کتاب البیع : تقريراً لبحث السيد المجدد الشيرازي (قدس سره)

هویة الکتاب

الكتاب: كتاب البيع، تقريراً لبحث السيد المجدّد الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ) .

المؤلّف: العلّامة السيد إبراهيم الدامغاني (قُدِّسَ سِرُّهُ).

الناشر : مركز تراث سامراء.

المطبعة :

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1441 ه- / 2020م.

رقم الإصدار: 41 .

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2020م

:ISBN

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامراء.

محرر الرقمي:هادی میرزائی

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الكتاب: كتاب البيع، تقريراً لبحث السيد المجدّد الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ) .

المؤلّف: العلّامة السيد إبراهيم الدامغاني (قُدِّسَ سِرُّهُ).

الناشر : مركز تراث سامراء.

المطبعة :

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

سنة الطباعة: 1441 ه- / 2020م.

رقم الإصدار: 41 .

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2020م

:ISBN

جميع الحقوق محفوظة لمركز تراث سامراء.

محرر الرقمي:هادی میرزائی

ص: 2

ديوان الوقف الشرعي

العتبة العسكرية المقدسة

کتاب البیع

المشرفاوي

تقريرًا لبَحْثِ السَيِّدِ المُجَدد الشِيرَازِيّ (قُدِّسَ سِرُّهُ)

ت 1312ه

تألیف

العَلَامَة السيد إبراهيم الدامغانيّ (قُدِّسَ سِرُّهُ)

ت 1291ه

تحقيق

الشَيخ سَلَام مُحمَّد الناصِرِي

مُراجَعَة وتَدقِيق

مرکز تراث السامراء

ص: 3

ص: 4

مقدمة المرکز

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.

وبعد : لقد قدّم الشيخ الأعظم للمعاهد العلمية، والحوزات الدينية خدمات جليلة، وترك آثاراً عظيمة، وفي طليعتها تراثه العلمي المميز، وخصوصاً كتابه القيّم (المكاسب)، الذي أصبح فيما بعد محوراً للدراسات الحوزوية العليا، ومحطّ أنظار كبار الفقهاء، فقد علّق وكتب عليه الحواشي معظمُ من تأخر عنه (1).

وقد ساهم بعض أساطين تلامذته بترسيخ منهجه في الحوزات العلمية وبثّه بين رواد العلم وطلاب المعرفة، وخصوصاً أولئك النفر الذين كان يصرّح الشيخ المرتضى بأنَّهم محطّ نظره و مورد اهتمامه في بحثه و درسه (2)، وعليهم كان يعلّق الآمال، وقد صدّقوا ظنه، وعلى رأسهم مجدّد الدين والمذهب السيد محمد حسن الشيرازي (رضی الله عنه).

ولذا أصبحت آراء هؤلاء الأساطين وأفكارهم محلّ اعتناء جميع من تأخر عنهم من الفقهاء، وخصوصاً في كتاب البيع والمعاملات؛ بسبب شحّة الأدلة غالباً في هكذا مباحث من جهة، وللأهمية القصوى لآراء الفقهاء من جهة أخرى، ولذا ذكر السيد الخوئي (قُدِّسَ سِرُّهُ)- وفي أكثر من دورة - في أصوله قائلاً : (قد شاهدنا بعض الأعاظم(3) يدعي القطع بالحكم من اتفاق الشيخ الأنصاري والسيد الشيرازي والميرزا محمد تقي الشيرازي (نور الله ضريحهم)؛ لاعتقاده شدة ورعهم، ودقة فكرهم) (4).

ص: 7


1- ينظر: الطهراني، الذريعة : 216/6 وما بعدها.
2- وهم: السيد المجدّد الشيرازي والشيخ حبيب الله الرشتي ، والشيخ الآقا حسن النجم آبادي. ينظر : موسوعة الأوردبادي: 11/11.
3- ذكر البعض أن المراد ببعض الأعاظم هو الميرزا علي آقا نجل المجدّد الشيرازي (رضی الله عنه) .
4- الشاهرودي، دراسات في علم الأصول : 145/3 ، البهسودي، مصباح الأصول: 2/ 140 .

وبملاحظة ما ذكره السيد حسن صدر الدين الكاظمي (قُدِّسَ سِرُّهُ) من : (أنه وجده - أي السيد المجدّد - يوم ورد النجف الأشرف سنة 1288 هجرية سيد العلماء على الإطلاق، وتلامذته أفاضل العصر، يضرب به المثل في الدقة والتحقيق... إلى أن قال: وهو عند أهل التحقيق أفقه من شيخنا الأنصاري، بل أعلم من عامة العلماء المتأخرين)(1).

وقد تناول السيد الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ) في هذا البحث، مضافاً لكتاب البيع، بعض ما جرى إلحاقه به من المسائل المتعلقة بالرِّبا وبيع الصرف، ومسائل من خيار العيب، وخيار الحيوان وبيع الوقف، والولاية على اليتيم، وغيرها مما جرت العادة على تناوله ملحقاً بكتاب البيع.

وقد كُتبت هذه الأبحاث في النجف الأشرف قبل هجرة السيد المجدّد إلى سامرّاء؛ لأن المقرر ( طاب ثراه) قد توفى في سنة 1291ه- . ويبدو أن هذه المباحث هي آخر ما صدر من منبر السيد في النجف الأشرف وذلك لأن الشيخ هادي الطهراني يقول: (حضرت في سفري الأول إلى النجف بحث العلّامة الأنصاري. وحضرت بحث العلّامة ملا محمد الفاضل الإيرواني مدة ثمان سنين. والسفر الثاني كان بعد فوت الشيخ فتتلمذت على العلّامة الشيخ عبد الحسين شيخ العراقين، وكنت معه بسامرّاء أيام تعميره للمشهد الشريف(2). وفي السفر الثالث اشتغلت في الحائر بالبحث فكتب إليّ السيد الأستاذ الحاج ميرزا محمد حسن الشيرازي بكفايته لأمري؛ فحضرت في النجف بحثه في الخيارات ولاستصحاب إلى أن هاجر إلى سامرّاء) (3).

والمُقرِّر ( طاب ثراه) بالرغم مما وصف به من: (أنه حسن التحرير نقي التصنيف ذو غور ونابغية) (4)، إلَّا أنك تجد موارد عديدة من تقريره لا تخلو من ضعف في السبك أو خلل في الصياغة، ويبدو أن ذلك بسبب أسلوب السيد المجدّد؛ فقد نقل بعض تلامذة السيد الفشاركي (قُدِّسَ سِرُّهُ) صعوبة في فهم مرادات السيد قائلاً : ( وهذا ما لم نلمسه في درس أستاذنا السيد

ص: 8


1- موسوعة الأوردبادي: 11/ 18 .
2- وذلك في عام 1284 ه- وما بعدها .
3- الطهراني، الطبقات : 5 / 2777 .
4- السيد حسن الصدر ، تكملة أمل الآمل : 9/2 .

محمد الطباطبائي الفشاركي، فكل تلميذ يفهم درسه بشكل لو أراد أن يقرره لآخر ، لكان مختلفاً تماماً عما يقرره التلميذ الآخر من نفس الدرس، بحيث لا مجال للجمع بين التقريرين بوجه أصلاً، شأنه شأن أستاذه السيد المجدّد الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ)، فهما سيان في هذه الجهة، ومن هنا فإن المولى علي الروزدري (طاب مرقده) لما كتب تقريرات الميرزا المجدّد (قُدِّسَ سِرُّهُ)- وهي خصوص مباحث الألفاظ -- لازم الميرزا في الدرس وخارجه، وكان إذا كتب شيئاً عنه عرضه عليه كي يباشره الميرزا ويزيد فيه وينقص ولا يختلف النقل عنه، ومع ذلك كله نجد المولى علي في تقريراته يستعين أحياناً لتوضيح مراد الميرزا بالعبارات الفارسية؛ كل ذلك لأن الميرزا لم يكن ذا بيان واضح بحيث يسهل تناوله وهضمه وفهمه كما هو في مجلس البحث) (1) .

وقد عمل المركز على نشر تراث السيد المجدّد سواء منه العسكري أم النجفي، مع مراعاة جودة الاختيار وندرة النسخ الخطية. وقد وفقنا الله تعالى لتحقيق وطبع جملة من أبحاثه ورسائله وإفاداته التي دونت بأقلام الأجلّاء من تلامذته وهي:

1 -« رسائل من إفادات السيد المجدّد الشيرازي» بقلم السيد محمد الأصفهاني الفشاركي، والسيد حسن الصدر الكاظمي.

2-«أحكام الجبائر» بقلم ثقة الإسلام السيد محمد الساروي.

3-« أحكام الخلل الواقع في الصلاة» بقلم الشيخ آقا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه).

4«- ذخيرة في دليل الانسداد»، بقلم الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية).

5-«مباحث من كتاب الطهارة».

6«- كتاب البيع ». وكلاهما بقلم السيد إبراهيم الدامغاني.

وجميع هذه الأبحاث تنشر لأول مرة، وذلك حرصاً من المركز على لفت عناية الفضلاء وأهل العلم إلى تراث حوزة سامرّاء وأعلامها، ولا سيما سيد الطائفة ومؤسس حوزة سامرّاء السيد محمد حسن الشيرازي (رضی الله عنه) ، ليكون هذا النشر مقدمة للاهتمام بتلك الحوزة المبدعة وبنتاج أعلامها الأفذاذ.

ص: 9


1- حاشية سلطان العلماء على الكفاية : 1/ 4 .

وفي الختام، أقدم شكري ووافر تقديري لجناب الأخ المحقق الشيخ سلام الناصري (حفظه الله تعالى)، وكذا الشكر للأعزة في شعبة التحقيق على ما بذلوه من جهد ممتاز، كما نجدّد شكرنا لمؤسسة كاشف الغطاء العامة لتعاونها الدائم وتوفير النسخة الوحيدة التي وقع عليها العمل، ونسأل المولى تبارك وتعالى أن يتقبل من الجميع، ويجعله لهم ولنا ذخراً يوم نلقاه ببركة الإمامين المظلومين العسكريين (علیهما السلام).

الأقل

كريم مسير

النجف الأشرف

23/ المحرم الحرام / 1441ه-

(ذكرى فاجعة سامراء )

ص: 10

مقدمة التحقیق

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

اللّهُمَ صلَّ على خير الداعين إلى حقّك، وأفضل المنتجبين من أنبيائك، الذي بعثته رحمةً لكافة خلقك، محمد النبي الأمين، أفضل ما صليت على أحد من العالمين، وصلَّ على وصيّه بحقّ، وخليفته بصدق، قاضي دينه، والنائم على فراشه، یوم عزّ الناصر، وقلّ المُعين، علي بن أبي طالب وعلى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، التي يرضى الله تعالى لرضاها، ويغضب لغضبها، الموصوفة ب- ( أم أبيها) ، فحازت أفضل الشرف، ونالت أرفع الغرف، وعلى الأئمة التسعة المعصومين ، أنوار الدروب الحوالك، والعصمة من كلّ المهالك، المتمسك بنهجهم ناج من الضلالة، والآخذ بسيرتهم فائز برضا رب الجلالة، اللّهمّ وخص بالصلوات الزاكية، والبركات النامية، والتحيات المتوالية على الأمان في الأرض من أن تسيخ بأهلها، الذي نعيش بركات وجوده الشريف، الحجة ابن الحسن المهدي المنتظر، رزقنا الله في الدنيا رؤيته، والشرف بنصرته، والعزّة بخدمته، اللهم عجل له الفرج، وسهل له المخرج، آمين يا رب العالمين.

أمّا بعد.

فقد أولت شريعتنا الإسلامية السمحة اهتماماً بالغاً بالحياة الإنسانية، اجتماعيةً، كانت أم فرديةً، وأعطت مساحةً واسعة في التركيز على كيفية معاملة بني البشر بعضهم البعض، فرسمت لهم الحدود، وبينت لهم الطريق؛ لأنَّها الشريعة الكاملة الخاتمة، وتلبي جميع الاحتياجات البشرية، التي طرأت وستطرأ على الحياة الإنسانية، حتّى ورد عن صادق أهل بيت العصمة والنبوة (علیهم السلام) ما عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام)عن الحلال والحرام، فقال: «حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون

ص: 13

غيره، ولا يجيء غيره » (1).

وحثت الشريعة الإسلامية على ممارسة التجارة والعمل بها، واكتساب المعايش؛ للغنى عما في أيدي الناس ، والعيش بعزّة وكرامة؛ حيث ورد عن أمير المؤمنين (علیه السلام): «اتجروا بارك الله لكم، فإني سمعت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقول : إنّ الرزق عشرة أجزاء: تسعة في التجارة، وواحد في غيرها» (2).

ولما كان هذا الحث الشديد، والترغيب الأكيد في مزاولة التجارة، لم تدع الشريعة موضوعاً إلا وشخّصت له أحكاماً واضحة بيّنة؛ لضرورة أن كلّ واقعة لا بدَّ لها من حكم، وأمرت المسلمين بضرورة التفقه في الدين، وتعلّم أحكام شريعة سيد المرسلين، كي يجتنبوا الحرام وينتهوا عنه، فورد في الفقيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنه قال: «من اتجر بغير علم ارتطم في الرِّبا، ثم ارتطم ، فلا يقعدن في السوق إلّا من يعقل الشراء والبيع »(3).

ويُعدُّ البيع واحداً من أهم الممارسات الاجتماعية، التي كانت - ولا زالت - مدار العناية والاهتمام بين الأفراد، بل بين الجماعات والدول فكثرت فيه الأسئلة، و دارت حوله النقاشات، قديماً وحديثاً، ونحن - كمتشرعة - نحتاج إلى هذه التقنينات التي وصلتنا من مشرّعي الإسلام (صلوات الله وسلامه عليهم)، فتناول علماؤنا الأعلام (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) الأدلة الواردة في باب البيع - وغيرها من الأبواب المختلفة - بالبحث والتمحيص، وبالمذاكرة والتدريس، والتفصيل، والاستنباط، والتقسيم، فكتبت البحوث المطوّلة والرسائل الموجزة.

وكتابنا هذا يعتبر من أهم هذه المساهمات، التي أدلت بدلوها في معين الشريعة الغراء، وهي بحوث الميرزا الإمام المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء، المتوفى سنة 1312 ه-، حيث ألقاها على تلامذته في النجف الأشرف، فهذا من بركات وجوده، وغيض من فيض جوده، فكانت خير ما كُتب، من غير إطناب ممل، ولا اقتضاب مخلّ، ولم يقتصر

ص: 14


1- الكليني، الكافي: 58/1 ، باب البدع والرأي والمقاييس، ح: 19 .
2- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3/ 192، ح 3722.
3- المصدر السابق، ح 3725.

هذا الجهد الكبير من السيد المجدّد على كتاب البيع فقط، بل اشتمل على ثلاثة عشر مبحثاً في الأبواب الفقهية المختلفة، ذكرها سيدنا المجدّد في مجلس أبحاثه العلمية الدرسية، وهي:

1) كتاب البيع، ويعدّ صاحب الحظ الأوفر من هذه الأبحاث؛ حيث اشتمل على ثلث الكتاب تقريباً.

2) أبحاثٌ في الضميمة التي يتخلّص بها من الرِّبا.

3) أبحاثٌ فيما لو أوقع الشخص - سواءً أكان عالماً أم جاهلاً - معاملةً ربويةً، فهل يكون مكلّفاً بردّ المال إلى صاحبه، أو لا يكون مكلّفاً بذلك؟

4) أبحاثٌ في بيع الصرف.

5) أبحاثٌ في مسائل متفرّقة، عنونَها السيد المجدّد ب- (مسائل عشرون)، ولم يُكمل هذه المسائل، أو أن المقرر لم يوفق لتقريرها، والله تعالى العالم.

6) أبحاثٌ في خيار العيب.

7) أبحاثٌ في بيع الأواني الذهبية والفضية.

8) أبحاثٌ فيما لو أُكره المتبايعان أو اضطرا إلى التفرّق.

9)أبحاثٌ في خيار الحيوان.

10)أبحاثٌ في الولاية على اليتيم.

11)أبحاثٌ في شرائط العوضين.

12) أبحاثٌ في أقسام الأرضين وأحكامها.

13) أبحاثٌ في بيع الوقف.

وقُررت هذه المباحث الشريفة من قِبل أحد تلامذته، وهو العالم الجليل السيد إبراهيم الدامغاني (ت: 1291ه-)، ومما يلحظه القارئ وجود بعض المشاكل في السبك اللغوي تارة، وعدم مراعاة التذكير والتأنيث أخرى، فعمدنا إلى تعديلها مع التنويه والإشارة في الهامش.

ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل لجناب الأخ الفاضل السيد جواد الغريفي (دام عزّه) الذي كان له باكورة الاقتراح في الإقدام على هذا العمل، فله مني جزيل الثناء والتقدير.

والشكر موصول لجناب الأخ الفاضل الشيخ كريم مسير (دام عزه) المشرف على مركز تراث سامراء، الذي أتاح لي هذه الفرصة الكبيرة؛ كي أنال شرف إخراج هذا الجهد

ص: 15

الكبير للسيد المجدّد بنفض الغبار عن المخطوطات وإخراجها إلى النور، وأشكره ثانياً لمراجعته العلمية، ولما تجشمه من العناء في إطالة النظر ، وإجالة الفكر، ولما أبداه من متابعة العمل التحقيقي، الذي دام قرابة العامين - بسبب الانشغال بالدرس، والتدريس، و بعض الأعمال التحقيقية الأخرى (1)- فكان سهل العريكة، لين الجانب، منخفض الجناح، فله مني بالغ التقدير والاحترام، وكذلك أتقدم بالشكر الجزيل لجناب الأخ الشيخ أياد حميد الطائي (دام عزه) ، وجناب الأخ الشيخ جعفر الفتلاوي (دام عزه) ؛ لمراجعتها العلمية، وتدقيقها اللغوي لهذا العمل التحقيقي، ولم يقتصر هَمُّ الأول منهما على ذينك، بل كان كثير المتابعة والاهتمام على إخراج هذا العمل وإنجازه، فلهما مني خالص الدعاء والثناء، والشكر أيضاً للإخراج الفني الأخ مسلم المطوري (دامت توفيقاته).

وأدعو العلي القدير أن يحفظ القائمين على مركز تراث سامراء المبارك، التابع لعتبة الإمامين العسكريين (عليهما آلاف السلام والتحية)، الذي أخذ على عاتقه إحياء تراث علمائنا الأبرار، الذين كان لهم الدور الفاعل في المجال الفكري، والعقائدي، والتربوي، والروحي، والسياسي.

والذي أرجوه من قارئي الكريم أن يقيل بقلم التصحيح عثرتي، ويغفر بالتوجيه زلّتي، فإنّما العصمة لأهلها؛ فهذا مبلغ علمي، وغاية فهمي، مع قلة البضاعة، وتواضع الصناعة.

وفي الختام، أحمد الله تعالى حمداً كثيراً، لا ينقطع أبداً على هذه النعم المتوالية، أن وفقنا لخدمة تراث مذهب أهل بيت الرحمة (صلوات الله وسلامه عليهم).

سلام محمد الناصري

النجف الأشرف

في يوم الخميس لأربع مضين من شهر المحرم الحرام لسنة 1441ه-

الموافق ل- 4 أيلول لسنة 2019م

ص: 16


1- حيث تم في هذه الفترة المباركة، تحقيق قسم الطهارة من كتاب «المناهل» للسيد محمد المجاهد ابن السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، ويشتمل على خمسة أجزاء كبار - تقريباً، مع مشاركة بعض الفضلاء من المحققين، وكذلك تحقيق كتاب «مختصر شرح حكمة الإشراق» بقسميه الأول والثاني للشيخ عبد الرحمن ابن العتائقي، ولله الحمد والمنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

جرت العادة أن تذكر حياة المؤلّف في مقدمات الكتب المحققة، ولكن هناك خصوصية لمؤلّفنا السيد الإمام المجدّد الشيرازي (قدس الله سره الشريف)، حيث كتب عن حياته العالم الشهير، والبحّاثة النحرير، صاحب التأليف النافعة، والإفادات الرائعة، الشيخ محمد محسن، الشهير ب- (آقا بزرك الطهراني)، صاحب كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) كتاباً سماه (هدية الرازي إلى المجدّد الشيرازي)، بالإضافة إلى الكتابات الكثيرة عن حياته، التي هي من الشهرة بمكان؛ فلأجله أعرضنا عن هذا التفصيل اكتفاءٌ بما تقدّم.

وأيضاً لم اتعرّض لذكر حياة المقرر (طاب ثراه)، وذلك اعتماداً على ما ورد في مقدمة كتاب (مباحث من كتاب الطهارة ) من إفادات السيد المجدّد الشيرازي ، تقرير السيد إبراهيم الدامغاني (1). وبقيت هنا أمور، وهي:

أولاً: نسبة الكتاب إلى المؤلّف.

ثانياً: وصف المخطوط.

ثالثاً: عملنا في التحقيق.

أمّا نسبة الكتاب إلى السيد المجدّد فقد ذكر ذلك الآقا بزرك الطهراني في الذريعة حيث قال: (كتاب البيع الاستدلالي المبسوط مع بعض العبادات في مجلد كبير، للسيد إبراهيم الدامغاني، المتوفى في النجف سنة 1291ه-، كان من قدماء تلاميذ السيد المجدّد ميرزا محمد حسن الشيرازي في النجف سنين، وألّف هذا الكتاب من تقرير بحث أستاده المذكور)(2). كما يدل عليه ما ذكره السيد حسن الصدر (رحمه الله ) في أوّل المخطوط بقوله : (بسم الله الرحمن الرحيم ،هذا مجلّد من تقرير درس سيدنا الأستاذ العلّامة (قُدِّسَ سِرُّهُ) حجة الإسلام الميرزا، جمعها وألّفها السيد إبراهيم الدامغاني (رحمه الله )، وقد أمرت بنسخها عن خطه، لكني لم أقابلها(3) بعد. الأحقر حسن صدر الدين الموسوي العاملي الكاظمي).

ص: 17


1- وهو من إصدارات مركز تراث سامراء.
2- الطهراني، الذريعة: 3/ 190-191.
3- الظاهر أنه قد قابلها فيما بعد، فقد كتب في حاشية المخطوط في أكثر من مورد، هكذا: (بلغ مقابلة مع نسخة الأصل) والظاهر أنه بخط السيد حسن صدر الدين الكاظمي.

وأمّا وصف المخطوط..

هي نسخة وحيدة حصل عليها المركز من مؤسسة كاشف الغطاء محفوظة لديهم برقم(3585) وهي مصورة عن نسخة السيد حسن صدر الدين الكاظمي المرقمة (AS75) وعليها مقابلة، كما أن بعض عناوينها كتبت بخط السيد حسن (قُدِّسَ سِرُّهُ). وقد جعلناها بين هلالين.

1) يتكون المخطوط من 309 صفحة تقريباً، وكل صفحة تحتوي على ثمانية عشر سطراً تقريباً، وفي كل سطر عشر كلمات تقريباً.

2)خطها جيد مقروء.

3)خالية من التلف، والتآكل، والخرم.

4)يوجد في بعض سطورها بياض لكلمة أو اثنتين.

5) لم تكمل مباحثَها يدُ ناسخها.

أمّا عملنا في التحقيق، فهو :

1)مقابلة الكلمات المنضدة مع المخطوط وضبط النص، وتقطيعه، ووضع علامات الترقيم.

2) قمنا بوضع عناوين للمباحث المطروحة، وجعلناها بين قوسين معقوفتين([]).

3) جعلنا العناوين التي كتبت بخط السيد حسن الصدر بين قوسين هلالين () لبعض المباحث المذكورة في الرسالة، كما أن له بعض التعليقات القليلة ادرجناها في الهامش.

4) تخريج الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث عن المعصومين (علیهم السلام)، ووضعنا كلام المعصومين (علیهم السلام) بين قوسين محدبين بوضع (بولد)، فيما لو كان النقل بالنص، ومن دونه - البولد - لو كان النقل بالمعنى مع كتابة كلمة ينظر في الهامش ؛ إشارة إلى النقل المعنوي.

5) اقتصرنا في تخريج الأحاديث الشريفة على المصادر الأساسية فقط - في الأعم الأغلب - كالكافي لثقة الإسلام الكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيبين لشيخ الطائفة (قدس الله تعالى أسرار الجميع).

6) تخريج الآراء الفقهية المنسوبة لأصحابها من علماء الفريقين.

7) تفسير الكلمات الغريبة.

8) وضعنا الكلمات التي نعتقد كونها الأنسب، أو الصحيح ذكرها، بين قوسين معقوفتين في المتن، وجعلنا كلمة المخطوط في الهامش ؛لاستقامة السياق وسلامته.

9) وضع قائمة بالمصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها في التحقيق.

ص: 18

الصورة

صورة ما كتبه السيد حسن صدر الدين الكاظمي على هذه النسخة.

ص: 19

الصورة

صورة الصفحة الأولى من المخطوط

ص: 20

الصورة

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط

ص: 21

ص: 22

ديوان الوقف الشرعي

العتبة العسكرية المقدسة

کتاب البیع

المشرفاوي

تقريرًا لبَحْثِ السَيِّدِ المُجَدد الشِيرَازِيّ (قُدِّسَ سِرُّهُ)

ت 1312ه-

تألیف

العَلَامَة السيد إبراهيم الدامغانيّ (قُدِّسَ سِرُّهُ)

ت 1291ه-

تحقيق

الشَيخ سَلَام مُحمَّد الناصِرِي

مُراجَعَة وتَدقِيق

مرکز تراث السامراء

ص: 23

ص: 24

کتاب البیع

إشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب البیع

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، من الآن إلى يوم الدين.

كتابُ البيع

ليس المُهم هنا بيان الهيئة التركيبية، ولكن لما كان البيع موضوعاً في الكتاب والسنّة لأحكام كثيرة مترتبة على البيع، فصار اللازم معرفة البيع أولاً، وتعريفه تارةً بذكر خواصه ولوازمه، وهو المعبّر عنه ب- (التعريف بالرسم) ، وأخرى ببيان مفهومه وحقيقته.

والمهم بيان الأخير (1)؛ لعدم ارتفاع الإجمال عنه بالأول (2)، مع كون المقصود معرفة البيع، والاكتفاء بالأول عند تعذّر الثاني (3)، كالماهيات التي لم يُعلم حقيقتها أصلًا، فنقول حينئذٍ :

إِنَّ الظاهر أنّ البيع ثابتٌ على معناه اللغوي، ولم يحصل له نقلٌ أصلاً، لا عند الشَّرْع، ولا عند المتشرعة، بل معناه من الشرع ما هو المعنى من اللغة، وهو معنى واحد، ويعبّر عنه بالفارسية ب- (خريدن) (4) ، وليس له تعدّد حتّى يقصد واحدٌ شيئاً، ويُقصد آخر شيئاً آخر، وإنّما زاد له الشارع شرائط ؛ لتأثيره، والشرائط خارجة عن حقيقته، كما أنّ التقييد بها - أيضاً - ليس داخلاً في مدلول لفظ البيع، حتّى يكون المطلق مستعملاً في المقيّد حتّى يكون مجازاً، بل

ص: 25


1- أي بيان مفهومه وحقيقته، وهو المعبر عنه بالحدّ التام.
2- أي: التعريف بالرسم .
3- أي : التعريف بالحدّ التام .
4- معناه بالفارسي: الشراء.

استفيد الشرائط والتقييد بها من الخارج.

ولا يتفاوت فيما ذكرنا كون اللفظ موضوعاً للصحيح أو للأعم؛ إذ يكون له في اللغة والعرف معنى صحيح ومعنى فاسد، وتفصيله يأتي إن شاء الله (1).

[ تعريف البيع]

هذا، ولكن يظهرُ من اختلاف العلماء في تعريف البيع، وتعريف كلٍ له بتعريف غير الآخر - ففي المبسوط (2)، والتذكرة (3)، وغيرهما (4) عرَّفه بأنَّه : انتقالُ عينٍ من شخص إلى آخر - بعوض مقدّر على وجه التراضي ، وعَدَلَ آخرون (5) إلى تعريفه : بالإيجاب والقبول الدالين على الانتقال، وبعض آخر (6) عرَّفه : بأنَّه نقل العين بالصيغة المخصوصة - خلافُ ما ذكرنا.

لكن يمكن أنْ يُقال: إِنَّ غَرَضَ جميعهم الكشف عن المعنى العرفي، لكن اختلافهم في الكاشف، ويمكن أن يكون غرضهم هو الكشف عن المعنى الحقيقي العرفي، وذِكر بعض الشرائط للتأثير (7) على أنها داخلة في مفهومه.

ولا ينافي ما ذكرنا - أيضاً - قولهم : إنّه لغةً كذا، أو شرعاً كذا، يعني المفهوم المشتمل على الشرائط كذا ، فهو حينئذٍ - على ما صرح به بعض الأفاضل (8) - هو إنشاء تمليك مال بمال،

ص: 26


1- لم يذكر التفصيل في هذه الرسالة المباركة، ولعله ذكره في محضر درسه الشريف.
2- الطوسي، المبسوط : 76/2 .
3- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء : 5/10.
4- ابن إدريس الحلي السرائر ( ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 339/3 .
5- المحقق الحلي، المختصر النافع: 118 ؛ الشهيد الأول، الدروس الشرعية : 191/3.
6- المحقق الكركي، جامع المقاصد : 55/4 .
7- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (للتأشير).
8- لعله يريد (قُدِّسَ سِرُّهُ) ببعض الأفاضل هو الشيخ محمد حسن النجفي (قُدِّسَ سِرُّهُ) صاحب الجواهر، كما يصرح به في ص 141 (شيئين ذَكَرَ أولهما بعض الأفاضل)، علماً أنَّ صاحب الجواهر لم يذكر هذا التعريف من جملة التعاريف التي ذكرها. ينظر : جواهر الكلام: 203/22 - 206 . وما ذكره الشيخ الأعظم في المكاسب : 11/3 ، قريب مما ذكره (قُدِّسَ سِرُّهُ) فقال : البيع: إنشاء تمليك عين بمال. والمصنف لم يعبّر - فيما سيأتي في مباحث هذا الكتاب - عن الشيخ الأعظم ب- (بعض الأفاضل).

على ما يظهر ذلك من كلام بعض أهل اللغة كصاحب المصباح(1).

لكن الظاهر أنَّ الظاهر (2) من البيع ليس هو مطلق التمليك بالعوض حتّى يشمل مطلق المعاوضة، بل هو عبارة عن تمليك شيءٍ بشيءٍ آخر على أن يكون الآخر قيمة له، وفرعاً له، ويكون الشيء الأول مأخوذاً على نحو الأصالة، والآخر على وجه التبعية.

فالمقصود من البيع حقيقةً تقوّم الشيء، وجعل الآخر وأخذه على وجه البيعية والثمنية، كما أنَّ الشراء - أيضاً - تمليك، لكن على وجه الثمنية والقيميّة، كما هو الظاهر من لفظ (الباء) المأخوذ في التعريف، كما يظهر من قول بعض - في مقام تعيين المشتري في بيع الحيوان بالحيوان-: إنّ المشتري ما يكون مالكاً لما يكون مدخولاً لكلمة (باء)(3).

ثم إنّه هل يمكن تعقّل مفهوم عام يشمل البيع وغيره حتّى تكون المعاوضة مطلقة، ولا يتعلّق الغرض بكون أحدها أصلاً والآخر قيمة وفرعاً، بل تعلّق الغرض بمعاوضتهما على حدٍّ سواء، حتّى أنه لو لم يذكر (الباء) أيضاً، ولا يكون أحدهما مُقدَّماً في القول على الآخر حتّى يُقال: إنّ كلاً من (الباء) أو التقديم يعيّن كون المدخول فرعاً وغيره أصلاً، فكذا المقدَّم مبيعاً، بأن وكّلا شخصاً آخر بإجراء صيغة المعاوضة بين اثنين، فيقول الوكيل: جعلت التعويض بين الكتاب وكتاب آخر. فيكون مشكوكاً في دخوله في إحدى المعاوضات، أو يلحق بالبيع؛ لكونه الأصل في المعاوضات؟

والظاهر تعقّل ذلك المفهوم المطلق.

ص: 27


1- ينظر: الفيومي، المصباح المنير : 69/1 .
2- كذا فى المخطوط.
3- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 4/24 .

[ الحقيقية الشرعيّة أو المتشرعيّة للبيع ]

والحاصل مما ذكرنا : إنّ البيع ليس له حقيقة شرعيّة ولا متشرعيّة، بل هو باقٍ على معناه اللغوي؛ لأنا لا نفهم من مفهومه سوى التمليك على وجه مخصوص، مضافاً إلى أصالة عدم النقل، وتصريح المحققين (1) به ، والظاهر - أيضاً - اتحاد العرف العام مع اللغة.

[ شرح المعنى الاسمي للبيع]

وليس المراد بتعريف البيع - هنا - بيان ماهية البيع وحقيقته، بل المراد شرحه بحسب المفهوم بألفاظ مرادفة له، ففي الحقيقة بيان ما وضع له لفظ البيع بلفظ آخر، كالتعريف اللفظي ك-( سعدانة نبت)، وأمّا أنَّ الموضوع له حقيقته أيُّ شيء، فلا يكون بصدده.

وكيف كان، فهو معنى متعلّق بالبائع خاصة، وهو التمليك على نحو مخصوص كما ذكرنا، لا على سبيل الإطلاق المتعلّق بكل من المتعاوضين.

[إيرادات على تعريف البيع]

ومن هنا ظهر فساد ما في المصباح - من أنّه مبادلة مال بمال (2).

ووجهه : إنَّ المبادلة قائمةٌ بالطرفين لا بالبائع خاصة.

وكذا ظهر فساد ما ذكره بعضٌ آخر (3) - من أنّه الإيجاب والقبول الدالان على الانتقال -من وجهين

الأول: إنَّه جعله من مقولة اللفظ، حيث فسّره بالإيجاب والقبول.

والثاني : إنَّه قائمٌ بشخص واحد، لا متعلّق بشخصين، والإيجاب والقبول قائمان بالبائع

ص: 28


1- ينظر: العاملي، مفتاح الكرامة: 478/12؛ النجفي، جواهر الكلام: 204/22؛ الأنصاري، المكاسب : 10/3 .
2- ينظر: الفيومي، المصباح المنير: 69/1.
3- ينظر: المحقق الحلي، المختصر النافع: 118 ؛ الشهيد الأول، الدروس الشرعية: 191/3.

والمشتري.

وكذا ظهر - أيضاً - فساد كلام من فسّره بالانتقال(1)، من وجهين أيضاً:

الأول: إنَّه من أفعال البائع، وليس الانتقال كذلك، بل هو الأثر الحاصل من العقد.

والثاني: إنَّه - أيضاً - قائم بشخصين، بمعنى : إنّه أثرُ فعلهما، وإلا فليس قائماً بهما.

ولما ذكرنا من كونه من مقولة المعنى، وفعلاً متعلّقاً بالبائع، عَدَلَ المحقق الكركي في شرحه على القواعد إلى أنّه : نَقْلُ الملكِ من مالك إلى غيره بصفة مخصوصة (2).

فالمحقق المذكور وإن أصاب في جعله من مقولة المعنى، الذي يكون متعلّقاً بالبائع، لكن أخطأ من وجهين :

الأول: إنَّ النقل ليس مرادفاً؛ إذ هو نقل الشيء من مكان إلى مكان آخر، وهذا مفهوم غير مفهوم البيع؛ إذ هو التمليك، وإن كان لازمه النقل في نقل الأعيان.

والثاني: عدم تحقق مفهوم النقل في بيع الكلّي، الذي لم يكن البائع مالكاً له بالفعل؛ إذ ليس عند البائع شيء موجود، بل هو معدوم فعلاً، والنقل إنّما هو في الموجود، خصوصاً مع قوله: (من مالك)؛ إذ هو ظاهر في المالك الفعلي، ولا يرد ذلك على كونه بمعنى التمليك؛ إذ لا يلزم فيه وجود الشيء فعلاً، بل يُمَلِّكُ البائع المشتري ثمن الكلي على عهدته وذمّته.

وإن قلت: إنَّ المراد بالنقل، هو النقل على تقدير الوجود مع التمليك فعلاً، فيرد عليه المحذور الأول.

ص: 29


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 76/2؛ ابن إدريس الحلي السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 3/ 339.
2- المحقق الكركي، جامع المقاصد: 55/4 .

[ تعريف البيع عند المصنّف]

فالأولى أن يُعَرَّف بأنَّه : تمليك مالٍ بعوضٍ على وجه المعاوضةِ.

ولا حاجة إلى زيادة قيد الإنشاء؛ إذ هو ثابت في التمليك، ويكون أعم من أن يكون بالفعل كما في المعاطاة - على ما هو الحق من كونها بيعاً - ومن أن يكون بالقول كما في غيرها.

[ معنى المال في تعريف البيع]

والمراد ب-(المال): هي العين المقابلة للمنفعة والحقوق لإجماعهم - ظاهراً - على أنّ الثمن في البيع لا بُدَّ أن يكون عيناً (1) ، ومن هنا اشتهر بينهم: إنّ البيع لنقل الأعيان(2)، لا العين الخارجية الذي يكون في مقابل الكلّي.

والعوض: أعم من أن يكون عوضاً في مقام الجعل والتمليك، أو يكون لازم التمليك -كما في القرض - حيث إنّه تمليك، لكن لا على سبيل المجانيّة، ولازمه الإغرام عند التلف، فیصدق أنه تمليك مال بعوض، فيخرج ب[-ال-] قيد الأخير، وهو أن يكون تمليك المال بالعوض على نحو المعاوضة؛ لأنَّه ليس تمليكاً على وجه المعاوضة، بحيث تكون المعاوضة ملحوظة حين التمليك، بل تمليك خاص لازمه ثبوت العوض.

ثم إنا قد ذكرنا قُبيل هذا عدم الحاجة إلى قيد الإنشاء في التعريف؛ لتضمنه التمليك.

لكن يمكن أنْ يُقال: إنَّ التمليك هو إيجاد الشيء وحصوله في الخارج، نظير الكسر ،ففي الحقيقة هو التمليك من البائع مع حصوله له في الخارج.

ولا يُقال للتمليك الذي لا يتعقبه القبول، أو الشرائط التي لا يتحقق بدونها الملك في الخارج إنّه ملّكَهُ البائع؛ فالتمليك: هو التسليط مع حصول الملك في الخارج، وهو لا يكون

ص: 30


1- ينظر : فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 412 ؛ المحقق الكركي، رسالة الخيار في البيع (ضمن رسائل المحقق الكركي) : 174 ؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 179/4.
2- ينظر : المحقق الكركي، جامع المقاصد : 7/ 80 و 128 ؛ الوحيد البهبهاني، حاشية مجمع الفائدة: 479؛ النراقي، مشارق الأحكام: 42 .

إلا في البيع الذي يكون مقترناً بالقبول وجميع الشرائط، وهو ليس معنى البيع، بل البيع عبارة عن نفس إنشاء التمليك، سواء تعقبه القبول والشرائط الأخر أم لا.

فحينئذٍ، فاللّازم تفسيره بإنشاء التمليك؛ إذ البائع ينشئ التمليك، لكن يترتب عليه الملكيّة في بعض الأوقات... (1).

(في أنه هل يعتبر في البيع صيغة خاصة أم لا؟)

فنقول قبل الخوض في المطلب - في ما هو مقتضى القاعدة الأولية المستفادة من الإطلاقات الواردة في المقام (2): إنَّ مقتضى إطلاق قوله [تعالى]: « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» (3)- بناءً على الإغماض عما ذكرنا من الخدشة في أوائل المعاطاة(4) - هو حليّة جميع أفراد البيع العرفي، سواء كان بالفعل أو القول، سواء كان القول جامعاً للشرائط أم لا ، وكذلك مقتضى عموم الوفاء بها بكلّ عقد صحةُ جميع العقود ولزومها، سواء كان بالفعل أو القول الخاص، أو غيره من مطلق القول؛ لأنَّ المراد مطلق العهد أولاً، فيشمل جميع العهود، وكذا على تقدير كونه العهد المشدّد؛ لأنَّ تشديده - كما ذكرنا سابقاً (5) - إمّا تأكيده بالقسم، وبإقامة الشاهد عليه، أو تأكيده باعتبار لفظ لا يكون معرضاً للإنكار.

فكيف كان، لا يدل على اعتبار الصيغة الخاصة، ويكون مطلقاً من هذه الجهة.

وكذا قوله [صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ] : «المؤمنون عند شروطهم» (6)، وغير ذلك مما ذكرنا سابقاً(7) من

ص: 31


1- يوجد في المخطوط بياض بمقدار كلمتين، وفي الهامش توجد عبارة - ولعلها بقلم الناسخ - : (سقط في الأصل كراسة).
2- في المخطوط: (... المقام فنقول)، مكرراً، ولعلها من زيادات القلم.
3- سورة البقرة : 275 .
4- لم يتقدّم منه (قُدِّسَ سِرُّهُ) الكلام في المعاطاة، ولعله يقصد في مجلس درسه المبارك.
5- لم يتقدّم منه (قُدِّسَ سِرُّهُ) الكلام في العهد في هذا الكتاب.
6- الطوسي، تهذيب الأحكام : 3 / 371 ، ح 66 ، الاستبصار : 232/3 ، باب : إنّ الثيب ولي نفسها، ح 4 .
7- لعله يقصد الآية القرآنية، وإلا لم يسبق له أن ذكر شيئاً من الحديث.

الإطلاقات الدالة على حصول الملكيّة مطلقاً، واللزوم مطلقاً.

فمقتضى ما ذكرنا عدم اعتبار شيء في حصول الملكيّة واللزوم من اللفظ المخصوص، بل مطلق اللفظ كما يدل عليه بعضها كالأول ،والثالث، والاحتمال الأول والثاني من الثالث ولا مانع من مقتضى الإطلاق إلا الخبر الذي ذكرنا سابقاً(1)، وقد عرفت حاله.

وقيام الإجماع على اعتبار اللفظ المخصوص في اللزوم، وهو - أيضاً - ممنوع أشدّ المنع، بل لو سلّم الإجماع فإنّما هو على اعتبار مطلق اللفظ في اللزوم؛ لعدم الدليل على رفع اليد عن مقتضى أصالة اللزوم إلا بهذا القدر، فحينئذٍ فلا ثمرة لنا من التكلّم في الصيغة الخاصة وشروطها.

نعم، لو ادُّعي إجماع على اعتبار الصيغ الخاصة، فإن كان له قادح فلا يثبت به شيء، وأمّا لو لم يكن له قادحٌ من دعوى خلافه، فيؤخذ به، فحينئذٍ نتكلّم في الصيغ والشروط المعتبرة فيها على سبيل المماشاة إجمالاً .

لكن الإجماع على اعتبار اللفظ أو الصيغة الخاصة في اللزوم، إنما هو عند التمكن منه والقدرة عليه، وأمّا في صورة العجز عنه فلا يشترط إجماعاً (2)، كالأخرس، فتقوم إشارته مقام اللفظ في كونه لازماً.

ص: 32


1- لم يتقدّم ذلك في هذا التقرير.
2- ينظر : المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 267/2 ، الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 152/3، النجفي، جواهر الكلام 251/22 .

( فی عقد الأخرس)

إلا أنّ هنا كلامين لا بأس بالإشارة إليهما إجمالاً:

الأول: [هل] إنّ إشارة الأخرس تقوم مقام اللفظ مطلقاً، حتّى مع التمكّن من التوكيل أو لا، بل يشترط في قيامها مقامه عدم التمكّن من التوكيل ؟

قد يُقال: إنّه بناء على ما ذكرنا (1) من مقتضى القواعد الأولية هو عدم اعتبار اللفظ مطلقاً، خَرَجَ منه صورة القدرة على مباشرة اللفظ بالإجماع (2) ، ولا دليل على رفع اليد عن مقتضى الإطلاقات في صورة العجز عن اللفظ ، ولا إجماع حتّى في هذا المقام حتّى يقال بعدم قيام الإشارة مقامه إلا مع العجز عنه بالكلية مباشرةً واستنابةً، فتقوم الإشارة مقام اللفظ حتّى مع القدرة على التوكيل.

لكن يمكن أنْ يُقال: إنّه يمكن الاستكشاف من قولهم ب- (اعتبار اللفظ إلا مع العجز عنه) (3) هو ثبوت المقتضي لاعتبار اللفظ عندهم كليّةً حتّى في مورد العجز أيضاً، إلّا أنّ العجز صار سبباً لرفع اليد عن اقتضائه، فإذا كان المقتضي ثابتاً مطلقاً لا بُدَّ في رفع اليد عنه من الاقتصار على القدر المتيقن من كونه مخصصاً ومانعاً، وهو صورة العجز بالكلية، وهي صورة عدم القدرة على الإنشاء باللفظ مطلقاً حتّى بالاستنابة.

هذا لو لم يقم إجماع أو دليل على كفاية الإشارة مطلقاً.

لكن لا يبعد ثبوت الإجماع على ذلك، والدليل أيضاً، وهو فحوى ما ورد من كفاية الإشارة في الطلاق (4) ؛ لأنّ حملَه على صورة العجز عن التوكيل حمل على الفرد النادر .

ص: 33


1- راجع ص 29 .
2- ينظر: المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 449/1؛ آل عصفور الأنوار، الأنوار اللوامع: 275/11، العاملي؛ مفتاح الكرامة : 12/ 525 .
3- ينظر : المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 267/2؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 13/ 92؛ الشهيد الثاني، الفوائد والقواعد: 528 .
4- عن السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «طلاق الأخرس : أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها، ثم يعتزلها». الطوسي، الاستبصار: 3/ 301، باب: طلاق الأخرس، ح2.

(الكلام الثاني: في صور إشارة الأخرس )

والثاني: إنّ إشارة الأخرس تتصور على صور:

الأولى: أن يُشير الأخرس إلى ألفاظ الصيغة الخاصة، من دون قصد المعاني بالألفاظ المُشار إليها، كما في إشارته في القراءة، حيث إنّ المطلوب في القراءة ليس إلا إيجاد الألفاظ بدون قصد المعاني، بل يكون مفسداً، فتكون الإشارة قائمةً مقام نفس الألفاظ.

والثانية: أنْ يُشير إلى الألفاظ الخاصة مع القصد بها إلى معانيها، فتكون إشارته مثل استعمال الخطوط في الألفاظ المقصود بها المعاني.

والثالثة: أن يُشير إلى المعاملة المتداولة - وهي: المعاطاة - فيشير على طريقة الناس في معاطاتهم، كما أنّه لو أشار القادر في مقام المعاطاة.

فهل تكون هذه الأقسام الثلاثة كلّها داخلة في البيع العقدي، بمعنى كون حكمها حكمه في اللزوم؛ بمقتضى إطلاق دليل قيامها مقامه، أو تكون كلّها داخلة في المعاطاة، غاية الأمر ثبوت اللزوم فيها، بخلاف غيرها من أقسام المعاطاة - بناءً على كون كل ما لم يكن بالألفاظ الخاصة داخلاً في المعاطاة - غاية الأمر عدم ثبوت حكمها لها من جهة الدليل، فيكون مفادُ الدليل مجرّد التنزيل منزلة العقد في الحكم ولو كانت داخلة في المعاطاة موضوعاً، أو التفصيل بين ما تكون الإشارة إلى الألفاظ بقسميها، فاللزوم، وما يكون الإشارة إلى المعاطاة، فتكون جائزة؟

[المختار في المسألة]

والظاهر من هذه الوجوه هو الأخير، أمّا في الشق الأول؛ فلما عرفت من الدليل، وأمّا في الشق الثاني؛ فلدعوى ظهور دليل التنزيل في غير هذا القسم، وأنه فيما يكون المقصود هو اللزوم، أو لم يعلم القصد، وأمّا في صورة قصده إلى المعاملة المتداولة فبعد شمول الدليل؛ إذ يكون بعيداً غاية البعد الفرقُ بين إشارة الأخرس إلى المعاطاة، فيحكم باللزوم، وإشارة غيره على نحو إشارته، فيحكم بالجواز، مع أنّ الدليل إنّما هو من جهة سعة الأمر عليه، فيثبت في مورد قصده اللزوم، لا في غيره؛ لأنَّه تضيق عليه.

ص: 34

[ في اعتبار المادة والهيئة ونحوهما في الصيغة]

ثم إنّ الكلام في الصيغة قد يكون باعتبار مادتها من حيث الصراحة والظهور، وقد يكون من جهة الهيئة، وقد يكون من جهة التركيب من حيث تقديم الإيجاب على القبول وعدمه، والتطابق وغيره.

وأمّا الكلام في الأول، فنقول: أمّا مقتضى الأصول اللفظيّة، فقد ذكرنا (1) عدم الحاجة إلى اللفظ أصلاً، غاية الأمر ثبوت الإجماع (2) على اشتراط اللفظ، فلا بُدَّ من الاقتصار على مورد الإجماع.

(حكم ما لو وقع العقد بالكناية والمجاز ونحو ذلك )

فحينذ نقول: قد حُكي عن بعض (3)- حتّى نُسب إلى المشهور (4)- : عدم وقوع العقد بالكنايات والمراد بها ما يدل على لازم المعاملة، واشترطوا كون اللفظ صريحاً، والمراد به ما يدل على نفس المعاملة بالوضع.

وبعضهم (5) اشترط الحقيقة، وعدم وقوعه بالألفاظ المجازية ولو كانت من المجازات

ص: 35


1- راجع ص 29.
2- ينظر : المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 267/2؛ القمي، جامع الخلاف والوفاق: 241؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 2/ 275 . ويمكن خرق الإجماع المحصّل بما يظهر من الشيخ المفيد من عدم اشتراطه في حدّ البيع حيث قال: (البيع ينعقد على تراض بين الاثنين، فيما يملكان التبايع له، إذا عرفاه جميعاً، وتراضيا بالبيع، وتقابضا، وافترقا بالأبدان). ينظر : المقنعة: 591.
3- الحاكي هو : الشيخ الأعظم في المكاسب : 119/3، والمحكي عنه هو العلّامة الحلي في تذكرة الفقهاء: 9/10 .
4- ينظر: العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 359/1؛ الشهيد الأول ، غاية المراد: 17/2؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 122 / 483 - 484 ؛ الأنصاري، المكاسب : 119/3 .
5- ينظر: النجفي، جواهر الکلام: 249/22 - 250 ؛ ونقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 12/ 485، عن أستاذه بحر العلوم في مصابيح الأحكام الذي ليس عندنا منه كتاب البيع.

القريبة، لكن الذي يظهر من جماعة (1) وقوعه بالمجازات القريبة، وأمّا المجازات البعيدة التي يكون قرينتها غير اللفظ ، فالظاهر قيام الإجماع (2) على عدم اعتبارها.

وأمّا الألفاظ التي تكون ظاهرة في المعاملة في العرف - ولو كانت من الألفاظ المجازيّة، التي يكون قرينتها اللفظ - فالظاهر وقوع العقد بها، كما يظهر من كلمات العلماء (3) في أبواب العقود، فاشتراط الحقيقة مطلقاً مُشْكِل

نعم، لا بُدَّ من صراحة اللفظ في المعاملة ولو بالقرينة اللفظيّة.

وكذا اشتراط أن يكون اللفظ من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، وما استعملت في لسان الشارع والأئمة[علیهم السلام] في المعاملة الخاصة ؛ لكون الألفاظ توقيفية، لا بُدَّ من ورودها من صاحب الشرع، هو في محلّ المنع؛ إذ الإطلاقات ثابتة، ولم يرد مقيد إلا على اعتبار اللفظ، غاية الأمر عدم كونه من المجازات البعيدة، وما لم يكن له ظهور في المعاملة الخاصة في العرف، وأمّا تقييدها بأزيد منه [ف-] محتاج إلى الدليل، مع أنه قد عبّر في الكتاب والسنة عن بعض العقود والإيقاعات بألفاظ لم يقع بها إجماعاً (4) ، مثل التعبير عن الطلاق بالتسريح في قوله تعالى: « أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ » (5)، ومثل التعبير عن نقل المنفعة بالبيع، مثل: بيع سكنى الدار، وخدمة العبد، مع أنه لم يقع الطلاق والإجارة بهما .

فالظاهر عدم اشتراط أزيد مما ذكرنا؛ لعدم الدليل على غيره، وتعليلاتهم - أيضاً - لا تدل على الأزيد.

ص: 36


1- ينظر : الفاضل الآبي، كشف الرموز : 446/1 ؛ الأردبيلي ، مجمع الفائدة: 8 / 146؛ النراقي، مشارق الأحكام: 52 .
2- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 3/ 152.
3- ينظر: العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 2/ 275؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: 8 / 146؛ الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 3 / 48 .
4- تقدّم في أوّل البحث.
5- سورة البقرة : 229 .

والتمسك بأصالة عدم النقل لإثبات الزائد لا وجه له بعد ما سمعت من الإطلاقات، هذا بالنسبة إلى المادة.

(في لفظ الإيجاب)

وأمّا بالنسبة إلى الهيئة [في] كل من الإيجاب والقبول من حيث العربية، و الماضوية، والجملة الفعلية، فنقول:

الظاهر أولاً: إنّه لا إشكال في وقوع الإيجاب بلفظ (بعتُ)، بل [هو] إجماعي (1)، وكذا بلفظ (شريت)، وإن كان كل منهما من الأضداد بحسب اللغة (2)، لكن الأول كثر استعماله في العرف في البيع، بحيث لم ينصرف منه إلا البيع ولكن الثاني يمكن الخدشة فيه من هذه الجهة؛ لقلة استعماله في البيع لكن العبرة بالمعنى الحقيقي، واعتبار الظهور العرفي إنّما هو بالنسبة إلى المجازات.

وكذا يقع بلفظ: (ملَّكْتُ)، وإنْ كان دالاً بلفظه على لازم مفهوم البيع، بل قد يقال: إنّه عين مفهوم البيع - بحسب اللغة والعرف - ؛ إذ التمليك هو مبادلة مال بمال. وهو معنى البيع في العرف واللغة (3).

لكن الدعوى لا تخلو من خفاء، لكن الظاهر وقوع الإيجاب به؛ لكونه ظاهراً في البيع، وعدم كونه من المجازات.

وأمّا بلفظ : (اشتريتُ) [ف-] لا يخلو عن إشكال؛ لعدم الظهور في الإيجاب.

ص: 37


1- ينظر: الشهيد الثاني، الفوائد والقواعد: 527 ؛ المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 20/ 2؛ الكاظمي، مقابس الأنوار: 274 .
2- ينظر: ابن منظور، لسان العرب: 23/8 .
3- ينظر: الفيومي، المصباح المنير : 69/1 .

38

(في لفظ القبول )

وأمّا القبول :فيقع بكل ما يدل على القبول ، مثل : (قبلتُ)، و(رضيتُ) - وما أشبهها - و (اشتريت).

وأمّا اعتبار العربية في الصيغة (1): فلم يدل عليه لا الإجماع ولا غيره، وإن لم يكن الدليل - هنا - إلا الإجماع، بل يقع البيع بالفارسية أيضاً.

وأمّا اشتراط عدم اللحن من حيث الإعراب: فأولى بعدم الاشتراط؛ لأنَّه متفرّع على لزوم العربية.

وأمّا اعتبار الماضوية: فالظاهر من جماعة (2)، بل المشهور، بل ادُعي الإجماع(3) [على] اشتراطها، فلا يقع بالمستقبل ولا بالحال، ويظهر من بعض آخر (4)عدم اشتراطها.

ومقتضى القواعد عدم الاشتراط؛ لإطلاق البيع والتجارة (5)، وكذا فحوى ما ورد في

ص: 38


1- وفي اشتراط العربية في [العقد] قولان: الأصح عدم الاشتراط إلا في النكاح؛ للسيرة المستمرة على إجراء الصيغ بسائر اللغات، ولعدم ورود نصّ على عدم كفاية غير العربية، ولعدم ردع المعصوم الناس في معاملاتهم؛ حيث إنّ غير العرب يجرون الصيغ - غالباً - بغير العربية، فلو كان فاسداً لوجب الردع عن هذا الأمر الجلي، العام البلوى بين غير العرب، ولظاهر المعظم؛ حيث يظهر منهم عدم الاشتراط، ولا أعرف الخلاف إلا من : المحقق الثاني [جامع المقاصد : 4/ 59 -60]، والشهيد الثاني [الروضة البهية: 225/3] وليس لهما ما يعتمد عليه إلا الأصل المحكوم بعموم: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، والتأسي بالعقود الصادرة من النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والأئمة، وليس هو من التأسي بشيء؛ لأنَّه لا يجري في العاديات، والعربيّة فطرية لهم، والتأسي يجب حيث لا يكون الدليل على خلافه كما ههنا. (حسن صدر الدين).
2- ينظر : الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 152/3 - 153 ؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة و البرهان: 145/8؛ الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع : 49/3 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 8/10.
4- ينظر: ابن البراج، المهذب : 1 / 350 .
5- إشارة منه (قُدِّسَ سِرُّهُ) إلى قوله تعالى في الآيتين الشريفتين: « «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا» البقرة/ 275 و « «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ» النساء/ 29.

النكاح من القبول بلفظ : (الأمر) في حكاية سهل(1).

لكن مع ذلك مخالفة المشهور مشكلٌ، خصوصاً مع دعوى العلّامة (2) الإجماع عليه، وعدم خلاف مُعْتَدٍ به في البين في خصوص البيع.

ورُدَّ :إِنّه سهل مع عدم تماميته، وقبوله في باب النكاح لا يمكن القياس عليه، مع أنه يمكن دعوى (3) عدم الصراحة في الإنشاء في المستقبل والحال؛ إذ الأول أشبه بالوعد، والثاني بالاستدعاء.

(في تقديم الإيجاب على القبول )

وأمّا الكلام في الترتيب بين الإيجاب والقبول، فنقول : المشهور (4) لزوم تقديم الإيجاب على القبول بقول مطلق، حتّى أنه حكي عليه الإجماع (5)، وعُلّل تارةً بأنّ القبول لا يتحقق مع

ص: 39


1- ونصها: «روى سهل بن سعد الساعدي: إنّ امرأةً أتت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقالت: يا رسول الله، إنّي قد وهبت نفسي لك. فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله، زوّجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة. فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هل عندك من شيء تصدقها إيّاه ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إن أعطيتها إيّاه جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئاً، فقال: ما أجد شيئاً، فقال له رسول الله : هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، وسمّاهما فقال رسول الله : قد زوجتكها بما معك من القرآن» الثعلبي، الكشف والبيان: 279/3 ، ابن إدريس، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلى): 299/4 - 300 .
2- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 8/ 10.
3- لكن يظهر من الشيخ في المبسوط في باب النكاح [194/4] جواز البيع بأن يقول المشتري: قبلتها، ويقول: بعتك. وهذا يوهن دعوى العلّامة الإجماع، فلم يظهر مخصص للإطلاق، فافهم (منه).
4- ينظر: العلّامة الحلي، مختلف الشيعة : 52/5 ؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد : 1 / 413 ؛ المحقق الثاني، جامع المقاصد: 60/4 .
5- الحاكي هو الشهيد الأول في غاية المراد: 2/ 16؛ والمحكي عنه هو الشيخ الطوسي في الخلاف : 3 / 39 – 40. أقول : قال الشيخ في الخلاف : إن ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به وبهذا يندفع ما استشكله الشيخ الأعظم - على الشهيد الأول - في مكاسبه : 3 / 141 ، حيث قال: (وليس في الخلاف في هذه المسألة إلا أن البيع مع تقديم الإيجاب متفق عليه، فيؤخذ به) .

تأخر الإيجاب؛ لأنّ القبول تابع للإيجاب، وتارةً أخرى بأنّ الأصل عدم النقل، وعدم الدليل على حصول النقل مع التأخر ؛ لأنّ المتعارف هو تقديم الإيجاب، فينصرف إليه، وكذا إطلاق البيع والتجارة ينصرف إليه، وتارةً أخرى بالإجماع.

لكن المحكي عن جماعة عدم اللزوم، حتّى أنّه يظهر من الشيخ في المبسوط في باب نکاحه عدم الخلاف في صحة البيع مع تقديم القبول (1)، ولعلّه؛ للإطلاقات، وفحوى الأخبار الواردة في باب النكاح، فدعوى الإجماع على لزوم التقديم - حينئذٍ - موهونة بمصير جماعة كثيرة على الخلاف كالعلّامة(2)، والشهيدين (3)، وغيرهما (4).

وكذا التعليل بعدم تعقّل القبول إلا بعد تحقّق الإيجاب لا يظهر له وجه؛ لأنّ القبول هو الرِّضا بالفعل الصادر من الآخر، أو ما يصدر.

وكذا دعوى الانصراف موهونة:

أولاً بعدم التعارف، الذي يكون موجباً للانصراف.

وثانياً: إنّ الانصراف إنّما هو في الإطلاق والعموم الحكمي، لا في العموم الوضعي، كما هو الحال في قوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (5)؛ إذ العقود جمع معرف باللام يفيد العموم فدعوى الانصراف إنّما تَحْسُن في الإطلاق، حيث إنّه لا يفيد العموم بنفسه، بل بضميمة المقدمات التي أحدها عدم البيان، وبَعد الانصراف والغلبة يكون بمنزلة البيان، فينصرف الإطلاق إليه.

لكن التحقيق في ذلك : إنَّ القبول تارةً بلفظ : (قبلتُ)، و(رضيتُ)، وما أشبهما مثل : (ابتعتُ) وتارةً بلفظ : (اشتريتُ)، فإن كان من قبيل الأول ، فالظاهر لزوم تقديم الإيجاب؛

ص: 40


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 194/4.
2- ينظر: العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 359/1.
3- ينظر: الشهيد الأول، الدروس الشرعية: 3 /191 ؛ الشهيد الثاني، حاشية المختصر النافع : 92 .
4- ينظر: المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 449/1 .
5- سورة المائدة : 1 .

لأنَّ البيع لا بُدَّ فيه من الإنشاء من الطرفين؛ إذ هو مبادلة مال بمال، فكلّ منهما ينقل ماله إلى الآخر مع العوض، فالقابل - أيضاً - لا بُدَّ [له] من إنشاء نقل ماله إلى الآخر، ولفظ: (قبلتُ) و (رضيتُ) ليس فيهما إنشاء للنقل، ولا يكون فيهما إلا المعنى الآلي الربطي، وهو الرضا بفعل الآخر ، فهما إذا قدما ليس فيهما إلا الرِّضا، ولم يحصل ما يكون المناط في البيع، وهو إنشاء نقل المال إلى الآخر في الحال، بخلافه إذا أُخّرا، فإنّهما - حينئذٍ - ينطبقان على الإيجاب، فيحصل فيهما، ويكون مفهومهما حينئذٍ هو: إنشاء انتقال المال مع نقل ماله إليه بعوضه؛ لأنَّه ليس معنى قبول إنشاء النقل مع العوض إلا هذا.

والحاصل : إِنَّ البيع من المعاوضات والقبول فيها لا بُدَّ أنْ يكون على وجهٍ يتضمن نقل ماله إلى الآخر ولو بالتبع، ولا يكفي فيه مجرّد الرِّضا بفعل الآخر بدون إنشاء النقل، والقبولُ إذا تقدّم لا يفيد إلا مجرّد الرِّضا بالفعل المستقبل، وليس نقل المال، بخلافه إذا تأخر، فإنَّ قبول نقل البائع مع العوض يتضمن ذلك؛ لانطباق المعنى الآلي عليه، فيتضمن ذلك .

وأمّا إذا كان بغير لفظ : (قبلتُ)، مثل: (اشتريتُ)، فالظاهر جوار تقديمه؛ لأنَّه يتضمن إنشاء النقل بمفهومه، وليس مثل لفظ القبول، كما أن في البيع إنشاء النقل، غاية الأمر إنَّ الفرق بين لفظي (البيع، والشراء): إنّ البيع معناه نقل المال إلى الآخر بالعوض، فإنشاء النقل إنّما يكون بالأصالة، وإنشاء الإدخال بالتبع، والاشتراء على العكس، فإنشاء الإدخال بالأصالة، وإنشاء النقل على وجه التبعية، ففيه إنشاء النقل سواء تقدّم أو تأخر، فيتضمن ما هو ركن المعاوضة على كل تقدير، وأمّا إذا تأخر فيكون لازمه المطاوعة، وقبول الأثر، بخلافه إذا تقدم ، ولا يلزم في القبول تضمنه المطاوعة وقبول الأثر، ولا يلزم في قبول المعاوضة إلا الرضا بالإيجاب على وجه يتحقق ركن المعاوضة، وهو حاصل مع التقدّم، والإجماع على اعتبار القبول لم يثبت به أزيد من ذلك.

[ شرطيّة الترتيب بين الإيجاب والقبول في العقد الجائز ]

هذا كلّه في العقود التي لا بُدَّ من التزام القابل على نفسه شيئاً، مثل البيع، والإجارة، وكان القبول - إذا كان بغير لفظ (قبلتُ) - مغايراً للإيجاب، وأمّا العقود التي لا التزام في قبولها،

ص: 41

بل اعتبار القبول فيها من جهة تحقق العنوان المترتب عليه الأحكام في الشريعة، كالقبول في الرهن، والقرض، والهبة، حيث إنّه لم يكن في قبولها الالتزام بشيء زائد على التزام الموجب؛ لأنّ الالتزام فيها ليس إلا من جهة الموجب؛ لأنَّه ليس في الرهن شيء إلا جعل الراهن المال وثيقةً عند المرتهن، وليس من طرف المرتهن شيء آخر ، ولا التزام على نفسه في قبوله، وكذا في القرض؛ لأنَّه ليس فيه إلا مجرّد الإدخال في الملك، وكذا في الهبة، فاعتبار القبول فيها بتحقق عنوان الارتهان من المرتهن وكذا الاقتراض، والاتهاب في القرض والمتهب؛ إذ من الواضح عدم هذه الأمور مع عدم القبول مؤخراً؛ إذ لا يصدق الارتهان مع عدم الرهن(1)؛ إذ الارتهان قبول الرهن، وهو من الإنفعال، ولا بُدَّ في الحقيقة من تحقق الفعل، فلا فرق - حيئنذ - بين كون القبول بلفظ: (قبلتُ) أو (ارتهنتُ) ، وكذا في الصلح المتضمن للإسقاط والتمليك.

لكن قد يُشْكل بأنَّه يُمكن أنْ يقال: إنّ في الأمور المذكورة - أيضاً - التزاماً زائداً على التزام الموجب، مثلاً في الرهن الموجب يجعل بإنشائه المال وثيقة، والقابل ينشأ الاستيثاق، وكذا في الاقتراض ينشأ الاقتراض والإدخال في الملك، فيمكن من هذه الجهة الفرق بين القبول في الرهن إذا كان بلفظ (قبلتُ)، فلا يجوز التقديم، بخلافه إذا كان بلفظ: (ارتهنتُ)؛ لأنَّه مثل: (اشتريتُ)؛ لتضمنه الإنشاء سواء تقدّم أو تأخر .

بل يمكن أن يُقال: إنَّ في الإشراء - أيضاً - ليس إلا ما كان في قبول الرهن؛ لأنَّ البائع ينشأ نقلَ ماله إلى صاحبه، ونقلَ مال صاحبه إليه، فالمشتري يقبل ذلك بمعنى إنشاء [قبول] الإدخال في الملك، وقبول الإخراج عن الملك.

لكن هذا ليس بسديد؛ إذ ليس في لفظ (بعتُ) إلا نقل المال مع العوض، لا أنَّه نقلان، نقلٌ لماله إلى المشتري، ونقلُ مال المشتري إلى نفسه، وإلا لصار فضولياً بالنسبة إلى نقل مال المشتري، فيحتاج إلى الإجازة لا النقل من المشتري، والحال أنَّه يحتاج في القبول إلى إنشاء الإدخال والنقل.

وكيف كان، فالظاهر أنّ (ارتهنتُ) أيضاً مثل (قبلتُ) في عدم جواز التقديم؛ لأن

ص: 42


1- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (القبول).

مفهومه القبول، وقبول الرهن لا يمكن إلا بعد تحقق الرهن ، وإلا لم يتحقق الارتهان بالقبول.

وأمّا مثل الصلح المتضمن للعوض، فالظاهر عدم جواز التقديم مطلقاً؛ لعدم كون القبول فيه إلا مثل : (قبلتُ)؛ لأنَّه لو كان غيره، لكان بلفظ : (صالحتُ)، وهو يستلزم تركّب العقد من الجانبين، وهو باطل بالإجماع.

( في اعتبار الموالاة في العقد)

ومن جملة الشروط المعتبرة في العقد: الموالاة، ومقتضى الأصل الثانوي عدم الاعتبار إلا أن يخرج عن حدّ العقد بحيث لا يصدق العقد عليه عرفاً، فلا يضر الفصل القليل الذي لا يضر بالصدق عرفاً بين الإيجاب والقبول.

فاعتبارُ بعضٍ (1) الاتصال، حتّى احتاط بعضٌ (2) في عقد النكاح بقول الزوج: على الصداق المعيّن قبلتُ التزويج؛ لحصول الفصل بالمتعلّق، وأمثاله من المداقّة لا وجه له.

والتمسكُ لاعتبار الموالاة الحقيقية بأنَّ العقد من المخاطبة، وبمنزلة السلام والجواب، والمخاطبة لا يتحقق مع الفصل ضعيفٌ :

أولاً: بمنع كون العقد من المخاطبة، ومتضمناً للمخاطبة ومفهومه العهد.

وثانياً: منع عدم صدق المخاطبة بالفصل القليل.

ولو أغمضنا عن ذلك، يكون إطلاق البيع والتجارة سليماً عن المعارض، ولم يكن مخصصاً ومقيّداً لذلك.

نعم، بعض المصاديق يكون بحيث لا يصدق العقد والبيع عرفاً، فيكون ذلك مضرّاً، وأمّا غيره، فلا دليل على التقييد بالنسبة إليه.

ص: 43


1- ينظر: الشهيد الأول، القواعد والفوائد: 1 / 234 .
2- النراقي، رسائل ومسائل : 2/ 116 .

(في اعتبار الموالاة في ردِّ السلام)

ومن فروع الموالاة: الموالاة بين السلام وردّ الجواب، وذكروا اعتبار الموالاة(1).

والظاهر أنَّ الموالاة المعتبرة فيه من جهة أنّ الجواب تحيّة، والتحيةُ لا تتحقق إلا مع الاتصال، بحيث يكون مع الفصل الكثير من الاستهزاء في العرف.

نعم، لا يعتبر الموالاة الحقيقية.

( في اعتبار التنجيز في العقد )

ومن جملة الشرائط المعتبرة في العقد: هو التنجيز في العقد بأن لا يكون العقد معلّقاً على شيء.

وعلّل بعضٌ (2): بأنَّه منافٍ للجزم المعتبر في الإنشاء؛ لاعتبار كون العاقد جازماً في الإنشاء، وهو لا يتحقق مع التعليق.

وعلّل تارةً أخرى (3): باستلزامه كون العقد موقوفاً، وإيقاف العقد غير جائز. ولا بُدَّ أن يقصد الملك على كل تقدير .

وادعى عليه الشهيد في تمهيد القواعد (4) - ويظهر من المسالك (5) - الاتفاق عليه، ويظهر ذلك من فحوى فتاويهم باشتراط التنجيز في الوكالة مع كونها من العقود الجائزة،

ص: 44


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء 9/ 22 .
2- ينظر : الشهيد الأول، القواعد والفوائد: 1/ 65 .
3- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 197/11 .
4- ينظر: الشهيد الثاني، تمهيد القواعد: 533 .
5- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 357/5 .

ويظهر [ ذلك] من: العلّامة (1)، والشهيدين (2)، وغيرهما (3)، والظاهر وقوع الإجماع على ذلك في الجملة.

وتفصيلُ الكلام: إنّ المعلّق عليه إمّا أن يكون معلوم التحقق، أو محتمل التحقق، وعلى كل من التقديرين، إمّا أن يكون في الحال، أو في الاستقبال.

أمّا ما كان معلوم التحقق في الحال، فالمصرح به في كلام جماعة (4)جوازه، إلا أنّه يظهر من بعض العبائر (5) كونه مضراً، مثل اشتراط إطلاق عدم التعليق.

لكن يمكن التمسك بالإطلاقات، مع ورود المخصّص اليقيني، وهو الإجماع؛ لعدم غيره في المقام، فلا بُدَّ أن يكون دائراً مداره.

وليس في الصورة المذكورة تعليقٌ حقيقة؛ لأنّ معنى التعليق هو الإيقاف حقيقة، فلو علّق على طلوع الشمس في اليوم - مع العلم بالطلوع - [ فهو ] ليس توقيفاً، ولا ترديداً، بل مجرد تعليق في الصورة، ولا يُعلم تحقق الإجماع على مجرّد التعليق اللفظي، ومن هنا قال جماعة (6) بالصحة فيما لو عُلّق العقد على المشيّة - أي مشيّة المشتري - وقالوا: إنّه لا يضر؛ لأنَّه معلوم الحصول؛ لأنَّه لو لم يشأ لم يشترِ، وكذا في مثل: بعتُ إن قبلتَ، قالوا(7) بالصحة.

وبالجملة: لا دليل على رفع اليد عما هو مقتضى الأصل الثانوي - وهي الإطلاقات -

ص: 45


1- ينظر: العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 417/1 .
2- ينظر: الشهيد الأول، غاية المراد: 288/22؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 239/5.
3- ينظر: المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 10/ 22 .
4- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 5 / 276؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 8 / 305؛ الأنصاري، المكاسب : 3/ 167 .
5- ينظر: المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 229/10 .
6- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 10/10؛ النجفي، جواهر الكلام: 253/22 - 254؛ الأنصاري، المكاسب : 3/ 171 .
7- ينظر : الشهيد الأول، القواعد والفوائد : 1/ 155 - 156 ؛ الشهيد الثاني، أجوبة مسائل الشيخ أحمد المازحي (ضمن رسائل الشهيد الثاني) : 1/ 616 ؛ الأنصاري، المكاسب: 3/ 167 .

مع تصريح جماعة بالصحة.

وأمّا الصورة التي يكون معلوم التحقق في الاستقبال، وهو المعبّر عنه ب-(الصفة)، مثل: بعتك إن جاء يوم الجمعة - مع العلم بتحققه - فالظاهر دخوله في معقد الإجماع، وحصول الإيقاف فيه أيضاً، وصرح بذلك الشهيد (1)أيضاً.

والتعليل بالجزم لأجل الغالب، وهي حكمة لا علّة حتّى يدور الأمر مداره، والظاهر من الشهيد (2) كونه إجماعياً ، وذكر (3) أنّه وإنْ كان الجزم حاصلًا إلا أنّ العبرة بجنس الشرط دون أنواعه.

ثمّ اعترض (4)على نفسه بمثل : (إن كان لي فقد بعته). في صورة إنكار الوكيل، ثم أجاب بأنَّه تعليق على واقع، لا على متوقع الحصول، ويظهر من هذا الكلام أنّ في الصورة السابقة يجوز التعليق كما ذكرنا .

وأمّا الصورة التي يكون محتمل الوقوع في الاستقبال، فلا إشكال في كونه مورد الإجماع لحصول التعليق اللفظي، والإيقاف، وعدم الجزم، مثل: (بعثُك إنْ قدِم الحاج). وهو المتيقن من مورد الإجماع.

وأمّا الصورة التي لا يكون الجزم، ولا يكون التوقيف، مثل: بعثُه إن كان اليوم يوم الجمعة . - مع عدم العلم به حين الإنشاء - فإنّه لا يحصل الجزم بالإنشاء؛ للترديد في نظر المنشئ، لكن لا يكون العقد موقوفاً؛ لكونه منجزاً عدمه لو لم يكن اليوم يوم الجمعة، ووجوده في الواقع لو كان يوم الجمعة.

ويظهر من جماعة عدم جوازه؛ لمنافاته للجزم المعتبر في العقد، فالمنشئ لا بُدَّ أن يكون حين الإنشاء جازماً على الإنشاء.

ص: 46


1- ينظر: الشهيد الأول، القواعد والفوائد: 65/1 .
2- المصدر نفسه : 2 / 258 - 259 .
3- المصدر نفسه: 1/ 65.
4- ينظر: الشهيد الأول، القواعد والفوائد: 1 / 65 - 66 .

لكن الإنصاف إنّه لم يظهر لنا المخصّص اليقيني في غير الصورة السابقة، بحيث يلزم رفع اليد عن مقتضى القواعد.

[ الكلام في التعليق على ما يكون مصحّحاً في العقد ]

هذا كله فيما لا يكون المعلّق عليه مصحّحاً للعقد، وأمّا ما كان مصحّحاً للعقد، مثل: التعليق على كونه وكيلاً، أو على القبول، وأمثال ذلك، فيظهر من جماعة (1)عدم مضرّيته؛ لأنَّه تعليق ثابت في الواقع، وليس تعليقاً زائداً على ما يكون في العقد، وحكي ذلك عن الشيخ (2)، حاكياً له عن بعض العامة في مثل : إن كان لي فقد بعته .

وهذا المثال وإن كان خارجاً عما ذكرنا؛ لأنَّ هذا التعليق لم يكن ثابتاً فيما يكون صادراً عن المنشئ، بل المعلّق عليه هو الأثر المترتب على العقد، لكن يظهر من حكاية الشيخ ذلك عنه ارتضاؤه له، وهو يكشف عن عدم تحقق الإجماع عليه، وعدم المخصّص للعمومات

والإطلاقات.

[ في التعليق اللّازم من الكلام والتعليق على المشيئة ]

وأمّا التعليق اللّازم من الكلام لا المصرح به مثل بعتُكَ في يوم الجمعة. [ف-] يظهر من جماعة كالعلّامة(3)، وولده في الإيضاح (4) كونه مضرّاً؛ لأنَّه بمنزلة التعليق اللفظي، كما صرّح بذلك في مسألة بيع مال المورث بظن الحياة، وذكر فخر الدين : (إنَّه بمنزلة قوله: بعتُكَ إن مات مورثي )(5).

ص: 47


1- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 2/ 434؛ العلّامة الحلي، تلخيص المرام: 122؛ الشهيد الثاني، حاشية شرائع الإسلام : 513.
2- ينظر : الطوسي، المبسوط : 2 / 385؛ الخلاف : 3 / 354 - 355؛ والحاكي عن الشيخ هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة : 21 22 .وبعض العامة هو أبو حنيفة ؛ ينظر: ابن قدامة، المغني : 5 / 210 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 22/10.
4- ينظر: فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 420/1 .
5- ينظر: المصدر نفسه.

وأمّا التعليق على مشية الله [تعالى]، فالظاهر أنه ليس تعليقاً، ولم يكن التعليق مقصوداً، بل جيء به لمجرّد التبرك.

[التحقيق في المسألة]

وبالجملة : كلمات العلماء في هذا المقام مشوشة ومضطربة ، لكن الإنصاف عدم الجرأة على المخالفة في صورة التعليق على ما يوجب الترديد، مع عدم التوقيف أيضاً، كما أنَّ الصورة التي قد ذكرناها أنها متيقنة - لا شبهة في كونها محلّ الإجماع.

فالمعتمد في إثبات هذا الشرط هو الإجماع محققاً أو منقولاً، فيقتصر على مورده.

[إيرادات على مانعيّة التعليق ]

وأمّا التمسك فيه بعدم إمكان الإنشاء مع التعليق [ف-] ضعيفٌ، كما أنّ التمسك فيه بأن ظاهر ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقد، وسببيّة العقد لمسببه، وترتب الأثر عليه حين صدور السبب وإيجاده، فتعليقه على الشرط منافٍ لذلك، ضعيفٌ، وكذلك التمسك فيه بتوقيفية الأسباب الشرعية، فيجب الاقتصار على المتيقّن، وهو العاري عن الشرط.

أمّا الأول؛ فلأنَّه إنْ أُريد عدم إمكان تعليق مدلول العقد فهو واضح، ولا كلام فيه، وإنْ أُريد عدم إمكان إنشاء الملكيّة ولو معلّقة، وهو ممكن ، وواقعٌ كثيراً في الأوامر وغيرها.

وأمّا الثاني؛ فلعدم انحصار الدليل في وجوب الوفاء، مع أن مدلوله ليس إلا وجوب الوفاء بالعقد على حسب مقتضاه، مع وقوع التخلّف في كثير من المواضع، مع أنّ الدليل واحد في الجميع، وهو وجوب الوفاء.

وأمّا الثالث؛ فلأنَّه لو سلّم التوقيفية يكفي فيها إطلاق حلّية البيع والتجارة.

[ شرطيّة التطابق بين الإيجاب والقبول في العقد]

ومن جملة الشروط المعتبرة في العقد : هو التطابق بين الإيجاب والقبول من حيث البائع والمشتري، والثمن والمثمن وتوابع العقد.

ص: 48

ووجه الاشتراط واضحٌ؛ لأنَّ الدليل هو صدق المعاملة والمعاقدة، وهي لا تتحقق مع الاختلاف قطعاً.

(في أوصاف المتعاقدين)

ومن جملة الشروط : بقاء المتعاقدين على صفات صحة الإنشاء من أوّل العقد إلى آخره وعدم خروجهما عن القابلية في آنٍ.

ثمّ إنّ عدم القابلية تارةً لعدم قابليتهما للتخاطب معه كالجنون، والإغماء، والموت، وأمثال ذلك، وتارةً أخرى؛ لأجل الحجر مثل : الفَلَس، والسفه.

وكلّ منهما إمّا أنْ يكون عدم القابلية في حال صدور الإنشاء - بمعنى حال التشاغل بالصيغة - مثل أن يوجب البائع أولاً، ثم يصير مجنوناً، فيقبل الآخر حال جنونه، أو إغمائه، أو يكون في أثناء الإيجاب والقبول - بناءً على عدم مضرّيّة الفصل القليل بينهما - مثل أنه أوجب البائع ثم صار مجنوناً في نصف ساعة أو أقلّ، ثم صار عاقلاً، فيقبل الآخر حينئذٍ.

أمّا إذا كان عدم القابلية لأجل الخروج عن قابليّة التخاطب - في حال تشاغل الآخر بالقبول أو بالإيجاب - فعدم الصحة واضح؛ لعدم تحقق المعاقدة؛ لأنَّها المعاهدة من الطرفين، ولا معنى للمعاهدة مع المجنون والميّت، وكذا لا يصدق البيع والتجارة عرفاً، ويُعَدُّ ما وقع حال الصحة باطلاً؛ لعدم تحقق القبول معه.

وأمّا لو عرض المذكورات في الأثناء آناً ما، ثم ارتفع، فالاشتراط يمكن أن يكون من جهة أنه إذا صار الشخص مجنوناً ، فقد خَرَجَ عن الأهلية مطلقاً؛ فكأنَّه صار جداراً، فيبطل ما وقع منه في حال الصحة، ويبطل عهده في نظر العرف؛ ولذا حكموا (1)في باب الوكالة ببطلانها بجنون الموكّل ولو آناً ما ، فقد خَرَجَ ما وقع منه عن قابلية الانضمام والتأثير.

لكن مع هذا يشكل إثباته ولو في بعض الفروض، مثلاً: لو أغمي آناً ما ثم أفاق، والظاهر عدم بطلان العقد، و [ الخروج ] عن قابليّة الانضمام خصوصاً في مثل الحجر.

ص: 49


1- ينظر: العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 29/3؛ المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 492/9؛ المحقق البحراني الحدائق الناضرة : 23/22 .

وأمّا إذا كان عدم القابلية لأجل عدم الاعتبار برضاهما وفعلهما شرعاً، كالحجر لفَلَس ، أو سفه، أو رقٍّ - لو فرض رقيّة الحر - أو مرض موت، فالظاهر - حينئذٍ - هو النظر إلى دليل الحجر في المذكورات وإنْ كان يحتمل أن يكون مثل السابق؛ لعدم تحقق المعاقدة - حينئذٍ - شرعاً، ولسبب حجر الشارع، والمنع الشرعي كالعرفي والعقلي.

وأمّا لو وقع ذلك في الأثناء، فالظاهر عدم الضرر - حينئذٍ - ومثل ذلك لو لم يكن الرِّضا حال العقد.

إلّا أنه يمكن أنْ يُقال: لا دليل على وجود الرِّضا في حال إنشاء الآخر، بل يكفي رضاؤه في حال إنشائه، [كما لو ] (1)لم يكن المشتري راضياً حين إنشاء البائع، ثم صار راضياً في حال إنشاء القبول .

نعم، يضُرُّ لو لم يكن راضياً في حال إنشائه؛ لعدم صدق المعاهدة، لكن الشيخ(قُدِّسَ سِرُّهُ) (2)في هذا المقام لم يفرّق بين الصور كلّها، وقال باعتبار البقاء من أول الإنشاء إلى آخره، من غير فرق بين القسم الأوّل - وهو : الخروج عن قابلية التخاطب - وبين الثاني - وهو : عدم الاعتبار بالرِّضا أو عدم الرِّضا -؛ لعدم صدق المعاقدة مع العقد وعدم البقاء.

لكن يرد عليه :

أولاً: بعدم انحصار الدليل في وجوب الوفاء بالعقد.

وثانياً: منع عدم صدق المعاقدة، خصوصاً في بعضها الذي قد ذكرناه.

وأمّا قوله: (والأصل في جميع ذلك [أنَّ] الموجب لو فسخ قبل القبول، [لغى] الإيجاب السابق) (3)، فالمرادُ فيه غيرُ واضح.

ولعله أراد منه : أنّ المُوجّب لو لم يبقَ على صفة صحة الإنشاء، فقد بطل إيجابه،

ص: 50


1- ما في المخطوط : (فلو)، والصحيح ما أثبتناه.
2- ينظر: الأنصاري ، المكاسب : 177/3 - 178 .
3- المصدر السابق، وما بين المعقوفتين من المصدر، ففي المخطوط : (إلا) بدل (أن)، و (نفى) بدل (لغى).

وخرَجَ عن قابلية الانضمام كالفسخ.

أو أنّه يستكشف من بطلان الإيجاب بالفسخ ، أنّه يعتبر بقاء الموجب على صفة صحة الإيجاب من أوّل العقد إلى آخره، وبقاء رضائِهِ من أول الأمر إلى آخره، وكل منهما خلاف الظاهر ، لكن الأول أوفق بمراده.

وكيف كان فاعتبار كون كل منهما على صفة صحة الإنشاء حال إنشائه لا شبهة فيه، وإنّما الكلام في بقائه على الصفات حال إنشاء الآخر، وقد ذكرنا أنه يختلف بالنسبة إلى الصفات، ومن هنا كان صحة عقد المُكره بعد حصول الرِّضا خارجاً عن القاعدة؛ لأنّ مقتضى القاعدة هو البطلان من رأسه، فافهم.

( في اختلاف المتعاقدين في الاجتهاد والتقليد)

ومن جملة الفروع المتعلّقة بالعقد:

[ أولاً : ] إنّه لو اختلف المتعاقدان اجتهاداً وتقليداً، في بعض الشرائط، وفعَلَ كلّ على ما يقتضيه مذهبه، بحيث يكون ذلك باطلاً عند الآخر ، فهل يجوز أن يكتفي كل واحد منهما على ما يقتضيه مذهبه، مثلاً: لو رأى أحدهما صحة العقد بالفارسية، فأوجب بالفارسي، فهل يجوز للآخر الحكم بالصحة، وتعقّب القبول به، بحمله على الصحة، أو لا يجوز ذلك، بل يكون باعتقاد الآخر معيّناً في حقه لا في حق الآخر، فيحكم بالبطلان، وعدم جواز ترتب الأثر عليه؟

وجوه

الأول: البطلان مطلقاً.

والثاني: الصحة مطلقاً.

والثالث: الجواز بشرط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سبباً في النقل، أي: لا قائل بكونه سبباً من المتعاقدين، وعدم قول كل منهما بذلك من جهة فعل الآخر على خلاف مذهبه.

ص: 51

وبعبارة أخرى يكون عدم القول من جهتين لا أنّه لا قائل بكونه سبباً في النقل، بمعنى: وقوع الإجماع على بطلانه من حيث كونه مسألة واحدة، لا من حيث الاختلاف في الجهة؛ لأنَّه إذا كان الإجماع واقعاً على البطلان - من حيث إنّها مسألة واحدة - مثلاً وقع الإجماع (1)على عدم صحة العقد الملفّق من العربي والفارسي - وهما فعلا كذلك - وهذا باطل جزماً؛ لكونه مخالفاً للإجماع، ولا ربط له بالمسألة المذكورة، لكن إذا لم يكن كذلك، بل عدم قول كل واحد من جهة فعل الآخر - مثل المثال المفروض - فإنَّ أحدهما لا يقول [به] من جهة اشتراط العربية، وعدم وقوع الطرف الآخر بالعربي، والثاني لا يقول به من جهة لزوم تقديم الإيجاب على القبول، وقد قدَّم الآخر القبول على الإيجاب.

والمثال الواضح إنّه لو فرضنا عدم القائل بجواز العقد بالفارسي، وجواز تقديم القبول على الإيجاب، وأوقع أحدهما بالفارسي، وأوقع أحدهما القبول مقدّماً على الإيجاب، فهذا العقد باطل عندهما .

أمّا عند أحدهما؛ فلوقوعه بالفارسي، وعند الآخر - الذي لم يجوّز التقديم ؛ لتقديم القبول، فالمراد بالتفصيل هذا.

فحينئذٍ يكون ذلك أردئ الوجوه؛ لأنَّه إمّا أنْ يُقال : بكون فعل الآخر حكماً ظاهراً بالنسبة إليه وإلى الآخر، فيلزم ترتب الآثار عليه فحينئذٍ لا فرق في ذلك بين فعل واحد منهما على خلاف مذهب الآخر ، أو فعل كلّ منهما على خلاف مذهب الآخر؛ لكون كلّ من الفعلين حكماً ظاهرياً يلزم ترتب الآثار عليه، سواءٌ في ذلك نفسه أو غيره.

وإمّا أنْ لا يُقال بذلك، بل يقال : بكون ما اعتقده الآخر حكماً عذرياً لا يُعذر فيه إلا المعتقد، نظير الجهل المركب، فحينئذٍ - أيضاً - لا فرق في ذلك بين ما ذكر؛ لأنَّه إذا أوقع أحد الطرفين على خلاف مذهب الآخر، فيكون فاسداً في نظر الآخر وفي اعتقاده، ويخرج عن قابلية انضمام الآخر إليه، فلا يؤثر ضمُّ الآخر إليه، وهذا واضحٌ.

ص: 52


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 59/4 ؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 8 / 113؛ النجفي، جواهر الكلام: 22 / 250 .

[ مختار المصنف من الوجوه المتقدّمة]

لكن الحقّ من هذه الوجوه هو الثاني؛ للأدلة الدالة من الإجماع والأخبار على حجيّة ظن المجتهد (1) ، بمعنى كون مظنونه حكم الله [تعالى] في حقّه، غاية الأمر كونه ظاهرياً لا واقعيّاً، فلا يتفاوت فيه بين الظانّ وغيره؛ لحرمة الردّ عليه؛ لأن الظانّ يكون معذوراً في ذلك، فالظنّ إذا كان حكماً من جانب الله [تعالى] فيجب ترتب الآثار الشرعيّة عليه.

[شرطيّة تعقيب الإيجاب بالقبول في العقد]

[ ثانياً: ] ومن جملتها، تعقيب إيجابه بالقبول، والحكم عليه بالصحة.

لكن ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى بعض الشروط القائم على أحد الطرفين، بحيث لا يكون المتخلّف إلا الشرط القائم على أحد الطرفين، مثل الترتب بين الإيجاب والقبول، فإنّه يجب أن يكون القبول واقعاً عقيب الإيجاب، لا أنه قائم على الإيجاب، بمعنى أنه لا بُدَّ من تقدّم الإيجاب كما أن القبول يلزم تأخره.

فحينئذٍ إذا وقع القبول من أحدهما مقدّماً - باعتقاد الصحة - فقد انتفى شرط الصحة فی القبول في نظر الموجب، ولا يلزم من ذلك تخلّف الشرط في الإيجاب، وكذلك الماضوية والعربيّة، بخلاف مثل: الموالاة ،والتنجيز، وبقاء المتعاقدين على صفة صحة الإنشاء، فإنَّ الموالاة شرطٌ في الإيجاب والقبول، بمعنى لزوم الاتصال بينهما، ولا بُدَّ من كون الإيجاب متصلاً بالقبول، وكذلك القبول متصلاً بالإيجاب، فإذا أوجب البائع ، ثم بعد مضيّ زمان

ص: 53


1- منها ما ورد عن أبي محمد الحسن العسكري (علیه السلام) أنَّه قال: «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه» . الطبرسي، الاحتجاج : 2/ 263 . ومنها : قول الباقر (علیه السلام) لأبان ابن تغلب : إجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس، فإنَّي أحب أن يرى في شيعتي مثلك». النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 10 . ومنها: قول أبي عبد الله (علیه السلام): خبر تدريه خير من عشر ترويه، إنَّ لكل حق حقيقةً، ولكل صواب نوراً -ثم قال-: إنا والله لا نعدُّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّى يلحن له فيعرف اللحن». النعماني، الغيبة: 144 . وللمزيد من البيان يُراجع كتاب «النور الساطع في الفقه النافع» للشيخ علي آل كاشف الغطاء: 1/ 146.

يخلّ بالموالاة أوجد المشتري القبول - باعتقاد الصحة ، فحينئذٍ بطل الإيجاب - أيضاً - بذلك عند الآخر ، والدليل قام على ترتيب الآثار على ما نقل الآخر، والحكم بصحة فعله، لا ترتيب الآثار على فعل نفس الشخص الفاسد عنده.

وكذا الحال في بقاء المتعاقدين؛ لأنَّه إذا أوجب البائع ثم صار مجنوناً، واعتقد عدم لزوم البقاء مطلقاً، فحينئذٍ لم يكن فعل الآخر صحيحاً في نظره أيضاً؛ لعدم تحقق معنى العهد في نظره.

والحاصل: إنّه لا بُدّ في هذا الشرط بقاء المتعاقدين على صفة صحة الإنشاء إلى الآخر، بأن يقع كل من الإنشائين في حال سلامة كلّ منهما، فحينئذٍ إذا لم يحصل هذا الشرط في أحدهما باعتقاد عدم الاشتراط ، فقد صار فاسداً فعل الآخر - أيضاً - باعتقاده، والأدلّة الدالة على حجيّة الظن تصحّح فعل الآخر لا فعل نفسه، الذي يكون باطلاً عنده.

وكذا في التنجيز ، فإنَّه إذا علّق الأول على الشرط، فإن علّق الآخر يكون باطلاً على مذهبه، وإن لم يعلّق لم يحصل التطابق المجمع عليه، هذا كلُّهُ في الشروط المعتبرة في الصيغة وبعض فروعها.

( في حكم المقبوض بالبيع الفاسد وأدلة الضمان )

وأمّا لو انتفى شرط من الشروط في الصيغة، تكون فاسدة ، فحينئذٍ لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد يكون مضموناً عليه بمعنى وجوب ردّه إلى المالك على تقدير الوجود، وردّ مثله وقيمته على تقدير التلف، وادعي (1)عليه الإجماع.

ص: 54


1- ينظر: الطوسى، المبسوط : 204/2 .

(في معنى حديث على اليد ...)

ويدل عليه عموم النبوي: «على اليد ما أخذت حتّى تؤديه»(1)، ولا بُدَّ أولًا من تحقيق معنى الحديث حتّى يتبيّن دلالته ، فنقول:

إِنَّ كلمة ( على ) للاستعلاء، والاستعلاء الحقيقي لا يمكن إرادته، سواء كان المتعلّق عيناً، أو دَيناً، أو فعلاً، لكن هل يكون فرق بين كون المتعلّق أحد المذكورات؟

فنقول : تارةً يكون المتعلّق فعلاً من الأفعال، مثل عليه الصلاة والصوم وغير ذلك، فحينئذٍ يكون ظاهراً في ثبوت الحكم التكليفي على العهدة، يعني: إنّ ذمته مشغولة بالوجوب.

وتارةً يكون المتعلّق كليّاً، مثل: عليه الدَّين ومثله عليه ألف دينار، فحينئذٍ يكون ظاهراً في اشتغال الذّمة به، وثبوته على الذّمة بمناسبة كون نقل الدَّين على الذّمة.

وتارةً يكون المتعلّق عيناً خارجياً، وحينئذٍ لا يمكن أن يكون المراد أنه ثابت في الذِّمة؛ لأنّ العين الخارجية لا يمكن استقرارها في الذِّمة؛ لأنّ ظرفها الخارج المقابل للذِّمة.

فحينئذٍ لا بُدَّ أن يكون المراد: إنّ تعهده والتزامه على الذِّمة، بمعنى: إنّه لو تلف يجب عليه ردُّ مثله أو قيمته إلى صاحبه، والمناسبة من جهة أنّ تعهد الشخص والتزاماته كلّها محمولة على الشخص، كما أنّ ثقل الحمل على الشخص، فالمراد: إنّ عهدة هذا الشيء على الشخص، بمعنى: إنّه إنْ كان باقياً يجب ردّه، وإن كان تالفاً يجب ردّ مثله أو قيمته، وليس المراد من العهدة لزوم ردّ عينه ؛ لأنَّ العهدة ظاهرة في الأعم من ردّ نفس الشيء، ومثله، وقيمته، مع أنّ الغاية في الكلام غير مناسبة لجعل المراد لزوم الردّ خاصة؛ لأنَّه بمنزلة أنْ يُقال: يجب ردّ العين وأداؤه إلى حين الأداء. وهو ممتنع جداً، بخلاف [ما] لو كان المراد المجموع المركب من ردّه على تقدير الوجود، وردّ مثله أو قيمته إن تلف، والجامع بينهما هو : ثبوت الشيء على العهدة، فيفهم من ذلك عرفاً هذا المجموع المركب، فظهر دلالته على لزوم دفع المثل أو القيمة.

ص: 55


1- ابن حنبل، مسند أحمد: 8/5؛ ابن أبي شبية، المصنِّف: 66/5 ؛النسائي، السنن الكبرى: 3 / 411، ت: 5783 .

ويحتمل - بعيداً - أن يكون المراد إنَّ الشيء المأخوذ بعد الأخذ يكون على عهدة الشخص إلى حين الأداء، فما لم يؤدَّ يكون باقياً على الذِّمة، ولو تلف الشيء إلى الأبد فلا يرتفع بغير الأداء، ولو ثبت في موضع رفعه إنّما هو [من] جهة الدليل الخارجي، وإلا فمقتضى استقرار الشيء وأخذ الشيء بقاؤه إلى الأداء، فيكون إفراغ الذّمة ممتنعاً على تقدير التلف، وهو بعيدٌ مخالفٌ لظاهر العهدة عند العرف، مع أنه يستلزم التكليف بالمحال، فيكون المراد هو الأول.

والمراد ب- (اليد)، هو الشخص كنايةً ؛ لكون الأخذ غالباً باليد، فظهر - حينئذٍ - دلالتها على المطلوب.

وأمّا ضعفها - لو كان - فمنجبر بشهرتها روايةً (1)وفتوىً بين الأصحاب (2).

( في قاعدة كل عقد يضمن بصحيحه يضمنُ بفاسده)

ويدل عليه - أيضاً - القاعدة المعروفة، بل المُجمع (3) عليها: (كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)، وعكسها - أيضاً - معروف، وتمسك بهما العلماء في أبواب العقود(4)، وأوّل من تعرّض لذلك الشيخ (قُدِّسَ سِرُّهُ)(5) . فلا بدَّ أولاً من شرح ألفاظها أصلاً وعكساً، والمراد منها، ثم التعرّض لمدركها، فنقول

ص: 56


1- ينظر: ابن أبي جمهور ، عوالي اللآلئ : 1 / 224؛ المجلسي الأول، روضة المتقين: 55/7 .
2- ينظر الطوسي، الخلاف : 228/3؛ المحقق الحلي المسائل الطبرية (ضمن الرسائل التسع): 305؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 77/6.
3- ينظر : الطباطبائي، رياض المسائل: 213/9؛ العاملي، مفتاح الكرامة : 15 / 114؛ القزويني، قاعدة ما يضمن ( ضمن مجموعة رسائل): 182 أقول: نقل السيد القزويني عن الشيخ جعفر الكبير الإجماع على القاعدة.
4- ينظر: الطوسي، المبسوط : 58/3 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 61/4؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 3/ 154 .
5- ينظر: الأنصاري، المكاسب : 3/ 182 .

وبالله التوفيق:

إنّ لفظ : (كل) من ألفاظ العموم، فيفيد عموم مدخوله، فإن كان المراد بمدخوله الأنواع، تفيد عموم الأنواع، وإن كان الأفرادَ والأوصافَ، يفيد العموم فيهما، فلا بُدَّ من بيان المراد من العقد، فنقول:

(في بيان المراد من العقد )

إنَّ العقد اسم جنس يدل على الطبيعة، فإذا أُدخل عليها ال-(كل) يكون الظاهر كل الأفراد من الطبيعة، لكن هذا غير مناسب لما بعد - وهو صحيحه وفاسده - حيث إنّه يدلّ على اشتمال كل فرد على الصحيح والفاسد حقيقة، وهو لا يتحقق في الفرد الخارجي؛ إذ هو إمّا صحيح أو فاسد؛ لأنَّه إمّا أن يكون مشتملاً على الشرائط ؛ فيكون صحيحاً، أو لا؛ فيكون فاسداً ، فلا بُدَّ أنْ يكون المراد كل الأصناف، أو كلّ الأنواع.

وكذلك لا يمكن إرادة كلّ فرد من النوع مثل: البيع، والإجارة، والصلح؛ لأن ضمان النوع إنّما يكون إذا كان النوع بنوعه موجباً للضمان في صحيحه، وهو مستلزمٌ لعدم التخلّف في فرد من صحيح ذلك النوع ، فلا يشمل ما يكون بعض أصناف صحيحه موجباً للضمان، ولم يوجب بعضها الآخر كالصلح والعارية، حيث إنّ الصلح المتضمن للإسقاط والتمليك لا يوجب الضمان في صحيحه، فكذلك في فاسده، وأمّا المصالحة المعوّضة [ف-] توجب الضمان في صحيحها، فكذلك في فاسدها، وكذلك عارية غير الذهب والفضة لا يوجب الضمان، بخلاف عارية الذهب والفضة.

إلا أنّ المراد ب- (الضمان) في قولهم : ( يضمن ) هو اقتضاء الضمان بحسب النوع، فلا ينافي ذلك عدم الضمان في بعض الموارد المانع، ويقال: إنَّ الصلح مقتضي للضمان نوعاً، وفي البعض الذي لا يقتضيه [ف-] من جهة المانع، وكذلك العارية، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ ظاهر (يضمن) هو الضمان الفعلي لا الشأني، مع أنَّ دعوى عدم كون الضمان في بعض الموارد للمانع، مع ثبوت الاقتضاء في محلّ المنع جداً.

أو يُقال: إنَّ المراد هو نوع العقد، ويشمل مثل الصلح، والعارية أيضاً؛ لأن صحيحه

ص: 57

بمنزلة الجزئية، فيصدق الضمان في صحيح النوع ولو كان في صنف منه، ولا يدلّ على ثبوت الضمان في كلّ فرد من الصحيح، حتّى يقال بخروج الصّلح وغيره - لو قلنا بكون (يضمن) ظاهراً في الفعلي - فهذا أيضاً بعيدٌ؛ لأنَّ الظاهر منه أنّه كلّما صح ذلك النوع يكون الضمان في صحیحه، فيكون ظاهراً في الكليّة.

فالمعنى: إنّ كلَّ نوع من العقد يكون الضمان في جميع أفراد صحيحه، يكون الضمان في فاسده، فحينئذٍ - أيضاً - تخرج المذكورات، مع أنّ ظاهرهم الحصر، وكونهم في مقام حصر العقود في أصل القاعدة وعكسها، مع أنّ المذكورات - حينئذٍ - تخرج من الأصل والعكس.

أمّا خروجها عن الأصل؛ فقد عرفت، وأمّا خروجها عن العكس؛ فلأنَّ العكس مانع (1) للأصل، فيكون المراد منه - أيضاً - النوع، ومن المعلوم أنَّ نوع الصلح ليس مما لا يضمن.

فحينئذٍ لا بُدَّ من إرادة الأعم من الصنف والنوع ؛ ليشمل مثل البيع الذي يكون الضمان في نوعه، ومثل الصّلح الذي يقتضي الضمان في صنفه.

وأمّا الإجارة ففيها جهتان [ف-]-من جهة أصل المعاملة داخلة في الأصل، ومن جهة العين المستأجرة داخلة في العكس، بناءً على شمول العقد لما يكون متعلّق العقد أيضاً.

وأمّا الضمان الحاصل من جهة الشرط، مثل : أن يشترط في العارية ضمان المعادلة، فحينئذٍ يكون الضمان في صحيحه فيبقى كون الضمان في فاسد العارية المشروطة فيها الضمان، فهو مبنيٌّ على جعل ( الباء ) - في ( بصحيحه) - بمعنى (في)؛ لأنَّه يصدق كون الضمان في صحيحه ولو لم يكن بسبب أصل العقد، أو بمعنى السببيّة، فحينئذٍ يكون ظاهراً في اقتضاء الصحيح له بنفسه لا بواسطة الشرط، وهذا هو الظاهر.

ثم إنَّ العقد يشمل الجائز واللازم، لكن لا بُدَّ أنْ يكون من العقود المتعارفة في ألسنة الفقهاء، لا مطلق العقد؛ لأنّ هذه القاعدة من كلمات الفقهاء، فينصرف إلى ما هو عقد عندهم، حتّى أنه يشمل ما يكون أقرب إلى جعله من الإيقاعات كالجعالة والخلع، فهما وإنْ

ص: 58


1- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (تابع).

تضمنا عوضاً ومعوّضاً، لكنه لا يحتاج إلى القبول في العقد، بل يكفي القبول الفعلي.

(في معنى لفظ الضمان )

ثمّ إنّ لفظ : (الضمان) عند الإطلاق ينصرف إلى المثل والقيمة عند العرف؛ لأنّ معنى الضمان: هو تدارك الشيء وخسارته (1). بمعنى كون خسارته عليه - فحينئذٍ - فإطلاق الضمان على غيره من البدل الجعلي الثابت في الصحيح، إنّما هو لأجل الدليل الذي يدل على تنزيله منزلة الضمان الحقيقي، مثل: « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ » (2) حيث يدل على أنَّ البيعَ سببٌ للضمان، فيدلّ على أنّ المجعول تدارك للشيء.

ثم إنّ إطلاق لفظ : (الضمان) هنا - مع أنّه مالُه - ولا يُقال: إنّ الإنسان ضامنٌ لماله باعتبار الابتداء - حيث إنّه جعل ماله الأصلي ضماناً لمال الآخر، ومن هذه الجهة أُطلق لفظ (الضمان) هنا، ويمكن أن يكون باعتبار المشاكلة في الفاسد، حيث إنّ استعماله فيه حقيقة، فاستعماله باعتبار مشاكلته.

(في معنى الباء في بصحيحه)

ثم إنّ (الباء) في (بصحيحه) يحتمل أن يكون بمعنى (في)، فحينئذٍ لا إشكال في ثبوت الضمان في الفاسد ولو لم يكن سبباً للضمان بل يحصل الضمان فيه، والظرفيّة باعتبار وقوع الضمان في الصحيح، وتلبّس الصحيح به، وهذا القدر يكفي في الظرفيّة؛ لعدم كون الظرفيّة حقيقية.

وإن كان (الباء) للسببيّة، يكون المراد السببيّة الناقصة لا التامة؛ لعدم كون العقد سبباً للضمان تاماً ولو في الصحيح؛ لكون القبض شرطاً في الضمان؛ لكون[تلف] المبيع قبل القبض على البائع.

ص: 59


1- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 37/ 220؛ الأنصاري، المكاسب : 3 / 264 .
2- سورة البقرة: 275 .

لكن يشكل تصحيح السببيّة ولو كانت ناقصة في الفاسد، حيث إنَّ الفاسد لم يكن سبباً للضمان أصلاً بدون القبض، وتصحيح السببيّة فيه :

إمّا باعتبار أنّ العقد سببٌ للقبض ، الذي هو سبب للضمان، فالعقد سببُ السببِ.

وإمّا باعتبار كونه مقتضياً للضمان لكن بشرط القبض.

أو أنّ استعمال ( الباء) فيه لا لأجل السببيّة، بل لأجل مشاكلته للصحيح.

(الكلامُ في مَدْرَكِ القاعدة)

بقي الكلام في مدرك القاعدة، فنقول: في بعض العبائر - كالشيخ في المبسوط (1) مكرراً- بأنَّه أقدم عليه، فيكون ضامناً.

لكن لا يخفى عليك أنَّ مجرّد الإقدام - ولو لم يحصل القبض - لم يكن موجباً للضمان، وهذا واضحٌ، فكأنَّه كان مفروغاً عنه بينهم، فمرادهم إنّه قبضَ مُقدِم على الضمان، فيكون ضامناً.

فحينئذٍ لا يرد: أنَّ الإقدام يتحقق بدون القبض؛ لأنَّه يكون بينهما عموم من وجه، فلا يكون موجباً للضمان بنفسه؛ لأنّ مرادهم واضح.

وأورد عليه إيرادان :

أحدهما: إنّه يكون الإقدام على تقدير الصحة دون الفساد، فلا يجري الدليل في صورة الفساد؛ لعدم الإقدام ؛ لكون إقدامهما بزعم صحة المعاملة وعلى تقديرها.

لكن هذا بظاهره غير مستقيم؛ لأن قصد المتعاقدين لا يكون إلا بالملك، ولا يكون القصد إلى الصحة أصلاً، بل كثيراً ما لا يلتفت إلى ذلك أصلاً .

نعم ، يمكن أن يُقال: إنّهما قصدا الملكيّة الشرعية، وهي مستلزمةٌ للقصد إلى السبب الشرعي؛ لعدم حصولها بدونه، فالإقدام من جهة حصول الملكيّة الشرعيّة بهذا الفاسد، لا

ص: 60


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 3 / 58 و 65 و 68 .

تشريعاً كما في العلم بالفساد، أو بدونه كما في الجهل.

وثانيها: ما ذكره الشيخ (قُدِّسَ سِرُّهُ) (1) ، وهو: إنهما إنّما أقدما على الضمان على وجه خاص، لا على الضمان بالمثل والقيمة، فإذا انتفت الخصوصية - وهو العوض - لم يكن إقدامٌ بالنسبة إلى غيره - وهو المثل والقيمة - على تقدير عدم الخصوصية؛ لانتفاء الإقدام بانتفاء الخصوصية فلا معنى للقول بضمان المثل، وأجرة المثل في الإجارة الفاسدة، مستدلاً بأنَّهما أقدما على الضمان، فإذا لم يثبت المسمّى ، فلا بُدَّ أنْ يكون المثل أو القيمة.

لكن يمكن أن يُقال: إنّه يستفاد من كلمات الفقهاء - في بعض الموارد - مثل : أنّهم يقولون(2): لو وقع العقد على ما يكون متموّلاً وغير متموّل، يصح العقد بالنسبة إلى المملوك والمتموّل - وكذا يقولون في باب الوقف (3): إنّه لو وقف أرضاً، ثم ظهر مستحقاً للغير، يصح الوقف في الأقرب منه فالأقرب - إن [كان] مطلوبُ المتعاقدين متعدداً، ولا ينتفي أحد المطلوبين بانتفاء الآخر، وإلا فلا دليل على ما ذكروه، ففي هذا المقام - أيضاً - ممكن أن يُقال: إنّ القصد متعددٌ، أحد القصدين وقع على المعاملة لا على المجانية، والثاني بالقصد إلى المعاملة الخاصة، والقصد إلى العوضين المخصوصين، فإذا انتفى الثاني لا دليل على انتفاء الأول، فيستلزم القصد إلى المعاملة، وعدم المجانية [في] ذلك، فافهم.

وبهذا التوجيه يمكن تنزيل ما ذكروه في باب الوقف مثلاً، فإنَّهم يقولون: إن الواقف وقف شيئاً - كدار مثلاً - ثم ظهرت مستحقةً للغير، فيصح الوقف بالنسبة إلى الأقرب منها

ص: 61


1- ينظر: الأنصاري، المكاسب : 3/ 188 - 189 .
2- ينظر: الطوسي، النهاية : 385 .
3- ذُكرت هذه المسألة في عبائر الفقهاء، بأنَّه لو أوقف شخصٌ شيئاً، ثمّ ظهر أنّه مملوكٌ للغير، فالوقف يقع فيما لو أجاز المالك ذلك، وأيضاً لو أوقف ووهب وأوصى بشيء في مرض موته ولم يستوف ثلثه لذلك فيقدّم الأقرب فالأقرب، أمّا ما ذكره (قُدِّسَ سِرُّهُ) إذا قلنا هو بعيد عن هذين الفرضين، فتوجيهه يحتاج إلى تكلّف؛ لأنَّ شرطيّة الملك في الموقوف مما أجمع عليه عند الفقهاء. ينظر : العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 2/ 390؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 36/9-37؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 553/21-554، 639 ؛ جعفر الكبير ، كشف الغطاء: 232/4 .

فالأقرب، وكذلك في غيره من الأبواب، فكأنَّ الشارع نزّل قصد المتعاقدين بمنزلة قصدين.

وبعبارة أخرى: كشف الشارع عن قصد المتعاقدين، لكن هذا - على فرض تماميته - يتم فيما لم يعلم حال المتعاقدين، وأمّا لو علم من حالهما أنهما لم يرضيا إلا بالعوض الخاص، حتّى أنه إذا لم يحصل لم يكونا راضيين بالنقل أصلاً، فلا يتم ما ذُكر .

[إيرادات على دليل الإقدام]

وكيف كان، فالظاهر عدم تماميّة دليل الإقدام بنفسه :

أولاً: إنّه يحتاج إلى دليل وليس .

وثانياً: إنّه علّة عقلية، فلا يجوز التخلّف فيها، مع أنّ بينه وبين الضمان عموماً من وجه، وليس من قبيل الأدلّة اللفظيّة الشرعية حتّى يجوز التخصيص فيها.

وثالثاً: ما ذكرنا من أنّ القصد وقع على العوض الخارجي دون المطلق، فلا يكون ناهضاً بإثبات المطلب بنفسه من دون ضميمة دليل آخر إليه.

فظهر ما في كلام الشهيد في المسالك (1)، حيث جعل ذلك ودليل اليد، كلاً منهما على حِدَةٍ.

نعم، يمكن إثبات الضمان في الجملة بقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «على اليد ما أخذت حتّى تؤديه »(2)على التقريب المتقدّم في صدر المبحث (3).

لكن لا يخفى عليك عدم جريانه في المنافع والأعمال، حيث وقعت المعاملة الفاسدة عليها؛ لظهوره في الأعيان بقرينة الأخذ، حيث إنّ ظاهر الأخذ - أولاً - هو الأخذ باليد، فيختص بالمنقولات.

ص: 62


1- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 3 / 154 و 4 / 55 - 56 .
2- تقدّم تخريجه في ص 53 .
3- في ص 53 .

لكن يمكن دعوى ظهوره بملاحظة العرف والاستعمالات [ في مطلق الأعيان، ولو من غير المنقولات كالدار] (1) ، حيث إنّه يُطلق الأخذ على الاستيلاء على الدار فيُقال: أخذ داري من يدي.

فحينئذٍ، يمكن شموله لغير المنقولات، لكن من الأعيان، لا في المنافع والأعيان(2)؛ إذ لا يقال : أخذ عملي، ومنفعة داري.

وكذلك يشهد له قوله [صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ] : «حتّى تؤديه»؛ إذ الأداء ظاهر، بل صريح في ردّ نفسه، ولا يمكن ذلك فيهما، فلا يكون دليلاً عليهما .

[ الكلام في الاستدلال بحديث : «حرمة مال المسلم» على المطلوب]

ومما يمكن أن يُستدل به لإثبات الضمان في الجملة، قوله : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه »(3). وتقريبه من وجوه :

الأول: أنْ يُقال: إنّ احترام الدم - عرفاً - يكون شيئان:

أحدهما : إنّه لا يجوز إراقته.

وثانيهما: هو ردّ الديّة إلى صاحبها، لا مجرد الحكم التكليفي - وهو : عدم جواز الإراقة - حتّى أنه لو لم تؤدّ الديّة إلى وليّ المقتول يقال : إنَّ الدم صار هدراً، فيكون احترام المال - أيضاً - [متضمناً] هذين الأمرين.

والثاني: أن يستفاد ذلك من التشبيه؛ إذ التشبيه معناه: جعل المشبه كالمشبه به، إمّا في جميع أحكامه، أو في أحكامه الظاهرة على الاختلاف.

وعلى الأول فالأمر واضح، وكذا على الثاني؛ إذ ثبوت الضمان والدية في الدم من

ص: 63


1- زيادة منا اقتضاها السياق.
2- كذا في المخطوط، والصحيح: (والأعمال).
3- الطوسي، المبسوط : 59/3 ؛ الراوندي، فقه القرآن: 74/2؛ ابن أبي جمهور ، عوالي اللآلئ : 473/3 .

أحكامهما الظاهرة، وهذا يرجع إلى وجهين.

لكن دلالته مطلقاً مبنية على كون المنافع، والأعمال مالاً، وإلا فيختص بالأعيان كالسابق ، لكن كون المنفعة مالاً كأنه لا إشكال فيه؛ إذ المال ما يُبذل بإزائه المال، ويكون ثمناً في البيع - الذي هي مبادلة مال بمال - وهذا ثابتٌ في المنفعة .

لكنّ الإشكال في الأعمال؛ إذ يمكن أن يُقال : لا يطلق عليها المال عرفاً؛ ولذا لا يُجعل عمل الحرِّ عوضاً في البيع.

لكن يمكن أن يُقال بكونه مالاً؛ إذ يُقال عرفاً - فيما لو خدم الشخص غيره مدّةً، ولم يؤدَّ أُجرته إليه : إنَّ لي عنده مالاً.

لكن يمكن أن يكون إطلاق الماليّة باعتبار عوضه لا باعتبار نفسه، وللسيد الأُستاذ (1) (دام ظله العالي) دغدغةٌ (2) فيه، ولكن-[--ه] كان مائلًا إلى جعله من المال.

[إيرادٌ على دليليّة الرواية ]

هذا، لكن مع ذلك كله يمكن أن يُقال بعدم دلالة الرواية أصلاً على الضمان؛ إذ المفهوم من الاحترام - عرفاً - مجرّد الحكم التكليفي لا الوضعي، والتشبيه باعتبار العِظَم، يعني: إنَّ حرمة الدم كما إنّها تكون عظيمة عند الله [ تعالى]، فكذلك حرمة المال.

لكن الإنصاف هو ما ذكرنا أولاً؛ إذ يكون ظاهراً فيما قلنا .

ويمكن دعوى نقض ظهور الحرمة إذا انضم المال [إلى] العرض، ويقال: حرمة ماله وعرضه كدمه؛ إذ لا يكون العوض في العرض، وذهاب عرض الشخص.

ص: 64


1- هذا تعبير من المقرر السيد إبراهيم الدامغاني عن السيد المجدّد (قُدِّسَ سِرُّهُ) .
2- دغدغةٌ، أي: طعن ٌ. ينظر : الزمخشري، أساس البلاغة: 273 .

[الكلام في دلالة حديث: «لا يحلّ مال امرئ» على المطلوب]

و مما استدل به على الضمان قوله (علیه السلام): « لا يحلّ مال امرئ إلا بطيب نفسه »(1).

وتقريبه أنْ يُقال: إنّ المراد ب-(الحلِّ) ليس الحكم التكليفي، بل المراد منه هو المراد في بعض أخبار الغيبة : إنّه يستحل من المغتاب (2)، وكذلك في قول القائل للمغتاب: أحلّني عن كذا. وهو المعبّر عنه بالفارسيّة : ( كذر ) أو (كذشتن)، فيكون المراد إنّه لا يحلّ مال امرئ، أي : لا يحط ثقله من رقبة الشخص في ضمان الأخذ إلى زمان الأداء، وهذا كناية عن وجوب الأداء والضمان

و (المالُ) - أيضاً - يشمل المنافع وغيرها .

ويُمكن أن يُقال: إنّه يتبادر من عدم حلّ المال من حيث ماليّته - لا من حيث سلطنة المالك - هو الضمان.

لكن يبعّده جعل الغاية طيب النفس ، لا الضمان والعوض، وهذا المال - حينئذٍ - مثل الغيبة، حيث إنّها حقٌّ - أيضاً - لا يسقط من رقبة الشخص إلا بطيب النفس؛ لأنَّه لو كان المراد هو : الضمان والعوض، لا يكون بقاؤه دائراً مدار طيب النفس؛ لسقوط الضمان بردّ العوض - ولو لم يرضَ صاحبه - إجماعاً (3).

لكن يمكن أن يُقال: هذه الرواية - مع ضميمة الإجماع القائم على عدم ثبوت الضمان مع ردّ العوض - دالة على الضمان

ص: 65


1- ينظر: ابن أبي جمهور ، عوالي اللآلئ : 1/ 222؛ ابن حنبل، مسند أحمد: 72/5.
2- وهي ما روي عن النبي الأعظم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، قال : «مَن كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال، فليستحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هنالك دينار ولا درهم، إنّما يؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنة، أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته» . الفيض الكاشاني، المحجّة البيضاء : 273/5؛ الغزالي، إحياء علوم الدين: 69/9 .
3- ينظر: الأعرجي، كنز الفوائد: 1 / 484؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 145/7؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 63/6 ؛ العاملي، مفتاح الكرامة: 19/ 492-493 . وخالف القاضي ابن البراج (قُدِّسَ سِرُّهُ) ذلك في جواهره، فقال بعدم السقوط. ينظر : جواهر الفقه: 105.

لكن الإنصاف: إنّ الاستدلال به مُشْكل غاية الإشكال؛ لظهور الحلِّ في الحكم التكليفي.

[الكلام في الاستدلال بالآيات الشريفة على المطلوب ]

ويُمكن أن يُستدل - أيضاً - بقوله تعالى: ﴿« وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ » (1)؛ حيث إنّه يدل على ثبوت القصاص في كلّ حرمة ، ومن الحرمات مال الشخص، فيكون فيه القصاص والتلافي.

وبقوله تعالى - أيضاً : « فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(2)؛ إذ الاعتداء يشمل : الضرب، والقتل، وأخذ المال.

[ الكلام في دلالة حديث «لا ضرر» على المطلوب]

وبالرواية المعروفة الدالة على عدم الضرر والضرار في الشريعة (3) - بناءً على كون المراد عدم الضرر في الشريعة مطلقاً - وفي هذه الطريقة أصلاً لا الحكم الضرري، ولا عدم الحكم إذا كان العدم ضرراً.

وبعبارة أخرى: لا ضرر في هذه الطريقة، لا في جعلياتها، ولا في تقريريتها، بمعنى: تقرير العدم الثابت في الأزل، وأمّا لو كانت مختصة بالحكم الضرري، يعني: إنّه لا يكون الحكم الضرري في الشريعة مجعولاً ، فلا تدل على ما نحن فيه، لكن الظاهر الأول؛ إذ يدل على نفي جنس الضرر في الشريعة أصلاً.

وحاصل ما يستفاد من أدلّة الاحترام هو : إنّه إذا وقع العمل، أو دفع المنفعة بأمر شخص، ويعود نفعه إليه، يكون ضامناً، لا مجرّد وقوع العمل بأمره؛ إذ يقولون(4)في مسألة إلقاء المتاع

ص: 66


1- سورة البقرة : 194 .
2- سورة البقرة : 194.
3- وهي: عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قضى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: «لا ضرر ولا ضرار» الكافي: 2/ 280 ، باب الشفعة ، ح 4 ؛ تهذيب الأحكام: 164/7 ، باب الشفعة، ح4 .
4- ينظر: الطوسي، المبسوط :7 /171 - 172؛ ابن البراج المهذب : 2 / 493؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 6 /64 -95.

في البحر، إنّه لو قال الشخص ألقِ [متاعك] في البحر ؛ لإجل سلامة السفينة من الغرق، ويحصل الخلاص للأمر، يكون ضامناً، بخلاف ما لو أمر بالإلقاء - من دون غرض يتعلّق به - فألقى لم يكن ضامناً.

ولازم ذلك أن يكون شرعيّة الضمان في السبق على خلاف القاعدة؛ إذ لم يعد نفعه إلى الشخص، بل يكون فيه تحصيل لغرض الشارع.

إِلَّا أَنْ يُقال: إنّ غرض الشارع ليس إلا لأجل مصلحة العبد، وعدم هجوم الكفار عليهم ، وغلبتهم على المسلمين، فيكون نفعه عائداً إلى الشخص، هذا كله في الاستدلال على الضمان في الجملة.

( في تحقق الضمان في أنواع متعلّق العقد)

لكن الكلام - حينئذٍ - في انطباق الأدلّة على ما نحن فيه، وأنّها هل تكون منطبقةً على ما نحن فيه، ويكون مشمولاً لها أم لا ؟

فنقول - مستعيناً بالله ومستمداً منه : إنَّ متعلّق العقد، إمّا أن يكون عيناً، أو منفعة، أو عملاً؛ والمنفعة - أيضاً - إمّا أن تكون مستوفاة أم لا.

وأمّا المنفعة المستوفاة، [فهي] وإن كانت مشمولة لتلك الأدلة بأجمعها إلا أنها خارجةٌ عما نحن فيه؛ إذ الكلام هنا في غير صورة الإتلاف، وإلا تمسك العلماء في هذا الباب بقاعدة : (من أتلف) (1) التي هی أظهر الأدلّة، فيكون مورد الكلام في المقبوض بالعقد الفاسد الذي تلف في يد الآخذ.

وأمّا المنافع غير المستوفاة، فلا تكون مشمولة لبعض الأدلّة، مثل: دليل الاحترام، وقوله [علیه السلام] «لا يحل» (2)- بناءً على تماميته ؛ لعدم كون المنفعة التي لم يستوفها الآخذ مالا؛

ص: 67


1- وهي قاعدة : (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) المشهورة على ألسنة الفقهاء من الفريقين، ولعلها متصيدةٌ من الآيات الكريمة وكلمات الأئمة (علیهم السلام) .
2- تقدّم تخريجه في ص 63 .

لعدم كونها موجود[ة] حتّى تكون مالاً؛ إذ المنفعة عبارة عن طرف الإضافة إلى العين، مثلاً: الركوب له إضافتان: إضافةٌ إلى المنتفع وإضافة إلى المركوب، والإضافة الثانية هی المنفعة، فما لم توجد الصفة المذكورة لا يُقال: إنّه ملك المنفعة، ولا يُقال لمالك الدار: إنّه مالك لمالين: أحدهما العين، والثاني المنفعة.

وفرق بين السلطنة على الانتفاع وملك المنفعة، حيث إنّ الأولى - كالسلطنة على البضع - تُطلق على غير الموجود أيضاً؛ لأنَّه عبارة - حقيقةً - عن الحق الثابت للشخص في بضع الزوجة، بخلاف الثانية، فإنَّ هذه الإضافة ما لم تكن موجودة، ولم يتعلق بالشخص والعين، لم تكن منفعة.

وجعل المنفعة عوضاً في الإجارة، وإيقاع العقد عليها، مع أنّها لم تكن موجودة حين العقد، فإنّما هو باعتبار وجودها آناً فآناً، فكأنّ الإجارة على ما يوجد شيئاً فشيئاً.

وبعبارة أُخرى: تفرض المنفعة فيها موجودة، وإلا لم يصح إيقاع العقد على الشأنية الثابتة في العين، مع أنّ القبض المعتبر هنا ليس كالقبض المعتبر في البيع ونحوه، كالإجارة - وهي التخلية بين الشخص والعين - بل هو الاستيلاء عليها ، بحيث يكون الشيء تحت يده، والمنفعة غير الموجودة لم تكن شيئاً يكون الشخص مستولياً عليها ومتصرفاً فيها، فشمولُ هذا الدليل له مشكلٌ.

نعم، لا بأس بالتمسك بقاعدة: (الضرر ) هنا - بناءً على ما ذكرنا - وهو نفي الضرر في الشريعة أصلاً، سواءً كان في الحكم أو عدم الحكم.

لكن يمكن أن يقال بعدم صدقه في صورة العلم؛ إذ هو إضرار على نفسه، وكذلك يمكن التمسك بالآيتين أيضاً، وهما:

قوله تعالى: « وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ » (1)، وقوله تعالى: « فَمَنِ اعْتَدَى...» (2)

ص: 68


1- سورة البقرة: 194.
2- سورة البقرة: 194.

وأمّا الأعمال، ففي دخولها تحت الأدلّة إشكال - مع قطع النظر عن الإشكال الذي أوردناه من حيث كونها مالاً، والغض عنه، وتسليم كونها من الأموال - من جهة أنّ خلاف الاحترام وقع من نفس العامل، حيث إنّ العامل لم يعمل العمل بأمر العامل(1)، بل عمل بناءً على استحقاق المؤجر ، فلم يصدر من المؤجر خلاف احترام له بالنسبة إلى عمله، والمدار في أدلة الاحترام هو كون العمل بأمر الشخص، وإلا لم يصدق خلاف الاحترام، فلم يكن مشمولاً لدليل الاحترام.

إلا أنْ يُقال: إنّ المؤجر صار داعياً إلى العمل، ومحرّكاً له إلى ذلك، فلو لم يكن ضمان على المؤجر، يكون خلاف حرمة مال المسلم ، لكن صدق ذهاب الجهة بمجرد ذلك في محلّ المنع.

نعم، يمكن الفرق بين صورة الجهل والعلم بالتزام الضمان في الأول؛ لأنّ المؤجر صار محرِّكاً وداعياً له إلى ذلك، ولولا تحريكه لم يعمل العمل، فلم يذهب ماله.

وأمّا دخولها تحت سائر الأدلة - أيضاً - [ف-] في محلّ المنع، إلا خبر الضرار في صورة الجهل فقط، لكن الإنصاف عدم شمول الأدلة لها مطلقاً؛ إذ العامل لم يعمل إلا لأجل زعم استحقاق المؤجر، وبزعم الوجوب، لا بأمره وداعيه، فافهم.

والمسألة محلّ الإشكال.

( في بيان عكس القاعدة)

هذا كلّه في أصل القضيّة، وأمّا عكسها - بمعنى خلافها - ، وهو: إنَّ كل عقد لا يفيد ضماناً في مورده - لا جعلاً ولا واقعاً ؛ بسبب صحيحه، لا يفيد الضمان بسبب فاسده،كالإجارة بالنسبة إلى العين ،والعارية، والمضاربة، والهبة، والاستئمانات كلّها.

والكلام فيه في مقامين

الأول: في مدركه.

ص: 69


1- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح (الشخص).

والثاني : في النقوض الواردة عليه، وبيان دفعه-[ا].

أمّا الأول: فما يُستفاد من كلام الشيخ (1)هي : الأولوية، وتقريرها على وجوه:

الأول أنْ يُقال: إنّ العقدَ الصحيحَ المفيد للضمان، يمكن أن يُقال في فاسده بعدم الضمان؛ لأنّ الفاسد لا يؤثر شيئاً أصلاً، والضمان في الصحيح؛ لأجل كونه مؤثراً بحكم الشارع، وليس للشارع حكم بالنسبة إلى الفاسد، ولا يكون له تأثير من جانب الشارع، ففي الفاسد - الذي لا يكون الضمان في صحيحه - الحكم بعدم الضّمان أولى من الحكم بعدم الضمان في فاسد الصحيح المضمن.

والثاني: أن يقرر بالنسبة إلى صحيحه، فيقال: إنَّ صحيح هذا الفاسد لو كان مضمناً، يمكن أن يُقال في فاسده بعدم الضمان؛ لعدم مؤثّريته لشيء، فكيف مع عدم ضمان هذا الصحيح ؟!

فالحكم بعدم الضمان في الفاسد - مع عدم كون صحيحه مضمناً - أولى من الحكم بعدم الضمان في هذا الفاسد، لو فرض كون صحيحه مضمناً.

والثالث: أنْ يُقال: إنّه لو فرض كون العقد بنفسه مقتضياً للضمان، فمع عدم الضمان في صحيحه - مع أن الصحة مؤكدة للضمان - فكيف بالفاسد الذي لا يؤثر شيئاً أصلاً ؟! والأوجه بكلام الشيخ(2) هو (الثالث)، وتوضيحه:

إنّ العقد مقتضٍ للضمان، فبعد أن لم يكن صحيح الرَّهن مؤثراً في الضمان، فكيف بالفاسد ؟! ففيها :

أولاً: إنَّا لا(3)نسلّم كون العقد مؤثراً في الضمان، لكن يُمكن أن يحكم بعدم الضمان في صحيحه؛ بواسطة إمضاء الشارع له، بخلاف الفاسد، فإنّه يبقى على مقتضاه.

ص: 70


1- ينظر: الأنصاري، المكاسب: 193/3 - 194.
2- المصدر نفسه 3 /194 .
3- كذا في المخطوط ، ولعل الأنسب حذف كلمة (لا).

وحاصل الجواب: إنّه بعد تسليم كون العقد بنفسه مقتضياً للضمان، يمكن أن يُقال في الصحيح بعدم الضمان؛ لوجود المانع عن اقتضاء المقتضي - وهو : حكم الشارع بعدم الضمان بخلاف الفاسد، فإنّه لم يكن فيه هذا المانع، فيؤثر المقتضي.

وثانياً: إنّا لا نسلّم كون العقد مؤثراً في الضمان، بل المقتضي للضمان هو (اليد)، خَرَجَ الصحيح عن تحت مقتضاه بواسطة الدليل ، [ و ] بقي الفاسد على اقتضاء اليد -وهو : الضمان- فثبت عدم تمامية الأولوية، فلا بُدَّ أنْ يذكر له مدركاً آخر، فنقول:

إنّ مقتضى اليد وإن كان هو الضمان، إلا أنّ ما أخرج صحيح العقد عن تحت عمومه، فقد أخرج الفاسد أيضاً، فما كان المخصّص في الصحيح كان مخصصاً للفاسد أيضاً ، فلا بُدَّ من بيان المخرج، فنقول:

إنّ العقود غير المضمّنة - يعني : ما لم يجعل فيها العوض - على قسمين:

قسم: تكون استثمانية.

وقسم تمليكيّة مجانيّة.

أمّا الأول كالعارية والوديعة، والمضاربة وغيرها والمخصّص لها هي الأدلة الدالة على عدم ضمان الأمين، والأخبار بهذا المعنى كثيرة في هذه الأبواب(1)، لكن بعضها دالّ على أنّ الأمين غير ضامن، ووروده بلفظ : «لا تضمّنه» (2)، وبعضها دال على عدم جواز اتهام

ص: 71


1- منها : عن علی (علیه السلام) أنه قال : ليس على مؤتمن ضمان». المغربي، دعائم الإسلام: 491/2 ح1755 . ومنها عن الحلبي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان - وقال : إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلا أن يكون قد اشترط عليه». الكليني، الكافي: 238/5 باب: ضمان العارية والوديعة ح1 . ومنها : عن أبان [ عن محمد ] ، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال : «سألته عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق، فقال: إذا كان أميناً فلا غرم عليه، قال: وسألته عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً ». المصدر نفسه: ح 4 .
2- منها: عن جعفر بن عثمان، قال: «حمل أبي متاعاً إلى الشام مع جمّال، فذكر أن حملاً منه ضاع، فذكرت لأبي عبد الله (علیه السلام) ، فقال : أتتّهمه؟ قلت: لا، قال: لا تضمّنه» الطوسي، تهذيب الأحكام: 217/7، باب الإجارات، ح28.

الأمين، بقوله (علیه السلام): « لا تتّهمه» (1).

أمّا الأول: فدلالتُه واضحةٌ.

وأمّا الثاني: فانطباقه على مقامنا بأنّ التنازع على طريقين:

تارةً يكون نزاعهما في الوجود والتلف، كأن يقول أحدهما: العين باقية، والثاني يقول: بل تلفت .

فالمراد ب- (الاتهام) حينئذٍ هو عدم القول بأنَّها باقية عنده حتّى تضمنه؛ فيدلّ على الضمان، لكن هذه الصورة خارجة عمّا نحن فيه؛ إذ كلامنا بعد فرض التلف.

وتارةً يكونان متسالمين على عدم بقائها، لكن المدعي يقول : أُتلفت. والآخر يقول: لا، بل تلف-[ت] .

فالمراد ب-(الاتهام) هو القول بالإتلاف، يعني: لا تقل إنّه أتلفها حتّى تطالبه بالضمان، فتخصيصه (علیه السلام) الضمان بصورة الاتهام - وهو الإتلاف - دالّ على عدم الضمان في صورة التلف، وإلا لقال: هو ضامن.

وكيف كان، فالأخبار دالّة على عدم الضمان في صورة الأمانة.

وهذه الكليّةُ - أعني : الأمين لا يضمن - إجماعي-[-ةٌ ] (2)، والأخبار في خصوص:

ص: 72


1- منها: «سأل إسحاق بن عمار أبا عبد الله (علیه السلام): عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال له الرجل: إنّما كانت عليه قرضاً، وقال الآخر: إنّما كانت وديعة فقال: المال لازم له، إلا أن يقيم البينة، إنما كانت وديعة ». قال مصنف هذا الكتاب - [أي : الصدوق ] (رحمه الله ) - : مضى مشايخنا (رضی الله عنهم)على أنَّ قول المودع مقبول، فإنَّه مؤتمن ، ولا يمين عليه. الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3/ 305 الرهن حكم ما إذا تلف الرهن من دون تفريط المرتهن ، ح 4092 .
2- ينظر : الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 305/3؛ آل عصفور، الأنوار اللوامع : 12/ 74-75؛ كاشف الغطاء، شرح خيارات اللمعة : 226 .

القصّار (1)، والعصّار ، والمستعير (2) بعدم الضمان كثيرة، معلّلاً عدم الضمان فيها؛ بأنّ الأمين لا يضمن، فتعدى عن الموارد المذكورة إلى غيرها، ومن صحيحها إلى فاسدها بعموم التعليل الوارد فيها.

وخروج بعض الموارد عن تحت الكلية المذكورة لا يضرّ؛ لأنّ العلة مثل العامّ، فكما أنّ العامّ بعد ورود التخصيص عليه ظاهرٌ في الباقي، فيتمسك به فيه، فكذلك عموم العلة بعد خروج بعض الأفراد يتمسك في الباقي بعمومها، كما يظهر ذلك من ملاحظة قول القائل: لا تأكل الرُّمان؛ لأنَّه حامض.

وكيف كان [فلا إشكال] في دلالتها على عدم ثبوت الضمان في مورد الأمانة، فالكبرى ليست محلّ الإنكار .

وإنّما الإشكال في بعض الصغريات، هل يكون من الاستئمان أم لا؟

مثل: الإجارة بالنسبة إلى العين، حيث إنّ المؤجر لم يدفع العين له من حيث كونه أميناً، وإنّما دفعها إليه لاستيفاء حقّه، فكأنَّه مُلْجأ في إعطاء العين، مع أنه قد يظنّ في بعض الموارد بعدم دفع العين إليه ثانياً(3)، بل يغصبها أو يشك في ذلك.

والأمانة وجعل الشخص أميناً، هو الاطمئنان بالشخص بكونه حافظاً لماله، والحال أنّ ذلك منتف.

لكن الظاهر أنّ الاستئمان أمر عرفيٌّ، وهو ثابت في جميع الموارد، فهو عند إيجاده العقد

ص: 73


1- منها : عن محمد بن علي بن محبوب، قال: كتب رجل إلى الفقيه (علیه السلام) ، في رجل دفع ثوباً إلى القصّار ليقصره، فدفعه القصّار إلى قصّار غيره ليقصره، فضاع الثوب، هل يجب على القصار أن يردّ ما دفعه إلى غيره إن كان القصار مأموناً؟ فوقّع (علیه السلام) : هو ضامن له، إلا أن يكون ثقة مأموناً إن شاء الله» . الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3/ 258 ح 3933 .
2- كما ورد عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد (علیه السلام) قال : «سمعته يقول: لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت، أو سرقت، أو ضاعت إذا كان المستعير مأموناً ». الطوسي، الاستبصار : 125/3 ، باب : إن العارية غير مضمونة ، ح 4 .
3- كذا في المخطوط، ولعلها: (استئماناً).

استأمن من المعطى إليه، وإلا لم يُقْدم على عقد الإجارة، فالاستئمان حصل بالعقد.

ولو سُلّم أنّ الاستئمان بالإعطاء، لا نسلّم أنّ استحقاق المؤجر عنوانٌ لإعطائه، فيكون موضوع استئمانه مقيّداً بالاستحقاق، بأن استأمن المستحق لا غير، حتّى يقال: إنّ المفروض أنّ الشخص لم يكن مستحقاً، فلم يكن استئمانه وارداً عليه، بل الاستحقاق داعٍ له على الاستحقاق (1) والاستئمان، لا أنه عنوان وقيد للموضوع.

والظاهر إنّ ذلك في صورة العلم لا شبهة فيه، وإنّما الإشكال والشبهة في صورة الجهل بفساد العقد، حيث إنّ قصد الدافع تمليكه المنفعة بالعوض، وإعطاء العين إيّاه من جهة استيفائه منها ملكه ولو علم أنّ العقد فاسد ولا تكون المنفعة ملكه، لا يرضى بأن تكون العين في يده ساعة، فاستئمانه له لجهله بعدم كونه مالكاً للمنفعة، فموضوع استئمانه مقيد بالاستحقاق، فكأنَّه قال : استأمنتك أيّها المستحق للمنفعة. والمفروض انتفاء الموضوع فكيف يتحقق الاستئمان؟ فهو نظير من أعطى ماله لشخص غير زيد - مثلاً - باعتقاد أنَّه زيد، وقال يا زيد، أودعت عندك هذا المال. وكان عمراً في الواقع، فهل ترى من نفسك أن تقول: إنَّه استأمن زيداً الآخذ ؟! وما نحن فيه من هذا القبيل.

وهذا الإشكال ظاهر الورود في صورة الجهل ، إلا أنْ يُلتزم بما ذكرناه في العالم من كون الاستحقاق داعياً له على الإعطاء، لا أن يكون قيداً في الموضوع، بتقريب:

إنَّ الاستئمان أمر عرفي يصدق في هذه الصورة أيضاً؛ لأنّ الاستثمان عرفاً: وضع المال عند الشخص ، ولو كان داعي الدافع هو استحقاق المدفوع إليه، ففي هذه الصورة - أيضاً - أعطى المال لاستيفاء حقّه، وليست من قبيل المثال الذي ذكرناه (2)، فحينئذٍ يدخل في عنوان الاستئمان، فيدخل في كلية الكبرى، وهي: إنَّ كلَّ أمين ليس بضامن، فيكون مورد هذه العقود خارجاً عن تحت عموم اليد بصحيحها وفاسدها، هذا كله في العقود الاستئمانية.

وأمّا العقود التمليكيّة المجانيّة الفاسدة، فيمكن التمسّك بعدم الضمان فيها؛ بفحوى

ص: 74


1- كذا في المخطوط ، ولعل الصحيح: (الإعطاء).
2- المذكور قبل أسطر .

ما دلّ على عدم الضمان في الاستئمانات، وتقريبه أنْ يُقال:

إنّ المالك بعدما سلّطه (1) الشخص واستأمنه على الحفظ - خاصةً مع بقاء علقة ملكيته - فلم يحكم بالضمان، ففي الصورة التي قطع النظر عن ملكه ، وأزال علقة ملكيته بالمرّة، فعدم الضمان فيها أولى.

لكن يمكن أنْ يُقال: بأنّ إزالة المالك علقته عن المال إنّما هو باعتقاد الصحّة، فهو إنّما قصد إزالة الملك بالسبب الشرعي، والمفروض عدمه، فلم يكن التمليك متحققاً حتّى يقال بعدم الضمان بأولويّته في عدم الضمان من الاستئمان.

(بعض النقوض على القاعدة وعلى عكسها )

ثم إنّه بقي الكلام في بعض النقوض الواردة على أصل القضية وعكسها:

أمّا الأول فهو البيع الذي بنى المتعاقدان [فيه] على عدم الثمن، كأن يقول البائع: بعتك بلا ثمن وكذلك في الإجارة لو قال المؤجر آجرتك بلا أجرة.

فهذا البيع من البيع الفاسد، فهو نقض للقاعدة - بناءً على كونه بيعاً - ونقول بعدم الضمان فيه، كما هو أحد وجهي العلّامة في القواعد (2)، وكذلك في الإجارة بلا أجرة على ما اختاره الشهيدان (3) من عدم الضمان فيها .

لكن قد يُقال بعدم كون البيع بلا ثمن بيعاً، بل هو هبة؛ لكون (بلا ثمن) قرينة على عدم إرادة البيع الحقيقي من قوله : (بعتُ)، وحينئذٍ فلا بُدَّ من التكلّم في هذا النقض من جهتين:

الأولى: في تشخيص موضوعه، هل هو بيع، أو يكون هبة حتّى لا يكون نقضاً ؟

والثانية في حكمه.

ص: 75


1- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (سلّط).
2- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 44/2 .
3- ينظر : الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 141؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 5 / 186 .

أمّا الأولى فنقول: إنّ البيع ظاهر في معنى البيعيّة، وكونه قاصداً لها، ولا يكون له صارف عن ظاهره، ولا يصلح قوله ب- ( لا ثمن) لكونه صارفاً له عن البيعيّة إلى الهبة؛ لأنَّهما ظاهران تعارضا، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر؛ لإمكان إرادة القائل بالبيع معناه الحقيقي، لكن أتى بشيء يضادّه ويناقضه؛ لإرادته إيجاد القول المتناقض، مع أنّ فهم العلماء (1) منه البيعيّة، وجعله من البيع الفاسد أقوى شاهد على ما ذكرنا.

فدعوى كونه هبة دعوى بلا بيّنة، فيكون بيعاً ، ويكون نقضاً على القاعدة - بناءً على عدم الضمان -؛ لكون الضمان في صحيح البيع وعدمه في هذا الفاسد، ويكون نقضاً على دليل القاعدة الذي ذكره الشيخ ومن تبعه (2) من كونه الإقدام؛ لعدم الإقدام على الضمان هنا مع ثبوت الضمان بناءً عليه.

وأمّا حكمه من حيث هو هو، ففيه وجوه:

الأول: جعله من البيع، ويؤخذ بقوله الأول، ويكون قوله الثاني لغواً مفسداً، فهو أنشئ البيع، لكن أتى بلغو مفسد للبيع، لا أنّه أنشئ إنشائين: إنشاء البيع، وإنشاء الهبة مثلاً، فيحكم بالضمان لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

الثاني: أنْ يُقال : إِنَّ صدره وذيله متناقضان، ولا يكون [أحدهما] أظهر بالنسبة إلى الآخر حتّى يكون صارفاً للآخر، فيرجع إلى الأصول الخارجة والقواعد الأخر، ويتمسّك بعموم قوله: «على اليد ما أخذت»(3).

والثالث: أنْ يُحكم بعدم الضمان بجعل الذيل قرينة للصدر، ويكون هبةً.

لكن لا يخفى عليك أن هذا الوجه غير متفرّع على كونه بيعاً، وقد جعلناه بيعاً، فلا بُدَّ من القول بأحد الوجهين الأولين.

ص: 76


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 11/ 261؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1/ 458؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 4 / 208.
2- ينظر: البهبهاني، حاشية مجمع الفائدة: 133 .
3- يراجع ص 53 .

وكذلك الحال في الإجارة بلا أجرة موضوعاً وحكماً.

هذا في النقض الوارد على أصل القضيّة، وأمّا النقوض الواردة على عكس القضيّة، فهي أشياء:

منها: النقض بما لو وهب الشخص ماله هبةً فاسدةً، ثم مات المتّهب، ثم تلف المال في يد وارثه، فإنَّ الوارث يكون ضامناً؛ لكون المال حينئذٍ، بعد موت المورّث أمانة شرعية عند الوارث، لا أمانة مالكية، فاللّازم على الوارث ردّ المال إلى صاحبه فوراً، فلو لم يردّ وتلف يكون ضامناً.

وكذا الحال في عكس الفرض بأن مات الواهب دون المتّهب، فحينئذٍ يكون ذلك نقضاً على العكس، حيث إنّ الهبة الصحيحة لم يكن فيها ضمان.

لكن يمكن دفع النقض: بأن الظاهر من هذه القضية هو عدم ثبوت الضمان للمتعاقدين، والضمان هنا لغير المتعاقدين، فلا يرد النقض.

ومنها: النقض بالعين المستأجرة بالإجارة الفاسدة، حيث إنّ الضمان لم يكن في صحيح الإجارة بالنسبة إليها، بخلاف الفاسدة على ما ذكره بعض كصاحب الرياض(1)، وحكى عن المحقق الأردبيلي (2) نسبته إلى الأصحاب.

لكن الظاهر إنّ النقض غير وارد، ولا أصل لهذه النسبة أيضاً؛ لأنّ ما يدل على عدم الضمان في صحيح الإجارة موجود في الفاسد أيضاً - وهو : الاستئمان -، والنسبة معارضةٌ بما

ص: 77


1- ينظر: الطباطبائي، رياض المسائل: 8 / 148 و 213/9.
2- ينظر: المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 49/10 . أقول: ما يظهر من عبارة المقرر (رحمه الله ) إنّه حكى بعض العلماء عن المقدس الأردبيلي نسبة هذا القول للأصحاب، وما يظهر من عبارة الشيخ الأعظم - في المكاسب : 3/ 193 - خلافه فقال: (إلا أن صريح الرياض الحكم بالضمان، وحكى فيها عن بعض نسبته إلى المفهوم من كلمات الأصحاب، والظاهر أن المحكي عنه هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة).

حُكي عن جامع المقاصد من أنّ الذي يلوح من كلامهم عدم الضمان (1).

ومنها: النقض بالشركة الفاسدة، حيث إنّ في صحيحها لم يكن ضمان، بخلاف الفاسدة - بناءً على أنَّه لا يجوز التصرّف في المال المشترك ؛ لكون يده عليه يد عدوان، فيكون ضامناً.

ويمكن دفعه: بأنّ الشركة إمّا أن يحتاج في التصرّف إلى إذن آخر غير عقد الشركة أو لا، بل تكون الشركة بنفسها كافية؟

فإن قيل بالأول - كما يظهر من صاحب الجواهر على ما حكي عنه (2) - فلا يكون فرقٌ بين الصحيح والفاسد في الضمان بدون الإذن الجديد، وعدم الضمان معه.

وإن قيل بالثاني - كما يظهر من الشهيد (3) - فلا فرق أيضاً بينهما؛ إذ كما أنّ الصحيحَ مفيد للإذن، فكذلك الفاسدة.

والقول بأنَّ الفاسدة لا تؤثر في الإذن، وتأثيره إنّما هو على تقدير الصحة لا الفساد فاسدٌ؛ لعدم اختصاص هذا الكلام بفاسد الشركة، بل يجري في جميع العقود الفاسدة، وقد ذكرنا أنّ اعتقاد الصحة من قبيل الداعي، لا أنّه من قبيل القيد في الموضوع، مع أنّ كلماتهم خالية عن الحكم بالضمان فلعل الحكم بعدم الضمان لقاعدة الاستئمان لا بأس به.

ومنها: النقض باستعارة المُحْرِم الصيدَ، حيث إنّهم حكموا بالضمان فيها، مع كونها عارية فاسدة - بناءً على دلالة النهي عن عدم جواز الاستعارة على الفساد - مع أنَّ مقتضى

ص: 78


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد : 216/6 ، والحاكي عن المحقق الكركي هو الشيخ الأعظم في مكاسبه : 3/ 193.
2- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 304/26 ، ولم نعثر على الحاكي عن صاحب الجواهر.
3- أقول: ما ورد عن الشهيد (قُدِّسَ سِرُّهُ) في كثير من كتبه خلاف ما ذكره المقرر (رحمه الله ) ؛ لأن الشهيد في جملة من عبائره قال بعدم جواز التصرّف وعدم كفاية العقد، بل يحتاج إلى الإذن كما في اللمعة الدمشقية: 129 (وليس لأحد الشركاء التصرّف إلا بإذن الجميع، ويقتصر من التصرّف على المأذون، فإنْ تعدى ضمن).

القاعدة عدم الضمان وصرّح بعض الأصحاب بالضمان، كالمحقّق في الشرائع (1)، وغيره(2).

لكن أشكل الشهيد الثاني في المسالك (3) في الضمان على تقديري الصحّة وعدمها، أمّا على تقدير الصحة؛ فلأن الأصل في العارية عدم الضمان؛ لأنَّه من الاستئمانات، وأمّا على تقدير الفساد فللقاعدة المذكورة.

لكن المشهور هو الضمان، فنقول - توضيحاً للحال -:

إنَّه هنا يكون حقّان: حقٌّ للآدمي، وهو وجوب ردّه إليه؛ لكونه ماله.

وحقٌّ لله تعالى، وهو: وجوب الإرسال، وعدم جواز الحبس.

فإن قلنا بتقديم حقّ الآدمي على الآخر ، ثم تلف عنده، فلا دليل على الضمان؛ لاستئمانه المالك عليه، فيده يد استئمان، وإن رجحنا جانب الحق لله تعالى]، وقلنا بوجوب إرساله فحينئذٍ - يكون ضامناً؛ لوضوح عدم أمر الشارع بإتلاف مال الغير بلا شيء؛ لكونه ضرراً منفيّاً.

فوجوب الإرسال مستلزم للأمر بأداء القيمة، فحينئذٍ يكون نقضاً على القاعدة؛ لكونها من العارية الفاسدة المضمونة.

ووجه كونها فاسدة - أيضاً - واضحٌ ؛ لأنَّه ممنوع من مطلق التصرّف فيه، والاستيلاء عليه بجميع الوجوه، والعارية الصحيحة ما يكون مورثاً للسلطنة.

لكن يمكن دفع هذا النقض: بأنّ مورد القاعدة صورة التلف لا الإتلاف، وهنا يكون الضمان بواسطة الإتلاف؛ لأنّ إثبات اليد على الصيد إتلاف؛ لأنَّه مقدّمة للإرسال والإتلاف، أو يكون نفس إثبات اليد عليه إتلافاً؛ والكاشف عنه أمر الشارع بالإرسال؛ لأنَّه لم يأمر بإتلاف مال الغير، فمجرّد إثبات اليد عليه يخرج عن المملوكية للمالك.

ص: 79


1- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 2 / 408 - 409 .
2- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 27 / 164 - 165 .
3- ينظر : الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 139/5 .

فالمُحْرِمُ أتلف مال الغير بإثبات يده عليه، فحَكَمَ الشارع بالضمان، فلا يكون من مورد النقض، لكن يرد الإشكال بناءً عليه من وجهين:

الأول: إنّه لو دفعه إلى مالكه، أو أرسله فأخذه المالك فوراً، فمقتضى ما ذكرنا - من خروجه عن ملكه بمجرّد إثبات اليد عليه - ثبوتُ القيمة عليه في هذه الصورة أيضاً، ولا يعلم ذلك منهم، خصوصاً في الأول.

ويمكن الذّبُّ عنه بوجهين:

الأول: أنْ يلتزم بذلك، والقول بحصول الملك الجديد للمالك بأخذه، نظير الخلّ الذي صار خمراً ثم انقلب إلى الخلّ، ومنع القول بعدم الخروج عن الملكيّة رأساً في مثل الخمر المنقلب، بل يكون من قبيل الحيلولة.

والثاني: أن نقول: إنَّ كون إثبات اليد إتلافاً، إنّما هو معلّق على عدم أخذه [مِن قبلِ] المالكِ، فأخذه له كاشف عن عدم خروجه عن الملكيّة بإثبات اليد.

والثاني من الإشكالين: إنّ كون إثبات اليد إتلافاً ، أو يكون مقدّمة للإتلاف -الذي هو الإرسال - إنّما يكون في موضع يثبت الأمر بالإرسال؛ لأنَّه إمّا أن يكون كاشفاً عن الإتلاف، أو يكون هو الإتلاف. ومن المعلوم عدم تحقق الإتلاف بدون الإرسال، والأمر به في الثاني، وكذا الأول؛ لعدم حصول الكاشف عن ثبوت الإتلاف، وأمّا في موضع لا يمكن الأمر بالإرسال؛ لعدم تمكن المُحْرم من الإرسال إمّا لتلفه قبل مضيّ زمان يمكن الإرسال، أو لمانع آخر، ففي هذه الصورة يكون ضامناً لو تلف الصيد مع تحقق الإتلاف، فيكون نقضاً على القاعدة.

ويمكن الخروج عنه بوجهين:

الأول: تقييد الضمان بصورة إمكان الإرسال دون غيره، لكن كلماتهم مطلقة تشمل صورة عدم التمكن أيضاً.

والثاني: إنّ كون إثبات اليد عليه إتلافاً، إنّما هو بسبب حكم الشارع بخروج الملك عن الملكية بمجرّده، فحينئذٍ يكون إثبات اليد إتلافاً مع عدم تمكن الإرسال أيضاً، فيجري -

ص: 80

حينئذٍ - في جميع الموارد من دون فرق أصلاً.

لكن الظاهر عدم كون إثبات اليد بمجرّده إتلافاً، بل هو مقدّمة للإتلاف، وهو الإرسال، هذا كله في النقوض ، وقد عرفت حالها .

(إشكالٌ والجواب عنه)

لا يقال : إنَّ هاتين القاعدتين ليستا عقليتين، بل شرعیتان مستفادتان من الأخبار،فلا يضرّهما التخصيص، غاية الأمر إنّهما عامّان من العمومات، ولا تخرج عن الحجيّة بالتخصيص في غير مورده.

لأنا نقول: إنّ نقضهم عليهما ليس لأجل خصوصيّة يقتضيها المورد، حتّى لا يكون مخرجاً لهما عن الحجيّة، بل ذكروا النقض بعنوان الكلية وبحسب مقتضى القاعدة، لا أنّ نقضهم مبني على دليل خاص حتّى يقال بعدم مضرّة النقض.

ويبقى التنبيه على أمرين:

الأول: إنّ لفظ (الفاسد) المذكور في القاعدة - أصلاً وعكساً - مطلق، يشمل العقد الفاسد؛ بسبب حصول الإخلال في نفس العقد، أو بسبب المتعاقدين، فيشمل عقد الصبيّ، والمُكْره، والمجنون.

فلو وهب الصبي شيئاً للبالغ، تكون الهبة فاسدة - على ما صرّح به الأصحاب(1)- مع أنَّ صحيح الهبة لا يكون فيه الضمان، وكذا عاريته.

ومدرك القاعدة - هنا - أيضاً موجود، وهو الإقدام في الأول، والاستئمان في الثاني، فتُنْقض القاعدة.

فينبغي أنْ تخصَّ القاعدة بالعقد الفاسد من جهة نفس العقد، وبصورة الإقدام والاستثمان المؤثرين شرعاً، فيخرج مثل المذكورات عن تحت القاعدة.

ص: 81


1- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 457/2؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 3/ 278؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 12/6 .

الأمر الثاني: في عارية الغاصب، بأن غصب شيئاً، ثمّ أعاره لشخص آخر، ثم تلف عنده، فهل يجوز للمالك الرجوع إلى المستعير أو لا ؟

يظهر من شيخنا الشهيد الثاني (قُدِّسَ سِرُّهُ) (1)عدم جواز رجوع المالك إلى المستعير، وعدم ضمانه [لا] للغاصب، ولا للمالك ؛ تمسّكاً بهذه القاعدة، وكأنَّه فهم من لفظ «لا يضمن»، لا يضمن المال أصلاً، لا عدم الضمان للعاقد فقط، حتّى لا يجوز الرجوع للغاصب فقط على المستعير، لكن هذه دعوى بلا بيّنة.

(في تعاقب الأيدي )

ويظهر من كلمات العلماء(2)في باب الغصب، جواز رجوع المالك إلى كلّ من الأيادي المتعاقبة، فنقول وبالله الاستعانة :

إنّ المستعير من الغاصب، إمّا أن يكون جاهلاً بكونه مغصوباً، أو يكون عالماً :

أمّا في الأول، فلا بُدَّ من الرجوع إلى القواعد، فالقواعد هنا أربع:

أحدها: قاعدة اليد، ومقتضاها جواز رجوع المالك لكلٍ منهما، ورجوع من رجع إليه المالك إلى من تأخر عنه.

وثانيها: قاعدة ما لا يضمن، ومقتضاها عدم ضمان المستعير.

وثالثها: قاعدة الغرور، ومقتضاها رجوع المستعير إلى الغاصب لو رجع إليه المالك.

ورابعها: قاعدة من تلف عنده فعليه استقرار الضمان .

أمّا (قاعدة اليد) طارئة - بالنسبة إلى المالك - على كلٍّ من الغاصب والمستعير وكذا بالنسبة إلى الغاصب بالنسبة إلى المستعير، لكن نخصّها بغير صورة رجوع الغاصب على المستعير؛ بحكم قاعدة الغرور، حيث إنَّ مفادها عدم رجوع الغار إلى المغرور، وبقاعدة عدم

ص: 82


1- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 141/5 .
2- ينظر: فخر المحقّقين، إيضاح الفوائد : 2/ 131 - 132؛ الشهيد الثاني، حاشية شرائع الإسلام: 482 ، المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 21 / 490 - 491 .

الضمان، ويكون للمالك الرجوع إلى الغاصب بحكم اليد، ولا يكون له الرجوع إلى المستعير بحكم الاستئمان، ويكون للمالك الرجوع إلى المستعير بحكم اليد، وله الرجوع إلى الغارّ بحكم قاعدة الغرر ، فيخصّص بها قاعدة من تلف عنده شيٌ فعليه استقرار الضمان.

وأمّا الثاني - وهي صورة العلم-: فلا تجري قاعدة الغرور، فلا يجوز للمستعير الرجوع إلى الغاصب لو رجع إليه المالك، ولا بالعكس، وللمالك الرجوع إلى الغاصب أيضاً؛ لقاعدة اليد، ولا يجوز له الرجوع إلى المستعير؛ لقاعدة عدم الضمان فتكون قاعدة عدم الضمان مخصصة للقاعدة الرابعة، لكن لم نجد مورداً يخصّصون بعدم الضمان هذه القاعدة، فافهم.

[ الكلامُ في دخول بعض العقود تحت قاعدة ما يضمن ]

بقي الكلام في بعض العقود، هل يكون داخلاً في قاعدة (ما يضمن) أم لا ؟ وهي: الضمان، والحوالة، والمكاتبة :

أمّا الضمان، فالظاهر دخوله في أصل القاعدة؛ لثبوت الضمان في صحيحه، فإنّه لو دفع الضامن شيئاً إلى المضمون له، فلو تلف مال المضمون له عند المضمون عنه، يكون ضامناً له في ماله الذي دفع إلى المضمون له في الضمان فكذا في فاسده؛ بحكم القاعدة.

فكذا في الحوالة، فلو حوّل (1) شخص ديناً لشخص من ذمّته إلى ذمته، فدفع المحال عليه مالاً إلى المُحال له، فتلف مال المحال له عند المحيل، يكون ضمانه على المحال عليه في ماله الذي أعطاه إلى المحال له.

وأمّا المكاتبة، فالظاهر عدم جريان القاعدة؛ لأنَّ المكاتبة صحيحُها اقتضى الضمان، بمعنى: لو تلف مال المكاتبة يكون المولى ضامناً له، بخلاف فاسدها، فإنّه ليس ضامناً للعبد؛ لعدم تعقّل الضمان لماله (2) - وهو العبد - لكن هي ليست نقضاً للقاعدة؛ لأنّ وجه عدم الضمان عدم تعقّله.

ص: 83


1- ما في المخطوط: (تحوّل)، والصحيح ما أثبتناه.
2- لبقاء العبد تحت ملكه حينئذٍ وعدم معقولية ضمان الشخص مال نفسه.

ص: 84

المقام الثالث -في بعض الأمور المتفرّعة على المقبوض بالبيع الفاسد

ومنها: وجوب ردّه فوراً إلى مالكه ولا بُدَّ من تحقيق معنى وجوب الردّ ، هل هو تحويله إلى صاحبه، وكونه المراد من قائليه حتّى يكون مؤنة الردّ على المشتري، أو هو مجرّد عدم الحيلولة بينه وبين مالكه، بحيث لم يصدق عرفاً أنه تحت يده، وكونه متصرفاً فيه؟

فإن كان المراد هو الثاني، فهو حقٌّ، ويدل عليه قوله [علیه السلام]: « لا يحل مال امری» (1)؛ لدلالته على حرمة أنواع التصرّفات لا مجرّد الأخذ، بقرينة حذف المتعلّق، وقوله (عجل الله فرجه): «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه» (2) . وغير ذلك من الأدلّة الدالّة على حرمة الاستيلاء على مال الغير بحيث يعدّ في العرف تصرفاً، بل إمساكاً.

وإن كان المراد به هو الأول، فلا دليل على أزيد من التخلية بين المال ومالكه، بحيث لا يعدّ عرفاً حبس مال الغير ، كأن أخبر المالك: إنّ مالَك حاضرٌ، ولست بمانع منك له، أو أخْرَجَه من بيته أيضاً.

ولا يدل قوله (عجل الله فرجه)، ولا قوله [علیه السلام] إلا على حرمة التصرّف، وحبس مال الغير، وأمّا ما لا يكون حبساً ، ولا يكون تصرفاً، بل يكون إمساكه لمجرّد الحفظ، فلا يدلان على حرمته.

نعم، يظهر من الشهيد (3) اختيار وجوب الردّ - بمعنى التحويل - ؛ متمسكاً بأنَّه بمنزلة

ص: 85


1- يراجع ص 63 .
2- الطبرسي، الاحتجاج : 2 /299 ، وفيه: بدل (يجوز) : (يحلّ)، وبدل (إلا) (بغير).
3- ينظر: الشهيد الأول، الدروس الشرعية : 3/ 109 ، غاية المراد : 2 / 36 .

المغصوب(1)، فيدخل في قوله: المغصوب [ كلُّهُ] مردودٌ (2)، فيجب الردّ، وبيّن (3) بقوله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «على اليد ما أخذت حتّى تؤديه» (4)؛ حيث إنّه جعل الأداء غاية للخروج من العهدة، والأداء في وجوب الردّ.

وأمّا ما ذكره أولاً من أنَّه بمنزلة المغصوب، فيجري عليه أحكامه - ومنها: وجوب الرّد إلى المالك بمقتضى قوله: المغصوبُ [كلُّهُ] مردودٌ -.

ففيه: إنا لا نسلّم كونه بمنزلة المغصوب في جميع الأحكام حتّى في وجوب الردّ والتحويل لو سلمنا في المغصوب، بل هو مثله في عدم جواز التصرّف فيه، والحيلولة، وثبوت الضمان، وعدم الدليل على الكليّة.

وأمّا ما ذكره ثانياً من التمسّك بقوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . [ على اليد ما أخذت حتّى تؤديه ]

ففيه :

أولاً: إنا لا نسلّم ظهور الأداء في وجوب التحويل، بل نقول: إنَّه وإن كان ظاهراً بحسب أصل الوضع في التحويل، لكنه كثر استعماله في الأخبار والآيات في مجرّد عدم الحيلولة، مثل الأخبار الدالّة على وجوب أداء الأمانات(5)، وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا »(6)، وقوله تعالى: « فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ » (7)، حيث إِنَّ

ص: 86


1- ينظر : الشهيد الأول، غاية المراد : 37/2 .
2- الكليني، الكافي : 542/12 ، باب : الفيء والأنفال، وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه، ح4 . وما بين المعقوفتين من المصدر.
3- كذا في المخطوط، ولعل كلمة : (بين) زائدة.
4- يراجع ص 53 .
5- منها : وقال الصادق (علیه السلام) : «ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، والبرّ بالوالدين برّين كانا أو فاجرين» الحر العاملي، هداية الأمة: 287/6 كتاب الوديعة والعارية ح3.
6- سورة النساء: 58 .
7- سورة البقرة : 283 .

الأمانة في المذكورات لو لم نقل باختصاصها بالوديعة، فلا بُدَّ من التعميم فيها حتّى تشملها، والإجماع قائم على أنّ التحويل غير لازم في الوديعة(1)، بل اللازم مجرّد التخلية، فحينئذٍ لا بُدَّ من القول بأنّ الأداء هو مجرد التخلية وعدم الحيلولة.

والقولُ : بأنّ قولَه تعالى: « إِلَى أَهْلِهَا» (2) قرينة على أنّ المراد وجوب الرّد؛ لأنّ الإيصال إنّما يكون إلى الأهل، مدفوعٌ بأنَّه لا يدل على وجوب الرّد، بل يدل على أنه لا يجوز الرد إلا إلى الأهل لا إلى الغير، فكأنَّه قال: إذا أردتم الرّد ردّوها إلى أهلها لا إلى غير أهلها، فيكون مسوقاً لعدم جواز الرّد إلى غير الأهل.

فذكر الأداء في هذه الموارد مع كون المراد مجرّد التخلية يكون صارفاً له عن ظهوره الأصلي لو كان ثابتاً، فيكون هذا الخبر - أيضاً - في سياقها، فما هو المراد فيها من الأداء، فهو المراد منه فيه.

وثانياً: سلّمنا ظهوره في النقل، لكن قد ذكرنا سابقاً أنّ معنى قوله (علیه السلام): «على اليد » (3) هو كون عهدة المال على الآخذ بمعنى : إنّه يكون ضامناً لو تلف، حتّى يردّه إلى مالكه، فيدل على ثبوت الضمان إلى الغاية المذكورة، وعدم ثبوته بعدها، ولا يدلّ على وجوب الرّد، وأين الحكم الوضعي من الحكم التكليفي؟ والمقصود هو الثاني.

فالتمسّك لوجوب الرّد به لا وجه له كما إنَّ التمسّك به بدعوى إجماع السرائر (4)، بضميمة قول العلّامة: (إنَّ مؤنة الرّد على المشتري؛ لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلا به)(5).

ص: 87


1- ينظر: ابن إدريس، السرائر 0ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 83/4؛ المحقق الحلی ، شرائع الإسلام: 402/2 ؛ ابن سعيد الحلي نزهة الناظر : 90 .
2- سورة النساء : 58 .
3- يراجع ص 53
4- ينظر: ابن إدريس الحلي، السرائر ( ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي) : 453/3 .
5- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 292/10.

أيضاً لا وجه له؛ لتصريح الحلّي بعدم الإثم في إمساكه (1).

فحينئذٍ القول بعدم وجوب الرّد، وكفاية مجرّد التخلية، لا يخلو عن قوة؛ لعدم الدليل عليه.

وحرمة الإمساك بمعنى (الحبس) كما يظهر من الخبرين ، وزاد - على ما ذكرنا – بعضٌ (2) وقال بوجود الدليل على عدم وجوب الردّ؛ لأنَّه من الأمانة المالكية؛ لأنّ ثبوت المال عند المشتري بإذن المالك، فيدخل في الأمانة المالكيّة، والإجماع قائم على عدم وجوب الردّ فيها.

وضعفه ظاهر : أمّا في صورة جهل البائع بالفساد فلأنَّ إذنه إنّما هو على تقدير ثبوت العوض وعلى وجه العوضيّة، فإذا لم يسلّم له ذلك لم يبقَ الإذن.

وأمّا في صورة العلم؛ فلأنَّهما تبانيا على حصول الملك تشريعاً في مقابل الشارع، فإذنهما إنّما جرى على هذا التباني، فلمّا كان هذا التباني مُلغىً في نظر الشارع، فكلّ ما كان من باب الجري على هذا التباني فهو أيضاً فاسد مُلغىً في نظر الشارع، فهذا الإذن لم يكن له أثرٌ عند الشارع ، نظير الرِّضا الحاصل في القمار ، فإنَّ رضا المتقامرين بالتصرّف فإنّما هو جري على ما بنيا عليه من حصول الملك، فلمّا لم يمض الشارع هذا التّمليك ، وكان مُلغىً عنده، يكون كلّ ما يكون على هذا الجري مُلغىً عند الشارع، وبلا أثر ، فافهم.

ومنها : إنّه إذا استوفى المشتري منافع العين المقبوضة بالبيع الفاسد، يكون ضامناً لها كالأصل، كما هو المشهور، ويظهر من كلام بعضهم (3) دعوى الإجماع على ذلك، ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن صاحب الوسيلة(4)، حيث ذهب إلى عدم الضمان؛ تمسكاً بالخبر النبوي: «الخراج بالضمان» (5). بتقريب:

ص: 88


1- ينظر: ابن إدريس الحلي السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 453/3 .
2- لم نعثر عليه فيما لدينا من المصادر.
3- ينظر: ابن إدريس الحلي، السرائر ( ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي) : 453/3 .
4- ينظر: ابن حمزة الطوسي، الوسيلة : 255 .
5- الطوسي، الخلاف : 107/30؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: 2/ 15؛ البيهقي، السنن الكبرى: 321/5 .

إنَّ (الباء) إمّا للسببيّة، ومعناه: إنّ الخراج - أي حصوله أو ملكيته - بسبب إقدام المشتري على الضمان

أو للمقابلة، يعني: إنّ الخراج مقابل للمال.

وحاصله: إنَّ المشتري لمّا أقدم على الضمان - أي ضمان المبيع بتضمينه البائع - على أنْ يكون الخراج له مجاناً، فكذلك على تقدير الفساد؛ لأنّ الضمان عليه.

ولا يخفى عليك ضعف الاستدلال به؛ لأنّ الظاهر من الرواية أنَّها في مقام إبداء الضابط والقاعدة، فلا يناسبه هذا المعنى اللازم من إرادته تخصيص الأكثر المنافي للضابط؛ لوهن الضابط به، مثلاً في الغصب يكون الضمان، ولا يكون الخراج للغاصب، وغير ذلك. فلابُدَّ أن يكون المراد ب-(الضمان) أو (الخراج) معنى آخر، بأنْ يُقال: إنّ الخراج لمن يذهب المال من ماله - وهو المالك - ومعنى الضمان هو ذهاب المال من كيسه، وكون خسارة المال من ماله.

ويشهد له - مضافاً إلى الاعتبار - بعض الأخبار، مثل قوله (علیه السلام) - في مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري : «ألا ترى أنّها لو أحرقت كان من مال المشتري» (1). فيظهر منه ومن غيره : أن المنفعة لمن يذهب المال من ماله.

ويمكن القول بكون مورد الرواية في الخراج والمقاسمة، بمعنى: إنّ مال الخراج لأجل تضمين الشخص وتقبيله عليه، أو بتضمين إياه على ذلك.

ويمكن أن يكون المراد ب-(الضمان) ليس هو مطلق التقبل والتضمين، بل التقبّل والتضمين مع إمضاء الشارع لهذا التقبيل، فيخرج البيع الفاسد .

ويُشكل بالعارية المضمونة؛ حيث إنّ المنفعة فيها لا تصير ملكاً للمستعير، بل يكون مالكاً للانتفاع، والحال أنّ مقتضى الرواية كون الخراج ملكاً، ولو أغمضنا عن ذلك، وقلنا :

ص: 89


1- ينظر: الطوسي، تهذيب الأحكام: 7 / 176 - 177، باب الرهون، ح37.

إنّ كون الخراج للشخص أعم من ملكه له، أو يكون مالكاً للانتفاع، يشكل من وجه آخر، وهو:

إنَّ مقتضاها كون الخراج في مقابل الضمان ولأجله، وفي العارية المضمونة ليست كذلك، بل الخراج من جهة الإعارة، وهي مقتضية لثبوت الانتفاع لا بشرط الضمان.

وكيف كان، فالخبر لا تقصر دلالته عن سنده في الوهن، فلا يُمكن التمسك به في مثل هذا المطلب المخالف للمشهور.

فالحق ما ذهب إليه المشهور؛ لشمول الأدلة - التي أشرنا إليها سابقاً - لها بتمامها، بناءً على كون المنفعة المستوفاة من الأموال كما هو الظاهر ، فيشمله قوله (علیه السلام): « لا يحل ...» (1) وقوله [علیه السلام] «حرمة مال ...» (2). وقاعدة نفي الضرر، وغير ذلك.

وأمّا المنافع غير المستوفاة فقد نُسب إلى المشهور (3)فيها الضمان.

لكن لم نجد له مدركاً يمكن الاعتماد عليه؛ لما ذكرنا (4) من عدم كونها من الأموال حتّى تُشمل تحت الأدلة الدالة على احترام المال.

وكذلك لا يشملها دليل نفي الضرر ؛ لعدم إضرار المشتري بالبائع، بل أضرَّ نفسه بنفسه؛ حيث لم يستوفِ منافع ماله؛ لأنّ المفروض في مقامنا عدم المنع من جانبه أصلاً، فلا دليل على الضمان إلا دعوى العلّامة (5) الإجماع على الضمان في المغصوب ، بضميمة دعوى السرائر (6) من كون المقبوض بالبيع الفاسد بمنزلة المغصوب، بل دعوى السرائر (7) الإجماع على المطلبين،

ص: 90


1- يراجع ص 63 .
2- يراجع ص 61 .
3- ينظر: الأنصاري، المكاسب: 206/3.
4- يراجع ص 65 .
5- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء (ط ، ق) : 381/2 .
6- ينظر: ابن إدريس الحلي السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي) : 453/3 .
7- ينظر: ابن إدريس الحلي السرائر ( ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 453/3 .

فالمسألة محل التوقف والإشكال.

ومنها : إنّه إذا تلف المثلي يجب أداء مثله بلا خلاف (1) ، إلا ما يحكى عن ظاهر الإسكافي على ما حكي (2) .

ص: 91


1- ينظر: العاملي، مفتاح الكرامة : 18 / 170 .
2- الحاكي عن الإسكافي هو العلّامة في مختلف الشيعة: 6 /131.

(في تأسيس الأصل في المثلي وضابطه)

واعلم أنَّه لما كانت كلمات العلماء مشوشة مفهوماً ومصداقاً؛ لأنَّهم عرفوه بتعاريف مختلفة، كلّها لا تخلو عن عدم الاطراد أو عدم الانعكاس، أو هما معاً، وكذلك في مصداق المثلي؛ حيث حكي عن جامع المقاصد عدّ الثوب من المثلي (1)، والمشهور على خلافه، وكذلك حكي عن المبسوط كون الذهب والفضة الغير المسكوكين من القيميات (2)، وذهب بعض آخر(3) إلى خلافه، وكذلك في : الحديد والنحاس، والعنب، والتمر، كان اللازم أوّلا تأسيس الأصل في المسألة لفظياً وعملياً، حتّى يرجع إلى الأوّل إن كان، وإلا فإلى الثاني في غير موارد تحقق الإجماع على مثليته.

أمّا الأصل العملي، فالظاهر كونه أصالة الاشتغال، وتوضيحه:

إنّه لا شبهة في ثبوت شيء بمجرّد التلف في ذمّة الضامن، ولكنّه مردّد بين المثل والقيمة، وهما متباينان، وليسا من الأقل والأكثر حتّى يؤخذ بالأقل ويُدفع الزائد بالأصل؛ لأنّ المثل - بعنوان كونه مثلاً - شيء مباين للقيمة؛ لأنّ المنَّ من الحنطة مباين للدرهم، فلم يكن من الأقلّ والأكثر بعد تقوّم المثلي فحينئذٍ يكون خارجاً عن حيث المثليّة .

وليس الأمر فيما نحن فيه مردّد بين المخيّر والمعيّن، حتّى يُدفع التعيين بالأصل - بناءً على جريان البراءة فيه دون الاشتغال -؛ لعدم احتمال التعيين في أحدهما المعيّن، بل يحتمل التعيين في كليهما، ولا يكون من موارد تخيير المجتهد في الفتوى؛ لأنَّه إنّما يكون في تعارض الأدلّة بحكم الأخبار العلاجية، الآمرة بترجيح المجتهد إن كان مرجح في أحدهما، وإلا فيكون مخيّراً.

ص: 92


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد : 6 / 250 ؛ والحاكي عنه هو : السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 18 /139.
2- ينظر: الطوسي، المبسوط : 61/3 ، والحاكي عنه الشيخ الأعظم في المكاسب: 3 / 215 .
3- ابن إدريس الحلي، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي) : 165/4؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة 6 / 122 ؛ الشهيد الأول، الدروس الشرعية : 3 / 116 .

والمسألة في دوران الأمر بين الشيئين في الموضوع الخارجي، ولا دليل على تخيير المجتهد في مثله، وليس للمالك الاختيار ولا للضامن؛ لأنّ التخيير لو قلنا به في الموضوعات الخارجية، إنّما نقول به فيما لم يُمكن الاحتياط، وهنا يمكن الاحتياط بدفع الضامن كليهما، أو أخذ المالك أحدهما ، كما هو طريق الاحتياط في سائر المقامات مثل: أن يتيقن الشخص باشتغال ذمّته بدرهم، ولم يدرِ إنّه لزيد أو لعمرو، فالاحتياط إنّما يكون بإعطاء درهم لكلٍ منهما .

ولا يُمكن للمالك إلزام الضامن بأداء حقه لا غير، وامتناعه عن قبول الزائد على حقّه، بل اللّازم عليه القبول لو لم يرضَ بأحدهما المعيّن، بل يجبره الحاكم على القبول.

ولا يجوز الرجوع إلى القرعة؛ لأنَّه - على تقدير تماميّة دليلها - إنّما تكون في الموضوعات لا في الأحكام؛ للإجماع على عدم جريانها فيها(1).

فظهر مما ذكرنا كلّه إنّ أصالة الاشتغال - هنا - محكّمة لو لم يقم دليلٌ على خلافها، لا الأصل اللفظي (2) - فربّما يقال بوجوده - وهو عموم قوله (علیه السلام): «على اليد ما أخذت حتّى تؤديه»(3). وتقريبه بأن يُقال:

إنّ معناه إنّه إذا أخذ الشخصُ عيناً من غيره، فإنّها تستقرُّ في ذمته إلى أن يؤدّيه، فما لم تؤدَ العين تكون ثابتةً، وتكون الذمّة مشغولةً بها، وهو يقتضي ثبوتها في الذّمة بعد التلف أبد الدهر؛ لأنّ غاية ارتفاعها عن الذّمة أداؤها ، وهو متعذّر بعد التّلف.

لا يُقال: مقتضى ذلك ثبوت الحكم الوضعي بعد التلف، وهو ثبوت العين في الذمة، والحال أنّ المختار في محلّه، هو كون الحكم الوضعي منتزعاً - حينئذٍ - من الحكم التكليفي ولا يمكن التكليف هنا بأداء العين؛ لأنَّه تكليف بالمحال، وهو محال.

لأنا نقول : لا نسلّم عدم ثبوت الحكم التكليفي هنا، بل التكليف ثابت تعليقاً، بمعنى:

ص: 93


1- ينظر: الطوسي، الخلاف: 522/3 ، 531، 595، 178/4.
2- كذا في المخطوط، والصحيح: (أمّا الأصل اللفظي).
3- يراجع ص 53 .

إنّه لو أوجدت العين فاعطها لصاحبها، كما في ضمان الصغير المتلف لمال الغير، فإنَّ الحكم التكليفي بها - أيضاً - تعليقيٌّ، بمعنى : إنّه يجب عليه الإعطاء بعدما صار مكلّفاً.

وهذا ليس عادم النظير في الشريعة، ونظيره في الحقوق: ما لو اغتاب الشخص ميتاً، فإنّه يستقر حقٌّ للميت على الشخص أبداً، وفي الماليّات في المُعْسر، فإنّه يستقر مال الدّيان بذمّته إلى الأبد.

لكن الإجماع (1)قائم على ارتفاعها عن الذمة بعد رضا المالك بشيء، فلا بُدَّ بمقتضى الخبر - بضميمة الإجماع المخصّص له - [من] إعطائه إلى أن يرضى المالك، وهو مجموع المثل والقيمة ، أو الأزيد منها ، هذا حاصل تقريبه.

وفيه :

أولاً : إنا قد استقصينا البحث في دلالة الخبر في صدر المبحث (2)، وبملاحظة ما ذكرنا يُعرف أنّ المراد منه غير ما ذكره المستدل، وإجماله هو :

إنَّ متعلّق قوله [علیه السلام]: «على اليد »(3) ليس هو الموصول المراد به العين، بل المضاف إلى المحذوف المقدّر، وهي العُهدة؛ لعدم تعقّل ثبوت العين الخارجية في رقبة الشخص، ومعناه -بعد الحلّ - ثبوت الدار على رقبتي.

والعهدة عبارة عن قضيّة تعليقيّة، وهي: إنّه لو تلفت العين يكون ضمانها على ذمّة الشخص، فالأداء يكون غاية لهذه القضيّة، والتلف غاية لتنجز الضمان، وحاصله - حينئذٍ -: إنّ عهدة المال على الآخذ بمعنى إنّه لو تلف يكون ضمان المال على الشخص إلى زمان الأداء، (ففي مقام بيان هذا المطلب) (4)، ولا دلالة له على كيفية الضمان وتشخيصه، ولا دلالة على ما ذكره المستدل به .

ص: 94


1- ينظر: المقداد السيوري، التنقيح الرائع : 69/4 ؛ النجفي، جواهر الكلام: 37/ 95-96.
2- يراجع ص 53 .
3- يراجع ص 53 .
4- كذا في المخطوط.

وثانياً : إنّه لو سلّمنا كون المتعلّق بالذّمة نفس المال، وكون الأداء غاية لثبوت المال في الذّمة، فلا يدلّ الخبر على المطلوب؛ لأنّ الإجماع قائم على عدم ثبوت المال في الذّمة، بعد دفع المثل في المثلي، والقيمة في القيمي.

فحينئذٍ فلا بُدَّ : إمّا من التصرّف في لفظ (الأداء ) ؛ بأن يجعله بمعنى يشمل المثل والقيمة وتعميمه.

أو ارتكاب خلاف الظاهر؛ بجعلهما - أيضاً - غاية لهذه القضية، فكأنّه [قيل] المال ثابت في الذّمة إلى زمان الأداء، أو أداء المثل في المثلي، والقيمة في القيمي.

وعلى كلِّ تقدير: إمّا أن يكون مرادهم من وجوب المثل في المثلي، والقيمة في القيمي: إنّ المال بعد التلف ينقلب إلى المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، فيكون الثابت في الذّمة بعد التلف ليس إلا المثل - مثلاً - لا المال والعين، حتّى يقتضى ثبوتها في الذّمة بأداء المجموع أو الأكثر .

أو يكون مرادهم: إنّ المثل في المثلي، والقيمة في القيمي، يكونان مسقطين للمال عن الذّمة، وإنْ كان هو الثابت في الذّمة بعد التلف وقبل الأداء.

فحينئذٍ فقَيْدُ أداء المثل في المثلي - ممن يقول بثبوت المال في الذّمة حينئذٍ، حتّى يقضي بلزوم إعطاء الأزيد، فيكون مما نحن فيه - من العام المخَصَّص بالمشتبه المصداقي المردّد بين المتباينين، ولا يجوز التمسّك به في مورد الشك، كما قررناه في محلّه (1).

ثم إنّ ما ذكرنا من كون الأصل هو الاشتغال، إنّما هو مقتضى النظر الأولي، ويُمكن منعه والقول بأنّ مقتضى النظر الدقيق الثانوي خلافه؛ لأنّ مقتضى الاحتياط - على ما ذكرنا - إمّا إعطاء الضامن المجموع، أو رفع المالك اليد عن حقّه، أو الأكثر بالأقلّ من حيث القيمة، ولا دليل على واحد منها؛ لأنّ إعطاء الضامن أزيد مما يجب عليه ضرر عليه، كما إنّ أخذه المالك - أيضاً - خلاف طبعه؛ إذ قبول الهبة منّةٌ، والطبع ينفر من قبول المنّة، فإلزامه عليه إلزام بشيء أعظم من الضرر المالي في بعض الأشخاص، وكذلك رفع المالك اليد عن حقّه.

ص: 95


1- ينظر: الروزدري، تقرير بحث المجدّد الشيرازي: 1/ 188 .

ولا ينحصر طريق التخلّص عن الحق بهذا، بل يُمكن أنْ يُقال: بعد الاشتباه يُحْضر الضامن مثل المال وقيمته، ويقبضها المالك، لا على أن يكون كل منهما ماله، بل يقبض الجميع مقدمة لقبض ماله.

وهذا - على تقدير كون الإقباض مجرّد التخلية بين المال ومالكه - لا إشكال فيه؛ إذ بالتخلية بين المالك ومجموع المثل والقيمة يصير حقّه الواقعي مقبوضاً له.

وأمّا على تقدير كون الإقباض هو إثبات يد المالك عليه، فيشكل الأمر، حيث يقول: لا أقبض إلّا حقي معيّناً، ولا أقبض المجموع حتّى يصير مالي مشتبهاً بمالك.

لكن يُمكن أن يُقال: إنّه يُجبر المالك على قبض الجميع ، وليس له الامتناع عن قبول حقّه، بل يثبتهما جميعاً تحت يده قهراً؛ لأجل حصول قبض حقه الواقعي، فإذا قبض يصير ماله مشتبهاً بمال الضامن - نظير الشركة القهرية -، فيصير مورده الصلح القهري؛ لصيرورة الشبهة - حينئذٍ - موضوعيّة لا حكميّة بخلاف قبل القبض، فإنّ الشبهة تكون حكميّة فيه؛ لعدم العلم بحكم الشارع في محلّ النزاع هل هو أداء المثل أو القيمة؛ بواسطة معلوميّة موضوع حكم الوجوب وتشخيصه . ولا يمكن تشخيصه إلا بالرجوع إلى الشارع ومن شأنه بيانه، لا أن يكون الاشتباه بواسطة الأمر الخارجي مع تماميّة ما هو من شأن الشارع، كما هو الحال بعد القبض.

فحاصل ما ذكر : إنّه لا دليل على إلزام الضامن، ولا على إلزام المالك، ولا على تخييرهما، فما ذكرنا هو أقل محذوراً من غيره.

هذا كلّه في الأصل العملي، والظاهر أنه لا شبهة فيه.

ص: 96

(في الأصل اللفظي في المثلي)

وأمّا الأصل اللفظيّ، فقد ذكرنا أنَّه قد يتمسك بعموم: «على اليد»(1)، بناءً على كون مفاده هو : ثبوت نفس الشيء المتلف في الذّمة إلى أن يحصل رضا المالك، فلا بُدَّ من تحصيل رضاه، فقد ذكرنا منع كون مفاده ذلك:

أولاً: على الوجه الذي ذكر - وعلى تقدير تسليمه - ذكرنا عدم انحصار المخصّص لهذا العموم في رضا المالك فقط، بل الإجماع قائم على عدم ثبوت الشيء في الذّمّة بعد دفع المثل في المثلي والقيمة، بل ينقل المال حين التلف إلى المثل والقيمة فالعموم مخصّص بالمجمل، فالتمسّك به في مورد الشك ليس في محلّه .

لكن قد يتراءى من بعض كلماتهم ما ينافي ما ذكرنا من الانتقال حين التلف، مثل ما ذكره بعضهم (2)من: أنّه لو تعذّر المثل في المثلي، يجب دفع قيمة يوم الأداء، وهذا يناسب مع كون الثابت هنا تلف نفس ذلك الشيء، وإلا فلا معنى لدفع قيمة يوم الأداء، بل يوم التلف، ومثلُ ما ذَكَرَ المحقّق (3) في باب الصلح من الشرائع من أنّه يجوز الصلح فيما لو تلف الثوب الذي يكون قيمته درهماً واحداً بدرهمين، وهذا لا يتم على تقدير انتقال القيمة عند التلف؛ لاستلزامه الرِّبا، فلا بُدَّ من ثبوت الثوب نفسه في الذّمة حتّى يصح الصلح .

لكن الظاهّر عدم منافاتها :

أمّا الأول فمع أنَّه لم يُقلْ به إلا نادراً، لا يكون متعيّناً في ثبوت نفس الشيء في الذّمّة، بل يحتمل أن يكون من جهة ثبوت المثل في الذّمة .

وأمّا الثاني فيمكن أن يكون من باب ثبوت المثل في الذّمة إمّا لأن المحقّق يرى الثوب مثلياً - كما قال به المحقق الثاني(4) - أو لأجل ثبوت المثل في القيمي - أيضاً - في الذّمة.

ص: 97


1- يراجع ص 53 .
2- ينظر: العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 392/5 .
3- ينظر : المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 368/2 .
4- ينظر : المحقق الكركي، جامع المقاصد : 6 / 250 .

(في شواهد كون الغاية غايةً للعهدة)

وكيف كان، فالظاهرُ من الرواية هو المعنى الذي ذكرنا من كون الغاية غاية للعهدة -التي هي عبارة عن القضيّة التعليقية ، ويشهد له بعض الأخبار، مثل قوله (علیه السلام) :«من دعا أخاه ليلاً، فأخرجه من منزله، فهو له ضامن حتّى يدخله في منزله» (1) . ونظيره خبر آخر(2).

فهذه الرواية ظاهرة في كون الإدخال - الذي يكون غاية للضمان - ليس هو الإدخال المستحيل - وهو بعد التلف -، بل الإدخال في حال حياته.

فالغاية إنّما هي بالنسبة إلى حال الحياة، لا الممات أيضاً حتّى يدل على ثبوت نفس الشيء ولو بعد التّلف.

هذا، وقد يتمسّك - لكون الضمان بالمساوي للشيء في الصفات والماليّة - بإطلاق الضمان الوارد في المغصوبات، وكذلك الأمانات المفرّط فيها .

ومن المعلوم أنَّه يكون بعضها في بيان الضمان وكيفيّته، لا أصل تشريع الضمان - لو لم نقل بكون كلّها في هذا المقام - فيُعلم من إطلاقه في هذه الموارد الاتكال على ما يكون ضماناً للشيء في العرف، ولولا ذلك لم يحسنْ منهم (علیهم السلام) الإطلاق ، ولم يحسنْ من السائل السكوت أيضاً .

(في طريقة العرف وأنها المماثلة من جميع الجهات)

فلا بُدَّ - حينئذٍ - من ملاحظة العرف، وما يجعلونه ضماناً للتالف، فيؤخذ منهم .

والظاهر من طريقة العرف هو : ملاحظتهم الماليّة والصفات معاً، لا الاقتصار على المساوي في الصفة فقط، ولا على المساوي في القيمة دون الصفة.

ص: 98


1- الكليني، الكافي : 287/7 - 288 ، باب : الرجل يقع على الرجل فيقتله ، ح 3؛ الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 4 / 117، باب: حكم الرجل يقتل الرجلين أو أكثر ، ح 5235 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 10 /221، باب : ضمان النفوس وغيرها، ح 1. (باختلاف يسير في الجميع).
2- وهو : عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال : «إذا دعا الرجل أخاه بليل، فهو له ضامن حتّى يرجع إلى بيته». الطوسي، تهذيب الأحكام 10 / 222 ، باب : ضمان النفوس وغيرها، ح2 .

والظاهر أنّه لا شبهة في كون بنائهم على ذلك عند وجود المماثل للتالف في الصفة والقيمة، بل يجعلون أنفسهم بريئي الذّمة بعد إعطائهم ما ذكرنا للمالك من دون تأمل، بل يلاحظون المساوي من جميع الجهات أولاً، ومع تعذّره فالأقرب إليه في الصفة والماليّة متدرّجاً في كلّ مرتبة.

وهذه الطريقة مخالفة - ظاهراً - لطريقة المشهور (1) ، حيث إنّهم لا يلاحظون الماليّة في بعض الموارد ، مثل : إنّهم يقولون في بيع واحدٍ من العبدين المتساويين من حيث الصفات - بعد تلفه - ثبوت القيمة لا العبد الآخر ، وكذلك حتّى إنّهم يلتزمون بالمماثل في الصفة، ولو كان أقل قيمة من التالف في زمان الأداء بمراتب، بل مع عدم ثبوت الماليّة فيه أصلاً ظاهراً، بل وردت رواية على طبق مذهبهم، فيما لو تلف--[-ت ] دراهم وروّج السلطان غيرها، حيث حكم فيها بأنّ الثابت في الذّمة هي الدراهم الأولى (2).

لكن لو كان ذلك إجماعيّاً فهو ، وإلا فلا يمكن تقليدهم، مع كون العرف على خلافهم، والرواية - على فرض صحتها - إنّما هي خاصة بموردها، وحينئذٍ فإن كان بناء العرف معلوماً فليؤخذ به، وإلا فيرجع إلى الأصول.

ومما يُمكن أن يُستدل به على ما هو الثابت في أيدي العرف ويشهد له قوله تعالى: « فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ » (3)، وقوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ

ص: 99


1- ينظر: فخر المحققين، إيضاح الفوائد : 2/ 175 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 42/5 ؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 91/4-92 .
2- وهي: كتب يونس بن عبد الرحمن إلى الرضا (علیه السلام): «إنّه كان لي على رجل عشرة دراهم، وأنّ السلطان أسقط تلك الدراهم، وجاء بدراهم أعلى من تلك الدراهم، وفي تلك الدراهم الأولى اليوم وضيعة، فأيّ شيء لي عليه الدراهم الأولى التي أسقطها السلطان، أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب: لك الدراهم الأولى». الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 3 /191 ، التجارة وآدابها وفضلها وفقهها استحباب... إلخ ، ح 3716. تهذيب الأحكام، 117/7 ، باب : بيع الواحد بالاثنين، وأكثر من ذلک ،وما يجوز منه ، ح 113 . الاستبصار: 99/3 ، باب: الرجل يكون له على غيره الدراهم فتسقط ، ح 1 .
3- سورة البقرة : 194.

فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ »(1)وغيرهما، حيث إنّ المراد ب- (المثل) فيهما ليست المماثلة في أصل الاعتداء بأن كان المراد أنه يجزي الشرّ بالشرّ، ولو لم يكن من جنسه وبمقداره، وليست المماثلة في مقدار الاعتداء ولو من غير جنسه وغير المعتدى به، بأن يكون الأمر بالإساءة بقدر الإساءة، ولو كانت غير إساءته، فلو كسر الكوز - مثلاً - اكسروا مقداراً من المال مساوياً لقيمة المكسور ، ولو كان بكسر الكأس، بل الظاهر المماثلة في خصوص المعتدى به؛ لكون لفظ (ما) في قوله: « مَا اعْتَدَى » ظاهراً في الموصولة لا المصدريّة (2) ، ولا شكّ في أنّ مفهوم المثل معيّن معلوم، وهو بالفارسية (مانند)، لكن الشكّ في متعلّقه، وأنّ المثل في أي شيء من الماليّة أو الصفة؟ ولا بُدّ من الرجوع إلى العرف في تعيين المتعلّق، لا من باب تعيين المعنى اللغوي؛ لأنَّه معلوم، بل لأجل تعيين المتعلّق، وقد عرفت طريقة العرف، وكون بنائهم على المماثلة من جميع الجهات أولاً من الماليّة والصفة، ثم إلى غيره، وهكذا، فالآية تدلّ على وجوب دفع المثل في كل مرتبة على حسبها، لا أنَّها تدلّ على المماثل من جميع الجهات فقط، وفي غيره إلى دليل آخر، مثل قاعدة الميسور وغيرها مثلاً .

فحينئذٍ تكون الآيات مع إطلاق الضمان في الأخبار مخالِفَينِ لما ذهب إليه المشهور، فلو علمنا بطريقة العرف تكون متّبعة، فلو دلّ ظنُّ بطريقتهم ، فهل يكون الظن مرجعاً - حينئذٍ - أم لا؟ والظاهر عدم دليل على حجية الظن.

(حاصل طريقة العرف في الضمان )

وحاصل الكلام في المقام أنْ يُقال:

إنّه لا شكَّ ولا ريب في أنَّ طريقة العرف في مقام الخروج عن العهدة والغرامة، هي ملاحظة المماثلة من جميع الجهات من حيث الصفات والماليّة الثابتة في التالف بأجمعها، فإن تعذّرت المماثلة الكذائية، فالأقرب إليها بعد تعذّر المرتبة المذكورة من حيث الصفة والماليّة،

ص: 100


1- سورة النحل : 126 .
2- إن جعلنا كلمة ( ما ) مصدرية غير زمانية فالمعنى : ( فاعتدوا عليه بمثل اعتدائه)، وإن جعلناها موصوله فالمعنى : ( فاعتدوا بمثل الشيء الذي اعتدى به عليكم).

وهكذا، ولا ينتقل عن مرتبة إلى لاحقها إلا بعد تعذّر المرتبة السابقة، ويطلقون المثل عليها في تلك المرتبة، لا في المرتبة السابقة، وإنْ تعذّرت المماثلة في الصفة مطلقاً ينتقل إلى المماثلة من حيث الماليّة، وتكون الغرامة عندهم بعد التعذّر.

والمطلوب هو المساوي للتالف من النقدين، والآية المذكورة - أيضاً - منطبقةٌ على هذه الطريقة بتقريب :

إنّ مدلول الآية، هي: الرخصة في الاعتداء بالمقدار المساوي والمماثل لخصوص المعتدى به فكأنّه تعالى قال: فاعتدوا في مماثل خصوص ما اعتدی به، لكن لم يكن متعلّق المثل مذكوراً ، هل هو في خصوص الصفة، أو في الماليّة، أو فيهما؟ وعدم ذكر المتعلّق قرينة على إرادة العموم في التشبيه - أي: في جميع الأشياء المقصودة في الشيء من الماليّة والصفة ، وإن كان الشيء ما يكون المقصود فيه الماليّة والصفة جميعاً، يكون الاعتداء في المماثل له فيهما، وإن كان المقصود فيه أحدها يعتبر المماثل له فيه، وبتقرير أوضح :

إنّه بعد العلم بجريان طريقة العرف على ذلك، فحينئذٍ يكون المراد من الضمان الوارد في الأخبار الواردة في المغصوبات، والأمانات المفرّط فيها، إمّا من جهة أنّ الإطلاق في مقام البيان يدلّ على أنّ المرجع في الضمان إلى العرف وأنّه أوكل في تعيين المضمون به إلى العرف، أو من جهة الطريقة الثابتة في العرف، وعند العقلاء، وهو حمل كلام المتكلّم - الذي يكون من أهله - على ما يكون ثابتاً عندهم، ولو علموا بثبوت [أحكام ](1) جديدة، واختراعات له أيضاً ، ولم يتوقفوا حتّى يصل إليهم البيان من جانبه، ولم يلتزموا بالرجوع إليه وسؤاله عن مراده باللفظ، وهذه الطريقة ثابتة عندهم، ويعملون هذه الطريقة، ويعاملون مع كلّ حاكم ورد عليهم على هذه الطريقة، إلى أن يصل إليهم ردع من جانبه، حتّى أنه لو عاقبهم على ذلك وعلى ترك السؤال يكون هذا الفعل قبيحاً عندهم، فيعاملون معه على الطريقة المذكورة، ولو لم يعلموا رضاه على ذلك.

فعلى هذا، إذا ورد دليل على الضمان من الشارع - ولو كان لبيّاً - ولم يكن له إطلاق

ص: 101


1- ما في المخطوط : (أحكامات)، والصحيح ما أثبتناه.

يعملون به - على حسب طريقتهم وديدنهم - والمفروض عدم وصول الردع من جانبه إليهم ظاهراً، فيكفي في العمل - ولو وصل البيان في الواقع أيضاً، فيكون أخبار الضمان محمولاً على ما هو المتعارف على أحد الوجهين، وكذلك المرجع في تعيين المثل المذكور في الآية إلى العرف.

فكلّما حكم العرف بكونه مماثلاً للتالف يؤخذ به في أي مرتبة، فحينئذٍ يكون المستفاد من العرف والآية مخالفاً لما هو ثابت عند الشارع في بعض المقامات، مثل: إنّهم يحكمون بكون الثوب وأمثاله قيمياً يرجع إلى القيمة، والحال أنّ العرف يحكم بضمان المثل في الصفة والماليّة لو وجد ، كذلك فيما [ لو أتلف شخص عبداً ] (1) من غيره، يحكمون بالقيمة ولو كان على ذمّة من تلف العبد منه للمتلف ولا يحكمون بالتهاتر (2) ، والحال أنّ العرف يحكمون بالتهاتر، فكذلك في غيرها من الموارد، ولم يظهر للمشهور دليلٌ على ذلك، بل الدليل على خلافه، ولا يجوز لنا تقليدهم تعبداً؛ لعدم كون قولهم دليلاً لنا.

فالْمحَكَّم على هذا هي طريقة العرف، إلا أن يكون على خلافها إجماع، والظاهر قيام الإجماع على ثبوت المثل في المثلي، والقيمة في القيمي (3).

ولو كان الضمان بالمثل بحكم العرف فلا بُدَّ من تخصيص الآية والأخبار بغير مورد الإجماع.

[إيراد ودفع]

لكن قد يقال بعدم صلاحيّة مثل هذا الإجماع للتخصيص؛ لعدم كونه إجماعاً حقيقةً؛ لأنّ نظر كل من المُجْمعين - في قولهم: إنّ المثلي فيه المثل والقيمي فيه القيمة - إلى ما يكون من مصاديق كلّ منها عنده، مثلاً بعضٌ منهم يكون مراده بالمثلي مثل الثوب، وبعض آخر إلى

ص: 102


1- وفي المخطوط هكذا : (لو تلف بشخص عبداً)، ولعل المناسب ما أثبتناه.
2- التهاتر : هو سقوط ما في ذمة أحد الشخصين للآخر لو اتفقا جنساً، أو وصفاً، أو هما معاً. ينظر : المحقق البحرانيّ الحدائق الناضرة: 17/20 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 227/2؛ الصيمري، تلخيص الخلاف: 2/ 75؛ المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 156/2 .

غيره من الذهب والفضة، ويجعل الثوب من القيمي، فلم يكونوا مجمعين على مفهوم حتّی يكون الخلاف في تعيين المفهوم ومصداقه.

والعنوان في كلام كلّ منهم في أفراد خاصة ينفيها الآخر، فلا يثمر الإجماع المذكور.

ويُمكن دفعُه بعدم تسليم كون الإجماع على المصاديق، وعلى العنوان المنتزع منها، بل الظاهر أنّ الإجماع على عنوان عام، وخلافهم في تعيين ذلك المعنى، كما يشهد بذلك كلماتهم. واختلاف التعريفات إنّما هو من جهة القصور، وسوء التأدية عن المقصود، وكلٌّ منهم يريد التعبير عما يكون ثابتاً بالإجماع وتحديده، غاية الأمر كون التأدية قاصرة عن إفادة المعنى القطعي بدليل النقض على كلّ من التعريفات بعدم كونه مطَّرداً ومنعكساً.

ولو لم يكن الأمر كما ذكرنا لما كان وجه لهذا الإيراد؛ لتعريف كلٍّ ما هو ثابت عنده ومختاراً لديه، فيكون حالها كحال الأقوال المختلفة، ولم يعترض على قول من الأقوال في المسألة بعدم طرده وعكسه، وهذا يكشف عما ذكرنا من كون الإجماع على العنوان، والنزاع في تعيين مصاديقه، فإذا ثبت الإجماع على هذين العنوانين، فتكون الآية مُخصَّصَة به.

لكنّ المخصّص مجمل مفهوماً، مردّدٌ بين الأقل - وهي المصاديق الإجماعية لكلٍّ من العنوانين-، والأكثر -وهو غيرها-، فيرفع اليد عن عموم الآية في المتيقن- وهو القدر الإجماعي -ويرجع في موارد الشك إلى عموم الآية والطريقة العرفية؛ لما تحقق في محلّه(1) من جواز التمسّك بعموم العام في العام المخصّص بالمجمل المفهومي في مورد الشك .

وخلاف المشهور مع العرف - في الموارد التي ذكرنا وغيرها - إنّما هو من جهة ملاحظة الأفراد الغالبة، وعدم الاعتناء بالمواضع النادرة؛ لكون الغالب في الثوب، والحيوان، وأمثالهما كون أفرادها مختلفة.

ص: 103


1- ينظر: الروزدري، تقرير بحث المجدّد الشيرازي: 369/1 .

(التحقيق في المقام )

هذا كله مقتضى النظر الأولي، ولكن النظر الدقيق يقتضي خلاف ذلك، والتحقيق الحقيق بالقبول أنْ يُقال بعدم المخالفة بين طريقة العرف والمشهور، والمجمع عليه، بل الإجماع في المقامين ناشئ عما هو ثابت في العرف ومقتضى الآية، وتوضيحه أنْ يُقال:

إنا نسلّم كون طريقة العرف جارية على كون الضمان بالمماثل في الصفة والماليّة، لكنّه مع علمهم بالمماثلة في جميع الجهات، أمّا مع عدم العلم بها ، كما في الأشياء التي يكون ظاهرها وباطنها مختلفاً كالحيوانات، فإنّها وإن كانت مماثلة في الصفات مع التالف ظاهراً، لكن يحتمل عندهم أن يكون في باطنه مرضٌ كمرض الكبد، فبواسطة مثل هذا الاحتمال لا يُقْدمون على أخذه في مقام الغرامة، بل يحكمون بضمان القيمة، فالضمان عندهم بالمماثل في الصفات لو وُجِد، ولو لم يكن مساوياً في الماليّة مع التالف، حتّى لو لم يكن له ماليّة - أيضاً - كالثلج في زمان الشتاء، ولو لم يوجد عندهم مماثل يقطعون بكونه المماثل حقيقة، ينصرف الضمان عندهم إلى القيمة، ويسمونها: (مماثلةً) في هذه المرتبة.

والآية - أيضاً لا تدل على أزيد من إعطاء المماثل، والمثليّةُ ليست إلا باعتبار الأشياء المقصودة في الشيء، وقد يكون المقصود من الشيء هي الصفات الخاصة دون الماليّة.

فالمماثل في هذه المرتبة هو : المساوي في الصفة دون الماليّة، وقد يكون المقصود هي الماليّة، والمثل في هذا القسم عند العرف هي الماليّة ولو من جهة عدم علمهم بالمساواة من حيث الصفة.

فحينئذٍ يكون المماثل عند العرف في أمثال الحيوانات هي القيمة، وفي غيرها مما لا يكون له ظاهر وباطن، ويعلم باتحاد الصفات بكون المماثل هو المساوي في الصفة، وحينئذٍ تنطبق الآية مع العرف.

ويمكن أنْ تكون الآية مدرك المُجمعين في كلا الإجماعين؛ لعدم شيء آخر غير الآية حتّى يكون مدركهم في حكمهم، ويشهد لذلك استدلال بعض الأساطين (1)بالآية في كلا

ص: 104


1- ينظر : الطوسي، الخلاف: 3 / 402 و 406 .

المقامين، وحينئذٍ لا يُعلم مخالفة المشهور أيضاً.

أمّا في الثلج في زمان الشتاء، فلا يبعد - على ما ذكرنا - ثبوت طريقة العرف على كون الضمان فيه هو نفس الثلج لا قيمته؛ لأنَّه مماثل للثلج ولو سقط عن الماليّة، وأمّا تلف العبد، فلا يعلم حكم المشهور فيه بضمان القيمة، مع أنَّه - على تقدير حكمهم بالقيمة - يمكن كون حكم العرف - أيضاً - على ذلك.

[بيان في عدّ المنسوجات والعملات النقدية من المثليات ]

بقي الإشكال في مثل الثوب - وأمثاله من المنسوجات من مال القماش - الذي يكون أبعاضه وأجزاؤه متساوية، فإنَّ المشهور (1) حكموا بالقيمة، والعرف لا يحكم بالقيمة يقيناً، وليست القيمة مماثلة للثوب؛ لأنّ الصفة المقصودة فيه ليست هي الماليّة فقط .

وحينئذٍ لا يبعد الأخذ بالآية، والعرف، ومخالفة المشهور، خصوصاً مع فتوى جماعة (2) بكونه مثلياً، ومنهم المحقق الثاني (3)؛ لأنَّ قولَه ليس مخصوصاً بالثوب فقط، مع أنَّه لا يضرّ مخالفة المشهور في المصداق، وتخطئتهم في مصداق واحد مع الاتفاق في المفهوم كما عرفته، والخطأ في المصداق ليس ببعيد منهم؛ حيث إنّ بعضهم يفرّق بين الذهب، والفضّة، والنّحاس، مع القطع بعدم الفرق بينها، على أنَّه يمكن أن يكون نظر المشهور - أيضاً - في المنسوجات التي كانت بعمل اليد، كما كان في قديم الزمان حيث إنّها مختلفة الأبعاض، لا في مثل المنسوجات القماشية المعمولة بالمكينة التي لم تكن في الأزمنة القديمة.

ومثل الثوب - في كونه مثلياً - الدرهم، والدينار ، والمسكوكانُ؛ عملاً بمقتضى الرواية، فهما مثل أصلهما من الذهب والفضة، وهذا - أيضاً - يشهد بما ذكرنا في الثلج وأمثاله ممّا يكون قيمتها أقل من التالف، هذا ما حققه السيد المحقق الأستاذ (دام ظلّه العالي).

ص: 105


1- ينظر: الطوسي، الخلاف : 300/3؛ الطبرسي، المؤتلف في المختلف: 577/1؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء : 387/11 .
2- ينظر: الطوسي، المبسوط : 3 /69 -70؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 536/4- 537؛ الشهيد الأول، الدروس الشرعيّة : 3/ 118 .
3- ينظر : المحقق الكركي، جامع المقاصد: 6 / 250 .

[الإشكال على البيان المتقدم]

لكن تسليمه مُشكل غاية الإشكال؛ إذ على فرض جريان طريقة العرف على ذلك، فتطبيق الآية عليها مُشكل؛ إذ مقتضى ما ذكر كون القيمة مثلاً للحيوان التالف، وهو بعيدٌ غاية البُعد.

ويُمكن أن يكون مدرك المُجمعين هي الأخبار الخاصة، الواردة بضمان القيميات كالحيوان، والسفرة الملتقطة، وغير ذلك في أبواب الضمانات.

ويمكن أن يكون قول المشهور بقيميّة الثوب من جهة الرواية (1)الواردة في السفرة؛ لعدم الفرق بين السفرة وغيرها من المنسوجات، هذا تمام الكلام في هذا الفرع.

[ الكلام في تعذّر المثل في المثلي]

ومنها: إنّه لو تعذّر المثل في المثلي - أي عدم وجوده إلا بأزيد من ثمن المثل - فله صورتان .

الأولى: أن تكون زيادة ثمن المثل بسبب الزيادة السوقية، ففي هذه الصورة لا شبهة في وجوب الشراء؛ لكون الثابت في الذّمة هو المثل، فيجب دفعه، وليست الزيادة - أيضاً - من ثمن المثل حقيقةً، بل بالنسبة إلى قيمته يوم التلف، وتردّدُ العلّامة في قواعد الأحكام(2) - أيضاً - ليس في هذه الصورة؛ لكون الحكم فيها واضحاً.

والثانية أن تكون زيادة القيمة ليست بسبب زيادة القيمة السوقية، بل لعدم وجود المثل إلا عند من لا يشتريه (3) إلا بالأزيد من ثمن المثل؛ إمّا لأجل العناد، أو لغيره.

ص: 106


1- وهي: عن السكوني، عن أبي عبد الله : (علیه السلام) إن أمير المؤمنين (علیه السلام) سُئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها، وخبزها، وبيضها، وجبنها، وفيها سكين، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): يقوَّم ما فيها ثم يؤكل؛ لأنَّه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل: يا أمير المؤمنين، لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي ؟ فقال: «هم في سعة حتّى يعلموا». الكافي: 297/6 ، باب نوادر ، ح 2 .
2- ينظر: العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 454/2 .
3- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (لا يبيعه).

(في معارضة قاعدة الضرر لقاعدة السلطنة)

قد يُقال : إنّ مقتضى القاعدة وجوب الشراء؛ لأنّ الثابت في الذّمة هو المثل، ولا ينتقل منه إلا بعد تعذّره بالمرّة، ولقوله [علیه السلام] : «الناس مسلّطون على أموالهم»(1).

والتمسّك بدليل نفي الضرر ؛ لعدم وجوب الشراء، معارضٌ بمثله؛ إذ كما أنّ وجوب الشراء ضرر، كذلك عدم سلطنة المالك على أخذ المثل وإعطاؤه القيمة ضرر على المالك، فيكون دليل نفي الضرر في طرف الضامن معارضاً به في طرف المالك، فيتساقطان، فتبقى رواية السلطنة سليمة عن المعارض.

لكن يمكن أن يُقال في دفعه: إِنَّ الضررين الثابتين في الطرفين لم يكونا متساويين، بل الضرر اللازم على الضامن أزيد مما يلزم على المشتري؛ إذ اللازم - إمّا أخذ القيمة، أو صبره إلى أن يوجد المثل بثمن المثل.

ولو سُلّم كونهما ضررين، لكن ليسا بقدر ضرر الضامن؛ إذ قد يكون الضرر الثابت عليه ألف دينار، فما يكون منه مساوياً لضرر المالك يكون معارضاً به، وأمّا الزائد عليه يكون ضرراً بلا مزاحم فينفيه دليل نفي الضرر؛ لعدم بناء الشارع على جعل ما يكون فيه الضرر الكثير؛ بسبب ورود الضرر القليل على غيره، بل ينعكس فيكون دليل نفي الضرر بالنسبة إلى الضرر الزائد معارضاً لدليل السلطنة وحاكماً عليه.

فإِنْ قلت: إنّ أدلّة التكاليف تكون حاكمةً على أدلّة الضرر في التكاليف الضرريّة، كما في الوضوء بالنسبة إلى عدم وجدان الماء إلا بأزيد من ثمن المثل، وقد حكموا بوجوب الشراء من جهة دليل الوضوء ، وتقديمه على دليل نفي الضرر، وكذا في غيره من التكاليف.

قلتُ: إنّ أدلّة التكاليف حالها مختلفة بالنسبة إلى الضرر، ودليل الوضوء - مثلاً - يكون نصاً بالنسبة إلى مرتبة خاصة من الضرر - وهو الضرر الثابت في الوضوء دائماً أو غالباً - فيكون مقدّماً على دليل الضرر؛ لكونه نصاً في ارتكاب الضرر، ودليلُ نفي الضرر ظاهرٌ في نفيه من جهة عمومه، وظاهرٌ في مرتبة أخرى - وهي الزائدة على المرتبة المذكورة النادرة فيه -

ص: 107


1- ابن أبي جمهور ، عوالي اللآلئ : 1/ 222 ح99.

مثل : اشتراء ماء الوضوء بمئة دينار مثلاً، فيدل دليل الوضوء بإطلاقه على وجوب تحمل الضرر ، ووجوب الشراء بهذا المقدار وأزيد منه.

لكن دليل الضرر يكون حاكماً عليه، ونافياً له، ومقدّماً عليه كما أنَّه يكون حاكماً على سائر أدلّة التكاليف في غير ما يكون نصاً بالنسبة؛ ولذا ذكرنا في باب الوضوء : إنَّ وجوب الشراء بالثمن الكثير إنّما هو مخالف للقاعدة ؛ لأجل الرواية الخاصة (1)، لا على وفق القاعدة، ففي ما نحن فيه أيضاً. نقول:

إنَّ دليل السلطنة يكون مقدّماً على دليل نفي الضرر ، بالنسبة إلى الضرر القليل، وهو دفع القيمة مثلاً، وأمّا بالنسبة إلى الضرر الزائد يكون دليل الضرر حاكماً عليه.

فمقتضى ما ذكر عدم وجوب الشراء بأزيد من ثمن المثل، ولعل نظر العلّامة (قُدِّسَ سِرُّهُ)(2) إلى ذلك؛ حيث تردد في وجوب الشراء، بل يُمكن أن يُقال بعدم ثبوت الضرر على المالك؛ إذ الانتقال إلى القيمة ليس ضرراً عرفاً حتّى يشمله دليل نفي الضرر، فيكون نفي الضرر في جانب الضامن حاكماً على دليل السلطنة، كما أنَّهم يتمسكون في كثير من الخيارات بنفي الضرر ، والحال أنّ مقتضى دليل السلطنة - هنا - عدم ثبوت الخيار؛ لأنّ الخيار للمشتري يكون موجباً لرفع سلطنة البائع على ملكه وليس حكمهم ب ثبوت الخيار إلا من جهة تحكيم أدلّة نفي الضرر على دليل السلطنة.

ولو كان الانتقال إلى القيمة ضرراً معارضاً بالضرر الثابت في جانب الضامن، فلا بُدَّ أنْ لا يحكموا بالخيار هنا؛ لعدم الفرق بين ما نحن فيه، وبين الخيار إلا من جهة أن الخيار الثابت من دليل الضرر يُوجب جواز العقد وجواز فسخه ثَمَّةَ، بخلافه هنا؛ فإنَّ الضرر يوجب رفع اليد عن المثل والانتقال إلى القيمة، وهذا المقدار لا يوجب الفرق بينهما، بل فسخ

ص: 108


1- وهي: عن الحسين بن أبي طلحة قال: «سألت عبداً صالحاً في قوله تعالى: « أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا » [النساء : 43] ما حدّ ذلك، فإن لم تجدوا بشراء، أو بغير شراء، إن وجد قدر وضوء بمئة ألف، أو بألف وكم بلغ ؟ قال : ذلك على قدر جدته». العياشي، تفسير العياشي: 1/ 244 ح 146 .
2- قطع العلّامة الحلي بوجوب الشراء مع القدرة عليه في تذكرة الفقهاء: 163/2، وفي قواعد الأحكام: 1/ 237 ، منتهى المطلب : 3/ 13 و ما بعدها ، بل في المنتهى حكم بالشراء وإن كان الثمن زائداً على المثل.

العقد أشدّ من الانتقال إلى القيمة، والحال أنهم يقدّمون دليل الضرر على دليل السلطنة، ولا يقولون ثَمَّةَ بثبوت الضرر في طرف البائع، ففيما نحن فيه أيضاً؛ لما كان اشتراء(1)بالأزيد ضرراً على الضامن يكون مقدماً على دليل السلطنة، فلا يجب الشراء.

(صور تعذّر المثل )

ومنها: إنّه لو تعدّر المثل في المثلي، فلو طالب المالك [ب-]-ماله - وهو المثل - فحينئذٍ مقتضى الجمع بين حق المالك - حيث إن منعه عن ماله ظلم عليه - وبين حق الضامن - حيث إنّ تكليفه بأداء المثل تكليف بما لايطاق - هو الانتقال إلى القيمة بعد المطالبة.

لكن يمكن أن يُقال: إن تعذّر المثل لا يُوجب الإضرار على الغير، بل يصبر حتّى يُوجد المثل، والتعذّر ليس مستنداً إليه حتّى يكون ذلك موجباً لإضرار الضامن

لكن الظاهر من العلماء (2)، بل لا يبعد قيام الإجماع على وجوب دفع القيمة في صورة المطالبة.

وأمّا لو لم يطالب المالك، فهل يكون للضامن إلزام المالك على أخذ القيمة، حيث إنّ اشتغال ذمته بمال الغير ضرر عليه - أم لا؟

والظاهر عدم جواز الالزام بمجرّد ذلك، إلا أنْ يدل دليل على انتقال الحق حين التعذّر إلى القيمة فيجوز .

ص: 109


1- كذا في المخطوط، والأنسب: (الاشتراء).
2- ينظر: الطوسي، الخلاف : 395/3 ؛ الحلبي غنية النزوع: 278؛ الطبرسي، المؤتلف من المختلف 1 /615.

(في أنَّه هل الانتقال إلى القيمة بمجرد التعذّر أم لا؟)

ثم إنّه هل يصير المثلُ منقلباً إلى القيمة بمجرد التعذّر أم لا؟

وحيث إنَّه لم يرد دليل خاص في هذا المورد، فلا بُدَّ من الرجوع إلى القواعد والأصول اللفظيّة والعمليّة :

أمّا الأصل العملي، فليس في المقام شيء منها ، والقول (1) بجريان الاستصحاب هنا؛ لأنّ المثل ثابت في الذّمة قبل التعذّر ، فيستصحب، فلا تكون القيمة متعيّنة مدفوعٌ؛ بأن ثبوت المثل في السابق وإن كان متعيّناً لكن لم يعلم أنّه من جهة خصوصيّة، أو من جهة أنّه أحد مصاديق كلّي المثل، بأن تكون الذّمة مشغولة عند التلف بكلّي المماثل، وله أفراد ومصاديق بحسب الحالات والأزمان ، ومع وجود المماثل من جميع الجهات يكون الكلّي متعيّناً فيه، وبعد تعذّره يتعين في مصداق آخر له، وهي القيمة .

وإنْ كان [من] الأول [ف-] يمكن الاستصحاب، وإنْ كان من الثاني فلا يُمكن الاستصحاب؛ للقطع بعدم ثبوته؛ ولقيام مصداق آخر مقامه، وحينئذٍ يكون الموضوع مشكوك البقاء بعد التعذّر ، فلا يُمكن إثبات التعذّر به.

وأمّا الأصول اللفظيّة :

فمنها: الأخبار الواردة في أبواب الضمان الحاكمة بالضمان بملاحظة طريقة العرف، فهي - أيضاً - لا تثمر في المقام؛ لأنّ المعلوم من طريقة العرف هو أخذ القيمة في حال التعذّر، لكن لم يُعلم كونه من جهة كون المثل في حال التعذّر هي القيمة، وأنّها من جهة كونها من أحد مصاديق المماثل.

وبعبارة أخرى: كونها قيمة العين التالفة، أو أنها قيمة المثل الثابتة في هذه الحالة أيضاً.

ومنها: قوله تعالى: « فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(2)،

ص: 110


1- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 37/ 95 .
2- سورة البقرة : 194 .

وإنْ كان المراد منه هي الرخصة في الاعتداء بالمماثل؛ حين الاعتداء لخصوصيّةٍ يكون المثل باقياً في الذّمة بعد التعذّر، وتكون القيمة قيمة المثل، وكذلك إذا كانت الآية مسوقة لتشريع الضمان بالمثل على سبيل الإهمال - فحينئذٍ - أيضاً يكون الثابت في الذّمة هو المثل الجامع للصفات، فالقيمة أيضاً قيمة للمثل وحاصل الكلام في الآية إنّها تحتمل وجوهاً:

الأول: أن يكون الأمر بالاعتداء بالمماثل منحلّاً إلى أوامر عديدة، نظير التخيير الشرعي في كل حالة من الحالات يكون أمر مستقل بشيء، مثلاً حالة وجود المماثل في الصفة والماليّة يكون أمر مستقل آخر بمماثله في الماليّة، ومقتضى هذا الوجه هو الانتقال إلى قيمة العين بعد التعذّر.

والثاني: أن يكون الأمر واحداً، لكن تعلّق على كلّي المثل، ويكون له أفراد كثيرة، ومن أفراده القيمة حال التعذّر ، ولكن الأفراد مقدّمٌ بعضها على بعض من حيث المرتبة، ولازم هذا الوجه - أيضاً - الانتقال إلى القيمة .

ودعوى أنه وإنْ كان الأمر بالكلّي الذي تكون القيمة من أفراده في حال التعذّر، لكن الأمر به إنّما هو بملاحظة حال المالك والإرفاق به، فلا يجوز للضامن إلزامه بأخذ القيمة بعد التعذّر ولو كان الأمر بالكلّي؛ لأنّ الحكمة والعلّة في الأمر به هو الإرفاق به، وليس هو في هذا الفرض مدفوعةٌ:

أولاً : بعدم تسليم كون الإرفاق حكمة وعلّة.

وثانياً: إنه لو سلمنا ذلك، لكن لا نسلّم لزوم ثبوت الحكمة في جميع الموارد.

والثالث: أن يكون المثل مطلقاً من دون تقييده بخصوص حال، ومن دون تعميمه، لكن ندّعي كون المراد من المطلق خصوص المثل في حال الوجود، إمّا بدعوى انصراف المثل إلى خصوصه؛ لكونه أقوى في المثليّة من غيره، أو من جهة أنّ المتبادر من نظائر الآية هو المثل في زمان وجود السبب لا غيره، مثلاً : لو قال المولى لعبده: لو فعل زيد كذا فأعطه أجرة أمثاله، أو أخلعه خلعة أمثاله. وكان زيد مختلف الحال بالنسبة إلى زمان العمل، وزمان

ص: 111

الإعطاء والتخليع بالنسبة إلى الفقر والفناء (1)، فيتبادر منه وجوب ملاحظة أمثاله في حال إيجاده العمل، فكذلك في الآية، فإنه يتبادر منه وجوب دفع المماثل حين الاعتداء لا المماثل حين التعذّر وهي القيمة، بل يُمكن ترجيح هذا الاحتمال لو فرضنا كون الاحتمالات متساوية؛ بملاحظة كون الإعطاء في المثال والاعتداء بالمماثل جزاءً للعمل والاعتداء، فلا بُدَّ من ملاحظة الفعل والسبب، فيكون الثابت في الذّمة هو المثل من حيث الصفة والماليّة من حيث خصوصيته لا من حيث كونه فرداً للكلّي، ولازمه عدم الانتقال إلى القيمة قهراً بدون المطالبة.

إلا أَنْ يُقال: إنّه ولو كان المستفاد منها ثبوت المثل في الصفة والماليّة من حيث الخصوصيّة، لكنه من باب تعدّد المطلوب، فالمثل مطلوب، والخصوصيّة مطلوبة أخرى، وبعد التعذّر تبقى مطلوبيّة المثل بحالها ولو كانت الخصوصية منتفية، لكن هذا القول بعيد جداً؛ إذ ليس المثل إلا شيئاً خاصاً، وليس مركباً من شيئين حتّى يتصور فيه تعدّد المطلوب.

فإنْ قلنا بالاحتمال الأول والثاني، يكون اللازم ثبوت القيمة في الذّمة بمجرّد تعذّر المثل - إن قلنا إنَّ القيمة من مصاديق المثل - لكن عند تعذّر المثل في الصفة والماليّة معاً، فحينئذٍ يجوز للمالك إلزام الضامن بدفع القيمة، وكذا بالعكس.

وإنْ قلنا بالاحتمال الثالث إما من جهة انصراف لفظ (المثل) إلى المماثل في الصفة والماليّة، أو من جهة تبادر المثل في حال وجود السبب من مثل الآية من القضايا الشرطية، أو من جهة عدم كون القيمة مثلاً يكون اللازم ثبوت المثل في الذّمة حتّى في حال التعذّر؛ بمقتضى الآية الشريفة، فيكون أخذ المالك القيمة من قبيل الإسقاط؛ لا لأنَّه أخذ الحقّ.

لكن إذا شككنا في المراد من الآية والمفاد منها هل هو أيّ الاحتمالات؟ فيصير اللفظ مجملاً بالنسبة إلى حال التعذّر ، فلا بُدَّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة أو اللفظيّة.

فلو بنينا على الاحتمال الثالث، وقلنا بكون الثابت في الذّمة هو المماثل في الصفة والماليّة ولو بعد التعذّر ، فهل للمالك مطالبة الضامن بالقيمة مطلقاً، أو ليس له ذلك مطلقاً، أو يفصّل

ص: 112


1- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (الغناء).

بين كون الضامن غاصباً أم لا ؛ لجواز المطالبة في الأول دون الثاني، أو يفصل بين صورة تعذّر المثل إلى زمان قليلٍ وبين أنْ [ يكون] التعذّر إلى الأبد بجواز المطالبة في الثاني دون الأول؟

قد يُقال: إنَّ الأنسب بالقواعد هو الجواز مطلقاً؛ لاقتضائه الجمع بين حقّ المالك؛ حيث إنَّ منعه عن ماله ظلمٌ عليه، وحق الضامن؛ حيث إنّه لا يجوز تكليفه بأداء المتعذّر؛ إذ هو تكليف بما لا يُطاق؛ ولأنَّ مال المالك يشتمل على خصوصيّة - وهي: الصفة والماليّة - والمالك بعدما رفع اليد عن خصوصية ماله لا وجه لمنعه عن ماله من حيث ماليّته.

لكن قد يقال في دفعه: إنّ الأوجه هو التفصيل بين صورة التعذّر المطلق، وبين التعذّر إلى أمد قليل؛ بعدم جواز الإلزام في الثاني دون الأول:

أمّا عدم جواز الإلزام في الثاني؛ فلأنّ حقّه إنّما هو الشيء الخاص لا القيمة، ولا يجوز مطالبة القيمة ؛ لعدم كونها ماله ، ولا يجوز مطالبة المثل فعلاً؛ للتعدّر، والتعذّر ليس مستنداً إلى الضامن حتّى يرجع المالك إليه ويغرمه بالقيمة، ولا يجوز إضرار الغير؛ بسبب دفع الضرر ، مع أنّ الضرر شيء عرفيٌّ ، ولا يكون التأخر إلى مدّة قليلة ضرراً عرفاً.

كيف، ولو كان كذلك، لجاز مطالبته بالقيمة في غير صورة وجود المثل من بلد آخر لا يمكن إتيانه في البلد الذي يطالب المالك إلا في مدة والحال أنّه لا يجوز له المطالبة بالقيمة، مع أنّ مقتضى سلطنة الضامن على ماله - وهي القيمة - عدم جواز أخذه من المالك، وكذلك مقتضى عدم حِلِّ أكل مال الغير إلا بطيب نفسه، ذلك.

وأمّا جواز الإلزام في صورة التعذّر المطلق؛ فلأنّ عدم جواز أخذ القيمة - حينئذٍ - لا يكون ظلماً على المالك، وأكلاً لماله بالباطل، وهو مقتضى حرمة مال المسلم، وعدم جواز هدريته.

لكن الحقّ عدم التفصيل، وجواز إلزام المالك بدفع القيمة مطلقاً - ولو قلنا بأنّ الثابت في ذمة الضامن هو المماثل في الصفة والماليّة لا غير كما هو الفرض - لوجهين :

الأول: قضاء سلطنة المالك على ماله بذلك، ولو كان ماله هو المثل خاصة؛ لأنّ مقتضى دليل السلطنة هو جواز أخذ المالك ماله بأي نحو يمكن أخذه، ووجوب أداء ماله إليه،

ص: 113

وأخذ المال وأداؤه يختلفان باختلاف الأحوال والأزمان عرفاً، فأداء المال في حالة وزمان بدفع نفس المال بخصوصيّة، وفي حالة أخرى بدفع ماليّته.

ولا يذهب عليك أنّ ما ذُكِر خروجٌ عن الفرض، ويكون مبنياً على انتقال حق المالك حين التعذّر إلى القيمة؛ لأنّ السلطنة إنّما تكون على المال، ولا تصير القيمة مالاً للمالك دون خصوص المثل إلا بعد كون الثابت في الذّمة منتقلاً - حينئذٍ - إلى القيمة حتّى يحكم دليل السلطنة بوجوب أخذها؛ لأنا لا نقول بالانتقال أصلاً، بل الثابت في الذّمة حين التعذّر - أيضاً - ليس إلا المثل، لكن نقول باختلاف طريق أدائه باختلاف الحالات، ففي حين وجود المثل لا يتحقق أداؤه إلا بأداء نفسه لخصوصيّة، وفي حال تعذّره لا يكون طريق أداؤه إلا بدفع ماليّته؛ لتعذّر نفسه، وذلك بحكم العرف والعقلاء؛ حيث إنَّ بناءهم في باب الغرامات بأخذ نفس المال مع وجوده، وجعلهم أخذه في هذه الحالة مصداقاً من مصاديق أداء الشيء، وأخذ ماليّته - أي: قيمته - عند تعذّره ، وهذا مصداق اضطراريّ لكلّي الأداء عندهم من غير فرق عندهم بين التعذّر إلى زمان أو إلى الأبد، نظير حكم العقلاء في باب الإطاعة وطريقها، حيث إنّه في حال التمكن من العلم التفصيلي هو الإتيان به على نحو العلم التفصيلي، ومع التعذّر من العلم التفصيلي يكون طريق الإطاعة هو الإتيان به إجمالاً، والاحتياط فيه، وإن لم يتمكن من الاحتياط أيضاً - يكون المتعين هو الإتيان به ظناً، وإلا الإتيان به احتمالاً، ولا يجوز الانتقال من مرتبة إلى أخرى إلا بعد تعذّر السابقة.

ففي كلٍّ من المراتب يكون شيء لا يجوز التعدي عنه إلى غيره، ورفع اليد عنه، فكذلك يحكمون في باب الغرامات بمثل ذلك، والدليل على جواز أخذ القيمة - حينئذٍ - هو بناء العرف على ذلك.

ولا يُمكن القول بأن سلطنة الضامن على ماله تعارض هذه السلطنة؛ لأنّ سلطنة المالك تنفي سلطنته قهراً؛ لأنّ مقتضاها عدم ثبوت الاختيار له حينئذٍ.

والثاني من الوجهين: لزوم الضرر على المالك؛ لأنّ حكم الشارع بعدم جواز مطالبة المالك بالقيمة حكم ضرري منفي بدليل نفي الضرر، ودليل الضرر حاكم على دليل السلطنة، على فرض ثبوت السلطنة للضامن ؛ بسبب عدم ثبوت السلطنة للمالك، من غير

ص: 114

جهة دليل الضرر ، مضافاً إلى قيام الإجماع ظاهراً على جواز المطالبة مطلقاً.

لكن يُمكن أن يُقال بمنع جريان دليل السلطنة - بالنسبة إلى أخذ القيمة - من جهة أنّ مفاده ليس إلا عدم مهجوريّة المالك بالنسبة إلى المال مثل غيره، والمال المستقر في الذّمة ليس إلا المثل، وهو مهجور عنه من جانب الله تعالى، والقيمة لم تكن ماله حتّى يكون مسلّطاً عليها.

وليس المثل مركباً من جزئين، بل شيء خاص جزئي لا يكون قابلاً للتجزئة، وإلا يجوز للمالك المطالبة بالقيمة مع وجود المثل في البلد الآخر ، ولا يمكن نقله إلى بلد المالك إلا بعد مضيّ مدّة، ومنع جريان الضرر أيضاً؛ إذ المدار في الضرر، العرف ولا يعدّ التأخر إلى أجل ضرراً عرفاً، فافهم.

[حكم الاحتمالات في المسألة]

ثم اعلم إنّ في المسألة احتمالات ووجوهاً، ترتقي إلى ثلاثة عشر من حيث المفهوم، لكن الاحتمالات المتباينة بحسب المفهوم والمصداق لا تزيد على سبعة، واحد منها مختار المشهور من الخاصة، وباقي الاحتمالات اختار بعضها بعض الخاصة، وبعضها الآخر محكيٌّ عن الشافعيّة، وأكثر الاحتمالات مذكورةٌ في القواعد (1).

وتفصيلها أنْ يُقال: إنّه بعدما بنينا على ثبوت المثل في الذّمة بعد تلف العين في المثلي فبعدما تعذّر المثل وأعوز :

فإمّا أن نقول بثبوت المثل بعد الإعواز - أيضاً - فالرجوع إلى القيمة حينئذٍ من باب إسقاط المثل بالقيمة، فيلزم دفع قيمة يوم الإسقاط.

وإما أن نقول بانتقال الثابت في الذّمة إلى القيمة، بأن يصير قيمياً - حينئذٍ - إمّا بانتقال المثل إلى القيمة من جهة أنّ الثابت في الذّمة بعد تلف العين هو المثل، فبعد إعوازه يصير حاله حال القيمي، بمعنى انتقاله إلى القيمة فعلاً عند الإعواز لا أصله؛ لأنّ المثل قيمي من أوّل

ص: 115


1- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 227/2 - 228 .

زمان تلف العين؛ لأنّ الثابت في الذّمة في المثلي بعد تلف العين ليس المثل الخاص، بل يكون الثابت كلّي المثل، ومن المعلوم إنّ كون كلّي المثل قيمياً من أول الأمر؛ لعدم المثل لكلّي المثل، فالمثل إذا تعذّر يجب دفع القيمة؛ لأنّ المتعذّر المثل بخصوصيته لا ماليّته، فيجب دفع ماليّته.

أو بانتقال العين إلى القيمة حين التعدّر ؛ بدعوى أنَّه بمجرّد إثبات اليد على العين تثبت قيمة العين في الذّمة، لكن يكون مراعى بعدم ردّ العين أو المثل، فإن حصل ردُّ أحدهما تسقط القيمة، وإلا تكون باقية في الذّمة، فعند تلف المثل وزمان الإعواز ينجز الأمر بالقيمة.

ويشهد له - أيضاً - التقريب الذي ذكرنا سابقاً (1) للآية؛ حيث إنَّ المُرَخص بمقتضى الآية هو الاعتداء بالمماثل، والمماثل في زمان الإعواز هى القيمة، أو بانتقال القدر المشترك بين العين والمثل إلى القيمة، وهو الجنس الثابت في كلّ من النوعين، كالحنطة المشتركة في كلّ من نوعي الحنطة بدعوى أنه بمجرّد إثبات اليد على العين يثبت القدر المشترك في الذّمة إلى زمان الإعواز، فحينئذٍ ينتقل ذلك إلى القيمة .

وعلى كل من التقادير الثلاثة المذكورة: إمّا أن نقول : يكون المدار في القيمي على القيمة في يوم الضمان، أو على القيمة في يوم التلف، أو على أعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف، فيحصل من ضرب كل من هذه الثلاثة في الثلاثة الأول احتمالاتٌ تسعة، فيومُ الضمان في المغصوب يومُ الغصب، ويومُ تلفه يوم تلفه، ويومُ الضمان في المثل - أيضاً - هو زمان تلف العين، وزمان تلفه زمان إعوازه، وهو زمان تلف القدر المشترك أيضاً. كما أنَّ زمان ضمان المغصوب زمان ضمان القدر المشترك أيضا.

وهنا احتمالاتٌ أُخر:

أحدها: إنَّ المدار على القيمة في زمان دفع القيمة، وإليه ذهب المشهور (2).

وثانيها: اعتبار أعلى القيم من زمان ضمان العين إلى زمان الدفع.

ص: 116


1- يراجع ص 109 .
2- ينظر: الطوسي، المبسوط : 395/3؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 104/2؛ المحقق الكرکی،جامع المقاصد: 25/5 .

وثالثها اعتبار أعلى القيم من زمان تلف العين إلى زمان الدفع.

فصارت الوجوه اثني عشر، لكن الاحتمالات المتباينة بحسب المصداق ثمانية:

الأول والثاني والثالث هي الوجوه المتصوّرة - بناءً على قيمة المثل - من ملاحظة القيمة يوم الضمان، أو يوم التلف، أو الأعلى منه إليه.

والرابع والخامس: هما الاحتمالان المتصوران - بناءً على صيرورة العين قيمية - وهما ملاحظة القيمة في يوم ضمان العين والأعلى منه إلى يوم التلف، وأما بناءً على كون المعتبر قيمة يوم التلف [ف-] يتحد هذا الاحتمال مع احتمال يوم التلف في المثل؛ لأنّ المراد بيوم التلف، هو اليوم الذي يسقط العين ومماثلها عن الذّمة ، وينتقل إلى القيمة، وهو ليس إلا يوم إعواز المثل؛ لأنّ العين في هذا الزمان تنتقل إلى القيمة لا قبله، والأعلى - أيضاً - إنّما يلاحظ إلى هذا الزمان، ولم يبقَ للقدر المشترك احتمال مباين للاحتمالات المذكورة.

والسادس: هي ملاحظة قيمة المثل يوم دفع القيمة - بناءً على عدم سقوط المثل عن الذّمة بالإعواز، وثبوته فيها ، فلا بُدَّ حينئذٍ - من ملاحظة يوم الإسقاط - وهو يوم الدفع - وهو المنسوب إلى المشهور (1) ؛ لعدم الدليل على سقوط المثل عن الذّمة بمجرد التعدّر.

والسابع ملاحظة أعلى القيم من زمان ضمان العين إلى زمان دفع القيمة؛ لأنَّه يكون للمال المغصوب في كلّ زمان ماليّة سقطت يدا المالك عنها، فتكون مضمونةً، ودفع العين والمثل يتداركان الضمان بالأعلى، فما لم يحصل الدفع بأيهما يكون الأعلى باقياً في الذّمة .

والثامن: هو ملاحظة الأعلى من زمان تلف العين إلى زمان الدفع، لكن الظاهر أنّ هذا الاحتمال مندرج في الاحتمال السابق؛ لأنّ كلّ من يقول به يقول به أيضاً.

ص: 117


1- ينظر الطوسي، المبسوط : 395/3؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 104/2؛ المحقق الكرکی، جامع المقاصد: 5/ 25 .

ف-(المحصّل من هذه الاحتمالات سبعة)

لكن الأظهر من هذه الاحتمالات - بناءً على شمول المثل للقيمة أيضاً - كما قوّيناه سابقاً (1) - هو صيرورة العين قيمية عند الإعواز، فيلزم - حينئذٍ - ما هو اللازم في القيمي - والظاهر مضمونيّة أعلى القيم - أيضاً - فيما نحن فيه، بناءً على ثبوته في القيمي أيضاً.

لكن قد ذكرنا في السابق خلافاً للأستاذ (دام ظلّه) بعدم شمول المثل للقيمة، والثابت في الذّمة - حينئذٍ - هو المثل في الصفة والماليّة إلى زمان دفع القيمة، فلا يلزم إلا ملاحظة القيمة يوم الإسقاط والدفع.

ويحتمل - أيضاً - أن يلزم دفع أعلى القيم أيضاً؛ لأنّ الغاصب فوّت الماليّة الزائدة عن المالك، والملحوظ في نظر العرف هي الماليّة، فيلزم دفع الزائد من القيمة أيضاً، فافهم.

( فيما لو تعذّر المثل ابتداءً لا بعد وجوده )

هذا كلّه فيما لو تعذّر المثل بعد وجوده، وأما لو تعذّر المثل ابتداءً، فهل ينتقل إلى القيمة أم لا؟

مقتضى القاعدة ثبوت المثل - حينئذٍ أيضاً - في الذّمة بمقتضى الآية؛ لعدم الفرق بين التعذّر الابتدائي والتعذّر بعد الوجود، فبعد البناء على ثبوت المثل في الذّمة بعد الإعواز في السابق لا بُدَّ من البناء عليه فيما نحن فيه.

لكن العلّامة (قُدِّسَ سِرُّهُ) ذكر في القواعد في عنوان الاحتمالات: (إنّه لو تلف المثلي والمثل موجود ثم أعوز) (2). وظاهره اختصاص الاحتمالات المذكورة بأجمعها بالصورة المذكورة، وهو حقٌّ؛ لعدم جريان بعض الاحتمالات في التعذّر، مثل أخذ أعلى القيم من زمان تلف العين إلى زمان الإعواز، وكذلك احتمال الاعتبار بزمان إعواز المثل دون العين وغيرها، ولا يدلّ الكلام على ثبوت المثل في الذّمة.

ص: 118


1- يراجع ص 109 .
2- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 227/2 .

لكن ذكر المحقّق الثاني في شرح هذا الكلام: (إنّه لو كان المثل متعذّراً ابتداءً ينتقل إلى القيمة ) (1) . ولعل نظره إلى عدم تنجز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات.

وناقش فيه شيخنا الدستري (2)بأنَّ : (التمكُّن من الأداء عقلا إنْ كان شرطاً في اشتغال الذّمة بالمثل، فلا فرق بين الحدوث والبقاء، فلا بُدَّ أنْ يرتفع المثل عن الذّمة بمجرد التعذّر ولو كان المثل موجوداً في أول الأمر، والحال إنّك تقول بثبوت المثل في الذّمة بعد التعذّر وإنْ لم يكن شرطاً، فلا يكون شرطاً في المقامين، فلا وجه للتفرقة بين المقامين) (3).

لكن يُمكن أنْ يُقال: إِنَّ نظر المحقق في التفرقة إلى أنَّه إذا كان المثل موجوداً يتعلّق التكليف بأداء المثل بالذّمة ، فبعد الإعواز يشك في ارتفاعه عن الذّمة بواسطة الشك في شرطيّة التمكن وعدمها، فيستصحب، بخلاف ما نحن فيه.

ويُمكن دفعه بعدم جريان الاستصحاب هنا؛ بناءً على عدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي؛ حيث إنَّ الشك هنا في أنّ التمكن من أداء المثل شرط في التكليف بالأداء أم لا؟ فيكون الشك في ثبوت المقتضي؛ لأنَّه لو كان التمكن شرطاً، فلا مقتضي للتكليف بعد التعذّر، فلا يجري الاستصحاب، وكذا لا يجري البقاء على الشك في كون التمكّن شرطاً، أو يكون التعذّر مانعاً؛ لأنّ شرط حجيّة الاستصحاب وجريانه إنّما هو في الشك في طرق المانع بعد إحراز المقتضي.

ثُمَّ إِنَّ الشيخ (قُدِّسَ سِرُّهُ) عليه ثانياً: بأنّ اللازم مما ذكره عدم جواز مطالبة المالك بالمثل لو وُجِد بعد فقده ، ولا أظنُ أحداً يلتزمه (4).

لكن يُمكن أنْ يُقال بعدم الملازمة بين القول المذكور، وعدم جواز المطالبة بالمثل، بناءً على تعميم المثل في الآية وشموله للقيمة أيضاً، فيكون مفاد الآية الاعتداء بالمماثل، والمماثل

ص: 119


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 254/6.
2- كذا في المخطوط ولعل المقصود هو المحقق أسد الله التستري الكاظمي (قُدِّسَ سِرُّهُ).
3- لم نعثر عليه.
4- ينظر: الأنصاري، المكاسب : 224/3 .

يختلف باختلاف الحالات، ففي حال عدم وجود المثل يكون المثل هي القيمة، وبعد وجوده يكون المماثل هو المثل، فلا بُدَّ من دفعه إلى المالك بحكم الآية.

[ الآراء في معنى الإعواز والتوفيق بينها ]

ثم إنّ المحكي عن العلامة (رحمه الله ) أن المراد بإعواز المثل هو: (أنْ لا يوجد في البلد وما حوله) (1) . وزاد في المسالك قوله : (مما ينقل عادة إليه ) (2). وحكي عن جامع المقاصد الرجوع إلى العرف في الإعواز (3).

والظاهر عدم المخالفة بين كلام العلّامة والشهيد وبين كلام المحقق، فمرادهما أيضاً بيان الإعواز العرفي، لكن الظاهر عدم صدق الإعواز العرفي بمجرد عدم الاستقرار العادي بالنقل، ولو لم يكن النقل مما لا ينقل عادةً صعباً لشخص، بل يكون النقل عليه سهلاً.

[ المطالبة بالمثل مع التعذّر؛ لقاعدة السلطنة ]

ثمّ إنّ مقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم جواز المطالبة بالمثل ولو كان متعذّراً عرفاً، ولا تكون مقيدة إلا بالتعذّر العقلي دون العرفي، فالتعدّي عنه إلى التعذّر العرفي محتاج إلى الدليل، وهو إمّا الأدلّة الدالّة على نفي الحرج والعسر ؛ لأنَّه يكون نقل المثل من البلاد البعيدة عسراً وحرجاً، فيكون منفياً بدليل الحرج، لكن لا بُدَّ من ملاحظة حال الأشخاص؛ إذ ربَّما لا يكون النقل حرجاً لبعض الأشخاص دون الآخر، فيجري دليل الحرج في حقّ من يكون النقل له حرجاً؛ إذ الظاهر أنّ مفاد دليل الحرج هو الحرج الشخصي لا النوعي حتّى يكون الحكم منفياً حتّى بالنسبة إلى شخص لم يحصل له الحرج، فيكون دليل الحرج معارضاً بدليل السلطنة، فلا بُدَّ من كونه حاكماً عليه أم لا؟

ص: 120


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 2/ 383 ، والحاكي هو الشيخ الأعظم في المكاسب: 3/ 235 .
2- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 12 / 183.
3- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد : 245/6 ، والحاكي هو الشيخ الأعظم في المكاسب : 3/ 235 .

والظاهر حكومته، وسيجيء الكلام (1) فيه إن شاء الله تعالى.

[ المدرك في كفاية التعذّر العرفي]

وأمّا الإجماع على أنّ المدار على التعذّر العرفي، فالظاهر عدم تحقق الإجماع على هذا المعنى، بحيث يكشف عن قول المعصوم (علیه السلام) ؛ إذ كلام الْمُجمعين - أيضاً - يكون مختلفاً، وبعضهم (2) عبَّر بالإعواز، وبعضهم (3) عبَّر بالتعذّر، ولم ينعقد الإجماع على لفظ (التعذّر) حتّى يرجع فيه إلى العرف.

[ المدرك على ثبوت القيمة حال تعذّر المثل]

وأمّا التمسّك بالآية الشريفة لإثبات القيمة عند التعذّر العرفي، حيث إنّ مفادها جواز الاعتداء بالمماثل، والمماثل عند التعذّر العرفي هي القيمة، فليس في محلّه؛ إذ المسلم إيكاله إلى العرف في هذه الآية هو تعيين المثل، ولا نسلّم الإيكال اليهم في تعيينهم المثل في الحالات، واسطة تنزيلهم الإعواز منزلة التعذّر العقلي؛ إذ الظاهر أنّ بناء العُرف أولاً على أن المثل وجوده هو المماثل في الصفات، وعند عدمه هي القيمة.

أما حكمهم بالقيمة في مقام التغريم بعد الإعواز العرفي، فإنّما هو من جهة تنزيلهم هذا الإعواز منزلة التعذّر العقلي، ولا نسلِّم إيكال الشارع إلى العرف حتّى في هذا التنزيل والتسامح، بل المسلَّم من الإيكال هو تعيين المثل ابتداءً وحقيقةً.

ويُمكن أنْ يكون نظر العلماء في حكمهم بثبوت القيمة عند الإعواز العرفي إلى الرواية الواردة في باب السَّلَم (4) ، حيث حكم (علیه السلام) بأنَّه إذا لم يقدر المسلم فيه تخيّر المشتري؛ لعدم الفرق

ص: 121


1- لم يذكر المصنف فيما بعد تتمة لمبحث حاكمية نفي الحرج السلطنة.
2- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 96/37 .
3- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد : 6 / 245 ؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: 527/10.
4- وهي: ما ورد عن الحلبي، قال: سُئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن رجل أسلم دراهمه في خمسة مخاتيم من حنطة، أو شعير، إلى أجل مسمّى، وكان الذي عليه الحنطة والشعير لا يقدر على أن يقضيه جميع الذي له إذا حلّ، فسأل صاحب الحق أن يأخذ نصف الطعام، أو ثلثه، أو أقل من ذلك، أو أكثر، ويأخذ رأس مال ما بقي من الطعام دراهم؟ قال: لا بأس والزعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقالاً، أو أقل من ذلك، أو أكثر ؟ قال [علیه السلام] : لا بأس، إن لم يقدرْ الذي عليه الزعفران أن يعطيه جميع ماله أن يأخذ نصف حقّه، أو ثلثه أو ثلثيه، ويأخذ رأس مال ما بقي من حقه . الكليني، الكافي : 186/5 ، باب السلم في الطعام، ح 10 .

بين ما نحن فيه، وبين السَّلَم من حيث الفقدان، وحكموا ثمَّة بكفاية الإعواز العرفي(1).

وحكمهم فيه بالإعواز العرفي، إمّا من جهة التنزيل والمجاز العقلي في قوله [علیه السلام]: «لم يقدر» ؛ لجعلهم الإعواز العرفي من أفراد عدم القدرة؛ تنزيلاً وادعاءً.

ولا يخفى بُعده؛ إذ هو موقوف على كون هذا الفرد شائعاً ومشهوراً، وليس كذلك.

أو من جهة التصرّف في متعلّق عدم القدرة، حيث إنّ متعلّق عدم القدرة وظرفه تارةً يكون جميع البلدان وتحت قبّة القمر، وتارةً يكون المتعلّق هو خصوص البلد وما حوله وهذا ليس تصرفاً في عدم القدرة، بل هو باقٍ على معناه الحقيقي، غاية الأمر تضييق دائرة متعلّقه؛ بدعوى انصراف عدم القدرة إلى عدم القدرة في هذا البلد وما حوله.

ص: 122


1- ينظر: الطوسي، الخلاف : 395/3؛ ابن إدريس الحلي السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 4 / 155 ؛ الكيدري، إصباح الشيعة: 339 .

إشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

المسألة السادسة من المسائل المتعلقة بالرِّبا: مسألة الضميمة التي بها يتخلّص عن الرِّبا، فنقول:

تارةً يضم الضميمة إلى كلٍّ من العوضين، فنصرف الضميمة إلى ما يخالفها في الطرف الآخر، وتارةً يضم إلى أحد العوضين، وهذا - أيضاً - يتصور بصورتين:

[ الأولى]: تارةً تضم إلى الناقص، فتكون مقابلة للزيادة الكائنة في الطرف الآخر، وهذه - أيضاً - يتخلّص بها عن الرِّبا.

[الثانية ] وتارةً يضم إلى الزائد وهذه ليست مخرجة عن الرِّبا، بل تزيد الرِّبا، بمعنى :إنّه لو لم تكن الزيادة - أيضاً - حصل الرِّبا بواسطة الضميمة.

وذكروا للضميمة شرطين :

الأول: إنّها لا بُدَّ أنْ تكون مقابلة بالأعواض ، فلو لم تكن مقابَلة بالأعواض، كأن تكون من قبيل الأوصاف والشروط، لا تُثمر في دفع الرِّبا.

والثاني: أن لا تكون مما يتسامح بها عادةً، كقليل من التبن في حقِّة الحنطة مثلاً.

وبعبارة أخرى: تكون الضميمة معنونة بعنوان الضميمة، ولو كانت قليلة كمدٍّ من التبن في عشرين منّاً من الحنطة، فيكون المعتبر عنوان الضميمة.

وبالجملة: أصلُ هذا الحكم مشهور بين الأصحاب (1) شهرةً منقولةً ومحصلةً، وادُّعي

ص: 123


1- ينظر: الطوسي، النهاية : 384؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 425/10 - 426 ؛ ابن فهد الحلی، المقتصر في شرح المختصر : 179 ؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 441/3 .

عليه الإجماعات الكثيرة المستفيضة (1)، بل المتواترة، والأخبارُ المعتبرة - أيضاً - دالّة عليه ، فلا شبهة في أصل الحكم، إنّما الكلام في منشأ وجه هذا الحكم، ويحتمل فيه وجوه ثلاثة:

الأول: صرفُ كلٍّ من الضميمتين إلى مقابله من الطرف الآخر، كأن يبيع مدّاً من الحنطة ودرهماً بمدین و درهمین فينصرف المدّ بدرهمين، ويُصرف الدرهم إلى المدّين، فتكون المعاوضة بغير الجنس في كلّ منهما، ويظهر هذا من بعض العلماء (2) أيضاً.

لكن هذا بعيدٌ؛ لأنّ العقود تابعة للقصود، وليس قصد المتعاقدين مقابلة كلٍّ بمقابله، بل قصدهما مقابلة المجموع بالمجموع.

والثاني: خروجهما بذلك عن الرِّبا، وعن كون بيع الجنس بالجنس؛ لأنَّ المدّ من الحنطة ودرهماً غير المدّين ودرهمين؛ لأنّ قصدهما هو مقابلة المجموع بالمجموع، وهذا المجموع غير ذلك.

ويبعّده: إنّه لو ضم الضميمة إلى الزائد كان على هذا مثمراً؛ لأنّ مجموع الزائد مع الضميمة غير الناقص

والثالث: التَعَبُّد، بمعنى : إنَّ الشارع حكم بخروج البيع - حينئذٍ - عن الرِّبا، ولا ندري وجهه وسببه.

لكن يشكل هذا الوجه بأنَّه يُستفاد من الأخبار أنّ هذه حيلة يخرج بها عن الرِّبا، ومعناها : إنّه وإن كان هذا البيع ربوياً؛ بمقتضى القاعدة - مع قطع النظر عن الضميمة - إلّا أنّ ضم الضميمة صار سبباً (لعدم ) (3) الخروج عن القاعدة، ولو كان هذا الحكم من باب محض التعبّد لم يكن حيلةً؛ لأنّ مقتضى التعبّد أنّ هذا الحكم وإنْ كان مخالفاً للقاعدة إلّا إنا صرنا إليه من باب قول الشارع بعدم الرِّبا في هذا التقدير .

ص: 124


1- ينظر: الطوسي، الخلاف: 61/3؛ الحلبي، غنية النزوع: 225؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 330/3 .
2- ينظر : الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 107 ؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 311/8؛ النجفي، جواهر الکلام: 23/ 392.
3- كذا في المخطوط ، ولعلها من زيادات قلم الناسخ .

[ الأوجَه من الوجوه، والإشكال عليه، وردَّه ]

فالأحسنُ من الوجوه هو القول بأنَّه يصير الجنسان مختلفين بواسطة الضميمة.

إلّا أنّ مقتضى هذا الوجه، هو عدم الحكم بالرِّبا في صورة الضميمة إلى الزائد أيضاً، لكنّا خرجنا عنها بالإجماع، وقد عرفت كون أصل الحكم مشهوراً، بل إجماعاً، ولم يظهر مخالف إلا الشافعي (1) حيث حكم بالبطلان على هذا التقدير - أيضاً -؛ للزوم الرِّبا على تقدير التقسيط؛ إذ يكون مجموع الثمن مقابلاً لمجموع المثمن - بناءً على بطلان انصراف كلّ إلى مقابله - ومقتضى مقابلة المجموع بالمجموع هو مقابلة كلّ جزء مشاع من الثمن بكل جزء من المُثمن، مثلاً في مثل بيع مُدٍّ ودرهم بمدين ودرهمين، يكون المُدُّ - مثلاً - مقابلاً لمدٍّ ودرهم فيصير الدرهم مقابلاً لدرهم ومدّ، فيحصل الرِّبا.

وقد أُجيب عن هذا الإشكال بوجوه:

الأول: هو صرف كل جنس بمخالفه، فيكون على تقدير التقسيط - يكون المدُّ مقابلاً لدرهمين، والدرهم مقابلاً للمُدَّين، فلا يلزم الرِّبا، ومرجعه حقيقةً إلى منع مقابلة المجموع بالمجموع، بل مقابلة كل جنس إلى مخالفه، وقد عرفت وهنه.

والثاني: تسليم كون المجموع مقابلاً للمجموع ، ولا يلزم الرِّبا على تقدير التقسيط أيضاً؛ لأنا نقسّط بطريق آخر، مثل أن نقابل نصف الدرهم - في المثال المذكور - في مقابل نصف الدرهم، ونصفه الآخر في مقابل المدّ ونصف، فيكون نصف المدّ -- أيضاً - في مقابل نصف المدّ، ونصفه الآخر في مقابل درهم ونصف، وهكذا، ولا يلزم محذور على هذا، وليس التقسيط بالطريق الأول متعيّناً.

والثالث: إنّ الزيادة المضرّة، هي الزيادة في أصل العقد، بمعنى: وقوع العقد على الزائد، وكون الزيادة مقصودة حال العقد؛ لأنّ الأخبار دالّة على عدم وجود الزيادة حين البيع؛ لأنّ مدلولها النهي عن البيع بالمتفاضلين، فيعلم أن المناط هو الزيادة في حال البيع، دون الزيادة الحاصلة بسبب التقسيط، فاندفع الإشكال.

ص: 125


1- ينظر: الشافعي، كتاب الأم: 3/ 28 .

إلا أنّه قد يُشكل الأمر في بعض الصور، مثل: ما لو كان لأحد المتبايعين خيار في الضميمة، مثل: ما لو كان حيواناً ففسخ، فحصل خيار تبعض الصفقة للآخر فيفسخ مثلاً، فإن جعلنا الفسخ معاوضةً، فيكون الرِّبا عند الفسخ ؛ لأنَّه عاوض الشيء الذي كان ناقصاً، وانضم إليه الضميمة بالشيء الآخر الذي كان زائداً.

أو قلنا: إنّ الفسخ كاشف عن وقوع العقد على غير الضميمة أولاً، لا كون الفسخ ناقلاً من حين الفسخ نظير الخلاف في الإجازة في البيع الفضولي، ومثل ما لو تلف-[-ت] الضميمة قبل القبض، فيكون العقد منفسخاً إلى مقابله، فإن جعلنا الانفساخ من حين التلف لا حين العقد ، بمعنى كون التلف ناقلاً عن الملك المقابل - حينئذٍ - لا كاشفاً من حين العقد، فلا يرد إشكال.

وأما لو جعلناه كاشفاً عن عدم وقوع الملك أولاً بالمقابل، فوقع البيع أولاً على الزائد والناقص، غاية الأمر عدم علمنا إياه، والمعتبر في الزيادة هي الزيادة النفس الأمرية لا الزيادة المعلومة.

وأوضح إشكالاً ما لو ظهر كون الضميمة مستحقة للغير، فيكون العقد واقعاً من أول الأمر على الزيادة، فكان البيع ربوياً، فيشكل الأمر في هذه الصور، بناءً على أن الزيادة المعتبرة هي الزيادة النفس الأمريّة؛ لأنّ المستفاد هو المنع عن البيع بغير المتساوي مطلقاً.

لكن يُمكن دفع الإشكال: إنَّه لا ننفي عدم الزيادة النفس الأمرية، لكن مع كونها مقصودة بالبيع في ضمن المبيع ، ولو لم تكن بعنوان الزيادة - كما في كل بيع ربوي - ولو لم تكن الزيادة معلومة، لكن لمّا تعلّق القصد بالمبيع تعلّق بالزيادة - أيضاً - في ضمنه، وفيما نحن فيه لم تكن الزيادة مقصودة، بل المقصود التساوي، لكن فهم المقصوديّة من الأخبار محلّ تأمل، كذا قال الشيخ الأستاذ(1).

ص: 126


1- لم نعثر عليه.

( من الحِيَل للفرار عن الرِّبا )

ومن الحيل لعدم لزوم الرِّبا بيع أحدهما بثمن، ثم بيع الآخر بذلك الثمن، وكذا هبة كلٍّ منها، بأن يهب مالكُ الناقصِ الناقصَ، ثم يهب مالكُ الزائد، أو يقرض أحدهما الآخر أحدهما، ثم يقرضه الآخر، ثم يتباريا، لكن بغير شرط بأن لم يشترط الهبة بهبة الآخر إياه، كذا قال المحقق (1) في جميع الصور.

لكن نقول: الشرط على من يشترط الغاية، بمعنى: أن يقول البائع : أبيعُكَ هذا الناقص بشرط كون الزائد مالي بهذا الثمن كملاً من دون احتياج إلى عقد آخر، وهذا لا يجوز؛ لأنّ العقد يشتمل على الزيادة، ولا يكون البيع بالتساوي، فكأنّه باع أحد المتجانسين بالآخر مع الزيادة.

وقسم يكون الشرط هو الالتزام ببيع الآخر بهذا الثمن، وهذا - أيضاً - محلّ الإشكال؛ لأنّ المفهوم من أدلّة الرِّبا هو عدم كون البيع منشأ للزيادة، ولو بكونه سبباً للالتزام، وهذان الأمران في القسمين جاريان في جميع الصور.

ورُبَّما يناقش في هذه الوجوه بأنَّها لم تكن مقصودة، بل المقصود هو أخذ الزيادة، فيكون المقصود بالبيع هو الزيادة.

لكن يُمكن دفعه: بأنّ هذه مقصودة لا محالة ، ولو بواسطة شيء آخر، وهو التخلّص عن الرِّبا.

والتحقيق فيه: إنَّ للعقد مدلولين : مطابقياً، والتزامياً، وغاية ما يلزم قصده هو المدلول المطابقي، وهو حاصل فيما نحن فيه .

ص: 127


1- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 302/2 .

ص: 128

(مسألة ذكرها الفقهاء)

وهي: إنّه إذا أوقع الشخص المعاملة الربوية، يكون البيع باطلاً، ويكون مكلّفاً بردّ المال إلى صاحبه مطلقاً - عالماً كان أو جاهلاً - أو لا يكون مكلّفاً بالردّ، أو يكون مكلّفاً في صورة العلم دون الجهل ؟

وكلام الفقهاء مختلف في هذه المسألة، وقبل الخوض في كلامهم لا بُدَّ من تحقيق المطلب، بحيث يظهر الحق في المسألة بحسب القاعدة، ثم نرجع إلى الأخبار وكلمات الفقهاء، فنقول:

إنَّ المفهوم من أدلّة حرمة الرِّبا، والمعاملة الربوية، هو كون عدم الزيادة شرطاً واقعياً؛ لأنَّ الجواز معلّق على بيع المثل بالمثل مطلقاً، ومقتضى الشرطية بطلان المشروط وفساده في صورة انتفاء الشرط، سواءً كان انتفاء الشرط معلوماً أم لا، وأيضاً مقتضى تعلّق النهي بالمعاملة فسادها، وإذا كانت المعاملة فاسدة، فلا يترتب عليها شيء، فيكون كلُّ من العوضين ملكاً لصاحبه، ويكون أكلُه أكلَ المال بالباطل.

فعلى هذا لا فرق بين الزائد وأصل العوضين، ولا فرق بينهما في وجوب ردّهما إلى الصاحب إنْ كان معلوماً، وإنْ كان مجهولاً يتصدّق به عنه، فالكلام ليس في هذه الجهة.

ولا فرق - أيضاً - بين الجاهل والعالم؛ لكون عدم الزيادة - شرطاً للمعاملة - شرطاً واقعيّاً لا شرطاً علميّاً، فمقتضى ذلك فساد المعاملة مطلقاً - في حال العلم والجهل - فيجب ردّ كلّ عوض إلى صاحبه بمقتضى فساد المعاملة؛ وبمقتضى (كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) ؛ وبمقتضى ( على اليد ما أخذت حتّى تؤديه).

وما يظهر من بعضٍ (1) عدم وجوب الردّ مع العلم، ليس في محلّه، وكأنّ منشأ التوهم:

ص: 129


1- ينظر: الطوسي، النهاية: 376؛ المحقق الحلي، المختصر النافع : 127 ؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 286/8 .

إما عكس هذه القاعدة - وهو : (كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) - بناءً على أنّ الزيادة لو وهبت، أو تكون مُلتَزَمة في عقد لم تكن مضموناً عليه، فلا يضمن بالتزامه في هذا العقد الفاسد.

وهو ممنوع - بناءً على أنّ المراد كل عقد - ولا نسلّم عدم الضمان لو وقعت في العقد.

وأما قياسه على بيع الغصب - مع علم المشتري بالغصب - فأجمعوا على عدم الضمان لو تلفت العين (1) ، بل لو كانت العين موجودة.

وهذا - أيضاً - باطلٌ؛ لأنَّه مخالفٌ للقاعدة، خرجنا عنها فيه بواسطة الدليل، فلا بُدَّ أن نقتصر على مورده.

وأما من باب الإجماع، فلا يتعدى في غير محل الإجماع.

وكذا لا فرق في الضمان، ووجوب ردّ الجميع في القرض وغيره في سائر المعاوضات.

فما يظهر من بعض (2)من وجوب ردّ الزائد خاصة في القرض، وردّ الجميع في غيره -مع اعترافه بفساد المعاملة - ليس في محلّه .

وكأنَّ منشأ توهمه وقوع التهاتر في القرض بالنسبة إلى غير الزائد، وهو باطل؛ لأنّ المعاملة فاسدة حين القرض، وإنْ وقع التهاتر فإنّما هو في مقام الرِّضا والأداء، فالمعاملة أولاً فاسدة لا تكون واقعة حتّى يقع التهاتر أم لا .

ومع الغض عن ذلك، نفرض الكلام فيما لو اقترض وزنة من الحنطة بوزنتين من الشعير، فهنا لم يقع التهاتر؛ لأنّ الجنس مختلف - وإن كان متحداً في باب الرِّبا إلا أنه من باب النص - فإذا كان الجنس مختلفاً في القرض لم يقع التهاتر قطعاً، ويحتاج إلى المعاوضة، فتحقق الرِّبا، فكيف يمكن القول بردّ الزائد، خاصة مع الاعتراف بفساد المعاملة ؟!

ص: 130


1- ينظر: ابن البراج، المهذب : 2 / 50 ؛ المحقق الحلي، المختصر النافع : 248 - 249؛ الطباطبائي، رياض : المسائل : 287/12 .
2- لم نعثر عليه.

[قولان آخران في شرطية عدم الزيادة ]

وفي مقابل قولنا - وهو: كون عدم الزيادة شرطاً واقعياً للمعاملة - قولان آخران:

أحدهما كونه شرطاً علميّاً، وهو باطلٌ؛ لأنَّه يقتضي كون المعاملة صحيحة وفاسدة، لو كان أحد المتعاوضين عالماً والآخر جاهلاً، وهو غير معقول.

وثانيهما: كونه من باب التَّعَبُّد لا كونه شرطاً، وهو مخالفٌ لسياق الأخبار، وفهم الأصحاب؛ حيث يردّون على أبي حنيفة (1)حيث يقول بوجوب ردّ الزائد، فتكون المعاملة بالنسبة إلى الباقي صحيحة، ويقولون إنّها شرط، ومقتضى الشرطيّة البطلان، هذا بحسب القاعدة، فلنرجع إلى كلمات الأصحاب.

فنقول : فرَّقوا في العلم والجهل ، وقالوا بردّ الزائد خاصة في صورة العلم، وهذا مخالفٌ للقاعدة - بحسب الظاهر - وموافق لظاهر الآية: « وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ» (2) ، وظاهر بعض الأخبار(3).

وهذا منافٍ لقولهم بكون عدم الزيادة شرطاً؛ ردّاً على أبي حنيفة، فلا بُدَّ أنْ يحمل كلامهم : إمّا على أنَّ ما يجب ردُّه على كل حال هو الزائد ولكن ما سواه لا يجب، بل يؤخذ إمّا من باب التقاص، وإما لأنَّ الغالب في المعاملة الربويّة هو القرض، والغالب فيه أداؤه بالجنس، ويقع التهاتر بالنسبة إلى غير الزائد.

وإمّا من باب فهمهم التعبُّد، ومحض [ال-] حرمة التكليفي [-ة]، وذلك ممنوع؛ لما سمعته من أنّهم يردّون على أبي حنيفة بكونه شرطاً، والآية يمكن تنزيلها على زمان الجاهلية، إلا أنّه على هذا لا يجب ردّ الزائد أيضاً، ويمكن حملها - على ما ذكرناه سابقاً -من كون الرِّبا غالباً في القرض، ويقع التهاتر بالنسبة إلى غير الزائد، هذا ما قالوه في صورة العلم.

ص: 131


1- لم نعثر عليه.
2- سورة البقرة: 279 .
3- منها: عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): «كلُّ ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا، فإنه يقبل منهم، إذا عرف منهم التوبة » الكليني، الكافي: 5/ 145 ، باب الرِّبا، ح4 .

وأما في صورة الجهل ، فقالوا بعدم وجوب شيء - خاصة القدماء (1) - لكن المتأخرين (2) تأملوا في ذلك الحكم؛ نظراً إلى القاعدة؛ لأنَّ الصحة والفساد من أحكام الوضع [ف-] لا يدوران على العلم، بل لا فرق في أحكام الوضع بين العلم والجهل، فلا بُدَّ من البطلان.

لكن المعروف، بل المشهور خاصة القدماء (3)عليه من [عدم] وجوب الردّ، والأخبار به - أيضاً - متضافرة، وظاهرُ الآية الشريفة - أيضاً - دالٌ عليه قوله: « فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ» (4)

لكن بعضهم صرّح بكون المعاملة صحيحة في حال الجهل كصاحب الحدائق(5)، ولا يبعد أنْ يكون مراد الباقين من عدم وجوب الردّ؛ لكون المعاملة صحيحة؛ لكونه من البعيد منهم حكمهم بعدم وجوب الردّ مع قولهم بفساد المعاملة، ومقتضى ذلك قولهم بكون عدم الزيادة شرطاً علميّاً، لكن عرفت خلافه (6) .

لكن الأخبار في حدّ ذاتها مضطربة مخالفة للقواعد من جهات، مثل: ترك الاستفصال فيها بين العلم والجهل، واشتمالها على لزوم التوبة، واشتراط الحلّ بالتوبة، مع أنَّ في حال الجهل لا معصية حتّى يتعقبّها التوبة ؟! وإطلاقها حتّى لو كان أحدهما عالماً والآخر جاهلاً، وذلك غير ممكن؛ إذ القول بصحة المعاملة بالنسبة إلى الجاهل، وفسادها بالنسبة إلى العالم مما لا يقبله العقل والشرع، فلا بُدَّ من حمل الأخبار على محامل بعضها يمكن القول بكونه وارداً بالنسبة إلى زمان الجاهليّة، ويُدّعى كون الآية المذكورة واردة في هذا المقام؛ لأنّ الظاهر

ص: 132


1- ينظر: الصدوق، الهداية : 316؛ الطوسي، النهاية : 376؛ المحقق الحلي، المختصر النافع: 127.
2- ينظر: العلّامة الحلي مختلف الشيعة: 79/5؛ المقداد السيوري، التنقيح الرائع: 88/2؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 4 / 281-282.
3- ذهب إليه ابن الجنيد نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة : 5/ 78؛ ابن إدريس، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس) : 353/3.
4- سورة البقرة: 275 .
5- ينظر : المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 222/19 .
6- يراجع ص 127 .

من قوله تعالى: « فَانْتَهَى» (1) هو قبول النهي عند زمان ورود النهي، ويمكن الحمل على غفران الذنب، والتجاوز عما سلف بالنسبة إلى المذنب؛ لكونه من البعيد، كونهم قاصرين، بل مقصّرين، مع شيوع تحريم الرِّبا حتّى في صدر الإسلام، فكيف من زمان الأئمة [ علیهم السلام] ؟!

وحمل بعضها على صورة عدم معلوميّة بقاء مال الربوي، وخاصة بعض الأخبار، التي هي مشتملة على السؤال عن أبي كان يربي، والآن انتقل إليَّ ماله، ولم يعلم في هذه الصورة أنّ هذا المال مال الربوي، أو حملها على كون صاحبها مجهولاً ، فحكم بكون المال ماله من باب التصدّق عن الصاحب، أو كون المال من باب الشبهة الغير المحصورة، وحمل بعضها - خاصةً التي دالة على ردّ الزائد عن رأس المال - على صورة القرض بوقوع ما عدا الزائد متهاتراً، أو غير ذلك من المحامل .

وبعض الأخبار التي لا تقبل الحمل ضعيفةُ السند فيطرح؛ حيث لا تقاوم القواعد.

فإن قلتَ: مجبورةٌ بالشهرة .

قلتُ: جَبْرُ الرواية بشهرة بالفتوى ممنوع، ولو سلّم فهو فيما إذا لم يعلم كون مستندهم ذلك، نظير القول في الإجماع المنقول - لو فرض معلوميّة سند المجمعين - وضعفه، فالقواعد متبعة، هذا بحسب فهمنا القاصر ، والله أعلم بحقيقة الأمور.

ص: 133


1- سورة البقرة: 275 .

ص: 134

(مسألة في بيع الصرف )

وذكرها المحقق (1) في متعلقات الرِّبا، والحال أنَّه مقابل للرِّبا قسم مستقلّ من البيع مثل الرِّبا، والمناسب ذكره على حِدة ، وكأنَّه نظر إلى أنّه من مصاديق الرِّبا ، والأمر سهل، وهو بيع الأثمان بالأثمان، والثمن - بحسب المعنى - هو العوض (2).

وبعبارة أخرى: البدل.

وبعبارة أخرى: ما انتقل ثانياً، وبحسب اللفظ : ما قُرِن ب--(الباء).

ويعنون بالأثمان - هنا - هو : الذهب والفضة، حتّى أنَّه حكي عن الشهيد أنَّه نقل عن الراوندي أنَّه قال - تبعاً لأستاذه العلّامة -: (إنّه هو الذهب والفضة لا غير، حتّى أنَّه لو بيع دينار بحيوان، يكون الثمن هو الدينار، ويكون الخيار للبائع، ولو بيع دينار بدينار - مثلاً - يكون كل منهما ثمناً ومثمناً، وكلّ من المتبايعين بائعاً ومشترياً ) (3).

لكن هذا ضعيفٌ؛ لما سمعته [ من ] أنّه مطلق العوض بحسب المعنى، وما قرن ب- ( الباء) بحسب اللفظ.

وإنّما أطلقوا الثمن على الذهب لوجهين:

أحدهما: إنّ الغالب في العوض هو الذهب والفضة، ولو باعتبار مسكوكهما .

وثانيهما: إنّهم قالوا بالرجوع إلى النقود في الضمانات في القيميات، حتّى أنّ للمضمون له - إذا دفع إليه العروض - أن يردّها ويطلب النقود، فيكون الأصل في القيم هو النقود،

ص: 135


1- ينظر : المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 237/2 .
2- ينظر: الفيومي، المصباح المنير : 84/1.
3- الحاكي عن الشهيد هو المحقق الكركي في جامع المقاصد: 181/4 ، وذكر العلّامة الحلي ذلك في تذكرة الفقهاء : 10 / 413 .

والثمن قيمة المبيع، فيكون المراد به الذهب والفضة.

وكيف كان، فالأمرُ سهلٌ؛ لوضوح مقصودهم منه، وهو مطلق الذهب والفضة، ولو لم يكونا مسكوكين، حتّى لو كان أحد المبيعين غير الذهب والفضة - ولو كان مسكوكاً - لم يكن من بيع الصرف، ولا بُدَّ قبل الخوض في بيان أحكامه من بيان شيئين :

[الشيء] الأول: إنَّه هل يكون من قبيل الرِّبا، فيجري في تمام المعاوضات، أو يكون مختصاً بالبيع ؟

ظاهر الأخبار والفقهاء اختصاصه بالبيع (1) ، فلا يجري في غير البيع، بل إجماعهم عليه، ولكن الإشكال في بعض المعاوضات التي تكون بحكم البيع، كالمعاطاة، وفيها وجهان مبنيان على كونها بيعاً أم لا؟

وبحكمه الانتقال - في ما بنوا عليه - وهو أنَّه لو وقعت معاوضة بلفظ التمليك، كأن يقول أحدٌ : ملكتك هذا الدينار بهذا الدينار. يكون الأصل فيهما البيع، ويكون بيعاً يجري فيه شرائطه وأحكامه.

لكن لم يتحقق مرادهم بالأصل أيّ شيء؟ بناءً على عدم عمومية في البيع، وعدم دليل عام له يدخل فيه المعاوضات المشكوكة، بل هو قسم من المعاوضات مثل الصلح والإجارة، وغيرهما.

ويُمكن أنْ يكون مرادهم به: إنّ البيع يكون قدراً متيقناً في ترتب الأثر، بمعنى: أنّ مقتضى الأصل الأولي هو الفساد وعدم ترتب الأثر ، ويحكم فيه حتّى يجتمع فيه جميع الشرائط المعتبرة في المعاملة، وما كان أكثر شرائط من الجميع هو البيع، فيكون القدر المتيقن في انقطاع الأصل الأولي، فاذاً صارت هذه المعاوضة بحكم البيع ، وبعبارة أخرى بيعاً هل يعتبر فيه شرائط الصرف لو كانت متعلّقة بالأثمان أم لا؟ أو يكون الصرف مختصاً بالبيوع المتعارفة وهي التي وقعت بلفظ البيع والشراء - يمكن إلحاقها بالصرف، فيعتبر فيها ما يعتبر فيه؛

ص: 136


1- ينظر: ابن حمزة الطوسي، الوسيلة: 243؛ المحقق الحلي، المختصر النافع: 128؛ العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان : 386/1.

لكونه بيعاً ومتعلقاً بالأثمان، ويكون الصرف القدر المتيقن من البيع لا غيره؛ لكونه أخص من جميع أقسام البيع شرائطَ ، فنلحق المشكوك بالمتيقن ، ويمكن عدمها بناءً على ما ذكر.

والشيء الثاني: إنّهم ذكروا في باب الرِّبا : إنّه لو ضمّ بالمتعاوضين غير جنس الربوي لا يكون الرِّبا (1) - حينئذٍ - بناءً على الصرف القهري بالمخالف ومقتضى ذلك عدم الصرف - أيضاً - إذا كانا مركبين من الذهب والفضة وغيرهما، مثل: أنْ يبيع ديناراً وحيواناً بدينار وحيوان آخر - مثلاً - يصرف كلّ إلى مخالفه؛ لأنّ الصرف بيع الأثمان بالأثمان، وهنا لم يتحقق سواء يلاحظ كل واحد بكل واحد بناءً على الصرف، أو يلاحظ المجموع بالمجموع؛ لأنّ مجموع الذهب وغيره ليس ذهباً، والحال أنهم حكموا بالصرف هنا، وباعتبار شرائطه فيه، فليتأمل فيه، ولعلنا نتعرّض [إليه ] فيما بعد إن شاء الله .

وعلى تقدير وقوع الصرف فيه، هل يعتبر قبض الزائد على الناقص - لو كان أحدهما ناقصاً والآخر زائداً - أو يكون قبض المساوي كافياً، ولا يحتاج إلى قبض الزيادة؟

وجهان من أنَّ المقابل للناقص قدره من الزائد، والزيادة مقابلة للضميمة؛ لوقوع التخلّص من الرِّبا، ومن أنّ الحكم في العرف معلّقٌ على بيع الأثمان بالأثمان، أعمّ من كونه زائداً عن الطرف الآخر أو ناقصاً، والثمن هو المجموع لا المساوي للطرف الآخر، ظاهر الفقهاء قبض الجميع.

ص: 137


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 10 / 425 - 426 .

( في شرطية التقابض)

ثم إنّ التقابض شرط في بيع الصرف على المشهور (1)، بل لا يظهر خلاف معتدٌّ به فيه؛ لانسباق الشرطية من مثل: (لا بيع إلا يداً بيد) (2)؛ مضافاً إلى كون الأوامر والنواهي الواردين في المعاملات يكونان إرشاداً إلى الصحة والفساد.

ومع الغضّ عن ذلك، تعلّق النهي بنفس المعاملة التي لم يحصل القبض فيها، فتكون المعاملة بدون التقابض فاسدةً - هذا مع الشرطية - [لا]سيما بعد ملاحظة الأخبار الناهية عن المقارضة قبل التقابض ، يظهر لك ما في دعوى ورودها في مقام بيان عدم جواز النسيئة.

وكذلك يظهر لك - مما ذكرناه - ما في دعوى ورودها لبيان الوجوب الشرعي، لا الوجوب الشرطي -؛ لما ذكرنا من كون النواهي إرشاداً إلى الفساد والشرطية - وفي مقابل القول بالشرطية مطلقاً قولان آخران :

أحدهما عدم الشرطية مطلقاً، وهو المحكي عن الصدوق(3).

وثانيهما: التفصيل بين متحد الجنس فالشرطيّة، ومخالف الجنس فعدمها (4).

وكلاهما مخالفان للدليل والشهرة، بل الإجماع، فلا يعتدّ بهما.

وهناك أمور لا بُدَّ من بيانها :

الأول: إنّه هل يكون ترك التقابض حراماً، كما يكون مبطلاً، أم لا؟

ص: 138


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 96/2 ؛ ابن البراج، المهذب: 1/ 368؛ الكيدري إصباح الشيعة: 211 .
2- فقد ورد عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (علیه السلام): لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يداً بيد، ولا يبتاع ذهباً بفضة إلا يداً بيد» . الكليني، الكافي: 251/2 باب الصروف، ح31.
3- ينظر: الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 287/3 - 288 المبادلة والعينة ح4036 ، والحاكي عن الصدوق هو الفاضل الآبي في كشف الرموز: 497/1 ، وهو رأي المحقق الأردبيلي أيضاً؛ مجمع الفائدة: 312/8 .
4- ينظر: النووي، روضة الطالبين : 3/ 47- 48 .

ويظهر من بعضٍ (1)الأمران معاً ، ويظهر من بعضٍ(2)الحرمة فقط دون الثاني.

فنقول: إن كان مرادهم بوجوب وحرمة ترك التقابض حرمة التصرّف في العوضين -على تقدير ترك التقابض - فهو حقٌّ؛ لأنّ مقتضى شرطيّة التقابض عدم الانتقال بلا مزية، فيكون التصرّف في المال أكلاً له بالباطل ، كما ذكرنا في الرِّبا(3).

وإن كان مرادهم حرمة العقد بدون التقابض، فهو ممنوع؛ لعدم الدليل على حرمة إجراء الصيغة بدون التقابض، كما أنّ عقد الربوي من حيث هو ليس بحرام ، وإنّما الحرام تصرّف المال الذي هو العوض.

الأمر الثاني: إنَّ التقابض هل هو شرط للصحة، أو شرط في اللزوم؟

وهذا - أيضاً - واضح بعد ما ذكرنا من أنّ التقابض شرط، بمعنى: إنّ تأثيرَ العقد موقوفٌ بالتقابض ، فقبل التقابض لا تأثير للعقد أصلاً، وليس مثل الإجازة - على تقدير كونها كاشفة - عن أنّ العقد وقع أولاً مؤثراً للملكيّة، وإنّما توقف لزومه عليها؟

والأمر الثالث: إنّ الوجوه التي تُحْتمل في الإجازة، هل تأتي هنا - أيضاً - أم لا؟

وبعبارة أخرى: إنّه مثل الإجازة في جريان الاحتمالات الأربعة، وهي: كونها ناقلةً، وكاشفةً كشفاً حقيقياً، وكاشفةً كشفاً حكميّاً، بمعنى: حصول الملكية حين الإجازة، وأحكام الملك ثابتة من حين العقد، وكونها شرطاً متأخراً، أو لا يجري فيه الاحتمالات؟

والحقّ عدم جريان الاحتمالات فيه؛ لحصول الفرق بينهما من وجهين:

الأول: إنّ الإجازة تكون تقريراً للذي ثبت بنفس العقد، وناظراً إلى الذي ثبت بنفس العقد دون التقابض؛ لأنَّه شيء مستقل لا نظر له إلى ما هو ثابت بنفس العقد، بل يكون علّة التمليك وسببه مركباً من أمرين ، فقبل حصول التقابض لا يتحقق ملك أصلاً، بل به يحصل

ص: 139


1- العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 416/10.
2- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 334/3.
3- يراجع صفحة 127 .

الملك دون الإجازة - على تقدير الكشف - فإنَّ الملكيّة حاصلة بنفس العقد.

والثاني: إنّ عدم الرِّضا هناك مانع، والمقتضي موجود - وهو العقد -، والتقابض هنا مقتضي.

نعم، يجري فيه من الاحتمالات النقل، وكونه شرطاً متأخراً، بناءً على توقف الجزء السابق - وهو العقد - من حيث التأثير عليه.

الأمر الرابع: إنّه لو قبض أحد العوضين، وتلف قبل قبض العوض الآخر، فنقول: إمّا أن يكون التالف مضموناً، سواء كان الضمان بواسطة شرط الضمان أو تكون الفتوى على الضمان، أو لا يكون مضموناً، وسواء كان عدم الضمان بواسطة إسقاطه، أو بواسطة كون الفتوى على عدمه.

وأما على تقدير الضمان يحتمل الصحة بناءً على الانتقال إلى البدل بسبب الضمان فيحصل التقابض بالنسبة إلى البدل نظير ما لو تلفت العين فيُنقل الخيار إلى بدله، ويحتمل عدم الصحة، بناءً على أن ما هو المعتبر تقابض العوضين دون البدل، وانتقال الخيار إلى البدل مخالف للأصل.

وأما على تقدير عدم الضمان، يحتمل الفرق بين ما لو جعلنا التقابض كاشفاً، فنحكم بالصحة، و[ بين ما ] لو جعلناه ناقلاً [ف-] نحكم بعدم الصحة، سواء كان ناقلاً أو كاشفاً - بناءً على كونه شرطاً، بناءً على الكشف أيضاً - غايته كونه شرطاً في اللزوم، وبعد عدم حصوله ينفسخ العقد؛ إذ قد عرفت كونه شرطاً للصحة، فيحكم بعدم الصحة بلا إشكال - على تقدير عدم الضمان - بل على تقدير الضمان.

وأما لو تغيّر العين المقبوضة، فنقول : تغيّرها إمّا أن يكون بحيث خَرَجَت عن الماليّة فبحكم التلف، أو يكون باقياً على الماليّة فيحكم بالخيار.

وأمّا على تقدير بقاء العين المقبوضة وعدم تغيّرها، فلا إشكال في الصحة على تقدير قبض الآخر، وعدمها على تقدير عدمه.

و مما يتعلّق بهذه المسألة: ما لو باعا وقبضا في نصف العوضين، وتلف النصف من كلِّ

ص: 140

منهما قبل قبضه فيحكم بالصحة في المقبوض ، وبالبطلان في غيره، بلا خلاف فيهما، على أنّ الحكم فيهما على القاعدة؛ لحصول الشرط في النصف المقبوض ، وعدم حصول الشرط في غير المقبوض .

لكن وَرَدَ خبرٌ ظاهرٌ في البطلان بالنسبة إلى الجميع وهو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام): ( عن الرجل يبتاع من رجل بدينار، فيأخذ نصفه ورِقاً و بنصفه ديناراً، قال: «لا بأس»، وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورِقاً، وبنصفه شيئاً، ويترك النصف الآخر حتّى يأتي بعد فيأخذ منه ورِقاً، أو شيئاً؟ قال: ما أحبُّ أنْ أترك شيئاً حتّى آخذه جميعاً»(1).

فلا يقابله، لكنه مخالفٌ للإجماع وللقاعدة، مع ضعف دلالته؛ بواسطة (لا أحب)، وهو قرينة على أنَّ المراد من النهي الكراهة، ومحتمل للتأويل على إرادة السائل صحة المجموع بالمجموع.

ومحتمل - أيضاً - أنَّ مراده عدم إيقاع البيع الآن، بل يأخذ النصف على سبيل الاقتراض، ثم يبيع بعد.

وكيف كان، فالأمرُ سهلٌ ؛ لانعقاد الإجماع (2) على المسألتين.

ولكن الإشكال في أنّه لو قبض أحدهما الناقص، والآخر الزائد، بناءً على أنَّه لو صحَّ حتّى بالنسبة إلى الزائد يلزم الرِّبا، ظاهر الفقهاء هنا الصحة حتّى بالنسبة إلى الزائد؛ لإطلاقهم الصحة.

لكن يرد الإشكال المزبور .

ص: 141


1- ينظر: الكليني، الكافي : 5 / 247، ح 13، ونصُّ الحديث: «... عن الحلبي سألت أبا عبد الله عن رجل ابتاع من رجل بدينار فأخذ بنصفه بيعاً وبنصفه ورِقاً؟ قال: لا بأس به، وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورِقاً أو بيعاً ويترك نصفه حتّى يأتي بعد فيأخذ به ورِقاً أو بيعاً؟ قال: ما أحب أن أترك منه شيئاً حتّى أخذه جميعاً فلا يفعله».
2- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد : 58/4 ؛ المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 363/18؛ النجفي، جواهر الكلام: 22 / 214 .

ويُمكن القول: بأنّ المجموع هو معاوضة الزائد بالناقص، والمعاوضة هنا على التساوي أولاً والاعتبار بها.

لكن يُمكن دفعه بأن المعاوضة وإنْ وقعت على التساوي إلا أنّ الانتقال لم يحصل إلا في حال التقابض، فالمعاوضة في هذه الحال حقيقية، فلا بُدّ من القول بعدم الصحة بالنسبة إلى الزائد؛ لعدم حصول التقابض بالنسبة إليه.

فعلى هذا تتبعض الصفقة بالنسبة إلى كلٍّ منهما، فيكون الخيار لهما لو كان التلف بغير تفريطهما، ولإحدهما لو كان التلف بتفريط الآخر، وليس لإحدهما لو كان بتفريطهما .

ولا بُدَّ هنا من بيان شيء لم يذكره الفقهاء، وهو: إنّه لو ضمّ إلى العوضين عروضاً، وقبض الأثمان دون العروض، فتارةً يكون الثمنان متساويين، وتارةً يكونان مختلفين بالزيادة والنقص فنقول :

الظاهر صحة البيع بالنسبة إلى الأثمان والعروض جميعاً؛ لشرطية التقابض في بيع الأثمان، وقد حصل، وعدم الاشتراط بالنسبة إلى العروض.

لكن يشكل بالصحة لو كانت الزيادة في طرف أحدهما ولم يقبض الضميمة - التي هي العروض - بناءً على ما قرر في التخلّص عن الرِّبا من أنّه ينصرف كل جنس إلى مخالفه لو ضمّ، فعلى هذا لو باع عشرة دراهم و حيواناً بعشرين درهماً، فتكون العشرة مقابلة للعشرة، والعشرة الأخرى مقابلة للضميمة، ولم تقبض، فلم يحصل الملك في الزائد بناءً على عدم التقابض.

لكن يُمكن القول بالصحة، بناءً على أنّ اعتبار التقابض بالنسبة إلى الأثمان بالأثمان، لا بالنسبة إلى الأثمان بالعروض، فلم يعتبر التقابض بالنسبة إلى العروض، فيكون صحيحاً ومقابلةً.

وليُعلمْ أنّ جميع ما ذُكِر في خيار المجلس آتٍ هنا مثل موت أحد المتبايعين، أو قبض أحدهما، أو قبض الوكيلين، أو أحدهما، فلا نطيل الكلام بذكرها.

ص: 142

[بيانٌ لشيئين]

هنا شيئان ذَكَرَ أولهما بعضُ الأفاضل - وهو صاحب الجواهر - وثانيهما يحتمل أن يقول به فقيه، وإن لم يذكره أحدٌ:

أما الأول فهو : إنّ الفاضل المزبور فرّق بين المسألة وخيار المجلس - بالنسبة إلى اشتراط عدم الافتراق قبل التقابض - وقال : ( بأن الافتراق القهري ليس بمضرّ هناك، بخلافه هنا فإن الافتراق مضرّ - ههنا - ولو قهراً لإطلاق المدارك (1)) (2) ، وكأنّ نظره إلى أنّ المدرك في باب الخيار هو: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (3)، والافتراق ظاهر في الاختياري، بخلافه هنا ، فإنَّ المعتبر بيع اليد باليد، وهو غير صادق على تقدير الافتراق القهري أيضاً .

لكن هذا محلُّ نظرٍ من وجهين:

الأول: إنّه مخالفٌ لكلمات الفقهاء؛ حيث يشترطون التقابض قبل الافتراق وهو ظاهر في الاختياري، ومخالفٌ لكلامه - أيضاً - حيث قال: (لو بدَّل المحقق التقابض في المجلس بالتقابض قبل الافتراق كان أولى) (4).

والثاني: إنّا نقول: إنّ الأخبار المتضمنة لبيع اليد باليد؛ للاحتراز عن النسيئة، لا لبيان شرطية عدم الافتراق مطلقاً، والأخبار الأخر دالة على عدم الافتراق، مثل: «فلا تفارقه حتّى تأخذ منه ، وإنْ نزى حائطاً فانزْ معه» (5) . وهو ظاهر في الاختياري، فالمدرك هناك وهنا من باب واحد.

والثاني من الشيئين: إنّه لو شك في صدق الافتراق مثل التخطّي، فربّما يتخيّل الفقيه إنّ القاعدة البطلانُ هنا دون هناك؛ لأنّ الافتراق هناك مانعٌ ، والمقتضي موجود - وهو العقد - ،

ص: 143


1- (الأدلة). من السيد حسن الصدر الكاظمي(قُدِّسَ سِرُّهُ) .
2- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 6/23 .
3- الكليني، الكافي: 170/5 ، باب الشرط والخيار في البيع، ح6.
4- ينظر: النجفي، جواهر الكلام 9/24 .
5- الطوسي، الاستبصار : 93/3 ، باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة، ح3.

ولو شك في المانع فالأصل عدمه، بخلافه هنا، فإنّ التقابض قبل الافتراق، وعدم الافتراق ههنا شرط، والشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط، فيكون باطلاً.

لكن هذا المثال - أيضاً - فاسد؛ لأنَّه مسلّم حيث لا يكون وجود الشرط موافقاً للاستصحاب.

وأما إذا كان موافقاً للاستصحاب فلا نسلّمه - كما فيما نحن فيه؛ لأنّ الشرط وجوده محقق سابقاً، ونشك في ارتفاعه بمجرّد الخطوة، فنستصحب وجوده.

[ الكلام في بعض ما يتعلق ببيع الصرف]

[ أولاً : ]

ومما يتعلّق ببيع الصرف ما لو اشترى دراهم بدنانير، ثم يشتري الدنانير بالدراهم قبل قبض الدراهم، فالمشهور بين الأصحاب (1) بطلان البيع الثاني (2)، وكذا الأول سواء كانت الدراهم المشتراة أولاً كلية في الذّمة، أو كانت مشخّصة؛ لعدم ملكه لها قبل التقابض، وهذا الحكم موافق للقاعدة.

وليس بناؤه على عدم جواز الشراء بما لم يقبض قبل كيله ووزْنِه؛ لأنَّه يجوز الشراء بالدراهم الكلّية قطعاً.

وليس مبنياً - أيضاً - على أنَّه بيع دَين بدَين؛ إذ قد عرفت عدم ملك الدراهم حتّى يصير ديناً على البائع.

وأما كلام الأصحاب، فمنهم وجّهَهُ من جهة الأول، وقد عرفت ضعفه، ومنهم من وجّهه بأنَّه إذا كانت الدراهم في الذّمة يصير [مِن] بيع الدَّين بالدَّين، وقد عرفت ضعفه أيضاً ؛ بأنَّه لم يحصل الملك حتّى يصير ديناً.

مضافاً إلى أنّ المراد من بيع الدَّين بالدَّين ما كان ديناً قبل البيع، لا ما كان ديناً بواسطة

ص: 144


1- ينظر: المحقق الحلي، النهاية ونكتها : 2/ 127 .
2- يوجد في المخطوط بعد هذه الكلمة عبارة : ( على الأشهر بين الأصحاب).

البيع، والمخالف في المسألة ثاني الشهيدين (1) ، وثاني المحقّقين (2)حيث أجاز العقد الثاني بناءً على الفضولي، ويحصل الملك لو حصل التقابض بعد.

وضعفُهُ واضحٌ؛ لوضوح عدم كونه من الفضولي؛ لأنَّه من قبيل بيع مال شخص بنفسه، والفضولي بيع مال الغير بغيره، وهنا بيع مال الشخص بنفسه في الحقيقة - بناءً على عدم حصول الملك قبل الملك - فتكون الدراهم باقية على ملك البائع.

مضافاً إلى أنَّه على تقدير القبض يحصل الملك من حين القبض، لا من حين العقد حتّى يصح العقد، مضافاً - أيضاً - إلى منع الفضولي فيما لو باع مال الغير بغيره ثم انتقل إليه بالقبض.

وخالف الحلّي (3)- أيضاً - فيما لو كانت الدراهم المبتاعة - أولاً - عيناً، وحصل التقابض بعدُ، فصحّح العقدين، دون ما لو كانت الدراهم كليّة ما في الذّمة؛ لأنَّه يصير بيع دين بدين، وقد عرفت وهنه.

وكيف كان، فالمتجه بطلان البيعين معاً لو لم يحصل التقابض بعد، وأما إذا حصل التقابض [ف-]لا يبعد صحة البيع الأول.

[ثانياً :]

ومما يتعلّق بهذا الباب ما لو كان لشخص على شخص دراهم مثلاً ، ثم اشترى الشخص الأول من الثاني بها دنانير ، صحَّ البيع وإن لم يتقابضا .

وهذا الحكم مخالف للقاعدة، إلا أنَّه ورد على طبقه النص، فيكون الحكم تعبدياً خارجاً عن القاعدة، وبعضهم (4) بنوه على مقدّمات خمس كلّها أو بعضها ممنوعةٌ .

منها: إنّ ما في الذّمة مقبوضٌ ، ضرورة بطلان ذلك؛ لعدم كون ما في الذّمة للغير

ص: 145


1- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 3/ 335 .
2- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 4/ 200.
3- ينظر : ابن إدريس الحلّي، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 373/3 .
4- لم نعثر عليه.

مقبوضاً للغير.

ومنها: إنّ التوكيل في العقد يستلزم التوكيل في القبض، وهو - أيضاً - ممنوعٌ.

فالحقُ: إنّ هذا الحكم - على تقدير تسليمه - تعبُّدٌ بخلاف القاعدة، إلا أنّه يُمكن حمل الأخبار الواردة على وفاء الدين.

والأمرُ بالتحويل الوارد في الأخبار، معناه الأمر بقبوله عوضاً لدينه - مثلاً - وحسابه عوضه، نظير المال المشخّص، مثلاً : لك على شخص حقّة من الحنطة، وقبضت حقّة من الشعير من ماله ليحسب عوض حقّك كذلك في الذّمة .

[ ثالثاً: ] ومما يتعلّق ببيع الصرف هو: إنّ عدم الافتراق هل يعتبر بالنسبة إلى الوزن والنقد أيضاً أم لا؟

وقال بعضٌ كالشهيد (1) ، والعلّامة (2)، وغيرهما (3) : بأنَّه لا يعتبر عدم الافتراق في الوزن والنقد، بل لو اشتمل المقبوض على الحق ، وورد رواية (4) أيضاً .

والتحقيق: إنّ ما وقع عليه العقد، إمّا أن يكون شخصاً، أو كلياً في الذّمة:

والأول يكفي فيه مجرّد القبض قبل الافتراق، ولو كان وزنه واعتباره بعد الافتراق لكن بشرط أن يكون بقدر الحق، وإلّا يكون البيع بالنسبة إلى القدر الناقص باطلاً؛ لعدم التقابض.

ص: 146


1- ينظر : الشهيد الأول، غاية المراد: 72/2.
2- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 2/ 38.
3- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 13/24 .
4- هي رواية إسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير، وأتزن منه، فإن له حتّى أفرغ ، فلا يكون بيني وبينه عمل، إلا أن في ورقه نفاية، وزيوفاً، وما لا يجوز، فيقول: انتقدها وردّ نفايتها، فقال : ليس به بأس، ولكن لا تؤخر ذلك أكثر من يوم، أو يومين، فإنما هو الصرف، قلت: فإن وجدت في ورقِهِ فضلاً مقدار ما فيها من النفاية ؟ فقال : هذا احتياط، هذا أحب إليَّ». الكليني، الكافي : 5 / 246 ، باب الصروف، ح7.

وأما الثاني، فلا يخلو من صور :

الأولى: أن يدفع إليه ويقبض ما هو بقدر حقّه لا أزيد، وبحكمه ما لو دفع إليه أزيد، لكن عيّن حقّه، وهذا لا إشكال فيه أصلاً.

والثانية: أن يدفع إليه أزيد من حقّه، مثلاً: دفع إليه حقّتين، والحال أنَّ حقَّه حقةٌ، وهذا على قسمين:

الأول: أن يدفع إليه ويقول : نصفُه المشاع مالُك. فتعيّن الكلّي به؛ لأنّ نصف المشاع معيّن، ولا إجمال فيه.

والثاني: أن يدفع إليه ويقول له: خُذْ مبيع الكلّي منه. فما عيّن حقه منه، وفي هذا يشكل تحقق القبض؛ لأنَّه لا يتعيّن إلا بالتعيين، والمفروض عدمه، فلا يصدق قبض المبيع، فالكلّي قابل لتعيّنه في ضمن كلٍّ من الأفراد، فيحصل فيه إبهام، فلا يصدق القبض.

وكلمات الأصحاب مطلقة حتّى بالنسبة إلى هذه الصورة، والرواية - أيضاً - شاملةٌ لها، بل هي الظاهر منها ، فيشكل الأمر.

إلا أنْ يُقال: يصدق القبض عرفاً بمجرد قبض شيء يكون مشتملاً على الحقّ، وهذا أيضاً مشكل ؛ لعدم حكم العرف بذلك، ولو فرض حكمه يكون على سبيل المسامحة، إلا أن تُحمَل الرواية، وكلمات الأصحاب، على صورة الإشاعة.

[ رابعاً: ]

ومما ذكروه في هذا الباب : تعميم الحكم بالجواز بالنسبة إلى المصوغ والنقار (1) بالنسبة إلى الرِّبا ، بمعنى: إنّه يجوز بيع المصوغ بالنقار وبالعكس، والنقار بالنقار، والمصوغ بالمصوغ، والحال أنّ المصوغ تكون قيمته أزيد من النقار، وكأن نظرهم إلى أنّ الصياغة من قبيل الأوصاف، ولا يقابل بالأموال، ولا يصدق الزيادة عليها.

لكنهم ذكروا: إنّه لو اشترط الصياغة يكون من الرِّبا ، كأن يبيع النقار بالنقار، واشترط عليه صياغته ، لكن هذا يُشكل على إطلاقه، ومنشأ الإشكال عدم الفرق بينهما.

ص: 147


1- النقار : ما ليس بمضروب من الذهب والفضة . ينظر : الطريحي، مجمع البحرين: 501/3 .

فإن قلتَ : الفرقُ بينهما أنّ هناك من قبيل الأوصاف، مثل الحمرة و [البياض ](1) في الحنطة، والثاني من قبيل الشروط، والشروط تقابل بالأعواض مثل الأجل، فتصدق هنا الزيادة دون هناك (2).

فإن قلتَ: إنّهم قالوا إنّ الأوصاف لا تكون من قبيل الزيادة، سواء ذكرت بعنوان الوصفيّة، أو بعنوان الشرطيّة، والشاهد على ذلك أنَّهم يقولون: لو بيع حقّة من الحنطة بمثلها، واشترط أن تكون [بيضاء](3) أو جيدة، يكون البيع صحيحاً، وهنا - أيضاً - من هذا القبيل؛ لأنَّه يباع مثقال من النقار بمثقال من النقار ، واشترط أنْ يكون مصوغاً.

إلَّا أنْ يُقال: إنّ مرادهم في هذا المقام من شرط الصياغة، شرط العمل لا شرط الصياغة النفس الأمريّة، بمعنى: إنّه يباع ويشترط أن يصوغها - فحينئذٍ - يكون من قبيل شرط العمل، ويكون زيادة قطعاً.

[ خامساً: ]

ومما ذكروه في هذا الباب بالنسبة إلى الرِّبا: إنّه لو بيع فضة مغشوشة بفضة خالصة أزيد من المغشوشة، يكون صحيحاً ولا ربا؛ لأنّ الغش يكون مقابلاً للزيادة، وهذا على إطلاقه مشكل؛ لأنّ الغش قسمان:

[1:] قسم يحصل بسببه التركيب، كأنَّه شيئان رصاص وفضة.

[2:] وقسم لا يكون فيه التركيب بحسب العرف، بل يكون فضة رديئة، ولا يقولون هو مركب من شيئين .

وما يثمر في دفع الرِّبا هو الأول دون الثاني؛ لأنَّه ليس شيء يقال له ضميمة بحسب العرف؛ لأنّ المتبادر من الضميمة هي: كون المبيع شيئين:

[1:]شيئاً في مقابل الزيادة.

ص: 148


1- ما في المخطوط: البيضة، والصحيح ما أثبتناه.
2- أورد هذا القول - والذي يليه - من غير أنْ يُجيب عنه .
3- ما في المخطوط : بيضة، والصحيح ما أثبتناه.

[2:] وشيئاً في مقابل المساوي.

والرواية الواردة ظاهرها الأول؛ لأنّ السائل ينقص درهمين، أو ثلاثة دراهم، فيشكل ما أطلقوه.

وكذلك الغش قسمان:

[1:]قسم يتسامح بمثله، فلا يُقال: شيء مع شيء آخر ؛ لقلته.

[2:] وقسم لا يتسامح به؛ لكثرته.

ولا بُدَّ أنْ يكون مرادهم هو الثاني، هذا في صورة العلم بمقدار الغش والفضّة الخالصة.

وأما لو جهل المقدار، فحكموا بعدم جواز بيعه إلا [...] (1)فيه، والحال أنَّه لا دليل على بطلانه وعدم جوازه؛ لأنّ عمومات البيع (2)، وتجارة عن تراض(3) قائمةٌ.

غاية الأمر إنّ الزيادة مانعة في الربويات، وحال الجهل لم يعلم المانع، والأصل عدمه، فيحكم بالصحة؛ لوجود المقتضى، وكأنَّ نظرهم إلى أنَّه يكون البيع بواسطة أدلّة الرِّبا قسمين:

[1:] قسم يشترط فيه المساواة كالربويات.

[2:] وقسم لا يشترط فيه المساواة، فتكون المساواة شرطاً لهذا القسم.

وحال الجهل لا يحرز الشرط، فيحصل الشك فيه، فيحصل الشك في المشروط بسببه، فيكون الأصل الأولي - وهو الفساد وعدم انتقال الثمن والمثمن - بحاله، فيحكم بالفساد من هذه الجهة.

ص: 149


1- الكلمة في المخطوط غير واضحة.
2- لقوله تعالى: «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ». البقرة: 275.
3- لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ.» النساء: 29

ص: 150

مسائلُ عشرون

إشارة

مسائلُ عشرون(1)

[المسألة] الأولى:

في أنّ الدرهم والدينار يتعيّنان بالتعيين كسائر الأشياء، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال بعدم التعيين (2) ، وكأنّ نظره في هذا الكلام:

إمّا إلى أنّ المقصود فيهما في الحقيقة للمتبايعين هو الكلّي، والتعيين من باب أحد الأفراد، وإمّا إلى أنّ التعيين بسبب الخصوصيات والاختلافات، وليست في الأثمان.

[المسألة] الثانية:

إنّه لو تعيّنت فظهرت مخالفة بغير الجنس، أو ظهرت مخالفة في الوصف، أو معيّنة، وكلٌّ من هذه الثلاث على قسمين؛ لأنَّه إمّا أن يكون تمام المبيع على هذه الكيفيّة، وإمَّا أن يكون بعضه على هذه الكيفية، فهذه ستُّ صورٍ:

الأولى: فهي صورة ظهور الجميع مخالفاً في الجنس، فحكموا ببطلان العقد فيها (3)؛ لأنَّ المبيع الشيءُ المعيّن، فلمَّا ظهر غيره لم يتحقق المبيع، وأجمعوا على ذلك، لكن يُشكل من وجهين :

الأول: إنَّ اتفاقهم هنا لا يجتمع مع اختلافهم في الموارد الفقهية بتعارض الاسم والإشارة، فبعضهم يقدّمون الاسم على الإشارة، وبعضهم يقولون بالعكس (4) ، ومقتضى اختلافهم هناك عدم اتفاقهم هنا؛ لأنَّ المبيع هنا هو المشار إليه المسمّى باسم.

والثاني : إنّه ما الفرق بين تخلّف الجنس وتخلّف الوصف، حيث يحكمون في الأول

ص: 151


1- لم يذكر المصنف في هذا المحلّ غير أربع مسائل فقط.
2- ينظر: النووي، المجموع: 332/9 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 2/ 291؛ المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 421/8 .
4- ينظر: الأعرج ، كنز الفوائد : 3/ 202؛ الأنصاري، المكاسب : 255/5؛ كاشف الغطاء، شرح خيارات اللمعة: 118 .

بالبطلان دون الثاني؟ مع أنّ الموصوف بالوصف غير العاري عن الوصف، فيكون المبيع مختلفاً.

على أن الاختلاف في تقديم الإشارة أو الاسم يجري هنا أيضاً، فلا بُدَّ أن لا يتفقوا في الصحة.

(في تعارض الاسم والإشارة)

فعلى هذا، فلنُقدّم الكلام في القاعدة الكلية في تعارض الاسم والإشارة، هل هي تقدّم الاسم أو الإشارة؟

فنقول فيها كلام بحسب المعنى والدلالة المعنوية، وكلام في الدلالة اللفظيّة.

أمّا الكلام في الجهة الأولى، فهو أنّه يتبع فيها قصد المتكلّم، فإن عُلِمَ أن مقصوده هذا الشيء الخارجي، والتسمية بالاسم من باب العنوان، تُقَدَّم الإشارة قطعاً، وإن عُلِمَ أنّ المقصود هو المسمّى بهذا الاسم والإشارة من باب اعتقاده أنَّ المشار إليه هو المسمّى بهذا، يتبع قصده، وأما إذا لم يعلم مقصوده، فيحكم بالإجمال من حيث المعنى، ونرجع إلى القرائن الخارجة.

وأمّا بحسب الدّلالة اللفظيّة، فنرجع فيها إلى القرائن الثابتة في اللفظ، وإلا فيرجع إلى القرائن الخارجة الدالّة على مقصود المتكلّم.

ونزاع الفقهاء في موارد التعارض في ثبوت القرينة الدّالة على المقصود وعدمها، فنقول -في المقام في بيان الفرق بين تخلّف الجنس وتخلّف الوصف - :

أولاً : إنّ القرينة قائمة في مقام تخلّف الجنس [على] أنّ المقصود هو المسمى بالاسم المشار إليه، ولو لم يكن مسمّى بالاسم؛ لأنَّه من الواضح إذا عُرض على العرف [ف-] إنّ مقصودهم المسمّى بالاسم، وفي مقام تخلّف الوصف المقصود فيه الحنطة مثلاً، والأوصاف تابعة لها، والغرض الأصلي هو المشار إليه لا الوصف.

وثانياً : إنّ القرينة الدالّة على الفرق ثابتة في خصوص العقود؛ لأنّ العقد يحتاج إلى

ص: 152

أركان: العاقد، والمعقود، والمعقود عليه، وقبل تحقق الأركان لم يثبت المقتضي للصحة، وأركان الصحة، حتّى يتمسك في نفي الباقي بالأصل وغيره، وفي مقام تخلّف الجنس لم يتحقق ركن العقد، بخلافه في مقام تخلّف الوصف؛ لأن الركن متحقق هناك، والكلام في ثبوت شيء زائد عليه.

فالحكم بالفساد - هنا - من باب أنَّه لم يتحقق ركن العقد حتّى يتمسك في نفي الزائد واعتباره بالأصل في مقام تخلّف الوصف تحقق المقتضي للصحة - وهو العقد - فيُحْكم بالصحة حتّى يثبت خلافه.

وثالثاً: إِنَّ الإجماع قائم على الصحة في تخلّف الوصف، وإلّا فمقتضى القواعد كونه مثل تخلّف الجنس، ومثل هذه الصورة الصورة التي أظهرت المخالفة في الجنس في بعض المبيع، فيحكم ببطلان البيع بالنسبة إلى المجرّد المخالف، وصحة الموافق، فيثبت خيار تبعض الصفقة للمشتري، وكذا للبائع لو كان جاهلاً بالعيب، وأمّا لو ظهر المبيع معيباً من الجنس وعدمها، وهو الخصاء:

أولاً : إنّه لا يكون فيه منفعة شرعيّة، وقلّما يرغب فيه الناس، فلا يكون شيئاً مالياً.

وثانياً : إنّه على فرض أنَّه شيء ماليّ يحصل بإزائه المال بحسب العرف؛ لتعلّق الأغراض به، إلا أنّه مفوّت للمنفعة المقصودة من الفحولة - وهي الصحة - فيكون عدم الفحولة في نفسه نقصاً، مع قطع النظر عن ملازمته لصفة أخرى - وهي الخصاء - فيمكن أنْ يُقال:

إنّه نقص القيمة بانتفاء وصف الصحة، فيُجبر بالأرش؛ لأنَّ الأرش عن نقص حصل بسبب انتفاء وصف الصحة بما هو انتفاء؛ لأنّ العيب عبارة عن عدم الصحة، فعدم الفحولة يكون سبباً للنقص ، إلّا أنه لما كان ملازماً لصفة أخرى صارت القيمة بسببها زائدة.

[ وثالثاً ]

ص: 153

[ وثالثاً ] (1): إنَّ وصف الصحة ليس له قيمة كشعر العانة، بل عدمه مطلوب، ففي هذا لا يتصور فيه الأرش أبداً؛ لأن الصحيح لا يكون له قيمة حتّى يتصوّر التفاوت بينه وبين المعيب، والظاهر من العلماء عدم التفصيل بين القسمین.

والحقُّ: إنّه لا فرق في القسمين في عدم تصوّر الأرش؛ لأنّ عدم الفحولة - الذي يكون عيباً - عبارة عن الخصاء، وهي لا تنقص القيمة حتّى يتصوّر التفاوت والأرش، ولا يتفاوت كون الصحيح له قيمة أم لا، لأنّ المدار في ثبوت الأرش نقص القيمة، إلا أنْ يمنع مانع عن كون الخصاء شيئاً مالياً يجعل بإزائه المال، والمنع ممنوع؛ بإن الخصاء - وإن كانت - لا يكون لها شرعاً منفعة، لكن يكون لها بحسب العرف جهة ماليّة، حتّى لو لم يكن الغرض المتعلّق به هي الفائدة العرفية - أيضاً - يكون له قيمة زائدة.

وعلى تقدير أنّه لا يثبت الأرش، بل يسقط ، هل يكون سبب الخيار للبائع؟

إمّا لأنَّه صار متضرراً بواسطة جهله؛ لأنَّه دفع عبداً تكون قيمته خمسين ديناراً، بعوض عبد تكون قيمته ثلاثين ديناراً، وإما لأجل تخلّف الوصف؛ حيث إنّ وصف الصحة ملحوظ في المبيع - بناءً على أنّ الصحة قيد للمبيع - ينصرف الإطلاق إليه عرفاً، فبعد تخلّف هذا الوصف يثبت الخيار للبائع.

والظاهر - كما قلنا سابقاً - أنَّ وصف الصحة ليس قيداً للمبيع حتّى يصير انتفاؤه سبباً لخيار تخلّف الوصف، بل قلنا إنّ هذا الوصف شيء تعبدي جاء من قبل الشارع، فلم يثبت للبائع خيار تخلّف الوصف.

وإمّا من باب الضرر، فغير بعيد؛ حيث لا يكون عالماً حين دفعه.

المسألة الثالثة:

في أنَّه - مع فرض هذا العيب المذكور - لو حدث مانع من موانع الردّ، مثل التصرّف وحدوث العيب، هل يكون المانع من الردّ مانعاً من الردّ حتّى في هذه الصورة التي ليس فيها الأرش، أو يكون مانعاً في غير هذه الصورة، باعتبار أنّه لو لم يجز له الردّ يتضرر بصبره على المعيب، خصوصاً في حدوث العيب؟

والأدلّة الدالّة على أنّ حدوث العيب في المبيع مانعٌ من الردّ، منصرفةٌ إلى الصورة التي يثبت فيها الأرش، إلا أن نمنع الضرر في هذه الصورة؛ لأنّ المفروض أن قيمة المعيب أزيد من الصحيح، فلا ضرر مالياً حتّى يجبر بشيء.

ص: 154


1- ما في المخطوط : (والثاني)، والصحيح ما أثبتناه؛ للسياق.

إلا أَنْ يُقال: إنَّه وإنْ لم يكن ضرراً مالياً، إلّا أنَّ الضرر يمكن باعتبار قصده؛ لأنّ مقصوده في ذلك البيع هو شراء العبد الفحل، أو البغل الفحل؛ ليحصل له النتاج.

إلا أنّ المدار في الضرر هو الضرر النوعي لا الشخصي، والضرر المالي لا [...] (1)خلاف المقصود.

فالحقُّ أَنْ يُقال: إِنَّ المشتري إمّا أن يقصد العبد الفحل ثم ظهر العبد خصيّاً، [فلا] يثبت له الخيار، بل يكون البيع باطلاً؛ لأنّ العقد وقع على الخصي وهو لم يقصده، والعقود تابعة للقصود، أو لا يكون مقصوده الفحل، والعقد تعلّق بالمطلق، لم يثبت له خيار الردّ أبداً ؛ لأنّ منشأه إنْ كان هو الضرر قلنا إنّ الضرر منتفٍ.

[ والمسألة الرابعة]:

كون العوضين ربويين، فإنَّ أخذ الأرش يوجب الرِّبا - كذا قالوا(2)۔ ولكن نبيّن الحال حتّى يظهر الواقع، فههنا مقدّمة، وفيها شيئان:

الشيء الأول: في بيان أنَّ الرِّبا بأيٍّ من الاحتمالات التي سبقت للأرش يتحقق، فنقول:

أمّا على الاحتمال الأول، وهو كون الأرش جزءاً من الثمن المقابل لوصف الصحة، فيكون بانتفاء الصحة نظير تبعّض الصفقة، فلا ( يكون ) (3) يتحقق الرِّبا أصلًا ؛ لأنَّه على هذا التقدير والاحتمال - بعد ظهور العيب - يحصل الكشف [عن] إنّ البيع بالنسبة إلى جزء من الثمن المقابل لوصف الصحة كان منفسخاً من أصله؛ لأنَّه لا يكون لهذا الجزء مقابل، فلا يكون - حينئذٍ - ربا أصلاً، بل يكون تفاسخ وانفساخ ، إلا أنَّ هذا الاحتمال بعيد جداً؛ لأنَّه ليس على هذا التقدير أرش؛ لأنّ الأرش هو التفاوت [في] القيمة بين الصحيح والمعيب، وهنا يكون الانفساخ رأساً، وخلاف الظاهر من الأخبار؛ لأنَّه يكون في الجزء يرجع بالقيمة أرش النقص، وخلاف قصد المتبايعين؛ لأنّ مقصودهما جعل تمام الثمن بإزاء تمام المثمن، لا

ص: 155


1- الكلمة في المخطوط غير واضحة.
2- ينظر: الحلبي، غنية النزوع: 222؛ العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 131/11؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 499/1.
3- كذا في المخطوط.

بإزاء الأوصاف، خصوصاً في مثل المعاملة النسيّة والربويّة.

وأمّا على الاحتمال الثاني، وهو كون الأرش جزءاً من الثمن، يكون لأجل وصف الصحة، لا في مقابله، وما يكون داعيه على ازدياد كونه متصفاً بهذا الوصف، وتكون ملكية البائع لهذا الجزء متزلزلةً، دائرةً مدار ظهور العيب.

،وعليه، فإذا بانَ العيبُ ظهر عدم ملكيته، فعلى هذا - أيضاً - لا يتصور الرِّبا.

ص: 156

( في خيار العيب وأحكامه وفروعه )

إشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

( في خيار العيب وأحكامه وفروعه )

الكلام في خيار العيب، وإنّما أفرد الفقهاءُ ذلك عن الخيارات؛ لكثرة أحكامه، وشدّة الاهتمام به والظاهر أنَّ تقابل الصحة والعيب هو تقابل العدم والملكة؛ لأنّ العيب عبارة عن عدم الصحة عما من شأنه أن يكون صحيحاً، والظاهر أنَّهم اصطلحوا إطلاق هذا التقابل على الشيئين اللذين ليس بينهما واسطة (1).

وقبل الشروع في المطلب نذكر مسائل لها ارتباط بالمطلب، وتكون من متعلّقاتها: الأولى :

إنَّ هذا الخيار [هو] من باب نفي الضرر وأخباره، أو يكون ثبوته من باب الأخبار الخاصة، بمعنى كونه تعبدياً؟

والأقرب أنّه من باب الأخبار الخاصة، وكأنّ ذلك هو السبب في إفراده عن الخيارات الأخر؛ لأنَّ مدركها (لا ضرر ولا ضرار).

والثانية: إنّ مرجعه إلى خيار تخلّف الوصف، أو الشرط، بمعنى : إنّ الصحة كأنّها وصف للمبيع، فكأن المشتري اشترى مبيعاً موصوفاً بالصحة، أو مشروطاً بالصحة، أو أنّ الصحة من لوازم الإطلاق عرفاً، فإذا قاَل المشتري: اشتريت هذا. يفهم منه - - عرفاً - الصحيح، أو أنّ الصحة من لوازمه شرعاً، بمعنى: إنّ الشارع جعل هذا لازماً للإطلاق. وليس من قبيل الأول يقيناً؛ لأنّ الأوصاف والقيود في الكليات تكون منوعة ومشخّصة للمبيع، فلا يكون - حينئذٍ - المعيب من أفراد المبيع حتّى يثبت الخيار، ولازم ذلك تخصيصه بالمبيع الشخصي، وهو باطلٌ بالإجماع.

ص: 157


1- ينظر: العلّامة الحلي، الجوهر النضيد: 33 - 34.

وليس من قبيل الثاني أيضاً، وإلّا لكان في جميع العقود؛ لأنَّ العرفَ لا يفرّق بين البيع وغيره من الوصايا، فتعيّن كونه من قبيل الثالث.

الثالثة: إنَّ هذا الخيار ، هل هو مختص بالبيع، أو يجري في جميع عقود المعاوضات كالصلح والجعالة؟

والظاهر أنّه مختصٌ بالبيع ؛ لما ذكرنا في المقدمة الأولى من أن منشأ إثباته ليس أدلّة نفي الضرر حتّى يجري في الجميع، بل منشؤه أخبار خاصة به.

والرابعة : إنّه لو اشترى بشرط الصحة، فهل هذا الشرط مؤكد لما أفهمه الإطلاق، أو يكون باطلاً؛ لأنَّه شرط غير مقدور ؛ لأنّ البائع لم يقدر على تصييره صحيحاً لو كانت معيبة؟

وربَّما يُقال: إنّ فائدة اشتراط الصحة جواز الفسخ بعد التصرّف لو ظهر فيه عيب، ولا بأس به وإن أنكر هذا القول بعض الأجلّة (1) بأنّا لم نجد قائلاً بهذا. والظاهر عدم اختصاص هذا الخيار بالمبيع، بل يجري في الثمن أيضاً.

وبعد هذه المسائل نقول:

إنّه لو ظهر في المبيع عيب، فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء به، مع أخذ الأرش، والدليل على ذلك :

أولاً: الإجماع (2)بكلا قسميه، مؤيّداً بالأدلّة الدالّة على نفي الضرر.

وثانياً: الرضوي - إن قلنا بحجيّته فهي، وإن لم نقل بحجيته يكون حجةً بسبب الاعتضاد بالشهرة والإجماع، إن قلنا بأن الشهرة في الفتوى جابرة، والحقُّ خلافه - وهو قوله: «إن خرج في السلعة عيبٌ، وعلم المشتري، فالخيار إليه: إن شاءَ رَدَّهُ، وإن شاء أَخَذَهُ، أو ردّهُ

ص: 158


1- ينظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 394/14 - 395 .
2- ينظر: الطوسي، النهاية : 395؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 368/2؛ الشهيد الثاني، حاشية شرائع الإسلام: 358 . أقول وفي المسألة عند الأعلام تفصيلٌ بين ظهور العيب قبل القبض وبعد العقد، ومع علم المشتري وجهله، ولمزيد بيان يراجع الحدائق الناضرة للمحقق البحراني : 79/19 .

عليه بالقيمة أرش المعيب» (1).

والظاهرُ زيادة همزة ( أو ) حتّى يطابق ما ذكرناه (2)، واحتمل بعضٌ زيادة (أو) بالمرّة (3)، وجعل (أخْذه) مفعولاً ل- ( إن شاء) يعني: قرأه مصدراً بسكون الخاء، وجَعَلَ (رَدَّ) جو جواباً؛ ل- (إنْ)، فيكون حاصله حاصل الأول، وجَعَلَ-[ها] بعضٌ (4) أصليّة، لا زائدة.

ففي الحقيقة يكون الترديد بين ثلاثة أمور الفسخ والإمضاء مجاناً، والإمضاء مع أخذ الأرش.

والظاهر من هذه الوجوه هو الأول.

وثالثاً: بمرسل جميل (5)، إلا أنه أثبت قبل التصرّف الردَّ فقط، وبعد التصرّف الأرش فقط، فعلى هذا لا يثبت تمام المطلوب.

وبعضهم تمسّك في تماميته إلى الأولوية (6) (7) ، يعني: إنّه لو ثبت بعد التصرّف الأرش، والحال أنّ التصرّف لا بُدَّ وأن يكون مسقطاً، فيثبت قبل التصرّف بطريق أولى.

والأولويّة ممنوعةٌ، بل لعلها على العكس؛ لأنّ في صورة عدم التصرّف يكون له الردّ، فيدفع عنه الضرر بواسطته، وأمّا بعد التصرّف فليس له الرَّد حتّى يجرّ الضرر، فلا بُدَّ من ثبوت الأرش؛ لئلا يتضرر .

ص: 159


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا (علیه السلام): 253. بتفاوت يسير.
2- ينظر: المحقق البحراني، الحدائق الناضرة : 19 / 64 .
3- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 236/23 .
4- لم نعثر عليه.
5- وهي: عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیهما السلام): «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع، فيجد فيه عيباً؟ فقال : إن كان الشيء قائماً بعينه، ردَّه عليه وأخذ الثمن، وإن الثوب قد قطع، أو خيط، أو صبغ يرجع بنقصان العيب » الكليني، الكافي 207/5 باب: الرجل يبيع البيع ثم يوجد فيه عيب، ح 2 .
6- كذا في المخطوط، والمناسب: (بالأولوية).
7- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 236/23 .

وقال بعضٌ - في إثباته قبل التصرّف: ( بأنَّ الأرش بإزاء جزء من المبيع، فإذا كان بإزائه يتفاوت في القبل والبعد) (1).

وفيه: إنّه لم يثبت التوزيع بمعنى مقابلة أجزاء الثمن بأجزاء المبيع، حتّى يكون الأرش بإزاء الفائت؛ لأنَّهم صرّحوا (2) بأنَّه يسقط بالإسقاط بعده، ولم يصح الرجوع بعد الإسقاط، ولو كان بإزاء جزء لكان بمنزلة الهبة، ومقتضاه جواز الرجوع، والمعتمد في الدليل هو الدليل.

( في مسقطات خيار العيب)

إشارة

واعلم أنّ لهذا الخيار مسقطات:

منها : [ما] يسقط الردّ والأرش معاً.

ومنها ما يسقط أحدهما: إمّا الردّ، أو الأرش.

[ما يسقط به الأرش والردّ ]

أمّا الأول: فقد اختلفوا في عدده، بعضهم عدَّه ثلاثة(3)، وبعضٌ قال بالأربعة(4)، وبعضٌ بالخمسة (5) ، وبعضٌ بالسبعة (6) ، ونحن نذكر إن شاء الله تعالى تمامها :

الأول منها: التبري من العيوب حين البيع، بأن يقول البائع: بعتك هذا، وأنا بريء من عيوبه، أو تبرأت من عيوبه. وإسقاطه في الجملة إجماعيٌّ، مضافاً إلى أصالة لزوم العقد،

ص: 160


1- النجفي، جواهر الكلام: 23/ 236 .
2- نسبه الشيخ الأعظم (قُدِّسَ سِرُّهُ) إلى البعض - ولعله صاحب الجواهر كما سيأتي في مبحث معاني الأرش لاحقاً-: ينظر : المكاسب : 300/4.
3- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 86/11؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 16/8 .
4- لم نعثر عليه.
5- ينظر: الحلبي، غنية النزوع: 221 - 222.
6- ينظر : الخلخالي فقه الإماميّة (قسم الخيارات - تقرير بحث الرشتي): 651 وما بعدها.

مضافاً إلى الخبرين، ويدل أحدهما عليه منطوقاً (1)، والآخر مفهوماً، ومضمونه: «أيما رجل اشترى شيئاً، ولم يتبرأ من عيوبه، ولم يتبين له حين العقد، وعلم بعد القبض بالعيب، فله الأرش» (2) فإنّه يدلّ على أنه لو تبرأ لم يكن له الأرش، فهنا أمور:

[الأمر] الأول: إنّه هل يصح التبري إجمالاً ، أو لا بُدَّ أنْ يكون مفصلاً، وبعضهم قال: ( لا بُدَّ أنْ يكون مفصلاً، ولا يصح إجمالاً)(3)، ولم يذكر وجهه.

فكأنَّ وجهه: إنّه لو تبرأ إجمالاً يلزم الغرر والجهل، فكأنه قال: اشتريت سواء كان له عين، أو له يد أم لا، أو يكون فيه عوار أو لا .

وفيه: إنَّ البيع ليس غرريّاً؛ لأنَّ المبيع معين وليس العيوب جزءاً من المبيع، وليس لها مقابل من الثمن، على أنّه يلزم ذلك في صورة التفصيل؛ لأنَّه يكون - حينئذٍ - مردّداً بين المبيع الموجود فيه هذا النقص وغيره، على أنه منقوض بنظائره مثل : بعتك ما في هذا الصندوق. يصح.

والأمر الثاني: إنّه هل التبري يكون بالنسبة إلى الموجودة حال العقد، وما تكون حادثة بعد العقد وقبل القبض، وما تكون حادثة حين العقد.

ص: 161


1- عن جعفر بن عيسى قال: كتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام): جعلت فداك، المتاع يباع في من يزيد، فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه : بريء من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري ورضيه، ولم يبق إلا نقده الثمن فربما زهد، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوباً، وأنَّه لم يعلم بها، فيقول له المنادي : قد برئت منها . فيقول له المشتري لم أسمع البراءة منها . أيصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن ؟ فكتب (علیه السلام) : عليه الثمن». الطوسي، تهذيب الأحكام: 66/7 باب : العيوب الموجبة للرد، ح29.
2- وهو: عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال : «أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب، أو عوار، ولم يتبرأ إليه، ولم يتبين له، فأحدث فيه - بعد ما قبضه - شيئاً، ثم علم بذلك العوار، أو بذلك الداء، إنّه يمضي عليه البيع، ويردّ عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به ». الكليني، الكافي :5/ 207 :باب: الرجل يبيع البيع ثم يوجد فيه عيب، ح3.
3- نسبه ابن إدريس الحلي في السرائر إلى بعض الأصحاب: 414/3 ، ونسبه العلّامة الحلي في المختلف إلى ابن الجنيد . ينظر : 5 / 170 .

فهنا مسألتان : معنويّة، ولفظيّة.

الأولى: إنّه هل يصح التبري عن العيوب المتأخّرة عن العقد وقبل القبض، أو ما تكون حادثة حين العقد، أو لا يصح؟

وبعضهم قال بعدم الصحة؛ لأنَّه براءة مما لم يجب (1).

وأجابوا عنه بأنَّه ليس براءة مما لا يجب؛ لأنّ مراده التبري من الخيار الثابت بسببهما بالعقد (2)، ولكنه منعه :

أولاً: بأنَّه ليس مراده التبري من الخيار.

وثانياً: إنَّ الخيار بسبب العيوب، لا بسبب العقد.

ولا يخفى ما فيهما.

والثانية: إنّه لو قال برئت من جميع عيوبها، فهل ينصرف إلى العيوب الثابتة قبل العقد (3)، أو يكون شاملًا لجميع العيوب حتّى المتأخرة عن العقد (4)؟

فبعضهم قال بأنَّه من قبيل المشتق، وهو حقيقة في المتلبس بالعيب بالفعل، لا ما يصير معيباً في المستقبل(5).

ولا يخفى ضعفه؛ لأنَّه ليس من قبيل المشتق .

وبعضهم قال بذلك؛ نظراً إلى انصرافه إلى الموجودة (6).

ص: 162


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 91/11.
2- ينظر : كاشف الغطاء، شرح خيارات اللمعة: 173-174 .
3- ينظر: آل عصفور، سداد العباد ورشاد العباد: 525 ؛ الخلخالي فقه الإمامية (قسم الخيارات / تقرير بحث الرشتي): 661 .
4- ينظر: ابن إرديس الحلي، السرائر : (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 414/3.
5- لم نعثر عليه فيما لدينا من المصادر.
6- ينظر: النجفي ، جواهر الکلام: 23/ 238 .

ولا يخفى ما فيه، بل الجمع المحلّى باللام يفيد العموم، فيشمل العيوب كلّها.

الأمر الثالث: هل يشمل العيوب التي لم تظهر إلا بعد مضيّ سنة، أو ستة أشهر؛ لكونه عاقراً، أو ممن لا تحيض وهي في سنّ من تحيض؟

الظاهر نعم؛ لأنَّها - أيضاً - ثابتة حال العقد غاية ما في الباب أنَّه لم تظهر عليه، والتبري يشمله.

والثاني من المسقطات: العلم بالعيب حين العقد؛ للأصل، ولمفهوم الخبر السابق حيث حكم بالأرش في صورة عدم التبيّن، فيكون مفهومه: إنّه لو كان عالماً به حين العقد لم يكن له خيار، ولانصراف معقد الإجماع والأخبار إلى صورة الجهل دون صورة العلم؛ ولأنَّه على تقدير العلم مُقْدِمٌ على ضرره، فلا خيار له.

إلا أنّ هذا الأخير لا يُمكن جعله دليلاً على حِدة؛ بناءً على ما تقدّم (1) من أنّ ثبوت هذا الخيار تعبدي لا من باب نفي الضرر ، فهنا شيئان لا بدَّ من بيانهما:

الأول: إنّ إسقاط العلم بالعيب الخَيارَ ، هل يختص بالعلم حال العقد، أو لا يختص، بل يعمّ ما لو علم بالعيب قبل القبض فقبض فيما لو كان المبيع كليّاً؟ وإن قلنا بأنَّ الصحة المستفادة وصف للمبيع، فلا يكون المقبوض - حينئذٍ - فرداً للمبيع؛ لأنَّ المبيع الحيوان الصحيح لا المعيب، فتكون معاملة على حدة لا ربط لها بالمعاملة السابقة، فتكون معاطاة، فإن صححناها - كما هو الحق - يكون العلم - حينئذٍ - سبباً للزوم، وإلا فلا.

فإن لم تكن الصحة وصفاً للمبيع، بل كان المبيع مطلق الحيوان لا الصحيح منه، فالمقبوض فرد منه ، فالعلم بالعيب يكون مسقطاً للخيار ، كما لو علم في حال العقد؛ لجريان الأدلّة فيه، وإن كان ظاهر الخبر هو العلم به حين الاشتراء، لكن إقدامه على القبض رضا منه به

الثاني: إنّه مع العلم بالعيب حين العقد، هل يصح إبقاء الخيار أم لا ؟

ص: 163


1- يراجع ص 155.

والظاهر إنّه مبني على أنّ سبب الخيار هو مطلق العيب ولو كان معلوماً، أو يكون سببه العيب المجهول أولاً حين العقد :

فإن قلنا بالأول يصح إبقاؤه ولا مانع منه، وإن قلنا بالثاني لم يصح؛ لأنَّه شرط مخالف للسّنة؛ لأنَّ هذا الخيار لم يجعل على تقدير العلم، ولا سيّما إذا أبقى الأرش؛ لجهالة الثمن حينئذٍ.

ويُمكن دفعه بأنَّه ليس فيه جهالة، بل الثمن معلوم .

ويُمكن عدم الصحة لوجه آخر بأنَّ إبقاء الأرش معناه التزام البائع بمال تعليقاً، والتعليق فيه غير صحيح؛ لأنَّه بمنزلة أن يقول للبائع لي عليك درهم على تقدير أخذي له.

ويُمكن دفع ذلك كلّه: بأنَّه ليس من قبيل الشرط حتّى يتوجه ما ذكر.

والثالث : إسقاط الخيار حين العقد أو بعده ، وبعضهم يجعل عدم صحته(1) بناءً على أنّه إسقاط ما لم يجب؛ لأنّ ظهور العيب يكون بعد ذلك.

وأجيب عنه : بأنَّه إسقاط ما يجب؛ لأنَّ سبب الخيار هو العقد، وأمّا سببيته بواسطة العيوب، والظاهر أنَه مبتن على ما ذكرناه سابقاً [من ] أنّ سبب الخيار هو العيب، فهو ثابت الآن، فيصح إسقاطه، وإنْ كان سببه ظهور العيب - كما هو ظاهر الأخبار وبعض العبائر - فليس بثابت، فلا يصح إسقاطه.

والرابع من المسقطات التصرّف في المبيع، والوجوه المحتملة هنا ثلاثة، بل أقوال ثلاثة :

أحدها: إنّه يسقط الردّ والأرش معاً.

والثاني: إثباتهما معاً .

والثالث: التفصيل بين الردّ والأرش، بأن الأول يسقط، دون الثاني.

ص: 164


1- نسبه بعض الأعاظم إلى الشافعية. ينظر : النراقي، مشارق الأحكام: 318.

ووجه الاحتمال الأول: إنّ المشتري إذا علم بالعيب ثم تصرف فيه فقد أقدم على ضرره، فتصرفه كاشف عن رضاه بالمعيب، والخيار علّته أو حكمته دفع الضرر الوارد على المشتري بواسطة لزوم العقد، فإذا رضي بالضرر فما السبب في إثبات الخيار؟

ووجه الثاني: التمسّك بالاستصحاب، فإن ثبت دام بحكم الاستصحاب.

ووجه التفصيل: إنّ التصرّف مطلقاً أولاً : لا يدل على الرِّضا - [لا]سيّما في مثل بعض التصرّفات من مثل الأمر بإغلاق الباب ، وإلّا فالعلماء يحكمون بجواز الردّ في العيوب الظاهرة بعد السنة، أو بعد ستة أشهر (1) ، مع عدم الانفكاك من مثل هذه التصرّفات. وثانياً: إنّ التصرّف دليل على رضاه بالمبيع لا بالمعيب، بمعنى: إنّه راض به مع عدم أخذ الأرش؛ لأنَّه لا منافاة بين الرِّضا بالمبيع وأخذ الأرش لا عقلاً، ولا شرعاً، ولا عرفاً؛ لأنَّهم لا يجعلون التصرّف دليلاً على الرِّضا المطلق، ولا ينافيه الخبر المذكور في أثناء الأرش - وإن لم أجده - وهو: إنّ تصرف المشتري رضا منه سواء كان معناه: إن التصرّف في حكم الرضا، يعني: كما أن الرضا مسقط كذلك التصرّف مسقطٌ، أو يكون معناه: إن التصرّف كاشف عن الرضا، فالرضا مسقط.

والفرقُ: إنّ إسقاط التصرّف في الأول من باب التعبُّد، وفي الثاني من حيث كونه كاشفاً عن الرضا؛ لأنّ المنافاة متفرعة على عدم جواز اجتماع الرضا بالبيع مع قصد الأرش.

فإذن يكون التفصيل متجهاً، وإن استقرب الأستاذ الأول وفاقاً لجماعة من المحققين(2).

والخامس من المسقطات: زوال العيب سواء كان بعد القبض أو قبله، وبعد العلم بالعيب وقبله، والوجوه المحتملة هنا أيضاً - بل الأقوال - ثلاثة :

أولها: إسقاطهما معاً؛ لأنّ منشأ الخيار هو العيب، فبعد زوال العيب لم يكن حتّى يثبت بسببه شيء آخر.

ص: 165


1- ينظر: الحلبي، غنية النزوع : 222 - 223؛ المحقق الحلي، النهاية ونكتها : 399/2 - 400 .
2- ينظر: الحلبي، غنية النزوع: 222؛ الطباطبائي، رياض المسائل : 201/8؛ الأنصاري، المكاسب 281/5 .

وثانيهما: إثباتهما معاً بحكم الاستصحاب؛ ولأنَّ وجود السبب في الآن الأول كافٍ في بقائه، فلا يحتاج في بقائه إلى علّة أخرى غيرها.

والثالث: التفصيل بسقوط الردّ وثبوت الأرش، ومتمسكه في الدعويين مركب من الأول والثاني، ففي الأول يتمسّك بأن السبب هو العيب، وقد زال، فلا بُدَّ أن يزول مسبّبه، وفي الثاني الاستصحاب؛ ولأنَّ الأرش من الحقوق الماليّة لا يضرّ ثبوته بالعقد ولزومه، بخلاف الردّ، فإنّه يعارضه أصالة اللزوم، و« أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1).

وهذا مردودٌ: أمّا التمسك بالاستصحاب؛ فلأن الاستصحاب جارٍ في الصورتين.

وأمّا اندفاع الثاني؛ فلأنّ الأرش يحتمل معاني ثلاثة :

الأول: إنَّ الأرش هو جزء من الثمن، يكون في مقابله وصف الصحة، فكأنَّ المثمن مركبٌ من الشيء ووصف الصحة (2)، فإذا ارتفع الصحة، فكأنَّه تبعّض الصفقة.

والثاني: إنّه جزء من الثمن زِيد لأجل الوصف، لا في مقابل الوصف حتّى تتبعّض الصفقة بالتخلّف، فالمبيع والثمن هو ذلك الشيء خاصة، لكن داعي المشتري على ازدياد الثمن، وهو وصف الصحة.

والثالث: إنّه غرامة مستقلة لا ربط له بالثمن والمثمن (3)، بمعنى: إنّه جزء لهما جعله الشارع بسبب كون المبيع معيوباً ، وهذا - أيضاً - ينقسم إلى قسمين:

الأول: إنَّ الشارع عيّن أخذه من الثمن، كتعلّق حق الديّان بالتركة.

والثاني: إنّه لا يتعيّن أخذه، بل حقٌّ على البائع مطلقاً.

ففي كل من المعاني الثلاثة، أو الأربعة، يكون الأرش لأصل العيب، فإذا لم يكن عيب

ص: 166


1- سورة المائدة : 1 .
2- ينظر: المفيد، المقنعة : 596-597 ؛ الطوسي، النهاية : 392، ونسب العلّامة الحلي في مختلف الشيعة هذا الرأي للصدوق : 169/5.
3- ينظر: النجفي، جواهر الكلام 22/24 .

فلم يتحقق الأرش.

فالحقُّ: هو القول بسقوطهما معاً؛ لانصراف الأدلّة ومعاقد الإجماعات إلى غير ذلك الموضع، مضافاً إلى أنّ الحكم بثبوت الخيار معلّق على الوصف، وهو المعيب.

وتعليق الحكم على الوصف ظاهر في أنّ العلّة الفعليّة للحكم ذاك، ومنتفٍ بانتفائها، فتعيّن القول الأول.

والسادس من المسقطات - الذي ذكره العلماء: هو تأخر الاختيار عن العلم بالعيب، وذلك بناءً على أنّ هذا الخيار فوريّ، ولكن المشهور (1) هو التراخي، وهذا منافٍ لما اختاروه (2) في باقي الخيارات من القول بالفوريّة؛ لأنَّ مدركهم على الحكم بتراخي هذا الخيار هو الاستصحاب، وهو جارٍ في باقي الخيارات.

لكن يُمكن الوجه في تفصيلهم هو ما ذكرنا سابقاً (3) من أنّ مدرك باقي الخيارات هي قاعدة نفي الضرر ، والضرر ينفى بالفوريّة، وفي ثاني الزمان يجري قاعدة الوفاء بالعقد، وأمّا هذا الخيار [ف-] يكون مدركه الأخبار الخاصة، فهي مطلقة بين أول الأزمنة أو ثانيها.

لكن يُمكن منع الإطلاق، بمعنى: إنَّ الأخبار واردة لبيان أصل الخيار، ولا ربط لها بزمان من الأزمنة، فلا يكون نظرها إلى الفوريّة والتراخي ، فلم يكن فيها إطلاق من هذه الجهة حتّى يتمسك به، ولم يثبت حجيّة الاستصحاب حتّى في مثل هذا المقام؛ لأنَّه إمّا من باب الظن فالظن بخلافه، وإمّا من باب التعبّد، فيدعى انصرافها إلى غير هذا الموضع، وكذلك الشهرة ليست بحجّة؛ لأنَّها على تقدير حجيتها تكون من باب الظن، فالظن بخلافها.

والسابع من المسقطات: الذي كون الإسقاط فيه حقيقة بالنسبة إلى أحدهما والآخر ساقط بدلیل آخر، فاطلقوا عليه مسقط الردّ والأرش تسامحاً، وهو في ثلاثة مواضع:

ص: 167


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 128/11؛ الشهيد الأول، الدروس الشرعية: 286/3؛ آل عصفور، الأنوار اللوامع : 443/11 .
2- ينظر : العاملي، مفتاح الكرامة : 276/14 .
3- يراجع ص 155 .

الأول: التصرّف في المعيب الذي لا يُمكن أخذ الأرش فيه؛ لكونه ربويّاً ويحصل الرِّبا، فإذا تصرف المشتري يسقط الردّ، والأرش ساقط من أصله ؛ لأنَّه لو أخذ الأرش حصل الزيادة في الجنس الواحد، فكأنَّ المتبايعين بنيا على عدم أخذ الأرش لو ظهر معيباً، وإنْ شاء الردّ ردَّه مجاناً، وبناؤهم على عدم جعل الوصف بإزاء جزء من الثمن.

والثاني: التصرّف في المعيب بالعيب الذي لا يختلف الثمن به لكون البغل خصيّاً.

والثالث: حدوث العيب في المبيع بالعيب المذكور بمعنى : إنّه كان فيه عيب سابقاً، ثم تجدّد فيه العيب المذكور.

واستشكل بعضهم في سقوط الردّ (1)؛ لورود الضرر ، مع عدم ثبوت الأرش هنا، بخلاف الصورة السابقة، فإنه تصرّف مع علمه، وفي هذا المقام لم يعلم بالعيب، والظاهر أنَّه بمحلّه.

ص: 168


1- ينظر: الأنصاري، المكاسب : 5/ 237 -328.
[الكلام في ما يسقط به الردّ دون الأرش]

وأمّا القسم الثاني - وهو ما يسقط الردّ دون الأرش - فهو ثلاثة :

الأول منها: الالتزام بالعقد والرِّضا به وإسقاط الردّ، كأن يقول: رضيتُ بالعقد وأمضيته، أو أسقطتُ الردّ . بخلاف ما لو قال : أسقطتهما، أو أسقطتُ مطلقاً. فإنّه يدل على سقوط الأمرين.

والثاني: التصرّف بعد العلم، فإنّه مسقط للردّ دون الأرش؛ بمقتضى الأخبار، وما ذكرناه سابقاً - بحسب القاعدة - فلا ينافيه، ولم يظهر مخالف إلا ابن حمزة(1) فأسقطهما معاً.

فههنا أمور لا بُدَّ من التنبيه عليها:

الأول: هل التصرّف مسقط للعيوب الموجودة في حال العقد، أو يسقط العيوب مطلقاً؟

والظاهر من الأخبار هو الأول؛ لأنَّه حكم بثبوت الأرش على تقدير ظهور العيب؛ لأنّ لفظ الرواية هكذا: «أيّما رجل اشترى شيئاً فيه عيب، أو عوار، ولم يتبرأ إليه منه، ولم يتبيّن له، فما حدث فيه - بعد ما قبضه - وعلم بذلك العيب والعوار، فإنه يمضي عليه البيع »(2).ويتبادر منه أنّ التصرّف بعد القبض وبعد العلم، فلا يكون شاملاً للعيوب المتأخرة.

إلّا أنّ الإنصاف أنَّه كما يحتمل أن يكون العلم من متعلّقات العقد، كذلك يحتمل أنْ يكون جملة مستقلة لا ربط له بالسابق، فيكون المعنى كذلك: (فأحدث بعد القبض وعلم بعد ذلك)، بل يكون هذا أظهر ، مضافاً إلى الشهرة، بل الإجماع المنقول(3).

والثاني: إنّه هل العلم بمعنى الحقيقي - وهو القطع - أو ما يعمّ الظن، بل الشك ؟

فيه إشكال من حيث إنّه يصدق على تقدير الظن، بل الشك - أيضاً - أنّه أقدم على الضرر

ص: 169


1- ينظر: ابن حمزة الطوسي، الوسيلة: 256 .
2- يراجع ص 159 ، هامش(2).
3- لم نعثر عليه فيما لدينا من المصادر.

-[لا] سيّما على تقدير الظن ، والمناط في الإسقاط - على تقدير العلم - هو كونه مقْدماً على ضرره، ومن أنَّ الأخبار معلّق على لفظ (العلم) (1) ، وكذلك كلمات الأصحاب(2)، وكذلك معقد الإجماع هو العلم (3)، فلا يصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى غيره، مع فرض كون المناط هو الإقدام أيضاً؛ لأنَّ الشخص مع كونه شاكاً، لا يُقال له إنّه أقدم على ضرره، وإلّا لما ثبت الخيار أبداً؛ لأنَّه لا أقلّ من الشك، وقلّما يكون الشخص غير ملتفت، فكيف يصرف الأخبار وكلمات الأصحاب إليه ؟ وكذلك الظن، على أنّ المناط في الإسقاط ليس الإقدام على الضرر، والرِّضا بالمعيب، بل المنشأ هو الأخبار .

والثالث: إنّ التصرّف هل يعمّ مطلق التصرّف، ولو بمثل: الأمر بإغلاق الباب، وسقي الماء، أو التصرّف بحسب العرف، أو التصرّف المغيّر للعين بتغيّر وصفها، أو حالها، أو ذاتها ؟

أكثر الأخبار دالةٌ على الإطلاق، كقوله : « فإن حدث فيه» (4). وبعضها دالّ على العيب المغيّر للعين، كقوله : «فإن كانت قائمة يرد » (5).

والظاهر إنّ مطلق التصرّف - الذي لا يعدّ في العرف تصرّفاً - لا يكون مسقطاً؛ لأنَّه يُمكن معه دعوى عدم قيام العين، بل يكون مغيّره؛ لأنّ هذا الخبر أتقن وأولى.

ص: 170


1- كما في الخبر المتقدّم .
2- ينظر: المفيد المقنعة : 597 ؛ الطوسي، الخلاف : 4 / 350 ؛ ابن البراج، المهذب : 396/1 .
3- ينظر: الحلبي، غنية النزوع: 222؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام 2/ 290؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 369/2 .
4- لعله يشير إلى قوله (علیه السلام): « في رجل اشترى من رجل عبداً أو دابة، وشرط يوماً أو يومين، فمات العبد، أو نفقت الدابة، أو حدث فيه حدث على من الضمان؟ قال: لا ضمان على المبتاع حتّى ينقضي الشرط ويصير المبيع له ». الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 202/3 ، باب : الشرط والخيار في البيع ، ح 3763 .
5- هي رواية جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیهما السلام): «في الرجل يشتري الثوب من الرجل أو المتاع، فيجد به عيباً، قال: إنْ كان الثوب قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان خاط الثوب، أو صبغه، أو قطعه رجع بنقصان العيب». المصدر نفسه: 217/3، خيار الصفقة، ح3803.

والثالث مما يسقط الردّ دون الأرش: حدوث العيب في يد المشتري، ولكن لا مطلقاً، بل العيب الذي لا يكون مضموناً على البائع.

ومن الصور التي يكون فيها مضموناً على البائع: العيب الذي حدث قبل القبض، والصورة الأخرى ما لو كان بعد القبض، ولكن في زمان الخيار المختص بالمشتري، ومن هذه الصورة مسألتان؛ لأنّ الكلام في خيار العيب، وهو مختص بالمشتري، فلا بُدَّ من عدم سقوط الخيار بالحدوث، والحال أنَّهم قالوا بسقوط الخيار فيلزم من وجوده عدمه، فلا بُدَّ أن يكون مرادهم غير هذه الصورة، بل يكون المراد عند الاشتراط صورة تبري البائع من العيوب الحادثة، بحيث لم يكن مضموناً عليه، بل يكون ضمانه على المشتري، أو يكون الصورة المخرجة هي الصورة التي لا يكون الخيار فيها مختصاً بالمشتري، بل يكون مشتركاً، فإنّ في هاتين الصورتين يكون الضمان على البائع، دون الصورة التي فرضناها أولاً، فالكلام في مقامين:

الأول: إنَّ عدم جواز الردّ وسقوطه - في صورة حدوث العيب - مختصٌ بالصورة التي لا يعطي المشتري أرشه للبائع، حتّى لو ردَّه مع دفع الأرش لجاز الردّ، أو لا يجوز الردّ مطلقاً حتّى مع دفع الردّ (1) أيضاً ؟

فيه إشكال، فإن قلنا بأنّ منشأ ثبوت الخيار المزبور هو عدم الضرر، فلا بُدَّ أنْ يجوز الردّ مع دفع الأرش؛ لأن الضرر منتفٍ، وإنْ قلنا بأن منشأه الأخبار والتعبد، فلا يجوز الردّ حتّى مع دفع الأرش؛ لأنّ الأخبار مطلقة، بأنَّه إذا كانت العين قائمة يردُّ، وإلا فلا، وهو (2).

والثاني: إنّه لو رضي البائع بردّ المبيع إليه ولو مع عدم الأرش، هل يجوز الردّ أم لا؟

فيجري فيه - أيضاً - ما قلنا في المقام الأول من أنّ المنشأ إن كان نفى الضرر فلا بُدَّ من أنْ يجوز، وإن كان منشؤه الأخبار، فالأخبار مطلقة.

إلا أنّ الإنصاف إِنَّ إطلاقَ الأخبار منصرفٌ إلى غير هذا الموضع وهو عدم رضا

ص: 171


1- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (الأرش).
2- كذا في المخطوط.

البائع؛ لأنّ عدم الردّ حقٌّ جُعِلَ للبائع، فإذا أسقطه سقط.

ثم إنّ هنا أموراً لا بُدَّ من أن يُنَبَّه عليها:

الأول: إنّه لو حدث عيب لم يُنْقصْ القيمة - كالخصاء مثلاً - فهل يكون عدم الردّ ثابتاً في هذا الموضع - أيضاً - أم لا ؟ وجهان من أنَّ سقوط الردّ معلّق على تغيّر العين، وعدم بقائها على حالها، وهو حاصل، فلا بُدَّ أن يسقط . ومن أنّ السقوط ضررٌ على المشتري حيث لا يُمكن له أخذ الأرش؛ حيث لا تتفاوت القيمة بسبب العيب، والضرر منفيٌّ، فلا بُدَّ أنْ يكون إطلاق الأخبار منزّلاً على غير هذه الصورة، وهي التي حدث عيبٌ تتفاوت القيمة بسببه حتّى يجبر ضرر المشتري بأخذ الأرش.

والثاني: إنّه لو حدث في المبيع شيء يُنْقص القيمة، ولكن لا يسمّى عيباً في العرف، فهل يسقط بسببه الردّ أم لا؟ وجوه:

من أنّ الردّ معلَّق في كلماتهم على حدوث العيب، لا على مطلق النقص، ومن أنّ الإطلاق بواسطة الغالب من أنّ كلّ ما ينقص القيمة فهو عيب، ومن أنّ بعض الأخبار معلّق على عدم قيام العين بحاله وتغيّره ، فلا بُدَّ أنْ يكون ساقطاً، وهو الحق.

والثالث: أن لا تنقص القيمة، ولا يكون عيباً في العرف، ولكن يكون مغيّراً، ففي هذه الصورة - أيضاً - لا يبعد أن نأخذ بالأخبار الواردة على التغيّر، إلا أنّ الأخبار منصرفةٌ إلى غير هذه الصورة، فههنا مقامان :

المقام الأول: في العيبين المذكورين اللذين ضمانهما على البائع - وهما: العيب الحادث قبل القبض، والعيب الحادث في زمان خيار المشتري - وحكمهما بالنظر إلى أنفسهما في أنَّهما هل يوجبان الردّ والأرش معاً، أو يوجبان الردّ دون الأرش، أو يوجبان الأرش دون الردّ؟

والذي يظهر من كلمات العلماء أنّهما يُوجَبان معاً، ويقولون: إنهما يوجبان الخيار (1).

ص: 172


1- ينظر: العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 2/ 370؛ الشهيد الثاني، حاشية شرائع الإسلام: 354؛ المحقق البحراني، الحدائق الناضرة : 89/19 .

ولكن يحتمل فيهما احتمال آخر هو : سقوط واحد منهما خاصة.

أمّا العيب الحادث قبل القبض؛ فلأنّ قاعدة لزوم العقد تقتضي عدم الردّ والأرش، لكن لمّا كان الضرر منفياً في الشرع، فلا بُدَّ من أن نرفع اليد عن قاعدة أصالة اللزوم بقدر دفع الضرر والضرر مندفع بثبوت الأرش فقط ، ولا حاجة إلى مخالفة القاعدة بأزيد من هذا،ويحتمل ثبوت الردّ دون الأرش .

فهذان الاحتمالان محتملان في العيب الحادث في زمان خيار المشتري، بل احتمال ثبوت الأرش دون الردّ أظهر؛ لأنَّ قاعدتهم أنّ التلف في زمان الخيار - ممن لا خيار له - يشعر بالأرش دون الردّ، إلّا أنّ الشهرة قائمة، بل الإجماع على ثبوتهما(1)؛ لأنَّه إنّما يكون سبباً لواحد منهما بواسطة كونه عيباً، فاذا كان عيباً فالعيبُ يُثْبت الخيارَ خَرَجَ منه ما كان مضموناً على المشتري خاصة، وبقي الباقي.

والمقام الثاني في ملاحظتهما بالنسبة إلى العيب السابق الذي كان فيه حال العقد، أمّا الأرش، فيتعدد قطعاً بتعدد العيوب التي كانت مضمونة على البائع، وأمّا الردّ، فظاهر بعض الأخبار، وكلمات الأصحاب أنَّه لا يتعدد؛ لأنّ الخبر ظاهر في العيوب الموجودة حال العقد.

إلّا أنّ الإنصاف أنّ الفرق غير متجه؛ لأنّ سبب الردّ والأرش شيء واحد - وهو العيب - والأصل عدم تداخل الأسباب، فالذي أثبت الخيار أولاً هو العيب، فالحادثُ أيضاً عيبٌ.

وإن قلت: إنَّ الردّ ثابت أولاً، ولا معنى لثبوته ثانياً، ولا يترتب على ثبوته ثانياً أثرٌ، بخلاف الأرش، فإنَّ في إثباته ثانياً أثراً.

قلتُ: لا نسلّم أنَّه ليس له أثر في إثباته ثانياً، وتظهر الثمرة فيما لو أسقط المشتري الردّ بالعيوب الحاصلة حال العقد، واللاتي مما تُسقط الردّ دون الأرش، أو شراؤه من ينعتق

ص: 173


1- ينظر الطوسي، النهاية : 395؛ المحقق الحلي، المختصر النافع : 126؛ العلّامة الحلي، مختلف الشيعة: 5 /182 -183.

عليه - فسنذكر حكمه (1) - وكذا ألحقوا به تلفها، بل التحقيق إنَّه لا يختص بما ذكر، بل كلّ الانتقالات موجب للسقوط: كإعارته، وإجارته، ونقله إلى غيره؛ لأنّ المناط في ثبوت الردّ هو القيام بحاله، وليست العين قائمة.

ص: 174


1- لم يتعرّض لحكمه لاحقاً.
(ما يُسقط الأرش دون الردّ )

وأمّا المسقط للأرش دون الردّ، فثلاثةٌ (1).

الأول: الإسقاط ، كأن يقول المشتري : أسقطتُ الأرش. سواء كان حال العقد أو بعده، ولا كلام فيه.

والثاني: كون المبيع معيوباً بالعيب الذي لا ينقص القيمة، سواء زاد القيمة، أو يكون مساوياً في القيمة للصحيح؛ لأنّ الأرش هو تفاوت القيمتين الصحيح والمعيب، [و] ما لا يصير سبباً للنقص لا تفاوت، فلا أرش.

هنا مسألتان :

[المسألة] الأولى: في أنّه هل يتصور الأرش هنا ويكون ساقطاً، أو لا يتصور الأرش حتّى يكون ساقطاً؟

فنقول : إنّ العيب الذي لا يُنقص القيمة قسمان:

الأول: إنّ الصحة [هي] التي تكون عبارة عن عدم العيب، ويحصل العيب بانتفائها.

وبعبارة أخرى: الوصف الذي انتفاؤه عيب [و] يكون له قيمة ومقصودية بحسب العرف، كالفحولة - مثلاً فإنّها شيء يتعلّق الغرض به ، ويكون داعياً إلى ازدياد المال بإزائه - وعدمها يكون مفوّتاً لذلك النفع معيباً من الجنس، سواء كان بعضه كذلك أو كلّه، إمّا أنْ يكون ظهور العيب بعد التفرّق، أو قبله.

وعلى الثاني يكون له الخيار بين الردّ ، والفسخ، والإمساك بغير أرش، إذا كان العوضان من جنس واحد- ؛ للزوم الرِّبا، بناءً على ثبوت الرِّبا لمثله، والحق خلافه؛ لأنّ الأرش غرامة مستقلة ليس جزءاً من الثمن والمثمن، والمضرّ هو الزيادة في المعاوضة، لا مطلق الزيادة - ومع الأرش إذا كانا مخالفين في الجنس، وليس له الإبدال؛ لعدم تناول العقد له.

وأمّا بعد التفرّق فله الفسخ، أمّا ثبوت الأرش، ففيه كلام من حيث ثبوت الرِّبا إذا كانا

ص: 175


1- ذكر ههنا مسقطين فقط، ولم يذكر ثالثهما .

متجانسين - وقد تقدّم - والكلام فيه من حيث الصرف.

وذهب ناس (1) إلى أنّه يجوز أخذ الأرش إذا كان من غير النقدين؛ لعدم كونه من المعاوضة الصرفيّة، فلم يعتبر فيه التقابض في المجلس، فيكون هنا معاوضة صرفيّة بالنسبة إلى غير الأرش، وقد تحقق القبض فيه ومنع بالنسبة إلى الأرش، فلم يعتبر فيه التقابض؛ لأنَّه عاوض حقيقة النقد الثابت في الذّمة بالعروض، فلم يكن من الصرف، وإن أخذ الأرش من النقدين، فلا يمكن أخذ الأرش؛ لكونه من الصرف، ولم يتحقق شرطه، وهو التقابض في المجلس.

وأُشكل عليه بأنّ الأرش جزء من الثمن، والمعتبر منه النقد الغالب، فيثبت في الذّمة نقداً بإزاء ذلك الجزء الذي بإزاء وصف الصحة، فوقعت المعاوضة على النقدين على أنَّه يثبت حق للمشتري بواسطة ظهور العيب وعدم الصحة والمعتبر في الضمانات هو النقود الغالبة ، فكيف إذا كان بواسطة نقصان في أحد المتعاوضين؟

ودفع هذا الإشكال بأنَّه وإن ثبت في الذّمة نقد في أصل المعاوضة، إلا أنَّه لم يتعين الأرش إلا بعد اختياره، فكأنَّ المعاوضة وقعت في حال الاختيار، وفي هذا الحال وقعت المعاوضة على النقد والعروض، لا على النقدين.

ويشكل هذا بأنَّه على هذا يكفي القبض في مجلس الاختيار لو أخذ الأرش من النقدين أيضاً.

والحقّ جواز أخذ الأرش مطلقاً؛ لأنَّه غرامة مستقلة جعله الشارع بواسطة فقدان وصف الصحة، وليس معاوضة أصلاً حتّى يلزم فيها التقابض، هذا الكلام فيما لو اشترى معيّناً بمعيّن.

المسألة الثانية : لو اشترى كلّها (2) في الذّمة بكلّ (3) في الذّمة، مثلًا عشرة دراهم بعشرة

ص: 176


1- ينظر: الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 104.
2- كذا في المخطوط، والأنسب كلّياً.
3- كذا في المخطوط، والأنسب بكلي.

دراهم، وقبض كل منهما، فظهر في المقبوض عيبٌ، إمّا أن يكون مخالفاً في الجنس لما وقع عليه العقد، أو موافقاً له، ويكون العيب من جنسه، وعلى كل تقدير إمّا أن يكون العيب في جميع المقبوض أو في بعضه، وعلى تقدير كون العيب من غير المعقود عليه، يبطل القبض [و]له الإبدال بفرد آخر من الكلّي إذا كان في المجلس، ويبطل العقد إذا كان بعد التفرّق، وإنْ كان الجميع يبطل الجميع، وإنْ كان البعض يبطل البعض ، وثبت خيار تبعّض الصفقة للمشتري، وكذا للبائع مع الجهل.

وأمّا لو كان العيب من جنسه. فهنا كلمات للعلماء، وقبل الخوض في كلماتهم فلنقدّم مسائل أربع بها يتعين مرادهم:

وأصل المسألة الأولى:

إنّه إذا قبض الكلّي، هل يتعيّن الكلّي بحيث يكون مصبّ العقد ومحلّه هو هذا الفرد، فكأنه من أول الأمر وقع العقد على هذا الفرد؛ لأنّ الكلّي لا وجود له إلا بالفرد، [و]بعد قبض الفرد يوجد في ضمنه لا غيره، فالموجود الذي وقع عليه العقد هو هذا الفرد، بحيث لو بطل هذا القبض بطل أصل العقد، أو يكون محل العقد بعد القبض - أيضاً - هو الكلي.

وتعيب المقبوض لا يبطل أصل العقد، بل له الإبدال بفرد آخر من الكلّي، أو الإمساك مع الأرش إذا كان قبل التفرّق وكانا متخالفين، أو يكون هناك معاوضتان: معاوضةٌ في أصل العقد على الكلّي، ومعاوضةٌ أخرى للكلي بهذا المقبوض ، فكأنه قيّد الكلّي بهذا المقبوض، فصارت المعاوضة كأنها وقعت على الكلّي المقيد بهذا الفرد.

فيُلاحظ في هذا الاحتمال الجهتان: جهةُ المعاوضة على الكلّي، وجهة تقيّده بالفرد ومعاوضته به، فيكون مخيراً - حينئذٍ - بين الفسخ ؛ لأنّ الكلّي عاوض بهذا الفرد، فصار المبيع الكلّي المقيّد به، فإذا ذهب القيد ذهب المقيّد، وبين الإبدال، أو الإمساك بالأرش أو بغير الأرش باعتبار الجهة الثانية، وباعتبار وقوع العقد على الكلّي حقيقة أولاً.

فهذه احتمالات ثلاثة، أقواها أوسطها؛ لأنَّ القبض لا يغيّر متعلّق العقد، ولا يكون هناك معاوضة ثانية، ويكون - حينئذٍ - [من] قبيل وفاء الدين، فإذا ظهر معيباً يكون مخيّراً

ص: 177

بين الإبدال والإمساك مع الأرش، إذا كان الجنسان مختلفين، وبلا أرش إذا كانا متفقين في الجنس.

المسألة الثانية:

إنَّه هل يكون الأرش غرامة مستقلة لا دخل لها بالمعاوضة، وليس داخلاً في المتعاوضين ، أو يكون داخلاً في المتعاوضين، ويكون جزءاً من الثمن؟

وعلى تقدير كونه جزءاً من الثمن، يكون مقابلاً لوصف الصحة، أو يكون مقابلاً لجزء من المثمن؟

وعلى الأول لا يلزم الرِّبا أصلاً، ولا يُشترط كون قبضه في المجلس أولاً؛ لعدم كونه من الصرف، لعدم معاوضته لشيء .

وعلى تقدير كونه جزءاً من الثمن يلزم الرِّبا في متحدي الجنس، ويكون من الصرف على تقدير كونه مقابلاً لجزء من المثمن، فلا يجوز أخذه بعد التفرّق، ويبطل مقابله من المثمن أيضاً.

الأظهرُ أنّه غرامة مستقلة، لا يجري فيه الرِّبا ولا الصرف.

المسألة الثالثة:

إنَّه هل يكون الأرش خاصاً بالعقود، بل بالبيع - بناءً على وروده فيه - أو يجري في مطلق المعاوضات، حتّى فيما كان بمنزلة المعاوضة، مثل وفاء الدين، حتّى لو وفى الدَّين بشي فظهر معيباً، يكون الموفى له مخيّراً بين الردّ والإمساك مع الأرش؟

الأظهر إنّه يختص بالبيع ؛ لكون دليله التعبّد والأخبار، وهي واردة في البيع، ويكون مخالفاً للأصل، فلا بُدَّ أنْ نقتصر على مورد اليقين -وهو البيع - وإثباته في غيره مخالف للأصل، محتاج إلى الدليل.

المسألة الرابعة:

هل يعتبر في قبض الصرف كون المقبوض مملوكاً مطلقاً، ولو لم يكن مستمراً، أو يعتبر

ص: 178

فيه المملوك المستمر ؟

فإن قلنا بالأول - بعد ظهور العيب فيه وردّه - لا يلزم بطلان أصل المعاملة ولو حصل التفرّق، ولا يلزم القبض في بدله، وإنْ قلنا بالثاني يلزم فيه القبض لو لم يحصل التفرّق.

ويلزم البطلان لو حصل التفرّق قبل قبض البدل؛ لعدم استمرار ملكيته لإبداله، والمعتبر هو المملوك المستمر، لا مطلق المملوك.

الأظهر إنّه يكفي في القبض مطلق المملوك، ولو لم يكن مستمراً؛ لأنّ المفهوم من أدلّة اشتراط القبض هو اشتراط قبض المتعاوضين مطلقاً، ولو لم يكن مستمراً.

ص: 179

ص: 180

(الكلام في أصل مسألة خيار العيب)

إذا تمهدت هذه المسائل فلنشرع في أصل المسألة، وفي بيان كلمات الفقهاء، فنقول:

إذا وقع العقد على الكلّي وقبض معيّناً، لا يخلو حال المقبوض عن أحد الوجوه: تارةً يظهر مخالفاً في الجنس للمبيع، وتارةً يظهر مخالفاً للوصف، وتارةً يظهر معيباً.

ولا ريب أنَّه يبطل البيع في الأول، إذا كان الظهور بعد التصرّف؛ لكون البيع صرفاً، وعدم حصول شرطه - وهو القبض - في المجلس؛ إذ المفروض أنّ المقبوض ليس فرداً للكلّي.

وبعد بطلان العقد، هل يكفي تراضيهما في انتقال العوضين، أو لا يكفي التراضي، بل يحتاج إلى سبب آخر ؟

الأظهر عند الأستاذ (دام ظله) كفايته؛ لعموم «الناس مسلطون على أموالهم»(1).و « تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ » (2)و : «لا يحل مال امرئ لامرئ إلا بطيب من نفسه»(3). وغيرها .

وعلى فرض عدم كفايته هل يكون من قبيل المعاطاة أو لا؟

فإن قلنا في المعاطاة بالتعاطي من جانب واحد حقيقة، ومن طرف آخر تنزيلاً - كما هو الأظهر عنده - كما هو في المعاملات النسيئة، فيكون من قبيل المعاطاة، وإنْ لم نقل بكفايته، بل لا بدَّ من التعاطي من الجانبين، فإنْ قلنا إنّ ما في الذّمة مقبوضٌ، فيكون - أيضاً - من قبيل المعاطاة، وإلا فلا.

وأمّا لو ظهر المقبوض مخالفاً للوصف فحكموا بالصحة، وله الخيار، والحال أنّ مقتضى القواعد عدم صحته؛ لأنّ الموصوف بالوصف غير العاري عن الوصف فهنا - أيضاً -

ص: 181


1- يراجع ص 105.
2- سورة النساء : 29 .
3- يراجع ص 63 .

لم يتحقق قبض المبيع؛ لأنَّ المبيع هو الموصوف، والعاري غيره، فما وجه حكمهم بالصحة هنا، وحكمهم بالفساد ثمة؟

و محض كون التخلّف هناك في الذاتي وهنا في العرضي لا يوجب الفرق بعد كون المبيع والمقصود هو المجموع ، فمقتضى القاعدة هو البطلان - هنا - أيضاً، إلا أن يُدعى فهم عرفي على دخول الذاتي في المبيع، وخروج العرضي عن المبيع من العقد نظير فهم الصحة من مطلق العقد، وهو مشكلٌ غاية الإشكال.

وأمّا لو ظهر معيباً من الجنس فهنا صورتان: صورة قبل التفرّق، وصورة بعده.

وأمّا الأولى : إمّا أن يكون العوضان مختلفي الجنس، أو متحدي الجنس، أمّا الأول: فيكون مخيّراً بين الإبدال فيه، والإمساك مع الأرش، والإمساك بلا أرش بالطريق الأولى.

وأمّا الثاني-[-ة] : فيكون مخيّراً فيه بين الإبدال والإمساك بلا أرش، دون أخذ الأرش -بناءً على تحقق الرِّبا بمثله - وإنْ كان الأظهر خلافه .

ويظهر من بعضٍ التخييرُ - هنا - بين ثلاثة أمور : الفسخ، والإبدال، والإمساك مع الأرش مع الاختلاف(1)، وبدونه مع الاتحاد، كالشيخ (2)، والعلّامة في بعض كتبه كالإرشاد (3)، وهو ظاهر المحقق (4) أيضاً .

ووجه الفسخ : إنّ العقدَ وإن وقع على الكلّي، إلا أنَّه بواسطة القبض يصير معيَّناً، حتّى كأنّ الشخص هو المبيع، وبعد ظهوره معيباً ليس له المطالبة بالبدل، بل لا بُدَّ أنْ يفسخ.

وهذا القول مبتنٍ على الوجه الثالث من الوجوه المحتملة في المسألة الأولى، وهو تقيّد الكلّي بالمعيّن، حتّى كأنَّه عاوض الكلي بالمعيّن وتقيده به.

ص: 182


1- لم نعثر عليه.
2- ينظر: الطوسي، المبسوط : 95/2 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 369/1.
4- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 2/ 39.

والحقُّ عدم الفسخ ؛ لأنّ العقد واقع على الكلّي، والمقبوض بواسطة القبض لا يصير مصبَّ العقد، وليس معاوضة، بل وفاء الدين، فإذا ظهر معيباً يُطالب بالبدل إن شاء، فالقول بالفسخ قبل التفرّق غير متّجه إلّا أن يكون مرادهم بعد التفرّق، وهو بعيد عن كلامهم، بل بعض كلماتهم ناصٌّ في خلافه، هذا حال قبل التفرّق.

وأمّا بعد التفرّق، ففيه مسائل أربع:

[المسألة] الأولى في جواز المطالبة بالبدل وعدمه.

وبعبارة أخرى : هل يبطل العقد بواسطة عدم قبض البدل أو لا؟

فهنا أقوال ثلاثة :

[الأول : ] قولٌ بالبطلان مطلقاً.

[الثاني:] وقولٌ بعدمه مطلقاً.

[ الثالث : ] وقولٌ بعدمه إذا كان ظهور العيب قبل يومين، والبطلان إذا كان بعد يومين ،وهو المنقول عن أبي علي(1).

فالحقُّ من هذه هو الوسط؛ لأن شرط الصرف هو القبض، وقد تحقق، والفسخ يكون من حينه، ولا يرفع أثر القبض بالمرّة.

واستدل للقول الأول بوجهين:

الأول: إنّه وإنْ وقع القبض، إلا أنه بعد ظهور العيب، واختيار الفسخ والإبدال يظْهر أنّ هذا لم يكن من المبيع، ولم يتحقق القبض أصلاً بالنسبة إلى ما هو مبيع حقيقة، وهو البدل.

ويدفعه: إنَّ المفروض أنّ المقبوض من الكلّى، وبواسطة القبض صار ملكاً للمشتري، وبواسطة الفسخ يخرج عن الملك من حين الفسخ، ومن هنا كان النماء للمشتري إلى زمان الفسخ ، والقول بالبطلان متّجه؛ بناءً على أحد الوجهين : إمّا كون القبض كلا قبض؛ بواسطة

ص: 183


1- ينظر: العلّامة الحلي، مختلف الشيعة 121/5 .

ظهور العيب، وهو باطل؛ للزوم البطلان على تقدير الإمساك أيضاً، أو كأن الفسخ يكون من حين القبض، وكلاهما ممنوعان.

والوجه الثاني: تخيُّل أنَّ ما هو المعتبر في قبض الصرف، هو المملوك المستمر، والعيب كاشف عن عدم استمرار ملكيته، بل وعدم ملكيته.

وهو تَخَيُّلٌ محضٌ لا واقعيّة له؛ ولأنّ المعتبر هو قبض العوضين المملوكين بواسطة القبض لا المستمر ملكه ، وإلا لبطل البيع ولو باعه بغيره، وهو بديهي البطلان.

والقول الثالث مستنده رواية ضعيفة السند، بل ضعيفة الدّلالة؛ لظهور الاستحباب منه، ولا جابر له، بل أعرض الأصحاب عنها ، فلا يصلح للإستناد [إليه ](1).

المسألة الثانية: في أنَّه على فرض جواز الإبدال، هل يلزم قبض البدل أم لا ؟

وجه لزوم القبض: إنَّ المبيع بواسطة عدم الرِّضا بالمعيب هو البدل، فيلزم قبضه، فكأنّ المعاوضة وقعت الآن.

وفيه: إنَّ القبضَ المعتبر هو القبض في مجلس العقد، لا في زمان الملك، غاية ما في الباب أنّ ملك البدل حصل الآن، والعقد وقع على الكلّي، وقد قبض ما هو فرد له، فالأظهر عدم لزوم القبض ؛ لصحة المعاملة بواسطة القبض الأول، وظهور العيب صار سبباً لإزالة ملكه.

والمسألة الثالثة: في أنّه هل يُمكن أخذ الأرش أم لا؟

وجهان مبتنيان على جريان الأرش في مطلق المعاوضات، وما كان شبه المعاوضة، كوفاء الدين، وعدم جريانه، بل اختصاصه بالبيع - بناءً على كونه خلاف الأصل - فنقتصر على مورده.

الأظهر - كما ذكرنا سابقاً - اختصاصه بالبيع، أو المعاوضات، فلا يجري في وفاء الدين، فلا يكون الأرش في هذا المقام

[المسألة] الرابعة في أنَّه على فرض جواز أخذ الأرش، هل يلزم قبضه - أيضاً - أم لا؟

ص: 184


1- ما في المخطوط (به)، والصحيح ما أثبتناه .

وجهان - أيضاً - مبتنيان على كونه غرامة، وكونه جزءاً من الثمن؛ وإذ قد أشرنا سابقاً (1) كونه غرامةً لا يلزم قبضه، بل لو كان جزءاً من الثمن لا يلزم قبضه، بناءً على أنَّه يبطل المعاوضة بالنسبة إليه بعد التفرّق لو كان مقابله جزءاً من الثمن، وتبطل المعاملة بالنسبة إليه ومقابله .

فظهر من ذلك كلّه : أنه يجوز الإبدال له مطلقاً، قبل التفرّق وبعده؛ لأنّ المقبوض كان من جنس المبيع، وقد قبض ، فتحقق شرط الصحة ، وهو قبض العوض في المعاوضة، والإبدال بواسطة تدارك الوصف الفائت، وهو الصحة .

ولا يلزم قبض البدل في مجلس الردّ؛ لأنّ الإبدال ليس من الصرف، خلافاً لبعض (2)، حيث اشترط القبض في مجلس الردّ.

وظهر أيضاً جواز أخذ الأرش مطلقاً أيضاً ولا يلزم الرِّبا، ولا يلزم قبضه أيضاً، بناءً على ما حكمنا من كونه غرامةً، جعلها الشارع بواسطة فقدان وصف الصحة، وليس جزءاً من الثمن حتّى يكون من الصرف، حتّى يلزم قبضه ، وحتّى يلزم الرِّبا، خصوصاً في مختلف الجنس.

( فيما لو حدث العيب أو التلف عند المشتري )

هذا كله من جواز الإبدال وعدمه على تقدير عدم تعيّب المقبوض أو التلف عند المشتري، أمّا لو تعيب المقبوض ، أو تلف عند المشتري، فنتكلّم في هذا المطلب :

أولاً: فيما لو تصارفا على معيّنين، ثم نقيس الكليين والمقبوض عليه، فنقول وبالله المستعان :

لو تصارفا على معيّنين، وقبض كلٌّ منهما، وتعيّب المبيع، أو تلف عند المشتري، ثم ظهر أنّه كان معيباً، تارةً يكون العيب السابق الظاهر من غير الجنس، وتارة يكون العيب من

الجنس:

ص: 185


1- يراجع ص 174 .
2- ينظر : الشهيد الثاني، الروضة البهية : 401/3 .

أمّا الصورة الأولى [ف-] يبطل البيع بعد التفرّق مطلقاً، وأمّا قبل التفرّق فلا يبطل البيع لو قبض فردٌ من الجنس، غاية ما في الباب أنّه يكون ضمان التالف عليه إن كان مثلياً، مثل النقود يضمن بالمثل، وإن كان قيمياً يضمن بالقيمة، وكذا يضمن تفاوت القيمة في صورة التعيّب؛ لعدم تحقق شرط الصرف، وهو القبض.

وأمّا الصورة الثانية، فيصحُّ البيع، وليس له الردّ؛ للتعيّب عنده والتلف عنده، كما قرروه في خيار العيب: إنّ التصرّف ممن له الخيار يُسقط ردَّه ، ولا يكون له إلا أخذ الأرش(1) وهو يُمكن مع اختلاف الجنس؛ لعدم لزوم الرِّبا على مذاقهم، وإن كان يتأتى الكلام فيه بالنسبة إلى الصرف وعدمه، بناءً على مذهب بعض من القول بكونه جزءاً من الثمن(2)، وفي مقابل جزء من المثمن .

وأمّا مع اتحاد الجنس فيشكل الأمر على المشهور ؛ لأنَّه ليس للمشتري الردّ بواسطة تصرفه، وليس له أخذ الأرش - بناءً على لزوم الرِّبا - فيكون الضرر على المشتري، ولا يدفع ضرره بشيء أصلاً، لا بالردّ ولا بالأرش، وأمّا نحنُ [ف-]-في فسحةٍ من هذا، بناءً على ما اخترناه(3) من كونه غرامة خارجيّة، ولا ربط له بالعوضين، ونقول هنا بجواز أخذ الأرش.

ويحتمل هنا وجوه - بناءً على المشهور - من لزوم الرِّبا :

الوجه الأول: القول بالالتزام بهذا الضرر ، وهذه المعاملة الضرريّة، والمعاملة الضرريّة في الشرع كثيرةً، هي منها.

وهو مشكلٌ غاية الإشكال؛ لمنافاته لأدلّة الضرر.

والثاني: القول هنا بجواز الردّ؛ لأنّ جواز الردّ يكون مدركُهُ وجهين:

الأول: التعبد.

ص: 186


1- ينظر: العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 362/1؛ ابن فهد الحلي، المهذب البارع: 359/2؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 284/3 .
2- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام :2 / 74؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 4 / 192.
3- يراجع ص 174 .

والثاني هو : الضرر.

والذي ثبت في باب خيار العيب يكون من باب التعبّد والأخبار، لا من باب الضرر؛ لأنّ الضرر مندفعٌ بالأرش، فلا يكون المدرك إلا التعبّد، والردّ الذي يسقط بالتصرّف هو الذي كان ثابتاً في خيار العيب وهذا لا ينافي ثبوت الردّ هنا من باب الضرر لا من باب التعبّد، والذي يسقط غير ما يثبت.

والثالث: الفرقُ بين ما كان سبب التعيّب هو المشتري، فالالتزام بالضرر، وهذه المعاملة الضرريّة؛ لأنَّه أقْدَمَ على ضرره؛ لأنَّه ناشئ منه، وبين ما لا يكون سبب التعيّب، فالالتزام بالردّ ، والقول في صورة التلف بالالتزام بالمثل أو القيمة ثم أخذ البدل.

والأقوى في النظر هو الوسط، وكذا حال الكلّيين، فتأتي فيه الوجوه، وأحسنها هو الوسط، بل جريان هذا الوجه فيه أحسن؛ لأنّ العيب عند المشتري، والتالف عنده ليس هو المبيع حقيقةً، وإن قلنا بتعيّن الكلّي فيه.

والأدلّةُ الدالّة على سقوط الردّ جاريةٌ في المبيع، لا ما هو فرد للمبيع، فيمكن فيه الردّ بطريق أولى.

ثم إنَّه هل تجري أحكام التعيّب عند المشتري على نقصان القيمة عنده، وأحكام التلف على ذهاب الماليّة عنده، حتّى لا يجوز له الردّ لو نقص قيمة المبيع عنده أو ذهبت قيمته؟ وإن كان هو لا يتصور في بيع الصرف؛ باعتبار لزوم كون المتعاوضين نقدين، ولا تذهب ماليّتهما بالمرّة، غاية الأمر تنقص قيمتهما.

وذهب بعض العامة (1) إلى إلحاق نقصان القيمة بالتعيّب عنده، وقال بعدم جواز الردّ له - حينئذٍ ، وجهان :

من كونه ضرراً على البائع كالتعيّب، ومن كون عدم جواز الردّ تعبّدياً، فيقتصر على

ص: 187


1- ذهب إليه السمر قندي في تحفة الفقهاء: 2/ 100 ، ونسبه إلى العامة جميعاً، إلا مالكاً، والشافعي في أحد قوليه .

مورده، وهو التعيَّب لا غيره.

والأقوى عدم إلحاقهما بهما؛ لأنّ الأدلّة الدالّة على سقوط الردّ خاصة بالتعيّب، وهو نقصان صفة في المثلي، أو حدوث صفة فيه في ذاته، وههنا المبيع لم يحدث فيه صفة، بل كان بحاله الأول، ولو كان ذهاب الماليّة عنه لا بواسطة حدوث صفة فيه موجبة لذلك، بل بواسطة كثرته وعدم الرغبة فيه أبداً، كان مثل التلف فلا بُدَّ أن يقولوا بضمان الغاصب المثل أو القيمة لو نقصت قيمته في يده، أو ذهبت ماليّته عنده مع بقاء العين المغصوبة بحالها، والحال أنَّهم لا يقولون به.

المسألة الرابعة: في أنّه لو اشترى شيئاً فدفع الزائد، فلا يخلو من أن تكون الزيادة في المعيّنين بأن يبيع المعيّن الزائد بالمعيّن الناقص، مثلاً يبيعهما بعنوان أنهَّما حقتان، فتبين زيادة أحدهما، أو يكون في الكلّي والمعيّن أو يبيع الكلّي بالكلّي، فدفع أحدهما الزائد.

وبعبارة أخرى: تكون الزيادة في المدفوع، فحكموا في المعيّن، وفيما لو باع المعين الزائد بالكلّي الناقص بحسب نوعه، وفي الكلّيين اللذين يكون أحدهما ناقصاً عن الآخر بحسب نوعه، فحكموا بالبطلان في متحدي الجنس، وبالخيار في مختلفي الجنس، ومقتضى حكمهم هذا كون المتعلّق يكون جميع الزائد لا ما يكون بقدر الناقص، وهذا مشكلٌ من وجهين:

أحدهما: إِنَّ البيع وإن وقع على المعيّن، إلا أنَّه وقع عليه بعنوان إنّه موصوف بكونه حقة مثلاً، والرِّضا تعلّق حقيقةً بالمقيّد لا بمطلق المعيّن، والمقيّد المقصود غير ما وقع عليه العقد، فما حكموا به لم يقصد ؛ لأنّ المقصود هو المقيّد بكونه حقة، والمقيّد لم يحكموا به، بل بالمجموع.

وثانيهما: إنّ الخلاف في تعارض الاسم والإشارة آتٍ هنا، والحال أنَّهم لم يلتفتوا [إليه](1)، بل حكموا بالإطلاق، وببطلان البيع في متحدي الجنس بواسطة لزوم الرِّبا، وفي مختلفي الجنس بالخيار ، هذا إذا كانت الزيادة زيادةً لا يُتسامح بها، وأمّا إذا كانت الزيادة يسيرةً يُتسامح بها، فحكموا بعدم لزوم الرِّبا؛ بواسطة أن المدار على الزيادة العرفية، وحكموا

ص: 188


1- ما في المخطوط (به)، والصحيح ما أثبتناه .

بكونه ملك القابض؛ لأنّ كلاً منهما تراضيا على بيع الوزنة مثلاً، وهي وزنة في العرف نظير اغتفار التسامح في المصداق فيما لو علّق الحكم على مقدّر في الشريعة، مثل المسافة الشرعية الموجبة للقصر يكون الحكم معلّقاً على أذرعات معيّنة، فيتسامحون في الاختلاف الحاصل بواسطة اختلاف الذراع المتعارف، دون التسامح في الإطلاق بأن يطلق أهل العرف المسافة على ثمانية فراسخ إلا شبراً، وذلك التسامح غير مغتفر؛ لأنّ الحكم معلّق على المقدار الخاص من المسافة.

هذا حال الزيادة في المعيّنين.

وأمّا الزيادة في المدفوع عن الكلّيين، فحكموا بكونها ملك صاحبها، وكونها أمانةً في یده سواءً أكانت الزيادة بواسطة التعمد، أم بواسطة الغلط.

ونحن نقول: حكمهم هناك بالإطلاق وكون الزيادة داخلة في البيع دون هنا، مشكلٌ، فهناك يقدّمون الإشارة على العنوان دون هنا، والحال أنّ الخلاف في تعارض الاسم والإشارة يجري في المقامين وليس فرق في المقامين غايته كون الزيادة عندية، وهنا وفائية.

ثم على تقدير كون الزيادة مال الدافع هل تكون مضمونة على القابض أو لا ؟

ذهب بعض إلى كونها مضمونة (1)، واستدل عليه بوجوه ثلاثة كلّها [مردودة ](2):

الأول: إنّ الزيادة وقعت على أنّها عوضٌ في المعاوضة، وتكون حالها حال ما لو تعلّق العقد على الزيادة فتكون مضمونة؛ لأنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

وجوابه: إنَّ الضمانَ في المعقود عليه، لا في المدفوع عن العوض، وقاعدة الضمان في متعلّق العقد والمعوض، وبعد تبيّن الزيادة ظهر أنّ الزيادة ليست عوضاً حتّى يضمن

والثاني: إنَّه يكون الضمان في المقبوض بالسَّوم، فيكون الضمان هنا أولى؛ لأنّ المقبوض بالسوم يكون مأذوناً فيه صريحاً، دون المقبوض هنا، فإنه يكون بواسطة الاشتباه.

ص: 189


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 3/ 65 .
2- يوجد في المخطوط بياض بمقدار كلمة، ولعل المقصود ما أثبتناه.

وجوابه - أيضاً - واضح من وجهين:

الأول: المنع في المقيس عليه، وهو المقبوض بالسَّوم، ونقول بعدم الضمان.

وثانياً : إنَّ الضمان هناك بواسطة أنه يشتمل على شرط الردّ في التحليل، بمعنى: أنّ الدافع هناك كأنه قال: خُذْهُ فإنْ رضيت به وإلا فردّه . فيكون الضمان بواسطة شرط الردّ دونه هنا.

والثالث: دخول ما نحن فيه في قوله : «على اليد ما أخذت حتّى تؤديه»(1)، ونحن نقول:

أولاً: إنَّ الرواية مجملة من حيث المتعلّق، أهو الضمان أو الحفظ ؟ لِمَ لا يكون المراد الحفظ، ونحن نقول بوجوب حفظها حتّى تؤديه.

وثانياً: إنَّ الظاهر من الأخذ هو مطالبة القابض، وبدونها يكون إعطاء، لا يقال: أخذ، بل يُقال أعطاه ، فتكون الرواية منصرفةً إلى غير هذا المورد بواسطة أنّ المورد مورد الإعطاء؛ لأنَّه لم يسأل عنه، فلا يكون دليلاً على الضمان، فيكون على الأصل، وهو عدم الضمان.

ثم على تقدير عدم الضمان، وكونها أمانة في يد القابض هل تكون مالكيّة، أو شرعيّة؟ وجهان مبنيان على أن الأمانة المالكية هي مطلق كون الأخذ بإذنه، أو تكون الأمانةالمالكيّة ما تأمنها المالك، وهنا لم يقصد التأمين.

الأظهر الثاني، فلا تكون من الأمانة المالكيّة، خصوصاً إذا كان الدفع غلطاً، بل إذا كانت تعمداً، وإن كانت المالكيّة في الثاني أظهر دون الأول؛ لأنّ الأمانة المالكيّة ليست بمجرد كون الدفع بإذن المالك، وإلا لكانت الأمانة مالكية لو دفع صندوقاً فيه متاع وإن لم يعلم المدفوع إليه، ولم يكن كذلك.

ثم على تقدير كون الأمانة يجب ردّها إلى المالك على الفور، أو إعلام المالك بها، وإلا فلا، بل عند مطالبته.

ص: 190


1- يراجع ص 53 .

ثم على هذا التقدير - من كون الزيادة من مال الدافع بالاشاعة - يثبت للآخذ الخيار لعيب الشركة إذا لم يعلم بها، ويكون له الإبدال إذا كان قبل التفرّق، أو مطلقاً على ما أمرنا من جواز الإبدال مطلقاً ولو كان بعد التفرّق، والإمساك مجاناً مع اتحاد الجنس، ومع اختلاف الجنس يمكن أخذ الأرش على مذاق المشهور (1) ، ويمكن أخذ الأرش على ما أخترناه (2) مطلقاً، ولا يكون له الفسخ لأنّ ضرر العيب مندفع بالردّ.

ويظهر من بعض هنا جواز الفسخ (3)، وهو غيرُ مسلّمٍ؛ لأنّ ، وهو غير مسلّم؛ لأنّ عيب الشركة ليس له خصوصيّة، بل هو كسائر العيوب، فعدمُ جواز الفسخ هنا [ك]، والقولُ بالجواز هنا غيرُ متّجه .

ص: 191


1- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 39/2-40؛ فخر المحققين ، إيضاح الفوائد: 453/1 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 195/4 .
2- من كون الأرش غرامة مستقلة جعلها الشارع.
3- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 91/7.

ص: 192

[مسألة: في بيع الدرهم بدرهم مع اشتراط الصياغة]

والمسألة الحالية في جواز ابتیاع در هم بدرهم مع اشتراط الصياغة، وورد به رواية(1) تكون مخالفة للقواعد، والعمومات القاضية بعدم جواز الرِّبا؛ لأنَّها صريحة في جواز بيع الدرهم بالدرهم مع شرط صياغة الخاتم والرواية قويَّة بل صحيحة معتضدة بعمل الأصحاب بها، حتّى نقل (2) أنّ المخالف ابن حمزة ، وتردد ابن إدريس من وجهين(3):

أحدهما من باب أصله وهو عدم العمل بخبر الواحد.

والثاني: إنّ الزيادة ليست هي العين، بل وقعت صلحاً.

وفهم بعضٌ من كلامه: (إنّ المعتبر من الزيادة في باب الرِّبا هي الزيادة العينيّة لا المنافع) (4) ، وهنا الزيادة تكون منفعة وعملًا ، لا عيناً، فلا يضر.

وهو بعيد منه، وهو أجل شأناً من أن يقول بهذه المقالة؛ حيث إنّ الزيادة ممنوعةٌ مطلقاً، بل مراده أنّ مورد الرواية هو صحة العمل بوقوع هذا الإبدال؛ لأن الزيادة اشترطت في أصل العقد، فَلْنُقَدِّم - قبل الخوض في المطلب - مسائل:

الأولى: إنَّ زيادة الوصف غير مضر في الرِّبا، فلو باع حنطة رديئة بحنطة جيدة لم يكن من الرِّبا، وكذا لو باع فضة مصوغة بفضة غير مصوغة، وهذا يُشكَل من وجهين:

ص: 193


1- وهي: عن أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام)عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم، وأبدل لك در هماً طازجاً بدرهم غلة؟ قال: لا بأس» . الكليني، الكافي : 249/5 باب الصروف ح 20.
2- نقله عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز : 1/ 500 ، ولم نعثر عليه في وسيلة ابن حمزة الطوسي، ولعله لذلك عبّر عنه المقرر ب- ( نُقِلَ ) .
3- ينظر : ابن إدريس الحلي، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 3/ 375 - 376 .
4- ينظر: ابن إدريس الحلي السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 375/3 - 376 .

الأول : ما الفرق بينه وبين زيادة الأجل ؛ حيث إنّهم حكموا في زيادة الأجل بالرِّبا، دون زيادة الوصف، والحال أنّ الأجل - أيضاً - وصف في العوض، حيث يكون العوض مؤجلاً ؟

ويُمكن دفع هذا الإشكال من وجوه :

الأول: إنَّ الأجل ليس وصفاً للعوض قائماً به، بحيث يُعدّ من أوصاف الشيء، بل هو وصف للعقد، والبيع حيث يكون مؤجلاً.

والثاني: إنَّ المعتبر من الزيادة ما يقابل بالعوض، والوصف ليس مقابلاً بالعوض بل هو مما يزيد وينقص، بخلاف الأجل فإنَّه مقابل بالعوض، لا بمعنى أن جزءاً من الثمن في مقابل الأجل، كيف ولو كان كذلك لما يحصل الرِّبا لو كان أحد العوضين مؤجلاً، أو هما؛ لأنَّه - حينئذٍ - بمنزلة الضميمة، والحال أنَّه ليس كذلك، بل بمعنى أنه يمكن إبداله ومصالحته، نظير حق الخيار، وحق الشفعة فيكون موجباً للرّبا دون الوصف.

والثالث : إنَّه يكون من باب التعبد والأخبار، حيث تكون دالة على حصول الرِّبا بمجرّد زيادة الأجل، والأخبار متضافرة به وهذا الوجه أحسن الوجوه.

والثاني من الإشكالين: إنَّه ما الفرق بين الأجل، وبين اشتراط موضع التسليم والحال أنَّه ربَّما تكون قيمة الشيء في بلد العقد توماناً، وفي البلد المشترط فيه التسليم تومانين، فتكون الزيادة حاصلة حينئذٍ، والحال أنّهم لم يحكموا بالرِّبا في شرط موضع التسليم، وحكموا في الأجل، والحال أنَّ كلا منهما مزيد للقيمة، وموجب لازدياد القيمة.

ويمكن دفع الإشكال بأنّ الزيادة الحاصلة في اشتراط موضع التسليم اتفاقيّة، دون الزيادة في الأجل، حيث تكون شأنيّة، بمعنى إن شاء هو ازدياد القيمة مطلقاً، بخلاف الأول، فإنه قد يكون وقد لا يكون.

الثانية: إنّه لو صولح عمل على إيقاع بيع الربوي المتساوي فعلاً، على نحو كون البيع جعالة على العمل، أو أجرة على العمل، وعليه يحمل كلام ابن إدريس.

والثالثة: إنّ الغشّ على قسمين:

ص: 194

قسم يكون موجباً لرداءة المغشوش، وجيادة المقابل.

وقسمٌ يكون موجباً لاختلاط المغشوش وتركيبه، بحيث يعدّ شيئاً مركباً.

والزيادة في الأول توجب الرِّبا، دون الثاني؛ لأنّ اختلاطه صار بمنزلة الضميمة، وتكون الضميمة حقيقة ، والزيادة تنصرف إليه - بناءً على صرف كلّ إلى ما يخالفه في الضميمة - فلا يحصل الرِّبا وإن حصل الزيادة.

فإذا تمهدت هذه المسائل فنقول: إنّ المشهور (1) حكموا في أصل المسألة بالجواز، وقالوا: إنّ مقتضى القواعد، والأخبار، والآيات، عدم جوازه، إلا إنا خرجنا عن مقتضاها في هذا المورد بواسطة ورود النص على جوازه (2) ، وحملوا الرواية على ظاهرها من اشتراط العمل في البيع.

و مما ينبغي أنْ يعْلَم أنّ مورد الرواية هو (شرط العمل)، وهو زيادة قطعاً ومضرٌّ، وليس من الزيادة الوصفيّة، ومثل بيع الفضة الصائغة (3) بالفضة الغير الصائغة، وهو ليس بمضرّ يقيناً؛ لأنَّه ليس زيادة حتّى يعدّ من الرِّبا، وإن كان قيمة الصائغة أكثر من غيرها، كيف، ولو كان كذلك لا بُدَّ أنْ يعدّ من الرِّبا لو بيع الجيد بالرديء؟ وهو مخالف للإجماع.

فما توهم بعضٌ وقال : (إنَّ زيادة العمل - التي هي مورد الرواية - غير مضر؛ لأنَّه لو كانت زيادةً وموجبة للرِّبا، فلا بُدَّ أن يكون بيع الصائغ بغيره أيضاً ربا)(4).

وأنت فهمت - بعد ما ذكرناه - أنه قياس مع الفارق، وبعضهم لم يعملوا بالرواية، وخرّجوها عن ظاهرها، وحملوها كل إلى تأويل:

الأول: إنّ مورد الرواية هو اشتراط الإبدال في الصياغة لا عكسه(5)، وهو غير مضرٍّ،

ص: 195


1- ينظر: العاملي، مفتاح الكرامة: 13/ 617 وما بعدها.
2- برواية أبي الصباح المتقدمة.
3- كذا في المخطوط والمراد (المصوغة) وكذا ما بعدها.
4- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء (ط. ق) : 522/2 ؛ النجفي، الجواهر : 42 / 168 .
5- ينظر: العلّامة الحلي، مختلف الشيعة : 108/5 ؛ الشهيد الأول، غاية المراد : 73/2.

نظير ما قلناه .

وهو بعيد في نظر العرف؛ لأنَّهم لا يفرّقون بين تقديم الشرط أو تأخره، ويعدّونه من الشرط في البيع، إلا أنَّه غير بعيد بحسب ظاهر لفظ الرواية.

والثاني: إنّه مبادلةٌ لا بيع(1) ، ولا يضرُّ في المبادلة.

وفيه: إنَّ المبادلة المطلقة بمنزلة التمليك، و (بادلتُ) مثل (ملّكتُ) لا يُفرَّق بينهما، والتمليك المطلق والمبادلة المطلقة ينصرفان إلى البيع؛ لأنَّه الأصل في العقود، بناءً على ما فسرنا أصليته سابقاً.

والثالث: إنَّ شرط الصياغة وحده على المبادلة (2)، يقول للصائغ مثلا: صغْ لي هذا الخاتم، وأنا لا أفعل لك كذا إلا أنَّ صياغة الخاتم شرطٌ في العقد.

وهو أيضاً بعيدٌ.

والحقُّ أن نقول بظاهرها؛ لكون الرواية صحيحة، ومعتضدة بعمل الأصحاب .

ثم على تقدير العمل بها هل يتعدى من مورد الرواية إلى غيرها ؟

الأظهرُ عدم التعدّي؛ لأنَّه حكم مخالف للقواعد، فلا بُدَّ أنْ يقتصر على موردها، والتعدي عن مورده - بناءً على جواز التعدي - إمّا بأنْ يُلقى وصف الخاتميّة، ويتعدى إلى مطلق الصياغة، أو بإلقاء الصياغة والتعدّي إلى مطلق شرط العمل، أو بإلقاء العمل - أيضاً - والتعدي إلى مطلق الشروط، ويمكن التعدّي بوجوه أُخر.

ص: 196


1- ينظر: المجلسي الأول، روضة المتقين: 329/7 .
2- ينظر : الشهيد الثاني، الروضة البهية : 381/3 .

[ الكلام في بيع الأواني الذهبية والفضيّة ]

المسألة الخامسة : في بيع الأواني المصوغة من الذهب والفضة، وقبل الخوض في المطلب وكلمات الأصحاب، نتكلم في أشياء ترتبط بالمقام:

الشيء الأول: في أنّه لو بيع الفضة المطلاة - مثلاً - بحيث لم تعدّ طلائية في العرف ذهباً، ولم تعد بواسطته مختلطة، نظير ماء الذهب الذي يُزَيّن به المصاحف والكتب، هل يكون ذلك موجباً للزيادة في المبيع لو بيع الفضة المطلاة بفضة خالصة، ويحصل بسببها الرِّبا، أو لا يكون ذلك موجباً للرّبا، ولم تكن زيادة ؟ وجهان:

من أنّ حرمة الرِّبا معلّقة على الزيادة الواقعيّة، لا على الزيادة الظاهرية العلميّة، وتكون الطلائية زيادة في الواقع؛ ولذا لم تكن في نظر العرف زيادة.

ومن أنّ الرِّبا وإن كان معلّقاً على الزيادة الواقعية، إلا أنَّه لا بُدَّ أنْ يسمّى ب- (الزيادة) في العرف؛ لأنّ الأحكام تدور في الشرع مدار الأسماء العرفية، فحرمة الرِّبا معلّقة على الزيادة المُسمّاة ب-( الزيادة)، وهنا لا تسمّى الطلائية زيادةً واقعيّة في العرف .

الأظهر هو الثاني، فلا يكون هذا الاختلاط موجباً للرِّبا.

الشيء الثاني: في أنَّه لو كان بين العوضين زيادةٌ في حال دون حال، وباعتبار دون اعتبار ، مثل : أنه لو بيع ههنا ب- (قرانات) بحيث يكونان متساويين في السكة والمعاملة، ويحكم بالتساوي في مقام المعاملة والسكة ، مثلاً يحكمون بكون كلٍّ منهما مثقالاً، ولكن كان بينهما زيادة في مقام الكسر ، ويحكم بكون أحدهما زائداً عن الآخر في هذه الحالة.

فهل يكون المدار على حال الزيادة - واعتبار الزيادة؛ لصدق الزيادة معه - أو يكون المدار على حال عدم الزيادة، لكن حرمة الرِّبا مخالفة للعمومات، فلا بُدَّ أنْ يقتصر فيها على المتيقن ، وهو الزيادة مطلقاً ، أو يلحق كلاً حكمُهُ، فإن كان في مقام المعاملة يحكم بعدم الزيادة، وعدم الرِّبا، وإن كان في مقام الكسر والصياغة يحكم بالرِّبا؛ لعدم صدق الزيادة في الأول، وصدقها في الثاني؟

وجوه واحتمالات، الأظهر الأخير؛ لما قلناه.

ص: 197

الشيء الثالث: في أنَّه على مذاق من اغتفر الجهالة فيما لم يكن مقصوداً بالبيع، بل يكون تابعاً في القصد كالشهيد (1) ، هل تكون الزيادة - أيضاً - مغتفرةً في التابع القصدي أم لا؟

نحن وإن قلنا بعدم اغتفار الجهالة فيه أيضاً، بل مغتفر في التابع الحكمي، والشرعي، والحقيقي كالحمل الذي في بطن المبيع، إلا إنّا نتكلّم على مذاقه، الظاهر عدم الاغتفار في الزيادة؛ لأنّ العلم إنّما يعتبر في المبيع، وغير المقصود بالبيع لم يكن بيعاً حقيقة، ومدركه الغرر، والشيء إذا لم يكن مقصوداً لم يكن الغرر حاصلاً أبداً، بخلافه هنا، فإنّ الحرمة معلّق-[-ة ] على الزيادة في العوضين أعم من أن تكون مقصود [ة] أم لا.

الشيء الرابع: في أن احتمال الزيادة مضرٌّ أم لا؟

نحن وإن قلنا سابقاً (2) بمضرّية احتمال الزيادة؛ لأنّ البيع أولاً على قسمين:

قسم ربوي، وقسم غير ربوي.

والأول يحرم دون الثاني، فيكون عدم الحرمة معلّقاً على عدم الزيادة، والعلم بعدمها، وهو لا يحصل مع احتمال الزيادة، لا أنّ العمومات قاضيّة بالصحة أولاً، ثم أخرج البيع الربوي، وحينئذٍ يكون مخالفاً للقاعدة، فيقتصر على المتيقن زيادته.

و في الحقيقة لا تبنى مضرّية احتمال الزيادة على هذا، بل لو قلنا، ولا تتخصص العمومات الأولية بالرِّبا، يضر الاحتمال؛ لأنّ الرِّبا معلّق على الزيادة الواقعيَّة، لا على العلمية حتّى لا يضر احتمال الزيادة؛ لعدم معلوميتها، الآن حكمنا هناك بالمضرّية فيما يُمكن الاختبار، وأمّا فيما لا يُمكن الاختبار كالأواني المصوغة، والفضة المسكوكة إلّا بالقرع والأنبيق(3)، فلا نقول به .

وجهان: الأظهر عدم المضرّية لاستهلاكه لو كان، فلا يكون زيادةً.

ص: 198


1- ينظر : الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 93 .
2- يراجع ص123.
3- الأنبيق: إناء لصنع ماء الورد وغيره من المياه التي يراد تقطيرها. ينظر : النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب: 12/ 125 .

الشيء الخامس : وهو وإنْ كان خارجاً عن محلّ الكلام؛ إذ يجري في جميع المعاملات إلا أنّ له نوع خصوصيّة به إنَّ معلوميّة الجملة والمجموع كافٍ؛ إذ لا بُدَّ من معلوميّة قدر كلّ واحد من الذهب والفضة في الأواني المصوغة منهما وجهان :

من أنَّ المبيع هو المجموع، ويكون معلوماً، ولا يعتبر العلم في أجزاء المبيع، ومن أنّه يحصل بواسطة عدم العلم بقدر كلّ منهما يحصل غرر عظيم؛ لاختلافهما في القيمة؛ لأنَّه يحتمل فيما لو باع أربعة مثاقيل من المخلوط، بثلث مثقال من الذهب ومثقال من الفضة، وكان ثلاثة مثاقيل من المخلوط فضة .

الأظهر اعتبار العلم فيما يُمكن التخلّص، دون غيره.

ونحن وإنْ قلنا بعدم الاعتبار سابقاً، إمّا فيما يفسد بالاختبار، وإمّا فيما لا يفسد بالاختبار، فمن يقول بعدم اعتباره؛ لحصول الضرر ، [و] هو منهي عنه في الشريعة.

ص: 199

ص: 200

(في مشكلات خيار المجلس : فيما لو أُكره كلٌّ منهما )

بسم الله الرحمن الرحيم

(في مشكلات خيار المجلس : فيما لو أُكره كلٌّ منهما )

ذكروا أنَّه لو أُكره كلٌّ من المتبايعين، أو أحدهما، أو اضطرا إلى التفرّق ومُنعا من التخاير، لم يسقط خيارهما، أو أحدهما (1).

لا يخفى أنّ الاستدلال هذا المدعى على وجه ينطبق عليه، وعلى ما ذكروه في فروع المطلب في غاية الإشكال؛ حيث إنَّ مناط حكمهم إن كان قوله : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (2) [ف-] لا يخفى ما فيه؛ حيث إنّ مقتضاه سقوط الخيار بالافتراق سواء كان مع المنع من التخاير أم لا.

وإن كان المستند هو حديث رفع أثر الإكراه (3) ، فلا يمكن الفرق - أيضاً - بين الصورتين ، لو أغمضنا عن عدم جريانه في الأحكام الوضعيّة.

وكذا الحال لو كان المستند هو قوله [علیه السلام] «البيّعان» . بعد دعوى تبادر الافتراق الذي يكون عدمه غايةً إلى صورة الرِّضا بالبيع؛ من جهة كون الغالب من الافتراق عن المجلس الواقع في الخارج هو مع الرِّضا بالبيع، فينصرف مطلق الافتراق إليه، أو من جهة ظهور

ص: 201


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 84/2؛ الكيدري، إصباح الشيعة : 205 ؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام :276/2 .
2- يراجع صفحة 141 .
3- وهو: عن أبي داود المسترق قال: حدثني عمرو بن مروان قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : رفع عن أمتي أربع خصال خطأها، ونسيانها، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا؛ وذلك قول الله عزّ وجلّ: « رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ »[البقرة: 286] وقوله: « إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ» :(علیهما السلام) [النحل : 106] »الكليني، الكافي : 462/2 - 463 ، باب ما رفع عن الأمة ، ح 1 .

202

الفعل في الاختياري.

ودلالة صحيحة الفضيل (1)على كون المعتبر من الافتراق هو ما يكون عن رضا منهما بالبيع، فالافتراق مع المنع من التخاير غير مسقط، لكنه مبنيٌّ على تسليم التبادر، وهو ممنوعٌ، خصوصاً لو لم نقل بانصراف الافتراق إلى الافتراق الاختياري.

وتسليم كون المراد ب- (الرِّضا) في الحديث هو: الالتزام بالعقد بعد التروّي لا الرِّضا بأصل البيع، أو الرِّضا بالافتراق ويُمكن منعه، بل يحتمل فيه ما ذُكر وغيره.

ولا سبيل إلى تعيين ما ذكروا - [من ] تسليم كونه مسوقاً لبيان شرطيّة الرِّضا - وهو ممنوعٌ، بل ظاهره أنّه لبيان حال الافتراق، وأنه يكون الرِّضا حاصلاً بعد الافتراق، فلاوجه للخيار، ولا نفهم منه شرطيّة الرِّضا؛ لأن قوله [علیه السلام] : «فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا »(2) ليس كلاماً مستقلاً، بل من توابع الكلام الأول؛ حيث إنّه بيان لمفهومه.

ومن الواضح عدم ذكر الرِّضا في صدر الرواية، بل القائل في نفس الفقرة يشهد بأنَّه ليس بصدد مطلب جديد، بل الظاهر أنّ حاصل الكلام أنه بعدما حصل الافتراق فقد حصل الرِّضا، فلا خيار بعد ذلك، فالخيار حقيقة لأجل الالتزام بالبيع، فقد حصل لكشف الافتراق.

ومع ذلك كلّه يشكل حكمهم بمسقطية الافتراق مع التمكن من التخاير، ولو كان الافتراق اضطرارياً؛ حيث إنّ الدليل لا يشمل الافتراق الاضطراري بوجه أولاً، ولا يكون الافتراق كاشفاً عن الرِّضا - حينئذٍ - ثانياً، إلا أن يدعى سببيّة الافتراق مطلقاً؛ للزوم العقد عند العرف، ولو كان الافتراق اضطرارياً، فالافتراق مطلقاً سبب لانقطاع اليد عن البيع عرفاً، فحينئذٍ لو كان أحد المتبايعين متمكناً من التخاير أو كلاهما، فلم يفسخا - مع علمهما بأنّ الافتراق سبب لقطع اليد - فتفرّقا ولو اضطراراً ، يقال : إنهما افترقا راضيين بالعقد.

ثم يدعى أنّ الرواية - أيضاً - مفادها: إنّ ما يكون افتراقاً مع الرِّضا عرفاً، يكون سبباً

ص: 202


1- ينظر : الكليني، الكافي: 5 / 170 ، باب الشرط والخيار في البيع، ح6 . وسيأتي ذكره من المصنّف لاحقاً.
2- المصدر نفسه.

للسقوط، لكنه ممنوعٌ صغرى وكبرى.

وعلى تقدير التسليم يُمكن أنْ يُقال: إنّه لا مانع من التمسك بحديث الرفع لرفع حكم الافتراق، إذا كان إكراهياً - بناءً على جريان حديث الرفع في الأحكام مطلقاً وضعيّة، وتكليفيّة، والتامة، والناقصة - لكن لو قلنا باختصاصه بالمؤاخذة فلا يجري.

وكذلك لو قلنا بكون مورده الأحكام الجعلية، والسببيّةُ الناقصة ليست جعلية، بل عقليّة؛ حيث إنّ العقل بعدما فهم بكون المركب سبباً، يحكم بكون أجزاء المركب أسباباً ناقصة، فالسبب الناقص - بحكم العقل، وحديث الرفع - رَفَعَ ما كان ثابتاً من قبل الشارع، بخلاف ما لو قلنا بكون السببيّة الناقصة - أيضاً - جعليّة كما أنۀ السببيّة التامة جعليّة؛ حيث إنّ جعل الكل جعلٌ للأجزاء بمقتضى الحديث - حينئذٍ - عدم سببيّة الافتراق حينئذٍ مطلقاً.

إلا أنْ يُقال: إنّ مفاده رفع الآثار ، والسبب الناقص ليس له أثر، وإنّما الأثر لتمام المركب.

ويشكل حينئذٍ بما إذا كان الافتراق جزءاً أخيراً؛ حيث إنّ الأثر دائر مداره، لكن يُمكن دفع الإشكال : بأنَّه يُمكن أن يستفاد من الأدلّة أنّ الافتراق وإنْ كان جزءاً للمسقط، إلّا أنّ الجزء الأعظم منه هو الرِّضا، بل هو المؤثر الحقيقي المستند إليه الأثر مستقلاً، كما قد يدعى في باب العقود إنّ العقد المكره عليه - أيضاً - مؤثر بعد الحوق الرِّضا؛ من جهة أن المؤثر حقيقةً هو الرِّضا، فيدور الحكم مداره.

هذا غاية ما يُمكن أن يؤاخذ به مثبوتهم بعدم مسقطيّة الافتراق مع الإكراه عليه، وعلى ترك التخاير، لكن بعد ذلك كلماتهم مضطربة. هذا كلّه فيما لو أُكره كلّ منهما على التفرّق.

ص: 203

(فيما لو أكره أحدهما)

وأمّا لو أُكره أحدهما، فالمعروف - على ما نسب إليهم(1) - أنّه لو منع الآخر من المصاحبة، فلا أثر للافتراق بوجه.

ولو لم يمنع الآخر من المصاحبة، وترك المصاحبة اختياراً، فهل يسقط الخياران معاً بناءً على أنّ الغاية هو افتراق أحدهما عن الآخر ولو كان مع الرضا؛ لعدم دلالة قوله [علیه السلام]: حتّى يفترقا على أزيد من هذا؛ إذ لو اعتبرنا كون الافتراق اختيارياً من جهة ظهور الإسناد إلى الفاعل في اختياريّة الفعل؛ إذ يُمكن أن تكون نسبة الفعل إلى الشخصين، وذكرهما لبيان طرفي الافتراق، لا لبيان تعدد الفعل، أو يثبت الخياران معاً؛ نظراً إلى أنّ المسقط هو التفرّق الاختياري من كلّ منهما.

وظاهر القضيّة أن مجموع الافتراقين غاية لمطلق الخيار ، أو يسقط خيار المختار دون المضطر ؛ بدعوى أنّ المسقط لخيار كلّ منهما افتراقُ كلٍّ منهما اختياراً، وقد حصل ذلك من طرف المختار، فيسقط خياره دون الآخر ، أو يُفَصَّل بين ما إذا كان المختار باقياً في المجلس، فلا يسقط خياره؛ لعدم حصول الفعل الاختياري - الذي هو الافتراق - وبين ذهابه عن المجلس، فيسقط خياره خاصة، أو الخياران معاً - حينئذٍ - بناءً على ما استظهر من عبارة الإيضاح (2) والقواعد (3)؟

وجوه، بل أقوال يُمكن ترجيح الأول منها؛ لأنّ غاية ما يُستفاد من قوله [علیه السلام]: «ما لم يفترقا» هو حصول تفرّق بينهما في الخارج، غاية الأمر كونه اختيارياً من جهة ظهور الإسناد- لو قلنا به - ولا دليل على كون التفرقين الاختياريين مسقطاً؛ إذ يُمكن أن تكون التثنية لبيان تعدد المفترقين، لا لبيان تعدد الافتراق، فكأنّه قال : ما لم يفترق أحدهما عن الآخر. فلا يستفاد من الرواية إلا كون المسقط افتراقاً اختيارياً واحداً.

ص: 204


1- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 23/ 10 .
2- ينظر: فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 1 / 480-481 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 64/2-65 .

نعم، يلزم كون التفرّق عن اختيار كلّ منهما لو كان ذكر الفاعل لأجل حدوث الفعل من كلٍّ منهما، وقيامه بكلٍّ منهما موجداً للافتراق، إمّا بأن يكون الافتراق معنى واحداً قائماً بالشخصين نظير فخ القلعة الذي يكون قائماً بمجموع العسكر، فهما موجدان لافتراق واحد، أو بأن يكون الافتراق قائماً بكل منهما بحيث يكون كلّ منهما مفرّقاً، فيكون قوله [علیه السلام]: «حتّى يفترقا» بمنزلة قوله : حتّى يفترق هذا، ويفترق ذاك.

غاية الأمر أن يكون الطرف الآخر للافتراق في كلّ منهما الشخص الآخر، فيكون المسقط - حينئذٍ - افتراقين .

وعلى كلٍّ من التقديرين، لا يبعد كون القضيّة ظاهرة في اختيارية الطرفين والمفرقين، وأمّا لو قلنا بكون التشبيه؛ لبيان طرفي الافتراق، فلا يكون المسقط إلا افتراقاً واحداً اختيارياً، أو الأعم منه ومن الاضطراري، وهو حاصل يسقط الخياران معاً، ولا يعتبر إلا رضا واحد، ولو قلنا بتبادر الرِّضا بالبيع من الافتراق؛ لأنّ المتبادر إلى الرِّضا هو الافتراق، وقد ذكرنا أنّ المتيقن من هذا الكلام هو الافتراق الواحد لا الافتراقان حتّى ينصرف إلى رضا كلّ منهما.

ويُمكن أنْ يُقال: إنّ مرادَ (1)الشيخ (قُدِّسَ سِرُّهُ) من قوله : ( وتبادر تقيّده بكونه عن رضا كليهما ممنوعٌ، بل المتيقن اعتبار رضا أحدهما ) (2).

هذا، ولكن يُمكن أنْ يقال: بعدم ابتناء تماميّة المدعى على هذا التكلّف، بل يتم المطلب ولو قلنا بكون الغاية هو افتراق كلٍّ منهما عن الآخر، لكن بعد تسليم ظهوره في الاختيارية مطلقاً، أو من الطرفين، نقول فيما نحن فيه أيضاً حصل ذلك، والتبادر إلى الرِّضا ليس من جهة الانصراف إلى الاختياري، وإلا لما كان في صورة الاضطرار، والحال أنّ الشيخ صرّح بكون الرضا متبادراً سواء قلنا باعتبار الاختيارية من الطرفين، أم من أحدهما، أم لعدم الاعتبار مطلقاً، بل يُمكن أن يُقال : منشأ التبادر غلبة وقوع الافتراق في الخارج، أمّا مع اختيارية الافتراق فواضح ، وكذلك مع اضطراريته؛ حيث إنّ اضطرارية الافتراق لا توجب

ص: 205


1- كذا في المخطوط، ولم يذكر المصنف خبر (إنّ) ، ولعل كلمة (هذا) هي الخبر.
2- الأنصاري، المكاسب : 76/5.

المنع من التخاير المانع من الرِّضا، وصورة المنع من التخاير نادر جداً، فينصرف الافتراق المطلق إلى صورة الرضا بالعقد.

لكن لما لم يعلم كون الغالب من الافتراق هو مع عدم المنع من التخاير أصلاً، لا من الطرف الواحد، ولا من الطرفين، بل الغالب هو التمكّن من التخاير في الجملة، فينصرف إلى الرِّضا في الجملة، فيكفي التفرّق الحاصل عن رضا أحدهما بناءً عليه.

ولا ينافيه صحيحة الفضيل بن يسار المشتملة على قوله [علیه السلام]: «فاذا تفرّقا فلا خيار لهما بعد الرِّضا» (1)؛ لإمكان أن يكون ذكر قوله [علیه السلام]: «بعد الرِّضا». لبيان ما يكشف عنه الافتراق ولو نوعاً، من غير اعتبار الرِّضا أصلاً، أو يكون المراد هو الرِّضا الأولي بالبيع، لا الالتزام بالعقد بعد البيع، أو يكون المراد بالرضا عدم الفسخ ، فلا يثبت التقييد بالرضا حتّى يدور الأمر مداره.

ولو سلّمنا ظهوره في القيديّة، فهي معارضة بإطلاق قوله (علیه السلام): «فلما استوجبتها قمتُ فمشيت خطاً؛ ليجب البيع حين افترقنا» (2)، حيث جعل (علیه السلام) وجوب البيع مترتباً على مجرد مشيه ، مع قطع النظر عن حصول رضا الآخر وعدمه.

ومقتضى القاعدة الكلية، وإنْ كان تقديم الصحيحة؛ حملاً للمطلق على المقيد، لكن يُمكن دعوى تقدّم الخبر - ولو كان مطلقاً - على المقيّد في خصوص المورد؛ لكونه مطابقاً للأخبار الكثيرة المطلقة الواردة في مقام البيان، ومطابقاً لفتوى العلماء في الفروع المتعددة، مثل : ما إذا مات أحدهما، أو جنّ، أو غفل، أو تردد في الالتزام وافترق الآخر، فإن الظاهر منهم سقوط الخيار (3) ، بل ادعي عدم الخلاف في بعضها، فيكون ذلك كله موجباً لضعف

ص: 206


1- تقدّم تخريجه في ص 141 .
2- ينظر: الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 204/3 ، باب آداب السوق والخيارات ، ح3769.
3- فقد أفتى الشيخ الطوسي، والعلّامة الحلي - صريحاً - بعدم السقوط في هذه المسألة في الجنون والاغماء، وأفتى فخر المحققين في إيضاحه، والمحقق الثاني في جامعه والشهيد الثاني في فوائده - ظاهراً - بنفس الحكم، ينظر: الطوسي، الخلاف : 27/3؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 66/2، تذكرة الفقهاء: 11/ 30؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد : 1 / 482 - 483 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 289/4؛ الشهيد الثاني، فوائد القواعد : 612 .

الصحيحة عن مقاومة المطلق، بل يُمكن أن يُدّعى أنّ ذكر الافتراق ليس لأجل موضوعيته؛ بحيث يكون علّة لسقوط الخيار، بل يكون ذكره من جهة كونه رافعاً لموضوع الخيار، وهو اجتماع البيعي بمعنى: أنّ المقتضي للخيار هو البيع ما دام الاجتماع، وفي هذه المدة، نظير الثلاثة في خيار الحيوان، ويفصح عن ذلك ذكر خيار المجلس في ذيل خيار الحيوان، الذي يكون كاشفاً عن كونه مثله في ثبوته من زمان إلى زمان [...](1) الزمان لا أنّ الافتراق مؤثر في سقوط الخيار ، وبهذا يمكن الجمع بين فتاويهم في هذه المسألة.

وحاصل الكلام: إنّه لا يمكن الجمع بين الدليل، وما صار مورد الإجماع - ظاهراً - من سقوط الخيارين، فيما لو مات أحدهما، أو جنّ، أو غفل، وفارق الآخر اختياراً، إلا بالتزام أحد الأُمور، إمّا أن يكون الرِّضا هو مجرد عدم الفسخ ، وهذا وإن كان خلاف الظاهر، إلا أنه لا بُدَّ من التزامه؛ لتأليف الفتاوى .

أو يكون المراد الرضا بالبيع لا الرِّضا الثانوي، أو يقال بعدم مؤثريّة شيء من الافتراق والرِّضا في سقوط الخيار ، بل ذكر الافتراق لأجل بيان منتهى زمان الخيار نظير [ ال-]--يوم الثالث من زمان البيع في خيار الحيوان، وعلى كل منهما يكون مجرد الافتراق كافياً.

(صورة ما لو مات أحدهما في المجلس)

هذا بقي الكلام في بعض الفروع التي لا تخلو من إشكال، وهو أنَّه لو مات أحدهما في المجلس، وكان الآخر باقياً اختياراً ، فهل تكون الغاية شاملة له نفياً أو إثباتاً، أو يكون خارجاً عنها نفياً وإثباتاً، مع دخوله في المغیّى، أو مع خروجه منه أيضاً؟

وجوه، بل أقوال - على ما حُكي (2)-:

ص: 207


1- يوجد بياض في المخطوط مقدار كلمتين.
2- ينظر: العاملي، مفتاح الكرامة : 159/14 - 160 ، حكى عن ثلة كبيرة من الفقهاء الآراء المتقدمة، فليراجع ثمة.

فقولٌ : بكونه داخلاً في الغاية بدعوى أنّ المسقط هو افتراق الإنسانين - لا مجرّد البدنين، ولا مجرّد الروحين - وهو حاصل هنا.

والثاني: بدعوى أنّ المناط هو زوال علقَة الاجتماع، وهو موجود فيما نحن فيه بنحو أشد.

وقولٌ: بدخوله في النفي؛ حيث إنّ المدار على افتراق الشخصين، ولم يحصل.

وقولٌ : بخروجه عن الغاية نفياً وإثباتاً، مع دخوله في المغيّى؛ بدعوى أنّ المراد من قوله [علیه السلام]: «ما لم يتفرقا » مجرد سلب الافتراق، ولو لأجل عدم قابلية الموضوع له، حتّى يكون التقابل من قبيل تقابل الإيجاب والسلب، بل المراد عدم الافتراق عمّن من شأنه الافتراق، والميت ليس من شأنه الافتراق، فيكون خارجاً عنه، مع دخول ما نحن فيه في قوله [علیه السلام]: «البيعان » ؛ لعموم اللفظ له من دون مخصص، غاية الأمر ثبوت الخيار له إمّا مطلقاً بناءً على الاستصحاب، أو فوراً بناءً على عدم وجود المناط بعد الزمان الأول - على الوجهين - في كلّ خیار ثبت إجمالاً ولم يعلم غايته، أو عدم دخوله فيه - أيضاً - بدعوى صيرورة عدم وجود الغاية قرينة لصرف العموم عنه؛ لأن الموضوع والحكم في مورد الغاية لا في غيره، لكن يُمكن دعوى أظهريّة الوجه الثالث من حيث الدليل.

هذا كلّه فيما لو كان الآخر في مجلس العقد، وأمّا لو فارق المجلس، فالمعروف منهم، بل ادعي عليه الإجماع (1) سقوط الخيارين، وإقامة الدليل عليه على النحو الذي عرفت، هذا كلّه في خيار المجلس.

ص: 208


1- ينظر: النجفي ، جواهر الكلام: 23/ 74 -75 .

( في خيار الحيوان)

إشارة

ومن الخيارات خيار الحيوان، لا خلاف ولا إشكال في ثبوته إجمالاً، وإنّما الكلام فيه من حيث المورد تارةً، ومن حيث من له الخيار تارةً أخرى، ومن حيث كون المسقط فيه أيّ شیء؟

وأمّا الأول، فالظاهر أنَّه لا إشكال في ثبوته في كلّ ما يصدق بيع الحيوان، من غير فرق بين الحيوانات؛ عملاً بعموم الأخبار.

نعم، قد يشكل في بعض الأفراد من جهة أنّ الظاهر أنّ المراد ببيع الحيوان: بيع ما يكون المقصود فيه جهة الحيوانيّة، لا جهة اللحميّة نوعاً .

وبعبارة أخرى: ما يسمّى في العرف بيع الحيوان، وفي مثل الجراد المحرز في الإناء، والسمك الخارج عن الماء لا يُقال في العرف إنّه باع الحيوان، بل يُقال: باع اللحم؛ حيث إنّ الوصف العنواني مأخوذ فيه، فالموضوع لهذا الخيار هو ما يكون المقصود فيه جهة الحيوانيَّة، وليس المقصود (عدم كون المقصود ) (1)جهة اللحميَّة، فلو قصد شراء الغنم لأجل ذبحه يكون خارجاً؛ إذ ليس العبرة بالقصد الشخصي، بل ولا النوعي - أيضاً - إذا لم يصرْ منشأ لتغيير الاسم.

فعلى هذا يُمكن القول بعدم ورود الإشكال بالصيد الذي أصابه السهم، ويقطع بموته.

ثم إنَّه هل يختص بما إذا كان البيع وارداً على الشخص، أو يعمّ الكلّي أيضاً؟

يُمكن أن يدعى الاختصاص؛ بقرينة التعليلات الواردة في أخبار الخيار المزبور[ة]؛ حيث علّل بأنَّه لمكان وجود شيء في المبيع، وبقرينة التحديد بثلاثة أيام(2)، حيث إنّه لو كان جارياً في الكلّي لكان حال هذا المبيع حال سائر المبيعات؛ لأنّ منشأ الفرق هو وجود شيء

ص: 209


1- كذا في المخطوط.
2- ينظر: الكليني، الكافي: 169/5 وما بعدها، فهناك الكثير من الروايات الواردة في باب الشرط والخيار في البيع .

مخفيّ في المبيع الذي لا يطلع عليه غالباً إلا بعد مضي زمان، والكلّي بما هو كلّي لا يجري فيه ذلك.

لكن يُمكن أنْ يُقال : إِنَّ الكلّي - مع قطع النظر عن الأفراد - الذي لا يكون مبيعاً حقيقة لا يجري فيه ذلك، وأمّا هو بملاحظة الأفراد يجري فيه ما ذكر، فيمكن جعل الخيار إلى ثلاثة؛ لأجل اختيار المدفوع عنه.

هذا، ولكن المختار عند سيدنا (أدام الله ظله العالي) هو الأول.

[ الكلام في من له الخيار ]

هذا، وأمّا من له الخيار، ففيه أقوالٌ:

قولٌ باختصاصه بالمشتري، وهو المعروف بينهم(1).

وقولٌ بكونه مثل خيار المجلس، في ثبوته لكلٍّ من البائع والمشتري مطلقاً، وهو المنسوب إلى المرتضى (2)، وابن طاووس(رحمه الله ) (3).

وقولٌ بثبوته لمن انتقل إليه الحيوان.

وبعبارة أخرى لصاحب الحيوان مطلقاً، من غير فرق بين كونه بائعاً، أو مشترياً، أو كليهما، وهو المنسوب إلى جمع من المتأخرين، منهم الشهيد في المسالك (4).

ص: 210


1- وهو ما ذهب إليه ابن إدريس الحلي في السرائر : 342/3 ، ونسبه - أيضاً - إلى الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي، وجلّ الأصحاب، بل الإجماع منعقد عليه. ينظر : النراقي، مستند الشيعة: 375/14.
2- ينظر: السيد المرتضى، الانتصار : 433 ، المسألة 245 ، ونسبه إلى السيد المرتضى ابن إدريس في السرائر : 342/3 .
3- ونسبه إلى السيد ابن طاووس - في كتابه المفقود «البشرى» - الشهيدُ الأول في غاية المراد: 97/2 .
4- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 3 /200؛ المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 26/19؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: 392/8؛ الخلخالي، فقه الإمامية (قسم الخيارات) تقرير بحث الميرزا الرشتي : 222- 223 .

لكن الأقوى من الجميع هو الأول، ويدل عليه وجوه:

الأول: العمومات الدالة على اللزوم مطلقاً، أو بعد المجلس كقوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أ» (1) ، وقوله (علیه السلام): «فإذا افترقا فلا خيار»(2) خرّج المشتري، [و] بقي الباقي تحت العمومات، ولا دليل على خروجه .

الثاني: الأخبار الكثيرة الدالّة على اختصاص الخيار المزبور بالمشتري(3)، وعدم ثبوته لغيره بالمفهوم الذي يُمكن أن يُقال بكونه أقوى من المنطوق بمراتب، مع تأيّد بعضها ببعض، مع موافقتها للمشهور روايةً، وفتوى.

ودعوى كون القيد وارداً مورد الغالب، فلا يكون له مفهوم (4)، مدفوعة؛ بمنع ثبوت الغلبة، كدعوى اختصاص موردها ببيع الحيوان الذي يختص الخيار بالمشتري منه على ما ستعرف حالهما.

والثالث: دعوى أنَّ الحكمة في هذا الخيار - وهي النظرة؛ لانكشاف العيب ونحوه على ما يستفاد من بعض الأخبار - موجودة في المشتري دون البائع غالباً، فلا يثبت فيه؛ حيث إِنَّ الغالب أنَّ الحيوان هو المبيع لا الثمن، ولا يخفى ما فيه، فافهم.

واستدل المرتضى (قُدِّسَ سِرُّهُ) وأتباعه (5) بأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار

ص: 211


1- سورة المائدة : 1 .
2- يراجع ص 141 .
3- منها - وغيرها سيأتي لاحقاً منه- : عن علي بن أسباط ، عن أبي الحسن الرضا ، قال: «سمعته يقول: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي غير الحيوان أن يتفرّقا وأحداث السنة ترد بعد السنة، قلت: وما أحداث السنة؟ قال: الجنون والجذام، والبرص، والقرن، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث، فالحكم أن يردّ على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه » الكليني، الكافي : 216/5-217، باب من يشتري الرقيق فيظهر به عیب، ح 16 .
4- ينظر: السيد المرتضى، الانتصار : 433 ؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة: 8/ 392.
5- ينظر: الأردبيلي، مجمع الفائدة 8/ 392. أقول : لم يستدل السيد المرتضى في هذا المبحث - كما في الانتصار : 433 - بهذين الدليلين.

المجلس، وبصحيحة محمد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وما هو ذلك في بيع حتّى يفترقا » (1) .

وهذه الصحيحة تدلّ على ثبوت الخيار لكل من البائع والمشتري بالمنطوق، ولا معارض لها أصلاً؛ لكون التقييد في الأخبار وارداً مورد الغالب، فلا تدل على عدم ثبوته لغير المشتري، وعلى تقدير دلالتها يكون بالمفهوم، والمنطوق مقدّم على المفهوم.

وفيه: أمّا الأصل؛ فلأنَّه مبنيٌّ على عدم جواز التمسك بالعموم بعد خروج فرد منه، إذا شك في بعض أحوال هذا الفرد، وهو مسلّم - بناءً على عدم ثبوت العموم الأحوالي للعام - لكنه غير مسلّم عند الجميع أولاً، فيمكن منعه.

وثانياً: إنَّه مبنيٌّ على كون الجنس في جميع أفراد الخيار متحداً، وإنّما الاختلاف في المدّة، فحينئذٍ يُمكن - بعد ثبوت خيار المجلس - استصحاب الخيار إذا شك في ثبوته بعده للبائع، وأمّا لو كان مختلفاً في الحقيقة، فلا يُمكن الاستصحاب حتى، بناءً على جواز استصحاب الجنس أيضاً؛ حيث إنّه - أيضاً - فيما إذا ثبت الجنس إجمالاً، وتردد أمره بين كونه في ضمن القصير حتّى يكون مرتفعاً، وبين كونه في ضمن طويل العمر حتّى يكون باقياً، ففيما نحن فيه علم ثبوته في ضمن القصير؛ حيث إنّه ثبت خيار المجلس الذي [يكون] باقياً ببقاء المجلس.

نعم، يُمكن استصحاب الجنس على وجه ضعيف لا يمكن القول به.

وأمّا الأخبار، فلا إشكال في دلالتها على الاختصاص؛ لمنع الغلبة المذكورة بحدٍّ يوجب ذلك، كيف وهذه الأخبار المتضافرة متطابقة على ذكر القيد وترك البائع، بل قيّد ما كان مطلقاً بالمشتري كقوله[علیه السلام] في موثقة : «صاحب الحيوان المشتري بالخيار »(2).

كما أنَّه لا إشكال في قوة دلالتها ولو كانت بالمفهوم، وتقدمها على الصحيحة؛ لمعاضدة بعضها ببعض، واشتهارها بينهم روايةً وفتوى، فلا تقاومها الصحيحة، فلا بُدَّ من صرفها

ص: 212


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 7 / 24 ، باب عقود البيع ، ح 16 . وفيه : بدل (وما هو) (فيما سوى)، وبدل (في) (من).
2- المصدر نفسه 67/7 ، باب ابتياع الحيوان، ح1 .

عن ظاهرها.

واستدل صاحب القول الثالث بإطلاق قوله (علیه السلام): «صاحب الحيوان بالخيار» (1) بعد اعتضاده بالحكمة فيه الجارية في حق من انتقل إليه الحيوان، سواء كان بائعاً أو مشترياً.

ولا ينافيه التقييد بالمشتري، لا لكونه وارداً مورد الغالب - كما ذكرنا (2) - أو لكون الاختصاص من جهة كون موردها بيع الحيوان - على ما يظهر من بعض الأخبار - كقوله (علیه السلام) في صحيحة ابن مسلم : « وما هو ذلك من بيع »(3)؛ حيث إنَّ البيع بمعنى: المبيع.

فحاصل الأمر يرجع إلى التفصيل بين المبيع بكونه حيواناً وغير حيوان، بل مورد المطلقات - أيضاً - ذلك ؛ بحكم الغلبة التي ينصرف إطلاق السؤال إليها.

وكذلك لا ينافيه تقيّد صاحب الحيوان - في بعض الأخبار كموثقة [...] (4)- ب-(المشتري)؛ لأنّ التقييد إمّا من جهة الغلبة، أو لأجل دفع توهم كون الخيار للبائع، بحمل السائل صاحب الحيوان على صاحبه السابق لا الفعلي، بل يدل عليه - أيضاً - صحيحة محمد ابن مسلم بعد صرفها عن ظاهرها؛ بحملها على ما إذا كان كلٍّ من الطرفين حيواناً.

هذا، ولكن لا يخفى ما فيه؛ حيث إنّه ليس في المقام شيء إلا إطلاق (صاحب الحيوان) الذي لا بُدَّ من تقييده بمقتضى الأخبار الكثيرة؛ لعدم تسليم الدعوى المذكورة، كيف ولو كانت متحققة لكانت سبباً لانصراف المطلق أيضاً.

ودعوى أنَّه لم يصل إلى حد انصراف المطلق، بخلاف مقام ورود التقييد مورد الغالب؛ حيث يكتفي فيه بغلبةٍ ما، حيث إنّ المحتاج إليه فيه النكتة، ويكفي فيها ذلك، بل يُمكن منع

ص: 213


1- الكليني، الكافي : 5/ 170 ، باب الشرط والخيار في البيع، ح 5 .
2- يراجع ص 209 .
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 23/7 - 24 ، باب عقود البيع، ح16 .
4- يوجد غموض في الكلمة، ولعلها ما عن الحسن بن علي بن فضال، قال: «سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (علیه السلام) يقول : «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام» . المصدر السابق: 67/7 باب ابتياع الحيوان ح1 .

الإطلاق أيضاً؛ حيث إنّ صاحب الحيوان في بيع الحيوان غالباً هو المشتري، فينصرف إليه الإطلاق.

ولا يُمكن الاستبداد بالحكمة لو سلّمت؛ لأنَّها حكمة لا علّة، حتّى يدور الحكم مدارها، فافهم.

فلا محيص - حينئذٍ - عن القول المشهور.

[ الكلام في مبدأ الخيار ]

وأمّا مبدأ الخيار المذكور، فالظاهر أنّه من حينه على النحو الذي قرر في خيار المجلس، لا من حين صدور اللفظ، بل من حين تمامية البيع، ويدل عليه ظاهر الأخبار، خصوصاً صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال : ثلاثة أيام للمشتري قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال (علیه السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا »(1). حيث إن الظاهر - كالصريح منه - اتحاد موردهما، فيكون مبدؤه البيع كالمجلس، مضافاً إلى أنّ علّة الخيار هو البيع، فيُحَقق عند تحققه، فظهر مما ذُكر عدم جواز التمسّك .

وكذلك التمسك بلزوم اجتماع السببين على مُسبّب واحد؛ حيث إنّه لم يظهر من الأخبار كون كلّ منهما علّة تامة؛ لجواز العقد حتّى يلزم من اجتماعها عند الاجتماع ذلك، بل الظاهر منها كون كلّ منهما علّة في الجملة، ويكفي في ذلك كون كلّ علّة في حال عدم الآخر أو سبقه.

نعم، لو ظهر من الأخبار ذلك لا بُدَّ بحكم العقل التفكيك بينهما من حيث الزمان، وأنّى هذا من ظاهر الأخبار؟!

ثم إنّ الظاهر دخول الليلتين المتوسطتين في زمان الخيار، بمعنى ثبوت الخيار فيهما، وكذا الليلة الأولى، سواء وقع العقد في أول الليلة، أو فيما قبلهما من ثلث اليوم، أو نصفه - مثلاً - بحيث يحتاج إلى التلفيق بالآخر لأجل الكسر؛ إذ الظاهر كفاية التلفيق هنا، لكن من

ص: 214


1- يراجع صفحة 141 .

اليوم دون الليل؛ حيث إن الظاهر أن المراد ب- (اليوم) ليس خصوص أول طلوع الشمس إلى الغروب من دون فصل، بل المراد مقدار اليوم مع كونه من اليوم؛ عملاً بمقتضى ظاهر اللفظ حيث إن الظاهر أن ذكر اليوم ليس لأجل مجرّد بيان المقدار، بل المراد اثنا عشر ساعة منه.

وليُعْلم أنَّه ليس المراد ب-(دخول الليل) من جهة استعمال اليوم فيهما، أو في مقدار النهار ولو من الليل، بل المراد أنَّ اليوم استُعمل في معناه الحقيقي، وإنَّما أريد من-[-ه] الليل من القرينة الخارجيّة، وهي ظهور اللفظ في اتصال مدّة الخيار، وعدم انقطاعها في أصل المراد أنّ مدّة الخيار ثلاثة أيام مع لياليها أي ليالي الأيام من حيث المجموع، لا ليالي كلّ واحد حتّى يلزم منه دخول الليلة الأخيرة.

ص: 215

[ الكلام في مسقطات خيار الحيوان]

بقي الكلام في مسقطات هذا الخيار، ويسقط بثلاثة:

أحدها: شرط سقوطه، والظاهر سقوطه، ولا وقع للاستشكال فيه.

وثانيها: إسقاطه بعد العقد، والظاهر أنّه - أيضاً - مما لا إشكال فيه، وإنْ [استُشكل ](1) فيه أيضاً.

والثالث: التصرّف في الحيوان ولا إشكال في كونه مسقطاً في الجملة، ويدلّ عليه الأخبار المتضافرة (2) ، بل الإجماع محققاً (3) ومنقولًا مستفيضاً (4).

لكن الإشكال في تعيّنه، وأنّه مطلق التصرّف حتّى مثل الاستخدام بشيء خفيف، مثل: اسقني، أو التصرّف الدال على الرِّضا بالعقد والالتزام به - ولو نوعاً - بحيث يكشف عن الرِّضا به كشفاً نوعياً، أو يختص بالتصرّفات التي ورد النصُّ بها ؟

والظاهر لا وقع للإشكال في عدم كونه مطلقاً مسقطاً.

والتمسكُ له بإطلاق قوله(علیه السلام): ( فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل ثلاثة أيام، فذلك رضى منه، ولا شرط له ... ) (5). غير سديدٍ:

ص: 216


1- الكلمة في المخطوط غير واضحة، ولعل المقصود ما أثبتناه.
2- منها: عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، اشترط أو لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة أيام، فذلك رضى منه، فلا شرط له، قيل له : وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل، أو ينظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء ». ينظر : الطوسي، تهذيب الأحكام: 7 / 24 ، باب : عقود البيع، ح 19 .
3- ينظر: ابن إدريس الحلي، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 339/3 - 340؛ العلّامة الحلي، قواعد الأحكام : 2/ 66 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 4/ 291؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 3/ 451.
4- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء : 11 / 35؛ المحقق الأردبيلي : مجمع الفائدة: 397/8؛ الأنصاري، المكاسب : 97/5 .
5- الكليني، الكافي : 5 / 169 ، باب الشرط والخيار في البيع، ح2 . باختلاف يسير .

أمّا أولاً؛ فلأنَّه يُمكن منع إطلاق الحديث بحيث [لا] يجوز التمسك به؛ حيث إنّ الرواية - ظاهراً - في مقام بيان أصل كون التصرّف مسقطاً، لا بيان كيفيته.

وأمّا ثانياً؛ فلأنَّه على تقدير كونه مطلقاً بحسب المعنى اللغوي، لكن المتبادر منه عرفاً هو ما يكون له جهة حداثة وتجدد من [الأمور] (1) التي لا تعقل إلا في المملوك، بل الأخص منها.

وبعبارة أخرى: الأفعال التي لها عظم عرفاً، لا سيّما بمعونة قوله [علیه السلام]: «فيه»، ويشهد لذلك - أيضاً - سؤال السائل عن الحدث، ولو كان الحدث بمعناه اللغوي لما احتاج إلى السؤال.

فيُعْلم منه أنّ المراد ليس معناه الحقيقي مطلقاً، مضافاً إلى ما يظهر من الأمثلة من كون المثل هو ما يكون بمثابتها.

ولو قيل : إنّ الظاهر من الأمثلة - أيضاً - هو مطلق التصرّف؛ لمكان النظر الذي مثل الاستخدام أو أسهل منه.

يُمكن دفعه: بأنّ المراد ليس مطلق النظر ، بل المراد منه النظر الذي هو مع الاستمتاع غالباً، كالنظر في منظورة الأب التي يحرم على الولد نكاحها، ولو كان المراد مطلق التصرّف لكان الفرد الأخفى أولى بالتمثيل، بل يُمكن استفادة ذلك من قوله (علیه السلام): «فذلك رضى منه»؛ حيث إنَّ الظاهر أنّ ذلك ليس حكماً تعبدياً مطلقاً، أو مع الإشارة إلى حكمة الحكم، بل الظاهر أنّه إشارة إلى علّة الحكم، فيستفاد منه أنّ المناط هو الرِّضا، فيكون المسقط هو التصرّف الكاشف عن الرِّضا، إمّا نوعاً، أو شخصاً، لكن لمّا لم يمكن الالتزام بالثاني؛ لكونه -ظاهراً - خلاف الإجماع، فلا بُدَّ من حمله على الرِّضا النوعي.

ومن المعلوم أنّ الرِّضا النوعي ليس في مطلق التصرّف؛ لأنّ الغالب وقوعها مع التردد أو الغفلة، مضافاً إلى أنّه يظهر من بعض الأخبار الواردة في خيار العيب أنّ المدار على قيام العين بحالها وتغيّرها، بضميمة دعوى اتحاد المراد من الحدث فيهما ، واتحاد العامين من حيث

ص: 217


1- ما في المخطوط : (الأمورات)، والمناسب ما أثبتناه.

المراد فتوى ونصاً.

ويشهد لذلك أنّ الظاهر من كلمات الأكثرين (1)التعليل بكون التصرّف دليل الرِّضا في كلا البابين، فإذا كان المناط في جواز الردّ بقاء العين بحالها في ذلك الباب ولو وقع التصرّف، كذلك هنا لم يكن مطلق التصرّف مسقطاً.

ثم إنّ قوله (علیه السلام): «فذلك رضا» . على ما أشرنا إليه إجمالاً [ يحتمل ](2) وجوهاً:

الأول: أن يكون جواباً للشرط، فيكون حاصله : إنَّ مطلق التصرّف حكمه عندنا حكم الرِّضا، فيكون مطلق التصرّف مسقطاً، ولو مع قيام القرينة على عدم رضاه بالعقد. وهذا المعنى وإن كان مناسباً لما يظهر من بعضهم (3) من التعميم إلى مطلق التصرّف من هذه الجهة، لكن لا يناسبه تعليلهم ذلك بدلالته على الرِّضا؛ حيث إنّه من المستبعد إرادتهم الرِّضا التعبدي، ولا يناسبه - أيضاً - ظاهر لفظ (الرِّضا) حيث إنّ ظاهره الالتزام القلبي.

والثاني: أن يكون الجزاء قوله : «ولا شرطاً له»، وقوله [علیه السلام]: «فذلك رضا» إشارةٌ إلى حكمة الحكم ، وهذا - أيضاً - يُمكن تصويره بوجهين:

أحدهما: أنْ يتصرّف في ظاهر لفظ (الرِّضا) بأنْ يُقال: إنّه إشارة إلى ما هو ثابت عند العرف، من كون التصرّف في قوة الرِّضا، فكون التصرّف في قوّة الرِّضا عند العرف يكون حكمةً لحكم الشارع على مطلق التصرّف بكونه مسقطاً، لكن لا بُدَّ من جعل القضيّة غالبيّة؛ حيث إنّ مطلق التصرّف عند العرف - أيضاً - ليس بهذه المثابة، فحينئذٍ لا حاجة إلى التصرّف في ظاهر لفظ (الرِّضا) - كما سنشير إليه في الوجه الثاني - وهو أن تكون القضية إشارةً إلى أنّ حكمة الحكم على مطلق التصرّف، هو كونه كاشفاً عن الرِّضا غالباً.

لكن لا يناسبه حمل الرِّضا على التصرّف من وجهين:

ص: 218


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 11 / 109؛ الأنصاري، المكاسب: 5/ 100؛ النراقي، مشارق الأحكام: 326 .
2- في المخطوط ( يحتمله)، والمناسب ما أثبتناه.
3- ينظر: النراقي، مشارق الأحكام: 326.

الأوّل: إنَّه من حمل المباين على المباين؛ حيث إنَّ الرِّضا ليس متحداً مع التصرّف بوجه، وهو غير صحيح.

والثاني: إنّه لو أغمضنا عن ذلك - أيضاً - لا يصح الحمل كليّة؛ حيث إنَّ التصرّفات مطلقاً لم يكن مع الرِّضا، غاية الأمر كونها في الغالب مع الرِّضا.

ويُمكن تصحيح الأول بعلاقة السببيّة والمسبيّة؛ حيث إنّ التصرّف مسبّب عن الرِّضا.

وقد يقال: إنّ العلاقة مصححة للإطلاق، لا للحمل.

وفيه: إنَّ كلّ إطلاق متضمّن للحمل ، فتكون مصحّحة الحمل أيضاً.

وتصحيح الثاني: إمّا بأن يحمل (الرِّضا) على الالزام، فيكون التصرّف التزاماً فعليّاً بالعقد.

وفيه: إنَّ الغالب في التصرّفات عدم إنشاء الالتزام بها، فكيف يكون التزاماً !

أو بأنْ يحمل على ظاهره والحمل باعتبار الغالب لا تقدير الغالب في الحمل، بل القضيّة دائمة منشؤها التسامح.

والثالث: أن يكون الجزاء قوله علیه السلام]: «ولا شرط له». ويكون قوله [علیه السلام] : « فذلك رضا »علّة للحكم، فيكون مفاد العلة - حينئذٍ - كون التصرّف رضاً نوعاً، وكشفه الغالبي بل الكشف الدائمي؛ حيث إنّ حال التصرّف - حينئذٍ - حال الأمارة، فيكون كاشفاً دائمياً، نظير الأمارة حيث إنّها كاشفة حتّى في صورة الشك، فيخرج ما كان مقروناً بالقرينة الدالة على عدم الرضا؛ حيث إنّ الظهور النوعي لا يجتمع مع القطع بالخلاف.

وعلى هذا، يخرج غالب التصرّفات؛ لعدم الظهور النوعي فيها، مثل ما وقع في حال الغفلة والتردد، بل مطلق بعض التصرّفات.

ص: 219

ص: 220

(الكلام في ولاية عدول المؤمنين )

أمّا ولاية العدول، فمقتضى الأصل الأولي هو الاقتصار على المتيقن - وهو ثبوتها عند تعذّر الحاكم - فيما يعلم عدم مشروطيته بنظر الحاكم حتّى عند تعذّره، فلو شك في كون تصرّفٍ مشروطاً، فلا يجوز لهم التصرّف فيه؛ بمقتضى الأصل.

وبعبارة أخرى: فما يكون مطلوباً للشارع مطلقاً - من غير فرق بين الأزمنة والحالات - كما أنّ مقتضى الأصل في الحاكم هو اقتصاره على ما عُلِمَ مطلوبّيته مطلقاً، من غير مشروطيته بنظر الإمام (علیه السلام).

ولا ينافي ذلك الإطلاقات الواردة في جواز التصرّف مثل عون الضعيف؛ إذ مفادها ثبوت الحكم على الإحسان، والمعروف، والصدقة التي لا تتحقق إلّا فيما لم يكن صاحب، ومن يقوم به، وإلّا فليس التصرّف معروفاً.

كما أنَّ مقتضى الأصل - أيضاً - هو الاقتصار على العدول لا الفسّاق، فالتعدّي عنهم محتاج إلى الدليل، وإثباته موقوف على تماميّة الإطلاقات الواردة، وسلامتها عن الإشكالات، مثل القول بأنَّها لم تكن واردة في بيان الموضوع.

وكذلك قوله تعالى: « لَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ » (1)أيضاً، وإنْ كان القول به فيه محلّ تأمل؛ لكون الخطاب عاماً للمؤمنين ، لكن المستفاد من الإطلاقات والأخبار الواردة في الباب كفاية الوثاقة، وعدم لزوم العدالة؛ لأنّ ما يدل على اعتبار العدالة إنّما هو في جواز الشراء لا في أصل التصرّف، ونحن نقول به فيه أيضاً، بل يُمكن أنْ يُقال : بمقتضى إطلاق الآية دوران الجواز وعدمه، دوران كون التصرّف أحسن واقعاً، فالفاسق - أيضاً - يجوز له التصرّف الأحسن، بل رجحانه ووجوبه عليه أيضاً - لو قلنا بهما - بالنسبة إلى تكليف نفسه، وأمّا تكليف الغير

ص: 221


1- سورة الأنعام: 152.

بالنسبة إلى مال اليتيم - الذي عند الفاسق - هو أخذه منه قهراً؛ لأنّ كون المال عند الفاسق في معرض التلف.

وملازمة الفاسق، ومراقبة المال مع كونه عنده - أيضاً - فيه حرج مدفوع، فلا بُدَّ من أخذه منه.

ثم إنَّه هل اللازم تفتيش الأمر؟

وبعبارة أخرى: هل اللّازم على العدول، والحاكم - عند وجوده - تتبع مال اليتيم؟ هل يكون عند العادل أو الفاسق في معرض التلف أم لا؟

الظاهر عدمه؛ لعدم الدليل عليه، بل غاية ما يستفاد من الأدلّة حفظ مال اليتيم عن التلف، لا بأنْ يكون واجباً مطلقاً حتّى يلزم التتبع ، بل لو كان في معرض التلف يجب حفظه، فحينئذٍ لو كان في يد مجهول الحال لا يجب أخذه منه.

ثم إنّ المستفاد من الأدلّة مثل الآية الشريفة وغيرها، جواز التصرّف أو رجحانه، إذا كان بطريق الأحسن من معانيه، فهل ذلك في جميع التصرّفات أم لا؟

فنقول : التصرّفات على قسمين:

قسم يكون داخلاً في المعروف والإحسان، والأحسن، فلا إشكال في جوازه؛ بمقتضى الإطلاقات .

وقسم يكون لازماً للمخالطة والمعاشرة مع اليتيم وهو تعاطي من عنده اليتيم مع اليتيم في طعامه وشرابه مثل أن يأكل طعامه اليوم، ويعطي عوضه اليوم الآخر، ويقول: هذا بذلك . كما هو مفاد الخبر (1) ، فالظاهر جواز مثل هذا التصرّف لمن كان معاشراً مع اليتيم؛ بمقتضى الآية الشريفة: « وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ » (2)؛ حيث

ص: 222


1- وهي: عن علي بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إن لي ابنة أخ يتيمة، فربما أُهدي لها الشي فآكل منه، ثم أطعمها بعد ذلك الشيء من مالي، فأقول: يا ربِّ، هذا بهذا ، فقال (علیه السلام): لا بأس. الكليني، الكافي : 5/ 129 باب ما يحلّ لقيّم مال اليتيم منه ح 5.
2- سورة البقرة: 220 .

إنّه يستفاد من صدره أنَّه يُعامل معهم - عند المخالطة - معاملة الأخوان.

ومن مقابلة المصلح بالمفسد يُعلم أنَّ المراد ب-(المصْلِح) من لا يفسد، فجوازه ليس موقوفاً على المصلحة الفعليّة، بل الظاهر أنّ الشارع لاحظ ثبوت المصلحة النوعيّة لليتيم، ولمن عنده في المخالطة معه.

وهذا التصرّف إمّا نفسها أو لازمها، فلو لم تُرَخَصّ - أيضاً - لمثل هذه التصرّفات إلا مع المصلحة، ولا يقتنع بعدم المفسدة، لأدى ذلك إلى ضرر اليتيم، وإعراض الفاسق عنه.

ثم إنّ الظاهر عدم وجوب التصرّف الأحسن، بل غاية ما يُستفاد من الأدلّة رجحانه، فهل الراجح هو عنوان الإصلاح بحيث يكون هو المأمور به، أو يكون المأمور به التصرّفات التي تكون مع المصلحة؟

وعلى تقدير الأول، فهل المعتبر ذلك في جميع الأشخاص حتّى من يشتري، أو يخص البائع، حيث إنّه المتصرف حقيقة، ولا يكون للمشتري إلّا قبول صرف؟

ويثمر الكلام في جريان أصالة الصحة في فعل البائع، وجواز الشراء منه، حيث إنّه إنْ كان المأمور به البائع - إن كان هو الإصلاح - كما هو الظاهر من الآية الشريفة، لا يجري الأصل المزبور ؛ لأنَّه لا يكون في العنوان المذكور صحيح وفاسد، فلا يجري الأصل، ولو قلنا بكون الخطاب مخصوصاً بالبائع ، وإن كان المأمور به هو الفعل مع المصلحة يُمكن إجراؤه- بناءً على اختصاص الخطاب بالبائع - وإلا لا يكفي مجرّد صحة بيع البائع.

هذا، لكن قد يظهر من شيخنا (قُدِّسَ سِرُّهُ) في فرائده، عدم جريان أصالة الصحة في أمثال الواقعة وغيره مما يكون مبنياً على الفساد (1)، ومقتضاه عدم جريانه في هذا المورد أيضاً، لكن لا يخفى عدم وجود مانع من إجرائه - بناءً على جريانه حتّى في الأركان - كما ارتضاه في ردِّ المحقق الثاني (2).

ص: 223


1- ينظر: الأنصاري، فرائد الأصول: 364/3.
2- ينظر: المصدر نفسه: 3/ 365.

( في موارد أصالة الصحة والضابط فيها)

لمّا انتهى الأمر إلى هذا المقام، لا بأس بأن نشير إلى بيان موارد جريان أصالة الصحّة، وبيان الضابط لها إجمالاً ، فنقول وبالله الاستعانة :

لمّا كان المدرك للأصل المزبور لم يكن إلا السيرة - إلى الإجماع (1)-، وبناء العقلاء، ولم یكن دليل لفظي يتمسك بإطلاقه، فلا بُدَّ من الأخذ بموارد السيرة، وما هو المتيقن منها، فنقول:

كلٌّ يجري في كلّ ما يكون مترتباً على الفعل الصحيح الصادر من الغير - من حيث إنّه صادر منه لا من جميع الجهات - بعد إحراز صدوره منه عرفاً، وشك في شروط صحّته، فيحكم بصحة نفس ذلك الفعل الذي أحرز صدوره منه ، وترتيب أثره من حيث إنّه صادر منه، فتترتب عليه الأحكام المترتبة على الفعل الصحيح منه ، فلا يجري فيما يكون مترتباً على عنوان لا يكون فيه صحيح وفاسد، أو يكون العنوان معتبراً فيه، وهذا واضح لاسترة فيه، وكذا يجري في الفعل المذكور ، ويحكم بترتب ما هو ثابت لنفس الفعل المزبور؛ من حيث إنّه صادر منه لا من جميع الجهات، ويتفرّع عليه عدم جواز الشراء ممن يدعي الوكالة بمجرّد الأصل المزبور؛ إذ لا يمكن إحراز صدور الشراء من المالك بنفسه، أو بوكيله من فعله بمجرّد الأصل، والحال أنّ الظاهر من الأدلّة مثل قوله [علیه السلام]: «لا تشتر إلّا من مالكها»(2). اعتبار الشرط المذكور عنواناً يجب إحرازه، ويستفاد منها كون البيع والشراء من المالك بنفسه، أو بوكيله موضوعاً ، فلا يُمكن إحرازه بنفس إجراء الأصل في فعل البائع، وبذلك افترق الشرط المذكور عن سائر الشروط المعتبرة في البيع؛ حيث يُمكن إجراء الأصل لو شك من جهتها بخلافه، حتّى مثل البلوغ - مثلاً - من غير تفصيل بين الأركان وغيرها، خلافاً لجماعة (3) حيث خصّوها بغير الأركان.

ص: 224


1- كذا في المخطوط، والصحيح: (لا الإجماع).
2- ينظر : الطبرسي، الاحتجاج : 2 /308 -309.
3- نسب هذا القول الشيخ الكبير النجفي في جواهره إلى المحقق الكركي (رضی الله عنه) : 23/ 197.

ونظير ما قلنا في عدم جريان أصالة الصحة، ما ذكروه من عدم جريان أصالة الصحة في فعل الأجير في مقام الحكم ببراءة ذمة الميّت، ولا يكتفون بعمل الفاسق، بل يعتبرون العدالة (1).

ووجهه ما ذكرناه من [أن] أصالة الصحة في فعل الأجير، إنّما يصحح فعله من حيث إنّه أجير، ولا يحرز صدور العمل من المستأجر.

وحاصل الكلام إنّ الظاهر ثبوت الفرق بين هذا الشرط وسائر الشرائط، بدعوى استفادة موضوعيته لهذا الشرط، من جهة استفادة كون المالكيّة مؤثرة في النقل -وهي الأصل. وكذا لا يجري الأصل في الفعل الذي لم يحرز صدوره من الشخص، مثلاً صدور الإيجاب، إنّما يثبت صحة نفس الإيجاب دون القبول، وكذلك صدور الإيجاب والقبول لا يصحح المعاملة حتّى يحكم بوقوع بيع الصرف مثلاً بمجرّد إحراز صدور الإيجاب والقبول والحكم بوقوع القبض أيضاً؛ حيث إنّ القبض فعل، والإيجاب والقبول شيء آخر.

نعم، يُمكن أنْ يُقال: بجواز الحكم بالصحة مع إحراز عنوان المعاملة من المتبايعين، والعلم بكونها في مقام بيع الصرف، والاشتغال به أيضاً، وإن كان التأمل فيه أيضاً في محلّه، مع عدم العلم بصدور القبض فيها في المجلس.

وبعد ما عرفت ذلك، تعلم عدم جريان أصالة الصحة في فعل البائع، والحكم بجواز الشراء منه فيما نحن فيه، حيث إنّه لا يعتبر الإصلاح في فعل المتبايعين كليهما، أو في فعل البائع مجرّداً، فعدم جريانه واضح، أو يعتبر كون الفعل مع المصلحة في كليهما.

نعم، فحينئذٍ - أيضاً - لا يجوز الشراء بدون إحراز المصلحة، بل لو قلنا بعدم اعتبار المصلحة إلا في فعل البائع؛ بدعوى عدم تحوّل الخطابات للمشتري، بل موردها المالك للتصرف، كما يشهد به ملاحظة نظائر الخطاب الواردة في المقام، مثل قوله تعالى «وَلَا تُؤْتُوا

ص: 225


1- ينظر : المحقق النراقي، مستند الشيعة: 346/7.

السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ » (1)، وقوله: « فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ »(2)؛ حيث إنّ الخطابات المذكورة لمن كان مباشراً لأمرهم ، لا يجوز الشراء بمجرّد بيع البائع؛ بدعوى كونه مصلحة، من جهة ما ذكرنا من استفادة لزوم كون البيع والشراء من المالك بنفسه، أو بوكيله ووصيه، وثبوت الفرق بين الشرط المذكور، وهو كون البيع والشراء من المالك، وغيره من الشروط، حيث إنّه يستفاد من الأدلّة كون الشراء من المالك عنواناً، فلا يُمكن إحرازه بمجرّد إجراء أصالة الصحة في فعل البائع على التقريب الذي ذكر ، وهذا بخلاف ما لو علم بوقوع المعاملة بين المتبايعين على مال اليتيم، أو على غيره، فإنه يجوز الشراء - حينئذٍ - من جهة اجراء أصالة الصحة في فعلها، بناءً على كون المأمور به هو الفعل مع المصلحة، وكذا لو كان المأمور به هو الإصلاح على تأمل فيه عندي.

ثم إنَّه لو كان المراد ب-(القرب) في الآية الشريفة، وهو قوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(3)، هو التصرّفات، لا الأعم من الفعل والترك، ولا غيره من الوجوه الأربعة المحتملة، يلزم كون إمساك مال اليتيم - مع المصلحة - كالتصرّفات الأُخر؛ لكونه - أيضاً - تصرفاً.

ص: 226


1- سورة النساء: 5 .
2- سورة النساء: 6 .
3- سورة الأنعام: 152.

(مسألة في شرائط العوضين)

ومنها كون العوض متموّلاً، فيخرج ما لا يكون مالاً، إمّا شرعاً كالخمر و الخنزير، أو عرفاً، إمّا لقلته كحبّة حنطة، أو لخسّته كالحشرات.

ووجه الاشتراط : أنَّ البيع لغةً - على ما صرَّح به بعضهم(1) - وعرفاً هو: [مبادلة](2)مال بمال فيخرج غير المال، ولو كان من الحقوق الماليّة، كحقِّ التحجير مثلاً.

والمراد ب-(المال) ما يكون متقوّماً عند العرف.

وبعبارة أخرى : هو شيء يُقال لمالكه في اللغة الفارسية: (جيز دار).

وذكر شيخنا (قُدِّسَ سِرُّهُ) في مكاسبه - بعد ذكر تقسيم المشهور ، وذكره إنّ البيع لغةً : مبادلة مال بمال -: (إنّ الأولى في المقام أنْ يُقال في مقام الضابط : إِنَّ كلَّ ما تحقق كونه مالاً عرفاً، فلا إشكال في عدم صحة بيعه، ما لم يتحقق فيه ذلك، فإنْ كان أكلُ المال في مقابله أكلاً للمال بالباطل عرفاً، فكذا لا يصح بيعه، وإلا فإن وردَ دليلٌ شرعي بعدم صحة بيعه فهو ، وإلّا يجب الرجوع إلى العمومات مثل قوله تعالى: « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ »(3)، وقوله : « لَا تَأْكُلُوا»(4)،وقوله : كل ما فيه صلاح يجوز بيعه (5))(6).

لكن هذا التقسيم - مع اعترافه في أول المسألة بأنّ البيع لغةً: مبادلة مال بمال - غير

ص: 227


1- ينظر: الفيومي، المصباح المنير : 69/1.
2- ما في المخطوط : (معادلة)، والمناسب ما أثبتناه، ولعله من خطأ الناسخ.
3- سورة البقرة : 275 .
4- سورة البقرة : 188 .
5- ينظر: ابن شعبة الحراني، تحف العقول: 333 . ونصُّ الحديث «... ويجوز لهم ... من كل شيء لهم فيه الصلاح...».
6- ينظر: الأنصاري، كتاب المكاسب : 4 / 10 .

مستقیم؛ حيث إنّ الظاهر منه التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيَّة، وهو غير صحيح، لكن نسبة هذا المطلب إليه (رحمه الله ) بعيد غاية البُعْد، مع اعتراضه كثيراً على مَنْ تمسك بالعام في الشبهات المصداقيَّة (1)، فيمكن أن يكون الكلام المذكور عدولاً عما ذكره أولاً، وذكره هنا بناءً على ما ذكره المشهور، كما يشعر بذلك عدوله عما ذكروه ونسبته بخلاف الأولى، بل لا يعتبر عنده لزوم كون البيع مبادلة المال بالمال، بل المعتبر فيه عدم العلم بعدم كونه مالاً، وعدم العلم بكون أكل المال في مقابله أكلاً للمال بالباطل عرفاً.

لكن يَرد عليه : إنّه لا يحتاج إلى ذكر الشقّ الأول في التقسيم - وهو : عدم تحقق عدم الماليّة عرفاً -؛ لاشتمال الثاني عليه، فافهم.

ثم إنّ الظاهر إنّ قوله (علیه السلام) في الخبر الشريف: «وكل ما فيه صلاح لهم يجوز بيعه »(2). ليس بصدد نفي اشتراط الماليّة شرعاً، وكفاية مجرّد الصلاح في البيع، بل بصدد بيان اعتبار الصلاح من غير جهة الماليّة، وبعد تحقق البيع، فحينئذٍ لا ينافي ذلك مع اشتراط الماليّة في البيع كما هو الظاهر ؛ لعدم صدقه في غير نقل المال.

ص: 228


1- ينظر: الأنصاري كتاب الطهارة: 251/5 .
2- تقدّم تخريجه سابقاً.

ثم إنهم احترزوا ب-(اعتبار الملكيّة) في البيع عن بيع الأراضي المفتوحة عنوةً، ووجه الاحتراز: عدم كونها ملكاً على حد سائر الأملاك، بحيث يكون لكلٍّ من المسلمين جزء معيّن، أو مشاع، ولذا لا يورَّث، بل ملكيته للمسلمين بمعنى كون مصرفها مصالح المسلمين.

( في أقسام الأراضي وأحكامها )

[أولاً:] ( في الموات وأنها ملكُ الإمام )

ولمّا انجرَّ الكلام إلى ذكر الأرض، لا بأس بالإشارة إلى أقسام الأرض وأحكامها إجمالاً، فنقول:

الأرض إمّا أن تكون مواتاً، أو مُحياةً، وعلى كلٍّ من التقديرين، إمّا يكون كذلك أصالةً، أو بالعرض، ولنقدّم الكلام في الموات الأصليَّة من حيث مالكها، وصيرورتها مملوكةً للغير، واعتبار إذنه، فنقول:

الظاهر، بل المقطوع به كونها مِلْكَ الإمام؛ ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع:

أمّا الكتاب فقوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ » (1) بناءً على كونها من الأنفال على ما صرَّح به جماعة(2).

وأمّا السنة، فعليه مستفيضة، بل قيل : إنّها متواترة (3).

منها: صحيحة الكليني: « قال لي: وجدنا في كتاب علي (علیه السلام): « إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا

ص: 229


1- سورة الأنفال: 1.
2- ينظر: الحلبي، الكافي في الفقه : 170 ؛ الطوسي، الخلاف : 3/ 525 ؛ ابن زهرة، غنية النزوع: 293.
3- ينظر: النجفي، جواهر الكلام: 11/38.

مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(1)، أنا وأهل بيتي الذين أورَثنا الله الأرض، ونحنُ المتقون، والأرضُ كلُّها لنا، فمن أحيا من الأرض من المسلمين فليعمرها، وليؤدّ خراجها إلى الإمام (علیه السلام)»(2).

وغير ذلك من الأخبار الكثيرة (3).

ودعوى عدم دلالتها على كونها للإمام (علیه السلام) بالملكية المتعارفة، بل ملكيتها له نظير ملكية الأرض لله، ليست عبارة عن [الملكيّة ] التي يعتبرها العقلاء، بل اعتبار أعم، مدفوعةٌ بظهور الأخبار المذكورة في الملكيّة المتعارفة، بل صريحها؛ للتصريح بكونها مال الإمام في بعض الأخبار (4) ، فصرفها عن مقتضاها لا وجه له، فحينئذٍ فمقتضى القاعدة المستفادة من العقل والنقل عدم جواز التصرّف فيها إلا بإذنهم (علیهم السلام) .

لكن في الأخبار الكثيرة ما ينافي بظاهرها ذلك، مثل : أخبار الإحیاء(5)؛ حيث إنّها تدل على سببيّة الإحياء للملك مطلقاً؛ لأنّ حملها على مجرّد الإذن بعيدٌ عن مساقها، خصوصاً في بعضها (6)الوارد في مقام التعليل؛ لجواز شراء الأرض من اليهود والنصارى.

ص: 230


1- سورة الأعراف: 128 .
2- الكليني، الكافي: 407/1 :باب: إنَّ الأرضَ كلّها للإمام (علیه السلام) ، ح 1 . باختلاف يسير .
3- منها : عن معلّى بن محمد قال : أخبرني أحمد بن محمد بن عبد الله عمن رواه قال: «الدنيا وما فيها لله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب على شيء منها فليتق الله، وليؤدِ حق الله تبارك وتعالى وليبر إخوانه، فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن برآء منه». المصدر نفسه. ومنها: عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: أيّما رجل أتى خربة بائرة، فاستخرجها، وكرى أنهارها ، وعمّرها، فإنَّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضاً لرجل قبله، فغاب عنها وتركها وأخربها، ثم جاء بعد فطلبها فإنَّ الأرضَ لله عزّ وجلَّ ولمن عمرها ». الطوسي، تهذيب الأحكام 7 / 152 ، باب : أحكام الأرضين، ح 21.
4- ينظر: الكليني، الكافي: 407/1 ، باب : إنَّ الأرض كلّها للإمام (علیه السلام).
5- ومنها: عن سعيد بن زيد بن نفيل: «إنَّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : من أحيا أرضاً ميتةً فهي له، وليس لعرق ظالم حق». ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ : 3/ 480 ح2 .
6- ومنها: عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن شراء الأرضين من أهل الذّمة؟ فقال: لا بأس بأن يشتري منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم، وقد كان رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حين ظهر على خيبر وفيها اليهود، خارجهم على أمر، وترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها» . الطوسي، تهذيب الأحكام: 148/7 باب: أحكام الأرضين، ح6 .

كما أنّ حملها على الإهمال بعيدٌ غاية البعد؛ حيث إنّه من المستبعد صدور جميع هذه الأخبار في مقام الإهمال، خصوصاً فيما ذكر في مقام التعليل؛ حيث إنّه لا يناسب التعليل بما هو جزء السبب .

فتدلُّ الأخبار المذكورة بمقتضى إطلاقها على كون الإحياء سبباً تاماً في الملك، ولو لم يقترن بالإذن أصلاً.

وملاحظة بعض نظائر العمومات المذكورة، لا توجب صرفها عن ظاهرها، وحملها على الإهمال - أيضاً - مثلها.

كما أنَّ لزوم تقييدها ببعض الأراضي الميّتة التي اشتريت عن مالكها، حيث إنّ المعروف فيها عدم خروجها عن ملک صاحبها، وبقاؤها على ملكه لا يوجب الحمل على الإهمال كما هو واضح.

ويرشد إلى ما ذكرناه من الدّعويين فَهْمُ العلماء منها السببيّة المطلقة(1) حيث إنهم فرّقوا بين زمان الحضور والغيبة، وحكموا بسقوط اعتبار الإذن في الغيبة دون الحضور (2)، وصيرورتها ملكاً للمحيي ولو كان الإحياء بغير إذن الإمام (علیه السلام) في زمان الغيبة، ولو فهموا منها الإذن يكون الإذن ثابتاً في زمان الغيبة، فلا معنى للفرق بين الزمانين.

إلا أنْ يُقال: بأنَّ مرادهم ب-(الإذن) هو الإذن الخاص، فيكون حاصل الفرق - حينئذٍ - عدم كفاية الإذن العام في زمان الحضور ولو كان حاصلاً، وهو بعيدٌ؛ إذ لا يعتبر في التصرّف في مال الغير غير الطيب، سواء كان حاصلاً بالإذن الخاص أو العام، فلا معنى لاعتبار الإذن

ص: 231


1- ينظر: النجفي، جواهر الكلام 19/38.
2- ينظر : العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 172/2؛ المحقق الكركي، الخراجيات: 29؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 3/ 55 .

الخاص.

وكذلك حمل قولهم بعدم الاحتياج إلى الإذن في زمان الغيبة على عدم الاحتياج؛ لأجل الحصول - أيضاً - بعيدٌ، بل ظاهرهم عدم وجود الإذن.

فظهر إنّهم فهموا منها السببيّة وإطلاقها، وإلا لما اكتفوا بمجرّد الإحياء في زمان الغيبة في حصول الملك، والتمسك بها له.

فالظاهر أنّ مرادهم بالإذن هو مطلق الإذن بالنسبة إلى جميع المسلمين، [لا] إلى خصوص طائفة خاصة - وهو: خصوص الشيعة - حتّى يُقال: إنّ الفرق لا يتم، ولو كان مرادهم بالإذن هو مطلق الإذن؛ إذ هو حاصل في كلا الزمانين، كما تدل عليه الأخبار الدالّة على أنّ ما كان لهم فهو لشيعتهم (1)، وهم محلّلون لشيعتهم، منع دلالة الأخبار المذكورة على الإذن في التصرّف، بل يكون المراد بالتحليل هو تحليل الأثر، بمعنى: كون الحلية على نحو يحصل به طيب الولادة، ويُمكن تصويره بأن لا يكون الشخص راضياً بالتصرّف أولاً، لكن لو تصرّف في ملكه يكون راضياً، ويكون حاله على نحو لا يرضى بثبوت حق موجب للعقاب له على غيره.

فظهر أنّ مقتضى الإطلاقات هو كون الإحياء ولو لم يكن مع الإذن، مع شهادة فَهْم العلماء منها ذلك، حتّى أنّ الشافعي - على ما حكي عنه (2) - تمسّك بهذه الأخبار على عدم

ص: 232


1- منها: عن يونس بن ظبيان، أو المعلّى بن خنيس، قال: «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: إنَّ الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل ، وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها سيحان، وجيحان - :وهو نهر بلخ - والخشوع - وهو نهر الشاش - ومهران - وهو : نهر الهند - ونيل مصر ودجلة والفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدونا منه شئ، إلا ما غصب عليه، وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه - يعني بين السماء والأرض - ثم تلا هذه الآية: « قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» المغصوبين عليها « خَالِصَةً » لهم « يَوْمَ الْقِيَامَةِ» بلا غصب» [سورة الأعراف: 32]. الكليني، الكافي: 409/1 باب: إِنَّ الأرض كلها للإمام (علیه السلام)، ح 5 .
2- ينظر: الشافعي ، كتاب الأم : 4 / 45 ، والحاكي الشيخ الطوسي في الخلاف: 526/3 .

اعتبار الإذن حتّى في زمان الحضور أيضاً، لكنّه ليس بصحيح عندنا، لا لما ذكره العلّامة (رحمه الله ) في ردّ ثبوت الأخبار المقيّدة أيضاً، فلا بُدَّ من تقييدها بها كالأخبار التي قيدت الأرض بكونها لا مالك لها، أو لا ربَّ لها؛ لأنّ الظاهر انصراف هذا القيد إلى غير الإمام؛ للزوم لغويّة الإطلاق مطلقاً؛ لعدم ثبوت مورد لعدم القيد حتّى يصحح الإطلاق.

وكيف كان، الظاهر بل المقطوع به لزوم الإذن في زمان الحضور، لا لقوله [علیه السلام] «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا عن طيب من نفسه» (1)؛ لكونه معارضاً لها؛ لأنّ النسبة بينه وبين الإطلاقات عموم من وجه؛ حيث إنّ مفادها سببيّة الإحياء للملك، سواء وجد معه الإذن أم لا، ومفاد الخبر عدم حليّة شيء من التصرّفات، سواء كان من الأسباب الناقلة أو غيرها بدون الطيب [و] مورد افتراق الأول عن الثاني، هو الإحياء بدون الطيب، ومورد افتراق الثاني عن الأول هو البيع بدون رضا المالك، ومورد الاجتماع هو الإحياء مع الإذن.

فإذا كان الأمر كذلك، فلا بُدَّ من الرجوع أولاً إلى المرجحات الدلاليّة - وهي منتفيةٌ-، وثانياً إلى المرجحات الخارجيّة، فلا يكفي نفس دليل الطيب في تقييد المطلقات؛ لعدم كونه مقيّداً ولا حاكماً عليها، بل معارِضاً لها بالتباين الجزئي - لا الكلي كما قد يتوهم ؛ من جهة أنّ مفاد المطلقات هي النسبة التامة ومفاده توقف الإحياء على الطيب، فيصير الحال هنا هو الحال في قوله [علیه السلام] : « ثمنُ العَذَرة [من ال--]سحْت»(2). مع قوله : «لا بأسَ ببيعِ العذرةِ» (3)؛ لأنّ المدلول المطابقي للمطلقات ليس هو كون الإحياء سبباً تاماً، بل مفادها المطابقي هي سببيّة الإحياء بنحو الإطلاق، وفي ضمن أيّ فرد وُججِد، وهذا المدلول مُعارضٌ مع ذلك المدلول بنحو العموم من وجه.

نعم، قد يتخيّل كون دليل الطيب عاماً، ودليل الإحياء خاصاً، فتأمل.

وكيف كان، لا يصلح نفس دليل الطيب لتقييد المطلقات، بل المقيّد لها الإجماع القائم

ص: 233


1- ابن أبي جمهور ، عوالي اللألي: 240/2 .
2- الطوسي، تهذيب الأحكام 6/ 372، باب: المكاسب، ح201.
3- الكليني، الكافي: 266/5، باب: جامع فيما يحلّ الشراء والبيع منه وما لا يحلّ،ح: 3.

على اعتبار الإذن منقولاً (1) ، بل محصلًا (2) ؛ لكون المخالف - لو كان - شاذاً لا يُعبأ به، وبه يمكن ترجيح دليل الطيب على دليل الإحياء.

فحينئذٍ يبقى الكلام في أنّ المعتبر من الإذن، هو الإذن في المسبب - وهو التملك - أو الإذن في السبب - وهو الإحياء -؟

وعلى كلٍّ من التقديرين، يُمكن كون الإذن من أجزاء السبب؛ بأن يكون سبب الملك :أمرين: الإحياء، والإذن، ويُمكن أن يكون الإحياء سبباً تاماً، ويكون الإذن من خصوصيات السبب وقيوده، وبمنزلة علّة العلّة .

والظاهر أنَّ المعتبر من الإذن، هو الإذن في [التملّك ](3)، ولا يكفي الإذن في السبب بذاته مع عدم الرضا بالمسبب؛ لكون التملك يصير قهراً على المالك، فيكون منفياً بحكم الأدلّة.

نعم، قد يتوهم كفاية الإذن في السبب، مع علم الآذن بترتب المسبب عليه قهراً، بمعنى: إنَّه لو علم الآذن أنَّه يترتب على الإحياء الملك، ولو مع كونه مع الرِّضا، فإذنُه في الإحياء - حينئذٍ - إذن في المسبب فيكفي الإذن في الإحياء ولو كان جزء السبب.

لكنه فاسدٌ؛ [لأنَّه] (4)موقوف على علمه بترتب المسبب عليه قهراً، وهو مبني على عدم اعتبار الإذن في المسبب؛ حيث إنّه لو اعتبر الإذن فيه لا تتحقق القهرية، بل يلزم الإذن الزائد، وهو الإذن في التملك.

ثم إنّه على تقدير اعتبار الإذن، ولزوم تقييد المطلقات الدالة على سببيّة الإحياء للملك، فهل اللازم تقييد الشرط - وهو : الإحياء - بمعنى كون الإحياء الخاص، وهو المقرون بالإذن

ص: 234


1- ينظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية : 135/7 .
2- ينظر : المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 4 / 791 ، المحقق الكركي، رسالة في الأرض المندرسة(ضمن رسائل المحقق الكركي) : 2/ 205 ، الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 12/ 391 -392.
3- ما في المخطوط : (التمسّك)، والمناسب ما أثبتناه.
4- ما في المخطوط : (أنه)، والمناسب ما أثبتناه.

سبباً لا المطلق، أو تقييد ترتّب الجزاء على الشرط، وهو حصول الملكية، بمعنى كون الترتّب في الجملة لا مطلقاً، فيكون مفاد القضية الشرطيّة سببيّة الإحياء المطلق للترتب في الجملة، ذلك مبني على رؤية كون أي الظهورين أقوى من الآخر ظهور الشرط في الإطلاق، أو ظهور ترتّب الجزاء على الشرط في الإطلاق، وعدم كونه في الجملة؟

الظاهر كون الأخير أقوى من الأول؛ إذ بالتصرّف فيه يلزم رفع اليد عن مفاد القضيّة الشرطيّة، التي مفادها ترتّب الجزاء على الشرط، سواء وجد معه شيء من الدنيا(1)، أو لم يوجد معه.

فظهر مما ذكرنا كلّه اشتراط الإذن في الإحياء في زمان الحضور؛ للإجماع(2)، ولقوله [علیه السلام]: « لا يحل » (3). بعد ترجيحه على المطلقات بالإجماع.

فما تمسّك به بعض (4) - بأخبار التحليل للشيعة في سقوط الإذن للشيعة، فمع ما عرفت - ساقطٌ من أصله؛ حيث إنّ ظاهرها اختصاصها بزمان قصور اليد عن الإمام: إمّا باستيلاء والي الجور - كما في زمان الحضور - أو بغيبته عجل الله فرجه، وأمّا زمان الغيبة، فالظاهر جواز تملكها بالإحياء من دون اعتبار الإذن فيه لا عموماً ولا خصوصاً، لا لما يلوح من بعضٍ من أنّ عدم الاحتياج إلى الإذن لأجل حصوله؛ لدلالة أخبار الإحياء على الإذن، وكذلك أخبار التحليل للشيعة؛ لأنّ أخبار الإحياء ظاهرة - بل من النصوص بضميمة بعض القرائن التي في بعضها، مثل تعليل جواز الشراء من أرض اليهود بقوله : «أيّما قوم أحيوا ... »(5) - في السيّة المطلقة، مع أنه لو سلّم يلزم عدم الاحتياج إلى الإذن في زمان الحضور أيضاً، وهو خلاف الإجماع القطعي.

ص: 235


1- كذا في المخطوط.
2- ينظر: الشهيد الثاني، الروضة البهية: 135/7 .
3- يراجع ص 63 .
4- ينظر: الأنصاري، كتاب المكاسب : 4 / 15.
5- الطوسي، تهذيب الأحكام : 7/ 149، باب: أحكام الأرضين، ح8.

ودعوى خروجه بالإجماع، ولولاه لم يكن احتياج إليه فيه - أيضاً - مجازفةٌ واضحةٌ، على أنّه لو كان مفادها (الإذن) لا يكون دليلاً على حصول الملكيّة؛ إذ الدليل ليس غيرها.

وتسليم عدم حصول الملكيّة، تسليم من لا روّية له بالفقه وكلمات الفقهاء، فلا يكون في محلّه ، وكذلك الحال في أخبار التحليل؛ حيث إنّه لا يُمكن الأخذ بظاهرها؛ لاشتمالها على ما لا يقول به أحدٌ إلا نادراً، مثل تحليل الخمس مطلقاً، وتحليل الخراج الذي يضرب [-ه] السلطان على الأرض، كما في خبر مسمع(1)،[...](2) وخبر حرث بن المغيرة(3)، ولمعارضتها

ص: 236


1- وهي: عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبد الله (علیه السلام) تلك السنة مالاً، فردَّه أبو عبد الله (علیه السلام) فقلت له: لم ردَّ عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال : إني كنتُ وليتُ البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك، وأن أعرض لها، وهي حقك الذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا، فقال: أو ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيّار؟ إن الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، فقلت له وأنا أحمل إليك المال كله؟ فقال: يا أبا سيّار، قد طيبناه لك وأحللناك منه، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتّى يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم، وأمّا ما كان في أيدي غيرهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صَغَرَة. قال عمر بن يزيد فقال لي أبو سيار : ما أرى أحداً من أصحاب الضياع، ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالاً غيري إلا من طيّبوا له ذلك» . الكليني، الكافي: 408/1 باب: إنّ الأرض كلّها للإمام (علیه السلام)، ح 3.
2- يوجد بياض في المخطوط بمقدار كلمتين.
3- وهي: عن الحرث بن المغيرة النصري، قال: دخلت على أبي جعفر (علیه السلام) فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له فدخل فجثا على ركبتيه، ثم قال: جعلت فداك، إني أريد أن أسألك عن مسألة، والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار - فكأنه رقّ له فاستوى جالساً - فقال له [علیه السلام]: يا نجيّة، سلني فلا تسألني اليوم عن شيء إلا أخبرتك به. قال جعلت فداك، ما تقول في فلان وفلان. قال: يا نجيّةُ، إنَّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو الأموال، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، وإنَّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت. فقال نجيّة: إنا لله وإنا إليه راجعون - ثلاث مرات - هلكنا ورب الكعبة، قال فرفع فخذه عن الوسادة فاستقبل القبلة، فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئاً إلا إنّا سمعناه في آخر دعائه، وهو يقول: اللهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا . قال : ثم أقبل إلينا بوجهه، وقال: يا نجيّة، ما على فطرة إبراهيم (علیه السلام) غيرنا وغير شيعتنا». الطوسي، تهذيب الأحكام: 145/4 ، باب: الزيادات، ح27.

ببعض الأخبار الأُخر الدالة على عدم التحليل، واشتماله على لعن مانعي حقوقهم؛ لعدم إرادة ظاهر الحلِّ مطلقاً؛ حيث إنّ الإمام لا يُشَرَّع له التحليل بالنسبة إلى غير زمانه.

لكن يُمكن دفعُهُ: بإنَّ تحليله من حيث الإمامة لا من حيث الشخص، حتّى لا يتعدّى من زمانه إلى غير زمانه ، فلا بُدَّ من صرفها عن ظاهرها؛ بحملها على معنى آخر، مثل ما أشرنا إليه وغيره، من كون التحليل بمعنى رفع الأثر، وهو كون الولد ولد الحرام.

كذلك ليس عدم الاحتياج إلى الإذن؛ لأجل حصول الإذن [بشاهد](1) الحال؛ حيث إنّ الإمام لا يرضى ببقاء الأرض خراباً مواتاً؛ لأنَّه لا يقتضي الإذن الذي كلامنا فيه - وهو الإذن بنفي التملّك - بل يقتضي إذنه الا في الإحياء، وهو لا يقتضي الإذن في التملّك كما هو واضح، مع أنَّه لا يتم في حق المخالفين، مع أنّ المدعى أعمّ، ولا لما ذكره المحقق الثاني: (من أنَّه لو كان الإذن شرطاً لامتنع الإحياء) (2)، هذا كلامه، فالمقدّمة الأخيرة مطوية، وهو إثبات بطلان التالي، فكأنَّه تركه لوضوحه عنده.

والظاهر أنّ مراده من (الإحياء) الإحياء المشروع، لا مطلق الإحياء - ولو كان لغير المشروع منه؛ حيث إنّه يحصل بدون الإذن - أيضاً - ولو كان شرطاً؛ لأنَّه إن كان مراده ب-(الإذن) هو الإذن الخاص [ف-]-لا ملازمة بينه وبين امتناع الإحياء؛ إذ يحصل بالإذن العام، ولا دليل على اعتبار الإذن الخاص بخصوصه؛ إذ المناط في الجواز هو (الطيب) الحاصل بالعامّ أيضاً، وإنْ كان مراده ب- (الإذن) هو مطلق الإذن، فالملازمة ثابتة بعد تقييد الإحياء بالمشروع، لكن نطالبه بدليل بطلان التالي، وإن كان هو الإجماع، وإطلاق أخبار الإحياء، فقد رجعنا إليها، فلا يكون دليلاً على حِدةٍ، وإنْ كان غيره، ففيه منع ظاهر، بل عدم اعتبار الإذن في زمان الغيبة؛ للمطلقات الواردة في الإحياء؛ حيث إنّ إطلاقها - خصوصاً

ص: 237


1- ما في المخطوط : (الشاهد)، والصحيح ما أثبتناه.
2- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 14/7.

بضميمة بعض الشواهد الثابتة فيها، المقوّية للإطلاق - دليلٌ على عدم اعتبار الإذن مطلقاً حتّى في زمان الحضور أيضاً، لكن الإجماع قام على اعتباره فيه، خرجنا عن مقتضاها فيه، فنعمل بإطلاقها في غير مورد الإجماع.

ودعوى عدم إطلاقها، أو كونها في مقام الإذن، قد عرفت وهنها سابقاً، فراجع (1).

نعم، يبقى الإشكال في إحياء الكفار مطلقاً، وإحياء المخالف - بناءً على اعتبار الإذن في الإحياء - وكون أخبار التحليل إذناً؛ إذ - حينئذٍ - يشكل إحياء المخالف، إذ أخبار الإذن مختص-[-ة] بالشيعة.

وأمّا بناءً على ما ذكرناه من عدم اعتبار الإذن في الإحياء، حتّى يحتاج إلى جعل أخبار التحليل إذناً، فالظاهر عدم الإشكال في إحياء المخالف ؛ عملاً بالإطلاقات الواردة في الإحياء، وعدم ثبوت مقيّد لها، لا من الإجماع ولا غيره من الروايات الواردة الدالة على اعتبار الطيب؛ إذ هي - على ما ذكرنا سابقاً(2) - معارضةٌ؛ إذ بينها عموم من وجه، لا بُدَّ من الرجوع إلى المرجّحات والترجيح للإطلاقات بعد قيام الشهرة على عدم اعتبار الإذن.

وأمّا إحياء الكافر، ففيه وجهان :

[الأول]: من إطلاق (الإحياء) في كثير من الأخبار، خصوصاً مع ملاحظة قولهم - في الأراضي المفتوحة - : إنَّ المحياة فيها للمسلمين دون الإمام (3)؛ حيث إنَّه يشهد بعدم اعتبار الإذن؛ إذ بعد اعتبار الإذن لا يملك الكافر بالإحياء، فبقي الموات على ملك الإمام [علیه السلام] فلا معنى لنقله إلى المسلمين.

إلا أنْ يُقال: إنَّ مورد كلمات العلماء هي الأراضي المفتوحة عنوةً في زمان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؛ إذ هي المقطوع بكونها مفتوحة عنوةً، وأمّا غيرها فما يكون في زمان خلافة أمير المؤمنين [علیه السلام]

ص: 238


1- قبل أسطر قليلة.
2- يراجع ص 230 .
3- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام: 246/1؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 171/2؛ الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 210 .

نادر، وما يكون في زمان عمر لا يكون فما قطع بكونه المفتوحة عنوةً بإذن الإمام، فالغالب من هذه الأراضي إنّما هو قبل صدور الأخبار التي حكم فيها بكون الموات ملك الإمام، لكن لا يخفى بُعده.

[الثاني]: ومن تقييد الإحياء في بعض الأخبار بالمسلم(1)، فيقيّد به الأخبار المطلقة، خصوصاً مع ذهاب المشهور إلى عدم حصول الملْك بإحيائهم (2).

لكن الأظهر هو عدم اعتبار الإسلام؛ عملاً بالأخبار المطلقة الغير المقيدة بشيء؛ لعدم ورود مقيّد لها، ولا يكون مفهوم للقيد ب-(المسلمين)؛ على ما حقق في محلّه من عدم ثبوت مفهوم الوصف (3)، هذا كلّه في أراضي الموات التي لم يسبق إليها ملك أحد.

[ثانياً : الأرضُ الموات التي سبق إليها ملْك أحد]

وأمّا ما سبق إليها ملك أحد، فإنْ كان مالكها معروفاً، فالظاهر بقاؤه على ملكه، وفي صحة إحياء غيره، بدون إذنه [علیه السلام]- مع عدم إحيائه- ؟ وجهان، بل قولان.

وإن لم يكن مالكها معروفاً، يكون حكمها حكم المجهول المالك، وأمّا المحياة منها، فما كان منها محياة بالأصالة، فهي - أيضاً - ملك الإمام (علیه السلام) عملاً بالأخبار الدالة على أنّ جميع الأرض للإمام (علیه السلام)(4) ، وأمّا المحياة بالعرض بأنْ كانت مواتاً أولاً ثم صارت محياة، فحينئذٍ

ص: 239


1- وهي رواية عامية: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآله] وَسَلَّمَ: «عَادِيُّ الْأَرْضِ للهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنّي». الماوردي، الأحكام السلطانية : 190.
2- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 226/2؛ فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 231/2؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 10/7.
3- المحقق القمي، قوانين الأصول : 434 ؛ الشيخ محمد تقي ، هداية المسترشدين: 469/2 .
4- منها : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له : أما على الإمام زكاة؟ فقال: أحلت يا أبا محمد، أما علمت أنَّ الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله، إنَّ الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبداً، والله في عنقه حق يسأله عنه ». الكليني، الكافي: 408/1 - 409 ، باب أن الارض كلها للإمام (علیه السلام) ، ح 4 .

فإن كانت بيد المسلمين، وكونهم [ المحيين](1)، فلا إشكال في ثبوتها في ملكهم، وأمّا ما كانت في أيدي الكفار، فإن كانت في دار الإسلام، فحكمها حكم الأراضي التي بيد المسلمين - بناءً على عدم اعتبار الإسلام - وإن كانت في دار الحرب، فيزول ملكهم عنها بما يزول به ملك المسلم من : الناقل، أو طرو الخراب - على الاختلاف - وبالاغتنام - والاغتنام إنّما هو في غير أرض الصلح - والأراضي التي أسلم عليها أهلها ، وغيرها.

وتوضيح الأقسام: إنَّ الأراضي التي كانت بيد الكفار :

إمّا أن تكون مما أسلم عليها أهلها طوعاً، فهي ملكهم كسائر المسلمين. وإمّا أن تكون مما وقع الصلح عليها، بأن تكون الأرض لهم بما يؤدونه إلى الإمام[علیه السلام]، على ما شرط عليهم.

وإمّا أن يقع الصلح على أن تكون الأرض للمسلمين، والجزية على أعناقهم.

وإمّا أنْ تكون مما فتحت عنوةً.

وأمّا الأوّل والثاني، فلا شبهة في كونهما ملكاً لأربابها ، وأمّا الثالث والرابع، فهما ملْك للمسلمين.

ص: 240


1- ما في المخطوط: (المحي)، والمناسب ما أثبتناه.

[الكلام في أحكام الأرض المفتوحة عنوةً]

والكلام هنا في القسم الأخير - وهي الأرض التي فتحت عنوةً بخيل وركاب - والكلام فيها من جهات:

الأولى: في ثبوت الخمس فيها وعدمه، فنقول:

الظاهر أنّه لا خلاف في ثبوت الخمس فيها، ولم يُحكَ الخلاف إلا عن صاحب الحدائق (1) ، بل ادعى عليه الإجماع في المدارك (2).

ويدلّ عليه - مضافاً إلى الإجماع المزبور - من الكتاب الآية الشريفة: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى »(3)؛ لعموم الغنيمة للأراضي - أيضاً - سواء قلنا: بكون الغنيمة مطلق الفائدة المكتسبة، كما يظهر ذلك من كلام بعض اللغويّين (4) ، وكلام بعض العلماء: كالعلّامة في التذكرة(5) ، والشهيد في البيان(6) - على ما حكي عنهما (7)- ويظهر - أيضاً - من بعض الأخبار كخبر محمد بن سنان عن عبد الصمد عن حكيم، عن الصادق (علیه السلام): «قال: قلت له «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ» (8) ...

ص: 241


1- ينظر : المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 12 / 326 ، وحاكي الخلاف عنه هو الأنصاري في كتاب الخمس: 116 .
2- ينظر: العاملي: مدارك الأحكام 387/5 ولم نعثر على الإجماع في مظانه.
3- سورة الأنفال: 41 .
4- ينظر: الطريحي، مجمع البحرين: 129/6 .
5- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء: 119/9.
6- ينظر: الشهيد الأول، البيان: 341 .
7- الحاكي عنهما هو الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس: 297.
8- سورة الأنفال: 41 .

قال: هي والله الإفادة يوماً بيوم»(1).

أو قلنا بكونها خصوص ما يغنمه الغانمون في الحرب؛ إذ هي عبارة عما يحصل للشخص بسبب الحرب، والأرض - أيضاً - مما يُحَصَّل.

ودعوى ظهور الغنيمة المطلقة في المنقول، أو الغنيمة المقيّدة بسبب الحرب دعوى بلا بينة، فلا يصغى إليها

ومِنْ السُّنة الأخبار الكثيرة:

منها : الأخبار الدالّة على ثبوت الخمس في الغنائم لا بنحو الانحصار، كما في خبر عبد الله بن سنان (2)، أو بغيره - كما في غيره - كخبر ابن أبي عمير (3) ، وتقريبهما كالتقريب في الآية بعينه حرفاً بحرف.

ويدل عليه - أيضاً - خبر أبي حمزة الثمالي : « إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ »(4)، فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس، ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح، ولا خُمس يُخمس، فيصرف علی شيء منه إلا كان حراماً على من يُصيبه فرجاً أو مالاً » (5) .

وبفقراته الثلاث :

الأولى: قوله: «في جميع الفيء»؛ بناءً على أنّ العموم بالنسبة إلى جميع أجزاء الفيء

ص: 242


1- ينظر: الكليني، الكافي: 544/1 ، باب : الفيء والأنفال وتفسير الخمس، ح10.
2- وهي: عن عبد الله بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة». الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 2/ 40 ، خمس الكنز وما يخرج من الأرض ، ح 1646.
3- وهي عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس ». الطوسي، تهذيب الأحكام: 4 / 122 ، باب: الخمس والغنائم، ح7.
4- سورة الأنفال: 41 .
5- ينظر: الكليني، الكافي : 285/8 - 287 في الخمس والفيء، ح431 .

خاصةً، أو هو مع العموم بالنسبة إلى الأفراد أيضاً؛ حيث إنّ الظاهر من الجميع في أمثال المقام إنّما هو العموم المجموعي، كما في قولك: أكلتُ جميعَ الخبز. وبإضافة الجميع إلى (الفيء) المعرَّف ب-(اللّام) يفيد الاستغراق بالنسبة إلى أفراد الفيء أيضاً .

وليس العموم منصرفاً إلى خصوص الأفراد، حتّى يُقال بعدم دلالتها على ثبوت الخمس في جميع أجزائه حتّى في غير المنقول.

والثانية: استشهاده (علیه السلام) بالآية؛ حيث إنّه يكشف عن ثبوت الخمس في مطلق الفائدة، ويُمكن استكشاف عموم (كلّ) من الآية، والرواية من الآخر على التقريب الذي ذكر .

والثالثة : قوله (علیه السلام): «ما من أرض تفتح ، ولا خمس يُخمَّس»؛ بناءً على كون الأخير عطفاً تفسيرياً للفقرة الأولى، وكانت توطئةً لذكر الثانية.

لكن يُبَعِّده - في الجملة - تكرار كلمة (لا)؛ حيث إنّ له ظهوراً ما في كونها قسمين.

والمراد بقوله : «ولا خمس يُخمَّس»، إمّا مال يُخَمَّس ؛ لكون الخمس عبارة عمّا يخمَّس، أو خمس يُفرض ويقسّم، فيضرب على شيء منه، [أو] يُمكن أنْ يكون المراد ضرب اليد على شيء منه، ويكون كنايةً عن التصرّفات.

ويُبَعِّد ما ذكرنا من التقريب - أيضاً - قوله (علیه السلام): «مالاً كان أو فرجاً»؛ حيث إنّ الظاهر أنّ المال والفرج هو المراد ب-(الخمس المذكور)، والمال ظاهره في المنقول، خصوصاً بعد تعلّق الضرب وليصيب به.

ويدل على ذلك - أيضاً - قوله [علیه السلام]: « كلّ شيء قوتل على شهادة أن لا إله إلا الله، ففيه الخمس» (1). وقوله [علیه السلام] في موثقة سماعة عن الخمس:« في كل [ما] أفاد [الناس] من قليل أو كثير» (2)؛ حيث إنَّ الإفادة ظاهرة، بل صريحة [فيه].

وغير ذلك من الأخبار، ولا يكون لها معارضٌ سوى الأخبار الدالّة على كيفية تقسيم

ص: 243


1- ينظر : الكليني، الكافي : 545/1 ، باب : الفيء والأنفال وتفسير الخمس، ح14.
2- المصدر نفسه، ح11.

الغنيمة؛ حيث إنّ مفادها انقسام الغنيمة بقول مطلق إلى خمسة أقسام: قسم للإمام، وأربعة أقسام للمقاتلين.

ومن المعلوم إنّ المراد ب-(الغنيمة) ما سوى الأرض؛ لعدم ثبوت حقّ للمقاتلين - من حيث إنّهم مقاتلون - فيها، فذكر الغنيمة في هذه الأخبار بقول مطلق، مع كون المراد خصوص المنقول، يرشد إلى كون المراد من الغنيمة في أخبار الخمس - أيضاً - هو ذلك.

وكذا مرسلة حماد الطويلة، وفيها : « والأرضون التي أُخذت [عنوةً] بخيل وركاب، فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمّرها ويحييها، ويقوم عليها، على ما يصالحهم الوالي - إلى قوله - ليس له من ذلك قليل ولا كثير ) (1)؛ حيث إنّ ظاهر الجمع المحلّى ب-(اللام) هو العموم، وعمومه بالنسبة إلى جميع الأرض المأخوذة عنوةً، لا بالنسبة إلى الأفراد التي تؤخذ في كلّ حرب، فيفيد أنّ جميع الأرض مالُ المسلمين من دون استثناء شيء منها، وكذلك قوله [علیه السلام] أخيراً: « ليس له من ذلك قليل ولا كثير ». يدل على عدم ثبوت الخمس، وإلّا لكان له في الأراضي شيء ومن منافعها شيء.

لكن لا يخفى عدم صلاحيتها لمعارضة الإطلاقات السابقة:

أمّا أخبار القسمة؛ فلأنَّها بصدد كيفيّة القسمة، ولا يكون بصدد بيان الموضوع أيضاً، ولو سلّمنا إطلاقها، فهي لمعارضة الأخبار السابقة قاصرة من وجوه: سنداً، وكثرةً، واعتضاداً بالشهرة، بل بالإجماع، وبالكتاب، مع أنَّه لو وقع التعارض بينها لا يوجب ذلك رفع اليد عن إطلاق الآية.

إلا أن يُقال: كما أنَّها معارضة لها، معارضة لها أيضاً.

ويُدفع: بأنَّ إطلاق (الغنيمة) في هذه الأخبار ، مع كون المراد خصوص المنقول، يوجب معهوديّة للغنائم في المنقول في لسان الأخبار والأئمة [علیهم السلام]، لا مطلقاً ، فافهم.

وكذلك الحال في المرسلة؛ لعدم تسليم ثبوت العموم فيها بالنسبة إلى أجزاء الأراضي.

ص: 244


1- ينظر : الكليني، الكافي: 545/1 ، باب : الفيء والأنفال وتفسير الخمس، ح4.

لِمَ لا يكون العموم بالنسبة إلى أفراد الأراضي؟ بل هو الأظهر.

وأمّا قوله [علیه السلام]: «أخيراً». أيضاً لا دلالة فيه على المدّعى؛ إذ هو تابع للموضوع في أول الخبر، ولا يُعلم إرادة العموم منه ، مع أنَّه مع الغضّ عن ذلك - لا يمكن الأخذ بظاهره؛ حيث إنّه من أحد أفراد المسلمين .

وكيف كان، فالظاهر عدم الإشكال في ثبوت الخمس فيها، فما يظهر من صاحب الحدائق (1) لاوجه له جداً.

وأمّا الكلام في أنّه مُحَلَّل للشيعة في زمان الغيبة، أو يكون حاله كسائر الأخماس، فلا ربط له بهذا المقام.

ص: 245


1- ينظر: المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 326/12.

[الكلام في حكم بقيّة أقسام الأرضين]

فالمهم الآن أنْ نَصْرف عِنان الكلام إلى الكلام في حكم الأقسام الأربعة - غير الخمس - من هذه الأراضي، فنقول وبالله التوفيق، وعليه التكلان: إنّ الكلام فيها من جهات:

الأولى: في كيفيّة ملكها للمسلمين.

والثانية: في جواز نقلها إمّا مستقلةً، أو تابعةً للآثار.

الثالثة: في جواز التصرّف فيها .

أمّا الكلام في الأولى - وإنْ كان قليل الثمرة من حيث العمل، إلا أنّه لمّا لا يخلو من ثمرة علميّة، لا غرو في التعرّض له - فنقول :

الذي يظهر بصريح من جماعة (1) كونها ملكاً للمسلمين على نحو (ملك الرقبة)، لا بمعنى صرف منافعها في مصالحهم العامة، وهو الظاهر من أكثر العلماء حيث عبّروا بكونها ملكاً للمسلمين.

ومن المعلوم ظهور العبارة المذكورة في ملك الرقبة، وهو الظاهر من بعض الأخبار المشتملة على هذه العبارة وغيرها أيضاً، ولا بأس بالإشارة إلى بعض الأخبار التي تكون ظاهرةً في ذلك، أو ادُّعي ظهورها فيه:

منها : رواية أبي بردة - المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج - قال (علیه السلام): «ومن يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين ؟! قلت : يبيعها الذي هي في يده، قال : ويصنع بخراج المسلمين ماذا ؟ ! ثم قال [علیه السلام] : لا بأس، اشترِ حقّه منها، ويحوّل حق المسلمين عليه ولعلّه يكون أقوى بخراجهم، وأولى منه »(2).

حيث إنّ ظاهر إنكاره (علیه السلام) لبيعه كونها ملك الغير، فكيف يجوز بيعه؟! وكذلك

ص: 246


1- ينظر : الشهيد الأول، الدروس الشرعيّة : 2 / 41 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد: 3 / 403؛ النجفي، جواهر الكلام: 21/ 162 .
2- ينظر: الطوسي، تهذيب الأحكام: 4 / 146، باب الزيادات، ح28.

الإضافة في قوله [علیه السلام]: « هي أرض المسلمين » ظاهرة ، بل صريحة في الاختصاص بهم، الظاهر في الملك عند الإطلاق.

وكذلك قوله: «اشتري حقّه»؛ حيث إنّ الحقّ ظاهر في حق الأولوية، فيدل على انحصار حق المشتري فيها دون غيره من الرقبة.

ومنها: مرسلة حماد - التي تقدّم ذكرها (1) ؛ حيث صرّح فيها بكونها أرض المسلمين، وأيضاً قوله [علیه السلام]: «موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها»(2) يشهد لذلك في الجملة.

وأصرح منها صحيحة الحلبي، قال: «سُئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن السواد ؟ قال [علیه السلام]: لجميع المسلمين لمن هو اليوم، ولمن دخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق بعد. فقلنا: نشتريه من الدهاقين ؟ قال (علیه السلام): لا يصلح ، إلا أن يشتريها منهم، على أن يصيّرها للمسلمين فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها ،أخذها، ... قال : يردّ عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما عمل» (3). وهذا الخبر ظاهر في كون رقبة الأرض للمسلمين.

ولا ينافي ذلك تعميمه بالنسبة إلى من لم يخلق بعدُ؛ لعدم كونه عادم النظير مثل: الوقف على المسلمين، حيث إنّ الظاهر أنّ رقبة الأرض ملكهم، مع أنَّهم غير موجودين حين الوقف.

ولا ينافيه - أيضاً - قوله [علیه السلام]: «على أن يصيّرها للمسلمين»؛ إذ ليس المراد جعله للمسلمين بعد ذلك، بل المراد شراؤها بعنوان كونها للمسلمين، فيصير المراد ب--(الاشتراء) هو انتقال حق الأولويّة، لا شراء العين وغير ذلك.

ولا ينافي ما ذكر رواية شريح عن شراء الأرض الخراج، قال [علیه السلام]: «إنّما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له : إنَّه يشتريها الرجل وعليه خراجها؟ فقال [علیه السلام]: لا بأس، إلّا

ص: 247


1- يراجع ص 242.
2- يراجع ص 242 .
3- ينظر: الطوسي، تهذيب الأحكام: 7 / 147 ، باب أحكام الأرضين ، ح1 .

أن يستحي من عيب ذلك» (1)؛ لإمكان حملها على أرض الجزية، ويشهد له قوله (علیه السلام): « إلا أن يستحي من عيب»؛ لعدم العيب في أخذ الأرض المفتوحة عنوةً.

وكيف كان، فالأخبار الظاهرة في كونها ملك المسلمين - بمعنى كون رقبتها ملكاً لهم ،لا مجرد صرف منافعها في مصالحهم العامة - كثيرة في الغاية فلا يناسب إنكارها بهذا المعنى، هذا ما أفاد[ه] دام ظله.

ولكن الظاهر عدم ثبوت دليل للملكيّة بهذا المعنى؛ لعدم ثبوت أزيد من الإضافة إليهم من الأخبار المذكورة، التي يكتفى فيها بكونهم مصرفها ، وإنكاره (علیه السلام) للبيع ليس لأجل كون الرقبة ملكهم، بل لأجل كون البيع الواقع في السؤال ظاهراً في البيع [المتعارف](2) - وهي: الملكيّة من غير ثبوت الخراج - ولذا صار محلّاً للإنكار، ويشهد له قوله [علیه السلام] أخيراً: «يصنع بخراج المسلمين ماذا ؟! » ؛ حيث إنّه يظهر منه أنّ المانع من البيع هو الخراج لا غيره، مع أنَّ قوله (علیه السلام) في صحيحة الحلبي : لمن لم يخلق بعد كالصريح في عدم كون المراد من الإضافة هي ملكيّة الرقبة، كيف والحال أن الملكيّة سلطنة عقلائية لا يُمكن اعتبارها بين الملك والمعدوم؟! مع أنَّه على هذا يلزم تبدّل الملك كلّ يوم يوم؛ إذ للمسلم الذي يوجد في الزمان اللاحق أي يصير شريكاً للموجودين بمجرد وجوده، فيلزم خروج حصة مما كان لهم سابقاً، مع أنَّه يلزم تملك الشخص حصةً غير معيّنة.

وكذلك حمل رواية شريح على أرض الجزية لا وجه له؛ لعدم الشاهد له حتّى تُرفع اليد

وقوله: «أخيراً» لا يصلح للشاهديّة كما لا يخفى، مع أنَّه يلزم على ما ذكره المحقق الأردبيلي - على ما حكي عنه (3) - عدم جواز تقبيلها وإجارتها؛ إذ يلزم من صحتها المحال، . وهو تملك الشخص مال نفسه بالنسبة إلى حصته؛ إذ الإجارة إنّما وقعت على جميع الأرض،

ص: 248


1- ينظر: الطوسي، تهذيب الأحكام: 147/7 ، باب أحكام الأرضين، ح 3 .
2- ما في المخطوط : (المتعارفي)، والمناسب ما أثبتناه.
3- ينظر: المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 470/7 .

الذي يكون مشتركاً بينه وبين غيره من المسلمين.

وكيف كان لا دليلَ على ملكيّة الرقبة ، بل الملكيّة لهم بمعنى صرفها في مصالحهم العامة، كما صرح به جماعة من الأفاضل : كالشهيد (قُدِّسَ سِرُّهُ) في شرح اللمعة(1)، والأردبيلي (رحمه الله ) في شرح الإرشاد (2) ، والمحقق السبزواري في الكفاية (3)، وغيرهم (4).

فهل الرقبة ملك بلا مالك، أو مال الإمام، أو لله تعالى؟

لم يظهر دليل على إثبات شيء منها، وإن كان مقتضى الأصل - على الظاهر - عدم كونها ملكاً للإمام (علیه السلام).

وأمّا بيعها، وصلحها ، وغيرهما من الوجوه الناقلة، فالظاهر عدم صحتها، سواء كانت مستقلة أو تبعاً للآثار.

أمّا الأول، فالظاهر عدم ثبوت الخلاف، ولم ينقل الخلاف من أحد من العلماء إلا عن صاحب الذخيرة (5) ، وبالتالي حكاية الخلاف عن الأردبيلي (6) ، ويدل عليه الأخبار أيضاً.

وإنّما الإشكال والخلاف في الثاني - وه-و : بيعها تبعاً للآث-ار - والظاهر أنّ مرادهم ب- (التبعيَّة) كتبعيّة المفتاح لبيع الدار، وتبعيّة ثياب العبد للعبد، بحيث لا يكون جزءاً للمبيع، بل بمعنى الجزئية والضميمة، نظير العبد الآبق، كما صرّح بذلك الشهيد في المسالك (7)، وذكر جماعة (8) جواز بيعها تبعاً للآثار،

ص: 249


1- ينظر: الشهيد الثاني الروضة البهية: 7 / 154 .
2- ينظر: المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 470/7 .
3- ينظر: المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 1/ 374.
4- ينظر: الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرايع: 21/3 .
5- ينظر: المحقق السبزواري، كفاية الأحكام : 1 /395 -396.
6- ينظر: المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة: 472/7 .
7- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 395/12 .
8- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء : 10 / 39؛ العاملي مفتاح الكرامة: 13/ 80؛ الميرزا القمي، غنائم الأيام : 4 / 337 .

وأنكره جماعة (1) .

والأظهر عدم جواز بيعها لا مستقلة ولا تبعاً؛ لأنّ الجواز محتاج إلى الدليل، وهو مفقود، فبقي (على) (2) تحت الأصل.

وما يتخيل كونه دليلاً، لا دلالة له أصلاً أمّا الأخبار المذكورة سابقاً(3)؛ فلعدم التصريح في شيء منها بجواز نقل الأرض بالنقل [المتعارف ](4) الذي معناه : انتقال الأرض إلى غيره مع سقوط الخراج - الذي هو محل الكلام - بل قوله [علیه السلام]: «اشتری حقه»(5)، ظاهر في عدم جواز غير نقل الحق، الذي يكون المراد به حق الأولوية، أو نفس البناء.

وكذلك يدل على عدم جواز البيع إنكاره [علیه السلام] - في قوله: «مَنْ يبيعها ؟!» (6) - للبيع.

وكذلك لا يُعْلَم كون المراد ب- (أرض الخراج) في خبر شريح هي الأرض المفتوحة عنوةً؛ إذ من المحتمل كون المراد بها أرض الجزية، فلا دلالة له في المقام، بل الأخبار المذكورة أدلّة قوية على عدم جواز البيع، ويدل عليه - أيضاً - قوله [علیه السلام] في مرسلة حماد: «موقوفةٌ متروكةٌ في أيدي من يعمرها »(7).

وأمّا الأخبار الواردة في شراء أرض اليهود والنصارى مثل:

صحيحة محمد بن مسلم : «سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال (علیه السلام):

ص: 250


1- ينظر: المحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة : 145/9؛ الطباطبائي، رياض المسائل: 547/7؛ النجفي، جواهر الكلام: 22/ 439 .
2- كذا في المخطوط.
3- تقدّم تخريجه في ص 244 .
4- ما في المخطوط : (المتعارفي)، والمناسب ما أثبتناه.
5- تقدّم تخريجه في ص 244 .
6- تقدّم تخريجه في ص 244.
7- تقدّم تخريجه في ص 242 .

ليس به بأس، وقد ظهر رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على أهل خيبر مخارجهم، على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها ويعمّرونها، وما بها بأس إذا اشتريت منها شيئاً ، أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه، فهم أحقّ بها ، وهي لهم» (1) ، وغيره (2)، فلا يُمكن معارضتها للأخبار السابقة، بل لا دلالة لها على جواز [بيع] أرض المفتوحة عنوةً؛ لإمكان كون المراد ب-(أرض اليهود) غير الأراضي المفتوحة عنوةً، بل ما كان لهم من غير جهة الإحياء أولاً، وإمكان كون الحكم بالجواز في الأراضي الموات حال الفتح؛ بقرينة قوله [علیه السلام] أخيراً: «أيّما قوم أحيوا»؛ حيث إنّ الظاهر من الإحياء صيرورة الأرض محياةً، وإخراجها عن المواتيّة، لا مجرد القيام بالعمارة.

وحينئذٍ ينحصر موردها بالموات حال الفتح، بل يُمكن منع كون السؤال عن الأرض المفتوحة عنوةً، وعدم كون أرض خيبر منها، بل يُمكن أن يكون من أراضي الجزية.

صلى الله ولا دلالة لقوله (علیه السلام) : « قد ظهر رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على كونها من المفتوحة عنوةً، مع أنّه لو تمت دلالتها على جواز البيع، [ف-]-ظاهرها جواز البيع مستقلّة، وهو خلاف الإجماع(3)، وحملها على بيعها تبعاً للآثار لا دليل عليه.

وأمّا التمسّك بالسيرة - في المقام أيضاً - حيث إنّ بناء المسلمين على جعلها مسجداً، أو سقاية، وغير ذلك، فلولا جواز النقل لم يصح وقفها؛ حيث إنّ الوقف تمليك، أو فكّ ملك، فيكشف ذلك عن جواز نقلها تبعا للآثار.

ففيه: منع قيام السيرة على ذلك، مع أنّ العلماء - الذين هم أساس الشريعة - أكثرهم يمنعون عن ذلك، بل يُمكن أن يكون ذلك؛ لعدم العلم بكون ما يُوقف من المفتوحة عنوةً، أو كان من مواتها حال الفتح، أو كان من محياتها لكن باعه الإمام [علیه السلام] لمصلحة المسلمين.

وحاصل الكلام: عدم معلوميّة وجه السيرة، فكيف يُمكن الأخذ بمثل تلك السيرة،

ص: 251


1- ينظر: الطوسي، تهذيب الأحكام : 148/7 ، باب أحكام الأرضين، ح4 .
2- المصدر نفسه : 4 / 146 ، باب الزيادات، ح 29 .
3- ينظر: الشهيد الأول، الدروس الشرعية : 3/ 175 ؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 7/ 154- 155؛ المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 2/ 549_550 .

مع أنّ تصوير الملكيّة المقيّدة - أيضاً - مُشكلٌ؛ إذ مراد من يقول بملكيتها تبعاً للآثار هو دوران الملكيّة مدار الآثار، مع أنَّه يلزم على قول القائل المزبور جواز [بيع ] الأرض التي حصل الأثر فيه-[-ا] مستقلةً؛ إذ مراده صيرورتها ملكاً بتبعية الأثر.

إلا أنْ يُقال: بكون الملكيّة تبعيّة لا استقلاليّة، مع أنّه - بناءً على كون الأرض رقبتها ملك المسلمين - يلزم اجتماع مالكين على ملْك واحد، إلا أن يلتزم بخروجها عن ملكية المسلمين بالتصرّف المأذون فيه من قبل الإمام (علیه السلام)، ولا يتفاوت فيما ذكرنا بين زمان الغيبة والحضور.

هذا، لكن يُمكن أن يقال: بناءً على ما استظهرناه من عدم كون الرقبة ملك المسلمين، جواز بيعها بيعاً حقيقياً مع ثبوت الخراج، لكن البيع بهذا المعنى ليس مراد العلماء، بل مرادهم هو البيع [المتعارف ](1) ، وهو : نقلها إلى المشتري من دون ثبوت الخراج، هذا كله في التصرّفات والنواقل الواردة على نفس الرقبة.

ص: 252


1- ما في المخطوط : (المتعارفي)، والمناسب ما أثبتناه.

[الكلام في التصرّف - غير البيع - في الأرض الخراجيّة زمن الحضور ]

بقي الكلام في جواز التصرّف في الأرض، فنقول:

أمّا في زمان الحضور، فالظاهر أنّه لا إشكال كما أنّه لا خلاف في عدم جواز التصرّف فيها بدون إذنه (علیه السلام).

أمّا عدم جواز التصرّف بدون الإذن؛ فلأنَّها ملك الغير، ومقتضى القاعدة العقليّة والنقليّة عدمه.

أمّا جوازه بإذنه (علیه السلام) فلأنَّه ولي المسلمين، فله التصرّف في أموالهم المختصة بهم،فكيف في هذا المال الذي يكون مشتركاً بينهم - على تقدير تسليمه - يجوز له نقلها إلى (1) الغير، فكيف من أذن له في التصرّف !

ولدلالة الأخبار الخاصة على كون أمرها بيد الإمام، مثل: صحيحة البزنطي(2)، ورواية صفوان(3)، وغيرهما.

ص: 253


1- ما في المخطوط : (من)، والصحيح ما أثبتناه.
2- وهي: عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته، فقال: العشر ونصف العشر على من أسلم تطوعاً، تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمّر منها ، وما لم يعمّر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره، وكان للمسلمين، وليس فيما كان أقل من خمسة أوساق شيء، وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بخيبر، قبّل أرضها ونخلها والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد، وقد قبّل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خيبر، وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر». الطوسي، تهذيب الأحكام: 4 / 119 ، باب الخراج وعمارة الأرضين ، ح 2 .
3- وهي: صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر، قالا: «ذكرنا له الكوفة، وما وضع عليها من الخراج، وما سار فيها أهل بيته، فقال: من أسْلم طوعاً تركت أرضه في يده، وأُخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار، ونصف العشر مما كان بالرشا، فيما عمّروه منها ، وما لم يعمّروه منها أخذه الإمام فقبّله ممن يعمّره، وكان للمسلمين، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر، ونصف العشر، وليس في أقلّ من خمسة أوساق شيء من الزكاة، وما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام ، يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بخيبر، قبل سوادها وبياضها - يعني: أرضها ونخلها - والناس يقولون: لا يصلح قبالة الأرض والنخل، وقد قبّل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خيبر، وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم - وقال : إنّ أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر، وإنّ أهل مكة دخلها رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عنوةً، فكانوا أسراء في يده فأعتقهم وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء . الكليني، الكافي 512/3-513 ، باب : أقل ما يجب فيه الزكاة من الحرث، ح2.

ولا يُمكن التمسك بقوله (علیه السلام):« من سبق » (1) إلى انصرافه بغير هذه الأراضي - لو لم نسلّم الخروج الموضوعي - وذلك مما لا إشكال فيه، وإنّما إشكال في تصوير فيما دلّ عليه بعضُ الأخبار(2)، وصرح به العلماء الأعلام (3)حتّى إنّه قيل : إجماعيٌّ، بل إجماعيٌّ في الجملة(4)، وهو أنّه يثبت حق لمن كانت هذه الأراضي بيده، يجوز له نقله إلى غيره في الجملة، إمّا في ضمن الآثار أو مستقلاً، ومقتضاه جواز تصرّف المشتري في الأرض كالذي بيده، ويعبّر عنه ب-(حق الأولويّة).

ووجه الإشكال إنّه ثابت بنحو الإجمال، ولا يعلم أنَّه بأيِّ شيء يثبت، هل يثبت بمجرّد وجود الأرض تحت اليد، أو به مع انضمام كون الشخص قائماً بعمارتها، أو لا يكفي ذلك، بل لا بُدَّ فيه من التصرّف فيها ببناء أو غرس، أو غيرهما، بمعنى ثبوته تبعاً للتصرفات؟

ص: 254


1- والحديث عن النبي الأكرم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وتمامه : « من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم، فهو أحق به»، ينظر: ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ : 480/3 .
2- ومنها: عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (علیه السلام): إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتى الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمّرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها، فهو أحق بها من الذي تركها، يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، حتّى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم». الكليني، الكافي: 407/1 باب: إن الأرض كلها للإمام (علیه السلام)ح 1.
3- ينظر: الطوسي، المبسوط : 1/ 235 - 236؛ ابن البراج، المهذب: 182؛ العلّامة الحلي، تحرير الأحكام: 171/2 .
4- ينظر: ابن زهرة، غنية النزوع : 293 .

فيه وجوه.

وبعبارة أخرى: يكون الحقّ ثابتاً، ولا يعلم موضوعه حتّى يدور مداره، لكن الأظهر هو ثبوت الحق بمجرّد ثبوت اليد، وكون الأرض تحت يد الشخص بإذن الولي، لا مطلق اليد حتّى يثبت في الإجارة والمزارعة، وأمثالهما؛ إذ ليست اليد فيها حقيقة؛ إذ يد المستأجر يد الموجر، فالشيء مع ذلك (في)(1) تحت المؤجر ومتعلّق استيلائه، بل المراد ب-(اليد) هي اليد العرفيّة ، المراد بها (السلطنة العرفيّة) التي تثبت بإعطاء الإمام الأرض له على أن يعطي الخراج، وتكون الأرض باختياره.

والدليل عليه صحيحة الحلبي : «عن السواد ما منزلته ؟ ... - إلى قوله -: فقلنا : الشراء من الدهاقين؟ قال (علیه السلام): لا يصلح ، إلا أن يشتري منهم على أن يجعلها للمسلمين، فإن شاء وليُّ الأمر أن يأخذها [أخذها]. قلنا: فإن أخذها منه ؟ قال لا يرد إليه رأس ماله»(2). حيث إنّ السؤال مع الجواب يدلان على جواز شراء الأرض مع كونها ملك المسلمين، ومن المعلوم عدم إرادة شراء نفس الأرض ، وإلا لا معنى لأخذها منه وأخذ خراجها.

وكذلك قوله [علیه السلام] : «على أن يجعلها»، يكون المراد ظاهراً بيعها مشروطاً بذلك، لا جعلها للمسلمين فيما بعد، يرشد إلى أن المراد بيع حقّه فيها .

فدلّ الخبر على ثبوت حقّ في الأراضي الثابتة في يد الدّهاقين (3) مطلقاً، من غير تقييد بما إذا وجدت الآثار.

إلا أنْ يُقال : يُمكن أنّ ترك القيد ؛ لأجل ثبوته دائماً، أو غالباً في الأرض الثابت-[-ة] في يد الدهقان، ولا أقل من [...](4)والسفان.

ص: 255


1- كذا في المخطوط.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام 147/7 ، باب : أحكام الأرضين، ح1 . باختلاف يسير.
3- الدهقان - بكسر الدال وضمّها - رئيس القرية، ومقدّم التناء وأصحاب الزراعة - وهو معرَّب - وهو من الدهق: الامتلاء ، وقيل : هو التاجر . ينظر : ابن الأثير ، النهاية : 2 / 145 ابن منظور، لسان العرب: 10 /107.
4- الكلمة في المخطوط غير واضحة .

وأصرح منه رواية أبي بردة: « كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : [و] مَنْ يبيع ذلك، هي أرض المسلمين ؟! قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال [علیه السلام]: ويصنع بخراج المسلمين ماذا ؟! ثم قال [علیه السلام]: لا بأس أن يشتري حقه منها، ويحوّل حق المسلمين عليه ولعله يكون أقوى عليها، وأملأ بإخراجهم»(1).

حيث يدلّ جواب السائل بعد إنكاره بيعها، بأنَّه يبيعها الذي هي في يده، على أن كون الأرض تحت اليد علّة لجواز البيع، بل يدل على معروفيّة هذا الحكم؛ حيث أجاب به بعد إنكاره، ولاسيما بضميمة تقريرها و عدم ردعه، بل يظهر من قوله : «يصنع بخراج المسلمين ماذا ؟!» عدم المانع عنه إلا مسألة الخراج، مع أن قوله (علیه السلام): « لا بأس اشترى حقّه»، ظاهراً مقرّرٌ لما سبق، لا مخصّص لما ادعاه السائل، بمعنى كون المقصود اشتراء الحق في موضع ثبت.

وبتقرير آخر: إنَّ الظاهر من قوله تسليمُ قولِ السائل، وبصدد إثباته، وإثبات جواز اشترائه، مع تحويل حقّ المسلمين عليه.

لا يُقال: من أين نحكم بأنّ المراد من الحق هو ما ذكر؟ لاحتمال أنْ يكون المراد به حصته من الأرض، وهو الظاهر من لفظ الاشتراء المتعلّق به.

لأنا نقول - بعد الغَّض عن ظهور الحقّ فيما ذكر - : إنّه لا يُمكن حمل الحقّ على الحصة؛ إذ لا يجوز بيع الحصة الغير المعيّنة على فرض تسليم كون رقبة الأرض للمسلمين، فلا بُدَّ أنْ يكون المراد بالحقّ هو حقّ الأولوية.

فظهر مما ذكر ثبوت حق الأولويّة، أي: أولوية التصرّف لمن كانت الأرض في يده، وتحت استيلائه بإذن الإمام ، فيجوز نقله بالبيع - بناءً على جواز بيع الحقّ وصلحه ؛ لعمومات الصلح، فيثبت أولويّة التصرّف للمشتري، هذا كله في زمان الحضور.

ص: 256


1- الطوسي، تهذيب الأحكام: 4 / 146، باب: الزيادات، ح28.

[الكلام في التصرّفات - غير البيع - في الأرض الخراجيّة زمان الغيبة ]

وأمّا في زمان الغَيبة، فمقتضى القاعدة الأوليّة عدم جواز التصرّف فيها إلّا بإذن الحاكم الشرع-[-ي] ؛ لأنَّه نائب عنه فيما هو أعظم من ذلك ؛ لعمومات النيابة (1) ، فما هو ثابت له (علیه السلام) ثابت لنائبه أيضاً، لكن عند تَمَكُّنه واستيلائه، لا في مثل زماننا هذا، وما ضاهاه.

لكن قد يُقال: إنّه قد وردت الأخبار الكثيرة بحلِّ قبول الخراج من السلطان الجائر، وحلّيّته موقوف-[-ة] على نفوذ تصرّفه في الأراضي، وإلّا كان الخراج ملك الغير، ونفوذ تصرّفه موقوف على ثبوت ولايته، فولايته ثابتة بمقتضى هذه الأخبار، حتّى ادُّعي الإجماع على صحة تصرّفه، وجواز إذنه، بل حُكي عن المحقق الثاني (2)، وكاشف الغطاء (3) بحرمة التصرّف في الخراج بدون إذنه ، فيكون هو القدر المتيقن من الولي، والشك في ثبوت الولاية للحاكم حتّى مع بسط يده، فلا بُدَّ من الأخذ به، ووجوب الاستيذان منه.

وفيه: إنَّ حِليّة قبول الخراج منه ليس لأجل ولايته؛ بل لأن الخراج مال المسلمين، فما يصل إليهم يكون مالهم، ومأذنون في أخذه من جانب الولي الحقيقي، فكيف تثبت الولاية له مع أنّ تصرفه باطل وحرام كما يظهر من الأخبار المتكثرة؟!

ص: 257


1- منها: «... وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم». الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: 484 . ومنها: «وأنتم أعظم الناس مصيبة؛ لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون، ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بتفرّقكم عن الحقّ، واختلافكم في السنّة بعد البينة الواضحة». ابن شعبة الحراني، تحف العقول : 238 .
2- ينظر: المحقق الكركي، الخراجيات: 79 - 80 و 83 أقول: لم نعثر عليه في كلمات المحقق الثاني، ولكن ذكر المحقق السبزواري في كفايته أنه مذهب الأصحاب ومحلُّ اتفاقهم، فقال: (وقد ذكر الأصحاب أنّه لا يجوز لأحد جحدهما، ولا منعهما، ولا التصرّف فيهما ، إلّا بإذنه، بل ادُّعى بعضهم الاتفاق عليه). كفاية الأحكام: 393/1.
3- ينظر : كاشف الغطاء، شرح القواعد ( كتاب المتاجر ) : 345/1 .

(وجوه صحة التصرّف في هذه الأراضي)

وحاصل الكلام هو : الوجوه المحتملة في المقام - أي: صحة التصرّف في هذه الأراضي - أربعة أو خمسة:

الأوّل: صحة التصرّف فيها بإذن السلطان الذي حلّ قبول الخراج منه.

والثاني: كون الأمر بيد العلماء إنْ كانوا، ولو لم يكن لهم بسط اليد، وإلا فإلى عدول المؤمنين، وإلى الفسّاق إنْ لم يكونوا كسائر الأمور التي تكون ولايتها بيد الحاكم الشرعي.

والثالث: التفصيل بين من يستحق أُجرة الأرض، بمعنى كونه من مصارف منافع هذه الأراضي وبين غيره، فيجوز التصرّف بدون الإذن للأوّل دون الثاني.

والرابع: التفصيل بين الموات والمحياة منها، فيجوز التصرّف في الأوّل بدون الإذن، بخلاف الثاني.

لا يخفى أنَّ المتيقن من جواز التصرّف، هو تصرّف من يستحق أُجرة الأرض بإذن الحاكم العرفي والشرعي، وأمّا غيره فيحتاج إلى قيام الدليل، فنقول:

مقتضى القاعدة الأوليّة هو كون التصرّف منوطاً بنظر الحاكم الشرعي؛ لأنّ التصرّف في هذه الأراضي للإمام عند حضوره، فليكن لنوّابه في زمان الغيبة؛ عملاً بعموم قوله (علیه السلام): «مجاري الأمور بيد العلماء الأمناء بالله» (1). الذي هو الأظهر من جميع ما ورد في هذا الباب، وقوله : «أمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فانَّهم حجتي عليكم، وأنا حجّة الله عليكم» (2)؛ حيث إنَّ جواز التصرّف في هذه الأراضي من الأمور العظام التي تكون مطلوبة الوجود لله، فيكون مشمولاً للخبر الأول، بناءً على تخصيص قوله [علیه السلام]: «مجاري الأمور» بخصوص العظام، وأمّا بناءً على عدم التخصيص كما هو الأظهر، فالأمر أظهر.

لكن لا يخفى عدم دلالة هذه الأخبار على الحصر بمدلولها اللفظي، وإنْ أمكن أنْ يُقال باستفادة الحصر من سياقها.

ص: 258


1- ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول: 238، باختلاف يسير.
2- الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة : 484 ، وفيه: (حديثنا) بدل (أحاديثنا).

لكنّه دعوى بلا دليل لا يُصغى إليها، فالاستناد إليها موقوف على عدم ورود دليل آخر على خلافها.

(أدلة الوجه الأول)

فلا بُدَّ من التكلّم في الوجه الأول وما يدل عليه، فنقول:

ما تُمُسِّك به - بهذا الوجه - وجوه أربعة:

الأول: هو إنّه قد اشتهر بينهم، بل ادُّعي الإجماع في لسان كثير منهم(1)، بل يُمكن دعوى الإجماع المحصّل على حِلّيّة ما يعطي السلطان جائزةً من مال الخراج، ومن المعلوم أنَّ حِلّيّتها موقوفةٌ على صحة المعاملة والتقبيل ، وإلا لكانت الجوائز عين مال المتقبل، فلا يجوز التصرّف فيها بدون إذنه ؛ لقوله [علیه السلام]: « لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه» (2)، وليس المقصود من إثبات الولاية للحاكم إلا هذا المقدار لا الولاية بمعنى عدم حرمة تصرّفه، كيف وأنَّه لم يقل به أحدٌ ؟! لأنَّه من تتمّة غصب منصب الولاية.

والثاني: الإجماع المنقول - في لسان جماعة - مستفيضاً كالمحقق الثاني في رسالته الموسومة ب-: (قاطعة اللجاج في أرض الخراج) (3)(4)- على ما حكي عنه -، وغيره(5)، حتّى إنَّ بعضهم

ص: 259


1- ينظر: الطباطبائي، رياض المسائل : 104/8؛ المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 261/18؛ النجفي، جواهر الكلام: 1710/22 .
2- تقدّم تخريجه في ص 63 .
3- رسالة قاطعة اللجاج في تحقيق حِلِّ الخراج، هي للشيخ المحقق علي بن الحسين الكركي (ت: 940أو 945ه-)، قال فيه: (وفي زماننا حيث استولى الجهل على أكثر أهل العصر، واندرس بينهم معظم الأحكام، وخفيت مواقع الحلال والحرام ، وهدرت شقائق الجاهلين، وكثرت جرأتهم على أهل الدين، استخرت الله تعالى، وضمّنت في تحقيق هذه المسألة رسالة، ضمّنتها ما نقله فقهاؤنا في ذلك من الأخبار عن الأئمة الأطهار، وأودعتها ما صرّحوا في كتبهم من الفتوى بأن ذلك بلا شك) فرغ منه في الحادي والعشرين من ربيع الثاني، أو الحادي عشر منه في 916 ه- ، رتَّبه على مقدمة في أقسام الأرضين وخمس مقالات. الطهراني، الذريعة : 7/17 ، إعجاز حسين، كشف الحجب والأستار : 409 .
4- ينظر: المحقق الكركي، الخراجيات: 83.
5- ينظر: المحقق السبزواري، كفاية الأحكام: 393/1 .

صرَّحوا: ( بأنَّه لا يجوز سرقة الخراج ، وجحده فيه) (1).

والثالث: إنّه بعد ما سُلَّط متغلّباً بحيث يكون الأمر بيده، ولا يُمكن حفظ بيضة الإسلام لأحد غيره، فلا بُدَّ من دفع ما وضع شرعاً لأمثال تلك المصلحة إليه، ولو كان يصرف بعضه في غير محلّه، فحينئذٍ لو لم يُعط الخراج إليه أحدٌ من الناس يلزم هجوم الكفّار على المسلمين، ولا يتمكن الحاكم الشرعي من الدفع، بخلافه فإنه يقدر على الدفع، فلا بُدَّ من إعطائه شيئاً يصير سبباً لإمكان الدفع.

والرابع: الأخبار الواردة في باب الصدقات، حيث يظهر منها جواز أخذهم واحتساب المأخوذ من المسلمين زكاة، بل يظهر من بعضها جواز شراء الصدقات المأخوذة، والأخبار الواردة في الخراج وهي كثيرة لا بأس بالإشارة إلى بعضها الذي يكون أظهر دلالةً من غيره:

منها: قوله (علیه السلام) في صحيحة الحلبي: «لا بأس بأنْ يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان، وعن مزارعة أهل الخراج بالنصف، والربع، والثلث، قال: نعم ...». (2)وهذا الخبر أظهر دلالةً من جميع ما ورد في هذا الباب، وتقريبه:

إنّه (علیه السلام) حكم صريحاً بعدم البأس في تقبيل الأرض الخراجيَّة؛ بقرينة السؤال عن أهل الخراج من السلطان، ومن الظاهر الواضح أنَّ المراد بالسلطان هو السلطان المخالف ؛لانصراف المطلق إلى الأفراد الشائعة، والفرد الشائع في زمان الصدور هو لا العادل.

[و] منها : رواية الفيض بن المختار ، «قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : جعلت فداك، ما تقول في الأرض أتقبَّلُها من السلطان، ثم أؤاجرها أكرتي على أن ما أخرج الله منها من شيء [كان] لي من ذلك النصف، والثلث بعد حقّ السلطان؟ قال : لا بأس [به]، كذلك أُعامل

ص: 260


1- قال المحقق الكركي (قُدِّسَ سِرُّهُ) : ( لا زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم، لا سيّما شيخنا الأعظم الشيخ علي ابن هلال قدس الله روحه، وغالب ظني أنه بغير واسطة، بل بالمشافهة إنّه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته، ولا جحوده، ولا منعه، ولا شيئا منه؛ لأن ذلك حقّ واجب عليه، والله سبحانه أعلم بحقائق الأمور). المحقق الكركي، الخراجيات: 91.
2- الطوسي، تهذيب الأحكام: 7/ 201- 202، باب المزارعة، ح34 ، وفيه (بالنصف، والربع) بدل (الربعوالنصف).

أكرتي»(1).

وهذا الرواية - أيضاً - تدل على المطلب، بل يُستفاد منها أنّ التقبيل من السلطان صحته مفروغٌ عنها بينهم، حيث لا يسأل عن أصل جوازه، وإنّما يسأل عن أحكامه اللاحقة له، والمراد من السلطان - أيضاً - هو ما ذكر ؛ بالقرينة المذكورة ، بل يظهر من السؤال كون سؤاله عن مورد الابتلاء الفعلي، والابتلاء الفعلي بأرض الخراج إنّما هو بالتقبيل من السلطان المخالف.

ومنها: رواية عبد الله بن محمد: «عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة، أو بطعام مسمّى ، ثم آجرها، وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف، أو أقلّ من ذلك أو أكثر، وله في الأرض بعد ذلك فضل، أيصلح له ذلك؟ قال: نعم، إذا حفر نهراً، أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك، فله ذلك» (2).

و تقريبها : إنّه (علیه السلام) حكم بصحة الإجارة الثانية بعد العمل المذكور، ولا تصح إلا بعد صحة الإجارة الأولى.

ومنها: رواية إسماعيل بن الفضل ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال : سألته عن الرَّجل يتقبَّل بخراج الرّجال، وجزية رؤوسهم، وخراج النخل، والشجر، والآجام، والمصائد [ والسمك] والطير، وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبداً ، [ أو يكون]، أيشتريه؟ وفي أيّ زمان يشتريه، ويتقبل [ منه ] ؟ قال (علیه السلام) : إذا علمت [أنّ] من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك، فاشتره وتقبل به» (3).

وتقريبها : إنّها تدلّ بعمومها للتقبيل من السلطان المخالف؛ بمقتضى ترك الاستفصال في الجواب، وغير ذلك من الأخبار (4).

ص: 261


1- الكليني، الكافي : 269/5 ، باب : قبالة أرضي أهل الذّمة، ح2 .
2- المصدر نفسه: 272/5، باب: الرجل يستأجر الأرض أو الدار، ح2.
3- الصدوق، من لا يحضره الفقيه : 3 / 224 - 225 ، جواز بيع اللبن في الضرع إذا ضم إليه شيء معلوم ، ح3832. باختلاف يسير.
4- منها : عن يعقوب بن شعيب، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يستأجر الأرض بشيء معلوم، يؤدي خراجها، ويأكل فضلها، ومنها قوته؟ قال: لا بأس». تهذيب الأحكام: 201/7، باب المزارعة، ح32.

لكن لا يخفى عليك أنّ بعضها لا يدل على المطلوب، كغير صحيحة الحلبي (1)؛ حيث إنّ السؤال حقيقة إنّما هو عن الإجارة بأزيد مما تقبلها به، وليست واردة في مقام السؤال عن حكم أصل التقبيل حتّى يؤخذ بإطلاق لفظ (السلطان).

بقي الجواب عما ذكر من دلالتها على مفروغيّة صحة التقبيل من السلطان، وهو: إنّه على تقدير التسليم لا يدل على صحة التقبيل منه؛ حيث إنّ المفروغيّة تتحقق إمّا بأن كان مأذوناً من الإمام في أصل القبالة سابقاً، ويسأل عن أحكامها، فلا يمكن الاستشهاد بها حينئذٍ، أو بمعلوميّة صحته من السلطان، وبعد جريان الاحتمالين كيف يمكن الاستشهاد بها، خصوصاً مع كون السائل من الشيعة، المعتقد لكون المخالف غاصباً؛ حيث إنّه - حينئذٍ - لا يكتفي بالتقبيل من السلطان، بل يتقبّل من الإمام.

وبعضها الآخر - أيضاً كصحيحة الحلبي - ليست فيها دلالة معتبرة يُمكن الاستناد إليها في إثبات الحكم المخالف للإصل والعمومات بل المخالف للقاعدة العقليّة، وهي: قبح التصرّف في سلطان الغير، بل يُمكن القول بما ذُكر في البواقي منها أيضاً؛ حيث إنّها - على ما يظهر من الفقرات الأخر التي في صدر الخبر ، والأخبار الأخر - تكون مسوقة لبيان جواز تقبيل الأهل مع الأرض، وإدخاله في القبالة، وعدم حرمة ذلك؛ حيث إنّه (علیه السلام) نهى عن ادخال أكرة الأرض المعبَّر عنها ب-(العلوج) في صدر الخبر في التقبيل، والإجارة عن

ص: 262


1- وهي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه قال: «في القبالة أن يأتي الرّجل الأرض الخربة، فيتقبّلها من أهلها عشرين سنة، فإن كانت عامرةً فيها علوج، فلا يحل له قبالتها، إلّا أن يتقبّل أرضها فيستأجرها من أهلها، ولا يدخل العلوج في شيء من القبالة، فإنه لا يحلّ. وعن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة، فيستخرجها ويجري أنهارها، ويعمّرها، ويزرعها ماذا عليه فيها ؟ قال : الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليردّ إليه حقّه، وقال: لا بأس بأن يتقبّل الرجل الأرض وأهلها من السلطان، وعن مزارعة أهل الخراج بالربع، والنصف، والثلث؟ قال: نعم، لا بأس به، قد قبل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر، والخبر هو النصف». الطوسي، تهذيب الأحكام: 7 /201 -202، باب المزارعة، ح 34.

أهل الأرض الجزية المعمورة ، فأراد بيان جواز إدخالهم في القبالة في التقبيل عن السلطان فليس الخبر مسوقاً لحكم التقبيل لنفس الأرض حتّى يؤخذ بإطلاق السلطان، بل يُمكن أنْ يُقال - على تقدير كون الخبر وارداً لبيان جواز نفس تقبّل الأرض -: إنَّ القضيّة في مقام بيان المحمول لا الموضوع، فيكفي في صحة التقبّل من السلطان في الجملة ولو من العادل ،فلا يكون السلطان مطلقاً، بل يكون مهملاً ، فيكون - حينئذٍ - نظير قوله [علیه السلام]: «وما أخذ بالسيف فذلك إلى الوالي» (1)؛ حيث إنّه لا يكون للفظ الوالي إطلاق يؤخذ به.

ولو سلّمنا ثبوت الدلالة نقول:

أولاً: إنّها معارضةٌ مع الأخبار الدالّة على ثبوت الولاية للحاكم الشرعي بالعموم من وجه؛ حيث إنّ أخبار جواز التقبيل من السلطان خاصة بالأرض، وأخبار الولاية عامة من هذه الجهة، وهي خاصة بزمان الغيبة دونها، فيمكن ترجيح أخبار الولاية بسبب اعتضادها بالقواعد، والأصول والشهرة ولا أقل من التعارض فلا دليل على صحته من السلطان ،بل يُمكن دعوى تقديم أدلة الولاية، بناءً على استفادة الحصر منها؛ حيث إنّها تنفي حليّة [تصرّف] غير العلماء في الأمور مطلقاً، أو خصوص العظام التي يكون ما نحن فيه منها، بل لو سلّمنا دلالتها وتقديمها على أدلّة الولاية، وعدم منافاتها للقواعد، تكون معارضة بالأخبار الأُخر الدالّة على عدم نفوذ تصرفات المخالفين:

منها: رواية العيص بن القاسم، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الزكاة، «... فقال (علیه السلام): ما أُخذ منكم فاحتسبوا به، ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم » (2). بناءً على عدم الفصل بين الزكاة والخراج.

ومنها: رواية عبد العزيز بن نافع، قال: طلبنا الإذن على أبي عبد الله (علیه السلام) وأرسلنا إليه، فأرسل إلينا : إدخلوا اثنين [اثنين]، فدخلتُ أنا ورجل معي، فقلت للرّجل: أحبُّ أنْ

ص: 263


1- الكليني، الكافي: 512/3-513 ، باب : أقلّ ما يجب فيه الزكاة من الحرث، ح2. وفيه (الإمام) بدل (الوالي).
2- المصدر نفسه: 543/3 ، باب : فيما يأخذ السلطان من الخراج ، ح4 .

نستأذنه بالمسألة ، فقال : نعم. فقلتُ له: جعلت فداك، إنّ أبي كان من سبايا بني أمية، وقد علمت أنّ بني أمية لم يكن لهم أن يحرّموا ولا يحلّلوا ، ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير، وإنّما ذلك لكم، فإذا ذكرتُ الذي كنتُ فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليَّ ما أنا فيه، فقال له: أنت في حلٍّ مما كان من ذلك، وكلُّ مَنْ كان في مثل حالك من ورائي، فهو في حلٍّ من ذلك» (1) . إلى آخر الحديث.

وتقريبها : إنّ السؤال يكون مجملاً؛ حيث لم يعلم أنّ المراد طلب حليّة النسل، أو أنّ المراد أنّ أباه يتصرّف بأمرهم فيما يؤخذ من المسلمين من الخراج، أو غيرها؟ فأجاب من غير استفصال، وذلك يرشد إلى فهمه العموم، مع أنّ السائل ذكر أنّ بني أُميّة ليس لهم شیءٌ ممّا في أيديهم من قليل ولا كثير، ولا يصح تحليلهم ولا تحريمهم، وقرره الإمام (علیه السلام) على ذلك.

لكن يُمكن أنْ يُقال: إنّ التقرير لم يكن فيما هو المقصود، فلم يكن حجّة، بل يشعر ذيل الخبر بأن صدور تلك الأخبار كان لأجل التقيّة .

وغير ذلك من الأخبار الدالة على حرمة تصرّفهم، وكونهم غاصبين فيما يتصرّفون.

فثبت من جميع ذلك أنَّه لا يُمكن رفع اليد بمجرّد تلك الأخبار، وغيرها - الذي لا دلالة لها على المطلوب بوجه، كرواية أبي بكر الحضرمي (2) وغيرها - بل لا بُدَّ من العمل بمقتضى القواعد العقلية والنقلية. والنقلية.

ص: 264


1- الكليني، الكافي : 545/1 - 546 ، باب : الفيء، والأنفال، وتفسير الخمس، ح15 . باختلاف يسير.
2- وهي: عن أبي بكر الحضرمي قال: «دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام)- وعنده إسماعيل ابنه - فقال: ما يمنع ابن أبي سماك أنْ يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، ويعطيهم ما يعطي الناس؟! قال: ثم قال لم تركت عطاءك؟ قال: قلت مخافة على ديني قال : ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك؟! أما علم أنَّ لك في بيت المال نصيباً ! » . الطوسي، تهذيب الأحكام: 336/6-337، باب المكاسب، ح 54 .

[ الكلام في حليّة جوائز السلطان لنفوذ التقبّل منه ]

بقي الكلام على سائر ما يُتمسّك به في إثبات المطلوب، كدعوى الملازمة بين حليّة الجوائز المأخوذة من السلطان، ونفوذ التقبّل منه، وهذه الدعوى وإن كانت لها صورة، لكن ليست لها واقعيّة؛ حيث إنّه يُمكن منع الملازمة؛ لاحتمال أن تكون الحليَّة لأجل التقاص من مال المتقبّل؛ حيث إنّ المتقبّل لا يعطي غير ما دفعه إلى السلطان، ويكون ممتنعاً من ذلك، فيجوز التقاص من ماله، مع أنَّه لو أغضمنا عن ذلك نقول: إنّه لا دليل على حرمة التصرّف في مال الغير حتّى في مثل هذا المال.

وأمّا الإجماع - أيضاً - لم يثبت، ولا يُمكن رفع اليد عن القواعد بمجرّد دعوى الإجماع الموهون؛ بمصير جماعة من المتقدمين والمتأخرين على خلافه.

وأمّا الدليل الثالث، ففيه: إنّ غاية ما يلزم من ذلك، لزوم إعانته على حفظ بيضة الإسلام؛ بإعطاء المال لا صحة تصرّفه في الأراضي الخراجيَّة، مع أنَّه يرد عليه وجوه أخر تظهر بأدنى تأمّل.

هذا حاصل ما قيل، أو يُقال للوجه الأول، وعليه من الوجوه المتقدّمة.

وظهر - أيضاً - مما ذكر وجه ثبوت الولاية للحاكم الشرعي، وأنَّه الأوجه؛ بالنظر إلى القواعد والعمومات، وأمّا وجه صحة تصرّف كل واحد من الشيعة، فهو أمران:

أحدهما: إنَّه لا فرق بين أُجرة الأرض ونفس رقبتها؛ حيث إنَّ الأُجرة عوض المنفعة، فبعدما صح تصرّفه في العوض يصح تصرّفه في المعوّض.

وفيه: منعُ التلازم بينهما؛ إذ في زمان الحضور يصح التصرّف في العوض -دون المعوّض -بدون إذنه (علیه السلام).

ص: 265

وثانيهما: الأخبار الدالّة على التحليل للشيعة، كما استدل بها صاحب المستند (1).

لكن لا يخفى عليك عدم دلالة بعض ما استدل به له بوجه، كقوله (علیه السلام): «ما كان لنا، فهو لشيعتنا » (2)؛ حيث إنّه لا يُمكن الأخذ بظاهره؛ حيث إنّه يلزم - حينئذٍ - ثبوت الولاية المطلقة لآحاد الشيعة، ولم يقل به أحدٌ منهم، وإنّما المراد منه التصرّف في أموالهم من الموات وغيرها، لا أملاك المسلمين، وبعضها الآخر وإن كان له إطلاق - كصحيحة عمر بن يزيد - وفيها «كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون ... »(3).

وهذه الرواية تدلّ بإطلاقها [على] الأرض الخراجيَّة التى كانت بيد الشيعة لكن ليس لها إطلاق وظهور مُعْتد به يُمكن إثبات الحكم المخالف للإجماع ظاهراً، كما يظهر من کلام الشهيد الثاني حيث قال في المسالك: (ظاهراً أنَّ الأصحاب بين طائفتين: طائفة بثبوت الولاية للسلطان، وطائفة أخرى بثبوت الولاية للحاكم الشرعي ) (4).

مع أنه يُمكن أن يكون المراد من الحليّة شيئاً آخر - كما أشرنا إليه سابقاً في أوائل المسألة-؛ جمعاً بين الأخبار المذكورة، والأخبار الآمرة بايصال أموالهم (علیهم السلام) إليهم ، وعدم جواز منعهم، مع أنّه يُمكن منع الإطلاق بدعوى ظهور الرواية في الأراضي الميتة التي هي لهم.

وأمّا وجه [الثالث ](5) وهو التفصيل بين من يستحق أجرة الأرض وبين غيره، بالجواز في الأول دون الثاني - فهو : إمّا دعوى الملازمة بين استحقاق العوض واستحقاق المعوّض - وقد عرفت ما فيها - وإمّا بعض الأخبار الدالة على ثبوت النصب للشخص في الأرض، ففيه:

إنّه أولاً : لا يدل على ثبوت النصب في نفس الأرض، بل بمعنى ثبوت النصب من

ص: 266


1- ينظر : المحقق النراقي، مستند الشيعة: 212/14 وما بعدها.
2- الكليني، الكافي: 409/1 ، باب : إن الأرض كلها للإمام (علیه السلام) ، ح 5 .
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 144/4 ، باب الزيادات، ح2 .
4- ينظر: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام : 3/ 55 .
5- ما في المخطوط : (الرابع) ، والصحيح ما أثبتناه، ولعله من سهو قلم الناسخ.

منفعته.

لكن لا يخفى ما فيه؛ فإنّ الأرضَ مِلْك المسلمين على ما قدمناه سابقاً (1).

وثانياً: إنَّ ثبوت النصب لا يدل على جواز التصرّف في الأرض بأيِّ نحو، ولو بدون [الإذن ](2)، مع أنَّ بعض الأخبار الدالّة على ثبوت النصب إنَّما تدلّ على ثبوت النصب في [ال-]-مال المأخوذ بعنوان الخراج، كرواية أبي بكر الحضرمي، حيث إنّه قال في ذيلها: «ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك ؟! أما علم أن لك في بيت المال نصيباً؟!»(3). بناءً على كون المراد بما في بيت المال هو الأعم (4) من الخراج وغيره من الصدقات، والنذورات، أو خصوص الخراج كما استفاده بعض (5) ، وأمّا بناءً على كون المراد هي الصدقات - كما ادعاه بعض آخر (6) - فلا ربط له بالمطلوب أصلا، فافهم.

لكن السيد الأستاذ (أدام الله أيام إفاداته) استفاد منها الدلالة على المطلوب، لكنَّ الحقَّ أحقُّ أنْ يتّبع.

وأمّا وجه عدم جواز تصرّف غير المستحق، فقد علم مما ذكر سابقاً، فراجع.

وأمّا وجه وجه الرابع، فليس شيء سوى عمومات الإحياء والسبق، بناءً على كونها إذناً، لا بناءً على استفادة السببيّة منها، تتعارض مع الأدلّة الدالّة على عدم جواز التصرّف في مال الغير بدون الإذن فيتساقطان، أو ترجيح الثانية على الأولى بسبب الثانية على الأولى بسبب اعتضادها بالشهرة ،والأدلّة العقليّة، وغيرهما.

ص: 267


1- يراجع ص 244 .
2- ما في المخطوط : (الآن)، والصحيح ما أثبتناه.
3- الطوسي، تهذيب الأحكام: 336/6-337، باب المكاسب، ح 54 .
4- ينظر : الفاضل الشيباني، رسالة في الخراج : 22 و 26 ؛ الفاضل الهندي، كشف اللثام: 307/2 .
5- ينظر: المحقق البحراني، الحدائق الناضرة : 256/18 .
6- لم نعثر عليه.

لكن لا يخفى عليك ما فيه : أمّا عمومات الإحياء؛ فلأنّا قد ذكرنا سابقا (1) أنَّها دالّة على السببيّة، وصدورها لأجل الإذن بعيد جداً أولاً.

وكونها مقيّدة بما إذا لم يكن لها مالك وربّ، كما يظهر التقييد به من بعض الأخبار (2) ۔ كما أشرنا إليه سابقاً (3) - فلا تشمل ما نحن فيه ثانياً .

وأمّا عمومات السبق؛ فلعدم ثبوت موضوعها، وهو الشيء الذي لم يسبقه أحدٌ؛ لثبوت سبق المسلمين إليها .

ودعوى تحقق عدم السبق؛ بعدم العلم بالمالك لا يصغى إليها، وإلا يكون قوله (علیه السلام): «من سبق» (4) من الأدلة على جواز تملّك اللقطة، والمال المجهول مالكه، ولم يُعْلم تمسكهم به في أمثال هذه المقامات، فتأمل.

فظهر من جميع ما ذكرنا: إنَّ الولايةَ في زمان الغيبة للحاكم الشرعي، فلا بُدَّ من التقبّل منه، فهو إنْ كان مبسوط اليد كان متمكناً من صرف الخراج في مصالح المسلمين، ويأخذ الخراج فيصرف فيها، وإنْ لم يكن مبسوط اليد يأذن المتقبّل في التقبّل من السلطان، ودفع الخراج إليه ؛ لعدم تمكّن صرف الخراج في مصالحهم غيره.

ثم إنّه لو بنينا على جواز التقبّل من السلطان لا شبهة في أنّه يأخذ في حقنا لا له، بمعنى جواز تصرّفه، وعدم حرمة تصرّفه، بل يكون تصرّفه حراماً؛ لأنَّه من تتمة غصب منصب الولاية عمن جعل الله تعالى هذا المنصب له ، ولا شبهة في ذلك.

ثم إنّه على التقدير المذكور إنّما هو ثابت في التقبّل من المخالف، لا من سلطان الشيعة

ص: 268


1- يراجع ص 233 .
2- ينظر: الكليني، الكافي: 539/1 وما بعدها، باب: الفيء، والأنفال، وتفسير الخمس، ح4. (ولم نذكرها لطولها).
3- يراجع ص 230 .
4- تقدّم تخريجه في ص 252 . هامش (1).

الجائر؛ إذ الوجه في الصحة هي الأخبار (1)، والسلطان المذكور فيها - بعد تسليم إطلاقه - منصرفٌ إلى الفرد الشائع - وهو السلطان المخالف - لا النادر، بل غير الموجود في زمان الصدور، هذا كلّه في أصل الأراضي.

ص: 269


1- تقدّم الخبر في ص258 .

ص: 270

[

[الكلام فيما ينفصل من الأراضي]

وأمّا الكلامُ فيما ينفصل من تلك الأراضي، فهو إنّ المنفصل منها على قسمين: :

قسمٌ يعدّ من قبيل المنافع للأرض، كورق الشجر، والأغصان المقطوعة.

وقسمٌ: لا يعدّ من قبيل المنافع، كاللّبنة، والآجر، وغيرهما.

وبعبارة أخرى: بعضها يكون قابلاً للبقاء، وبعضها الآخر ليس قابلاً للبقاء.

وأمّا القسم الثاني، فالظاهر عدم الإشكال في جواز التصرّف فيها، وصرفها في المصالح العامة؛ إذ إبقاؤها تضييع محرّم بالنص (1) والإجماع (2) ، وليس حكم تلك الأراضي إلا حكم الأرض الموقوفة، بل هي موقوفةٌ متروكةٌ، فيجري فيها ما يجري فيها.

وأمّا ما لا يعد من المنافع ، فمقتضى القاعدة فيها هو جريان حكم نفس الأرض عليها؛ لأنَّها جزء الأرض، فلا يجوز التصرّف فيها إلا بإذن الإمام في زمان الحضور، وبإذن حاكم الشرع في زمان الغيبة.

لكن قد يستدل بجواز أخذها -ولو بعنوان التملّك، لا بعنوان الانتفاع - بالسيرة؛ فإنَّ سيرة المسلمين - خلفاً عن سلف - جاريةٌ على جواز أخذ مثل هذه الأمور، كأخذ التربة الحسينية -على مشرّفها ألف ألف تحيّة وإكرام - والآجر، والمشارب وغير ذلك، فيكشف ذلك عن ثبوت الإذن منهم ورضاهم بذلك [ و ] عن خروج ذلك عن ملك المسلمين بمجرد الانفصال، بل يُمكن القول بكونها داخلة في المباحات، فيدلّ على صحة تملكها قوله (علیه السلام): «من سبق»(3)،

ص: 271


1- تقدّم تخريجه في ص 244 .
2- ينظر: الشهيد الأول، الدروس الشرعية : 3/ 390؛ المحقق الكركي، الخراجيات: 50 ؛ الشهيد الثاني، حاشية شرائع الإسلام: 396.
3- تقدّم تخريجه في ص 252 .

ويؤيده الحثّ العظيم على أخذ التربة الحسينية؛ للاستشفاء بها، وغير ذلك.

لكن لا يخفى عدم تماميّة شيء منها:

أمّا السيرة؛ فلأنَّها إنّما تكون حجّة إذا حصل القطع بكونها ثابتة في زمان المعصوم (علیه السلام)، وكان متمكناً من الردع ولم يردع والمقدّمات كلّها في حيّز المنع [لا] سيّما الأولى، خصوصاً بالنسبة إلى بعضها، ولوسلّمنا الثبوت فإنّما نسلّم في الجملة كالتربة، ولا يلزم منه ثبوت المدّعى -وهي الكلية -؛ لاحتمال كون المأخوذ من الموات، أو من خمس الإمام، أو من أملاكهم المختصة بهم واحتمال ثبوت الإذن في خصوص الأشخاص أو العموم، إمّا بالنسبة إلى ذلك الزمان دون غيره من الأزمان فلا يلزم التعدي عنها إلى غيرها، أو عن خصوص الشخص إلى غيره من الأشخاص، وعن خصوص الزمان إلى غيره من الأزمان.

وأمّا دليل السبق ، فقد عرفت (1) ما في الاستدلال به، فلا حاجة إلى الإعادة ثانياً.

وأمّا الأخبار المشتملة على الترغيب والتأكيد في أخذها ، فلا تثمر في شيء؛ إذ ثبوت الشفاء لا يدل على جواز الأخذ مطلقاً، ولو بدون إذن مالكه ، وإنّما هي في مقام بيان الفضيلة والخاصيّة، لكن يشكل الأمر - بناءً على ما ذكر في التربة المأخوذة من كربلاء مثلاً - بناءً على كونها من الأرض المفتوحة عنوة.

لكن الذي يسهل الخطب أمور:

الأول: عدم العلم بكونها من الأراضي المفتوحة أصلاً.

والثاني: عدم العلم بكونها من المحياة حال الفتح، بل لعلّها كانت من الموات.

والثالث: احتمال كونها من خمس الإمام (علیه السلام) ، بل الأمر أسهل فيما يشترى من المهادين من (المهر والسبحة)(2)وغيرهما؛ حيث إنّ أصالة حمل فعل المسلم على الصحة ثابتة؛ حيث إنّه يحتمل أنَّهم يأخذون بإذن حكّام الشرع، أو من الأملاك التي يكون يد المسلمين عليها، وغير ذلك.

ص: 272


1- يراجع ص 252.
2- كذا في المخطوط. والمراد التربة الحسينية - على مشرفها آلاف التحية والثناء - التي تتخذ للسجود عليها.

[ الكلام في تحديد الأرض الخراجيّة، وما العمل حال الشك]

بقي الكلام في كيفيّة تشخيص الأراضي المذكورة، وكيفية المعاملة معها في صورة الاشتباه، فنقول: أمّا الأرض التي علم كونها من المفتوحة عنوةً، فتجري عليها الأحكام المذكورة، ومع فقد العلم وما في حكمه كالبينة لا يبعد اعتبار الظن المتاخم للعلم ومع فقده يرجع إلى الأصول العمليّة؛ لعدم الدليل على حجيّة الظن مطلقاً، وإنْ قال به بعضٌ (1) من باب الانسداد، لكن جريانه محل تأمل وإشكال، ففي صورة الاشتباه: إمّا أن يُعلم كونها بيد الكفار أم لا.

وفي الأول: إمّا أن تكون مرددة بين احتمالات ثلاثة، أو تكون مرددة بين الأقلّ.

والأول: كأنْ يعلم إجمالا بعدم كون خلو الأرض من أحد أمور ثلاثة :

إمّا فتحت عنوةً، فتكون ملك المسلمين، أو انجلى أهلها، فتكون ملك الإمام، أو صُولِح عليها على أنْ تكون الأرض لهم، أو أسلموا عليها، فتكون باقية على ملكهم، فالظاهر هو الحكم ببقاء الأرض على ملكيّته ؛ لكون الاستصحاب مُحكَّماً .

والقولُ بأنّ بقاءها على ملكهم موقوفٌ على ثبوت إسلامهم أو الصلح، فلم يثبت شيء منها، مدفوعٌ بأنّ التوقف ليس بحسب الواقع، بل بحسب العلم بعدم الخلو عن أحد الأمور، فلا يلزم منه الشرطيّة الواقعيّة حتّى يلزم إحرازه، فيجري عليها حكم المجهول مالکه .

والثاني: وهو أن يكون الأمر مردداً بين الأقل ، كأن يعلم عدم إسلامهم وعدم الصلح على النحو المزبور، لا يمكن الحكم بكونها ملك المسلمين خاصَّة، أو ملك الإمام خاصّة، فلا يبعد الرجوع إلى أصالة الإباحة في التصرّفات، التي لا تكون متوقفة على الملكيَّة، كسكناها وزرعها.

ولا يُمكن بيعها؛ إذ البيع يتوقف على الملك، وإنّما الكلام في أنَّه يجوز سائر التصرّفات

ص: 273


1- نسب السيد محمد المجاهد (قُدِّسَ سِرُّهُ) ذلك للسيد الكبير محمد بحر العلوم في بعض مباحثه. ينظر : مفاتيح الأصول : 456 .

غير المتوقفة على الملك، أو لا بُدَّ من إحراز السبب المسوّغ ؛ لأنَّ المال بنفسه مقتضٍ لعدم جواز التصرّف، فلا بُدَّ في الجواز من شيء رافع للمقتضي؟ لا يبعد عدم الاحتياج.

هذا تمام ما أفاده الأستاذ (دام ظله العالي) بفهمنا القاصر، وأسأل الله مِنْ فضله أنْ يرزقنا ما هو خير لنا في الدنيا والآخرة.

ص: 274

(في مسألة بيع الوقف)

مسألة: ومما اشترطوا في البيع : أنْ يكون المبيعُ طلقاً (1)، وفرّعوا عليه عدم جواز بيع الوقف، والمرهون، وغيرهما مما خرج عن الطلْقيّة؛ بتعلّق بعض الحقوق عليها.

لكن لم يعلم المراد ب- (الطلقيّة)، هل المراد بها كون الملكيّة تامّة غير منقصة، بحيث تكون العلقة المعبّر عنها ب- (الملكيّة) ثابتة بتمامها، أو يكون المراد بها ثبوت تمام السلطنة على العين، بحيث يجوز للمالك التصرّف فيها بجميع أنحاء التصرّفات؟

والظاهر أنَّ المراد هو الثاني، وحينئذٍ يلزم عليهم أمران:

الأول: عدم رجوع الشرط المذكور إلى محصّل؛ لرجوعه حقيقة بالآخرة إلى أنَّه يشترط في المبيع أن يصح بيعه.

والثاني: عدم كون الطلقيّة بالمعنى المذكور أمراً واقعيّاً - حتّى يكون من الشروط الواقعيّة - بل يكون أمراً انتزاعياً، انتزعوه من عدم تعلّق حق الواقف، أو الموقوف عليه بالعين، وعدم تعلّق حق الراهن، وغير ذلك، فالشرط حقيقة عدم تعلّق الحقوق الثابتة في الشرع [ک-]-عدم جواز بيع ما تعلّق كل منها به .

فعلى هذا يصح أن يُقال: يُشترط في المبيع أنْ لا يكون متعلّقاً لحقّ من الحقوق الموجبة لضعف الملكيّة وعلقتها؛ حيث إنّه يُمكن استنباط هذا الشرط من الموارد المحكومة بعدم جواز البيع مثل المرهون والموقوف؛ حيث إنَّ عدم جواز البيع في هذه الموارد ليس إلا لتعلّق الحقّ بها، فيكون الشرط هو عدم تعلّق الحقّ الموجب لضعف الملكيّة بالبيع.

لكن لا يخفى عليك أنَّه يرد عليه - أيضاً - ما ذكرناه أولاً على ما ذكروه

ص: 275


1- ينظر: المحقق الحلي، شرائع الإسلام 2/ 270؛ العلّامة الحلي، إرشاد الأذهان: 361/1؛ الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية : 95.

(عدم جواز بیع الوقف )

فلنرجع إلى أصل المطلب، وهو عدم جواز بيع الوقف، فنقول وبالله الاستعانة:

إنّه - في الجملة - مما قام عليه الإجماع (1)، ولم ينكره أحد منهم، بل لا يبعد القول بكونه من الضروريات، ويشهد له تمسّك المجوّزين لبيعه في الموارد الخاصة - التي نشير إليها إنْ شاء الله تعالى (2) - بالأدلّة الخاصة من العقل والنقل، بل نقول: إنّ عدم البيع مقتضى صحة الوقف؛ حيث إنّ عدم البيع - وغيره من التصرّفات الناقلة - لازمٌ لمفهوم الوقف؛ حيث إنّه إمّا الحبس أو السكون - على ما قالوا (3) - وحبسُ العين يستلزم عدم الجري، وعدم طروّ الطوارئ عليه ، بحيث لا يتخلّف عنه، ولا يُمكن الانفكاك بينها أصلاً.

لكن الظاهر أنَّ الوقف يستعمل لازماً، ويكون معنى وَقَفَ: دام قائماً، ويستعمل متعدّياً، ويكون بمعنى إقامته، على ما في القاموس (4) - على ما حكي (5) عنه - وحينئذٍ يكون : معنى: وقفتُ الشيء على أحدٍ، هو إيقافه عليه وإقامته عليه، لا بمعنى نقله عن حالة إلى حال القيام، بل بمعنى إثباته عليه من قبيل قولك: وقفتُ الدابةَ على المرعى. ويُعبّر عنه بالفارسية (بواداشنّ)، ومن المعلوم أنَّه وإنْ لم يكن عين الحبس، إلا أنَّه لازم لماهيَّته بحيث لا يتخلّف عنه، فمعنى: وقفت الدار على زيد، هو الحبس عليه، ولو باعتبار مدلوله الالتزامي وتعلقه ب- (على)، وإنْ لم يكن على سبيل الحقيقة؛ لأنّ كلمة (على) للاستعلاء، لكنه هنا باعتبار الاستعلاء المجازي؛ حيث إنّ الواقف كأنَّه يضع العين عليه، أو باعتبار المنفعة؛ حيث إنّه يسبّل منفعتها عليه، وليست بمعنى (اللّام) كما قد يُتوهم، بل يكون وقفتُ عليه، مثل

ص: 276


1- ينظر: الطوسي، النهاية : 599 - 600 ؛ الحلبي، غنية النزوع: 298؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام 2/ 270.
2- راجع ص 277.
3- ينظر: النجفي، جواهر الكلام 358/22 .
4- ينظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط : 205/3 .
5- الحاكي هو السيد المدني في رياض السالكين: 401/7 .

قوله (علیه السلام) : «من حفظ على أمتي أربعين حديثاً»(1)، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ» (2)، حيث إنَّها بملاحظة المنفعة العائدة إلى متعلّقها، فحينئذٍ يكون نفس مفاد إمضاء الوقف دليلاً على عدم البيع لا لزومه - كما قد يتوهم -، فعدم الجري مأخوذٌ فيه ما دام كونه وقفاً.

لا لما ذكره بعضهم(3): من أنَّ عدمَ الجري ثابتٌ في مفهوم الوقف، فالوقفيَّة والبيع من التضاد؛ لما قد عرفت [من]: أنَّ مفهوم الوقف، هو الإقامة اللازمة لعدم الجري، فليس مفهومه عدم الجري، بل لازم ماهيته، كالزوجية للأربعة.

ومن هنا ظهر اتجاه الاستدلال بقوله (علیه السلام) : «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (4). حيث إنَّ عدم البيع - حينئذٍ - من الكيفيات المرسومة في إنشاء الوقف مما أنشأه الواقف، فلا بدَّ من كونه باقياً على حسب إنشائه.

ومن هنا ظهر أنَّ كونه مسوقاً لبيان الكيفيات المرسومة في إنشاء الوقف، لا ينافي جواز الاستدلال به؛ لعدم جواز البيع كما يظهر من شيخنا (قُدِّسَ سِرُّهُ) في مكاسبه (5).

كيف، والحالة أنّه (رحمه الله ) تمسّك به هنا لإثبات عدم جواز البيع، وقال - في موضع آخر -: (إنَّ الدوام مأخوذ فيه)(6) ، فكلماته مضطربة غير منطبقة بعضها على بعض (7).

ص: 277


1- المتقي الهندي، كنز العمال: 158/10 ، ح28817.
2- سورة المؤمنون : 5، 6 .
3- هو الشيخ جعفر الكبير كما حكاه عنه الشيخ الأعظم في المكاسب: 36/4.
4- الكليني، الكافي : 7 /37، باب ما يجوز من الوقف، والصدقة، والنحل، ح34، وفيه «يقفها» بدل «يوقفها».
5- ينظر : الشيخ الأنصاري، المكاسب : 33/4.
6- ينظر : المصدر نفسه: 36/4.
7- مما يظهر أن الكلام الثاني هو ما نقله الشيخ الأعظم عن بعض الأساطين لا له، بل هو اعترض عليه بقوله: (وفيه)، والله العالم.

نعم، لو لم نقل بكون عدم الجري مأخوذاً فيه بطريق اللزوم، لم يتجه الاستدلال به لما نحن فيه؛ لأنّ عدم جواز البيع من أحكام الوقف ولو أخذ فيه إنشاء الوقف.

نعم، لو أخذ في الإنشاء يدل على عدم جواز بيع خصوص ما اشترط فيه، لا مطلقاً.

ومما استدل به لما نحن فيه ما عن ربعي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في صورة وقف أمير المؤمنين (علیه السلام): «هذا ما تصدّق به علي بن أبي طالب، وهو حيٌّ سويٌّ، تصدّق بداره التي في بني رزيق، صدقةً لا تُباع، ولا تُوهب حتّى يرثها [الله] الذي يرث السموات والأرض، وأسكن [هذه الصدقة ] فلاناً ... »(1).

والاستدلال به مبني على ظهور الوصف في كونه وصفاً لنوع الصدقة لا لجنسها، ولا شبهة فيه؛ إذ الصدقات غير الموصوفة بهذا الوصف أكثر من الموصوفة به، ولا لشخصها -بناءً على كونه شرطاً منه (علیه السلام) في خصوص الشخص- ؛ إذ بناءً عليه لا يدل على المطلوب بوجه.

ومبنيٌّ - أيضاً - على انحصار الوقف بهذا النوع ؛ بالإجماع أو بغيره، وعدم ثبوت فرد آخر للوقف، لكن مع ذلك لا يبعد ظهور الرواية في المطلوب

و مما استدل به - أيضاً - رواية علي بن راشد قال: «سألت أبا الحسن (علیه السلام) ، قلت : جُعلْتُ فداك، إنّي اشتريتُ أرضاً إلى جنب ضيعتي، فلمّا عمّرتها خُبّرت أنَّها وقف، فقال [علیه السلام]: « لا يجوز شراء الوقف، ولا تدخل الغلّة في ملكك، إدفعها إلى ما أُوقفَت عليه ... إلخ » (2).

ودلالتها على عدم جواز شراء الوقف - في الجملة - مما لا شبهة فيها، بل يظهر منه عدم جواز شراء مطلق الوقف أيضاً.

ص: 278


1- الطوسي، الاستبصار : 98/4 ، باب : إنّه لا يجوز بيع الوقف، ح4 .
2- الكليني، الكافي: 7 /37 ، باب ما يجوز من الوقف والصدقة، والنحل، ح35، وفيه «مالك» بدل «ملكك»، و «من» بدل «ما».

(صورُ ما خَرَجَ عن أصالة منع بيع الوَقف )

فظهر من جميع ما ذكرنا أنَّ مقتضى الأصل الأولي في الوقف، هو عدم جواز البيع، لكن خرجت عن تحت الأصل المزبور صور، نشير إليها تفصيلاً إن شاء الله تعالى.

منها: إذا خرب الوقف واضمحلَّ، بحيث لا يمكن الانتفاع به - في الجهة المقصودة - بوجه - ونقول - بعون الله تعالى -: إنَّه يجوز بيعه حينئذٍ؛ لوجود المقتضي، وهو الملكية المقتضية لجواز مطلق النقل؛ بمقتضى قوله [علیه السلام] : « الناس مسلّطون»(1). والمانعُ مفقودٌ؛ لأنّ المانعَ: إمّا الإجماع، فغير موجود -في المقام - على عدم الجواز، بل قائم على الجواز؛ إذ لم يحك الخلاف إلّا عن شاذ (2) لا يضرّ خلافه بالإجماع (3).

وإمّا قوله [علیه السلام]: «لا يجوز شراء الوقف». فيمكن أولاً: منع شمول لفظ (الوقف) للمورد، وانصرافه إلى غيره، وهو ما يكون باقياً على حاله، وأمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة، دون مثل ذلك الذي يكون نادراً، خصوصاً بعد قوله (علیه السلام): «ولا تدخل الغلّة في ملكك»؛ إذ من المعلوم أن محلّ الكلام ما لا يكون له نفع أصلاً بوجه.

ولا يعارضه قول السائل : «فلمّا عمّرتها» بدعوى ظهوره في كون محلّ السؤال هي الأرض كانت مخروبة؛ لعدم وجوده في بعض الروايات الأخر أولاً.

وثانياً: إنَّ التعمير لا يصلح لكونه قرينة؛ لكون المسؤول عنه مخروباً على النحو الذي هو محلّ الكلام، بل يُمكن دعوى القطع بعدم كون السؤال عن مثل ما ذكر.

وثانياً: ظهور الشراء المنهي عنه في الاشتراء المتعارف وهو الشراء من البائع لنفسه ولأخْذ الثمن لنفسه، لا مثل شراء الشخص من الولي على البطون اللّاحقة لأجل مراعاة حقهم، فالمنساق من لفظ (الشراء) هو مثل شراء السُرّاق والظلمة، الذين يبيعون العين الموقوفة.

ص: 279


1- يراجع ص 105.
2- ابن إدريس الحلي السرائر ( ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 5/ 255 .
3- ينظر: ابن زهرة غنية النزوع: 298.

وثالثاً: إنّه لو سلّمنا عدم الانصراف، يكون الخبر مُعَارَضاً بما هو أقوى منه، وهي الأدلّة المجوّزة للبيع، منها: الخبر الوارد فيه، ومنها : كون الإبقاء تضييعاً لحقّ الغير - وهو : البطون اللاحقة - ولا يجوز بحكم العقل والنقل، بل قد يقال بكونه معارضاً بقوله [علیه السلام] الناس مسلّطون على أموالهم ، والنسبة بينها هو العموم والخصوص من وجه، ومورد افتراق الأول عن الثاني هي الأوقاف العامة كالمساجد والمدارس، وغيرها من التحريرات بناءً على كونها فكّ ملك، أو كونها مملوكةً لله [تعالى] - ومورد افتراق الثاني عن الوقف من الأموال، ومورد الاجتماع هو ما نحن فيه؛ حيث إنّ مفاد دليل السلطنة هو ثبوت السلطنة للمالك في التصرّف في ماله كيف شاء، غاية الأمر خروج الوقف ما دام كونه باقياً على الانتفاع بالأدلّة المجوّزة، وأمّا مثل ما نحن فيه، فلا دليل على خروجه من تحته، ويكون بلا معارِض - على تقدير ثبوت الانصراف المذكور في الخبر - ويكون أرجح منه على تقدير عدم الانصراف، وإن كان الآخر أقل أفراداً؛ لاعتضاده بعمل الأصحاب.

ولا يخفى ما فيه :

أمّا أولاً: فلعدم العموم في دليل السلطنة، بل يكون حكماً وحدانياً، نظير «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) ، وليس له عموم أحوالي ولا أزماني حتّى يتمسّك به حينئذٍ؛ لإثبات السلطنة على الفرد الخارج عن تحته في زمان التمكن من الانتفاع به بالإجماع وغيره، بل لا بُدَّ حينئذٍ - من استصحاب حكم المخصّص، أمّا التمسّك بالعام؛ لعدم العموم فيه بالنسبة إليه.

والخدشة في الاستصحاب المذكور بأنّ المنع عن البيع إنّما هو في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، وهو انتفاع جميع البطون به، وقد ارتفع الآن قطعاً، لعلّها مخدوشةٌ؛ حيث إنّه إن أريد كون وجوب العمل بمقتضى الوقف علّة لذلك لا غير، وقد ارتفع.

ففيه: إنّا نمنع كون العلّة منحصرة في ذلك، بل الروايات والإجماع حاكمة بعدم الجواز، ولا يُمكن القول بأنّ مدرك المجمعين في الإجماع هو العمل بمقتضى الوقف؛ إذ لعل المدرك شيء تعبدي غير معلوم لنا .

ص: 280


1- سورة المائدة: 1 .

وإنْ أريد عدم القطع ببقاء الموضوع، أو القطع بارتفاعه؛ بدعوى كون الموضوع هي العين المنتفع بها.

ففيه: إنَّ الموضوع هو ذات العين، لا العين بوصف الانتفاع عرفاً، ويحكمون ببقاء الموضوع.

وثانياً: إنَّ ما ذكره - من كون النسبة هي العموم من وجه، فيترجح دليل السلطنة بفهم الأصحاب وعملهم - غير مستقيم؛ لأنّ النسبة وإن كانت كذلك، إلا أنّ دليل عدم الجواز في حكم الأخصّ؛ لكونه نصاً في عدم جواز البيع في مورد المعارضة، وذلك ظاهر، والنص مقدَّم على الظاهر.

لكنه لا يخفى أنَّ نصوصيته إنّما هو بالنسبة إلى الفرد الخاص في حالة خاصة، وهي حالة الانتفاع، لا جميع الحالات، وذلك لا يُوجب انقلاب النسبة، بل النسبة بينها - بعده - عموم من وجه أيضاً لو فرض عموم أحوالاً أو أزماناً في دليل السلطنة، وقد عرفت أنَّ التحقيق عدمه (1).

وأمّا قوله [علیه السلام]: « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»(2). باعتبار دلالته على لزوم العمل بما أنشأه الواقف والجري على مقتضاه، والبيع منافٍ لما أنشأه؛ حيث إنّ الواقف أنشأ بقاء العين، وحبس شخص العين الموقوفة على الموقوف عليه، ومعلوم أنَّ البيعَ منافٍ لحبسيّة شخصٍ العينَ.

ففيه مع أنَّه لا يتم إلا بالقول بكون الحبس من الكيفيات المرسومة في إنشاء الواقف لا مطلقاً -، إنَّ الإنشاء إنْ تعلّق بخصوص الشخص، إلا أنّ [عرض](3) الواقف من حبس العين على الموقوف عليهم هو انتفاع البطون اللّاحقة به، ومن المعلوم أنّ انتفاعهم به لا يُمكن إلا بالتبديل بشيء آخر يمكن انتفاعهم به، ويكشف عن ذلك حبسه العين على جميع البطون

ص: 281


1- يراجع الصفحة السابقة.
2- يراجع ص 275.
3- ما في المخطوط : (الغرض)، والمناسب ما أثبتناه.

مع عدم بقائها إلى الأبد.

لا يُقال : إِنَّ اللّازم اتّباعه هو ما أنشأه الواقف لا أغراضه ودواعيه، ومجرّد كون غرضه ذلك لا يوجب التصرّف فيما أنشأه، وتغيّره عما أثبته - الممنوع عنه - بمقتضى قوله (علیه السلام)، ألا ترى أنَّه لو اشترى دواءً لأجل داعٍ وغرضٍ، وظهر عدم حصول الغرض به لا يوجب ذلك بطلان البيع .

لأنا نقول: الأغراض والدواعي مختلفة، ومجرّد عدم التقيّد في بعض الموارد لا يوجب عدم التقييد بالكليَّة، والفرق واضح بين ما نحن فيه وبين بيع شيء لغرض؛ حيث إنّ المشتري في الفرض المزبور لمَّا لم يمكنه الوصول إلى غرضه لا يتعلّق غرضه ثانياً بشراء مطلق ما يظن حصول الغرض منه ؛ حيث إنّه لا يبيعه أحد بشرط حصول الغرض منه، فيصير لا بُدَّ في شراء كلّ ما يظن، بخلافه فيما نحن فيه؛ حيث إنّ تعلّق غرضه بانتفاع البطون اللاحقة غيرُ منافٍ لتعلّق الإنشاء بالعين، فيدور لزوم الإبقاء مدار إمكان الانتفاع به، بل الأصل في الأغراض ذلك، فخروج البعض محتاج (1) ، فيصير ذلك قرينة لتعميم ما أنشأه، وكونه أعمَّ من العين وبدلها، فيصير نفس قوله (علیه السلام): «الوقوف» دليلاً على لزوم الإبدال.

لكن لا يخفى عليك عدم تماميّة ذلك؛ لأنَّا نقول بعدم كون مطلوبه الشخص بشخصيته، بل مطلوبه أمران: (مطلق وقيد) فيكون من باب تعدد المطلوب مطلوبٌ مطلق: وهو حبس مطلق ما ينْتفع به البطون، ومقيدٌ: وهو شخص العين، فالواقف ولو لم يكن ملفتاً إلى ذلك حال الإنشاء، بل لا يتصور الخراب أصلاً ، لكنه مركوز في ذهنه بحيث إذا التفت إليه، أو يُقال له: ما تصنع بها في حال خرابه؟ يقول: لا بُدَّ من إبداله. وذلك معلوم بالرجوع إلى العرف والوجدان، فافرض نفسك الواقف بشيء، فهل ترضى بتعطله بعد الخراب؟

وهنا وجوه أخر - لتصحيح البيع - لا يخلو جلّها، أو كلّها عن المنع؛ إذ الأول إلى ما ذكرنا .

منها: القول بأنَّه وإنْ تعلّق الإنشاء بخصوص الشخص ، لكن إبداله في صورة الخراب

ص: 282


1- كذا في المخطوط.

من الأحكام العرفيّة لوقف العين؛ حيث إنَّ الثابت في أيديهم هو إبدال الوقف بشيء آخر في الصورة المفروضة، ولو لم يعلموا حال الواقف.

لكن لا يخفى ما فيه؛ حيث إنَّ حكمهم بذلك - حتّى في مورد عدم علمهم بغرض الواقف - محل المنع ، وما يتراءى من حكمهم بذلك في الأوقاف على البطون إنّما هو لعلمهم بغرض الواقف أولاً، وثانياً: إنّه لا دليل على لزوم محكوميتنا بحكمهم.

ومنها: إنَّ إنشاء الواقف تعلّق بالماليّة بتعلّقه بالعين؛ حيث إنَّ العين لها خصوصيّة ومقدار من الماليّة والماليّة وإن كانت من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلا باعتبار التموّل؛ باعتبار كونه منشأ لانتزاعها، لكنّها ملحوظة عند العقلاء بلحاظ مستقل، ويقولون: إنَّ هذا الشيء له ماليّة وشخص، فما دامت العين باقية على الانتفاع، تكون وقفاً، وتتبعه الماليّة، وأمّا إذا خرجت عن القابليّة، فيلزم إبقاء ماليّتها بمقتضى إنشاء الواقف، ولا يُمكن إلا بإبدالها بشيء آخر.

وهذا الوجه كالوجه الذي ذكرناه في تعدد المطلوب والمنشأ، لكن الفرق باعتبار كون المطلق فيه الماليّة والبدل ما ذكر .

ومنها: إنّ الوقفيّة وإن تعلّقت بخصوص الشخص، لكنَّه باعتبار الماليّة وبلحاظها، فيدور مدارها، فيجوز إبدالها، بل يجب؛ صوناً لخروجها عما هو المناط في وقفيَّة العين.

لكنه لا يخفى عليك أنّه لا يجوز الإبدال؛ لعدم خروجها عن الماليّة بعدُ، وإنْ خرجت عن الانتفاع.

ومنها: إنّ وقفيّة العين إنّما هي بلحاظ المنفعة؛ حيث إنّ الوقفَ معناه : حَبْسُ العين، وتسبيل المنفعة، فتدور وقفيّة العين مدار إمكان الانتفاع بها ، فإذا لم يُمكن الانتفاع بها لا مانع من إبداله.

وفيه: إنّه وإن أمكن تصحيح البيع به، إلا أنَّ ذلك مستلزم لخروج الوقف عن الوقفيَّة، وسقوط حقّ البطون اللاحقة عنها بالمرّة، وجواز بيعها البطون الموجودة لأنفسهم ، ولا يلتزم به أحدٌ منهم؛ إذ هم بين من يقول بكون البدل وقفاً، أو في حكم الوقف، وهو إبقاؤه للبطون

ص: 283

اللّاحقة.

هذا، لكن قد يوجّه الاستدلال بالرواية المذكورة؛ لعدم جواز بيع الوقف بأنَّها تدل على لزوم الجري على مقتضى ما أنشأه الواقف، والواقف أنشأ ملكيّة البطون اللّاحقة فيما لو وقف على البطون، أو على كافة المسلمين إلى يوم القيامة، فتكون العين الموقوفة ملكاً للمعدومين، فلا يجوز بيعها، ولا التصرّف فيها؛ بمقتضى أدلّة حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه.

لكن لمّا كان التوجيه المزبور مبنياً :

أولاً: على تعقّل تمليك الواقف للبطون اللّاحقة والموجودة بإنشاء واحد، وأنَّه هل يكون معقولاً أم لا؟

وثانياً: على تصديقه.

فنقول: إنَّ تعقّل الدعوى المذكورة في غاية الإشكال؛ حيث إنّ الملكية ليست قابلة للتجزئة بحسب الأزمان، ولا يكون الزمان من مشخّصاتها بحيث تكون ملكيّة الشيء في اليوم الحاضر مغايرة لملكيته في اليوم الثاني، بل يكون أمراً بسيطاً، يكون الزمان ظرفاً لها لا قيداً لها حتّى يعطي ملكيّته في زمان ببطن، وفي زمان المعدومين بهم (1)، بل لو مَلَّكَ أحداً مالَه فقد خرج عن ملكه، فيكون حاله بالنسبة إليه كحال الأجنبي بالنسبة(2)، ومن هنا لا يصح هبة المال لشخص ثم هبته في زمان آخر إلى آخر.

قد يُقال في دفعه: إنّه يُمكن القول بثبوت ولاية له من جانب الشرع حين إنشائه، بإخراج العين الموقوفة عن ملك الموجودين إلى المعدومين، فكأنَّ الواقف ينشئ للموجودين الملكيّة التي انقطعت عنهم بموتهم، وتثبت للمعدومين بوجودهم، فالعينُ الموقوفة بالإنشاء صارت ملكاً طلقاً للمعدومين، لا يكون عليها حقّ من المعدومين بوجه، بل حالهم بالنّسبة إليه كالأجانب، لكنّها بموت الموجودين تخرج عن ملكهم وتدخل في ملكهم.

ص: 284


1- مراده (البطن اللاحق)، ولكن العبارة لا تؤدي المراد.
2- كذا في المخطوط، وهي زائدة.

لكن لا يخفى عليك وهنه؛ حيث إنّه - مع بُعْده غاية البعد - يستلزم انتقال العين من البطن الموجود إلى المعدوم، والحال أنَّه لم يقل به أحدٌ، بل يقولون بانتقالها من الواقف إليهم كانتقالها إلى الموجودين، بل الوجه في تعقّل ذلك هو أنْ يُقال: إنَّ الواقف يفرض المعدومين موجودين، فكأنهم موجودون في نظره كالمعدومين، ويملّكهم العين جميعاً بإنشاء واحد، لا بمعنى أنَّه يملّكهم ملكاً فعليّاً مطلقاً، حتّى يكون المعدوم في عرض الموجود في زمان الموجود، ويكون شريكاً لهم في الزمان المذكور حتّى يلتزم بلوازم الشركة، التي لا يُمكن الالتزام بها أصلاً فيما نحن فيه، بل بمعنى: إنّه يملّك الموجودين من أولاده وأولاد أولاده إلى يوم القيامة، فيكون الصادر عنه بالنسبة إلى المعدوم هو صرف المقتضي للملكيّة، الموجب لحصول الملكيّة الشأنيّة الموقوف صيرورتها فعليةً على حصول الشرط الذي شرطه في إنشائه، وهو وجود الأولاد فما لم يوجدوا لا يكون لهم الملْك الفعلي حتّى يقال بلزوم المحال - وهو مالكيّة المعدوم - وحصول العلقة الفعليّة له، وأمّا الملكيّة الشأنية - التي معناها: حصول المقتضي - لا مانع من حصولها للمعدوم، وبذلك يظهر وجه عدم كون العين طلقاً، وكذلك ظهر أنّ انتقال العين إلى المعدومين من الواقف ومَنْ جعله.

والحاصل : إِنَّ الواقف بنفس إنشائه أثبت حقاًّ لجميع البطون إذا وجدوا، فكلٌّ منهم صار ذا حقٍّ على العين من قِبَل الواقف، بحيث لا يجوز للموجودين صرفها في أنفسهم، نظير العين المرهونة التي لا يجوز للراهن التصرّف فيها، وهذا الحقّ يصير ملكاً فعلياً بعد وجودهم الذي هو الشرط فيه.

وثبوت مثل الحقّ المزبور للمعدوم أمر شائع عند العقلاء، وليس بعادم النظير في الشريعة - أيضاً - كما في الإجارة، وبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها - فحينئذٍ - لا يجوز بيعها؛ لتعلّق حق البطون به، وهذا الذي ذكرناه وإن كان متجهاً بحسب الظاهر، لكنه مبنيٌّ على كون الوقف بمعنى التمليك، لكنه في محلّ المنع، كيف ولو كان كذلك لصح الوقف بقول الواقف: مَلَّكْتهم؟ والحال أنه لا يصح.

وكان اللازم أنْ لا يختلف العلماء في مالك الوقف، هل هو الواقف، أو الله تعالى، أو

ص: 285

الموقوف عليه، أو مجرّد فكّ المِلْك؟ وإنْ كان المشهور على كونها ملك الموقوف عليه(1).

والاستشهاد لذلك بصحته بلفظ (التصدّق) الذي يكون معناه (إعطاء الغير المال تبرّعاً) فلعلّه في غير محلّه؛ حيث إنّه لا نسلّم صحة الوقف بلفظ (التصدّق) بدون القرينة أولاً، وعدم كون معناه ذلك على تقدير صحته به ثانياً، بل الظاهر إنَّ الصدقة من التصادق والصدْق، اللذين بمعنى الإنطباق.

ويُمكن أن يكون هو المراد في قوله [علیه السلام]: «كلُّ معروفٍ صدقةٌ» (2)، فيكون مفيداً في كلّ مورد شيئاً، نظير الصلح.

وكيف كان، فصحةُ إنشاء الوقف به لا تدل على كون الوقف معناه التمليك، حتّى يجري ما ذكرنا، لكن منْعُ ما ذُكر لا يضرّنا؛ لأنَّ ثبوت حقّ لهم على العين مما لا شبهة فيه، ويستلزم عدمُ بيعه تضييع حقِّهم، وكذلك يستلزم تضييع حق الله [تعالى]؛ حيث إنّ جعلَ الواقف العينَ وقفاً، متقرباً به إلى الله [تعالى]، وصدقة جارية في سبيله، موجب لإفاضة بَدَلِه من الثواب عليه، فكأنَّ الواقف أنشأ المبادلة بينه وبين ربِّه، فكأنها تصير ملكاً له تعالى، لا على حدِّ ملكه للعالم، بل اختصاصها به ممتازٌ عن غيره، فيكون عدم البيع تضييعاً لحقه، وموجباً لفوات ملكه، وكذلك يستلزم تضييع حقّ الواقف؛ حيث إنّ انتفاع جميع البطون من قبله من جهتها حقّ ثابت له، وكذلك يستلزم تفويت المحلّ الذي ينتفع الواقف من جانب الله تعالى بوجوده ، ومن المعلوم أن تضييع واحد منها محرّم ، فكيف إذا اجتمعت فيصير البيع [جائزاً] (3)، فالدليل المجوّز للبيع حقيقة هو هذا، لكن ما ذكرنا من عدم كون الوقف بمعنى التمليك وإن كان حقّاً؛ حيث إنَّ مفهوم الوقف إمّا الحبس، أو ملزومه، وليس شيء منهما عين التمليك، ولا جزءه.

ص: 286


1- ينظر : المحقق الحلي شرائع الإسلام: 451/2؛ الصيمري، غاية المرام : 378/2؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام: 382/5.
2- الكليني، الكافي : 4 / 26 ، باب فضل المعروف، ح 1 .
3- يوجد بياض في المخطوط بمقدار كلمة واحدة، ولعل المقصود ما أثبتناه.

لكن المشهور بينهم - خصوصاً عند الأساطين (1) - كون الوَقْف في الوقوف الخاصة ملكاً للبطون، وذلك ليس لأمر تعبّدي وصل إليهم؛ لأنَّه بعيد غاية البُعْد، فلا بُدَّ من أخذهم ذلك من إنشاء الواقف، وقد علمت أنّه مدلوله المطابقي أو التضمّني، فلا بُدَّ من جعله ( أمّا ) (2) من اللوازم الفرضيّة لوقف العين، نظير دخول مفتاح الدار في بيع الدار، وثياب العبد في بيعه؛ حيث إنّ الإيقاف المطلق المتعلّق بالعين، من دون تقييده بسكناها أو بغيره، يستلزم ذلك، فيصير نظير الصلح الذي يكون معناه (التسالم)، ويختلف مفاده بحسب الموارد، فإذا تعلّق بالعين يفهم منه التمليك ، وإذا تعلّق بالمنفعة تفيد معنى الإجارة، وإذا تعلّق بالحقّ يفيد الإبراء، والوقف - أيضاً - إذا استعمل في الخاص يفيد التمليك عرفاً، وإذا استعمل في العام لا يفيده، بل مجرّد الفكّ.

والحاصل : إنّ قصر جميع الانتفاعات على شخص إلى الأبد، ينتزع منه الملكية عرفاً، بحيث لا يتخلّف عنه عرفاً، فيكون ذلك إمّا لازم مفهوم الوقف، أو لازم الوجود الخارجي؛ حيث إنّ قصر جميع التصرّفات على شخص لا ينفك عن الملكية عرفاً، فيؤخذ باللّازم من غير ملاحظة كون الواقف قاصداً لذلك، فظهر من جميع ذلك جواز بيعه.

ص: 287


1- ينظر: الطوسي، المبسوط : 296/3؛ ابن البراج، المهذب : 89/2؛ ابن إدريس، السرائر (ضمن موسوعة ابن إدريس الحلي): 239/5_240
2- كذا في المخطوط، ولم يذكر لها عدلاً.

و

[ الكلام في ثمن الموقوف هل ينحصر بالموجودين أم يتعداهم]

وإنّما الكلام هنا في ثمنه، هل يصير ملكاً للموجودين لا غيرهم أم لا؟

وعلى الثاني، فهل يكون وقفاً كالأصل، أو يكون في حكم الوقف؟ وفي كونه - أيضاً - ملكاً للبطون جميعاً، فنقول:

مقتضى ما ذكرنا اشتراك جميع البطون على نحو اشتراكهم في البيع؛ بمقتضى كونه بدلاً عن مالهم، وعوضاً عنه، ومقتضى البدلية دخول البدل في ملك من خرج عنه المبدل، وإلا لم يكن معاوضةً ومبادلةً، فلا يجوز للموجودين صرفه في أنفسهم، والظاهر أنَّه لا إشكال فيه، كما ذكره الشهيد (قُدِّسَ سِرُّهُ)(1) ، وغيره (2).

لكن ذهب بعض (3)[إليه](4)، وتردد بعض آخر - على ما حكي(5) - إلى اختصاص الموجودين بثمنه، وكأنّ نظرهم إلى أحد وجوه:

الأول: إن الوقفية إنّما تعلّقت بشخص العين، فحقهّم متعلّق بخصوص الشخص،والثمن بدل لماليّته حقيقةً، وبدل الملك الثابت للموجودين فلا يلزم من وقوع المبادلة على العين - التي يكون باعتبار الماليّة والملكيّة - كون الثمن ملكاً لمن كان حقّه متعلّقاً بالعين باعتبار الخصوصيّة.

وفيه: إنَّ الوقفية وإنْ لم نقل بكونها متعلّقة بالماليّة أيضاً، لكن تعلّقت بالعين باعتبار الماليّة، فيلزم كون الثمن - أيضاً - متعلّقاً لحقّهم ، وإن لم نقل بكونه وقفاً مثلها.

والثاني: إِنَّ الوقفيّة تعلّقت بالعين باعتبار الانتفاع، حيث إنَّ الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، فتكون وقفيّتها دائرة مدار الانتفاع ، فإذا خرجت عن الانتفاع ينقطع حقّهم

ص: 288


1- ينظر : الشهيد الأول، غاية المراد: 442/2 .
2- ينظر: المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: 443/18 .
3- ينظر: ابن البراج، المهذب: 2/ 92 .
4- ما في المخطوط : (على)، والمناسب ما أثبتناه.
5- لم نعثر على الحاكي.

عنها، فيكون ملكاً طلقاً للموجودين، فيصرفون ثمنه في أنفسهم.

وفيه: إنّا لا نسلّم كون الانتفاع بالعين عنواناً للوقف حتّى تنتفي الوقفيّة بانتفائه، بل يكون غرض الواقف - من الوقف - هو انتفاعهم بها، فالإنشاء موضوعه نفس العين.

والثالث: إنَّ تعلّق الإنشاء بالعين الخاصة، مع أنها لا تصل إلى البطون اللاحقة، قرينة على أنّ ذكر البطون إنّما هو على فرض وصولها إليهم، فثبوت حقّهم على العين إنّما هو بعد الوصول إليهم، وعلى تقديره، فكأنّ الإنشاء مقيّد بقيد عقلي - وهو: التمكن - فيكون ثبوت الحقّ مقصوراً على صور الوصول لا مطلقاً حتّى يلتزم بالإبدال وإبقاء البدل، فحينئذٍ تكون العين الموقوفة ملكاً طلْقاً للموجودين، كسائر أملاكهم يتصرفون فيها ما شاؤا .

وفيه: إنَّ ما ذكرته ليس بأولى من أنْ يُقال: إنَّ وقفه على جميع البطون - مع أنَّها لا تصل إليهم بشخصها - قرينة على أنّ المراد هو تعلّق الوقف بالعين باعتبار الماليّة، بل الثاني أولى؛ لما ذكرناه من كون المُنشأ متعدداً - مطلقاً ومقيداً - وبانتفاء المُقيّد لا ينتفي المطلق.

وكيف كان، فالظاهر أنَّ عدم جواز صرف الثمن للموجودين في أنفسهم مما لا شبهة فيه، وإنّما الإشكال في أنّ البدل هل يكون وقفاً، أو في حكم البدل من كونه ملكاً للمعدومين على نحو ملكيَّة المبدل ؟

فنقول : إنّه مبني على الوجوه السابقة في تصوير جواز البدل، فإن قلنا بالتعدد المطلوبي -بمعنى كون المطلوب الأولي، والمنشأ الأولي هو وقفيّة العين والمطلوب الثانوي هي وقفيّة الماليّة - لا يبعد القول بكون البدل وقفاً مثله.

وإن قلنا بتعلّق الوقفيّة والإنشاء بنفس العين، غاية الأمر كونه باعتبار الماليّة لا يكون وقفاً؛ حيث إنَّ الوقفية لا تحصل إلا بتعلّق الإنشاء، والمفروض تعلّقه بالعين الخاصة، فلا تسري إلى البدل.

نعم، لمّا كانت العين مملوكة للجميع ، يكون البدل في حكمها من كونه ملكاً لهم، فلا يجوز التصرّف فيه إلا بملاحظة مصلحتهم ، ولا يكون وقفاً حقيقياً حتّى لا يجوز بيعه، ولو كان البيع صلاحاً لهم.

ص: 289

والظاهر عدم كونه وقفاً ولو قلنا بالأول؛ حيث إنّه لا يلزم من القول به كون البدل الخاص وقفاً، وإنّما يلزم منه وقفيّة كلية البدل، مع إنك قد عرفت عدم تمامية الأول، بل الوجه هو الثاني، فلا يكون البدل وقفاً، بل له حكم البدل، وهو عدم جواز صرف الموجودين له في أنفسهم، بل يشتري به شيئاً تنتفع به البطون، وتصرف المنفعة عليهم.

ص: 290

[ الكلام في لزوم شراء الأقرب فالأقرب إلى الموقوف].

ثم إنّه هل يكون اللازم في شراء البدل، ملاحظة الأقرب فالأقرب إلى الوقف، حتّى لو كان الوقف داراً يُصرف الثمن في دار آخر أم لا؟

وجهان، بل قولان، يظهر الأول من العلّامة في التذكرة(1)، وحكي عن جماعة(2)،وغاية ما استدل به أو يُمكن أن يستدل للأول وجوه:

الأول: كونه أقرب إلى غرض الواقف، فيكون مراعاته لازمة :

أمّا الصغرى؛ فلأنّ كثيراً ما نرى الواقفين في وقف شيء لهم أغراض مرتبة، بعضها عامّ، وبعضها خاصّ بحيث لم تكن الخصوصيّة قيداً تدور الوقفيّة مداره، مثلاً: يكون الغرض أولاً صرف المال في [تحصيل ](3) العلم ، ثم على صرفه في الكتب، ثم على كتاب الحديث، فصرفه في كتاب الحديث ليس بحيث يكون قيداً موجباً لانتفاء الوقفيّة، فلو لم تكن هذه الجهة يبقى الغرض العام بحاله، وهذا معلوم كثيراً من حالهم، فيكون إنشاؤه متعدداً - مطلقاً ومقيّداً - فبمجرد انتفاء الخصوصية لا يجوز الذهاب إلى الأعمّ، بل الأقرب إليه من حيث الغرض.

وأمّا صورة الشك، فيمكن حملها على صورة العلم؛ لأنّ الظاهر من حال الواقف في وقف الدار على أولاده، هو كون الغرض هو بقاء المسكن، وانتفاعهم من هذا الوجه لا مطلق ما ينتفعون به، ولو كان حماراً (4) ، فيستكشف من ذلك قرينة نوعية على المراد حين الإنشاء.

وأمّا الكبرى، فقد يتمسّك في إثباتها بسيرة العلماء في أبواب الفقه؛ حيث إنّهم يتمسكون في كلّ مقام مناسب بالغرض كما في النذور، والوصايا، والأوقاف، حيث إنّهم لا

ص: 291


1- ينظر: العلّامة الحلي، تذكرة الفقهاء (ط،ق): 2/ 444 .
2- ينظر : فخر المحققين، إيضاح الفوائد: 407/2 ؛ المحقق الكركي، جامع المقاصد : 71/9؛ الشهيد الثاني، الروضة البهية: 3 / 255 - 256 .
3- ما في المخطوط: (تحصيص)، والمناسب ما أثبتناه؛ لأنَّه أوفق بمراده.
4- كذا في المخطوط، ولعل الصحيح: (عقاراً).

يحكمون بمجرّد انتفاء بعض الخصوصيات بعدم وجوب الوفاء بالنذر، والوصيّة، والوقف، فمراعاة الغرض عندهم أمر لازم لا يتعدون عنه، ويتراءى من حالهم أنّ لزوم مراعاته أمر وصل إليهم من صاحب الشرع.

وفيه :

أولاً : منع الصغرى؛ حيث إنَّ غرض الواقف مختلف، قد يتعلّق بوقف نفس العين، وقد يتعلّق بمقدار خاص من المنفعة ولو حصل من غير المماثل، مثلاً: لو وقف بستاناً على أولاده فخَرَبَ، ودار الأمر بين شراء دار من ثمنه في بلد الأولاد، أو بستاناً في غيره بحيث لا يصل إليهم إلّا أجرتُه، فلا يُعلم تعلّق الغرض بالبستانية، بل الأمر بالعكس.

وبالجملة : فاختلاف غرض الواقفين بديهيٌّ، فكيف يُمكن قياس صورة الجهل بالعلم؟

وثانياً: منع الكبرى؛ حيث إنّ تمسّك جميعهم به غير معلوم، وعلى تقدير تمسكهم به - أيضاً - لا يصلح التمسّك به؛ حيث إنّ جهة التمسّك مختلفة، بعضهم من جهة تعدّد المطلوب، وبعضهم من جهة التمسّك بعموم حديث الميسور ، وبعضهم من جهة أخرى.

وكيف كان لا دليل على لزوم متابعة غرض الواقف - لو فرض إحرازه - فكيف من عدم إحرازه، واختلافه؟ إلا أن يدخل في الإنشاء بحيث يكون المُنشأ متعدداً، ولا سبيل إليه ؛ حيث إنّ إنشاء الوقف متعلق بالعين لا غير.

والثاني: التمسّك بعموم حديث الميسور (1)، حيث إنّه يدل على عدم سقوط ما تمكّن من العمل به بمجرّد عدم تمكّن غيره، ويكون أعمّ من المطلوبات الأوليّة للشارع، ومن المطلوبات الثانوية الحاصلة بسبب التزام المكلّف، وبعد إنشاء الواقف وقفيّة العين يجب العمل به بقدر الإمكان، فإن أمكن إبقاء نفس العين يجب، وإلا يجب إبقاء نوعها، وإلا يجب إبقاؤها بجنسها - وهي الماليّة - ؛ لأنّ العين مركبة من الخصوصيات: الشخصية، والنوعية، والجنسيّة حقيقة، فتجري قاعدة الميسور .

ص: 292


1- وهي : قال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «لا يترك الميسور بالمعسور». ابن أبي جمهور ، عوالي اللآلئ : 4 / 58 ح 205 .

وفيه :

أولاً: إنها مختصة بالمركبات الخارجيّة، لا المركبات العقليّة.

وثانياً: لأنَّها مختصة بالمطلوبات الأوليّة، لا ما تكون مطلوبيّتها للشارع من جهة مراعاة حال الواقف، أو المولى؛ حيث إنّ الظاهر من القاعدة المذكورة، هو تعذّر الطلب في المطلوبات، وتكون بصدد بيان ذلك، فلا يجري في الطلب التبعي الملحوظ فيه حال الغير؛ حيث إنّ الغير قد يكون غرضه متعلقاً بوقف شيء خاص بوصف الخصوصيّة، بحيث لو لم يحصل ذلك لا يكون غرضه الوقفيّة أصلاً ، مثلاً : لو أمر المولى عبده بصنع سرير له بحيث لو لم يتمكن من تمام السرير لم يكن صنع بعض السرير مطلوباً له، ومحبوباً له، بل يكون مبغوضاً.

فمجرّد طلب الشارع إطاعة المولى لا يُمكن التمسّك بقاعدة الميسور لصنع بعض السرير؛ لاستلزامه القهر على المولى، والحال إنّ الأمر بالإطاعة لأجل رعاية حاله، مع أنّ طلب الشارع في هذه الموارد بسيط لا تركيب فيها، لا خارجاً ولا ذهناً؛ لأنّ إطاعة المولى لا يتصور فيها التركيب أصلاً، مع أنَّه ورد الدليل - فيما نحن فيه - بمتابعة قول الواقف بمقتضى قوله [علیه السلام]: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (1) . والحال إنّ قولَ الواقف ليس إلا وقفيّة العين، فظهر من جميع ذلك عدم جواز التمسّك بقاعدة الميسور .

والثالث : هو أنّ الوقفيّة تعلّقت بالعين، لكن العين مشتملة على أشياء ثلاثة : خصوصيّة شخصيّة، وخصوصيّة نوعيّة، وماليّة، مثلاً : يكون للدار الخاصة مراتب ثلاث:

[1] خصوصيّة شخصيّة، وهو ما يكون الشيء به شخصاً خارجياً.

[2] وخصوصية نوعيّة، وهي الداريّة.

[3] وجنسية، وهي الماليّة.

ص: 293


1- يراجع ص 275.

فإذا صارت متعلّقةً للوقف، فتصير محبوسةً بتمام مراتبها [صح](1) إبقاؤها بقدر الإمكان، وإبقاء بعضها مع تعذّر الجميع، فمع تعذّر إبقاء الشخص يلزم إبقاء النوعيّة؛ لعدم تعذّرها، وإذا تعذّرت - أيضاً - يجب إبقاء الماليّة بشراء مطلق البدل بثمنه؛ بمقتضى قوله [علیه السلام]: « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها».

وبهذا التقرير يصح التمسك بقاعدة الميسور - أيضاً - ؛ لوجوب شراء المماثل، ولا مدفع له، إلا أنْ يُقال: إنّ الوقفيّة تعلّقت بالعين باعتبار خصوصيّتها الشخصيّة، دون النوعيّة والجنسيّة.

والرابع: هو أنْ يُقال: إنّه لا دليل على جواز شراء غير المماثل؛ حيث إنّ عمومات البيع والعقود، لا عموم فيها، إلّا باعتبار الأفراد، لا الأحوال والأزمان والمفروض تخصيصها بذلك الفرد، فيكون المقام من قبيل استصحاب حكم المخصّص بالنسبة إلى غير المماثل.

والأدلّة المجوّزة للبيع في صورة الخراب لا تجوّز مثله؛ إذ العمدة فيها هو لزوم تضييع الحقوق، وذلك يندفع بشراء المماثل، بل يؤكد ذلك –[لا] سيما بعد ما ذكرنا - أنّ الأصل في المسألة هو عدم جواز البيع عندهم، فما علم خروجه قطعاً هو هذا القدر، والباقي مشكوك، فيدفع بالأصل.

فظهر أنّ وجوب شراء المماثل أقرب، وإنْ كان ذلك غير مرضيٍّ عند سيدنا الأستاذ دام ظله العالي).

ص: 294


1- ما في المخطوط (صحت)، والمناسب ما أثبتناه.

[ الكلام في متولّي بيع الموقوف]

ثم إنّه بعدما جاز البيع، فهل المتولي للبيع هو الحاكم القيّم على البطون اللاحقة، أو البطن الموجود، أو هما معاً، أو الناظر للوقف؟

إنْ كان الأقرب الموافق للقواعد الأوليّة هو الثالث؛ مراعاةً لحقّ الموجود وللمعدوم، حيث إنّ الحاكم وليُّ من لا وليّ له، والغائب والمعدوم، ولا دليل على جواز تصدي الناظر؛ إذ لا عموم في قول الواقف وجعله، بحيث يشمل مثل التصرّف المزبور، ولا ينصرف إليه، بل ينصرف إلى غيره.

وأمّا بالنسبة إلى البدل (1) - أيضاً - فكذلك؛ إذ لا دليل عليه، بل قد يعلم من حال الواقف اختصاص نظارته بأصل العين؛ لكونه بصيراً في أمر القرية دون الدار (2)، ومن هذه الجهة تحصل النظارة إليه، فلا تتعدى النظارة إليها.

لكن يُمكن أنْ يُقال : بثبوت النظارة له على البدل - أيضاً - بناءً على كونها حقاً بمقتضى البدليّة؛ حيث إنّه لا يقصر عن حقّ الرهن، خصوصاً لو كان الناظر ذا حقّ على العين، هذا كلّه في خراب الكلّ.

وأمّا لو خرب البعض، وبقي الآخر - مع إمكان الانتفاع - وكان محتاجاً إلى العمارة، فالظاهر وجوب صرفه في عمارته إن لم يُمكن تعميره بأجرته، وإلا بها؛ لأنّ حقّ الواقف مقدّم على حقّ الموجود.

ثم إنّه لو أمكن شراء البدل عاجلاً يجب، ولو مع الخيار يجب، وإلا يجب إبقاء الثمن حتّى يوجد، فإنْ حصل الربح له فالربح تابع له إن كانت الزيادة بدلاً له بأن تفاوتت القيمة السوقية، وإلا يكون للموجودين فافهم.

الصورة الثانية: هي أن تخرب العين لكن على حد لا تكون قابلة للانتفاع أصلاً، بل

ص: 295


1- أي: بدل العين الموقوفة.
2- كذا في المخطوط.

تكون منفعتها قليلة، كدار انهدمت فصارت عرصة، فالظاهر عدم جواز البيع، ولو أمكن شراء شيء بثمنه تساوي منفعته منفعة الدار؛ لعدم قيام دليل صالح لرفع اليد عن مقتضى الأصل الأولي، والثابت بالعمومات والإجماع.

نعم ، لو كانت المنفعة قليلة بحيث يكون في حكم المعدوم، فيمكن الحكم بالجواز؛ لما ذكرناه في الصورة السابقة من لزوم التضييع، لا لما ذكره بعض(1) من فوات شرط الوقف المراعى في الاستدامة، وهو كون العين مما ينتفع بها، فيكون الوقف باطلاً حينئذٍ؛ لفوات الشرط، فيجوز البيع ؛ لعدم دليل على كون الشرط شرطاً في الاستدامة، فيجب العمل بمقتضى الوقف؛ عملاً بمقتضى الدليل الدال على لزوم الوفاء بالعقد، إلى أن يحصل المجوّز للبيع .

فبطلان الوقفيّة في صورة الخراب وإن كان ثابتاً - لو قلنا بكون معنى الوقف هو الحبس، أو معنى لازمه الحبس - لكن لا من جهة فوات الشرط حتّى يصير الوقف باطلاً أولاً ، ثم يحكم عليه بجواز البيع كما هو ظاهر البعض (2)، بل من جهة منافاة الجواز للمنع المعتبر في الوقف، فيكون لازم ذلك بطلان الوقفيّة بمجرّد الخراب، لا خروج الوقف عن ملكيَّة البطون؛ حيث إنَّ الملكيَّة إذا ثبتت لا ترتفع إلا بمزيل ورافع، ليست مغيّاة بغاية.

ويُمكن أنْ يُقال بعدم استلزام الجواز لبطلان الوقف - بناءً على كون معنى الوقف هو الإبقاء لا المنع - وحينئذٍ فالمنافي للوقفيّة هو نفس بيعه لا جوازه؛ إذ من المعلوم عدم منافاة البقاء والإبقاء؛ لجواز الذهاب.

ثم إنَّه ذكر البعضُ المتقدّم (3): إنّه في حكم الخراب ما لو وقف بستاناً، فزال عنوان البستانيّة؛ حيث إنّ الوقفيَّة تعلّقت بالعنوان، فترتفع بانتفائه.

وهذا الكلام منه في غاية البعد؛ حيث إنّ الوقفيَّة ليست دائرة مدار العنوان؛ لأنّ الشيء

ص: 296


1- ينظر: النجفي، جواهر الكلام 358/22.
2- ينظر: النجفي، جواهر الكلام 358/22 .
3- المصدر نفسه.

بمجرّد تعلّق الوقفيّة به يصير ملكاً للموقوف عليه بجميع أجزائه، فتصير ذوات الأراضي، والأشجار والأحجار ، وغيرها مملوكة له، والملكيّة لا تعود حتّى تصير مورداً لدورانها بين كونها مملوكة للواقف أو غيره.

الصورة الثالثة: ما لو كان البيع أنفع وأعود للموقوف عليه الموجود، أو المعدوم، أو هما، ونتكلّم في أخص الصور - ويتضح حال الباقي [بملاحظتها] (1)- وهي الأخيرة، فنقول:

مقتضی القاعدة عدم الجواز، ولا دليل عليه أصلاً إلا روايتان(2) يتخيل دلالتهما على الجواز، وانطباقهما على المدعى، وكلاهما في محلّ المنع ، مضافاً إلى ضعف السند؛ حيث إنّ

ص: 297


1- ما في المخطوط (بملاحظة)، والمناسب ما أثبتناه.
2- الأولى عن جعفر بن حيّان قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقف غلّة له على قرابة من أبيه، وقرابة من أمّه، وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلّة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمّه؟ قال: جائز للذي أوصى له بذلك، قلت: أرأيت إن لم يخرج من غلّة الأرض التي وقعها إلا خمسمائة درهم؟ فقال: أليس في وصيّته أن يعطى الذي أوصى له من الغلّة ثلاثمائة درهم، ويقسم الباقي على قرابته من أمّه وقرابته من أبيه؟ قلت: نعم، قال: ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئاً حتّى يوفى الموصى له بثلاثمائة درهم، ثم لهم ما يبقى بعد ذلك، قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له، قال: إن مات كانت الثلاثمائة درهم ،لورثته، يتوارثونها ما بقي أحد، فإذا انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت تردّ إلى ما يخرج من الوقف، ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلّة، قلت: فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ، ولم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال: نعم، إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيراً لهم باعوا» . الكليني، الكافي: 7 /35 ، باب ما يجوز من الوقف والصدقة والنحل والهبة ... ح 29. والثانية لعلها : عن علي بن مهزيار، قال: «كتبت إلى أبي جعفر (علیه السلام) : إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فوقفها، وجعل لك في الوقف الخمس، ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، أو يقومها على نفسه بما اشتراها به، أو يدعها موقوفة؟ فكتب (علیه السلام) إليَّ: أعلم فلاناً أني آمره ببيع حقي من الضيعة، وإيصال ثمن ذلك إليَّ، وإن ذلك رأيي إن شاء الله، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له. وكتبت إليه: إنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً، وأنَّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف، ويدفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته؟ فكتب بخطه إليَّ: وأعلمه أن رأيي له إنْ كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف، أن يبيع الوقف أمثل، فإنه ربّما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال والنفوس ». المصدر نفسه ح 30 .

راوي الأولى جعفر بن حبان، وليس [له] (1) في كتب الرجال عين ولا أثر، وكذلك لو كان الراوي جعفر بن حيان - بالمثناة التحتيّة -؛ حيث إنّه ضعيف (2) ، والثانية مرسلة أو مكاتبة.

وحاصل الكلام في ردّهما، إنَّهما:

أولاً: ضعيفا السند.

وثانياً: إنّ خبر جعفر بن حيان مشتمل على ما لا يقول به أحد؛ بمقتضى ظاهر الجواب، وهو قوله (علیه السلام): «نعم، إذا رضوا وكان البيع خيراً لهم»؛ حيث إنَّ سَوق الكلام يشهد بأنّ المراد بالخيرية: هو مجرّد الداعي الذي يبعث الفاعل على العمل، فيكون بياناً للواقع، فكأنّه قال: إذا كان الأمر كما ذكرت من رضاهم، ويكون البيع خيراً لهم يجوز البيع، وقوله [علیه السلام]: «نعم»، الظاهر في تصديق السائل فيما ذكره أقوى قرينة على عدم كون الكلام مسوقاً لبيان الشرط التعبّدي، وإلا لم يكن ذلك تصديقاً له.

فمقتضى الخبر - حينئذٍ - كفاية مجرّد الحاجة في البيع، ولم يقلْ به أحد، فلا بُدَّ من اشتراط شيء آخر ، فلا يكون مطابقاً لمدّعى المفيد على ما نسب إليه(3).

وهكذا الكلام في رواية الحميري (4)؛ حيث إنّ ظاهرها، بل صريحها الاكتفاء بمجرّد الأصلحيّة، بل جواز بيع كل من الموقوف عليه، ولا يعلم القائل بها، مع أنّ ظاهرها جواز بيع الموقوف عليهم لأنفسهم لا شراء شيء في مقابله، وهو خلاف القاعدة.

الصورة الرابعة: أن يشترط الواقف بيع [العين] الموقوفة عند طروّ الخراب عليها، أو عند جور الظالم عليهم بسببها ، أو عند الاحتياج، وغير ذلك، فهل يصح الشرط المذكور، ويلزم العمل بمقتضاه، أو يكون باطلاً؟ وعلى الأخير، فهل يكون الوقف - أيضاً - باطلاً أم لا؟

ص: 298


1- ما في المخطوط : (منه)، والمناسب ما أثبتناه.
2- لم يوثق في كتب الرجال ينظر: الطوسي، الأبواب (رجال الطوسي): 334، ت: 4967؛ الأردبيلي، جامع الرواة: 151/1 ، التفرشي ، نقد الرجال : 1 / 342 ت: 23.
3- نسبه للمفيد الشيخ الأعظم في المكاسب : 4 / 82.
4- ينظر: الطبرسي، الاحتجاج : 312/2 .

وقد اختلف فيه: بعضهم رجَّح صحّته (1)، وآخر عدمه (2)، وصار محل الإشكال عند آخر (3).

وفهم العلّامة في القواعد على ما حكي عنه (4) : (ولو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج وشبهه، وشراء غيره بثمنه، أو عند خرابه وعطلته، أو خروجه عن حدّ الانتفاع، أو قلّة نفعه، ففي صحة الشرط إشكال، ومع البطلان، ففي إبطال الوقف نظرٌ )(5).

وذكر المحقق الثاني في أثناء كلماته في شرح العبارة ما لفظه: (والتحقيق: إنّ كلَّ موضع يجوز فيه بيع الوقف يجوز اشتراط البيع في العقد إذا بلغ الوقف [ تلك الحالة؛ لأنَّه ] (6) شرط مؤكد، وليس بمنافٍ، وما لا ، فلا للمنافاة ) (7).

وحاصلُ مراده غيرُ متّضحٍ ؛ حيث إنّه إنْ كان الشرط منافياً لمقتضى العقد، فالجواز الشرعي لا يرفع المنافاة التي في إنشاء الواقف؛ إذ لا تلازم بين الجواز وعدم المنافاة، وإنْ لم يكن منافياً يجوز في غير صورة جواز البيع أيضاً؛ بمقتضى عموم أدلّة الشروط.

إلا أنْ يُقال : إنَّ غرضه ليس رفع الجواز الشرعي للمنافاة، بل عدم المنافاة في هذه الصور من جهة كون الشرط موافقاً لغرض الواقف، وغرضه من حبس العين في الصور الجائز فيها بيع الوقف هو بقاء الوقف نفسه، أو بدله.

فشرط البيع واشتراء البدل بثمنه غير مناف لوقفيّة العين، ويرشد إلى ما ذكرنا تمسّكه في الموارد المجوّزة بغرض الواقف، ويرشد إلى ما ذكرنا - أيضاً - قوله بعد ما حكيناه عنه.

ص: 299


1- ينظر: المحقق الكركي، جامع المقاصد: 73/9.
2- ينظر : المحقق البحراني، الحدائق الناضرة : 22 / 134 .
3- ينظر: العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 395/2؛ الأعرج، كنز الفوائد : 2/ 130 .
4- الحاكي عن العلّامة الحلي في قواعد الأحكام هو : الشيخ الأنصاري في المكاسب : 4 / 84.
5- العلّامة الحلي، قواعد الأحكام: 395/2 . وفيه : بدل (عند الضرورة) (عند التضرر).
6- ما في المخطوط : (... ملك لا ...)، وما أثبتناه من المصدر.
7- المحقق الكركي، جامع المقاصد : 73/9 .

فإن قيل: لِمَ لا يصح حبساً ؟

قلنا: لأنَّ اشتراط شراء شيء بثمنه منافٍ لذلك؛ حيث إنّه يدل على أنّ الشرط ليس بيعه الموقوف عليهم لأنفسهم، بل الشرط تبديله بشيء آخر ، فلا يكون الشرط المذكور منافياً لغرضه.

ويُمكن أنْ يكون وجه تخصيصه صحة الشرط بهذه الصور، من جهة عدم كون مفاد الوقف هو الحبس الدائمي حتّى يكون الشرط منافياً؛ لأنَّ المُنْشأ بعدما علم بجواز البيع شرعاً لا يُنْشئ الحبس الدائمي.

وفيه: إنّ الحكم الشرعي لا يوجب عدم تحقق الحبس المذكور من الواقف، كيف والحال إنّ موضوع الحكم هو الحبس الدائمي ؟! مع أنَّه يُمكن غفلته، أو جهله بالحكم الشرعي.

وكيف كان منشأ الإشكال في صحة الشرط المزبور، إمّا منافاته لمقتضى الوقف ومدلوله - بناءً على أنَّ مدلوله هو الحبس الدائمي - والمنع عن طروّ [المنافي](1) عليه، أو منافاته للأحكام العرفيَّة، أو لأحكامه الشرعيّة.

وعلى الأول : لا يتحقق موضوع دليل إمضاء الوقف، وهو قوله [علیه السلام]: «الوقوف على حسب ما يوقفها»؛ لأنّ المُنْشأ بعدما قصد إلى إنشاء المتضادّين، وأنشأهما لم يتحقق عنوان الوقف في الخارج حتّى يتعلّق به الحكم الشرعي كعدم تحقّق البيع في قول القائل: بعثك بلا ثمن. بناءً على عدم كون قوله : (بلا ثمن) قرينة لإرادة الهبة من قوله : (بعتُك).

وعلى الثاني: يُمكن أن يرجع إلى هذا، وإلى ما نذكره في الثالث، وهو كون الشرط مخالفاً للمنشأ، فيكون باطلاً، هذا في صورة العلم بمدلول الوقف.

وأمّا لو لم يعلم مدلول الوقف بتمامه، ويكون الدوام والمنع مأخوذاً فيه، إمّا بالمطابقة، أو التضمّن أو الالتزام، فهل يُمكن التمسّك بالعمومات الدالّة على صحة الوقف، والحكم

ص: 300


1- يوجد بياض في المخطوط بمقدار كلمة واحدة . ولعل المقصود ما أثبتناه.

بصحة الوقف المذكور أم لا؟

الأظهر جواز التمسّك بقوله [علیه السلام]: «المؤمنون عند شروطهم »(1) من هذه الجهة.

وأمّا التمسّك بقوله (علیه السلام) : ( الوقوف ... إلخ » فيه إشكال؛ حيث إنّ التمسك مبنيٌّ على إحراز موضوعه - وهي الوقفيّة - ولا يجوز التمسك به مع الشك في تحقق الموضوع؛ للزوم التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا بُدَّ من إحراز الوقفيّة وتحققها في الخارج حتّى يتحقق الموضوع، فبعد إنشاء الواقف الوقف المشروط بذلك، لا نعلم إيجاده عقد الوقف في الخارج، فلا يتحقق موضوع الدليل الموقوف تحقّقه على أمرين:

أحدهما قصده إلى ايجاد الوقفيّة في مقام الإنشاء.

والثاني: عدم إنشائه المنافي لذلك بعده، الموجب لعدم تحقق الوقفيّة في الخارج.

أمّا الأول: فالظاهر تحقّقه في هذه الصورة؛ حيث إنّ الواقف - ولو فرضنا عدم علمه بمعنى الوقف تفصيلاً - يكون بصدد إنشاء ما هو المركوز في ذهنه الثابت في أيدي الناس بمقتضى ظاهر لفظه، فيحمل عليه ؛ عملاً بأصالة الحقيقة، وليس الحال فيما نحن فيه كالحال في قول القائل: بعتُك بلا ثمن حتّى يحتمل كون الثاني قرينة على عدم إرادة البيع من الأول؛ لأنّ الكلام في كون الواقف بصدد إنشاء الوقفيّة والشرط المذكور من جهة عدم علمه بمنافاته لمدلول العقد، والاحتمال المذكور بعيدٌ فيه، فكيف فيما نحن فيه؟!

أمّا الثاني : فهل يكفي فيه بمجرّد صدور إنشاء الوقف منه، مع عدم العلم بصدور المنافي منه، بناءً على أنّ الوقفَ وعقدَه - عرفاً - هو نفس إنشاء الواقف، وقد تحقّق، فيلزم العمل بمقتضاه بمقتضى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) . وغيره (3)، أو يجب إحراز أصل عدم المنافي؛ لأنَّ العقد - عرفاً - عبارة عن تمام ما أنشأه الواقف، وقوله: (وقفتُ) ليس إلا جزء العقد،

ص: 301


1- تقدم تخريجه في ص 29 .
2- سورة المائدة : 1 .
3- ومنها : قوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «المؤمنون عند شروطهم». المتقدّم.

والممضى هو تمام العقد، أو لا يكفي الأصل - أيضاً - بناءً على جريان ما احتملناه في قوله: (بعتك بلا ثمن) ؟

هنا لا إشكال في عدم الاكتفاء بالأول مجرّداً، وإنَّما الإشكال في الثاني حيث (1)...

ص: 302


1- هذا آخر المخطوط، ولم يتم المطلب فيه، حسب النسخة التي بين أيدينا.

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم

(أ)

ابن إدريس أبو عبد الله محمد بن إدريس (ت: 598ه-).

1) السرائر ، تحقيق وتقديم : محمد مهدي الموسوي الخرسان، ط 1، 1429ه-، نشر: العتبة العلوية المقدسة.

ابن الأثير ، مجد الدين المبارك بن محمّد بن محمّد (ت: 606 ه-)

2) النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطنا حی،ط 4، 1364ش، نشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع بقم المقدسة.

الأردبيلي، محمد بن علي (ت: 1101ه-).

3) جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والاسناد نشر: مكتبة المحمدي (د. بقيّة مع).

الأعرجي، عميد الدين عبد المطلب بن محمد (ت: 754ه-).

4) كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، ط 1، 1416ه-.

الأنصاري، مرتضى بن محمد أمين (ت: 1281ه-).

5) كتاب المكاسب، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ط 1، 1415ه-، مطبعة: باقري بقم المقدسة، نشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

ص: 303

6) كتاب الخمس تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ط 1، 1415ه-، مطبعة: باقري بقم المقدسة، نشر : المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

7)كتاب الطهارة، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ط3، 1428ه-، مطبعة: خاتم الأنبياء بقم المقدسة، نشر : مجمع الفكر الإسلامي بقم المقدسة.

(ب)

البيهقي، أحمد بن الحسين (ت: 458ه-).

8) السنن الكبرى نشر دار الفكر (د . بقيّة مع).

(ت)

 التفرشي، مصطفى بن الحسين الحسيني (ق11).

9) نقد الرجال، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المقدسة، ط1، 1418ه-، مطبعة: ستاره بقم المقدسة.

(ج)

الجناجي، جعفر بن خضر :(ت: 1228 ه- أو غيرها).

10) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، تحقيق: عباس التبريزيان ومحمد رضا الذاكري وعبد الحليم الحلي، ط 1 ، 1422ه-، مطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي، نشر : مركز انتشارات مكتب التبليغات الإسلامي.

11)شرح القواعد (كتاب المتاجر)، تحقيق: محمد حسين الرضوي الكشميري، ط1، 1422ه-، مطبعة: سرور، نشر انتشارات سعید بن جبير توزيع مكتبة الصفا بقم : المقدسة.

ابن أبي جمهور، محمد بن علي الأحسائي (ت: نحو 880 ه-).

12) عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق: مجتبى العراقي، ط1، 1983 ه-، مطبعة: سيد الشهداء بقم المقدسة.

ص: 304

(ح)

الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت: 405 ه- ) .

13)المستدرك على الصحيحين إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة ببيروت (د. بقيّة مع).

الحلبي، حمزة بن علي بن زهرة (ت: 585ه-).

14) غنية النزوع، تحقيق : إبراهيم البهادري، ط 1 ، 1417ه-، مطبعة: اعتماد بقم المقدسة، نشر : مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، توزيع مكتبة التوحيد.

الحلي، يحيى بن سعيد (ت: 690 ه-، أو غيرها).

15) الجامع للشرائع، تحقيق: جمع من الفضلاء، 1405ه-، مطبعة: المطبعة العلمية بقم المقدسة، نشر : مؤسسة سيد الشهداء - العلمية.

16) نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر ، تحقيق: أحمد الاشكوري ونور الدين الواعظي ، 1386ه-، مطبعة: الآداب في النجف الأشرف.

ابن حمزة الطوسي، أبو جعفر محمد بن علي (ت: 560ه-).

17) الوسيلة إلى نيل الفضيلة، تحقيق: محمد الحسون، ط 1 ، 1408ه-، مطبعة: الخيام بقم المقدسة، نشر منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي .

 الحميري القمي، أبو العباس عبد الله بن جعفر (ق3).

18) قرب الإسناد، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)لإحياء التراث بقم المقدسة، ط 1 ، 1413ه-، مطبعة: مهر بقم المقدسة.

ابن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد (ت: 241ه-).

19) مسند أحمد ، نشر: دار صادر بيروت (د. بقيّة مع).

ص: 305

(خ)

الخلخالي محمد كاظم (ت: 1336ه- ) .

20) فقه الإمامية - قسم الخيارات (تقرير لبحث الميرزا حبيب الله الرشتي)، ط1، 1407ه-، مطبعة: سيد الشهداء (علیه السلام)، نشر : مكتبة الداوري.

(ر)

الروزدري، علي (ت: 1290ه-).

21)تقریرات آية الله المجدّد الشيرازي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المقدسة، ط1، 1409ه-.

(ز)

الزمخشري ، أبو القاسم محمود بن عمر (ت: 538ه-).

22) أساس البلاغة، نشر: دار ومطابع الشعب بالقاهرة، 1960م.

(س)

السبزواري، محمد باقر بن محمد مؤمن (ت: 1090ه- ) .

23) كفاية الأحكام، تحقيق: مرتضى الواعظي الأراكي، ط1، 1423ه-، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

السمرقندي، محمد بن أحمد بن أبي أحمد (ت: 539ه-).

24) تحفة الفقهاء، ط 2 ، 1414ه-، نشر : دار الكتب العلمية ببيروت.

 السيد المجاهد محمد بن علي بن محمد (ت: 1245ه-).

25) مفاتيح الأصول (حجريّة).

السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت: 436ه-).

26) الانتصار، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم

ص: 306

المقدسة، 1415ه-.

السيوري جمال الدين مقداد بن عبد الله الحلي (ت: 826ه-).

27) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، تحقيق: عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري، 1404ه-، مطبعة: الخيام بقم المقدسة، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة بقم المقدسة.

(ش)

الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس (ت: 204ه-).

28) كتاب الأم ، ط 2 ، 1403ه-، نشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

 ابن شعبة الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين (ق4).

29) تحف العقول عن آل الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط2، 1404ه-، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة.

الشهيد الأول، أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي (ت: 768ه-).

30) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط 1، 1419ه-، مطبعة: ستاره بقم المقدسة .

31) البيان، تحقيق: محمد الحسون، ط 1، 1412ه-، مطبعة: صدر بقم المقدسة.

32) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، تحقيق: رضا المختاري وعلي أكبر زماني نجاد وعلي المختاري وأبو الحسن المطلبي، ط 1، 1414ه-، مطبعة: مكتبة الإعلام الإسلامي بقم المقدسة، نشر : مركز الأبحاث الإسلامي بقم المقدسة.

33) الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، ط 2 ، 1417ه-.

34) اللمعة الدمشقية، ط 1 ، 1411ه-، مطبعة : قدس بقم المقدسة، نشر: منشورات دار الفكر بقم المقدسة.

ص: 307

35) القواعد والفوائد، تحقيق: عبد الهادي الحكيم نشر : مكتبة المفيد بقم المقدسة.

الشهيد الثاني محمد بن جمال الدين مكي العاملي (ت: 965ه-).

36) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية، تحقيق: محمد کلانتر، 1398ه-، نشر : منشورات جامعة النجف الدينية.

37) روض الجنان ،تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، ط1، 1422ه-، نشر: بوستان كتاب بقم المقدسة.

38) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، تحقيق: مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، مطبعة: بهمن بقم المقدسة، نشر : مؤسسة المعارف الإسلامية بقم المقدّسة.

39)حاشية المختصر النافع، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، ط1، 1422ه-، مطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي .

40) رسائل الشهيد الثاني، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية --- قسم إحياء التراث الإسلامي - المشرف على التحقيق رضا المختاري، ط 1 ، 1421ه-، مطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي، نشر : مركز انتشارات مكتب التبليغات الإسلامي بقم المقدسة.

41 ) حاشية شرائع الإسلام، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قسم إحياء التراث الإسلامي، ط 1 ، 1422ه-، مطبعة: مكتبة مكتب الإعلام الإسلامي، نشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

42) تمهيد القواعد تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي /خراسان الرضوي، ط2، 1429ه-، طبع ونشر مؤسسة بستان كتاب، مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

43) فوائد القواعد، تحقيق: أبو الحسن المطلبي / مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية قسم إحياء التراث الإسلامي، 1419ه-، مطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، نشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي بقم المقدسة.

ص: 308

(ص)

أبو الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم (ت: 447ه-) .

45) الكافي في الفقه، تحقيق: رضا استاذي نشر : مكتبة أمير المؤمنين علي (علیه السلام) العامة في أصفهان.

 الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي (ت: 381ه-).

40) من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط2، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

46) الهداية، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام)، ط 1، 1418ه-، مطبعة: اعتماد قم المقدسة.

47) كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، 1363ش، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

 الصيمري، مفلح بن الحسن بن رشيد البحراني (ت: 900ه-).

48) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق: جعفر الكوثراني العاملي، ط 1، 1420ه-، نشر: دار الهادي.

49) تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف، تحقيق: مهدي الرجائي، ط 1 ، 1408ه-، مطبعة: سيد الشهداء بقم المقدسة، نشر : مكتبة آية الله المرعشي النجفي بقم المقدسة.

(ط)

الطباطبائي، علي بن محمد علي (ت: 1231ه- ) .

50) رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التبعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، ط 1، 1412ه-.

الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت: 548ه-).

ص: 309

51) الاحتجاج، تعليق وملاحظات: محمد باقر الخرسان، 1386ه-، نشر: دار النعمان للطباعة والنشر بالنجف الأشرف.

52) المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف، تحقيق: جمع من الأساتذة، ط 1، 1410ه-، مطبعة: سيد الشهداء (علیه السلام)، نشر : مجمع البحوث الإسلامية بمشهد المقدسة.

الطبرسي، ميرزا حسين النوري (ت: 1320ه-)

53) مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)لإحياء التراث ببيروت، ط 1، 1408ه-.

الطريحي، فخر الدين بن محمد بن علي (ت: 1085 ه- أو غيرها).

54) مجمع البحرين، ط 2 ، 1362ش، مطبعة: جايخانة طراوت، نشر مرتضوي.

الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت: 460 ه-)

55) الاستبصار تحقيق وتعليق حسن الموسوي الخرسان، ط4 ، 1363ه-، مطبعة: خورشید، نشر دار: الكتب الإسلامية بطهران.

56) الخلاف، تحقيق: جماعة من المحققين، 1407ه-، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة.

57) تهذيب الأحكام، تحقيق وتعليق: حسن الموسوي الخرسان، ط3، 1363ه-، مطبعة: خورشید، نشر: دار الكتب الإسلامية بطهران.

58) المبسوط، تصحيح وتعليق: محمد تقي الكشفي ، 1387ه-، مطبعة: الحيدرية، نشر : المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

59) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، نشر: انتشارات قدس محمدي بقم المقدسة (د. بقيّة مع).

الطهراني، آقا بزرك محمد محسن بن علي (ت: 1389ه-).

60) الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ط 3 ، 1403ه-، نشر: دار الأضواء ببيروت .

ص: 310

(ع)

العاملي، محمد بن علي الموسوي (ت: 1009ه-).

61)مدارك الأحكام، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بمشهد المقدسة، ط 1 ، 1410ه-، مطبعة مهر بقم المقدسة.

العاملي، محمد جواد الحسيني (ت: 1228ه-).

62)مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة تحقيق وتعليق: محمد باقر الخالصي، ط1، 1419ه-، طبع ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة.

العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف (ت: 726ه-)

63) إرشاد الأذهان، تحقيق: فارس الحسون ، ط 1، 1410ه-، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة .

64) تحرير الأحكام تحقيق إبراهيم البهادري، ط 1 ، 1420ه-، مطبعة: اعتماد بقم المقدسة، نشر : مؤسسة الصادق ، توزیع مكتبة التوحيد بقم المشرّفة.

65) تذكرة الفقهاء، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط1، 1414ه-، مطبعة: مهر بقم المقدسة.

66) وأمّا الطبعة القديمة فهي من منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء التراث الجعفري (حجريّة).

67) تحرير الأحكام، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ط 1 ، 1413ه-.

60) مختلف الشيعة، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ط 2، 1413ه-.

68) منتهى المطلب، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة بمشهد المقدسة، ط 1، 1412ه-، طبع ونشر: مؤسسة الطبع والنشر في الاستانة الرضوية المقدسة.

ص: 311

69) نهاية الإحكام، تحقيق: مهدي الرجائي، ط2 ، 1410ه-، نشر : مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع بقم المقدسة.

70) تلخيص المرام في معرفة الأحكام، تحقيق: هادي القبيسي، ط1، 1421ه-، مطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي، نشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي بقم المقدسة.

71) الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، 1363ش، مطبعة: الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، نشر انتشارات بیدار .

 آل عصفور حسين بن الشيخ محمد (ت: 1216ه-).

72) سداد العباد ورشاد العباد :تحقيق محسن آل عصفور، ط 1، 1421ه-، مطبعة: علمية بقم المقدسة، نشر المحلّاتي.

3) الأنوار اللوامع، تحقيق: محسن آل عصفور، مطبعة أمير بقم المقدسة، نشر: محقق.

علي بن جعفر (ق2) .

74) مسائل علي بن جعفر، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)لإحياء التراث بقم المقدسة، ط 1 ، 1409ه-، مطبعة: مهر بقم المقدسة، نشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا (علیه السلام) بمشهد المقدسة.

العياشي، محمد بن مسعود (ت: 320ه-).

75) تفسير العياشي، تحقيق: هاشم الرسولي المحلّاتي، نشر: المكتبة العلمية بطهران.

(غ)

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت: 505ه- ) .

76) إحياء علوم الدين، نشر دار الكتاب العربي ببيروت، (د. بقيّة مع).

ص: 312

(ف)

الفاضل الآبي، أبو علي الحسن بن أبي طالب (ت: 672ه- أو غيرها).

77) كشف الرموز في شرح المختصر النافع، تحقيق: علي بناه الاشتهاردي وآقا حسين اليزدي، 1408ه-، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

فخر المحققين، أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف (ت: 771ه-).

78) إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد تعليق حسين الموسوي الكرماني وعلي بناه الاشتهاردي وعبد الرحيم البروجردي، ط1 ، 1387ه-، مطبعة: العلمية بقم المقدسة.

الفاضل الشيباني، ماجد بن فلاح (ت: نحو 993ه-).

79 )رسالة في الخراج تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، ط 1، 1413ه-.

الفاضل الهندي، بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني (ت: 1137ه-).

80) كشف اللثام عن قواعد الأحكام، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، ط 1، 1416ه-.

ابن فهد الحلي، أبو العباس أحمد بن محمد (ت: 841 ه-).

81) المهذب البارع في شرح المختصر النافع، تحقيق: مجتبى العراقي، 1407ه-، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

82) المقتصر من شرح المختصر، تحقيق: مهدي الرجائي، ط 1، 1410ه-، مطبعة: سيد الشهداء (علیه السلام) بقم المقدسة، نشر : مجمع البحوث الإسلامية بمشهد المقدسة.

الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي (ت: 817ه-).

83) القاموس المحيط ، (د. بقيّة مع)

الفيض الكاشاني، محمد محسن بن المرتضى (ت: 1091ه-).

ص: 313

84) مفاتيح الشرائع، تحقيق: مهدي الرجائي، 1401ه-، مطبعة: الخيام بقم المقدسة، نشر مجمع الذخائر الإسلامية.

85) المحجة البيضاء، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط2، مطبعة: مهر بقم المقدسة، نشر : مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت: 770ه-).

86) المصباح المنير، نشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (د. بقيّة مع).

(ق)

القاضي ابن البراج، أبو القاسم عبد العزيز بن تحرير الطرابلسي (ت: 481ه-).

87) المهذب، إعداد: مؤسسة سيد الشهداء العلمية، 1406ه-، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

 ابن قدامة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد (ت: 620ه-).

88) المغني، نشر : دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع ببيروت، بعناية جماعة من العلماء.

 قطب الدين الراوندي، أبو الحسين سعيد بن هبة الله (ت: 573ه-).

89) فقه القرآن، تحقيق: أحمد الحسيني، ط2 ، 1405ه-، نشر : مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي.

القمي، علي بن محمد (ق7).

(90)جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق، تحقيق: حسين الحسيني البيرجندي، ط 1 ، مطبعة باسدار اسلام بقم المقدسة نشر: انتشارات زمینه سازان ظهور إمام عصر (عج).

(ک)

 كاشف الغطاء، علي بن محمد رضا بن الهادي (ت: 1253ه-).

ص: 314

91) شرح خيارات اللمعة، ط 1، 1422 ، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

92) النور الساطع في الفقه النافع، 1381ه- ، مطبعة: الآداب في النجف الأشرف.

الكاظمي، أسد الله الدزفولي التستري (ت: 1237 ه- أو غيرها).

93) مقابس الأنوار ونفايس الأسرار في أحكام النبي المختار وآله الأطهار، تصحيح ومقابلة: محمد علي، الشهير ب- ( سيد حاجي آقا) ابن المرحوم محمد الحسيني اليزدي.

الكليني، محمد بن يعقوب (ت: 329ه-).

94) الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط 5 ، 1363ش، مطبعة: حيدري، نشر: دار الكتب الإسلامية بطهران.

الكنتوري، إعجاز حسين (ت: 1286ه-).

95) كشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار ، ط2، 1409ه-، مطبعة: بهمن بقم المقدسة، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم المقدسة.

الكيدري، قطب الدين محمد بن الحسين (ق6).

96) إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، تحقيق: إبراهيم البهادري، ط1، 1416ه-، مطبعة اعتماد بقم المقدسة، نشر مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام).

(م)

الماوردي، علي بن محمد البغدادي (ت: 450ه-).

97) الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ط2، 1386ه-، مطبعة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاءهم – خلفاء، نشر توزيع دار التعاون للنشر والتوزيع عباس أحمد الباز بمكة المكرمة.

المجلسي الأول، محمد تقي بن مقصود علي (ت: 1070ه-).

ص: 315

98) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، نمّقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: حسين الموسوي الكرماني وعلي بناه الاشتهاردي، نشر بنياد فرهنك اسلامي حاج محمد حسین کوشانيور.

 المحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد (ت: 993ه-)

99) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان تحقيق: مجتبى العراقي وعلي بناه الاشتهاردي، آقا حسين اليزدي الأصفهاني، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

المحقق البحراني، يوسف بن أحمد (ت: 1186ه-)

100) الحدائق الناضرة، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة .(د. بقيّة مع).

 المحقق الحلي، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (ت: 676ه-)

101) المختصر النافع، ط 2 / 3 ، 1402 ه- و 1410ه-، نشر : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة بطهران.

102) المعتبر، تحقيق وتصحيح عدد من الأفاضل، 1364ش، مطبعة: مدرسة أمير المؤمنين(علیه السلام) ، نشر : مؤسسة سيد الشهداء (علیه السلام) بقم المقدسة .

103) شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق: صادق الشيرازي، ط 2 ، 1409ه-، مطبعة: أمير بقم المقدسة، نشر: انتشارات استقلال بطهران.

104) النهاية ونكتها، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، ط 1، 1412ه-.

105) المسائل الطبرية (ضمن الرسائل التسع)، تحقيق: رضا الأستادي، ط 1، 1413ه-، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم المقدسة.

 المحقق الكركي علي بن الحسين (ت: 940ه-)

ص: 316

106) جامع المقاصد، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المقدسة، ط 1 ، 1408ه-، مطبعة: المهدوية بقم المقدسة .

107) قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج (الخراجيات)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين قم المقدسة، ط 1، 1413ه-.

108) رسالة الخيار في البيع (ضمن رسائل المحقق الكركي)، تحقيق: محمد الحسون، ط1، 1409ه-، مطبعة: الخيام بقم المقدسة، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم المقدسة.

109) رسالة في الأرض المندرسة (ضمن رسائل المحقق الكركي)، تحقيق: محمد الحسون، ط 1، 1409ه-، مطبعة: الخيام بقم المقدسة، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم المقدسة .

المغربي، أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور (ت: 363ه-).

110) دعائم الإسلام، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، 1383ه-، نشر : دار المعارف بالقاهرة.

المدني، علي خان ابن الأمير نظام الدين أحمد (ت: 1120ه-)

111) رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (علیه السلام)، تحقيق: محسن الحسيني الأميني، ط4، 1415ه-، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.

المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ت: 413ه-).

112) المقنعة، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، ط 2 ، 1410ه-.

الميرزا القمي، أبو القاسم بن محمد حسن بن نظر عليّ (ت: 1231ه-).

113) غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، تحقيق: عباس تبريزيان وعبد الحليم الحلي

ص: 317

وجواد الحسيني، ط 1، 1417ه-، نشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم (ت: 711ه-)

114) لسان العرب، 1405ه-، نشر : أدب الحوزة.

(ن)

النجفي، محمد حسن بن الشيخ باقر (ت: 1266ه-).

115) جواهر الكلام تحقيق وتعليق: عباس القوجاني، ط2، 1365ه-، مطبعة: خورشید، نشر: دار الكتب الإسلامية بطهران.

النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد (ت: 450ه-).

116) فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي ) ، ط 5، 1416ه-، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.

النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي (ت: 303ه-).

117) السنن الكبرى، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن ،ط1، 1411ه-، نشر : دار الكتب العلمية ببيروت.

النراقي، أحمد بن محمد مهدي (ت: 1245 ه- أو غيرها).

118) مستند الشيعة، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المقدسة، ط 1 ، 1415ه-، مطبعة: ستاره بقم المقدسة.

النراقي، عبد الصاحب المولى محمد بن أحمد (ت: 1297).

119) مشارق الأحكام تحقيق حسين الوحدتي الشبيري، ط2، 1422ه-، مطبعة: سلمان الفارسي بقم المقدسة، نشر : مؤتمر المولى مهدي النراقي.

النراقي، محمد مهدي بن أبي ذر (ت: 1209ه-).

120) معتمد الشيعة في أحكام الشريعة، تحقيق: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني،

ص: 318

ط 1، 1422ه-، مطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، نشر : مؤتمر المولى مهدي النراقي.

النعماني، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم (ابن أبي زينب) (ت ح: 380ه-).

121) الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم، ط 1 ، 1422ه-، مطبعة: مهر بقم المقدسة، نشر: أنوار الهدى بقم المقدسة.

النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي (ت: 676ه-).

122) روضة الطالبين تحقيق عادل أحمد عبد الموجود و علي محمد معوض، نشر: دار الكتب العلمية ببيروت.

123) المجموع شرح المهذب، نشر: دار الفكر، (د. بقيّة مع).

(ه-)

الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت: 975 ه-).

124) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير: بكري حياني، تصحيح وفهرسة : صفوة السقا، 1409ه-، نشر : مؤسسة الرسالة ببيروت

(و)

الوحيد البهبهاني محمد باقر بن محمّد أكمل (ت: 1205ه-).

125) مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، تحقيق ونشر: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني، ط 1 ، 1424ه-.

126) حاشية مجمع الفائدة، تحقيق ونشر: مؤسسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني، ط 1، 1417ه-، مطبعة: أمير.

ص: 319

ص: 320

الفهرس

ص: 321

ص: 322

فهرس الموضوعات

مقدمة المركز ...7

مقدمة التحقيق ...13

كتابُ البيع ...25

[ تعريف البيع ]...26

[ الحقيقية الشرعيّة أو المتشرعيّة للبيع ]...28

[ شرح المعنى الاسمي للبيع]...28

[إيرادات على تعريف البيع]...28

[ تعريف البيع عند المصنّف ] ...30

[ معنى المال في تعريف البيع ]...30

(في أنه هل يعتبر في البيع صيغة خاصة أم لا؟)...31

(في عقد الأخرس)...33

(الكلام الثاني : في صور إشارة الأخرس )...34

[المختار في المسألة]...34

[في اعتبار المادة والهيئة ونحوهما في الصيغة ] ...35

(حكم ما لو وقع العقد بالكناية والمجاز ونحو ذلك )...35

(في لفظ الإيجاب)...37

(في لفظ القبول)...38

( في تقديم الإيجاب على القبول )...39

[ شرطيّة الترتيب بين الإيجاب والقبول في العقد الجائز]...41

ص: 323

[ في اعتبار الموالاة في العقد )...43

(في اعتبار الموالاة في ردِّ السلام)...44

( في اعتبار التنجيز في العقد)...44

[ الكلام في التعليق على ما يكون مصحّحاً في العقد]...47

[في التعليق اللّازم من الكلام والتعليق على المشيئة]...47

[التحقيق في المسألة]...48

[إيرادات على مانعيّة التعليق ]...48

[ شرطيّة التطابق بين الإيجاب والقبول في العقده]...48

(في أوصاف المتعاقدين)...49

( في اختلاف المتعاقدين في الاجتهاد والتقليد)...51

[مختار المصنف من الوجوه المتقدّمة]...53

[ شرطيّة تعقيب الإيجاب بالقبول في العقد]...53

( في حكم المقبوض بالبيع الفاسد وأدلة الضمان)...54

( في معنى حديث على اليد ...)...55

( في قاعدة: كلُّ عقد يضمن بصحيحه يضمنُ بفاسده)...56

(في بيان المراد من العقد) ...57

( في معنى لفظ الضمان )...59

[في معنى الباء في بصحيحه]...59

[الكلامُ في مَدْرَكِ القاعدة)...60

[إيرادات على دليل الإقدام]...62

[ الكلام في الاستدلال بحديث : «حرمة مال المسلم» على المطلوب]...63

[إيرادٌ على دليليّة الرواية ]...64

[الكلام في دلالة حديث: «لا يحلّ مال امرئ» على المطلوب] ...65

[الكلام في الاستدلال بالآيات الشريفة على المطلوب ]...66

[ الكلام في دلالة حديث «لا ضرر» على المطلوب]...66

ص: 324

( في تحقق الضمان في أنواع متعلّق العقد)...67

( في بيان عكس القاعدة)...69

(بعض النقوض على القاعدة وعلى عكسها )...75

(إشكالٌ والجواب عنه)...81

(في تعاقب الأيدي)...82

[ الكلامُ في دخول بعض العقود تحت قاعدة ما يضمن]...83

المقام الثالث: في بعض الأمور المتفرّعة على المقبوض بالبيع الفاسد...85

( في تأسيس الأصل في المثلي وضابطه )...92

( في الأصل اللفظيّ في المثلي)...97

(في شواهد كون الغاية غايةً للعهدة)...98

( في طريقة العرف وأنها المماثلة من جميع الجهات)...98

(حاصل طريقة العرف في الضمان )...100

[إيرادٌ ودفعٌ]...102

(التحقيق في المقام )...104

[بيان في عدّ المنسوجات والعملات النقديّة من المثليات]...105

[ الإشكال على البيان المتقدم]...106

[ الكلام في تعذّر المثل في المثلي ]...106

( في معارضة قاعدة الضرر لقاعدة السلطنة)...107

(صور تعذّر المثل)...109

( في أنه هل الانتقال إلى القيمة بمجرد التعذّر أم لا؟)...110

[حكم الاحتمالات في المسألة]...115

ف- (المحصل من هذه الاحتمالات سبعة )...118

( فيما لو تعذّر المثل ابتداءً لا بعد وجوده)...118

[ الآراء في معنى الإعواز والتوفيق بينها ] ...120

[ المطالبة بالمثل مع التعدّر ؛ لقاعدة السلطنة ] ...120

ص: 325

[ المدرك في كفاية التعذّر العرفي]...121

[ المدرك على ثبوت القيمة حال تعدّر المثل] ...121

[ الأوجه من الوجوه، والإشكال عليه، وردَّه] ...125

( من الحِيَل للفرار عن الرِّبا )...127

(مسألةٌ ذكرها الفقهاء)...129

[ قولان آخران في شرطية عدم الزيادة ] ...131

(مسألةٌ في بيع الصرف)...135

( في شرطيّة التقابض)...138

[بيانٌ لشيئين ]...143

[الكلام في بعض ما يتعلّق ببيع الصرف]...144

مسائل عشرون ...151

(في تعارض الاسم والإشارة )...152

( في خيار العيب وأحكامه وفروعه)...157

( في مسقطات خيار العيب )...160

[ما يسقط به الأرش والردّ]...160

[ الكلام في ما يسقط به الردّ دون الأرش]...169

(ما يُسقط الأرش دون الردّ)...175

(الكلام في أصل مسألة خيار العيب )...181

(فيما لو حدث العيب أو التلف عند المشتري)...185

[مسألةٌ : في بيع الدرهم بدرهم مع اشتراط الصياغة]...193

[ الكلام في بيع الأواني الذهبيّة والفضيّة ]...197

( في مشكلات خيار المجلس : فيما لو أُكره كلٌّ منهما)...201

(فيما لو أُكره أحدهما)...204

(صورة ما لو مات أحدهما في المجلس)...207

(في خيار الحيوان )...209

ص: 326

[ الكلام في من له الخيار ] ...210

[ الكلام في مبدأ الخيار ] ...214

[ الكلام في مسقطات خيار الحيوان]...216

(الكلام في ولاية عدول المؤمنين )...221

(في موارد أصالة الصحة والضابط فيها)...224

(مسألةٌ في شرائط العوضين)...227

( في أقسام الأراضي وأحكامها) ...229

[أولاً]: ( في الموات وأنها ملكُ الإمام) ...229

[ثانياً: الأرضُ الموات التي سبق إليها ملْك أحد]...239

[ الكلام في أحكام الأرض المفتوحة عنوةً]...241

[الكلام في حكم بقيّة أقسام الأرضين]...246

[ الكلام في التصرّف - غير البيع - في الأرض الخراجية زمن الحضور]...253

[ الكلام في التصرّفات - غير البيع - في الأرض الخراجيّة زمان الغيبة]...257

(وجوه صحة التصرّف في هذه الأراضي )...258

(أدلة الوجه الأول)...259

[الكلام في حليّة جوائز السلطان لنفوذ التقبّل منه ]...265

[ الكلام فيما ينفصل من الأراضي ]...271

[ الكلام في تحديد الأرض الخراجيّة، وما العمل حال الشك؟]...273

(في مسألة بيع الوقف )...275

(عدم جواز بیع الوقف)...276

(صورُ ما خَرَجَ عن أصالة منْع بيع الوَقف)...279

[الكلام في ثمن الموقوف، هل ينحصرُ بالموجودين أم يتعداهم؟]...288

[ الكلام في لزوم شراء الأقرب فالأقرب إلى الموقوف]...291

[الكلام في متولّي بيع الموقوف]...295

قائمة المصادر والمراجع ...303

ص: 327

إصدارات مركز تراث سامراء

1. كتاب «رسالة حدوث العالم» تأليف الشيخ محمد باقر الاصطهباناتي (قُدِّسَ سِرُّهُ)(طبع لأول مرة).

2. کتاب «معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر» للميرزا حسين النوري (قُدِّسَ سِرُّهُ)(طبع لأول مرة).

3.کتاب «مقدمة الذريعة إلى تصانيف الشيعة»، للشيخ آقا بزرك الطهراني ، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

4 . كتاب «رسائل من إفادات المجدّد الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ)»، تحقيق الشيخ مسلم الرضائي (طبع لأول مرة).

5. کتاب «رسالة في أحكام الجبائر»، بقلم السيد محمد الساروي، تحقيق مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

6. کتاب رسالة في «حكم الخلل الواقع في الصلاة» تقريراً لبحث السيد المجدّد الشيرازي(قُدِّسَ سِرُّهُ)، بقلم الشيخ آقا رضا الهمداني (قُدِّسَ سِرُّهُ). (طبع لأول مرة)

7. كتاب «مآثر الكبراء في تاريخ سامراء» الجزء الرابع للشيخ ذبيح الله المحلاتي (رحمه الله ) (طبع لأول مرة).

8. كتاب «مجموعة رجالية وتاريخية»، للشيخ آقا بزرك الطهراني^ (طبع لأول مرة).

9. كتاب «نزهة القلوب والخواطر في بعض ما تركه الأوائل للأواخر»، تاليف الميرزا محمد بن عبد الوهاب الهمداني الملقب بإمام الحرمين. (طبع لأول مرة)

10. كتاب «الإمام علي الهادي (علیه السلام) عمر حافل بالجهاد والمعجزات» للشيخ علي الكوراني، أعده وخرج مصادره مركز تراث سامراء.

11. کتاب «سامراء في الأرشيف الوثائقي العثماني»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

12. کتاب «سامراء في السالنامات العثمانية»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة ) .

13 . كتاب «سامراء في لغة العرب»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

14. كتاب «سامراء في مجلة سومر»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة ) .

15 . كتاب «قوافي الولاء من الكاظمية إلى سامراء»، للأستاذ عبد الكريم الدباغ (طبع لأول مرة).

16 . كتاب «زيارة أئمة سامراء (علیهم السلام) من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

17 . كتيب «دليل معرض فاجعة سامراء»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة ).

18 . كتيب «مناقب أئمة سامراء (علیهم السلام) من طرق العامة»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع الأول مرة).

19 . كتيب «نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) للشباب المؤمن»، من إعداد مركز تراث سامراء.

ص: 328

20 . كتيب «نصائح سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) للمقاتلين في ساحات الجهاد»، من إعداد مركز تراث سامراء.

21. كتيب «قبسات من حياة أئمة سامراء (علیهم السلام) ، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

22 . كتيب «تعريفي بمركز تراث سامراء»، من إعداد مركز تراث سامراء (طبع لأول مرة).

23 . كتيب «دليل الزائر لمرقد الإمامين العسكريين في مدينة سامراء المقدسة»، إعداد مركز تراث سامراء.

24. كتاب عصمة الحجج، تأليف السيد علي الحسيني الميبدي. (طبع لأول مرة).

25. مباحث من كتاب الطهارة، تأليف آية الله السيد إبراهيم الدامغاني (قُدِّسَ سِرُّهُ)، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ)(طبع لأول مرة).

26 . ذخيرة في تحقيق دليل الإنسداد من إفادات السيّد المجدّد الشيرازي، بقلم المحقق الآخوند الخراساني (صاحب الكفاية). (طبع لأول مرة).

27. كتاب «العتبة العسكرية المقدسة في الإرشيف الوثائقي العثماني»، جمع وترجمة د. سامي . المنصوري، تدقيق ومراجعة مركز تراث سامراء.

28. کتاب «مقدمة الذريعة إلى تصانيف الشيعة» للشيخ آقا بزرك الطهراني (قُدِّسَ سِرُّهُ)، تحقيق مركز تراث سامراء ( طبعة منقحة).

29. كتاب البيع، تأليف آية الله السيد إبراهيم الدامغاني (قُدِّسَ سِرُّهُ)، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي (قُدِّسَ سِرُّهُ) .

الكتب التي ستصدر قريباً

1. ببليوغرافيا (ما كتب في حوزة سامراء).

2. ببليوغرافيا الإمامين العسكريين (علیهما السلام).

3. كتاب وقائع المؤتمر العلمي الأول «الإمام الهادي (علیه السلام) عبق النبوة وعماد السلم المجتمعي» (ثلاثة أجزاء).

4. كتاب «سامراء في مجلة سومر / ج 2»، إعداد مركز تراث سامراء.

5 . العسكريان (علیهما السلام) في الشعر العربي.

6 . مكتبات سامراء الرائدة وتتضمن:

أ. مكتبة المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي

ب. مكتبة الشيخ محمد تقي الشيرازي .

ج. مكتبة الإمام المهدي العامة.

د. مكتبة الشيخ محمد حسن كبة.

7. خطب منبر الجمعة.

ص: 329

كتب قيد التحقيق والتأليف

1 - رسالة مقدمة الواجب، تأليف السيد هاشم بحر العلوم (قُدِّسَ سِرُّهُ)، تقريراً لبحث آية الله المجدّد السيد محمد حسن الشيرازي . (قُدِّسَ سِرُّهُ)

2 - مآثر الكبراء ج 5 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي (قُدِّسَ سِرُّهُ)

3 - مآثر الكبراء ج 6 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي (قُدِّسَ سِرُّهُ).

4- مآثر الكبراء ج 7، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي (قُدِّسَ سِرُّهُ).

5 - مآثر الكبراء ج 8 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي (قُدِّسَ سِرُّهُ).

6 - مآثر الكبراء ج 9 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي (قُدِّسَ سِرُّهُ).

7- مآثر الكبراء ج 11 ، تأليف العلّامة الشيخ ذبيح الله المحلاتي (قُدِّسَ سِرُّهُ).

8-نكت الرجال على كتاب منتهى المقال، تأليف آية الله السيد صدر الدين الصدر(قُدِّسَ سِرُّهُ).

9 - شرح اللمعتين، تأليف آية الله الشيخ عباس بن حسن آل كاشف الغطاء (قُدِّسَ سِرُّهُ).

10 - علماء تتلمذوا في سامرّاء .

11 - اللوامع الحسنية، تأليف السيد حسن صدر الدين الكاظمي.

ص: 330

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.