***وبنو لعمرهم القصير قصورا». البيتان لعمر بن الحاكم الزاهد أبو سعد محمد بن محمد المعروف ب_ (الأشقر). ينظر : دمية القصر وعصرة أهل العصر 2 : 1029 / الرقم: 82، الوافي بالوفيات ٢٢: ٢٩٧.
2- فصوص اليواقيت: ١٥٩ - ١٦٠.

فصلٌ في شدّ الرحال إلى سامرّاء

واعلم أنّي في أيام إقامتي بالزوراء، لا زالت محضّرة الأرجاء، لم يَسُقْنِي التوفيقُ إلى سُرّ مَن رأى في كلّ عام؛ لتمريغ الجبين بتراب أعتاب الأئمة الكرام، وتعفير الجباه بغبار أبواب خلفاء الملك العلام - عليهم الصلاة والسلام-، لا لضعفي عن الطاعة؛ بل لعدم الاستطاعة، وهو سُنّة الدهر في ورثة الأنبياء وتلك حوادِثُه، وعلى ذلك تمضي إلى قيام الساعة ثواني الفلك الدوّار وثَوالِتُه، وقد مضت أربعة أعوام حرمني البختُ الأتعس الإحرام لحرمها الأنفس، ولم تساعدني حظوظي التي على النحوسة والإدبار مؤسّسة، على الإقبال والتوجّه إلى تلك الناحية المقدّسة، فكادت نفسي تطير شوقاً إلى جنابهم وروحي تسير مع الركبان إلى أعتابهم، وامتدّ عليَّ الليل وأظلم النهار، واستعَرَتْ نيرانُ أشواقي أي استعار، وأزلفت إلى المحن، وضاقت عَليَّ الأرض برحبها فضلاً عن الوطن، فدعوتُ اللّه القدّوس، أن يكشف ما بي من البؤس، ويفرّج عنّي مضائق هذا الزمان العبوس، فهتف بي هاتفُ الرجاء، من تحت عرش الالتجاء، تَرَقَّب الفرج فإسْفارُ فَجْرِه قريب، واللّه - جل شأنه _ على كلّ شيء رقيب، والصبر لغياهب الشدائد مصباح، ولنيل الفوائد مفتاح، فلم تمض أيام إلّا وفَرَّجَ اللّه تعالى عنّي المضيق، وجعل لي التوفيق خير رفيق، فشددتُ الرحال إلى تلك الرحاب المباركة، والقباب التي هي مطاف الملائكة، فلا زالت ترفعني نجاد وتخفضني وهاد، إلى أن حللت بواديها، ونزلتُ بناديها، ولذتُ بنقطة دائرة الوجود، والدرّة الفاخرة البارزة من عيلم العلوم وكنز الجود واستجرتُ بخلاصة أسرار الغيب والشهود، وبَرّدْتُ غليلَ فؤادي بالحلول في السرداب المقدس، وارتفع رأسي فيما بين الملائكة بهذا النزول، كأنّي قد صعدت إلى الفلك الأطلس، وداويتُ ما بي من الأسى، واقتبستُ قبساً من أنوار أصحاب الكساء.

ولما كان أكثر هذا البلد مائلين في جمع المال، ذاهلين عن المآل، قائلين في ظلال الضلال، مغرمين بسلب الزوّار، وجلب الدينار، وأذى الوفود لكسب النقود، إذا

ص: 53

رأوهم أحاطوا بهم إحاطة جنود الشيطان، بأهل الإيمان لإغواهم عن الشرائع، أو إحاطة اللصوص بالتجار لاستقراق البضائع واحتوشوهم كما احتوش الكلابُ صَيْداً، وأجلافُ الكوفة سليلَ الرسول رنداً، استدعيتُ من وزير الزوراء أن يكتب إلى عامله هنالك، كتاباً يأمره فيه أن ينهاهم عن ذلك.

وهذا مثال ما كتبته من الاستدعاء:

سلام بلا نهاية، يهدي إلى ناشر أعلام الهداية، وكاسر أصنام الغواية، ومن فتوحاته المترادفة ليس لها غاية حضرة والي الولاية أفنديا السيّد محمد ردیف پاشا، ۔ أعاشنا اللّه تعالى في ظلّه، وزادنا بِعَدْلِه انتعاشا-.

أما بعد، فإنّ الداعي لكم في الضرّاء والسراء، عازم على زيارة سامرّاء، وقد بلغني أنّ خُدام تلك البقعة المباركة، التي هي مطاف الملائكة، يصدر منهم أذايا وعدوان، على زُوّار البلدان، يغلقون عليهم أبوابَ الحَرَم، ويهتكون منهم الحُرَم، ويمنعونهم من زيارة الأئمة الأمم، ويبادرون عليهم بالسبّ والضرب وما يكلّ عن شرحه القلم، إلى أن يأخذوا منهم وهم سبعون أو يزيدون من الدراهم والدنانير ما يُريدون، وكأنّهم واضعون على النفوس كُمْرُك، وحاش للّه تعالى أن يرضى بذلك أمرك، فالرجاء كتابة أمر محتوم، ومنشور غير مختوم للمتصرف الذي هناك، والتأكيد في صرفهم عن ذاك، ومنع السامرِيّ، عن عمل السامرِيّ، وإرسال الأمر السامي، والمنشور النامي، إلى الداعي حتّى استصحبه معي إلى المتصرف الألمعي دمتم، كما رمتم.

18 رجب 1290 ه_

خادم الشريعة النبويّة، الداعي للدولة العليّة

الميرزا محمد الهمدانيّ - عفي عنه -

فكتب في الجواب:

سلام نُهْدِيه، وثناء يليه على الإمام الفقيه والهمام الوجيه، ميرزا محمد همدانيّ

ص: 54

زاده، أناله اللّه الخير وزيادة.

أمّا بعد: فقد استأنسنا بما في كتابك من التحبّب إلينا، والتقرّب لدينا، لكن استوحشنا مما أفدتَه من أعمال خدّام سامرّاء، وتعدّيهم على زوّار تلك البقعة المنوّرة والتربة المعطّرة التي هي مزار ملائكة السماء، جلباً للمنافع، وحبّاً للمطامع، فبِئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العِباد، وإنّما أهلك الناس الدرهم الأبيض والدينار الأصفر، فكتبنا في ذلك أمراً نافذاً إلى القائم مقام، ووصّيناه بالزوّار وسائر الأنام، وأنّه يبالغ في تأديب الخدّام، وسيّرنا الأمر إليك، فاستَصْحِبه معك، وقم بالاستصلاح كما يلوح لديك.

22 رجب 1290 ه_

السيّد محمّد رديف

وغمد ذلك أنذرت قائم مقام قضاء سامرّاء بهذا الكتاب المُر الخطاب:

سلام أصفى من الدرّ الثمين، يهدى إلى الحصن الحصين، والركن المكين، ومن استناد سيّما علياه الجبين، صاحب الفتوة محمد أمين، لا زال محفوظاً بالروح الأمين.

أمّا بعد، فقد تواترت لدينا الأخبار عن أخبار الزوّار، بتعدي الخَدَمة، وتصديهم للصَدَمة، والمنع من دخول الحرم وسرداب الغيبة، إلّا أن يملأ العَيْبَة، فأخبرنا بذلك الوزير، والدستور الكبير، والي بغداد، ومن مراحمه المترادفة ليس لها من نفاد، فأمر بتحرير أمر نامه نامية، إلى حضرتك السامية، في منع الخدّام عن الأذايا، والكفّ عن التعدي على البرايا، وها نحن نستصحبها معنا عند التشرّف بتقبيل تلك الأعتاب، وتعفير الجبين بما فيها من التراب، فالمأمول منك أخذ التعهّد والالتزام، من جميع الخدّام، بأنّ من ارتكب ذلك في غابر الأيام، وسائر الشهور والأعوام، فعليه الجزاء الجزيل، والنكال الطويل، وما يطيل منه العويل ولك في ذلك الأجر الجزيل، والتبجيل والتنويل.

23 رجب 1290ه_

ص: 55

فكتب في الجواب:

جناب الأعلم الأفضل، والأرشد الأكمل، الميرزا محمّد أفنديّ المبجّل، بهذه الدفعة وردنا كتابكم، وسرَّنا خطابكم، وما ذكرتم فيه صار معلوم محبتكم من حال الزوّار أنّه يحصل عليهم نوع تعدّ، وتلتمسون رفع ذلك من طرفنا، فغير خفيّ على جنابكم أنّ جلّ أفكار الحكومة السنّية، وأعظم ما تأسّست عليه القوانين المرعیّة، هو محض استراحة المتردّدين، والظاعنين والقاطنين، وذلك فريضة ذمّة المأمورين، فلا نزال مدى الأيّام، صارفين الاهتمام، ومزيد السعي والإقدام، بمحافظة الزوّار، وتفقد أحوالهم في الليل والنهار، ويوم التحرير قد أجرينا التنبيهات الأكيدة في ذلك، نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا وإيّاكم لمثل هذه الخدمات، ويقينا من سوء الحركات في الحياة وبعد الممات، والسلام.

15 شعبان 1290 ه_

قائم مقام قضاء سامرّاء

فاستصحبنا المنشور، وجرى منّا ما جرى عليهم ممّا ذَكَّرهم يوم النشور، ولمّا أحرمتُ لذلك الحرم الرفيع القباب، وحللتُ في المحلّ العالي الوسيع الرحاب، وعَطّرت جبهة افتخاري بعبير تراب تلك الأعتاب، وتمسّكتُ بوثيق عُراها التي ليس لها انفصام، قلتُ مؤرّخاً لذلك العام، جاعلاً لهذا الفصل ختام الفصول، ونِعم الختام:

وفدنا بلا زادٍ إلى سُرَّ مَنْ رأى***نَؤُمُّ كِراماً سَيْبُهم ليس يُحْصَرُ

فواضلُهم في العالمين تواترت***فضائلهم فيها إلى الحشر تُنْشرُ

تَنَزَّلُ أملاكُ السماء بقبورهم***فتسجد بالأعتاب منهم وتشكرُ

قُبورٌ بها حَلَّتْ ب__دور ونورُها***إلى العرش والكرسيّ يزهو ويزهرُ

ص: 56

فما القدس؟ ما الأقصى؟ وما الركن؟ ما الصفا؟***وما الحجر ؟ ما البيت العتيق ومَشْعَرُ

فلُذْتُ بهم والقلبُ مني خاشعٌ***ودم__ع__ي س_َ_يّالٌ وذنبي أكبرُ

فُنُوديتُ إِنّ اللّه فضلاً ورحمة***لَمَنْ زارَهم قد صح أرّختُ: (يَغْفِرُ)

1290»(1).

ط سنة (١٢٩٥ه_) : تشرّف الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ إلى سامرّاء لزيارة أئمة سامرّاء.

«فصل في تأريخ تشرفنا بزيارة سامرّاء:

ولمّا أوقدت من جمر جرمي ناراً***نريد في جوانحي وجوارحي شراراً

واستحالت جحيماً سفينة ذاتي***من نيران أفعالي وصفاتي

وكلّما أطفيها بمياه دجلة عيوني عادت جحيماً، وزادت حميماً، ركبت سفينة النار، المشحونة بالأوزار، قاصداً سفينة النجاة، مع بضاعة مُزجاة، لأحمد بتقبيل أعتابهم نارَ إجرامي، وأطفي بزلال إفضالهم شرار آثامي، فسارت في الشط من الزوراء، وطارت إلى سامرّاء، وخاضت الخمار يسوقها البخار، ويسيّرها الشرار، وحشو حشاها لهيب النار، إلى أن تراءت الأنوار للأبصار، وتلألأت الأشعة المتشعشعة من قبّة النظار للأنظار ؛ فأنشدت أقول شعراً:

قبّة للعسکریّین بدا***نورها يشرق ملأ المشرقين

كم أقرّت عين من والاهما***ولكم أق_ذت لأه_ل النَصبِ عين

فلم تمض ليلة ونهار، إلّا ورست على جودي جود هؤلاء الأطهار، ووقفت على شريعة سامرّاء فخمدت النار، وصارت برداً وسلاماً، ونلت بذلك فضلاً وإنعاماً، قلت في تأريخ ذلك:

ص: 57


1- فصوص اليواقيت: ١٩٠ - ١٩٤.

سفينة غمّي (1) جمرها متوقّد***بجرمي وفي قلبي لهيب وإسعار

وعيني أسالت دجلة من مدام_______ع_ي***وفي ذاك أعصار تلظّى به النار (2)

وفي فلك دخان ركبت بدجلة***وفيه بخار ثمّ نار وإعصار (3)

أروم به به فلك النجاة وم_______ن بهم***تخفّف (4) آثام وتنحطّ أوزار

ملوك بسامرًا حموا نازلاً***لهم عسكر ملء السماوات جرّار

أولئك أرباب الحفاظ الأولى بهم***سفينة نوح سرّها سار إذ ساروا

ولمّا بهم رمى (5) فلكي بجودي جودهم***نجوت وقد أرّخته (خمدت نار)

١٢٩٥ه_

وقلنا أيضاً:

نغيم أجراً وافراً من زارهم***لذاك قد أرّخته: (أجراً غنم)

١٢٩٥ ه_ » (6).

٣. رسالة من إمام الحرمين إلى آية اللّه الميرزا محمد حسن الشيرازيّ.

(نامه نامي) مجموعة من رسائل الميرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ بالفارسيّة، تحتوي على ٦٢ رسالة من خيرة رسائله جمعها محمّد صادق بن ميرزا حسين الشيرازيّ بخطّه الجميل، كتبها بالكاظميّة في مشهد الكاظمين، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ١٣٠١ ه_ -- يعني في حياة المؤلّف-، وفي أوّله مقدّمة قيمة في ترجمة المصنِّف من قبل جامعها، ولا يستبعد أن تكون هذه المجموعة تمّ إعدادها بتوجيه من المصنِّف

ص: 58


1- في منتخب فصوص اليواقيت: (ذاتي).
2- في منتخب فصوص اليواقيت: (ولم تطف نيران الجوى وهي مدرار) بدلاً من هذا المصرع.
3- في منتخب فصوص اليواقيت: (وفي ذاك أعصار تشب به النار) بدلاً من هذا هذا المصرع.
4- في منتخب فصوص اليواقيت (تساقط).
5- في منتخب فصوص اليواقيت : (ولمّا رسي).
6- مجموعة في التواريخ الشعرية : ١٤ - ١٥.

ورغبة في ذلك.

وفي الرسائل ذكر جماعة من معاصريه من الساسة والعلماء، وبما يرتبط بتأريخ الدولة العثمانية والقاجاريّة والأوضاع السائدة آنذاك في بلاد العتبات المقدّسة، والرسالة السادسة والأربعون إلى حضرة الحاج ميرزا محمد حسن الشيرازيّ (ت ١٣١٢ه_) في سامرّاء يوصيه بمساعدة محمد كاظم الدولت آبادي بما نصّه:

«به عرض میرساند عمده مطلب استفسار از مجارى أحوالِ محاسن مآلِ جناب متعال است؛ امید است قرین صحت وعافية وسلامت و استقامت باشید.

ضمناً عرض می شود حامل عریضه - آقا محمد کاظم دولت آبادی زاده _ اگر چه از سلسله تجارت است، ولی اعراض از تجارت معارف اقبال؛ چون تحصیل علوم در بغداد به جهت فقدان همزبان اشکال محرم کعبه حضور شده که در سایه بلند پایه جناب متعال از افواه رجال اخذ علوم و افشاء آداب رسوم نماید، یقین است مراحم خود را از او دریغ نخواهند فرمود، و السلام» (1).

تعریب رسالته:

«السؤال عن أحوالكم عمدة مطلبي، أرجو أن تكونوا بصحّة وعافية وسلامة.

ضمناً نعرض لكم أنّ حامل الرسالة - الآقا محمد کاظم دولت آبادي زاده - ولو كان من أبناء التجّار، ولكنّه أعرض عن التجارة وأقبل لتحصيل العلوم والمعارف الدينية، ولكن بسبب عدم وجود أحد من أهل لغته ولسانه في بغداد عزم ترك بغداد والتشرف بخدمتكم حتى في ظلّ توجّهكم أخذ العلوم من أفواه الرجال ونشره، نرجو التفضّل عليه بذلك».

ص: 59


1- نامه نامی (ضمن مجلة پیام بهارستان): ١٦٧، رقم الرسالة : ٤٦.

٤. تقريظ آية اللّه الميرزا محمد حسن الشيرازيّ على كتاب الهمدانيّ الموسوم ب_ (المشكاة في مسائل الخمس والزكاة).

قال الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ:

«صورة ما كتبه مجتبى الزمن بعد شيخنا المرتضى، ومن ألقت إليه الناس أعنّتها بالرغبة والرضا، الميرزا محمد حسن الشيرازيّ نزيل النجف على ظهر كتابنا الموسوم ب_: (المشكاة في الخمس والزكاة):

بسم اللّه الرحمن الرحيم، وبه نستعين.

الحمد لله الذي يؤتي الفضل من يشاء من عباده، والصلاة والسلام على رسوله محمد الذي اجتهد في كلامه وتبليغ،مراده وآله الذين جاهدوا وبذلوا مهجهم وأنفسهم في هداية الناس إلى سبيل رَشاده،

أمّا فقد نظرت وتفكّرت فيما حرّره نور حدقة الفراسة، ونور حديقة الكياسة والرياسة، شمس فلك الهداية، نجم أفق الدراية، العالم المعتمد العامل، الفاضل المجتهد العادل، قدوة أرباب الفضيلة، الحائز للملكة الجليلة، والعلم والاجتهاد الواضح، والفضل والاستعداد اللائح، الميرزا محمّد الهمدانيّ، ابن الحاجّ عبد الوهّاب؛ فوجدته ينبئ عن علم وافر، وفضل زاخر، وقد ذلّل بالدلائل صعاب المسائل، وكشف حجب المشاكل، كساه اللّه تعالى حلل العزّ والتوفيق، وجعل له الإقبال خير رفيق.

حُرّر عن الراجي عفو ربِّه الغني المغني، والمفتقر إلى فضله السني، الأحقر محمد حسن الحسينيّ»(1).

ص: 60


1- الشجرة المورقة : ٥٠ - ٥١.

٥. ما كتبه الميرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ إلى الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظميّ (ت 1308 ه_ ) حين وقوع الطاعون في بغداد.

قال الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ:

«ولما وقع الطاعون في بغداد، وفرّ الشيخ محمد حسن بن ياسين الكاظميّ إلى الصحارى والبلاد؛ كتبنا إليه وهو في سرَّ من رأى، ما مثاله:

السلام على أئمّة الهدى، وبحور الندى روحي وأرواح العالمين لهم الفِدا، ولقد حفظوا شيعتهم عن الردى، على رغم أنف العدى، وما تركوهم وإن غابوا عنهم سدى، ثمّ نهدي درر دعوات يستوجب قبولها حمداً وشكراً، وغرر تسليمات تظهر أشعّتها في جباه المودّة شمساً وبدراً، إلى من لبس جلباب الفخار، واكتسى ثياب الوقار وارتدى برد العزّ والافتخار، والجاه والاعتبار، شيخنا المؤتمن، الشيخ محمد حسن - لا زالت أيام عمره غرّة في جبهة الزمن -.

أمّا بعد: فإنّ الإنسان إنّما يعرف بعد الفقدان، وما دام هو فيها لا يعرف لها قدراً، ولا يجيل فيها فكراً، ولا يطيل لها شكراً، فإذا فُقدتْ حنّ إليها، وقرّع السنّ عليها، وأنا وإنْ لم أكن حين كنتَ بهذه القصبة من زمرة يزمرون لديك، ولا من الطوّافين غدوة وغشية عليك، إلّا أنّ كونَك في البلد كان للعين قرّةً، وللقلب مسرّةً، وللنفس مبرّةً، وإذا رأيتك ولو في الشهر مرّةً انكشقت عنّي الغموم والمضرّة، ولم يبق في نفسي من الهموم ذرّة، والآن قد سلب بعادك عنا الراحة، وأوحشنا فراقك ففقدنا الاستراحة، نسأل اللّه أن يجمع شملنا عن قريب، إنّه قريب مجيب.

ثمّ إن سألتَ عن الموت الذي فررتَ منه إلى الفلاة، فقد خطّ منه إلى الفلاة، فقد خط على خطة بغداد مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وبلغ أربعين إلى خمسين، على اختلاف الأيام، عدد الأموات، وقد اشتدّ كمّاً وكيفاً عند دخول القمر في برج العقرب، ولدغهم بأبرة الفناء؛ بل هذا أقرب.

ص: 61

وأمّا في المشهد الكاظميّ فالأمر أهون من أن تذكر، والسر أبينُ من أن يُسطر، نعم أثّر برج العقرب شدّه، فسقا فسمّ الموت عده، وعجّل اللّه الفرج بعده، ثمّ اشتدّ الأمر فبلغ عندنا العدد عدّة الشهور ونقلوا من بغداد إلى ثمانية عشرة جنازة على ما هو المشهور، سوى ما فقد من أهل الذمّة والجمهور، وقد أصبت أنت من الفرار، من هذه الديار إلى القيافي،والقفار من الموت الذي سلب عنا القرار، وإن كثرت فيك القالة؛ فلا بأس عليك فإنّ الفرار ممّا لا يطاق من سُنن المرسلين، وماورد من أنّ الفرار من الحتف كالفرار من الزحف، فمؤول _ وإن كان بعيداً _ بالجهاد مع المشركين، ثمّ خف الأسر، ثمّ اشتدّ فأفنى من جملة العمر، وهذا شأنه يتوارى وراء أستار الليل والنهار، ثمّ يظهر فجأة فيغير لنهب الأعمار، فيلعب مع الصغار والكبار، لعبة الاختباء التي كنّا نلعبها إذ نحن صغار، فيخفى ويخفّ يوماً، ويظهر فيفني قوماً؛ فالمرجو أن تدعو لنا في السرداب المقدّس، والحرم الذي على التقوى مؤسّس، بالفرج وسهولة المخرّج، شعر:

ودعوة صدري من نيّة خلصت***لا شكّ أن يستجيب اللّه داعيها»(1)

٦. ما كتبه الميرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ عن حادثة وقعت حين تشرّفه في سامرّاء.

قال الميرزا محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ:

«ومن الحوادث التي اتّفقت من غير داعٍ وباعثٍ: أنّ الجاهل المغرور، الذي أنفه في السماء وإسته في الماء من الغرور، خازن روضة العسكريّين سلام اللّه تعالى عليهما على كرّ الجديدن(2)، السيّد علي بن السيّد حسين، كان جالساً في مجلس مدير مدائن الأنصاف، ومدار محاسن الأوصاف، محمد أمين أفندي المفوّض إليه إدارة

ص: 62


1- المحاسن: ٣٩ – ٤١.
2- كذا في الأصل

سامرّاء، كان اللّه تعالى له في الضرّاء والسرّاء ابن الصارم الهنديّ، عبد الرحمن أفندي، وكان المجلس غاصّاً بأعضائه، من أجلّاء البلد ورؤسائه، وكان المدير جالساً في أحد صدري المجلس الأزهر، والخازن في الصدر الآخر، ودونهما الأعضاء على حسب مراتبهم، ومقتضى مناصبهم، فبينما هم في فصل خصومة، وإجراء حكومة، إذ دخل عليهم القالب الصمدانيّ، عمر أفندي القاضي العاني، وحمل على الصدر، زعماً منه أنّه رفيع،القدر، ورام أن يزحزح الخازن عن مسنده، ويؤخّره عن مقعده، وهذا طبع القضاة ولا سيّما قضاة عانه، فإنّهم يغيّرون على الصدر ولو أصابتهم إهانة، لما بهم من داء ذات الصدر والجنب، الذي لا ينفع فيه دواء الطبّ.

لا يخرج الطبع حتى يخرج الروح***فالطبع والروح ممزوجان في بدن

فلم يتحرّك الخازن من مكانه، ولا اعتنى بشأنه، ولا رفع له جحراً(1)، ولا أدار له ظهراً، لما به [من] الغرور والتكبّر، والفرعنة والتحجّر، فالتفت القاضي يميناً وشمالاً، وتنفّس الصعداء إملالاً، وتأوّه أنيناً، وتأفف حزيناً، وتململنِديفاً، وتوجّد أسفاً وقال ثكلتك الثواكل، ونزلت بك النوازل، هذا مكاني ومحلّي، الذي يقتضيه شأني، رغماً على أنف الشاني، فإنّي قاضي الإسلام والحاكم على الأنام، والمنصوب من قبل منقّش الأحكام، فويل لك مما اكتسبتَ، وتباً لك ممّا ارتكبتَ لقد أتيتَ بما حيّر العقول والخواطر، وأذهل الألباب والسرائر، وجلست مكاناً لا يليق بشأنك، ولا ينبغي لأقرانك

ما الصدر إلّا لأهل العلم إنّهم***إلى الهدى لمن استهدى أدلّاء

فقال الخازن المتفاخر، متموّجاً كالبحر الزاخر:

أبكي وأندب ملة الإس__________لام***إذ صرت تقعد مقعد الحكّام

إنّ الحوادث في الزمان كثيرة***وأراك بعض ح_وادث الأي_ّام

ص: 63


1- كذا في الأصل ولعل الصحيح: (حجراً).

الزم حدّك يا عمر، ولا تتجاوز رشدَك، فسأضليك سَقَر، فإنّ هذا مكان آبائي الكرام، وأجدادي العظام، الذين هم صدور المجالس، وبدور الحنادس، ثمّ التصدّر على أمثالك، والجلوس على يد أشكالك، هو مقتضى منصبي، وعلى حسب حسبي، فضلا عن نسبي، فإنّي تحت راية الدولة العليّة العثمانية، وفي حماية الدولة السنيّة الإيرانيّة، وما أنت والصدر يا وضيع القدر ؟!، أما أنت من أهل عانه، الذين هم أخس من شُعيرات العانة. ثمّ أزبد وأنشد:

لست صدراً ولا قرأت على صدر***ولا ما ادّعيتَه بالعيان

لعن اللّه ك___ل ع_ل_م وف_ق_ه***وحديث ي_ُ_ؤت__َ_ى ب__ه م__ن ع_اني

وبعد ما جرّد سيف لسانه وطعنه بسنان بيانه قام وهو مغتاض، وقال: اقض ما أنت قاض (1)، فطافت على القاضي طوائف الأحزان، وأحاطت به جنود الأشجان، وقام وهو من الغيظ يلتوي، وكالكلب المطعون ينتبح ويرعوي، وقال: فوحقّ قاضي الحاجات للبريّة، وحبيبه القائم مقامه في الرعيّة، لأركبنّ اليوم، وأرفع أمري إلى أمير القوم، باسط بساط العدل بين الأنام، حبيب أفندي القائم مقام، فلقد أصبحت في القوم أضيع من البدر في ليالي الشتاء وسلبوني - سلب اللّه عنهم نعمته - بردي القضاء والافتاء. فخرج من مجلس المدير، ونهض إليه بعض أهل التزوير، ممن بينه وبين الخازن كدورة، وعداوة ونفورة، وقدّم إليه حصاناً، وسيّر خادماً، وما معه إحساناً، وقال له : سرْ فإنّك من الآمنين، ولا تخفْ فأنا لك من الضامنين. فركب وسار مستلباً عنه القرار، وما خرج من السور إلّا وأحاط به آحاد يزعم أنهم غلمان الخازن المزبور، فأنزلوه من الحصان، واحتفّوا به من كلّ جانب ومكان، وضربوه بالمسحاة والفاس، إلى أن انقطعت منه الأنفاس، ودقّوه دقّاً نعما، حتى ظنّ أن وافاه الأجل المسمّى، فسقط ملقى على الأرض، وتبدّل طول قامته بالعرض من الدق والرضّ.

ص: 64


1- استشهد بالآية الشريفة، سورة طه : 72.

فبلغ المدير الخبر فدارت عليه دوائر الحزن مما فعلوا بعمر، فأرسل فيروز المأمور، ليكشف عن هذا الأمر الأمر؛ فلم ير إلّا حادثاً فَضِيعاً، وأمراً شَيْعاً، فوضع ذلك الطاغوت على التابوت، وحمله إلى دار المدير، فاجتمع عليه خلق كثير، وجمٌّ غفير، وهو بينهم ينوح وينبح كالكلب، ويصوت أنكر الأصوات ويشكو ألم الظهر ووجع القلب، فاضطرب المدير، وضاع منه التدبير، فأشار إليه بعض الأعلام، بحمله إلى القائم مقام، فخرج به من المدينة، وأجلسه في السفينة، وسار إلى البلد مستلباً عنها القرار والجَلَد، فشرح القاضي ما جرى، وما برح يبكي مما عرى، قائلاً: لقد شتمني الخازن فأسمعني، وضربني فأوجعني، وجراحاتي تترجم عن حالي، وتشهد بصدق مقالي.

فاضطرب القائم مقام من ذلك، وضاقت عليه المسالك، وهَمَّ بإحضار الخازن هنالك، فإذا به قد قدم، فسأله عن الأمر المُلِمّ، فقال: أيّد اللّه الأمير إنّ هذا القاضي أقام عندنا حيناً من الدهر، وأيّامُهُ بمجالسة الأهالي ومؤانسة الأعالي أطيبُ من الزَهْر، ولقد بوّأته سرّ من رأى ظلالها، وأرضعته زلالها، وانشقته شمالَها، وفرشت له حِجْراً،نعامها، وألقَمَتْه ثدي إكرامها، وورد دجلتها، فشرب منها، حتّى شرق وانغمس في بحار نعمائها، حتى كاد يقال: غرق، وكلّما قطرت من لسانه البذاءة، وانعجنت بطينة،الإساءة، وعمّت منه في الناس المساءة، تحمّلوه إعظاماً لمنصبه، وإغضاءً عن خبث نسبه، لكن من الكلام ما يكون شراً، وفي فم العقول مُرّاً، ومن نار جهنّم أشدّ حَرّاً، ولا يتحمله من كان حُرّا.

ثم أخذ يشرح ما صدر من القاضي على التصدّر، والتقدم والتأخر، من جراحات اللسان التي هي أعظم من جراحات السنان، وسكت عن الحرب، والطعن والضرب، فسأله عن ذلك فقال : لا علم لي بما جرى عليه هنالك. فقال: ما تقول إذا شهد المدير وأصحابه؟ فقال: لا يجسر على ذلك أحزابه ولا جنابه، فإنّ القاضي جنى عليَّ وهم يبصرون، وهجاني وشتمني وهم يسمعون، ومال في كلامه عن الملّة، وهذى كمن به علّة، أو ضُربَتْ عليه الذلّة، ثمّ أنشد:

ص: 65

إذا شهد الم____دير وصاحباه***وقاضي الأرض بالغ في الهجاء

فويل ثم ويل ثم ويل***لقاضي الأرض من قاضي السماء

فقال: أصل الضرب كأنّه ممّا لا ريب فيه، ولا شكّ يعتريه، إذ لو لم يكن شيء لما قيل، ولما أصبح القاضي كالعليل بل كالقتيل. فأنشد الخازن:

تبارك ربّي م__اذا ال_______ذي***يرى الحُرّ من كلّ نذل سفيه؟

يقولون ( ما لم يكن لم يُقَلْ)***وهل كان في اللّه ما قيل فيه؟(1)

ثمّ أرسل القائم مقام رسولاً إلى (سُر من رأى)، يجلب أعضاء المجلس وغيرهم للكشف عمّا جرى، فلما قدموا عليه، وجُلِبُوا إليه، استنطقهم عن الحادث، وعن الحامل على ذلك والباعث فأنكروا ضرب القاضي، وجرحه بالمواضي، وكثر القيل والقال من الطرفين والنزاع والجدال من الجانبين فخشي القائم مقام الفتنة فأمرهم بالصلح الذي هو أسلم للفريقين، وقال:

أرى تحتَ الرمادِ الرمادِ ومِيْضَ نارِ***ويوشك أن يكون لها ضرامُ

فإِنْ لم يطفها عقلاء قوم***يكون وقودَها جِثْثٌ وَهامُ (2)

وعند ذلك أشار أعضاء المجلس إلى القاضي بالعفو والإغضاء عن الماضي، فاصطلحوا ظاهراً امتثالاً لأمره، لكنَّ في القلوب ما فيها والقاضي خائف على عمره»(3).

ص: 66


1- البيتان للأمير الأمين أبي الفتح الحاتميّ، وقال عليّ بن الحسن بن علي بن أبي الطيّب الباخرزيّ (ت ٤٦٧ ه_) : «وله شعر باللسانين وحظُّ من البيانين؛ أنشدني لنفسه بهرات سنة خمس وأربعين وأربعمئة قوله تبارك ربّي ماذا الذي..». ينظر : دمية القصر وعصرة أهل العصر ٢ : ٨٥٦.
2- البيتان لنصر بن سيّار الكنانيّ (ت 131 ه_)، قائلاً للخليفة الأمويّ مروان بن محمّد محذّراً إياه عن خطر الخوارج. ينظر : الأخبار الطوال: 3٥٧ معجم الأدباء 18 : 37.
3- المحاسن في الإنشاء والترسّل ٢ ٥٦ - ٦١.

المحور الثالث: في تحقيق كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)

اشارة

ص: 67

ص: 68

توضیح

المحور الثالث

في تحقيق كتاب

(نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر )

حقّق وأجاب فيه عن (23) مسألة في فنون مختلفة، وكان السائل الشيخ محسن ابن محمّد طاهر، وقال: إنّ هذه الأجوبة أملاها في سفره لمشهد سامرّاء فاقداً لجميع الكتب، وتاريخ سفره (١٢٨٥ه_)، وكتب (رَحمهُ اللّه) فهرساً على هذا الكتاب؛ ليسهل الاستخراج على من رام الاستنتاج وأحال فيه إلى نبذة من تأليفاته، منها:

١. (أجوبة المسائل الحجازيّات).

٢. إزهاق الباطل).

٣. (عطر العروس).

٤. (ملوك الكلام).

وأشار المؤلّف مرتين لاسم كتابه هذا في كتابه الآخر المسمّى ب_(فصوص اليواقيت).

وفي أوّل نسخة (ب) تقريظ شعريّ من أدباء عصره.

ص: 69

(نصّ التقريظ)

باسمه تعالى شأنه

ومن جملة تقاريظ هذا الكتاب المستطاب، الذي هو نزهة القلوب والألباب، وأجوبة للمسائل التي تعاصت عن الجواب، ولم يجر ذكرها في خطاب، طوبى لحضرة المجيب وحسن مآب.

يا أيها الناسُ انْظُروا***ما ش__ادَه شمسُ المعالي

أضْحَى مقيم الدين في دين***كُتُبِ تَحَتْ شُبه الضلال

فلکم ج_لا من نيرّ***كالشمس فيه وكالهلال

فانْظُرْ لِما في هذه***واع__ج__ب لآت بالمحال

تُغنيك عن كتب الأصول***م_ع ال___ف_____روع ب___ك___ل ح__الِ

إنّي أقول الح_قَ لا***أخ__ش__ى ب__ق__ولي أو أبالي

مَن ذا يُضاهيه بعلم أو***ب__ف__ض___ل أو ن_ب__ال

اللّه جَلَّ ج___لا***يحميه من كُرَبِ الليالي»(1)

وفي آخر نسخة (ب) تقريظ السيّد مهدي القزويني (ت ١٣٠٠ه_) على يدي المجموعة بخطّه الشريف مع ختمه.

ص: 70


1- وقال المحقق الإشكوري: هذه الأبيات لعلي بن الحسين العامليّ (ق (13) ؛ وقالها مقرّظاً بعض كتب السيّد عبد اللّه الشبّر. ومن المحتمل كتب العامليّ تقريظين، الأوّل للسيّد عبد اللّه الشبّر، والثاني لكتاب إمام الحرمين، ومن المحتمل استفيد في هذا كتابة هذا التقريظ من أبيات العامليّ، واللّه أعلم. ينظر: تراجم الرجال ١: ٣٦٥.

(نصّ التقريظ)

«بسمه تعالی

أنبأ، ما كتبه الولد الأغرّ العالم العامل والفاضل الكامل في هذه الرسالة؛ أنّ ما حرّره ونمّقه وحبّره صادر عن ملكة قدسيّة وقوّة فكريّة إلهيّة، فحريّ بأن تقرن بما ألّفه العلماء الواصلون، والفضلاء المجتهدون، ولا يتوقف في العمل والتعويل عليها ونسأل اللّه - سبحانه وتعالى - أن يؤيّده في إجراء قلمه إلى آخر ألفته على هذا المنوال أنّه حرّي بإجابة السؤال، حرّرها الأقلّ مهدي الحسينيّ الشهير ب_(القزويني)».

محلّ الختم: مهدي الحسينيّ.

وكتب المولى محمّد (1) بن أحمد بن محمد مهدي النراقيّ الكاشانيّ (ت ١٢٩٧ه_) إجازة للمؤلِّف في آخر النسخة، والإجازة بخط المجيز مع ختمه الشريف.

(نصّ الإجازة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قد استجازني العالم العامل الفاضل، والمهذَّب البارع الكامل، الألمعيّ المؤيّد الأوحد، مسمّى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، مؤلِّف هذا التصنيف الرشيق، المخبر عن ذهنيّة علمه وجودة فهمه في التحقيق والتدقيق؛ أن يروي عنّي الأخبار المسطورة في كتب أصحابنا الأخيار، المنسوبة إلى الحجج الأطهار؛ فأجزت له _ أطال اللّه بقاءه ورفع شأنه _ أن يروي عنّي ما رويته:

منها: عن الشيخ الأعظم، والأستاذ الأفخم البحر الزاخر القمقام، والدي العلّامة الهمام، المولى السعيد، أحمد بن محمد مهديّ النراقيّ - أسكنهما اللّه أعلى فراديس جنانه - بأسانيده إلى مشايخه الخمسة العظام، وهم:

ص: 71


1- المشهور ب_ ( عبد الصاحب).

[١] والده الإمام الهمام طود العلم والتحقيق، ومن هو بالتقديم على الكلّ حقيق.

[٢] والسيّد السند، وأستاذه المعتمد بحر العلوم ومن أذعنت بفضله القوم، السيّد محمّد مهدي بن السيّد مرتضى الطباطبائيّ النجفيّ

[٣] والعالم المحقِّق النحرير، شمس سماء الفضائل والمعالي السيّد علي بن السيّد محمّد علي الحائريّ صاحب (رياض المسائل).

[٤] والشيخ الأوحديّ الحبر الأجلّ المعظّم الشيخ محمد جعفر النجفيّ.

[5] والعالم المحدّث الباذل، وكهف الأنام ومرجع الإسلام الميرزا مهدي بن أبي القاسم الموسويّ الشهرستانيّ الحائريّ - نوّر اللّه مضاجعهم الشريفة وجمعهم في الجنان الواسعة الرفيعة _ بأسانيدهم وطرقهم المتصلة بالأئمة المعصومين _ صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ووصيّتي إليه أن لا ينساني عن الدعاء نصب عينيه تحت القبّة المقدّسة المطهّرة. كتبه بيده الدائرة عبد الصاحب محمد بن أحمد بن محمد مهديّ النراقيّ - عفا اللّه عنهم بالنبيّ والوصيّ صلوات اللّه عليهما وعلى أولادهما الطاهرين -».

محلّ ختمه، وهو غير مقروء.

ص: 72

النسخ المعتمدة في التحقيق

النسخة الأولى

نستعليق، بخطّ المؤلّف، العناوين ورؤوس المطالب كتبت بالمداد الأحمر، عليها شرحُ غريب اللغة مع ذكر المصدر، عليها حواش بإمضائه. وفي أوّل المجموعة مكتوب من المؤلِّف بخطّه، وهو يدلّ على انتساب الكتاب إليه، بما نصّه :

«هذا المجلّد مشتمل على ثلاثة كتب:

١. كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر).

2. كتاب (درّة الأسلاك في حكم دخان التنباك).

وكلاهما من إملاء الجاني، الميرزا محمّد بن تاج الحاج عبد الوهّاب الهمدانيّ - ملّكها اللّه تعالى نواصي الأماني-.

٣. مقدّمة إصلاح العمل للسيّد محمّد المجاهد _ عليه الرحمة-.

١/ ٩ / ١٣٨٥ ه_».

وكتب أيضاً:

«كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)، إملاء العبد الجاني، محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ - ملّكه اللّه تعالى نواصي الأماني، بحقّ من أنزل عليه السبع المثاني-».

ومكتوب من الدكتور السيّد محمود المرعشيّ - حفظه اللّه -:

«دو رساله نخست این مجموعه نسخه أصل و به خط مؤلّف میباشد که در نیمه دوم سده 13 ه_ نگاشته است. قم / سيّد محمود مرعشي نجفي»(1).

ص: 73


1- كانت الرسالة الأولى والثانية من هذه المجموعة نسخة الأصل وبخط مؤلفه، وكان تاريخ تأليفهما أواخر القرن 13 ه_. قم/ السيّد محمود المرعشيّ النجفيّ

«وقف کتابخانه عمومي حضرت آية اللّه العظمی مرعشي نجفي (ره)، تأسيس: ١٣٥٤ ه_ ش»

محفوظة في مكتبة آية اللّه السيّد شهاب الدين المرعشيّ النجفيّ (رَحمهُ اللّه)، برقم: (1/ 17053)(1).

٥٥،ق، 18 س، 5 , 13 × 5, 11 سم.

وقد رمزنا لها ب_ (أ).

النسخة الثانية

نسخ الميرزا محمّد حسين بن محمد السلماسيّ، بلا تاريخ الكتابة، العناوين ورؤوس المطالب كتبت بالمداد الأحمر واللاجورد، نسخة مصحّحة، عليها شرحُ غريب اللغة مع ذكر المصدر، عليها حواشٍ قليلة برمز : «منه» بخط المؤلّف، في آخرها تأريخ إتمام الرسالة بالنظم. في آخرها إجازة عبد الصاحب محمد بن أحمد بن محمد مهدي النراقيّ (ت 1297 ه_) بخطّه الشريف مع ختمه للمؤلّف (ره)، وتقريظ السيّد مهدي القزويني (ت 1300ه_ ) على المجموعة بخطّه الشريف مع ختمه.

وفي أوّل المجموعة مكتوبان من الناسخ يدلّ على انتساب المجموعة إلى مؤلِّفه، بما نصّه:

«في هذا المجلّد كتابان

الأوّل: كتاب (نزهة القلوب).

الثاني: كتاب (درّة الأسلاك).

وهما من تصانيف غياث المسلمين وعمادهم، وغوث المؤمنين وسنادهم، أفضل

ص: 74


1- فهرس المكتبة ٤٣: 191 - 192.

المتقدمين والمتأخرين، وأعلم الفقهاء والمحدِّثين، العالم الربّاني، والنحرير الصمدانيّ، أستاد البشر، والعقل الحادي عشر الميرزا محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ - بلّغ اللّه المسلمين بطول بقائه الأماني -».

وقال أيضاً:

«كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر) تصنيف علم العلم، وذي فنونه، حتّى كأنه أبو قلمونه، شيخنا الأجلّ إمام الحرمين أبي المحاسن محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ - ملّكه اللّه نواصي الأماني _ آمين».

محفوظة في مكتبة الإمام الحكيم العامّة، برقم: (١/ ٢٨٦).

الغلاف: تيماج بنّيّ، عطفه جلد مصنوعى بنّيّ.

72،ق، ١٦ س،٥, ١٤ ×8, 20 سم.

وقد رمزنا لها ب_ (ب).

النسخة الثالثة

نسخ: محمد النجف آباديّ، شعبان 1287 ه_، الكاظمين.

محفوظة في مكتبة نوربخش بطهران، برقم: (٥١٧/١).

الغلاف: تيماج.

٦٩ ق، ١٧ س، 5, 15 × 21 سم(1).

ص: 75


1- فهرس المكتبة 2: ١٨0، فنخا ٣٣: ٣١٦.

منهج التحقيق

كان منهج العمل وفق المراحل التالية:

١. تخريج الآيات القرآنية الكريمة بعد ضبط شكلها، وجعلها بين الأقواس المزهّرة.

٢. تخريج الأحاديث الشريفة، والآثار والكلمات التي جاءت من غير النبيّ والأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) من المصادر السابقة للمؤلّف أو المعاصرة له، أو التي جاءت بعد المؤلّف، وعند عدم العثور على النصوص في المصادر المذكورة تركت دون تخريج.

3. قابلت الأحاديث والأقوال وشرح غريب اللغة وإن لم يذكر المؤلف مصدراً.

٤. كلّ ما وضعنا بين المعقوفتين [] فهو من المصدر المنقول عنه.

5. نسبة ما أمكنني نسبته من الآراء والأقوال التي لم يعزها المؤلّف إلى أصحابها، أو عزاها إلى بعضهم، أو صدَّرها ب_ ( قيل) ونحو ذلك، وعند عدم العثور على النصوص في المصادر المذكورة تركت دون تخريج، علماً بأنّ المؤلّف ربّما نقل بالمعنى والاختصار فلا تغفل.

ص: 76

شكر وتقدير

رأيت أن أشكر من آزرني في تحقيق هذا الكتاب فهو طريقٌ لشكر اللّه تعالى، وهم كلّ من:

١. إدارة مركز (تراث سامرّاء)، والعامليّن فيه.

٢. إدارة مكتبة الإمام الحكيم العامة المتمثّلة بأمينها العامّ فضيلة السيّد جواد السيّد كاظم الحكيم، والأب الروحي الأستاذ مجيد الشيخ عبد الهادي حموزي، الذي ساعدني في توفير نسخة الرسالة وغيرها.

٣. إدارة مكتبة آية اللّه السيّد شهاب الدين المرعشيّ النجفيّ (رَحمهُ اللّه).

فلهم منّي جميل الشكر والامتنان وجزاهم اللّه عنّي وعن المؤلِّف خير جزاء المحسنين، ونسأل اللّه تعالى حسن النية،والعاقبة، والمغفرة لي ولوالديّ، ولمن شاركني في هذا العمل.

وختاماً

ألتمس من إخواني المؤمنين، ولا سيّما أهل البحث والتحقيق أن ينتهوني على ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود مما جرى به القلم وزاغ عنه البصر، فإنّ الإنسان موضع الخطأ والنسيان، والكمال للّه، والعصمة لأهلها، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

محمّد لطف زاده

النجف الأشرف / جوار الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)

٣٠ ربيع الآخر سنة ١٤٤٠ ه_

ص: 77

ص: 78

jpg 79^

صورة الصفحة الأولى من نسخة (أ)

ص: 79

jpg 80^

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (أ)

ص: 80

jpg 81^

صورة الصفحة الأولى من نسخة (ب)

ص: 81

jpg 82^

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة (ب)

ص: 82

jpg 83^

تقريظ على كتاب (نزهة القلوب والخواطر)

ص: 83

jpg 84^

تقريظ العلّامة السيّد مهدي القزويني (رَحمهُ اللّه) على كتاب (نزهة القلوب والخواطر)

ص: 84

jpg 85^

إجازة العلّامة محمّد بن أحمد بن محمد مهدي النراقيّ الكاشانيّ (ت ١٢٩٧ه_)

ص: 85

ص: 86

[النصّ المحقق]

كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)، إملاء العبد الجاني، محمد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ ملّكه اللّه تعالى نواصي الأماني بحق من أنزل عليه السبع المثاني

ص: 87

ص: 88

فهرست کتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)

توضیح

المسألة الأولى: بيان قوله تعالى: «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» (1) بحسب المبنى والمعنى، وفي جوابها مطالب:

منها: بيان قوله تعالى: «دَنَا فَتَدَلَّى»(2).

ومنها: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زيارة الندبة: «وَعَرَجْتَ بِرُوحِهِ إِلى سَمائِكَ» (3).

ومنها : بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فوقع في نفس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه هو»(4).

ومنها: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ ربّك يصلِّي»(5).

المسألة الثانية: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إني تارك فيكم الثقلين»(6)، وفي الجواب فوائد نفيسة منها : كشف الغُبرة عن لفظي الثقل والعتْرة.

المسألة الثالثة: بيان الحديث المرويّ من طرق العامّة : «لا تُشَدَّ الرِحالُ إلا إلى

ص: 89


1- سورة النجم: 9.
2- سورة النجم: 8.
3- إقبال الأعمال ١ : ٥٠٥.
4- تفسير القميّ 2 : 8.
5- الكافي ١: ٤٤٣ / باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ووفاته، ح 13.
6- الإرشاد 1 : 233.

ثلاثةِ مَساجِد» (1).

المسألة الرابعة : بيان استدلال الشافعيّة والحنفيّة على ما زعموه في الرضاع بقوله تعالى: «وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّابِ أَرْضَعْنَكُمْ »(2).

المسألة الخامسة : بيان جعل الكفّار للملائكة إناثاً.

المسألة السادسة: بيان قول عبد اللّه بن الحسن: «تَبِينُ برأس الجوزاء» لِمَن سأل عن رجل قال لزوجته: «أنتِ طالقٌ عددَ نجومِ السماءِ» (3).

المسألة السابعة : بيان الاتّحاد الذي تزعمه الصوفية، وفيها فوائد جليلة:

منها : بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لنا مع اللّه حالات» (4).

ومنها: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا فرق بينك وبينهم إلّا أنّهم عبادك وخلقك»(5).

ومنها : بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة»(6).

ومنها : بيان قوله اللّه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»(7).

ومنها: بيان قوله: «عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به»(8).

ومنها: ذكر تأويل من سرق رغيفين ورمانتين لقوله تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ

ص: 90


1- كشف الخفاء ٢: ٤٧٥ مختصر المزني: 297 / باب النذور.
2- سورة النساء: ٢٣.
3- الكافي ١ : ٣٤٩/ ٦، باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة، ح ٦.
4- ينظر الكلمات المكنونة : ١١٤.
5- الإقبال ٢ : ٢٦٦.
6- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة: ٤٥٣.
7- غوالي اللآلي 4: 102.
8- صحيح البخاريّ ٧: 190.

فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا»(1).

ومنها : ذكر تأويل معاوية لقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «عمّار تقتله الفئة الباغية»(2).

ومنها : ذكر تأويل بعض المتعبّدين لكون الصلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة.

ومنها : بيان قول سلمان - رضي اللّه عنه - (3) : «أنا أصوم الدهرَ» (4) مع أنّه يأكل في أكثر أيامه.

ومنها: بيان قول أبي ذرّ _ رضي اللّه عنه _ (5) لضيفه: «كُلْ ؛ فإنّي صائم، ثمّ جاء أكل معه» (6).

المسألة الثامنة: بيان قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «حَزُقَّة حَزُقَّهُ (7) تَرَقَّ عِينَ بَقَّه»(8).

المسألة التاسعة: وجه استعانة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كتابة الوحي بمعاوية.

ص: 91


1- سورة الأنعام: ١٦0.
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ٣٥٠:٢.
3- قوله: «رضي اللّه عنه» لم يرد في (أ).
4- معاني الأخبار : ٢٣٤ / باب معنى صوم الدهر وإحياء الليل وختم القرآن، ح 1.
5- قوله: «رضي اللّه عنه» لم يرد في (أ).
6- معاني الأخبار : ٣٠٦ باب معنى الصائم المفطر، ح 1.
7- في هامش (ب): «ذكر ابن الأثير هذا الحديث في لفظ حزق - بالحاء المهملة والزاء المعجمة _ [النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 378]، وفي الصحاح [٤ : ١٤٥٩]: الحُزُقّ: القصير الذي يقارب الخَطوَ. قال الشاعر : حُزُقٌ إِذا ما القَوْمُ أَبْدَوا فُكاهةً***تَفَكَّر إِيَّاهُ يَعْنُونَ أمْ قِرْدا والحُزُقَّة مثله. قال امرؤ القيس: وأعجبني مَشىُ الحُزُقّةِ خالدٍ***كَمَشَيِ آتَانِ حُلَّئتْ عن مناهل وفي كلامهم : حُزُقَّةٌ حُزُقِّه، تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّه، انتهى كلام الجوهري، لكن قال في (القاموس) [٣٠٤:٣] في لفظ خبق _ بالخاء المعجمة فالباء الموحدة : في المثل : خِبقَّة خِبقَّة تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّه».
8- الجامع الصغير ١ : ٥٧٣.

المسألة العاشرة: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكاتبه : «الصِقْ روانفك بالجبوب إلى آخره» (1).

المسألة الحادية عشرة: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء السحر: «اللّهمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ وقَوْلُكَ حَقٌّ ووَعْدُكَ صِدْقٌ «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً» (2)»(3).

المسألة الثانية عشرة : بيان السرّ في أنّ أبناء العلماء لا ينالون مراتب آبائهم.

المسألة الثالثة عشرة : بيان استحالة الإكسير بحسب الصناعة.

المسألة الرابعة عشرة: بيان حسن السجع وردّ من عابه.

المسألة الخامسة عشرة: بيان أخبار كثيرة:

منها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله» (4).

ومنها : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «عقول النساء في جمالهنّ» (5).

ومنها : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ليس عند اللّه ليل ولا نهار» (6).

ومنها : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ القرض بثمانية عشرة والصدقة بعشرة»(7).

ومنها: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أمكنوا الطيور من أوكارها» (8)، وفي شرح هذا الحديث يشار إلى مطالب جليلة كعلم العيافة، وشرح قوله تعالى: «إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ» (9).

ص: 92


1- ينظر: مستدرك الوسائل 13 : ٢٥٩، جامع أحاديث الشيعة ١٨: ٩.
2- سورة النساء: ٣٢.
3- مصباح المتهجّد : ٥٨٣.
4- بصائر الدرجات: ٤٥، باب ١١/ح ٢١.
5- معاني الأخبار : ٢٣٤ / باب معنى عقول النساء وجمال الرجال، ح 1.
6- لم نعثر عليه، ولكن ورد في الجامع الصغير ٢: ٤٥٩: «ليس عند اللّه يوم ولا ليلة».
7- تفسير القميّ ٢ : ١٥٩.
8- غوالي اللآلي 1 : 118.
9- سورة يس : 18.

وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الطيرة شرك» (1).

وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ثلاثة لا يَسْلَم منها أحد الطِيَرَةُ، والحَسَدُ، والظنُّ» (2).

وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ثلاثة لم ينج منها نبيّ : الطيرة... إلى آخره»(3).

وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من تنوّر يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومن إلّا نفسه»(4).

وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا توردنّ ذا عاهة على مصحّ» (5).

وقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء السحر: «اللّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ بَهَائِكَ بأَبهاه» (6).

ومنها: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أدعية السجود: «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ حَبيبكَ مُحَمَّدٍ إِلَّا بَدَّلْتَ سَيِّئَاتِي حَسَنَاتِ»(7).

ومنها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لا يلسع المؤمن من جحر مرتين»(8).

ومنها: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ما خرج إليكم من علمنا إلّا ألف غير معطوفة» (9).

ومنها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ولد الزنا شرّ الثلاثة»(10).

ص: 93


1- سنن أبي داود 2: 230/ 3910.
2- بحار الأنوار :٣٢٠:٥٨، ذيل الحديث ٩.
3- الخصال: 89/ باب ثلاث خصال لم يعر منها نبي فمن دونه، ح 27. وفيه: «ثلاث لم يعر».
4- مكارم الأخلاق: ٦٢.
5- بحار الأنوار 55: 316.
6- إقبال الأعمال 1 : ١٧٥.
7- الكافي 3: 322/ باب السجود والتسبيح والدعاء فيه في الفرائض والنوافل وما يقال بين السجدتين، ح ٤.
8- جامع الخلاف والوفاق بين الإماميّة وبين أئمة الحجاز والعراق: ٢٣٦.
9- مختصر بصائر الدرجات: ٥٩.
10- المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف ٢: ٥٥٣.

ومنها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ويل لمن غلبت آحاده عشراته»(1).

ومنها : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : « ادعُ اللّه ولو بشقّ الصفا» (2).

المسألة السادسة عشرة: بيان الحديث المرويّ في إسلام أبي طالب بحساب الجمل، وفيه مطالب شريفة :

منها بيان بعض الأشعار المبنية على حساب عقود الأنامل.

ومنها بيان رواية الكافي: «إنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعقد بيده اليسرى تسعين، وقال: تدخل القطنة إلى آخره»(3).

ومنها:بيان ما رواه مسلم في صحيحه: «إنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وضع في التشهد يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين»(4).

ومنها: إثبات أنّ أبا طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) مات مسلماً وإبطال ما زعمته العامة من أنهمات على دين قومه.

المسألة السابعة عشرة: بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ علم ما كان وما يكون كلّه في القرآن، وعِلم القرآن كله في سورة الفاتحة، وعلم الفاتحة كلّه في البسملة منها» إلى أن قال: «وأنا النقطة تحت الباء» (5).

المسألة الثامنة عشرة : شرح القول في الصلوات النصيريّة، ونقل الصلوات

ص: 94


1- المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب ٣: ١٥٠.
2- معاني الأخبار : ٤٠٥ / باب معنى نوادر المعاني، ح 79. وفيه: «ادعُ ولو بشق الصفا».
3- الكافي ٣: ٩٣ باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة، ح 1.
4- صحيح مسلم 2: 90/ باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، بما نصّه : «إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يديه اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبّابة».
5- ينظر : شرح توحيد السيّد نعمة اللّه الجزائريّ ج 2، ص ٤ ما في معناه بتفاوت يسير.

الشريفيّة التي أنشأناها نحن على حذوها، وإيضاح بعض ألفاظها اللغويّة.

المسألة التاسعة عشرة : بيان إمامة محمّد بن علي الجواد والمهدي القائم - صلوات اللّه تعالى وسلامه عليهم وعلى آبائهم _ مع أنّهما كانا صغيرين.

المسألة المكمّلة للعشرين: بيان أدلّة آية التطهير على العصمة، والجواب عن شبهة الخصم.

المسألة الأولى بعد العشرين بيان اعتراض البهائي _ زاد اللّه بهاءه _ على تعريف العلّامة - أعلى اللّه مقامه - للطهارة بأنها غسل بالماء أو مسح بالتراب (1).

المسألة الثانية بعد العشرين بيان قوله تعالى: «اجْتَنِبُوا(2) كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(3).

المسألة الثالثة بعد العشرين: بيان قولهم في الدعاء: «ربّ يسر ولا تعسرّ» وبها يختتم كتاب (نزهة القلوب)، والحمد للّه المنزّه عن العيوب، والصلاة والسلام على محمّد وآله المعصومين من الذنوب.

ص: 95


1- ينظر : جامع الشتات (للميرزا القمي) ٢:١.
2- في هامش :(أ): (اجتنبوا) أي كونوا منه في جانب. وإنّما قال: (كثيراً) ولم يقل: (الظنّ مطلقاً) لأنّ منه ما هو واجب كحسن الظن باللّه وبالمؤمنين، ومنه ما هو محظور وهو سوء الظن باللّه وبأهل الصلاح، ومنه ما هو مندوب إليه كالظن في المسائل الاجتهاديّة».
3- سورة الحجرات: 12.

ص: 96

کتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)

ص: 97

ص: 98

بسم اللّه الرحمن الرحيم

حمداً لمحسن تفضّل علينا فجعلنا مِن سَدَنَة العلوم وخَزَنَة الأحكام، وأحْسَنَ إلينا فرزقنا من الفضائل والمعارف ما نَوَّرَ به وجوه الأيام، والصلاة والسلام على رسوله محمّد الذي اجْتَهَدَ في تبليغ الإسلام، وآله الذين بأخبارهم تُجاب مسائل الأعلام، وبأنوارهم تَنْجابٌ ظُلَمُ الأوهام، ما خَطَّتِ الأقلام، وخَطَتِ الأقدام.

أما بعد، فيقول المفتقر إلى رحمة ربّه الودود (1) محمّد بن عبد الوهّاب الهمدانيّ، المعروف بين أصحابه بابن داود أنطقه اللّه بالصواب في أجْوِبَة المسائل، وجعل ذلك له يوم القيامة من أفضل الوسائل:

قد ورد إليّ من المولى الحاوي لمحاسن الأوصاف، المحبوك الأطراف بالأشراف، الفاضل المُتَّقِن ابن الميرزا محمّد طاهر المولى محسن _ لا زالتْ سعوده جديدة، وجدوده سعيدة-، كتابٌ شريفٌ، وخطاب منيف، يسألني الجواب عمّا فيه من المسائل، وكشف النقاب عنها بالدلائل، ولمّا كانت مسائله ممّا تشتاق إلى جوابها الطباع، وتتحرّك إلى معرفتها الأطماع، مضافاً إلى أنّ أمره واجب الاتّباع، ومخالفته أمر لا يستطاع قَوِيَ منّا العزم على الجواب، وشَدَدْنا الحزم في كشف الحجاب، وإظهار العُجاب، وإبراز اللُباب، فنقول طلباً من اللّه تعالى أن يُلهمنا الصواب:

ص: 99


1- في هامش (ب) : «الودود الذي يودّ عباده أي يرضى عنهم ويقبل أعمالهم، مأخوذ من الوُدّ وهو المحبّة، وعن الأزهريّ: قد يكون فعول هذا بمعنى مفعول كمهيب بمعنى مهيوب، يريد أنّه مودود في قلوب أوليائه بما ساق إليهم من المعارف وأظهر لهم من الألطاف». (منه) استفاد المؤلف هذه الحاشية من المصباح (للكفعميّ): ٣٢٦.

قال: «بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد اللّه الذي تجلّى بزواهر جواهر أسمائه جبهة كلّ أمر ذي بال، وتحلّى بغوالي لآلي ثنائه عذار عذراء المقال، ويُجيب تفضّلاً منه ورحمةً كلّ نداءِ، ورحمةً كلّ نداء وسؤال، ولا يخيب من أناخ ببابه مرتجياً لنوال.

والصلاة على سرّ الأسرار، وشجرة الأنوار، سيّد ولد عدنان، وصاحب الحجّة والبرهان، والمعجز والبيان، محمد الذي أُنْزِلَ عليه السبع المثاني، والقرآن الكريم الذي زوّجت فيه أبكار المعاني بأكفائها من المباني، وآله غمائم الندى، ومعالم الهدى، وصدور المجالس، وبدور الحنادس، فواتح كتاب الوجود، وأجوبة مسائل الكشف والشهود، ثمّ السلام على مَنْ إِذا سُئِل طارت أقلامه في الجواب إلى اقتناص شوارد المشكلات، فتكون من أنامله أولي أجنحة مثنى وثلاث، وانبعثت فكرته في حلّ المعضلات، ويحبّ اللّه هذا الإنبعاث وتُبْرَز محبّيات المعاني بمبانيه ومن السحر إظهار الخبايا، وتُعْقَد الألسنةُ عن معارضته وعقد اللسان لا يكون بغير السحر في البرايا؛ الحضرة السامية، النامية،الإماميّة، التي خرقت الحجاب، وأظهرت العجاب، وأتت باللباب، ونطقت بالصواب، وفُتِحَتْ لها خزائن الغيوب، ومكامن القلوب، وأظهرت لطائف المعارف، وعوارف اللطائف، متّع اللّه الأنام بحياتها التي اللّه الأنام بحياتها التي هي من جملة الأماني، وأنار الدنيا بواحدها الذي لا يثنيه عن نشر العلوم ثاني.

أمّا بعد، فالفقير إلى ربّه القاهر، محسن بن محمّد طاهر، يقبل الأرض التي مجالس العلم بها مشهودة، وبركاتها مشهورة، ونفائس الفنون والمعارف بها مسرودة، ونفوس أهلها مسرورة

فهي أرضٌ تُطاوِلُ الأفقَ فَخراً***إِذْ عليها مَسْع_اك دُونَ البقاع (1)

واليد التي لو أرادت لنالت الكواكب، واستنزلت بغير رصد نجوم العلوم من

ص: 100


1- ينظر: ألحان السواجع بين البادئ والمراجع 3: 144.

سمائها وبدور المطالب:

راحةٌ تَشْرَفُ الشفاه إذا ما***قَبَّلَتْها للفضل بالإجماع(1)

لا برحت الأقدار جاريةً برفع مقدارها، والأيام رافلة في حُلّة شرفها، وحِلْية وقارها، ويقول بعد أداء الفرض، وتقبيل الأرض عرضتْ لي مسائلُ فيها إغلاق،وغموض وقد عَسَرَ على ذهني بأجوبتها النهوض، وكم سألت الأفاضل عنها، وراجعت الرسائل في حلّ شيء منها، فلم أجد من يأتي بشيء يُزيح الإشكال، ويُريح البال من البلبال مع اشتهار هؤلاء بعلوّ الأفكار، ودقّة الأنظار، وسابقتهم في ذلك المضمار، فوجب على عرضها على الحضرة (2) الإمامية - ضاعف اللّه علاها، وأضعف أعداها- ؛ لأفوز منها بالجواب، وأهتدي بهدايتها إلى الصواب، فإلى الماء يسعى الظمآن، وبورثة الأنبياء يهتدي الحيران.

يَسقط الطيرُ حيث يَلْتَقِط ال_ ***حب ويغشى منازلَ الكُرَماء(3)

فالمأمول منها التعرّض لتحقيق المقام، والإمعان في معاني الكلام، وإزالة البؤس، عن هذا المأيوس - أنار اللّه تعالى أيامنا ببقائها، وأرانا من فضله لقاءها-.

ص: 101


1- ينظر : ألحان السواجع بين البادئ والمراجع 3: 144.
2- في هامش (ب): «الحضرة المشهد، يقال: كان بحضرته - مثلّثة، وحَضِرته وحَضَرته – محرّكتين-، أي بمشهد منه. وتطلق على الشخص الجليل، كأنّه لجلالته ومزيد عظمته في القلوب حاضر في كلّ وقت». ينظر : القاموس المحيط ٢: ٦١.
3- البيت لبشّار بن برد العقيليّ (ت ١٦٧ه_). ينظر : وفيات الأعيان ٢: ١٧٠.

المسألة الأولى: بیان قوله تعالى: «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْن أَوْ أَدْنَى»

المسألة الأولى: ما المراد بقوله تعالى:«فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»(1)؟ فقد سألتُ عن ذلك الأعلى والأدنى (2)، فلم يأت أحد منهم بما يتين المعنى».

أقول : يقع الكلام في الآية الكريمة تارةً في مبانيها، وأخرى في معانيها؛ فاعلم أنّ (القاب) في اللغة له معنيان:

الأوّل: المقدار، كالقِيْب والقاد والقيد (3)، على ما في مجمع البيان) و (البحرين) و (الصافي) و (القاموس)(4).

ص: 102


1- سورة النجم 9.
2- في هامش (ب): وأغيد جارت في القلوب لحاظه***وأسهرت الأجفان أجفانه الوسنى أجل نظراً في حاجبيه ولحظه***ترى السحر منه قاب قوسين أو أدنى». البيت لابن نباتة (ت) ٤٠٥ ه_)، ينظر : خزانة الأدب وغاية الأرب : 293، تزيين الأشواق : ١٤٤.
3- في هامش (أ): «وفي (نهج البلاغة): «إِنَّمَا حَظِّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ والْعَرْضِ، قِيدُ قَدِّه مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّه»، أي مقدار قدّه، يقال : أقرب منه قيد رمح، وقاد رمح والمراد هنا هو القبر بمقدار قامة الإنسان». ينظر نهج البلاغة: ١١٤.
4- تفسير مجمع البيان 9: 284، مجمع البحرين ٢: ١٥٠، التفسير الصافي ٥: ٨٦ القاموس : المحيط ١ : ١٦٠.

الثاني: مِركَضة القوس، أي: جانبها(1)، وهما مِركضتان؛ فإنّ الدائرة لها أربع جوانب، ولكلّ جانب منها يقال: (القاب)، ويقال أيضاً: المِرْكضة - بكسر الميم وسكون الراء المهملة وفتح الكاف والضاد المعجمة المعقبة بالهاء-. و(القوس): هو نصف الدائرة، فيكون لها قابان ومركضتان، قال في (القاموس) : «القاب من القوس: بين المَقْبض والسِيَة، ولكلّ قوس قابان» (2).

والمقبض ما يقبض عليه من القوس (3)، وهو مجرى السهم منها، قال في (مجمع : البحرين): «كبد القوس مقبضها» (4). وأراد بذلك الكبد العليا التي هي مخرج السهم من القوس، لا السفلى التي هي ما بين طرفي علاقتها؛ فإنّ لكلّ قوس كبدين.

والسية - بكسر المهملة قبل المثناة التحتانية المخفّفة وحذف اللّام التي هي الواو والتعويض عنها بالهاء- : ما عطف من طرفيها(5)، وبين المعنيين، وبين المعنيين من النسب العموم المطلق؛ فإنّ المقدار المعيّن من قوس الرامي _ وهو ما بين سيتها ومقبضها _ أخصّ من مطلق المقدار.

و(القوس) أيضاً له معنيان:

الأوّل ما يرمى به (6).

الثاني: الذراع. قال في (القاموس) : «القوس مفرد» إلى أن قال: «والذراع؛ لأنّه يقاس به المذروع» (7)، فيكون معنى القوس ما يقاس به الشيء، والذراع مما يقاس به

ص: 103


1- ينظر لسان العرب ٧: ١٥٨.
2- القاموس المحيط ١ : ١٦٠.
3- القاموس المحيط 2: 521.
4- مجمع البحرين ٣: ١٣٦.
5- تهذيب اللغة ١٣: ٩٦.
6- تهذیب اللغة 9: 177.
7- القاموس المحيط 2: 379.

فيكون قوساً؛ لكن لا يخفى أنّ لفظ (القوس) واويّ، و «قاس الشيء بالمقياس: قدّره به» يائيّ (1)، اللّهم إلّا أن يكون قاس الشيء يقوسه قوساً» لغة في «قاس الشيءَ يقيسه قوساً إذا قدّره» كما عن ابن السِكّيت (2)، فإذا عرفت ذلك ظهر لك في معنى الآية وجوه:

الأوّل: أن يكون (القاب) بمعنى القدر، والقوس ما يرمى به أي: كان بين الداني والمدنوّ منه مقدار قوسين وخصت (القوس) بالذكر على عادتهم في تقدير المسافة وبيان مراتب القرب ؛ فإنّ دأبهم بيان ذلك بالرمح والسهم والقوس، فيقولون للسائل عن مقدار المسافة: بينك وبين البلد الفلاني قيس رمح، وقاس رمحين، أو غَلوة سهم، أو رمية سهمين، أو قيب قوس أو قاب قوسين أي: بينك وبينه مقدار مسافة قريبة، مثل: قاب قوسين فحذفت هذه المضافات، كما قال الشاعر:

[ فأدرك إبقاء العرادة ظلعها ]***وقد جعلتني من خزيمة إصبعا(3)

أي: على مقدار مسافة إصبع، وهذا الوجه هو المروي عن ابن عبّاس(4)، واختاره الزجاج، واقتصر عليه في (الصافي )(5).

فإن قلت : لفظ (القوس ) من المشترك المقول على معان:

فإنّه يطلق على القوس العربيّة، وهي التي يرمى بها النبال العربية.

وعلى الفارسيّة، وهي التي يرمى بها النُشّاب.

وعلى القِسيّ، التي لها مجرى تنفذ فيها الصغار المسمّاة بالحسبان _ بالضم - جمع

ص: 104


1- ينظر: تاج العروس 7: 372.
2- ينظر : تهذيب اللغة 9: 179.
3- البيت للكَلحَبَة. ينظر : تاج العروس ١٩: ٢١١.
4- قاله ابن عبّاس في تفسيره: ٤٤٦.
5- التفسير الصافي ٥ : 8٦.

حسبانة.

وعلى قوس الجُلاهِق (1) - بضمّ الجيم-، وهي البنادق المعمولة من الطين؛ ولهذه وتران وفي كبدها جليدة بين الوترين يوضع عليها الجلاهقة ويرمى بها عن القوس.

وعلى ما يندف به، ولا بُدّ من إضافتها إلى أحد الأمور المذكورة للتخصيص وإلّا فهي مشتركة، قال في (المصباح): «ويضاف القوس إلى ما يخصصها، فيقال: قوس نَذف، وقوس جُلاهِق، وقوس نَبل، وقوس النشّاب، وقوس الحسبان» (2).

قلت: أمّا الأربعة الأخيرة فمتقاربة في الوضع والمقدار والكيفية، فلا يتفاوت الحال في بيان مقدار قرب الداني من المدنوّ منه بين أن يكون المراد القوس العربيّة أو غيرها من الثلاثة الأخر.

نعم «قوس الندف» تباين تلك الأربعة في الوضع والمقدار، ولكن لا ينصرف الذهن إليها، بل لا تكاد تعرفها العرب، ولا ينصرف إليها فهمهم، بل لا يبعد القول بأنّ إطلاق القوس على آلة الندف؛ مجاز؛ باعتبار انعطاف طرفيها قليلاً وشدّ الوتر بها _ كما لا يخفى-، ولذلك كلّه قلنا في كتاب (الوصايا): إنّه لو أوصي له بقوس انصرف مع فقد القرينة المعيّنة إلى الأربعة الأخيرة فيتخيّر الوارث في دفع أحدها، بل إلى الثلاثة الأخيرة؛ لعدم تعارف قوس الجلاهق أيضاً إلّا أن تقوم قرينة على إرادة غير القوس المتعارفة؛ فتتبع.

وخيّر البعض بين الخمسة؛ لأنّ متعلّق الوصيّة في المشترك هو الاسم، وهو صادق على ما تحته من المعاني حقيقةً، فتحصل البراءة بكلّ واحد منها. قال: وإن كان المتكلّم لا يريد من اللفظ المشترك بين معان إلا واحداً معيناً عنده، بل هو معنى المشترك، إلّا أنّ العرف في الوصيّة يقتضي إرادة المسمّى بهذا الاسم، وهو المسمّى

ص: 105


1- ينظر: تذكرة الفقهاء 2: 484.
2- المصباح المنير ٢ : ٥١٩.

بعموم الإشتراك، وتحقيق القول يطلب من محلّه.

الثاني: أن يكون (القاب) بمعنى القدر، و (القوس) بمعنى الذراع، أي: كان بينهما قدر ذراعين، وهذا هو المنقول عن عبد اللّه بن مسعود وسعيد بن جبير وشقيق ابن سلمة، والمروي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «في قوله تعالى «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْني»(1): قدر ذراعين أو أدنى من ذراعين»(2)، وإلى هذين الوجهين أشار في (القاموس)، قال: «فَكانَ قابَ قَوْسَيْن»(3) أي: قدر قوسين عربيّتين، أو قدر ذراعين» (4)، واقتصر عليهما في (مجمع البيان) (5). وإضافة (القاب) إلى (قوسين) في هذين الوجهين على نحوها في «شجر أراك»، بخلافها في الوجه الثالث؛ فإنّها على نحو الإضافة في «زاوية البيت» و «كعب الرمح».

الوجه الثالث: أن يكون (القاب) بمعنى المركضة التي هي ما بين مقبض القوس وسيتها، و(القوس) ما يرمى به ولا يصح جعل (القاب) بمعنى المركضة و (القوس) بمعنى الذراع ؛ لأنّ الذراع ليس له قاب بالمعنى المزبور؛ فإنّه إنّما يكون للدوائر والقِسيّ كما عرفت، وهذا الوجه المروي في (الكافي) عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)؛ فإنّه سئل كم عرج برسول اللّه ؟ فقال : «مرتين فأوقفه جبرئيل موقفا، فقال له : مكانك يا محمد...» الحديث إلى أن قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وكان كما قال اللّه تعالى: «قابَ قَوْسَيْن أَوْ أذنى»» قيل: ما قاب قوسين؟ قال: «ما بين سيتها إلى رأسها»(6). والقمّي قال: «كان

ص: 106


1- سورة النجم: 9.
2- تفسير مجمع البيان :9 288، تفسير نور الثقلين ٥ : ١٥٠، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب 12: 479.
3- سورة النجم: 9.
4- القاموس المحيط 2: 379.
5- تفسير مجمع البیان 9: 288.
6- الكافي ١: ٤٤٣ / أبواب التاريخ، باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفاته، ح 13.

من اللّه كما بين مقبض القوس إلى رأس السية» (1)، فهذه ثلاثة أوجه.

وعن الجوهري: «أنّ الأصل في «فَكانَ قابَ قَوْسَيْن» قابي قوس»(2)، فقلب التثنية والإفراد والمضاف والمضاف إليه، فجعل إفراد المضاف إليه للمضاف، وتثنية المضاف للمضاف إليه.

واستحسنه ابن هشام فقال في آخر كتاب (المغني): «وهو حسن إن فسّر (القاب) بما بين مقبض القوس وسيتها إلى (3) طرفيها، فلها طرفان، فلها قابان لا إذا فسّر بالقدر، ونظير هذا إنشاد ابن الأعرابي:

إذا أحْسَنَ ابن العم بعد إساءةٍ***فلستُ لشَّري فعله بِحَمُول(4)

أي: فلست لشرّ فعلَيه، وإذا فسّر (القاب) بالقدر، ويؤيده، أنّه قرئ: قاد وقيد وقدر ؛ فلا قلب» (5).

ويظهر ذلك من (مجمع البحرين) أيضاً فإنّه قال: «القاب ما بين المقبض والسية، ولكلّ قوس قابان وقوله : «قابَ قَوْسَيْن» أراد قابي قوس» (6).

أقول: الحقّ أنّه غير وارد على القلب، ولو فسّر (القاب) بما بين مقبض القوس وسيتها؛ فإنّ القلب وإن كان من فنون كلام العرب، لكنّه لا يرتكب إلّا إذا توقف صحّة الكلام عليه، كما قيل في قوله: «ثُمَ دَنا فَتَدَلَّى»(7). إنّ تقديره ثمّ تدلّى فدنا؛ فإنّ

ص: 107


1- تفسير القّمّي 2: 334.
2- الصحاح 1 : 207.
3- في مغني اللبيب: «أي».
4- البيت بلا نسبة في شرح شواهد المغني 2: 972.
5- مغني اللبيب ٢ : ٦٩٧.
6- مجمع البحرين ٢ : ١٥٠
7- سورة النجم: 8.

التدلّي الامتداد إلى جهة السفل، يقال: «دلّاه صاحبه فتدلّى» (1). ومنه: «فَأَدْلى دَلْوَهُ»(2)، وتدلّتِ الثمرة(3)، فالمعنى أن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) تعلّق في الهواء فقرب من النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، أو كان فيه اعتبار لطيف، كما في قوله:

ومَهْمَةٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجاؤه***كانَّ لون أرضِه سماؤه(4)

أي: لون سمائه، فالمصراع الأخير من باب القلب.

والمعنى: كأنّ لون سمائه لغبرتها لون أرضه، وفي القلب من المبالغة ما ليس في تركه؛ لإشعاره بأنّ لون السماء قد بلغ في الغبرة إلى حيث يشبّه به لون الأرض في الغبرة.

وأما إذا لم يتضمن اعتباراً لطيفاً ولا توقف صحة الكلام عليه ردّ؛ لأنّ العدول عن مقتضى الظاهر من غير نكتة تقتضيه خروج عن تطبيق الكلام لمقتضى الحال، وليس في الآية على تقدير القلب اعتبار،لطيف، ولا يتوقف صحة معناها على ارتكابه فليست واردة على القلب، والمعنى: فكان بينهما مسافة قريبة مثل: «قاب قوسين»، أي: مثل ما بين المقبض والسية من قوسين. وهذا إشارة إلى تأكيد القرب، وأصله أنّ الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد بينهما خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كلّ واحد منهما عن صاحبه (5)، فإذا ألصق كلّ واحد منهما قوسه من جانب الوتر بقوس صاحبه وتلاصق الوتران لم يكن بين الحليفين إلّا قاب قوسين قاب قوسه وقاب قوس،صاحبه، فكان أحدهما قريباً من الآخر قرباً مفرطاً، فلا وجه لارتكاب القلب.

ص: 108


1- تفسير مجمع البيان ٩ : ٢٨٦.
2- سورة يوسف : 19.
3- ينظر أساس البلاغة: ١٩٤.
4- البيت لرؤبة في ديوانه: 3.
5- معالم التنزيل فى تفسير القرآن (تفسير البغويّ) ٤ : ٢٤٦.

وممّا يبعده أيضاً أنّ المراد حينئذ أنّ المسافة ما بين الداني والمدنو منه مقدار قوس إلّا مقبضها كما لا يخفى هذا بعض القول في بعض مباني الآية الكريمة.

وأمّا معناها ففيه وجهان:

الأوّل: أن يكون الضمير المستتر في «دنا» و «تدلّى» و«كان» راجعاً إلى جبرئيل، أي: قرب جبرئيل من النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فكان ما بينه وبين النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قاب قوسين، وذلك أنّه كان يأتي النبيّ في صورة الآدميين، كما كان يأتي سائر الأنبياء ولا يأتيهم بصورته التي خلق عليها؛ إذ لو ظهر لهم بها زاغت أبصارهم ولم يحتملوا (عَلَيهِم السَّلَامُ) رؤيته، فسأله رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها، فأراه نفسه مرّتين: مّرة في الأرض، ومرّة في السماء.

أمّا في السماء فهو الذي بينه تعالى بقوله: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةٌ أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المنتَهَى»(1)، أي : رأى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جبرئيل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء نزلةً أخرى فأثنى اللّه تعالى عليه؛ حيث احتمل رؤيته على صورته بقوله: «مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى»(2)، أي : ما زاغ بصر محمّد من رؤية جبرئيل على صورته.

وأمّا في الأرض ففى (الأفق الأعلى)، يعنى أفق المشرق والمراد ب_ ( الأعلى) جانب المشرق، وهو فوق جانب المغرب في صعيد الأرض لا في الهواء. وذلك أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان بحراء فطلع له جبرئيل من المشرق وله ستمائة ألف جناح، قد سدّ الأفق إلى المغرب بأجنحته، وهو قوله: «فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى»(3)، أي: استقام جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على صورته الحقيقية التي خلقه اللّه تعالى عليها، «ثُمَّ دَنَا»، أي: قرب جبرئيل من محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فتدلّى، فكان بينهما من القرب قاب قوسين.

ص: 109


1- سورة النجم: ١٣، ١٤.
2- سورة النجم: ١٧.
3- سورة النجم : ٦، 7.

ويحتمل أن يكون قد رآه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو في الهواء، فيكون معنى «فَاسْتَوَى، وَهُوَ بالأفق الأَعْلَى» اعتدل واقفاً في الهواء بعد أن كان ينزل بسرعة؛ ليراه النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )(1).

وفي قوله: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى» وجوه:

الأوّل: أن يكون مقلوباً؛ فإنّ التدلّي استرسال مع تعلّق، كتدلّي الثمرة، وتقديره: ثمّ تدلّى فقرب من محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

الثاني: أن يكون أصله : أراد الدنو من محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فتعلّق عليه في الهواء، ولا يكون وارداً على القلب؛ إذ ليس في تقدير القلب فيه (2) اعتبار لطيف.

الثالث: أن يكون معناه : قرب فزاد منه قرباً؛ فإنّ معنى «دنا» : قرب، ومعنى «تدلّى» : زاد في القرب، كما تقول : «قد دنا مني فلان واقترب»، ولو قلت: «قرب مني فدنا» جاز، ويؤيّده ما في (العلل ) عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من أنّه قال: «لا تقرأ «تدلّى» إقرأ (ثم دنا فتدانى)» (3). والقمّيّ : «إنّما نزلت هذه (ثم دنا فتدانى)»(4).

الرابع: أن يكون معنى التدلّي الفهم، كما روي عن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؛ فإنّه سُئِل عن قوله تعالى: «دَنَا فَتَدَلَّى» فقال: «إنّ هذه في لغة قريش إذا أراد الرجل منهم أن يقول: قد سمعت يقول: قد تدلّيت؛ وإنّما التدلّي الفهم»(5)، والمعنى: أنه دنا من ربّه فوعى منه ما أراه إيّاه بالعيان لا،بالإخبار، وهذا إنّما يتمّ على الوجه الثاني الذي هو إرجاع الضمائر إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ص: 110


1- ينظر الاحتجاج ١ : ٣٦٢، الوافي ٢ : ٧٩.
2- في (ب): «منه».
3- علل الشرائع 1 : 277 / باب ١٨٥، ح 1.
4- تفسير القمي 2: 334.
5- الاحتجاج ٢ : ١٥٧ / احتجاج أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في أشياء شتّى على المخالفين.

الوجه الثاني: أن تكون الضمائر راجعة إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، أي : دنا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من ربّه ليلة المعراج فتدلّى فكان منه قاب قوسين، وهو تمثيل للمقدار المعنويّ الروحانيّ بالمقدار الصوريّ الجسمانيّ؛ تقريباً للأذهان، كما مثّل قربه من العبيد ب«حَبْل الْوَرِيدِ»(1)، ويدلّ عليه الخبران المرويان عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

الأوّل: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أوّل من سبق إلى (بلى) رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وذلك أنّه أقرب الخلق إلى اللّه تعالى وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لمّا أسري به إلى السماء: تقدّم يا محمّد، فقد وطئت موطأ لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل. ولولا أنّ روحه أو نفسه كانت من ذلك المكان كما قدر أن يبلغه فكان من اللّه -عزّ وجلّ _ كما قال : «قابَ قَوْسَيْن أَوْ أَدْنى»، أي : بل أدنى» (2).

الثاني: ما روي في (الكافي) عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من أنّه سُئِل كم عرج برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال: «مرّتين، فأوقفه جبرئيل موقفاً فقال له مكانك يا محمد» الحديث، إلى أن قال: وكان كما قال اللّه: «قابَ قَوْسَيْن أَوْ أَدْنى» قبل ما قاب قوسين؟ قال: ما بين سيتها إلى رأسها» (3)، وهناك أخبار أخر استدلّ بها في (الصافي) (4) وغيره(5) على رجوع الضمائر إليه - صلوات اللّه عليه - ولا دلالة فيها على ذلك:

منها: المروي عن السجاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : «لما أسري بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه»(6).

ومنها: المروي في (الأمالي)، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: «الما عرج بيّ إلى السّماء ودنوت

ص: 111


1- سورة ق : ١٦.
2- ختصر بصائر الدرجات: ١٦٧.
3- الكافي : ١ / ٤٤٣. باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفاته، ح 13.
4- التفسير الصافي ٥ : ٨٥ - ٨٦.
5- علل الشرائع 1 : 131 - 132 باب 112، ح 1.
6- علل الشرائع 2: 332 باب ٣٠، ح ٤.

من ربّي _ عزّ وجلّ _ حتّى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال لي: مَن تحبّ من الخلق ؟ قلت: يا ربّ عليّاً، قال : فالتفتُّ يا محمد، فالتفتُ عن يساري فإذا علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)» (1).

ومنها : المروي في (الاحتجاج)، عن السجاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرة المنتهى فكان قاب قوسين أو أدنى»(2).

ومنها : قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء الشبور (3) المعروف ب_(دعاء السمات): «وَبمَجْدِكَ الَّذِي تَجَلَّيْتَ بهِ لِمُوسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)» إلى أن قال: «وَلِمُحَمَّدٍ لَما عَرَجْتَ بِهِ إِلَيْكَ حَتَّى دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنَ أَوْ أدْنَى»(4).

ومنها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زيارة الندبة الخارجة من الناحية المقدّسة: «يَابْنَ مَنْ دَنَا

ص: 112


1- الأمالي (للشيخ الطوسي): 352.
2- الاحتجاج 2: 39/ احتجاج علي بن الحسين زين العابدين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) على يزيد بن معاوية – لعنة اللّه عليهما - لمّا أدخل عليه.
3- في هامش :(أ): «قوله: (الشبُّور) هو كتنُّور : البوق [ معرّب قاله الجوهري]. ودعاء السمات المشهور يسمّى دعاء (الشَّبُّور)، وهو عبراني، وفيه مناسبة للقرون المثقوبة؛ لما روي «أنّ يُوشَع لما حارب العمالقة أمر أن يأخذ الخواص من بني إسرائيل جراراً فُرَّغاً على أكتافهم بعدد أسماء العمالقة، وأن يأخذ كلّ منهم قرناً مثقوباً من قرن الضأن ويدعون بهذا الدعاء سراً لئلا يسترقه بعض شياطين الجن والإنس فيعملونه، ففعلوا ذلك ليلتهم، فلما كان آخر الليل كسروا الجرار في معسكر العمالقة فأصبحوا موتى منتفخي الأجواف «كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلِ خاوِيَة» [سورة الحاقة: ٧]». قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فاتّخذوه على عدوّكم من سائر الناس، وهو من عميق مكنون العلم ومخزونه، فادعوا به للحاجة عند اللّه، ولا تبدوه للسفهاء والنساء والصبيان والظالمين والمنافقين». وفي رواية أخرى عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ): لو حلفت أنّ في هذا الدعاء الاسم الأعظم لبررت». (مجمع البحرين ) [ ج 3، ص ٣٤١]
4- جمال الأسبوع: ٣٢٣.

فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى دُنُوا وَاقْتِراباً مِنَ العَلِيِّ الأَعْلَى»(1).

وإنّما قلنا: إنّ أمثال هذه الأخبار لا دلالة فيها على ذلك؛ فإنّ أقصى ما فيها بيان أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بلغ ليلة المعراج من القرب من اللّه تعالى إلى حيث كان بينهما قاب قوسين، وليس فيها دلالة ظاهرة على أنّ المقصود من هذه الآية الشريفة بيان مقدار قربه من اللّه تعالى ليلة الإسراء برجوع الضمائر إليه صلوات اللّه تعالى عليه.

و مما يدلّ على رجوع الضمائر إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما روي في (العلل) عن السجّاد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من أنه سئل عن اللّه تعالى هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى اللّه عن ذلك. قيل : فلم أسرى بنبيّه محمّد إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه. قيل : فقول اللّه: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» قال: ذلك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثمّ تدلّى فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظنّ أنّه في القرب من الأرض كقاب قوسين صلى اللّه أو أدنى»(2) إلّا أنّ فيه دلالة على أن قوله : قاب قوسين» بيان لمقدار ما بين النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبين الأرض من القرب لا ما بينه وبين ربّه، فتدبّر.

ثمّ إنّ في ما ورد في بيان المعراج من المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الأخبار والأدعية، فقرات مشكلة يحتاج تأويلها إلى تطويل في الكلام؛ فلذلك أعرضنا عن شرحها في هذا المقام.

فمنها قوله في زيارة الندبة الخارجة من الناحية المقدّسة: «وَعَرَجْتَ بِرُوحِهِ إِلى سمائك»(3).

ووجه الإشكال فيها أنّ الناس في المعراج بين منكر له عن رأسٍ ويردّه من

ص: 113


1- إقبال الأعمال ١ : ٥٠٦.
2- علل الشرائع 1 : 131 - 132 / باب 112، ح 1.
3- ينظر بحار الأنوار 99 : ١٠٥.

الكتاب العزيز آيات كثيرة، كقوله تعالى: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا»(1)، وقوله: «فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ»(2)، يعني الأنبياء، وإنّما رآهم في السماء. وبين قائل بأنّه أسري به إلى السماء في المنام وبين قائل بأنه أنها عرج بروحه لا بجسده؛ واستقرّ الرأي على أنّ عروجه كان بجسمه وروحه والفقرة المزبورة مشعرة بأنّ عروجه كان بروحه، اللّهم إلّا أنّ يقال إنّ اللّه تعالى عرج بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما في (الخصال ) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «مائة وعشرين مرّة » (3).

ولعّل عروجه في بعض المرّات كان بروحه وفي بعضها بروحه وجسمه (4)، فلا تنافي بين الأخبار؛ إذ لا برهان يقضي بأن جميع معارجه كان بروحه وجسمه، أو يقال: إنّ الروح يطلق على الجسم أيضاً، كما حكي عن (الاحتجاج) عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال: «الروح لا يوصف بثقل ولا خفّة، وهي جسم رقيق ألبس قالباً كثيفاً»(5)، وكما في (مجمع البحرين): عن الحديث القدسي: «إنّي خلقتك وعليّاً روحاً بلا بدن ثمّ

ص: 114


1- سورة الزخرف : ٤٥.
2- سورة يونس : ٩٤.
3- الخصال: ٦٠٠. باب الواحد إلى المائة : عرج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى السماء مائة وعشرين مرة.
4- في هامش :(أ): «اختلفوا في الإسراء هل هو إسراء واحد في ليلة واحدة - يقظة أو مناماً _ أو إسراءان _ كلّ واحد في ليلة-، مرّة بروحه وبدنه يقظة وأخرى مناماً، أو يقظة بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثمّ ثمّ مناماً من المسجد الأقصى إلى العرش، أو أربع إسراءات؟ واحتج القائلون بأنّه بالجسد يقظة إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح؛ لقوله تعالى: «أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» [سورة الإسراء: ١]، فجعل المسجد الأقصى غاية للإسراء الذي وقع التعجّب به بعظيم القدرة و التمدح بتشريفه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عبد اللّه به وإظهار الكرامة له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالاسراء، قالوا: ولو كان الإسراء بجسده إلى [مكان] زائد على المسجد الأقصى؛ لذكره تعالى، فيكون [ذكره] أبلغ في المدح». ينظر سبل الهدى والرشاد ٣: ٦٨.
5- الاحتجاج ٢: ٣٥٠/ احتجاجات الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

جمعت روحيكها فجعلتهما واحدة» (1)؛ فإنّ من المعلوم أن جعل المجرّدتين واحدة ممتنع وكذا قسمة المجرّد، فينبغي حمل الروح هنا على آلة جسمانية نورانيّة منزّهة عن الكثافة البدنية» (2).

ومنها: قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في الحديث المروي في (الصافي) في أوّل سورة بني إسرائيل: «ثم رأيت ملكاً جالساً على سرير، تحت يديه سبعون ألف ملك، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك، فوقع في نفس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه هو، فصاح به جبرئیل، فقال: قم فهو قائم إلى يوم القيامة» (3).

ووجه الإشكال أنّ ظاهر قوله: فوقع في نفس رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه هو» أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لمّا رأى عظمة الملك واستواءه على سريره، وأنّ تحت يده ملائكة كثيرين وقع في نفسه أنّ هذا هو اللّه تعالى، فلما صاح جبرئيل بالملك أن قم وقام عرف النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنه ملك. وفي هذا ما لا يخفى.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ النبي قد رأى هذا الملك _ كما رأى غيره من الخلق _ قبل ظهوره في هذا العالم في عالم الذرّ فلمّا ظهر في هذا العالم لم يره إلى أن عرج إلى السماء فرأه فوقع في نفسه أنّ هذا هو الذي رأيته وعلمت به قبل، فافهم.

ومنها: قول الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المروي في (الكافي): «إنّ جبرئيل أوقف النبي موقفا وقال له: مكانك يا محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قطّ ولا نبي، إنّ ربّك يصلّي. فقال : يا جبرئيل، وكيف يصلّي ؟ قال : يقول: سبوح قدوس (4) أنا ربّ

ص: 115


1- الجواهر السنية : ٢١٢
2- مجمع البحرين ٢: ٣٦٠.
3- التفسير الصافي ٣: ١٧٢.
4- في هامش (ب): «القدّوس : المنزه عن الشريك والولد الذي لا يوصف بصفات الأجسام ولا بالتجزئة والانقسام. وقيل: أصل التقديس التطهير، ومنه قوله تعالى عن الملائكة: «وَنُقَدِّسُ لَكَ» [سورة البقرة : ٣٠]، أي ننسبك إلى الطهارة. وسمّي بيت المقدس بذلك لأنّه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، وقيل للجنّة : حظيرة القدس؛ لأنّها موضع الطهارة عن الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا، فالقدّوس هو الطاهر عن العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد». (منه عفي عنه)

الملائكة والروح، سبقت رحمتي غضبي. فقال: اللّهم عفوك عفوك»(1)، إلى غير ذلك من الفقرات المعضلة التأويل المفتقرة في التوضيح إلى التطويل، وعليك بالتأمّل فيها والإطلاع على خافيها، ولا ينبغي استعجال الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، ولا يتغلغل إليه الفكر.

ص: 116


1- الكافي ١ : ٤٤٣ / باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووفاته، ح ١٣.

[ المسألة الثانية : بيان قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «إني تارك فيكم الثقلين»]

قال: «المسألة الثانية: قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي؛ فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1)، كإصبعيّ هاتين وجمع بين المسبّحتين، ولا أقول: كهاتين احداهما أطول من الأخرى، وأشار بالمسبحة والوسطى» (2) ، وفي بعض الطرق التعبير ب_ (الثقل الأكبر) و(الثقل الأصغر)، وتفسير الأكبر بالكتاب والأصغر بالعترة (3)، وما الوجه في ذلك ؟ مع أنّ هناك أمرين يقضيان بكون العترة الثقل الأكبر:

الأوّل: إِنّ القرآن عِلْمُهم والعالم أعلى رتبة من العلم.

الثاني: إنّهم كلام اللّه الناطق والكتاب كلامه الصامت، ولا ينطق بالحق إلّا بحَمَلته وإلّا فهو صامت، والصامت من حيث هو صامت لا ينتفع به ولا يكون حجّة حال صمته، بخلاف الناطق ؛ فإنّ الحجّة تقوم به والانتفاع حاصل به، فيكون أفضل على أنّ الكتاب من حيث هو محتمل لوجوه كثيرة ومعان شتّى، ولهذا ترى أهل كلّ فرقة من الفرق الإسلامية يستدلّون على ما يذهبون إليه ببعض آي الكتاب. وعن النبيّ

ص: 117


1- مختصر بصائر الدرجات: 90.
2- تفسير القمّي ٢ : ٤٤٦، بحار الأنوار ٢٧: ٦٨/ باب ما أمر به النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من النصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومعنى جماعتهم، وعقاب نكث البيعة، ح ٥.
3- بصائر الدرجات : ٤٢٤، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 117، حديث الثقلين، وبحار الأنوار 23 : 109/ باب فضائل أهل بيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ح ١٥.

(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه» (1)، ونهى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) عبد اللّه بن العبّاس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج أن يحتج عليهم بالقرآن فقال في (نهج البلاغة): «لا تخاصمهم بالقرآن؛ فإنّ القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنّة؛ فإنهم لم يجدوا عنها محيصاً»(2)، وقال أيضاً: «هذا القرآن إنّما هو خطّ مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان، وإنّما ينطق عنه الرجال»(3)، فعلم أنّ مراد اللّه تعالى لا يعلمه من القرآن إلا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعترته الذين إذا نزلت آية اقرأها إيّاهم، وأملاها عليهم وعلمهم تأويلها وتفسيرها، ومنع الناس أن يفسّروه بآرائهم، وأمرهم بالرجوع إلى الراسخين في العلم الذين يستنبطون منه، وإذا كانوا كذلك فكانوا أكبر وأفضل من القرآن؛ لكونه في مقام الإجمال وهم في مقام التفصيل.

ثمّ إنّ قوله : ولا أقول كهاتين فتكون احداهما أطول من الأخرى، وفي رواية: ولا أقول كهاتين فتفضّل هذه على هذه، يدلّ على تساويهما في الفضل وعدم رجحان أحدهما على الآخر».

أقول: الجواب من وجهين:

الأول: إنّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وإن كان له مراتب عظيمة ومناصب جسيمة، إلّا أنه بحسب الظاهر هو الإنسان الذي جعله اللّه خليفته في بلاده، وفرض طاعته على،عباده، وأمره عليهم لتبليغ أحكامه وتبيين حلاله وحرامه، وهو في هذا المقام لا يعلمُ شيئاً إلّا من القرآن – كالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) -، وقد عظّمه اللّه تعالى ووصفه بأنّه يعلم القرآن، فقال: «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب» (4)، فإذا كان علم الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) مستفاداً من القرآن،

ص: 118


1- تفسير مجمع البيان ١ : ٤٠، وغوالي اللآلي 4: 104.
2- نهج البلاغة ٣: ١٣٦.
3- الاحتجاج ١: ٢٧٥/ احتجاجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الخوارج.
4- سورة الرعد: ٤٣.

وحكمه تابعاً لحكم القرآن، وكان الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كلّ واقعة إنّما يأخذ من القرآن كان القرآن أكبر، فالإمام في الظاهر بمنزلة الجسم والقرآن بمنزلة العقل ولا ريب في أنّ العقل أفضل من الجسم من حيث هو، وإن كان بعد اتصافه بالعقل وصيرورته عاقلاً كان أكبر؛ فإنّ العاقل أكبر من العقل، فتأمل.

فإن قلت: قوله تعالى: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ» (1)يدلّ على أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان عالماً بالقرآن وبعلومه قبل نزوله.

قلت: الآيات الظاهرة الدلالة على ما قلناه من أنّ علم النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مستفاد من القرآن ولم يكن له علم به قبل نزوله، وكذا الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) كثيرةٌ، كقوله تعالى في آخر سورة حم عسق: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ»(2)، والروح هو القرآن؛ لأنّه يهتدى به ففيه حياة من موت الكفر، يعني أوحينا إليك القرآن وما كنت تدري قبل وحي القرآن ما الكتاب ولا الإيمان، أي ما القرآن ولا الشرائع.

وكقوله في قصة نوح المذكورة في سورة هود: «تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا»(3)، يعني القرآن.

وقوله في أوّل سورة يوسف: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»(4)، أي: من قبل نزول القرآن عليك لمن الغافلين عن العلوم التي في القرآن لا تعلم شيئاً منها.

وقوله في سورة النساء: «وَأَنْزَلَ اللّه عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ

ص: 119


1- سورة طه : ١١٤.
2- سورة الشورى: ٥٢.
3- سورة هود: ٤٩.
4- سورة يوسف : ٣.

تَكُنْ تَعْلَمُ»(1)، أي: علّمك بإنزال القرآن عليك وتعليمك ما فيه من العلوم والحكم والأحكام ما لم تكن تعلمه.

وأما قوله تعالى في سورة طه: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ»(2)، فعن القمّي (رَحمهُ اللّه) قال : «كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا نزل عليه القرآن بادر بقرائته قبل تمام نزول الآية،والمعنى، فأنزل اللّه تعالى «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ»(3)، أي : يفرغ من قرائته: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»(4)، أي: سل اللّه تعالى زيادة العلم بدل الاستعجال؛ فإنّ ما أوحى إليك تناله لا محالة، فلا يدلّ على أنه كان يعلم القرآن قبل نزوله.

الثاني: إنّ الناس لحداثة عهدهم بالإسلام لم يكونوا يتحملون من النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) تعظيم شأن عترته أزيد من ذلك؛ فإنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أشار في هذا الحديث إلى جلالة شأنهم بوجوه عديدة، ألا ترى أنه قرنهم بالكتاب المجيد، وجعلهما خليفتين ولم يكتف بواحد منهما، وعلّق النجاة عن الضلال بالتمسك بهما جميعاً حتّى أنّ المتمسك بأحدهما دون الآخر يكون ضالّاً، إلى غير ذلك من الوجوه التي يعرفها البصير، فلو جعلهم مع ذلك أكبر من القرآن لاستوحشوا من ذلك؛ فإنّ القرآن باعتبار كونه كلام اللّه تعالى ومنزّلاً من عنده له مقام آخر في أنظارهم؛ ولهذا لما رفعوا المصاحف في صفّين؛ صدر من القوم ما صدر.

وأما قوله: «كإصبعي هاتين» فبيان لورود الثقلين عليه دفعة واحدة، ونفيٌ لاحتمال ورود أحدهما عليه قبل الآخر، وهذا لا ينافي جعل الكتاب أكبر ؛ فإنّ المعنى أنّ الثقل الأكبر والأصغر يردان علي الحوض دفعة واحدة من دون أن يسبق أحدهما

ص: 120


1- سورة النساء : 133.
2- سورة طه : ١١٤.
3- سورة طه : ١١٤.
4- سورة طه : ١١٤. تفسير القمّي ٢ : ٦٥.

الآخر، فهما في الورود كإصبعيَّ هاتين، وليس لأحدهما فضل السبق على الآخر، وهذا واضح. ولنكشف الغبرة عن لفظ (الثقل) و(العترة):

فاعلم أنّ في لفظ (الثقل) احتمالين:

الأول: أن يكون بكسر ففتح _ كعِنَب _ مصدر ثَقُل _ بالضم _ ضدّ خَفَّ، والعامة يسكّنون القاف، وهو وهم؛ فإنّ ضدّ الخِفّة الثِقَل _ بكسر ففتح-، نعم الثقل -بكسر فسكون _ هو الحاصل بالمصدر على ما في بعض حواشي (المطوّل)(1)، أو هو المصدر وسكن للتخفيف كما في (مجمع البحرين)(2).

وإنّما عبّر عن الكتاب والعترة ب_ ( الثقلين) (3) ؛ لأنّ العمل والتمسك بهما ثقيل،

ص: 121


1- لم نعثر عليه في حواشي المطوّل.
2- مجمع البحرين ٥: ٣٢٩.
3- في هامش (أ): «قال في (مجمع البيان) [ج 9، ص ٣٤٠]: الثقلان: أصله من الثقل، وكلّ شيء له وزن وقدر، فهو ثقل وإنّما سمّيت الإنس والجن ثقلين لعظم خطرهما، وجلالة شأنهما، بالإضافة إلى ما في الأرض من الحيوانات، ولثقل وزنهما بالعقل والتمييز، ومنه قول النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي سمّاهما ثقلين لعظم خطرهما، وجلالة قدرهما. وقيل : إنّ الجن والإنس سمّيا ثقلين لثقلهما على الأرض أحياءً وأمواتاً. ومنه قوله [ في سورة الزلزلة: ٢]: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا»، أي: أخرجت ما فيها من الموتى. والعرب تجعل السيّد الشجاع ثقلاً على الأرض. (منه) وفي هامش :(ب) «الثقلان الإنس والجنّ سمّيا بذلك لأنهما ثقلا الأرض. وقيل: لشرفهما، وكلّ شريف يقال له : ثقيل. وقيل: لأنهما مثقلان بالذنوب. حياة الحيوان [ الكبرى ١ : ٢٦٠]. أصله من الثقل، وكلّ شيء له وزن وقدر فهو ثقل، وإنّما سمّيا ثقلين لعظم خطرهما وجلالة شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من الحيوانات، ولثقل وزنهما بالعقل والتميز. وقيل: لثقلهما على الأرض أحياءً وأمواتاً، ومنه قوله: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَاهَا» [سورة الزلزلة : ٢]، أي أخرجت ما فيها من الموتى». ينظر : بحار الأنوار ٦٠ : ٥٩.

قال عليّ بن الفضل البغداديّ : سمعت عمر صاحب تغلب يقول: سمعت تغلب سُئِل عن معنى قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): « إني تارك فيكم الثقلين» لم سميا بثقلين؟ قال: لأنّ التمسّك بهما ثقيل (1).

الثاني: أن يكون بفتحتين، قال في (القاموس): «الثقل محرّكة: متاع المسافر وحَشمه، وكلّ شيء نفيس مصون، ومنه الحديث : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» (2).

وظاهر العبارة أنّ ضمير (منه) يرجع إلى كلّ من المعنيين، والمناسبة أيضاً موجودة؛ فإنّ الكتاب والعترة أنفس الأشياء المصونة، وهما زاد من يسافر إلى الآخرة ومتاعه الذي ينتفع به في سفره، فكأنّه قال للأمّة : أنتم مسافرون إلى الآخرة؛ فتزوّدوا، وخير الزاد لسفر المعاد الكتاب والعترة.

وجعله عزّ الدين بن أبي الحديد من المعنى الأوّل، فقال: إنّما سمّى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الكتاب والعترة بالثقلين؛ لأنّ الثقل في اللغة متاع المسافر وحشمه، فكأنّه لما شارف الانتقال إلى جوار ربّه جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزلٍ، وجعل الكتاب والعترة كمتاعه وحشمه؛ لأنهما أخص الأشياء به» (3).

وفيه: إنّ التعبير عن الكتاب والعترة بالثقلين على أيّ معنى حُمل لفظُ (الثقل) إنّما هو بالنسبة إلى الأمّة لا بالنسبة إليه - صلوات اللّه عليه-.

وأمّا العترة: فعليّ بن أبي طالب، وذريته من فاطمة وسلالة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهم الذين نصّ اللّه تعالى عليهم بالإمامة على لسان نبيه وهم اثنا عشر أوّلهم عليّ، وآخرهم القائم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، على جميع ما ذهبت إليه العرب من معنى العترة؛ وذلك فإنّ العترة تطلق

ص: 122


1- معاني الأخبار : 90/ باب معنى الثقلين والعترة، ح 3.
2- القاموس المحيط ٣: ٤٦٨.
3- شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ٦: 380.

على البلدة والبيضة (1)، وهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) بلدة الإسلام وبيضته وأصوله.

و على الصخرة العظيمة التي يتخذ الضب عندها جحره يهتدي بها؛ لئلا يضلّ عنها، وهم الهداة للخلق (2).

وعلى أصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من أصولها وعروقها، وهم أصل الشجرة المقطوعة؛ لأنهم وُتِرُوا وظُلِمُوا وجُفُوا وقُطِعُوا (3) ولم يوصلوا، فنبتوا من أصولهم وعروقهم، ولا يضرّهم قطع من قطعهم وإدبار من أدبر عنهم؛ إذا كانوا من قبل اللّه تعالى منصوصاً عليهم على لسان نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

وعلى قطاع المسك الكبار في النافجة، وهم من بين ولد بني هاشم وجميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة (4).

وعلى العين الرائقة العذبة، ولا شيء أعذب من علومهم في فم العقول ومذاق أهل الحكمة (5).

وعلى الذكر أو انعاظه، وهم ذكران غير أناث (6).

وعلى الريح(7)، وهم جند اللّه وحزبه، كما أنّ الريح على ما في الحديث النبويّ: «جند اللّه الأكبر » (8). وهم نعمة على قوم ونقمة على قوم، كما أنّ الريح عذاب على قوم ورحمة للآخرين، بل القرآن الذي هو أحد الثقلين كذلك، قال تعالى: «وَنُنَزِّلُ مِنَ

ص: 123


1- مجمع البحرين ٣: 39٥.
2- مجمع البحرين ٣: 39٥.
3- مجمع البحرين ٣: 39٥.
4- مجمع البحرين ٣: 39٥.
5- مجمع البحرين ٣: 39٥.
6- مجمع البحرين ٣: 39٥.
7- مجمع البحرين ٣: 396.
8- ينظر: الكافي :٨ ٩٥/ ضمن حديث «كان كلّ شيء ماءً، وعرشه تعالى على الماء».

الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَاراً»(1).

وعلى نبت ينبت مثل المرزنجوش متفرّقاً، وهم أصحاب المشاهد المتفرّقة وبركاتهم منبثة في المشرق والمغرب (2).

وعلى شجرة كثيرة اللبن صغيرة، وهم ينابيع العلم (3).

وعلى قلادة تعجن بالمسك، وهم قلائد العلوم والمعارف (4).

وعلى شجرة - كما عن ابن الأعرابيّ - تنبت على وجار الضبّ - وأحسبه أراد وجار الضبع؛ لأنّ الذي للضب مَكن(5)، وللضبع وجار _، ثمّ قال: وإذا خرجت الضبّ من وجارها تمرّغت على تلك الشجرة، فهي لذلك لا تنمو ولا تكبر، والعرب تضرب مثلاً للذليل والذلّة، فيقولون: أذّل من عترة (6) الضب(7).

وهم الشجرة التي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أصلها، وأمير المؤمنين فرعها، والأئمة من ولده أغصانها، وشيعتهم ورقها، وعلومهم أثمارها، ويتحمّلون الذلّ من ضباب هذه الأمّة وذئابها وضباعها وكلابها.

ص: 124


1- سورة الإسراء : 82.
2- مجمع البحرين :٣: 39٦.
3- ينظر : بحار الأنوار ٨٧: ٢٦٠.
4- مجمع البحرين ٣: ٣٩٦.
5- في (أ).«مكو».
6- في هامش (ب): «إنّها كانت العرب أكثر أمثالها مضروبة بالبهائم، والهوّام، ونحوهما، ولا يكادون يمدحون، ولا يذمون إلّا بذلك؛ لأنهم جعلوا مساكنهم بين السباع والأحناش والحشرات واستعملوا التمثيل لها بذلك». ينظر حياة الحيوان الكبرى 1: 19.
7- كمال الدين وتمام النعمة : ٢٤٥/ الباب الثاني والعشرون اتصال الوصية من لدن آدم (عَلَيهِ السَّلَامُ)؛ ومعاني الأخبار : 91/ باب معنى الثقلين والعترة، ح ٥.

وعلى شاة كانوا يذبحونها لآلهتهم؛ فإنّ الرجل في الجاهلية كان ينذر أن يذبح غنمه شاةً إذا بلغت مائة، وهم الذين ذبحتهم الفرقة الملعونة وسمتهم لأجل ملوكها وخلفائها، ثمّ إنّ الناذر ربّما بخل بشاته فيصيد الضباء ويذبحها عن غنمه عند آلهته؛ ليوفي بها نذره، وهم المظلومون المأخوذون بما لم يجرموه ولم يذنبوه (1).

وعلى أولياء الرجل، وهم أولياء اللّه المتقون، وعباده المخلصون(2).

وعلى الرهط، وهم رهط رسول اللّه (3).

وعلى ذرّيّة الرجل من صلبه، كما حكاه تغلب، عن ابن الأعرابي، وهم ذرّيّة رسول اللّه قال :تغلب فقلت لابن الأعرابي: فما معنى قول أبي بكر في السقيفة: «نحن عترة رسول اللّه» ؟

قال: أراد بذلك بلدته وبيضته، وعترة محمّد لا محالة ولد فاطمة. والدليل على ذلك ردّ أبي بكر وإنفاذ عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسورة البراءة، وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «أمرت أن لا يبلغها عنّي إلّا أنا أو رجل منّي»، فأخذها منه ودفعها إلى من كان منه دونه، فلو كان أبو بكر من العترة نسباً - دون تفسير ابن الأعرابي أنّه أراد البلدة - لكان لأبي بكر حجّة في عدم دفع سورة البراءة إليه _ سلام اللّه عليه - (4).

ص: 125


1- ينظر : معاني الأخبار : 90/ باب معنى الثقلين والعترة، ح ٥.
2- مجمع البحرين ٣: ٣٩٦.
3- مجمع البحرين ٣: ٣٩٦.
4- معاني الأخبار : 91/ باب معنى الثقلين والعترة، ح ٥.

[ المسألة الثالثة:بيان الحديث المرويّ من طرق العامة: «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثةِ مَساجد» ]

قال: «المسألة الثالثة: إني رأيت في البلاد المصرية شيخاً على فرس أدهم، يزيد ثمنه على ثمانمائة درهم، قدامه قرشيّ يقود العنان، ووراءه حبشيّ واضع يده على خلف الحصان، وأمامه مَنْ يصيح غرّبوا عن الطريق وشرّقوا، وطرّقوا للمولى طرقوا، والناس محتفّون به من كل جانب، منهم الماشي والراكب، فما يمرّ بدرب أو سوق إلّا وقام أهلُها جميعاً، شريفاً أو وضيعاً، وتواضعوا له سريعاً، إلى أن ورد سوق الكتب؛ فنزل وأقبل على دكّان بعض الوراقين، فقام الرجل عن محله إجلالاً، فقعد وأخذ ينظر يميناً وشمالاً، وطلب كتب الحديث فجلبت إليه، وجليت عليه، وأنا واقف بين يديه، فتناول كتاباً وفكّ الزر عن عروة،الأدم، وقرأ من طرقهم حديثاً أفزعني سنّ الندم، وهو قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : « لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» (1) وأخذ يستدل به على تحريم زيارة الأنبياء والأئمة والصالحين، ويشنّع على الفرقة الناجية؛ فأجلت كميت اللسان في ميدان البيان، وأطلت في إيراد الأحاديث الدالّة على استحباب الزيارة، بالتصريح والإشارة، ولكن أشكل علي توجيه الحديث المزبور نعم تعرّضت لما في سنده من قصور؛ فإن نقضتم احتجاجه وأبنتم إعوجاجه، وأوضحتم من الحق منهاجه كان ذلك حجّة على الخصم عند الحاجة».

ص: 126


1- كشف الخفاء ٢ : ٤٧٥، مختصر المزني : 297/ باب النذور، الخصال: ١٤٣/ لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد.

أقول: زعم بعضُ أهل السنّة ؛ أنّ زيارة قبور الأنبياء ومراقد الأئمة والصلحاء محرّمة، واحتجّ على زعمه بهذا الخبر المروي في طرقهم، غافلاً عن تحقيق المقام، ذاهلاً عن إمعان النظر في أطراف الكلام، ذاهباً إلى أنّه لا بُدّ من إضمار شيء هنا وليكن العبادة؛ لأنّ الأسفار المطلقة ليست حراماً، فالسفر إلى مكان إنْ كان لتجارة ونحوها مما لم يكن عبادة كان جائزاً لا بأس به، وإن كان لعبادة اللّه تعالى فيه بالصلاة، والقراءة، والذكر والدعاء، ونحوها مما هي عبادة، فإن كان ذلك المكان أحد هذه المساجد الثلاثة كان جائزاً أيضاً وإلّا فلا، فالمعنى لا تشدّوا الرحال إلى مكان للعبادة فيه إلّا إلى هذه المساجد، والسفر إلى القبور من أسفار العبادة فيكون محرّماً منهيّاً عنه.

وفيه نظر من وجهين

الأوّل: إنّ قضية الاستثناء أن يقدّر المستثنى منه من نوع المستثنى، والتقدير في الحديث: لا تشدّ الرحال إلى مسجد إلا إلى تلك الثلاثة، فيكون المراد بهذا النفي بالنسبة إلى المساجد، أي: لا يصلح ذلك إلى مسجد غير تلك الثلاثة؛ لتقارب المساجد سو اها في الفضيلة، فليس سفره إلى مسجد بلد آخر ليصلّي فيه بأولى من مقامه عند مسجد بلده والصلاة فيه، وأمّا شدّ الرحال إلى غير المساجد سواء كان لتجارة، أو زيارة، أو قربة من القرب فلا دلالة في الخبر على النهي عنه.

الثاني: إنّ الحكم بإباحة الأسفار المطلقة، وحرمة أسفار العبادة تحكّم محض؛ لأنّ إباحة الشدّ للأسفار المطلقة تستلزم أن يكون الشدّ لأسفار العبادة مباحاً بطريق أولى؛ إذ العبادة أرجح في نظر الشرع من السفر المباح، بل لا قائل بحرمة ما عدا السفر إلى المساجد من أسفار العبادة كالسفر لزيارة أحياء العلماء، وطلب العلم، وصلة الرحم، وغيرها من القرب، وقد جاء: «من زار عالماً فكمن زار بيت المقدّس» (1)،

ص: 127


1- ينظر : ذكرى الشيعة 3 : 112.

وورد «أطلبوا العلم ولو بالصين» (1) ولا يخالف أحد في إباحة أمثال ذلك مع أنّها عبادة، فتعيّن أن يكون المراد من الحديث : لا يستحبّ شدّ الرحال إلا إلى هذه، ولا يلزم من نفي الاستحباب نفي الجواز، أو لا يتأكّد، أو لا أولى بالشدّ من هذه الثلاثة أو يضمر المساجد.

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في طرقهم في إباحة الزيارة متواترة، وفي استحبابها متظافرة، وقد روى الحافظ ابن عساكر _ من علماء السنّة _ ما هو أشدّ عليهم من وقع الأسنّة، منها حديث «سيكون حثالة من العامة يعيّرون شيعتكم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها» (2)، وغيره مما ضمّنه العلماء كتبهم المشهورة وسننهم المأثورة، وذكر الجوزي في كتاب (مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن): «إنّ عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد من الشام إلى المدينة؛ ليزور النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويسلم عليه عنه»(3)، وهذا يدلّ على أنّ السفر للزيارة لم يكن منكراً في زمن الصحابة، وإلّا لبلغ ذلك عمر بن عبد العزير؛ فإنّه صدر التابعين.

وصنّف بعض قضاة الشافعيّة كتاباً مبسوطاً في ذلك سمّاه (شنّ الغارة في ردّ من أنكر سفر الزيارة)(4)، وعقد باباً لما ورد في السفر إلى زيارة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) صريحاً، وبيان أنّ ذلك لم يزل متداولاً قديماً وحديثاً، وقد استوفينا نحن الكلام في هذا المقام في كتابنا الموسوم ب_ ( إزهاق الباطل)، فراجعه (5).

ص: 128


1- روضة الواعظين: 11.
2- سنن أبي داود :2 : 218، ح ٢٠٤١، السنن الكبرى ٥ : ٢٤٥، مجمع الزوائد ١٠: ١٦٢.
3- وعنه : شفاء السقام : ١٤٢، إمتاع الأسماع 1٤ : ٦08.
4- ألف العلّامة السبكي الشافعي علي بن عبد الكافي (ت ٧٥٦ه_) كتاباً نقض فيه جميع مزاعم ابن تيمية ويعرف كتابه ب_ (شفاء السقام في زيارة خير الأنام)، كما يعرف بعنوان: (شنّ الغارة على من أنكر السفر للزيارة).
5- إزهاق الباطل : ١٦٣ - ١٦٩، و ١٧٣ - ١٩٣.

[المسألة الرابعة: بیان استدلال الشافعية والحنفيّة، على ما زعموه في الرضاع بقوله تعالى: «وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّانِ أَرْضَعْنَكُمْ» ]

قال: «المسألة الرابعة: إنّ الحنفيّة زعموا أنّ الرضعة الواحدة بشرطها محرّمة في باب النكاح (1)، وخالفهم في ذلك الشافعيّة فاشترطوا خمس رضعات (2)، واستدلّ الأولون بقوله تعالى في بيان المحرمات: «وأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُم» (3)، وتعقّب ذلك بعض الآخرين بأنّ الآية مفيدة لخمس رضعات ولو كان نظمها «واللاتي أرضعنكم أمهاتكم» لما أفادت إلّا رضعة واحدة، ولم يبيّن الفرق بين النظمين. وقد سألت عن ذلك آحاداً من العلماء المصطفين، وأفراداً من الفضلاء المرتضين، فلم يأت أحد منهم بما يرفع الإشكال من البين، ويسر القلب ويقرّ العين».

أقول: اعلم أنّ الخلاف بين الحنفية والشافعية أنّما هو في تعيين أقلّ ما ينشر الحرمة، فالحنفية اكتفوا في جانب الأقل بالرضعة الواحدة، واستدلوا على ذلك بإطلاق قوله تعالى: «أَرْضَعْنَكُم»، وصدقه مع الرضعة الواحدة وما زاد؛ ضرورة أنّ الفعل الماضي يدلّ على صدور المصدر الذي هو جنس من الفاعل، ويكفي في صدقه صدوره عنه مرّة واحدة فمن صدر عنه الضرب ولو مرّة واحدة يقال له : إنّه

ص: 129


1- ينظر سبل السلام ٣: ٢١٤.
2- مختصر المزني : ٢٢٦ و ٢٢٧ و ٤٤٥، السراج الوهّاج : ٤٦٠.
3- سورة النساء : ٢٣.

ضرب، وكذا من صدر عنها الإرضاع ولو مرّة واحدة يقال لها: إنها أرضعت.

والشافعيّة حدّدوا الأقلّ بخمس رضعات، وقالوا: إنّ الأربعة وما دونها لا تحرّم.

وهذه الدعوى ينحل إلى دعويين :

الأولى : إنّ الرضعة الواحدة لا تحرّم، بل لا بُدّ من التكرار.

الثانية: إنّ تكرار الإرضاع لا يحرّم إلّا إذا بلغ خمس مرات، والآية تدل بحسب نظمها على الدعوى الأولى، ولو كان نظمها : «واللاتي أرضعنكم أمهاتكم»؛ لدلّت حينئذ على أنّ الرضعة الواحدة محرّمة أيضاً.

بيان ذلك: إنّ الجملة الخبريّة الإيجابية مؤلَّفة من موضوع ومحمول حُكم في تلك الجملة بثبوته للموضوع، ولا ريب في أنّ المحمول إذا ثبت للموضوع كان الموضوع عبارة عن ذلك المحمول، فإذا قيل : «الذي داوى المريض طبيبٌ»؛ كان معناه أنّ الطبيب من داوى المريض ويصدق أنه داوى بصدور المداواة منه مرّة واحدة، فيكون المداوي مرّة واحدة طبيباً، فلو قيل: «اللاتي أرضعنكم أمهاتكم» دلّ على أنّ الأمّ اسم لما أرضعت ويصدق ذلك بالإرضاع مرّة واحدة، فإذا أرضعت مرّة واحدة كانت أمّاً وانتشرت الحرمة، وذلك الحدّ المبيّن للمحدود، كقولك: «أمّك من ولدتك»، لكن لا يخفى أنّ ما أفدناه إنّما هو إذا كان التعبير بلفظ الماضي، وأمّا لو عبّر بلفظ المضارع وقيل : «اللاتي يرضعنكم أمهاتكم» و«إنّ الطبيب من يداوي المريض» ؛ لم تكن المرّة الواحدة كافية في صدق الأمومة والطبابة؛ لظهور لفظ المضارع في الاستمرار والتكرار.

وإذا جعل الموضوع موصوفاً بفعل وحكم عليه بأمر كقولك: «أكرم الطبيب الذي داوى المريض» فمجرّد صدور ذلك الفعل عن الموضوع لا يكفي في تحقّق ذلك الموضوع وصدق عنوانه، بل لا بد في ذلك من الرجوع إلى العرف، أو اللغة،

ص: 130

أو الشرع؛ ففي المثال المزبور مجرّد صدور المداواة من رجل لا يجعله طبيباً حتّى يجب إكرامه؛ فإنّ من داوى مريضاً مرّة واحدة لا يقال له: أنّه طبيب، بل لا بد من صدور الفعل منه متكرّراً حتّى يستحق ذلك الاسم ويصدق عليه ذلك العنوان؛ وقوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَماتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْآخ وَبَناتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتي أَرْضَعْنَكُم»(1) من هذا القبيل؛ فإنّ «اللاتي أرضعنكم) صفة ل_: (لأمهات)، فالمحكومُ عليها بالتحريم الأمهات المرضعة، ومجرّد صدور الإرضاع من امرأة لا يجعلها أماً، ولا يصدق عليها في العرف عنوان الأمومة ما لم يتكرّر منها ذلك، كما لا يصدق التاجر على من تاجر مرّة واحدة، ولا المكاري على من كارى دابته مرّة واحدة؛ نعم لو أسقط لفظ (الأم) في هذا النظم وقيل: «وحرّمت عليكم اللاتي أرضعنكم» لأفادت أيضاً أنّ الإرضاع مرّة واحدة ناشر للحرمة؛ لفقد عنوان الأمومة؛ فظهر الفرق بين النظمين، وأنّ الأوّل منهما يدلّ على أنّ الإرضاع إنّما ينشر الحرمة إذا تكرّر دون الثاني.

وأما الدلالة على اعتبار خصوص الخمس فغير ظاهرة من الآية بنفسها إلّا بدعوى: أنّ الامرأة إنّما تسمّى في العرف أمّاً إذا أرضعت خمس مرات فصاعداً، وأمّا إذا أرضعت أربع مرات فما دونها فلا تسمّى في العرف أمّاً.

ثمّ إني إنّما كتبت هذه العجالة في توجيه تلك المقالة؛ إنجاحاً لطلبتك، وتعرّضاً لمودّتك، فلا تكلّفني بمثل ذلك مرّة أخرى؛ فإنّ السكوت عن آرائهم أحرى، أصلح اللّه تعالى أحوالك، وبلغك آمالك، في مبدئك ومآلك.

ص: 131


1- سورة النساء: ٢٣.

[ المسألة الخامسة: بیان جعل الكفّار للملائكة إناثاً]

قال: «المسألة الخامسة : إنّ الكفّار (1) «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إنَاثاً»(2)، وأثبتوا له تعالى بناتاً كما حكى اللّه تعالى ذلك عنهم في القرآن، وما الوجه في ذلك ولم لم يجعلوها ذكوراً؟

وقد سبقني إلى هذه المسألة الشيخ البارّ، محمّد بن علي بن عبد الجبّار (3)؛ فإنّه سأل أبا علي الهجريّ (4) عن ذلك، فأجاب بأنّ المشّائين والروّاقيّين من الحكماء قالوا: إنّ الملائكة قوى وجوديّة كالطبائع في العقاقير، لا أنها ذوات متشخصة بنفسها مجرّدة منزّهة عن الحلول بما وكلت به، بل هي قوى؛ ومعنى أنها موكلة بكذا أنها خلقت فيه، فقال الكافرون: إنّ هذه القوى من خالق الأشياء والقوّة: أنثى، فهي بنت مصيراً منهم إلى تأنيث لفظ (القوّة) وكونها بنات انتهى هجر (5)

ص: 132


1- في هامش :(ب) وهم خزاعة وكنانة. ينظر : تفسير الآلوسي: ١٤ : ١٦٧.
2- سورة الزخرف : 19.
3- هو القاضي تاج الدين محمد بن عليّ بن عبد الجبار الطوسي، نزيل قاشان. فقيه، صالح، ثقة. ينظر فهرست منتجب الدين: ١١٤/ الرقم: ٤٣١.
4- هو هارون بن زكريا الهجريّ، أبو علي صاحب كتاب (النوادر المفيدة)، وبعضٌ يسمّيها (الأمالي)، روى عنه ثابت بن حزم السرقسطيّ، ولقيه قاسم بن ثابت بالمغرب، ولقيه غيرهما بالمشرق. ينظر : الوافي بالوفيات ٢٧: ١١٥.
5- في هامش (أ)، (ب): «الهُجر - كقُفل - مصدر هجر في نومه ومرضه: هَذَى، وتكلّم بغير معقول. وهَجَر _ محرّكة _ : اسم لجميع أرض البحرين، ومنه المثل: «كمُبْضِع تَمرٍ إلى هجر»، أي جاعله بضاعته اليها». (منه) ينظر: تاج العروس ٧: ٦٠٨.

الهجريّ(1). وأظنّ أنّه أجاب عن هذا السؤال في حال،بلبال، وتشويش أحوال، ومزيد كسالة، وسوء حالة، كما اعترف به هو في ديباجة الرسالة؛ وإلّا فربّ صمت أبلغ من نطق».

أقول: إنّ الكفّار لمّا كانوا يحبّون البنين دون البنات حتّى إذا بشّر واحد منهم بأنّه ولد له بنت امتلأ حزناً وغيظاً وتغيّر لون وجهه إلى السواد؛ لما يظهر فيه من أثر الحزن والكراهيّة، واستخفى من القوم الذين يستخبرونه عمّا ولد له استنكافاً منه و خجلاً، وحياءً من سوء ما بشّر به من الأنثى وقبحه عنده(2)، كما قال تعالى في سورة النحل: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٍ»، «يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّراب»(3)، بل كان يمثل نفسه ويدبّر في أمر البنت المولودة له أيمسكها على ذلّ وهوان أم يخفيها في التراب ويدفنها حيّة ؟ وهو الوَأد الذي كان من عادة العرب، وهو أن أحدهم كان يحفر حفيرة صغيرة فإذا ولد له أنثى جعلها فيها، وحثا عليها التراب حتى تموت تحته، كما قال تعالى: «أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّراب»(4)، وقال: «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت»(5)، يعني أن البنت المدفونة حية تُسأل فيقال لها: بأي ذنب قتلت؟، ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها؛ لأنّها تقول: قُتِلتُ بغير ذنب، وقال شاعرهم:

ص: 133


1- لم نعثر عليه.
2- في هامش (ب): «وقوله تعالى : «اتَّخَذَ اللّه وَلَدًا سُبْحَانَهُ» [سورة البقرة: ١١٦] هو الغنيّ، إمّا أن يكون حكاية قول من يقول : الملائكة بنات اللّه، أو قول من يقول : الأوثان أولاد اللّه، والولد يطلق على الذكور والأناث». ينظر : تفسير الرازيّ :17: 132.
3- سورة النحل : ٥٨ و ٥٩.
4- سورة النحل : ٥٩.
5- سورة التكوير ٨ و ٩.

سمّيتها إذ وُلدت تموتُ***والقبرُ صِهرٌ ضامن زَميْتُ (1)

وقال آخر:

ومن غاية المجد والمكرمات***بقاء البنين ودفن البنات (2)

ألم تر حقاً بأن الإله***لقد وضع النعش جنب البناتِ (3)

وبالجملة، كانوا يكرهون البنات؛ جعلوا اللّه تعالى ما يكرهونه لأنفسهم(4)، وأضافوا إليه ما لا يرضونه لهم (5) وأثبتوا له الأدون؛ استنقاصاً، ولو جعلوا الملائكة ذكوراً وبنين لكانوا بزعمهم مثبتين له تعالى الأحسن لا الأدون، تعالى اللّه عمّا وصفوه به وأضافوه إليه ثم في قوله تعالى: «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَهُمْ ما يَشْتَهُون»(6) دلالة على أنّ الأدون لا يضاف إلى اللّه تعالى؛ فإنّه سبحانه قد عاب المشركين بإضافتهم

ص: 134


1- في هامش (أ)، (ب): «أي: الوقور». ينظر : شمس العلوم ٥: ٢٨٤٣.
2- في هامش (أ): توفيت رقية، والنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بدر، وعن ابن عباس : لمّا عزّي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بها قال : الحمد للّه دفن البنات من المكرمات». ينظر : مسند الشامتين ٣: ٣٢٥، ح ٢٤٠٨. وقد صنّف جماعة من العلماء كالصنعاني وغيره كتاباً في بيان الأحاديث الموضوعة، وعدّوا من ذلك : دفن البنات من المكرمات. نهاية الدراية (للسيّد حسن الصدر): 317.
3- البيتان لم يردا في (أ).
4- في هامش (ب) وعن الفخر الرازيّ: أظنّ أنّ ذلك لأنّ الملائكة يستترون عن العيون كالنساء، ومنه إطلاق التأنيث على الشمس؛ لاستتارها عن أن تدرك بالإبصار؛ لضوئها الباهر ونورها القاهر». ( منه عفي عنه ) ينظر : تفسير الآلوسي: ١٤: ١٦٧.
5- في هامش (ب): «اعلم أنّ الذين أثبتوا له تعالى البنات هم العرب، وأمّا النصارى وقوم من اليهود فأثبتوا له البنين فقالت النصارى: المسيح ابن اللّه، وقالت اليهود: عزير ابن اللّه، قال تعالى في [سورة الأنعام [ : ١٠٠]: «وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ»، أي: من علم أنّ اللّه تعالى ما حقيقته استحال أن يقول له ولد؛ لأنّ الولد يشعر بكونه متولّداً من جزء من أجزاء الوالد، وذلك إنّما يعقل في حق من يكون مركباً ويمكن انفصال بعض أجزائه عنه، وذلك في حق الأحد الفرد محال، وهذا القول ناش من الجهل وعدم العلم بذاته تعالى».
6- سورة النحل: ٥٧.

إليه ما لا يرضونه لأنفسهم، وإذا كره الإنسان إضافة القبيح إلى نفسه للنقص الذي فيه فكيف يجوز أن يضيفه إلى اللّه تعالى؟

ص: 135

[ المسألة السادسة: بيان قول عبد اللّه بن الحسن: «تَبينُ برأسِ الجوزاء»]

قال: «المسألة السادسة: إنّ عبد اللّه بن الحسن سُئِل عن رجل قال لامرأته : أنتِ طالق عدد نجوم السماء، فقال: تَبينُ برأس الجوزاء والباقي وزر عليه وعقوبة (1). ولم يتعقبه بيان من ذوي النهى».

:أقول الجوز - بفتح فسكون - وسط الشيء، والجوزاء: نجم، يقال: «إنّها تعترض في جوز السماء» (2)، أي : وسط السماء، قال في كتاب (اللباب في معرفة الأسطرلاب)(3): «(جوزاء) بر صورت مردی بود با کمر و شمشیر و دو دست او که بالای سه کوکب کمر باشد دو ستاره روشن بود اما دست راست روشن تر بود و او را (ید الجوز الیمنی) خوانند. و از میان دو دست از بالا سه کوکب خورد بهم پیوسته، مانند نقطه که بر (ث) زنند آن را (رأس الجوزاء) گويند». إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ قوله: «تبين برأس الجوزاء» معناه أنها تبين بعدد رأس الجوزاء، وهو إما الأنجم الثلاثة، أو حرف الجيم الذي هو رأس حروف لفظ (الجوزاء)؛ فإنّ الألف واللام زائدة، والجيم ثلاث بحساب الجمل.

ص: 136


1- الكافي ١ : ٣٤٩/ ٦، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح ٦.
2- الصحاح 3: 871.
3- وجدت كتابين بهذا الاسم: الأوّل: (كنز اللباب في علم الاسطرلاب) فارسي على ثلاثين باباً، لحيدر بن محمد بن أبي بكر المنجم. والثاني: (اللباب في الاسطرلاب)، فارسي، للسيّد محمد حسين الشهرستانيّ (ت ١٣١٥ه_). ينظر : كشف الظنون :2 : ١٥18، الذريعة :18 : 280 / الرقم: 103. ولم نعثر عليهما.

[المسألة السابعة: بيان الاتحاد الذي تزعمه الصوفيّة]

قال: «المسألة السابعة : إنّ الصوفية زعمت أنّ العبد متّحد مع اللّه، وأنّ الأثر عبارة عن ظهور ذات المؤثر بطور من الأطوار وتعيّن من التعينات، وأنّ الوجود هو وجود الحق وحده.

وأما ما ترى من هذه الكثرات فهي أوهام، والشيء مركّب من وجود اللّه تعالى ومن مشخصات وهمية، كما قال قائلهم : «أنا الحقّ» (1)، و «أنا اللّه»(2)، و«ما في الجبّة سوى اللّه» (3)، و«ما في قلبي غير اللّه» (4)، وأمثال ذلك، ولقد أفرطوا في القول بوحدة الوجود حتى قالوا: «إنّ اللّه ما أوجد إلّا ذاته» (5)، وفي الأخبار المروية عن النبي المختار وآله الأخيار ما يدلّ بظاهر لفظه في بادئ الأنظار على زعمهم، وأنّ حقيقة العبد هي ذات الواجب، والعبوديّة عبارة عن جهات الحدود والعوارض، كقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لنا مع اللّه حالات، هو فيها نحن ونحن فيها هو، إلّا أنّه هو هو ونحن نحن» (6)، وكقول الصاحب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما خرج على يد الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد من الناحية المقدّسة كما رواه الكفعميّ، عن ابن عباس : «لا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَها إِلا أَنهُمْ عِبادُكَ وَخَلْقُكَ فَتْقُها وَرَتْقُها

ص: 137


1- ينظر فصوص الحكم 2: 73.
2- ينظر: الفتوحات المكية 1: 272.
3- ينظر : مشارق الدراري : ٧٥٨.
4- لم نعثر عليه.
5- ينظر : شرح فصوص الحكم: 1073.
6- ينظر: الكلمات المكنونة : ١١٤/ في معنى الفناء في اللّه.

بيَدِكَ » (1)، وكقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما في (مصباح الشريعة) : «العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة»(2)، و كقوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (3)، وكقوله: «عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته»(4). وهذا ونحوه يدلّ على أنّ العارف يبلغ في المعرفة مبلغاً يحصل معه الاتّحاد بينه وبين اللّه، كما قال أبو يزيد: «انتزعت من أهابي انتزاع الحيّة من جلدها فإذا أنا هو»(5)، فمنّوا علينا ببیان معاني هذه الأخبار، وتفسيرها على المذهب المختار».

أقول: الأثر الحادث _ وإن بلغ ما بلغ _ لا يبلغ إلى حقيقة ذات المؤثر أبداً، وإلّا لم يكن الأثر أثراً ولا المؤثّر مؤثّراً وهو خلاف المفروض. والقول: بأنّ الأثر عبارة عن ظهور ذات المؤثر بطور من الأطوار وتعيّن من التعينات، كظهور الماء في الثلج، والبحر في الأمواج، ونحو ذلك من الأمثلة كفر؛ لاستلزامه اتحاد الحادث مع القديم، وانفعال القديم، وتكثّره وتغيّره، وغيرها من اللوازم الباطلة.

نعم الأثرُ له جهتان جهة دلالة على المؤثر، وجهة احتجاب عنه، فعلى الوجه الأوّل هو دليل على المؤثر وفي حكم الاسم له لا أنّه متحد معه، وإنّما قلنا: إنّه في حكم الاسم له باعتبار كونه مبدئاً؛ لاشتقاق اسم له كالكتاب الذي هو أثر زيد؛ فإنّه مبدأ

ص: 138


1- المصباح (للكفعمي): ٥٢٩ / الفصل الثالث والأربعون فيما يعمل في رجب، مصباح المتهجّد: ٨٠٣ / دعاء أوّل يوم من رجب.
2- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة : ٤٥٣، الباب المئة في حقيقة العبودية. وعنه : التفسير الصافي ٤: ٣٦٥.
3- مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة : 383 / الباب الثاني والستون في العلم. مصابيح الأنوار ١: ٢٠٤.
4- ينظر الكافي :2 : ٣٥2 / كتاب الكفر والإيمان، باب ١٤٥، وإرشاد القلوب ١ : ٩١ في فضل صلاة الليل.
5- البيروني، تحقيق ما للهند: ص ٦٦- ٦٧.

لاشتقاق لفظ الكاتب الذي هو اسم لزيد، وما أفدناه وإن كان كلاماً كليّاً يتّضح به معاني الأخبار المأثورة والآثار المزبورة، إلّا أنّ إفراد المقال في كلّ واحد منها على الاستقلال أدفعُ للإشكال، وأرفع للإجمال.

فنقول في بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لنا مع اللّه حالات» إلى آخره: إنّ للأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) حالتين:

الأولى: البشريّة (1) الظاهرية التي هي عبارة عن التألّف عن روح إنساني وجسم عنصري خلق من ماء دافق.

الثانية: الإمامة التي هي رياسة عامة في الدين والدنيا، ومنصب جليل آتاهم اللّه تعالى إيّاه دون العالمين واللّه ذو الفضل العظيم. وهي أجلّ شأناً، وأعظم مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً؛ من أن يبلغها الناس بعقولهم، لقد حارت الألباب، وتاهت الحلوم وتصاغرت العلماء، وتقاصرت العظماء عن وصف هذا المنصب، وكيف يوصف على وجهه، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره وهو بحيث النجم من يد المتناول (2).

وهم - صلوات اللّه عليهم - بالنسبة إلى الحالة الأولى عباد اللّه كسائر خلقه و عبيده وبشر مثلهم، وبالنسبة إلى الحالة الثانية لهم الحكم والأمر والولاية كما أنّ اللّه تعالى الحكم والأمر والولاية، على حدّ الخليفة الذي هو بمنزلة المستخلف وقائم مقامه، فحكمه تعالى حكمهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وحكمهم حكمه، وأمره أمرهم، وأمرهم أمره، وطاعته طاعتهم، وطاعتهم طاعته، ومعصيته معصيتهم، ومعصيتهم معصيته، ومن أحبّهم فقد أحبّ اللّه، ومن أبغضهم فقد أبغض اللّه (3)، «ومَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ

ص: 139


1- في هامش (أ): «البشر : الإنسان، ذكراً أو أنثى، واحداً أو جمعاً. القاموس [ج 2، ص 18]».
2- كما وردت هذه المضامين في حديث عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ). ينظر : مشارق أنوار اليقين : 177، وعنه: بحار الأنوار 2٥ : 171 / باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة.
3- كما وردت روايات متضافرة في هذا المضمار مع العبائر المختلفة في الجوامع الحديثية.

أَطاعَ اللّه»(1)، «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللّه رَمَى»(2)،« إنَّ الَّذينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللّه»(3)، فاللّه تعالى في هذه الحالة هو الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، والأئمة فيها هم اللّه تعالى بالمعنى المتقدّم، أي: أنّ أمره أمرهم وأمرهم أمره؛ فإنّهم خلفاؤه في بلاده، وحججه على عباده، ما ينطقون عن الهوى، ولا يشاؤون إلّا ما شاء اللّه، وهذا كما يقول الوزير المنصوب من قبل السلطان على الرعايا: أنا نفس السلطان.

ثم إن ظاهر قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هو فيها نحن، ونحن فيها هو لمّا كان موهماً لما تزعمه الصوفية من اتحاد العبد مع اللّه تعالى رفع هذا التوهّم بقوله: «إلّا أنّه هو هو، ونحن نحن»، أي هو هو في مقام القدم والأزلية، ونحن نحن في مقام الحدوث والعبوديّة، واتّحادنا معه أنّما هو في الحكم والأمر، وإلا فهو تعالى واجب قديم لا يحويه مكان ونحن من الحدوث والإمكان بمكان ظاهر لدى كلّ إنسان.

و في بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء كلّ يوم من رجب - كما رواه الكفعميّ في كتابه الموسوم ب_ (جنة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية) -: «لا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إِلَّا أَنَّهُمْ عِبادُكَ وَخَلْقُكَ، فَتْقُها وَرَتْقُها بَيَدِكَ، بَدْؤُها مِنْكَ، وَعَوْدُها إلَيْكَ» إلى آخره (4)، إنّ المراد أيضاً أنّه لا فرق بين اللّه وبينهم في الإطاعة؛ لأنّ إطاعة اللّه وإطاعة الأنبياء والأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) واحدة، «ومَنْ يُطع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّه»(5)، كما قال: «وَما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(6)، فإنّه خليفة اللّه، والخليفة إنما ينطق عن المستخلف، ولا ينطق عن الهوى، وإطاعته على حدّ إطاعة المستخلف، ومخالفته على حدّ مخالفة

ص: 140


1- سورة النساء: ٨٠.
2- سورة الأنفال: 17.
3- سورة الفتح: ١٠.
4- المصباح : ٥٢٩، الفصل الثالث والأربعون فيما يعمل في رجب، دعاء لكلّ يوم من رجب.
5- سورة النساء : ٨٠.
6- سورة الحشر : ٧.

المستخلف؛ إذ لا فرق بينهما. وهذا كما إذا نصب السلطان عبده على رعاياه؛ فإنّه لا فرق بين السلطان وهذا العبد في وجوب الإطاعة، إلّا أنّه عبده فتقه ورتقه بيد مولاه، ولا يملك هو بنفسه شيئاً.

قال شيخنا الكفعميّ في حواشي هذا الدعاء: «الضمير في قوله: «لا فرق بينك وبينها» راجع إلى المعاني المذكورة في أوّل الدعاء وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «اللّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعٍ مَا يَدْعُوكَ بِه ولاةُ أَمْرِكَ»(1)، وذلك لأنّ معاني أسمائه تعالى الحسنى، وصفاته كلها هي نفس الذات؛ لأنها هو سبحانه وهو إيّاها فلا فرق بينها وبينه سبحانه؛ إذ لو كانت غيره لكان كلّ اسم له،إلهاً، وكذلك تعدّد الآلهة بتعدّد المعاني والصفات تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثم رجع الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعائه هذا إلى ما كان فيه من أمر الأنبياء والأئمّة والملائكة بعد قوله : «لا فرق بينك وبينها»، وهذا يسمّى في علم البديع الاستطراد، وهو أن يكون المتكلّم آخذاً في غرض من الأغراض من مدح أو قدح فيستطرد إلى ذكر غيره ثمّ يعود إلى غرضه (2)، ومن أمثلته القرآنية قوله تعالى: «أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُود»(3)، أي أبعدوا من رحمته كما بعدت ثمود من رحمته، فاستطرد سبحانه من ذكر مدين يعني أهلها - وهم قوم شعيب - إلى ذكر ثمود - قوم صالح - فشبّه سبحانه حالهم بحالهم؛ لأنهم أهلكوا بالصيحة - كما أهلكت ثمود بمثل ذلك - ثمّ عاد سبحانه إلى ما كان فيه من ذكر قصص الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى» (4) الآيات، انتهى ولا يخفى بعده.

وفي بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «العبودية جوهرة كنهها الربوبيّة» إنّ هذا إشارة إلى أنّه

ص: 141


1- المصباح: ٥٢٩، الفصل الثالث والأربعون فيما يعمل في رجب، دعاء لكلّ يوم من رجب.
2- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح 2 : 239.
3- سورة هود: ٩٥.
4- سورة هود: ٩٦.

يحصل للإنسان بسبب العبادة الكاملة، والخضوع الكامل تقرّب إلى معبوده ودنوّ منه تعالى بحيث إذا سأله أجابه، أو دعاه استجاب دعاءه، أو طلب منه تعالى شيئاً أعطاه، أو أراد إجراء أمر على يده أجراه ؛ ويزداد هذا التقرّب بازدياد العبادة، واشتداد الخضوع، ويتضاعف آثاره بتضاعف التذلّل، ويبلغ الحال إلى حيث يقول الجاهل: «هو هو»، أو كأنه هو كما قال:

أنا من أهْوَى ومَن أهْوَى أنا***نحنُ رُوحان حَلَلْنا بَدَنا(1)

وكما قال :

اگر دل دلبری دلبر کدامی؟***وگر دلبر دلی دل را چه نامی؟

دل و دلبر بهم آمیته بینم***ندانم دل که و دلبر کدامی؟(2)

أي: إنّ القلب والمحبوب مختلطان لا أعرف أحدهما من الآخر.

وهذا ونحوه من المقال، ناش عن الجهل بحقيقة الحال، وإلّا فالعالم يعلم أنّ العبد عبد، وأنّ ما يظهر منه من الآثار التي يتخيل أنها آثار الربوبيّة؛ إنّما هو ناش عن استجابة الدعوة التي هي أثر غاية الخضوع، والتذلّل، وإخلاص العبادة، وكمال الانقياد والطاعة اللّه تعالى كما قال: عبدي أطعني أجعلك مثلي، فإذا قلت لشيء كن فيكون» (3)

ص: 142


1- البيت للحلّاج. ينظر : الفتوحات المكّية (ط.ج) 3: 21.
2- البيتان لبابا طاهر الهمدانيّ. ديوانه : ٢٥. لو كان قلبي هو الحبيب نفسه، فأين الحبيب ؟ ولوكان الحبيب هو قلبي، فبماذا أسمّي القلب؟ أرى القلب والحبيب ممتزجين، فلا أدري أيهما القلب وأيهما الحبيب؟
3- . والظاهر أنّ المصنّف (رَحمهُ اللّه) قد ذكر مضمون هذا الحديث لا نصّه؛ لأنا لم نعثر عليه في مصدر من المصادر بهذه العبارة. نعم توجد روايات في هذا المضمار فلاحظ الجواهر السنية: ٣٦١/ باب ما لم يتّصل بإمام معين منهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، نقلاً عن الحافظ البرسيّ، مستدرك الوسائل ١١: ٢٥٩/ باب وجوب الصبر على طاعة اللّه، والصبر عن معصيته، ح ١١.

هذا، وقد يقال في معنى الخبر: إنّه تعالى إنّما خلق الخلق لمعرفته كما قال: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون»(1)، أي: ليعرفون(2)، ولمّا لم يمكن معرفته تعالى بذاته؛ إذ الوجوب لا ينزل إلى الإمكان، والإمكان لا يصعد إلى الوجوب، وجبَ أنْ يعرفهم نفسه ويصف لهم ذاته؛ ليعرفوه بتلك الصفة، ولما كان الوصف قسمين مقاليّاً وحالياً، وكان الجمع بينهما أكمل في مقام البيان؛ وصف تعالى لهم نفسه بكلا القسمين.

أمّا المقاليّ، فبما بيّنه على لسان أوليائه، وأمّا الحالي فبأن جعل اللّه تعالى بينه وبين النفس مضاهاة ومناسبة ما في الذات؛ لأنّ النفس مجرّدة عن المكان، وليست بجسم، ولا عرض، ولا بقابل للإشارة الحسّيّة، وفي الصفات؛ لأنّ اللّه تعالى جعل لها الحياة، والعلم والقدرة، والسمع والبصر، والتكلّم، أما في النشأة البدنية فبالآلات، وأمّا في النشأة الباطنية فبذاتها، وفي الأفعال؛ فإنّها تتصرّف في مملكة البدن المسخّر لها، وتدبّر أمره بانفرادها، كتصرفه تعالى في العالم، وتنزل أفعالها من مكمن الروح إلى القلب، ثمّ إلى الخيال، ثمّ إلى الأعضاء، كما أنّ أفعاله تعالى تنزل من الخزائن الغيبية إلى عالم الشهادة.

وبالجملة تصرّفها في البدن يشبه تصرّف الخالق في العالم الأكبر فمن عرف نفسه ووصل إلى جوهرة عبوديّته وكنهها عرف ربّه، ولو لم يجمع اللّه في الإنسان ما هو مثال جملة العالم حتى كأنّه نسخة مختصرة من العالم، وكأنّه ربُّ في عالمه متصرّفٌ فيه، لم يقدر أن يعرف ربّه، فظهر أنّ الخبر بمعزل عن الدلالة على وحدة الوجود.

وقال بعضهم في تفسيره: إنّ اللّه تعالى جعل حقائق أوليائه آيات معرفته وصفات ربوبيته، بحيث إذا وصل الناس إليها عرفوا ربّهم، كما قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء كلّ

ص: 143


1- سورة الذاريات: ٥٦.
2- تفسير أبي السعود 2: 130.

يوم من رجب : «اللّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاةً أَمْرِكَ، الْمَأْمُونُونَ عَلَى سِرِّكَ، الْمُسْتَبْشِرُونَ بِأَمْرِكَ، الْوَاصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ، الْمُعْلِنُونَ لِعَظَمَتِكَ، أَسْأَلُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِمْ مِنْ مَشِيَّتِكَ، فَجَعَلْتَهُمْ مَعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ، وَأَرْكَانَا لِتَوْحِيدِكَ وَآيَاتِكَ ومَقَامَاتِكَ الَّتِي لا تَعْطِيلَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، يَعْرِفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَكَ، لا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا إِلَّا أَنَّهُمْ عِبَادُكَ» انتهى موضع الحاجة (1).

فليس المراد بالعبوديّة في الخبر العبودية المطلقة حتّى تتناول كلّ عبد، بل المراد العبوديّة الخاصّة بالأئمة الذين هم ولاة الأمر والمأمونون على السرّ، وعبوديتهم جوهرة كنهها الربوبيّة؛ فإنّ مشيّة اللّه نطقت فيهم وجعلتهم آيات معرفته ومقامات ربوبيته.

وفيه نظرٌ ظاهر ؛ فإنّ قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الدعاء: «آياتك ومقاماتك» _ بكسر التاء _ عطفٌ على مجرور باء القسم، والتقدير : أسألك بمعاني جميع ما يدعوك، وأسألك بما نطق، وأسألك بآياتك ومقاماتك، وليس عطفاً على (معادن) الواقع مفعولاً ل_ (جعل) :قوله «فجعلتهم معادن لكلماتك»، وإن كان ما جمع بالألف والتاء يكسر في حالتي الجرّ والنصب ؛ وعلى فرض العطف عليه بملاحظة القرب ليس معنى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يعرفك بها من عرفك» أنّك حللت فيهم واتّحدت معهم، بحيث إذا صفت جوهرة ذاتهم من شوائب العبوديّة، وكدورات حدودها و عوارضها صارت ربوبية خالصة على حدّ الذهب المعدنيّ الذي بعد التصفية والإذابة وإخراج تراب المعدن منه يبقى ذهباً خالصاً، بل معناه أنّ من عرفك فإنّما يعرفك بما وصفك به أولياؤك وأمناؤك مما أجريته على لسانهم.

وفي بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : من عرف نفسه فقد عرف ربّه»(2):

ص: 144


1- ابن أبي جمهور عوالي الآلي: ج ٤، ص ١٠٢ ح ١٤٩.
2- البلد الأمين والدرع الحصين: 179.

إنّ النفس محرّكة للبدن، ومدبّرة ومديرة،له فإذا كان هذا البنيان الضعيف يحتاج إلى مدبّر فكيف لا يحتاج إليه عالَمُ الكون.

أو إنّ من عرف أنّ نفسه واحدة، وأنها لو تعدّدت لزم الفساد في تدبير البدن، علم أنّ الربّ المدبّر واحد.

أو من عرف أنّ النفس لا يخفى عليها من أحوال البدن شيء عرف أنّ اللّه عالم بكلّ شيء من العالم، لا كما يقوله البعض من: «أنه لا يعلم الجزئيات»(1).

أو من عرف أنّ نفسه لا يعرف كنه ذاتها ؛ فإنّ النفس معلومة الوجود مجهولة الكيفيّة؛ عرف أنّ ربّه كذلك.

أو من عرف أنّ نفسه ليست في مكان من الجسد ولا يخلو منها مكان منه، وليست فيه على جهة الحلول، ولا بائنة منه، بل هي فيه لا كالماء في الكوز، ولا هي كشيء داخل في شيء كالماء في العود الأخضر، ولا هي خارجة عنه كشيء خارج، ولا ممازجة ولا مصاحبة معه، بل هي مدبّرة للبدن بغير مباشرة، ولا مشاركة له في شيء من أحوال الأجساد؛ فقد عرف ربه تعالى بأنه مدبّر للعالم، ولا يخلو منه مكان، ولا يحويه مكان داخل لا كشيء داخل خارج لا كشيء خارج، إلى آخر ما ذكر في صفة النفس.

أو من عرف أنّ نفسه مصنوعة؛ عرف أنّ لها صانعاً، ومن عرف أنّ نفسه أثر؛ فقد عرف أنّ لها مؤثراً ؛ فإنّ معرفة الأثر تستلزم معرفة المؤثِّر.

أو أنّه من باب التعليق على المحال؛ فإنّ معرفة النفس محالة، فكذا معرفة كنه ذات الربّ، أي: أنه لا يعرف نفسه فلا يعرف ربه، إلّا أنّ هذا المعنى إنّما يصح في غير الأنبياء والأوصياء؛ ضرورة أنهم يعرفون أنفسهم، فيعرفون ربّهم.

ص: 145


1- ينظر : تفسير الرازيّ: ٢ : ١٥٨.

وفي بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : عبدي يتقرب إلي بالنوافل» إلى آخره، إن فيه وجوهاً:

الأوّل: إِنّ العبد إذا فعل ذلك أدركه اللّه بلطفه، بحيث لا ينظر إلى غير ما يرضى اللّه ولا يسمع إلى ما ليس فيه رضاه، وهكذا النطق والبطش.

الثاني: إنّ عبدي إذا تقرّب إليّ بالنوافل كنت عنده في المحبّة مثل سمعه وبصره، قال:

إذا لم يكن عندي كسمعي وناظري***فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني (1)

ويؤيد هذا الوجه ما روي في (علل الشرائع) بالإسناد إلى هشام، عن أنس، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، عن جبرئيل أنه قال : قال اللّه تعالى... عبدي يبتهل إلي حتى أحبّه، ومن أحببته كنت له سمعاً، وبصراً، ويداً، وموئلاً، وإن دعاني أجبته، إن سألني أعطيته»، الخبر(2).

الثالث: العبد إذا صرف جميع ما أعطاه اللّه تعالى فيما خلق لأجله، وأتى بوظيفة العبوديّة، وتقرب إليه بالنوافل، وبالغ في العبادة، بلغ من مقام القرب والقدس والحبّ، إلى حيث يستجاب دعوته ولا يردّ سؤاله كما قال: «إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته»(3). وهذه الحالة حاصلة للأنبياء والأولياء والأوصياء، بل لمن دونهم من الصلحاء والأتقياء، إلّا أنها متفاوتة فيهم بحسب تفاوت مراتبهم كما لا يخفى؛ وإذا حصلت هذه الحالة للعبد فقد يقال: «إنّ اللّه سمع هذا العبد وبصره، ولسانه، ويده»، وقد يقال: «إنّ هذا العبد عين اللّه الناظرة، وأذنه الواعية، ويده الباسطة»، إلى غير ذلك من العبائر والنظائر التي يراد بها ما أفدناه، لا الاتحاد الذي هو كفر وإلحاد.

والعجب كلّ العجب تمن يحرّفون الكلم عن مواضعها، ويخرجونها عن

ص: 146


1- البيت للسيّد الرضيّ. ينظر : دمية القصر 1 : 297.
2- علل الشرائع 1 : 12 باب علّة خلق الخلق واختلاف أحوالهم، ح 7.
3- الفيض الكاشاني، الوافي : ٥/ ٧٣٥ح ٢٩٤٩.

ظواهرها، فَيَضِلُّون ويُضِلُّون، نعوذ باللّه مما يصنعون، وما أشبه تأويلهم لتلك الآثار بتأويل رجل كما في (معاني الأخبار) - سرق رغيفين ورمّانتين، بمرأى من الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومرّ بمريض فوضعها بين يديه ومضى، فسأله الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ذلك، فقال : قال اللّه تعالى: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزِي إِلَّا مِثْلَهَا»(1)، وإنّي لما سرقت الرغيفتين كانت سيّئتين، ولمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين، فهذه أربع سيئات؛ فلما تصدقت بكلّ منها كان لي بها أربعون حسنة، فانتقص من أربعين حسنة أربع بأربع سيئات، بقي لي ست وثلاثون حسنة، فقال له الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ثكلتك أمك، أما سمعت اللّه تعالى يقول: «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّه مِنَ الْمُتَّقين»(2) إِنَّكَ لما سرقت رغيفين كانت سيّئتين، ولمّا سرقت الرمّانتين كانت أيضاً سيّئتين، ولمّا دفعتهما إلى غير صاحبيهما بغير أمر صاحبيهما كنتَ إنّما أضفت أربع سيّئات إلى أربع سيّئات»، ثمّ قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وهذا نحو تأويل معاوية لما قتل عمار بن ياسر، فارتعدت فرائصُ خلقٍ كثيرٍ، وقالوا: قال رسول اللّه : «عمّار تقتله الفئة الباغية»(3)، فدخل عمرو على معاوية، وقال: يا أمير المؤمنين، قد هاج الناس واضطربوا، قال: لماذا ؟ قال : قتل عمّار، فقال معاوية : قتل عمّار فماذا ؟

قال: أليس قد قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «عمّار تقتله الفئة الباغية»؟، فقال له معاوية : دحضت في قولك أ نحن قتلناه ! إنّما قتله علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لمّا ألقاه بين رماحنا. فاتّصل ذلك بعلي بن أبي طالب، فقال: إذن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو الذي قتل حمزة ل_مّا ألقاه بين رماح المشركين !» الخبر (4).

ومن التأويل القبيح المستكره ما يحكى عن بعض المتعبّدين، من أنّه كان في

ص: 147


1- سورة الأنعام: ١٦٠.
2- سورة المائدة: 27.
3- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ٢ : ٣٥٠.
4- معاني الأخبار : ٣٤/ باب معنى الصراط، ح ٤.

المشهد الغرويّ، ويشغل ذمّته بمئتين وخمسين سنة من صلاة الاستيجار، ثمّ بعد ثلاثة أيام يدّعي فراغ ذمّته منها، ويشغل ذمّته بمثلها، وكان على هذا مدة مديدة إلى أن فشى أمره واسترابت الناس منه، فسأله بعض عن ذلك، فقال له: يا هذا إنّي أصلّي صلاة السنة في اثني عشر يوماً، ثمّ إنّ الأماكن تتفاوت في الفضيلة بحسب تفاوتها في ذاتها أو عوارضها، فالصلاة الواحدة في غير المسجد بواحدة، وفي المسجد الحرام بمئة ألف صلاة(1)، وفي المسجد النبويّ بعشرة آلاف صلاة، وفي كلّ من مسجدَي الكوفة والأقصى _ وهو بيت المقدس - في الشامّ بألف صلاة، والمسجد الجامع في البلد بمئة، ومسجد المحلّة بخمس وعشرين، ومسجد السوق باثني عشرة، وأنا أصلّي في مسجد الكوفة في ثلاثة أيّام صلاة ثلاثة أشهر، فتكون ثلاثة آلاف شهر، وهي مئتان وخمسون سنة، ولو أشغل ذمّته بشهر من صوم الاستيجار، وصام الثلاثة أيّام في الشهر؛ تمسّكاً بخبري سلمان وأبي ذرّ، لكان على نحو ذلك التأويل، وذلك فإنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال لأصحابه: «أيكم يصوم الدهر ؟ فقال سلمان: أنا يا رسول اللّه، فقال له بعض أصحابه: رأيتك في أكثر نهارك تأكل، فقال : ليس كما تذهب، إنّي أصوم الثلاثة في الشهر، وقال تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها»(2)، وأصل شعبان بشهر رمضان فذلك صوم الدهر»(3).

وعن أبي ذرّ «أنّه قدّم زاداً لضيفه وقال له: كُلِّ فإنّي صائم، ثمّ جاء وأكل فاعترض معه عليه الرجل، فأجاب بأنّي صمت من هذا الشهر ثلاثاً فوجب لي، أي: فثبت

ص: 148


1- في هامش :(أ) كلّ ألف شهر يكون ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر». (منه) وفي هامش (ب): قوله: (بمئة ألف صلاة حسبت ذلك) فبلغت صلاة واحدة في المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين يوماً، وصلاة يوم وليلة وهي خمس صلوات بعمر مئتي سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء». (منه عفى عنه)
2- سورة الأنعام: ١٦٠.
3- معاني الأخبار : 23٤ / باب معنى صوم الدهر وإحياء الليل وختم القرآن، ح 1.

لي،صومه وحلّ لي فطره»(1).

فلو استمسك بهذين الخبرين في الصوم، لكان على نحو تأويله في الصلاة، إلى غير ذلك من التأويلات الناشئة عن التخيّلات النفسانّية، والتسويلات الشيطانيّة، فطوبى للذين ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين،،ببيانهم، وبنانهم، ومددهم، ومدادهم، وبهذا فُضّل مداد العلماء على دماء الشهداء (2)؛ فإنّ مدادهم وسيلة لحفظ الأديان عن الكفر والضلال، الموجبين للخلود في النار، والحرمان الدائم عن النعيم مع الأبرار، ودماء هؤلاء وسيلة لحفظ الأبدان والأموال عن القتل والنهب في هذه الدار، وأين ذا من ذاك، واللّه تعالى يتولّى هداك.

ص: 149


1- معاني الأخبار : ٣٠٦/ باب معنى الصائم المفطر، ح 1.
2- كما ورد في الحديث، ينظر: الأمالي (للشيخ الطوسي) : ٥٢١. وغوالي اللآلي ٤: ٦١/ الجملة الثانية في الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه، ح 10.

[ المسألة الثامنة: بیان قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «حَزُقَة حَزْقَهُ تَرَقَّ عِينَ بَقَهُ»]

قال: «المسألة الثامنة : ما معنى المروي في (البحار) عن الزمخشري وغيره أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يرقص الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويقول : حُزقّة حزقّة، ترقّ عين بقة، فترقّى الغلام حتى وضع قدميه على صدره»(1).

أقول: الحزقّة - بضم الحاء المهملة والزاء المعجمة، وفتح القاف المشدّدة، بعدها الهاء : من يقارب خطوه؛ لضعف بدنه، وقيل : «العظيم البطن القصير، الذي إذا مشى أدار أليتيه»(2) ؛ وخطاب الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لنا بهذا اللفظ إنّما هو على سبيل المداعبة والملاعبة والتأنيس له؛ وهو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي أنت حزقّة.

و(حزقّة) الثاني كذلك، أو أنه خبر مكرّر، ومن لم ينوّن (حزقّة) جعله منادى حذف منه حرف النداء، لكن حذف حرف النداء من اسم الجنس قليل، بل صرّح جماعة من النحاة بمنعه، وجعلوا نحو: «أطْرِقْ كَراً، أطْرِقْ كَراً، إنّ النّعام في القُرى»(3)،شاذّاً.

ص: 150


1- الفائق ١ : ٢٤٢، وعنه بحار الأنوار ١٦: 297 / باب نادر فيه ذكر مزاحه وضحكه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وهو من الباب الأوّل، ح 1. والمصدر نفسه ٣٦: ٣١٤/ فيما قاله النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ).
2- القاموس المحيط 3: 299.
3- هذا القول مثل، وقد ورد في المصادر بنصوص مختلفة، وقد اختاره المؤلّف من جمهرة اللغة ٢ : ٧٥٧، والمحيط فى اللغة ٥ : 320.

و(ترقَّ) بمعنى اصعد (1).

وفي قوله : «عين بقّة»، وهو منادى حُذف منه حرف النداء، وجوهٌ:

الأوّل: أن يكون العين بمعنى النفس (2)، وبقة: البعوضة(3)، ويراد بذلك الكناية عن صغر الجنّة، أي: يا من هو في صغر الجنّة كالبعوضة.

الثاني: أن يكون العين بمعنى الباصرة(4)، ويراد بذلك أيضاً الكناية عن صغر الجنّة، أي: يا من هو في الصغر كعين البعوضة. وهذا أبلغ من الأوّل في الكناية عن الصغر؛ ضرورة أنّ باصرة البعوضة أصغر من نفسها

الثالث: أن يراد ب_ (بقّة) فاطمة أي ترق يا قرّة عين فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ).

ص: 151


1- النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 378.
2- ينظر: تهذيب اللغة ٣: 132.
3- الصحاح ٤ : ١٤٥١.
4- المصباح المنير ٢ : ٤٤٠.

[ المسألة التاسعة: وجه استعانة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كتابة الوحي بمعاوية]

قال: «المسألة التاسعة ما وجه استعانة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كتابة الوحي بمعاوية؟».

أقول: إنّ الناس يشتبه عليهم أمرُ معاوية بأن يقولوا: «كان كاتب الوحي» وليس ذلك بموجب له فضيلة، وذلك أنّه قرن في ذلك إلى عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح فكانا يكتبان له الوحي، وهو الذي قال: «سأنزلُ مثل ما أنزل اللّه» وكان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يملي عليه : «وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)، فيكتب: «واللّه عزيز حكيم» ويملي عليه»: «وَاللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(2)، فيكتب: «واللّه عليم حكيم»، فيقول له النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «هو واحد هو واحد»، فقال عبد اللّه بن سعد: إنّ محمّداً لا يدري ما يقول، إنّه يقول وأنا أقول غير ما يقول، فيقول لي: «هو واحد هو واحد» إن جاز هذا فإنّي سأنزلُ مثلَ ما أنزلَ اللّه، فأنزل اللّه تعالى فيه: «وَمَن قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللّه»(3)، فهرب وهجا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «من وجد عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ولو كان معلقاً بأستار الكعبة فليقتله».

وإنّما كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول فيما يغيّره هو واحد هو واحد؛ لأنه لا ينكتب ما يريده عبد اللّه إنّما ينكتب ما كان يمليه عليه فقال: هو واحد غيّرت أم لم تغيّر لم ينكتب

ص: 152


1- الأنفال: 70.
2- البقرة : 288.
3- الأنعام: 93.

ما تكتبه، بل ينكتب ما أمليه عن الوحي وجبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) مصلحه، وفي ذلك دلالة لنبوّة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ووجه الحكمة في استكتاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الوحيَ، معاويةَ وعبد اللّه بن سعد _ وهما عدوان _ هو أنّ المشركين قالوا: إنّ محمّداً يقول: هذا القرآن من تلقاء نفسه، ويأتي في كلّ حادثة بآية يزعم أنها أنزلت عليه، وسبيل من يضع الكلام في حوادث تحدث في الأوقات أن تغيّر الألفاظ إذا استعيد ذلك الكلام؛ لأنه لا حافظة للكاذب، فلا يأتي به في ثاني الأمر وبعد مرور الأوقات عليه إلّا مغيّراً الأوقات عليه إلّا مغيّراً عن حاله الأولى لفظاً ومعنىً أو لفظاً دون معنى، فاستعان في كتب ما ينزل عليه في الحوادث الواقعة بعدوّين له في دينه، عدلين عند أعدائه؛ ليعلم الكفّار والمشركون أنّ كلامه في ثاني الأمر هو عين كلامه في الأوّل غير مُغيّر ولا مزال عن جهته فيكون أبلغ للحجة عليهم، ولو استعان في ذلك بوليين من أوليائه، مثل: سلمان وأبي ذرّ وأشباههما لكان الأمر عند أعدائه غير واقع هذا الموقع، وكان يتخيّل فيه التواطئ والتطابق، فهذا وجه الحكمة في استكتابهما على ما أفيد (1).

ص: 153


1- معاني الأخبار : ٣٤٧/ باب معنى استعانة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بمعاوية في كتابة الوحي، ح 1.

[المسألة العاشرة: بیان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكاتبه : « ألصق روانفك بالجبوب... إلى آخره»]

قال: «المسألة العاشرة: ما معنى قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): «أَلْصِقُ رَوانِفَك بالحبوب (1)، وخُذْ المزبر بشَناتِرك، واجعل حُنْدُورَتَيْك إلى قِيْهَلي حتَّى لا أَنْغِي نَغْيةً إِلَّا أوْدَعْتُها في حماطة جُلْجُلاتك»(2).

أقول: هذا الكلام إنما قاله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكاتبه.

و(الروانف): جمع الرائفة، وهي أسفل الألية وطرفها الذي يلي الأرض من الإنسان إذا كان قائماً (3)، وفي (النهاية): هي ما سال من الألية على الفخذين، وفي حديث عبد الملك: إنّ رجلاً قال له: خرجت بي قرحة، قال له: في أي موضع من جسدك ؟ فقال بين الرائفة والصَفَن : فأعجبه حسن ما كنّى. والصفن جلدة»(4).

الجبوب): جمع، جَيْبُ الأرض: مدخلها(5).

و (الشناتر): جمع السُّنْتُرة بالضم، والفتح ضعيف، وهي الإصبع (6).

ص: 154


1- في (أ)، (ب): «بالجيوب».
2- طبقات النحاة ١ : ٢٧٤، وجامع أحاديث الشيعة 18 : 9/ باب ما ورد في أن اللّه تعالى مَنْ على الناس بنعمة الكتابة والقلم والحساب.
3- المخصّص ٢: ٤٤.
4- النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 270.
5- المحكم والمحيط الأعظم 7: 513.
6- القاموس المحيط 2: 133.

(الحندورة): ذكرها الفيروز آبادي في (ح، د، ر) وهي الحدقة(1).

و (القيهل) : قال في (القاموس) : «هو والقيهلة الطلعة والوجه، ومنه قول أمير المؤمنين عليّ: اجعل حندورتيك إلى قَيْهَلي» (2). ثمّ أضيف إلى ياء المتكلّم.

(أنغي) : - بكسر العين المعجمة - يجوز أن يكون - بفتح الهمزة - مضارع ينغي، کرمى يرمي، ويجوز أن يكون - بضمّها - مضارع أنغَى من باب الإفعال قال في (القاموس): «نغی کرمى تكلّم بكلام يفهم كأنغي النَغية»(3). قال في (الصحاح): «الفرّاء : النَغْية مثل النغمة، والأصمعي مثله، وسمعت منه نَغْيَةً، وهو من الكلام الحسن» (4).

(الحماطة ) : سَواد القلب وحَبّته (5).

و (الجلجلان) بالضم - حبّة القلب، ذكره الفيروز آبادي في (جلل) (6).

والمعنى: ألصق أسافل أليتك بالأرض، أي إجلس كما يجلس الكاتب حين كتابته، وخذ القلم بأصابعك، واجعل حدقيتك إلى طلعتي ووجهي، أي: أنظر إليّ حتى لا أتكلم بكلام إلّا أودعته في حبّة قلبك وسويداء فؤادك.

ويخالجني أنّي سُئلت قدماً ذلك سؤال امتحان واختبار، فأجبتُ على عن الارتجال بما لا يرفع الاحتيار، وقلت : يعني (عَلَيهِ السَّلَامُ) ألْصِقُ حَراقِفَكَ بالصَّفاصِفِ، وخُذْ المِلْقاطَ بأناسِيَّكَ، واجْعَلْ بَصَاصَتَيْكَ إلى مَعْرِ فِي حَتَّى لا أَنْبِسَ نُبْسَةٌ إِلَّا أَوْدَعْتُها في

ص: 155


1- القاموس المحيط ٥٦:٢.
2- القاموس المحيط ٣: ٦٠٥.
3- لقاموس المحيط ٤: ٤٥٧.
4- الصحاح ٦: ٢٥١٣.
5- القاموس المحيط ٢: ٥٤١.
6- القاموس المحيط :٣ ٤٧٩.

صميم تأمورك.

(الحراقف ) _ بالحاء المهملة - : جمع الحَرْقَفَة، كدحرجة، وهي عظم الوَرَك (1).

(الصفاصف) - بالصادين المهملتين : جمع الصَفْصَف، كجعفر، وهو المستوي من الأرض(2).

(المِلْقاط) - بكسر الميم الزائدة - كالمنقاش : القلم (3).

و(الأناسيّ): جمع الإنسان، وهو الأنملة(4).

(البَصّاصَة) : العين؛ لأنها تَبِصُّ، أي: تبرق و تلمع (5).

(المَعْرِف) - بالميم الزائدة، والعين والراء المهملتين- : الوجه، يقال: «حيّا اللّه المعارف»، أي: الوجوه (6).

(أنبس): مضارع نَبَسَ يَنْبِسُ - كجلس يجلس- : تكلّم فأسرع نَبْساً. ونُبسة - بالضمّ -(7).

وصميم القلب: قال الطريحي : وسطه (8).

(التأمور ) : _ بالمثنّاة الفوقية - القلب، ذكره الفيروز آباديّ في (أ، م، ر)(9).

ص: 156


1- ينظر : النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 372.
2- تهذيب اللغة ١٢ : ٨٤.
3- القاموس المحيط ٢ : ٥٨٢.
4- تهذيب اللغة ١٣ : ٦١.
5- ينظر : المحيط في اللغة 8: 97.
6- ينظر: القاموس المحيط ٣: ٢٣٥.
7- ينظر : القاموس المحيط 2: 393.
8- مجمع البحرين ٦: ١٠٣.
9- القاموس المحيط 2 : 8.

[ المسألة الحادية عشرة: بیان قوله اللّه في دعاء السحر: «اللّهمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ وقَوْلُكَ حَقٌّ ووَعْدُكَ صدْقٌ «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً» ]

قال: «المسألة الحادية عشرة: إنّ ظاهر قول الإمام علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في دعاء السّحر المروي عن أبي حمزة الثمالي: «اللّهمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَوَعْدُكَ صدق»(1) يقتضي أن يكون قوله: «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»(2) آية واحدة قرآنية، مع أنه ليس موجوداً في القرآن؛ وإنّما الموجود فيه قوله في سورة النساء: «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليما»(3)، واحتمال أن يكون حديثاً قدسيّاً أو منقولاً من القرآن بالمعنى خلاف الظاهر، فما الوجه في ذلك؟ وما ترون فيما هنالك؟».

أقول: الظاهر إنّ قوله: «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً» آيتان من مكانين من القرآن قال تعالى في سورة النساء: «وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّه بهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضِ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليما»(4)، وقال أيضاً في السورة المزبورة قبل الآية، المذكورة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ

ص: 157


1- مصباح المتهجّد : ٥٨٢.
2- مصباح المتهجد : ٥٨٢.
3- سورة النساء : ٣٢.
4- سورة النساء: ٣٢.

تَراضِ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّه كانَ بِكُمْ رَحيماً»(1)، ولما كان ذكر الرحمة في الدعاء أنسب بسؤال الفضل من ذكر العلم عدل الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ذكر «إِنَّ اللّه كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» إلى ذكر «كَانَ بِكُمْ رَحِيماً».

وأما في القرآن فذكر العلم أنسب؛ فإنّه لمّا نزلت آية المواريث وأنّ للنساء نصف ما للرجال قالت امرأة: «ليتنا رجال»، فنزل قوله تعالى: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّه» إلى قوله: «إِنَّ اللّه كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»(2)، أي: إنّ اللّه عليم بكلّ شيء، ولم يزل كذلك فيعلم ما تظهرونه وتضمرونه من الحسد، ويقسّم الأرزاق بين العباد على ما يعلم فيه من الصلاح والرشاد، فلا يتمنّى أحدكم ما قسم لغيره؛ فإنّه لا يحصل من تمنّيه إلّا الغمّ والإثم، فتدبّر.

ولا يخفى أنّ الوجه الذي أفدناه، إنّما يحتاج إليه على تقدير أن يكون لفظ الدعاء كما حكيته، وهو المشهور المذكور في (الإقبال) (3)، و (زاد المعاد) (4)، وغيرهما من كتب الأدعيّة(5). وأما على ما في بعض نسخ الكفعميّ فلا؛ فإنّ لفظ الدعاء فيه هكذا: «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»(6)، وهو موجود في القرآن.

ص: 158


1- سورة النساء: ٢٩. وفي هامش (أ): (أي كان من رحمته أن حرَّمَ عليكم قتل الأنفس وإبطال المال». (منه) تفسير مجمع البيان ٣: ٦٩.
2- سورة النساء: ٣٢.
3- إقبال الأعمال ١: ١٥٨.
4- زاد المعاد: 93.
5- مصباح المتهجّد : ٥82، البلد الأمين والدرع الحصين: ٢٠٥.
6- المصباح : ٥٨٩.

[ المسألة الثانية عشرة: بيان السر في أنّ أبناء العلماء لا ينالون مراتب آبائهم]

قال: «المسألة الثانية عشرة: ما السرّ في أنّ أبناء العلماء لا ينالون مراتب آبائهم في الفضل وغزارة العلم، ولا يبلغون مبالغهم في المعارف، بل لا يزالون في هبوط من درجات العلى إلى أن يخرج العلم من بينهم، كما خرج من بيتهم وتنتقل الرياسة إلى غيرهم فيلتحقون بالعامّة»؟

أقول: إنّ العالم العنصريّ بذواته وأحواله كائن فاسد، فالمكوّناتُ من المعدن، والنبات، وجميع الحيوانات [و] الإنسان وغيره كائنةٌ فاسدة بالمعاينة، وكذلك ما يعرض لها من الأحوال - وخصوصاً الإنسانية - فالعلوم تنشأ ثمّ تدرس، وكذا الصنائع، وأمثالها.

والحسب من العوارض التي تعرض للآدميين، فهو كائن فاسد لا محالة، وليس يوجد لأحد من الخلق شرف متصل في آبائه من لدن آدم إليه إلا ما كان من ذلك للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كرامة به.

ثمّ إنّ كلّ شرف وحسب فعدمه سابقٌ عليه _ كما هو شأن كلّ محدث _ ونهايته في أربعة آباء وذلك أنّ باني المجد عالم بما عاناه في بنائه، ومحافظ على الخلال التي هي أسباب كونه وبقائه، وابنه من بعده مباشر لأبيه قد سمع منه ذلك وأخذه عنه إلّا أنّه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشيء عن المعاين له.

ثمّ إذا جاء الثالث كان حظه الاقتفاء والتقليد خاصّة، فقصر عن الثاني تقصير

ص: 159

المقلد عن المجتهد.

ثمّ إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة، وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها، وتوهّم أنّ ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلّف، وإنّما هو أمر وجب لهم منذ أوّل النشأة بمجرّد انتسابهم، وليس بعصابة ولا بخلال؛ لما يرى من التجلّة بين الناس، ولا يعلم كيف كان حدوثها ولا سببها، ويتوهّم أنّه النسب فقط، فيربأ بنفسه عن أهل عصبيته، ويرى الفضل له عليهم؛ وثوقاً بما رُبّي فيه من استتباعهم، وجهلا و بما أوجب ذلك الاستتباع من الخلال التي منها الاغتراب وتحمّل المصاعب، ومقاساة الشدائد والمصائب، وترك اللذات في طلب العلوم واقتناء المعارف؛ فإنّ رتبة الشرف لا تنال بالترف، ولا بالتبختر في الغرف، والعلم لا يدرك إلّا بعيش يفرك، وطيب يترك، ونوم يطرد، وصوم يسرد و سرور عازب، وهم لازب، فمن عشق المعالي ألِفَ الغم، ومن طلب اللآلي ركب اليم، ومن قنص الحيتان ورد النهر، ومن خطب الحسان نقد المهر، ومن طلب ماء الحياة سافر إلى الظلمات، فإذا أضاع تلك الخلال نزل من أوج الجلالة، إلى حضيض الرذالة.

واشتراط الأربعة في الأحساب إنّما هو في الغالب وإلّا فقد يدثر البيت من دون الأربعة ويتلاشى وينهدم، وقد يتّصل أمرها إلى الخامس والسادس إلّا أنه في انحطاط وذهاب واعتبار الأربعة من قبل الأجيال الأربعة، بان ومباشر له ومقلّد و هادم، وهو أقلّ ما يمكن.

وقد اعتبرت الأربعة في نهاية الحسب في باب المدح والثناء، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» (1) إشارة إلى أنّه بلغ الغاية من المجد. وما تلهّج به الألسنة من أنّ ولد الفقيه نصف

ص: 160


1- مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب 3: 315/ باب إمامة أبي جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ). وبحار الأنوار :12 : 218/ باب 9 قصص يعقوب ويوسف (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

الفقيه، إشارة إلى ذلك أيضاً فإنّ ولد الفقيه إذا صار نصف الفقيه صار ولد ولده ربعه؛ لكون ولد الولد نصف أبيه الذي هو نصف الفقيه فيكون ربع جدّه؛ فإنّ نصف النصف ربع، وولد ولد ولده يكون ثمن الفقيه؛ فإنّ نصف الربع ثمن، والجزء الواحد من ثمانية أجزاء الفقه عدم - كما لا يخفى - وفي النظر إلى أبناء العلماء الأعيان، وأبناء أبنائهم في هذا الزمان، غنىً عن البيّنة والبرهان (1).

ص: 161


1- في هامش (أ) : «وقد حاول هذا المعنى من قال : إذا أطلع الدهر طبّاً لبيباً***فكن في ابنه سيّئ الاعتقاد فلست ترى من نجيب نجيباً***وهل تلد النار إلّا الرماد؟».

[ المسألة الثالثة عشرة: بيان استحالة الإكسير بحسب الصناعة ]

قال: المسألة الثالثة عشرة: هل الإكسير موجود أو هو مستحيل الوجود؟ ولقد بلغنا أن لديك في علم الكيمياء رسائل من مؤلفات الحكماء، وأنّك تكشف عن ألغازها ورموزها، وتعرب عن أسرارها وكنوزها، فألق على نحاس جهلنا ذرّةً من إكسير علمك؛ لينقلب علماً».

أقول: علم الكيمياء: علم ينظر في المادّة التي يتمّ بها كون الذهب والفضّة بالصناعة، ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك فيتصفّحون المكوّنات كلّها بعد معرفة أمزجتها وقواها، لعلّهم يعثرون على المادّة المستعدّة لذلك حتى من الفضلات الحيوانية، كالعظام، والريش، والبيض، والعذرات، فضلاً عن المعادن.

ثمّ يشرح الأعمال التي يخرج بها تلك المادة من القوّة إلى الفعل، مثل حلّ الأجسام إلى أجزائها الطبيعية بالتصعيد والتقطير وجمد الذائب منها بالتكليس ونحوه؛ وفي زعمهم أنّه يخرج بهذه الصناعات كلّها جسم طبيعي يسمونه الإكسير، وأنه يلقى منه على الجسم المعدنيّ المستعدّ؛ لقبول صورة الذهب أو الفضة بالاستعداد القريب من الفعل مثل : الرصاص، والنحاس بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهباً إبريزاً. ويكنّون عن ذلك الإكسير - إذا ألغزوا إصطلاحاتهم - بالروح، وعن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد، فشرح هذه الاصطلاحات وصورة هذا العمل الصناعيّ الذي يقلب هذه الأجساد المستعدّة إلى صورة الذهب والفضّة، هو علم الكيمياء، وما

ص: 162

زال الناس يؤلّفون فيها قديماً وحديثاً.

ولننقل أقوالهم في ذلك، ثمّ نعقبه بما نراه في تلك المسالك، فنقول: إنّ مبنى الكلام في هذه الصناعة عند الحكماء على حال معادن السبعة المتطوّقة، وهي: الذهب، والفضّة، والرصاص، والقِصْدِير، والنُحاس والحديد، والخارصينيّ. هل هي مختلفات بالفصول وكلّها أنواع قائمة بأنفسها، أو أنها مختلفة بخواص من الكيفيّات، وهي كلّها أصناف لنوع واحد؟

فالذي نصره أبو نصر الفارابيّ، وتابعه عليه حكماء الأندلس، أنّها نوع واحد، وأنّ اختلافها إنّما هو بالكيفيّات من الرطوبة، واليبوسة، واللين، والصلابة. والألوان من الصفرة، والبياض، والسواد، وهي كلّها أصناف لذلك النوع الواحد (1).

والذي سنا ابن سيناء وتابعه عليه حكماء المشرق، أنها مختلفة بالفصول، وأنها أنواع متباينة كلّ واحد منها قائم بنفسه، متحقق بحقيقته، له فصل وجنس شأن سائر الأنواع.

وبنى الفارابيّ على مذهبه في اتفاقها بالنوع إمكان انقلاب بعضها إلى بعض؛ لإمكان تبدّل الأعراض حينئذ وعلاجها بالصنعة فمن أجل ذلك كانت صناعة الكيمياء عنده ممكنة سهلة المأخذ.

وبنى ابن سيناء على مذهبه في اختلافها بالنوع إنكار هذه الصنعة واستحالة وجودها؛ بناءً على أنّ الفصل لا سبيل بالصناعة إليه، وإنّما يخلقه اللّه الذي هو خالق الأشياء، والفصول مجهولة الحقائق رأساً بالتصوّر، فكيف يحاول انقلابها بالصنعة؟

وردّ عليه الطغرائي: بأنّ التدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه؛ وإنّما هو في إعداد المادة؛ لقبوله خاصة، والفصل يأتي من بعد الإعداد من لدن خالقه

ص: 163


1- مقدّمة ابن خلدون ١: ٥٢٧.

وبارئه، قال: وإذا كنا قد عثرنا على تخليق بعض الحيوانات مع الجهل بفصولها، مثل: العقرب من التراب والنتن، ومثل: الحيّات المتكوّنة من الشعر، ومثل: ما ذكره أصحاب الفلاحة من تكوين النحل إذا فقدت من عجاجيل البقر، وتكوين القصب من قرون ذوات الظِلف وتصييره سكراً بحشو القرون بالعسل؛ فما المانع إذاً من العثور على مثل ذلك في الذهب والفضّة؟ فتتّخذ مادّة تضيفها للتدبير بعد أن يكون فيها استعداد أوّل لقبول صورة الذهب والفضة، ثمّ تحاولها بالعلاج إلى أن يتم فيها الاستعداد لقبول فصلها، انتهى كلام الطغرائي بمعناه (1).

وما ذكره في الردّ على ابن سيناء صحيح، لكن لنا في الردّ على أهل هذه الصناعة مأخذ آخر يتبيّن منه استحالة وجودها وبطلان كلامهم، وفساد مرامهم، وذلك: أنّ حاصل علاجهم أنهم بعد الوقوف على المادة المستعدّة بالاستعداد الأوّل يجعلونها موضوعاً، ويحاذون في تدبيرها وعلاجها تدبير الطبيعة في الجسم المعدني حتى أحالته ذهباً أو فضّة، ويضاعفون القوى الفاعلة والمنفعلة ليتم في زمان أقصر؛ لأنه تبين في موضعه أنّ مضاعفة قوّة الفاعل تنقص من زمن فعله، وتبيّن أنّ الذهب إنّما يتمّ كونه في معدنه بعد ألف وثمانين من السنين دورة الشمس الكبرى، فإذا تضاعفت القوى والكيفيات والعلاج كان زمن كونه أقصر من ذلك، أو يتحرّون بعلاجهم ذلك حصول صورة مزاجية لتلك المادة تصيرها كالخميرة فتفعل في الجسم المعالج الأفاعيل المطلوبة في إحالته، وذلك هو الإكسير على ما تقدّم.

واعلم أنّ كلّ متكوّن من المولّدات العنصرية فلا بدّ فيه من اجتماع العناصر الأربعة على نسبة متفاوتة؛ إذ لو كانت متكافئة في النسبة لما تم امتزاجها، فلا بدّ من الجزء الغالب على الكلّ، ولا بُدَّ في كلّ ممتزج من المولّدات من حرارة غريزيّة هي الفاعلة؛ لكونها الحافظة لصورته، ثمّ كلّ متكوّن في زمان فلا بد من اختلاف أطواره

ص: 164


1- مقدّمة ابن خلدون ١: ٥٢٨.

وانتقاله في زمن التكوين من طور إلى طور حتى ينتهي إلى غايته. وانظر شأن الإنسان في طور النطفة، ثمّ،العلقة، ثمّ المضغة، ثمّ التصوير، ثمّ الجنين، ثمّ المولود، ثمّ الرضيع ثم، ثمّ، إلى نهايته، ونسب الأجزاء في كلّ طور تختلف في مقاديرها وكيفيّاتها؛ وإلّا لكان الطور بعينه الأوّل هو الآخر، وكذا الحرارة الغريزية في كلّ طور مخالفة لها في الطور الآخر، فانظر إلى الذهب ما يكون له في معدنه منذ ألف وثمانين وما ينتقل فيه من الأحوال، فيحتاج صاحب الكيمياء إلى أن يساوق فعل الطبيعة في المعدن، ويحاذيه بتدبيره وعلاجه إلى أن يتمّ ؛ ومن شرط الصناعة أبداً تصوّر ما يقصد إليه بالصنعة، فلا بد من تصوّر هذه الحالات للذهب في أحواله المتعدّدة ونسبها المتفاوتة في كلّ طور، واختلاف الحارّ الغريزي عند اختلافها، ومقدار الزمان في كلّ طور وما ينوب عنه من مقدار القوى المضاعفة ويقوم مقامه حتّى يحاذي بذلك كلّه فعل الطبيعة في المعدن أو تعدّ لبعض المواد صورة مزاجية تكون كصورة الخميرة للخبز، وتفعل في هذه المادّة بالمناسبة لقواها ومقاديرها.

وهذه كلّها إنّما يحصرها العلم المحيط، والعلوم البشرية قاصرة عن ذلك، وإنّما حال من يدعي حصوله على الذهب بهذه الصنعة بمثابة من يدعي بالصنعة تخليق إنسان من المني، ونحن إذا سلّمنا له الإحاطة بأجزائه، ونسبته، وأطواره، وكيفية تخليقه في رحمه، وعلم ذلك علماً محصلاً بتفاصيله حتى لا يشدّ منه شيء عن علمه، سلّمنا له تخليق هذا الإنسان، وأنّى له ذلك؟ فتدبّر في هذا البرهان؛ فإنّه وافٍ باستحالته. وليست الاستحالة فيه من جهة،الفصول، إنّما هي من تعذّر الإحاطة، وقصور البشر عنها.

وبالجملة، فأمر الكيمياء خارج عن حكم الصنائع، فكما لا يتدبّر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشباً أو حيواناً في ما عدا مجرى تخليقه؛ كذلك لا يتدبّر الذهب من مادّة الذهب في يوم ولا شهر ولا يتغيّر طريق عادته، فمن طلب الكيمياء

ص: 165

طلباً صناعياً ضيّع ماله وعمله (1). ويقال لهذا التدبير الصناعيّ: التدبير العقيم؛ لأنّ نيلها إن كان صحيحاً فهو واقع مما وراء الصنائع، فهو كالمشي على الماء وامتطاء الهوى، والنفوذ في كثائف الأجساد، ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة، أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء، أو من قبيل السحريّات (2).

والحاصل، لا تتمّ هي بأمر صناعيّ، ولا ينبغي لأحد أن يقصد إلى تحصيلها بالصناعة، وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة العجز عن الطرق الطبيعيّة للمعاش، وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعيّة، كالفلاحة، والتجارة، والصباغة، فيستصعب العاجز ابتغاءه من هذه، ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعيّة من الكيمياء وغيرها.

ص: 166


1- في هامش (ب): «ويعجبني ما حكاه ابن خلّكان في ترجمة محمد بن زكريا الطبيب المشهور، قال: إنّه صنف لمنصور بن نوح - أحد الملوك السامانية - كتاباً في إثبات صنعة الكيمياء، وقصده به من بغداد، فدفع له الكتاب فأعجبه وشكره عليه، وحباه بألف دينار، وقال له: أردت أن تخرج هذا الذي ذكرت في الكتاب إلى الفعل ؟ فقال له الرازيّ: إنّ ذلك مما يتمون له المؤون، ويحتاج إلى آلات وعقاقير صحيحة، وإلى إحكام صنعة ذلك كله، وكلّ ذلك كلفة. فقال له :منصور كلّ ما احتجت إليه من الآلات، ومما يليق بالصناعة أحضره لك كاملاً حتّى تخرج ما ضمنته كتابك إلى العمل، فلما حقق عليه ذلك كاع من مباشرة ذلك وعجز عن عمله، فقال له المنصور: ما اعتقدت أنّ حكيماً يرضى بتخليد الكذب في كتب ينسبها إلى الحكمة يشغل بها قلوب الناس، ويتعبهم فيما لا يعود عليهم من ذلك منفعة، ثم قال له: قد كافأناك على قصدك وتعبك بما صار إليك من الألف دينار، ولا بد من معاقبتك على تخليد الكذب، فحمل السوط على رأسه، ثمّ أمر أن يضرب بالكتاب على رأسه حتى يتقطع، ثم جهزه وسيّر به إلى بغداد؛ فكان ذلك الضرب سبب نزول الماء في عينيه ولم يسمح بقدحهما، وقال: قد رأيت الدنيا انتهى، وتوفّي الرازيّ سنة إحدى عشرة وثلاث مئة». وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ٥: ١٦٠.
2- استفاد المؤلّف من أول جواب المسألة الثالثة عشرة إلى هنا من مقدمة ابن خلدون ١: ٥٢٧ – 531.

وإنّما أطمعهم في ذلك، رؤية أنّ المعادن تستحيل وينقلب بعضها إلى بعض للمادّة المشتركة، فيحاولون بالعلاج صيرورة الفضّة ذهباً، والنحاس والقَصْدِير فضّة، ويحسبون أنها من ممكنات عالم الطبيعة(1).

ص: 167


1- في هامش (أ) وقال النيسابوري في تفسيره: إنّ البشر استنبطوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة، واستخرجوا السمك من قعر البحر، واستنزلوا الطير من أوج الهواء، لكن عجزوا عن اتخاذ الذهب والفضّة، والسبب فيه أنّ معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية، وهذه الفائدة لا تحصل إلّا عند العزّة، والقدرة على اتخاذهما تبطل هذه الحكمة، فلذلك ضرب اللّه دونهما باباً مسدوداً، ومن هنا اشتهر في الألسنة من طلب المال بالكيمياء أفلس». ينظر : بحار الأنوار ٥٧: 57.

[المسألة الرابعة عشرة: بیان حسن السجع وردّ من عابه]

قال: «المسألة الرابعة عشرة : أنّ قوماً من أرباب علم البيان عابوا السجع، وأدخلوا خطب أمير المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - في جملة ما عابوه؛ لأنه يقصد فيها السجع، وقالوا : إنّ الخطب الخالية من السجع، والقرائن، والفواصل، هي خطب العرب، وهي المستحسنة الخالية من التكلّف، كخطبة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حجة الوداع، وما قولكم في هذا الباب؟ فأرشدونا إلى الصواب».

أقول: وجدت لبعض المغاربة (1) كلاماً في هذا الباب لا بأس بنقله، ثمّ تعقيبه بما فيه الصواب، قال: اعلم أنّ لسان العرب وكلامهم على فنّين:

في الشعر المنظوم: وهو الكلام الموزون المقفّى.

وفي النثر : وهو الكلام غير الموزون.

وكلّ واحد من الفنّين يشتمل على فنون، ومذاهب في الكلام؛ فأما الشعر فمنه: المدح، والهجاء، والرثاء. وأمّا النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعاً، ويلتزم في كلّ كلمتين منه قافية واحدة يسمّى سجعاً؛ ومنه المرسل وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقاً ولا يقطّع أجزاء، بل يرسل إرسالاً من غير تقييد بقافية ولا غيرها، ويستعمل

ص: 168


1- وهو عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي المغربي (ت ٨٠٨ه_). وقد اشتهر بسبب كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تأريخ العرب والعجم والبربر) المعروف ب_(تاريخ ابن خلدون)، ولا سيما بمقدمته المعروفة، وله كتب أخرى أيضاً. الأعلام ٤ : ١٠٦.

الخطب والدعاء، وترغيب الجمهور، وترهيبهم.

وأمّا القرآن، وإن كان من المنثور إلّا أنّه خارج عن الوصفين، وليس يسمّى مرسلاً مطلقاً، ولا سجعاً، بل تفصيل آيات ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلام عندها، ثمّ يعاد الكلام في الآية الأخرى بعدها، ويثنى من غير التزام حرف يكون سجعاً ولا قافية، وهو معنى قوله تعالى : «اللّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ»(1)، وقال : «قَدْ فَصَّلْنَا الْآيات»(2). ويسمّى آخر الآيات منها فواصل؛ إذ ليست إسجاعاً ولا التزم فيها ما يلتزم في السجع، ولا هي أيضاً قواف، وأطلق اسم المثاني على آيات القرآن كلّها على العموم لذلك.

واعلم أنّ لكلّ واحد من هذه الفنون أساليب تختصّ به عند أهله، ولا تصلح للفنّ الآخر، ولا تستعمل فيه، مثل النسيب المختص بالشعر، والحمد والدعاء المختصّ بالخطب أو المخاطبات وأمثال ذلك. وقد استعمل (3) المتأخّرون أساليب الشعر وموازينه في المنثور من كثرة الإسجاع والتزام التقفية، وتقديم النسيب بين يدي الأغراض، وصار هذا المنثور إذا تأملته من باب الشعر وفنّه، ولم يفترقا إلّا في الوزن، واستمرّ المتأخّرون من الكتاب على هذه الطريقة واستعملوها في المخاطبات السلطانية وقصروا الاستعمال في المنثور كلّه على هذا الفنّ الذي ارتضوه وخلطوا الأساليب فيه وهجروا المرسل وتناسوه - وخصوصاً أهل المشرق-، وصارت المخاطبات السلطانية لهذا العهد عند الكتاب الغفّل، جارية على هذا الأسلوب الذي أشرنا إليه، وهو غير صواب من جهة البلاغة؛ لما يلاحظ في تطبيق الكلام على مقتضى الحال من أحوال المخاطَب والمخاطب، وهذا الفنّ المنثور المقفّى أدخل المتأخّرون فيه

ص: 169


1- سورة الزمر : 23.
2- سورة الأنعام: 97.
3- في (أ): «وقد استعملت».

أساليب الشعر، فوجب أن تنزّه المخاطبات السلطانية عنه ؛ إذ أساليب الشعر تنافيها اللوذعيّة وخلط الجدّ بالهزل، والإطناب في الأوصاف، وضرب الأمثال، وكثرة التشبيهات والاستعارات حيث لا تدعو إلى ذلك ضرورة في الخطاب، والتزام التقفية أيضاً من اللوذعة، والتزيين، وجلال الملك والسلطان، وخطاب الجمهور عن الملوك بالترغيب والترهيب ينافي ذلك ويباينه.

والمحمود في المخاطبات السلطانية الترسّل، وهو إطلاق الكلام وإرساله من غير تسجيع إلا في الأقل النادر، وحيث ترسله الملكة إرسالاً من غير تكلّف له، ثمّ إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال؛ فإنّ المقامات مختلفة ولكلّ مقام أسلوب يخصه من إطناب، أو إيجاز، أو حذف أو إثبات، أو تصريح، أو إشارة، أو كناية، أو استعارة»(1).

وأمّا إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو - الذي هو على أساليب الشعر - فمذموم، وما حمل عليه أهل العصر إلا استيلاء العجمة على ألسنتهم، وقصورهم لذلك عن إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال، فعجزوا عن الكلام المرسل لبعد أمده في البلاغة وانفساح خطوبه، وولعوا بهذا المسجّع يلفّقون به ما نقصهم من تطبيق الكلام على المقصود ومقتضى الحال ويجبرونه بذلك القدر من التزيين بالإسجاع والألقاب البديعة، ويغفلون عمّا سوى ذلك. ذلك.

وأكثر من أخذ بهذا الفنّ وبالغ فيه في سائر أنحاء كلامهم كتّاب المشرق، حتى إنّهم ليخلّون بالإعراب في الكلمات والتصريف إذا دخلت لهم في تجنيس أو مطابقة لا يجتمعان معهما، فيرجحون ذلك الصنف من التجنيس، ويدعون الإعراب ويفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس، فتأمل»، انتهى كلامه (2).

ص: 170


1- في (أ): «وكناية، واستعارة».
2- مقدّمة ابن خلدون ١: ٥٦٦ - ٥٦٨.

وظهر منه أنّ النسبة بين المسجّع،والمرسل العموم من وجه؛ لاجتماعهما في الكلام البليغ المسجّع الذي ترسله الملكة إرسالاً من غير تكلّف، ويجود به الطبع السليم من غير تصنّع ؛ فإنّه يطلق عليه المسجّع ؛ باعتبار اشتماله على الإسجاع، وتوافق القوافي، والمرسل؛ باعتبار أنّ المتكلّم أراد التعبير عن المقصود فأرسل الألفاظ الكاشفة عنه المطابقة لمقتضى الحال من غير أن يلاحظ فيه السجع ويتعمّد فيها توافق القوافي وتطابق القرائن، فاتفق أن صدر مسجّعاً بحسب إرسال الملكة من دون تكلّف، وهذا النوع من الكلام الذي هو مورد لاجتماع العامين أحسن أنواع الكلام؛ إذ مع ما فيه من البلاغة، ومطابقة مقتضى الأحوال، ومراعاة جانب المعنى، مشتمل على السجع الخالي عن التجشّم؛ وخطب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) من هذا النوع، والمعيب والمذموم هو الكلام الذي يتكلّف فيه السجع، ويترك فيه جانب المعنى ومراعاة البلاغة للتسجيع في ألفاظه.

بل الإنصاف يقضي بأنّ مطلق تكلّف السجع ليس مذموماً أيضاً ولا معيباً، بل المذموم هو التكلّف الذي يظهر سماجته وثقله للسامعين، فأما التكلّف المستحسن فأيّ عيب فيه ! ألا ترى أنّ الشعر نفسه لا بدّ فيه من تكلّف إقامته للوزن، وليس لطاعن أن يطعن فيه بذلك - كما لا يخفى-، بل بعد مراعاة البلاغة وملاحظة جانب المعنى كلّما بولغ في مراعاة المحسنات اللفظية وتحسين السجع ولو بالالتزام بما لا يلزم زاد في حسن الكلام.

ولزوم ما لا يلزم هو أن يكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفاً واحداً، كقوله: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَق»(1)، وقوله : «في سِدْرٍ مَغْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُود»(2)، وقوله: «فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّه بِما يَعْمَلُونَ بَصير»، «وَإِنَّ

ص: 171


1- سورة العلق : 1 و 2.
2- سورة الواقعة : 28 و 29.

تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصير»(1).

وخلاصة الكلام: إنّ المذموم هو التكلّف، أو التكلّف الظاهر السماجة لا السجع، والمعيب هو ترك البلاغة ومجانبة جانب المعنى، والاشتغال بتحسين اللفظ وإصلاح المبنى، ولو كان السجع عيباً، لكان كلام اللّه تعالى معيباً؛ لأنه مسجوع كلّه ذو فواصل وقرائن، ويكفي هذا وحده مبطلاً لمذهب هؤلاء العائبين (2).

وأما ما خطبه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حجة الوداع، فإنّها وإن لم تكن ذات سجع؛ فإنّ أكثر خطبه ولا سيّما خطبه الطوال مسجوع، وأمّا كلامه القصير فإنّه غير مسجوع؛ لأنّه لا يحتمل السجع، وكذلك القصير من كلام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 172


1- سورة الأنفال: ٣٩ و ٤٠.
2- في هامش (أ) : قال ابن طاوس في كتاب (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) [ص: ١٩]: «وإن لم أجد دعاءً لبعض الأسباب فإنّي أنشئ دعاءً لذلك»، إلى أن قال «وربما يكون الدعاء الذي ننشئه كالمنثور، والقرائن، والسجع، وعسى أن يوجد في بعض الروايات أنّ السجع في الدعاء وغيره مكروه، ولعلّ تأويل ذلك إن صحت الرواية أن يكون السجع عن تكلّف، أو لغير اللّه، أو قاصراً آداب السنّة والكتاب؛ لأننا رأينا وروينا أدعية كثيرة عن النبي والأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) على سبيل السجع، والنثر، وترتيب الكلام. وفي صحائف مولانا زين العابدين كثير ممّا ذكرناه، وفي القرآن الشريف، انتهى كلامه على في الخلد مقامه».

[المسألة الخامسة عشرة: بيان أخبار كثيرة]

قال: «المسألة الخامسة عشرة: إنّ في كتب أصحابنا أخباراً محتجبة بحجاب الإجمال، ومتنقّبة بنقاب الإشكال، لم أر من أخرجها من خبائها، وجلّاها على منصّة جلائها، ولم أجد من دخل لحلها من بابها، وكشف عن نقابها، وليس لها إلا ذلك الغيث المدرار، المتبحّر في علم الحديث الواسع المضمار، فليكشف عنها اللثام، وليفضّ عنها الختام:

فمنها ما رواه الكلينيّ مسنداً إلى أبي عبد اللّه، قال: ذكرت التقية يوماً عند أبي عبداللّه، فقال: «لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله» (1)، أو قال: «لكفّره» (2).

ص: 173


1- في (أ) زيادة: «فمنها ما رواه الكلينيّ في (الكافي) عن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : ذكرت التقية يوماً عند علي ابن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فقال : واللّه لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بينهما، فما ظنك بسائر الخلق، إنّ علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا نبيّ مرسل، أو ملك مقرّب، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، وإنّما صار سلمان من العلماء لأنه أمرؤ منّا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء [الكافي ١ : ٤٠١/ باب في ما جاء أن حديثهم صعب 2، باختلاف يسير]. ورواه أيضاً مع اختلاف يسير سنداً ومتناً محمّد بن الحسن الصفّار في (البصائر) [ ص ٤٥ باب في أئمة آل محمد (عَلَيهِم السَّلَامُ) حديثهم صعب مستصعب، ح على سلام مستصعب، ح 21]».
2- الكافي ١ : ٤٠١ / باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ح 2. وفي الرواية (عند علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ))، والظاهر أنه وقع السهو من قلمه الشريف.

ومنها: المروي عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم»(1).

ومنها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ليس عند اللّه ليل ولا نهار»(2).

ومنها المروي عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ القرض بثمانية عشرة والصدقة بعشر»(3).

ومنها: قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «أمكنوا الطيور من أوكارها» (4).

ومنها: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء السحر: «اللّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ بَهَائِكَ بِأَبْهَاهُ وَكُلُّ بهائِكَ بَهِيُّ، اللّهمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ ببهائكَ كُلِّهِ»(5).

ومنها: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أدعية السجود المروية في (الكافي): «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ حَبِيبكَ مُحَمَّدٍ إِلَّا بَدَّلْتَ سَيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ»، وقوله : (عَلَيهِ السَّلَامُ) «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ لَا غَفَرْتَ لي الْكَثِيرَ مِنَ الذُّنُوبِ والقَلِيلَ»(6).

ومنها: قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كما في علل الشرائع: «لا يلسع المؤمن من جحر مرّتين»(7).

ومنها: المروي في (البصائر): عن كامل التمّار عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «يا كامل، اجعلوا لنا ربّاً نؤوب إليه، وقولوا فينا ما شئتم»، ثمّ قال: «وعسى أن نقول: ما

ص: 174


1- معاني الأخبار : ٢٣٤/ باب معنى عقول النساء وجمال الرجال، ح 1.
2- لم نعثر عليه، ولكن ورد في الجامع الصغير ٢: ٤٥٩: «ليس عند اللّه يوم ولا ليلة».
3- الكافي ٤ : ١٠ / باب الصدقة على القرابة، ح 3.
4- غوالي اللآلي ١ : ١١٨.
5- مصباح المتهجد : ٧٦٠.
6- الكافي 3 : 322/ باب السجود والتسبيح والدعاء فيه في الفرائض والنوافل وما يقال بين السجدتين، ح ٤.
7- علل الشرائع ١ : ٤٩ / باب العلّة التي من أجلها امتحن اللّه يعقوب وابتلاه بالرؤيا، ح ١.

خرج إليكم من علمنا إلّا ألف غير معطوفة» (1).

ومنها: قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : ولد الزناء شر الثلاثة»(2).

ومنها: المروي في (معاني الأخبار) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: «كان علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يقول : ويل لمن غلبت آحاده عشراته»(3).

ومنها: المروي في ( معاني الأخبار ) أيضاً : قال : دخل داود الرقي على أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال له: جعلت فداك إنّ النّاس يقولون: «إذا مضى للحامل ستة أشهر فقد فرغ اللّه من خلقته»، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ادع اللّه ولو بشق الصفا»، قيل: جعلت فداك، وأيّ شيء الصفا؟ قال: «ما يخرج من الولد فإنّ اللّه - عزّ وجلّ _ يفعل ما يشاء»(4).

أقول: إنّ سلفنا الأعلام، أطلقوا أعنّة،الأقلام في شرح هذه الأخبار، ونحوها مما هي من مزالق الأنظار، ومجائل الأفكار، وكشفوا عن وجوهها الأستار، ووصفوا ما فيها من الأسرار، ونحن نقتصر هنا على ما سنح لنا في بادي النظر، ومن رام التفصيل فليراجع كتبهم الغرر، فنقول:

في بيان الحديث الأوّل

وهو قوله: «لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله».

إنّ التقيّة اسم موضوع موضع الاتقاء (5)، يقال اتّقى يتّقي اتقاءً، والاسم الثقاة

ص: 175


1- مختصر بصائر الدرجات: ٥٩/ باب فضل الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) و ما جاء فيهم من القرآن العزيز.
2- غوالي اللآلي ٣: ٥٣٣ باب الشهادات ح 22. والسنن الكبرى أحمد بن الحسين البيهقي ٣: 91/ باب اجعلوا أئمّتكم خياركم وما جاء في إمامة ولد الزناء.
3- معاني الأخبار : ٢٤٨ / باب معنى قول علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ( ويل لمن غلبت آحاده أعشاره).
4- معاني الأخبار : ٤٠٥ / باب معنى نوادر المعاني، ح 79.
5- مجمع البحرين ١: ٤٥٢.

والتقيّة (1)، والتاء بدل عن الواو - كما في التهمة والتخمة- (2).

والمراد منها في الشرع، التحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحقّ (3)، وقد تواترت الأخبار الآمرة بالتقيّة، فعن (الاحتجاج) بالإسناد إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يقول: «لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّه فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةٌ(4)»(5)، وقد أذنتُ لك في تفضيل أعدائنا إنْ ألجأك الخوفُ إليه، وفي إظهار البراءة إن ملك الرجل عليه (6)، وفي ترك الصلوات (7) المكتوبات إن خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات، وتفضيلك (8) أعداءنا [ علينا ] (9) عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا، وإنّ إظهار برائتك [منا ](10) عند تقيتك لا يقدح فينا [ ولا ينقصنا]، ولئن تبرأت (11) منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها ومالها الذي به قيامها، وجاهها الذي به تمكّنها(12)، وتصون بذلك من عرف من أوليائنا وإخواننا؛ فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك، وتنقطع به عن عمل في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين، وإياك ثمّ

ص: 176


1- ينظر لسان العرب ١٥: ٤٠٤.
2- ينظر تاج العروس 12 : 99.
3- التقيّة (للشيخ الأنصاريّ): ٣٧.
4- في (أ)، (ب): «تقيَّة».
5- سورة آل عمران: 28.
6- في الاحتجاج : «البراءة منّا إن حملك الوجل عليه».
7- في الاحتجاج: «الصلاة».
8- في الاحتجاج: «فإنّ تفضيلك».
9- الزيادة من المصدر.
10- الزيادة من المصدر.
11- في (أ)، (ب): «ولا تبرّأ»، والصحيح هو المثبت.
12- في الاحتجاج: «تماسكها».

إياك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها؛ فإنّك شائط (1) بدمك ودماء إخوانك، معرض لنفسك ولنفسهم للزوال(2)، مذلّ [لك و] لهم في أيدي أعداء الدين، وقد أمرك اللّه بإعزازهم؛ فإنّك إن خالفت وصيّتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشدّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا»(3).

وفي رواية أبي الصباح: «ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة » (4). وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ليس منا من لم يجعل التقية شعاره ودثاره مع من يأمنه؛ ليكون سجيّة له مع من يحذره»(5)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، وفي بعضها تفسير (أتقاكم) في قوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أَتْقاكُم»(6) ب_ (أعملكم بالتقية)(7).

وقد تطلق التقيّة على إخفاء صاحب الدرجات العالية والمراتب الزائدة أمره على من هو دونه في الرتبة من إخوته المؤمنين؛ فإنّ مراتب الناس في المعارف متفاوتة ودرجاتهم مختلفة، فقد يكون الإنسان في مرتبة يقصر غيره عن نيلها فيخفي واجد وعدم قبوله له لو أبداه له الواجد ويكون لكلّ منهما تكليف بحسب ما هو عليه من الرتبة أمره على فاقدها؛ لعدم تحمّل الفاقد لذلك الرتبة، وهذا معنى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «حسنات الأبرار سيّئات المقربين»(8).

ص: 177


1- في (أ)، (ب) : «شاحط»، والصحيح هو المثبت.
2- في الاحتجاج: «معرض لنعمتك ونعمهم على الزوال».
3- الاحتجاج ١: ٣٥٤/ احتجاجه (عَلَيهِ السَّلَامُ) على من قال بزوال الأدواء بمداواة الأطباء دون اللّه سبحانه وعلى من قال بأحكام النجوم من المنجمين وغيرهم من الكهنة والسحرة.
4- الكافي ٧: ٤٤٢/ باب ما لا يلزم من الأيمان والنذور، ح ١٥.
5- الأمالي الشيخ الطوسي : 293/ المجلس الحادي عشر، ح ١٦.
6- سورة الحجرات: ١٣.
7- تفسير منهج الصادقين في الزام المخالفين 2 : 203.
8- لم نعثر على مصدره في الجوامع الروائية، وقد ذكره كثير من الأصحاب في كلماتهم، ولكن لا بعنوان أنه رواية بل ذكروه في مقام دفع الغموض. ينظر : الجواهر السنية : ٨٣، بحار الأنوار ٢٥: ٢٠٥.

وبالجملة التقيّة واجبة على كلّ عالم بما لا يقبل وبما لا يتحمّل(1)، وكما تكون من أعداء الدين كذلك تكون من المؤمنين كسلمان؛ فإنّه أضمر في قلبه من معرفة اللّه ومعرفة نبيه ومعرفة أئمته ومعرفة أسرار الدين ما لو اطلع عليه أبو ذر لقتله أو كفّره؛ فإنّ أبا ذرّ لا يتحمّل من المعارف والمقامات ما يتحمّله سلمان وإن كان قد آخى بينهما رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقد روى الكشي بالإسناد إلى جابر، عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ أبا ذر دخل على سلمان وهو يطبخ لحماً في قدر له، فبينما هما يتحدثان إذا انكبّت القدر على وجهها على الأرض ولم يسقط من مرقها شيء، فعجب من ذلك أبو ذرّ عجباً شديداً وأخذ سلمان القدر ووضعها على النار وأقبلا يتحدّثان، إذا انكبّت القدر على جهها ثانياً ولم يسقط منها شيء ولا من ودكها، قال: فخرج أبو ذرّ من عند سلمان وهو مذعور، فبينا هو متفكّر؛ إذ لقي أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الباب، فلمّا أن بص_ر به قال له يا أبا ذرّ ما الذي أخرجك من عند سلمان؟ وما الذي ذعرك ؟ فقال أبو ذرّ: رأيت يا أمير المؤمنين كذا وكذا فعجبت من ذلك. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا أبا ذر، إنّ سلمان لو حدّثك بما يعلم لقلت: رحم اللّه قاتل،سلمان يا أبا ذرّ، إنّ سلمان باب اللّه في الأرض، من عرفه كان مؤمناً، ومن أنكره كان كافراً، وإن سلمان منا أهل البيت» (2).

ص: 178


1- في هامش (ب): «پیر میخانه چه خوش گفت بدردی کش خویش***در مگو حال دل سوخته با خامي چند با مدعي مگویید اسرار عشق و مستي***تا بي خبر بمیرد در عین خود پرستی». البيتان للحافظ الشيرازيّ. ديوانه : ١٨٢، و ٤٣٦. البيت الأوّل: وما أجمل ما تحدّث به شيخ الحانة إلى شارب الثمالة، قائلاً: لا تقل شيئاً عن حال قلبك المحترق إلى غرّ غير مجرب. البيت الثاني: لا تقل للمدعي أسرار العشق والعربدة، حتى يموت بغير أن يدري في ألم عجبه وحبّه لنفسه.
2- اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي) ١ : ٥٩، ح ٣٣.

وعن المفيد في (الاختصاص) بالإسناد إلى أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: كان سلمان يطبخ قدراً، فدخل عليه أبو ذرّ فانكبّت القدر، فسقطت على وجهها ولم يذهب منها شيء، فردّها على الأثافي، ثمّ انكبّت الثانية فلم يذهب منها شيء فردّها على الأثافي، فمرّ أبو ذرّ إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) مسرعاً قد ضاق صدره ممّا رأى، وسلمان يقفو أثره حتى انتهى إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فنظر أمير المؤمنين إلى سلمان فقال له: يا أبا عبد اللّه، أرفق بصاحبك»(1).

وعن الحسين بن حمدان: «إنّ القدر كانت تغلي من غير حطب فأخذ سلمان حجرين فرمى بهما تحت القدر فالتهب فيها، ففارت،القدر، فأدخل سلمان يده في القدر فأدارها فسكنت القدر من فورتها، فاغترف منها بيده فأكل»(2).

وروي: «أنّه قد رأه قد وضع رجله تحت القدر مكان الحطب والنار تشتعل فيها ويطبخ بها القدر»(3)، إلى غير ذلك مما يتعجب منه مثل أبي ذرّ ويذعر، ويحتمل فيه السحر، ونحوه فيقتله أو يكفّره (4)

ص: 179


1- في الاختصاص: 12 : «بأخيك».
2- ينظر: مستدرك الوسائل ١٢: ٢١٦ / باب استحباب الرفق بالمؤمنين في أمرهم، ح7. ومن قوله : «وعن المفيد في (الاختصاص) بالإسناد» إلى هنا لم يرد في (ب).
3- لم نعثر عليه.
4- وفي هامش (أ) : «وبالجملة أنّ لمعرفة اللّه ورسوله او لأوليائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) مراتب و درجات بعضها فوق بعض، ولأهل كلّ مرتبة حكم يباين حكم أهل المرتبة الأخرى تباين الإسلام والكفر، بحيث لو اطّلع أصحاب المرتبة الدانية على ما عليه أصحاب المرتبة العالية، لحكموا بأنّ ذلك كفر وإضلال؛ لقصورهم عن الإحاطة بهؤلاء من الرتبة في المعارف وكذلك العكس، فالواجب على ذوي الرتب العالية أن يكتموا أمرهم ممن هو دونهم اتقاء منهم، ويرفقوا بهم ويداروهم، وقد استفاض عنهم هذا المعنى في عدّة أخبار : ففي باب العشرة من (الخصال) [ص: ٤٤٧] بالإسناد إلى عبد العزيز القراطيسيّ، قال دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فذكرت له شيئاً من أمر الشيعة ومن أقاويلهم، فقال: «يا عبد العزيز، إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم، له عشر مراقي، وترتقى منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الأولى لصاحب الثانية لست على شيء، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شيء حتى انتهى إلى العاشرة»، ثمّ قال: «وكان سلمان في العاشرة، وأبو ذرّ في التاسعة، والمقداد في الثامنة؛ يا عبد العزيز، لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل، ولا تحملن عليه ما لا يطيقه فتكسره. وفي ( رجال الكشيّ) [ج 2، ص 783] في ترجمة يونس بن عبد الرحمن مسنداً: «قال العبد الصالح يا يونس، ارفق بهم؛ فإنّ كلامك يدقّ عليهم»، قال قلت: إنّهم يقولون لي زنديق، قال لي: «وما يضرك أن يكون في يدك لؤلؤة، يقول الناس هي حصاة! وما كان ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة!». وفيه أنّه شكا إلى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما يلقى من أصحابه الوقيعة، فقال الرضاء (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «دارهم فانٍ عقولهم لا تبلغ». [ اختيار معرفة الرجال :٢: ٧٨٣/ ح ٩٢٩] إلى غير ذلك من الأخبار الناطقة باختلاف الدرجات وتفاوت المراتب، وأنّ أهل الدرجات العالية عليهم أن يكتموا أمرهم من أصحاب الدرجات الدانية ويرفقوا بهم، ويكلّموا على قدر عقولهم ومعرفتهم. ومن جملتهم سلمان؛ فإنّه حاز من الفضائل والمعارف ومراتب الإيمان ما لم يحزه أحد من الأعيان، وقد جعل في الحديث المزبور من العلماء، والمراد بالعلماء الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ففي (البصائر) [ص: 28]: «نحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء»، وجعل علمه مما لا يتحمله إلّا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد ممتحن القلب، فعليه كتمان السرّ حتى من أبي ذرّ الذي آخى رسول اللّه بينهما كما في الخبر؛ فإنّه لو أظهر ما في قلبه من المعارف واطّلع عليه أبو ذرّ لقتله في الحال زعماً منه أنّ تلك المرتبة كفر وضلال. وليعلم أنّ المختار في توجيه الخبر المزبور هو ما أفدناه، وهنا وجهان آخران: الأوّل: ما سنح لنا في سابق الأزمان، وهو يرجع بالآخرة إلى الوجه المختار، وهو صحيح. والثاني: ما ارتضاه السيّد المرتضى - رضي اللّه تعالى عنه _ قال: «إذا كان من المعلوم [الذي لا يحيل ] سلامة سريرة كلّ واحد من سلمان وأبي ذرّ، وأنهما لم يكونا من المنافقين ولا من المخالفين في الدين، فلا يجوز مع هذا المعلوم أن يعتقد أنّ الرسول [ يشهد] بأنّ كلّ واحد منهما لو اطّلع على ما في قلب صاحبه لقتله على سبيل الاستحلال لدمه. ومن أجود ما قيل في تأويله: إنّ الهاء في قتله راجع إلى المطّلع، لا المطّلع عليه، كأنه أراد أنه إذا اطّلع على ما في قلبه وعلم موافقة باطنه لظاهره وشدّة إخلاصه،له اشتدّ ظنّه به و محبّته،له وتمسكه بمودته ونصرته فقتله ذلك الظنّ أو الودّ بمعنى أنه كاد يقتله، كما يقولون : فلان يهوى غيره، وتشتد محبّته له حتى إنّه قد قتله حبّه، أو أتلف نفسه، أو ما جرى مجرى هذا من الألفاظ، وتكون فائدة هذا الخبر حسن الثناء على الرجلين وأنّه آخى بينهما، وباطنهما كظاهر هما، وسرّهما في النقاء والصفاء كعلانيتهما». [غرر الفوائد : ٤١٩]. أقول: وفيه نظر من وجهين: الأوّل: إنّ استحلال الدم لا يلزم أن يكون بسبب شيء ينافي الإيمان واقعاً، بل قد يكون بسبب ما بين الدرجتين من التفاوت الذي لا يتحمّله الداني وإن كان هو والعالي مشتركين في أصل الإيمان، وقد استوفينا في ذلك البيان، وكفيناك مؤنة البرهان. الثاني: إنّ ما في صدر الخبر من ذكر التقيّ، ينافي هذا التأويل الذي أفاده، بل قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فما ظنك بسائر الخلق» لا يلائمه أيضاً، بل يغلّطه ما رواه المفيد في (الاختصاص) [ص: ١٢] بالإسناد إلى عيسى بن حمزة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : الحديث الذي جاء في الأربعة قال: وما هو ؟ قلت: الأربعة التي اشتاقت إليهم الجنّة. قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمّار. قلت: فأيهم أفضل؟ قال: سلمان، ثمّ أطرق، ثمّ قال: علم سلمان علماً لو علمه أبو ذرّ كفر». وما رواه فيه أيضاً بالإسناد إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «يا سلمان، لو عرض علمك على مقداد لكفر». [ الاختصاص : 11 - 12] و ما رواه الكراجكيّ في كنزه من: أنّ سلمان قال مخاطباً لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «بأبي أنت وأمى يا قتيل كوفان، واللّه لولا أن يقول الناس: [ وا شوقاه] رحم اللّه قاتل سلمان لقلت فيك مقالاً تشمئز منه النفوس». [كنز الفوائد: ٢٦٤] وما قاله أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي ذرّ في خبر القدر: «إنّ سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم اللّه قاتل سلمان». [اختيار معرفة الرجال ١ : ٦٠، ح ٣٣] وإنّما قلنا إنّ هذه الأخبار ونظائرها تغلّط التأويل المزبور ؛ لصراحتها في كون التكفير والقتل لما أفدناه من عدم تحمّل الداني لما حواه العالي من المعارف، لا لما ذكره، واللّه العالم».

ص: 180

وهنا وجه آخر لطيف، وهو أن يكون ضمير الفاعل المستتر في (قتله) راجعاً إلى (ما) الموصولة، أو إلى العلم المدلول عليه بعلم دلالة الفعل على مصدره، كقوله تعالى: «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى»(1)، وضمير المفعول راجعاً إلى (أبي ذرّ)، أي: إنّ أبا ذرّ لو علم ما في قلب سلمان من المعارف ومراتب الإيمان، أي: لو أعطي علم

ص: 181


1- سورة المائدة: 8.

سلمان لكان ذلك العلم أو المعلوم قاتلاً له؛ إذ لا يطيق تحمّله، لكن هذا لو تم في قتله لم يتم في كفره.

إلّا أن يقال: إذا أعطي علم سلمان صار ذلك العلم سبباً لقتله وتكفيره؛ فإنّه لو علم كل ما علمه سلمان لم يمكنه كتمانه، فإذا أظهره قتله الناس أو كفّروه؛ لعدم فهمهم لمعانيه، كما اتّفق في كثير ممن أبدوا بعض العلوم وأسرار المعارف، فصار ذلك سبباً لقتلهم وتكفيرهم بين الناس، فتدبّر.

وفي بيان الحديث الثاني

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم».

إنّ له وجهين في النظر :

الأوّل: إنّ المطلوب من النساء الجمال لا العقل؛ لنقصانه فيهنّ؛ ولهذا كانت شهادة امرأتين بشهادة رجل، بل هنّ نواقص الإيمان أيضاً لقعودهنّ عن الصلاة، والصيام أيّام حيضهنّ، ونواقص الحظوظ ؛ لأنّ مواريثهن نصف مواريث الرجال، فينبغي بملاحظة نقصان عقولهن أن لا يراد منهنّ إلا مقتضى الجمال، والتجمّل، والتزين لبعولتهنّ. ولهذا لما سُئِل (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن جهاد المرأة قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «جهادها حسن التبعّل» (1)، والتزيّن للبعولة من حسن التبعّل.

الثاني: إنّ عقلهنّ مصروف في جمالهن، فليس لهنّ شغل إلّا تحصيل الجمال بالحلي، والحلل والاكتحال، وجمال الرجال في تحصيل مقتضى العقول من الكمالات والعلوم، والمعارف.

وفي بيان الحديث الثالث

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ليس عند اللّه ليل ولا نهار».

ص: 182


1- الكافي ٥ : ٩/ باب جهاد الرجل والمرأة، ح 1.

إنّ المراد أنّ علمه تعالى ليس زمانياً، بل هو علم حضوريّ لا يدخله الماضي والحال والاستقبال، بل الأزمنة بما فيها كلّها حاضرة عنده من غير تفاوت بين ما مضى وما سيأتي، وشبّهوا الزمان وما فيه من الكائنات بالخيط الممتدّ الذي كلّ قطعة منه على لون من الألوان، وقد قبض عليه رجل وجعله مقابل عين نملة وبإزائها، وتلك النملة لحقارة جنّتها وضيق عينها ترى في كلّ زمان يمضي قطعة من الخيط مقابلة لها فرؤيتها لقطعات الخيط تدخل تحت الأزمنة المختلفة. وأما ذلك الرجل القابض على الخيط فهو يشاهده من أوّله إلى آخِره بنظرة واحدة، وعلمه تعالى من هذا القبيل، وعلمنا نحن من قبيل الأوّل؛ ثمّ الكلام في هذه المسألة طويل الذيل، وما ذكرناه إنّما هو من باب التمثيل في البيان، والتقريب إلى الأذهان، والتفصيل يطلب من محلّه.

وفي بيان الحديث الرابع

وهو «إنّ الدرهم من القرض بثمانية عشر درهماً، ودرهم الصدقة بعشرة».

أمّا فضل القرض على الصدقة فالسرّ فيه أنّ الصدقة تقع في يد المحتاج وغيره، والقرض لا يقع إلّا في يد المحتاج غالباً، وأنّ درهم القرض يعود فيقرض ثانياً ودرهم الصدقة لا الصدقة لا يعود، فدرهم القرض قد يكون دائماً في قضاء الحاجات، وليس كذلك درهم الصدقة.

وأمّا العلّة في أنّ الدرهم من القرض بثمانية عشر درهماً مع أنّ الوارد في الأخبار هو أنّ درهم القرض مثلا درهم الصدقة الذي هو بعشرة فيقتضي أن يكون درهم القرض بعشرين، فهي أنّ درهم القرض يكون مثلا عشرة دراهم الصدقة المضاعفة، فيكون بكل درهم در همان فإذا رجع درهم القرض إلى صاحبه رجع درهمان ويكون الباقي ثمانية عشر درهماً، فتدبّر.

ثم اعلم أنّ القرض لا يتوقف على قصد القربة، ومطلق الثواب يتوقف

ص: 183

عليها فليس كلّ قرض يترتب عليه الثواب، بخلاف الصدقة؛ فإنّ القربة معتبرة فيها فإطلاق كون درهم القرض بثمانية عشر، إمّا مشروط بقصد القربة، أو تفضّل من اللّه تعالى من غير اعتبار الثواب بواسطة الوجهين، وقد يقع التفضّل على كثير من فاعلي البرّ من غير اعتبار القربة كالكرم.

وفي بيان الحديث الخامس

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «مكّنوا الطيور من أوكارها».

إنّ الطيرة - بكسر الطاء وفتح الياء -(1) وقد يسكن مصدر تطيّر، يقال: تطير طيرة وتحيّر حيرة، ولم يجئ من المصادر كذا غيرهما (2)، وهي ما يتشأم به من الفال الرديء، وأصله التطيّر بالسوانح والبوارح من الطَّير والظباء وغيرهما(3)، ويقال له: العيافة (4) أيضاً _ كالقيافة، قال في (القاموس) : «عِفْتُ الطير أعيفُها عِيافةً: زجرتُها، وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وأنوائها، فتتسعَّدَ أو تتشأم. والعائف: المُتكهّن

ص: 184


1- في هامش (أ) : «وفي (مجمع البيان) في تفسير قوله تعالى في الأعراف [:١٣١]: «يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ» الآية، إنّ التطير : الطيرة من الشيء، وهو التشاؤم به، واشتقاقه من الطير. وطائر الإنسان عمله، أخذ من ذلك؛ لأنّ العرب كانت تزجر الطير، فتتشأم بالبارح وهو الذي يأتي من جهة الشمال، وتتبرك بالسانح، وهو الذي يأتي من قبل اليمين، قال الشاعر: زجرت لها طير الشمال فإن تكن***هواك الذي تهوي يصبك اجتنابها ثم كثر ذلك، فسمّي نصيب الإنسان طائره». (منه عفي عنه) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٣٧.
2- مجمع البحرين ٣: ٣٨٤.
3- ينظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ٣: ١٥٢.
4- ينظر: الفائق 2 : 312 وفي هامش (ب): «قال أبو تمّام: هنّ الحمام فإن كسرت عيافةً***من حائهنّ فإنهنّ حِمامُ». البيت لأبي تمام في ديوانه: ٢٦٣، عن قصيدة في مدح المأمون.

بالطَّيْر أو غيرها » (1)، ويقال له : (زجر الطير) أيضاً من زجر الطائر: تفاءل به فتَطَيَّر فنَهَرَه (2)، ف_(الطيرة)، و(العيافة)، و (زجر الطير) أسماء لعلم واحد كان العمل به متداولاً في الجاهليّة.

وأصل الطيرة التشؤّم بالطير، ثمّ اتّسع فيها فوضع موضع الشؤم، قال تعالى: «يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ»(3)، أي: تشأموا بهم، ويقولون: لولا مكانهم لما أصابتنا سيّئة «أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّه»(4)، أي: ألا إنّما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به من العقاب عند اللّه يفعله بهم في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا، وقال عن لسان الكفّار: «قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بكُم»(5)، أي تشاء منا بكم. إلى أن قال عن الرسل: «قالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُم» (6)، أي الشؤم كلّه معكم بإقامتكم على الكفر باللّه تعالى، فأمّا الدعاء إلى التوحيد وعبادة اللّه ففيه غاية البركة والخير واليمن ولا شؤم فيه.

وبالجملة كان من دأب الجاهلية التشاؤم بالطير، حتى أن أحدهم كان إذا بكّر في حاجة ليلاً ولم يجد طيراً يطير يتفأّل به، عمد إلى طير في وكره فأهاجه حتّى يطير ليتفأّل به في حاجته في أنه يمضي أو يرد؛ فنهى الشرع عن ذلك، وقال: «مكّنوا الطيور من أوكارها»، أي: امضوا في حوائجكم واتركوا الطيور من أوكارها؛ نهياً عن التخلّق بأخلاق الجاهلية، وأمراً بالاتكال على اللّه تعالى.

ص: 185


1- القاموس المحيط ٣: ٢٤١.
2- القاموس المحيط 2 : 98. وفي هامش (أ) : «وإنّما اشتقّوا الطيرة من الطير لسرعة لحوق البلاء على اعتقادهم كما يسرع الطير في الطيران». (منه) حياة الحيوان الكبرى ٢: ١٣٤.
3- سورة الأعراف: 131.
4- سورة الأعراف: 131. وفي هامش (أ): «وقال الحسن : معناه: ألا إنّ ما تشأموا به محفوظ عليهم حتى يجازيهم اللّه تعالى به يوم القيامة» تفسير الآلوسي 9: 32.
5- سورة يس : 18.
6- سورة يس : 19.

وفي خبر آخر: «الطيرة (1) شرك، ولكنّ اللّه يذهبه بالتوكّل» (2)، قيل : إنّما جعلت الطيرة من الشرك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنّ التطيّر يجلب لهم نفعاً، ويدفع عنهم ضرراً إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع اللّه، ولكنّ اللّه يذهبه بالتوكّل، ومعناه كما قيل : إنّه إذا خطر له عارض الطيرة فتوكل على اللّه وسلّم أمره إليه لم يعمل به ذلك الخاطر (3).

وفي خبر آخر: «عدوى (4)

ص: 186


1- في هامش (أ): «أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر». (منه) شرح صحیح مسلم ١٤ : ٢١٩.
2- والظاهر أنه من الروايات الواردة من طرق العامة؛ لأنّا لم نعثر على مصدره في الجوامع الحديثيّة الشيعيّة، لاحظ : بحار الأنوار ٥٥: ٣٢٢/ في أنّ كفارة الطير التوكّل.
3- مجمع البحرين ٣: ٣٨٤.
4- في هامش (أ): «فائدة: العدوى اسم من الأعداء، يقال: أعداه الداء يعديه إعداءً، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء، وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً فيتقى مخالطته بابل أخرى؛ حذراً أن يتعدّى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه؛ وقد أبطله الإسلام؛ لأنّهم كانوا يظنون أنّ المرض بنفسه يتعدّى. قال: واحذر مصاحبة اللئيم فإنّه***يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب فأعلمهم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه ليس كذلك، وإنّما اللّه هو الذي يمرّض وينزل الداء. ولهذا قال في بعض الأحاديث: «فمن أعدى الأوّل»، أي من أين صار فيه الجرب. وما روي من قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد». [مجمع البحرين 1 : 285، حياة الحيوان الكبرى ١: ٥١] وقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المروي في (البحار ) [ج٥٩، ص 213]: «أقلّوا من النظر إلى أهل البلاء» قال المجلسيّ: أي أصحاب الأمراض المسريّة، «ولا تدخلوا عليهم، وإذا مررتم بهم فأسرعوا المشي، لا يصيبكم ما أصابهم». وقوله المروي بطريق العامة: «لا تطيلوا النظر إلى المجذوم، وإذا كلّمتموه ليكن بينكم وبينه قدر رمح». [ حياة الحيوان الكبرى ١: ١٣] وروي أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أتاه مجذوم ليبايعه فلم يمدّ يده إليه، بل قال: «أمسك يدك فقد بايعتك». [حياة الحيوان الكبرى ١: ١٣] إلى غير ذلك من الأخبار الموهمة للعدوى؛ فيمكن التوجيه بأنّ مداناة ذلك من أسباب العلّة فليتّقه اتّقاءه من الحائط المائل والسفينة المعيوبة. وعلى ذلك أيضاً يحمل ما صدر من علماء الخاصّة والعامة من الفتاوى المعلّلة بالعدوى، كفتوى البعض بأنّ الجذام من عيوب الرجل، قال في (الروضة ) [ ج ٥، ص 383 و ٣٨٤]: «لأدائه إلى الضرر المنفي؛ فإنّه من الأمراض المعدّية باتّفاق الأطبّاء، فلا بدّ من طريق إلى التخلّص، ولا طريق للمرأة إلّا الخيار» إلى أن قال: «وألحق به البرص ؛ لمشاركته له في الضرر والإضرار والعدوى». وكالفتوى بأنّ الأم إذا كان بها جذام أو برص سقط حقها من الحضانة؛ لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها. [بحار الأنوار ٦٢: ٨٣] وكالفتوى بأنّ المبتلى لو أراد مساكنة الأصحاء في رباط أو غيره، منع إلّا بإذنهم. ولو كان ساكناً وابتلي أزعج وأخرج، إلى غير ذلك [ حياة الحيوان الكبرى ١: ١٣] فمعنى قولهم: «الجذام يعدي» أنّ ذلك بتأثير اللّه تعالى لا بنفسه؛ لأنّ اللّه تعالى أجرى العادة بابتلاء السليم عند مخالطة المبتلى، وقد يوافق قدراً وقضاءً فيظنّ أنّه عدوى، فتأمل. [حياة الحيوان الكبرى 1 : ١٢]. وفي هامشها أيضاً : «قال في (حياة الحيوان) [ج 2 ص 88 - 89] في لفظ الصقر : إن أعرابيّاً قال للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : إنك قلت: لا عدوى، فما بال الإبل تكون سليمة حتى يدخل فيها البعير الأجرب فتصبح جربي؟ فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «فمن أعدی الأوّل فردّ عليه ما توهّمه من تعدّي المرض بنفسه، وأعلمه أن اللّه تعالى هو المؤثر». (منه)

ولا طيرة» (1).

وفي آخر: «ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة، والحسد، والظنّ، قيل : فما نصنع؟ قال: إذا تطيّرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق»(2)

وفي آخر: «الطيرة على ما تجعلها، إن هوّنتها تهوّنت، وإن شدّدتها تشدّدت، وإن لم تجعلها شيئاً لم تك شيئاً»(3)؛

ص: 187


1- الكافي ٨: ١٩٦ / لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولاشوم ولا صفر، ح ٢٣٤.
2- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 11: 392/ باب ما رفع عن الأمة، ذيل شرح، ح 2. والظاهر أنّه ورد من طرق العامّة، وقد رواه الجزري في النهاية ٣: ٥١.
3- الكافي :٨: 197 / الطيرة على ما تجعلها ح ٢٣٥، وسائل الشيعة ١١ : ٣٦١/ باب استحباب ترك التطيّر والخروج يوم الأربعاء، ح ٢.

وذلك لأنّ التطيّر مؤثر في نفس المتطيّر (1).

وأمّا الأخبار الموهمة للطيرة،والعدوى، كقول أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) المروي في (الفقيه): من تنوّر يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومنّ إلّا نفسه»(2)، وكقول الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المروي في (معاني الأخبار) : «لا توردنّ ذا عاهة على مصحّ»(3)، فلا بدّ من توجيهها:

أمّا الأوّل: فبأن يقال: المراد أنّ من تنوّر يوم الجمعة معتقداً أنه يورث البرص، كما يزعمه الناس بزعمهم الفاسد فأصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه؛ وذلك لأنّ التطيّر مؤثر في نفس المتطيّر.

وأمّا الثاني: فالمراد أنّ الرجل يصيب إبلَه الجَرَبُ أو الداء، فقال : لا توردنّها على مصحّ، وهو الذي إبله وماشيته صحاح بريّة من العاهة؛ إذ يحتمل أن ينزل بهذه الصحاح من اللّه تعالى ما نزل بتلك فيظنّ المصحّ أنّ تلك أعدتها فيأثم في ذلك الظنّ (4)، إلى غير ذلك من التوجيهات الوجيهة، فاللازم على الموحِّد أن يثق باللّه، ويتوكّل عليه، ويفوّض أمره إليه، ويطلب منه الخير، ويدفع به عن نفسه الضير، ولا

ص: 188


1- في هامش (أ): قال في (مفتاح دار السعادة): واعلم أنّ التطير، إنما يضرّ من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به، فلا يضره ألبتة، ولا سيّما إن قال عند رؤية ما يتطيّر به أو سماعه: اللّهم لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، [ اللّهم لا يأتي بالحسنات إلّا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك]؛ وأما من كان معتنياً بها فهى أسرع إليه من السيل إلى منحدره، وقد فتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة، ما يفسد عليه دينه وينكد عليه معيشته». ينظر: حياة الحيوان الكبرى ٢: ١٣٥.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 121 / استحباب الحناء بعد النورة، ح ٢٦٨.
3- معاني الأخبار: 282 / باب معنى المحاقلة وبيع الحصاة وغير ذلك من المناهي.
4- كما هو مذكور في معاني الأخبار بنصّه، لاحظ معاني الأخبار: 282.

يلتفت إلى زجر الطير.

لعمرك ما تدري الطوارقُ بالحصى***ولا زاجرات الطير ما اللّه يصنعُ (1)

فإن قلت: فما معنى الخبر المروي: «ثلاثة لم ينج منها نبيّ فما دونه: الطيرة، والحسد، والتفكّر في الوسوسة في الخلق»(2) ؟

قلت : معنى الطيرة في هذا الموضع أن يتطيّر منهم ولا يتطيرون وذلك كما حكى اللّه عن قوم صالح : «قَالُوا طَيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللّه»(3)، وكما قال آخرون لأنبيائهم: «قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَم تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُم»(4).

وأما الحسد، فإنّه في هذا الموضع أن يحسدوا لا أنهم يحسدون، وذلك كما حكى اللّه تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتَاهُمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ»(5).

وأما التفكر في الوسوسة في الخلق، فهو بلواهم بأهل الوسوسة لا غير ذلك، كما حكى اللّه تعالى عن وليد بن المغيرة: «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّر»(6)، يعني أنه قال للقرآن: «إِن هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَر إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَر»(7)، قاله الصدوق في (الخصال)(8).

وقد يقال: «إنّ المراد من الخبر النهي عن صيد الطيور من أعشاشها، أي: اتركوها إلى أن تخرج من أوكارها فصيدوها ولا تصيدوها من أعشاشها، والنهي

ص: 189


1- البيت للبيد، دیوانه: 172.
2- الخصال: 89/ باب ثلاث خصال لم يعر منها نبيّ فمن دونه، ح 27. وفيه: «ثلاث لم يعر».
3- سورة النمل : ٤٧.
4- سورة يس : ١٨.
5- سورة النساء : ٥٤.
6- سورة المدثر: ١٨.
7- سورة المدثر: ٢٤ و٢٥.
8- الخصال: ٨٩ / باب ثلاث خصال لم يعر منها نبي فمن دونه، ح 27.

للكراهة» (1). وفي بيان الحديث السادس

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء السحر: «اللّهم إنّي أسألك من بهائك» إلى آخره.

إنّ (من) للجنس، والإضافة إلى الكاف تفيد العموم، والباء للقسم الاستعطافي، و(أبهى) اسم تفضيل، والواو للحال، والجملة بعدها حالية. والمعنى: إنّي أسألك من

ص: 190


1- في هامش (أ): وروي هذا الخبر في طريق العامة بلفظ آخر، فعن الشافعي بالإسناد إلى أمّ كرز قالت: أتيت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فسمعته يقول: «أقرّوا الطيور على مكناتها»، ولهم أقوال في معناه: أحدها : النهي عن الصيد ليلا. الثاني: ما عن القاسم بن سلام قال: أقروها على بيضتها التي احتضنتها، وأصل المكن بيض الضبّ. قال الصيدلانيّ: فعلى هذا يجب أن يكون المفرد المكنة بتسكين الكاف كتمرة وتمرات. [ حياة الحيوان الكبرى ٢: ١٣٤] وفي (القاموس [ج ٤، ص :279]: المكن ككتف بيض الضبّة والجرادة ونحوهما، وفي الحديث: «أقرّوا الطير على مكناتها - بكسر الكاف وضمها _ أي بيضها. الثالث ما أفدناه من أنّ علم العرب كان في زجر الطير، فكان الرجل منهم إذا أراد سفراً خرج من بيته، فمرّ على الطير في مكانه فيطيره، فإذا أخذ يميناً مضى في حاجته، وإن أخذ يساراً رجع. فنهى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «أقروا الطير على مكناتها»، وفي رواية: «وكناتها». والوكنة - مثلثة - : عُشّ الطائر، وهذه الرواية تنفى القول الثاني، وبعد أن نهى (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عن الطيرة جعل مكناتها الفأل قيل: يا رسول اللّه، وما الفأل ؟ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم، وفي رواية قال: «يعجبني الفأل، وأحبّ الفأل الصالح». [ حياة الحيوان الكبرى ٢: ١٣٤] قال الطريحي : في الخبر كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يحبّ الفأل ويكره الطيرة. والفأل معروف، وهو أن يكون الرجل مريضاً فيسمع شخصاً يقول: يا سالم أو يكون طالباً، فيسمع آخر يقول: يا واجد. [مجمع البحرين ٥: ٤٣٩] وإنّما أحبّ الفأل ؛ لأنّ الإنسان إذا أمل فضل اللّه تعالى كان على خير وإذا قطع رجاءه من اللّه تعالى كان على سوء، والطيرة فيها سوء ظنّ وتوقع البلاء؛ فإنّها لا تكون إلّا فيما يسوء بخلاف الفأل؛ فإنّه فيما يسّر، فافهم». [ حياة الحيوان الكبرى ٢: ١٣٥] وفي هامشها أيضاً: «لفظ (الفأل) مهموز، ويجوز ترك همزة». (منه)

بين أفراد بهائك بالفرد الذي هو أبهى الأفراد، أي: أسألك مقسماً بأبهى أفراد بهائك والحال أنّ كُلاً من أفراد بهائك بهيّ، ثمّ قال: أسألك مقسماً ببهائك كلّه؛ فسأل أوّلاً بالأبهى حرصاً على إجابة سؤاله ؛ فإنّ السائل لطمعه في الإجابة وحرصه فيها يقسم المسؤول بأعلى الأفراد وأعظم الوسائل، ثمّ لما نظر إلى أنّ جميع أفراد البهاء بهيّ، وكلاً منها كافٍ في التوسل والإقسام به في مقام إنجاح المطالب، وسؤالها من اللّه تعالى، عدل وقال: «أسألك ببهائك كلّه».

ويحتمل أن يكون التوسل بالأبهى أولاً ثم بالجميع؛ لتعظيم شأن الأبهى وإبانته عما يشاركه بالبهاء، فهو من قبيل ذكر الخاص قبل ذكر العام على عكس قوله تعالى: «فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان»(1)، «وحافِظُوا عَلَى الصَلَواتِ وَالصَلاةِ الْوُسْطى»(2).

وفي بيان [الحديث] السابع

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أدعية السجود : «أسألك بحق حبيبك محمد إلّا بدّلت سيئاتي حسنات».

إنّ مثل هذا كثير في الأدعية الواردة عنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، لكن في بعضها بلفظ (إلّا) وفي الآخر بلفظ (لمّا)، ويمكن أن يوجه بأحد وجهين:

الأوّل: أن يكون (إلّا) للاستثناء و (لمّا) بمعناها، وهي وإن كانت تدخل على الاسم غالباً، لكن قد تدخل على الفعل بشرط مطّرد في المضارع والماضي، وهو أن يكون المستثنى منه غير مذكور، ويعبّر عنه بالاستثناء المفرّغ، كقولك: «ما زيد إلّا يقوم» ومختص بالماضي وهو أحد أمور ثلاثة : إما اقترانه ب_(قد) كقولك: «ما الناس إلّا قد ظعنوا»، أو تقدّم ماضٍ منفي، كقوله: «ما أيس الشيطان من بني آدم إلّا أتاهم

ص: 191


1- سورة الرحمن: ٦٨.
2- سورة البقرة: 238.

من قبل النساء»(1)، أو تقدّم القسم كقولك: «حلفتك باللّه إلّا فعلت كذا»، أي: تحليفي إيّاك به ثابت في جميع حالاتك إلّا حالة إنجاحك مطلوبي، أو في جميع حالاتي إلا حالتي التي هي حال إنجاحك، وما نحن فيه حال إنجاحك، وما نحن فيه من هذا القبيل، فمعنى قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أسألك بحق حبيبك محمد إلّا بدّلت»، أي سؤالي إيّاك بحقّ محمّد متحقّق في جميع الأحوال إلّا حالة تبديلك سيئاتي حسنات. والحاصل ما كففت عن السؤال إلا بعد الإنجاح وما أترك الطلب إلا بعد الوصول إلى المطلب.

الثاني: أن يكون (ألا) بفتح الهمزة؛ حرف التحضيض، وهو إن كان في الماضي للتوبيخ واللوم على ترك الفعل وفي المضارع الحضّ على الفعل والطلب له، لكنّ الماضي فيما نحن فيه بمعنى المضارع، وأتي به ماضياً لقصد المبالغة في طلبه حتى كأنّ المخاطب فعل المطلوب والمعنى: أسألك بحقه أن تبدل سيئاتي حسنات ألبتة.

وقال الكفعميّ: «يحتمل أن تكون (لما ) مخفّفة من لام التأكيد، و (ما) الزائدة للتاكيد، واللام جواب القسم، والتقدير لغفرت لي الكثير» (2)، وهو بعيد.

وفي بيان الحديث الثامن

وهو قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : « لا يُلْسَع المؤمن من جُحر مرتين».

إنّ الجحر - بضم الجيم وسكون الحاء المهملة - ثقب الحية، ونحوها من الحشرات والهوام. وهو هنا استعارة، والحديث يروى على وجهين _ كما قيل- :

الأوّل: على الخبر، والمعنى: إنّ المؤمن الممدوح هو المتيقّظ الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة، فيخدع مرّة بعد أخرى، ولا يفطن هو به، ويقال: إنّه الخدع (3) في أمر الآخرة دون الدنيا.

ص: 192


1- ينظر: الكشاف ١ : ٥٢١.
2- لم أعثر عليه.
3- في مجمع البحرين: «الخداع».

الثاني: على النهي، والمعنى: لا يخدعنّ المؤمن ولا يؤتينّ من ناحية الغفلة فيقع في مكروه مرّتين، ويقال : هذا يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة، والأصل في هذا الحديث (1) هو : أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مَنّ على بعض أهل مكّةَ وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلمّا بلغ مأمنه عاد على ما كان عليه، فأسر تارة أخرى فأمر بضرب عنقه، فكلّمه بعض الناس في المنّ، فقال: «لا يلسع المؤمن من جحر مرتين»، وهو نظير قول يعقوب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هَلْ آمَنْكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْل»(2).

ونظير قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ما خفق الشراع على رأس عاقل مرتين»(3)، والشراع ككتاب للسفينة ما يرفع من خام فوقها على خشبة تُصفّقه الريح فتمضي بالسفينة (4)،

ص: 193


1- في هامش (أ) : «قوله: «والأصل إلى آخره والذي قال للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ذلك هو أبو عزّة الشاعر، واسمه عمر، ووقع في الأسر يوم بدر ولم يكن معه مال، فقال يا رسول اللّه، إنّي ذو عيلة؛ فأطلقه لبناته الخمس، على أن لا يرجع للقتال. فرجع إلى مكّة ومسح عارضيه، وقال: خدعتُ محمّداً، ثمّ عاد عام أحد مع المشركين. فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «اللّهم لا تفلته». فلم يقع في الأسر غيره، فقال: يا محمد إنّي ذو عيلة فأطلقني. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». (منه) حياة الحيوان الكبرى 2 : 193. وفي هامش أخرى: «وعن أبي داود الطيالسيّ معنى قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : « لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين»، أنّ المؤمن لا يعاقب على ذنبه في الدنيا، ثمّ يعاقب عليه في الآخرة. ويؤيد هذا المعنى ما روي عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب اللّه تعالى؟ قالوا: بلى. قال: قوله تعالى: «وما أصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرِ» [سورة الشورى: ٣٠]. قال لي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): يا علي ما أصابك من بلاء، أو عقوبة أو مرض في الدنيا، فبما كسبت يداك. واللّه أكرم من أن يثنّي على عبده في الآخرة العقوبة، وما عفا اللّه عنه في الدنيا فاللّه أكرم وأحلم من أن يعود بالعقوبة بعد عفوه». [ولذلك] قال الواحديّ: إنّ هذه الآية فقد جعل ذنوب المؤمنين صنفين : صنف كفّره بالمصائب، وصنف عفا عنه، وهو تعالى كريم لا يعود في عفوه». (منه) حياة الحيوان الكبرى 2 : 193.
2- سورة يوسف : ٦٤.
3- لم نعثر على مصدره فيما بين أيدينا من الجوامع الحديثيّة.
4- ينظر: القاموس المحيط ٣: ٥٧، مجمع البحرين ٤: ٣٥٢ .

وهو بيان لخطر البحر وأهواله، يعني: أنّ العاقل لا يركب السفينة مرّتين، فأمّا المرّة الأولى فهو معذور فيها ؛ فإنّه لعدم سبق ركوبه غافل عن خطر البحر وتموّجه، غير عالم بما في جريان الرياح بما لا تشتهي السفن من الهلاك أو الإشراف عليه، فأمّا إذا كب مرّة ورأى ما رأى من الأهوال ؛ فإنّه لا يركب مرّة أخرى، ويحتمل أن يكون لفظ (مرّتين) من الراوي ومفعولاً مطلقاً لقوله: (قال)، أي قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هذا الكلام مرتين تاكيداً في التحذير عن ركوب البحر.

وما يقال: من أنّ الراكب معذور في المرّة الأولى؛ لعدم علمه بخطر البحر.

ففيه أنّ العلم بخطر البحر قد يحصل بالسماع من الراكب، فلا يكون معذوراً، فتدبّر

وفي بيان الحديث التاسع

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وعسى أن نقول ما خرج إليكم من علمنا إلّا ألف غير معطوفة».

إنّ مراتبهم العليّة، ومناصبهم الجليلة الجليّة أعلى من أن يصفها واصف أو يدركها مُطْرٍ، ففي (البصائر): «إنّ اللّه جعل قلوب الأئمة مورداً لإراداته، فإذا شاء اللّه شيئاً شاؤوا(1)، وهو قوله تعالى «﴿وَما تَشاؤُنَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللّه»(2). وعن الإمام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أنا عالم بضمائر قلوبكم، والأئمة من أولادي يعلمون» (3).

وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أوّلنا محمد، وآخرنا محمد، وأوسطنا محمّد، وكلّنا محمّد، فلا تفرّقوا

ص: 194


1- في بصائر الدرجات: «شاؤه».
2- سورة الإنسان: 30. بصائر الدرجات : ٥٣٧ / باب النوادر في الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وأعاجيبهم، ح٤٧.
3- ينظر : بحار الأنوار ٢٦ : ٦ / باب نادر في معرفتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) بالنورانيّة، وفيه جمل من فضائلهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ح 1.

بيننا، ونحن إذا شئنا شاء اللّه، وإذا كرهنا كره اللّه، الويل كلّ الويل لمن أنكر فضلنا و خصوصيتنا وما أعطانا اللّه ربّنا؛ لأنّ من أنكر شيئاً مما أعطانا اللّه فقد أنكر قدرة اللّه»(1).

وفي (الصافي)، عن (الكافي): «إنّ اللّه تعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيته، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوّض أمرها إليهم» الخبر. (2)

وعلوّ مرتبتهم في العلم متسالم عليه بين الفريقين، فعن البخاري : أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال الحسن بن عليّ حين أخذ تمرة من تمرات الصدقة ووضعها في فمه وهو صبيّ رضيع: «كخ كخ، أما علمت أن الصدقة حرام علينا؟»(3)، وقال أحمد بن حجر في شرحه (فتح الباري) - مجيباً عمّن سأل عن وجه قوله : «أما علمت أنّ الصدقة حرام علينا؟» مع أنّه طفل رضيع بدليل قوله : «كخ كخ» : «إنّ وجه ذلك أنهم ليسوا كغيرهم، إنّه في هذا السنّ يطالع اللوح المحفوظ ؛ لأنّ علومهم لدُنيّة موهوبيّة ليست كسبيّة حتى تتوقف على كسبه وبلوغه إلى السنّ الذي يمكن فيه الكسب». والأخبار في فضائلهم وعلومهم خارجة عن الاستقصاء.

وأما قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وعسى أن نقول ما خرج إليكم من علمنا إلّا ألفاً غير معطوفة» فلعل المراد نصفُ حرفٍ كنايةَ عن نهاية القلّة؛ فإنّ الألف بالخطّ الكوفي نصفه مستقیم و نصفه معطوف، هكذا -) -.

وقيل: أي: ألف ليس بعدها شيء من أعداد العشرات والمئات والألوف،

ص: 195


1- المصدر نفسه.
2- الكافي ١ : ٤٤١ / أبواب التاريخ باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفاته، ح٥. والتفسير الصافي ٣: ٢٤٦.
3- صحيح البخاري ٢: ١٣٥/ باب خرص التمر، بما نصّه: «کخ كخ، أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة». وصحيح البخاريّ ٤ : ٣٦/ باب دعاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى الإسلام والنبوّة، بما نصّه: «كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة».

والألف التي ليس بعدها شيء منها تكون واحداً، أي: ما خرج إليكم من مراتب علومنا التي تتجاوز الآحاد والعشرات والمئين والألوف إلى ما لا يتناهى إلّا مرتبة واحدة.

وقيل : أي : ألف ليس قبلها صفر، وهذا الوجه يؤوّل في المعنى إلى الوجه الثاني؛ فإنّ الألف التي ليس قبلها صفر واحد في العدد :أي: ما خرج إليكم من أبواب علومنا إلّا باب واحد - كما لا يخفى - (1).

وفي بيان الحديث العاشر

وهو قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «ولد الزناء (2) شر الثلاثة».

إنّ فيه وجهين مرويين:

أحدهما: المروي في (معاني الأخبار) بالإسناد إلى أبي بصير: قال: سألته عمّا روي عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال: «ولد الزناء شر الثلاثة» ما معناه؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «عنی به الأوسط أنّه شرِّ مَنْ تقدّمه ومن تلاه» (3).

ثانيهما: المروي في (علل الشرائع بالإسناد إلى الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: «يقول ولد الزناء: يا ربّ ما ذنبي ؟ فما كان لي في أمري،صنع، قال فيناديه منادٍ فيقول: أنت شرّ الثلاثة، أذنب والداك فتبت عليهما، وأنت رجس ولن يدخل الجنة إلّا طاهر؛ فإنّ اللّه خلق الجنّة طاهرة مطهرة فلا يدخلها إلا من طابت ولادته» الخبر (4)، فالمراد بالثلاثة : إمّا الخلفاء الثلاثة الملعونون، فيكون هذا الحديث قادحاً في الأوسط وصريحاً في أنّه ولد الزناء ومنزّهاً للمقدّم والتالي عن ذلك ولا سيّما المقدّم؛ فإنّ وقوعه في نسب أبي

ص: 196


1- ينظر : بحار الأنوار ٢٥: ٢٨٣.
2- في هامش (ب) «بالقصر والمدّ».
3- معاني الأخبار : ٤١٢ / باب معنى نوادر المعاني، ح 103.
4- علل الشرائع ٢ : ٥٦٤ / باب العلّة التي من أجلها يدعى الناس باسم أمّهاتهم يوم القيامة، ح2.

عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق - صلوات اللّه عليه _ قاض بطيب ولادته؛ لما روي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال: «نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكيّة»(1)، وفي الزيارة: «أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً في الأَصْلابِ السَّائِحَةِ وَالأَرحام المُطَهَّرَةِ» (2)، فوجب بهذا أن يكون آباء الأئمة وأجدادهم وأمّهاتهم كلهم منزهين عن السفاح (3)، واختلاط المياه، واشتباه الأنساب، ونكاح الشبهة، ونحو ذلك مما كانت العرب يعيب به بعضها بعضاً.

وإنّما قلنا إنّه واقع في نسبه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنّ أمه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر أيضاً، ومن هنا قال الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ولدني أبو بكر مرّتين» (4).

فإن قلت: إنّ المقدّم والتالي كانا مبغضين لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكل مبغض له (عَلَيهِ السَّلَامُ) فهو لزنية، أما الصغرى فغنيّة عن البيان، ويكفينا غصبهما الخلافة مؤونة البرهان، وأمّا

ص: 197


1- والظاهر أنه ورد من طرق العامّة فلاحظ : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧: ٦٣.
2- مصباح المتهجّد : 721.
3- في هامش (أ): روى الطبراني في الأوسط عن علي: أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: «خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمّي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء». [المعجم الأوسط ٥: ٨٠، الجامع الصغير ١ : ٦٠٢] وعن أنس، قال: قرأ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» [التوبة: 128] - بفتح الفاء-، وقال : «أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً، ليس في آبائي من لدن آدم سفاح»، رواه ابن مردويه. [ كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب (الخصائص الكبرى) ١: ٣٨] بل الحكم في أنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يشركه في ولادته عن أبويه أخ ولا أخت هي قصور نسبها عليه؛ ليكون مختصاً بنسب جعله اللّه للنبوّة غاية وللشرف نهاية».
4- قال في كشف الغمّة 2 : 378. نقل عليّ بن عيسى الأربليّ (ت ٦٩٣ ه_) عن الحافظ عبد العزيز ابن الأخضر الجنابذيّ (ت ٦١١ ه_). والظاهر أنّه ورد من طرق أهل السنّة فلاحظ : بحار الأنوار 29: ٦٥١. وللأعلام - رحمهم اللّه - كلام في النقض والإبرام على هذه الرواية، كما لا يخفى على المتتبع كلماتهم في هذا المضمار.

الكبرى فيدلّ عليها ما رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «بوروا أولادكم بحبّ عليّ بن أبي طالب، فمن أحبّه فاعلموا أنّه لرشدة، ومن أبغضه فاعلموا أنّه لغيّة» (1). وفي (القاموس): «ولدُ غَيّة، ويُكسر : زَنيَّة»(2).

قلت: إنّ بغضه لا يقضي بكون المبغض لزنيّة، بل هو کاشف عن أحد أمور الثلاثة :

أحدها: ذلك _ كما نطق به الأخبار _ ففي (علل الشرائع) بالإسناد إلى أم سلمة قالت: سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لعليّ : «لا يبغضك إلّا ثلاثة : ولد زناء، ومنافق، ومن حملت به أمه وهي حائض»(3)، وفيه بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاريّ أنّه قال: «اعرضوا حبّ عليّ على أولادكم(4)، فمن أحبّه فهو منكم، ومن لا يحبّه فاسألوا أمّه من أين جاءت به؟ فإنّي سمعت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول لعليّ: «لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق، أو ولد زنيّة، أو حملته أمه وهي طامث»(5).

وجملة القول : إنّ وقوع المقدم في نسب الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) القاض بطيب ولادته، وأنّه لرشدة، فليكن بغضه لنفاقه جمعاً بين الأمرين - كما لا يخفى-،

ص: 198


1- الإرشاد ١ : ٤٥ / باب فيما جاءت به الأخبار في أن ولايته (عَلَيهِ السَّلَامُ) على طيب المولد وعداوته على خبثه.
2- القاموس المحيط ٤: ٤٢٢.
3- علل الشرائع 1: ١٤2 / باب 120 في أنّ علّة محبة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) طيب الولادة وأنّ علّة بعضهم خبث الولادة، ح ٦.
4- في هامش (ب): «في كتاب (الكنز المدفون والفلك المشحون) [ص: ٢٣٦] للسيوطي: سُئلت عائشة عن علي بن أبي طالب فأنشدت: إذا ما التبرُ حُلّ على محك***تبيّن غِشُّه من غير ش____َ___كّ وبانَ الزيف والذهبُ المصفّى***علي بيننا شبه المِحَكَّ».
5- علل الشرائع 1 : ١٤٥ / باب في أنّ علّة محبّة أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) طيب بل الولادة وأنّ علّة بغضهم خبث الولادة، ح 12.

أو يراد بالثلاثة : الزاني والزانية وولدهما المخلوق من مائها(1)، ويكون معنى كون الولد شرّاً منهما ما أشار إليه المنادي؛ من أنّ الأبوين أذنبا وتابا فكانا كمن لا ذنب له، وبقي الولد على الخبث الذاتي الذي هو تأثير النطفة الحاصلة عن الوطئ المحرّم، فتدبّر.

وفي بيان الحديث الحادي عشر

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ويلٌ لمن غلبت آحاده عشراته».

إنّه إشارة إلى قوله تعالى: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجزى إِلَّا مِثْلَها»(2)، فالحسنة الواحدة إذا عملها العامل كتبت له عشراً، والسيئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة، فنعوذ باللّه ممن يرتكب في يوم واحد عشر سيئات ولا تكون له حسنة واحدة فتغلب سيئاته حسناته.

لطيفة

أهدى إليّ قدماً بعض الأمراء ضروباً من الأكسية النفيسة والثياب الفاخرة فبعثت إليه منديلاً من الكتان، وكتبت إليه كتاباً فيه هذان البيتان:

فمن ج____اء ب_الح__س__ن__ات له***على شرعنا عَشْرُ أمثالها

وقد أوجب الدهر تصحيفه***وقال: له عُشر أمثالها

ص: 199


1- في هامش (ب): «في الحديث: «ولد الزناء شرّ الثلاثة». قيل : هو عامّ في كلّ من ولد من الزناء، وأنّه شرّ من والديه أصلاً ونسباً وولادةً، ولأنّه خلق من ماء الزاني والزانية فهو ماء خبيث. وقيل: لأنّ الحد يقام عليهما فيكون تمحيصاً لهما، وهذا لا يدرى ما يفعل به. مجمع البحرين [ج 3، ص: ٣٤٥].
2- سورة الأنعام: ١٦0.

وفي بيان الحديث الثاني عشر

وهو قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ادع ولو بشقّ الصفا».

إن فيه وجهين:

الأوّل: ما ذكره الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهو إنّ «الصفا ما يخرج مع الولد»(1)، أي: لو دعوت اللّه تعالى أن يجعله غلاماً ولو عند الولادة وحين شقّ المشيمة لخروج الجنين لاستجاب دعاك إن شاء.

الثاني: أن يراد بالصفا الصخرة، أي: لو دعوت اللّه تعالى أن يشق الصخرة لشقّها إن شاء، فكيف يقلب الأنثى ذكراً.

ولولا الوجه الأوّل مرويّاً لكان الثاني متعيّناً.

ص: 200


1- معاني الأخبار : ٤٠٥ / باب معنى نوادر المعاني، ح 79.

[ المسألة السادسة عشرة: بيان الحديث المروي في إسلام أبي طالب بحساب الجمل]

قال: «المسألة السادسة عشرة: ما معنى الخبر المروي في كتاب (معاني الأخبار) لابن بابويه القمي بالإسناد إلى المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أسلم أبو طالب بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثاً وستّين»، ثمّ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فأتاهم اللّه أجورهم مرّتين» (1). أقول: لا ينحلّ هذا الخبر ونحوه إلّا بعد العلم بقواعد حساب العقود، وهو حساب معروف، وكان متداولاً بين القدماء في مقام إسرار الأسرار، وقد ورد عليه كثير من الأخبار والأشعار (2)، فمن الأشعار ما أورده الصدوق في كتاب (التوحيد) في تفسير البدع، قال: «البدع: الشيء الذي يكون أوّلاً في كلّ أمر، ومنه قوله - عزّ

ص: 201


1- معاني الأخبار : 285 / باب معنى إسلام أبي طالب بحساب الجمل، ح 1.
2- في هامش (ب): «ومن الأشعار قول ابن المعتزّ: مضى خالد والمال تسعون درهماً***وآب ورأس المال ثلث الدراهم وقد سألني عنه بعض الأذكياء ممّن تحدّ أذهانهم الذكيّة ذكاءً، فقلت: إن هذا البيت لم يظهر معناه لمن حام حول حماه ومفناه، ومن أجال فيه الفكرة ضيّعت استه الحفرة، إلّا أحاط من الأفاضل خبراً بعلم عقود الأنامل؛ فإنّه في غلام فعل به جماعة ما لا يقال، وجعلوا خاتمه بمطارقهم كخلخال؛ فإنّ في التسعين تجعل السبّابة حلقة غير مجوفة، وفي ثلثها وهو الثلاثون تجعل رأس السبابة على رأس الإبهام فتحدث حلقة مجوفة من غير خفاء وإبهام، فأشار ابن المعتزّ إلى أنّ هذا الغلام ذهب ضيّق الخاتم وآب وقد وسّعه؛ لأنه فعل به جماعة أقبح فعل وأشنعه». (منه عفي عنه) ؛ ينظر: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ١ : ٦٠٥ القسم الرابع.

وجلّ - : «ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُل»(1)، والبدعة : اسم ما ابتدع من الدين وغيره (2)، وقال الشاعر في هذا المعنى:

وكفاك لم تُخلَقا للنَدى***ولم يك بخلهما بدعة

فكفّ عن الخير مقبوضةٌ***كما حُطَّ عن مئة سبعة

وأخرى ثلاثة آلافها***وتسع مئيها لها شرع______ة»(3)

وحاصل الأبيات أنّه يهجو رجلاً بأنّ كفّيه مقبوضتان عن العطاء فكفّ - أي : اليمنى - مقبوضة بجميع أصابعها، وقبض جميع الأصابع من اليد اليمنى في العقود علامة لثلاثة وتسعين؛ فإنّ للثلاثة يثنى الخنصر والبنصر والوسطى من اليد اليمنى - كما هو المعهود بين الناس في عدّ الواحد إلى الثلاثة - لكن لا بُدَّ في ذلك من وضع روؤس الأنامل قريبة من أصولها، وللتسعين يوضع رأس ظفر سبّابة اليد اليمنى على مفصل العقدة الثانية من الإبهام، قال في (لوح الضبط):

وشبّهوا التسعين في انعقاده***بلفّة الحيّة في رق_اده__ا

والفرق بين عقدها والعشرة***بأنّها مضمومة منحصرة (4)

ولثلاثة آلاف يعقد الخنصر والبنصر والوسطى من اليد اليسرى _ كما كان عقدها من اليمنى علامة للثلاثة -، وللتسعمائة يوضع ظفر السبّابة من اليد اليسرى على مفصل العقدة الثانية من إبهامها - كما كان يصنع في اليد اليمنى-، فقوله: «وأخرى» إشارة إلى كفّه اليسرى، فعبّر بهذه العقود عن كون أصابع كفّيه مقبوضة،

ص: 202


1- سورة الأحقاف: 9.
2- ينظر : كتاب العين ٢ : ٥٤.
3- الأبيات للخليل بن أحمد الفراهيديّ. كتاب العين ١: ٢٥٣، التوحيد: ١٩٩/ بيانه في تفسير أسماء اللّه تعالى.
4- البيتان لعليّ بن عبد العزيز المغربي، ينظر : لوح الضبط في حساب القبط : ٣، ملوك الكلام: ٣٤٨.

وعبّر بقبض أصابع الكفّين عن اتّصافه بغاية البخل، وقوله: «لها شرعة» أي طريقة وعادة، ومنها قول الفردوسي في كفّ السلطان محمود:

کف شاه محمود والا تبار***نه اندر نه آمد سه اندر چهار

وحاصل ضرب التسعة في التسعة واحد وثمانون، ومحصول ضرب الثلاثة في الأربعة اثنا عشر، والمجموع ثلاث وتسعون. والمقصود أنّ كفّه مقبوضة عن العطاء (1).

ومن الأخبار ما رواه في (الكافي) بصحيح الإسناد، عن خلف بن حمّاد، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بمنى، وقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية معصراً لم تطمث، فلمّا افتضها سال الدم نحواً من عشرة أيّام، ولم يعلم أنّه دم الحيض أو دم العذرة، فكيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ؟ قال : «فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط»(2)، ثمّ نهد إلي فقال: «يا خلف، سر اللّه لا تذيعوه، ولا تعلّموا هذا الخلق أصول دين اللّه، بل ارضوا لهم بما رضي اللّه لهم من ضلال»، ثم عقد بيده اليسرى تسعين، ثمّ قال: «تدخل القطنة، ثمّ تدعها مليّاً، ثم تخرجها إخراجاً رفقاً، فإن كان الدم مُطوَّقاً في القطنة فهو من العذرة، وإن كان مستنقعاً فيها فهو من الحيض»(3).

ص: 203


1- في هامش (أ): ومنها قول ابن المعتز في غلام فعل به جماعة: مضى خالد والمال تسعون در هماً***و آب ورأس المال ثلث الدراهم يشير إلى عقد التسعين والثلاثين باليد، أي لمّا مضى كان استه في الضيق كعقد التسعين، ولمّا رجع كان في السعة؛ لكثرة ما فعل... كعقد الثلاثين الذي قال فيه في (لوح الضبط) [ ص ٢]: واضممهما عند الثلاثين تُرى***كقابض الأبرة من فوق الثرى وللآخر في معناه: ما أعرف الناس بصوغ الخنا***صيغ من الخاتم خل_______خ_ال».
2- في الكافي زيادة: «مخافة أن يسمع كلامه أحد».
3- الكافي ٣: ٩٣ – ٩٤/ باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحة، ح 1، باختلاف كثير.

أراد بقوله : «عقد بيده اليسرى تسعين» أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وضع رأس ظفر مسبحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامه، وكأنه كناية عن حفظ السرّ حفظاً محكماً _ كإحكام القابض _ على تسعين؛ فإنّ فيه لفّ السبّابة ووضع الإبهام بحيث لا يبقى بينهما إلّا خلل يسير كلفّة الحيّة في رقادها. والقرينة على أنّه كناية عن حفظ السرّ وصونه عن الإذاعة قوله : «ثمّ نهد إلي فقال : يا خلف، سر اللّه لا تذيعوه»، ويحتمل أن يكون عقد تسعين بياناً لكيفية إدخال القطنة، وقرينة اليسرى تدلّ عليه، وعن البهائي _ زاد اللّه بهاءه - : «إنّما أثر العقد باليسرى مع أنّ العقد باليمنى أخف وأسهل تنبيهاً على أنّه ينبغي لتلك الامرأة إدخال القطنة بيسراها صوناً لليد اليمنى عن مزاولة هذه الأمور، كما كره الاستنجاء بها. وفيه أيضاً دلالة على أنّ إدخالها يكون بالإبهام صوناً للمسبحة عن ذلك»(1).

ثمّ هذا العقد الذي ذكره الراوي إنّما هو عقد تسع مئة، لا عقد تسعين؛ فإنّ عقد العشرات في اليمين، قال في (لوح الضبط):

والعشرات يا أخا النجابة***خصّوا بها الإبهام والسبّابة

وتلك أيضاً منك في اليم_______ينِ***فكن من الضبط على يقينِ (2)

فلعّل الراوي وهم في التعبير وأراد أن يقول : «تسعمائة» فقال: «تسعين»، أو أنّه كان واقفاً، أو جالساً بإزاء الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان يساره محاذياً ليمين الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) فعقد الإمام بيمينه فتوهّم الراوي نظراً إلى نفسه أنه بيساره، أو أنّ ما ذكره اصطلاح آخر في العقود غير معهود فتأمل.

ومن الأخبار ما رواه (3) مسلم في صحيحه من «أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وضع في التشهد

ص: 204


1- الوافي ٦ : ٤٤٨.
2- البيتان لعليّ بن عبد العزيز المغربيّ، ينظر : لوح الضبط في حساب القبط : ٢، ملوك الكلام: ٣٤٧.
3- في هامش (أ) ومن الأخبار ما رواه في (الفقيه)، في باب المتعة من أبواب كتاب النكاح، عن موسى بن بكر، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : عدّة المتعة خمس وأربعون يوماً، كأنّي أنظر إلى أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يعقد بيده خمسة وأربعين يوماً». من لا يحضره الفقيه ٣: ٤٦٤، ح: ٤٦٠٥.

يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين»(1)، وقال شرّاح ذلك الكتاب: «إنّ هذا غير منطبق على ما اصطلح عليه أهل الحساب، وإنّ الموافق لذلك الاصطلاح أن يقال: تسعة وخمسين» (2).

توضيح ذلك: إنّ المصلّي يستحب له عندنا أن يضع يديه حالة الجلوس للتشهّد على فخذيه، مبسوطة الأصابع، مضمومة بحذاء عيني ركبتيه؛ لأنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى كذلك، وقال أهل السنّة ووافقهم ابن الجنيد يثنى الخنصر والبنصر والوسطى ويضع الإبهام عليها، وينصب السبّابة يشير بها إلى تعظيم اللّه تعالى. والخبر المزبور المروي في الصحيح المذكور شاهدٌ لما زعموه، وإنّما كان عقد ثلاث وخمسين غير منطبق على اصطلاح أهل حساب العقود، وكان عقد تسعة وخمسين موافقاً له؛ فإنّ السبّابة تجعل منتصبة للخمسين، ويوضع الإبهام على الكفّ محاذياً لها، وأما للثلاثة وللتسعة فتثنى الخنصر والبنصر والوسطى، لكن لا بد في عقد الثلاثة من وضع رؤوس أنامل الأصابع الثلاث قريبة من أصولها، ولا بدّ في عقد التسعة من بسط الأصابع الثلاث على الكفّ مائلة أناملها إلى جهة الرسغ؛ لئلا يلتبس بعقد الثلاثة، وفي التشهد تبسط الأصابع الثلاث على الكفّ مائلة أناملها إلى الرسغ، وهذه الهيئة إنّما لعقد تسعة لا ثلاثة - كما لا يخفى -.

ومنها : خبر إسلام أبي طالب المروي في عدّة من كتب أصحابنا الأخيار، وفيه

ص: 205


1- صحیح مسلم ٢: ٩٠/ باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين، بما نصه: «إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يديه اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبّابة».
2- ينظر : بحار الأنوار 78: 101، مرآة العقول ١٣ : ٢٣٤.

وجوه:

الأوّل: ما رواه الصدوق في كتاب (معاني (الأخبار) عن أبي الفرج محمّد بن المظفّر بن نفيس المصريّ الفقيه : «قال حدثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد الداوديّ، عن أبيه، قال: كنت عند أبي القاسم الحسين بن روح - قدس اللّه روحه _ فسأله رجل: ما معنى قول العبّاس للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): و إنّ عملك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل وعقد بیده ثلاثاً وستّين؟ فقال: «عنى بذلك إله أحد جواد»، أي عبّر في كلمة التوحيد بهذه الكلمات الثلاث، وتفسير ذلك: إنّ الألف واحد، واللام ثلاثون، والهاء خمسة، والألف واحد، والحاء ثمانية، والدال أربعة، والجيم ثلاثة، والواو ستّة، والألف واحد، والدال أربعة، فذلك ثلاث وستون» (1).

أقول: وكان عدم ذكر الألف في الحساب لعدم رسمه في الخطّ؛ فإنّ ما يكتب يحسب، ونظيره كثير، كما روي عن ابن عبّاس: «إنّ (ألر) و(حم) و(ن) مجموعها الرحمن» (2)، مع وجود الألف في لفظ (الرحمن) وعدمها في الفواتح المذكورة إلّا أنّها غير مرسومة في الخطّ. واعترض بعض أفاضل القدماء على هذا الوجه بعد حكمه بالبعد بأنّ قوله : «بيده» لا فائدة له حينئذٍ سواء كان الضمير للعبّاس أو لأبي طالب.

أقول : ولعلّ وجه البعد أنّ الكلمات الثلاث التي هي «إله أحد جواد» لا تدل على الإسلام الذي هو عبارة عن الشهادة بالرسالة بعد الشهادة بأن «لا إله إلّا اللّه». أمّا عدم الدلالة على الشهادة بالرسالة فظاهر. وأمّا عدم الدلالة على التوحيد فلأنّ لفظ (إله) يطلق على المعبود بالحق والمعبود بالباطل، فقوله: «إله أحد جواد» لا يدلّ على وحدانية المعبود بالحقّ؛ لصدقه على كبير الأصنام؛ فإنّه (إله) ومعبود للمشركين، و(جواد) بزعمهم، و(أحد) بمعنى لا صنم أكبر منه، اللّهمّ إلّا أن يراد ب_(الأحد) أن

ص: 206


1- معاني الأخبار : 28٦ / باب معنى إسلام أبي طالب بحساب الجمل، ح 2.
2- تفسير البيضاويّ ١ : ٩٠.

لا يكون مبعضاً ولا مجزءاً ولا مركباً، كما فستر به قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ»(1)، فيختصّ حينئذ باللّه - عزّ وجلّ _ كما لا يخفى، ومع ذلك كلّه فالاعتراض على مقالة السفراء وإن كانت بعيدة عن أفهام الأزكياء، ليس من طريقة الأتقياء؛ فإنّهم كانوا تلو رتبة العصمة ومعادن العلم والحكمة، وكثيراً ما كانوا يقولون: لا نقول شيئاً برأينا، ولا نروي ولا نبدي إلّا ما سمعناه من ولي الأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ) على أنّ اعتراضه مبنيّ على عدم فهم المراد ؛ إذ المقصود أنّ أبا طالب أظهر إسلامه للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو لغيره بحساب العقود المتداول في سابق الأعصار، بين أهل الأمصار، في مقام إسرار الأسرار، بأن عقد أوّلاً بيده واحداً وأظهر به الألف، ثمّ عقد ثلاثين بيده وأظهر به اللام، ثمّ عقد بيده خمسة وأظهر به الهاء، وهكذا؛ وبذلك يظهر فائدة ذكر حساب الجمل _ وهو حساب أبجد -؛ إذ دلالة الأعداد المبينة بالعقود على الحروف إنّما هو بحساب الجمل، وأمّا احتمال أن يكون الضمير في هذا الخبر المروي عن أبي الفرج المصريّ للعباس _ ويكون هو العاقد حين أخبر النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بذلك - فبعيد مع عدم انطباقه على الخبر الأوّل المروي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ثم اعلم أنّ في خبر أبي الفرج المصري دلالة على أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لم يسمع كلمة الإسلام من أبي طالب وإنّما أخبره العبّاس بإسلامه وفي (الصافي) في تفسير قوله تعالى في سورة القصص : «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدين»(2)، ما يشعر بذلك، قال القمّيّ: «إنها نزلت في أبي طالب، كان رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يقول : يا عمّ قل: «لا إله إلّا اللّه» أنفعك القيامة، فيقول يا ابن أخي، أنا أعلم بنفسي، فلمّا مات شهد العبّاس بن عبد المطلّب عند رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه تكلّم بها عند الموت، فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أما أنا فلم أسمعها منه وأرجو أن

ص: 207


1- سورة الإخلاص: ١.
2- سورة القصص : ٥٦.

أنفعه يوم القيامة» (1)، لكن في الأخبار الأخر صراحة في أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) سمع منه كلمة الإسلام، وستسمعها عن قريب.

الثاني: أن يكون المراد بقوله : «وعقد بيده ثلاثاً وستين» أنّه أشار بإصبعه السبّابة إلى قول: «لا إله إلّا اللّه»، «محمّد رسول اللّه»، أو قالها مشيراً كذلك. وإنّما قلنا ذلك فإنّ عقد الثلاث والستين عبارة عن ضمّ الخنصر والبنصر والوسطى وجعل رؤوس أناملها على أصولها وإرسال السبّابة وجعل باطنها على ظهر الإبهام، وهذه عادة الناس في التشهد والتسبيح يضمّون ما عدا السبّابة من الأصابع ويرسلون السبّابة ويشيرون بها عند التسبيح والتشهد، ولهذا يقال لها : المسبّحة، بل يقال لها: السبّابة أيضاً؛ لأنّه يشار بها عند السبّ، فيكون المراد بحساب الجمل حساب العقود.

والمعنى: إنّ أبا طالب أسلم متلبّساً بحساب العقود، أي: أسلم عاقداً أصابعه الأربع مرسلاً سبّابته عند قول الشهادتين، ويؤيد هذا الوجه ما رواه ابن شهر آشوب في كتاب (المناقب) في خبر طويل نقلنا منه موضع الحاجة، وهو: أنه لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول اللّه وبكى وقال: «يا محمد، إني أخرج من الدنيا وما لي غمّ إلّا غمك» إلى أن قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «يا عمّ، إنك تخاف علي أذى أعادي ولا تخاف على نفسك عذاب ربّي» فضحك أبو طالب وقال : يا محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

دعوتني وزعمت أنك ناصحي***ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا (2)

وعقد على ثلاث وستين، عقد الخنصر والبنصر وعقد الإبهام على الوسطى، وأشار بإصبعه المسبّحة يقول: «لا إله إلّا اللّه»، «محمد رسول اللّه» (3)، وهذا الوجه وإن

ص: 208


1- التفسير الصافي ٤ : ٩٥. وتفسير القمّيّ ٢ : ١٤٢.
2- البيت لعمّ النبي أبي طالب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). ديوانه : 91.
3- لم نعثر عليه في مظانّه، ولكنّه يرويه قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح ٣: ١٠٧٥/ الباب العشرون، ح 11.

كان مؤيّداً بهذا الخبر إلّا أنّه لم يعهد إطلاق الجمل على حساب العقود.

الثالث: إنّ أبا طالب أو أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمر بالإخفاء اتّقاءً، فأشار بحساب العقود إلى كلمة (سبّح) ؛ فإنّ السين ستّون، والجيم ثلاثة، وهي من التسبيحة، وهي التغطية، أي غطّ واستر هذا؛ فإنّه من الأسرار، وهذا منقول عن البهائي - زاد اللّه بهاءه- (1).

الرابع: إنّه أشار بذلك إلى أنه أسلم بثلاث وستين لغةً، يؤيّده ما رواه الكلينيّ، عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : وقد سُئِل : إنّ أبا طالب أسلم بحساب الجمل؟ قال: «بكلّ لسان»(2)، أي لا شك في إسلامه ولم يختص إسلامه بلسان دون لسان، بل أسلم بكلّ لسان.

وفي حديث سفيان الثوريّ بسنده إلى أبي ذرّ الغفاريّ، قال : واللّه الذي لا إله إلّا هو ما مات أبو طالب حتى آمن بلسان الحبشة، قال لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا محمّد، أتفقه لسان الحبشة؟ قال: يا عمّ إنّ اللّه علّمني جميع الكلام، قال: «يا محمد، اسدن لمصافا طالاها»، يعني أشهد مخلصاً لا إله إلّا اللّه، الحديث (3).

الخامس: إنّ أبا طالب علم نبوّة نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قبل بعثته بالجفر، فالمراد أنه أسلم بسبب حساب مفردات الحروف بحساب الجمل، ويؤيّد هذا ما روي من أنه لم يعبد صنماً قطّ(4).

ص: 209


1- لاحظ : الخرائج و الجرائح :3 1075/ الباب العشرون.
2- الكافي ١: ٤٤٩ / أبواب التاريخ باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووفاته، ح 32.
3- ينظر : مجمع البحرين ٥: ٣٤٤، بحار الأنوار 3٥: 78/ في أنّ أبا طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) آمن بحساب الجمل، ح 18. وذكره الملّا صالح المازندرانيّ في شرحه على الكافي بهذه الكيفية: «أسدن لمصاقا فاطالاها»، شرح أصول الكافي 7 : 187 / باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم، ذيل شرح ح 138.
4- إنّ أخبارنا قد وردت بإيمان أبي طالب، وأنّه لم يشرك قطّ، بل كان على دين عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وحين بعث محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) آمن به و صدّقه، بل استفاضت الأخبار بأنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عالم بنبوّته قبل بعثته، مصدّق برسالته قبل ولادته. وممّا يشهد بذلك ما رواه ثقة الإسلام في كتاب الكافي، عن عبد اللّه بن مسکان، قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): وإن فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب تبشره بمولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال أبو طالب: اصبري سبتاً أبشرك بمثله إلّا النبوّة. وقال: السبت ثلاثون سنة. الخبر. الكافي ١ : ٤٥٢ / باب مولد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ح 1. وما رواه - عطّر اللّه مرقده - في الكتاب المذكور، عن المفضّل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : لمّا ولد رسول اللّه فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشامّ، فجاءت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة، فأعلمته ما قالت آمنة، فقال لها أبو طالب تتعجبين من هذا، إنّك تحبلين وتلدين بوصيه ووزيره الكافي ١: ٤٥٤/ باب مولد أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ح.

السادس: إنّه أشار بذلك إلى عمر أبي طالب حين أظهر الإسلام.

السابع: أن يكون قوله: «وعقد بيده ثلاثاً وستين» إشارة إلى لفظتي (لا) و(إلّا) في كلمة التوحيد ؛ فإنّهما العمدة في نفي الشركة وإثبات الوحدانيّة، وجملها ثلاث وستون، فأشار بعقد ثلاث وستين إلى (لا) و (إلّا) من حيث العدد.

الثامن: أن يكون قوله : «أسلم» بمعنى أقرّ بالشهادتين، وقوله: «عقد بيده» إلى آخره إشارة إلى الإحكام والمعنى: قال أبو طالب لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه متلبّساً بحساب الجمل مشيراً بذلك إلى إحكام إسلامه، أي: أسلم إسلاماً محكماً هيئة من عقد بيده ثلاثاً وستين، فتدبّر.

وقد أشبعنا القول في توجيه هذا الحديث وشرح حساب العقود في كتابنا الموسوم ب_ (ملوك الكلام) (1)، ونقلنا المنظومة الموسومة ب_ ( لوح الضبط) (2) المحتوية على قواعد الحساب المزبور لعلي بن عبد العزيز المغربيّ، ومن أراد فليراجع، وللطريحي في (مجمع

ص: 210


1- ملوك الكلام: ٣٤٢.
2- ملوك الكلام: ٣٤٥ - ٣٥٠.

البحرين) (1) كلام غير معقول طرحناه؛ لعدم انطباقه على أصل من الأصول (2).

تتمّة مهّمة

مذهب الشيعة وأكثر الزيديّة وشيوخ المعتزلة، كأبي القاسم البلخيّ وأبي جعفر الإسكافيّ: أنّ أبا طالب ما مات إلّا مسلماً (3)، وزعم بعض العامة العمياء أنّه مات على دين قومه، ويروون في ذلك حديثاً عن رجل واحد، وهو المغيرة بن شبعة، عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال: «إنّ اللّه وعدني بتخفيف عذابه؛ لما صنع في حقي وأنه في ضحضاح من نار» (4)، وبغض المغيرة لبني هاشم ولا سيما لعليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مشهور معلوم، وقصته شائعة، وفسقه غير خاف.

وقد تكاثرت الأخبار عن الأئمة الأطهار وغيرهم، بل تواترت في إسلامه:

فعن أبان بن أبي محمود أنّه كتب إلى عليّ بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): جعلت فداك إنّي قد شككتُ في إسلام أبي طالب فكتب إليه «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ » الآية (5)، وبعدها: «إنّك إن لم تقرّ بإسلام أبي طالب كان مصيرك إلى النار» (6).

ص: 211


1- مجمع البحرين ٥: ٣٤٤.
2- وإنّ العلّامة المجلسيّ (رَحمهُ اللّه) نظم فوائد في سلك التقرير وسمط التحرير في هذا المظانّ لا ينبغي عدم العناية بها، فمن أراد مزيد التحقيق في المسألة فليراجع: بحار الأنوار ٣٥: ٧٩/ في أن أبا طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) من بحساب الجمل، وفيه بحث وتحقيق وبيان ذيل ح 19. وصهره الفاضل. المازندراني (رَحمهُ اللّه) في شرح أصول الكافي ٧: ١٨٤/ باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم، ذیل شرح ح 138.
3- شرح نهج البلاغة ( لابن أبي الحديد) ١٤ : ٦٦.
4- ينظر: صحيح البخاري ٤: ٢٤٧/ باب قصّة أبي طالب. وشرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ١٤: ٦٦.
5- سورة النساء: ١١٦.
6- ينظر : كنز الفوائد: 80، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : ٤٤٩ / باب إيمان ابي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وروي عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه سأل عمّا يقوله الناس: إنّ أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: «لو وضع إيمان أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كفّة ميزان، وإيمان هذا الخلق في الكفّة الأخرى لرجح إيمانه»، ثمّ قال: «أ لم تعلموا أنّ أمير المؤمنين علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان يأمر أن يحجّ عن عبد اللّه وابنه وأبي طالب في حياته، ثمّ أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم»(1).

وفي (بشارة المصطفى) بالإسناد إلى أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنّ رجلاً قال له : يا أمير المؤمنين إنّك بالمكان الذي أنزلك اللّه وأبوك يعذّب بالنار ؟ فقال له: «مه، فضّ اللّه فاك، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه اللّه تعالى فيهم، لأبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار»، ثمّ قال: «والذي بعث محمّداً بالحقِّ إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلّا نور محمد وأهل بيته؛ لأنّ نوره من نورنا الذي خلقه اللّه تعالى من قبل خلق آدم بألفي عام» (2).

وروي أنّ علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) : سئل عن هذا فقال: «واعجباً، إنّ اللّه نهىرسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات »(3).

وفي (الكافي): عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ مثل أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين»(4).

وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: نزل جبرئيل على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال: «يا محمد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول : إنّي قد حرّمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك»،

ص: 212


1- شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد ١٤ : ٦٨/ في بيان اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب.
2- بشارة المصطفى : 311/ باب فضائل أبي طالب وإنّ نوره ليطفئ أنوار الخلق إلّا نور أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ).
3- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : ٥٠/ الباب الأوّل في بني هاشم وساداتهم من الصحابة العليّة أبو طالب بن عبد المطّلب بن هاشم وإيمانه بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وشيء من شعره.
4- الكافي ١ : ٤٤٨ / أبواب التاريخ باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وفاته، ح 28.

فالصلب صلب أبيه عبد اللّه، والبطن بطن أمه آمنة بنت وهب، والحجر حجر أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)» (1).

وعن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أنّه قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة»(2)، وإنّما عنى أبا طالب.

وعن أبي رافع مولى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال: سمعت أبا طالب يقول بمكّة: «حدّثني محمد ابن أخي أنّ ربّه بعثه بصلة الرحم، وأن يعبده وحده ولا يعبد معه غيره، ومحمّد عندي الصادق الأمين» (3).

وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العبّاس بن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر ابن أبي قحافة: «إنّ أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه» (4)، وقد اشتهر أنّ أبا طالب قال عند الموت كلاماً خفيّاً فأصغى إليه أخوه العبّاس، ثمّ رفع رأسه إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فقال : «يا ابن أخي واللّه لقد قالها عمّك ولكنّه ضعيف عن أن يبلغك صوته»(5)، إلى غير ذلك من الأخبار المروية والآثار المحكيّة.

ثم إن حبّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأبي طالب معلوم مشهور، ولو كان كافراً ما جاز له حبّه؛ لقوله تعالى: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ باللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه

ص: 213


1- الكافي ١ : ٤٤٦ / أبواب التاريخ باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووفاته، ح ٢١. مع اختلاف يسير.
2- مستدرك الوسائل ٢ : ٤٧٤ / باب استحباب مسح رأس اليتيم ترحماً له وملاطفته وإسكاته إذا بكي. وصحيح البخاريّ ٧: ٧٦/ كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيماً. مع اختلاف يسير.
3- كنز الفوائد : 81، وبحار الأنوار ٣٥: ١١٦/ باب في إيمان أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن ومن شكّ في ايمانه كان مصيره إلى النار، ح ٥٥.
4- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : ٤٩/ الباب الأوّل في بني هاشم وساداتهم من الصحابة العليّة أبو طالب بن عبد المطّلب بن هاشم وإيمانه بالنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وشيء من شعره
5- المصدر السابق نفسه.

وَرَسُولَه» (1)، وقد اشتهر واستفاض الحديث، وهو قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعقيل: «أنا أحبّك حبّين: حبّاً لك، وحبّاً لحبّ أبي طالب لك؛ فإنّه كان يحبّك»(2)، وخطبة النكاح التي خطبها أبو طالب مشهورة، وقد قال فيها: «إنّ محمّد بن عبد اللّه له في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليّ، وله واللّه بعدُ؛ نبأ شائع وخطب جليل»، الخطبة. أ فتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل، ثمّ يعانده ويتركه ويكذّبه وهو من أولي الألباب ! هذا غير سائغ في العقول» (3)، ثمّ إنّ في أشعاره المتضافرة دلالة واضحة على إسلامه، ومن المعلوم عدم الفرق بين الكلام المنظوم والمنثور إذا تضمّنا إقراراً بالإسلام، فمن تلك الأشعار قوله:

فصرت (4) الرسول رسولَ المليك***ببيض تلألأ كلم_ع البروق

اذُبُّ وأحى رسول الإله (5) ***حم__اي__ة ح_امٍ عليه شفيق (6)

وقوله:

إن علياً وجع_______ف_راً ثق__تي***عند ملمّ الزمان والنؤب(7)

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما***أخي لأمّي من بينهم وأبي

ص: 214


1- سورة المجادلة: 22.
2- الخصال: ٧٦/ باب علّة محبة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعقيل بن أبي طالب حبين. شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 1٤ : 70/ اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب.
3- بحار الأنوار ٣٥: ١٥٨/ فيما نقله ابن أبي الحديد في إسلام أبي طالب وإثباته من أشعاره. وشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ١٤ : ٧٠ / باب اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب. مع اختلاف يسير.
4- في الديوان: «منعنا».
5- في الديوان: «المليك».
6- ديوان أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ٥٩.
7- في الديوان: «عند احتدام الأمور والكرب».

واللّه لا أخذل النبيّ ولا***يخذله م__ن ب_ن_يّ ذو حسبِ(1)

وقوله:

لقد أكرم اللّه النبي محمّداً***فأكرم خلق اللّه في الناس أحمدُ

وشق له م______ن اس_مه ليُجلَّهُ***فذو العرش محمودٌ وهذا محمّدُ(2)

وقوله:

یا شاهد اللّه (3)عليّ فاشهد***إنّي على دي__ن ال_ن_ب_ي أحم__دِ

مَن ضلّ في الدين فإنّي مهتدي (4)

وعن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه لمّا قيل له : إن أبا طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان كافراً فقال: «كذبوا، كيف يكون كافراً وهو يقول:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمّداً***نبياً كموسى خُطّ في أوّل الكُتبِ»(5)

أي هذا الحكم ثبت في الكتاب الأوّل، أي اللوح المحفوظ، إلى غير ذلك من أشعاره البالغة قدر مجلّد وأكثر، التي قد جاءت مجيء التواتر؛ لأنه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك _ وهو تصديق محمد _ كما أنّ كلّ واحدة من عطايا حاتم منقولة آحاداً ومجموعها متواتر؛ يفيدنا العلم الضروريّ بسخائه، وهذا واضح لا خفاء فيه ولا شكّ يعتريه.

فإن قلت: لِم لَم يظهر أبو طالب الإسلام ولم يجاهر به كغيره ممن أسلم، ولم أخفاه

ص: 215


1- ديوانه أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 22.
2- ديوانه أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ٣٧.
3- في الديوان «شاهد الخلق».
4- ديوانه أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ٤١.
5- ديوان أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 27، الكافي ١ : ٤٤٨ / أبواب التاريخ باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووفاته، ح 29.

حتى يقع فيه الشكّ؟

قلت : إنّما أخفاه ليتمكن من معاونة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فإنّه لو أظهره لم يتهيّأ له من نصرة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ما تهيّأ له، وكان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه ولم يتمكّنوا من نصرته والقيام دونه؛ وإنّما تمكّن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الإسلام وأسرَّ،الإيمان، وأظهر الشرك؛ ليكون أقدر على نصرة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، كما لو إنّ إنساناً كان يبطن التشيّع مثلاً وهو في بلد من بلاد المخالفين، وله في ذلك البلد وجاهة وقدم، وهو يظهر مذهب المخالفين ويحفظ ناموسه بينهم بذلك، وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون الأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه؛ فإنّه ما دام قادراً على إظهار مذهب أهل البلد يكون أشدّ تمكّناً من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر، فلو أظهر ما يجوز من التشيّع وكاشف أهل البلد بذلك صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر، ولحقه ما يلحقهم من الأذى والضرر، ولم يتمكّن من الدفاع أحياناً عنهم كما كان أوّلاً، وهكذا القول في أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإنّ إخفاءه الإسلام من محاسن تدابيره في دفع مكائد المشركين، ولو تجاهر به لألجأوا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلى ما ألجأه إليه بعد موته، فعن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : «لمّا توفي أبو طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزل جبرئيل على رسول اللّه وقال: يا محمد اخرج من مكّة فليس لك بها ناصر؛ وثارت قريش بالنبي، فخرج هارباً حتى [جاء إلى] جبلٍ بمكّة يقال له: الحَجُون؛ فصار إليه» (1).

ص: 216


1- الكافي ١ : ٤٤٩/ أبواب التاريخ باب مولد النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ووفاته، ح 31.

[ المسألة السابعة عشرة: بيان قوله : «إنّ علم ما كان وما يكون كلّه في القرآن...]

قال: «المسألة السابعة عشرة : ما معنى الخبر المشهور شهرة تغني عن الإسناد: علم ما كان وما يكون كلّه في القرآن (1)، وعلم القرآن كلّه في سورة الفاتحة، وعلم الفاتحة كلّه في البسملة منها، وعلم البسملة كلّه في بائها، وأنا النقطة تحت الباء». (2)

أقول: أما أنّ علم ما كان وما يكون كلّه في القرآن فظاهر، وقد قال تعالى: «وَلا رَطْبٍ وَلا يابس إلّا في كتاب مبين»(3)، وأمّا أنّ علم القرآن كله في الفاتحة، فعن بعض الفضلاء أنّ معاني القرآن تدور على ثلاثة أمور:

الأوّل: بيان صفة الحقّ تعالى، وتوحيده وصفاته، وأفعاله، وأسمائه.

الثاني: بيان صفة الخلق، وأحوالهم، وأطوارهم.

ص: 217


1- في هامش (ب): «قال الحسن بن محمد القمّي المشتهر ب_(نظام النيسابوريّ) في تفسيره عند القول في فوائد البسملة ونكتها الشريفة: الأولى: كلّ العلوم يندرج في الكتب الأربعة، وعلومها في القرآن، وعلوم القرآن في الفاتحة، وعلوم الفاتحة في (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، وعلومها في الباء من (بسم اللّه)، وذلك أنّ المقصود من كلّ العلوم وصول العبد إلى الربّ، وهذا الباء للإلصاق، فهو يوصل العبد إلى الربّ، وهو نهاية الطلب وأقصى الأمد. وقيل: إنّما وقع ابتداء كلام (خ ل: كتاب) اللّه بالباء دون الألف؛ لأنّ الألف تطاول وتكبّر وترفّع، والباء انكسر وتساقط، ومن تواضع لله رفعه اللّه». تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١ : ٦٨.
2- ينظر : مرآة العقول 2: 37، مشارق أنوار اليقين : 38.
3- سورة الأنعام: ٥٩.

الثالث: كيفية ربط فعل الحقّ تعالى بالخلق وإعطائهم بحسب دعائهم واستعدادهم، وهذه المراتب الثلاث مشروحة في الحمد:

فالمرتبة الأولى: هي المشار إليها بقوله: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْم الدين»(1).

والثانية: هي المشار إليها بقوله: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقيم» إلى آخر السورة (2).

والثالثة: هي المشار إليها بقوله: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعين»(3).

وفي (خزائن) شيخنا الدربنديّ، عن بعض المحدّثين: «إنّ العلم الحقيقيّ هو علم التوحيد وما يتعلّق به من العلوم والمقدّمات، وقد دلّت سور القرآن على ذلك بألفاظ مختلفة، ثمّ إنّ سورة الفاتحة دلّت على تلك العلوم الحقيقية بألفاظ أخصر من تلك الألفاظ، وأما البسملة فقد دلّت أيضاً عليها بما هو أوجز منها؛ لأنّ علم التوحيد يشتمل على الدلالة على الذات والصفات الغالبة المخصوصة بتلك الذات، وعلى الصفات المشتركة إلّا أنّ لتلك الذات المقدّسة الحظّ الأوفر منها، وعلى الأسماء أيضاً، والبسملة متضمنة للعلوم الأربعة»(4).

وفيه: أنه بعد تسليم أنّ كلّ سورة من القرآن دالّة على علم التوحيد وما يتعلّق به من العلوم لم يبق وجه الخصوصيّة ذكر الفاتحة، فإن كان وجهها كون الفاتحة أخصر من غيرها، كما يؤمي إليه قوله: «بألفاظ أخصر من تلك الألفاظ».

ففيه : إنّ سورة التوحيد أخصر، وكذا الكلام في تضمن البسملة؛ لما تضمنته

ص: 218


1- سورة الفاتحة : ٢ - ٤.
2- سورة الفاتحة: ٦- ٧.
3- سورة الفاتحة: ٥.
4- لم نعثر عليه.

الفاتحة؛ فإنّ ذلك إن كان باعتبار أنّ ألفاظ البسملة مجملات تؤوّل عند التحليل والتفصيل إلى ما في الحمد والقرآن من العلوم.

ففيه : أنّ كلّ كلمة من كلمات القرآن إذا حلّلتها وجدتها حاملة لمعاني كثيرة و علوم شتّى، كما قال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لو وجدت لعلمي الذي أتاني اللّه - عزّ وجلّ _ حملة لنشرت التوحيد، والدين، والإسلام، والإيمان، والشرائع من الصمد»(1)، فتأمل.

وأمّا الباء فقد أفدنا في النحو أنها باء الاستعانة، ولا يتم تحصيل شيء من تلك العلوم وغيرها إلّا بالاستعانة بذاته تعالى وأسمائه المقدّسة وصفاته، بل لا يدخل شيء في الوجود إلّا به تعالى وهذا معنى قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، كما رواه ابن جمهور في (المجلّي): «ظهرت الموجودات من (باء) بسم اللّه الرحمن الرحيم» الخبر (2)، فالباء هي الأصل، وقد فسّرها أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابن عبّاس وقال : «يا ابن عبّاس لو طال الليل أطلناه» (3).

وأمّا أنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) النقطة تحت الباء فقد قيل في بيانه:

كما أنّ النقطة مبدأ تركيب الحروف ومقوّمها؛ إذ الحروف كلّها مركّبة منها ؛ ضرورة أنّ أوّل ما يقع من فم القلم على القرطاس هو النقطة، وبمدّ النقط وتكرارها على هيئات مخصوصة تتحقق الحروف والكلمات، كذلك نقطة وجوده (عَلَيهِ السَّلَامُ) قيوم كلمات الكتاب التكوينيّ وحروفه، وهو أوّل ما وقع من قلم القدرة في لوح الوجود، كما قال اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «خلقت أنا وعليّ من نور واحد قبل أن يخلق اللّه آدم بأربعة آلاف عامّ» الخبر (4)، فحقيقته التي هي النور الإلهي كانت قبل خلق الموجودات، وكان بتلك

ص: 219


1- ينظر: التوحيد: 92/ باب تفسير (قل هو اللّه أحد) إلى آخرها، ح ٦.
2- مشارق الأنوار: 21 و 38. وأيضا : تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم ١ : ٢١٠.
3- يرويه السيّد محمّد حسين البروجرديّ في تفسيره ولكنّه لم يذكر،سنده، ولم نعثر على مصدره. لاحظ تفسير الصراط المستقيم 3 : 118.
4- مناقب آل أبي طالب 1: 27/ باب ذكر سيدنا رسول اللّه، فصل في مولده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

الحقيقة المفاض عليها الصورة النوريّة معلّم جبرئيل وغيره من الملائكة، وكان أيضاً مع الأنبياء كما قال مخاطباً لابن عمه : كنت مع النبيين سرّاً ومعك جهراً (1).

أقول : لا يخفى على البصير النقّاد ما في ظاهر هذا التقرير من الإلحاد؛ فإنّه فسّر أوّلاً النقطة بأنها مبدأ الحروف، أي أنها تظهر منها، ثم جعله (عَلَيهِ السَّلَامُ) نقطة حروف كتاب التكوين. وحروف كتاب التكوين عبارة عن المكوّنات، أي : أنّ المكوّنات تظهر منه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهذا خلاف ما انعقد عليه الإسلام.

والأمثل في أمثال هذه الأخبار المتشابهة بعد العلم بصدورها من صحّة أسانيدها أن يؤمن الإنسان بها، ولا يتعرّض لبيانها وتفسيرها ويذرها في سنبلها؛ فإنّ التعرّض لبيانها في معرض الخروج عمّا عليه اتفاق الفرقة الناجيّة إمّا أصلاً أو لازماً، وللّه درّ من جعل نصب عينيه كلام أمير المؤمنين - صلوات اللّه عليه _ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) في بيان الراسخين: «إنّ الراسخين في العلم: هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب؛ الإقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه؛ رسوخاً»، الحديث (2).

فائدة لمّا جعل (عَلَيهِ السَّلَامُ) نفسه نقطة الباء من البسملة تنبّه بعض الشعراء فجعل نقطة نونها كناية عن الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء - صلوات اللّه وسلامه عليها -؛ لوقوعها في دائرة النون التي هي بمنزلة الخدر الذي يناسب النساء، وشبّه البوصيريّ الحسنين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بنقطتي الياء، باعتبار انضمام إحديهما بالأخرى انضمام أحد الآخرين بالآخر، قال في (الهمزيّة):

ص: 220


1- ينظر : مدينة المعاجز ١ : ١٤٤ / الباب السادس والعشرون ما نصه : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «يا عليّ، إنّ اللّه أيّد بك النبييّن سراً، وأيّدني بك جهراً». ونقل في الكلمات المكنونة: ١٦٧: هكذا: عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «وبعث عليّاً مع كلّ نبي سرّاً ومعي جهراً».
2- نهج البلاغة ١: ١٦٢ / خطب الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ح 91.

وبريح__ان_ت_ي_ن ط_ي_ب_ه_ا من***ك الذي أودعتهما الزهراء

كنت تُؤويهما إليك كماآ***وَتْ من الخط نقطتيها الياء(1)

وأخذ عبد الباقي العمريّ الموصليّ - نزيل بغداد _ تلك المعاني، ونظّمها في أبيات فصيحة المباني، وهي هذه:

صنوطه المصطفى وابنته***مع سبطيه الكنوز المقفلة

نقط رصّعت الباء مع***النون وال_ي_اء ال_ت_ي في البسملة

سور القرآن فيهم سوّرت***سيّما تسویرها للحمدلة (2)

وقد التمسني هو وغيره من أعيان بغداد غير مرّة، وألّحوا عليّ كرّة بعد كرّة، أن أشرحها شرحاً تقرّ به عين اللبيب، ويتحلّى بذوقه لسان الأديب، فشرحتها شرحاً سميته ب_ (عطر العروس)، تطرب لمطالعته النفوس، ولا كطرب السكارى شوقاً إلى الكوؤس، وأطنبت القول هناك في بيان الحديث المزبور، ونثرتُ من بديع المعاني ما يزري باللؤلؤ المنثور، فراجعه هل ترى فيه من قصور؟

ص: 221


1- البيتان لمحمد سعيد البوصيريّ. قصيدة الهمزيّة في مدح خير البريّة: ٢٤.
2- الأبيات لعبد الباقي العمريّ. ديوانه: ١٥٦.

[ المسألة الثامنة عشرة: شرح القول في الصلوات النصيرية ]

توضیح

قال: «المسألة الثامنة عشرة: ما يقول شيخنا في الصلوات المنسوبة إلى ناصب ألوية الرشاد، وخافض أعلام أرباب العناد، وكاسر ظهور أهل الفساد، وفاتح حصن بغداد، نصير الدين الطوسيّ، تغمده اللّه بفضله القدّوسي؛ فإنّ الناس مع ما فيها من الأغلاط الواضحة يزعمون أنّ لها تاثيراً في استجابة الدعوات، وقضاء الحاجات، فهل وقفتم في هذا الباب على كلام من الأصحاب، أو وجدتم من تلاوتها أثراً لا يقبل

الارتياب؟».

أقول: الأدعيّة المأثورة التي هي في كتب الأصحاب مذكورة؛ إما أن يكون إنشاؤها من اللّه تعالى، كالأدعية التي نزل بها جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) على النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وقال له مثلاً: «إنّ السلام (1) يقرؤك السلام»، ويقول : من دعاني بهذا الدعاء كان له كذا وكذا، ككلمات الفرج.

وإمّا أن يكون إنشاؤها من بعض الأنبياء السابقين؛ كدعاء (السمات)(2) المشهور الموسوم أيضاً ب_ ( دعاء الشبّور) الذي يظهر من سنده أنّه من إنشاء يُوشَع؛

ص: 222


1- في هامش (ب) هو من أسمائه تعالى، ومعناه: ذو السلامة، أي سلم في ذاته عن كلّ عيب وفي صفاته عن كلّ نقص، والدار في قوله تعالى [في سورة الأنعام: 127]: «لهُمْ دارُ السَّلام» يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى أي لهم دار اللّه، وهي الجنّة ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنّة سلاماً؛ لأنّ الصائر إليها يسلم من كلّ آفة». ينظر : المصباح: 318، المقام الأسنى: 31.
2- مصباح المتهجد : ٤١٦.

فإنّه لمّا حارب العمالقة أمر أن يأخذ الخواص من بني إسرائيل جراراً فرّغاً على أكتافهم بعدد أسماء العمالقة، وأن يأخذ كلاً منهم قرناً مثقوباً من قرن الضأن ويدعون بهذا الدعاء سرّاً؛ لئلّاً يسترقه بعض شياطين الجنّ أو الإنس، فيعملونه، ففعلوا ذلك ليلتهم، فلما كان آخر الليل كسروا الجرار في معسكر العمالقة فأصبحوا موتى منتفخي الأجواف «كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْل خاوِيَة»(1).

وكدعاء كميل بن زياد الذي هو من أعظم أصحاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) و صاحب سرّه، وكان عامله على هيت؛ فإنّ الظاهر من سنده أنّه من إنشاء الخضر صاحب موسی (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

وكدعاء إدريس المروي في أدعيّة سحر شهر رمضان، لكن يظهر من کتاب (الإقبال)؛ أنّه من إنشاء اللّه ذي الجلال؛ فإنّ المذكور فيه أن جبرئيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) نزل به على إدريس (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وإمّا أن يكون إنشاؤها من أحد المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ) الأربعة عشر - صلوات اللّه عليهم-، كأكثر الأدعية المروية في كتب أصحابنا الأبرار.

وإمّا أن يكون إنشاؤها من المحدّثين الأخيار، قال ابن طاوس في كتاب (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان): «وإذا(2) لم أجد دعاءً لبعض الأسباب فإنّي أنشئ دعاءً لذلك، فقد رأيت في كتاب عبد اللّه بن حماد الأنصاريّ في النصف الثاني منه عند مقدار ثلثه بإسناده قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ): علّمني دعاءً، فقال: «إنّ أفضل الدعاء ما جرى على لسانك»(3)، وروى سعد بن عبد اللّه في كتاب الدعاء بإسناده عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : علمني دعاء، فقال: «إنّ أفضل الدعاء ما جرى على

ص: 223


1- سورة الحاقّة : ٧. ينظر : مجمع البحرين ٣: ٣٤١.
2- في (أ): «وإن».
3- وسائل الشيعة ٧: 139/ باب استحباب الدعاء بما جرى على اللسان، واختيار الدعاء المأثور إن تيسر، وكراهة اختراع الدعاء ح 2.

لسانك» (1).

لكن روى في (الفقيه) في صلوات الحاجة بالإسناد إلى عبد الرحيم القصير، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقلت : جعلت فداك، اخترعت دعاءً، فقال: «دعني من اختراعك، فإذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصل ركعتين...» إلى آخره (2)، فتدبّر (3).

وأفضلها بعد الأدعيّة المنزّلة من الملك الجبّار، على أنبيائه الأطهار، ما كان إنشاؤه من هؤلاء الأنوار، فإنّهم أعرف بمخاطبة اللّه تعالى، ووصفه، ومدحه، وثنائه، وندائه، ودعائه، والمكالمة معه في طلب الحاجات منه، وغفران الذنوب، وستر العيوب، وكشف الكروب، ونحو ذلك؛ فلو كان المستحبّ نفس المادة، كاستحباب التسبيح في الليلة الفلانيّة مثلاً؛ كان للمكلّف أن يسبّح بأي تسبيح كان، سواء كان من إنشائه تعالى، أو إنشاء أحد الأنبياء، أو الأئمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، أو من إنشائه هو، فلو أنشأ تسبيحاً من عنده؛ كان عاملاً بوظيفة تلك الليلة، إلّا أنّ الأفضل كما أفدنا الاقتصار على منشآت المعصومين الأطهار؛ فإنّ لكلّ مقام مقالاً، وهم أبصر بآداب الخطاب مع ربّ الأرباب، ولطائف المناجات، مع قاضي الحاجات.

وإن كان المستحبّ المادّة والهيئة، كاستحباب قراءة دعاء الكميل بالخصوص

ص: 224


1- المصدر السابق الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 19.
2- من لا يحضره الفقيه ١ : ٥٦٠ / باب صلوات الحاجات. فقد قال بعض الأعلام في مقام دفع التعارض بينه وبين الروايات الأخر: يدل ظاهراً على النهي عن اختراع الدعاء وحمل على الكراهة؛ لعموم الأمر بالدعاء إلّا فيمن لا يعرف اللّه وصفاته العليا، فربما يتكلّم بما لا يجوز له، ولا ريب أنّ الدعاء بالمنقول أولى، ويمكن أن يكون مراده الدعاء بقضاء الحاجة ويكون النهي؛ لاشتراطه بشرائط كثيرة من الاستشفاع برسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وصلاة الهدية والغسل وغيرها.
3- ومن قوله «قال ابن طاوس في كتاب (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان)» إلى هنا لم يرد في (أ).

مثلاً ليلة الجمعة؛ لم يكن له أن يعبّر عن مضامين الدعاء المزبور بألفاظ أخر من منشآته أو منشآت غيره ؛ ضرورة أنّ المستحبّ تلك المعاني المخصوصة المصبوبة في قوالب مخصوصة، المعبّر عنها بألفاظ مخصوصة، على ترتيب مخصوص.

وعلى كلّ حال فالتوسّل بالأربعة عشر المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ)، والاعتصام بهم، والتوجّه إليهم، والاستشفاع بهم، وتقديمهم بين يدي الحاجات، وطلب الحوائج من اللّه بجاههم؛ أمرٌ مندوب إليه، كما دلّت الأخبار المتكاثرة عليه، وليس للتوسّل بهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) -كما يستفاد من النصوص - لفظ بالخصوص، أو وضع مخصوص، فالمتوسّل بهم في دعائه بأيّ لفظ،كان، وبأي إنشاء يكون، يفوز بمرامه لا محالة؛ والصلوات النصيريّة من هذا القبيل. لكن لا يخفى أنّ المجلسيّ (رَحمهُ اللّه) روى في أواخر (تحفة الزائر) في أدعيّة التوسّل دعاء يقرب من هذه الصلوات، بل لو تأمل الناظر وجد أنّ الطوسي (رَحمهُ اللّه) أخذ ذلك الدعاء وأضاف إليه التصلية، والتسليم، وأوصاف الأنوار المقدّسة _ سلام اللّه عليهم-.

وأمّا الأغلاط المشار إليها بلفظ الجمع المحلّى باللام، فلم نعثر منها إلّا على قوله: «الحلم الحسنية والجود التقويّة»؛ فإنّ قاعدة وجوب تطابق الصفة والموصوف في أربعة من عشرة قاضية بالتعبير بالتذكير.

إلّا أن يقال: إنّ الحلم يرادف الأناة، والجود يرادف السخاوة؛ فأنّثهما بملاحظة مرادفهما، كما قال تعالى: «الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (1) فأرجع ضمير المؤنّث إلى (الفردوس) بملاحظة مرادفه الذي هو الجنّة.

ثمّ إنّي قد أنشأت أدعية كثيرة للصباح والمساء، ولأيّام شهر رمضان ولياليه، وأسحاره، وهي متفرّقة في أيدي الأصحاب غير مجموعة في صحيفة أو كتاب، منها: الصلوات الشريفة التي حذوت فيها حذو الطوسي (رَحمهُ اللّه)، وهي ه، وهي هذه:

ص: 225


1- سورة المؤمنون: 11.
[الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الرَسُولِ الأكْرَم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ]

بسم اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللّهمَّ صَلَّ وَسَلَّمْ عَلَى مَن حَنَّ الجِذْعُ اليابِسُ إِلَيْه، وقَبَّلَ البَغْيرُ قَدَمَيْهِ، وَسَلَّمَ الظَّبي والضَبُّ عَلَيْهِ، وَاخْضَرَّ العَصَا في يَدَيْهِ، وَسَبَّحَ الحَصَى فِي كَفَّيْهِ، وَانْشَقَّ لَهُ القَمَر، وأَثْمَرَ بِدُعَائِهِ يابسُ الشَجَر، وأَظَلَّهُ الغَمام، وشَهِدَ بِصِدْقِهِ العَنْكَبُوتُ وَالحَمام، وَكَالَمَهُ المَوْتَى وَالأَنْعَام، وَأَكْثَرَ القَليْلِ، وَأَبْرَأ العَلِيْلِ، وَأَرْوَى مِن بَيْنِ أصابعِهِ الغَلِيْلِ، وَرَكَبَ البُراق، وَاخْتَرَقَ بِالسَبْع الطباق، كَلِمَتِكَ الباقِيَة، وَجُنَّتِكَ الواقِيَة، مُخْتَلَفِ الأَمْلَاكَ، وَالمُخاطَب ب_(لَوْلَاكَ، لَما خَلَقْتُ الأَفْلَاك)، العَلَم الظَّاهِرِ، وَالمِصْبَاحِ الزَاهِرِ، وَالحَقِّ البَاهِرِ، وَالبَدْرِ السَافِر، زَيْنِ المَنائِرِ وَالمَنابِر، وَبَحْرِ الكَرَم الزاخِر، وَالدُّرِّ اليَتِيم الفَاخِر، مَعْدِنِ المَناقِب وَالمَفاخِر، وَمَنْبَع العُلُوم وَالمَأْثِرِ، صَفْوَةِ آلِ عَدْنَانَ، المُؤَيَّدِ بِالمُعْجِزِ وَالبُرْهَان، المُنْزَّلِ عَلَيْهِ القُرآن، الحَامِدِ لِنُورِهِ النِيْرَان، وَالمُنْشَقٌ لِظُهُورِهِ الإِيْوَان، وَالشَافِع لِأُمَّتِهِ إِذَا نُشِرَ لهُم دِيوان، مِعْرَاجِ السَعَادَة، وَمِنْهَاج السَّيَادَة، في عَالَم الغَيْبِ وَالشَهَادَةَ، قَاصِم القَيَاصِرَة، كاسِرِ الأَكَاسَرَة، قَاهِرِ الجَبَابِرَة، قَاصِفِ الزُمْرَةَ الجَائِرَة، وَكاشِفِ الغُمَّةِ الثَّائِرَة، عَن الأُمَّةِ الحائِرَة، مَلِكِ الدُّنْيَا وَمَلِيْكِ الآخِرَة، حَاتِم الأَسْخِيَاء، وَخَاتَم الأَنْبِيَاء (1)، وَمُبَلِّغَ الأَنْبَاء بِأَبْلَعْ الإِنْبَاءِ، نَبِيِّ اللّه المُنتَخَب، وَخَلِيلِهِ المُنتَجَب، وَنُوْرِهِ المُجَسَّد، وَرَسُوْلِهِ المُمَجَّدِ، وَالقَصْرِ المُشَيَّدِ، حَبِيْبِ اللّه مُحَمَّد، صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا جَرٌ تَوَفَّد.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا القَاسِم، يَا رَسُوْلَ اللّه، إنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوالاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشَفَاعَتِكَ سَترَ عُيُوْبِي، وَكَشْفَ كُرُوبْي، وَمحَوَ ذُنُوْبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحَ أَمَلِهِ، وَإصْلَاح عَمَلِهِ، وَأَسْأَلُ اللّه تعالى إقَالَةَ زَلَلِهِ، وَإِطَالَةَ أَجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِه، وَإطْفَاءَ غَلَله.

ص: 226


1- في هامش :(ب) «ختم الأنبياء؛ مستلزم لكونه ختم الرسل، دون العكس».
[الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَمِيرِ المؤمِنين عليَّ بنِ أبي طَالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى نُور الأَنْوَار، وَوَليِّ الجَبَّارِ، وَمَخزَنِ الأَسْرَار، الغَيْثِ المِدْرَارِ، وَمَدَارِ الفَلَكِ الدَوَّار الخَاضِعِ لِمِقْدَارِهِ الأَقْدَار، المُنْحَطَّ بِحُبِّهِ الأَوْزَار، وَالمُنْحَلَّ بِهِ عُقَدُ الأَكْدَارِ، وَنُصْرَةِ الأَنْصَارِ، وَالفَارِسِ الكَرَّار، الَّذِي لَا يُشَقُّ لَهُ الغُبَارُ، قَائِدِ الأَبْرَار، وقَاصِم الكُفَّار، وَقاسِم الجَنَّةِ وَالنَارِ، الهَادِي الحَكِيمِ، وَالنَبأ العَظِيْمِ، وَالصِرَاطِ المُسْتَقِيمُ، وَالمَنْهَجِ القَوِيْم، وَالبَدْرِ المُضيء في اللَّيْلِ البَهِيم، مُدْخِلِ أَعْدَائِهِ فِي نِيْرانِ الْجَحِيْمِ، وَمُخَلَّدِ أَوْلِيائِهِ في رَوْح وَرَيْحَانٍ وَجَنَّةٍ نَعِيْمٍ، صِنْوِ الرَسُوْلِ الكَرِيم وَصِهْرِهِ بِتَقْدِيرِ العَزِيزِ العَلِيْم، مُأَوَّلِ التَأْوِيل، وَمُفَسِّر التَنْزِيل، وَمَبَيِّنِ الإِنْجِيْل، وَصَفْوَةِ الجَلِيْل (1)، مُعَلَّم جِبْرَئِيْل، وَالدَاعِي إِلَى خَيْرِ سَبِيْل، قَمَرِ الدَيجُور، وَمَوْضِح الزَّبُور، وَمُصْلِحِ الأُمُور، وَمَعَاذِ الجُمْهُور إذا نَفَخَ في الصور وَبُعْثِرَ مَا فِي القُبُوْر، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور، مِصْبَاح الظلام، وَالبَدْرِ التَمَام، وَمَهْبَطِ الإِنْهَام، وَفَلَّاقِ الهَامِ، وَمُكَسِّرِ الأَصْنَامِ، وَالهِزْبَرِ الضَرغَامِ، وَصَمْصَامِ الإِسْلَام، المَوْلُوْدِ فِي بَيْتِ اللّه الحَرَامِ، وَالعُرْوَةِ الوُثْقَى التِي لَيْسَ لَهَا انْفِصَامِ، ممدُوْحٍ هَلْ أَتَى، مَحْمُوْدِ لَا فَتَى، مُظْهِرِ المَكَارِم، مَظْهَرِ المَرَاحِم، شَقِيْقِ الرَسُوْل، وَبَعْلِ البَثَّوْل، قَالِعِ البَابِ، وَمُفَرِّقِ الأَحْزَاب، حَامِلِ الرَايَة، وَصَاحِبِ الآيَة، سَاقِي العِطاش، وَنَائِمِ الفِرَاش، مُطلق الأَسِير، وَجَابِرِ الكَسِيرُ، وَمَنْ حُبُّةَ الإِكْسِير، النُّقْطَةِ تَحْتَ البَاءِ، وَخَامِسِ أَصْحَابِ العَبَاء، جَامِعِ القُرْآن وَمُكَلَّم الثَّعْبَان أَمَانِ اللّه وَأَمِيْنِهِ، وَعَيْنِهِ النَاظِرَةِ وَيَمِيْنِه، الوَصِيُّ المُرْتَجَى، وَالصَفِيَّ المُنتَجَى، إمَامِ البَرَرَة، وَالهُمامِ المُتَبْوَرَة، مُبِيْدِ الكَفَرَة، مُبِيْرِ الفَجَرَة، المُسَمَّى بِحَيْدَرَة، كَاشِفَ النَوَائِب، سَهْمِ اللّه الصَائِبِ، وَسَيْفِهِ الحَدِيْدِ المَضَارِب، المَسْلُوْلِ عَلَى الكَتَائِب، وَالرَوْضِ السَائِعُ المَشَارِب، المَمْطُوْرِ بالسَحَائِب، إمَامِ المَشَارِقِ وَالمَغَارِب، الجَلِيْلِ المَوَاهِبَ، الجَمِّ المَنَاقِب، النَجْمِ الثَاقِبِ، وَنُقْطَةِ دَائِرَةِ المَطَالِب، لَيْثِ بَنِي غَالِبٍ، أَسَدُّ اللّه الغَالِب، عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب،

ص: 227


1- ومن قوله «فالمتوسّل بهم في دعائه بأي لفظ كان..» إلى هنا لم يرد في (أ).

صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، مَا تَزَيَّنَتِ السَّمَاءُ بِزِينَةِ الكَوَاكِب.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الحَسَن يَا أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، يَا وَليَّ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُوبي، وَنَحْوَ ذُنُوبي، فَكُنْ لِوَلِيْكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحٍ أَمَلِهِ، وَإِصْلَاح عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أَجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِه، وَإطْفَاءَ غَلَلِه.

[الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِيْن فَاطِمَةُ الزَهْرَاء (عَلَيهَا السَّلَامُ) ]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى المُخَدَّرَةِ المَيْمُؤنَة، الأمينَةِ المَأْمُونَة، وَالشَّجَرَةِ الزَيْتُونَة، وَالدُرَّةِ المَكْنُونَة، وَالطَّاهِرَةِ المَصُوْنَة، وَالجَوْهَرَةِ المَحْزُونَة، المَظْلُومَة المَحْرُوْنَة، المَعْصُوْمَةِ المَشْجُوْنَة، وَالعَارِيَةِ المَضْمُوْنَة، عَلَى الأُمَّةِ المَلْعُوْنَة، وَالنِعْمَةِ التِي أَصْبَحُوا فِيْهَا مَغْبُوْنَةٌ، وَمَنْ بولَائِها النَجَاةُ مَقْرُوْنَة، وَالجَنَّاتُ مَرْهُوْنَة، فَأَوْلِيَاؤها عَلَى سُررٍ مَوْضُوْنَهُ، وَأَرَائِكَ مَوْزُوْنَهُ، وَأَعْدَاؤها فِي سَفَرٍ مَسْجُوْنَهُ، وَحَبَائِكَ بِالنِيْرانِ مَسْجُوْنَة، سَيَّدَةِ النِسَاءِ، وَحَوْرَاءِ الكِسَاء، البَاكِيَةِ فِي الصَبَاح وَالمَسَاء، الشَاكِيَةِ عَمَّنْ إليها أَسَاء، شَمْسِ فَلَكِ الجَلَالَة، نَقْشِ خَاتَمِ الرسالَة، وَرْدَة وَجْنَة الكَرَامَة، دَوْحَةِ شَجَرَةِ الفَخَامَة، مِشْكاةِ الأَنْوَارِ، وَوَارِثَة المُخْتَارِ، وَغُرَّةِ شَمْسِ النَهَارِ، وَرُوْحِ جَسَدِ الفِخَارِ، وَرَأسِ بَدَنِ الوِقار، وَوَالِدَةِ الأَئِمَّةِ الأطْهَار، البَتُوْلِ العَذْرَاء، فَاطِمَةِ الزَهْرَاء صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهَا مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاء، وَأَقَلَّتِ الغَبْرَاء.

السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ المَعْصُوْمَة، وَالنَقِيَّةُ المَظْلُوْمَة، يَا شَفِيْعَةَ الأُمَّةِ المَرْحُوْمَة، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكِ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكِ سَتْرَ عُيُوبِي، وَكَشْفَ كُرُوْهِ، وَمَحْوَ ذُنُوْيِ، فَكُوْنِي لِوَلِيِّكِ يَا سَيِّدَتِي عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِه، وَإِصْلَاحِ عَمَلِهِ، وَاسْأَلِي اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِهِ، وَإطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِه، وَإطْفَاءَ غَلَلِه.

ص: 228

[الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيْد شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ بنِ عَلي ]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى نُؤركَ الأَسْنَى، وَكَلِمَتِكَ الحُسْنَى، وَاسِطَةِ قَلَادَةِ الفُتُوَّة، وَمَرْكَزِ دَائِرَةِ المُرُوَّة، وَكَنْزِ أَسْرَارِ النُّبُوَّة، مَعْدِنِ الحِجَى، وَالنَجْمِ الهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى، وَالقَمَرِ المُنِيْرِ إِذَا لَيْلُ الشِرْكِ سَجَى، مَلِكِ الأمَم، الطَّاهِرِ الشِيَم، الظَّاهِرِ الكَرَم، العَزِيز الدِيَم، العَالِي الهِمَم، فَخْرِ العَرَبِ وَالعَجَم، وَكَاشِفِ الكَرْبِ وَالأَلَم، وَأَوْفَى الخَلْقِ بِالذِمَم، دَافِعِ الرَزَايَا وَالفِتَن، وَالبَلايَا وَالمِحَن، وَالمُذْهِبِ عَنْ شِيْعَتِهِ الحَزَن، ذِي الفَواضِلِ وَالمِنَن، مُقِيمِ الفَرائِضِ َوالسُّنَن، السَاعِي فِي الهِدَايَةِ فِي كُلِّ زَمَن، وَالدَاعِي إِلَى اللّه في السِّرِّ وَالعَلَن، الإمام الطَّوِيْلِ الشَّجَن، سَيّدِ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة أبي مُحَمَّدِ الحَسَن صَلَوَاتَ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا قَلَثَ مُقْلَةُ الأَوْلِيَاء طِيْبَ الوَسَن.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، يَا سِبْطَ رَسُوْلِ اللّه، إنّي اعْتَصَمْتُ بكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُوبي، وَمحْوَ ذُنُوبِي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا سَيِّدِي عِنْدَ إنْجَاحِ أَمَلِه، وَإصْلَاح عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إقَالَةَ زَلَلِهِ، وَإطَالَةَ أجَلِه، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإطْفَاءَ غِلَلِه.

[الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى مَنْ أَوْقَدَ جَمْرَةَ الأَسَف في قُلُوبِ العِدَى، وَآنَسَ نار الجِهَادِ فَقَصَدَها حَتَّى وَجَدَ عَلَى النَّارِ هُدَى، خَالِعِ أَثْوَابِ البَقَاءِ، وَقَارِعِ أَبْوابِ اللِقَاء، المُزْعَج عَنْ الأوْطَان، المُضَيَّقِ عَلَيْهِ المكان، النَائِح عَلَيْهِ نُوح في الطوفان، الطَّائِفِ بِهِ ذِئَابُ كُوْفَان، قُطْبِ دَائِرَةِ الشَرَف، وَعِمَادِ بَيْتِ المَجْدِ العالي الشُرَف، لُؤْلُؤِ الْأَصْدَافِ، وَتَجْمَعِ الأَوْصَافِ، سَلِيْلِ الأطْهَارِ، وَخَلِيْلِ الْجَبَّارِ، وَقَتِيْلَ الأَشْرَار، وَمِفْتَاحٍ خَزَائِنِ الأسْرَار، وثَارِ اللّه المَأْثُورِ عَنْهُ الآثَارِ، بَدْرِ الدُّجنةِ، وَصَدرِ الإِنْسِ وَالجِنَّة، وَسَيِّدِ شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةَ، وَمَنْ حُبُّهُ وِقَايَةٌ عَنِ النَّارِ وَجُنَّة، أَمِيْنِ المَحْشَر، وَأَمَانِ الخَلْقِ مِنَ العَذَابِ الأكْبَر، وَوَارِثِ الحَوْضِ وَالكَوْثَر، مُنير الإيمان، مُبير

ص: 229

الطُغْيَان، مُتَقَلِ المِيْزَان ممدوح القُرْآن، كَاسي العُرَاتِ، وَالظَامِي لَدَى الفُرَات، مَلْجَأَ الخَائِف، وَكَهْفِ اللَاهِف، وَعِصْمَةِ العَائِدْ، وَمُجِيْرِ اللَائِذ، الفَاطِم نَفْسَهُ عَنْ ارْتِضَاعِ أَنْدَاءِ اللَذَائِذَ، المَخْصُوْصِ بِالبَراعَةِ وَالتَمْكِيْن، وَالمُسْتَقِيْمِ بِجَهَادِهِ نِظَامُ الدِيْن، وَمَنْ بِحُبِّهِ تَرْجُحُ المَوازِيْن، وَتُعْرَفُ أَصْحَابُ اليَمِيْن، خَامِسَ أَهْلِ الكِسَاء، وَمُهْجَةِ سَيِّدَةِ النِسَاء، زَكِيّ العُنْصُرَيْن، لُؤْلُؤِ صَدَفِ البَحْرَيْنِ، الفِضَّةَ ابْنِ الذَهَبَيْنِ، وَالنَّيّر ابْن النيّريْن، رَيْحَانَةِ رَسُوْلِ اللّه أبي عَبْدِ اللّه الحُسَيْن، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْه مَا ذَرَفَتْ (1) أَوْ طَرَفَتْ عَيْن.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللّه، يَا سِبْطَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُیُوبي، وَكَشْفَ كُرُوْبي، وَمحْوَ ذُنُوي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِه، وإِصْلَاحِ عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةً زَلَلِه، وإطَالَةَ أجَلِه، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإطْفَاءَ غَلَلِه.

[ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى زَيْنِ العَابِدِيْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى مِصْبَاحِ الظُّلَم، وَالنَبَأ الأعْظَم، وَالصِرَاطِ الأَقْوَم، وَوَلِيَّ النِعَم، وَمَنْ لم يَقُلْ قَط إلا نَعَم، النجم اللائح، وَالمَنْهَج الوَاضِح، وَالزِنَادِ (2) القَادِحِ، وَالمِيْزَانِ الرَاجح، وَالإِمَامِ النَاصِح، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْغَيْبِ مَفَاتِحَ، وَبِيَدِهِ أَزِمَّةُ المَصَالِح، وَقَويَتْ عَلَى التَعَبدِ مِنْهُ الجَوارح، وَاشْتَدَّتْ عَلَى العَزِيْمَةِ مِنْهُ

ص: 230


1- في هامش (ب): «ذَرَفَتْ عَيْنُه : سالَ دمعها». القاموس المحيط 3: 191.
2- في هامش (ب) قال الفيروز آباديّ: الزند: العود الذي تقدح به النار، والجمع زناد، وقال: قدح بالزند: رام الإيراء به، انتهى، ف_(الزناد) جمع فكان ينبغي أن يؤتى في صفته (القادحة)، ولعلّه كان في الأصل الزند فصحفّ؛ لأنّ المفرد هنا أنسب، ويحتمل أن يكون الزناد أيضاً جاء مفرداً ولم يذكره اللغويّون، أو يكون الجمع للمبالغة وفي الصفة روعي جانب المعنى؛ لأنه عبارة عن شخص واحد. وعلى التقادير كناية عن كثرة ظهور أنوار العلم والحكم منه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أو عن شدّة البطش والصولة في الغزوات والأوّل أظهر». القاموس المحيط ١ : ٤١٣، و 1 : 332.

الجَوَائح، فَخْرِ الأعالي، ذُخْرِ المعَالِي، عَلَم العِلْم، طَوْدِ الحِلْم، زَيْنِ العِبَاد، وَحِلْيَةِ العُبَّاد، وَقُدْوَةِ الأَوْتَادَ، وَأَسْوَةِ الزُهَادَ، وَفَالَقِ فَجْرِ الرَشَادِ، وَمَنْ هُوَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، وَوِدَادُهُ زَادُ المَعَادِ، سَيّدِ السَاجِدِيْن، وَسَنَدِ الهَاجِدِين، وَسَلِيْلِ المَاجِدِيْن، صَفَوَةِ المُصْطَفَيْن، وَمَجمَع البَحْرَيْن، الكَريم الأصْلَيْن، سَيْدَنَا أَبي مُحَمَّد، عَلِيَّ بْنِ الْحُسَيْن، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَلَى كَرَّ الْجَدِيْدَيْنِ.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه، يَا بْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مَوَالَاتِكَ وَرَجَوْتُ بشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُبوي، وَمَحْوَ ذُنُوبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِهِ، وَإِصْلَاح عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإطْفَاءَ غَلَلِه.

[ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى باقر العُلُومِ مُحَمَّد بْنِ عَليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى قَمَرِ الأقمار، وَحَاوِي الفِخَارِ، الطَّيِّبِ النِجَار، قُدْوَةِ الأَبْرَارِ، وَأَسْوَةِ الأَخْيَارِ، وَعَيْبَةِ الأَسْرَارِ، وَوَارِثِ عِلْم النَبِيَّ المُخْتَار، الذِي لَمْ يَزَلْ خياراً مِن خِيَارٍ، وَمَنْ بِوَلَائِهِ تَنْحَلُّ أَزْرَارُ الأَوْزَار، الهام (1) العالي الهِمَّة، ذِي المَكَارِم الجَمَّةَ، وَمُجير الأمَّة مِنْ كُلِّ مُلْمَّة، الدُّرِّ الفَاخِر، وَالبَحْر الزَاخِر، وَالبَدْرِ الزَاهِر، وَالعَلَمِ البَاهِر، وَالحَبْرِ المَاهِرِ، وَالعَصْبِ البَاتِرِ، حَائِزِ المَكَارِمِ وَالمَآثِر، حُجَّةِ اللّه عَلَى الغَائِبِ وَالحَاضِر، وَشَفِيْع الأكابر وَالأصَاغِرِ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرِ الغُمَامِ الصَيّبِ المَاطِر، والإِمَامِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ، جَامِعِ المَحَاسِنِ وَالمَفَاخِر،مَجْمَعِ الفَضَائِلِ الَّتِي لا يَحْضُرُهَا حَاَصِر، المَعْقُوْدِ عِنْدَ ذِكْرِ العُلَمَاء بِهِ الخَنَاصِر، الوَلِيُّ النَاصِر، الزَكِيَّ العَنَاصِر، ذِي البَطْشِ القَاهِرِ، وَالسُّلْطَانِ الظَاهِرِ، وَالسَهُم النَاقِرِ، أَبي جَعْفَرٍ، مُحَمَّدِ بْنِ عَلى البَاقِرِ، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا دَارَ دَائِرِ، وَزَارَ زَائِر.

ص: 231


1- في هامش (ب): «(الهام): الملك العظيم الهمّة، أو السيّد الشجاع السخي خاص بالرجال». القاموس المحيط ٤: ١٧١.

السَلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه، يَا بْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوي، وَكَشْفَ كُرُوْي، وَمَكْوَ عُيُوْي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلايَ عِنْدَ إنْجَاحٍ أَمَلِهِ، وَإصْلَاح عَمَلِهِ وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِه، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإطْفَاءَ غَلَله.

[الصلاةُ والسَّلامُ عَلَى الصّادِقِ الْمُصَدِّقِ جَعْفَر بن مُحَمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى النّجم اللامع، وَالنُّورِ الساطع، وَالسُّوْرِ المانع، وَالبُرْهَانِ القَاطِع، وَالقُرْآنِ الْجَامِعِ، وَالمَوْلَى البَارِع، وَالوَجِيْهِ الشَافِعِ، شَرَفِ الأَئِمَّةِ وَالسَادَةِ، وَمَنْ لَهُ صَدْرُ الوَسَادَة، بَحْرِ الفَضَائِلِ وَعُبَابِها، وَثَمَرِ الفَوَاضِلِ وَلُبَابِها، المَضْرُوب عَلَيْهِ مِنَ المَكْرُمَاتِ قُبَابُها، عِمَادِ الأَعْلَامِ، وَعَمُودِ الإِسْلَام، مُجَدِّدِ المَذْهَبِ بَعْدَ انْدِرَاسِه، وَمُنَوِّرِ أَرْجَاءِ الدِيْن بِأَنْوَارِ نِبْرَاسِه، وَقَاشِعِ غَمَائِمِ الشُّبُهَاتِ بِنَسَائِمِ أَنْفَاسِه، الشَرِيْفِ النَسَب الطَرِيْفِ الحَسَب، العَالِي الرُتَبَ، وَمَنَ طَرَازُ المَذْهَبَ بِتَرْوِيْهِ مُذَهَّب، الفَصِيحِ اللسان، الوَاضِحِ البَيَان، السَمِحِ البَنَان، العالي المَقَامِ، الخُلْوِ الكَلَام، كَنْزِ الحَقَائِقَ، كَاشِفِ الدَقَائِقَ، فَاتِحِ المَغَالِقَ، مُفَرِّجِ المَضَائِقِ، نُوْرِ الأَحْدَاق، وَنَوْرِ الحَدَائِق، المُجِيْرِ مِنْ هُجُوْم البَوَائِقِ، وَرُجُوْمِ الطَوَارِقِ، قَاطِعِ العَلَائِقِ، مَانِعِ العَوَائِقِ عَنْ عِبَادَةِ الخَالِقِ، مُبْطِلِ كُلِّ زَاهِق، وَمُرْغِمِ أَنْفِ المَارِق، مُعِيْنِ المُوَافِق، مُهِيْنِ المُنَافِقِ، البَحْرِ الرَائِق، وَالحَبْر الحَاذِق، وَالغَمام الوَادِق، وَاللُّج المُتَدَافِق، وَالهُمام الفَائِقِ، المَمْدُودِ السُرَادِقِ (1)، ناشر أَلْويَةِ العُلُوْمَ عَلَى المَفَارِقِ، صَاحِبِ الكَرَامَاتِ وَالخَوَارَقِ، وَمَنْ لَا يَسْبِقُهُ فِي شَأْنِهِ سَابِقِ، وِلَا يَلْحَقُهُ فِي فَضْلِهِ،لَاحِق، كِتَابِ اللّه النَاطِقِ، وَحُجَّتِهِ عَلَى الخَلَائِقَ، وَنُوْرِهِ الظَّاهِرِ فِي المَغَارِبِ وَالمَشَارِقِ، أَبي عَبْدِ اللّه، جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَادِق، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا ذَرَّ شَارِقٌ، وَبَرَقَ بَارِق.

ص: 232


1- في هامش (ب): «هو الذي يُمدّ فوق صحن البيت». القاموس المحيط ٣: ٣٣١.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه، يَا بْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوْبيِ، وَكَشْفَ كُرُوبْي، مَحْوَ ذُنُوْبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحٍ أمَلِهِ، وَإِصْلَاح عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإِطْفَاءَ غَلَلِه.

[الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى العَبْدِ الصَّالِحِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى العَلَم المَنْصُوْب، وَالعِلْمِ المَصْبُوْب، وَمِفْتَاحِ الغُيُوبِ، وَمِصْبَاح القُلُوْبِ، وَمُنَفِّسَ الكُرُوب، وَمُفَرِّج الخُطُوْب، وَقِبْلَةِ القَبَائِلَ وَالشُّعُوب، المُحِبِّ المَحْبُوب، الذي حُبُّهُ حَسَنَةٌ تَمْحُو الذُنُوبِ، وَتُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ وَالعُيُوب، وَتُدْخِلَ جَنَّةٌ لَا ظَمَأُ فِيْهَا وَلَا لِغُوْب، قِمَّةِ القَاقِم، وَلَيْثِ الضَرَاغِم، وَفَخْرِ الأَفَاخِم، وَمُحْيِي الرُّبُوْعِ الرَمَائِم، وَمُجَدِّدِ المَعالم، وَمُحَدِّدِ المَرَاسِم وَمَعْدِنِ المَرَاحِم، وَحَاوِي المَكَارِم، وَحَامِي الأَكَارِم، وَمَاحِي المَآثِم وَالبَحْرِ المُتَلاطِم، وَالحَبْرِ الرفيع الدَعَائِم، المُتَعَطَّرِ بِخُلْقِهِ النَسَائِم، الفَائِزِ مَوَالِيْهِ بِالمَغَانِم، وَالْحَائِزِ مُعَادِيْهِ لِلَحَمائِم، المَوْلَى العَامِلِ العَالم، الصَائِمِ القَائِمِ، ذِي الشَرَفِ المُتِقَادِم، وَالكَفِّ التِي فَاقَتِ الغَمائِم، في وَكْفِ الغَنَائِم، العَلَوِيِّ العَزَائِم، سَلِيْلِ الفَوَاطِم، فَخْرِ بَنِي هَاشِم، نور اللّه البَاهِرٍ في جَمِيعِ العَوَالم، وَحُجَّتِهِ عَلَى الأَصَاغِرِ وَالأعَاظِم، أبي إِبْرَاهِيْم مُوسَى ابْنِ جَعْفَرِ الكَاظِم، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا نَثَرَ نَاثِرِ، وَنَظَمَ نَاظِم.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه، يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللّه إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوْبِي، وَكَشْفَ كُرُوْبي، وَمَحْوَ ذُنُوْبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِهِ، وَإِصْلَاح عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِه، وَإطْفَاءَ غَلَلِه.

ص: 233

[ الصَّلاَةُ والسَّلامُ عَلَى ثامِنِ الحُجَجَ عَلِيّ بْن مُوسَى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى الشَّمْسِ البَازِغَة، وَالمِنْحَةِ السَائِغَة، وَالنِعْمَةِ السَابِغَة، وَالنِقْمَةِ الدَامِغَة (1)، وَالحُجَّةِ البَالِغَة، الإمام الشَّريْفِ الجُدُوْدِ، وَالهُمام الكَرِيم الحُدُود، الوَضَّاحِ الجَبِيْن، المُشْرِقِ الخُدُود، ذِي الآيَاتِ الزَاهِرَةِ، وَالْكِرَامَاتِ الظَّاهِرَة، وَالفَضَائِلِ الوَافِرَة، وَالعُلُومِ الفَاخِرَة، وَالقُوَّةِ البَاهِرَة، وَالسَطْوَةِ القَاهِرَة، وَالرَحْمَةِ الغَامِرَة، وَمُرْشِدِ الأُمَّةِ الحَائِرَةَ، وَمُحْمِدِ الفِتَنِ الثَائِرَة، وَمُرْغَمِ الْأَنُوْفِ النَافِرَة، وَدُرّ البُحُوْرِ الزَاخِرَةِ، وَشَفِيْعِ العُصاةِ فِي الآخِرَة، وَكَاشِفِ الأَهْوَالِ الفَاقِرَة، الإِمَامِ المُرْتَضَى، وَالحُسَامِ المُنتَضَى، وَمَظْهَرِ الشُّكْرِ وَالرِضَاء، وَنُوْر اللّه المُشْرِقِ في سَائِر الفَضَاء، العَادِلِ فِي الحُكْمِ وَالقَضَاء أبي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوْسِى الرِضَا، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا رَضِيَ المُؤْمِنُ بِالقَدَرِ وَالقَضَاء.

السَلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه، يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بكَ، وَاتَّكَلْتُ بمُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُبوي، وَمحْوَ ذُنُوبي، فَكُنْ لِوَلِيَّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِهِ، وَإصْلَاحِ عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإِطْفَاءَ غَلَلِه.

[ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى التَقِي الجَوادِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى بَدْر الوُجُوْد، وَفَخْرِ المَوْجُوْدِ، وَغَيْثِ الْجُوْدِ، وَغَوْثِ المَنْجُوْد، التَقِيَّ الهَجُوْد، المُطِيْل السُّجُوْد، الحِززِ الحَريز، وَالذَهَب الإبْريز، مَقْصَدِ الوُفَّاد، وَزُهَى الزهاد، المُفْتَخِرِ بِهِ عُبَّادِ العِبَادِ، المُوَاطِبِ عَلَى الْأَذْكَارِ وَالْأَوْرَاد، وَالقَاطِفِ مِنْ أَرِيْضِ رِيَاضِ القُدْسِ بِأَيْدِي الرِيَاضَةِ أَطْيَبِ الأَوْرَادَ، وَالرُّكْنِ السَامِي العِمَادِ، وَعَلَم العُلُومِ في البلاد، وَمَنْ أَجَابَ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ وَأَفَادَ،

ص: 234


1- في هامش (ب): «دمغه - كنصره ومنعه _ : شجّه حتى بلغت الشجّة الدماغ، وفلاناً ضرب دماغه». القاموس المحيط 3: 139.

وَاحِدِ الآحاد، السيّد الدَاعِي إلى السَدَاد، وَالسَاعِي فِي الإِرشَادِ إِلَى الرَشَادِ، وَمُوْضِحِ سُبُل الاقْتِصَاد، وَبَاذِلِ الاجْتِهَاد، في وِقَايَةِ الدِيْنِ عَنْ أهْل العِنَادِ، وَحَمَايَتِهِ عَنِ الزِيْغ وَالفَسَادِ، وَمُزْهِقِ الشِرْكِ وَالإلحاد، مُرْغِمِ أَعْدَائِهِ يَوْمَ التَنَادِ، وَمُكْرِمٍ أَوْلِيَائِهِ يَوْمَ المَعَادِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الاتِّكَالُ وَالاعْتِمَاد، وَبِهِ التَوَسُّلُ وَإِلَيْهِ الاسْتِنَاد، العَاجِزِ عَنْ عَدَّ مَعَاجِزِهِ العَدَّادِ، وَالْخَارِجِ مَنَاقِبُهُ عَنْ مَرَاتِبِ الأَعْدَادِ، وَمَنْ دُونَ إِحْصَاء فَضَائِلِهِ خَرْطُ القَتَاد، الجهبذ (1) النَقَّاد، المُنَزِّهِ عَنْ الأَشْبَاهِ وَالأَنْدَاد، حَافِظِ شَرِيْعَةِ أَجْدَادِهِ الأَمْجَاد، وَوَارِثِ عَلَوْمِ آبائِه الأَنْجَادِ، وَسُيّر الآباء في الأَوْلَاد، بَابِ المُرَاد، وَعِلَّةِ الإِيجاد، وَعِمَادِ السَبْع الشِدَاد، أبي جَعْفَرِ الثَانِي، مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوَاد، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا لَاحَ كَوْكَبٌ وَقّاد.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُوْبي، وَمَحْوَ ذُنُوْبِي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِهِ، وَإِصْلَاحِ عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِهِ، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ، وَإطْفَاءَ غَلَلِه.

[الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الهَادِي النَقِيِّ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى صَفْوَةِ البَشَرِ، وَالنُّوْرِ الأَنْوَر، وَالقَمَرِ الأَزْهَرِ، وَالسَيِّدِ الأفْخَر، النَقِيُّ الجَوْهَرِ، وَالزَكِي الرَضِيِّ البَرِّ الحَائِزِ لِلْمُعْجِزَاتِ الغُرَر، العَاجِزِ عَنْ وَصْفِهَا الفِكر، أمَانِ الأَنَامِ مِنْ طَوَارِقِ الغِيَر، وَبَوَائِقِ الكَدَر، وَكَاشِفِ الأَحْوَال عَنْ أهْلِ المَحْشَر، الأصْلِ السَامِي، وَالفَرْعِ النَامِي، وَالغَيْثِ الهَامِي، وَالبَحْرِ الطَامِي، وَالبَطَلِ المُحَامِي، نُورِ اللّه البَادِي، المُشْرِقِ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ وَنَادِي، وَالنَجْمِ المُضِيْئ في الهَوَادِي، وَحُجَّةِ اللّه عَلَى العَاكِفِ وَالبَادِي، الْقَاطِع لحُجَّةِ كُلٌّ مُعَانِدٍ مُعَادِي، وَسَيْفِهِ كُلَّ بَاغِ وَعَادِي، وَالأَسَدِ الرَادِي عَلَى القَوْمِ الأَعَادِي، وَالمُسَدِّدِ لِشِيْعَتِه في كُلِّ

ص: 235


1- في هامش (ب) : « (الجهبذ) - بالكسر : النقاد الخبير». القاموس المحيط ١ : ٤٨٩.

مَكَانٍ وَوَادِي، وَالمُؤَيَّدِ لَهُمْ يَوْمَ يُنَادِي المُنَادِي، وَسَاقِي الشَرَابِ الطَهُوْرِ لِلْصَوَادِي، صَاحِبِ المَزَايَا وَالأيْدِ وَالأيَادِي، أبي الحَسَنِ الثَالِثِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الهَادِي، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيهِ فِي الرَوَائح وَالغَوَادِي مَا حَدَا الحَادِي، وَخَدَا الخَادِي.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه، يَا بْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُوبي، وَمَحْوَ ذُنُوبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلاي عِنْدَ إِنْجَاحِ أَمَلِهِ، وَإصْلَاح عَمَلِهِ، وَاسْألِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِه، وَإطْفَاءَ غَلَله.

[الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أبي الإِمَامِ المُنتَظَرِ الحَسَنِ بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلَى مَنَارِ الهُدَى، وَقُدْوَة مَنْ اقْتَدَى، وَغَيْث النَّدَى، وَلَيْث الوَغَى، وَغَوْثِ الوَرَى، الرفيع الذُرَى، الوَثِيْقِ العُرَى، مَعْدِنِ النُهَى، الساطع البَهَاءِ، وَحَامِي الحِمَى، وَطَوْدِ الْأَرْضِ وَقُطْبِ السَمَاء، السيّد الزَكِيَّ، النُوْرِ البَهِيّ، الوَجْهِ الوَضيّء، وَالوَجِيْهِ المَرْضِيّ، وَالاسْم الرَضي، وَالبَدْرِ المُضِي وَالكَوْكَبِ الدرّيّ، الفَاضِل الألْمَعِيّ، وَالكَامِلِ اليَلْمَعِيّ، وَالرَّكْنِ القَوِيّ، وَالصِرَاطِ السَوِيّ، وَالمَنْهَلِ الرَوِيَّ، وَالزَنَادِ الوَرِيّ، وَالجَوَادِ السَرِيّ، صَاحِبِ الخُلْقِ العَنْبَرِيّ، الفَائِزِ عَلَى النَسِيمِ السَحَرِيّ، وَالوَجْهِ القَمَرِيّ، النَاضِرِ الأَزْهَرِيّ، وَاللَّفْظِ الجَوْهَرِيّ، وَالحِلْم الحَيْدَرِيّ، حُجَّةِ اللّه عَلَى البَدَوِيِّ وَالحَضَرِي، الإمام الهام العَبْقَرِيّ، وَمَنْ حُبُّهُ الزَادُ المَحْشَرِي، أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلي العَسْكَرِيّ، صَلَوَاثَ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا فَاحَ طِيْبٌ عَبْهَرِيّ.

السَلامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللّه يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللّه، إِنِّي اعْتَصَمْتُ بكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُوبْي، وَمَحْوَ ذُنُوْبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إنْجَاحِ أَمَلِهِ، وَإصْلَاحِ عَمَلِهِ، وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِه، وَإِطَالَةَ أجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِه، وَإطْفَاءَ غَلَله.

ص: 236

[ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى صَاحِبِ العَصْرِ والزَّمَانِ (م. ح. م. د) بنِ الحَسَن (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ]

اللّهمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى الدُّرِّ المَكْتُوْم، وَالكَنْزِ المَخْتُوْم، وَالأجَلِ المَحْتُوْم، وَاللُّؤْلُؤِ المَنْظُوْم، قَمَرِ النُّجُوْم، وَمَخْزَنِ العُلُوم، الإمام المَعْصُوم، المُتَرَقَّبِ القُدُوْم، كَاشِفِ الغُمُوم، مُزيل الهموم، مُدَاوي الكُلُوْم، مُحْيِي الرَّسُوْم، مُمِيتِ الخصوم، ناصر المَظْلُوْم، قَاهِر الظُّلُوْم، كَاسر الخَيْشُوْم، حُجَّةِ الحَيِّ القَيُّوْم، عَلَى الخَلْقِ عَلَى العُمُوْمِ، النُوْرِ المُشْرِقِ عَلَى الآفَاق، البَدْرِ المَصُوْنِ عَنِ المِحَاقِ، الفَارِسِ الذي لا يُؤَمَّلُ لَهُ لِحَاقِ، سَيْفِ اللّه المَسْلُوْل، وَحُسَامِهِ المَصْقُوْل، الَّذِي لَا يَعْتَرِيْهِ مِنْ قَرَاعِ الكَتَائِبِ فُلُوْل، ظِلَّ اللّه الَّذِي لَا يَتَقَلَّص، وَفَضْلِهِ العَامُ الَّذِي لَا يَتَخَصَّص، سُلْطَانِ العَصْر، الرّفيع القَصْر، المَوْعُوْدِ بِالنَصْر، وَوَلي الأمر، العَليُّ القَدْر، المَشْرُوْحِ الصَدْر، كَلِمَةِ (1) اللّه التَّامَّةِ، وَهِبَتِهِ العَامَّة المَفْرُوْضِ طَاعَتُهُ عَلَى الرِقَابِ، وَالمَفْطُوْمِ شِيْعَتُهُ مِنَ العِقَابِ، خَلِيْفَةِ اللّه الوَاسِطَةِ فِي الأمَم، وَيَدِهِ البَاسِطَةِ بِالنِعم، سرِّ اللّه المَصُوْن، وَالدُّرِّ المَكْنُون، وَالجَوْهَرِ المَخْزَوْن، وَالأمين المأمون، وَسَلْوَة المَحْزُون، الغَائِبِ عَنِ الأَنْظَار، الحَاضِرِ لِأُولي الأبْصَار، الظَاهِرِ لَدَى الأَبْرَارِ، وَجْهِ اللّه البَاقِي، وَحِفْظِهِ الوَاقِي وَحِرْزِهِ الرَاقِي، بُرْهَانِهِ العَظِيْمِ، وَقُرْآنِه الكَرِيم، وَعَضُدِهِ القَوِيِّ القويم، فُلْكِ اللجج، وَحُجَّةِ الحَجَج، ومقيم العوج، وَهَادِي المَنْهَج، أمَانِ الأنام مِنْ مزْمِنَاتِ الأزْمَان، وَمُعِزّ الإِسْلَام وَالإيْمَانَ، وَمُرَوِّج دِيْنِ المَلِكِ الدَيَّان، وَمُبْطَلِ سَائِرِ الأَدْيَان، الإِمَامِ الجَلِيْلِ الشَأن، الرَفِيعِ المَكَانَ السَاطِعِ البُرْهَانَف اللَامِعِ البَيَان، خَلِيْفَةِ الرَّحْمَنِ، المُشْرِقِ بِنَوْرِهِ الأَكْوَان، أَبِي صَالِحٍ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ صَاحِبِ الزَّمَان، ابْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ

ص: 237


1- في هامش (ب): «إطلاق (الكلمة) عليهم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لانتفاع الناس بهم وبكلامهم، قال الفيروز آباديّ: «عيسى كلمة اللّه؛ لأنه ينتفع به وبكلامه». والحاصل أنّ المتكلّم يظهر بكلامه ما أراد إظهاره واللّه تعالى بخلقهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) أظهر ما أراد إظهاره من علومه ومعارفه وجلالة شأنه». القاموس المحيط ٤: ١٤٣.

علي بن أبي طَالِب، صَلَوَاتُ اللّه وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّنَتِ السَّمَاءِ بِمَصَابِيح مِنَ النُّجُوم الثَّوَاقِب.

اللّهمَّ مَتَى يُدبِرُ لَيْلُ الغِوَايَة، وَيُسْفِرُ فَجْرُ الهِدَايَة، وَيَبْرِقُ عَمُودُ الصَبَاحَ، وَيُعْلِنُ الدَاعِي بِحَيَّ عَلَى الفَلَاح، فَنَرَى البُنُوْدَ المَنْشُوْرَة، وَالجُنُودَ المَحْشُورَة، وَالسَّيُوفَ المَشْهُورَة، وَالصُفُوفَ المَنْصُوْرَة، وَالأعْدَاءَ المَقْهَوْرَة، وَالكَتَائِبَ المُجَنَّدَة، وَالقَوَاضِبَ المُهَنَّدَة، وَالجِيَادَ السَوَابِقِ، وَالأَسْهُم الرَوَاشِق، وَالسَابِقَاتِ المُحَجَّلَة، وَالسَابغَاتِ المُعَجَّلَة، وَمَتَى تَخْلُو لَهُ السَاهِرَة، وَتَدِيْنُ لَهُ الأَسَاوِرَة، وَتَلِيْنُ لَهُ الفَسَاوِرَة، وَتَخْضَعُ لَهُ سَلَاطِيْنُ العَجَم، وَتَخْشَعُ لَهُ سَرَاحِيْنُ الأجم، وَتَسْتَسْلِمُ لِهمَّتِه الضَوَارِي، وَتَعْشَوْشِبُ لِأُمَّتِهِ الصَّحَارِي، فَعَجِّلْ اللّهمَّ فَرَجَهِ، وَسَهَّلْ مَخْرَجَهِ، وَقَرَّبْ مَنْهَجَه، وَاشْمِمْنَا أَرَّجَه، وَأَقِمْ دَلِيْلَهُ، وَوَسِّعْ سَبِيْلَهُ، وَأَظْهِرْ بُرْهَانَه، وَانْصُرْ أَعْوَانِهِ، وَاجْعَلْهُ مُظَفَرَ الأَلْويَةِ وَالأَعْلَامِ، مَمْدُوْدَ الضِلَالِ عَلَى الخَاصٌ وَالعَامَ، وَاعْمِرْ بِهِ الدِيَارِ، وأخي بِهِ الآثَارِ، وَأَمِّتْ بِهِ الكُفَّارِ، وَأَنْفِذُ أَمْرَه، وَاشْدُدْ أَزْرَه، وَاجْعَلْ أَعْدَاءَهُ مَحْصُوْدَة، وَأَوْلِيَاءَهُ مَحْسُوْدَة، وَأَقِمْ مُحِبّيْهِ عَلَى سُرُرٍ السُرُور، وَارْم مُبْغِضِيْهِ بِشَرَرِ السُّرُور، وَأَحْسِنُ بِهِ الأَحْوَال، وَاكْشِفْ به عَنَّا الأَهْوَال، وَامْلَأَ بِهِ الأَرْضَ قِسْطَاً وَعَدْلاً وَأَمَانَا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً وَعُدْوَاناً، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَنْصَارِهِ وَجُنُودِهِ، وَأَنرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ وُجُوْدِهِ، فَقَدْ فَقَدْنَا التَجَلَّدَ وَالاصْطِبَار، فَالبِدَار البدار البِدَار.

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ شَرَّفَكَ اللّه بِالإِمَامَةِ وَتَوَجَّكَ بِالكَرَامَةِ، يَا حُجَّةَ اللّه، يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللّه إنِّي اعْتَصَمْتُ بِكَ، وَاتَّكَلْتُ عَلَى مُوَالَاتِكَ، وَرَجَوْتُ بِشِفَاعَتِكَ سَتْرَ عُيُوبي، وَكَشْفَ كُرُوبي، وَمَحْوَ ذُنُوبي، فَكُنْ لِوَلِيِّكَ يَا مَوْلَايَ عِنْدَ إِنْجَاحٍ أمَلِه، وَإِصْلَاحِ عَمَلِهِ وَاسْأَلِ اللّه تَعَالَى إِقَالَةَ زَلَلِهِ وَإِطَالَةَ أَجَلِهِ، وَشِفَاءَ عِلَلِهِ وَإِطْفَاءَ غَلَلِه.

بيان: (الجذع) - بكسر فسكون- : ساقُ النخلة(1)، قال في (مجمع البحرين):

ص: 238


1- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 1 : 309.

«وفي الخبر : فحَنَّ ألجذع إليه، أي حين صعد المنبر (1)، أي نزع واشتاق، وأصله ترجيع الناقة صوتها أثر ولدها، وفي الحديث : قلوبُ شيعتنا تَحِنُّ إلينا، أي تشتاق» (2).

( البُرَاق ) (3)- بضم الباء -: دابَّةٌ رَكِبَها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليلةَ الإسراء، سمّيت

ص: 239


1- في هامش (أ) : «قوله: «حين صعد المنبر إلى آخره عن جابر : أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان يخطب إلى جذع نخلة، فقيل له : كثر الناس ويأتيك الوفود من الآفاق فلو أمرت بشيء لتشخّص؛ فدعا رجلاً، فقال: أتصنع المنبر ؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: فلان، قال: لست بصاحبه، ثم دعا آخر فقال له مثل ذلك، ثمّ دعا الثالث فقال : ما اسمك؟ قال: إبراهيم، قال: خذ في صنعته، فلما صنعه صعده رسول اللّه فحنّ الجذع حنين الناقة فنزل إليه - صلوات اللّه عليه _ فالتزمه فسكن. [ ينظر : المعجم الأوسط ٥: ٢٤٤ ،باختلاف كثير ] وأصل الحنين الشوق والانعطاف، لكنّ المدلول عليه في الأحاديث أنّه صوت، والمراد منه الدلالة على الشوق، أي الصوت الدالّ على شوقه إليه - صلوات اللّه عليه _ وخلق الأصوات في المحل وإن كان لا يستلزم خلق الحياة والعقل إلّا أنّ الحنين باعتبار الشوق إلى الذكر وإلى مقام الحبيب عنده كتألّم المشتاق عند الفراق إنّما يستدعي الحياة، فهذا يدلّ على أنّ اللّه تعالى خلق فيه العقل والحياة».
2- مجمع البحرين ٦ : ٢٤٠.
3- في هامش (أ) : «في (حياة الحيوان) [ ج 1، 170 و 171]: إنّ لفظ (البراق) مشتقّ من البرق الذي يلمع في الغيم وفي الصحيح: أنّه دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يضع خطوه عند أقصى طرفه، ويؤخذ من هذا أنّه أخذ من الأرض إلى السماء في خطوة وإلى السموات السبع في سبع خطوات. وبه يرد على من استبعد من المتكلمين إحضار عرش بلقيس في لحظة واحدة، وقال: إنّه أعدم ثمّ أوجد وعلله بأنّ المسافة البعيدة لا يمكن قطعها في هذه اللحظة، وهذا أوضح دليل في الردّ عليه. وإنّما كان الإسراء ليلاً لتظهر الخصوصية بين جليس الملك نهاراً وجليسه ليلاً. وهل ركوب البراق من خصائصه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أو يشترك جميع الأنبياء؟ وهل ليلة الإسراء ركب جبرئيل معه وكان رديفه أو لا ؟ وهل عرج البراق به ونزل عند منصرفه عليه أيضاً أو كان العروج عليه إظهاراً لكرامته ولم ينزل عليه إظهاراً لقدرة اللّه تعالى؟ كل ذلك يحتاج إلى نقل صحيح، فتتبع». (منه)

بذلك لنصوع لونها وشدة بريقها (1).

(اخترق): يعني مرّ (2).

(السبع الطباق): السماوات السبع، سمّيت طباقاً _ ككتاب _ لمطابقة بعضها بعضاً، وكون بعضها فوق بعض(3).

(السافر) : من سَفَرَ الصبحُ يَسْفِرُ - كيضرب - أضاءَ وأشرق – كأسفر- (4).

(المآثر): جمع المَأثُرَة، كالمَكْرُمة لفظاً ومعنىً (5).

(الإيوان) - بكسر الهمزة - الصُفَّة العظيمة، وأصله إوّان _ بتشديد الواو- ؛ بدليل ظهور الواوين في جمعه، وهو أواوين على حدّ دينار ودنانير، ومثله (6). (الديوان) - بكسر الدال، وقد يفتح -: وهو الكتاب الذي يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطيّة ويستعار لصحائف الأعمال، ومنه : «إذا ماتَتِ المرأةُ في النفاس لم يُنْشَرْ لها دِيوان يومَ القيامة» (7) ؛ فإنّ أصله دوّان فأبدل من إحدى الواوين ياء؛ للتخفيف بدليل جمعه على دواوین (8).

(قاصم): من قصمتُ الشيء قَصْماً من باب ضرب: كسرته حتى يَبِينَ، وقاصِم الجبّارين، أي مهلكهم (9).

ص: 240


1- ينظر مجمع البحرين ٥: 13٨.
2- ينظر لسان العرب ١٠ : ٧٥.
3- ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ٦: ٢٩١.
4- ينظر: القاموس المحيط 2: 112.
5- ينظر المحيط في اللغة 10 : ١٦٧.
6- ينظر : لسان العرب ١٣: ٤٠.
7- من لا يحضره الفقيه 1 : 139، ح 378.
8- مجمع البحرين ٦: ٢٤٩.
9- مجمع البحرين ٦: ١٣٩.

و (قَيْصَر ) (1) : - كحيدر - لقب هرقل، لقبُ مَن مَلَكَ الروم، وبه يلقّب كلّ مَن مَلَكَ الروم، كما أنّ مَن مَلَكَ الحبشة يلقّب ب_(النجاشي)، وكلّ مَن مَلَكَ فارِسَ ب_ (كِسْرَى) (2) _ بفتح الكاف وكسرها _ وهو معرّب خُسْرَوْ، وجمعه أكاسرة على خلاف القياس؛ لأنّ قياسه (كِسْرَوْن) ك_ ( عِيسَون) و (مُوسَون) - بفتح السين -(3).

(القاصف) : من قَصَفْتُ العُودَ : كسرتُه (4).

(المَلِك ) و (المليك) و(المالك) ككَتِف وأمير وصاحب ذو المُلْك (5).

(الغُلّة) بالضم، والغَلَل كفَرَس. والغليل - كأمير -: العطش، أو شدّته، أو حرارةُ الجَوْف (6).

(البدر التمام) على الوصفيّة، قال في (القاموس ) : أتمّ القمر امْتَلأَ فَبَهَرَ، فهو بدرُ

ص: 241


1- في هامش (ب): «قيصر) كلمة إفرنجيّة، معناها : شقّ عنه، وسببه على ما قاله المؤرخون : أنّ أم قيصر ماتت في المخاض فشقّ بطنها وأخرج؛ فسمّي قيصر وكان يفخر بذلك على الملوك ويقول إنّه لم يخرج من الرحم، واسمه اغسطس وفي زمن ملكه ولد المسيح، ثمّ وضع هذا اللقب لكلّ من ملك الروم، كما لقبوا ملك الترك خاقان، وملك فارس كسرى، وملك الشام هر قل، وملك القبط فرعون وملك اليمن تبعاً، وملك مصر في الإسلام سلطاناً. وعن ابن خلكان: أنّ ملك الروم احترق في الزمن الأول، فبقيت منه امرأة فتنافسوا في الملك، ثمّ اصطلحوا على أن يملكوا أوّل من يشرف عليهم فجلسوا مجلساً لذلك فأقبل رجل من اليمن ومعه عبد حبشي له يريد الروم فأبق العبد منه فأشرف عليهم، فقالوا انظروا في أيّ شيء وقعتم فزوجوه تلك الامرأة وملكوه عليهم، فولدت منه غلاماً سموه الأصفر؛ لصفرة لونه؛ لكونه تولد بين الحبشيّ والمرأة البيضاء، ونسب الروم إليه، ولهذا يقال للروم: بنو الأصفر». (حياة الحيوان في لفظ الحمار ) [ ج ١ : ص ٣٤٧]. وفيات الأعيان: ٦: ١٢٦.
2- ينظر تاج العروس 7: 398.
3- ينظر : الصحاح ٢ : ٨٠٦.
4- ينظر : تهذيب اللغة 8: 289.
5- القاموس المحيط ٣: ٤٣٧.
6- القاموس المحيط ٣: ٥٨٤.

تمامٍ، ويُكسَرُ ويوصَفُ به (1).

(القَسْوَرَة): العزيز والأسد، كالقَسْوَر (2).

(المبيد) من الإبادة، يقال: أبادَهُ اللّه - بالدال والراء - أهلكه (3).

(السرر الموضونة): المنسوجة بعضها على بعض، كما تُوْضَنُ حِلَقُ الدرع، فيدخل بعضها في بعض، من وَضَنَ الشيء يضنه فهو موضون ثنى بعضه على بعض (4).

وقال المفسِّرون: السرر الموضونة المنسوجة باليواقيت والجواهر، وقيل: بالذهب (5).

(الأرائك): جمع أريكة، وهي كسفينة سريرٌ في حَجَلَة من دونه سِتْر، فلا يكون منفرداً أريكة(6).

و(الحَجَلَة) : - بفتحتين - موضع يُزيّن بالثياب والستور للعروس (7).

(الحبائك): جمع الحَبيكة، وهي الطريقة في الرمل ونحوه(8).

(الحوراء) : _ بالفتح والمدّ _ واحدة الحور (9).

ص: 242


1- القاموس المحيط ٤: ١٨.
2- القاموس المحيط 2 : 201.
3- ينظر لسان العرب 3: 97.
4- ينظر لسان العرب ١٣ : ٤٥٠.
5- مجمع البحرين ٦: ٣٢٦.
6- ينظر : تاج العروس ١٣ : ٥٠٥.
7- القاموس المحيط ٣: ٤٨٦.
8- الصحاح ٤ : ١٥٧٨.
9- ينظر لسان العرب ٤ : ٢١٩.

(الخضراء): السماء؛ لأنها تعطي الخضرة في لونها (1).

(الغبراء): الأرض؛ لأنها تعطي الغبرة في لونها، وفي الحديث: «ما أظلَّتِ الخضراء وما أقلَّتِ (2) الغبراء على ذِي لهجة أصْدق مِن أبي ذرّ(3)»(4).

(الأقلال): الحمل، وفي الدعاء: «ما أقَلَّتْه قَدَمايَ» (5)، أي حملتاه، والمراد الجثّة والبدن (6).

(الدِيَم) كعنب: جمع الدِيمة، وهي بالكسر مطر يدوم في سُكون بلا رعد وبرق (7).

(الشرف) كصُرَد: جمع شُرفة القصر (8).

(الهاجدين): جمع الهاجد، قال الجوهري: «هَجَدَ وتَهَجَّدَ: نامَ ليلاً، وهَجَدَ وتَهَجَّدَ : سهر، وهو من الأضداد»(9)، والمراد هنا هو الثاني.

و (النجار) : الأصل (10).

(العَيبَة): - بالفتح - مستودع أفضل الثياب(11). و(عَيْبَةُ الأسرار) على

ص: 243


1- مجمع البحرين 3: 288.
2- في (أ): «ولا أقلّت».
3- معاني الأخبار: 178.
4- مجمع البحرين ٣: ٢٨٨.
5- مصباح المتهجّد : ٣٧.
6- مجمع البحرين ٥: ٤٥٣.
7- القاموس المحيط ٦٣:٤.
8- ينظر : الصحاح ٤ : ١٣٨٠.
9- الصحاح ٢: ٥٥٥.
10- تهذيب اللغة 11 : 30.
11- مجمع البحرين 2: 130.

الاستعارة.

(العَضب): السيف (1).

(الباتِر): القاطع (2).

(عَقْدُ الخناصر) به عليه السلام عند ذكر العلماء؛ كناية عن كونه أوّل العلماء ومقدّماً عليهم؛ فإنّ أوّل ما تعقد في مقام التعداد هي الخناصر.

(السهم الناقر) : الذي أصابَ الهدف (3).

و (عبابها ) _ بالرفع - عطفاً على (بحر الفضائل) الواقع خبراً المبتدأ محذوف أي هو بحر الفضائل ؛ بقرينة لفظ (قبابها) المرفوع بلفظ (المضروب).

(القِمّة) : - بالكسر - أعلى الرأس (4).

(القماقم): جمع القمقام، وهو بالفتح ويُضمّ : السيّد (5)، أي رأس السادة.

(الحمائم) : جمع الحميم، وهو الماء الحارّ الشديد الحرارة، يسقى منه أهل النار ويصب على أبدانهم(6).

(الأهوال الفاقِرَة) : هي الكاسرة لعظمها فَقَارَ الظهر وعظامه (7).

(المنجود): من النجد، وهو الكرب والغمّ، يقال: نُجِدَ كعُنِي فهو منجود

ص: 244


1- القاموس المحيط ١ : ١٤٠.
2- لمخصِّص ٦ : ٢١.
3- ينظر الصحاح ٢: ٨٣٥.
4- الصحاح ٥ : ٢٠١٥.
5- القاموس المحيط ٤: ١٣٧.
6- مجمع البحرين ٦: ٥٠.
7- المحيط في اللغة ٥: ٤٠٠.

كَرُبَ، وفي (القاموس): «المنجود: الهالك»(1).

(الهجود): _ بالفتح _ المصلِّي بالليل (2).

(زُهی) : کهدی، يقال: فلان زُها الدنيا، أي زينتها وإيناقها (3).

(الأريض): من أرضتِ الأرضُ فهي أرض أريضةٌ زكيّةٌ مُعْجِبَةٌ للعَيْن خَليقةٌ للخير (4)، في (مجمع البحرين): «ومن خواص الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه دخل عليه قوم من الشيعة فسألوه عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها وهو ابن عشر سنين»(5).

(الأمجاد): جمع المجيد، ومنه قولهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) : «أما نحن بنو هاشم فأمجاد»، أيأشراف كرام (6).

(الأنجاد): جمع نجد، وهو الشجاع، ففي حديث عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أما بنو هاشم فأنجاد» (7)، أي : أشدّاءُ شُجعان (8).

(الهوادي): جمع الهادية من هدأت الليلة سكنت (9). وسكون الليل عبارة عن سكون أهله فيه وسكونهم أنما هو في وسط الليل، فالمعنى أنّه النجم المضيء في أواسط الليلة، أي عند ظلامها.

ص: 245


1- القاموس المحيط ١ : ٤٧٢.
2- المحكم والمحيط الأعظم ٤: ١٥٢.
3- ينظر : تهذيب اللغة ٦: ١٩٧.
4- القاموس المحيط ٢ : ٤٩٥.
5- مجمع البحرين 3: 29.
6- مجمع البحرين ٣: ١٤٣.
7- النهاية في غريب الحديث والأثر ٥: ١٨.
8- مجمع البحرين ٣: ١٤٩.
9- ينظر لسان العرب 1 : 180.

(الرادي) من رداه صدمه (1).

(حدا الحادي) بالإبل : غنّى لها؛ ليحثّها على السير، وفي الدعاء ذكر الحادِيَيْن وهما الليل والنهار، كأنّهما يحديان بالناس للسير إلى قبورهم كالذي يحدي بالإبل (2).

و (خَدَى) البعير _ بالمعجمة _ : أسرع (3).

(السَريّ) : الشريف (4).

(الوجه القمريّ) عطف على (الخلق العنبريّ)، أي صاحب الوجه القمريّ، وكذا اللفظ (الجوهريّ) و (الحلم الحيدريّ).

(العبقريّ): الكامل من كلّ شيء، والسيّد، والذي ليس فوقه شيء(5).

(العبهريّ): نسبة إلى عبهر. وهو النرجس والياسمين، ونبت آخَرُ فارسيّتُه بُستان افرُوز (6).

(التقلّص) : الانضمام والانزواء. وفي الحديث: «الدنيا أنها عند ذوي العقول كفَيْءِ الظَّلِّ بَيْنَا نَراه سائغاً حتّى قَلَصَ»، أي انزوى وانضمّ (7).

(الراقي) : من رَقَيْتُه عوّذته باللّه (8).

ص: 246


1- ينظر : القاموس المحيط ٤: ٣٦٧.
2- مجمع البحرين ١: ٩٦ - ٩٧.
3- لسان العرب ١٤: ٢٢٤.
4- النهاية في غريب الحديث والأثر ٣: ٤٧٦.
5- القاموس المحيط ٢ : ١٥٨.
6- القاموس المحيط ٢ : ١٥٨.
7- مجمع البحرين ٤ : ١٨١.
8- المصباح المنير ٢ : ٢٣٦.

(يسفر) : من أسفَرَ الصبح إذا انكشف وأضاء(1).

(يُبرق) من الإبراق. يقال: برق [ب]سيفه وأبرق إذا لمع (2).

(البنود): جمع البند، وهو العلم الكبير (3).

(الكتائب): جمع الكتيبة، وهي الجيش(4).

(المجنّدة): المجموعة، كما في قوله : «الأرواحٌ جنودٌ مجندةٌ» (5).

(القواضب) جمع القاضب، وهو السيف (6).

(المهنّدة) من هَنَّدَ السيف شَحَذَه (7).

(التحجيل): بياضُ في قوائم الفرس كلِّها، ويكون في رِجلَين ويدٍ، وفي رِجلَين فقط، ولا يكون في اليدين خاصّة إلّا مع الرجلَين، ولا في يد واحدة دون الأخرى إلّا مع الرِجلَين. والفرسُ مَحجولٌ ومُحَجَّلٌ(8). وفي الحديث: «خيرُ الخَيْلِ [الأقرحُ] المُحَجَّل»، وفي حديث عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنه «قائد الغُرِّ المحجّلين» (9).

و (الغرّة) : بياض في جبهة الفرس (10). والمحجّل هنا الأبيض اليدين والرجلين والمراد أنّه تظهر أنوار يوم القيامة في أعضاء الوضوء من المصلين فيقطعون بها ظلمات

ص: 247


1- لسان العرب ٤: 370.
2- مجمع البحرين ٥: ١٣٩.
3- الصحاح ٢ : ٤٥٠.
4- الصحاح 1 : 209.
5- ينظر: تهذيب اللغة ١٠: ٣٤٨.
6- الصحاح 1 : 203.
7- المحكم والمحيط الأعظم ٤ : 2٦٣.
8- القاموس المحيط ٣: ٤٨٦.
9- ينظر: مجمع البحرين ٥: ٣٤٩.
10- ينظر: الصحاح ٢: ٧٦٧.

الآخرة، ويكون هو (عَلَيهِ السَّلَامُ) قائداً لهم، فاستعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه.

(السابقات المعجَّلة): النعم.

و(الساهرة): وجه الأرض من السهر، سمّيت ساهرة لأنّ فيها سهرهم ونومهم، وأصلها مسهورة، ومسهورة فيها، فصرف عن مفعوله إلى فاعله ك«عِی_شَهٍ رَاضِيَة »(1)، أي مرضيّة (2).

و(الأساورة): جمع الأسوار - بالضمّ والكسر-، وهو الجيد الرمي بالسهام، والثابت على ظهر الفرس (3).

و(القساورة) الأسود (4).

و (السراحين): جمع سِرحان، وهو الذئب والأسد (5).

و (الأجَم): الشجر الكثير المُلْتَفٌ (6) في الوادي تأوي إليه السباع.

و (الضواري) من السباع (7) : ما لهج بالصيد وتعوّد أكله.

و(الأرج): تَوَهُّج ريح الطيب (8).

ص: 248


1- سورة الحاقّة : 21.
2- مجمع البحرين 3: 339.
3- القاموس المحيط 2 : 118.
4- ينظر: أساس البلاغة : ٥٠٦.
5- ينظر : المحيط في اللغة ٢ : ٤٨٢.
6- المحكم والمحيط الأعظم ٧: ٤٩٦.
7- ينظر : تاج العروس ١٩: ٦٢٢.
8- الصحاح 1 : 298.

[ المسألة التاسعة عشرة : بيان إمامة محمّد بن عليّ الجواد والمهديّ القائم (عَلَيهِم السَّلَامُ) مع أنّهما كانا صغيرين].

قال: «المسألة التاسعة عشرة: إنّ من ضرورة دين الإسلام، عدم توجّه التكليف إلى الأيتام بالصلاة والصيام، وسائر الأحكام من الحلال والحرام، والحجر عليهم فيما لهم من الأموال، حتّى يبلغوا الحلم ويدركوا ما تدركه الرجال، قال تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَاهُمْ»(1)، فإذا كان حال اليتيم ما وصفناه من عدم توجّه التكليف إليه وكونه محجراً عليه؛ فكيف يجوز أن يكون إمام الأنام، ووالي الإسلام، وحجّة على الخاص والعام، ومرجع القضاة والحكّام، في القضايا والأحكام، وأميناً على الصدقات والأموال من قبل الملك العلّام؟ كأبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام مدى الأيام؛ فإنّه كان عند وفاة أبيه الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، صبيّاً صغيراً لم يبلغ الحلم وكالحجّة المنتظر عجّل اللّه فرجه؛ فإنّ غاية ما قيل في سنّه عند وفاة أبيه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) خمس سنين؛ فمن هو محجّر عليه لصغره لا ولاية له على مال نفسه؛ لعدم رشده، فكيف يجوز الإمامة، ويكون له الرئاسة العامة، في أمور الدنيا والدين على الخلائق أجمعين؟».

أقول: هذا من اعتراضات أهل السنّة، ونجيب عنه نقضاً وحلاً بما هو أشدّ عليهم من وقع الأسنّة.

ص: 249


1- سورة النساء : ٦.

أمّا الأوّل: فروى العياشيّ، بإسناده عن عليّ بن أسباط، قال: «قدمت المدينة وأنا أريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن عليّ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو إذ ذاك خماسيّ، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إليّ فقال: يا عليّ، إنّ اللّه أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوّة، قال: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْما»(1)، وقال:«وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبيّاً»(2)، فقد يجوز أن يعطى الحكم ابن أربعين سنة، ويجوز أن يعطاه الصبيّ»(3).

فاللّه تعالى لمّا وهب يحيى زكريا أعطاه الفهم والعقل، وحين مات زكريا ورثه يحيى الكتاب والحكمة _ وهو صبي صغير-، وآتاه اللّه النبوّة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين، كما عن ابن عبّاس، وقال له : «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ» الذي هو التوراة «بقُوَّة»(4)، أي :، أي: بما قواك اللّه عليه وأيّدك به» (5) من العقل والفهم.

وكذا القول في عيسى؛ فإنّ اللّه أكمل عقله في صغره، وأرسله إلى عباده، وكان نبيّاً مبعوثاً إلى الناس في ذلك الوقت مكلّفاً عاقلاً، ولذلك كانت له تلك المعجزة، قال تعالى: «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيَا، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [قَالُوا: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبيّاً]، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّه آتَانِ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبيّاً وَجَعَلَنِي * مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّا»(6) الآيات، فما كان جوابهم عن النبوّة فهو جوابنا عن الإمامة.

وأمّا الثاني فنقول: إنّ الحجر وعدم توجّه التكليف إنّما هو لأجل نقصان

ص: 250


1- سورة القصص : ١٤.
2- سورة مريم: 12.
3- ينظر : تفسير مجمع البيان ٦ : ٤٠٨، وبحار الأنوار ١٤: ١٧٧.
4- سورة مريم: ١٢.
5- ينظر : تفسير مجمع البيان ٦: ٤٠٧.
6- سورة مريم: 28 - 31.

عقول الصغار عن الكمال وعدم تمييزهم للصلاح عن الفساد في الأقوال والأفعال، وأمّا الصغير الكامل العقل الذي عقله أوفر من عقول الرجال؛ فخارج عن دائرة الصغار، بل غير داخل في عداد اليتامى، كالإمامين الهمامين وآبائهما المصطفين؛ فإنّ عقولهم وعلومهم لا تتفاوت بالصغر والكبر باتّفاق الفريقين.

قال أبو حنيفة: دخلت المدينة فأتيت جعفر بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فسلّمت عليه وخرجت من عنده فرأيت موسى ابنه في دهليز الدار قاعداً _ وهو صبي صغير السنّ - فقلت له : يا غلام أين يحدث الغريب عندكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إلي ثمّ قال: «اجتنب شطوط الأنهار، ومسقط الثمار، وأفنية الدور، والطرق النافذة، والمساجد، وضع بعد ذلك حيث شئت».

قال: فلمّا سمعت هذا القول نبل في عيني، وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ممّن المعصية ؟ فنظر إليّ وقال : «اجلس حتى أخبرك» فجلست بين يديه فقال: «إنّ المعصية لا بد أن تكون من العبد، أو من خالقه تعالى، أو منهما جميعاً، فإن كانت من اللّه تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت منهما فهو شريكه والقويّ أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر وإليه توجّه النهي، وله حق الثواب وعليه العقاب ووجبت له الجنّة والنار.

قال أبو حنيفة: فلمّا سمعت ذلك قلتُ : «ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).

أقول: وفي ذلك يقول الشاعر :

لم تَخْلُ أفعالُنا اللاتي نُذَمُّ بها***إحدى ثلاث معانٍ حين نأتيها

إِمّا تَفَرُّد بارئنا بصنعتها***فيَسْقُطُ اللوم عنّا حينَ نُبْدِيها

ص: 251


1- سورة آل عمران: ٣٤.

لو كان يشركنا فيها فيلحقه***ما سوف يلحقنا من لائمٍ فيها

أو لم يكن لإلهي في جنايتها***ذنب فما الذنب إلّا ذنب جانيها (1)

ونقل الخاصة والعامّة : إنّ المأمون ركب يوماً للصيد فمرّ ببعض أزقّة بغداد على جماعة من الأطفال، فخافوا وهربوا وتفرّقوا وبقي منهم واحد في مكانه فتقدّم إليه المأمون، وقال له: كيف لم تهرب كما هرب أصحابك؟، فقال: «لأنّ الطريق ليس ضيقاً فيتّسع بذهابي ولا لي عندك ذنب فأخافك لأجله، فلأيّ شيء أهرب؟» فأعجب كلامه المأمون فلما خرج إلى الصيد (2) أرسل صقره فارتفع في الهواء ولم يسقط على الأرض حتّى رجع وفي منقاره سمكة صغيرة فتعجب المأمون من ذلك؛ فلما رجع تفرّق الأطفال وهربوا إلا ذلك الطفل ؛ فإنّه بقي في مكانه _ كما في المرة الأولى-، فتقدّم إليه المأمون وهو ضامّ كفّه على السمكة، وقال له: قل أيّ شيء في يدي؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّ الغيم حين يأخذ من ماء البحر يداخله سمك صغار فيسقط منه فيصطادها صقور الملوك فيمتحنون بها سلالة النبوّة»، فأدهش ذلك المأمون وقال له: من أنت؟ فقال: «أنا محمّد بن علي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)» _ وكان ذلك بعد واقعة الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان عمره (عَلَيهِ السَّلَامُ) في ذلك الوقت احدى عشرة سنة، وقيل : عشراً - فنزل المأمون عن فرسه وقبّل رأسه وتذلّل له، ثم زوّجه ابنته (3).

وفي (الاحتجاج) عن الريّان بن شبيب قال: «لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمد بن عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بلغ ذلك إلى العباسيّين فغلظ عليهم واستنكروه منه فقال: ما اخترته إلّا لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم مع صغر سنّه، فقالوا له: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هداه؛ فإنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدّب

ص: 252


1- ينظر: الفصول المختارة : 73، باختلاف يسير.
2- في مفتاح الفلاح: «خارج بغداد».
3- مفتاح الفلاح: 172 - 173، وعنه في بحار الأنوار ٥٦ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم إنني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من اللّه وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوه. قالوا: لقد رضينا بذلك. فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم _ وهو يومئذ قاضي الزمان - على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة، فاجتمعوا وجرى بينهم ما جرى وتحيّر يحيى وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج حتّى عرف أهل المجلس عجزه.

ثمّ سأله المأمون أن يسأل يحيى عن مسألة؛ فسأله عن الامرأة التي حرمت وحلّت لرجل واحد أربع مرّات فلم يهتد إلى جواب ولا عرف الوجه فيه، فأفاده أبو جعفر الجواب، فقال المأمون: ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن عشر سنين، وقبل عنه الإسلام وحكم له به ولم يدع أحداً في سنّه غيره، وبايع الحسن والحسين، وهما دون الست سنين ولم يبايع صبيّا غير هما» الخبر (1).

إلى غير ذلك من الآثار المرويّة لدى الطريقين، والأخبار المحكيّة عند الفريقين، القاضية بأنّ عقولهم وعلومهم في حال صغرهم في أقصى درجات الكمال، لا تتفاوت بحال من الأحوال.

وأما آية الحجر، فبعد تسليم عمومها نقول: إنها مخصّصة بأدلة الإمامة، وهل في الكتاب من عموم إلا وهو مخصوص، أو من إطلاق إلّا وهو مقيّد؟ فهي كقوله تعالى: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ»(2) ؛ فإنّ لفظه عامّ

ص: 253


1- الاحتجاج ٢ : ٢٤١ - ٢٤٥، باختلاف كثير.
2- سورة النساء : ٣.

والإجماع خصصه بغير النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولقد أخرجوا ابنة رسول اللّه من عموم آية الميراث وخصّصوها بخبر ينفيه القرآن، ويردّه اتفاق الأديان ولا يقبلون منّا تخصيص آية الأيتام بدليل العقل وتواتر الأخبار على إمامة هؤلاء الأنوار!

ص: 254

[ المسألة المكمّلة للعشرين: بيان أدلّة آية التطهير على العصمة، والجواب عن شبهة الخصم].

قال: «المسألة المكمّلة للعشرين : إنّ من جملة أدلّة العصمة آية التطهير، وللخصم فيها كلام من وجهين:

الأوّل: أنّ صدر الآية وما بعدها في أزواج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) خاصّة فكذا هي؛ وإلا لخرج الكلام عن الانتظام.

الثاني: أنّ التعبير بلفظ الإرادة قاض بعدم الوقوع».

أقول قد سبق منّا ما به الكفاية في بيان هذه الآية في (أجوبة المسائل الحجازيّات) (1)، ونزيد ههنا؛ أنّ كون صدر الآية وما بعدها في الأزواج لا ينافي كون آية التطهير نزلت في النبي وعلي وفاطمة وأبنائهما - سلام اللّه عليهم أجمعين ؛ فإنّ آيات القرآن يأتي أوّلها في شيء، وآخرها في شيء آخر، ووسطها في معنى وصدرها في غيره، وهذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم؛ فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ثم يعودون إليه، وكذلك كلام العرب، وأشعارهم، والقرآن من ذلك مملوّ، وهذا أحد الوجوه في المنع عن تفسير القرآن بالرأي.

ففي (الصافي)، عن العيّاشيّ، عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ): «ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها

ص: 255


1- لم نعثر عليه.

في شيء» الخبر(1)، على أنّ هنا وجوهاً تقضي بنزولها فيهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وعدم شمولها للأزواج.

الأوّل: الروايات الخارجة عن الإحصاء المرويّة بطرق الخاصة والعامّة، فعن الثعلبيّ في تفسيره بالإسناد إلى أم سلمة: إنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان في بيتها فأتته فاطمة - صلوات اللّه عليها - ببرمة فيها حريرة، فقال لها ادعي زوجك وابنيك، فجاءت بهم فطعموا، ثمّ ألقى عليهم كساءً له خيبريّاً، وقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فأنزل اللّه تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه» الآية (2)، :قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت أنا معكم يا رسول اللّه؟ قال: إنكِ إلى خير (3)،ولم يقل: «إنَّكِ من أهل بيتي».

إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة بطرق الفريقين القاضية بنزول الآية في هؤلاء الأنوار والمخرجة للأزواج عن حكمها، والقرآن إنّما يحمل على ما جاء به الأثر دون ما اختلج بالبال، أو جال في الخيال.

الثاني: قاعدة العربية؛ فإن جمع المذكر بالميم وجمع المؤنث بالنون والفصل بينهما بهاتين العلامتين، ولا يجوز في لغة العرب وضع علامة المؤنّث على المذكّر ولا وضع علامة المذكّر على المؤنّث، ولمّا وجدنا اللّه قد بدأ في هذه الآية بخطاب النساء فأورد في خطابهنّ النون التي هي علامة جمعهنّ فقال: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ»(4) إلى قوله: «وَأَطِعْنَ اللّه وَرَسُولَهُ»، ثم عدل بالكلام عنهنّ إلى جمع المذكر وأتى بالميم وأسقط النون فقال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ

ص: 256


1- تفسير العياشي ١: ١٢، والتفسير الصافي ١: ٢٩.
2- سورة الأحزاب: 33.
3- الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي ) ٨: ٤٢، باختلاف يسير.
4- سورة الأحزاب: ٣٢.

[ ] عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ [تَطْهِيراً](1)، علمنا أنّ هذا القول والخطاب لا يتوجّه إلى النساء المذكورة أوّلاً؛ بما بيناه من قاعدة العربية، ثم عاد إلى ذكر الأزواج «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ»(2) الآية، ولا وجه للحمل على تغليب المذكّر على المؤنث؛ فإنّ ذلك إنّما يصحّ لو كان في جماعة الأناث ذكر، ولم يذكر مع الأزواج رجل غير النساء أريد بالخطاب ؛ ليصحّ التعلّق بالتغليب، فلم يبق إلّا ما أفدناه من توجّه خطاب الآية إلى من ذكرناهم ممّن جاء به الأثر.

وهذا الوجه مروي عن زيد بن علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ففي (الصافي)، عنه:«إنّ جهالاً من الناس زعموا أنه أنّها أراد اللّه تعالى بهذه الآية أزواج النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وقد كذبوا وأثموا وايمن اللّه، ولو عنى أزواج النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لقال: «ليذهب عنكن الرجس ويطهركنّ» ولكان الكلام مؤنثاً كما قال : «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ» [و]«وَلَا تَبَرَّجنَ» و «لَسْتُنَّ»(3).

الثالث: إنّ هذه الآية تدلّ على عصمة المخاطب بها؛ فإنّ لفظة (إنّما) محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت ؛ فإنّ قول القائل: «إنّما لك عندي درهم»، و«إنّما في الدار زيد» يقتضي أنّه ليس عنده سوى الدرهم وليس في الدار سوى زيد، وإذا تقرّر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس.

ولا يجوز الوجه الأوّل؛ لأنّ اللّه تعالى قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل بيت دون سائر الخلق ؛ ولأنّ هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة، ولا مدح في الإرادة المجردة، فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيين في الآية عن القبائح، وقد علمنا بالإجماع أنّ من عدا من

ص: 257


1- سورة الأحزاب: 33.
2- سورة الأحزاب : ٣٤.
3- التفسير الصافي ٤ : ١٨٧.

ذكرناه من أهل البيت من الأزواج وغيرهنّ غير مقطوع بعصمته، بل مقطوع بعدم عصمته، فثبت أنّ الآية مختصّة بهم؛ لبطلان تعلّقها بغيرهم، وبما أفدناه وإن ظهر الجواب عن الوجه الثاني الذي هو حديث التعبير بلفظ الإرادة إلّا أنّ هنا تحقيقاً آخَر فنقول: إنّ الخبر في الآية عن الإرادة إنّما هو خبر عن وقوع الفعل خاصة.

توضيح ذلك: إنّ من صفات اللّه الإرادة وهل هي من صفات الفعل أو الذات؟ مقتضى صحة دخول النفي عليها الأوّل، قال تعالى: «يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(1)، وهذا سبيل صفات الفعل دون صفات الذات، ولهذا لا يقال : يعلم ولا يعلم، والظاهر من الأخبار الكثيرة أيضاً ذلك.

ففي (مجمع البحرين): «عن عاصم بن حميد قال : قلت لأبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : لم يزل اللّه مريداً، قال: إنّ المريد لا يكون إلا لمراد معه، لم يزل اللّه عالماً قادراً ثمّ أراد»(2).

وعن صفوان قال : قلت لأبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): أخبرني عن الإرادة من اللّه ومن الخلق، فقال: الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأمّا من اللّه فإرادته إحداثه لا غير [ذلك ] ؛ لأنّه لا يروّي ولا يهم ولا يتفكّر، فهذه الصفات منفيّة عنه، وهي صفات الخلق فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك، يقول له كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر، الخبر (3).

وعلى تقدير أن تكون من صفات الذات؛ فهي عبارة عن علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة الداعية إلى إيجاده كما اختاره أبو الحسين البصريّ (4).

ص: 258


1- سورة البقرة : ١٨٥.
2- الكافي ١ : 109/ باب الإرادة انها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل، ح 2، ومجمع البحرين ٣: ٥٦.
3- الكافي :1 : 109 - 110 / باب الإرادة انها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل، ح 3.
4- ينظر: النافع يوم الحشر : ٤١.

وأما قول البلخي: إنّ الإرادة في أفعاله تعالى علمه بها، وفي أفعال غيره هي أمره بها، فإن أراد العلم المطلق فليس بإرادة، وإن أراد العلم المقيد بالمصلحة فهو ما أفدناه (1).

وأمّا الأمر فهو مستلزم للإرادة لا نفسها، فعلى فرض كونها من صفات الفعل كان معنى قوله: «يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس» أوجد اللّه ذلك، أي أذهب عنكم الرجس، فإرادته نفس إيجاده للشيء، كما قال: «إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2)، وعلى تقدير أن تكون من صفات الذات كان معناه يعلم اللّه أنّ في إذهاب الرجس عنكم مصلحة داعية إلى إيجاده وإيقاعه فأوجده؛ ضرورة عدم انفكاك العلم بأنّ الأصلح إيجاده عن إيجاده؛ إذ مع كون المصلحة داعية إلى إيجاده ! يختار عدم الإيجاد وشرح القول في هذا الباب خارج عن وضع الكتاب، وفيما أفدناه في الجواب، كفاية لأولي الألباب.

ص: 259


1- ينظر النافع يوم الحشر : ٤١.
2- سورة يس : 82.

[ المسألة الأولى بعد العشرين: بيان اعتراض البهائي (رَحمهُ اللّه) على تعريف العلّامة (رَحمهُ اللّه) للطهارة بأنّها غسل بالماء أو مسح بالتراب]

قال: «المسألة الأولى بعد العشرين ما يريد البهائي - زاد اللّه بهاءه _ من اعتراضه على العلّامة في تعريف الطهارة بأنه غسل بالماء أو مسح بالتراب على وجه يصلح إلى آخره بقوله : وينتقض بالوضوء والتيمم؛ فإن دخل الثاني لخروج الأوّل خرج الأوّل لدخول الثاني (1)».

أقول: أراد أنّ التعريف يجب أن يكون جامعاً لأفراد المعرّف والتعريف المذكور ليس بجامع؛ لخروج الوضوء والتيمم منه؛ فإنّه (رَحمهُ اللّه) وإن عنى بقوله: «غسل بالماء» الغسل والوضوء زعماً منه أنه يعمّهما ؛ لأنّ كلاً منهما غسل بالماء، وبقوله: «مسح بالتراب» التيمم إلّا أنّ هذه العناية غير صحيحة؛ فإنّ حقيقة الوضوء مركّبة من أمرين:

الأوّل: غسل الوجه واليدين.

الثاني: مسح الراس والرجلين فالغسل وحده ليس بوضوء، فقوله: «غسل بالماء» لا يشمل الوضوء، نعم هو شامل للغسل ؛ لأنه غسل كلّه. وكذا حقيقة التيمم مركبة من أمرين:

الأوّل: الضرب باليدين على الأرض.

ص: 260


1- ينظر : جامع الشتات (للميرزا القمي) 1 : 2.

والثاني: مسح الجبهة واليدين بهما، فالمسح وحده ليس تيمّماً، فقوله: «مسح بالتراب» لا يشمل التيمّم، فهذا معنى قول البهائي، وينتقض بالوضوء والتيمّم، فأما قوله: «فإن دخل الثاني لخروج الأوّل خرج الأوّل ؛ لدخول الثاني» فإشارة إلى إدخال التيمم بضرب من التوجيه؛ فإنّ بعضهم أنكر كون الأمر الأوّل، وهو الضرب باليدين على الأرض داخلاً في حقيقة التيمم، وذهب إلى أنّ ماهيته مركبة من المسحتين، وأمّا الضرب باليد على الأرض، فخارج عن حقيقته فهو في التيمم كالاغتراف من الإناء في الوضوء، فكما أنّ الاغتراف المذكور خارج عن حقيقة الوضوء كذلك الضرب باليدين على الأرض خارج عن حقيقة التيمم، فالإيراد على التعريف بخروج التيمم منه مندفع.

وأما الإيراد عليه بخروج الوضوء منه فغير مندفع؛ لأنّ الأمر الثاني وهو مسح الرأس والرجلين داخل في حقيقته قطعاً وهذا معنى قوله: «فإن دخل الثاني إلى آخره»، أي: فإن دخل التيمم في التعريف لخروج الأمر الأوّل _ وهو الضرب باليدين عن حقيقته التي هي المسح بالتراب - خرج الأوّل - أي الوضوء _ عن التعريف؛ لدخول الأمر الثاني - وهو مسح الرأس والرجلين في حقيقته-.

هذا بيان اعتراضه لكن قد يقال في الجواب عنه : بأنّ قول العلّامة: «على وجه يصلح للتأثير إلى آخره» مدخل للوضوء في التعريف؛ لأنّ الغَسْل المعتبر في الوضوء لا يصلح للتأثير إلّا إذا لحقه المسح ومدخل للتيمم أيضاً، ولو قيل: «بدخول الضرب في ماهيته»؛ لأنّ المسح المعتبر في التيمم لا يصلح للتأثير إلّا إذا سبقه الضرب فلا ينتقض التعريف بهما فتأمل.

ص: 261

[ المسألة الثانية بعد العشرين: بیان قوله تعالى: «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمَ» ]

قال: «المسألة الثانية بعد العشرين: إنّ المطلوب في قوله تعالى: «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(1) اجتناب ما هو إثم من الظنّ، وباجتناب الكثير من الظنّ مطلقاً قد لا يتحقق اجتناب ذلك البعض الذي هو إثم؛ لجواز أن يكون ذلك البعض خارجاً عن تلك الأفراد الكثيرة».

أقول: قد يقال: إنّ (كثيراً) واقع موقع المفعول المطلق، و(من الظنّ) متعلّق ب_(اجتنبوا)، أي اجتنبوا من الظنّ اجتناباً كثيراً ولا تقربوه أصلاً؛ لأنّ بعضه إثم وكلّ ما هذا شأنه ينبغي أن يجتنب اجتناباً كثيراً ولا يقرب خشية الوقوع فيما هو إثم منه.

ويرد عليه أنّ (اجتنبوا) لا يتعدّى ب_ (من)، بل هو متعدّ بنفسه، قال تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ»(2)، وقال: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ»(3)، وإن حملناه على زيادة (من) يرد عليه أنّ (من) لا تزاد إلّا في النكرة الواقعة بعد نفي أو شبهه إلا على قول ضعيف لا ينبغي حمل التنزيل عليه، وأيضاً الحرف الزائد لا يتعلّق بشيء.

وقد يُجاب: بأنّ ( من الظنّ) متعلّق ب_ (اجتنبوا) على سبيل التضمين؛ فإنّ في الاجتناب معنى التباعد، وهو يتعدّى ب_(من)، قال تعالى: «وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ

ص: 262


1- سورة الحجرات: 12.
2- سورة النساء: ٣١.
3- سورة الحج : ٣٠.

بِبَعِیدٍ»(1)، ويمكن أن تحمل الآية على زيادة (من) ويكون المراد من قوله: (متعلّق)؛ المتعلق اللغويّ الذي هو الارتباط بين الشيئين كتعلّق المفعول بالفعل، ولمّا كان الاجتناب عبارة عن الكفّ عن الفعل كان فيه معنى النفي و(الظنّ) معرّفاً بلام الجنس وهو في المعنى نكرة صح زيادة (من)، فيكون معنى الآية: واجتنبوا الظنّ اجتناباً كثيراً؛ لأنّ بعض الظنّ إثم فلا يأمن من لم يجتنب الظنّ أن يكون ظنّه من بعض الظنّ الذي هو إثم، فينبغي تركه بالكليّة.

ثم على القول بأن (كثيراً) واقع موقع المفعول المطلق، وإنّ (من الظنّ) متعلق ب_ (اجتنبوا) ينبغي أن يكون نظم الآية واجتنبوا من الظنّ كثيراً، والأولى بقاء الآية على ما يتبادر منها.

ويقال في الجواب عن الإشكال: إنّ الظنّ على نوعين: حسن وسيّء، والسيّء أكثر وقوعاً من الحسن؛ لما جبلت النفوس عليه من سوء الظنّ. والتنوين من (كثيراً) للتنويع، والمعنى النوع الكثير الغالب الوقوع من الظنّ وهو الظن السيء؛ لأنه إثم.

ويحتمل أن يكون (من) للتبعيض، والآية من قبيل المجمل المبين بالسنّة بالظنّ السيء، والمعنى: اجتنبوا بعض الظنّ وهو السيء اجتناباً كثيراً؛ لأنه إثم، وعبّر بالظنّ لئلّا يتوهّم عود الضمير إلى مطلق الظنّ فيلزم أن يكون مطلق الظنّ إثماً، وليس كذلك.

ص: 263


1- سورة هود: 83.

[ المسألة الثالثة بعد العشرين: بيان قولهم في الدعاء : ربّ يسّر ولا تعسّر ]

قال: «المسألة الثالثة بعد العشرين : إنّ التيسير يوجب ترك التعسير كعكسه، فكان على الناس في قولهم ربّ يسر ولا تعسّر أن يكتفوا بطلب أحدهما».

أقول: لا بأس بالجمع بين المتلازمات في مقام الدعاء، وفي الأدعيّة المأثورة من ذلك ما لا يحصى ولا يكاد يستقصى، على أن صيغة (إفعل ) لا تقتضي التكرار، بخلاف صيغة (لا تفعل) على ما في الأصول (1)، أو يقال : لعّل القائل يعتبر مفعول الأوّل المحذوف غير مفعول الثاني، بحيث لا يتوهّم تلازم مع ذلك أصلاً، فتدبر.

وقد وقع مثل ذلك، وإن شئت قل عكسه في القرآن؛ قال تعالى في سورة المدثّر: «فَإِذَا نُقِرَ فِي النَاقُورِ»، ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ»، «عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرِ»(2)، فقوله: «غير يسير» بمعنى قوله : «عسير» إلّا أنّه «يومئذٍ» أعاده بلفظ آخر للتأكيد، كقولك: «أنا محبّ لك غير مبغض»، وفائدته أمور:

الأوّل: أن يمنع أن يكون عسيراً عليهم من وجه دون وجه.

وجه الثاني: أن ينبّه على أنّ عسره على الكافرين لا يرجى زواله، كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا.

ص: 264


1- ينظر: قوانين الأصول: ١٣٦.
2- سورة المدثر: 8 - 10.

الثالث: إنّه عسير على الكلّ؛ لأنّ أكثر الأنبياء يقول: نفسي نفسي والولدان يشيبون إلّا أنّ الكافر يختص بمزيد العسر(1) بحيث يكون اليسر منفياً عنه رأساً ويعلم هذا من تقديم الظرف، قاله النيشابوريّ، وفيه نظر؛ فإنّ (على) يتعلّق ب_ (عسير) ولا يتعلّق ب_ (يسير) لوجهين:

الأوّل: إنّ ما يعمل فيه المضاف إليه لا يتقدّم على المضاف.

الثاني: إنّ لفظ (غير) في حكم النفي، فلا يجوز أن يعمل بعده فيما قبله، نحو أن تقول: «أنت زيداً غير ضارب» فتدبّر، بل تقديم الظرف وهو قوله: «على الكافرين» يشعر بأنّ ذلك اليوم يسير على المؤمنين (2).

ولنقطع الكلام في الجواب، حذراً من ملل الإطناب، والجواب عن كلّ مسألة من المسائل المزبورة وإن كان مختصراً مفتقراً إلى فوائد ومهمّات، وزوائد وتتمّات، إلّا أنّ ما أفدناه من الكلام كافٍ في المقام، وافٍ بالمرام، كاشف عن الإبهام، رافع للإيهام، وأنت تعلم أنّ ما احتوى عليه هذا الكتاب العلي الشأن، الجليّ البرهان، من الفوائد المشنّفة للآذان، ودار لم يسبقني أحد إلى نظم منثورها في سلك البيان، وأبكار لم يطمثهنّ قبلي إنس ولا جانّ، وهذا من فضل اللّه العام، الذي يفتح بإمام بعد إمام، من أبواب العلوم والمعارف، ما لم يطفْ حوله من طوائف المتقدمين طائف، ويحلّ ببنان بیان عالم بعد عالم من عقد المسائل، ما يقصر عن تصوّره أذهان الأوائل، فالحمد لله الذي تفضّل علينا بفتح مغالق تلك المسائل بالبراهين والدلائل، وحلّ عقد تلك الأخبار، بدقائق الأنظار والأفكار، مع أنه لم يكن يحضرني عند الإملاء كتاب أستعين به على وجوه الإفادة في الجواب ؛ فإنّي كنتُ متشرِّفاً يومئذ بزيارة أئمة سامرّاء، الذين هم كهف الشيعة في الضراء والسراء، ومع ذلك جاء ببركتهم كتاباً شريفاً، جمعت فيه

ص: 265


1- ينظر: تفسير الرازيّ 30 : 197.
2- من قوله : «وقد وقع مثل ذلك وإن شئت قل عكسه في القرآن » إلى هنا لم يرد في (أ).

الشوارد وجواباً ظريفاً، جمت فيه الفوائد وتحريراً لطيفاً، نظمت في سلكه الفرائد، موسوماً ب_(نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)، ولمّا كان إملاؤه وإنشاؤه في تلك البلدة المقدّسة، التي هي على التقوى مؤسّسة، اكتفينا عن تأريخه بنقل أبيات أرّخنا بها تشرّفنا بسامرّاء، وهو من أحسن التواريخ من غير مراء، وهي هذه:

مُذ تَشَرَّفنا بِسرِّ مَنْ رَأى***مَعَ أصحاب کرامٍ بَرَرَه

واسْتَجَرْنا بِأَئِمَّة الهُدَى***بِقلوبِ قَدْ غَدَتْ مُنکسره مُنْكَسِرَه

كُلَّما كانَ مِنَ الذَنْبِ لَنا***بهم الرَحمنُ أَرْجُ: (غَفَرَه)

١٢٨٥ه_

فالحمد اللّه المحسن إلى عبده، والصلاة والسلام على رسوله، محمد الذي كساه خلع توحيده، وآله المتوجّين بتاج تقديسه،وتمجيده، ما لاح بدر تمام، وفاح مسك ختام.

ص: 266

المصادر

القرآن الكريم.

نهج البلاغة المختار من كلام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ).

أوّلاً: المخطوطات

(أ)

1) إزهاق الباطل: الهمدانيّ، محمد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه الحكيم، الرقم: 2/ ١٧٤٥، النجف الأشرف.

(ب)

٢) البشرى الهمدانيّ، محمّد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه الحكيم، الرقم : ٢٤١٧، النجف الأشرف.

(ش)

3) الشجرة المورقة: الهمدانيّ، محمّد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه المرعشيّ النجفيّ، الرقم : ٥٤٤٢، قم المقدّسة.

(ف)

٤) فصوص اليواقيت: الهمدانيّ، محمد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه الحكيم الرقم ٢٤٧١، النجف الأشرف.

(ل)

٥) لوح الضبط في حساب القبط : المغربي، علي بن عبد العزيز، محفوظة في مكتبة

ص: 267

آية اللّه الحكيم، الرقم: 18/ 221، النجف الأشرف.

(م)

٦) المحاسن في الإنشاء والترسّل: الهمدانيّ محمّد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه الحكيم، الرقم: ١/ ١٤١٦، النجف الأشرف.

7) مجموعة في التواريخ الشعريّة: الهمدانيّ، محمّد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه الحكيم، الرقم : ١٤١٦/ ٢، النجف الأشرف.

8) ملوك الكلام في جمع ما جرى بيننا وبين أولي الأفهام: الهمدانيّ، محمد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، محفوظة في مكتبة آية اللّه الحكيم، الرقم: ١٧٤٢، النجف الأشرف.

ثانياً: الكتب المطبوعة

(أ)

٩) الاحتجاج: الطبرسيّ، أحمد بن علي بن أبي طالب (ت ٥٤٨ه_)، تحقيق: السيّد محمّد باقر الخرسان، نشر: مطبعة النعمان، النجف الأشرف، ط ١، ١٣٨٦ ه_.

10) الأخبار الطوال: ابن قتيبة أحمد بن داود الدينوريّ (ت ٢82ه_)، تحقيق: عبد المنعم عامر مراجعة: جمال الدين الشيال، نشر : دار إحياء الكتب العربيّ / منشورات الشريف الرضي، القاهرة، ط ١، ١٩٦٠ م.

11) الاختصاص: العكبري، محمّد بن النعمان (ت ٤١٣ه_)، تحقيق: علي الغفاريّ، نشر : جماعة المدرّسين، قم المقدسة، ط ٢، ١٤١٤ه_.

12) اختيار معرفة الرجال: الطوسيّ، أبي جعفر محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠ه_)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، نشر: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قم المقدسة، ط ١، ١٤٠٤ه_.

13) الإرشاد: المفيد محمّد بن محمد بن النعمان العكبريّ (ت ٤١٣ه_)، تحقيق:

ص: 268

مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، نشر : دار المفيد، ط ٢، بيروت، ١٤١٤ ه_.

١٤) إرشاد القلوب: الديلميّ، محمد الحسن بن محمّد (ق 8ه_)، نشر: منشورات الشريف المرتضى، قم المقدسة، ط ٢، ١٤١٥ ه_.

١٥) أساس البلاغة: الزمخشري، محمود بن عمر (ت) ٥٣٨ ه_)، نشر : دار صادر، بيروت، ط 1، 1979 م.

١٦) الأعلام الزركليّ، خير الدين (١٤١٠ه_)، نشر: دار العلم للملايين، بيروت، ط 5، 1980م.

17) أعيان الشيعة: الأمين، السيّد محسن بن عبد الكريم العامليّ (ت 1371ه_ )، تحقيق حسن الأمين، نشر : دار التعارف للمطبوعات، بيروت.

18) إقبال الأعمال: الحلي، السيّد علي بن موسى بن جعفر بن طاوس (ت ٦٦٤ه_)، تحقيق: جواد القيوميّ الأصفهانيّ، نشر : مكتب الإعلام الاسلاميّ، قم المقدّسة، ط ١، ١٤١٤ه_.

١٩) ألحان السواجع بين البادئ والمراجع: الصَفَديّ، خليل بن أيبك (ت ٧٦٤ه_)، تحقيق: محمد عايش، نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤٢٨ ه_.

20) الأمالي (للشيخ الطوسيّ): الطوسيّ، أبي جعفر محمد بن الحسن (ت ٤٦٠ ه_)، :تحقیق: قسم الدراسات الإسلاميّة، نشر دار الثقافة، قم المقدّسة، ط ١، ١٤١٤ه_. :

21) الأمان من أخطار الأسفار والأزمان الحليّ، السيّد عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس (ت ٦٦٤ه_)، نشر وتحقيق مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قم المقدّسة، ط 1، 1409 ه_.

22) إمتاع الأسماع: المقريزيّ، أحمد بن عليّ بن عبد القادر (ت ٨٤٥ه_)، تحقيق: محمّد عبد الحميد النميسيّ، نشر دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤٢٠ه_ .

ص: 269

(ب)

23) بحار الأنوار: المجلسيّ، محمد باقر بن محمّد تقيّ (ت ١١٠ه_)، نشر : مؤسسة الوفاء، بيروت، ط ٢، ١٤٠٣ ه_.

٢٤) بشارة المصطفى: الطبريّ، محمّد بن أبي القاسم (ق ٦ه_)، تحقيق: جواد القيوميّ، نشر : جماعة المدرّسين، قم المقدسّة، ط ١، ١٤٢٠ ه_.

٢٥) بصائر الدرجات: الصفّار، محمد بن الحسن بن فروخ (ت ٢٩٠ه_)، تحقيق: الميرزا محسن کوچه باغيّ، نشر : مؤسسة الأعلميّ، طهران، ط ١، ١٤٠٤ ه_.

٢٦) البلد الأمين والدرع الحصين: الكفعميّ، إبراهيم بن عليّ (٩٠٥ه_)، نشر : مكتبة الصدوق، طهران، 1383 ش.

(ت)

27) تاج العروس من جواهر القاموس: الحسينيّ الزبيدي، السيّد محمّد مرتضى (١٢٠٥ه_)، عليّ شيريّ، نشر: دار الفكر، بيروت.

28) تاریخ ابن خلدون: ابن خلدون عبد الرحمن بن خلدون المغربي (ت 808ه_)، نشر : دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ٤.

29) تاريخ بغداد: الخطيب، أحمد بن علي البغدادي (ت ٤٦٣ه_)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤١٧ ه_.

30) تذكرة الفقهاء العلّامة الحلّى الحسن بن يوسف بن المطهر (ت ٧٢٦ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قم المقدّسة، ط ١، ١٤١٤ ه_.

٣١) الترياق الفاروقيّ: العمريّ الفاروقيّ، عبد الباقي بن سليمان الموصليّ (ت ١٢٧٨ه_)، تصحيح: عثمان المولويّ تقديم: الفضليّ، عبد الهاديّ، نشر: مطبعة نعمان، النجف الأشرف، ط 2، ١٣٨٤ه_.

٣٢) تزيين الأشواق بتفصيل أشواق العشّاق: الأنطاكي، داود بن عمر (ت

ص: 270

1008ه_)، تحقيق: أيمن عبد الجابر البحيريّ، نشر: دار البيان العربيّ، القاهرة.

33) تفسير الرازيّ: الرازيّ، فخرالدين (ت ٦٠٦ ه_)، ط ٣.

٣٤) تفسير الصراط المستقيم: البروجرديّ، السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ (ت 1381ه_)، تعليق: غلام رضا بن عليّ أكبر مولانا البروجرديّ، نشر: مؤسّسة أنصاريان، قم المقدّسة، ١٤١٦ ه_.

٣٥) تفسير العياشيّ: العياشيّ، محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقنديّ (ت 320ه_)، تحقيق : السيّد هاشم الرسوليّ، نشر المكتبة العلميّة الإسلاميّة، طهران.

٣٦) التفسير الصافيّ: الفيض المولى محسن بن المرتضى (1091 ه_)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلميّ، نشر : مؤسسة الهادي، قم المقدسة، ط ٢، ١٤١٦ ه_.

37) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان النيسابوري، الحسن بن محمد القمّيّ (ت ٨٥٠ه_)، تحقيق: زكريا عميرات، نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط 1، ١٤١٦ه_.

38) تفسير القمي: القمّي، علي بن إبراهيم القميّ (ق ٤ ه_)، تحقيق : السيّد طيّب الموسويّ الجزائري، نشر: مؤسسة دار الكتاب، قم المقدسة، ط ٣، ١٤٠٤ ه_.

٣٩) تفسير منهج الصادقين في الزام المخالفين: الكاشانيّ، الملّا فتح اللّه (ت 988 ه_)، نشر : مكتبة محمد حسن العلميّ، 1333 ش.

٤٠) تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب: المشهدي، محمد بن محمد رضا القميّ (ق 12ه_)، تحقيق: حسین در گاهيّ، نشر: مؤسّسة الطبع والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، قم المقدسة، ط ١، ١٤٠٧ ه_.

٤١) تفسير مجمع البيان: أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ (ق ٦ ه_)، نشر : مؤسسة الأعلميّ، بيروت، ط ١، ١٤١٥ ه_.

٤٢) تفسير نور الثقلين: الحويزيّ، عبد علي بن جمعة العروسيّ (ت ١١١٢ه_)،

ص: 271

تحقيق: السيّد هاشم الرسوليّ، نشر : مؤسسة إسماعيليان، قم المقدّسة، ط ٤، ١٤١٢ ه_.

٤٣) التقيّة: الشيخ الأنصاريّ، مرتضى بن محمد أمين (ت ١٢٨١ه_)، تحقيق: فارس الحسون نشر مؤسّسة قائم آل محمد (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ، قم المقدسة، ط ١، ١٤١٢ ه_.

٤٤) تكملة أمل الآمل : الصدر، السيّد حسن (ت ١٣٥٤ه_)، تحقيق : حسين علي محفوظ / عبد الكريم الدبّاغ / عدنان الدبّاغ، نشر: دار المؤرّخ العربي، بيروت، ط 1، ١٤٢٩ ه_.

٤٥) تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب (ت 817 ه_) نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط 1، 2011م.

٤٦) التوحيد القمّي، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ت 381ه_)، تحقيق: السيد هاشم الحسينيّ، نشر: جماعة المدرّسين، قم المقدّسة.

٤٧) تهذيب الأحكام الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن (ت ٤٦٠ ه_)، تحقيق وتعليق : السيّد حسن الموسويّ الخرسان، نشر: دار الكتب الإسلاميّة، طهران، ط 3، ١٣٦٤ ش.

٤٨) تهذيب اللغة: الأزهريّ، محمد بن أحمد (ت 370ه_)، نشر: دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ط ١، ١٤٢١ ه_.

(ج)

٤٩) جامع أحاديث الشيعة: البروجردي، السيّد محمد حسين الطباطبائيّ (ت : 1381ه_)، نشر: المطبعة العلميّة، قم المقدّسة، ١٣٩٩ ه_.

٥٠) جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق: القمّي، عليّ بن محمّد (ق 7 ه_)، تحقيق: الشيخ حسين الحسني البيرجنديّ، نشر: زمينه سازان ظهور، قم المقدسة، ط 1، 1379 ه_.

٥١) جامع الشتات: القمّيّ، الميرزا أبي القاسم (ت ١٢٣١ه_)، تصحيح:

ص: 272

مرتضى الرضويّ، نشر: مؤسّسة كيهان طهران، ط ١، ١٤١٣ه_.

52) الجامع الصغير: السيوطيّ، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه_)، نشر: دار الفكر، بيروت، ط ١، ١٤٠١ ه_.

٥٣) جمال الأسبوع: الحليّ، السيّد عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس (ت ٦٦٤ه_)، تحقيق: جواد القيوميّ الأصفهانيّ، نشر مؤسسة الآفاق، ط 1، 1371 ش.

٥٤) جمهرة اللغة: ابن دريد محمّد بن حسن (ت 321ه_)، تحقيق: بعلبكيّ، رمزي منير، نشر: دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1988 م.

٥٥) الجواهر السنية : الحر العامليّ، محمد بن الحسن بن عليّ (ت ١١٠٤ه_)، نشر : مكتبة المفيد، قم المقدّسة، ١٩٦٤م.

(ح)

٥٦) حياة الحيوان الكبرى: الدميريّ، كمال الدين ( ت 808ه_)، نشر : دار الكتب العلميّة، لبنان، ط ٢، ١٤٢٤ه_.

(خ)

٥٧) خزانة الأدب وغاية الأدب: ابن حجّة، تقي الدين بن عليّ (ت ٨٣٧ه_)، تحقیق: دَیاب،کوکب :نشر: دار صادر، بیروت، ط 2.

٥٨) الخصال: الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ (ت 381ه_)، تحقيق: علي أكبر الغفاريّ، نشر : جماعة المدرّسين، قم المقدسة، ١٤٠٣ ه_.

(د)

٥٩) دائرة المعارف الإسلامية الشيعيّة: الأمين، حسن، نشر: دار التعارف، بيروت، ٢٠٠٥ م.

٦٠) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: المدنيّ، السيّد عليّ خان الشيرازيّ

ص: 273

(ت 1120ه_)، تحقيق : السيّد محمّد صادق بحر العلوم، نشر : مكتبة البصيرتيّ، قم المقدّسة، 1397 ه_.

٦١) دمية القصر وعصرة أهل العصر : الباخرزيّ، عليّ بن الحسن بن عليّ (ت ٤٦٧ه_)، تحقيق: محمّد التونجي، نشر : دار الفكر، بيروت، ط ١، ١٣٩١ ه_.

٦٢) ديوان أبي تَمام: حبيب بن أوس الطائيّ (ت ٢٣١ه_)، تحقيق: شاهين عطية، نشر : شركة الكتاب اللبنانيّ، بيروت، 1387 ه_.

٦٣) ديوان أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ): تحقيق: محمد التونجيّ، نشر: دار الكتاب العربيّ، ط ١، ١٤١٤ه_.

٦٤) دیوان بابا طاهر: تصحیح مهديّ إلهي قمشه اي نشر : مطبعة الحاجّ محمّد عليّ العلميّ، 1332.

٦٥) ديوان حافظ شيرازي: الحافظ الشيرازيّ، شمس الدین محمد (ت 791ه_)، تحقیق: نصر اللّه،آژنگ، نشر: منشورات عالم گیر، طهران، ط 3، 1387 ش.

٦٦) ديوان رؤبة بن العجّاج : تحقيق: وليم بن الورد، نشر: دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط 2، 1980 م.

(ذ)

٦٧) الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة : الشنترينيّ، عليّ بن بسام (ت ٥٤٢ه_)، تحقيق: إحسان عبّاس، نشر دار الثقافة، بيروت، ط 1، 1399 ه_.

٦٨) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: الطهرانيّ الشيخ آقا بزرگ (ت1389ه_)، نشر: دار الأضواء، بيروت، ط٣، ١٤٠٣ه_.

٦٩) ذكرى الشيعة: الشهيد الأوّل، محمّد بن جمال الدين المكّي العامليّ (ت ٧٨٦ه_)، نشر و تحقيق: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، ط ١، ١٤١٩ه_.

ص: 274

(ر)

70) روح روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني: الآلوسيّ البغداديّ، السيّد محمود (ت 1270ه_)، نشر : دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ط ٤، ١٤٠٥ ه_.

71) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة : الشهيد الثاني، زين الدين الجبعيّ العامليّ (ت ٩٦٥ه_)، تحقيق السيّد محمّد کلانتر، نشر : مكتبة الداوريّ، قم المقدّسة، ط ١، ١٤١٠ه_.

72) روضة الواعظين: النيسابوريّ، محمّد بن الفتّال (ت ٥٠٨ه_)، تقديم: الخرسان، السيّد محمّد مهدي السيّد حسن، نشر: منشورات الرضيّ، قم المقدّسة.

(ز)

73) زاد المعاد: المجلسيّ، محمّد باقر بن محمّد تقيّ (ت ١١٠ه_)، نشر: موسّسة الأعلميّ، بيروت، ط ١، ١٤٢٣ه_.

(س)

٧٤) سبل السلام: الأمير، أحمد بن علي الكنانيّ (ت ٨٥٢ه_)، تعليق: محمّد عبد العزيز الخولي نشر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، ط ٤، ١٣٧٩ه_.

٧٥) سبل الهدى والرشاد: الصالحيّ الشاميّ، محمد بن يوسف (ت ٩٤٢ه_)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود / علي محمّد معوض، نشر: دار الكتب العلميّة،،بيروت، ط ١، ١٤١٤ ه_.

٧٦) السراج الوهّاج : الفاضل القطيفيّ، إبراهيم بن سليمان (ت ٩٥٠ه_)، نشر : جماعة المدرّسين، قم المقدسة، ط ١، ١٤١٣ه_.

77) سنن أبي داود السجستانيّب، أبي داود سليمان بن الأشعث (ت ٢٧٥ه_)،

ص: 275

تحقيق: سعيد محمّد اللحام، نشر دار الفكر، بيروت، ط ١، ١٤١٠ ه_.

78) السنن الكبرى: البيهقيّ، أحمد بن الحسين بن عليّ (ت ٤٥٨ه_)، نشر : دار الفكر، بيروت.

(ش)

٧٩) شرح أصول الكافي: المازندرانيّ، المولى محمد صالح (ت ١٠٨١ه_)، تعليق: الميرزا أبي الحسن الشعرانيّ، ضبط وتصحيح: السيّد علي عاشور، نشر : دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ١، ١٤٢١ ه_.

80) شرح شواهد المغني: السيوطيّ، عبد ارحمن بن أبي بكر (ت ٩١١ه_)، نشر : أدب الحوزة، قم المقدّسة، ط 1.

81) شرح فصوص الحكم القيصريّ الرومي محمد داود، تحقيق: السيّد جلال الدين الآشتيانيّ، نشر: شركة إنتشارات علمي و فرهنگي، طهران، ط ١، ١٣٧٥ ش.

82) شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة اللّه المعتزليّ (ت ٦٥٦ه_)، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر : دار إحياء الكتب العربية، قاهرة، ط 1، 1378 ه_.

83) شعب الإيمان : البيهقيّ، أحمد بن الحسين (ت ٤٥٨ه_)، تحقيق: محمّد السعيد ابن بسيوني زغلول، نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤١٠ ه_.

٨٤) شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام: السبكيّ، عليّ بن عبد الكافي الأنصاريّ الخزرجي (ت ٧٥٦ه_)، تحقيق : السيّد محمد رضا الحسينيّ الجلاليّ، نشر : دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، ط ٣، ١٤١٣ ه_.

٨٥) شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: الحميريّ، نشوان بن سعيد (ت ٥٧٣ ه_)، تحقيق: حسين بن عبد اللّه / مطهر بن علىّ / يوسف محمد عبد اللّه، نشر دار الفکر، دمشق، ط ١، ١٤٢٠ه_.

ص: 276

(ص)

٨٦) الصحاح: الجوهريّ، إسماعيل بن حماد (ت ٣٩٣ه_)، تحقيق: عطّار أحمد عبد الغفور، نشر: دار الملايين، بيروت، ط ١، ١٣٧٦ ه_.

87) صحيح البخاريّ: البخاريّ، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم (ت ٢٥٦ه_)، نشر: دار الفكر، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول، ١٤٠١ه_.

88) صحیح مسلم: النيسابوريّ، مسلم بن الحجاج بن مسلم (ت ٢٦١ه_)، نشر: دار الفكر، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول.

(ط)

89) طبقات النحاة واللغويين: ابن قاضي شهبة، محمد بن أحمد الأسديّ، تحقيق: محسن غیاض، نشر : مطبعة النعمان، النجف الأشرف، ١٩٧٤ م.

90) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: الحليّ، السيّد عليّ بن موسى بن جعفر ابن طاوس (ت ٦٦٤ ه_)، نشر : مطبعة الخيّام، قم المقدّسة، 1399 ه_.

(ع)

91) عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح : السبكيّ، علي بن عبد الكافي (ت ٧٥٦ه_)، تحقيق: هنداوي، عبد الحميد، نشر: المكتبة العصريّة، ط ١.

92) علل الشرائع: الصدوق، محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ (ت 381ه_)، تقديم : السيّد محمّد صادق بحر العلوم، نشر: المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، ١٣٨٥ ه_.

93) العين: الفراهيديّ، الخليل بن أحمد (١٧٥ه_)، تحقيق: مهديّ المخزوميّ/ إبراهيم السامرائيّ، نشر : مؤسّسة دار الهجرة، قم المقدّسة.

(غ)

٩٤) غوالي اللآلي: الإحسائيّ، محمد بن عليّ بن إبراهيم (ت ٨٨٠ه_)، تحقيق:

ص: 277

الحاجّ آقا مجتبى العراقيّ، نشر : سيّد الشهداء (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قم المقدّسة، ط ١، ١٤٠٣ ه_.

(ف)

٩٥) الفائق: الزمخشري محمود بن عمر (ت ٥٣٨ه_)، تحقيق: إبراهيم شمس الدین، نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤١٧ه_

٩٦) الفتوحات المكيّة: الشيخ الأكبر، محيي الدين بن عربي (ت ٦٣٨ ه_)، نشر : دار صادر، بيروت.

97) الفتوحات المكيّة (ط.ج) : الشيخ الأكبر، محيي الدین بن عربي (ت ٦٣٨ه_)، تحقيق: عثمان يحيى / إبراهيم مدكور، ١٣٩٢ ه_.

98) فصوص الحكم: الشيخ الأكبر، محيي الدين بن عربي (ت ٦٣٨ه_)، تعليق: أبي العلاء عفيفي، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت.

99) الفصول المختارة: المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ (ت ٤١٣ه_)، تحقيق: السيّد علي مير الشريفي، نشر : دار المفيد، بيروت، ط ٢، ١٤١٤ ه_.

١٠٠) فهرست منتجب الدين الرازيّ، منتجب الدين علي بن بابويه (ق ٦ه_)، تحقيق: السيّد جلال الدين المحدّث الأرمويّ، نشر : مكتبة آية اللّه السيّد المرعشيّ، قم المقدّسة، ١٣٦٦ ش.

101) فهرستگان نسخههای خطى إيران (فنخا): إعداد واهتمام: مصطفى درايتي، نشر: المكتبة الوطنيّة في إيران، طهران، ط 1، 1390ش.

١٠٢) فهرست نسخه های خطی کتابخانه آیت اللّه مرعشی نجفی: السيّد محمود المرعشيّ، نشر نفس المكتبة، قم المقدّسة، عدّة أعداد، ط ١، ١٤٣٦ ه_.

(ق)

103) القاموس المحيط: الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب (ت 817ه_)، نشر : دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤١٥ ه_.

ص: 278

١٠٤) قصيدة الهمزيّة في مدح خير البريّة : البوصيريّ، محمد سعيد (ت ٦٩٦ه_)، نشر: دار الرشاد الحديثة.

105) قوانين الأصول: القمّيّ، الميرزا أبي القاسم (ت ١٢٣١ه_)، حجريّة، نشر: المكتبة العلميّة الإسلاميّة، طهران، 1378 ه_.

(ك)

١٠٦) الكافي: الكلينيّ، محمد بن يعقوب بن إسحاق (ت 328ه_)، تحقيق: على أكبر الغفاريّ، نشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، ط 3، 1388 ه_.

107) الكشّاف، التفتازاني، محمود بن عمر (ت ٥٣٨ه_)، مطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ، مصر.

108) كشف الخفاء: العجلونيّ الجراحي، إسماعيل بن محمد ( ت ١١٦٢ه_)، نشر : دار الكتب العلميّة، بيروت ط ٣، ١٤٠٨ ه_.

109) كشف الظنون: الحاجي خليفة، مصطفى أفندي (ت ١٠٦٧ه_)، تقديم: السيّد شهاب الدين النجفيّ المرعشيّ نشر : دار إحياء التراث العربيّ، بيروت.

110) كشف الغمّة : الإربليّ، علي بن عيسى (ت ٦٩٣ه_)، نشر : دار الأضواء، بيروت، ط ٢، ١٤٠٥ ه_.

111) الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبيّ): الثعلبيّ (ت ٤٢٧ه_)، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير: الساعديّ، نشر: دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ط ١، ١٤٢٢ ه_.

112) كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب (الخصائص الكبرى): السيوطيّ، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه_)، نشر : دار الكتاب العربيّ، 1320 ه_.

١١3) الكلمات المكنونة: الفيض الكاشانيّ، محمد حسن (ت ١٠٩١ه_)، نشر : بمباي، 1878 م.

ص: 279

١١٤) كمال الدين وتمام النعمة: الصدوق، محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ ت 381ه_)، تحقيق: علي أكبر الغفاريّ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي، ط ١، ١٤٠٥ ه_.

115) كنز الفوائد الكراجكيّ، محمّد بن عليّ (ت ٤٤٩ه_)، نشر: مكتبة المصطفويّ، قم المقدّسة، ط ٢، ١٣٦٩ش.

١١٦) الكنز المدفون: السيوطيّ، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911ه_)، نشر: مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، القاهرة، مصر، ط ١، ١٣٣٥ه_.

117) كواكب مشهد الكاظمين: الدبّاغ عبد الكريم نشر: العتبة الكاظميّة المقدّسة، ط ١، ١٤٣١ه_.

(ل)

118) لسان العرب: ابن منظور، محمّد بن كرم المصري (ت ٧١١ه_)، تحقيق: أحمد فارس، نشر: دار الفکر، بیروت.

(م)

119) مجمع البحرين: الطريحيّ، الشيخ فخر الدين بن محمّد عليّ (ت ١٠٨٥ه_)، تحقيق السيّد أحمد الإشكوريّ، نشر: المرتضوي، طهران، ط٣، ١٣٦٢ ش.

120) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: الهيثميّ، عليّ بن أبي بكر (ت ٨٠٧ه_)، نشر : دار الكتب العلميّة، بيروت، ١٤٠٨ه_.

١٢١) المحرّر الوجيز: الأندلسي، ابن عطيّة (ت ٥٤٦ه_)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمّد، نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤١٣ه_.

122) المحكم والمحيط الأعظم : ابن سيده عليّ بن إسماعيل (ت ٤٥٨ ه_)، تحقيق: عبد الحميد هنداويّ، نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، ط ١، ١٤٢١ه_.

١٢٣) المحيط في اللغة : الصاحب بن عَبّاد، إسماعيل بن عَبّاد (ت ٣٨٥ه_)، تحقيق:

ص: 280

محمد حسن آل ياسين، نشر : عالم الكتب، بيروت، ١٤١٤ه_.

١٢٤) مختصر بصائر الدرجات: الحلّي، حسن بن سليمان (ق ٩ه_)، نشر: المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، ط ١، ١٣٧٠ه_.

١٢٥) مختصر المزني : المزني، إسماعيل بن يحيى (ت ٢٦٤ه_)، نشر: دار المعرفة، بيروت.

١٢٦) المخصّص: ابن سيده، علي ّبن إسماعيل ( ت ٤٥٨ه_)، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١.

127) مدينة المعاجز : البحرانيّ، السيّد هاشم بن سليمان (1107ه_)، تحقيق: عزّت اللّه المولائيّ، نشر : مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم المقدّسة، ط ١، ١٤١٣ه_.

128) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : المجلسيّ، محمد باقر بن محمد تقيّ (ت ١١١٠ه_)، تصحيح : السيّد هاشم الرسوليّ نشر: دار الكتب الإسلاميّة، طهران، ط ٢، ١٤٠٤ه_.

129) مستدرك الوسائل : الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ (ت 1320ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، بيروت، ط ١، ١٤٠٨ه_.

130) مسند الشامتين: الطبرانيّ، سليمان بن أحمد (ت ٣٦٠ه_)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفيّ، نشر : مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٢، ١٤١٧ه_.

131) مشارق أنوار اليقين: البرسّي، الحافظ رجب (ت ٨١٣ه_)، تحقيق: السيّد عليّ عاشور، نشر: مؤسّسة الأعلمي، بيروت، ط ١، ١٤١٩ه_.

132) مشارق الدراري: الفرغاني، سعيد الدين سعيد (ت ٦٩١ه_)، تحقيق : السيّد جلال الدين الآشتيانيّ، نشر: دفتر تبليغات إسلامي، ط 2، 1379 ه_.

133) المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية): الكفعميّ، إبراهيم بن عليّ ( ٩٠٥ه_)، نشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط ٣، ١٤٠٣ه_.

ص: 281

١٣٤) مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة : الإمام الصادق جعفر بن محمد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) (ش ١٤٨ه_)، نشر : مؤسّسة الأعلمي، بيروت، ط ١، ١٤00ه_.

١٣٥) مصباح المتهجد : الطوسيّ، محمّد بن الحسن بن عليّ (ت ٤٦٠ ه_)، نشر : مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت، ط ١، ١٤١١ه_.

١٣٦) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : الفيومي، أحمد بن محمّد (ت 770ه_)، نشر: مؤسّسة دار الهجرة، قم المقدّسة، ط ٢، ١٤١٤ه_.

137) معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغويّ): البغويّ الشافعيّ، أبي محمد الحسين بن مسعود الفرّاء ( ت ٥١٦ ه_ )، تحقيق : خالد عبد الرحمن العك/ مروان سوار، نشر: دار المعرفة، بيروت، ط ٢، ١٤٠٧ه_.

138) معاني الأخبار: الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381ه_)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، نشر : مؤسسة النشر الإسلاميّ، 1379 ه_.

139) معجم الأدباء: الحموي، ياقوت بن عبد اللّه (ت ٦٢٦ه_)، نشر : دار الفکر، بيروت، ط ٣، ١٤٠٠ ه_.

(١٤٠ المعجم الأوسط: الطبرانيّ، سليمان بن أحمد (ت ٣٦٠ه_)، تحقيق: طارق بن عوض اللّه / عبد الحسن بن إبراهيم الحسينيّ، نشر: دار الحرمين، ١٤١٥ه_.

141) معجم البلدان: الحمويّ، ياقوت بن عبد اللّه (ت ٦٢٦ه_)، نشر: دار صادر، بيروت، ط ٢، ١٩٩٥م.

١٤٢) معجم المؤلِّفين: كحّالة عمر رضا، نشر : دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ط ١، ١٣٧٦ه_.

١٤٣) مغني اللبيب: ابن هشام، عبد اللّه بن يوسف (ت ٧٦١ه_)، نشر : مكتبة آية اللّه السيّد المرعشيّ، قم المقدسة، ط ٤.

١٤٤) مفتاح الفلاح: الشيخ البهائيّ، محمد بن الحسين العامليّ (ت ١٠٣١ه_)،

ص: 282

نشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت.

١٤٥) المفصّل في تاريخ النجف الأشرف: الحكيم، حسن عيسى، نشر: المكتبة الحيدريّة، قم المقدّسة، ط ١، ١٤٢٧ ه_.

١٤٦) المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى: الكفعميّ، إبراهيم بن علي (٩٠٥ه_)، تحقيق فارس الحسّون.

١٤٧) مكارم الأخلاق: الطبرسيّ، الحسن بن الفضل (ت ٦ ه_)، نشر: منشورات الشريف الرضيّ، ط ٦، ١٣٩٢ه_.

١٤٨) مناقب آل أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ): ابن شهر آشوب، عبد اللّه محمد بن عليّ السرويّ المازندرانيّ (ت ٥٨٨ه_)، نشر: المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، ط ١، ١٣٧٦ه_.

١٤٩) مناقب علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ابن المغازليّ، عليّ بن محمد بن محمّد الواسطيّ (ت ٤٨٣ ه_)، نشر : سبط النبيّ، قم المقدسة، ط ١، ١٤٢٦ه_.

١٥٠) منتخب فصوص اليواقيت: الهمدانيّ، محمد بن عبد الوهّاب (ت ١٣٠٥ه_)، نشر : مطبعة الحسنيّ، بمباي، ط ١، ١٣٠٠ه_.

١٥١) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القميّ (381ه_)، تحقيق: علي أكبر الغفاريّ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم المقدسة، ط 2.

١٥٢) المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف: الطبرسيّ، أمين الإسلام فضل بن الحسن (ت ٥٤٨ه_)، نشر : مجمع البحوث الإسلامية، سيد الشهداء، قم المقدسة،ط ١، ١٤١٠ه_.

(ن)

١٥٣) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر : المقداد السيوري (ت ٨٢٦ه_)، نشر : دار الأضواء، بيروت، ط ٢، ١٤١٧ ه_.

ص: 283

١٥٤) نامه نامی (ضمن مجلّة پیام بهارستان)، مجلّة فصلية تصدر عن مكتبة مجلس الشورى الإسلاميّ بطهران، الدورة الثانية، السنة الثانية، العدد الخامس، لخريف سنة 1388 ش.

١٥٥) نقباء البشر (طبقات أعلام الشيعة): الطهرانيّ، الشيخ آقا بزرگ (ت1389ه_)، نشر : دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ١، ١٤٣٠ه_.

١٥٦) نهاية الدراية: الصدر، السيّد حسن بن هادي (ت ١٣٥٤ه_)، تحقيق: ماجد الغرباوي، نشر: نشر المشعر، قم المقدّسة.

157) النهاية في غريب الحديث والأثر: الجزريّ، المبارك بن محمّد (ت ٦٠٦ ه_)، محمود محمد الطناحيّ/ طاهر أحمد الزاوي، مؤسّسة إسماعيليان، قم المقدسة.

(و)

١٥٨) الوافي : الفيض الكاشانيّ، محمد حسن (ت 1091ه_)، تحقيق: ضياء الدين الحسينيّ (العلّامة) الأصفهانيّ، نشر : مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، اصفهان، ط ١، ١٤٠٦ ه_.

١٥٩) الوافي بالوفيات: الصفديّ، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت ٧٦٤ه_)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط/ تركي مصطفى، نشر : دار إحياء التراث، بيروت، ١٤٢٠ ه.

١٦٠) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلكان (ت ٦٨١ه_)، تحقيق: إحسان عبّاس، نشر: دار الثقافة، بيروت.

(ي)

١٦١) يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر: الثعالبيّ النيسابوريّ، أبي منصور عبد الملك (ت ٤٢٩ه_)، تحقيق: مفيد محمّد قميحة، نشر دار الكتب العلميّة، بيروت ط ١، ١٤٠٣ه_.

ص: 284

الفهرس

مقدمة المركز...7

مقدمة التحقيق...13

المحور الأوّل: نبذة مختصرة عن حياة المصنف (قَدَسَ سِرّه)...17

مشايخه...18

المجازون عنه...19

إطراء العلماء عليه...19

آثاره...21

لقبه...22

وفاته...23

المحور الثاني: في ذكر ما رشح من قلمه في بلدة الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...29

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الهَادِي النَقِيُّ، عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...31

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَبِي الإِمَامِ المُنْتَظَرِ، الحَسَنِ بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...33

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى صَاحِبِ العَصْرِ والزَمَانِ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...35

«فصل في شدّ الرحال إلى سامرّاء...53

وهذا مثال ما كتبته من الاستدعاء:...54

المحور الثالث: في تحقيق كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)...69

النسخ المعتمدة في التحقيق...73

ص: 285

منهج التحقيق...76

النص المحقق...87

فهرست كتاب (نزهة القلوب والخواطر ببعض ما تركه الأوائل للأواخر)...89

المسألة الأولى : بيان قوله تعالى: «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»...102

المسألة الثانية: بيان قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «إنّي تارك فيكم الثقلين»...117

المسألة الثالثة : بيان الحديث المروي من طرق العامة: «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثةِ مساجد»...126

المسألة الرابعة: بيان استدلال الشافعيّة والحنفيّة، على ما زعموه في الرضاع بقوله تعالى: «وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِ أَرْضَعْنَكُمْ»...129

المسألة الخامسة : بيان جعل الكفّار للملائكة إناثاً...132

المسألة السادسة : بيان قول عبد اللّه بن الحسن: «تَبِينُ برأس الجوزاء»... ١٣٦

المسألة السابعة: بيان الاتّحاد الذي تزعمه الصوفيّة...137

المسألة الثامنة : بيان قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «حَزُقَة حَزُقَهُ تَرَقَّ عِينَ بَقَّهُ»...150

المسألة التاسعة : وجه استعانة النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في كتابة الوحي بمعاوية...152

المسألة العاشرة : بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) لكاتبه : «ألصق روانفك بالحبوب... إلى آخره»... ١٥٤

المسألة الحادية عشرة : بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دعاء السحر: «اللّهمَّ أَنْتَ الْقَائِلُ وقَوْلُكَ حَقٌّ وَوَعْدُكَ صِدْقٌ «وَاسْأَلُوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً»»... ١٥٧

المسألة الثانية عشرة: بيان السرّ في أنّ أبناء العلماء لا ينالون مراتب آبائهم... ١٥٩

المسألة الثالثة عشرة : بيان استحالة الإكسير بحسب الصناعة...162

المسألة الرابعة عشرة : بيان حسن السجع وردّ من عابه...168

المسألة الخامسة عشرة: بيان أخبار كثيرة...173

المسألة السادسة عشرة: بيان الحديث المروي في إسلام أبي طالب بحساب الجمل... ٢٠١

ص: 286

المسألة السابعة عشرة : بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): «إنّ علم ما كان وما يكون كلّه في القرآن... ٢١٧

المسألة الثامنة عشرة : شرح القول في الصلوات النَصيرية...222

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الرَسُولِ الأَكْرَم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...226

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَمِيرِ المؤمِنِين عَلَيَّ بن أبي طَالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)...227

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِيْن فاطِمَةُ الزَهْرَاء (عَلَيهَا السَّلَامُ)...228

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى سَيِّد شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ بنِ عَلى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...229

الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ شَبَابِ ِأهْلِ الجَنَّةِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...229

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى زَيْنِ العَابِدِيْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...230

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى بَاقِرِ العُلُومِ مُحَمَّد بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...231

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الصَّادِقِ الْمُصَدَّقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...232

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى العَبْدِ الصَّالِحِ مُوسَى بْنِ جَعْفَر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...233

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى ثَامِنِ الحُجَجَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...234

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى التَقِيِّ الجَوادِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...234

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى الهَادِي النَقِيُّ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...235

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَبِي الإِمَامِ المُنْتَظَرِ الحَسَنِ بْنِ عَلي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...236

الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى صَاحِبِ العَصْرِ والزَمَانِ (م. ح. م. د) بْنِ الحَسَن (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)... 237

المسألة التاسعة عشرة : بيان إمامة محمّد بن علي الجواد والمهدي القائم (عَلَيهِم السَّلَامُ) مع أنّهما كانا صغيرين...249

المسألة المكمّلة للعشرين : بيان أدلّة آية التطهير على العصمة، والجواب عن شبهة الخصم...255

المسألة الأولى بعد العشرين : بيان اعتراض البهائي (رَحمهُ اللّه) على تعريف العلّامة (رَحمهُ اللّه) للطهارة بأنها غسل بالماء أو مسح بالتراب...٢٦٠

ص: 287

المسألة الثانية بعد العشرين: بيان قوله تعالى: «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»...262

المسألة الثالثة بعد العشرين: بيان قولهم في الدعاء: «ربّ يسر ولا تعسر»... ٢٦٤

المصادر...267

ص: 288

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.