حدیث الغدیر بين أدلّة المثبتين وأوهام المبطلين

هوية الکتاب

حديث الغدير

بين أدلّة المثبتين وأوهام المبطلين

*الكتاب : حديث الغدير بين أدلّة المثبتين وأوهام المبطلين

*تالیف: هاشم الميلاني

*الناشر: المركز الاسلامی للدراسات الاستراتیجیة

العتبة العباسیة المقدسة

*الطبعه: الاولی 2017م-1438ه

ص: 1

اشارة

هويّة الكتاب

*الکتاب : حديث الغدير بين أدلّة المثبتين وأوهام المبطلين

*تالیف: هاشم الميلاني

*الناشر: المرکز الاسلامی للدراسات الاستراتیجیه

العتبه العباسیه المقدسه

*الطبعه: الاولی 2017م-1438ه

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

الفهرس

مقدمة المركز ... 7

تمهید... 8

رواة حديث الغدير ... 9

ما رواه أهل البيت علیهم السّلام ... 9

ما روي عن الصحابة... 21

سند حديث الغدير ...86

طرق حديث الغدير ... 105

تواتر حديث الغدير ... 114

شهود الغدير ... 122

الكتب المؤلفة في الغدير ... 127

خطبة الغدير... 137

دلالة حديث الغدير ... 157

1 - «ألست أولى بكم من أنفسكم»... 158

2 - فمن كنت مولاه فعلي مولاه ... 165

دلالة حديث الغدير عند أهل السنّة ... 202

حديث الشكوى من عليّ علیه السّلام ... 217

آيات الغدير ... 261

آية الإكمال... 273

ص: 4

شرح المفردات... 276

الدلالة ... 276

شبهات في المقام... 278

آية التبليغ... 297

آية سأل سائل ... 309

حديث المناشدة... 331

المناشدة في الشورى ... 331

حديث التهنئة ... 347

كتمان الشهادة ... 351

التعمّم والتتويج ... 357

أعمال الغدير... 359

خمّ (الموقعيّة الجغرافيّة) ... 363

صوم يوم الغدير ... 371

عيد الغدير ... 379

مسجد الغدير ... 397

يوم الغدير في التاريخ ... 401

فهرس المصادر ... 403

ص: 5

ص: 6

مقدمة المركز

الغدير عين ماء صافية جرت منذ الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة النبوية على مرّ التاريخ وإلى يومنا هذا، وستجري إلى أن يأذن الله تعالى في قيام دولته الكريمة، وقد نهلّ منها من نهل، وتركها من ترك،

الغدير شجرة غرسها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بيده المباركة وسقاها ورعاها فأستظل بها من استظل وعزف عنها من عزف،

الغدير حلم يتجدّد كل عام إلى أن يتحقق في آخر الأيام،

الغدير عهد في أعناق الأنام،

والغدير خارطة الطريق... للأمة الاسلامية... ولجميع الأُمم..... ولكن...

في هذا الكتاب يسلط الباحث الضوء على حديث الغدير ليثبته سنداً ودلالةً أوّلاً, ويردَّ الشبهات المثارة حوله ثانياً، بالاعتماد على المصادر والمراجع المعتبرة لدى الفريقين ليكون منهلاً عذباً لمن أراد الخوض في هذا المضمارو الإطلاع على آراء كلا الفريقين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

ص: 7

تمهید

قديماً ما سمعنا المقولة المعروفة القائلة بأنّ : أعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلّ على الإمامة»(1) . إذ كانت أوّل خلاف حادّ بین الصحابة قبيل رحيل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم : تحقّقت بعد أيّامٍ على أرض الواقع من خلال اجتماع السقيفة، حيث كان صدقاً (فلتة) تاريخية حرفت مسار الأمة الإسلامية إلى ما لا يحمد عقباه.

وقد وصف أمير المؤمنين علیه السّلام شدّة النزاع آنذاك بقوله: «فَلَمَّا مَضَى صلى الله عليه وآله وسلم تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ... فَمَا رَاعَنِي إِلا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم...»(2)

وفي نص آخر قال علیه السّلام: «وطَفِقْتُ أَرْتَنِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذَّى وفِي الْحَلْق شَجَّا...»(3)

هذان النصان يكشفان لنا بوضوح عظم ما جرى وشدّة الخلاف والنزاع في الأمة الإسلامية الفتية حيث قسمها قسمين، وقد استمر إلى زماننا الحاضر وسيستمر إلى أن يرث الأرض عباد الله الصالحون.

وقد استدلّت كل فرقة على مدعاها بأدلّة مختلفة من تلك الأدلّة - التي دار حولها سجال عميق منذ الصدور - حديث الغدير، حيث كان من أواخر النصوص الصريحة الدالّة على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام.

لقد خصّصنا هذا البحث لتسليط الضوء على هذا الحديث روايةً وسنداً ودلالةً الإشارة إلى أهم الشبهات المثارة وردّها بالاعتماد على أهم المصادر الكلامية والتفسيرية والروائية عند الفريقين.

ص: 8


1- الملل والنحل :للشهرستاني 24 المقدمة الرابعة الخلاف الخامس.
2- نهج البلاغة، الكتاب 62 إلى أهل مصر.
3- من الخطبة رقم 3 / الشقشقية.

رواة حديث الغدير

اشارة

رواة حديث الغدير (1)

قد روى حديث الغدير كثير من الصحابة والتابعين، ودوّن في الجوامع الروائية عبر العصور، فأصبح من المتواترات التي لا مرية فيها، ومع قطع النظر عن دلالته، والخلاف القائم بين الشيعة والسنة في تفسيره فإنّه نجم لامع في سماء فضائل أمير المؤمنين علیه السّلام ويكفي لوحده أن يكون سبباً لتفضيله على جميع الخلق سوى سيد الخلق مع قطع النظر عن أمر الإمامة والخلافة الإلهية.

وفيما يلي نورد ألفاظ الحديث، بدءاً من العترة الطاهرة وانتهاءً إلى الصحابة والتابعين.

ما رواه أهل البيت علیهم السلام :

1 - الإمام أمير المؤمنين علیه السلام:

روى الشيخ الصدوق بسنده عن مكحول قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام: لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم أنه ليس فيهم رجل له منقبة إلاّ وقد شركته فيها وفُضّلته، ولي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم، قلت: يا أمير المؤمنين فأخبرني بهنّ، فقال علیه السّلام : ... وأمّا الحادية والخمسون فإنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أقامني للناس كافة يوم غدير خم فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين. (2)

وروى الإربلي عن كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد عن ابن عباس قال: نظر عليّ يوماً في وجوه الناس فقال: إنّي لأخو رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وزيره، ولقد علمتم أنّي أوّلكم إيماناً بالله عز

ص: 9


1- تم اقتباس هذا الفصل من موسوعة حديث الغدير لفضيلة الشيخ أمير التقدمي نتمنى له التوفيق في إتمامها لترى النور عاجلاً.
2- الخصال: 572 ح1 عنه البحار :31 432 ح2 ونحوه المناقب للعلوي: 150 ح43.

وجل ورسوله... ووقفته لي يوم غدير خم وقيامه إيّاي معه ورفعه بيدي...(1) .

روی عماد الدين الطبري بسنده عن أبي إسحاق السبيعي قال: حدثني الحارث عن علي علیه السّلام قال: أخذ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بيدي يوم الغدير فقال: اللهم والا من والاه، وعاد من ،عاداه وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله(2).

روی سليم بن قيس قال: جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب علیه السّلام فقال .... فأخبرني بأفضل منقبة لك من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ، قال علیه السّلام : نَصْبه إيّاي بغدير خم، فقام لي بالولاية من الله عز وجل بأمر الله تبارك وتعالى(3)

روى عبدالله بن أحمد بن حنبل بسنده عن علي : ان النبي صلى الله عليه وآله سلم قال يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه قال فزاد الناس بعد: وال من والاه، وعاد من عاداه (4).

روى أبو الحسين المؤيد بالله الهاروني بسنده عن علي علیه السّلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم غدير خم: أليس الله عزّوجل يقول: (النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم وَأَزوجُهُ وَ أُمَّهُتُهُم وَأُوْلُوا الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعض) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بيد علي فرفعها حتّى رُئي بياض إبطيهما فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، فأتاه الناس يهنّئونه فقالوا: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (5).

روى العاصمي بسنده عن أبي جعفر علیه السّلام قال: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام عن قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال : نصبني علماً إذا أنا

ص: 10


1- كشف الغمة ،1 ،154 عنه البحار 38 240 ح 40 ونحوه المناقب لابن المغازلي: 111 ح 154، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 23 ح 12 وضعفه والنيسابوري الخزاعي في الأربعين: 61، كلُّ بسنده.
2- بشارة المصطفى ،262 ، عنه البحار 37: 168 ح44.
3- کتاب سليم ،903 والاحتجاج 1 368 ح 65 عنه البحار 40: 1 - 2 ح2 .
4- مسند أحمد 2: 434 ح1311 ، فضائل الصحابة 2: 705 ح 1206، تاريخ دمشق 42: 213 ح8694.
5- الأمالي للهاروني: ح11 ضمن مجلة علوم الحديث 18: 274 .

قمت فمن خالفني فهو ضال (1).

روى ابن المغازلي بسنده عن علي بن أبي طالب علیه السّلام قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (2).

وروى الشيخ الطوسي بسنده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره (3).

وروی نحوه العاصمي (4).

وروی نحوه عماد الدين الطبري (5).

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن علي بن طالب قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأعن من أعانه، وانصر من نصره، واخذل من خذله واخذل عدوّه وكن له ولولده واخلفه فيهم بخير وبارك لهم فيما تعطيهم وأيدهم بروح القدس، واحفظهم حيث توجّهوا من الأرض، واجعل الإمامة فيهم، واشكر عصاهم، إنّك قريب مجيب(6) .

روی ابن حجر العسقلاني عن إسحاق بن راهويه قال أخبرنا أبو عامر العقدي عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي عن عليّ قال: إنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلم حضر الشجرة بخم ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: ألستم تشهدون أنّ الله تبارك وتعالى ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم ، وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا:

ص: 11


1- زين الفتى :1: 494 ح 295.
2- المناقب: 21 ح29.
3- الأمالي : 343 ح704 ، عنه البحار 37: 126 ح24.
4- زين الفتى 1: 494 ح294 ، وفي 2 : 261 ح471 بسند ،آخر ومثله تاریخ دمشق 42 212 ح8694.
5- بشارة المصطفى: 166 ، عنه البحار ،37 222 ،ح91 ، وانظر: صحيفة الإمام الرضا 172 : علیه السّلام ح 109 .
6- عيون أخبار الرضا59 2: السلام ح 227، عنه البحار 23 145 ح103.

بلی قال فمن كان الله ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه...(1).

وروى أبو جعفر محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن عليّ قال: لما نزل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بغدير خم... دعا بدوحات - يعني شجرات - فقمّ ما تحتهنّ ثم صاح بالناس فاجتمعوا فقال:.... أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي فأقامه فرفع يده بيده حتى رُئي ما تحت مناكبهما - يعني الإبط - ثم قال: من كنت مولاه فعلي ،مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحبّ من ،أحبّه، وأبغض من أبغضه(2).

ومن كلامه علیه السّلام لما عمل على المسير إلى الشام لقتال معاوية... يا معشر المهاجرين والأنصار وجماعة من سمع كلامي... أما سمعتم قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم الغدير في ولايتي وموالاتي؟(3)

وفي الكتاب الذي كتبه علیه السّلام واستشهد عليه عشرة من أصحابه، ورد فيه وجاز لي على بني هاشم بقول النبي صلی الله علیه و آله و سلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه» إلّا أن تدّعي قريش فضلها على العرب بغير النبي صلی الله علیه و آله و سلم...(4).

2 - فاطمة الزهراء عليهاالسلام :

روى الطبري الإمامي الصغير عن ابن عقدة بسنده بعدما ساق خطبة الزهراء لما منعها أبو بكر فدك إلى أن يقول: ثم ولّت، فتبعها رفاعة بن رافع الزرقي فقال لها: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن تكلّم في هذا الأمر، وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد ما عد لنا به أحداً، فقالت له بردنها: إليك عنّي، فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر(5).

ص: 12


1- المطالب العالية 16: 142 ح3943، ونحوه في البداية والنهاية لابن كثير :5 ،211 والذرية الطاهرة للدولابي: 168 ح228 ومشكل الآثار 2 307 وتاريخ دمشق :42 212 ح8693 ، مع اختلاف الألفاظ واتحاد السند.
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين علیه السّلام 2: 398 ح875.
3- الإرشاد للمفيد 1 262 الاحتجاج للطبرسي :1: 404 ح88 ، البحار 34 132 ح 955
4- كشف المحجة لابن طاوس 173 : البحار 730 - 26 ح1
5- دلائل الإمامة 109 ح 36.

وفي لفظ الخصال للصدوق أنّ الأنصار قالوا: يا بنت محمد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعليّ أحداً، فقالت: وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً (1)؟!

وروى الخزّاز القمي بسنده عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلمّا كان في بعض الأيّام أتيت قبر حمزة فوجدتها تبكي هناك، فأمهلتها حتى سكتت ثم أتيتها فسلّمت عليها وقلت.... يا أنا سائلك عن مسألة تلجلج في صدري قالت: سل قلت: هل نصّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل وفاته على عليّ بالإمامة؟ قالت: واعجبا أنسيتم يوم غدير خم؟!....(2)

وروى الشيخ الصدوق بسنده عن فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال لعليّ: من كنت وليّه فعلي وليّه، ومن كنت إمامه فعلي إمامه(3).

وروی محمد بن عمر بن أحمد المديني الأصبهاني بسنده عن فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قالت : أنسيتم قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه (4).

3 - الإمام الحسن علیه السلام:

روى الشيخ الطوسي بسنده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين: ثم ذكر قضية صلح الإمام الحسن علیه السّلام وخطبته أمام معاوية حيث قال فيها: وقد رأوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين نصبه بغدير خم وسمعوه، ونادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب(5).

وروى نحوه أيضاً عن محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني الكوفي قال: حدّثنا عبد

ص: 13


1- الخصال : 173 ح228 ، البحار 30 124 ،ح2 ونحوه مكارم الأخلاق 142 ح 151، ومثالب النواصب لابن شهر آشوب، الورقة: 142.
2- الكفاية في النصوص ،197 ، والبحار :36: 352 ح224 .
3- عيون أخبار الرضاع 2 64 278 ، البحار 38 112 49 وتاريخ دمشق 42: 187 ح8634.
4- نزهة الحفّاظ 64 ح54، وفي أسنى المطالب: 49.
5- أمالي الطوسي : 561 ح 1174، عنه البحار 10: 138 ح 5.

الرحمن بن محمد بن عبيد الله العَرْزمي، عن أبيه، عن عثمان أبي اليقطان عن أبي عمر زاذان... (1) .

4 - الإمام الحسين علیه السلام:

روی سلیم خطبة الإمام الحسين علیه السّلام قبل موت معاوية بسنة بمنى حيث قال فيها مناشداً من حضر: أنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم نصبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال: ليبلّغ الشاهد الغائب؟ قالوا: اللهم نعم(2).

روی محمد بن سليمان الكوفي قال: حدّثنا أحمد بن السّري، قال: حدّثنا أحمد بن حمّاد، عن رجل من بني هاشم يقال له عبد الله بن الحسين قال: جاء رجل إلى الحسين بن علي فقال: حدّثني في علي بن أبي طالب، فقال: ويحك وما عسيت ان أحدّثك في عليّ وهو أبي؟ قال: بل تحدّثني، قال: إنّ الله تبارك وتعالى أدّب نبيّه الآداب كلّها، فلمّا استحكم الآداب فوّض الأمر إليه فقال: «وَمَا اتَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَنكُم عَنهُ فَانتَهُوا» إِنَّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أدّب علياً بتلك الآداب التي أدّبه بها، فلمّا استحكم الآداب كلّها فوّض الأمر إليه فقال من كنت مولاه فعلي مولاه(3).

وروى ابن عُقدة قال: حدّثنا الفضل بن يوسف بن يعقوب الجحفي، حدّثنا سعيد بن عثمان، حدّثنا محمد بن الحسين، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمر يوم غدير خم بدوحات فقممن، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال:

من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.(4)

ص: 14


1- م ن : 559 ح 1173، عنه البحار 44:
2- کتاب سليم ،793 عنه البحار 33 - 184 ح456.
3- مناقب الإمام أمير المؤمنين علیه السّلام 2: 428 ح910.
4- انظر حديث الولاية 60 ح 32 و 33

5 - الإمام السجّاد علیه السلام:

روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين: ما معنى قول النبي صلی الله علیه و آله و سلّم «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؟ قال : أخبرهم أنّه الإمام بعده.(1)

6 - الإمام الصادق علیه السلام:

روی فرات بسنده عن أبي جعفر علیه السّلام قال : لقد عرّف رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم عليّاً أصحابه مرّتين: مرّة حين قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله...(2)

وروى الصفّار بسنده عنه علیه السّلام انّه قال: إنّ عليّاً آية لمحمد، وإنّ محمداً يدعو الى ولاية علي أما بلغك قول رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.(3)

روى الحميري قال: حدّثني هارون بن مسلم قال: حدّثني مسعدة بن صدقة قال: حدّثني جعفر بن محمد، عن أبيه أنَّ إبليس عدوّ الله رنّ أربع رنّاث.... ويوم الغدير.(4)

روى الكليني بسنده عن أبي جعفر علیه السّلام قال : بُني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير.(5)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبان بن تَغْلِب، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال: يا أبا سعيد تسأل عن مثل

ص: 15


1- الأمالي للصدوق: 185 ح 191، عنه البحار 37: 223 ح96.
2- تفسير فرات: 490 ح636 ، وشواهد التنزيل 2: 352 ح996.
3- بصائر الدرجات: 77 ح 5 عنه البحار :35 369 ح14
4- قرب الإسناد : 9 ح30 ، البحار 37: 121 ح 13.
5- الكافي 2 : 21 ح8 عنه البحار 65 332 ح 8.

هذا ؟! أعلمهم أنه يقوم مقامه.(1)

روى القاضي النعمان قال جعفر بن محمد عن أبيه صولات الله عليهما أنّ رجلاً سأله فقال يا ابن رسول الله بماذا فُضّل عليّ صلوات الله عليه على الناس؟ فقال: بقول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :« من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقال الرجل: فهذا حديث معروف عند الناس يعرفه الخاص والعام، فهل غير ذلك؟ فقال له أبو جعفر علیه السّلام : ويحك وهل تدري ما يجمعه هذا القول وما يقتضيه؟ إنّ الله عز وجل جعل له به على الأمّة ما جعله الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عليها من السمع والطاعة.(2)

7 - الإمام الصادق علیه السلام:

روی محمد بن سليمان الكوفي قال: حدّثنا محمد بن منصور عن عبّاد، عن عمرو بن ثابت قال سألت جعفراً: أيّ مناقب عليّ أفضل ؟ قال : قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.(3)

وعنه قال: حدّثنا محمد بن منصور، عن علي بن الحسن عن إبراهيم بن رجاء الشيباني قال: قيل لجعفر بن محمد: ما أراد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بقوله لعليّ يوم الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»؟!

فاستوى جعفر بن محمد قاعداً ثم قال : سُئل والله عنها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: الله مولاي وأولى بي من نفسي لا أمر لي معه وأنا ولي المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومن كنت أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي بن أبي طالب مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه.(4)

ص: 16


1- معاني الأخبار: 66 ح2، عنه البحار 37: 223 ح97.
2- شرح الأخبار 2 263 ح 566.
3- مناقب الإمام أمير المؤمنينع 2: 404 ح884.
4- م ن 2 : 377 ح 850

وروى أحمد بن الحسين الهاروني نحوه.(1)

روى السيد ابن طاوس بسنده عن أبي عبد الله علیه السّلام قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عرّف أصحابه أمير المؤمنين مرّتين، وذلك أنّه قال لهم : أتدرون من وليّكم بعدي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّ الله تبارك وتعالى قد قال: «فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين يعني أمير المؤمنين وهو وليكم بعدي. والمرّة الثانية يوم غدير خم حين قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.(2)

روى الصفّار بسنده عن عمرو بن ثابت قال سمعت أبا عبدالله علیه السّلام يقول: ....لمّا قبض رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب علیه السّلام فقالوا: لا والله لا نعطي أحداً طاعة بعدك أبداً. قال : ولِمَ ؟ قالوا: إنا سمعنا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فيك يوم غدیر ...(3)

روى الكليني بسنده عن أبي عبدالله علیه السّلام في قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ أَزْدَادُواْ كُفرًا لَّن تُقبَلَ تَوبَتُهُم)(4) قال: نزلت في فلان وفلان وفلان، آمنوا بالنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في أوّل الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية حين قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين علیه السّلام ثم كفروا حيث

مضى رسول اللهصلّی الله علیه و آله و سلّم فلم يقرّوا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء.(5)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن عبد الله بن أبي الهذيل: وسألته عن الإمامة فيمن تجب؟ وما علامة من تجب له الإمامة ؟ فقال : إنّ الدليل على ذلك، والحجة على المؤمنين،

ص: 17


1- أمالي الهاروني، ضمن مجلة علوم الحديث ،18 278 ، وانظر الشافي لعبد الله بن حمزة :1: 58، وبشارة المصطفى - لعماد الدين الطبري: 92 ح24.
2- اليقين 303 البحار 37: 317 ح 48.
3- انظر بحار الأنوار 28 : 259 ح42.
4- آل عمران: 90
5- الكافي 1: 420 ح42 ، عنه البحار 23 375 ح 57.

والقائم بأمور المسلمين، والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام: أخو نبي الله وخليفته على أمته... المثبت له الإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم عن الله عز وجلّ: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، وأعن من أعانه...

ثم قال تميم بن بهلول: حدّثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمد علیه السّلام في الإمامة مثله سواء.(1)

روى العياشي عن أبي جميلة المفضّل بن صالح عن بعض أصحابه قال: لما خطب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم الجمعة بعد صلاة الظهر انصرف على الناس فقال: ... يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه...(2)

وروى الصدوق قال: حدّثنا أحمد بن يحيى المكتب قال حدّثنا أحمد بن محمد الوراق، قال: حدّثني بشر بن سعيد ابن قلبويه المعدّل بالرافقة قال: حدّثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال: سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد علیهما السلام ... قال: .... أما علمت أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم رفع يدي علي علیه السّلام بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، فجعله مولى المسلمين وإمامهم؟...(3)

روى الصفّار قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله البرقي، عن خلف بن حمّاد، عن محمد بن القبطي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول : الناس غفلوا قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في علي علیه السّلام يوم غدير خم...(4)

ص: 18


1- كمال الدين: 336 ح 9 عيون أخبار الرضاع :1 54 20، البحار 36 396 ح 2.
2- تفسير العياشي 1 4 ح3 عنه البحار 23: 141 ح92.
3- معاني الأخبار: 350 ح1 ، علل الشرائع: 173 ح1 ، البحار 38: 79 ح2.
4- بصائر الدرجات 53 ح1 عنه البحار :39 248 ،65، ونحوه الأمالي للصدوق: 173 ح 176.

روى الكليني قال: [حدّثنا عدّة من أصحابنا عن] سهل بن زياد، عن عبدالرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله علیه السّلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة، قلت: وأيّ عيد هو جعلت فداك ؟ قال : اليوم الذي نصب فيه رسول اللهصلی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين علیه السّلام :وقال من كنت مولاه فعلي مولاه...(1)

وروى نحوه الطوسي عن زياد بن محمد، والصدوق عن الصفار قال: حدّثنا محمد بن عيسى اليقطيني، عن علي بن سليمان بن يوسف البزاز عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد.(2)

وروى الكليني قال: [حدّثنا] عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان عن أبي عبد الله علیه السّلام قال : يستحب الصلاة في مسجد الغدير، لأنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم أقام فيه أمير المؤمنين علیه السّلام وهو موضع أظهر الله عز وجل فيه الحق.(3)

8 - الإمام الكاظم علیه السلام:

روي في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السّلام عن موسى بن جعفر علیه السّلام : أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لمّا أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام في يوم الغدير موقفه المشهور، ثم قال: يا عباد الله ،انسبوني فقالوا: أنت محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ثم قال: أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: مولاكم أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى يارسول الله، فنظر إلى السماء وقال : اللهم اشهد. يقول هو صلی الله علیه و آله و سلّم ذلك وهم يقولون ذلك ثلاثاً، ثم قال: ألا من كنت مولاه وأولى به فهذا عليّ مولاه وأولى به اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

ص: 19


1- الكافي 4 149 ح3 عنه البحار 37: 172 ح54.
2- مصباح المتهجد : 736 ثواب الأعمال 99 وانظر أيضاً الكافي 4: 148 ح1 وتهذيب الأحكام 4: 305، والخصال: 264 والاقبال .2 .263
3- الكافي :4 567 ح3 تهذيب الأحكام 6: 18 ح22 ، البحار :37 : 172 ح5 ، وانظر: من لا يحضره الفقيه 2: 559 . 3142ح

ثم قال: قم يا أبا بكر فبايع له بإمرة المؤمنين فقام فبايع له بإمرة المؤمنين، ثم قال: قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين فقام فبايع له بإمرة المؤمنين، ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة، ثم لرؤساء المهاجرين والأنصار فبايعوا كلّهم فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطّاب فقال: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ثم تفرّقوا عن ذلك وقد وُكدّت عليهم العهود والمواثيق....(1)

9 - الإمام الهادي علیه السلام:

روى الشيخ الطوسي بسنده عن إسحاق بن عبدالله العلوي العُريضي، قال: وحكّ في صدري ما الأيّام التي تصام؟ فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد علیه السّلام وهو بصريا ولم أبد ذلك لأحد من خلق الله، فدخلت عليه فلمّا بصر بي قال علیه السّلام: يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهنّ وهي أربعة ... ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أخاه عليا علیه السّلام علماً للناس وإماماً من بعده...(2)

وروى الطبرسي في الاحتجاج قال : وممّا أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري علیه السّلام في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض أن قال:.... ثم وجدنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه....(3)

10 - الإمام الحسن العسكري علیه السلام:

روى الإربلي عن كتاب الدلائل للحميري قال: حدّثني الحسن بن ظريف قال: كتبت إلى أبي محمد أسأله ما معنى قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لأمير المؤمنين علیه السّلام: «من كنت مولاه فهذا

ص: 20


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السّلام: 111.
2- تهذيب الأحكام :4 305 ح922 ، الخرائج والجرائح 2 : 759 ح 78 ، البحار 93: 266 ح13.
3- الاحتجاج 2 487 328 ، ونحوه تحف العقول: 458

مولاه قال: أراد بذلك أن جعله علماً يعرف به حزب الله عند الفُرقة.(1)

ما روي عن الصحابة

11 - أبيّ بن كعب بن قيس أبو المنذر الخزرجي الأنصاري:

روى الطبري في كتابه مناقب أهل البيت قال: حدّثنا هنّاد عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب حديث الاثني عشر صحابياً الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر واعترضوا عليه وهو على المنبر وفيهم أبيّ بن كعب حيث قال: معاشر المسلمين، تشهدون أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم رقى المنبر يوم غدير خم، وأقام علياً إلى جانبه وأخذ بيده اليمنى، وشالا بأيديهما حتى رأى الناس بياض إبطيهما، ثم قال: معاشر الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم نعم فقال: ألا من كنت نبيّه فهذا عليّ وليّه، ومن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله...(2).

ورواه ابن حاتم الشامي بلفظ آخر حيث قال: وقام أبيّ بن كعب: فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا معشر قريش إنّي لا أعظكم بأكثر ممّا وعظكم به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ، ولا أقول لكم أكثر ممّا قال، على أنّا رأينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قد أقام علياً ولياً ومولى وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه فقالت طائفة منّا : إنّما أراد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أن يُعلم من هو من مواليه وعبيده أنّ علياً مولاه، وقالت طائفة أخرى: ما أقامه إلا إماماً علماً فبلغ ذلك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فخرج إلينا كهيئة المغضب ويده في يد علي ويقول: «من كنت مولاه فهذا مولاه وإمامه وحجة الله عليه»...(3)

وروى نحوه ابن جبر عن جدّه أبي عبدالله الحسين بن جبر في كتابه «الاعتبار في إبطال

ص: 21


1- كشف الغمة :4 ،95 عنه البحار 37: 223 ح95
2- انظر إقرار الصحابة بفضل إمام الهدى والقرابة لابن المشهدى ،92، واليقين لابن طاوس: 335
3- الدر النظيم: 441

الاختيار مسنداً إلى أبان بن عثمان عن الإمام الصادق(1) علیه السّلام.

وروى السيد ابن طاوس بسنده عن علي علیه السّلام قال: لما خطب أبو بكر قام أبّي بن كعب يوم جمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان فقال: يا معشر المهاجرين الذين هاجروا واتبعوا مرضات الرحمن... تناسيتم أم نسيتم؟! أم بدّلتم أم غيّرتم ؟ أم خذلتم أم عجزتم ؟ ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قام فينا مقاماً أقام لنا علياً علیه السّلام فقال: من كنت مولاه فعلي ،مولاه، ومن كنت أنا نبيّه فهذا أميره؟...(2)

12 - أسامة بن زيد بن حارثة، أبو محمد الكلبي:

روى الطبرسي عن الإمام الباقر علیه السّلام كتاب أسامة إلى أبي بكر لما استدعاه أبو بكر، فكتب إليه: فقد علمت ما كان من قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في علي علیه السّلام يوم الغدير، فما طال العهد فتنسى.(3)

13 - أسعد بن زرارة بن عُدَس، أبو أمامة الخزرجي الأنصاري:

روى الخطيب البغدادي بسنده عن ابن عقدة قال: حدّثنا محمد بن المفضّل بن إبراهيم الأشعري، حدّثنا أبي حدّثنا مثنّى بن القاسم الحضرمي، عن هلال أبي أيوب بن مقلاص الصيرفي عن أبي كثير الأنصاري عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه.(4)

14 - الأشعث [معدي كرب] بن قيس بن معدي كرب الكندي:

كان من الذين كتم الشهادة حينما ناشده أمير المؤمنین علیه السّلام مع ثلاثة آخرين ليشهدوا بسماع حديث الغدير وسيأتي في حديث المناشدة.

ص: 22


1- نهج الإيمان: 577
2- اليقين 448 ، البحار :28: 221 ح 13، ونحوه الاحتجاج 1: 297 ح52.
3- الاحتجاج :1 224 ،40 عنه البحار 29 91 ح1 ، ونحوه تثبيت الإمامة للرسي: 18.
4- موضّح أوهام الجمع والتفريق ،1 ،191 الوهم الثالث والستون، وانظر اليقين لابن طاوس: 168 عن مسعود السجستاني.

15 - أنس بن مالك بن النضر، أبو حمزة الخزرجي الأنصاري:

يروي عنه:

1 - حُميد الطويل البصري.

2 - علي بن زيد بن جدعان البصري.

3 - كثير بن سُليم المدائني.

4 - مسلم بن كيسان الكوفي.

5 - يَغْنَم بن سالم البصري.

1 - أمّا رواية حُميد الطويل عن أنس فهي ما رواها ابن المغازلي بسنده في ذكر قضية المباهلة ومؤاخاة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بين المهاجرين والأنصار، وترك عليّ علیه السّلام حيث لم يؤاخ بينه وبين أحد، ورجوع علي علیه السّلام باكياً، إلى أن يقول له النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : إنّما ادخرتك لنفسي، ألا يسّرك أن تكون أخا نبيّك ؟ قال : بلى يا رسول الله أنّى لي بذلك ؟ فأخذ بيده فأرقاه المنبر فقال: اللهم إنّ هذا منّي وأنا منه ألا إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى، كنت مولاه فهذا عليّ مولاه قال فانصرف عليّ قرير العين فأتبعه عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم.

هذه الرواية رواها عن ابن المغازلي كلّ من ابن البطريق في العمدة: 169 ح 262، والإربلي في كشف الغمة 1 335 [ عن العمدة] وشاذان بن جبرئيل القمي في الروضة في فضائل أمير المؤمنين علیه السّلام76 : ح 62 ، وابن جَبْر في نهج الإيمان : 426، والسيد ابن طاوس في الطرائف 148 ح224، والعلامة الحلّي في كشف اليقين: 206.

2 - أمّا رواية علي بن زيد بن جُدعان فهي ما رواها الخطيب البغدادي بسنده عن أنس قال : سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع تاریخ بغداد 7 377 رقم 3905 وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 235 ح8742.

3 - أما رواية كثير بن سليم فقد رواها محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن أنس قال:

ص: 23

أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بيد علي يوم غدير خم بالجحفة، ثم رفع إبطه فرأينا بياض إبطيهما جميعاً فقال: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ فقالوا: بلى، قال: ومن أهاليكم وأولادكم؟ قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله.

قال: فقام إليه عمر بن الخطّاب فقال: بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمن.

راجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 430 ح913، ونحوه أيضاً 2: 516 ح1020.

4 - أمّا رواية مسلم بن كيسان فهي ما رواها الشيخ الطوسي بسنده عن أنس قال: إنّه سمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع الأمالي للطوسي: 332 ح664 ، عنه المجلسي في البحار 37: 125 ح23، ونحوه الآجري في الشريعة 3: 219 ح 1583 ، ومحمد بن عمرو البختري فيما ورد في مجموع مصنفاته: 116 ح15.

5 - أمّا حديث يَغْنَم بن سالم فهو ما رواه الشيخ الصدوق بسنده قال: سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم وهو آخذ بيد عليّ: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى قال : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

راجع: معاني الأخبار: 67 ح8 ، عنه المجلسي في البحار 37: 123 ح17.

ولا يخفى أنّه كان من الذين كتموا الشهادة حينما ناشد أميرالمؤمنين الصحابة ودعا على من لم يشهد، ثم بعد ما أصابته الدعوة طفق ينقل فضائل أمير المؤمنين علیه السّلام.

راجع: كتمان الشهادة.

ص: 24

16 - البراء بن عازب بن الحارث أبو عمارة الأوسي الأنصاري:

يروي عنه:

1 - عَديّ بن ثابت الكوفي.

2 - عَمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي.

1 - أمّا رواية عَدي بن ثابت الكوفي فهي ما رواها ابن أبي شيبة عن البراء قال: كنّا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في سفر، قال: فنزلنا بغدير خم، قال فنودي الصلاة جامعة وكُسح لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم تحت شجرة، فصلّى الظهر فأخذ بيد علي فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى قال ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فأخذ بيد عليّ فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

راجع: المصنّف 17: 128 ح 32781.

ورواية عَدي بن ثابت وردت في مصادر متعدّدة وبألفاظ مختلفة، فقد رواها البلاذري في أنساب الأشراف 2 ،356 والكوفي في مناقب أمير المؤمنين علیه السّلام441 : 2 ح926، وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 220ح8715 ، والذهبي في طريق حديث من كنت مولاه: 88 ح 96 وتاريخ الإسلام2: 359 وابن كثير في البداية والنهاية 7: 349، والسيرة النبوية 4: 350 وأحمد بن حنبل في مسنده 30 : 430 ح 18479 - 18480 وفضائل الصحابة 2: 596 - 517 ح1016، وابن البطريق في العمدة: 92 ح113 عن أحمد، وابن المغازلي في كفاية الطالب: 8، وابن ماجة في سننه 1: 43 ح 116 ، وابن الصلاح في الأنوار اللمعة 4: 12 ح7368، والخوارزمي في المناقب: 155 ح 183 ، وابن أبي عاصم في السنة: 591 ح1363، والشجري في الأمالي الخميسية 1: 145 وأبو الحسن الديلمي الزيدي في المحيط بأصول الإمامة الورقة:

ص: 25

177، والآجري في الشريعة 3: 219 ح 1582 والثعالبي في الكشف والبيان 4: 92 والعاصمي في زين الفتى 1: 493 ح293.

2 - أمّا رواية عمرو بن عبد الله السبيعي فقد رواها الخطيب البغدادي بسنده عن البراء قال: لما نزل رسول الله علیه السّلام الغدير قام الظهيرة فأمر بقمّ الشجرات ثم جُمعت له أحجار وأمر بلالاً فنادى في الناس فاجتمع المسلمون، فصعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم على تلك الأحجار، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأبغض من أبغضه، وأحبّ من أحبه، وأعزّ من نصره. قال أبو اسحاق: قال البراء [كان كذلك] في يوم صائف شديد حرّه، حتى جعل الرجل منّا بعض ثوبه تحت قدمه وبعضه على رأسه، فلمّا همّ بالنزول قال: ألستم تشهدون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: تلخيص المتشابه في الرسم 1: 244 رقم 383.

وروی نحوه الدولابي في الكنى والأسماء 1: 349 ح 1235، وابن الفَرَضي الأندلسي في الألقاب: 93، والقاضي النعمان في شرح الأخبار 1: 221 ح204 ، والخركوشي في شرف المصطفى 5: 496، ح2476 وابن البطريق في المستدرك المختار: 21 عن السمعاني وابن شهر آشوب في المناقب 3: 35 والسيوطي في وصول الأماني بأصول التهاني 16 ح 1، بألفاظ مختلفة من حيث التفصيل والإجمال.

ثم إنّ أبا إسحاق السبيعي يروي في بعض الأحيان «من كنت مولاه» عن البراء وزيد بن أرقم معاً، فقد روى الذهبي بسنده عن البراء وزيد بن أرقم قالا: كنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه، فقال: إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي لعن الله من ادعى إلى غير أبيه [إلى أن قال:] من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 70 ح 72 ، البداية والنهاية لابن كثير 5: 210 والمعجم لابن الأعرابي 2: 803 ح 1643 وتاريخ دمشق 42: 222 ح8719، وبشارة

ص: 26

المصطفى لعماد الدين الطبري: 261 ح 70 عنه البحار 37: 222 94، والكامل لابن عدي 6: 349 رقم 1832 ونصب الراية للزيلعي4: 405، والأمالي للطوسي: 227 ح398، عنه البحار للمجلسي 37: 123 ح18 ، والقاضي النعمان في شرح الأخبار : 228 ح 216.

17- بُریده بن الحُصیب بن عبدالله الاسلمی

يروي عنه:

1 - صالح بن ميثم التمّار الكوفي

2 - طاوس بن كيسان اليماني.

3 - ابن عبد الله بن بريدة الأسلمي

4 - عبد الله بن عباس .

1 - أمّا رواية صالح بن ميثم فقد قال الذهبي : ويُروى عن صالح بن ميثم عن بريدة.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه: 76 ح81.

2 - أمّا رواية طاوس بن كيسان فقد رواها أحمد بن حنبل بسنده قال: لما بعث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى اليمن علياً، خرج بريدة الأسلمي معه فعتب على عليّ في بعض الشيء، فشكاه بريدة إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فقال رسول الله من كنت مولاه فإنّ علياً مولاه.

راجع: فضائل الصحابة 2: 592 ح 1007، ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 443 ح 930، والمعجم الأوسط للطبراني 1: 229 ح348.

كما رواه الطبراني أيضاً بلفظ : «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقط من دون حديث الشكوى في المعجم الصغير 1: 71، وأبو نُعيم الأصبهاني في ذكر أخبار أصبهان 1: 126 وحلية الأولياء 4: 23 رقم 249 والكوفي في مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 418 ح901، وابن عدي في الكامل 2: 362 رقم 490 بلفظ: «من كنت وليّه فعلي وليّه». وابن الأعرابي في المعجم 1: 139 ح222، والذهبي في طرق حديث من كنت مولاه: 73 ح 75.

ص: 27

3 - أمّا رواية عبد الله بن بريدة، فهي ما رواها أحمد بن حنبل بسنده عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في سريّة، قال : لما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم ؟ قال : فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فإذا النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قد احمرّ وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليّه فعليّ وليّه.

راجع: مسند أحمد 38: 58 ح22961 ، عنه تاريخ دمشق لابن عساکر 42: 192 ح8651. كما رواه البزار في البحر الزخّار 10 258 ،4354 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 108 .

وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، كما صحّحه أيضاً ابن حجر في مختصر زوائد مسند البزار 2: 306 ح 1910 والنسائي في السنن الكبرى 5: 130 ح 8465 ، والروياني في مسنده 1: 92 ح62، وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 192 ح8652، وأبو يعلى في مسنده 1: 225 ح261، والكوفي في مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 385 ح859، وابن حبان في صحيحه 15: 374 ح 6930 ، وابن المغازلي في المناقب: 21 ح28 ، وابن أبي شيبة في المصنف 17: 94 ح3272، وابن أبي عاصم في السنة 590.

ثم إنّ أحمد بن حنبل روى الواقعة بنحو أكثر تفصيلاً حيث قال: عن ابن بريدة، عن أبيه أنّه مرّ على مجلس وهم يتناولون من عليّ، فوقف عليهم فقال: إنّه قد كان في نفسي على عليّ شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في سرية عليها علي، وأصبناً ،سبياً، قال: فأخذ عليّ جارية من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلمّا قدمنا على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم جعلت أحدّثه بما كان ثم قلت: إنّ علياً أخذ جارية من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعليّ وليّه.

راجع: مسند أحمد 38: 133 ح23028 ، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 193 ح8655، ومناقب الإمام أميرالمؤمنين للكوفي2 : 443 ح929 ، والمستدرك للحاكم النيسابوري 2: 129 ح 1230.

ص: 28

وفي لفظ آخر عند أحمد بن حنبل : لا تقع في عليّ فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدیّ وإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي.

راجع مسند أحمد 38: 117 ح23012 ، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 190 ح8645، .والعمدة لابن البطريق : 197 ح297، البداية والنهاية لابن كثير 7: 357، ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 1: 487 ح394 ، والبحر الزخار للبزار :10 282 ح4391، والسنن الكبرىللنسائي 5: 133 8475 ، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 76 ح 80، وله ألفاظ أخر قريبة منه وردت في كثير من المصادر .

4 - أمّا رواية عبد الله بن عباس فقد رواها الخطيب البغدادي بسنده عن بريدة :قال غزوت مع عليّ اليمن، فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ذكرت علياً فتنقّصته فرأيت وجه رسول الله يتغيّر، فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ :قلت بلی یا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: مسند أحمد 38: 32 ح22945 ، والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم 4: 325 ح2357، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 209، ومعرفة الصحابة لأبي نُعيم الأصبهاني 1: 431 ح 1255 وأنساب الأشراف للبلاذري 2: 357 بدون ذكر الشكوى والسنن الكبرى للنسائي 5: 45 ح8145، وأحكام القرآن للطحاوي 1: 385 ، 807، ومناقب الإمام أميرالمؤمنين للكوفي 2: 425 ح907 ، والمناقب لابن المغازلي: 24 ح36 والمسترشد للطبري الإمامي: 620 ح287، والمستدرك للحاكم 3 : 110 والمناقب للخوارزمي: 134 ح 150 ، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 187 ح8635 ومسند البزار 10: 257 ح 4352، والسنن الكبرى للنسائي 5: 130 ح8466، والشريعة للآجري 3: 214 ح 1572 ، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي :74 ح78.

كما ورد أيضاً بلفظ : «علي مولى من كنت مولاه».

راجع الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم :4 326 ح2359 وميزان الإعتدال للذهبي 2: 640 رقم 5147، وتاريخ دمشق لابن عساکر42: 187 ح8636، والمعجم لابن الأعرابي 3: 1018 ح 2179.

ص: 29

18 - بشير - أو رفاعة - بن عبد المنذر، أبولبابة الأوسي الأنصاري:

عدّه ابن شهر آشوب من الذين رووا حديث الغدير.

راجع المناقب 3: 26 عنه ابن جبر في نهج الإيمان: 223، والمجلسي في البحار 37: 157 ح40.

19 - بلال بن رباح الحبشي:

روی ابن شهر آشوب بسنده أنّ بلالاً لم يبايع أبا بكر، وأنّ عمر جاء حتى أخذ بتلابيبه فقال: يا بلال هذا جزاء أبي بكر منك؟ إنّه أعتقك فلا تجي تبايعه؟! فقال بلال.... ولقد علمت يا عمر أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عقد لابن عمّه عقداً هو في أعناقنا إلى يوم القيامة، وجعله مولانا من بعده يوم الدوحات، فأيّنا يستطيع أن يبايع على مولاه، قال عمر: فإن كنت غير فاعل فلا تقم معنا لا أمّ لك.

راجع: مثالب النواصب والعقد النضيد لمحمد بن الحسن القمي 149، والدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني: 367، كما أشار إليه المولى محمد تقي المجلسي في روضة المتقين 14: 69 .

20 - ثابت بن قيس بن شماس، أبو محمد الخزرجي الأنصاري:

شهد لعليّ علیه السّلام يوم الرحبة لما ناشد الصحابة ليشهدوا له.

21 - ثابت بن وديعة أبو سعد أو سعيد الأوسي الأنصاري:

ذکره ابن شهر آشوب فیمن روى حديث الغدير.

راجع المناقب 3: 26 ، عنه ابن جبر في نهج الإيمان: 223 ، والمجلسي في البحار 37: 157 ح40.

22 - جابر بن سمرة بن جنادة، أبو عبد الله السواني العامري:

ذكره ابن شهر آشوب فیمن روى حديث الغدير.

ص: 30

23 - جابر بن عبد الله أبو عبد الله الخزرجي الأنصاري:

يروي عنه:

1 - الإمام محمد الباقر علیه السّلام.

2 - سالم بن أبي الجعد الأشجعي.

3 - عبد الله بن محمد بن عقيل الهاشمي.

4 - عطاء بن أبي رباح الفهري.

5 - قبيصة من ذُؤيب الخزاعي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن الزهري.

6 - محمد بن المنكدر التيمي.

1 - أمّا رواية الإمام الباقر علیه السّلام فقد رواها جمال الدين الزيلعي بسنده عن الإمام الباقر علیه السّلام عن جابر بن عبد الله: أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا رجع من حجة الوداع قام فخطب الناس بالجحفة، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه...

راجع: تخريج الأحاديث والآثار 2: 241 رقم 681.

2 - أمّا رواية سالم بن أبي الجعد، فهي ما رواها أبو نُعيم الأصبهاني بسنده عن جابر قال: كنت عند النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وعنده أبو بكر و عمر، فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لعلي: اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقال أبو بكر لعمر: هذه والله الفضيلة.

راجع: ذكر أخبار أصبهان 2: 358.

3 - أمّا رواية عبد الله بن محمد بن عقيل فقد رواها ابن أبي شيبة بسنده عن جابر قال: كنّا بالجحفة بغدير خم إذ خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: المصنّف 17: 98 ح32735، ونحوه السنّة لابن أبي عاصم 590 ح1356 وانظر: اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 9 : 281 ح8981 ، والمطالب العالية لابن حجر العسقلاني 16: 95 ح3930، وجمع الجوامع للسيوطي 14: 190 ح10054.

ص: 31

ورواها الآجري بلفظ: كنّا بالجحفة بغدير خم إذ خرج إلينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من خباء أو فسطاط، فقال بيده ثلاث مرّات: هلمّ هلم هلمّ. وثَمٌ ناس من خزاعة ومُزينة وجُهينة وأسلم وغفار، فأخذ بيد علي فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: الشريعة 3: 216 ح1577 .

وانظر أيضاً نحوه: تاريخ مدينة دمشق 42: 224 ح8725 طرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 83 ح89، وسير أعلام النبلاء 8: 334 رقم 86، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 213 والسيرة النبوية 4: 355 وكفاية الطالب للكنجي:11 وفرائد السمطين للجويني: 48 والجوهرة للتلمساني 2: 245، وجمع الجوامع للسيوطي 16: 253 ح7856 .

وقد رواه الشيخ الصدوق بسنده عن جابر بلفظ: لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول في علي علیه السّلام خصالاً لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلاً: قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فعلي مولاه...

راجع الأمالي: 149 ح146 ، والخصال 496 ح5، والبحار 38: 95 ح11، وبشارة المصطفى 43.

4 - أمّا رواية عطاء بن أبي رباح فقد رواها محمد بن أحمد المفجّع البصري بسنده عن جابر قال: إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم نزل بغدير خم ونصب بدوحات وكان يوماً حاراً، وإن أحدنا يستظلّ بثوبه ويبلّ بخرقة فيضعها على رأسه من شدّة الحر، فقام علیه السّلام فقال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، فأخذ علي علیه السّلام فرفعها حتى أبان شعر إبطيهما ثم قال : اشهدوا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - يقولها ثلاثاً - فقال عمر: هنيئاً لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة .

راجع: شرح قصيدة الأشباه : 22 وتنبيه الغافلين لابن كرامة: 105 والبدر المنير للمهدي لدين الله اليمني 2: 97، وإشراق الإصباح للصنعاني: 76 .

ص: 32

5 - أمّا رواية قبيصة بن ذُؤيب فقد رواها الطبراني بسنده عن جابر قال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نزل بخمّ فتنحّى الناس عنه ونزل معه علي بن أبي طالب، فشقّ على النبي صلی الله علیه و آله و سلّم تأخّر الناس عنه فأمر علياً فجمعهم، فلمّا اجتمعوا قام فيهم وهو متوسّد علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنّي قد كرهت تخلّفكم وتنحّيكم عنّي حتى خُيّل إليّ أنّه ليس من شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني، ثم قال: لكن عليّ بن أبي طالب أنزله [الله] منّي بمنزلتي منه فرضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنّه لا يختار على قربي وصحبتي شيئاً، ثم رفع يديه فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه...

راجع: مسند الشاميين :3: 222 ح 2128 ، عنه تخريج الأحاديث للزيلعي 2: 241 رقم 681 وتاريخ دمشق لابن عساكر ،42 227 وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري 10 501 ح10248 عن أبي يعلى الموصلي وانظرالمناقب لابن المغازلي: 25 ح37 ، عنه العمدة لابن البطريق : 107 ح143.

6 - أما رواية محمد بن المنكدر فقد رواها ابن عساکر بسنده عن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال: كنت عند الزهري أسمع منه فإذا عجوز قد وقفت فقالت: يا جعفري لا تكتب عنه فإنّه مال إلى بني أمية وأخذ جوائزهم فقلت من هذه؟ قال: أختي رقيّة، خرفت. قالت: [بل] خرفت ،أنت كتمت فضائل آل محمد، وقد حدّثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

راجع: تاریخ دمشق 42: 227 ح8727.

24 - جبلة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري:

ذكره السيد ابن طاوس نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

ص: 33

راجع الطرائف 142 ، البحار 37: 183 ح68.

25 - جرير بن عبد الله بن جابر ، أبو عمرو البجلي القسري:

يروي عنه:

1 - بشر بن حرب البصري.

2 - زاذان الكوفي.

1 - أما رواية بشر بن حرب فقد رواها الطبراني بسنده عن جرير قال: شهدنا الموسم في حجة مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وهي حجة الوداع ، فبلغنا مكاناً يقال له غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، فاجتمعنا المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وسطنا فقال: أيها الناس بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله قال : ثم مه؟ قالوا: وأنّ محمداً عبده ورسوله، قال: فأقامه فمن وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله ،مولانا قال من وليّكم؟ ثم ضرب بيده على عضد عليّ فنزع عضده فأخذ بذراعيه فقال : من يكن الله ورسوله مولياه فإنّ هذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه اللهم من أحبّه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً ...

راجع المعجم الكبير 2: 357 ح2505 ، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 236 ح8743.

2 - أما رواية زاذان فقد رواها عماد الدين الطبري بسنده عن جرير قال: لما قفل النبي صلی الله علیه و آله و سلّم من مكة وبلغ وادياً يقال له وادي خم به غدير، قام في الهاجرة خطيباً، فأخذ بید علي عليه السلام فقال: من كنت مولاه فهذا لي مولى قد بلّغت. قال زاذان: قلت لجرير من حضر ذلك الموضع ؟ فقال :جماعة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم سمعوا كما سمعت...

راجع: بشارة المصطفى : 421 ح 30.

26 - جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري

أورده ابن شهر آشوب ضمن من روى حديث الغدير، وكذلك السيد ابن طاوس عن ابن

ص: 34

عقدة راجع المناقب 3 :25، ولابحار 37: 157 ح40، والطرائف: 139.

27 - جندب بن عبد الله بن سفيان أبو عبد الله البجلي العلقي:

أورده ابن شهر آشوب ضمن من روى حديث الغدير ،وكذلك السيد ابن طاوس عن ابن عقدة.

28 - الحارث بن ربعي أبو قتادة الأنصاري

أورده ابن شهر آشوب ضمن من روى حديث الغدير.

29 - حبّة بن جوين أبو قدامة العرني البجلي:

29-حبّة بن جوين أبو قدامة العرني البجلي(1):

يروي عنه:

1 - مسلم بن كيسان الكوفي

2 - عبد الله بن شريك الكوفي.

1 - أما رواية مسلم بن كيسان فقد رواها ابن الأثير الجزري بسنده عن حبّة قال: «لما كان يوم غدير خم دعا النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم الصلاة جامعة نصف النهار، قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيّها الناس أتعلمون أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأخذ بيد علي حتى رفعها حتى نظرت إلى آباطهما، وأنا يومئذ مشرك.

راجع: أسد الغابة 1: 669 رقم 1031، وأشار إليه الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار2 :243 رقم 681.

وقد اعترض ابن الأثير على أنّه لم يحج آنذاك مشرك إذ إنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قد سيّر علياً سنة تسع إلى مكة في الموسم، وأمره أن ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك، وقد أجابه علاء الدين

ص: 35


1- مختلف في صحبته.

مغلطاي قائلاً: إن صحّ السند بذلك إليه، لا يمنع أن يكون حضر ذلك وهو غير متلبس بالحج، إما في عهد أو ما أشبهه، أو يكون ماراً في الطريق، فسمع ذلك فقطعه، والله أعلم.

راجع إكمال تهذيب الكمال :3 351 رقم 1144 والإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة 1: 149 رقم 157.

2 - أما رواية عبد الله بن شريك فقد رواها الزيلعي بسنده عن حبّة قال: إنّ قوماً من الأنصار وقالوا: سمعنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم من كنت مولاه...» فيهم جبلة بن عمرو وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف في جماعة من الأنصار.

راجع تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي 2: 240 رقم 681.

30 - حبشي بن جنادة بن نصر، أبو الجَنوب السلولي:

روى الطبراني بسنده عن أبي إسحاق الهمداني قال: سمعت حُبشي بن جُنادة يقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم : اللهمّ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه.

راجع المعجم الكبير :4 16 ح3514 ، وعنه الزيلعي في تخريج الأحاديث 2: 237 رقم ،681 والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 106 وقال : رواه الطبراني ورجاله وّثّقوا، والسيوطي في جمع الجوامع 2: 98 ح4190 ، والمتقي الهندي في كنز العمال 11: 609 ح 32946.

كما روي هذا الحديث في مصادر مختلفة وفي بعضها بحذف الذيل، انظر: السنة لابن أبي عاصم 591 ح 1360، ومعجم الصحابة لابن قانع البغدادي 1 :199 رقم 225، والأمالي لابن مندة ح298 ، والفوائد المنتقاة لابن أبي الفوارس:ح 97 ، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 229 ح8730، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 3 : 505 رقم 1701،البداية والنهاية لابن كثير 5 :213 .

ص: 36

31 - حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي:

قال ابن كثير: حبيب بن بُديل بن ورقاء:

أورد له ابن عقدة بسند مظلم إلى زرّ بن حبيش عنه حديث من كنت مولاه فعلي مولاه»..

انظر: جامع المسانيد والسنن 3: 261 ح 1800.

32 - حذيفة بن أسيد بن خالد أبو سريحة الغفاري

روى الطبراني بسنده عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لمّا صدر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهنّ، ثم بعث إليهنّ فقم ما تحتهنّ من الشوك،وعمد الیهنّ فقمّ ماتحتهنّ من الشوک، وعمد الیهنّ فصلی تحتهنّ،ثم قام فقال:یا ایهالناس انی قد نبّانی اللطیف الخبیرانّه لم یّعمّر نبی الا نصف عمر الذی یلیه من قبله وانی لاظن انی یوشک ان ادعی فاجیب،وانی مسئول وانکم مسئولون،فماذا انتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً. فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ وأنّ الموت حقّ، وأنّ

البعث بعد الموت حقّ وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلی نشهد بذلك، ثم قال: أيها الناس، إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه..

راجع المعجم الكبير 3 : 180 ح 3052 ، عنه الزيلعي في تخريج الأحاديث 2: 237 رقم،681 وابن كثير في جامع المسانيد والسنن :14: 106 ح 11703، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 ،164 والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف 1 346 ح 72 والسمهودي في جواهر العقدين ، 2 78 ، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة :1: 108 وصحّح سنده.

كما رواه ابن عساکر بسنده في تاريخ دمشق 42 :219 ح8714 ، عنه ابن كثير في البداية

ص: 37

والنهاية ،7 :348، كما رواه الشيخ الصدوق بسنده في الخصال: 65 ح98 باب الإثنين، عنه البحار :37 121 ح 15 ، ورواه السيوطي في جمع الجوامع :14 283 ح 10575 عن تهذيب

الآثار للطبري.

وقد روي حديث الغدير مقتصراً على لفظ: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، عن أبي الطفيل عن حذيفة أو زيد بن أرقم في المصادر التالية:

سنن الترمذي 6 :79 ح3713 ، عنه كفاية الطالب للكنجي 10 ، وتذكرة أولى الأبصار لابن الجوزي: 334، وابن الأثير في جامع الأصول 8: 649 ح6488، والأنوار اللمعة لابن الصلاح 3: 242 ح6553، وتذهيب الأسماء واللغات للنووي 1 :347 رقم 429، وتحفة الأشراف للمزي :3 195 ح 3667 رقم 163 وتاريخ الإسلام للذهبي ،2 ،358 والبداية والنهاية لابن كثير 7 ،348 كما رواه الطبراني في المعجم الكبير 3: 179 ح3049 .

33 - حذيفة بن اليمان بن جابر ، أبو عبد الله العَبْسي:

يروي عنه:

1 - ربيعة بن شيبان السعدي .

2 - عبد الله بن سَلِمة الكوفي.

3 - عطيّة بن سعد بن جنادة العَوفي.

4 - عمرو بن ميمون الأودي.

1 - أما رواية ربيعة بن شيبان فقد رواها الذهبي بسنده عن ربيعة قال: قال حذيفة: بكرامتك من وافد قوم، إنا قد شهدنا وغبتم لكأنّي أنظر إلى فَلْق فِيّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وهو آخذ بيد علي وهو يقول : ألا من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

انظر: طرق حديث من كنت مولاه 99 ح 120 وضعّف سنده.

2 - أما رواية عبد الله بن سلمة فقد رواها يوسف بن أبيّ القطيفي بسنده إلى حذيفة

ص: 38

في ذكر خطبة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير بطولها إلى أن يقول في آخرها: قال: ثم إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم صاح بأعلى صوته ويده في يد علي وقال: يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بأجمعهم: بلى يارسول الله قال: فرفع بضبع علي علیه لسلام حتى رأى الناس بياض إبطيهما، وقال على النسق من كنت مولاه فعلي ،مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من ،عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من خالفه وأدر الحق معه حيث دار فليبلغ ذلك منكم الشاهد الغائب والوالد الولد...

راجع: التهاب نيران الأحزان 4 - 27، عنه الفيض الكاشاني في نوادر الأخبار: 227، ونحوه في المجموع الرائق للسيد هبة الله الموسوي 2 :75 - 87 ، وقد أشار إليها السيد ابن طاوس في اليقين: 384.

3 - أما رواية عطية بن سعد فقد رواها فرات الكوفي بسنده عن حذيفة قال: كنت والله جالساً بين يدي رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وقد نزل بنا غدير خم، وقد غُصّ المجلس بالمهاجرين والأنصار ، فقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم على قدميه فقال : أيها الناس إنّ الله أمرني بأمر فقال: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ » فقلت لصاحبي جبرئیل : يا خليلي إنّ قريشاً قالوا لي كذا وكذا ، فأتى الخبر من ربِّي فقال: «وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»

ثم نادى علي بن أبي طالب علیه السّلام فأقامه عن يمينه ثم قال: أيها الناس ألستم تعلمون أتي أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه فقال رجل من عرض المسجد: يا رسول الله ما تأويل هذا؟ قال: من كنت نبيه فعلي أميره، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

راجع تفسیر فرات الكوفي : 516 ح 675 ، عنه البحار 37: 193 ح 77 ، كما رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2: 391 ح1041 بسنده عن فرات أيضاً.

4 - أما رواية عمرو بن ميمون عن حذيفة فستأتي في روايات كعب بن عُجْرَة.

ص: 39

34 - حسان بن ثابت بن المنذر أبو عبد الرحمن الخزرجي الأنصاري:

عده ابن طاوس في الطرائف : 139 نقلاً عن ابن عقدة، ضمن الذين رووا حديث الغدير.

وقد أثر عنه الأبيات المعروفة التي استأذن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم أن ينشدها بعد واقعة الغدير مباشرة، وهي:

يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخمّ فأسمع بالرسول مناديا

وقال: فمن مولاكم ووليّكم ***فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا

الهك مولانا وأنت وليّنا ***ولو تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنّني ***رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه ***فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه ***وكن بالذي عادى علياً معاديا

انظر: الازدهار فيما عقده الشعراء من الأحاديث والآثارللسيوطي: 110 رقم 225 .

35 - خالد بن زيد بن كليب أبو أيوب الخزرجي الأنصاري:

روی محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فوجبت على كلّ مسلم سمعها، ولقد وعاها القوم كما وعيناها وحفظها من حفظها وحق علينا أن نوالي من والاه ونعادي عدوّه، لأمر الله وأمر رسوله.

راجع مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 427 ح909.

ص: 40

36 - خالد بن الوليد بن المغيرة، أبو سليمان القرشي المخزومي

عده ابن شهر آشوب في المناقب 3: 25 ضمن الذين رووا حديث الغدير.

37 - خباب بن الأرت بن جندلة، أو عبد الله التميمي:

روى عند الخركوشي بسنده قال: .... حدّثنا رياح بن الحارث النخعي قال: سمعت أبا أيوب وخباب بن الأرت يقولان: سمعنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: شرف المصطفى 5: 493 ح 2471.

38 - خزيمة بن ثابت بن الفاكه، ذو الشهادتين أبو عمارة الخَطْمي الأنصاري:

عدّه ابن شهر آشوب في المناقب 3: 25 ضمن الذين رووا حديث الغدير.

39 - خویلد بن خالد أبو ذؤيب الشاعر:

روى أبو نعيم الأصبهاني بسنده عنه قال: رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم وقد نصب عليّ بن أبي طالب للناس وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع معرفة الصحابة 5: 2885 ح6778.

40 - رفاعة بن رافع بن مالك، أبو معاذ الزّرقي الأنصاري:

عدّه السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة ضمن الذين رووا حديث الغدير.

41 - الزبير بن العوام بن خويلد، أبو عبد الله القرشي الأسدي:

روى ابن المشهدي الحائري بسنده عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: لمّا رجع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم ونزل بغدير خم أمر بدوحات فقمّت ثم قام فقال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي

ص: 41

تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال: إنّ الله مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ثم أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي ،مولاه، ومن كنت نبيّه فهذا عليّ وليّه سلمه ،سلمي وحربه حربي، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

راجع: إقرار الصحابة بفضل إمام الهدى والقرابة 163 .

42 - زيد بن أرقم الخزرجي الأنصاري:

يروي عنه

1 - أنيسة بنت زيد بن أرقم.

2 - توير بن أبي فاختة الكوفي.

3 - جابر بن أرقم أخوه.

4 - حبيب بن يزيد.

5 - حبيب بن يسار.

6 - عامر بن واثلة أبو الطفيل.

7 - عبد الله بن باقل الكندي.

8 - عطيّة بن سعد العوفي.

9 - عمّارة بن جوين أبو هارون العبدي.

10 - عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي.

11 - كثير البجلي.

12 - مسلم بن صُبَيح أبو الضحى الكوفي.

ص: 42

13 - ميمون أبو عبد الله البصري.

14 - تفيع بن الحارث أبو داود السبيعي.

15 - يحيى بن جعدة.

16 - يزيد بن حيان الكوفي.

17 - يزيد بن شريك الكوفي.

18 - أبو عبد الله الشيباني.

19 - أبو عبد الله الغَنوي.

20 - أبو ليلى الحضرمي.

21 - أبو ليلى الكندي.

22 - أبو ليلى مولى ابن سعید.

23 - ابن امرأة زيد بن أرقم.

1 - أما رواية أنيسة بنت زيد بن أرقم فهي ما رواها الطبراني بسنده عن أنيسة عن أبيها قال: أمر رسول الله بالشجرات فقم ما تحتها ورُشّ ثمّ خطبنا فوالله ما من شيء يكون إلى أن تقوم الساعة إلا وقد أخبرنا به يومئذ، ثم قال: يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قلنا: الله ورسوله أولى بنا من أنفسنا ، قال : فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً ، ثم بيده فكشطها ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: المعجم الكبير 5: 212 ح5128 ، عنه ابن كثير في جامع المسانيد 4: 456 ح2862، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 105.

2 - أما رواية ثوير بن فاختة فقد رواها الطبراني بسنده أيضاً عن زيد قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فأخذ بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

ص: 43

راجع المعجم الكبير 5: 194 ح 5066 عنه ابن كثير في جامع المسانيد 4: 398 ح2761.

3 - أما رواية جابر بن أرقم فقد رواها العياشي بسنده عن جابر بن أرقم قال: بينا نحن في مجلس لنا وأخي زيد بن أرقم يحدّثنا، إذ أقبل رجل على فرس عليه هيئة السفر، فسلّم علينا ثم وقف فقال: أفيكم زيد بن أرقم ؟ فقال زيد: أنا زيد بن أرقم فما تريد؟ فقال الرجل: أتدري من أين جئت؟ قال: لا، قال: من فسطاط مصر لأسألك عن حديث بلغني منك تذكره عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فقال له :زيد وما هو ؟ قال : حديث غدير خم في ولاية علي بن أبي طالب علیه السّلام والرواية طويلة يشرح فيها زيد نزول آية التبليغ بعرفة وتأخير النبي صلی الله علیه و آله و سلّم ذلك إلى الجحفة ونزوله بغدير خم وصعوده على المنبر وخطبته حيث قال: صلی الله علیه و آله و سلّم أيها الناس إنّه نزل عليّ عشيّة عرفة أمر ضقت به ذرعاً مخافة تكذيب أهل الإفك، حتى جاءني في هذا الموضع وعيد من ربّي إن لم أفعل، ألا وإنّي غير هائب لقوم ولا محاب لقرابتي، أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله، قال: اللهم اشهد، وأنت يا جبرئيل فاشهد . حتى قالها ثلاثاً - ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله - قالها ثلاثاً...

راجع: تفسير العياشي 2 : 97 ح89 ، عنه البحار 37: 151 ح37 ، كما رواها الحاكم الحسكاني بسنده عن العياشي في شواهد التنزيل 1: 356 ح368.

4 - أما رواية حبيب بن يزيد فهي ما رواها الشيخ الطوسي بسنده إلى ابن عقدة عن الحكم بن عُتبة وسلمة بن كهيل قال : حدثنا حبيب - وكان إسكافاً في بني بدا، وأثنى عليه خيراً - أنه سمع زيد بن أرقم يقول: خطبنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: الأمالي : 254 456 ، عنه البحار 37 124 ح 20، ونحوه في بشارة المصطفى لعماد الدين الطبري ،198 ، وتاريخ دمشق لابن عساکر :42 : 217 ح8707.

5 - أما رواية حبيب بن يسار وأبو ليلى مولى ابن سعيد فهي ما رواها البزار بسنده

ص: 44

عن عمارة الأحمر قال : أخبرني حبيب بن يزيد وأبو ليلى مولى فلان بن سعيد وحبيب بن يسار قالوا: كنا مع زيد بن أرقم جلوساً، فجاءه رجل فجلس فقال: إنّ الناس قد أكثروا في هذين الرجلين علي ، وعثمان فأخبرني عنهما قال: لا أحدثك إلا بما شهدته ووعاه قلبي: خرج النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فاستقبلنا بوجهه فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فأعادها علينا ثلاثاً كل ذلك نقول: بلى يا رسول ،الله، وعليّ ساكت قال: قم يا عليّ وأخذ بعضده أو بعضديه فرفعها أو فرفعهما فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه .

راجع: البحر الزخّار :10: 238 ح4334، ونور الدين الهيثمي في كشف الأستار عن زوائد البزار 3: 190 ح2540.

6 - أما رواية كثير البجلي فقد رواها ابن البطريق بسنده إلى الحسن بن كثير [عن أبيه] عن زيد بن أرقم بنحو ما مرّ آنفاً.

راجع: المستدرك المختار ،21 عنه البحار 37: 197 ح82.

7 - أما رواية أبي الطفيل عامر بن واثلة، فقد رويت بألفاظ مختلفة، رواها البلاذري بسنده عن زيد بلفظ: كنا مع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في حجة الوداع، فلما كنا بغدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قام فقال: كأني قد دعيت فأجبت إنّ الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن، وأنا تارك فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثمّ أخذ بيد عليّ فقال: من كنت وليه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: قلت لزيد: أنت سمعت هذا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ؟ قال : ما كان في الدوحات أحد إلا وقد رأى بعينه وسمع بأذنه ذلك.

راجع أنساب الأشراف 2: 356، ونحوه السنن الكبرى للنسائي 5: 45 ح8148، والخصائص 112 ح 78 ، وشرح مشکل الآثار :5 : 18 ح 1765 ، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 64 ح 65 والبداية والنهاية لابن كثير ،5 ،209 وكمال الدين للصدوق: 238 ح55، عنه البحار

ص: 45

37: 137 ح25 ، والسنة لابن أبي عاصم: 630 ح 1555، والشريعة للآجري 3: 351 ح 1765.

وروي بلفظ: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه عند الآجري في الشريعة 3: 218 ح1581 ، والمستدرك للحاكم :3 109 عنه السيوطي في جمع الجوامع 5 : 400 ح 15582 ، والهندي في كنز العمال 1 187 ح953، وفي المناقب للخوارزمي: 154 ح182، والطبراني في المعجم الكبير :5 166 ح 4969 و 4970، والمناقب للكوفي 2: 435 ح919.

وبلفظ: «يا أيها الناس إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إذا اتبعتموهما: كتاب الله وأهل بيتي ،عترتي ثم قال: أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ - ثلاث مرّات - فقال الناس:

نعم، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فإنّ علياً مولاه. انظر: تاریخ دمشق 42: 215 ح8702، والمستدرك للحاكم 3 109 وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 69 ح71، والأمالي الخميسية للشجري 1: 145 ح 6.

كما وردت بتفصيل أكثر في كلّ من مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 375 ح849، والمسترشد للطبري الإمامي: 466 ح 157 والمعجم الكبير للطبراني 5 : 166 ح4971، عنه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ،163 ، والسيوطي في جمع الجوامع 3: 241 ح8396.

8 - أما رواية عبد الله بن باقل فقد رواها محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن عبد الله بن باقل الكندي قال: كنت جالساً عند زيد بن أرقم، فجاء رجل على بغلة قمراء، فقال: أنت صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ؟ فقال : أنا زيد فأعادها عليه ثلاث مرات فلم يزد على أنّه قال:

أنا زيد، فقال الرجل : كنت مع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم؟ قال: نعم، قال: فما سمعته يقول في عليّ؟ قال: أمر بدوحات كنّ في الوادي فقممن أو كُنسن، ثم صلى ركعتين أخفّ فيهما القيام والركوع والسجود والقعود ثم خطب خطبة خفيفة فقال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقال له الرجل: أنت سمعته ؟ فقال: والله ما بالدوحات أحد إلا سمع بأذنيه ورأى بعينيه.

ص: 46

راجع مناقب الإمام أمير المؤمنين 2 : 400 ح876، ونحوه الأمالي الخميسية للشجري 1: 145 ح6.

9 - أمّا حديث عطيّة العوفي، فقد رواه أحمد بن حنبل بسنده عن عطية قال: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن عليّ يوم غدير خم، أحب أن أسمعه منك. فقال : إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك منّي شيء، فقال: نعم، كنا بالجحفة فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد عليّ فقال: أيّها النّاس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، قال: فقلت له: هل قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ قال: إنّما أخبرك كما سمعت.

راجع: مسند أحمد 32: 29 ح 19279، وفضائل الصحابة 2: 586 ح992، عنه جامع المسانيد لابن كثير :4 419 ح2799 ، كما رواه ابن عساكر عن طريق أحمد في تاريخ دمشق 42: 217 ح8706 ، والسيوطي عن تهذيب الآثار للطبري في جمع الجوامع 16: 234 ح 7775 ، ونحوه باختصار الكوفي في المناقب 2 : 386 ح 860 ، والآجري في الشريعة 3: 218 ح1580 ولفظه: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». كما رواه الطبراني في المعجم الكبير :5: 195 ح5069، 5070 ، والذهبي في طرق حديث من كنت مولاه: 71 ح74.

روي عنه بلفظ: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقط في مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 400 ح 877، و2: 446 ح 935، والمعجم الكبير للطبراني 5: 195 ح5071 ، وذكر أخبار أصبهان لأبي نُعيم الأصبهاني 1: 235 وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 217 ح8705، و.42: 216 ح 8704.

10 - أمّا رواية أبي هارون العبدي عُمارة بن جوين، فقد رواها الطبراني بسنده عن خلف بن خليفة قال: سمعت أبا هارون يذكر عن زيد بن أرقم أن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قال يوم غدیر خم: من كنت مولاه فعليّ مولاه

ص: 47

راجع: المعجم الكبير 5: 204 ح 5096 ، وفي المعجم الكبير أيضاً 5: 204 ح5097 عن أبي هارون العبدي عن رجل عن زيد وفيه إضافة : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

11 - أمّا رواية عمرو بن عبد الله السبيعي فهي ما رواها ابن عساکر بسنده عن ابن عقدة، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لعليّ: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله.

راجع: تاریخ دمشق :42: 218 ح8713، وفي السنة لابن أبي عاصم: 593 ح1375 عن شريك بلفظ: قلت لأبي إسحاق: أسمعت عن زيد بن أرقم ؟ قال : نعم، يريد: من كنت مولاه.

12 - أمّا رواية أبي الضحى مسلم بن صُبيح فقد رواها ابن أبي عاصم بسنده بلفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه وعند ابن المغازلي بلفظ: من كنت مولاه فعلي وليه أو مولاه.

راجع السنة : 592 ح1371، المناقب: 19 ، 25 وتاريخ دمشق 42: 218 ح8709.

أمّا محمد بن سليمان الكوفي فقد رواه بلفظ : «اللهمّ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» المناقب 2: 416 ح 897 ، وكذلك عند الطبراني في المعجم الكبير 5 :170 ح4983 و 4984 عنه ابن كثير في جامع المسانيد 4: 446 ح2849.

وبهذه الألفاظ أو قريب منها ورد في بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم الحلبي 6: 2933 وجمع الجوامع للسيوطي 16: 234 ،7776 ، وكنز العمال للمتقي الهندي 13:

.39344ح 105.

13 - أمّا رواية أبي عبد الله ميمون البصري فقد رواها أحمد بن حنبل بسنده عن میمون قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول اللهصلی الله علیه و آله و سلّم بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطبنا وظُلّل لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلی، قال: فمن كنت مولاه فإنّ علياً ،مولاه اللهم عاد من عاداه، ووال من والاه.

ص: 48

راجع: مسند أحمد 32: 73 ح19325، وفضائل الصحابة 2: 597 ح1017، عنه الهيثمي في غاية المقصد في زوائد المسند 3 : 371 ح3661 ، وابن كثير في جامع المسانيد 4: 429 ح2816، ورواه أيضاً ابن عساكر بسنده عن أحمد في تاريخ دمشق 42: 218 ح8712، وابن البطريق في العمدة: 92 ح114 ، وابن كثير في البداية والنهاية 5: 212 كما روى نحو البزار في البحر الزخّار :10: 233 ح4327، والطبراني في المعجم الكبير 5: 202 ح5092.

وفي لفظ آخر عند أحمد بن حنبل هكذا: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى قال من كنت مولاه فعليّ مولاه قال ميمون: فحدّثني بعض القوم عن زيد أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال : اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

انظر: مسند أحمد 32: 75 ح19328، وعنه في تاريخ دمشق :42: 218 ح8710 و8711، ونحوه الشريعة للآجري :3 217 ح 1578 ، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 66 ح 66، وسنن النسائي 5: 131 ح8469، والمناقب للكوفي 2: 396 ح873.

14 - أمّا رواية نُفيع بن الحارث فقد رواها عماد الدين الطبري بسنده عن أبي داود نُفيع قال: قلت لابن عمر: ألا أحدّثك بحديث حدّثنيه زيد بن أرقم؟ قال بلى قلت أخبرني أنه سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم الغدير: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال [ابن عمرو :] أنا رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أخذ بيد علي حتى رأيت بياض إبطيهما، ورسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: قلت: أسمع ذلك أبو بكر وعمر ؟ قال : إي والله لقد سمعا.

راجع: بشارة المصطفى: 285 ح 5.

15 - أمّا رواية يحيى بن جعدة فقد رواها ابن أبي عاصم بسنده عنه عن زيد عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: السنة : 591 ح 1364، والكامل لابن عدي 6 : 82 رقم 1615، والمناقب للكوفي 2: 381 ح855 ، وفوائد أبي بكر البزار 1: 157 ح 118 وتاريخ دمشق 42: 217 ح8708.

ص: 49

أمّا عند الطبراني ففيه تفصيل أكثر حيث روى بسنده عن يحى عن زيد قال: خرجنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم حتى انتهينا إلى غدير خم أمر بدوح فكّسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشدّ حرّاً منه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيّها الناس إنّه لم يُبعث نبيّ قط إلاّ عاش نصف ما عاش الذي كان قبله وإنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم ما لن تضلّوا بعده: كتاب الله. ثم قام وأخذ بيد عليّ فقال : يا أيّها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: المعجم الكبير 5: 171 ح 4986، والمناقب للكوفي 2 : 440 ح925 ، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 212 والمستدرك للحاكم 3: 533 ، والمحيط بأصول الإمامة لأبي الحسن الديلمي الزيدي: 175 ، وشرح الأخبار للقاضي النعمان 2: 99 ح21.

16 - أمّا رواية يزيد بن حيّان فقد رواها أصحاب السنن والمسانيد، وهي المتضمّنة على رواية حديث الثقلين بلفظ: «أذكركم الله في أهل بيتي» قاله الرسول الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم في غدير خم، ولم يرد ذكر لحديث الغدير إطلاقاً.

17 - أمّا رواية يزيد بن شريك، فقد رواها أسلم بن سهل الواسطي بسنده عن زيد قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: من كنت وليّه فعليّ وليّه.

راجع: تاريخ واسط: 171.

18 - أمّا رواية أبي عبد الله الشيباني فقد رواها ابن عساکر بسنده عن أبي يعلى الموصلي عن أبي عبد الله الشامي [أو الشيباني] قال: بينا أنا جالس عند زيد بن أرقم وهو جالس في مجلس بني الأرقم، فجاءه رجل من مراد على بغلة فقال : في القوم زيد ؟ فقال القوم: نعم هذا زيد، فقال: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو هل سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فإن عليا ،مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم.

راجع: تاریخ دمشق 42: 216 ح8703 ، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 239 ، رقم 681 وجامع المسانيد لابن كثير 4 :524 ح2973، والمعجم الكبير 5: 193 ح5065

51.

ص: 50

19 - أمّا رواية أبي عبد الله الغَنَوي، فقد رواها الحسن بن رشيق المصري بسنده عنه عن زيد قال : سمعت النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فإنّ علياً ،مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

رواه الخلعي في فوائده : 134 عن الحسن بن رشيق.

20 - أمّا رواية أبي ليلى الحضرمي، فقد رواها ابن أبي عاصم عنه عن زيد قال: خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: السنة : 592 ح1369 ، والمعجم الكبير للطبراني 5: 195 ح5068 ، وأطراف الغرائب والأفراد للمقدسي 1: 394 ح 2131.

21 - أمّا رواية أبي ليلى الكندي فقد رواها أحمد بن جعفر القطيعي بسنده عنه أنّه قال: سمعت زيد بن أرقم يقول ونحن ننتظر جنازة، فسأله رجل من القوم فقال: أبا عامر أسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم لعليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ قال: نعم، قال أبو ليلى: فقلت لزيد بن أرقم: قالها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ؟ قال : نعم، قد قالها له أربع مرّات، فقال: نعم.

راجع: فضائل الصحابة 2: 613 ح1048.

22 - أمّا رواية ابن امرأة زيد بن أرقم فقد رواها السرقسطي، وهي المتضمنة حديثاً طويلاً قال فيه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عقيب حديث الثقلين بعد ما أخذ بيد عليّ علیه السّلام: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

راجع: الدلائل 1: 152 رقم 73 - 74 والمجازات النبوية للشريف الرضي: 212 ح 176، والمناقب لابن المغازلي: 16 ح 23 والعمدة لابن البطريق : 104 ح 140.

43 - زيد بن ثابت بن الضحّاك، أبو سعيد الأنصاري:

فقد روى ابن عقدة بسنده عن أبي صالح عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم یوم

ص: 51

غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه].

راجع: حديث الولاية : 69 ح47 ، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 239 رقم681، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 100 ح122.

44 - زيد بن حارثة بن شراحيل، أبو أسامة الكلبي:

فقد روى عنه ابن عقدة بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن حارثة قال: تناول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يد عليّ بن أبي طالب وقال: «من كنت مولاه» الحديث.

راجع: حديث الولاية: 70 ح48، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 242 رقم 681.

45 - زيد أو يزيد بن شراحيل الأنصاري:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة ضمن من روى حديث الغدير.

46 - زيد بن صوحان بن حُجر، أبو سلمان العبدي الكوفي:

46 - زيد بن صوحان بن حُجر، أبو سلمان العبدي الكوفي(1)

روى الكشي بسنده عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّ زيد بن صوحان لما أصيب يوم الجمل جاءه عليّ علیه السّلام، وجلس عند رأسه وترحّم عليه، إلى أن قال زيد: والله ما قاتلت معك على جهالة، ولكنّي سمعت أمّ سلمة زوج النبي صلی الله علیه و آله و سلّم تقول : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله فكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله.

راجع: إختيار معرفة الرجال 1 :284 ح 119 والاختصاص : 79 عنه البحار 32: 188 ح139، وتأويل الآيات الظاهرة للاسترآبادي 2: 553 ح 5.

ص: 52


1- اختلفوا في صحبته، والأكثر على أنه صحابي.

47 - زيد بن عبد الله

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة ضمن من روى حديث الغدير.

48 - سعد بن جنادة العوفي الأنصاري:

روی حديثه ابن عقدة، أنظر حديث الولاية: 71 ح 49 وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 243 رقم 681.

49 - سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب، أبو إسحاق القرشي الزهري:

يروي عنه:

1 - أيمن القرشي.

2 - الحارث بن مالك أو الحارث بن ثعلبة .

3 - خَيْثمة بن عبد الرحمن الكوفي.

4 - ربيعة بن عمرو الجُرشي.

5 - سعيد بن المسيب المدني.

6 - سُليم بن قيس الهلالي.

7 - عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص.

8 - عامر بن سعد بن أبي وقاص.

9 - عبد الرحمن بن سابط المكي.

10 - عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري.

11 - عبد الله بن عباس.

12 - مصعب بن سعد بن أبي وقاص.

ص: 53

13 - أبو بكر بن خالد القضاعي.

14 - ومِنْ غيرهم.

1- أمّا رواية عائشة بنت سعد فقد رواها ابن أبي عاصم بسنده عنها عن أبيها قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم الجحفة وأخذ بيد عليّ، فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس إنّي وليكم. قالوا: صدقت يا رسول الله وأخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا ولیّي والمؤدّي عنّي.

راجع السنة: 551 ح 1189 ، نحوه البداية والنهاية لابن كثير 5: 212 عن الطبري وفيه تكملة: «إنّ الله موالٍ من والاه ومعادٍ من عاداه ونحوه في السنن الكبرى للنسائی 5: 107 ح 8397.

وفي لفظ النسائي : ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت یا رسول الله، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، وإنّ الله يوالي من والاه، ويعادي من عاداه.

راجع: السنن الكبرى 5: 134 ح 8480 ، وفي شرح مشكل الآثار 5: 21 ح1768، ونحوه باختلاف البحر الزخار للبزار 4: 41 ح 1203.

وفي لفظ آخر عند النسائي بسنده عنها عن أبيها قال: كنّا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بطريق مكة وهو متوجّه إليها (1)، فلما بلغ غدير خم وقف الناس ثم ردّ من مضى ولحقه من تخلّف، فلماً اجتمع الناس إليه قال: أيّها الناس هل بلّغت ؟ قالوا: نعم قال اللهم اشهد - ثلاث مرّات يقولها - ثم قال: أيها الناس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله - ثلاثاً. ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليّه فهذا، وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

ص: 54


1- هذا وهم من الراوي، إذ إنّ المتفق عليه أن حديث الغدير كان في منصرف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من مكة إلى المدينة بعد حجة الوداع.

راجع: السنن الكبرى 5: 135 ح 8481 ، وشرح مشكل الآثار للطحاوي 9: 181 ح 6491، والأحاديث المختارة لضياء المقدسي3: 213 ح1014 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 1: 444 ح344 وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 223 ،ح8720 وفرائد السمطين للجويني 70:1 ح 73.

2 - أمّا رواية عامر بن سعد فقد رواها النسائي بسنده عنه وعن عائشة أخته بلفظ : هذا وليّي والمؤدّي عنّي وال الله من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: السنن المبرى 5: 134 ح8479 ، والخصائص: 137، 94، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 57 - 60 ح 53 - 55 والمحيط بأصول الإمامة للديلمي الزيدي: 177.

وقد رواه ابن كليب الشاشي بسنده عن عامر عن أبيه بلفظ: أما والله إنّي لأعرف علياً وما قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ، أشهد لقال لعليّ يوم غدير خم ونحن قعود معه، فأخذ بضبعه ثم قام به، ثم قال: أيّها الناس من مولاكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم عاد من عاداه، ووال من والاه.

راجع: مسند الشاشي 1: 165 ح 106، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 114 ح8476، وتاريخ الإسلام للذهبي 2: ،355 وفضائل الخلفاء الراشدين لأبي نُعيم الأصبهاني: 30 ح17.

3 - أمّا رواية مصعب بن سعد نقد رواها الذهبي قائلاً: ويُروى عن الحكم بن عُتبة عن مصعب عن أبيه أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قال : من كنت مولاه الحديث. ويُروى عن حصين بن مُخاريق عن أبي حيان التيمي عن مُجمّع بن سمعان التيمي عن مصعب بن سعد، ويُروى عن موسى الجهني عن مصعب نحوه.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه: 61 - 62 ح 57 و 58 و 60.

4 - أمّا رواية الحارث بن مالك فقد رواها ابن أبي عاصم بسنده عنه عن سعد قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فعلى مولاه.

ص: 55

راجع: السنة: 593 ح 1376.

وفي لفظ آخر عند ابن كليب الشاشي بسنده عن الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت له: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: شهدت له أربعاً لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من الدنيا أعمّر فيها مثل عمر نوح... الرابعة: يوم غدیر خم قام رسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، فأبلغ، ثم قال: يا أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ - ثلاث مرات - قالوا: بلى قال ادن يا عليّ فرفع يده ورفع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه فقال: من كنت مولاه فعلي ،مولاه حتى قالها ثلاث مرات...

راجع: مسند ابن كليب الشاشي :1: 126 ح،63، ونحوه باختلاف بشارة المصطفى لعماد الدين الطبري: 315 ح، 28، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42 :116 ح8483 ، وكفاية الطالب للكنجي: 219، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 62 ح61 ، والخصال للصدوق: 311 ح 87، عنه البحار 40 :9 ح 22 الأمالي للمفيد : 55 ح2 ، عنه البحار 40: 39 ح75.

5 - أمّا رواية سُليم بن قيس فقد وردت في كتابه حيث قال: لقيت سعد بن أبي وقاص وقلت له: إنّي سمعت علياً علیه السّلام يقول: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : اتقوا فتنة الأخينس، اتقوا فتنة سعد، فإنّه يدعو إلى خذلان الحق وأهله فقال سعد: اللهمّ إني أعوذ بك أن أبغض علياً أو يُبغضني أو أقاتل علياً أو يقاتلني، أو أعادي علياً أو يعاديني، إنّ علياً كانت له خصال لم تكن لأحد من الناس مثلها .... وأعظم من ذلك يا أخا بني هلال يوم غدیر خم أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بيده وأنا أنظر إليه رافعاً عضديه فقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، ليبلغ الشاهد الغائب.

راجع: کتاب سلیم 2: 887 ح 55 ، عنه شاذان بن جبرئيل في الفضائل: 561 ح243 والروضة : 138 ح122، والمجلسي في البحار 42: 155 ح23.

ص: 56

6 - أمّا رواية خيثمة بن عبد الرحمن فقد رواها الحاكم النيسابوري بسنده عنه قال: سمعت سعد بن مالك وقال له رجل: إنّ علياً يقع فيك أنّك تخلّفت عنه، فقال سعد: والله إنّه لرأي رأيته وأخطأ رأيي إنّ علي بن أبي طالب أعطي ثلاثاً لأن أكون أعطيت إحداهنّ أحبّ إليَّ من الدنيا وما فيها لقد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه: هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين؟ قلنا: نعم، قال: اللهمّ من كنت مولاه فعلي مولاه، وال من والاه وعاد من عاداه.

راجع المستدرك 3: 115 ، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2 : 235 رقم 681، ونحوه تاريخ دمشق لابن عساكر :42 118 8488 وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 54 - 55

.51-50 .

7 - أمّا رواية عبد الرحمن بن سابط فقد رواها ابن أبي شيبة بسنده عنه عن سعد قال: قدم معاوية في بعض حجّاته فأتاه سعد، فذكروا علياً فنال منه معاوية، فغضب سعد فقال:

تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول له ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحبّ إليَّ من الدنيا وما فيها سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه...

راجع: المصنف :17 101 ح32741 ، والسنة لابن أبي عاصم : 596 ح1387، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي 3: 207 ح1008 ونحوه سنن ابن ماجة 1 45 ح121، وتاريخ دمشق لابن عساکر :42 116 ح 8481، والبداية والنهاية لابن كثير :7 353 وطرق حديث ، من كنت مولاه للذهبي : 55 - 57 ح52 ، والسنن الكبرى للنسائي 5: 108 ح8399 مختصراً، وفوائد الخلعي: 118.

8 - أمّا رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى فقد رواها أبو نُعيم الأصبهاني بسنده عنه عن سعد قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال: لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله وحديث الطير وحديث غدير خم.

ص: 57

راجع: حلية الأولياء 4 356 رقم 278 عنه المستدرك المختار لابن البطريق: 18.

9 - أمّا رواية ربيعة الجُرشي فقد رواها ابن أبي عاصم بسنده عن ربيعة قال: ذُكر عليّ عند معاوية وعنده سعد بن أبي وقاص، فقال له سعد: أيُذكر عليّ عندك؟ إنّ له لمناقب أربع لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من كذا وكذا - ذكر حُمر النعم : قوله : لأعطينّ الراية وقوله: بمنزلة هارون من موسى وقوله من كنت مولاه، ونسي سفيان الرابعة.

راجع: السنة: 596 ح 1386 ، والأحاديث المختارة للمقدسي 3: 151 ح 948، والعمدة لابن ح1386، البطريق : 97 ح 128 ، والخصال للصدوق : 210 ،ح34، عنه البحار 40 9 ح20.

10 - أمّا رواية أيمن القرشي فقد رواها النسائي بسنده عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه أن سعداً قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه .

راجع: السنن الكبرى 5: 131 ح 8468 ، ونحوه السنة لابن أبي عاصم: 591 ح 1359، والأحاديث المختارة لضياء المقدسي 3: 139 ح937.

وفي رواية الذهبي بسنده عن النسائي إلى سعد قال قدم معاوية مكة فدخل عليه سعد، فأجلسه معه على السرير، ثم قال لأهل الشام: هذا صديق لعلي ؟ فقالوا: من عليّ؟ فبكى سعد، فقال: ما يبكيك؟ قال : تذكر رجلاً من أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من المهاجرين ولا أقدر أن أغيّر، وقد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم (حين أراد المسير) إلى تبوك أو غيره وخلفه عليّ... وكان عليّ في غُزاة فأتى بريدة فقال : يا رسول الله إنّ علياً فعل كذا وكذا، فقال: يا بريدة أحق ما تقول أم من موجدة؟ قال: من موجدة قال من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه: 60 - 61 ح 56.

11 - أمّا رواية عبد الله بن عباس فقد رواها الشيخ الطوسي بسنده بنحو ما مرّ آنفاً، وفيه شكوى رجل عن عليّ عليه السلام لمّا كان معه في اليمن فأجابه النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم : ألا تعلم أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قال: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه.

ص: 58

راجع: أمالي الطوسي: 598 ح 1243، عنه البحار 33 217 ح507، ونحوه الرسالة الموضحة 11.

12 - أمّا رواية أبي بكر بن خالد فقد رواها الضياء المقدسي بسنده إلى ابن أبي عاصم عن أبي بكر بن خالد قال : أتيت سعد بن مالك بالمدينة فقال: إنّكم تسبّون علياً؟ قال: قلت: قد فعلنا قال: لعلّك سببته ؟ فقلت: معاذ الله قال : فلا تسبّه فلو وضع المنشار على مفرق رأسي ما سببته أبداً بعدما سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ما سمعت من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: الأحاديث المختارة 3: 273 1078، ونحوه بدون ذكر الحديث المصنّف لابن أبي شيبة 17: 631 ح 32785، والسنة لابن أبي عاصم : 590 ح1352، والسنن الكبرى للنسائي :5 133 ح8477 ، وتلخيص المتشابه للخطيب 1: 337 رقم ،451 وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: ،412 ومسند أبي يعلى الموصلي 2: 74 ح777.

13 - أمّا رواية سعيد بن المسيّب فقد رواها ابن عقدة بسنده عنه قال: قلت لسعد بن أبي وقّاص : إنّي أريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك، قال: سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك، قال: قلت: مقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم؟ قال: نعم قام فينا بالظهيرة، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقال أبو بكر وعمر أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

راجع: حديث الولاية : 76 ح 54 ، عنه زين الفتى للعاصمي 2 : 263 ح472، وكفاية الطالب للكنجي:12، والإجازة الكبيرة للعلّامة الحلّي لبني ،زهرة كما في البحار 104: 116، وطرق حديث من كنت مولاه: 12 ح 1 ، وقدح في رواته، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 235 رقم 681.

14 - وأخيراً روى البلاذري بسنده عن هشام بن السائب الكلبي عن عوانة عن أبيه قال: قال سعد بن أبي وقاص لمعاوية في كلام جرى: قاتلت علياً وقد علمت أنه أحق بالأمر منك. فقال معاوية: ولم ذاك؟ قال: لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم

ص: 59

وال من والاه، وعاد من عاداه» ولفضله في نفسه وسابقته قال: فما كنت قط أصغر في عيني منك الآن، قال سعد : ولم؟ قال: لتركك نصرته وقعودك عنه، وقد علمت هذا من أمره.

راجع: أنساب الأشراف 5: 87.

50 - سعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري :

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة ضمن من روى حديث الغدير.

51 - سلمان الفارسي أبو عبد الله:

يروي عنه:

1 - عبد الله بن عباس.

2 - أبو عقيل .

3 - المسعودي يرفعه إلى سلمان.

4 - زاذان .

1 - أمّا رواية ابن عباس فقد رواها محمد بن سليمان الكوفي بسنده عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 413 ح 895.

2 - أمّا رواية أبي عقيل فقد رواها ابن عقدة بسنده، وعنه الذهبي في طرق حديث من كنت مولاه: 96 ح114، وقد ضعفه، ورواها أيضاً الزيلعي في تخريج الأحاديث 2:

241 رقم 681.

3 - أمّا رواية المسعودي مرفوعة إلى سلمان فهي ما رواها الشيخ الصدوق بسنده قال: مرّ إبليس لعنه الله بنفر يتناولون أمير المؤمنين علیه السّلام فوقف أمامهم ، فقال القوم: من الذي وقف أمامنا؟ فقال : أبو مُرّة، فقالوا: يا أبا مرّة أما تسمع كلامنا ؟ فقال : سوءة لكم تسبّون مولاكم

ص: 60

عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: من أين علمت أنّه مولانا؟ فقال: من قول نبيّكم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله...

راجع علل الشرائع: 143 ح9، والأمالي: 427 ح 565، عنه البحار 39: 162 ح1.

4 - أمّا رواية زاذان فقد رواها المظفّر بن جعفر بسنده عن سلمان في حكاية الأعرابي الذي لم يتمكّن من حضور حجة الوداع لمرضه، ثمّ أدرك النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بعدها، فسأله أن يعلّمه مناسكه في العام القابل، فأشار النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إلى دنو وفاته وأمره بالرجوع إلى علي علیه السّلام، فقال الأعرابي: فإنّ حجيج قومي ممّن شهد ذلك معك، أخبرونا أنّك قمت بعليّ بعد قفولك من الحج، ووقفته بالشجرات من خم افترضت على المسلمين أكتعين محبّته وطاعته، وأوجبت عليهم جميعاً ولايته، وقد أكثروا علينا في ذلك، فنبئنا يا نبي الله أذلك فريضة علينا من الأرض لما أدّته الرحم والصهر لعلي منك، أم افترضه وأوجبه من السماء؟ قال: بل الله افترض ولايته على أهل السماوات وأهل الأرض جميعاً، قال: فإنّي راض ومسلّم لله ورسوله...

راجع: الرسالة الموضحة 34، ونحوهخ مختصراً تأويل الآيات الظاهرة 2: 869 ح7، عنه البحار 40: 54 89 ، وانظر أيضاً الدر النظيم لابن أبي حاتم الشامي: 321، وشرح الأخبار للقاضي النعمان 1: 221 ح207.

52 - سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع [سلمة بن الأكوع أبو مسلم الأسلمي]:

روي حديثه ابن عقدة، ورواه عنه الزيلعي في تخريج الأحاديث 2: 239 رقم 681.

53 - سمرة بن جندب بن هلال أبو سعيد الفزادي:

يروي عنه:

1 - الحسن البصري.

2 - ابنه مطرّف بن سمرة بن جندب.

ص: 61

1 - أمّا رواية الحسن البصري فقد رواها أبو الفضل ابن القيسراني المقدسي بسنده عن سمرة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم أنه قال من كنت وليّه فعليّ وليه.

راجع: أطراف الغرائب والأفراد 1: 402 ح2184.

2 - أمّا رواية ابنه فقد رواها ابن عساكر بسنده عن ابن عقدة عن مطرّف عن أبيه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: تاریخ دمشق 42: 230 ح8732 ، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 239 رقم 681 .

54 - سهل بن حنيف بن واهب أبو ثابت الأوسي الأنصاري:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

55- سهل بن سعد بن مالك، أبو العباس الساعدي الخزرجي الأنصاري:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

56 - الصدي بن عجلان بن وهب، أبو أمامة الباهلي:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

57 - ضميرة السّلمي:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

58 - طلحة بن عبيد الله بن عثمان أبو محمد القرشي التيمي:

روى العاصمي بسنده عنه أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قال من كنت مولاه فعلي مولاه .

راجع: زين الفتى 2 : 263 ح473، وفي تاريخ دمشق لابن عساکر 42: 223 ح8721 بلفظ: «عليّ مولى من كنت مولاه».

ص: 62

59 - عامر بن عُمير النميري العامري الأنصاري:

روى عنه ابن عقدة حديث ،الغدير كما في تخريج الأحاديث للزيلعي 2: 243 رقم ،681 والإصابة لابن حجر العسقلاني 3: 592 رقم ،4414 وأسد الغابة لابن الأثير 3: 133 رقم 2720.

60 - عامر بن ليلى بن ضَمرة الغفاري الضّمري:

روى حديثه ابن عقدة بسنده عنه وعن حذيفة بن أسيد قالا: لمّا صدر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من حجة الوداع - ولم يحجّ غيرها - أقبل حتى إذا كان بالجحفة نهى عن سمرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهنّ، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهنّ أرسل إليهنّ فقُمّ ما تحتهنّ وشدّبن عن رؤوس القوم ، حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهنّ فصلّى تحتهنّ ثم انصرف إلى الناس وذلك يوم غدير خم، وخم من الجحفة وله بها مسجد معروف فقال أيّها الناس إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لن يعمّر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإنّي لأظنّ أن أدعى فأجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون هل بلغت فما أنتم قائلون؟ :قالوا نقول: قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنّ جنّته حقّ وأنّ ناره حقّ والبعث بعد الموت حقّ) قالوا: بلی نشهد فقال: اللهم أشهد، ثم قال : أيها الناس ألا تسمعون؟ ألا فإنّ الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون، ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه...

رواه عن ابن عقدة الزيلعي في تخريج الأحاديث 2 : 243 رقم 681، وابن الأثير في أسد الغابة 3:136 رقم 2729 و 2730 ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغُرف 1: 353 ح 77 ، والسمهودي في جواهر العقدين 2: 83، كما أشار إليه ابن كثير في جامع المسانيد 7: 46 ح4772، وابن حجر العسقلاني في الإصابة 3:597 رقم 4424 و4425.

ص: 63

61 - عامر بن واثلة بن عبد الله أبو الطفيل الكناني الليثي:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

62 - العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل القرشي الهاشمي :

روى حديثه الزيلعي عن ابن عقدة بسنده قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: تخريج الأحاديث 2: 238 رقم 681 وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 63 ح 63 وقد ضعفه.

63 - عبد الرحمن بن صخر، أبو هريرة الدوسي:

روى روايته الخطيب البغدادي بسنده عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كُتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خمّ لمّا أخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم بيد عليّ بن أبي طالب فقال: ألست وليّ المؤمنين ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: «أكمَلتُ لَكُم دِينَكُمم».

راجع: تاریخ بغداد 9 : 222 رقم 4345 ، وعن الخطيب في تاريخ دمشق 42: 232.

ونحوه أو قريب منه عند عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى: 157 ح 119، عنه البحار 95 321 ،ح4، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن طريق ابن شاهين 1: 200 ح 210، والخوارزمي في المناقب: 156 ح 184 عن طريق الحاكم النيسابوري، ولذلك الجويني في فرائد السمطين 1: 77 44. كما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي 5 ح2، عنه البحار 37: 108 ح 1، والعاصمي في زين الفتى 2: 265 ،474، والشجري في الأمالي الخميسية 1: 42 وابن المغازلي في المناقب: 18 ح24 ، وابن البطريق في العمدة : 106 ح 141 عن ابن المغازلي

ص: 64

كما روي عنه بأسانيد مختلفة بلفظ : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: المصنّف لابن أبي شيبة :17: 111 ح 32755، مسند أبي يعلى الموصلي 11: 307 ح6423، تاریخ دمشق لابن عساکر :42 232 ح8723 البداية والنهاية لابن كثير 5: 213 البحر الزخار للبزار 17: 102 ح9659، المناقب للكوفي 2: 394 ح870، الأمالي الخميسية للشجري 1: 146 الغارات للثقفي 2: 656 ، المعجم الأوسط للطبراني 2: 68 ح1115، مجمع الزوائد للهيثمي 9 105 .

64 - عبد الرحمن بن عبد الرب الأنصاري:

أورده ابن كثير عن ابن عقدة ضمن الذين شهدوا لأمير المؤمنين علیه السّلام بسماع حديث الغدير يوم ناشدهم في الرحبة.

راجع جامع المسانيد والسنن 8: 351 ح6040.

65 - عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، أبو محمد القرشي الزهري:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

66 - عبد الرحمن بن مُدلج :

أورده ابن كثير عن ابن عقدة فيمن كتم الشهادة حين المناشدة فأصابته آفة.

راجع: جامع المسانيد 8: 446 ح6183.

67 - عبد الرحمن بن يعمر بن عوف الديلي:

روى حديثه الزيلعي نقلاً عن ابن عقدة.

راجع: تخريج الأحاديث 2: 242 رقم 681.

ص: 65

68 - عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي:

كان فيمن شهد لأمير المؤمنين علیه السّلام بسماع الحديث يوم مناشدة الرحبة.

69 - عبد الله بن بسر بن أبي بسر، أبو صفوان المازني:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

70 - عبد الله بن ثابت بن الفاكه الخطمي الأنصاري:

عدّه ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

71 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:

يروي عنه:

1 - ابنه إسماعيل بن عبد الله بن جعفر.

2 - سُليم بن قيس.

1 - أمّا رواية ابنه إسماعيل فقد رواها الزيلعي بسنده عن ابن عقدة عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: خطب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه...

راجع: تخريج الأحاديث 2: 239 رقم 681.

2 - أمّا رواية سليم فقد رواها في كتابه قال: حدّثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية ... قلت:.... يا معاوية إني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول وهو على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة، وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقّاص وسلمان الفارسي وأبو ذر ، والمقداد، والزبير بن العوام وهو يقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا: بلى يا رسول الله قال : أليس أزواجي أمّهاتكم؟ قلنا : بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه - وضرب بيديه على منكب علي علیه السّلام - اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه،

ص: 66

أيّها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر...

راجع: کتاب سلیم 834 ح42 عنه البحار 33: 265 ح534 ، وانظر: الدر النظيم : 496 والاحتجاج 2 : 56 ح 155، وذكر مقطعاً منه الكليني في الكافي 1: 529 ح4، والنعماني في الغيبة:

95 ح27، والطوسي في الغيبة: 137 ح 101، وعلي بن الحسين بن بابويه في الإمامة والتبصرة: 110 ح 97، والشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا 38 :1 علیه السّلام ح 8، وغيرها.

72 - عبد الله بن ربيعة:

عدّه الخوارزمي فيمن روى حديث الغدير.

راجع: مقتل الحسين 81 :1 علیه السّلام ح 35.

73 - عبدالله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس القرشي الهاشمي :

يروي عنه:

1 - الإمام الباقر علیه السّلام.

2 - باذام أبو صالح الكلبي.

3 - سعيد بن جبير الأسدي.

4 - طارق بن شهاب البجلي.

5 - عباية بن ربعي الكوفي.

6 - عبد الله بن جعفر الهاشمي.

7 - عطاء بن أبي رَباح المكي.

8 - علي بن عبد الله بن عباس المدني.

ص: 67

9 - عمرو بن ميمون الأودي.

10 - ميمون الكندي.

11 - يحيى بن منقذ الشامي.

12 - وغيرهم.

1 - أما رواية الإمام الباقر علیه السّلام فقد رواها ابن عقدة بسنده قال: عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس قال: نظر عليّ في وجوه الناس فقال: إنّي لأخو رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، ووزيره ولقد علمتم أني أوّلكم إسلاماً، ولقد رأيتم يوم غدير خم ووقفته معي ورفعه بيدي.

راجع: حديث الولاية : 107، 94، عنه طرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 23 ح 12وضعفه بأنّ الإمام الباقر علیه السّلام لم يلق ابن عباس ولكن كلامه هذا غير صحيح لأنّ الإمام الباقر علیه السّلام أدرك ابن عباس اثني عشر عاماً.

ورواه أيضاً ابن المغازلي في المناقب: 111 ح154 والإربلي في كشف الغمة 1: 154، والخزاعي في الأربعين: 61 ح20.

2 - أمّا رواية عمرو بن ميمون فقد رواها أحمد بن حنبل بسنده عنه قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن تخلونا يا هؤلاء قال: فقال ابن عباس: بل أقوم معكم. قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن یعمی، قال: فابتدؤوا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا: قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر ... وقال: من كنت مولاه فإنّ مولاه علي...

راجع: مسند أحمد 5: 178 ح 3061 و3062، وفضائل الصحابة 2: 682 ح1168، عنه مجمع الزوائد للهيثمي 9: 119، ورواه بطريق أحمد الحاكم النيسابوري في المستدرك 3: 132 وصححه وتابعه الذهبي على تصحيحه، والخوارزمي في المناقب: 125 ح 140. والجويني في فرائد السمطين 1: 327 ، 255، وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 101 والكنجي في كفاية

ص: 68

الطالب: 179 والمقدسي في الأحاديث المختارة 13: 26 ح32، والسنن الكبرى للنسائي 5: 112 ح8409 ، والقاضي النعمان في شرح الأخبار 2: 299 ح618 ، والآجري في الشريعة 3:

193 ح 1546، وفي 3: 220 ح 1585 بلفظ: «من كنت وليّه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، وفرات الكوفي في تفسيره: 420 ح558 ، والطبراني في المعجم الكبير 12: 77 ح 12593، والبلاذري في أنساب الأشراف 2: 355 .

3 - أمّا رواية طارق بن شهاب فقد رواها أبو علي الصفار بسنده بنحو ما مرّ.

راجع: الأربعون في فضائل أمير المؤمنين [أمالي الصفّار]: 87 37، وتوضيح الدلائل للإيجي الشافعي: 324 ح912 .

4 - أمّا رواية عباية بن ربعي فقد رواها الشيخ الصدوق بسنده في حديث طويل إلى أن قال: ثم أخذ صلّی الله علیه و آله و سلّم بيدي علي بن أبي طالب فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ولم يُرَ قبل ذلك، ثم قال: أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالى ،مولاي وأنا مولى المؤمنين، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله...

راجع: الأمالي: 435 ح576، عنه الاسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة 1: 157 ح17، والمجلسي في البحار ،37: 109 ح3، ونحوه في شواهد التنزيل للحسكاني 1: 256 ح250.

5 - أمّا رواية عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عنه فقد رواها سُليم في كتابه قال: حدّثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين، وعنده عبد الله بن العباس والفضل بن العباس [إلى أن قال:] فأقبل ابن عباس على معاوية فقال .... ونبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم وفي غير موطن، واحتجّ عليهم به وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنّه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنّه ولي كلّ مؤمن بعده، وأنّ كل من كان هو وليّه فعليّ وليّه، ومن كان هو أولى به من نفسه فعلي

أولى به من نفسه...

ص: 69

راجع: کتاب سليم: 842 ح42، عنه الاحتجاج للطبرسي 2: 60 155، والبحار 33: 269 ح534 ، والدرّ النظيم : 498 .

6 - أما رواية أبي صالح باذام الكلبي فقد رواها الحاكم الحسكاني بسنده عنه قال: وقوله: «بَلّغ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» نزلت في عليّ، أمر رسول الله أن يبلغ فيه، فأخذ بيد عليّ وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه...

راجع: شواهد التنزيل 1: 239 ح 240 ، وتفسير الثعلبي 4: 92 والعمدة لابن البطريق 100 ح 134، والأمالي الخميسيّة للشجري 1: 145 ح6 ، وبشارة المصطفى لعماد الدين الطبري: 372 ح13 ، كما أشار إليها العياشي في تفسيره 1: 331 ح152 عنه البحار 37: 139 ح 31.

7 - أمّا رواية سعيد بن جبير فقد رواها ابن عساکر بسنده عنه قال: قال رسول الله : عليّ بن أبي طالب مولى من كنت مولاه.

راجع: تاریخ دمشق ،42 229 ،ح8729 ، والجامع الصغير للسيوطي: 346 ح5598 وصحيح الجامع الصغير للألباني 2: 753 ح 4089 ،وصححه، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 84 ح91 وقال: حديث منكر.

8 - أمّا رواية عطاء بن أبي رباح فهي ما رواها عماد الدين الطبري بسنده عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه، وعليّ وليّ من كنت وليّه.

راجع: بشارة المصطفى: 235 ح10 ، عنه المجلسي في البحار 37: 222 ح92.

وورد بلفظ : «الله ربي ولا إمارة لي معه، وأنا رسول ربي ولا إمارة معي وعليّ وليّ من كنت وليه ولا إمارة معه».

راجع: معاني الأخبار للصدوق 66 ح4، عنه المجلسي في البحار 37: 224 ح99، ورواه أيضاً الكراجكي في كنز الفوائد: 154 ابن شهر آشوب في المناقب 3: 51 عن الثعلبي.

ص: 70

9 - أمّا رواية ميمون الكندي فقد رواها ابن عقدة بسنده عنه قال: أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بید عليّ يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه...

راجع: تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي 2: 238 رقم 681.

10 - أمّا رواية علي بن عبد الله بن عباس فقد رواها الخطيب البغدادي بسنده عنه قال: إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم :قال من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: تاریخ بغداد :12 343 رقم 6785 ، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 188 ح 8641.

11 - أمّا رواية يحيى بن منقذ فهي ما رواها الطبري الإمامي الكبير بسنده عنه قال: سمعت ابن عباس يقول : أمر الله تعالى نبيه صلّی الله علیه و آله و سلّم بإظهار ولاية علي علیه السّلام فقال: يا رب، الناس حديث عهد بالجاهليّة، ومتى أفعل قال الناس فعل بابن عمّه كذا وكذا. فلمّا قضى حجه رجع حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله جلّ وعزّ «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فنادى الصلاة جامعة، فاجتمعوا فخرج رسول الله ومعه عليّ فقال : يا أيّها الناس ألستم تزعمون أنّي مولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟ قالوا: بلى قال من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من ،نصره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه، وأبغض من أبغضه، وأحبّ من أحبّه...

راجع: المسترشد 469 ح161، وسعد السعود لابن طاوس : 152 رقم 80. وكشف الغمة للإربلي 1: 567 عنه البحار 37: 177 ح64.

12 - وأخيراً ما رواه ابن طاوس من عدّة طرق بأسانيد متصلة عن عبدالله ابن عباس أنّه قال : لمّا خرج النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في حجة الوداع فنزل الجحفة أتاه جبرئيل علیه السّلام فأمره أن يقوم بعليّ علیه السّلام، فقال صلّی الله علیه و آله و سلّم : أيّها الناس ألستم تزعمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه...

راجع الطرائف 121 ح 184 والإقبال 2: ،244 عنه البحار 37 130.

ص: 71

74 - أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة:

عده ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

75 - عبدالله بن أبي أوفى علقمة بن خالد أبو إبراهيم الخزاعي الأسلمي:

يروي عنه:

1 - عطية بن سعد بن جُنادة الكوفي.

2 - عُمارة بن المُضرب الكوفي.

3 - عمر بن قيس الماصِر الكوفي.

1 - أما رواية عطية بن سعد فقد رواها ابن المغازلي بسنده عن عطية قال: رأيت ابن أبي أوفى وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره ، فسألته عن حديث فقال: إنّكم يا أهل الكوفة فيكم ما فيكم، قال: قلت: أصلحك الله إني لست منهم، ليس عليك مني عار، قال: أيّ حديث؟ قال: قلت: حديث عليّ يوم غدير خم. فقال: خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حجته يوم غدير خم وهو آخذ بعضد عليّ فقال: يا أيها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فهذا مولاه.

راجع: المناقب لابن المغازلي: 23 ح 34 عنه ابن البطريق في العمدة: 110 ح154، والسيد ابن طاوس في الطرائف 145 والمجلسي في البحار 37 185 ح 70 .

2 - أما رواية عمارة فقد رواها ابن عقدة بسنده ونقله عنه الزيلعي في تخريج الأحاديث 2: 242 رقم 681.

3 - أما رواية عمر بن قيس فقد رواها الحاكم الحسكاني بسنده عن عمر بن قيس الماصر قال: سمعت جدّي قال: حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم، وتلا هذه الآية «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم

ص: 72

تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ» ثم رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ، ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: اللهم اشهد.

راجع شواهد التنزيل :1 252 ح247 .

76 - عبدالله بن عمر بن الخطاب أبو عبدالرحمن العدوي القرشي:

يروي عنه:

1 - الحسن البصري.

2 - ابنه سالم بن عبد الله بن عمر.

3 - مولاه عبد الله بن دينار.

4 - عطيّة بن سعد بن جُنادة.

5 - نُفيع بن الحارث أبو داود السَّبيعي.

1 - أمّا رواية الحسن البصري فقد رواها أبو الفضل ابن القيسراني المقدسي بسنده عن الدارقطني عنه قال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم خطب فقال: من كنت مولاه...

راجع: أطراف الغرائب والأفراد 1: 514 ح 2926.

2 - أمّا رواية سالم فقد رواها البخاري بسنده عن جميل بن عامر أنّ سالماً حدّثه سمع من سمع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غديرخم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: التاريخ الكبير :1: 375 رقم 1191، وقال: في إسناده نظر، ونحوه السنة لابن أبي عاصم: 590 ح1357 ، ورواه الطبري بزيادة: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» انظر: طرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 91 ح 105 والبداية والنهاية 5: 213 والبحر الزخار للبزار 12: 286 ح 6103 ، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 239 رقم 681.

وروى القاضي النعمان محاورة جرت بين ابن عمر وبعض الخوارج، قال فيها عبد

ص: 73

الله بن عمر: شهدت مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير فأمر بشجرات هناك فكّسح ما تحتهنّ وسمعته يقول : أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فأجبناه كلّنا : بلى يا رسول الله، فأخذ يده فوضعها على يد علي بن أبي طالب علیه السّلام ثم رفعها حتى رأينا بياض إبطيهما، ثم قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من ،عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

راجع شرح الأخبار 1: 100 ح24.

3 - أما رواية عبد الله بن دينار فقد رواها ابن القيسراني بسنده عن الدارقطني. راجع أطراف الغرائب والأفراد 1: 534 ح 3056.

4 - أمّا رواية عطيّة فقد رواها الزيلعي عن الطبراني عن ابن عمر أنّه قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: تخريج الأحاديث 2 : 236 رقم 681 ومجمع البحرين للهيثمي 9: 106، والكامل لابن عَديّ 5: 33 رقم 1204 وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 236.

5 - أمّا رواية نُفيع فقد رواها محمد بن أحمد المفجّع البصري بسنده عن أبي داود السبيعي قال: حججت فمررت بالمدينة فدخلت على عبد الله بن عمر بن الخطاب فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن إنّي أريد أن أعرض عليك حديثاً سمعته من البراء بن عازب وأنس بن مالك يحدّثان في غدير خم عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال: حججنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم حجة الوداع، فلمّا انصرف مرّ بنا بالجحفة فلمّا انتهى إلى الغدير أمر بشجرات أو سمرات فقممنا تحتها، ثم نادى بالصلاة جامعة وكان يوماً شديد الحرّ [...] الظهيرة، ولو أنّ بضعة لحم طرحت على الأرض لنضجت ، ولقد همّ كلّ إنسان منّا مجلسه حتى أخذنا أرديتنا فوضعناها تحتنا، ثم قام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم خطيباً فقال: أيّها الناس ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّي محمد رسول الله ؟ فقال القوم: نعم، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : بحق شهدتم؟ ثم قال: أيّها الناس

ص: 74

من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم أنت، قال: فإنّ الله تبارك وتعالى يقول: «النَّبِيُّ أَولَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم وَأَزْوَجُهُ أُمَّهُتُهُم وَأُوْلُوا الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ فِي كِتَبِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُهْجِرِينَ» أقررتم؟ قالوا: نعم حتى كرّرها عليهم سبع مرّات ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: قم يا عليّ، فأخذ بيده فرفعها حتى نظرنا إلى بياض إبطيهما، ثم قال: أيّها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله أأقررتم ؟ قالوا: نعم. حتى كرّرها عليهم سبع مرّات، ثم قال: اللهم اشهد.

فقلت: يا أبا عبدالرحمن هل شهد أبو بكر وعمر وسمعا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم هذا الكلام؟ قال : إي والله إي والله إي والله.

راجع: شرح قصيدة الأشباه : 21.

77 - عبد الله بن فضالة المزني:

ذكره ابن عقدة في كتاب الموالاة.

راجع: الإصابة لابن حجر العسقلاني 4: 207 رقم 4886.

78 - عبد الله بن مسعود بن غافل، أبو عبد الرحمن الهذلي:

يروي عنه:

1 - شقيق بن سلمة أبو وائل الكوفي.

2 - النّزال بن سبرة الكوفي.

1 - أمّا رواية شقيق فقد رواها ابن عدي بسنده عنه قال: رأيت النبي أخذ بيد علي وهو يقول: الله وليّي وأنا وليّك، ومعاد من عاداك، ومسالم من سالمك.

راجع: الكامل 3: 215 رقم 712 و 6 : 369 رقم 1851 ، ونحوه تاریخ دمشق لابن عساكر 42: 238 8745 ، وميزان الاعتدال للذهبي 4: 150 رقم 8674، والمعجم الأوسط للطبراني 3:

ص: 75

100 ح2204 ، والمناقب لابن المغازلي: 277 323 ، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 89 ح 101 و 102.

ورواه الآجري بلفظ : هذا وليّي وأنا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقد واليت من والاه وعاديت من عاداه.

راجع الشريعة 3: 220 ح1584.

2 - أمّا ما رواه النزال بن سبرة فقد ذكره الذهبي بسنده بلفظ: أيّها الناس إنّي أعهد إليكم عهداً فمن خالفة فعليه ما حُمّل: إنّ علياً ابن عمّي... وهو مولى من كنت مولاه.

راجع طرق حديث من كنت مولاه: 89 ح 103 وضعّفه.

79 - عبد الله بن يامبيل أو يامين

روى ابن الاثير الجزري روايته بسنده قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه.

راجع: أسد الغابة 3: 412 ح 3249، الإصابة لابن حجر العسقلاني 4: 266 رقم 5035، ح3249، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 101 ح 123.

80 - عبيد بن عازب بن الحارث الأنصاري:

عدّه السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

81 - عثمان بن حنيف بن واهب، أبو عمرو الأوسي الأنصاري:

ذكره ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير راجع الأنوار النعمانية للجزائري 1: 126.

82 - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، أبو عمرو القرشي الأموي:

عدّه السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

ص: 76

83 - عدّي بن حاتم بن عبد الله، أبو طريف الطائي:

فقد ورد خبره في حديث طويل يذكر حضوره عند معاوية... إلى أن يقول لمعاوية : أما كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أقامه علماً يوم حجّة الوداع، ونادى عليه يوم غدير خم: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله، وانصر من نصره...

انظر: أخبار الوافدين من الرجال 19 - 24.

84 - عروة بن أبي الجعد الأزدي البارقي:

ذكره ابن شهر آشوب في المناقب 3: 25 فيمن روى حديث الغدير.

85 - عطيّة بن بُسر المازني:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

86 - عقبة بن عامر بن عبس أبو حماد الجهني:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

87 - عقبة بن عمرو بن ثعلبة، أبو مسعود البدري:

ذكره ابن شهر آشوب في المناقب 3 :25 فيمن روى حديث الغدير.

88 - عمار بن ياسر بن عامر، أبو اليقظان العنسي:

روی نصر بن مزاحم بسنده خبر ما جرى بين عمار وعمرو بن العاص قبل وقعة صفين، حيث قال عمّار له فيما قال: أيّها الأبتر ألست تعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال لعلي: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره ، واخذل من خذله...

راجع: وقعة صفين: 332 عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج 8: 16 الخطبة: 124، والمجلسي في البحار 33: 27 ح 380.

ص: 77

وروى ابن عقدة أيضاً بسنده عن أبي نوح الحميري أنّه قال: سمعت عمّار بن ياسر قال:

سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: تهذيب الكمال للمزّي 33: 283 رقم 7345 ، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 240 رقم 681.

89 - عمر بن الخطاب بن نُفَيل، أبو حفص القرشي العَدَوي:

يروي عنه:

1 - ابنه عبد الله.

2 - أبو هريرة.

1 - أما رواية عبد الله فقد رواها الذهبي بسنده عن عبد الله بن عمر قال: حدّثني أبي أنه سمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : أيّها النّاس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم نعم، قال: يا علي قم، فأخذ بيده فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه 15 ح 3.

2 - أمّا رواية أبي هريرة فقد رواها ابن عقدة بسنده عنه أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: ذیل تاریخ بغداد لابن الدبيثي 1: 316 رقم ،163 وتاريخ دمشق 42: 234 ح 8740، والمناقب لابن المغازلي: 22 ح 31 والعمدة لابن البطريق : 110 ح 151، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 14 ح 2.

90 - عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، أبو حفص القرشي المخزومي:

ص: 78

تقدّمت روايته مع أخيه سلمة بن أبي سلمة.

91 - عمران بن حصين بن عُبيد، أبو نجيد الخزاعي:

روى الحر العاملي عن الشيخ الصدوق بسنده عنه أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم أمر أبا بكر وعمر أن يسلّما على عليّ بن أبي طالب بإمرة المؤمنين، فقالا: من الله ورسوله؟ فقال: من الله ورسوله. فقاما فسلّما ، ثم أمر جماعة أخرى، ثم قال: إنّكم سألتموني من وليكم بعدي وقد أخبرتكم إلى أن قال: فأخذ بيد علي يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع إثبات الهداة 2: 173 ح803.

كما روي عن عمران في شكاية قوم من علی عليه السلام بلفظ: دعوا عليّاً دعو عليّاً دعوا عليّاً- ثلاثاً - فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

راجع: الأمالي في آثار الصحابة لعبد الرزاق الصنعاني : 79 ح 109، ومسند أحمد 33: 154 ح19928، والسنن الكبرى للنسائي :5 : 45 8146، والمستدرك للحاكم النيسابوري 3: 110 وصححه ووافقه الذهبي.

92 - عمرو بن حُريت بن عمرو، أبو سعيد القرشي المخزومي:

ذكره ابن شهر آشوب في المناقب 3: 25 فيمن روى حديث الغدير.

93 - عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

94 - عمرو بن العاص بن وائل أبو عبد الله القرشي السهمي:

روى الخوارزمي بسنده کتاب عمرو بن العاص جواباً عن كتاب معاوية لمّا دعاه إلى قتال علی عليه السلام حيث ورد فيه : ويحك يا معاوية أما علمت أنّ أبا الحسن بذل نفسه بين

ص: 79

يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم .... وقد قال فيه يوم غدير خم ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله...

راجع: المناقب للخوارزمي: 199 عنه كشف الغمة للإربلي 1: 455، والبحار 33: 52 ح395، ونحوه تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي 1: 404.

وفي نصّ آخر رواه ابن قتيبة أنّ رجلاً من همدان يقال له: بُرد قدم على معاوية، فسمع عمراً يقع في عليّ، فقال له: يا عمرو إنّ أشياخنا سمعوا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فحقّ ذلك أم باطل؟ فقال عمرو : حقّ وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم له مناقب مثل مناقب عليّ ففزع الفتى، فقال عمرو: يا ابن أخي إنّه أفسدها بأمره في عثمان.

راجع: الإمامة والسياسة 1: 129.

95 - عمرو بن مُحْصن أبو عمرة الأنصاري:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

96 - قيس بن سعد بن عبادة أبو عبد الله الخزرجي الأنصاري:

روی سُلیم بن قيس محاورة جرت بين قيس وبين معاوية لما جاء للحج، قال قيس فيما قال من مدحه لأمير المؤمنين علیه السّلام : والذي نصبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بغدير خم فقال: من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه...

راجع کتاب سُلیم 777 - 781 عنه البحار 33: 173 - 176 ح456.

97 - قيس بن عائذ أبو كاهل الأحمسي البجلي:

ذكره ابن شهر آشوب في المناقب 3 :25 فيمن روى حديث الغدير.

98 - قيس بن عاصم بن سنان أبو علي التميمي السعدي المنقري:

ص: 80

ذكره ابن شهر آشوب في المناقب 3: 25 فيمن روى حديث الغدير.

99 - كعب بن عجرة بن أميّة، أبو محمد السالمي الأنصاري:

روى الشيخ الطوسي بسنده عن عمرو بن ميمون أنّه رأى جماعة من الصحابة فيهم كعب بن عُجرة قالوا في علي علیه السّلام .... وهو صاحب يوم غدير خم، إذ نوّه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم باسمه، وألزم أمّته ولايته، وعرّفهم بخطره وبيّن لهم مكانه فقال: أيّها الناس من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : الله ورسوله قال فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه...

راجع: الأمالي: 558 ح1172، عنه البحار 40: 69 ح104.

100 - مالك بن الحويرث أبو سليمان الليثي :

روى الآجري بسنده عنه أنّه قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع الشريعة 3: 215 ح1574، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2 : 242 رقم 681 ، والمعجم الكبير للطبراني 19: 291 ح 646 ، ومجمع الزوائد للهيثمي 9 : 106 وقال: رجاله وثقوا وابن عَدي في الكامل 6: 381 رقم 1865 وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 235 ح8741.

101 - مالك بن التيّهان بن مالك، أبو الهيثم الأنصاري:

تقدّم عنه أنّ معاوية لما سمع قول النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير اتكأ على المغيرة بن شعبة، أو قام يتمطّى وخرج مغضباً وهو يقول: لا نصدق محمداً على مقالته...

102 - المغيرة بن شعبة بن أبي عامر أبو عيسى الثقفي:

كسابقه.

103 - المقداد بن عمرو بن ثعلبة أبو مَعبد الكندي البهراني:

عدّه ابن شهرآشوب في المناقب 3: 25 فيمن روى حديث الغدير.

ص: 81

104 - ناجية بن عمرو الخزاعي:

كسابقه.

105 - نضلة بن عبيدة أبو برزة الأسلمي:

كسابقه.

106 - النعمان بن عجلان بن النعمان الزرفي الأنصاري:

كسابقه.

107 - هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أبو عمرو القرشي الزهري المرقال:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

108 - هلال بن الحارث أبو الحمراء خادم النبي صلی الله علیه و اله و سلم :

روى القاضي النعمان بسنده عن عمر المرادي وقد كان خارجياً، فالتقى بأبي الحمراء وذكر له أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم أمره أن ناساً يجمع من العرب والعجم والقبط والأحباش ثم قال لهم: أتشهدون أنّي مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: نعم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله...

راجع: شرح الأخبار 1: 198 ح 163.

109 - وحشي بن حرب، أبو دَسَمَة الحبشي:

ذكره السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

110 - وهب بن عبد الله بن مسلم، أبو جحيفة السواني الغامري:

كسابقه.

ص: 82

111 - يسار أبو ليلى الأنصاري:

كسابقه.

112 - يعلى بن مُرّة بن وهب أبو المرازم الثقفي:

روى عنه ابن عقدة بسنده قال: سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلما قدم عليّ الكوفة نشد الناس من سمع ذلك من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم.

راجع: حديث المناشدة.

113 - أبو جنيدة بن جندع بن عمرو المازني:

روى ابن الأثير بسنده عن أبي عُنفوانة المازني قال: سمعت أبا جنيدة بن جُندع بن عمرو بن مازن قال : سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يقول : من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

وسمعته وإلّا صمّتا يقول وقد انصرف من حجّة الوداع، فلمّا نزل غدير خم قام في الناس خطيباً وأخذ بيد عليّ وقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه...

راجع: أسد الغابة 1: 572 رقم 812 وجامع المسانيد لابن كثير 3: 162 ح 1709.

114 - أبو زينب بن عوف الأنصاري:

روى له ابن كثير مرفوعاً: من كنت مولاه فهذا مولاه.

راجع: جامع المسانيد 14: 90 ح11689.

115 - أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الأنصاري:

يروي عنه:

1 - سهم بن حُصين الأسدي.

ص: 83

2 - عطيّة بن سعد العَوفي.

3 - عُمارة بن جُوين أبو هارون العبدي.

1 - أمّا رواية عطيّة فقد رواها محمد بن سليمان الكوفي بسنده عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم: أيّها الناس هل منكم إلا وله خاصّة أو خالصة من أهله، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 408 ح889.

وورد في المناقب لابن المغازلي بسنده عنه بلفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

راجع: المناقب 20 ح 26.

2 - أمّا رواية عُمارة بن جوين فقد رواها محمد بن سليمان الكوفي بسنده عنه قال:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من ،نصره واخذل من خذله.

راجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين 2 : 365 ح841.

3 - أمّا رواية سهم بن حُصين فقد رواها البخاري بسنده عنه قال: قدمت مكة أنا وعبد الله بن علقمة - قال ابن شريك: وكان ابن علقمة سبّاباً لعلي - فقلت: هل لك في هذا؟ يعني أبا سعيد الخدري؟ [قال: نعم فأتيناه] فقلت هل سمعت لعليّ منقبة؟ قال: نعم. فإذا حدّثتك فسل المهاجرين والأنصار وقريشاً: قام النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم فأبلغ فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ادن يا علي، فدنا فرفع يده ورفع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يده، حتى نظرت إلى بياض إبطيه فقال: من كنت مولاه فعلی مولاه...

راجع: التاريخ الكبير 4: 193 رقم 2458 الأمالي للطوسي: 247 ح433، عنه البحار 37: 123 ح 19 ، وفي تاريخ دمشق 42: 228.

116 - أبو فضالة الأنصاري:

ص: 84

ذكره ابن طاوس في الطرائف: 139 نقلاً عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

117 - أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري:

ذكره ابن شهر آشوب في المناقب 35: 25 فيمن روى حديث الغدير.

118 - أبو قدامة الأنصاري:

كسابقه.

119 - أبو ليلى الأنصاري الملقب بالأيسر:

روی محمد بن عمر الجعابي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال أبي : دفع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالب علیه السّلام ففتح له، وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنّه مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

راجع: الأمالي للطوسي : 351 ح 726 ، عنه البحار :28: 45 ح8 ، وكشف الغمة 2: 52.

120 - أسماء بنت عميس الخثعمية:

ذكرها السيد ابن طاوس في الطرائف: 139 عن ابن عقدة فيمن روى حديث الغدير.

121 - عائشة بنت أبي بكر:

كسابقه.

122 - فاختة بنت أبي طالب أمّ هاني:

كسابقه.

123 - فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب:

كسابقه.

ص: 85

124 - أمّ سلمة هند القرشية المخزومية:

روى الزيلعي بسنده عن ابن عقدة عنها سلام الله عليها أنّها قالت: أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بيد عليّ يوم غدير خم فرفعها حتى رأينا بياض إبطه، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، ثم قال: أيّها الناس إنّي مخلّف فيكم الثقلين...

راجع: تخريج الأحاديث 2: 244 رقم 681 واستجلاء ارتقاء الغرف للسخاوي 1: 363 ح 92 ، وجواهر العقدين للسمهودي 2: ،88 ووسيلة المآل للحضرمي 329.

ص: 86

سند حديث الغدير

اشارة

يعدّ حديث الغدير من أهم ما استدلّت به الشيعة لإثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام وللعلماء طرق عدّة لإثبات صحته سنداً نوجزها فيما يأتي:

1 - العلم الضروري:

ذكر علماؤنا أنّ المطالبة بتصحيح خبر الغدير تعنّت وذلك لظهوره وانتشاره بحيث أصبح ،كالضروري، وما المطالب بتصحيحه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم الظاهرة والمشهورة، وأحواله وأخباره، وهذا لا يحتاج في ثبوته وصحته الى الأسانيد المتصلة، إذ هو من قبيل الأمور الظاهرة التي نقلها الناس قرناً بعد قرن بغير إسناد معيّن وطريق مخصوص(1).

قال الكراجكي (ت449): «ألا ترى الى وقعة بدر وحنين وحرب الجمل وصفين كيف لا يفتقر في العلم بصحّة شيء من ذلك الى سماع إسناد ولا اعتبار أسماء الرجال لظهوره المغني، وانتشاره الكافي، ونقل الناس له قرناً بعد قرن بغير إسناد، حتى عمت المعرفة به واشترك الكلّ في ذكره، وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى واختلط في الذكر والنقل بما وصفنا فلا حجّة في صحته أوضح من هذا»(2).

ثمّ إنّ الفخر الرازي (ت 606) قدح في هذا الدليل وقال: «أما دعواهم العلم الضروري بصحّته فمكابرة، لأنّا نعلم أنّه ليس العلم بصحّته كالعلم بوجود محمد وغزواته مع

ص: 87


1- انظر: الشافي للمرتضى ،2 261 262 والذخيرة ،443 وتقريب المعارف لأبي الصلاح: 205.
2- كنز الفوائد للكراجكي 2 : 85

الكفّار وفتحه لمكة وغير ذلك من المتواترات»(1).

وقد ردّ ابن ميثم البحراني (ت 699) شبهة الرازي قائلاً: «قوله: هذه مكابرة إذ ليس العلم له كوجود مكة وغيرها من المتواترات، قلنا: عندنا أنّه كذلك، فأمّا عندكم فإن زعمتم أنّه لم يحصل لكم العلم به أصلاً فلم يضرّنا ذلك، وغير ممتنع أن يحصل لكم العلم للعلّة التي ذكرناها، وهو اعتقادكم لما ينافي موجب الخبر، وإن زعمتم أنّ العلم به حاصل لكن بينه وبين المتواترات تفاوت فقد سلّمتم أنّه متواتر، وأمّا التفاوت فغير ضارّ لأنّ العلوم الضرورية مختلفة بالأشدّية والأضعفيّة»(2).

وأجاب البياضي (ت877) بنحو آخر حيث قال: «اعترض المخالف بمنع صحّة الحديث، ودعوى العلم الضروري به ممنوعة لمخالفتنا قلنا: قد شرط المرتضى في قبول الضروري عدم سبق شبهة تمنع من اعتقاده، وهو حقّ، فإنّ اعتقاد أحد الضدّين يمنع من اعتقاد الآخر، والمخالف تمكّنت في قلبه الشبهة فمنعته من ذلك قالوا: نجد الفرق بينه وبين الوقائع العظام، قلنا: يجوز التفاوت في الضروريّات»(3).

وقد اجاب أيضاً السيد دلدار علي (ت (1235 عن شبهة الرازي قائلاً: «لاشك أنّ كلّ من تأمّل وأنصف في كثرة طرق الحديث واشتهاره بين الخاصّة والعامّة مع وفور الدواعي الى الكتمان وكثرة الصوارف عن النقل يحصل له العلم الضروري بصحّة هذا الحديث كيف وقد يحصل للمسلمين القطع واليقين في كثير من الأمور الدينية التي هي أدون مرتبة في باب التواتر من هذا الحديث كآيات التحدّي والتحدّي بها على رؤوس الأشهاد من الكفّار وأعداء الدين مع وجود الدواعي الى المعارضة وعدم وجود الموانع، وهكذا صدور المعجزات ونحو ذلك، مع أنّ الكفّار كافّة ينكرون ذلك كلّه، ويدّعون أنّ أهل الإسلام كلّهم

ص: 88


1- نهاية العقول للفخر الرازي: 382 خ.
2- النجاة في القيامة لابن ميثم: 125
3- الصراط المستقيم للبياضي 1: 306

تواطؤوا على الكذب واختراع هذه الأخبار، لأنّ كلّهم من أرباب الأغراض والدواعي الى وضع تلك الأخبار، كما إنّ أهل الإسلام يدعون كذلك في باب الأخبار المخصوصة بأهل المذاهب الفاسدة من اليهود والصابئين وعبدة النيران والأوثان وسائر المشركين ، فكيف يسوع المسلم منصف أن ينكر التفاوت بين العلمين، فعلى تقدير التسليم يكون حاله كحال التفاوت بين البديهيّين، فإنّه قد يكون أحدهما أجلى من الآخر، كيف ولو لم يكن الأمر كذلك يلزم إهمال كثير من المتواترات»(1).

نعم ربّما يقال: إنّ العلم به لو كان كذلك لاشترك في الوقوف على تفاصيله ومعرفته جميع الناس: العام والخاص والحال أنّه ليس كذلك، قلنا : «إنّ العلم به إنّما يحصل للمخالط المتأمل للآثار دون البعيد عنهما، كأمثاله من المعلومات التي يعلم بها من خالط العلماء وتأمّل النقل، ولا يحصل للمعرض، كتفصيل ما جرى في بدر وأُحد، والجمل وصفين، وتبوك وحجة الوداع، وكون الركوع والسجود والطواف والوقوف بعرفة من أركان الصلاة والحج، وتعلّق فرض الزكاة بأنواع التسعة وإيجاب تعمّد الأكل والشرب والجماع في الصوم بالقضاء والكفارة الى باقي أحكام هذه العبادات المعلوم ضرورة من دينه صلّی الله علیه و آله و سلّم، وجوبها، مع وجود أكثر العامّة وقطّان البدو والسواد جاهلين بجميعها أو معظمها لتشاغلهم بما بينهم من المعايش والأغراض الدنيويّة... وإن كان جهل هؤلاء الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح في عموم العلم بما اتفق العلماء عليه، وعلم من دينه صلّی الله علیه و آله و سلّم من الشرعيات لم يقدح جهل العوام وطغام الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما»(2).

وهناك شبهة أُخرى ذكرها أبو الصلاح الحلبي (ت447) وردّها، قال: «وليس لأحد أن يقول: فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عامّاً، فلم فزع أكثر سلفكم الى إيراد الأسانيد

ص: 89


1- عماد الإسلام للسيد دلدار علي :4 217 خ، عبقات الأنوار لمير حامد حسين 2 7 - 8
2- تقريب المعارف لإبي الصلاح الحلبي : 206 - 207

بهما وإثبات طريق النقل لهما ؟ وأيّ حاجة فيما عمّ العلم به كبدر وحنين الى ترتيب نقل؟

لأنّ العلماء من سلفنا وخلفنا رضي الله عنهم لم يعوّلوا في إثبات هذين الخبرين إلاّ على ما ذكرناه، وإنّما نبّهوا في الاستدلال على الطريق وصِفة التواتر تأكيداً للحجة وتنبيهاً للمعرض على الطريق التي يعمّ العلم بتأمّلها، وجروا في ذلك مجرى من يسأل بيان العلم بصفة حجّة النبي صلی الله علیه و آله و سلّم هل في قِران أو إفراد أو تمتّع ؟ وأعيان المخلّفين عن غزاة تبوك؟ وهل كانت ذات حرب أم لا؟ وبقتل حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) يوم أحد دون غيره؟ وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر ؟ في فزعه الى الإشارة الى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين، لذلك لا يجد مندوحة عنه، إذ هو الطريق الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم، ولذلك يجد كلّ من لم يخالط العلماء ويسمع الأخبار ويتأمّل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئاً من ذلك، ولا يكون التنبيه لهم على طريق العلم بما نقله الرواة وأصحاب السير من تفاصيل ما جرى قادحاً في عموم العلم بها لكل متأمل للآثار.

كذلك حال المنبه من شيوخنا رضي الله عنهم على طرق الناقلين، والمشير الى صفات المتواترين بخبري تبوك والغدير للمعرض عن سماع ذلك ليس بقادح فيما بينّاه من عموم العلم بهما للمتأمّلين على أنّ بإيراد ما نقله أصحاب الحديث من الخاصّة والعامّة حصل للسامع العلم بهما كما بنقل الرواة للمغازي حصل العلم بها لكل سامع، وكيف يكون التنبيه على طريق عموم العلم بالمنقول قادحاً فيه لولا الغفلة»(1).

2 - الإجماع:

اشارة

ممّا يدلّ على صحّة الحديث إجماع علماء المسلمين على صدوره، قال السيد المرتضى ت (436): «وما نعلم أنّ فرقة من فرق الأُمّة ردّت هذا الخبر واعتقدت بطلانه وامتنعت

ص: 90


1- تقريب المعارف للحلبي: 208 - 209

من قبوله، وما تجمع الأمّة عليه لا يكون إلاّ حقّاً عندنا وعند مخالفينا، وإن اختلفنا في العلّة والاستدلال»(1).

وقال أبو الصلاح الحلبي (ت447): « ولذلك لا نجد أحداً من علماء القبلة قديماً وحديثاً ينكرهما، ولا يقف في صحّتهما، كما لا يشكّ في شيء من الأحكام المجمع عليها، وإن خالف في المراد بهما»(2).

وقال ابن ميثم (ت(699): «إنّ الأمّة أجمعت على نقله، وإجماعهم على مذهب الخصم حجة أمّا أنّها أجمعت على صحّته فلأنّ الشيعة بأسرهم ينقلونه ليثبتوا به إمامتهم، والخصم ينقله ليثبت فضيلته، فوجب أن يكون مجمعاً على صحّته»(3).

وقد انبرى هنا بعض متكلّمي أهل السنة للقدح في دعوى الإجماع، واستدّلوا على ذلك بأربع أدلّة:

1 - قال الفخر الرازي (ت 606) عند ردّه على الشيعة في دعوى الإجماع:«تدّعي أنّ كلّ الأمّة قبلوه قبول القطع أو قبول الظنّ ؟ الأوّل ممنوع وهو نفس المطلوب، والثاني مسلّم وهو لا ينفعكم في مطلوبكم»(4).

قلنا: لا طائل تحت هذه الشبهة سوى تنميق الألفاظ وتزويقها، لأنّ الذي قبله قطع بصحّته وصدوره ولا فرق بين قبول القطع وقبول الظنّ ذلك أنّ الذي قبله إن كان مراده صحّة السند وصدوره عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فهو هنا إما قاطع وإما غير قاطع، فإن كان قاطعاً فهو المطلوب، وإن كان غير قاطع فمعناه عدم حكمه بصحّته، وهذا لا يقدح في الإجماع - كما سنذكره لاحقاً - وأمّا إذا كان مراده القطع بالمدلول فالشيعة قطعت بكونه نصّاً، وأهل

ص: 91


1- الشافي للمرتضى ،2 ،262 ، وانظر كنز الفوائد للكراجكي ،2 ،86 تمهيد الأصول للطوسي: 394.
2- تقريب المعارف للحلبي: 207
3- النجاة في القيامة لابن ميثم: 110
4- الأربعين للرازي: 298

السنة قطعوا بكونه دليلاً على الفضل، ولا معنى للتفرقة بين قبول القطع وقبول الظن إلا أن يريد أنّ دخول التأويل في فهم مدلوله يخرجه من القطع الى الظن، فهذا أيضاً لا ينفعه، إذ إنّ الآيات المتشابهة مع القطع بصدورها باتت معركة الآراء، وهذا لم يخرجها عن القطيعة وصحّة الصدور ، غاية ما هنالك لابد من قبول أقرب التأويلات بالقياس الى اللّغة والعرف والقرائن الداخليّة والخارجيّة، فلا معنى حينئذ لقول الرازي: «الثاني مسلّم وهو ينفعكم في مطلوبكم» بل ينفعنا من حيث ثبوت الحديث سنداً، والقطع بصدوره يقيناً.

2 - تمسّك الفخر الرازي بشبهة أخرى إذ زعم أنّ انشغال الأمّة بتأويل الحديث والمناقشة فيه لا يكون دليلاً على صحته، قال :«وليس كلّ ما لا يكون صحته يقينيّة للأمّة فإنّهم لا يقبلونها، بل أكثر الأخبار التي قبلوها وعملوا بها واجتهدوا في معرفة معانيها غير مقطوعة الصحّة، فثبت بهذا أنّه لا يلزم من عدم ردّ الأمّة لهذا الحديث وانشغالهم بحمله تارة على الإمامة وتارة على الفضيلة، قطعهم بصحّته»(1).

وقد ردّ عليه ابن ميثم البحراني (ت 699) قائلاً: «لا نسلّم، وذلك أنّ أكثر الأُمّة إذا اعتقدوا بأسرهم، مخالفهم ومؤالفهم صحته ،خصوصاً، وفي المخالفين لما يتضمّنه هذا الخبر من شديد المعاندة في إنكار مقتضاه فيستحيل أن يكون فيه تسليم له ثم بعد ذلك يتعسّف في صرفه عن ظاهره الى تأويلات نادرة لا تسمن ولا تغني من جوع»(2).

وقد أشار السيد المرتضى (ت436) فيما قبل الى نحو هذا الشبهة وردّها بقوله: «ليس يجوز أن يتأوّل أحد من المتكلّمين خبراً يعتقد بطلانه أو يشك في صحّته، إلّا بعد أن يبيّن ذلك من حاله ويدلّ على بطلان الخبر أو على فقد ما يقتضي ،صحّته ولم نجد مخالفي الشيعة في ماض ولا مستقبل يستعملون في تأويل خبر الغدير الاّ ما يستعمله المتقبّل، لأنّا يعتدّ بمثله قدّم الكلام في إبطاله والدفع له أمام تأويله، ولو كانوا أو

ص: 92


1- نهاية العقول للفخر الرازي: 383 خ.
2- النجاة في القيامة لابن ميثم: 127

بعضهم يعتقدون بطلانه أو يشكّون في صحّته لوجب مع ما نعلمه من توفّر دواعيهم الى ردّ احتجاج الشيعة، وحرصهم على دفع ما يجعلونه الذريعة الى تثبيته أن يظهر عنهم دفعه سالفاً وآنفاً، ويشيع الكلام منهم في دفع الخبر كما شاع كلامهم في تأويله، لأنّ دفعه أسهل من تأويله، أو أقوى في إبطال التعلّق به، وأنفى للشبهة»(1).

3 - قال الفخر الرازي أيضاً «إنّ كثيراً من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث كالبخاري ومسلم والواقدي وابن اسحاق»(2).

فنقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ عدم إخراج هؤلاء الأربعة لهذا الحديث لا يقدح فيه بل هو قدح فيهم، إذ أهملوا حديثاً اجتمعت الأُمّة على نقله وتصحيحه وروايته، ورووا أحاديث أُخر لا تصل الى رتبته، بل هي الى الوضع أقرب.

ثانياً: كون شخص أو شخصين أهملا حديثاً لم يلزم منه سقوط ذلك الحديث وكذبه، فإنّه لو نقل كلّ الرواة كلّ الأخبار كما وقعت عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لما وقع بين الناس خلاف في خبر قط، ومعلوم أنّ الخلاف في الأخبار أكثر من أن يحصى، ثم الحامل لهم على الإهمال إمّا عدم الوصول الى التزكية، أو لاعتقادهم عدم صحّته لشبهة عندهم، أو لعدم اعتقادهم لصحّته، أو لتوقفهم في رواته، حتى أنّ تاركيه لو صرّحوا بفساده لم يلزم فساده»(3).

ثالثاً: قال ابن حجر (ت852) في فتح الباري في ردّ من شكّ في معجزة شق القمر بأنّ أهل التنجيم لم يذكروه: «وأمّا من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه إنّه لم ينقل عن أحد منهم أنّه نفاه، وهذا كاف، فإنّ الحجّة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح

ص: 93


1- الشافي للمرتضى 2: 262 - 263 تلخيص الشافي للطوسي 2: 170
2- نهاية العقول للفخر للرازي: 382 خ، وذكر هذه الشبهة كلّ من الآمدي ت 631 في أبكار الأفكار 5: 181، والتفتازاني ت 793 في شرح المقاصد 5: 274 ، والجرجاني ت 816 في شرح المواقف 8: 361 والقوشجي ت 879 في الشرح التجريد: 369، وقد أشار السيد المرتضى ت 436 الى هذه الشبهة في الشافي 2: 263 وردّها.
3- النجاة في القيامة لابن ميثم: 125 الصراط المستقيم للبياضي 1: 306 ملخصاً.

النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي ، يقدّم عليه من وجد منه صريح الإثبات»(1).

عدم ذكر البخاري ومسلم:

أما كون البخاري ومسلم لم يروياه فنقول - مضافاً الى ما مرّ من الأجوبة العامة - إنّ الروايات الصحيحة لا تنحصر في الصحيحين فهذا الحاكم النيسابوري (ت 405) قد استدرك عليهما كثيراً من الأحاديث، وأثبت صحّتها على شرطهما أو شرط أحدهما، ووافقه الذهبي على كثير منها، قال الحاكم في مقدمة كتابه: «لم يحكما - يعني البخاري ومسلم - ولا واحد منهما بأنّه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأنّ جميع ما يصحّ عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقلّ أو

أكثر منه كلّها سقيمة غير صحيحة»(2).

وقد ردّ النووي (ت (676) على الدار قطني في إلزامه على الشيخين ترك كثير من الصحيح: «هذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة فإنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحّ عنهما تصريحهما بأنّهما لم يستوعباه، وإنّما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنّف في الفقه جمع جملة من مسائله»(3).

وقال القاضي الكناني (ت 733) : «لم يستوعبا كلّ الصحيح في كتابيهما، وإلزام الدار قطني وغيره لهما أحاديث على شرطهما لم يخرجاها ليس بلازم لهما في الحقيقة، لأنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل جملة منه أو ما يسدّ مسدّه من غيره منه، قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع الا ما صحّ وتركت من الصحاح لحال الطول، وقال مسلم: ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته ،هاهنا وإنّما وضعت ما أجمعوا عليه، ولعلّ مراده ما فيه

ص: 94


1- فتح الباري لابن حجر 7: 147 عنه العبقات حديث الغدير 6: 37.
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 1: 41.
3- شرح صحيح مسلم للنووي 1: 24 عنه العبقات حديث الغدير 2: 270.

شرائط الصحيح المجمع عليه عنده لا إجماعهم على وجودها في كل حديث منه، أو أراد ما أجمعوا عليه في علمه متناً أو إسناداً وإن اختلفوا في توثيق بعض رواته، فانّ فيه جملة أحاديث مختلف فيها متناً أو إسناداً ...»(1).

وقد قال ابن القيّم (ت (751) في مسألة وقوع الطلاق بكلمة واحدة، ردّاً على من تمسّك بأنّ البخاري لم يرو الحديث ورواه مسلم فقط، قائلاً: «ما ضرّ ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئاً، ثم هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كلّ حديث ينفرد به مسلم عن البخاري وهل قال البخاري قط أنّ كل حديث لم أدخله في كتابي فهو باطل أو ليس بحجّة أو ضعيف، وكم قد احتجّ البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه، وكم صحّح من حدیث خارج عن صحيحه»(2).

ثم إنّه كم من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، ومع هذا قد طعن فيه بعض علماء أهل السنة، فعلى فرض روايتهما لحديث الغدير - كسائر الحفّاظ من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد - لكان لطعن الحاقدين فيه مجال واسع.

وإليك بعض النماذج ممّا ورد في الصحيحين وردّه أو ناقش فيه - سنداً أو متناً أو كليهما - أهل السنة:

من تلك الموارد حديث تأخّر علي علیه السّلام عن بيعة أبي بكر لستة أشهر وجميع بني هاشم الوارد في الصحيحين(3)، ولكن مع هذا ضعفه البيهقي، قال ابن حجر العسقلاني (ت 852) في فتح الباري: «أما ما وقع في مسلم عن الزهري أنّ رجلاً قال: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، قال: ولا أحد من بني هاشم، فقد ضعّفه البيهقي بأنّ الزهري لم يسنده...»(4).

ص: 95


1- المنهل الروي في علم اصول حديث النبي ص : 6 عنه العبقات حديث الغدير 2: 270.
2- زاد المعاد لابن القيم 4: 60 عنه العبقات حديث الغدير 2: 272 - 273.
3- صحيح البخاري 3: 46 غزوة خيبر صحيح مسلم 5: 154 كتاب الجهاد.
4- فتح الباري حجر 7: 379.

وقد قال المولوي حيدر علي الفيض آبادي الهندي بعد ذكر التأويلات والأقوال المختلفة حول هذا الحديث: « يلوح من كتب المحدّثين - بعد التنقيب والتحقيق - بوضوح أنّ في صحّة بعض روايات صحيح البخاري كلاماً، وكذلك في بعض روايات صحيح مسلم، وقلنا فيما أنّ هذه الروايات التي باتت مثار القيل والقال عند أهل الحديث تكون بمثابة أقل القليل وهي في الصحيح الثاني أكثر»(1).

كما ردّ الفيض آبادي أيضاً حديث القرطاس الموجود في صحيح البخاري ومسلم في أكثر من مكان ونسب تضعيفه بل القول بوضعه الى الآمدي أيضاً، ثم صرّح تصريحاً خطيراً حيث قال : «يُنقل عن شيوخ المحدّثين أنّه يظهر بعد الفحص ضعف (210) رواية فی الصحيحين، تفرّد البخاري بثمانين رواية، وتفرّد مسلم بمائة، واشتركا في ثلاثين رواية»(2).

قال ابن تيمية (ت 728) في منهاج السنة: «المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، وقد

انتصر طائفة لهما - يعني للبخاري ومسلم - فيها، وطائفة قوّت قول المنتقد، والصحيح

التفصيل، فإنّ فيهما مواضع منتقدة بلاريب مثل حديث: خلق الله التربة يوم السبت

وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر»(3).

ومع هذا فإنّ الكتابين نفسيهما مطعون فيهما، ويوجد كلام حول تقديمهما على غيرهما، قال الحافظ الأدفوي (ت (749) الذي أثنى عليه ابن حجر في الدرر الكامنة 1: 535 كثيراً، قال في ردّ ابن الصلاح في تلقي الأمّة كتابي البخاري ومسلم بالقبول: «إنّ قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح: إنّ الأمّة تلقّت الكتابين بالقبول، إن أراد كلّ الأُمّة فلا يخفى فساده لك، إذ الكتابان إنّما صنّفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعيّ التابعين، وأئمة المذاهب المتبعة، ورؤوس حفّاظ الأخبار، ونقّاد الآثار المتكلّمين في الطرق والرجال المميّزين

ص: 96


1- إزالة الغين:582 عنه العبقات حديث الغدير 2: 303.
2- المصدر نفسه 593 عنه العبقات حديث الغدير 2: 310.
3- منهاج السنة لابن تيمية 7: 215 5: 101.

بين الصحيح والسقيم، وإن أراد بالأمّة الذين وجدوا بعد الكتابين، فهم بعض الأمّة، فلا يستقيم دليله الذي قرّره من تلقّي الأمّة وثبوت العصمة لهم ... ثم إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم من الحفاظ في أحاديث فيهما: فتكلّم الدار قطني في أحاديث وعللها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الإسراء قال إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينهما، والقطع لا يقع التعارض فيه.

وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث محمد بن بشار بندار وأكثرا من الاحتجاج بحديثه، وتكلّم فيه غير واحد من الحفّاظ أئمة الجرح والتعديل، ونسب الى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أنّ بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلّم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود : هذا كذب... - الى أن قال: - وأمثال ذلك يستغرق أوراقاً، فتلك الأحاديث عندهما ولم يتلقّوها بالقبول»(1).

كما أنّ الحافظ أبا زرعة (ت 264 أو 268 قد طعن في مسلم وصحيحه، فقد قال في

حقّه: «هذا ليس له عقل، لو دارى محمد بن يحيى لصار رجلاً»(2) وفي مورد آخر قال لما ذكر عنده صحيح مسلم : «هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه، فعملوا شيئاً يتسوّقون به»(3)، وأبو زرعة هذا هو الذي قال في حقّه إسحاق بن راهويه: «كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل»(4).

أما البخاري فلم يسلم من القدح أيضاً، فقد قدحه أبو زرعة وأبوحاتم(5)، وكذلك قدحه

ص: 97


1- الإمتاع في أحكام السماع للأدفوي: 209 الفصل العاشر في الكلام على الآلات عنه العبقات حديث الغدير 2: 335- 333.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 12: .281
3- ميزان الاعتدال للذهبي 1: 126 تهذيب الكمال للمزي 1: 419.
4- سير أعلام النبلاء للذهبي 13: 71.
5- أشار الى ذلك الذهبي في المغني 2: 268 وأيضاً في طبقات السبكي 1: 190 وفيض القدير للمناوي 1: 10.

محمد بن يحيى الذهلي وأشار الى عدم مجالسته لما أبداه في مسألة القرآن(1)، كما قال أيضاً: «قد أظهر هذا البخاري قول اللفظيّة، واللفظيّة عندي شرّ من الجهمية»(2)، وقال: «... وصنّف في ذلك كتاب (أفعال العباد) مجلّد فأنكر عليه طائفة ما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر الأعين وغيرهم»(3).

ومن الطريف أنّ الرازي الذي قدح في حديث الغدير لعدم رواية البخاري ومسلم له،

وجعل هذا ذريعة لردّ الحديث نسى موقفه هذا وقال في كتابه الآخر (مناقب الشافعي) ردّاً على من ضعّف الشافعي لعدم رواية البخاري ومسلم عنه قائلاً: «الرابع: إنّ البخاري ومسلماً ما رويا عنه، ولولا أنّه كان ضعيفاً في الرواية لرويا عنه كما رويا عن سائر المحدّثين ثم قال في الجواب: إنّ البخاري روى عن أقوام ما روى عنهم مسلم ومسلماً روى عن أقوام لم يرو عنهم البخاري، فدلّ على أنّهما إن تركا الرواية عن رجل لم يوجب ذلك قدحاً فيه... وترك الرواية لا يدلّ على الجرح»(4).

فتلخّص مما مضى أنّ عدم رواية البخاري ومسلم لحديث الغدير لا يدلّ على قدح في

الحديث لا من قريب ولا من بعيد مضافاً الى أنّ شيوخ البخاري ومسلم قد رويا حديث

الغدير بأسانيد صحاح وحسان، وقد سرد أسماءهم العلامة الأميني في الغدير فراجعه(5).

عدم نقل الواقدي وابن اسحاق:

امّا عدم نقل الواقدي لحديث الغدير ، فلا يضرّنا أيضاً، إذ ليس هو من أئمّة الحديث والحفّاظ الذين يشار إليهم بالبنان وبعد ما أثبتنا أنّ عدم رواية البخاري ومسلم للحديث غير قادح فيه، فعدم القدح لعدم رواية الواقدي إيّاه ،أولى، مضافاً الى أنّ الواقدي نفسه

ص: 98


1- سير أعلام النبلاء للذهبي: 12: 456، فتح الباري لابن حجر 1: 492
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 12: 459
3- المصدر نفسه 12: 460
4- مناقب الشافعي للرازي: 148 عنه العبقات حديث الغدير 2: 335
5- الغدير للعلّامة الأميني 1: 580

مقدوح ومتهم عند أهل السنة، ومن الطريف أنّ الشيعة عندما تستشهد برواية الواقدي في مطاعن الخلفاء، يجيب أهل السنّة بأنّه ضعيف وكذَّاب ومدلّس، ولكن هنا قد أصبح عدم روايته دليلاً على القدح في حديث الغدير.

وكذلك جوابنا في عدم رواية إبن إسحاق أيضاً، ولكن مع هذا فإنّ ابن إسحاق قد أشار

الى الحديث وذكر سببه، وذلك فيما رواه ابن كثير وغيره في بعثة اليمن وشكاية الصحابة من علي علیه الاسلام(1).

4 - قال الفخر الرازي (ت 606): «بل الجاحظ وابن أبي داود السجستاني وأبو حاتم الرازي وغيرهم من أئمة الدين قدحوا فيه واستدلوا على فساده»(2) وأضاف ابن تيمية (ت 728) الى هذه القائمة أسماء أخر حيث قال: «فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنّهم طعنوا فيه وضعفوه»(3).

فنقول في الجواب:

أولاً: ليست هذه الشبهة بالشيء الجديد، فقد طرحت قبل الرازي بقرون، وقد أشار اليها السيد المرتضى رحمه الله ت (436) في الشافي وردّها، حيث قال: «أوّل ما نقوله إنّه لا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذ عنه، بل الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه ممّن يعتبر قول مثله في الإجماع، ثم يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه، فابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع خصوصاً بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع وفقد الخلاف وقد سبقهما ثم تأخّر عنهما»(4).

ص: 99


1- البداية والنهاية 5: 214.
2- نهاية العقول للرازي: 382 ،خ، وتبعه الآمدي في أبكار الأفكار 5: 181 والجرجاني في شرح المواقف 8: 361، والزعبي في البينات في الرد على أباطيل المراجعات 2: 150.
3- منهاج السنة لابن تيمية 7: 319 ، واقتضاء الصراط المستقيم : 418 المقدسي رسالة في الردّ على الرافضة : 219 - القفاري في أصول مذهب الشيعة 2: 309
4- الشافي للمرتضى 2 +263 264 تلخيص الشافي للطوسى 2: 170 ، وتمهيد الأصول: 394

ثانياً: إنّ قدح الجاحظ لو ثبت لا يضر ، لأنّ «طريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة، وأقواله المتضادّة المتناقضة وتأليفاته القبيحة في اللعب والخلاعة، وأنواع السخف والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة يمنع من الالتفات الى ما يحكيه، ويوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه»(1).

مضافاً الى أنّه من النواصب المبغضين لأمير المؤمنين علیه السّلام، قال ابن تيمية (ت 728) «نعم مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم كالذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم يقولون إنّه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإن علياً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنّفات مثل كتاب المروانية الذي صنّفه الجاحظ»(2).

ثالثاً: إنّ ما نسب الى ابن أبي داود السجستاني من القدح في الحديث لم يثبت، قال السيد المرتضى (ت (436): «إنّ ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدّماً»(3)، وأضاف أبو صلاح الحلبي (ت (447) قوله: «إنّ المضاف الى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن، وقد أكذب الطبري في حكايته عنه، وصرّح بأنّه لم ينكر الخبر وإنّما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدّماً، وصنّف كتاباً معروفاً يعتذر فيه ممّا قرفه به الطبري ويتبرّأ منه»(4).

مضافاً إلى أنّ - والده - أبا داود قد روى الحديث كما في كتاب الخصائص للنسائي حيث روى حديث المناشدة عن أبي داود(5)، وكفانا الوالد مؤنة الابن حيث كذَّبه، قال: «ابن عدي، أنبأ علي بن عبدالله الداهري سمعت أحمد بن محمد بن عمرو ،کرکره، سمعت علي بن

ص: 100


1- كنز الفوائد للكراجكي 2: 87
2- منهاج السنة لابن تيمية 2: 207 عنه العبقات حديث الغدير 3: 86
3- الشافي للمرتضى 2: 264، تلخيص الشافي للطوسي 2: 173 تمهيد الاصول: 394 المنقذ من التقليد للحمصي 2: 335
4- تقريب المعارف لإبي الصلاح الحلبي: 207 - 208
5- الخصائص للنسائي: 17.

الحسين بن الجنيد سمعت أبا داود يقول: ابني عبدالله كذَّاب، قال ابن صاعد كفانا ما قال فيه أبوه»(1) ، وكذلك قال إبراهيم الأصفهاني: أبوبكر بن أبي داود كذاب، وقال أبو القاسم البغوي لابن أبي داود أنت عندي والله منسلح من العلم(2)، فلا ضير إذاً في قدحه بلغ ما بلغ.

رابعاً: أما أبو حاتم الرازي وقدحه في حديث الغدير فلا يضر أيضاً، وذلك أنّ أبا حاتم باعتراف أهل السنة كان متعنتاً في الرجال، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسّك بقوله فإنّه لا يوثّق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليّن رجلاً أو قال فيه لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثّقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنّه متعنت في الرجال قد قال في طائفة من رجال الصحيح ليس بحجة، ليس بقويّ أو نحو ذلك»(3) .

وقال أيضاً: «يعجبني كثيراً أبو زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع والخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنّه جرّاح»(4) ، فكيف بعد هذا نعتمد على جرحه وقدحه في الحديث إن ثبت ذلك عنه.

خامساً: أما كون البخاري وإبراهيم الحربي قدحا في حديث الغدير، فلم نسمعه إلا من ابن تيمية ولم يسبقه أحد فيما نعلم، ومع هذا فهو ادعاء صرف لم يقم عليه دليلاً، ولم يذكر المصدر حتى يرجع اليه ويرى سبب القدح فلا عبرة إذ به إذا هو مجرد ادعاء ومكابرة، أما طعن ابن حزم فسنجيب عليه في ذكر طرق الحديث.

سادساً وأخيراً: إنّ قدح القادحين لا يقاوم من صرّح بصحة الحديث وتواتره من الحفّاظ أصحاب السنن والمسانيد و « القول الشاذ لو أثر في الإجماع، وكذلك الرأي المستحدث لو

ص: 101


1- سير أعلام النبلاء للذهبي 13 : 228 .
2- م ن
3- سير أعلام النبلاء للذهبي 13: 260
4- م ن81:13

أبطل مقدّم الاتفاق، لم يصح الاحتجاج بالاجماع، ولا يثبت التعويل على اتفاق»(1)

مضافاً الى القاعدة المقرّرة عند القوم من تقديم المثبت على النافي، قال ابن حجر (ت 852) في مقام الدفاع عن صحة شق القمر أمام المنكرين له: «إنّ الحجة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي يقدّم عليه من وجد منه صريح الاثبات»(2)، وكما قال العيني (ت 855) في عمدة القاري بالنسبة الى الخلاف القائم بين من أثبت لصلاة النبي صلی الله علیه و آله و سلّم في جوف الكعبة وبين من نفاها، قال: «ومن الأجوبة أنّ القاعدة تقديم المثبت على النافي» (3).

وكذلك قال المناوي (ت 1031): «القاعدة عند التعارض تقديم المثبت»(4).

إذا عرفت هذا فثبوت حديث الغدير والإجماع عليه مما لا يؤثر فيه طعن الطاعنين للأدلّة التي ذكرناها، فيبقى الإجماع على حاله من غير خدشة.

3 - التصريح بتواتر الحديث:

وسيأتي الحديث عنه لاحقاً.

4 - التصريح بتصحيح الحديث:

صرّح كثير من علماء السنة بصحة حديث الغدير، وفيما يأتي نشير إلى أهمّ العلماء:

1 - ابن ماجة (ت 273) أورده في سننه 1 45 ح ،121 وهو وإن لم يصرح بتصحيحه ولكن يعدّ كتابه من الصحاح الستة عند أهل السنة.

2 - الترمذي (ت 279) في سننه 5: 297 ح 3797 وقال حديث حسن غريب وكتابه

ص: 102


1- كنز الفوائد للكراجكي 3 87 .
2- فتح الباري 142:7 .
3- عمدة القاري للعيني 9: 245
4- فيض القدير للمناوي :5 134 .

أيضاً من الصحاح الستة عند أهل السنة.

3 - الطحاوي (ت321) في مشكل الآثار :2 308 قال بعد ما روی حدیث جابر: صحیح الإسناد لا طعن لأحد في رواته.

4 - ابن حبان (ت 354) في صحيحه 15: 376.

5 - الحاكم النيسابوري (ت 405 )في المستدرك 3 109 ، صححه على شرط الشيخين.

6 - أبو القاسم الفضل بن محمد الأصفهاني (ق 5) نقل تصحيحه ابن المغازلي في المناقب: 27 ح 39.

7 - ابن عبد البر القرطبي (ت 463) رواه في الاستيعاب مع حديث المؤاخاة والراية وقال: هذه كلها آثار ثابتة (1).

8 - ابن المغازلي (ت 483) في المناقب: 27 نقل تصحيح الأصفهاني وارتضاه.

9 - سبط ابن الجوزي (ت 654) في تذكرة الخواص، صحّح رواية أحمد عن البراء بن عازب (2).

10 - أبو عبد الله الكنجي الشافعي ( ت658) قال في كفاية الطالب بعد رواية الحديث بعدّة الطرق: « وانضمام هذه الأسانيد بعضها الى بعض حجّة في صحة النقل»(3) .

11 - أبو المكارم السمناني (ت 736) قال بعد روايته: «وهذا الحديث متفق على صحته»(4).

12 - الحافظ الذهبي (ت 748) قال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الطبري 14: 276 جمع حديث غدير خم في أربعة أجزاء رأيت شطره فبهرني سعة رواته وجزمت بوقوع ذلك.

13 - الحافظ ابن كثير (ت 774) صحح كثيراً من طرقه في البداية والنهاية 5: 228 - 234، : 333 - 337 السيرة النبوية 4: 414 - 425.

ص: 103


1- الاستيعاب رقم 1855 عنه الغدير للأميني 1: 454.
2- تذكرة الخواص : 29 - 30 عنه الغدير للأميني 1: 546
3- كفاية الطالب ،64 عنه الغدير للأميني 1: 547.
4- العروة لأهل الخلوة: 422 عنه الغدير للأميني 1: 548.

14 - الهيثمي (ت 807) في مجمع الزوائد ج9 صحح كثيراً من طرقه برواية أحمد والطبراني وغيرهما.

15 - إبن حجر العسقلاني (ت 852) قال في فتح الباري 7 : 60 وكثير من أسانيدها صحاح وحسان .

16 - أبو العباس القسطلاني (ت 923) قال بعد ذكر كثرة طرقه: «وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»(1) .

17 - ابن حجر الهيثمي (ت 973) في الصواعق المحرقة 1 106 وقال: حديث صحيح لا مرية فيه.

18 - ملا علي القاري (ت 1014 قال في المرقاة شرح المشكاة 5: 568 هذا حديث صحيح لا مرية فيه.

19 - المناوي (ت 1031) في فيض القدير 6: 218 نقل تصحيح الهيثمي وارتضاه .

20 - الحلبي (ت 1044 في السيرة الحلبية 3: 274 قال : هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي داود وأبي حاتم الرازي، وقول بعضهم إنّ زيادة: «أللهم وال من والاه الى آخره موضوعة مردود ، فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها».

21 - الشيخ أحمد بن باكثير المكي (ت 1047) قال: وهذا حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك ينافيه وروي عن الجم الغفير من الصحابة وشاع واشتهر وناهيك بمجمع حجة الوداع»(2) .

22 - أبو عبد الله الزرقاني المالكي (ت 1122) في شرح المواهب صحح طريق الطبراني (3).

ص: 104


1- المواهب اللدنية 3 365 عنه الغدير للأميني 1: 552.
2- وسيلة المال ،117 118 عنه الغدير للأميني 1: 557.
3- شرح المواهب 7 13 عنه الغدير للأميني 1: 563.

23 - البدخشاني (ت 1126) في مفتاح النجاة قال : حديث صحيح مشهور عنه العبقات حديث الغدير 1: 50)

24 - الأمير الصنعاني (ت 1182) في التنوير شرح الجامع الصغير 10: 387 نقل تصحيح الهيثمي وارتضاه.

25 - الألباني (ت 1420) في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 330 رقم 1750 حيث صحح كثيراً من طرقه برواية أحمد والنسائي والطبراني وغيرهم، ثم قال: «كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث، وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعف الشطر الأوّل من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنّه كذب وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعة في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها».

إذا عرفت هذا فلا عبرة لما قاله ابن حزم (ت 456 ): «أما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً»(1)،وكذلك لا عبرة بتضعيف ابن تيمية ومن حذا حذوه بتصريح إمام السلفية في الجرح والتعديل العلامة الألباني.

5 - طرق الحديث ورواته:

يشهد كثرة طرق حديث الغدير ورواته على صحته، وسيأتي بيانه.

6 - المناشدة بالحديث:

يشهد لصحته مناشدة أمير المؤمنين علیه السّلام واحتجاجه بالحديث، واعتراف الجم الغفير من الصحابة بذلك.

7 - الشعراء:

يستدلّ لإثبات صحّته أيضاً بما نظمه الشعراء من القرن الأوّل إلى يومنا هذا.

ص: 105


1- الفصل في الملل والأهواء والنحل 3 71

8 - الكتب المؤلّفة:

يشهد لصحته أيضاً ما ألّفه كبار الحفاظ والمحدثين أمثال الطبري، ابن عقدة والذهبي في خصوص حديث الغدير.

بهذه الأدلّة الثمانية نثبت صحة صدور حديث الغدير وتواتره أيضاً، ولا مجال للطعن فيه إلا لمن أراد أن يكابر وينكر الواضحات والمسلّمات.

ص: 106

طرق حدیث الغدیر :

يُعرف حديث الغدير بكثرة طرقه ورواته في كلّ طبقة، مّما يدلّل على شأنه العظيم واهتمام الحفّاظ والمحدّثين بروايته وجمع طرقه.

فقد روى ابن المغازلي (ت 483) عن أبي القاسم الفضل بن محمد بن عبدالله الأصفهاني أنّه قال: «قد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم نحو من مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة، تفرّد علي علیه السّلام بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد» (1).

قال ابن شهر آشوب (ت 588) في المناقب: «العلماء مطبقون على قبول هذا الخبر، وإنّما وقع الخلاف في تأويله، ذكره: محمد بن إسحاق، وأحمد البلاذري، ومسلم بن الحجاج، وأبو نعيم الأصفهاني، وأبو الحسن الدار قطني، وأبو بكر بن مردويه، وابن شاهين، وأبو بكر الباقلاني، وأبو المعالي الجويني، وأبو إسحاق الثعلبي، وأبو سعد الخركوشي، وأبو المظفر السمعاني، وأبو بكر بن شيبة، وعلي بن الجعد، وشعبة، والأعمش، وابن عياش، وابن الثلاج، والشعبي والزهري، والأقليشي، وابن البيع، وابن ماجة، وابن عبد ربه، والألكاني، وأبو يعلى الموصلي من عدّة طرق، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن بطة من ثلاث وعشرين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً في كتاب الولاية، وأبو العباس ابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً.

وقد صنّف علي بن هلال المهلبي كتاب الغدير وأحمد بن محمد بن سعد كتاب من روی غدير خم، ومسعود الشجري كتاباً فيه رواة هذا الخبر وطرقهم، واستخرج منصور اللاني الرازي في كتابه أسماء رواتها على حروف المعجم.

ص: 107


1- المناقب لابن المغازلي: 37 ح 39.

وذكر عن الصاحب الكافي أنّه قال: روى لنا قصّة غدير خم القاضي أبو بكر الجعابي عن أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، والحسن والحسين، وعبدالله بن جعفر، وعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عباس، وأبوذر، وسلمان وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن، وأبو قتادة، وزيد بن أرقم، وجرير بن حميد، وعدي بن حاتم، وعبد الله بن أنيس، والبراء بن عازب، وأبو أيوب، وأبو برزة الأسلمي، وسهل بن حنيف، وسمرة بن جندب، وأبو الهيثم، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، وسلمة بن الأكوع، والخدري، وعقبة بن عامر، وأبو رافع، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو مسعود البدري، وحذيفة بن أسيد، وزيد بن ثابت، وسعد بن عبادة، وخزيمة بن ثابت، وحباب بن عتبة، وجندب بن سفيان، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد، وعبادة بن الصامت، وأبو زينب، وأبو ليلى، وعبد الله بن ربيعة، وأسامة بن زيد، وسعد بن جنادة، وخباب بن سمرة، ويعلى بن مرة، وابن قدامة الأنصاري، وناجية بن عميرة، وأبو كاهل، وخالد بن الوليد، وحسان بن ثابت، والنعمان بن عجلان، وأبو رفاعة، وعمرو بن الحمق، وعبد الله بن يعمر، ومالك بن الحويرث، وأبو الحمراء، وضمرة بن الحبيب، ووحشي بن حرب، وعروة بن أبي الجعد، وعامر بن النميري، وبشير بن عبد المنذر، ورفاعة بن عبد المنذر، وثابت بن وديعة، وعمرو بن حريث، وقيس بن عاصم، وعبد الأعلى بن عدي، وعثمان بن حنيف، وأبيّ بن كعب.

ومن النساء فاطمة الزهراء علیها السّلام، وعائشة، وأم سلمة، وأم هاني، وفاطمة بنت حمزة.... وذكره عمر بن أبي ربيعة في مفاخرته، وذكره حسان في شعره.

وفي رواية عن الباقر علیه السّلام قال: لما قال النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير بين ألف وثلاثمائة رجل: (من كنت مولاه فعليّ مولاه) الخبر. الصادق: نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين، وما أُعطي أمير المؤمنين حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس، يعني الغدير» (1).

ونقل ابن جبر (ق 7) عن ابن شهر آشوب أيضاً قوله: «سمعت أبا علي العطار الهمداني

ص: 108


1- المناقب لابن شهر آشوب :3 33 - 35.

يقول: أروي هذا الحديث على مائتي وخمسين طريقاً، قال: وقال جدّي شهر آشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجّب ويقول: شاهدت مجلّداً ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه: المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون» (1).

وقال السيد ابن طاوس (ت 664) فى الإقبال: «فمن ذلك ما صنّفه أبو سعد مسعود من ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته، المتفق عند أهل المعرفة به على صحّة ما يرويه لأهل البيت وأمانته، صنّف كتاباً سمّاه كتاب الدراية في حديث الولاية، وهو سبعة عشر جزءاً، روى فيه حديث نص النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بتلك المناقب والمراتب على مولانا علي بن أبي طالب علیه السّلام عن مائة وعشرين نفساً من الصحابة.. ومن ذلك ما رواه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني في كتاب سمّاه كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة...» (2).

وقد أضاف في الطرائف: «وممّن صنّف تفصيل ما حقّقناه أبو العبّاس أحمد محمّد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن عقدة وهو ثقة عند أرباب المذاهب، وجعل ذلك كتاباً محرّراً سمّاه «حديث الولاية» وذكر الأخبار عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بذلك، وأسماء الرواة من الصحابة، والكتاب عندي وعليه خط الشيخ العالم الربّاني أبي جعفر الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام لا يخفى صحّة ما تضمّنه على أهل الأفهام، وقد أثنى على ابن عقدة الخطيب صاحب تاریخ بغداد وزکّاه.

وهذه أسماء من روي عنهم حديث يوم الغدير ونصّ النبي على عليّ عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام بالخلافة، وإظهار ذلك عند الكافّة، ومنهم من هنّأه بذلك:

أبو بكر عبدالله بن عثمان عمر بن الخطاب، عثمان بن عفّان، علي بن أبي طالب علیه السّلام، طلحة بن عبيدالله، الزبير بن العوام، عبد الرحمان بن عوف، سعيد بن مالك، العبّاس بن

ص: 109


1- نهج الإيمان لابن جبر: 133.
2- الإقبال لإبن طاوس 2: 239.

عبد المطلّب، الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السّلام، الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السّلام، عبدالله بن عبّاس، عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، عبدالله بن مسعود، عمّار بن ياسر، أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، سلمان الفارسي، أسعد بن زرارة الأنصاري، خزيمة بن ثابت الأنصاري، أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، سهل بن حنيف الأنصاري، حذيفة بن اليمان، عبدالله بن عمر بن الخطّاب، البراء بن عمر بن عازب الأنصاري، رفاعة بن رافع، سمرة بن جندب، سلمة بن الأكوع الأسلمي، زيد بن ثابت الأنصاري، أبو ليلى الأنصاري، أبو قدامة الأنصاري، سهل بن سعد الأنصاري.

عدي بن حاتم الطائي، ثابت بن زيد بن وديعة، كعب بن عجرة الأنصاري، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري، هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الزهري، المقداد بن عمرو الكندي، عمر بن أبي سلمة، عبدالله بن أبي عبدالأسد المخزومي، عمران بن حصين الخزاعي، ويزيد بن الخصيب الأسلمي، جبلة بن عمرو الأنصاري، أبو هريرة الدوسي، أبو برزة نضلة بن عتبة الأسلمي، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبدالله الأنصاري، حريز بن عبدالله، زيد بن عبدالله، زيد بن أرقم الأنصاري، أبو رافع مولى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري، أنس بن مالك الأنصاري، ناجية بن عمرو الخزاعي، أبو زينب بن عوف الأنصاري، يعلى بن مرّة الثقفي.

سعيد بن سعد بن عبدالله الأنصاري، حذيفة بن أسيد، أبو شريحة الغفاري، عمرو بن الحمق الخزاعي، زيد بن حارثة الأنصاري، ثابت بن وديعة الأنصاري، مالك بن حويرث أبو سلیمان، جابر بن سمرة السواني، عبدالله بن ثابت الأنصاري، جيش بن جنادة السلولي، ضميرة الأسدي، عبدالله بن عازب الأنصاري، عبدالله بن أبي أوفى الأسلمي، يزيد بن شراحيل الأنصاري، عبدالله بن بشير المازني، النعمان بن العجلان الأنصاري، عبد الرحمان بن يعمر الديلمي، أبو حمزة خادم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، أبو الفضالة الأنصاري، عطية بن بشير المازني، عامر بن ليلى الغفاري، أبو الطفيل عامر بن وائلة الكناني، عبد الرحمان بن عبد رب الأنصاري، حسّان بن ثابت الأنصاري، سعد بن جنادة العوفي.

ص: 110

عامر بن عمير النميري، عبدالله بن ياميل، حبة بن جوين العرني، عقبة بن عامر الجهني، أبو ذؤيب الشاعر، أبو شريح الخزاعي، ابو جحيفة وهب بن عبدالله النسوي، أبو امامة الصدي بن عجلان الباهلي، عامر بن ليلى بن جندب بن سفيان الغفلي البجلي، أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، وحشي بن حرب، قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري، عبد الرحمان بن مديح حبيب بن بدیل بن ورقاء الخزاعي، فاطمة علیها السّلام بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم عائشة بنت أبي بكر، أم سلمة أم المؤمنين، أم هاني بنت أبي طالب، فاطمة بنت حمزة بن عبد المطّلب، أسماء بنت عميس الخثعميّة.

ثمّ ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلا من الصحابة لم يذكرهم ولم يذكر أسماءهم أيضاً... وقد روى الحديث في ذلك محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه «حديث الولاية»، ورواه أيضاً أبو عباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة بخبر يوم الغدير من مائة وخمس طرق وأفرد له كتاباً سمّاه «حديث الولاية»، وتقدّم تسمية من روى عنهم، وذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاقتصاد وغيره أن قد روى خبر الغدير غير المذكورين من مائة وخمس وعشرين طريقاً، ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده أكثر من خمسة عشر طريقاً، ورواه الفقيه ابن المغازلي الشافعي في كتابه أكثر من اثني عشر طريقاً» (1).

وقال السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاوس (ت673) في بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية: «ورواه ابن مردويه من طرق كثيرة جداً وهو مّمن لا يتهم على نفسه، وأهل نحلته هو أحد الحفّاظ، فمّما روى فيه عن عمر الإقرار له بأنه مولاه، فربما كانت رواية ابن مردويه خمس كراريس زائداً فناقصاً.

ورويت في بعض أسفاري يقول من رويت عنه: عمي روى عنه، نقل شيخ المحدّثين وأحد أئمة المسلمين أحمد بن حنبل من ست طرق، ومن الجمع بين الصحاح الستة الرزين العبدري إمام الحرمين من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن، ومن صحيح

ص: 111


1- الطرائف لابن طاوس 1: 212 - 215.

الترمذي عن أبي سريحة وزيد بن أرقم، ونقله الدار قطني في جامعه عن عمر بن الخطاب من طريقين.

وعن ابن عباس من طريق آخر، وعن عدي بن ثابت من طريق واحد.

وساقه الإمام الحافظ النسائي في كتابه «خصائص أمير المؤمنين علیه السّلام» من تسع طرق، عن زيد بن يثيع من طريقين، وعن زيد بن أرقم من طريقين، وعن البراء بن عازب من طريق واحد، وعن ابن حصين من طريق عبد الله بن عمر.

وساقه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير» و «التاريخ الكبير» من خمسة وسبعين طريقاً.

ورواه أبو بكر الجويني من مائة وخمسة وعشرين طريقاً.

ابن عبدة رواه من مائة وخمس طرق.

الحافظ أبو بكر بن مردويه يرويه عن مائة نفر من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم منهم نساء خمس.

الحافظ أبو العلاء الهمداني يقول: أنا أرويه عن مائتين وثلاثين طريقاً، ونقله مسلم بن الحجاج ومسلم بن الهيثم النيسابوري.

ورواه أبو نعيم الحافظ في كتابه حلية الأولياء.

نقله الفقيه العدل، أبو الحسن علي بن خمارويه الشافعي الواسطي من اثنين وسبعين طريقاً، منهم نساء ست، منهم: (فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وعائشة بنت أبي بكر (الصديق)، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وأم سلمة زوجة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، وأُم هاني بنت أبي طالب، وأسماء بنت عميس الخثعمية.

ورواه أبو العباس أحمد بن عقدة من مائة طريق.

قال الفقيه برهان الدين حجة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي الحمداني القزويني:

ص: 112

سمعت بعض أصحاب أبي حنيفة يقول: شاهدت بالكوفة شاباً بيده مجلّدة يذكر فيها روايات هذا الكتاب مكتوب عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون» من طريق خبر قوله علیه السّلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه في المجلّدة التاسعة: أخبرني» (1).

قال الذهبي (ت (748) في سير أعلام النبلاء في ترجمة الطبري: «وجمع طرق حديث غدیر خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك» (2).

وقال ابن حجر (ت 852) في فتح الباري: «أما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان» (3).

وقال الهيثمي (ت973) في الصواعق: «وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية أحمد أنّه سمعه من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي علیه السّلام لما نوزع أيام خلافته، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته...» (4)، وتبعه الحلبي (ت 1044) في السيرة الحلبية أيضاً.

وقال العجلوني (ت 1162) في كشف الخفاء: رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة...» (5).

فضلاً عمّن صرّح بتواتر حديث الغدير من أعلام السنّة، المنبئ بكثرة طرقه ورواته، وفيهم من يصرّح بذلك.

إذا عرفت هذا فأيّ مجال يبقي للاصغاء الى كلام ابن حزم (ت 456) القائل: «أما من كنت مولاه فعليّ مولاه، فلا يصحّ من طريق الثقات أصلا» (6).

ص: 113


1- بناء المقالة الفاطمية لأحمد بن طاووس: 299 - 302.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 14: 276.
3- فتح الباري لابن حجر 7: 60.
4- الصواعق المحرقة 1: 106 - 107.
5- كشف الخفاء للعجلوني: 324 رقم 2591.
6- الفصل لابن حزم 3: 71.

أو كلام الجويني (ت 478) في غياث الأمم: «هذا اللفظ وما عداه وسواه نقله معدودون من الرواة وهم عرضة الزلل والخطل والهفوات (1).

وإن تعجب فاعجب من الزيلعي (ت 762) إذ قال في نصب الراية: «كم من حديث كثرت رواته، وتعدّدت طرقه، وهو حديث ضعيف كحديث الطير وحديث الحاجم والمحجوم وحديث من كنت مولاه فعلي مولاه، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلاّ ضعفاً» (2).

فإذا كانت القضايا تعالج هكذا، فأيّ قيمة تبقى للسنة، وأيّ فائدة في جمع طرق الأحاديث في الصحاح والمسانيد ومحاولة تمحيصها وذكر الشواهد والمتابعات لها بغية تصحيح قدر أكبر من السنة النبوية، فهنيئاً لأهل السنة - المتحمّسين في الدفاع عن السنة - هكذا تصريحات.

وأعجب منه في الغباء «السالوس» حين أتحفنا بعد ما أتعب نفسه وأجهد فكره في البحث والتنقيب، فقال في كتابه أثر الإمامة: «إنّ كتاب الولاية إمّا أنّه أُلّف ونُسب الى الطبري زوراً وانتصاراً للمذهب، وإمّا أنّ الطبري جمع ما وجده عن الولاية بغير نظر إلى مصادر الروايات، وفي كلتا الحالتين لا وزن له ولا يبيّن رأي الطبري» (3).

وهذا كلام لا يعبأ به بعد ما عرفت من أئمة القوم من الحفّاظ والمحدّثين أنّ كثيراً من طرقه تشتمل على روايات صحاح وحسان، حتّى أنّ الحافظ ابن كثير (ت774) مع تعصّبه وعناده أشار الى وجود روايات صحيحة في كتاب الطبري بجنب الروايات الضعيفة، فقال: «واعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغثّ والسمين والصحيح والسقيم» (4).

ص: 114


1- غيات الامم للجويني: 28.
2- نصب الراية للزيلعي 1: 483، عنه تحفة الأحوذي للمباركفوري 3: 137.
3- أثر الإمامة، السالوس: 91.
4- البداية والنهاية لابن كثير 5: 228، والسيرة النبوية 4: 414.

تواتر حديث الغدير

حديث الغدير من الأحاديث المتواترة وقد ثبت بإجماع المسلمين، وأصبح في الضرورة والوضوح كسائر الأخبار الواضحة التي لا تحتاج الى إسناد ومؤونة لإثباتها كغزوات الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم المشهورة، وسائر الواجبات والمحرمات.

والحديث المتواتر هو الحديث الذي يرويه كثير من الرواة بحيث يستحيل معه احتمال التواطؤ على الكذب، قال ابن حجر العسقلاني (ت 852): «ومن أحسن ما يقرّر به كون المتواتر موجوداً وجود كثرة في الأحاديث، أنّ الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها الى مصنّفيها اذا اجتمعت على إخراج حديث، وتعدّدت طرقه تعدّداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، أفاد العلم اليقيني بصحّة نسبته الى قائله» (1).

وهذا ما ينطبق تماماً على حديث الغدير لكثرة طرقه ورواته والكتب المؤلّفة حوله.

وهذا الحديث عند الشيعة متواتر مقطوع على صدوره وقد أطبقت كتب الإمامية في التصريح بذلك، قال السيد المرتضى (ت 436): «وبعد فالشيعة الإمامية تتواتر خلفاً سلف بهذا الخبر، وأكثر رواة أصحاب الحديث يرويه بالأسانيد المتصلة، أصحاب السير نقلوه، ومصنّفو صحيح الأحاديث ذكروه، فقد شارك هذا الحديث الأخبار الظاهرة

واستبدّ بما ليس لها، لأنّ الأخبار على ضربين: فضرب لا يعتبر في نقله بالأسانيد المتصلة كالأخبار عن البلدان والحوادث العظام، والضرب الآخر يعتبر فيه اتصال الأسانيد، وخبر الغدير قد حصل فيه الوجهان، وكمل له الطريقان، وأيضاً فإنّ علماء الأُمة مطبقون على

ص: 115


1- نقله عنه السيوطي في اتمام الدراية: 54، راجع العبقات، حديث الغدير 6: 35.

قبوله، وإنّما اختلفوا في تأويله» (1).

وقال الشيخ الطوسي (ت 460): «الذي يدلّ على صحّة الخبر ما تواترت به الشيعة عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وقد رواه أيضاً من مخالفيهم من إن لم يزيدوا على حدّ التواتر لم ينقصوا عنه، لأنّه ليس في الشرع خبر اتفق أهل النقل على أنّه متواتر به نقل كنقل هذا الخبر.. فإن لم یکن مع ذلك متواتراً، فليسها هنا خبر متواتر به» (2).

قال ابن البطريق (ت 600) بعد ما أشار الى طرق الطبري وابن عقدة: «وهذا قد تجاوز حدّ التواتر فلا يوجد خبر قط نقل من طرق بقدر هذه الطرق، فيجب أن يكون أصلاً متبعاً وطريقاً مهيعاً» (3).

قال ابن جبر (ق 7): «وروي أنّ يوم الغدير لعلي بن أبي طالب علیه السّلام ستون ألف شاهد، وقيل ستة وثمانون ألف شاهد، ومعلوم أنّ اولئك من الأماكن المتفرقة والأمصار المتباعدة، كل شهد ذلك المحفل العظيم من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم واذا بلغ الخبر دون هذا المبلغ خرج عن حكم أخبار الآحاد، وانتظم في سلك المتواترات، ووجب العمل عليه والانقياد له، والجاحد له كالجاحد للبلدان والوقائع المشهورة التي لا يرتاب فيها أحد من العقلاء» (4).

هذا عندنا، أما عند علماء السنة فقد صرّح بتواتره كثير من الأعلام، نوردهم فيما يأتي:

1 - الإسكافي ( ت 220) في المعيار والموازنة قال : «حديث الغدير المتواتر بين المسلمين» (5).

2 - شمس الدين الذهبي (ت 748) قال بعد رواية الحديث: «هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه فمتواتر» (6)، وقال ابن كثير (ت 774) نقلاً عن الذهبي: «قال: وصدر الحديث

ص: 116


1- الذخيرة للمرتضى: 443.
2- تمهيد الأصول للطوسي: 393.
3- العمدة لابن البطريق: 112.
4- نهج الإيمان لابن جبر: 122، 123، ونحوه الصراط المستقيم للبياضي 1: 313.
5- المعيار والموازنة: 210.
6- سير أعلام النبلاء 8: 334.

متواتر أتيقّن أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قاله، وأما : «أللهم وال من والاه» فزيادة قوية الإسناد» (1).

3 - الحافظ ابن كثير (ت (774) نقل تواتر الحديث عن شيخه الذهبي وارتضاه إذ لم يعلّق عليه بشيء.

4 - الحافظ ابن الجزري (ت 833) قال في أسنى المطالب: «هذا الحديث حسن [أي حديث المناشدة برواية ابن أبي ليلى]، من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي علیه السّلام وهو متواتر أيضاً عن النبي صلّی الله علیه و آله رواه الجم الغفير عن الجم الغفيرة، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه مّمن لا اطلاع له في هذا العلم» (2).

5 - جلال الدين السيوطي (ت 911) أورده في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة.

6 - المتقي الهندي (ت 975) لخّص فيه كتاب الأزهار للسيوطي وسمّاه «قطف الأزهار» وأورد فيه حديث الغدير.

7 - جمال الدين عبد الرحمن الشيرازي النيشابوري (ت 1000) أورده في كتاب الأربعين وصرّح بتواتره (3)

8 - ملا علي القاري (ت 1014) نقل تواتره عن بعض الحفّاظ، وصرّح هو بصحته (4).

9 - المناوي (ت 1031) في فيض القدير نقل التواتر عن السيوطي وارتضاه (5).

10 - ضياء الدين المقبلي (ت 1108) قال: «فمجموعها يفيد التواتر المعنوي وشواهدها لا تحصر... فإن كان مثل هذا معلوماً و الاّ فما في الدنيا معلوم» (6).

ص: 117


1- البداية والنهاية 5: 234.
2- أسنى المطالب: 3، عنه العبقات، حديث الغدير 1: 172.
3- الأربعين: 11، عنه العبقات، حديث الغدير، 1: 224.
4- المرقاة شرح المشكاة 10: 464 ح 6091.
5- فيض القدير للمناوي 6: 218 ح 9000.
6- الأبحاث المسدّدة في الفنون المتعدّدة: 122، عنه العبقات، حديث الغدير 1: 229 - 231.

11 - السيد ابن حمزة الحراني (ت.112) نقل في كتابه البيان والتعريف تواتر السيوطي (1).

12 - أبو عبد الله الزرقاني (ت 1122) ذكر تواتره في شرح المواهب (2).

13 - العجلوني (ت 1162) قال بعد ذكر روايته عن الطبراني وأحمد وغيرهما: فالحديث متواتر او مشهور (3).

14 - مفتي الشام العمادي الحنفي الدمشقي (ت 1171) عدّه في الصلاة الفاخرة من الأحاديث المتواترة (4).

15 - محمد بن اسماعيل اليماني (ت 1182) قال في الروضة الندية: «وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث» (5).

16 - محمود الآلوسي (ت 1270) نقل تواتر الذهبي وارتضاه (6).

17 - الألباني (ت 1420) قال: «إنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأوّل منه متواتر عنه كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه» (7).

18 - شهاب الدين الغماري، قال: فتواتر عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم من رواية ستين شخصاً (8).

19 - عبد الله العموري في كتابه: المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية، ردّ على ابن تيمية وأثبت تواتر الحديث (9).

ص: 118


1- البيان والتعريف 2: 136، 230، عنه الغدير للأميني 1: 563.
2- شرح المواهب 7: 13، عنه الغدير للأميني 1: 563.
3- كشف الخفاء للعجلوني: 324.
4- الصلاة الفاخرة : 49 عنه الغدير للأميني 1: 566.
5- الروضة الندية شرح التحفة العلوية: 67، عنه العبقات، حديث الغدير 1: 229 - 231.
6- روح المعاني 5: 195.
7- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 343.
8- تشنيف الآذان: 77.
9- المقالات السنية 360 - 361.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جمعاً من متكلّمي أهل السنة لمّا ضاق بهم الخناق في إنكار أصل حديث الغدير، تمسّكوا بنفي تواتره وجعلوه من أخبار الآجاد، محتجين بأنّ أمثال البخاري ومسلم لم يروياه، وكذلك قد قدح فيه أمثال ابن أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وابن حزم وغيرهم.

قال التفنازاني (ت 793): «والجواب منع تواتر الخبر، فإنّ ذلك من مكابرات الشيعة، كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث، ولم ينقله المحقّقون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي...» (1).

وقال الجويني (ت 478): «قلنا: هذا من أخبار الآحاد ثم هو منكر للاحتمالات» (2)، وكذلك قال الفخر الرازي (ت 606) في الأربعين: «إنّه خبر واحد» (3)، وكذلك الآمدي (ت 631) (4)، والقوشجي (ت 879) (5)، وغيرهم، وقد تجاوز ابن حجر الهيتمي (ت 973) الحدّ وزعم تناقض الشيعة في استدلالها بحديث الغدير حيث قال: «إنّ فرق الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلّ به على الإمامة، وقد علم نفيه لما مرّ من الخلاف في صحّة هذا الحديث، بل الطاعنون في صحّته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع اليهم فيه... فهذا الحديث مع كونه آحاداً مختلف في صحّته، فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة، ويحتجّون بذلك، ما هذا الا تناقض قبيح» (6).

ونقول في الجواب: قد ذكرنا في سند الحديث الإجابة على هذه الشبهات، ونضيف هنا:

أوّلاً: كفانا تصريح كثير من علماء أهل السنة ومحدّثيهم الذين هم مدار العلم والعمل

ص: 119


1- شرح المقاصد 5: 274.
2- الإرشاد للجويني: 355.
3- الأربعين: 298.
4- أبكار الأفكار 5: 181.
5- شرح تجريد العقائد : 369.
6- الصواعق المحرقة 1: 107، عنه السيرة الحلبية 3: 275 ملخصاً.

في هكذا موارد، دون المتكلّمين الذين يغلب عليهم الجدل وإنكار الواضحات للتغلّب في المناظرات، فهؤلاء صرّحوا بتواتر الحديث وكثرة طرقه ورواته كما مرّ، وقد علّق الشيخ الطوسي (ت 460) قائلاً: «وليس في شيء من أخبار الشريعة ما نقل هذا النقل، فإن لم يكن هذا متواتراً فليس ها هنا خبر متواتر» (1).

ثانياً: لم يذكر العلماء في شروط تواتر الخبر كونه خالياً من القدح، وأن يكون متواتراً عند جمیع الناس كافة بحيث لا يشذّ عنه أحد، كيف وقد حكموا بتواتر كثير من الأخبار لروايته من قبل رواة لا يتجاوزون أصابع اليد، فهذا ابن حزم يثبت تواتر منع بيع الماء عن أربعة من الصحابة ويقول: «فهؤلاء أربعة من الصحابة، فهو نقل تواتر لا تحلّ مخالفته» (2).

ثالثاً: لقد تواترت الأُمّة الإسلامية على كون المعوذتين من القرآن، وقد قدح في هذا التواتر ابن مسعود حيث ذهب الى عدم كونهما من القرآن، ولم يجعل العلماء قدحه هذا محلاًّ بالتواتر.

ولقد ألقى الفخر الرازي (ت 606) شبهة أُخرى وزعم تواتر فضائل الشيخين ليلقي التنافي والتساقط، فقال في نهاية العقول: «أمّا دعواكم تواتر هذا الخبر فمخالفوكم أيضاً يدّعون تواتر الأخبار الدالّة على فضائل الشيخين...» فردّه ابن ميثم (ت 699) قائلاً: «أمّا ما كان من تلك الأخبار مستلزم صحّة إمامتهما، أو قادحاً فيما علمناه بالضرورة في حق علي علیه السّلام فنحن نجزم بعدم صحّته لاستحالة أن يتكلّم النبي صلّی الله علیه و آله بكلامين متنافيين، وما لم يكن كذلك من الأخبار الدالّة على فضيلة لهما من خارج، فنحن لا نمنع أن يقول النبي صلّی الله علیه و آله في حق أحد كلاماً يستميل به قلبه، فتتأكّد فيه محبة الإيمان ورسوخه، بعد ثبوت صحّة ذلك النقل على وجهه» (3).

ثم قدح الرازي في تواتر الشيعة حيث قال: «تعويلكم على رواية الشيعة إمّا لأجل

ص: 120


1- المفصح في الإمامة ضمن رسائل الشيخ الطوسي: 134.
2- المحلى لابن حزم 9: 7، عنه العبقات، حديث الغدير 6: 19.
3- النجاة في القيامة لابن ميثم: 126.

كثرتهم أو لأجل إجماعهم، والأول باطل لأنّهم ما بلغوا في الزمن الأوّل حدّ التواتر» فردّه ابن میثم قائلاً: «إنّ مثل هذا الخبر لا يختصّ بنقله الشيعة فقط حتى لا تكون كثرتهم تفيد العلم، سلّمنا أنّ الشيعة هم الناقلون فقط، لكن لم قلتم أنّهم لم يبلغوا في الكثرة الى حدّ التواتر؟ وظاهر أنّهم لم يزالوا بالغين الى حدّ التواتر، سلّمنا لكنّ العلم التواتري لا يتوقّف على الكثرة، فإنّ المخبر الواحد مع انضمام القرائن اليه قد يفيد خبره العلم، فليس من شرط

التواتر تحقّق الكثرة دائماً» (1).

وأخيراً فقد شدّد علماء أهل السنة النكير على من ردّ حديثاً، نقل عن أحمد بن حنبل أنّه قال: «من ردّ حديث رسول الله صلّی الله علیه و آله فهو على شفا هلكة» (2)، وعنه أيضاً قال: «بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لا يأخذ بحديث «البيّعان بالخيار» فقال: يستتاب فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه، قال أحمد: ومالك لم يردّ الحديث لكن تأوّله» (3).

فإذا كان حكم ردّ الآحاد هذا، فما هو حكم ردّ خبر الغدير المتواتر؟!

ص: 121


1- م ن: 126.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي 11: 297.
3- م ن 7: 142.

شهود الغدير

كانت حجّة الوداع أوّل حجة حجّها رسول الله صلّی الله علیه و آله، وآخرها، وقد أذّن بالناس قبل ذلك وحتّهم على الخروج ليعلّمهم مناسك الحج، فامتثل لذلك المسلمون وخرجوا لينالوا هذا الشرف العظيم، ويتعلّموا مناسك حجّهم.

وقد اختلفت الروايات في عدد من خرج مع رسول الله صلّی الله علیه و آله من المدينة، ومن التحق به في أثناء الطريق، وبتبعه من شهد بعد حجّة الوداع غدير خم، ولا مبرّر لهذا الخلاف الشاسع سوى عدم وجود آليات العدّ والفرز آنذاك، بل كل راو ذكر العدد الذي خمّنه، أو رآه في فترات مختلفة، مثلاً كان العدد عند الخروج من المدينة أقلّ منه عندما كان في منتصف الطريق، وكذلك عندما وصل صلّی الله علیه و آله إلى مكة، وكذلك عندما حجّ وطاف، وكذلك عند رجوعه، فالأعداد تختلف اختلافاً كبيراً في هذه المراحل والحالات.

ويمكن تقسيم الروايات الواردة ضمن ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: التصريح بالكثرة:

روى الذهبي عن الإمام الصادق أنّه قال: أذّن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بالحج فاجتمع في المدينة بشر كثير (1).

وعن ابن حبان في ثقاته: ثمّ إنّ النبي صلّی الله علیه و آله وسلم أراد أن يحجّ حجّة الوداع فأذّن في الناس أنّه

خارج فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن ياتمّ برسول الله صلّی الله علیه و آله وسلم(2).

وفي رواية عن الإمام الصادق علیه السّلام: فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا فحج رسول الله صلّی الله علیه و آله (3).

ص: 122


1- تاريخ الإسلام المغازي: 701.
2- كتاب الثقات 2: 124، الطبقات لابن سعد 2: 172، نهاية الارب للنويري 17: 371، المغازي للواقدي 2: 1088.
3- الكافي للكليني 4: 245.

وقال الفيروزآبادي: لمّا عزم صلّی الله علیه و آله على الحج أعلم أصحابه بذلك فاستعدوا للسفر بأجمعهم،

ووصل الخبر إلى القرى والضياع القريبة من المدينة، فتجهّز المسلمون بأجمعهم نحو المدينة، وفي حال المسير إلى مكّة تلاحق الناس من كلّ الأطراف حتى تجاوزوا الحصر والعد ... (1).

وفي رواية جابر: خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم مهلّين بالحج معنا النساء والولدان... (2).

الطائفة الثانية: ذكر القبائل وبعض الأشخاص:

روى الآجري عن جابر قال: كنّا بالجحفة بغدير خم إذ خرج إلينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من خباء أو فسطاط، فقال بيده ثلاث مرات: هلم هلم هلم، وثَمّ ناس من خزاعة ومزينة وجهينة وأسلم وغفّار... (3).

وفي رواية جرير بن عبد الله: فبلغنا مكاناً يقال له غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، فاجتمعنا المهاجرون والأنصار (4).

وفي رواية حبة بن جوين: إنّ قوماً من الأنصار قالوا: سمعنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدیر خم: «من كنت مولاه...» فيهم جبلة بن عمرو، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف في جماعة من الأنصار (5).

وفي رواية حذيفة بن اليمان: كنت والله جالساً بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وقد نزل بنا غديرخم، وقد غُصّ المجلس بالمهاجرين والأنصار (6).

وأخيراً لم يقتصر الحضور على المسلمين، بل شهد تلك الوقعة حتى بعض المشركين، فهذا مسلم بن كيسان الكوفي يروي عن حبة بن جوين حادثة الغدير، ويقول حبّة في آخره: وأنا يومئد مشرك (7).

ص: 123


1- سفر السعادة: 70.
2- صحیح مسلم 2: 721 ح 138، المصنّف لابن أبي شيبة 4: 324 ح1 ، ممّا يدلّ على الاستنفار العام.
3- الشريعة 3: 216 ح 1577.
4- المعجم الكبير للطبراني 2: 357 ح 2505.
5- تخريج الأحاديث للزيلعي 2: 240 رقم 681.
6- تفسير فرات الكوفي: 516 ح 675.
7- أسد الغابة 1: 6669 رقم 1031.

وقد أجاب علاء الدين مغلطاي عن إشكال ابن الأثير بأنّه لم يحجّ آنذاك مشرك، قائلاً: إن صحّ السند بذلك إليه، لا يمنع أن يكون حضر ذلك وهو غير متلبس بالحج إمّا في عهد أو ما أشبهه، أو يكون ماراً في الطريق فسمح ذلك فقطعه، والله أعلم (1).

الطائفة الثالثة: ذكر العدد:

وهو مختلف تماماً بين القلّة القليلة، والكثرة الكثيرة، وإليك بعض ذلك:

1 - 1300 شخصاً، ففي رواية عن الإمام الباقر علیه السّلام: لمّا قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم بين ألف وثلاثمائة رجل: من كنت مولاه فعليّ مولاه... (2).

فهو إن صحّ يدلّ على الملتفّين حول المنبر آنذاك.

2 - عشرة آلاف، روى العياشي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: العجب يا أبا حفص لما لقي علي بن أبي طالب، إنّه كان له عشرة آلاف شاهد لم يقدر على أخذ حقّه، والرجل يأخذ حقّه بشاهدين، إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم خرج من المدينة حاجّاً ومعه خمسة آلاف، ورجع من مكّة وقد شيّعه خمسة آلاف من أهل مكة (3).

3 - سبعة عشر ألفاً، ففي جامع الأخبار: وقد شيّعه صلی الله علیه و آله و سلّم من مكّة اثنا عشر ألف رجل من

اليمن، وخمسة آلاف رجل من المدينة (4).

4 - أربعون ألفاً، ذكر المقريزي في وصف خطبة النبي صلّی الله علیه و آله: بعرفة: فإنّه شهد الخطبة نحواً

من أربعين ألفاً (5). وأشار إليه أيضاً الحلبي في سيرته بعنوان قيل (6).

5 - ستون ألفاً، قال ابن جبر: وروي أنّ يوم الغدير لعلي بن أبي طالب علیه السّلام ستون ألف شاهد (7).

ص: 124


1- اكمال تهذيب الكمال 3: 351 رقم 1144.
2- المناقب لابن شهر آشوب 3: 26، البحار 37: 158.
3- تفسير العياشي 1: 332، البحار 37: 140 ح33.
4- جامع الأخبار: 47، البحار 37: 165 ح42.
5- إمتاع الأسماع 2: 112.
6- السيرة الحلبية 3: 308.
7- نهج الإيمان: 122.

6 - سبعون ألفاً، ففي الاحتجاج وبلغ من حجّ مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا السامريّ والعجل، وكذلك أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم البيعة لعلي علیه السّلام بالخلافة على نحو عدد أصحاب موسى علیه السّلام السبعين ألفاً، فنكثوا البيعة (1).

7 - ستة وثمانون ألفاً، قال ابن جبر في ذكر شهود الغدير: وقيل ستة وثمانون ألف شاهد (2).

8 - تسعون ألفاً، أشار إليه الحلبي في سيرته بعنوان قيل، وكذلك ابن فهد المكي (3).

9 - مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، ذكره الحلبي في السيرة بعنوان قيل، وكذلك ابن فهد المكي (4).

10 - مائة وعشرون ألفاً، ذكر هذا العدد كلّ من السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، والحلبي في سيرته، وابن فهد المكي في اتحاف الورى (5).

هذا وقد ذكر بعض المؤرّخين اعتماداً على رواية أمّ معقل أنّ الناس أصابهم جدري أو حصبة قبل الحج، فلم يتمكّن كثير منهم من الخروج مع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم، قال ابن حزم: ثم أمر صلی الله علیه و آله و سلّم بالخروج، فأصاب الناس جدري أو حصبة منعت من شاء الله أن يمنع من الحج معه (6).

وقال الحلبي: وعند خروجه صلّی الله علیه و آله للحج أصاب الناس بالمدينة جُدري - بضمّ الجيم وفتح الدال، وبفتحها - أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحج صلی الله علیه و آله و سلّم. (7)

وفي لفظ ابن فهد المكي: فأصابهم جدري أو حصبة منعت بعضهم من الحج مع النبي صلّی الله علیه و آله (8).

ص: 125


1- الاحتجاج للطبرسي 1: 134، كما أشار إلى العدد الحلبي في سيرته 3: 308.
2- نهج الإيمان: 122.
3- السيرة الحلبية 3: 308، اتحاف الورى بأخبار أمّ القرى 1: 568.
4- السيرة الحلبية 3: 308، اتحاف الورى 1: 568.
5- تذكرة الخواص: 30، السيرة الحلبيّة 3: 308، اتحاف الورى 1: 568.
6- حجّة الوداع لابن حزم: 34، 51.
7- السيرة الحلبية 3: 308.
8- اتحاف الورى بأخبار أمّ القرى 1: 568.

والمعتمد لدى هؤلاء ما روي عن أم معقل حيث قالت: لما تهيّأ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الحجّة الوداع أمر الناس بالخروج معه أصابتهم هذه القرحة: الجدري أو الحصبة، قالت: فدخل علينا ما شاء الله أن يدخل لمرض أبي معقل ومرضت معه.(1)

وفيه أوّلاً: إنّها لم تذكر عدد المصابين بل اكتفت بذكر مرض زوجها ومرضها، فمن أين استنبط المؤرّخون أنّ كثيراً من الصحابة لم يحج.

ثانياً: لو كان الخبر مضبوطاً لذكره أصحاب الصحاح والمسانيد والتواريخ المعتنية بذكر جزئيات سيرة النبي صلی الله علیه و آله و سلّم، والصحابة، مع بعض التفصيل من حيث ذكر عدد المصابين، أو ذكر بعض المعروفين منهم. ثالثاً: توجد رواية أم معقل في باقي السنن والمسانيد من دون ذكر تعميم المرض، بل تذكر أم معقل أنّ المرض أصاب زوجها فقط، ففي سنن أبي داود: «وأصابنا مرض وهلك أبو معقل»(2)

وعليه نستنتج أنّ المرض كان جزئيّاً ولم يصب إلا بيت أمّ معقل، وأن كثيراً من المسلمين - مع قطع النظر عن العدد - قد حضروا حجّة الوداع ، وشهدوا حادثة الغدير، وبايعوا عليّاً علیه السّلام بالولاية والإمامة، ولكن تخلّوا عنها فيما بعد لأسباب مختلفة ذكرناها في دلالة الحديث قسم رد الشبهات.

ص: 126


1- حجة الوداع لابن حزم 34: 51
2- سنن أبي داود 306 ح1989.

الكتب المؤلّفة في حديث الغدير

هناك كثير من الحفّاظ والمحدّثين قديماً وحديثاً، خرّجوا حديث الغدير ورووه في كتبهم، وقد عدّهم العلاّمة الأميني (رحمه الله) (ت 1390) في كتابه الغدير الجزء الأوّل، ونحن هنا نذكر من أفرد تأليفاً مستقلاً في حديث الغدير، وجمع طرقه ورواته من المتقدّمين، وهم كما يأتي:

1 - محمد بن جرير الطبري (ت 310) جمع طرق حديث الغدير في كتاب مستقلّ سمّاه كتاب الولاية أو «الردّ على الحرقوصيّة»، وقد أشار الكتاب الطبري هذا أو رآه ونقل عنه كلّ من السيد ابن طاووس (ت 664) والذهبي (ت 748) وابن كثير (ت 774) في البداية والنهاية والسيرة النبوية.

قال السيّد ابن طاووس (رحمه الله): «ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير، صنّفه وسمّاه كتاب الردّ على الحرقوصيّة، روى فيه حديث يوم الغدير، وما نصّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم على علیه السّلام بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقاً» (1).

وقال في الطرائف: «وقد روى حديث يوم الغدير محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه الولاية، ورأيت في بعض ما صنّفه الطبري في صحّة خبر يوم الغدير أنّ اسم كتابه الردّ على الحرقوصيّة يعني الحنبليّة، لانّ أحمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي، وقيل: إنّما سمّاه الطبري بهذا الأسم لأنّ البربهاري الحنبلي تعرّض للطعن في شيء مّما يتعلّق بخبر يوم غدير خم» (2).

وقال ياقوت الحموي (ت 626) في ترجمة الطبري: «وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد

ص: 127


1- الإقبال لابن طاووس 2: 239.
2- عنه عبقات الأنوار، حديث الغدير 1: 124.

بتكذيب غدير خم، وقال: إنّ علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بغدير خم، وقال هذا الإنسان في قصيدة مزدوجة يصف بلداً بلداً ومنزلاً منزلاً أبياتاً يلوح فيها الى معنى حديث غدیر خم فقال:

ثمّ مررنا بغدير خم *** كم قائل فيه بروز جم ***على عليّ والنبي الأُمي

وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام من فضائل علي بن أبي طالب، وذكر طرق حديث خم، فكثر الناس لاستماع ذلك...» (1).

ومّمن ذكر كتاب الطبري ورآه وكان سبباً في تصديقه لحديث الغدير، الحافظ الذهبي (ت 748) حيث قال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الطبري: «وجمع طرق حدیث غدیر خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك» (2).

ورآه أيضاً الحافظ ابن كثير (ت 774) حيث قال: وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلّدين ضخمين» (3)، وقال أيضاً: «وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغثّ والسمين والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدّثين....» (4).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852): وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر» (5).

إذا عرفت هذا فاعجب من السالوس حيث قال: «إنّ كتاب الولاية إما أنّه أُلّف ونُسب

ص: 128


1- معجم الأدباء 18: 84.
2- سير أعلام النبلاء 14: 276، وفي تذكرة الحفاظ 2: 713 وقال: فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق.
3- البداية والنهاية 11: 167 ترجمة الطبري.
4- م ن 5: 228، السيرة النبوية 4: 414، عنه الآلوسي في روح المعاني 5: 195.
5- تهذيب التهذيب 7: 297 رقم 566.

الى الطبري زوراً انتصاراً للمذهب، وإما أنّ الطبري جمع ما وجده عن الولاية بغير نظر الى مصادر الروايات، وفي كلتا الحالتين لا وزن له ولا يبيّن رأي الطبري» (1)، فانظر الى أتباع المدرسة السلفيّة كيف يتمسّكون بكلّ حشيش لردّ فضائل أمير المؤمنين علیه السّلام، حيث يروق لهم بكل سهولة ليس ردّ الشيعة فقط، بل ردّ كبار محدّثيهم وحفّاظهم الذين عليهم مدار العلم والعمل في مدرسة أهل السنة، كلّ ذلك حذراً من أن تثبت لأمير المؤمنين علیه السّلام فضيلة.

2 - أحمد بن محمد أبو العباس ابن عقدة (ت 332)، وقد صنّف كتاباً مستقلاً في حديث الغدير، وذكر كتابه عدّة من الحفّاظ والمحدّثين، وكانت نسخة منه عند السيد ابن طاووس (ت 664) حيث روى عنه وذكر أسماء الرواة الذين ذكرهم ابن عقدة لحديث الغدير.

قال السيد ابن طاوس : «ومّمن صنّف تفصيل ما حقّقناه: أبو العباس أحمد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن عقدة، وهو ثقة عند أرباب المذاهب، وجعل ذلك كتاباً محرّراً سمّاه حديث الولاية، وذكر الأخبار عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بذلك، وأسماء الرواة من الصحابة، والكتاب عندي وعليه خط الشيخ العالم الرباني أبي جعفر الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام لا يخفى صحّة ما تضمّنه على أهل الأفهام، وقد أثنى على ابن عقدة الخطيب صاحب تاریخ بغداد وزکّاه.

وهذه أسماء من روى عنهم حديث يوم الغدير ونصّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم علی علي علیه السّلام ....:

1 - أبو بكر عبد الله بن عثمان.

2 - عمر بن الخطاب.

3 - عثمان بن عفان.

4 - علي بن أبي طالب علیه السّلام.

5 - طلحة بن عبيد الله.

ص: 129


1- أثر الإمامة للسالوس: 91.

6 - الزبير بن العوام.

7 - عبد الرحمن بن عوف.

8 - سعيد بن مالك.

9 - العباس بن عبد المطلب.

10 - الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السّلام.

11 - الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السّلام.

12 - عبد الله بن عباس.

13 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

14 - عبد الله بن مسعود.

15 - عمار بن ياسر.

16 - أبوذر جندب بن جنادة الغفاري.

17 - سلمان الفارسي.

18 - أسعد بن زرارة الأنصاري.

19 - خزيمة بن ثابت الأنصاري.

20 - أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري.

21 - سهل بن حنيف الأنصاري.

22 - حذيفة بن اليمان.

23 - عبد الله بن عمر بن الخطاب.

24 - البراء بن عازب الأنصاري.

25 - رفاعة بن رافع.

26 - سمرة بن جندب.

ص: 130

27 - سلمة بن الأكوع الأسلمي.

28 - زيد بن ثابت الأنصاري.

29 - أبو ليلى الأنصاري.

30 - أبو قدامة الأنصاري.

31 - سهل بن سعد الأنصاري.

32 - عدي بن حاتم الطائي.

33 - ثابت بن زيد بن وديعة.

34 - كعب بن عجرة الأنصاري.

35 - أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري.

36 - هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري.

37 - المقداد بن عمرو الكندي.

38 - عمر بن أبي سلمة.

39 - عبد الله بن أبي عبد الأسد المخزومي.

40 - عمران بن حصين الخزاعي.

41 - يزيد بن الخصيب الأسلمي.

42 - أبو هريرة الدوسي.

43 - أبو برزة نضلة بن عتبة الأسلمي.

44 - أبو سعيد الخدري.

45 - جابر بن عبدالله الأنصاري.

46 - حريز بن عبدالله.

47 - زيد بن عبدالله.

ص: 131

48 - زيد بن أرقم الأنصاري.

49 - أبو رافع مولى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم.

50 - أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري.

51 - أنس بن مالك الأنصاري.

52 - ناجية بن عمرو الخزاعي.

53 - أبو زينب بن عوف الأنصاري.

54 - يعلى بن مرة الثقفي.

55 - سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري.

56 - حذيفة بن أسيد.

57 - أبو شريحة الغفاري.

58 - عمرو بن الحمق الخزاعي.

59 - زيد بن حارثة الأنصاري.

60 - ثابت بن وديعة الأنصاري.

61 - مالك بن حويرث أبو سليمان.

62 - جابر بن سمرة السواني.

63 - عبد الله بن ثابت الأنصاري

64 - جيش بن جنادة السلولي.

65 - ضميرة الأسدي.

66 - عبد الله بن عازب الأنصاري.

67 - عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي.

68 - يزيد بن شراحيل الأنصاري.

69 - عبد الله بن بشير المازني.

ص: 132

70 - النعمان بن العجلان الأنصاري.

71 - عبد الرحمن بن يعمر الديلمي.

72 - أبو حمزة خادم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم.

73 - أبو الفضالة الأنصاري.

74 - عطية بن بشير المازني.

75 - عامر بن ليلى الغفاري.

76 - أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني.

77 - عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري.

78 - حسان بن ثابت الأنصاري.

79 - سعد بن جنابة العوفي.

80 - عامر بن عمير النميري.

81 - عبد الله بن ياميل.

82 - حبة بن جوين العرني.

83 - عقبة بن عامر الجهني.

84 - أبو ذؤيب الشاعر.

85 - أبو شريح الخزاعي.

86 - أبو جحيفة وهب بن عبد الله النسوي.

87 - أبو امامة الصدي بن عجلان الباهلي.

88 - عامر بن ليلى بن جندب بن سفيان الغفلي البجلي.

89 - اسامة بن زيد بن حارثة الكلبي.

90 - وحشي بن حرب.

91 - قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري.

ص: 133

92 - عبد الرحمن بن مديح.

93 - حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي.

94 - فاطمة بنت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم.

95 - عائشة بنت أبي بكر.

96 - أُم سلمة أُم المؤمنين.

97 - أم هاني بنت أبي طالب.

98 - فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.

99 - أسماء بنت عميس الخثعميّة.

ثم ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلاً من الصحابة لم يذكرهم ولم يذكر أسماءهم أيضاً (1).

وقال ابن حجر العسقلاني (ت 852) في فتح الباري: «وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان» (2)، كما قال في تهذيب التهذيب: «واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر» (3).

3 - أبو طالب عبيد الله بن أحمد بن زيد الأنباري الواسطي (ت 356)، وله كتاب طرق حديث الغدير، ذكره له النجاشي في فهرسته (4).

4 - أبو غالب أحمد بن محمد بن محمد الزراري (ت 368)، له جزء في خطبة الغدير، نصّ عليه هو بنفسه في رسالته في آل أعين (5).

5 - أبو المفضّل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني (ت 372)، له كتاب من روى

ص: 134


1- الطرائف لابن طاوس 1: 212 - 215، والإقبال 2: 239 ملخّصاً، كما أشار الى كتاب ابن عقدة كل من ابن شهر آشوب في المناقب 3: 34، وابن البطريق في العمدة: 112، وابن جبر في نهج الإيمان 133 - 134، وغيرهم من علمائنا.
2- فتح الباري 7 : 60.
3- تهذيب التهذيب 7: 297 رقم 566.
4- رجال النجاشي: 232 رقم 617، عنه الغدير للأميني 1: 317.
5- رسالة أبي غالب الزراري: 180، عنه الغدير للأميني 1: 317.

حدیث غدیر خم، ذکره له النجاشي (1).

6 - الحافظ علي بن عمر الدار القطني (ت 385)، قال الكنجي الشافعي: جمع الحافظ الدار قطني طرقه في جزء

(2).

7 - الشيخ محسن بن الحسين بن أحمد النيشابوري الخزاعي، له كتاب بيان حديث الغدير، ذكره له الشيخ منتجب الدين في فهرسته (3).

8 - أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري (ت 411)، له كتاب يوم الغدير، ذكره له النجاشي في فهرسته (4).

9 - علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن عروة بن الجراح القناني (ت 413)، له كتاب طرق خبر الولاية، عدّه النجاشي من تأليفه في فهرسته (5).

10 - الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجستاني (ت 477) له كتاب الدراية في حديث الولاية، ذكره ابن شهر آشوب في المناقب، والسيد ابن طاوس في الإقبال (6).

11 - الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748) له كتاب طرق حديث الولاية، قال هو في كتابه تذکره الحفّاظ: «أما حديث (من كنت مولاه) فله طرق جيّدة، وقد أفردت ذلك أيضاً (أي أفرده بمصنف مستقل) (7).

12 - قال أحمد بن طاوس (ت 673): «قال الفقيه برهان الدين حجّة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي الحمداني القزويني: سمعت بعض أصحاب أبي حنيفة يقول: شهدت بالكوفة شاباً بيده مجلّدة فيها روايات هذا الكتاب مكتوب عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون» من

ص: 135


1- رجال النجاشي: 396 رقم 1059، عنه الغدير للأميني 1: 317.
2- كفاية الطالب 60، عنه الغدير للأميني 1: 317.
3- الفهرست: 156 رقم 360، عنه الغدير للأميني 1: 317.
4- م ن : 69 رقم 166، عنه الغدير للأميني 1: 318.
5- رجال النجاشي: 269 رقم 706، عنه الغدير للأميني 1: 318.
6- المناقب لابن شهر آشوب 3: 340، والإقبال 2: 239.
7- تذكره الحفاظ 3: 1042 رقم 962.

طريق خبر قوله علیه السّلام: من كنت مولاه فعلي مولاه، ويتلوه في المجلّدة التاسعة: أخبرني» (1).

ويظهر أنّ هذا الكتاب هو الذي رآه أبو المعالي الجويني ببغداد، فقد قال ابن شهر آشوب (ت 588): «قال جدّي شهر آشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجّب ويقول: شاهدت مجلّداً ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه: المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون» (2).

يراجع للمزيد: ببليو غرافية حديث الغدير.

وإذا عرفت هذا فلا حاجة لنا الى ردّ ابن حزم (ت 456) القائل: «أمّا (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصحّ من طريق الثقات اصلاً» (3)، أو ما ذكره الجويني (ت 478) من قوله: «هذا اللّفظ وما عداه وسواه نقله معدودون من الرواة، وهم عرضة الزلل والخطل والهفوات» (4).

وما نقله المقدسي (ت 888) عن الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي حيث قال: «إنّه لا يصح من طريق الثقات أصلاً والزيادة التي ألحقوها بها كذب» (5).

وكفانا في الردّ عليهم ما قاله ابن حجر الهيثمي (ت 973) في الصواعق من قوله: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه... وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته» (6)، وتبعه الحلبي (ت 1044) حيث قال: «هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي داود وأبي حاتم الرازي» (7).

ص: 136


1- بناء المقالة الفاطمية: 302.
2- نقله عنه ابن جبر في نهج الإيمان: 133، والبياضي في الصراط المستقيم 1: 301، وانظر القندوزي في ينابيع المودة 1: 34.
3- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 3: 71.
4- غياث الأمم للجويني: 28.
5- رسالة في الرد على الرافضة: 213.
6- الصواعق المحرقة 1: 107.
7- السيرة الحلبية 3: 274.

خطبة "الغدير

خرج رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في السنة العاشرة من الهجرة إلى الحج وهي حجة الوداع، ودعا الناس بالائتمام به ليعلّمهم مناسكهم، إذ كان يعلم بدنوّ رحيله.

روى الذهبي عن الإمام الصادق عن أبيه (1) عن جابر أنّه قال: أذّن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في الناس بالحج فاجتمع في المدينة بشر كثير (2).

وقال ابن حبان: ثم إنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أراد أن يحجّ حجّة الوداع، فأذّن في الناس أنّه خارج فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم (3).

وقال الفيروزآبادي: لمّا عزم صلّی الله علیه و آله و سلّم على الحج أعلم أصحابه بذلك، فاستعدّوا للسفر بأجمعهم، ووصل الخبر إلى القرى والضياع القريبة من المدينة، فتجهّز المسلمون بأجمعهم نحو المدينة، وفي حال المسير إلى مكة تلاحق الناس من كلّ الأطراف حتى تجاوزوا الحصر والعدّ (4).

كان معه جموع لا يعلمها إلاّ الله تعالى، قيل: كانوا أربعين ألفاً، وقيل: كانوا سبعين ألفاً، وقيل: كانوا تسعين ألفاً، وقيل: كانوا مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: وعشرين ألفاً، وقيل: كانوا أكثر من ذلك» (5).

وفي حجة الوداع هذه حدثت أعظم واقعة في التاريخ الإسلامي، حيث اُمر النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بتبليغ ما إن لم يبلّغه بطلت رسالته، فقد نزل عليه الوحي قائلاً: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (6) وذيل الآية الدالّ

ص: 137


1- أنا مدين في هذا المدخل إلى ما كتبه فضيلة الشيخ أمير تقدمي في كتابه القيّم «نور الأمير في تثبيت خطبة الغدير».
2- تاريخ الإسلام المغازي: 701.
3- كتاب الثقات 2:124، ونحوه الطبقات لابن سعد 2:172، نهاية الأرب للنويرى 17:371.
4- سفر السعادة: 70.
5- السيرة الحلبية 3:308، ونحوه اتحاف الورى لابن فهد المكي 1:568.
6- المائدة: 67.

على حفظ الله تعالى لنبيّه صلّی الله علیه و آله و سلّم من الناس يدلّ بصراحة على أهميّة الموضوع وخطورته.

وبعد ما بلّغ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم إمامة علي علیه السّلام، وأنّه امتداد لخط الرسالة، نزل قوله الله

تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً» (1).

وقد تخلّلت هاتين الآيتين خطبةٌ عظيمة ذكر فيها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أموراً كثيرة، منها حديث الغدير، وحديث الثقلين. قال ابن كثير (ت774): «فصل في إيراد الحديث الدالّ على أنّه علیه السّلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له غدير خم، فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه مما كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن... فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبيّن أشياء، وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه» (2).

يُلاحظ على هذا المقطع:

جعل ابن كثير في صدر كلامه سبب الحديث ما تكلّم به بعض من كان معه في اليمن، ثم يقول: خطب صلّی الله علیه و آله و سلّم خطبة عظيمة فبيّن فيها أشياء، وهذا يناقض الحصر الذي ذكره في صدر كلامه من اختصاص سبب الخطبة بحديث الشكوى لما صدر من أمير المؤمنين علیه السّلام بأرض اليمن، كما أنّ قوله: «فبيّن فيها أشياء» يفيد تطرّق النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إلى أمور أخرى غير حديث الغدير لا يروق ابن كثير التحدّث عنها. كما أنّ قوله: «وذكر من فضل علي وأمانته» يفيد أنّ تلك الأشياء التي أخفاها ابن كثير غير هذه الموارد، مضافاً إلى أنّها اُمور إضافية على أصل حديث الغدير، وقد أهمل نصّها ابن كثير حاله حال غيره من المحدّثين.

ومن حقّنا أن نسأل المحدّثين المهتمّين بالسّنة المطهّرة: أين نصوص هذه الخطبة العظيمة التي ألقاها النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في تلك المناسبة وبتلك الحالة؟! ولماذا لم يبق منها في تراث أهل السنة سوى حديث الغدير، مع تشكيك بعضهم في صدره وذيله؟!

هذا، وقد وردت روايات كثيرة عند أهل السنة تشير إلى هذه الخطبة إشارة عابرة،

ص: 138


1- المائدة: 3.
2- البداية والنهاية 5:228.

فقد ذكرها زيد بن أرقم حيث قال: خطبنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم (1)، وفي لفظ آخر: خطبنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير (2). وفي لفظ آخر: قام فينا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بواد بين مكة

والمدينة يُدعى خمّاً خطيباً (3).

وعن حذيفة قال: إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم مخاطب بغدير تحت شجرات (4).

وعن أبي رافع قال: لما نزل رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم غدیر خم بمصدره من حجة الوداع قام خطيباً بالناس (5).

وعن أبي هريرة قال: نظرت إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وهو قائم يخطب وعلي إلى جنبه (6).

وعن عمرو ذي مرّ وزيد بن أرقم قالا: خطب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم (7).

وعن عائشة بنت سعد عن أبيها قالت: سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم الجحفة وأخذ بيد عليّ فخطب فحمد الله وأثنى عليه (8).

وعن أم هاني قالت: رجع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من حجته حتى إذا كان بغدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قام خطيباً بالهاجرة (9).

وعن أبي جنيدة جندع بن عمرو بن مازن قال: فلمّا نزل غدير خم قام في الناس خطيباً (10).

ص: 139


1- تاریخ دمشق لابن عساکر 42:217 ح 8707، تاريخ الإسلام للذهبي عهد الخلفاء: 632، وقال: وله طرق اُخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة عليّ يصدّق بعضها بعضاً.
2- المعجم الكبير للطبراني 5:194 ح5066.
3- كنز العمال للمتقي الهندي 13:641 ح37621 ، مشكاة المصابیح 3:1732 ح6131.
4- كنز العمال للمتقي 1:188 ح958، جواهر العقدين للسمهودي، القسم الثاني 78، المعجم الكبير للطبراني 3:180 ح3053.
5- وسيلة المآل: 111، استجلاب ارتقاء الغرف، الورقة 20.
6- أنساب الأشراف للبلاذري: 22 ح 45 ترجمة الإمام علي علیه السّلام.
7- المعجم الكبير للطبراني 5:192 ح5059.
8- السنة لابن أبي عاصم: 551 ح1189.
9- وسيلة المآل: 112.
10- أسد الغاية 1:572 رقم 812.

وقد أشار إليها ابن كثير كما مرّ، والحلبي حيث قال: لمّا وصل صلّی الله علیه و آله و سلّم إلى محلّ بين مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة وخطبهم خطبة (1).

وقال الجزري بعد رواية الحديث: وذلك في خطبة خطبها النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في حقّه (2).

وقال اليعقوبي: وقام خطيباً وأخذ بيد علي بن أبي طالب (3).

وقال الحموي نقلاً عن الحازمي أنّ خمّاً واد بين مكة والمدينة عند الجحفة، به غدير عنده خطب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم (4).

وقال ابن دريد: وخم غدير معروف، وهو الموضع الذي قام فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم خطيباً بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام (5).

وقال الزمخشري: ليلة الغدير معظّمة عند الشيعة محياة فيهم بالتهجّد، وهي اللّیلة التي خطب فيها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بغدير خم على أقتاب الإبل (6).

وقال الثعالبي: ليلة الغدير هي الليلة التي خطب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في غدها بغدير خم على أقتاب الابل (7).

وقال البدخشاني بعد رواية الحديث: قاله بغدير خم حين خطب تحت شجرات بسند صحيح عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان، وهذه الخطبة طويلة (8).

ومن المعلوم أنّ التكلّم بكلمات يسيرة - بحسب ما رووه - لا يقال له خطبة، فالخطبة لها مقدمة ونهاية يتخلّلها أمور كثيرة تتناسب مع سبب التوقّف في تلك المنطقة وعلى تلك الحالة، سيّما إذا نظرنا إلى ما رواه زيد بن أرقم حيث قال: أمر رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بالشجرات فقمّ ما

ص: 140


1- السيرة الحلبية 3:308.
2- أسنى المطالب: 48.
3- تاريخ اليعقوبي 2:112.
4- معجم البلدان 2:445.
5- جمهرة اللغة 1:108.
6- ربيع الأبرار 1:84.
7- ثمار القلوب 636 رقم 1086.
8- تحفة المحبين 163-164 مخطوط.

تحتها ورُشّ ثم خطبنا، فوالله ما من شيء يكون إلى أن تقوم الساعة إلاّ وقد أخبرنا به يومئذ (1).

نعم وردت هذه الخطبة في مصادرنا عن الإمام الباقر علیه السّلام، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن اليمان، وقد رواها كلُّ من السيد ابن طاوس في كتاب اليقين والإقبال والتحصين، والطبرسي في الاحتجاج، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين، والبياضي في الصراط المستقيم، وعلي بن يوسف الحلّي في العدد القوية، والشيخ جمال الدين الرازي في نزهة الكرام، وإليك نصّها ملفّقاً عن هذه المصادر:

عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن علي علیه السّلام قال: حجّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من المدينة وقد بلّغ جميعَ الشرايع قومه غيرَ الحجّ والولاية؛ فأتاه جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ الله يُقرؤك السلام ويقول لك: «إنّي لم أقبض نبيّاً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلاّ من بعد كمال ديني وتمام حجّتي، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغ قومك: فريضةُ الحج وفريضةُ الولاية والخلافةِ من بعدك؛ فإنّي لم أخلُ أرضي من حجّة ولن أخليَها أبداً»؛ وإنّ الله عزّ وجلّ يأمرك أن تبلغ قومك الحجَّ، وليحجّ معك من استطاع السبيل من أهل الحضر والأطراف والأعراب، فتعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتُوقفهم من ذلك على مثل الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرايع.

فنادی منادي رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: إنّ رسول الله يريد الحجّ، وأن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرايع دينكم ويوقفكم من ذلك على مثل ما أوقفكم.

قال: فخرج رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وخرج معه ناس وصَفّوا له لينظروا ما يصنع وكان جميع من حجّ مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من أهل المدينة والأعراب سبعين ألفاً أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتّبعوا السامريّ والعجل، وكذلك أخذ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم البيعة لعليّ علیه السّلام بالخلافة على نحو عدد أصحاب موسى علیه السّلام سبعين ألفاً، فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل والسّامري، سنةً بسنة ومثلاً بمثل لم يخرم منه شيءٌ.

ص: 141


1- المعجم الكبير للطبراني 5:212 ح6128، مجمع الزوائد للهيثمي 9:105 وقال فيه حبيب بن خلّاد ولم أعرفه، بقية رجاله ثقات، ورواه البزار وفيه ميمون أبو عبد الله البصيري وثّقه ابن حبان وضعّفه جماعة.

واتّصلت التلبيةُ ما بين مكّة والمدينة: فلمّا وقف رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بالموقف أتاه جبرئيل علیه السّلام عن أمر الله عزّ وجلّ فقال: يا محمّد، إنّ الله يقرأ عليك السّلام ويقول لك: «إنّه قد دنا أجلك ومدّتُك، وإنّي أستقدمك على ما لابدّ منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وتقدّم في وصيّتك، واعمد إلى ما عندك من العلم، و ميراث علوم الأنبياء من قبلك، والسّلاح والتابوت، و جمیع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلّمه إلى وصيّك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب، فأقمه للنّاس وجَدِّد عهدَك وميثاقك وبيعتَه، وذكّرهم ما في الذّرّ من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به، وعهدي الذي عهدت إليهم من الولاية لمولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب؛ فإنّي لم أقبض نبيّاً بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وتمام نعمتي على خلقي باتِّباع وليّي، وطاعتُه طاعتي؛ وذلك أنّي لا أترك أرضي بغير قيّم ليكونَ حجّةً لي على خلقي ف- «يَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً» (1) بولاية وليّي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليٍّ، عبدي ووصيٍّ نبيّي والخليفةِ من بعده، وحجّتي البالغة على خلقي؛ مقرونةٌ طاعتهُ بطاعة محمّد نبيّي، ومقرونةٌ طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني؛ جعلته علماً بيني وبين خلقي، ومن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن أشرك ببيعته كان مشركاً؛ من لقيني بولايته دخل الجنّة ومن لقيني بعداوته دخل النّار; فأقم - يا محمّد - عليّاً عَلَماً وخذ عليهم البيعةَ، وجَدّد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإنّي قابضك إليّ ومُستقدِمك عَلَيَّ».

قال; فخشي رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قومَه وأهلَ النفاق والشقاق بأن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليةً لِما عرف من عداوتهم، وما تنطوي على ذلك أنفسهم لعليّ علیه السّلام من البغضاء، وسأل جبرئيل علیه السّلام أن يسأل ربَّه العصمة من النّاس، وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله عزّ وجلّ: فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليّاً علیه السّلام علماً للناس، ولم يأته بالعصمة من الله تعالى بالذي أراد، حتّى إذا أتى «كُراعَ الغميمِ» بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل فأمره بالذي أتاه به من قبل ولم

ص: 142


1- المائدة: 3.

يأته بالعصمة. فقال : «يا جبرئيل، إنّي أخشى قومي يكذِّبوني ولا يقبلون قولي في عليّ» !

فدفع حتّى بلغ «غديرَ خُمٍّ» قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل - على خمس ساعات مضت من النهار - بالزجر والانتهار والعصمة من الناس، فقال: يا محمّد، إنّ الله عزّ وجلّ يُقرئك السّلام ويقول لك:

«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ منَ النَّاسِ» (1).

فكان أوّلهم قُربَ الجحفة، فأمره أن يَرُدَّ من تقدّم منهم، ويحبسَ من تأخّر عنهم في ذلك المكان، وأن يُقيمه للناس ويُبَلِّغَهم ما أنزل في عليّ علیه السّلام، وأخبره أن قد عصمه الله من النّاس.

فأمر رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم - عند ما جاءته العصمة - مناديَه ينادي في النّاس: الصلاة جامعة؛ وتنحّى إلى ذلك الموضع - وفيه سَلَمات - فأمر رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يُقَمَّ ما تحتهنَّ، وأن يُنصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس فرجع أوائل الناس واحتبس أواخرهم.

فقام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فوق تلك الأحجار فقال (2):

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا فِي تَوَحُدِهِ وَدَنا فِي تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ فِي سُلْطانِهِ وَعَظُمَ فِي أَرْكَانِهِ، وَأَحاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً وَهُوَ فِي مَكَانِهِ وَقَهَرَ جَمِيعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، حَميداً لَمْ يَزَلْ، مَحْمُوداً لا يَزالُ (وَمَجيداً لايَزولُ، وَمُبْدِئاً وَمُعِيداً وَكُلُّ أَمْر إِلَيْهِ يَعُودُ).

بارِئُ الْمَسْمُوكاتِ وَداحِي الْمَدْحُوّاتِ وَجَبّارُ الأَرَضِينَ وَالسّماواتِ، قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ مُتَفَضّلٌ عَلى جَميعِ مَنْ بَرَأَهُ، مُتَطَوِّلٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ أَنْشَأَهُ.

يَلْحَظُ كُلَّ عَيْن وَالْعُيُونُ لا تَراهُ.

كَريمٌ حَلِيمٌ ذُو أَنات، قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيء رَحْمَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ.

ص: 143


1- المائدة: 67.
2- «اليقين باختصاص مولانا علي علیه السّلام بإمرة المؤمنين» 343- 346 الباب 127، وقال في صدره: فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمّد الطبري المعروف بالخليلي من روايته للكتاب الذي أشرنا إليه في حديث يوم الغدير وتسمية مولانا علي علیه السّلام فيه مراراً بلفظ «أمير المؤمنين» نرويه برجالهم الذين ينقلون لهم ما ينقلونه من حرامهم وحلالهم، والدرك فيما نذكره عليهم، وفيه ذكر المهدي علیه السّلام وتعظيم دولته «الاحتجاج» 1 / 133 - 138 ح 32؛ «روضة الواعظين» 90_89.

لا يَعْجَلُ بِانْتِقامِهِ، وَلا يُبادِرُ إِلَيْهِمْ بِمَا اسْتَحَقُوا مِنْ عَذَابِهِ.

قَدْ فَهِمَ السَّرائِرَ وَعَلِمَ الضَّمَائِرَ، وَلَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ الْمَكْنوناتُ ولا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيَاتُ.

لَهُ الأحاطَةُ بِكُلِّ شَيء، والغَلَبَةُ على كُلِّ شَيء والقُوَّةُ في كُلِّ شَيء والقُدْرَةُ عَلَى كُلِّ شَيء وَلَيْسَ مثْلَهُ شَيء.

وَهُوَ مُنْشِيُّ الشَّيءِ حِينَ لا شَيْءَ دائمٌ حَي وَقائمٌ بِالْقِسْطِ، لا إِلهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

لا يَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعايَنَة وَلا يَجِدُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِر وَعَلانِيَة إِلا بِما دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلى نَفْسه.

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ اللهُ أَلَّذِي مَلَأَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ، وَالَّذِي يَغْشَيِ الْأَبَدَ نُورُهُ، وَالَّذِي يُنْفِذُ أَمْرَهُ بِلَا مُشَاوَرَةِ مُشير وَلا مَعَهُ شَريكٌ فِي تَقْدِيرِهِ وَلا يُعاوَنُ في تَدْبِيرِهِ.

صَوَّرَ مَا ابْتَدَعَ عَلَى غَيْرِ مِثالٍ، وَخَلَقَ ما خَلَقَ بِلا مَعُونَة مِنْ أَحَدٍ وَلَا تَكَلُّفَ وَلَا احْتِيال.

أَنْشَأَهَا فَكانَتْ وَبَرَأَها فَبَانَتْ.

فَهُوَ الله الذي لا إِلاهَ إِلَّا هُو المُتَّقِنُ الصَّنْعَةَ، الْحَسَنُ الصَّنيعَةِ، الْعَدْلُ الَّذِي لا يَجُوُر، وَالأَكْرَمُ الَّذي تَرْجِعُ إِلَيْهِ الأُمُورُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ الله الَّذِي تَواضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِعَظَمَتِهِ، وَذَلَّ كُلُّ شَيء لِعِزَّتِهِ، وَاسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيء لِقُدْرَتِهِ، وَخَضَعَ كُلُّ شَيْء لِهَيْبَتِهِ.

مَلكُ الأَمْلاكِ وَمُفَتِّكُ الأَفْلاكِ وَمُسَخَّرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كُلٌّ يَجْرِي لِاَجَل مُسَمّي.

يُكَوِّرُ الَّليْلَ على النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ على الليْلِ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً.

قاصِمُ كُلِّ جَبّار عَنيد وَمُهْلِكُ كُلِّ شَيْطَان مَريد.

لَمْ يَكُنْ لَهُ ضِةٌ وَلا مَعَهُ نِدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ.

إلاه واحِدٌ وَرَبُّ ماجِدٌ يَشاءُ فَيُمْضي، وَيُريدُ فَيَقْضي، وَيَعْلَمُ فَيُحْيِي، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، وَيُفْقِرُ وَيُغْنِي، وَيُضْحِكُ وَيُبْكي، (وَيُدْنِي وَيُقْصي) وَيَمْنَعُ وَيُعْطي، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيء قَدِيرٌ.

ص: 144

يُولِجُ الَّليْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ في الليْلِ، لا إِلهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.

مُسْتَجيبُ الدُّعاءِ وَمُجْزِلُ الْعَطاءِ، مُحْصِي الأَنْفاسِ وَرَبُّ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، الَّذِي لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيْ، وَلا يُضحِرُهُ صُراخُ الْمُسْتَصْرِحْينَ وَلَا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحِينَ.

الْعاصِمُ لِلصّالِحِينَ، وَالْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحِينَ، وَمَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ.

الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ خَلَقَ أَنْ يَشْكُرَهُ وَيَحْمَدَهُ (عَلي كُلِّ حال).

أَحْمَدُهُ كَثيراً وَأَشْكُرُهُ دائماً على السَّرَاءِ وَالضَّرَاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّحَاءِ، وَأُومِنُ بِهِ وَبِمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.

أَسْمَعُ لِاَمْرِهِ وَأطيعُ وَأُبادِرُ إلى كُلّ ما يَرْضَاهُ وَأَسْتَسْلِمُ لِما قَضاهُ، رَغْبَةً فِي طَاعَتِهِ وَخَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، لأَنَّهُ الله الذي لا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَلا يُخافُ جَورُهُ.

وَأُقِرُّ لَهُ على نَفْسِي بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَؤدّي مَا أَوْحِي بِهِ إِلَى حَذَراً مِنْ أَنْ لَا أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بي مِنْهُ قارِعَةٌ لا يَدْفَعُها عَنِّي أَحَدٌ وَإِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ وَصَفَتْ خُلَّتُهُ - لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - لاَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَنِي أَنِّي إِنْ لَمْ أَبَلِّغْ ما أَنْزَلَ إِلَي (في حَقٌّ عَلِي) فَما بَلَغْتُ رِسَالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لِي تَبَارَكَ وَتَعالَى الْعِصْمَةَ (مِنَ النّاسِ) وَهُوَ الله الْكافِي الْكَرِيمُ.

فَأَوْحي إِلَى: «بِسْمِ الله الرَّحْمَانِ الرَّحيم، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - فِي عَلِي يَعْني فِي الْخِلَافَةِ لِعَلِي بْنِ أَبِي طَالِب - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».

مَعاشِرَ النَّاسِ، ما قَضَرْتُ في تَبليغ ما أَنْزَلَ الله تَعالى إِلَى، وَأَنَا أُبَيْنُ لَكُمْ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ: إِنَّ جَبْرَئِيلَ هَبَطَ إِلَى مِراراً ثَلَاثَاً يَأْمُرُنِي عَنِ السَّلامِ رَبِّي - وَهُو السَّلامُ - أَنْ أَقُومَ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ كُلَّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ: أَنَّ عَلِي بْنَ أَبي طالِب أَخي وَوَصِيّي وَخَلِيفَتي (عَلي أُمَّتي) وَالإِمامُ مِنْ بَعْدي، الَّذِي مَحَلَّهُ مِنّي مَحَلُّ هَارُونَ مِنْ مُوسِي إِلا أَنَّهُ لا نَبِي بَعْدِي وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدَ الله وَرَسُولِهِ.

وَقَدْ أَنْزَلَ الله تَبارَكَ وَتَعالى عَلَي بِذلِكَ آيَةً مِنْ كِتابِهِ (هي): «إنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»، وَعَلِي بْنُ أَبِي طَالِب الَّذِي أَقامَ الصَّلاةَ وَآتَي الزَّكاةَ وَهُوَ راكِعٌ يُريدُ الله عَزَّ وَجَلَّ في كُلِّ حال.

وَسَأَلْتُ جَبْرَئِيلَ أَنْ يَسْتَعْفِي لي (السَّلامَ) عَنْ تَبْلِيغِ ذلِكَ إِلَيْكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - لِعِلْمِي بِقِلَّةِ الْمُتَّقِينَ وَكَثْرَةِ الْمُنافِقِينَ وَإِدغالِ اللأهمينَ وَحِيَلِ الْمُسْتَهْزِئينَ بِالإِسْلامِ، الَّذِينَ وَصَفَهُمُ الله في كِتَابِهِ

ص: 145

بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ.

وَكَثْرَةِ أَذاهُمْ فِي غَيْرَ مَرَّة حتّى سَمَّوني أُذُناً وَزَعَمُوا أَنِّي كَذلِكَ لِكَثْرَةِ مُلازَمَتِهِ إِنِّي وَإِقْبَالِي عَلَيْهِ «وَهَواهُ وَقَبُولِهِ مِنِّي» حتَّى أَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي ذلِكَ «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِي وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ - (عَلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ أُذُنٌ) - خَيْر لَكُمْ ، يُؤْمِنُ بِالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ» الآيَةُ.

وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّي القائلينَ بِذلِكَ بِأَسْمَائِهِمْ لَسَمَّيْتُ وَأَنْ أَوْمِنَ إِلَيْهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ لأَوْمَأْتُ وَأَنْ أَدُلُّ عَلَيْهِمُ لَدَللْتُ، وَلكِنِّي وَاللهُ في أُمورِهِمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ.

وَكُلُّ ذلِكَ لا يَرْضَي الله مِنّي إِلاّ أَنْ أُبَلِّغَ ما أَنْزَلَ الله إِلَي (في حَقٌّ عَلِي)، ثُمَّ تلا: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - فِي حَقٌّ عَلِي - وَانْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».

فَاعْلَمُوا مَعاشِرَ النَّاسِ (ذلِكَ فِيهِ وَافْهَمُوهُ وَاعْلَمُوا) أَنَّ الله قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإِمَاماً فَرَضَ طاعَتَهُ على الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَعَلَي التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسان وَعَلَي الْبَادِي وَالْحاضِرِ، وَعَلَي الْعَجَمِي وَالْعَرَبِيِ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّغيرِ وَالْكَبيرِ، وَعَلَي الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ، وَعَلي كُلِّ مُوَحَّد.

ماض حُكْمُهُ، جاز قَوْلُهُ، نافِذُ أَمْرُهُ، مَلْعونٌ مَنْ خَالَفَهُ، مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ الله لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطاعَ لَهُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّهُ آخِرُ مَقام أَقُومُهُ في هذا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعوا وَأَطيعوا وَانْقادوا لأمْرِ (الله) رَبِّكُمْ، فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاكُمْ وَإِلهُكُمْ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسولُهُ وَنَبِيُّهُ الْمُخاطِبُ لَكُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِي عَلي وَلِيُّكُمْ وَإِمَامُكُمْ بِأَمْرِ الله رَبِّكُمْ، ثُمَّ الإِمَامَةُ فِي ذُرِّيَّتِي مِنْ وُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ اللهُ وَرَسُولَهُ.

لا حَلالَ إِلا ما أَحَلَّهُ الله وَرَسُولُهُ وَهُمْ، وَلَا حَرَامَ إِلا مَا حَرَّمَهُ الله (عَلَيْكُمْ) وَرَسُولُهُ وَهُمْ، وَالله عَزَّ وَجَلَّ عَرَّفَنِي الْحَلالَ وَالْحَرامَ وَأَنَا أَفْضَيْتُ بِما عَلَّمَني رَبِّي مِنْ كِتَابِهِ وَحَلالِهِ وَحَرَامِهِ إِلَيْهِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، (فَضْلُوهُ).

ما مِنْ عِلْمٍ إِلا وَقَدْ أَحْصاهُ الله فِي، وَكُلُّ عِلْمٍ عُلِّمْتُ فَقَدْ أَحْصَيْتُهُ فِي إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَمَا مِنْ عِلْمٍ إِلا وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيّاً، وَهُوَ الإمامُ الْمُبِينُ (الَّذِي ذَكَرَهُ الله في سُورَةِ يس: (وَكُلَّ شَيء أَحْصَيْنَاهُ في إِمام مُبين).

ص: 146

مَعاشِرَ النَّاسِ، لا تَضِلُّوا عَنْهُ وَلا تَنْفِرُوا مِنْهُ، وَلا تَسْتَنْكِفُوا عَنْ وِلايَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي يَهدي إلى الْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيُزْهِقُ الْباطِلَ وَيَنْهِي عَنْهُ، وَلا تَأْخُذُهُ فِي الله لَوْمَةُ لائِم.

أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالله وَرَسُولِهِ (لَمْ يَسْبِقْهُ إلى الأيمان بي أَحَدٌ)، وَالَّذي فَدي رَسُولَ اللهُ بِنَفْسِهِ، وَالَّذِي كَانَ مَعَ رَسُولِ الله وَلا أَحَدَ يَعْبُدُ الله مَعَ رَسُولِهِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرُهُ.

(أَوَّلُ النّاسِ صَلاةً وَأَوَّلُ مَنْ عَبَدَالله مَعي.

أَمَرْتُهُ عَنِ الله أَنْ يَنامَ في مَضْجَعي، فَفَعَلَ فَادِياً لِي بِنَفْسِهِ).

مَعاشِرَ النَّاسِ، فَضْلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ الله، وَاقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ الله.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّهُ إِمَامٌ مِنَ الله، وَلَنْ يَتُوبَ الله على أَحَدٍ أَنْكَرَ وِلايَتَهُ وَلَنْ يَغْفِرَ لَهُ، حَتْماً على الله أَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ بِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَأَنْ يُعَذِّبَهُ عَذاباً نُكْراً أَبَدًا الآبادِ وَدَهْرَ الدُّهورِ.

فَاحْذَرُوا أَنْ تُخالِفوه.

فَتَصْلُوا ناراً وَقودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، بي - وَالله - بَشَّرَ الأَوَّلُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَنَا - (وَالله) - خاتَمُ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْحُجَّةُ على جَميع المخلوقِينَ مِنْ أَهْلِ السَّماواتِ وَالأَرَضِينَ.

فَمَنْ شَكٍّ فِي ذلِكَ فَقَدْ كَفَرَ كُفْرَ الْجاهِلِيَّةِ الأُولِي وَمَنْ شَكٍّ في شَيءٍ مِنْ قَوْلِي هذا فَقَدْ شَكٍّ فِي كُلِّ ما أُنْزِلَ إِلَي، وَمَنْ شَكٍّ فِي واحِد مِنَ الْأُمَّةِ فَقَدْ شَكٍّ فِي الْكُلِّ مِنْهُمْ، وَالشَاثُ فِينَا فِي النَّارِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، حَبانِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِذِهِ الْفَضِيلَةِ مَنْاً مِنْهُ عَلَي وَإِحْساناً مِنْهُ إِلَى وَلَا إِلَّاهَ إِلَّا هُوَ، أَلا لَهُ الْحَمْدُ مِنّي أَبَدَ الآبدينَ وَدَهْرَ الدّاهِرينَ وَعَلي كُلِّ حال.

مَعاشِرَ النَّاسِ، فَضْلُوا عَلِيّا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدِي مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثي ما أَنْزَلَ اللهُ الرِّزْقَ وَبَقِي الْخَلْقُ.

مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ، مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ عَلَي قَوْلِي هذا وَلَمْ يُوافِقُهُ.

أَلا إِنَّ جَبْرئِيلَ خَبَّرني عَنِ الله تعالى بِذلِكَ وَيَقُولُ: «مَنْ عادِي عَلِيّاً وَلَمْ يَتَوَلَّهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَتِي وَغَضَبي»، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله - أَنْ تُخالِفُوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها - إِنَّ الله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّهُ جَنْبُ الله الَّذي ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ العَزيزِ، فَقال تعالى (مُخْبِراً عَمَّنْ يُخالِفُهُ):

ص: 147

(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ فِي جَنْب الله).

مَعاشِرَ النَّاسِ، تَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ وَافْهَمُوا آيَاتِهِ وَانْظُرُوا إِلى مُحْكَماتِهِ وَلَا تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهُ، فَوَالله لَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، زواجِرَهُ وَلَنْ يُوضِحَ لَكُمْ تَفْسِيرَهُ إِلَّا الَّذِي أَنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَمُصْعِدُهُ إِلى وَشائِلٌ بِعَضُدِهِ (وَرافِعُهُ بِيَدَي) وَمُعْلِمُكُمْ: أَنَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِي مَوْلاهُ، وَهُوَ عَلِي بْنُ أَبِي طَالِب أَخِي وَوَصِيّي، وَمُوالاتُهُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَها عَلَي.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ عَلِيّاً وَالطَّيِّبينَ مِنْ وُلدي (مِنْ صُلْبِهِ) هُمُ الثَّقْلُ الأَصْغَرُ، وَالْقُرْآنُ الثَّقْلُ الأَكْبَرُ، فَكُلُّ واحِد مِنْهُما مُنْبِيٌّ عَنْ صاحِبِهِ وَمُوافِقٌ لَهُ، لَنْ يَفْتَرِقا حتَّى يَرِدًا عَلَيَّ الْحَوْضَ.

أَلا إِنَّهُمْ أُمَناءُ الله فِي خَلْقِهِ وَحُكَامُهُ فِي أَرْضِهِ.

أَلا وَقَدْ أَدَّيْتُ.

أَلا وَقَدْ بَلَّغْتُ، أَلا وَقَدْ أَسْمَعْتُ، أَلا وَقَدْ أَوْضَحْتُ، أَلا وَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَأَنَا قُلْتُ عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ، أَلا إِنَّهُ لا «أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ» غَيْرَ أَخي هذا، أَلا لا تَحِلُّ إِمْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدِي لِأَحَدٍ غَيْرِهِ.

ثم قال: «أيّها النَّاسُ، مَنْ اَوْلِي بِكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ؟ قالوا: الله وَرَسُولُهُ.

فَقالَ: أَلا مِن كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللهمَّ وَالِ مَنْ والاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ واخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، هذا عَلِي أخي وَوَصيي وَواعي عِلْمي، وَخَليفَتي في أُمَّتِي عَلِي مَنْ آمَنَ بِي وَعَلِي تَفْسِيرِ كِتابِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَالدّاعِي إِلَيْهِ وَالْعامِلُ بِما يَرْضَاهُ وَالمحارِبُ لأَعْدائِهِ وَالْمُوالي على طاعَتِهِ وَالنَّاهِي عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

إِنَّهُ خَليفَةُ رَسُولِ الله وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ وَالإمامُ الْهادِي مِنَ الله، وَقَاتِلُ النَّاكِثينَ وَالْقَاسِطينَ وَالْمارِقِينَ بِأَمْرِ الله.

يَقُولُ الله: (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيّ).

بِأَمْرِكَ يا رَبِّ أَقولُ: الَّلهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ (وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ) وَالْعَنْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَاغْضِبْ عَلى مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ.

اللهمَّ إِنَّكَ أَنْزَلْتَ الآيَةَ فِي عَلِي وَلِيْكَ عِنْدَ تَبْيِينِ ذلِكَ وَنَصْبِكَ إِيَّاهُ لِهَذَا الْيَوْمِ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ

ص: 148

لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ ديناً»، «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».

اللهمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّما أَكْمَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ دِينَكُمْ بِإِمَامَتِهِ.

فَمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقامَهُ مِنْ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَالْعَرْضِ على الله عَزَّ وَجَلَّ فَأُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ «فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ» وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ، «لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ».

مَعاشِرَ النَّاسِ، هذا عَلِي، أَنْصَرُكُمْ لِي وَأَحَقُكُمْ ِبي وَأَقْرَبُكُمْ إِلَى وَأَعَزُّكُمْ عَلَى، وَالله عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا عَنْهُ راضِيانِ.

وَما نَزَلَتْ آيَةُ رِضاً (فِي الْقُرْآنِ) إِلاّ فيهِ، وَلا خاطَبَ الله الَّذينَ آمَنُوا إِلَّا بَدَأَ بِهِ، وَلَا نَزَلَتْ آيَةُ مَدْحَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِيهِ، وَلا شَهِدَ الله بِالْجَنَّةِ في «هَلْ أَتى على الإِنْسَانِ» إِلَّا لَهُ، وَلَا أَنْزَلَها فِي سِواهُ وَلا مَدَحَ بِها غَيْرَهُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، هُوَ ناصِرُ دينِ الله وَالْمُجادِلُ عَنْ رَسُولِ اللهِ، وَهُوَ التَّقِي النَّقِي الْهَادِي الْمَهْدِي. نَبِيُّكُمْ خَيْرُ نَبِي وَوَصِيُّكُمْ خَيْرُ وَصِي (وَبَنُوهُ خَيْرُ الأَوْصِياءِ).

مَعاشِرَ النَّاسِ، ذُرِّيَّةُ كُلِّ نَبِي مِنْ صُلْبِهِ، وَذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ (أَميرِالْمُؤْمِنينَ) عَلِي.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ إِبْلِيسَ أَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ بِالْحَسَدِ، فَلا تَحْسُدُوهُ فَتَحْبِطَ أَعْمَالُكُمْ وَتَزَلَّ أَقْدامُكُمْ، فَإِنَّ آدَمَ أُهْبِطَ إِلى الأَرْضِ بِخَطيئَة واحِدَةٍ، وَهُوَ صَفْوَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَكَيْفَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ أَنْتُمْ وَمِنْكُمْ أَعْداءُ الله، أَلا وَإِنَّهُ لا يُبْغِضُ عَلِيّاً إِلا شَقِي، وَلا يُوالي عَلِيّاً إِلَّا تَقِي، وَلَا يُؤْمِنُ بِهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ مُخْلِصٌ.

وَفِي عَلي - وَالله - نَزَلَتْ سُورَةُ الْعَصْر : «بِسْمِ الله الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ، وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْر»، (إِلاّ عَليّا الَّذِي آمَنَ وَرَضِي بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ).

مَعاشِرَ النَّاسِ، قَدِ اسْتَشْهَدْتُ اللهِ وَبَلَّغْتُكُمْ رِسالَتي وَما على الرَّسُولِ إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، «اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».

ص: 149

مَعاشِرَ النَّاسِ «آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالنَّورِ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَتَرُدَّها على أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ».

(بالله ما عَني بِهذِهِ الآيَةِ إِلا قَوْماً مِنْ أَصْحابي أَعْرِفُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ، وَقَدْ أُمِرْتُ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ فَلْيَعْمَلْ كُلُّ امْرِئ على ما يَجِدُ لِعَلِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ).

مَعاشِرَ النّاسِ، النُّورُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ مَسْلُوكٌ فِي ثُمَّ في عَلِي بْنِ أَبِي طَالِب، ثُمَّ فِي النَّسْلِ مِنْهُ إلى الْقَائِمِ الْمَهْدِي الَّذِي يَأْخُذُ بِحَقِّ الله وَبِكُلِّ حَقٌّ هُوَ لَنا، لِاَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَنا حُجَّةً على الْمُقَصِّرِينَ وَالْمعُانِدِينَ وَالْمُخالِفِينَ وَالْخائِنِينَ وَالآثِمِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْعَاصِمِينَ مِنْ جَميعِ الْعالَمينَ. مَعاشِرَ النَّاسِ أُنْذِرُكُمْ أَنِّي رَسُولُ الله قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِي الرُّسُلُ، أَفَإِنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ انْقَلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ (الصّابِرِينَ).

أَلا وَإِنَّ عَلِيّاً هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، لا تَمُنُّوا عَلَي بِإِسْلامِكُمْ، بَلْ لا تَمُنُّوا على الله فَيُحْبِطَ عَمَلَكُمْ وَيَسْخَطَ عَلَيْكُمْ وَيَبْتَلِيَكُمْ بِشُواظ مِنْ نار وَنُحاس، إِنَّ رَبَّكُمْ لَنَا الْمِرْصَادِ.

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لايُنْصَرُونَ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ الله وَأَنَا بَريئانِ مِنْهُمْ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنَّهُمْ وَأَنْصارَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ وَأَشْيَاءَهُمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ.

أَلا إِنَّهُمْ أَصْحابُ الصَّحِيفَةِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ فِي صَحِيفَتِهِ!!

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنِّي أَدَعُها إِمَامَةً وَوِراثَةً (فِي عَقِبي إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)، وَقَدْ بَلَّغْتُ ما أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِهِ حُجَّةً على كُلِّ حاضِر وَغائب وَعَلي كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ شَهِدَ أَوْلَمْ يَشْهَدْ، وُلِدَ أَوْلَمْ يُولَدْ، فَلْيُبَلِّغ الْحاضِرُ الْغائِبَ وَالْوالِدُ الْوَلَدَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَسَيَجْعَلُونَ الإِمَامَةَ بَعْدِي مُلْكَاً وَاغْتِصاباً، (أَلا لَعَنَ الله الْغاصِبينَ الْمُغْتَصبِينَ)، وَعِنْدَها سَيَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ (مَنْ يَفْرَغْ) وَيُرْسِلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارِ وَنُحاسٌ فَلَا تَنْتَصِرانِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَكُمْ على ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ

ص: 150

الطَّيِّبِ، وَما كانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ على الْغَيْبِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّهُ ما مِنْ قَرْيَة إِلا وَالله مُهْلِكُها بِتَكْذِيبِها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ وَمُمَلْكُهَا الإمامَ الْمَهْدِي وَالله مُصَدِّقٌ وَعْدَهُ.

مَعاشِرَ النّاسِ، قَدْ ضَلَّ قَبْلَكُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ، وَالله لَقَدْ أَهْلَكَ الأَوَّلِينَ، وَهُوَ مُهْلِكُ الْآخِرِينَ.

قالَ الله تَعالى: «أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ، ثُمَّ نُتَّبِعُهُمُ الآخِرينَ، كذلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ، وَيْلٌ يَوْمَئِدْ لِلْمُكَذِّبِينَ».

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ الله قَدْ أَمَرَني وَنَهاني، وَقَدْ أَمَرْتُ عَلِيّاً وَنَهَيْتُهُ (بِأَمْرِهِ).

فَعِلْمُ الأَمْرِ وَالنَّهُي لَدَيْهِ، فَاسْمَعُوا لِأَمْرِهِ تَسْلَمُوا وَأَطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَانْتَهُوا لِنَهْيِهِ تَرشُدُوا، (وَصيرُوا إِلى مُرادِهِ) وَلا تَتَفَرَّقْ بِكُمُ السُّبُلُ عَنْ سَبِيلِهِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، أَنَا صِراط الله الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ، ثُمَّ عَلِي مِنْ بَعْدِي.

ثُمَّ وُلدي مِنْ صُلْبِهِ أَمَّةُ (الْهُدى)، يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

ثُمَّ قَرَأَ: «بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمينَ... » إلى آخِرِهَا، وَقَالَ: فِي نَزَلَتْ وَفِيهِمْ (وَالله) نَزَلَتْ، وَلَهُمْ عَمَّتْ وَإِيَّاهُمْ خَصَّتْ أُولئكَ أَوْلِياءُ الله الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَاهُمْ يَحْزَنونَ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ.

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ الْغَاوُونَ إِخْوانُ الشَّياطينِ يوحي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غروراً.

أَلَا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ الله في كِتَابِهِ، فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَانَهُمْ أَوْ أَبْنانَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ، أُولِئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمانَ» إلى آخر الآيَةِ.

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الْمُؤْمِنونَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقالَ: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ».

«أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرْتابوا».

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلامِ آمِنِينَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ بِالتَّسْلِيمِ يَقُولُونَ: سَلامٌ

ص: 151

عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ.

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ، لَهُمُ الْجَنَّةُ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذِينَ يَصْلَونَ سَعِيراً.

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ لِجَهَنَّمَ شَهِيقاً وَهِي تَفُورُ وَيَرَوْنَ لَهَا زَفِيرًاً.

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذينَ قالَ الله فيهِمْ: «كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا» الآية.

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذِينَ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: «كُلَّما أُلْقِي فيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذیر، قالوا بَلَى قَدْ جَاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلنا ما نَزَّلَ الله مِنْ شَيْء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبير» إلى قوله: «أَلا فَسُحْقاً لَأَصْحَابِ السَّعِيرِ».

أَلا إِنَّ أَوْلِيانَهُمُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، شَتّانَ ما بَيْنَ السَّعِيرِ وَالأَجْرِ الْكَبِير.

(مَعاشِرَ النّاسِ)، عَدُوُّنا مَنْ ذَمَّهُ الله وَلَعَنَهُ، وَوَلِيُّنا (كُلُّ) مَنْ مَدَحَهُ الله وَأَحَبَّهُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، أَلا وَإِنِّي (أَنَا) النَّذِيرُ وَعَلِي الْبَشِيرُ.

مَعاشِرَ النّاسِ، أَلا وَإِنِّي مُنْذِرٌ وَعَلي هاد.

مَعاشِرَ النّاس (ألا) وَإِنِّي نَبِي وَعَلِي وَصِيّي.

(مَعاشِرَ النَّاسِ، أَلَا وَإِنِّي رَسُولٌ وَعَلِي الإِمَامُ وَالْوَصِي مِنْ بَعْدِي، وَالأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ.

أَلا وَإِنِّي والِدُهُمْ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِهِ).

أَلا إِنَّ خاتَمَ الأَيْمَةِ مِنَّا الْقَائِمَ الْمَهْدِي.

أَلا إِنَّهُ الظَّاهِرُ على الدِّينِ.

أَلَا إِنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ.

أَلا إِنَّهُ فاتِحُ الْحُصُونِ وَهادِمُها.

أَلا إِنَّهُ غَالِبُ كُلِّ قَبيلَة مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهادِيها.

أَلا إِنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثار لأوْلِياءِ الله .

ص: 152

أَلا إِنَّهُ النَّاصِرُ لِدين الله.

أَلا إِنَّهُ الْغَرّافُ مِنْ بَحْرٍ عَميق.

أَلا إِنَّهُ يَسِمُ كُلَّ ذي فَضْل بِفَضْلِهِ وَكُلَّ ذِي جَهْلِ بِجَهْلِهِ.

أَلا إِنَّهُ خِيَرَةُ الله وَمُخْتارُهُ.

أَلا إِنَّهُ وارِثُ كُلّ عِلْمٍ وَالمحيط بِكُلِّ فَهُم.

أَلا إِنَّهُ المخْبرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُشَيْدُ لأَمْرِ آيَاتِهِ.

أَلا إِنَّهُ الرَّشيدُ السَّديدُ.

أَلا إِنَّهُ الْمُفَوَّضُ إِلَيْهِ.

أَلا إِنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ مِنَ الْقُرُونِ بَيْنَ يَدَيْهِ.

أَلا إِنَّهُ الْباقي حُجَّةً وَلا حُجَّةَ بَعْدَهُ وَلا حَقَّ إِلَّا مَعَهُ وَلَا نُورَ إِلَّا عِنْدَهُ.

أَلا إِنَّهُ لا غَالِبَ لَهُ وَلَا مَنْصُورَ عَلَيْهِ.

أَلَا وَإِنَّهُ وَلِي الله فِي أَرْضِهِ، وَحَكَمُهُ فِي خَلْقِهِ، وَأَمِينُهُ فِي سِرِّهِ وَعَلانِيَتِهِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنِّي قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَأَفْهَمْتُكُمْ، وَهذَا عَلِي يُفْهِمُكُمْ بَعْدِي.

أَلا وَإِنِّي عِنْدَ انْقِضَاءِ خُطْبَتِي أَدْعُوكُمْ إلى مُصافَقَتي على بَيْعَتِهِ وَالإِقْرَارِ بِهِ، ثُمَّ مُصافَقَتِهِ بَعْدِي.

أَلا وَإِنِّي قَدْ بايَعْتُ اللهِ وَعَلِي قَدْ بِايَعَني.

وَأَنَا آخِذُكُمْ بِالْبَيْعَةِ لَهُ عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ.

«إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُتُ على نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفِي بِما عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً».

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ شَعائرِ الله، «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَو اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» الآيَة.

مَعاشِرَ النَّاسِ، حُجُّوا الْبَيْتَ، فَما وَرَدَهُ أَهْلُ بَيْت إِلا اسْتَغْنَوْا وَأُبْشِرُوا، وَلَا تَخَلَّفُوا عَنْهُ إِلَّا بَتَرُوا وَافْتَقَرُوا.

ص: 153

مَعاشِرَ النَّاسِ، ما وَقَفَ بِالْمَوْقِفِ مُؤْمِنٌ إِلا غَفَرَ الله لَهُ ما سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ إِلى وَقْتِهِ ذلِكَ، فَإِذا انْقَضَتْ حَجَّتُهُ اسْتَأْنَفَ عَمَلَهُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، الْحُجّاجُ مُعانُونَ وَنَفَقاتُهُمْ مُخَلَّفَةٌ عَلَيْهِمْ وَالله لايُضيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، حُجُوا الْبَيْتَ بِكَمالِ الدِّينِ وَالتَّفَقُهِ، وَلَا تَنْصَرِفُوا عَنِ الْمَشَاهِدِ إِلَّا بِتَوْبَة وَإِقْلَاع.

مَعاشِرَ النَّاسِ، أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ كَما أَمَرَكُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ طَالَ عَلَيْكُمُ الأَمَدُ فَقَصَّرْتُمْ أَوْ نَسِيتُمْ فَعَلِي وَلِيُّكُمْ وَمُبَيِّنٌ لَكُمْ، الَّذِي نَصَبَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ بَعْدِي أَمِينَ خَلْقِهِ.

إِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَمَنْ تَخْلُفُ مِنْ ذُرِّيَّتِي يُخْبِرُونَكُمْ بِمَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَيُبَيِّنُونَ لَكُمْ ما لا تَعْلَمُونَ.

أَلا إِنَّ الْحَلالَ وَالْحَرامَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُحصِيَهُما وَأَعَرِّفَهُما فَآمُرَ بِالْحَلَالِ وَأَنهَي عَنِ الْحَرَامِ فِي مَقام واحِد، فَأُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الْبَيْعَةَ مِنْكُمْ وَالصَّفْقَةَ لَكُمْ بِقَبُولِ ما جِئْتُ بِهِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَلِي أميرِ الْمُؤْمِنينَ وَالأَوْصِياءِ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِينَ هُمْ مِنِّي وَمِنْهُ إمامَةٌ فِيهِمْ قَائِمَةٌ، خاتِمُهَا الْمَهْدِي إلى يَوْم يَلْقَي الله الَّذِي يُقَدِّرُ وَيَقْضِي.

مَعاشِرَ النَّاسِ، وَكُلُّ حَلالَ دَللْتُكُمْ عَلَيْهِ وَكُلٌّ حَرام نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرْجِعْ عَنْ ذلِكَ وَلَمْ أُبَدِّلْ.

أَلا فَاذْكُرُوا ذلِكَ وَاحْفَظُوهُ وَتَواصَوْا بِهِ، وَلا تُبَدِّلُوهُ وَلَا تُغَيِّرُوهُ.

أَلا وَإِنِّي أَجَدِّدُ الْقَوْلَ: أَلا فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.

أَلا وَإِنَّ رَأْسَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ تَنْتَهُوا إِلى قَوْلِي وَتُبَلِّغُوهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَتَأْمُرُوهُ بِقَبُولِهِ عَنِّي وَتَنْهَوْهُ عَنْ مُخالَفَتِهِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَمِنِّي.

وَلا أَمْرَ بِمَعْرُوفِ وَلا نَهْي عَنْ مُنْكَر إِلَّا مَعَ إِمَامٍ مَعْصوم.

مَعاشِرَ النَّاسِ، الْقُرْآنُ يُعَرِّفُكُمْ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ، وَعَرَّفْتُكُمْ إِنَّهُمْ مِنِّي وَمِنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ الله في كِتَابِهِ «وَجَعَلَها كَلِمَةٌ باقِيَةً فِي عَقِبِهِ».

وَقُلْتُ: «لَنْ تَضِلُّوا ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما».

مَعاشِرَ النّاسِ التَّقْوى، التَّقْوى، وَاحْذَرُوا السّاعَةَ كَما قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ».

ص: 154

أذْكُرُوا الْمَمَاتَ (وَالْمَعادَ) وَالْحِسابَ وَالْمَوازِينَ وَالمحاسَبَةَ بَيْنَ يَدَي رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالثَّوابَ وَالْعِقاب.

فَمَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ أُثيبَ عَلَيْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الجِنانِ نَصِيبٌ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ، إِنَّكُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُصافقُونِي بِكَفَّ واحد في وَقْت واحِدٍ، وَقَدْ أَمَرَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ آخُذَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الإِقْرارَ ما عَقَدْتُ لِعَلِي أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِمَنْ جاءَ بَعْدَهُ مِنَ الأَمةِ مِنّي وَمِنْهُ، عَلي ما أَعْلَمْتُكُمْ أَنَّ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِهِ.

فَقُولُوا بِأَجْمَعِكُمْ: إِنَّا سامِعُونَ مُطِيعُونَ راضُونَ مُنْقادُونَ لِما بَلَّغْتَ عَنْ رَبِّنا وَرَبِّكَ فِي أَمْرِ إِمَامِنَا عَلِي أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَمَنْ وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ.

نُبايِعُكَ على ذلِكَ بِقُلوبنا وَأَنْفُسِنَا وَأَلْسِنَتِنا وَأَيْدِينا.

على ذلِكَ نَحْيِي وَعَلَيْهِ ثَمَوتُ وَعَلَيْهِ نُبْعَثُ.

وَلا نُغَيَّرُ وَلا نُبَدِّلُ، وَلا نَشْكُ (وَلا نَجْحَدُ) وَلا نَرْتَابُ، وَلا نَرْجِعُ عَن الْعَهْدِ وَلا نَنْقُضُ الْمِيثَاقَ.

وَعَظْتَنا بِوَعْظِ الله في عَلِي أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَالأَئِمَّةِ الَّذِينَ ذَكَرْتَ مِنْ ذُرِّيتِكَ مِنْ وُلْدِهِ بَعْدَهُ، الْحَسَن وَالْحُسَيْنِ وَمَنْ نَصَبَهُ الله بَعْدَهُما .

فَالْعَهْدُ وَالْميثاقُ لَهُمْ مَأْخُوذٌ مِنَّا مِنْ قُلُوبِنا وَأَنْفُسِنَا وَأَلْسِنَتِنَا وَضَمَائِرِنَا وَأَيْدِينا.

مَنْ أَدْرَكَهَا بِيَدِهِ وَإِلَّا فَقَدْ أَقَرَّ بِلِسانِهِ، وَلا نَبْتَغِي بِذلِكَ بَدَلاً وَلايَرَي الله مِنْ أَنْفُسِنا حِوَلاً.

نَحْنُ نُؤَدِّي ذلِكَ عَنْكَ الداني والقاصي مِنْ اَوْلادِنا وأهالينا، وَنُشْهِدُ الله بِذلِكَ وَكَفَى بِالله شَهيداً وَأَنْتَ عَلَيْنا بِهِ شَهِيدٌ».

مَعاشِرَ النَّاسِ، ما تَقُولُونَ؟ فَإِنَّ الله يَعْلَمُ كُلَّ صَوْت وَخافِيَةَ كُلِّ نَفْس، (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّا يَضِلُّ عَلَيْهَا»، وَمَنْ بايَعَ فَإِنَّما يُبايِعُ الله، «يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ».

مَعاشِرَ النَّاسِ، فَبايِعُوا الله وَبايِعُوني وَبايِعُوا عَلِيّاً أَميرَ الْمُؤْمِنينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالأَئِمَّةَ (مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ) كَلِمَةً باقِيَةً.

يُهْلِكُ الله مَنْ غَدَرَ وَيَرْحَمُ مَنْ وَفِي، «وَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُتُ على نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بما عاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً».

ص: 155

مَعاشِرَ النّاسِ، قُولُوا الَّذي قُلْتُ لَكُمْ وَسَلَّمُوا على عَلي بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقُولُوا: «سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، وَقُولوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله» الآية.

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّ فَضائِلَ عَلي بن أبي طالِب عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ - وَقَدْ أَنْزَلَها فِي الْقُرْآنِ - أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أَحْصِيَها في مَقام واحِد، فَمَنْ أَنْبَاكُمْ بِهَا وَعَرَفَهَا فَصَدِّقُوهُ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَعَلِيّاً وَالأَيْمَةَ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُمْ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.

مَعاشِرَ النَّاسِ، السّابِقُونَ إِلى مُبايَعَتِهِ وَمُوالاتِهِ وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ أُولئكَ هُمُ الْفائِزُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

مَعاشِرَ النَّاسِ، قُولُوا ما يَرْضَي الله بِهِ عَنْكُمْ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئاً.

اللهمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ (بِما أَدَّيْتُ وَأَمَرْتُ) وَاغْضِبْ على (الْجاحِدِينَ) الْكَافِرِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ.

ص: 156

دلالة حديث الغدير

يتكوّن حديث الغدير من صدر ومتن وذيل، وكلّ هذه الفقرات تدلّ على الإمامة والولاية، وإليك بيانه:

لمّا انصرف رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من حجة الوداع متوجّهاً إلى المدينة، نزل عليه الأمر الإلهي بتبليغ إمامة علي علیه السّلام مقترناً بالعصمة من الناس، فنزل صلّی الله علیه و آله و سلّم الغدير خم - منصرف الناس إلى

بلادهم - وخطب الناس خطبة عظيمة - على حدّ تعبير ابن كثير (1) - ووصفها زيد بن أرقم بقوله: «فو الله ما من شيء يكون إلى أن تقوم الساعة إلاّ وقد أخبرنا به يومئذ» (2).

ومما قال صلّی الله علیه و آله و سلّم في خطبة الغدير قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم، وفي لفظ آخر: أيّها الناس من أولى بكم من أنفسكم. فلما أقرّوا بكونه صلّی الله علیه و آله و سلّم أولى بهم من أنفسهم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، ثم عقّبه بقوله : «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».

هذا النص المبارك - باختلاف ألفاظه (3) - من أهمّ أدلّة الشيعة في إثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بعد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم مباشرة، ففي معاني الأخبار للصدوق (ت381) بسنده عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين علیه السّلام: ما معنى قول النبي علیه السّلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: أخبرهم أنّه الإمام بعده (4).

وفي رواية أخرى عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ 8 عن قول

ص: 157


1- البداية والنهاية 5:228.
2- المعجم الكبير للطبراني 5:212 ح 5128، مجمع الزوائد للهيثمي 9:105 ووثّق رجاله غير حبيب بن خلّاد حيث لم يعرفه.
3- يراجع رواة حديث الغدير.
4- معاني الأخبار: 65 ح 1.

النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم : «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال: يا أبا سعيد تسأل عن مثل هذا، أعلمهم

أنّه يقوم فيهم مقامه (1).

ونحن لا نحتاج بعد ما ورد التفسير عن أهل البيت : إلى القيل والقال والتأويلات المختلفة، إذ هم عدل القرآن ومَن أمرنا بالتمسّك بهم، ولكن لتوضيح الأمر وردّ الشبهات المثارة لابد من الخوض في تبيين الأمر بحسب سياق الحديث وألفاظه وظهوره العرفي، وإليك بيانه:

1 - «ألست أولى بكم من أنفسكم»:

قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم هذا مأخوذ من قول الله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ (2)» والأولى

هنا في الآية بمعنى الأولى بالتصرّف. قال النحّاس: «وحقيقة معنى الآية - والله جلّ وعزّ أعلم - أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إذا أمر بشيء أو نهى عنه، ثم خالفته النفس كان أمر النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ونهيه أولى بالاتباع من الناس» (3).

وقال الطبري: «يقول تعالى ذكره: النبي محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم أولى بالمؤمنين، يقول: أحق بالمؤمنين

به من أنفسهم أن يحكم بما يشاء من حكم فيجوز ذلك عليهم، كما حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» - كما أنت أولى بعبدك - ما قضى فيهم من أمر جاز...» (4)

وقال البغوي : «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم...» (5).

ص: 158


1- م ن: 66 ح 2.
2- الأحزاب: 6.
3- معاني القرآن 5:325.
4- تفسير الطبري 21:146.
5- معالم التنزيل 3:507.

وقال النسفي : أي أحقّ بهم في كلّ شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه» (1).

وقال الزمخشري : «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ» في كلّ شيء من أمور الدين والدنيا «من أنفسهم» ولهذا أطلق ولم يقيّد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقّه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه...» (2).

وقال العيني في شرح قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى به في الدنيا والآخرة» يعني أحق وأولى بالمؤمنين في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يعيّن، فيجب عليهم امتثال أوامره والاجتناب عن نواهيه. قوله: «اقرؤوا إن شئتم «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» في معرض الاحتجاج لما قاله تنبيهاً لهم على أنّ هذا الذي قاله غير متلو طابقه وحي متلو. وتكلّم المفسّرون في قوله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» وروي عن ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أولى بهم من طاعة أنفسهم، وعن مقاتل: يعني طاعة

النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أولى من طاعة بعضكم لبعض، وقيل: إنّه أولى بهم في إمضاء الأحكام وإقامة

الحدود عليهم لما فيه من مصلحة الخلق والبعد عن الفساد، وقيل: لأنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يدعوهم

إلى ما فيه نجاتهم وأنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم...» (3).

هذه أقوال المفسّرين وشرّاح الحديث من أهل السنة تنصّ على أنّ المراد بالأولويّة في الآية الكريمة هي الأولويّة بالتصرّف في أمور الناس وهو معنى الحاكميّة، هذا هو المعنى الظاهر والواضح والمتعارف عليه في بادئ النظر.

ص: 159


1- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 3:297.
2- الكشاف 3:251.
3- عمدة القاري 12:235.

وهو المراد من قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم في حديث الغدير : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم».

قال السيد المرتضى: «فأمّا الدليل على أنّ لفظة أولى تفيد معنى الإمامة، فهو أنّا أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلاّ فيمن كان يملك تدبير ما وصف بأنّه أولى به وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه، ألا تراهم يقولون: السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة، وولد الميّت أولى بميراثه من كثير من أقاربه، والزوج أولى بامرأته، والمولى أولى بعبده، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه، ولا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» المراد به أنّه أولى بتدبيرهم والقيام بأمورهم من حيث وجبت طاعته عليهم، ونحن نعلم أنّه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم إلاّ من كان إماماً لهم، مفترض الطاعة عليهم» (1).

إذا عرفت هذا فلا وجه لما ذكره عبد العزيز الدهلوي (ت 1239) من حمل الأولوية في الآية والحديث على الأولويّة بالمحبة، (2) بل هو محض ادّعاء لا يبتني على أصول علميّة.

وهناك محاولة اُخرى تمسّك بها بعض أهل السنة لمّا ضاق بهم الخناق، فذهبوا إلى نفي صدر الحديث، وأنّه لم يرو متواتراً بل هو من الآحاد، والبعض الآخر تجرّأ وجعله موضوعاً لم يكن من أصل الحديث.

قال القاضي عبد الجبار (ت415): «إنّ كثيراً من شيوخنا ينكر أن تكون هذه المقدمة ثابتة بالتواتر ويقول إنّها من باب الآحاد، والثابت هو قوله علیه السّلام: من كنت مولاه...، وهو الذي كرّره أمير المؤمنين في مجالس عدّة عند ذكر مناقبه» (3).

قال الفخر الرازي (ت606) : «ثم إن سلّمنا صحة أصل الحديث، ولكن لا نسلّم صحة تلك المقدمة، وهي قوله: «ألست أولى بكم من أنفسكم» بيانه: إنّ الطرق التي ذكرتموها

ص: 160


1- الشافي 2:276-277، عنه البحار 37:245.
2- التحفة الاثني عشرية: 421، مختصر التحفة 161، وتبعه الآلوسي في روج المعاني 5:196، والنفحات القدسية 118، والزعبي في البينات 2:154.
3- المغني، القسم الأول من كتاب الإمامة: 151.

في تصحيح أصل الحديث لم يوجد شيء منها في هذه المقدّمة، فإنّ أكثر من روى أصل الحديث لم يرو تلك المقدّمة، فلا يمكن دعوى التواتر فيها، ولا يمكن أيضاً دعوى إطباق الأمّة على قبولها، لأنّ من خالف الشيعة إنّما يروي أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي علیه السّلام ولا يروي هذه المقدمة، وأيضاً فلم يقل أحد أنّ علياً ذكرها يوم الشورى، فثبت أنّه لم يحصل في هذه المقدمة شيء من الطرق التي يثبتون أصل الحديث بها، فلا يمكن إثبات هذه المقدمة» (1).

ونقول في الجواب:

أولاً: لم يكن دأب المحدّثين والرواة الأوائل على رواية جميع الخبر بحذافيره، بل كانوا يأخذون ويدعون من الحديث حسب الحاجة والمناسبة، مضافاً إلى الفجوة الزمنية الكبيرة بين صدور الحديث عن الرسول الأمين صلّی الله علیه و آله و سلّم و بين تدوين الحديث، ممّا أدّى إلى غياب كثير من القرائن الحالية والمقالية، زائداً النسيان والسهو الملازم للطبيعة البشرية.

فهذا زيد بن أرقم وهو مِنْ أكثر مَنْ روى حديث الغدير بألفاظ مختلفة، يقول ليزيد بن حيان وحصين بن سبرة لما سألاه أن يحدّثهم عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: يا ابن أخي والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ... ثم قال: قام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر (2). ثم ذكر حديث الثقلين.

فزيد بن أرقم يذكر واقعة الغدير، ولم يذكر حديث الغدير ولم يشر إلى مواعظ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وتذكيره، مع أنّها ثابتة صحيحة وعدم ذكرها لا يخدش في صحتها وتواترها.

ثانياً قال السيد المرتضى (ت436): «ليس ينكر أن يكون بعض من روى خبر الغدير

ص: 161


1- نهاية العقول: 383، وتبعه كل من الآمدي في أبكار الأفكار 5:181، والتفتازاني في شرح المقاصد 5:274، والجرجاني في شرح المواقف 9:361، والقوشجي في شرح التجريد: 369.
2- صحیح مسلم 7:123.

لم يذكر المقدّمة، إلا أنّ من أغفلها ليس بأكثر ممّن ذكرها ولا يقاربه، وإنّما حصل الاخلال بها من أحاد الرواة، ونقلة الشيعة كلّهم ينقلون الخبر بمقدّمته، وأكثر من شاركهم من رواة أصحاب الحديث أيضاً ينقلون المقدّمة، ومن تأمّل نقل الخبر وتصفّحه علم صحّة ما ذكرناه، وإذا صحّ فلا نكير في إغفال من أغفل المقدّمة، لأنّ الحجّة تقوم بنقل من نقلها بل ببعضهم» (1).

قال الكراجكي (ت449): «أما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلا على كماله، ولا سطروه في كتبهم إلاّ بالتقرير الذي في أوّله. وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد، و إن کان منهم آحاد قد أغفلوا ذكر المقدّمة، فيحتمل أن يكون ذلك تعويلاً منهم على العلم بالخبر فذكروا بعضه لأنّه عندهم مشتهر، فإنّ الأصحاب كثيراً ما يقولون: فلان يروي عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم خبر كذا ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصاراً، وفي الجملة فإنّ الآحاد المتفردون بنقل بعضه لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجميعه على كماله» (2).

ثالثاً: روى هذه المقدمة كثير من الحفّاظ في كتبهم، ففي مسند أحمد عن البراء بن عازب بلفظ: «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» (3). وفيه عن زيد بن أرقم بنفس اللفظ،(4) وفيه عن أبي الطفيل بلفظ : «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم» (5).

وفي المستدرك للحاكم عن سعد بن مالك بلفظ: «هل تعلمون أني أولى بالمؤمنين» (6). وفي مسند أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» (7). وفي

ص: 162


1- الشافي 2:267 ، تلخيص الشافي للطوسي 2:174.
2- كنز الفوائد 88: 2-89.
3- مسند أحمد 4:281 المصنف لابن أبي شيبة 7:503 ح 55.
4- م ن 4:368.
5- م ن: 4: 370، والمستدرك للحاكم 3:109 وصححه كما صحح الهيثمي في مجمع الزوائد 9:104 السند وقال: رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة.
6- المستدرك للحاكم 3:116.
7- مسند أحمد 1:119.

مجمع الزوائد عن زيد بن بثيغ بلفظ : «أليس أنا أولى بالمؤمنين» (1). وفي هذا كفاية لمن اهتدى.

أما عدم ذكر هذه المقدمة يوم الشورى فقد أجاب السيد المرتضى قائلاً:

«فأما إنشاد أمير المؤمنين علیه السّلام أهل الشورى، وخلوّه من ذكر المقدّمة، فلا يدلّ على نفيها أو الشك في صحّتها لأنّه علیه السّلام قرّرهم من الخبر بما يقتضي الإقرار بجميعه على سبيل الاختصار، ولا حاجة به إلى أن يذكر القصّة من أوّلها إلى آخرها، وجميع ما فيها، لظهورها ولأنّ الاعتراف بما اعترف به منها هو اعتراف بالكل، وهذه عادة الناس فيما يقرّرونه، ألا ترى أنّ أمير المؤمنين لما أن قرّرهم في ذلك المقام بخبر الطائر في جملة الفضائل والمناقب اقتصر على أن قال: «أفيكم رجل قال له رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم ابعث إليّ بأحبّ خلقك يأكل معي، غيري» ولم يذكر إهداء الطائر وما تأخّر عن هذا القول من كلام الرسول، وكذلك لما أن قرّرهم صلوات الله عليه بقول الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم فيه لما ندبه لفتح خيبر ذكر بعض الكلام دون بعض، ولم يشرح القصة وجميع ما جرى فيها، وإنّما اقتصر علیه السّلام على القدر المذكور اتكالاً على شهرة الأمر وأنّ في الاعتراف ببعضه اعترافاً بكلّه» (2).

مضافاً إلى أنّه علیه السّلام عند مناشدته الثانية أيّام خلافته في الرحبة بالكوفة، ذكر هذه المقدّمة واستشهد الناس على مجموع الحديث صدراً وذيلاً، فشهد له من حضر من الصحابة (3).

وهناك محاولة من قبل الباقلاني (ت403) تمسّك بها بعد أن لم يتمكّن من نفي المقدّمة فقال: «إنّ ما أثبته لنفسه من كونه أولى بهم، ليس هو من معنى ما أوجبه لعلي سبيل، لأنّه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فأوجب الموالاة لنفسه ولعلي، وأوجب لنفسه كونه أولى بهم منهم بأنفسهم، وليس معنى أولى من معنى مولى في شيء، لأنّ قوله مولى يحتمل في

ص: 163


1- مجمع الزوائد للهيثمي 9:107 وحسّن إسناده.
2- الشافي 267: 2-268، تلخيص الشافي للطوسي 2:175، كنز الفوائد للكراجكي 2:88.
3- يراجع: حديث المناشدة.

اللغة وجوهاً ليس فيها معنى أولى، فلا يجب إذا عُقّب كلام بكلام ليس من معناه أن يكون معناهما واحداً، ألا ترون أنّه لو قال: ألست نبيّكم والمخبر لكم بالوحي عن ربكم وناسخ شرائع من كان قبلكم ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، لم يوجب ذلك أن يكون قد أثبت لعلي من النبوة وتلقي الوحي ونسخ الشرائع على لسانه ما أوجبه في أول الكلام لنفسه، ولا أمر باعتقاد ذلك فيه من حيث ثبت أنّه ليس معنى نبي معنى مولى، فكذلك إذا ثبت أنّه ليس معنى أولى معنى مولى، لم يجب أن يكون قد أثبت لعليّ ما أثبته لنفسه، وإنّما دخلت عليهم الشبهة من حيث ظنوا أنّ معنى مولى معنى أولى وأحق، وليس الأمر كذلك» (1).

وأنت ترى أنه بنى استدلاله صدراً وذيلاً على عدم مجي مولى بمعنى أولى، وهذا مردود بشهادة الكتاب والسنة والأدب من مجي مولى بمعنى أولى وأحق، كما سيوافيك بيانه في: «المولى».

ثم إنّ المثال الذي استشهد به لا يستقيم من حيث قواعد التمثيل، إذ ليس معنى مولى معنى النبوة كما ذكره الباقلاني، وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه، إذ أنّ الأولى من معاني المولى كما نصّ على ذلك أصحاب اللغة، وما نحن فيه يشبه لو قال صلّی الله علیه و آله و سلّم: ألست نبيكم والمخبر لكم بالوحي عن ربكم وناسخ شرائع من كان قبلكم ثم قال: فمن كنت له كذلك فعليّ رسوله - وهذا افتراضٌ على سبيل الجدل وإن لم يكن صحيحاً - لكان الكلام مستقيماً لاحتواء كلمة الرسول معاني ومهام الإنباء عن الله تعالى والإخبار عنه بالوحي ونسخ شريعة موسى وعيسى. فكذلك لما صدّر كلامه بكونه أولى بهم من أنفسهم، ثم عقّبه بقوله: «فمن كنت مولاه...» كان معنى المولى والمراد منها هو معنى الأولوية بالتصرّف.

وقد اخترع ابن تيمية (ت728) استدلالاً غريباً، حيث جعل أولوية النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بالمؤمنين من أنفسهم من مختصّاته صلّی الله علیه و آله و سلّم ولا يحق له أن يعطيها لغيره، قال: «وأما كونه أولى أنفسهم، فلا يثبت إلاّ من طرفه صلّی الله علیه و آله و سلّم كونه أولى بكلّ مؤمن من نفسه من خصائص نبوّته،

ص: 164


1- تمهيد الأوائل: 451.

ولو قُدّر أنّه نصّ على خليفة من بعده، لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنّه لا يكون أزواجه اُمّهاتهم....» وهذه مكابرة لا دليل عليها من قرآن وسنة وعرف، وما أسهل القاء الادعاءات الفارغة وجعلها من المسلّمات، فلو أراد الله تعالى وكذلك نبيّه صلّی الله علیه و آله و سلّم نقل خصائص النبوّة من الأولوية بالتصرّف وإمامة الناس إلى شخص آخر يقوم بالحفاظ على نهج النبوة سيما بعد ختمها، فأيّ ضير في ذلك، وهذا هو معنى الإمامة التي نقصدها ونثبتها لعليّ علیه السّلام وأولاده الأوصياء بحديث الغدير وغيره من الأدلّة. ولا علاقة لهذا بكون أزواج النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أمّهات المؤمنين، حيث معناه حرمة التزوّج بهنّ بعد الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، وهي مسألة خاصّة ولا علاقة لهذا بمسألة الوصاية والإمامة التي هي امتداد للنبوّة.

وبعبارة اُخرى أنّ الأولوية بالتصرّف من خصائص الحاكميّة، وختم النبوة وحرمة التزوّج من أمّهات المؤمنين من خصائص نبوّة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، فالأولى لابد من انتقالها لاستمرار الحاكمية الإلهية، أما الثانية فلا تنتقل وتبقى من المختصّات، كيف وأنّ الخلفاء بعد الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم أثبتوا لأنفسهم هذه الأولوية، وتصرّفوا في الأموال والأنفس بحسب ما شاؤوا، فأخذوا فدك وغيرها وقتلوا مالك وغيره، أليس هذا هو معنى الأولوية بالتصرّف؟!

2 - «فمن كنت مولاه فعلي مولاه»:

يبتني الاستدلال بهذه الفقرة على أنّ المولى فيه بمعنى الأولى المتفرعة من صدر الحديث، ولعلمائنا في إثبات ذلك عدة أدلّة نوجزها فيما يلي:

ألف - قرينة المقام:

قال العلاّمة المجلسي (ت1111): «هل يريب عاقل في أن نزول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في زمان ومكان لم يكن نزول المسافر متعارفاً فيهما، حيث كان الهواء على ما روي في غاية الحرارة حتى كان الرجل يستظلّ بدابّته، ويضع الرداء تحت قدميه من شدّة الرمضاء، والمكان مملوءاً من الأشواك، ثم صعوده على الأقتاب والدعاء لأمير المؤمنين علي علیه السّلام على وجه يناسب

ص: 165

شأن الملوك والخلفاء وولاة العهد، لم يكن إلاّ لنزول الوحي الإيجابي الفوري في ذلك الوقت لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر، هو استخلافه والأمر بوجوب طاعته» (1).

وهذا لوحده ينفي إرادة سائر المعاني من كلمة (مولى) ويحصرها في الذي تقدّمها.

ب - الاستعمال الشرعي:

نقصد بالاستعمال الشرعي ما ورد في لسان الشرع: آيات وروايات، من مجيء بمعنى أولى بحسب الاستعمال والقرائن، ولا نقصد بأنّ كل (مولى) وردت في لسان الشرع تكون بمعنى أولى حتى يُنتقض علينا بما ورد من استعمالها في معاني أخر، كقوله تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ» (2) وإن ذهب البياضي (ت 877) إلى أنّها بمعنى الأولى حيث قال: «ذلك لا ينافي ما قلناه إذ معناه: الذين اتبعوا إبراهيم أولى بالتصرّف في خدمته دون غيرهم وكذا الآخران» (3).

ولذا قال السيد المرتضى (ت436) في مقام الرد على القاضي عبد الجبار (ت 415) حيث استشهد بالقرآن لنقض مجي المولى بمعنى أولى: «فأمّا ما ذكره من الآيات مستشهداً به على أنّ المراد بلفظة مولى الموالاة في الدين، فإنّما يكون طاعناً على من أنكر احتمال اللفظة لهذا الوجه في جملة محتملاتها، فأمّا من أقرّ بذلك وذهب إلى أنّ المراد في خبر الغدير خلافه، فليس يكون ما ذكره صاحب الكتاب مفسداً لمذهبه، وكيف يكون كذلك وأكثر ما استشهد به أنّ لفظة مولى اُريد بها معنى الموالاة فيما تلاه من القرآن، وذلك لا يحظر أن يراد بها

خلاف الموالاة في الخبر» (4).

ص: 166


1- البحار 37:251.
2- آل عمران: 68.
3- الصراط المستقيم 1:309.
4- الشافي 289: 2-290.

على أية حال، فمما استدلّوا به على مجي مولى بمعنى أولى قوله تعالى : «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ» (1) أي أولى بكم (2).

نصّ على ذلك أئّمة اللغة والتفسير المعتمد عليهم والمرجوع إليهم، منهم:

الكلبي (ت 146) على ما ذكر الفخر الرازي في تفسيره 29:228.

والفراء (ت207) في معاني القرآن 3:134.

وأبو عبيدة معمّر بن المثنّى (ت210) في مجاز القرآن 2:254.

وعبد الله بن يحيى اليزيدي (ت 237) في غريب القرآن وتفسيره: 371.

وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276) في تفسير غريب القرآن: 453.

والطبري (ت (310) في تفسيره 22:408.

والزجاج (ت311) في معاني القرآن وإعرابه 5:125 حيث قال: «هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، ومثل ذلك قول الشاعر:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه *** مولى المخافة خلفها وأمامها

ومنهم أيضاً: أبو عبيد الهروي (ت401) في الغريبين 6:2034 حيث قال: «قوله تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا» أي وليّهم والقائم بأمرهم، وكل من ولي عليك أمرك فهو مولاك. وقوله تعالى: «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ» أي هي أولى بكم، وفي الحديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال أبو العباس: أي من أحبني وتولاّني فليتولاّه». انظر كيف ناقض نفسه حيث أثبت في صدر كلامه مجي المولى بمعنى القائم بالأمر وبمعنى الأولى، ثمّ في ذيل كلامه صرف الحديث عن معناه الحقيقي لئلاّ يثبت الحق، وهذا لا يهمّنا وهو ديدنهم، والغرض اثبات مجي المولى بمعنى الأولى والقائم بالأمر، وقد ثبت.

ص: 167


1- الحديد: 15.
2- انظر: رسالة في معنى المولى للمفيد: 27، والشافي للمرتضى 2:269، وتقريب المعارف للحلبي: 214، وكنز الفوائد للكراجكي 2:89، وغيرها من المصادر الكلامية.

ومنهم أيضاً: الزمخشري (ت 538) في الكشاف 4:64 حيث جعل الأولى إحدى معاني المولى في الآية واستشهد ببيت لبيد الذي مرّ آنفاً.

وكذلك ابن الأنباري (ت 577) في البيان في غريب إعراب القرآن 4222:421 حيث جعل الأولى أيضاً من معاني المولى في الآية.

ومنهم ابن الجوزي (ت 597) في تذكرة الأديب في تفسير الغريب: 391.

والقرطبي (ت671) في الجامع لأحكام القرآن 17:248 حيث قال: «أي أولى بكم، والمولى من يتولّى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن كان ملازماً للشيء، وقيل: تملك أمرهم...».

ومنهم نظام الدين النيسابوري (ت 728) في تفسير غريب القرآن ورغائب الفرقان 6:256 حيث ذكر الأولى من معاني المولى في الآية.

وأبو حيان الأندلسي (ت745) في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: 290 حيث قال: «والمولى: المعتِق والمعتَق، أو الولي والأولى بالشيء، أو ابن العم والصهر».

وأيضاً علي بن عثمان المارديني (ت 750) في بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله من الغريب: 393.

ومنهم ابن كثير (ت774) في تفسيره 4:332 حيث قال: «أي هي أولى بكم من كلّ منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير».

ومنهم البيضاوي (ت791) في أنوار التنزيل 2:454 حيث جعل الأولى من معاني المولى واستشهد ببيت لبيد.

ومنهم ابن الملقن (ت804) في تفسير غريب القرآن: 449.

هذه أقوال أئمة اللغة والتفسير في مجي أولى بمعنى مولى، ولكن من الغريب ما ذهب إليه الفخر الرازي (ت 606) من حمل هؤلاء الأئمة على التساهل تارةً، وتارة أخرى اختراع قاعدة تحت عنوان أنّ هذا الذي قالوه معنى لا تفسير للّفظ، والسبب الوحيد في ذكر هذه

ص: 168

التمحّلات هو الردّ على الشيعة في استدلالهم بحديث الغدير وكلمة (مولى) على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، فتمسّك القوم بكلّ رطب ويابس لردّ هذا المدعى وإن كان على خلاف القياس والأصول العلمية.

فهذا الرازي رغم اعترافه بمجي مولى بمعنى أولى عند أهل اللغة وغيرهم أمثال الكلبي والزجاج والفراء وأبي عبيدة، (1) والأخفش وعلي بن عيسى (2)، ولكن ردّ هذا كلّه لأنّه مستمسك الشيعة، قال: «وإنّما نبّهنا على هذه الدقيقة لأنّ الشريف المرتضى لما تمسّك بإمامة علي بقوله علیه السّلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: أحد معاني مولى معناه أولى، واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأنّ مولى معناه أولى... أمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أنّ قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير وحينئذ يسقط الاستدلال به» (3).

نعم هذا هو السبب الحقيقي، ولذا قال في نهاية العقول: «أما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أنّ المولى بمعنى الأولى، فلا حجة لهم وإنّما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين: إحداهما أنّ أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: إنّ أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالى: «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ» معناه هي أولى بكم، وذكر هذا أيضاً الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى واستشهدوا ببيت لبيد ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأنّ الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية أو آية اُخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كلّ ما يُذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسّرون اليمين بالقوة في قوله تعالى: «السَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» والقلب بالعقل في قوله تعالى: «لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ» مع أنّ ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك هنا» (4).

ص: 169


1- تفسير الرازي 29:228.
2- نهاية العقول: 384.
3- تفسير الرازي 29:227.
4- نهاية العقول 384 خ.

ونقول في الجواب:

أوّلاً: أيّ فرق - فيما نحن بصدد إثباته من مجيء مولى بمعنى أولى عند أئمة أهل اللغة - بين أن يكون أقوال هؤلاء الأئمة معنى أو تفسيراً - رغم أنّهم لم يصرحوا بذلك بل ذكروا ما يناسب المقام من وجوه الآية، وعلى كلا الحالين يثبت مطلوبنا.

ثانياً: قد فطن نظام الدين النيسابوري (ت 728) ما في استدلال الرازي وإسقاطه لاستدلال المرتضى من وهن، فقال بعد نقل كلام الرازي: «في هذا الإسقاط بحث لا يخفى» (1).

ثالثاً: قد تناقض الرازي في كلامه، فإنّه تارة يقول : إنّ أئمة اللّغة وأكثر العلماء (حينما قال: والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية) ذهبوا إلى مجيء مولى بمعنى أولى، ثم يقول: إنّ الأكابر من النقلة لم يذكروه، ولا يتمكن من الاستشهاد إلا بالخليل (ت 175)، مع أنّه قد طعن في مكان آخر بكتاب الخليل حيث قال: «أجلّ الكتب المصنّفة في النحو واللغة كتاب سيبويه وكتاب العين... أما كتاب العين فقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه (2). فرغم كون أئّمة اللّغة وأكثر العلماء ذهبوا إلى مجيء مولى بمعنى أولى، ورغم إطباق أهل اللغة على القدح في كتاب الخليل، مع كل هذا لا يروق الرازي ذلك ويرميهم بالتساهل وعدم التحقيق، ولا أدري لماذا لا يُرمى الخليل بالتساهل وعدم التحقيق لعدم اتباعه أئمة اللغة؟! إن هو إلاّ تعصّب مذهبي أعمى أصاب الرازي ومن تبعه.

رابعاً: حتى لو صرّح الخليل بعدم مجيء مولى بمعنى أولى - وهو لم يصرّح بل لم يذكره - لا يُعتنى بتصريحه وهو واحد أمام أكثر أئمّة اللغة المصرّحين بذلك لتقدّم المثبت على النافي بحسب القواعد المقرّرة عندهم.

خامساً: أمّا قوله: «والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية أو آية أُخرى» فهل يُؤخذ تفسير المفردات إلاّ من كتب اللّغة وبما يتناسب فحوى الآية وغيرها من القرائن وهل قال

ص: 170


1- تفسير غريب القرآن 6:256.
2- المحصول 1:210.

أحدٌ من الناس أنّ كلّ ما جاء في القرآن من كلمة (مولى ) فهو بمعنى أولى، حتى يعترض علينا بهذا الاعتراض ؟! ثم إنّه يكفي لنفي السالبة الكلية الموجبة الجزئية.

سادساً: عدم وجود النقل عن بعض أهل اللغة لا يدلّ على العدم رأساً، ألا ترى أنّ صاحب القاموس التزم بترقيم كلّ لغة أهملها الجوهري بالحمرة، وهذه كثيرة جدّاً، فيلزم على قولك أن لا يكون شيء من تلك اللغات صحيحة، وهكذا يذكر بعض أهل اللغة لبعض اللفظ معنى، ويذكر له بعض آخر معاني اُخر (1).

سابعاً: ما ذهب إليه من ورود المجاز في تفسير اليمين والقلب، فنقول: اشتمال اللغة على الحقيقة والمجاز ظاهر، ومعلوم أنّ المجاز إنّما يُصار إليه عند تعذّر حمل الكلام على الحقيقة، وإلاّ فالأصل في الكلام الحقيقة. ثم إنّ المجاز الأصلي قد يشيع ويكثر استعماله حتى تصير الحقيقة اللغوية بالنسبة إليه مجازاً، وإذا كان كذلك فنقول: إنّ لفظة المولى وإن كانت مشتركة إلاّ أنّ أهل اللغة فهموا بحسب القرينة في هذا الخبر أنّ المراد من المولى هو الأولى بعد فهمهم أنّه من جملة مسمياتهم اللغوية، فدعوى أنّه ليس لغة أصلية استلزم أنّه منقول، وهو معارض بما أنّه خلاف الأصل، فتفسير هذه الآية أو غيرها إذن بحسب اللغة الأصلية، وأما تفسيرهم بغير اللغة الأصلية كاليمين وأمثاله، فذاك إنّما كان لاستعماله اليمين بمعنى الجارحة على الله تعالى، فلا جرم لما لم تصحّ الحقيقة للإرادة عدلوا إلى المجاز» (2).

ثم ذكر الرازي المقدّمة الثانية في بيان اشتقاق كلمة (و ل ي )، ولا علاقة له بما نحن فيه، ثم قال: «وإذا ثبتت هاتان المقدّمتان فلنشرع في التفصيل، قوله: إنّ أبا عبيدة قال في قوله تعالى: «مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ» معناه هي أولى بكم، قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين: أحدهما أنّ ذلك يقتضي أن يكون للكفّار في الجنّة حقاً إلاّ أنّ النار أحق، لأنّ ذلك من لوازم أفعل التفضيل وأنّه باطل، وثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا فى أنّ المولى ها هنا

ص: 171


1- عماد الإسلام للسيد دلدار علي، كتاب الإمامة: 339 / حديث الغدير خ.
2- النجاة في القيامة لابن ميثم: 131-132.

بمعنى الأولى، لقيل هي مولاتكم لأنّ استواء التذكير والتأنيث من خصائص أفعل التفضيل، ولما بطل ما قالواه فالواجب أن يجعل المولى هنا اسماً للمكان وهي موضع الولي، وعلى هذا التفسير لا يلزمنا ما ألزمناه عليهم، لأنّ اسم المكان إذا وقع خبراً للمؤنّث لم يؤنّث، تقول: المدينة منشأ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم والبصرة منشأ الحسن، ولا تقول: منشأه، وهذا هو التحقيق» (1).

نقول في الجواب:

أوْلاً: لم يرد ذكر للمفضّل عليه في الآية، فمن أين زعم الرازي أنّ المفضّل عليه هو الجنة، لم لا يجوز أن يكون مراده تعالى أنّ النار بالكفّار أولى من كل شيء - كما هو ظاهر الإطلاق - وهذا لا يقتضي أن يكون كلّ شيء حتى الجنّة له حقاً بالكفّار، بل يكفي أن يكون البعض كذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: «اللهِ أَكْبَرُ» فإنّه أكبر مطلقاً سواء كان لكل شيء كبر أو لا (2).

ثانياً: لو تنزّلنا عن ذلك فنقول: للكفّار في الجنة حق لكن فات عنهم بسبب عدم قبولهم الإيمان (3)، وقد أشار الرازي نفسه إلى نحو هذا في معرض كلامه عن كيفية وراثة المؤمنين للجنّة في قوله تعالى: «أَوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ» (4) حيث أنّ الجنة لهم فما معنى وراثتها، فقال: «إنّه لا مكلّف إلاّ أعدّ الله له في النار ما يستحقّه إن عصى، وفي الجنّة ما يستحقّه إن أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار منازل من لم يؤمن كالمنقول إلى المؤمنين، وصار مصيرهم إلى النار الذي لابد معها من حرمان الثواب كموتهم...» (5). وبهذا المعنى يمكن أن يقال إنّ النار أولى بهم وأحق من الجنّة.

أما ما ذكره من مسألة التذكير والتأنيث في: «هِيَ مَوْلاكُمْ» فنقول: أوّلاً بعد ما ثبت

ص: 172


1- نهاية العقول: 385.
2- عماد الإسلام للسيد دلدار علي، كتاب الإمامة: 340 خ.
3- م ن.
4- المؤمنون: 10-11.
5- تفسير الرازي 23:82.

ترادف المولى والأولى، فأينما كانت أولى خبراً لمبتدأ تساوى فيها المؤنّث والمذكّر، فكذلك الحال فى المولى (1).

ثانياً: ثأنيث النّار لم يكن على الحقيقة بل هو مجاز، ولا يلزم تأنيث المؤنّث المجازي، كما اعترف بذلك الرازي في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) حيث قال: «لقائل أن يقول: مقتضى علم الإعراب أن يقال: إنّ رحمة الله قريبة من المحسنين، فما السبب في حذف علامة التأنيث؟ ذكروا في الجواب عنه وجوهاً: الأوّل: إنّ الرحمة تأنيثها ليس بحقيقي، وما كان كذلك فإنّه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة» (2).

وبهذا تندفع سائر الشبهات التي ذكرها الباقلاني (ت 403) في تمهيد الأوائل: 452، والآمدي (ت631) في غاية المرام: 321 وأبكار الأفكار 5:182، والجرجاني (ت816) في شرح المواقف 8:361، وابن حجر الهيتمي (ت973) في الصواعق المحرقة 1:108، والدهلوي (ت 1239) في التحفة الاثني عشرية: 418، والآلوسي (ت 1270) في مختصر التحفة: 160 وتفسيره روح المعاني 5:195 وكتابه الآخر النفحات القدسية: 117، وإنّما ركّزنا على الفخر الرازي لأنّه أسهب الكلام حول الموضوع في تفسيره وكتابه نهاية العقول، وبإبطال كلامه تبطل سائر الشبه أيضاً.

شواهد اُخر:

ومن الشواهد الاُخرى في مجيء مولى بمعنى أولى قوله تعالى: «وَلِكُلِّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ» ...(3)، أي من كان أولى بالميراث وأحق.

وكذلك قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: « أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها» أي بغير إذن من هو أولى بها وأحق.

ص: 173


1- عبقات الأنوار، حديث الغدير 9:68.
2- تفسير الرازي 14:136، وانظر عبقات الأنوار، حديث الغدير 9:69-70.
3- النساء: 33.

ج - الاستعمال اللغوي:

ذكر أئمة اللغة عدّة معان لكلمة «مولى» أوصلها البعض إلى ثلاثين معنى من باب الاشتراك اللفظي ومن تلك المعاني الأولى، واستشهدوا لذلك ببيت لبيد:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه *** مولى المخافة خلفها وأمامها

معناه: أولى بالمخافة خلفها وأمامها.

وقد صرّح بذلك كل من معمر بن المثنى (ت210) في مجاز القرآن 2:254 وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276) في غريب القرآن: 453 والزجاج (ت311) في معاني القرآن 5:125 وابن الأنباري (ت 328) في الزاهر في معاني كلمات الناس 97، والجوهري (ت393) في الصحاح 6:2529، والثعلبي (ت427) في الكشف والبيان 9:239، والزمخشري (ت 538) في الكشاف 5:64، والبيضاوي (ت791) في أنوار التنزيل 5:187، وغيرهم الكثير ممن صرّح بذلك.

طبعاً نحن لا ندّعي أنّ كلّ من أورد هذا البيت من أئمّة اللغة والتفسير فسّر المولى فيه بالأولى، وعليه فلا يرد علينا ما أورده الفخر الرازي(1) من أنّ الأصمعي ذهب إلى خلاف هذا حيث نُقل عنه قولان في تفسير بيت لبيد ليس (الأولى) منها، مضافاً إلى أنّ الرازي نفسه قد طعن في الأصمعي في كتابه المحصول حيث قال: «الأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنّه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها»(2) ولكن يتمسّك بقوله هنا ويناقض نفسه.

واستشهدوا أيضاً لمجيء مولى بمعنى أولى بما قاله الأخطل في حق عبد الملك بن مروان:

فما وجدت فيها قريش لأمرها *** أعفّ وأوفى من أبيك وأمجدا

فأورى بزندیه ولو كان غيره *** غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا

فأصبحت مولاها من الناس كلّهم *** وأحرى قريش أن تُهاب وتُحمدا

فخاطبه بلفظ مولى وهو خليفة مطاع الأمر، فإنّه ذكر أباه وأنّ قريشاً لم تجد غيره أولى

ص: 174


1- نهاية العقول: 410 خ.
2- المحصول 1:212.

بالخلافة، ثم تطرّق إلى عبد الملك وذكر أنّه أصبح بعد أبيه هو المولى والخليفة وأحق مَن يُهاب ويُحمد.

ثم إنّ أمثال حسان بن ثابت، وقيس بن سعد، والكميت بن زيد الأسدي فهموا من المولى في حديث الغدير معنى الإمامة والأولوية بالتصرّف، قال حسان بعد واقعة الغدير مباشرة:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمّ وأسمع بالرسول مناديا

فقال ومن مولاكم ووليكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

الهك مولانا وأنت نبيّنا *** فلن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه *** وكن للّذي عادى علياً معاديا

فقال له النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «لاتزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» فلولا أنّ النبي عليه وآله علیه السّلام أراد بما ذكره في ذلك المقام النص على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام على حسب ما صرّح به حسّان في هذا المقال، لما دعا له النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بالتأييد ومدحه من أجله وأثنى عليه، ولو كان عليه وآله السلام عني غيره من أقسام المولى، لأنكر على حسان ولم يقرّه على ما اعتقده فيه وبيّن له غلطه فيما حكاه، لأنّه محال مع نصب الله تعالى نبيه للبيان أن يشهد بصحة الباطل... وفي شهادته علیه السّلام بصدق حسّان فيما حكاه، ونظمه الكلام بمدحه عليه، ودعائه له بالتأييد من أجله دليل على صحّة ما ذكرناه، وشاهد على أنّ المولى عبارة في اللغة عن الإمام لفهم حسّان والجماعة ذلك منها (1).

وقال قيس بن سعد بن عبادة:

وعلي إمامنا وإمام لس- *** -وانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولا *** ه- فهذا مولاه خطب جليل

ص: 175


1- أقسام المولى للشيخ المفيد: 35-36.

إنّ ما قاله النبي على الأمّة *** حتم ما فيه قال وقيل

وفي هذا الشعر دليلان:

أحدهما: إنّ المولى يتضمّن الإمامة عند أهل اللسان، للاتفاق على فصاحة قيس، وأنّه لا يجوز أن يعبّر عن معنى ما لا يقع عليه من اللفظ عند أهل الفصاحة لاسيّما في النظم الذي يعتمد صاحبه فيه الفصاحة والبيان.

والثاني: إقرار أمير المؤمنين علیه السّلام قيسا وترك نكيره وهو ينشد بحضرته ويشهد بالإمامة له ويحتج به على الأعداء، وأمير المؤمنين علیه السّلام ممّن لا يقرّ على باطل ولا يمسك عن الإنكار، لاسيّما مع ارتفاع التقية عنه وتمكّنه من الإنكار (1).

وقال کمیت بن زید:

ويوم الدوح دوح غدير خم *** أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها *** فلم أر مثلها خطراً مبيعا

فأوجب له الإمامة بخبر الغدير، ووصفه بالرئاسة من جهة المولى، وليس يجوز على الكميت مع جلالته في اللغة والعربية وضع عبارة على معنى لم يوضع عليه قط في اللغة، ولا استعملها قبله فيه أحد من أهل العربية (2).

فإذا ثبت في الاستعمال اللغوي مجيء مولى بمعنى أولى، كان هو المتعيّن في معنى الحديث من بين سائر المعاني، قال السيد المرتضى (ت436):

«قد علمنا أن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أوجب لأمير المؤمنين علیه السّلام أمراً كان واجباً لا محالة، فيجب أن يعتبر ما يحتمله لفظة مولى من الأقسام، وما يصح منها كون النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم مختصاً به وما لا يصحّ، وما يجوز أن يوجب لغيره في تلك الحال وما لا يجوز، وما يحتمله لفظ مولى ينقسم

ص: 176


1- م ن : 36-37.
2- رسالة في معنى المولى للشيخ المفيد: 19، أقسام المولى: 41.

إلى أقسام: منها ما لم يكن صلّی الله علیه و آله و سلّم عليه ، ومنها ما كان عليه ومعلوم لكل أحد أنه علیه السّلام لم يرده، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنّه لم يرده، ومنها ما كان حاصلاً صلّی الله علیه و آله و سلّم و یجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلوّ كلامه من معنى وفائدة.

فالقسم الأوّل هو المعتق والحليف، لأنّ الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه، فيكون منتسباً إليها متعزّزاً بها، ولم يكن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم حليفاً لأحد على هذا الوجه.

والقسم الثاني ينقسم على قسمين: أحدهما معلوم أنّه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق والمالك والجار والصهر والحليف والإمام إذا عُدّ من أقسام المولى، والآخر معلوم أنّه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهراً شائعاً وهو ابن العم.

القسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنّه لم يرده وهو ولاية الدين والنصرة والمحبة أو ولاء المعتق، والدليل على أنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يرد ذلك أنّ كل أحد يعلم من دينه صلّی الله علیه و آله و سلّم وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم وقد نطق الكتاب به، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه، وكذلك هم يعلمون أنّ ولاء العتق لبني العمّ قبل الشريعة وبعدها، فلم يبق إلاّ القسم الرابع الذي كان حاصلاً له علیه السّلام ويجب أن يريده، وهو الأولى بتدبير الأمّة وأمرهم ونهيهم، وقد دلّلنا على أنّ من كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة» (1).

وهناك طريقة أخرى أشار إليها علماؤنا، وهي أنّ كلمة (مولى) لا تستعمل في أي موضع من المواضع إلاّ بمعنى الأولى (2)، لكنّه يفيد الأولى في كل موضع في شيء مخصوص بحسب يضاف إليه، فعليه يكون ابن العم مولى لأنّه أولى بالاتحاد والمعاضدة مع ابن عمّه، والمعتق

ص: 177


1- الشافي 2:280-281، وتبعه كلّ من جاء بعده.
2- راجع: رسالة أقسام المولى للمفيد: 29، تقريب المعارف للحلبي: 69، كنز الفوائد للكراجكي 2:91، المنقذ من التقليد للحمّصي ،2:336، الصوارم المهرقة للشوشتري: 356، الغدير للأميني 1:649.

مولى لأنّه أولى بأن يعرف جميل من أعتقه، والعبد مولى لأنّه أولى بالانقياد لمولاه، والمنعم عليه مولى لأنّه أولى بشكر منعمه، والناصر مولى لأنّه أولى بالنصرة، وهكذا باقي المعاني.

فثبت بما أسلفنا أنّ المولى في الحديث يكون بمعنى أولى بالتصرف وهو معنى الإمامة، ولكن بقي هنا ما ذكره الفخر الرازي (ت 606) في مقام الردّ على استدلال الشيعة حيث قال: «لا نسلّم أنّ لفظة المولى محتملة للأولى، والدليل عليه أمران: أوّلهما: أنّ (أفعل مِنْ) موضوع ليدلّ على معنى التفضيل، ومفعل موضوع ليدلّ على الحدثان أو الزمان أو المكان، ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أنّ مفعلاً قد يكون بمعنى أفعل التفضيل، وذلك يوجب امتناع إفادة المولى بمعنى الأولى. وثانيهما: إنّ المولى لو كان يجيء بمعنى الأولى لصحّ أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنّه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.

بيان الشرطيّة: إنّ تصرّف الواضع ليس إلاّ في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي، مثلاً إذا قلنا الإنسان حيوان، فإفادة لفظة الإنسان للحقيقة المخصوصة بالوضع وإفادة لفظة الحيوان للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع، فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كلّ واحد من هذين اللفظين موضوعاً للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع، وإذا ثبت ذلك فلفظة الأولى إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظ (من) موضوعة لمعنى آخر، فصحّة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل، وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة الأولى بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة المولى، والعقل حكم بصحّة اقتران المفهوم من لفظة (من) بالمفهوم من لفظة الأولى، فوجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة المولى، لأنّ صحة ذلك الاقتران ليست من اللفظتين بل من مفهوميهما، بيانه: إنّه ليس كل ما يصحّ دخوله على أحدهما صحّ دخوله على الآخر، إنّه لا يقال: هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان، ويصح أن يقال هو مولى وهما موليان ولا يصحّ أن يقال هو أولى بدون من وهما أوليان، وتقول هو

ص: 178

مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد، وتقول هما أولى رجلين وهم أولى الرجال ولا تقول هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال، ويقال هو مولاه ومولاك ولا يقال هو أولاه ولا أولاك» (1).

فنقول في الجواب:

أوّلاً: ذكر الرازي أنّ مفعل (مولى) موضوع ليدلّ على الحدث أو الزمان أو المكان، فحصر معانيه في هذه الثلاثة، ولو صحّ هذا لانتقض الأمر عليه بمعنى لزوم عدم جواز مفعل بمعنى فاعل وفعيل أيضاً أي ناصر وحليف مع أنّه لا يقول بذلك، بل يذهب هو وغيره إلى أنّ معنى المولى هنا بمعنى الناصر والمحب. إذاً كلامه هذا لا یصح من أساسه.

ثانياً: قوله إنّ أحداً من أئمة اللغة والنحو لم يذكر مجيء مفعل بمعنى أفعل، يردّه ما مضى من تصريح أئمة اللغة والتفسير والحديث بمجيء مولى بمعنى أولى في قوله تعالى: «أَوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ»، ولو لم يكن إلاّ تصريح شخص واحد لكفى في نقض كلامه إذ أنّ نقيض السالبة الكلية: الموجبة الجزئية، كما هو المقرّر في محلّه. مضافاً إلى ما ذكره السيوطي في المزهر في معرفة الأفراد حيث قال لكفاية نقل واحد من أهل اللغة:

«وهو ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إن كان المتفرّد به من أهل الضبط والاتقان» (2).

ثالثاً : وردت كثير من الاستعمالات في اللغة على خلاف القياس، ولم يحكم أحد ببطلانها، فمن ذلك كلمة ( عجاف) جمع أعجف في قوله تعالى: «يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ» (3)، فقد صّرح أئمة اللغة أنّ جمع أفعل لا يأتي على فعال إلاّ في هذا المورد، قال الجوهري في الصحاح في

ص: 179


1- نهاية العقول: 383-384 خ وكرّره في الأربعين 298، والتفسير 29:28، مختصراً، وتبعه على ذلك الآمدي في أبكار الأفكار 5:181، والجرجاني في شرح المواقف 8:361 - 362، وابن حجر الهيتمي في الصواعق 1:108، والدهلوي في التحفة الاثني عشرية : 417، والآلوسي في روح المعاني 5:195، والزعبي في البينات 2:153، وغيرهم.
2- راجع عبقات الأنوار، حدیث الغدير 8:327.
3- يوسف: 43.

عجف: «والجمع عجاف على غير قياس لأنّ أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال»، ومنها طوالق جمع طلقة حيث لم يأت فواعل جمع فعلة في غير هذا المورد، قال السيوطي: «لم يأت فعلة على فواعل إلاّ في حرف واحد:

ليلة طلقة لا حر فيها ولا قر *** ولا ظلمة وليال طوالق» (1)

وكذلك أربعاء حيث لم يأت لفظ مفرداً على وزنه سواه، قال السيوطي نقلاً عن سيبويه: «وكذلك أفعلاء لم يأت إلاّ في الجمع نحو أصدقاء وأنصباء إلاّ حرف واحد لا يُعرف غيره وهو يوم الأربعاء» (2).

وهذا كثير شائع مطرّد، وعليه فليكن مجيء مفعل بمعنى أفعل من هذا القبيل.

رابعاً: إنّ من يذكر الأولى في معاني المولى، وهم جماهير ممّن يُحتج بأقوالهم، لا يعنون أنّه صفة له حتى يُناقش بأنّ معنى التفضيل خارج عن مفاد (المولى) مزيد عليه فلا يتفقان، وإنّما يريدون أنّه اسم لذلك المعنى، إذن فلا شيء يفتّ في عضدهم (3).

خامساً: قوله: «إنّ المولى لو كان يجيء بمعنى الأولى لصحّ أن يُقرن بأحدهما كل ما يصحّ قرنه بالآخر، لكنّه ليس كذلك ...» فنقول: لا نسلّم أنّ كل لفظة ترادف الاُخرى، يصحّ أن يُقترن بها ما يُقترن بالأخرى، فإنّ صحّة الاقتران من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني (4).

وهذا ما اعترف به الرازي نفسه في كتابه المحصول حيث قال بعدما استظهر لزوم صحّة إقامة كل واحد من المترادفين مقام الآخر : «والحق أنّ ذلك غير واجب، لأنّ صحة الضمّ قد تكون من عوارض الألفاظ، لأنّ المعنى الذي يُعبّر عنه في العربية بلفظ، يُعبّر عنه في الفارسية بلفظ آخر، فإذا قلت خرجت من الدار استقام الكلام، ولو أبدلت صيغة (من) وحدها

ص: 180


1- المزهر 2:54 عبقات الأنوار، حديث الغدير 8:310.
2- م ن 2:36، عبقات الأنوار، حديث الغدير 8:310.
3- الغدير للأميني 1:634.
4- الصراط المستقيم للبياضي 1:308.

بمرادفها من الفارسية لم يجز، فهذا الامتناع ما جاء من قبل المعاني بل من قبل الألفاظ، وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا يجوز في لغة واحدة» (1).

ومن الغريب أنّ الفخر الرازي يجعل هذا هو القول الحق، ويشير إليه في نهاية تقرير هذه الشبهة في كتابه نهاية العقول حيث يقول: «وهذا الوجه فيه نظر مذكور في كتاب المحصول» (2). وقد رأيت ما قال في المحصول، ومع هذا يتمسّك هنا بتقرير هذه الشبهة بصفحتين مع تحشيد الأمثلة المتنوّعة الباطلة كلّها باعترافه، ثم يأتي من تبعه واحتذى حذوه من أذنابه، ويقرّرون هذه الشبهة ويجعلونها أساس ردّ مجيء مولى بمعنى أولى، ويرسلونها إرسال المسلّمات اللغوية، مع أنّ رئيسهم يعترف بنفسه في نهاية العقول بأنّ هذا الوجه فيه نظر، ويصرّح في المحصول أنّ الحق عدم لزوم ذلك. سبحان الله ليس للعمى دواء.

سادساً: إنّ صحّة اقتران أحد المترادفين مكان الآخر - لو فُرض صحّته - يكون فيما لو لم يمنع منه مانع من قياس أو استعمال وما شاكل، وهنا منع منه الاستعمال حيث أنّ أفعل التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلاّ حرف (مِن) خاصة، وعليه قيام أحد المترادفين مقام الآخر لا يكون على سبيل الكلية والعموم، فالمولى وإن كان مرادفاً للأولى، ولكن بما أنّ الاستعمال يمنع من مقارنة حرف (من) بالمولى، لذا لا يقال: «مولى من فلان» كما يقال: «أولى من فلان»، وهذا كلّه راجع إلى الاستعمال، وأمثاله في اللغة كثير.

قال الرضي الاسترآبادي في شرح الكافية: «لا يتوهّم أنّ بين (علمت) و(عرفت) فرقاً من حيث المعنى كما قال بعضهم، فإنّ معنى علمت أن زيداً قائم، وعرفت أنّ زيداً قائم واحد، إلاّ أنّ (عرف) لا ينصب جزئي الإسميّة كما ينصبها (علم) لا لفرق معنوي بينهما بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنّهم قد يخصّون أحد المستاويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر» (3).

ص: 181


1- المحصول 1:257.
2- نهاية العقول: 384 خ.
3- شرح الكافية للرضي 4:149.

كما أنّ الصلاة والدعاء بمعنى واحد ولكن يقال: صلّى عليه ودعا له، ولا يقال دعا عليه، وكذلك العلم والمعرفة مترادفان مع أنّ العلم يتعدّى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال: إنّك عالم ولا يقال: إنّ أنت عالم، وكما يقال: بصر بي ونظر إليّ ولا يقال: نظر بي، وكذلك يقال رأيته ولا يقال نظرته، مع ترادف النظر والرؤية والبصر بعضها مع بعض، كلّ ذلك لأجل الاستعمال.

سابعاً: جَعل الرازي صحة الاقتران ونسبة المفاهيم إلى بعض في تراكيب الجمل إلى العقل لا الوضع، وهذا كلام ذو وجهين يكون صحيحاً من وجه وخطأ من وجه آخر، أما الصحيح فهو لزوم التناسب والتناسق المفهومي بين تراكيب الجمل عقلاً بمعنی عدم صحة الاقتران بين جملتين متناقضتين، فعليه يصحّ الإنسان حيوان ولا يصحّ: الإنسان حجر عقلاً، أمّا الوجه الآخر الذي حاول الرازي إثباته عبثاً باطل، إذ أنّ عدم الاستعمال لأحد المرادفين مكان الآخر لا دخل له بالعقل بل هو تابع إلى الاستعمال - كما مرّ - وإلاّ فلا استحالة عقلية في قولك: هو مولى من فلان أو هو أولى وهما أوليان، أو هو أولى الرجل وأولى زيد.

مع أنّ هذا - أي قوله أولى الرجل - قد استعمل في لسان الروايات، ففي صحيح البخاري وغيره من الصحاح والمسانيد عن ابن عباس عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» (1).

قال العيني في شرحه: «وفي التلويح قوله (فهو لأولى رجل) يريد إذا كان في الذكور من هو أولى من صاحبه بقرب أو بطن، فأمّا إذا استووا في التعدّد وأدلوا بالإناث والاُمهات معاً كالأخوة وشبههم، فلم يُقصدوا بهذا الحديث لأنّه ليس في البنين من هو أولى منهم...» (2).

وكذلك لا يصحّ كلام الرازي حيث قال: «ولا تقول هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال» إذ لا استحالة عقليّة في ذلك كما قلنا، ويؤيّد عدم الاستحالة العقلية صحة هذا الإطلاق في

ص: 182


1- صحيح البخاري 8:6، صحیح مسلم ،5:59، سنن الترمذي 3:283 وغيرها.
2- عمدة القاري 23: 237 ح 2376.

اللغة الفارسية حيث يقال: «فلان دو شخص مولاي فلان دو شخص أند، و آن چند شخص مولاي چند شخص فلا نند» إذ لو كانت الاستحالة عقلية لزم عدم صحة هذا الإطلاق (1).

د - التفريع:

ونقصد به ترتّب الجملة الثانية: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» على الجملة الأولى: «ألست أولى بكم من أنفسكم» وابتناءها عليها من حيث المعنى والدلالة، وقد ابتنى استدلال علمائنا بهذا الحديث على هذا النحو من التقرير.

قال الشيخ الصدوق (ت381): «فدلّ ذلك (أي صدر الحديث) على أنّ معنى «مولاه» هو أنّه أولى بهم من أنفسهم; لأنّ المشهور في اللغة والعرف أنّ الرجل إذا قال لرجل: إنّك أولى بي من نفسي، فقد جعله مطاعاً آمراً عليه ولا يجوز أن يعصيه، وأنّا لو أخذنا بيعة على رجل، وأقرّ بأنّا أولى به من نفسه، لم يكن له أن يخالفنا في شيء مما نأمره به، لأنّه إن خالفنا بطل معنى إقراره بأنّاً أولى به من نفسه، ولأنّ العرب أيضاً إذا أمر منهم إنسان إنساناً بشيء وأخذه بالعمل به وكان له أن يعصيه فعصاه قال له: يا هذا أنا أولى بنفسي منك، إنّ لي أن أفعل بها ما أريد وليس ذلك لك منّي، فإذا كان قول الإنسان: «أنا أولى بنفسي منك» يوجب له أن يفعل بنفسه ما يشاء إذا كان في الحقيقة أولى بنفسه من غيره، وجب لمن هو أولى بنفسه منه أن يفعل به ما يشاء ولا يكون له أن يخالفه ولا يعصيه، إذا كان ذلك كذلك ثم قال النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» فأقرّوا له بذلك، ثم قال متبعاً لقوله الأوّل بلا فصل: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» فقد علم أن قوله: «مولاه» عبارة عن المعنى الذي أقرّوا له بأنّه أولى بهم من أنفسهم...»(2).

وأضاف قائلاً: «ونظير قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» فلمّا أقرّوا له بذلك قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» قول رجل لجماعة: أليس هذا المتاع بيني وبينكم

ص: 183


1- راجع عبقات الأنوار، حديث الغدير 9: 37 - 38.
2- معاني الأخبار: 69.

نبيعه والربح بيننا نصفان والوضعية كذلك؟ فقالوا :له نعم، قال: فمن كنت شريكه فزید شريكه. فقد أعلم أنّ ما عناه بقوله: فمن كنت شريكه، أنّه انّما عنى به المعنى الذي قرّرهم به بدءاً من بيع المتاع واقتسام الربح والوضيعة، ثم جعل ذلك المعنى الذي هو الشركة لزيد بقوله: فزيد شريكه، وكذلك قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» وإقرارهم له بذلك ثم قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» إنّما هو إعلام أنّه عنى بقوله المعنى الذي أقرّوا به بدءاً، وكذلك جعله لعلي علیه السّلام بقوله : «فعلي مولاه» كما جعل ذلك الرجل الشركة لزيد بقوله: فزيد شريكه، ولا فرق في ذلك» (1).

وزاد البيان وضوحاً بعد صفحات وكرّره قائلاً: «والعلّة في ذلك أن الشركة عبارة عن معنى قول القائل: «هذا المتاع بيننا نقسم الربح والوضعية» فلذلك صحّ بعد قول القائل: «فمن كنت شريكه فزيد شريكه» وكذلك صحّ بعد قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: ألست أولى بكم من أنفسكم «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» لأنّ مولاه عبارة عن قوله : «ألست أولى بكم من أنفسكم» وإلاّ فمتى لم تكن اللفظة التي جاءت مع إلغاء الأولى عبارة عن المعنى الأوّل لم يكن الكلام منتظماً أبداً ولا مفهوماً ولا صواباً، بل يكون داخلاً في الهذيان، ومن أضاف ذلك إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم كفر بالله العظيم، وإذا كانت لفظة «فمن كنت مولاه» تدلّ على من كنت أولى به من نفسه على ما أرينا، وقد جعلها بعينها لعلى علیه السّلام فقد جعل أن يكون علي علیه السّلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وذلك هو الطاعة لعلي علیه السّلام»

(2).

واستدلّ الشيخ المفيد (ت413) بنحو آخر حيث قال: «فقرّرهم صلّی الله علیه و آله و سلّم على فرض طاعته عليهم بصريح الكلام، ثم عطف على اللفظ الخاص بما ينطوي على معناه، وجاء فيه بحرف العطف من الفاء التي لا يبتدأ بها الكلام ، فدلّ ذلك على أنّه الأولى دون ما سواه، لما ثبت من حكمته عليه وآله علیه السّلام وأراد به البيان، إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه لكان مستأنفاً

ص: 184


1- معاني الأخبار: 70.
2- م ن: 73.

لمقال لا تعلّق له بالمتقدّم جاعلاً لحرف العطف حرف الاستيناف، وهذا ما لا يقع إلاّ من أحد نفسين: أحدهما جاهل باللغة والكلام، والآخر قاصد إلى التعمية والإلغاز، ورسول الله ع الله يجلّ عن الوصفين وينزّه عن النقص في الصفات.

وشيء آخر: لا يخلو رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فيما يلفظ به من عبارة (مولى) من وجهين لا ثالث لهما على البيان، إما أن يكون مراده فيه المعنى الذي قرّر به الأنام من فرض الطاعة على ما ذكرناه، أو يكون أراد غيره من الأقسام . فإن كان مراده من ذلك فرض طاعته على الأنام، فهو الذي نذهب إليه وقد صحّت الإمامة لأمير المؤمنين علیه السّلام. وإن كان مراده سواه من الأقسام، فقد عبّر عن مراده بكلام يحتمل خلاف ما أراد، وليس في العقل دليل على ما أراد، وهذا ما لا يقع إلاّ من جاهل ناقص عاجز عن البيان أو متعمّد لإضلال المخاطبين عن الغرض وعدوله عن الأفهام، وقد أجلّ الله نبيّه عن هذين القسمين وأشباههما من النقص عن الكمال» (1).

واستدلّ السيد المرتضى (ت436) بنحو هذا حيث قال: «الوجه المعتمد في الاستدلال بخبر الغدير على النص، هو ما نرتبه فنقول: إنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم استخرج من أمّته بذلك المقام الاقرار بفرض طاعته، ووجوب التصرّف بين أمره ونهيه بقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ألست أولى منكم بأنفسكم» وهذا القول وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فالمراد به التقرير، وهو جار مجرى قوله تعالى: «أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ» فلمّا أجابوه بالاعتراف والإقرار رفع بيد أمير المؤمنين علیه السّلام وقال عاطفاً على ما تقدّم: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه»... فأتى علیه السّلام بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الاُولى التي قدّمها وإن كان محتملاً لغيره، فوجب أن يريد بها المعنى المتقدّم الذي قرّرهم به على مقتضى استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم، وإذا ثبت أنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم أراد ما ذكرناه من إيجابه كون أمير المؤمنين علیه السّلام أولى بالإمامة من أنفسهم، فقد أوجب له الإمامة، لأنّه لا يكون أولى بهم من أنفسهم إلاّ فيما يقتضي فرض طاعته عليهم

ص: 185


1- أقسام المولى 1-2، ونحوه الكراجكي في كنز الفوائد 2:93.

ونفوذ أمره ونهيه فيهم، ولن يكون كذلك إلا من كان إماماً»(1).

ثم قال: «وأمّا الذي يدلّ على أنّ المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الأولى، فهو أنّ من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرّحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدّم التصريح به ولغيره، لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلاّ المعنى الأوّل، يبيّن صحة ما ذكرناه أنّ أحدهم إذا قال مقبلاً على جماعة ومفهماً لهم وله عدّة عبيد: ألستم عارفين بعبدي فلان؟ ثم قال عاطفاً على كلامه: فاشهدوا أنّ عبدي حرّ لوجه الله تعالى، لم يجز أن يريد بقوله: عبدي، بعد أن قدّم ما قدّمه إلاّ العبد الذي سمّاه في أوّل كلامه دون غيره من سائر عبيده، ومتى أراد سواه كان عندهم ملغّزاً خارجاً عن طريقة البيان، ويجري قوله: فاشهدوا أنّ عبدي حرّ، عند جمیع أهل اللسان مجرى قوله: فاشهدوا أنّ عبدي فلاناً حرّ إذا كرّر مجرى تسميته وتعيينه، وهذه حال كل لفظ محتمل عطف على لفظ مفسّر على الوجه الذي صوّرناه» (2).

ولتقريب الفكرة يمكن أن نضرب مثالاً آخر، وهو أن يقال: إنّ لفظة الغدير تطلق على عدّة معان مختلفة ومتباينة - كلفظة المولى - فإنّها تُطلق على الماء المستجمع في مكان، وعلى السيف، وعلى القطعة من النبات، وعلى التخلّف عن مكان، فلو قال القائل: ألستم تعرفون مستجمع الماء الذي شربنا منه؟ فلمّا قالوا: بلى، قال عقيبه: فمن رأى الغدير

فليتزوّد منه، فإنّه لا ينصرف معنى الغدير إلى غير الغدير الذي هو مستجمع الماء من سائر المعاني، سيّما إذا اقترن الكلام بقرائن حالية ومقالية تدلّ على إرادة غدير الماء، وكذلك فيما نحن فيه من حديث الغدير من دون فرق، حيث تحمل لفظة المولى على معنى الأولى التي هي من معانيها والتي سبقتها بالكلام، والتي تفرّعت عليها بفاء التفريع.

وذهب أبو الصلاح الحلبي (ت447) إلى أنّ استخدام أسلوب تقديم البيان على الإجمال

ص: 186


1- الشافي 260: 2-261، والذخيرة: 442، وتبعه كل من أبي الصلاح الحلبي في تقريب المعارف: 214، والكراجكي في كنز الفوائد 852:84، والطوسي في تمهيد الأصول: 393، 395، وتلخيص الشافي 2:167، والطبرسي في إعلام الورى 327: 328-1، والحمصي في المنقذ من التقليد 2:337-33.
2- الشافي 2:274.

أبلغ في الخطاب، حيث قال: «اتفاق العلماء بالخطاب على أنّ تقديم البيان على المجمل وطريق المخاطبين على المراد به أبلغ في الإفهام من تأخيره، يوضح ذلك أنّ مواضعة المكلِّف سبحانه على معنى صلاة وزكاة قبل الخطاب بهما أبلغ في البيان من تأخير ذلك عليه، وأنّ قول القائل لمن يريد إفهامه: ألست عارفاً بأخي زيد الفقيه وداري الظاهرة بمحلّة كذا؟ فإذا قال بلى، قال: فإنّ أخي ارتد وداري احترقت، أبلغ في الإبانة عن مراده من تأخير هذا البيان عن قوله: ارتد أخي واحترقت داري، لوقوع العلم بمقصوده مع الخطاب الأوّل في الحال وتراخيه مع الثاني، ولاختلاف العلماء فيما يتأخّر بيانه وهل هو بيان له أم لا؟ واتفاقهم على كون ما تقدّم بيانه مفيداً للعلم بالمراد حين يسمع المجمل.

وإذا تقرّر هذا وكنّا وخصومنا وكلّ عارف بأحكام الخطاب متفقين على أنّه صلوات الله عليه وآله لو قال بعد قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» أردت بمولى أولى، لم يحسن الشك في إرادته بلفظة مولى أولى، ولم يستحق المخالف فيه جواباً إلاّ التنبيه على غفلته فتقديمه صلوات الله عليه وآله التقرير على الأوّل وإتيانه بعده بالمجمل أبلغ في بيان مراده من التقرير الأوّل على ما أوضحناه من ذلك، وليس لأحد عرف الخطاب بأن يقول: دلّوا على أنّ الكلام الثاني مبني على الأوّل وأنّ الأوّل بيان له; لأنّ دخول الفاء المختصّة بالتعقيب في الكلام الثاني يوجب تعلّقه بالأوّل على أخصّ الوجوه، وتعلّقه به مع احتماله - لو انفرد - له ولغيره من المعاني دليل على كونه بياناً له، لأنّ قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «فمن كنت مولاه» متعلّق بقوله: «ألست أولى بكم» بمقتضى العطف، وتعلّقه به يقتضي إرادة مولى، لترتبه عليه وكونه بياناً له، وقوله علیه السّلام إثر ذلك: «فعلي مولاه» جار هذا المجرى، فيجب إلحاقه به والحكم له بمقتضاه» (1).

ص: 187


1- تقريب المعارف: 215-216.

ه- - خلوّ الكلام من الفائدة:

من الأمور التي نستدلّ بها على مجيء المولى بمعنى الأولى بالتصرف والإمامة، خلوّ كلام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من الفائدة لو أراد المعاني الاُخر التي تحتملها لفظة (المولى). وذلك لأنّ بعض المعاني لم يردها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم - كما مرّ - من قبيل ابن العم والحليف والجار، والباقي كالنصرة والمحبة والموالاة لا داعي لذكرها في ذلك المحفل العظيم وبتلك الهيئة - كما مرّ - وقد سبق من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فيما مضى التأكيد عليها مراراً وتكراراً، إمّا على نحو العموم مثل قوله تعالى : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض» (1) وما شاكل من عمومات القرآن والسنة الحانّة على لزوم التوادد والتحابب بين المؤمنين، وإمّا على نحو الخصوص مثل قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم كما رواه علي علیه السّلام حيث قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبي الأمي علیه السّلام أن لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولايبغضني إلاّ منافق» (2). أو ما قاله صلّی الله علیه و آله و سلّم لفاطمة علیها السّلام وانتشر بين الأنام: «أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً» (3).

أو ما ورد عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم في قصة فتح خيبر من قوله : «لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فبات الناس ليلتهم أيّهم يُعطى فغدوا كلّهم يرجوه، فقال: أين علي...» (4) وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة.

أو ما ورد في حديث الطير من قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطائر» (5).

ص: 188


1- التوبة: 71.
2- صحیح مسلم 1:61، سنن ابن ماجة 1:42 ح 114، سنن الترمذي 5:306، السنة لابن أبي عاصم 584 ح 1325.
3- مسند أحمد 5:26، المعجم الكبير للطبراني 20:230، مجمع الزوائد للهيثمي 9:114 وقال: رواه أحمد والطبراني برجال وتّقوا.
4- صحيح البخاري 4:20، صحیح مسلم 5:195.
5- سنن الترمذي 5:300 ح3805، المستدرك للحاكم 3:130 وصحّحه، ونحوه في مجمع الزوائد للهيثمي 9:126 وقال: رواه البزار والطبراني باختصار ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة.

أو ما ورد في حديث المنزلة من قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي» (1) وكان هذا في السنة التاسعة للهجرة.

ولمّا اعترض معاوية على سعد بن أبي وقاص بعدم سبّ عليّ علیه السّلام قال سعد: «أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ من حمر النعم» (2) فذكر حديث المنزلة، وحديث الراية يوم خيبر، وآية المباهلة.

إلى غيرها من الروايات الخاصة المنتشرة بين الناس في فضائل ومناقب أمير المؤمنين علیه السّلام ولزوم محبّته ومودّته ممّا لم يبق مجال للشك فيها; ولذلك قال أحمد بن حنبل، وإسماعيل القاضي، وأبو علي النيسابوري: «لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي» (3).

وفي لفظ آخر لأحمد بن حنبل: «ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن عليّ بن أبي طالب» (4).

فهذه كلّها كانت على عهد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وبمرأى ومسمع الصحابة ممّا لا يبقى مجال لأدنى شك في لزوم نصرة أمير المؤمنين علیه السّلام ومحبته ومودّته، وهذا كان واضحاً جليّاً للصحابة المحدقين بالنبي عليه السّلام أجمع، وغيرهم الذين كانت تصل إليهم أخبار المدينة دوماً.

وعليه فلا مجال لحمل كلام النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير على ما كرّره وأوضحه سابقاً مراراً وتكراراً بما لا مزيد عليه، نعم إنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم أراد بيان شيء جديد وهو تبليغ إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، وسيأتيك مزيد بيان في قسم ردّ الشبهات، عند مناقشة مفاد الحديث عند أهل السنة، فانتظره.

ص: 189


1- صحيح البخاري 5:129، صحیح مسلم 7:120 .
2- صحیح مسلم 7:120، سنن الترمذي 5:301.
3- فتح الباري لابن حجر 7:57 تحفة الأحوذي للمباركفوري 10:144.
4- م ن 7:61.

أما ما ذكره الرازي: «إن سلّمنا أنّه لا يكون في ذلك فائدة جديدة، ولكن لم لا يجوز ذلك؟ أليس أنّ الشيعة يقولون إمامة علي علیه السّلام كانت ثابتة بالنصوص الجليّة من الكتاب والسنة، فإذا جاز - بعد سبق العلم بإمامته بالنصوص الجليّة - جمع الجموع لاثبات إمامته بهذا النص الخفي جداً، فلأن يجوز ذلك أيضاً فيما قلناه كان أولى» (1).

فجوابه: إنّ أمر الإمامة التي هي زعامة الدين والدنيا لا تقاس بأمر الفضائل والمناقب، إذ أنّه يلزم تبليغ الأولى إلى أكبر عدد ممكن وفي مناسبات مختلفة وبألفاظ متفاوتة، بخلاف أمر الفضائل حيث لا يوجد فيها هكذا إلزام، بل ترد في موردها الخاص ولا تحتاج إلى تكرار وتذكار، ولا ضير لو فاتت عن الكثير بخلاف أمر الإمامة، ولذا نرى اهتمام النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لها منذ البداية حيث حديث الإنذار وإلى النهاية حيث حديث الدواة والكتف، ولذا قلنا أنّ المراد من حديث الغدير لو كان مجرد النصرة والمحبة، ما كان يقتضي الأمر الأمر جمع الناس بتلك الحالة والصفة وبذلك المكان.

قال السيد دلدار علي ; (ت 1235) في ردّ الرازي: «لا يخفى على كلّ عاقل عظمة أمر الإمامة وكون الشخص نائباً مناب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، وبمنزلته، فيليق أن يهتم كل اهتمام لتمشية ذلك، لاسيّما إذا كانت همّ الحاضرين مصروفة على خلاف مراد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، ومن جملة ذلك التوكيد لتقرير الأمر وتكريره مرّات عديدة بأنواع مختلفة، ألا ترى أنّ نبوّة نبيّنا صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يكفي في ثبوتها بشارة الأنبیاء السابقة، لکن جلالة الأمر و إفحام المعاندین اقتضت إقامة الأدلّة العديدة من كون القرآن معجزاً بل كل سورة منه، وهكذا المعجزات الاُخر التي كانت تظهر تدريجاً على حسب اقتراح المنكرين ونحو ذلك، فحينئذ نقول: إنّ إمامة علي بن أبي طالب وإن كانت ثابتة قبل يوم الغدير، لكن جلالة القدر اقتضت توكيد ذلك، لاسيّما نظراً إلى أنّ النصوص الاُخر وإن كان العالمون بها بالغين مبلغ من تقوم بهم الحجة، لكن لم يكن الخلق الكثير عالمين بها، وكان المشككون فيها من حيث صيرورتها منسوخة أو بعدم

ص: 190


1- نهاية العقول: 412 خ.

وجودها رأساً، وبتأويل معناها متوافرين، فناسب أن ينص النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم على خلافته في قرب الوفاة في مثل ذلك المجمع العظيم والزمان والمكان» (1).

3 - «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله»:

هذا هو الشق الأخير لحديث الغدير، ويتضمّن الدعاء لكلّ من والى علياً ونصره، كما يتضمّن الدعاء على من عاداه وخذله، وأهل السنة كعادتهم في التشكيك السندي والدلالي بكلّ ما تتمسّك به الشيعة لاثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، شكّكوا في صحة هذه الزيادة تارة، وفي دلالتها تارة أخرى بعد العجز عن تضعيفها.

إنّ أوّل من حاول التشكيك في هذا الدعاء - بحسب ما عثرنا عليه - هو الجاحظ (ت 255) حيث قال في العثمانية: «إنّ الذين نقلوا أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» لم ينقلوا معه في الحديث: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» وإنّما سمعنا هذه الزيادة من الشيع، ولم نجد له أصلاً في الحديث المحمول» (2).

ثم لم نسمع تشكيكاً في هذه الفقرة من الحديث إلى أن جاء دور ابن تيمية (ت728) فشمّر ساعديه لإبطال هذا الدعاء في عدّة من كتبه، قال في منهاج السنة: «لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وأما الزيادة وهي قوله: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» الخ، فلا ريب أنّه كذب. ونقل الأثرم في سننه عن أحمد أنّ العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنّه حدث بحديثين، أحدهما قوله لعليّ: إنّك ستعرض على البراءة منّي فلا تبرأ. والآخر: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فأنكره أبو عبد الله جداً، ولم يشك أنّ هذين كذب» (3).

وقال أيضاً: «الوجه الخامس: إنّ هذا اللفظ وهو قوله: «اللهم وال من والاه وعاد من

ص: 191


1- عماد الإسلام، كتاب الإمامة: 346.
2- العثمانية : 144.
3- منهاج السنة 7:319.

عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. الوجه السادس: إنّ دعاء النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم مجاب. وهذا الدعاء ليس بمجاب، فعُلم أنّه ليس من دعاء النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإنّه من المعلوم أنّه لما تولّى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عن هذا وهذا، وأكثر السابقين الأولين كانوا من القعود... ثم إنّ الذين قاتلوه لم يخذلوا بل ما زالوا منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفّار... والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوا قط، بل ولا في قتال علي. فكيف يكون النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قال: «اللهم اخذل من خذله وانصر من نصره» [والذين قاتلوا معه لم ينصروا على هؤلاء بل الشيعة الذين يزعمون أنّهم مختصّون بعلي ما زالوا مخذولين مقهورين لا يُنصرون إلاّ مع غيرهم إما مسلمين وإما كفار، وهم يدّعون أنّهم أنصاره] فأين نصر الله لمن نصره؟ وهذا وغيره ممّا يبيّن كذب هذا الحديث» (1).

وقال في مجموع الفتاوى: «وأما قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه» الخ، فهذا ليس في شيء من الأمّهات إلاّ في الترمذي، وليس فيه إلاّ «من كنت مولاه فعلي مولاه» وأمّا الزيادة فليست في الحديث، وسئل عنها الإمام أحمد فقال: زيادة كوفية.

ولا ريب أنّها كذب لوجوه:... قوله: «اللهم انصر من نصره» الخ، خلاف الواقع، قاتل أقوام يوم صفين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا، كسعد الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني أمّية الذين قاتلوه فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله. وكذلك قوله : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» مخالف لأصل الإسلام، فإنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض» (2).

وقد تبع ابن تيمية من جاء بعده من أتباع المدرسة السلفية أمثال: المقدسي (ت888) في: رسالة في الرد على الرافضة : 217 ، والزعبي في البينات في ردّ أباطيل المراجعات 2:152،

ص: 192


1- م ن 7: 55-59.
2- مجموع الفتاوى 4: 417.

والقفاري في أصول مذهب الشيعة 3:309-310، والعسّال في الشيعة الاثني عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن: 423 ، وفيصل نور في الإمامة والنص: 566 وغيرهم.

ونقول في الجواب:

أولاً: الشطر الأوّل من هذا الدعاء: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» مروي بطرق مختلفة، فقد رواه أحمد في المسند 1:114، وابن ماجة في السنن 1:43 ح 116، والنسائي في فضائل الصحابة 15، والحاكم في المستدرك 3:109 وصحّحه، والطبراني في المعجم الأوسط 2:275 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9:106; ورجال الأوسط وثّقوا، وابن أبي شيبة في المصنف 7:499، والخطيب البغدادي في تاریخ بغداد 14:231، وخرّج الزيلعي طرقه في تخريج الأحاديث والآثار 2:235، وغيرهم.

أما الشق الثاني: «وانصر من نصره، واخذل من خذله»، فقد رواه أحمد في مسنده 1:119، والطبراني في المعجم الكبير 4:17 5:192 عنه الهيثمي في مجمع الزوائد 9:106 وقال: رواه الطبراني ورجاله وثقوا، والنسائي في السنن الكبرى 6:136، وابن الأثير في أسد الغابة 3:307، وابن كثير في البداية والنهاية 5:230 وقال: وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق، وهذا إسناد جيّد، كما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9:105 عن البزار وقال: رجاله رجال الصحيح غیر فطر بن خليفة وهو ثقة.

ثانياً: قد صرّح أعلام القوم بصحّة هذه الزيادة، فقد روى أبو بكر بن عربي (ت543) حديث الغدير مع الدعاء ثم قال: «أمّا قوله: (وال من والاه) فكلام صحيح ودعوة مجابة وما يُعلم أحد عاداه إلاّ الرافضة...» (1). فهو يعترف بصحّته وإن حاول من خلاله الطعن على الشيعة.

وكذلك نقل ابن كثير (ت 774) تصحيح الذهبي لهذه الزيادة حيث قال: «أمّا : «اللهم

ص: 193


1- العواصم من القواصم 149، 192.

وال من «والاه فزيادة قوية الإسناد» (1).

قال ابن حجر الهيتمي (ت973) في الصواعق المحرقة: «وقول بعضهم إنّ زيادة (اللهم وال من والاه...) موضوعة مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحّح الذهبي كثيراً منها» (2).

قال العجلوني (ت 1162): «من كنت مولاه فعلي مولاه» رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ : «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» فالحديث متواتر أو مشهور» (3).

وأخيراً قال الألباني (ت1420): «إنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأوّل منه متواتر عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، أما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي علیه السّلام : «وانصر من نصره واخذل من خذله» ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنّه رواية بالمعنى للشطر الآخر ... إذا عرفت هذا فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها، ويدقّق النظر فيها» (4).

ويلاحظ على تضعيفه للشطر الثاني أنّ الهيثمي (ت807) في مجمع الزوائد 9:104 رواه عن البزار وقال رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة، مضافاً إلى أنّه ثابت ومتواتر من الشيعة وهذا ما يكفينا.

ثالثاً: السبب المساعد لتشكيك المشككين أنّ الرواة أهملوا بدواعي مختلفة الشطر الثاني من ذيل الحديث، فالراوي كان يأخذ من الحديث ويترك بحسب الحاجة واقتضاء

ص: 194


1- البداية والنهاية 5:234، السيرة النبوية 4:426، وكذلك في روح المعاني للآلوسي 5:195.
2- الصواعق المحرقة 1:107، عنه السيرة الحلبية 3:274.
3- کشف الخفاء: 324.
4- سلسلة الأحاديث الصحيحة : 3444:343.

المقام أو النسيان، أو أمور أخرى سياسية أو اجتماعية، فهذا زيد بن أرقم يروي حديث الغدير مصطحباً بالدعاء الوارد بعده كما هو في مسند أحمد (1)، والمعجم الأوسط للطبراني (2)، والسنن الكبرى للنسائي وفيه: «ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمعه باُذنه» (3).

ثم نراه فيما بعد يبتر الدعاء ولم يروه، ففي مسند أحمد عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي علیه السّلام يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك، فقال: إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، كنّا بالجحفة فخرج رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى المؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن

كنت مولاه فعليّ مولاه. قال: فقلت له: هل قال «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»؟ قال: إنّما أخبرك كما سمعت (4). فهو هنا لم يرو الذيل بأسباب ودواع خفيت علينا، وكم كان للسياسة دور في بتر الأحاديث وتقليبها!!

رابعاً: أمّا ما ذكره ابن تيمية عن الأثرم وموّه تكذيب أحمد بن حنبل لذيل حديث الغدير، فصورته الصحيحة كما وردت عند العقيلي (ت 322) وابن حجر (ت 852) في ترجمة الحسين بن الحسن الأشقر، هكذا: حدّثنا إبراهيم بن عبد الوهاب، حدّثنا أحمد بن محمد هانئ الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله (أحمد بن حنبل): حسين الأشقر تحدّث عنه؟ قال: لم يكن عندي ممّن يكذب في الحديث، وذُكر عنه التشيع. فقال له العباس بن عبد العظيم: حدّث في أبي بكر وعمر، فقلت له: يا أبا عبد الله صنّف باباً فيه معايب أبي بكر وعمر، فقال ما هذا بأهل أن يُحدّث عنه، فقال له العباس: حدّث بحديث فيه ذكر الجوالقين يعني أبا بكر وعمر، فقال: ما هو بأهل أن يُحدّث عنه، فقال له العباس: وحدّث عن

ص: 195


1- مسند أحمد 4:368.
2- المعجم الأوسط 2:275، ووثق الهيثمي رجاله في مجمع الزوائد 9:106.
3- سنن النسائي 5:45 ح 8148.
4- مسند أحمد 4:368، تاريخ دمشق لابن عساكر 42:217.

ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري قال: قال لي علي بن أبي طالب: إنّك ستعرض على سبي فسبني، وتعرض على البراءة منّي فلا تتبرّأ منّي. فاستعظمه أبو عبد الله وأنكره. وقال العباس: وروى عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال: أخبرني أربعة من أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ النبي قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فأنكره أبو عبد الله جداً، وكأنّه لم يشك أنّ هذين كذب. وحكى العباس عن علي (ابن المدينى) أنّه قال: هذين كذب، ليس هذين من حديث ابن عيينة» (1). وفي لفظ ابن حجر: «هما كذب، ليسا من حديث ابن عيينة».

هذه هي الصورة الصحيحة التي حرّفها ابن تيمية، حيث أنّ أحمد بن حنبل كان يوثق الأشقر مع تشيّعه ولذا روى عنه في مسنده، ولكن هذا ما لا يروق عند البعض، فجاؤوا إلى ابن حنبل وصرفوا رأيه عنه بأنّه يتكلّم في الخليفتين، ويدلّس حيث ينسب روايات إلى من لم يروها، كما هو الحال في رواية البراءة والغدير حيث نسبهما إلى ابن عيينة، فأنكر أحمد أن يكون ابن عيينة روى هذين الحديثين، كما بيّن ذلك علي بن المديني، وليس الأمر كما لفّقه ابن تيمية من نسبة إنكار أحمد لذيل حديث الغدير رأساً، بل كما قلنا كان الانكار والتكذيب منصباً على أنّ ابن عيينة لم يرو هذين الخبرين فحسب.

وكذلك ما نسبه ابن تيمية إلى أحمد من قوله لذيل حديث الغدير: «زيادة كوفية» لا يصحّ، لأنّا لم نجد له أثراً في كتب المتقدّمين، وقد انفرد به ابن تيمية، نعم ما عثرنا عليه في مسند أحمد هكذا: حدّثنا عبد الله، حدّثني حجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، حدّثني نعيم بن حکیم، حدّثني أبو مريم ورجل من جلساء علي عن علي علیه السّلام أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قال يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: فزاد الناس بعد: «وال من والاه وعاد من عاداه» (2).

فأوّل ما فيه: إنّه حديث شاذ لم يرو إلاّ بهذا الطريق، فيترك ويؤخذ بباقي الطرق

ص: 196


1- الضعفاء 1: 248 رقم 297، تهذيب التهذيب 2:291 رقم 596.
2- مسند أحمد 1:152، تاریخ دمشق لابن عساكر 42:213، البداية والنهاية 5:230، 7:385.

السليمة والموثوقة التي ورد الدعاء فيها، وثانياً: إنّ القائل مجهول هل هو عبد الله بن بن حنبل أو حجاج أو شبابة أو شخص آخر من الرواة، فلا يمكن نسبته إلى أحمد سيّما وقد روى أحمد في مسنده هذا الدعاء بطرق متعددة من دون أن يغمز فيه ولا مرّة واحدة. فهذه النسبة إلى أحمد من أكاذيب ابن تيمية أضفها إلى قائمة أكاذيبه ونصبه لأهل البيت:.

خامساً: إنّ ما تفوّه به ابن تيمية من شنيع قوله في ذكر الوجوه لإبطال «وال من والاه» وأنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم مستجاب الدعاء و...، فهو مردود ومنقوض عليه بما ورد في القرآن الكريم من وعد الله تعالى للأنبياء بالنصرة والظفر وخذلان أعدائهم، مع أنّ الواقع العملي ليس كذلك.

قال تعالى: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ» (1)، وقال تعالى: «وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» (2)، وقال تعالى: «وَلَيَنصَرُنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (3).

ثم في المقابل يقول تعالى: «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرًا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ» (4)، وقال تعالى: «أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ» (5).

أليس الأنبياء وأمير المؤمنين عليهم أفضل الصلاة والسلام عند ابن تيمية من المؤمنين؟!

أليس جعل الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم حب علي علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق؟! فأين النصرة الإلهية لهؤلاء المؤمنين المشردين المقتولين والمكذَّبين من قبل أممهم؟!

سؤال يطرح نفسه بجد وعلى ابن تيمية وأتباعه الإجابة عنه.

ص: 197


1- غافر: 51.
2- الروم: 47.
3- الحج: 40.
4- المؤمنون 44.
5- البقرة: 87.

أما نحن فالأمر واضح عندنا ولا يحتاج إلى تعقيد، وذلك أنّ مقولة «النصرة الإلهية» مقولة مشككة ولها مراتب مختلفة، ولا يمكن معرفتها والوقوف عليها من خلال النجاح النجاح المادي والظاهري البحت، فالوعد الإلهي بالنصرة قد يتحقق في الدنيا وقد يتحقق في الأخرى إن حُجب عنه في الدنيا لأسباب ومصالح الله أعرف بها منّا، كما قال تعالى: «إِنَّا لَتَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ».

ثم إنّ مقياس النصرة قد يكون مادياً، وهو النجاح الظاهري والانتصار على الأعداء، وقد يكون معنوياً حيث يجتمع حتى مع الانكسار والخذلان الظاهري، فأمير المؤمنين علیه السّلام منصور وإن غلبه معاوية غلبة ظاهرية، وانتصاره جاء بفضح معاوية وكشف خبثه وسوء طويّته، وأنّه لا يمت إلى الإسلام بصلة، وكذلك بنو اُمية، وكذلك إنّ الحسين علیه السّلام منصور وإن غلبه يزيد، فأيّ نصرة أعظم من كشف غطاء النفاق للناس، وإيقافهم على المنهج الصحيح، وإراءة الطريق في ظلمات الفتن، وقد عبّر أمير المؤمنين علیه السّلام عن نصرته وظفره المعنوي بقوله: «أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترأ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها» (1). نعم هذه نصرة عظيمة وإن اقترن بها فشل وخذلان مادي وظاهري.

ثم إنّ لهذه الظاهرة تحليلاً آخر وردت الإشارة إليه في القرآن الكريم، قال تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» (2).

هذه الآية الكريمة تشير إلى أنّ فلسفة تأخير النصر الظاهري للأنبياء والمؤمنين، إنّما هو الاختبار والابتلاء; لأنّ الجنّة تُعطى بعد الاستقامة والعمل والصمود، ولا تُعطى بالتمنّي والآمال.

وقال تعالى أيضاً: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ

ص: 198


1- نهج البلاغة: ح، الخطبة: 90.
2- البقرة: 214.

بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ» (1) فذيل الآية يدلّ على النصرة الإلهية للمؤمنين رغم عدم رفع الفتنة عن العالم أجمع ورغم تعدّد الأديان والمذاهب الباطلة إلى يومنا هذا.

والخلاصة إنّ ما نفهمه قرآنياً وإسلامياً، هو أنّ غلبة الباطل وكثرته الظاهرية لا يدلّ إطلاقاً على فشل الحق بحسب الواقع ونفس الأمر، وهذا ما لاتفهمه عقول أمثال ابن تيمية وأذنابه الجامدة.

سادساً: إنّ قوله إنّ الشيعة المختصين بعليّ علیه السّلام، ما زالوا مخذولين مقهورين لا يُنصرون، فهو إن صح فإثمه على الجائرين والظلمة الذين قتلوهم وقتلوا أئمتهم وطاردوهم تحت كل حجر ومدر حتى تنكّر قسم منهم وأخفى هويته حفاظاً على النفس، وإلاّ فالشيعة على طول التاريخ مهما سنحت لهم فرصة الظهور، وتُعومل معهم بالعدل والإحسان، أفادوا المجتمع بالعلم والعمل الصالح، وأنت ترى أنّ أصل كثير من العلوم أو التفريع والتطوير فيها يرجع إلى الشيعة.

أما اليوم فالشيعة في العالم بحمد الله معزّزون موقّرون منصورون معروفون بالحكمة والحلم والعلم وحسن السلوك.

سابعاً: أما قوله بأنّ ذلك مخالف لأصل الإسلام لأنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضعم على بعض، فمن عجيب القول لأنّ الآية الكريمة لا تدلّ على إيمان الباغي إطلاقاً، وإليك نصّها، قال تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (2).

ص: 199


1- الانفال: 39-40.
2- الحجرات: 9.

ففيها عدّة فوائد:

1 - الإيمان هنا هو ما يُرادف الإسلام ولم يقصد المعنى الاصطلاحي، والدليل عليه قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى» (1) فسمّى شارب الخمر مؤمناً أي مسلماً، لأنّ الإيمان يخرج من قلب شارب الخمر، فعن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.... ولا يشرب الخمر وهو مؤمن» (2). وعن أبي هريرة: «من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» (3). وأيضاً عنه 9: «من شرب الخمر غير مكره ولا مضطر خرج منه الإيمان» (4). إذاً كما لم يطلق الإيمان الاصطلاحي على شارب الخمر لم يطلق على الباغي بطريق أولى. فتحصّل أنّ الإيمان هنا هو الإسلام الظاهري الذي ربما اجتمع حتى مع النفاق.

2 - لزوم الاصلاح قبل القتال.

3 - وجوب قتال الفئة الباغية، ومن الواضح البيّن أنّ المقتول الباغي مصيره إلى النار وكذلك الباغي ما لم يتب، بدليل قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم العمار: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» (5). فهو صريح في أنّ الباغي من أهل النار فأيّ إيمان بعد هذا.

4 - الكفّ عن القتال إذا أفاءت الفئة الباغية إلى أمر الله، ممّا يدللّ على أنّها حين البغي لم تكن على أمر الله ودينه فلم تكن مؤمنة، مضافاً إلى أنّ التاريخ يشهد أنّ البغاة ما فاؤوا إلى أمر الله تعالى، فهؤلاء أصحاب الجمل قُتل منهم خلق كثير حين الحرب وقبل الإفاءة وبعد الحرب التحق قسم منهم بمعاوية والقسم الآخر كفّ وأمسك عن الخلاف من دون أن تظهر عليه

ص: 200


1- النساء: 43.
2- المستدرك للحاكم: 1:22.
3- فتح الباري لابن حجر 12:52.
4- المعجم الكبير للطبراني 7:310.
5- صحيح البخاري 3:207، كتاب الجهاد.

إمارات التوبة من ودي النفوس البريئة التي راحت ضحية بغيهم، ومن دون إبراء الذمّة من ذويهم، ممّا يسبّب أن نشكّ في صحة توبتهم وندمهم. أمّا الخوارج فكذلك لم يعهد منهم إفاءة بل استشهد أمير المؤمنين علیه السّلام على يد فلولهم، أما معاوية وأصحابه فحالهم في عدم الإفاءة أوضح، كيف وأنّ معاوية لم يتنازل عن غيّه وبغيه ولم يُعهد عنه توبة أو ندم، لقد حارب أمير المؤمنين علیه السّلام حتى آخر لحظة، ثم بعد خدعة التحكيم بقي على بغيه بل تمادى في ذلك وبدأ بشنّ الغارات على المسلمين وقتل الأبرياء حتى أنّ أمير المؤمنين كان يعدّ العدد للخروج إليه مرّة ثانية لكن ما أمهلته المنيّة، كما أنّه بغى على الإمام الحسن علیه السّلام أيضاً، فصحيفته السوداء مليئة بالذنوب والآثام، فأيّ إيمان يبقى له وأيّ إفاءة هذه؟!

سابعاً: قال العلاّمة الأميني : «إنّ هذا الدعاء - بعمومه الأفرادي بالموصول والأزماني والأحوالي بحذف المتعلّق - يدلّ على عصمة الإمام علیه السّلام لإفادته وجوب موالاته ونصرته والانحياز عن العداء له وخذلانه على كلّ أحد في كلّ حين وعلى كلّ حال، وذلك يوجب أن يكون علیه السّلام في كلّ تلك الأحوال على صفة لا تصدر منه معصية، ولا يقول إلاّ الحقّ، ولا يعمل إلاّ به، ولا يكون إلاّ معه، لأنّه لو صدر منه شيء من المعصية لوجب الإنكار عليه ونصب العداء له، لعمله المنكر والتخذيل عنه، فحيث لم يستثن صلّی الله علیه و آله و سلّم من لفظه العام شيئاً من أطواره وأزمانه علمنا أنّه لم يكن علیه السّلام في كلّ تلك المدد والأطوار إلاّ على الصفة التي ذكرناها، وصاحب هذه الصفة يجب أن يكون إماماً لقبح أن يؤمّه من هو دونه على ما هو المقرّر في محلّه، وإذا كان إماماً فهو أولى بالناس منهم بأنفسهم» (1).

فتلخّص أنّ قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم وال من والاه...» صحيح سنداً ومتناً ودلالة، وهو موافق للقرآن والسنة والعترة، ولله الحمد والمنّة.

أما بالنسبة إلى ما ذهبوا إليه من إنّ هذا المقطع يؤيد كون المراد من حديث الغدير هو النصرة والمحبة، فسيوافيك جوابه لاحقاً.

ص: 201


1- الغدير 1:655.

(شبهات وردود)

1 - دلالة حديث الغدير عند أهل السنّة:

اتفق أهل السنة على صرف دلالة الحديث عن معناه الحقيقي، والأقدمون منهم اكتفوا بروايته ضمن الفضائل من دون إعطاء أيّ تفسير وتبيين له، حتى أنّ البعض منهم يتحاشى ذلك صراحة، فهذا أحمد بن حنبل لما سُئل عن معنى حديث «من كنت مولاه» قال: لا تكلّم في هذا، دع الحديث كما جاء (1).

وإذا قسّمنا أهل السنة إلى محدّثين (حفّاظ وفقهاء) ومتكلّمين (معتزلة وأشاعرة وماتريديّة)، لرأينا أنّ أقدم من تكلّم في مدلول الحديث - بحسب ما اطلعت عليه - هو الشافعي (ت204) حيث قال في معنى الحديث: «يعني بذلك ولاء الإسلام» (2).

ثم يأتي بعده ابن قتيبة (ت276) ويقول بعد كلام في تأويل مقولة أبي هريرة «قال خليلي وسمعت خليلي» يعني النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، حيث قسم الخلّة إلى قسمين إحداهما ألطف من الأخرى وأخصّ، والثانية عامة، وكان مراد أبي هريرة الخلّة العامة لا الخاصة، ثم قال بعد هذا: «والى مثل هذا يُذهب في قول رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: « من كنت مولاه فعلي مولاه» يريد أنّ الولاية بين رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وبين المؤمنين ألطف من الولاية التي بين المؤمنين بعضهم مع بعض، فجعلها لعلي ولو لم يرد ذلك ما كان لعلي في هذا القول فضل، ولا كان في القول دليل على شيء، لأنّ المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ولأنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وليّ كلّ مسلم، ولا فرق بين وليّ ومولى» (3).

ص: 202


1- انظر: السنة للخلال 2: 346.
2- الاعتقاد للبيهقي: 417، المجموع المغيث للمديني 3:456، النهاية لابن الأثير 5:228، فيض القدير للمناوي 6:218 ح9001.
3- تأويل مختلف الحديث: 42.

وإلى نفس المعنى يذهب الطحاوي (ت321) حيث يقول: «فإن قال قائل: فما معنى من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقيل له: المولى ها هنا هو الولي، كما قال الله عز وجل: «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض». وقد بيّن ذلك فيما روّينا، فمن كان لرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ولياً كان لعلي كذلك، وكذلك أصحابه بعضهم أولياء بعض» (1).

أما المتكلّمون فأقدم ما عثرت عليه ما نُسب إلى أبي الهذيل (ت226 أو235) حيث ذهب إلى أنّ معناه الموالاة في الدين (2) ثم جاء بعده الجاحظ (ت255) فذهب إلى أنّ سبب الحديث ما حدث بين علي علیه السّلام وزيد حيث قال: إنّما ولائي لرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ولست لي بمولى، فلما سمع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ذلك قال الحديث المذكور ثم قال الجاحظ :«فإنّما عنى مولى النعمة، وليس في هذا إخبارٌ عن فضل علي في الدين» (3).

أما الأشعري (ت324) فإنّه لم يصرّح بمدلول الحديث، ولكن ذهب إلى نفي استدلال الشيعة به بحجّة أنّه يحتمل التأويل وله عدّة معاني، قال: «وإنّما يُستخرج ذلك باجتهاد على طريق التأويل المحتمل الذي لا يكون وجه أولى من غيره فيما يحتمله» (4).

ثم إنّ الباقلاني (ت403) فصّل في الأمر، وقال: «فأما ما قصد به النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فإنّه يحتمل أمرين، أحدهما: من كنت ناصره على دينه وحامياً منه بظاهري وباطني وسرّي وعلانيتي، فعليّ ناصره على هذا السبيل فتكون فائدة ذلك الإخبار عن أنّ باطن عليّ وظاهره في نصرة الدين والمؤمنين سواء، والقطع على سريرته وعلوّ رتبته، وليس يُعتقد ذلك في كل ناصر للمؤمنين بظاهره، لأنّه قد ينصر الناصر بظاهره طلب النفاق والسمعة وابتغاء الرفد ومتاع الدنيا، فإذا أخبر النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ نصرة بعض المؤمنين في الدين والمسلمين كنصرته وهو صلّی الله علیه و آله و سلّم قُطع على طهارة سريرته وسلامة باطنه، وهذه فضيلة

ص: 203


1- مشكل الآثار 2:309.
2- المغني للقاضي عبد الجبار، كتاب الإمامة 1:153.
3- العثمانية: 145-146.
4- مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، إملاء ابن فورك: 188.

عظيمة. ويُحتمل أيضاً أن يكون المراد بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» أي من كنت محبوباً عنده وولياً له على ظاهري وباطني، فعلي مولاه أي إنّ ولاءه ومحبته من ظاهره وباطنه واجب كما أنّ ولائي ومحبتي على هذا السبيل واجب، فيكون قد أوجب موالاته على ظاهره وباطنه، ولسنا نوالي كلّ من ظهر منه الإيمان على هذه السبيل، بل إنّما نواليهم في الظاهر دون الباطن» (1).

أما القاضي عبد الجبار (ت 415) فذهب إلى نفس التأويل حيث قال: «إنّ في الخبر إبانة عن فضله ما لم يظهره لغيره، وهو القطع على أنّ باطنه كظاهره فيما يوجب الموالاة وأنّه لا يتغيّر على الدوام، وذلك لم يثبت لغيره ولا ثبت بسائر الأخبار» غير أنّه ذهب إلى أنّ هذه المنزلة أعظم وأشرف من الإمامة حيث قال: «وهذه منزلة عظيمة تفوق منزلة الإمامة، ويختصّ هو بها دون غيره» (2).

إذا تتلخص الأقوال في مدلول الحديث في:

1 - ولاء الإسلام 2 - ولاء النعمة 3 - الموالاة في الدين 4 - الموالاة ظاهراً وباطناً 5 - النصرة والمحبة، وهي متداخلة ومترادفة كما ترى سوى ولاء النعمة الذي ذهب إليه الجاحظ. هذا عند المتقدّمين، أما المتأخّرون فلم نجد اختلافاً كثيراً فيما طرحوه سوى اختلاف الألفاظ، وإلاّ فالمحتوى واحد.

نقول في الجواب:

أولاً: ما ذهب إليه القاضي عبد الجبار (ت415) من أنّ الموالاة في اللغة وإن كانت مشتركة فقد غلب عرف الشرع في استعمالها بمعنى موالاة الدين والنصرة (3)،فقد ردّه السيد المرتضى (ت 436) قائلاً: «الوجه الذي ذكره مغالطة، لأنّ لفظة الموالاة غير لفظة مولى،

ص: 204


1- تمهيد الأوائل: 456.
2- المغني، كتاب الإمامة 1:146، 149.
3- المغني، كتاب الإمامة 1:147.

والموالاة وإن كان أصلها في اللغة المتابعة، فإنّ العرف قد خصصها بموالاة الدين ومتابعة النصرة فيه، ولفظة مولى خارجة عن هذا الباب، وكلامنا إنّما هو في لفظة مولى لا في الموالاة، والنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يقل: من كان يواليني فليوال علياً، بل قال من كنت مولاه فعليّ مولاه» (1).

وأضاف: «إذا قلت أنّ لفظة مولى تفيد الموالاة في الدين التي يحصل بين المؤمنين، فهلاً أطلقت على الوالد أنّه مولى ولده والمستأجر أنّه مولى أجيره، إذا كان الجميع مؤمنين وذهبت في اللفظة إلى معنى الموالاة؟!» (2).

ثانياً: ادعاء لزوم موالاة علي ظاهراً وباطناً، واختصاصه علیه السّلام بهذه الفضيلة التي هي أشرف من الإمامة - على حدّ تعبير القاضي عبد الجبار -، وأولويّته بالمحبّة والنصرة دائماً، كلّ هذا يقتضي تفضيل علي علیه السّلام على جميع الصحابة، لأنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم خصّه في آخر حياته بما لم يخصّ أحداً من الصحابة، فهو إذاً أفضل من الجميع باعتراف علماء أهل السنة، ولله الحمد والمنّة.

ثالثاً: قال العلاّمة المجلسي (ت1111): «على تقدير أن يراد به المحب والناصر، أيضاً يدلّ على إمامته علیه السّلام عند ذوي العقول المستقيمة والفطرة القويمة بقرائن الحال، فإنّا لو فرضنا أنّ أحداً من الملوك جمع عند قرب وفاته جميع عسكره، وأخذ بيد رجل هو أقرب أقاربه وأخصّ الخلق به وقال: من كنت محبه وناصره فهذا محبّه وناصره، ثمّ دعا لمن نصره ووالاه، ولعن من خذله ولم يواله، ثم لم يقل هذا لأحد غيره ولم يعيّن لخلافته رجلاً سواه، فهل يفهم أحد من رعيّته ومن حضر ذلك المجلس إلاّ أنّه يريد بذلك استخلافه وتطميع الناس في نصره ومحبته وحث الناس على إطاعته، وقبول أمره ونصرته على عدوّه؟ وبوجه آخر نقول: ظاهر قوله: «من كنت ناصره فعلي ناصره» يتمشّى منه النصرة لكل أحد كما كان يتأتّى من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ولا يكون ذلك إلاّ بالرئاسة العامة، إذ لا يخفى على منصف أنّه لا يحسن

ص: 205


1- الشافي 2:290.
2- م ن 2:316.

من أمير قوي الأركان كثير الأعوان أن يقول في شأن بعض آحاد الرعايا: من كنت ناصره فهذا ناصره، فأمّا إذا استخلفه وأمّره على الناس فهذا في غاية الحسن، لأنّه جعله بحيث يمكن أن يكون ناصر من نصره» (1).

رابعاً: نقول لمن حمل (المولى) على المحبة هل تريد اسم الفاعل أو اسم المفعول، فإذا كان الأول صار الحديث هكذا: «من كنت محبّه فعلي محّبه» وهذا يعني إيجاب وإلزام عليّ 7 بأن يحبّ جميع من أحبهم الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، وهذا لم يقل به أحد لا من الشيعة ولا من السنة، أما إذا كان المراد اسم المفعول أي المحبوب - وهو ما ذهب إليه أهل السنة - بمعنى أنّ من كنت محبوبه فعليّ محبوبه ففيه أنّه لم يذكر أحد من أهل اللغة مجيء المولى بمعنى

المحبوب، فوقعوا في الفخّ الذي نصبوه لنا.

خامساً : نفس الكلام يأتي في إرادة النصرة، حيث أنّها إما باسم الفاعل أو اسم المفعول، فإذا كانت بمعنى اسم الفاعل أي الناصر، كان الحديث هكذا: «من كنت ناصره فعلي ناصره» ومفاد هذا هو الإمامة بعينها، إذ إنّ الذي يتولّى نصرة المؤمنين مادياً وثقافياً وسياسياً لا يكون إلاّ إماماً وحاكماً، فكما أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عناصر للمؤمنين ومتولي عليهم فكذلك النبي علي علیه السّلام. أما إذا كان بمعنى اسم المفعول أي المنصور يكون الحديث هكذا: «من كنت منصوراً من قبله فعلي منصور من قِبله» وفيه أنّ المولى لم يرد بمعنى المنصور في اللغة، وثانياً إنّ الكثير لم ينصروا علياً وتركوه لستة أشهر حبيس داره، مضافاً إلى أنّهم لو جعلوا نصرة عليّ كنصرة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، لزم أن يكون حربه كحربه أيضاً، ومن حارب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لاشك في كفره، فكذلك من حارب علياً علیه السّلام ، فإذا التزم أهل السنة بهذا، فمرحباً بالوفاق.

قال العلامة الأميني: على فرض إرادة هذين المعنيين: المحبّ والناصر، لا يخلو إمّا أن يُراد بالكلام حثّ الناس على محبّته ونصرته بما أنّه من المؤمنين به والذابين عنه، عنه، أو أمْرُه علیه السّلام بمحبّتهم ونصرتهم، وعلى كلِّ فالجملة إمّا إخباريّة أو إنشائيّة.

ص: 206


1- البحار للمجلسي 37:242.

فالاحتمال الأوّل: وهو الإخبار بوجوب حبِّه على المؤمنين فممّا لا طائل تحته، وليس بأمر مجهول عندهم لم يسبقه التبليغ حتى يؤمر به في تلك الساعة ويناط التواني عنه بعدم تبليغ شيء من الرسالة كما في نصّ الذكر الحكيم، فيحبس له الجماهير، ويعقد له ذلك المنتدى الرهيب، في موقف حرج لا قرار به، ثم يكمّل به الدين، وتتمّ به النعمة، ويرضى الربّ، كأنّه قد أتى بشيء جديد، وشرّع ما لم يكن وما لا يعلمه المسلمون، ثم يهنِّئه من هنّأه بأصبحت مولاي ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة، مؤذناً بحدوث أمر عظيم فيه لم يعلمه القائل قبل ذلك الحين، كيف؟ وهم يتلون في آناء الليل وأطراف النهار قوله سبحانه: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض» (1)، وقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (2)، مشعراً بلزوم التوادد بينهم كما يكون بين الأخوين، نُجلّ نبيّنا الأعظم عن تبليغ تافه مثله، ونُقدِّس إلهنا الحكيم عن عبث يشبهه.

والثاني: وهو إنشاء وجوب حبّه ونصرته بقوله ذلك، وهو لا يقلُّ عن المحتمل الأوّل، فإنّه لم يكن هناك أمرٌ لم يُنشأ وحكمٌ لم يُشرّع حتى يحتاج إلى بيانه الإنشائي كما عرفت، على أنَّ حقّ المقام على هذين الوجهين أن يقول صلّی الله علیه و آله و سلّم: من كان مولاي فهو مولىٍّ علي أي محبّه وناصره فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ.

على أنَّ وجوب المحبّة والمناصرة على هذين الوجهين غير مختصّ بأمير المؤمنين علیه السّلام وإنَّما هو شرع سواء بين المسلمين أجمع، فما وجه تخصيصه به والاهتمام بأمره؟ وإن أُريد محبّة أو نصرة مخصوصة له تربو على درجة الرعيّة كوجوب المتابعة، وامتثال الأوامر، والتسليم له، فهو معنى الحجّية والإمامة، لاسيّما بعد مقارنتها بما هو مثلها في النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بقوله: «من كنت مولاه»، والتفكيك بينهما في سياق واحد إبطال للكلام.

والثالث: وهو إخباره بوجوب حبّهم أو نصرتهم عليه، فكان الواجب - عندئذ -

ص: 207


1- التوبة: 71.
2- الحجرات: 10.

إخباره صلّی الله علیه و آله و سلّم عليّاً والتأكيد عليه بذلك، لا إلقاء القول به على السامعين، وكذلك إنشاء الوجوب عليه وهو المحتمل الرابع، فكان صلّی الله علیه و آله و سلّم في غنىً عن ذلك الاهتمام وإلقاء الخطبة واستسماع الناس والمناشدة في التبليغ، إلاّ أن يريد جلب عواطف الملأ وتشديد حبّهم له علیه السّلام إذا علموا أنّه محبّهم أو ناصرهم ليتّبعوه، ولا يُخالفوا له أمراً، ولا يردّوا له قولاً.

وبتصديره صلّی الله علیه و آله و سلّم الكلام بقوله: «من كنت مولاه» نعلم أنّه على هذا التقدير لا يُريد من المحبّة أو النصرة إلاّ ما هو على الحدّ الذي فيه صلّی الله علیه و آله و سلّم منهما، فإنّ حبّه ونصرته لأُمّته ليس كمثلهما في أفراد المؤمنين، وإنّما هو صلّی الله علیه و آله و سلّم يحبّ أمّته فينصرهم، بما أنّه زعيم دينهم ودنياهم، ومالك أمرهم وكالى حوزتهم، وحافظ كيانهم، وأولى بهم من أنفسهم، فإنّه لو لم يفعل ذلك لأجفلتهم الذئاب العادية، وانتاشتهم الوحوش الكواسر، ومُدّت إليهم الأيدي في كل صوب وحدب، فمن غارات تُشنّ، وأموال تُباح، ونفوس تُزهَق، وحُرمات تُهتَك، فينتقض غرض المولى من بثّ الدعوة، وبسط أديم الدين، ورفع كلمة الله العليا، بتفرّق هاتيك الجماعة، فمن كان في المحبّة والنصرة على هذا الحدّ فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله، والمعنى على هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه» (1).

سادساً: الحمل على الموالاة ظاهراً وباطناً لم يرد في اللغة وغير مستعمل فيها، وإن قيل: يُحمل على ذلك لأنّه أثبت الموالاة له كما أثبتها لنفسه، يقال: إنّما وجبت الموالاة للنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ظاهراً وباطناً من حيث كان نبياً، وإذا كانت النبوة مرتفعة عنه لم تجب الموالاة له باطناً، فإذا أردتم اثبات نفس المعنى لعلي علیه السّلام فلزم أن يكون إماماً إذ لا نبي بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، وهذا مفاد حديث المنزلة أي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»، فمرحباً بالوفاق.

ص: 208


1- الغدير 1:644-646.

2 - قرينة ذيل الحديث: «اللهم وال من والاه...» :

لأهل السنة محاولة اُخرى لصرف حديث الغدير عن مدلوله الحقيقي، وهي حمل (مولى) على ذيل الحديث، ليكون المعنى النصرة والمحبة كما هو الحال في ذيل الحديث.

قال القاضي عبد الجبار (ت 415): «يدلّ على أنّ هذا (أي موالاة الظاهر والباطن) هو المراد، قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم وال من والاه» ولو لم يكن المراد بما تقدّم ما ذكرناه، لم يكن هذا القول لائقاً به» (1).

أما الفخر الرازي (ت606) فقد ذهب إلى شيء من التفصيل حيث قال: «إن سلّمنا أنّ تقديم تلك المقدّمة يقتضي أن يكون المراد بالمولى الأولى، ولكن للحديث مؤخّرة وهي قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» وهذه المؤخّرة تقتضي أن يكون المراد من المولى الناصر، وإنّما قلنا ذلك لأنّ من ألزم غيره شيئاً بلفظ مشترك بين ذلك الشيء وبين غيره، ثم حثّ على التزام أحد معاني تلك اللفظة، فإنّه يتبادر إلى الأفهام أنّه إنّما حثّ بالكلام المشترك على المعنى الذي صرّح به آخراً، ألا ترى أنّ الإنسان إذا قال لغيره: صلّ عند الشفق، اللهم (..) من يصلي عند الشفق الأحمر يحمل الشفق المأمور به على الشفق الأحمر، وإذا ثبت ذلك فقوله: «اللهم وال من والاه» حثّ منه على التزام ما ذكره من لفظة المولى، فعلمنا أنّه أراد بها الموالاة التي هي ضد العداوة، وأيّ شيء يقولون في هذه المؤخّرة نقوله في تلك المقدّمة» (2).

وكذلك عبد العزيز الدهلوي (ت 1239) حيث قال: «إنّ ذيل الحديث يدلّ صريحاً على أنّ معنى المولى المحبة، وهو قوله: «اللهم وال من والاه...» ولو كان كما يقولون لقال: «اللهم وال من كان تحت تصرّفه وعاد من لم يكن كذلك» فغرض النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إيجاب

ص: 209


1- المغني، كتاب الإمامة 1:147، وتبعه كلّ من: التفتازاني في شرح المقاصد 5: 274، والجرجاني في شرح المواقف 8:361، والقوشجي في شرح التجريد: 369.
2- نهاية العقول: 411 خ.

محبته والتحذير عن عداوته...» (1).

ومن الطريف ما ذهب إليه حسام الدين السهار نبوري (كان حياً عام 1106) في مرافض الروافض حيث زعم أنّ مقدمة الحديث كما تكون قرينة على إرادة الأولى، فذيله يكون قرينة على إرادة معنى الناصر والمحبوب، فتتعارض القرينتان وتسقط، ويرجع عند التعارض إلى أقوى القرينتين وهي معنى الناصر والمحبوب بدليل أنّ الخطبة تتعلّق في الحثّ على حبّهم (2).

نقول في الجواب:

أولاً: قال السيد المرتضى في ردّ القاضي عبد الجبار : «فأمّا استدلاله على ما ادّعاه بقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم وال من والاه» فغير واجب أن يكون ما تقدّم لفظة (مولى) محمولاً على معنى الموالاة لأجل أنّ آخر الخبر تضمّنها، لأنّه لو صرّح بما ذهبنا إليه حتى يقول: من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه، أو من كانت طاعتي عليه مفترضة فطاعة عليّ عليه مفترضة «اللهم وال من والاه» لكان كلاماً صحيحاً يليق بعضه ببعض، ولسنا نعلم من أين ظن أنّ المراد بالكلام الأوّل لو كان إيجاب فرض الطاعة لم يلق بما تأخّر عنه، فإنّه من الظن البعيد» (3).

ثانياً: دلالة هذا الدعاء على مدعانا - المولى بمعنى الأولى - أولى من دلالته على مدعاكم - المولى بمعنى النصرة والمحبة - لأنّه لا يقع إلاّ بحق إمام مفترض الطاعة، قال الطبري الإمامي (ق5) (قدس سره): «ثم دعا له ولإخوانه ودعا على أعدائه والخاذلين له... وهذا دعاء لا يقع إلاّ لإمام مفترض الطاعة» (4).

ص: 210


1- التحفة الاثني عشرية: 420، وتبعه الآلوسي في مختصر التحفة: 160 وروح المعاني 5:195، والنفحات القدسية: 117.
2- نقل كلامه السيد مير حامد حسين في العبقات، حديث الغدير 10:23.
3- الشافي 2:290، تلخيص الشافي للطوسي 197: 2-198.
4- المسترشد: 471، ونحوه النجاة في القيامة لابن ميثم: 136، والصراط المستقيم للبياضي 1:309، واحقاق الحق للشتوشتری 496: 2.

ثالثاً: قال الحمصي الرازي (ق7): قوله: «اللهم وال من والاه» مبالغة في ترتيب القوم في طاعته، وحتّهم عليها والنزول تحت حكمه وأمره ونهيه بالدعاء لهم، وهذا لا يُعدّ مؤخّرة مقابلة لتلك المقدّمة حتى يقال ليس حمل قوله : «فعلي مولاه» على معنى المقدمة أولى من حمله على معنى المؤخّرة ألا ترى أنّه لو صرّح بأن يقول: من كانت طاعتي عليه مفترضة فطاعة علي مفترضة عليه، ثم قال: «اللهم وال من والاه» لكان كلاماً صحيحاً لائقاً بعضه لبعض، ولا فرق في هذا الغرض وهو المبالغة في حثّهم على طاعته وترغيبهم فيها بين هذا الدعاء وبين أن يدعو لهم بطول العمر وكثرة المال والولد وحصول المقاصد عاجلاً ورفعة الدرجات آجلاً، ولعلّه إنّما دعا لهم بهذا الدعاء مراعاة لتجنيس اللفظ، لأنّ

من عادة الفصحاء التجنيس في اللفظ وإن لم يتجانس المعنى، ونظيره ما يُروى عنه علیه السّلام: «إنّي لا اُحبّ العقوق، من شاء أن يعق عن ولده فليفعل»، ولا مجانسة بين معنى العقوق ومعنى يعق عن ولده. هذا على تسليم القول بأنّ معنى الدعاء مخالف لما نقوله في معنى مضمون الخبر، وليس الأمر كذلك، بل المعنيان متوافقان، وبيانه أنّه علیه السّلام بتقرير فرض طاعته، والنزول تحت حكمه، مرغّب في المعنى في محبته ونصرته حاثّ عليهما، لأنّ من تجب طاعته تجب محبته ونصرته، فالمؤخّرة تقتضي تفخيم شأن أمير المؤمنين علیه السّلام في لزوم المحبة والنصرة له، واعتراف بأنّ له من المزيّة في المحبة والنصرة ما ليس لغيره، ولاشكّ في أنّ هذه المزيّة ثابتة للإمام، فأيّ مخالفة بين المقدّمة والمؤخّرة حتى يقال حمله على المقدّمة أولى من حمله على المؤخّرة» (1).

رابعاً: قال السيد دلدار علي (ت 1235) في مقام الرد على الفخر الرازي: «أقول: فيه وجوه من الكلام وضروب من الملام ، الأوّل: إنّ قوله علیه السّلام: «وال من والاه» لو اقتضى إرادة معنى المحبّة من «من كنت مولاه» اقتضى قوله علیه السّلام: «وانصر من نصره» إرادة معنى النصرة، وحيث ثبت أنّ إرادة المعنيين من المشترك في إطلاق واحد ممتنعة تعارض

ص: 211


1- المنقذ من التقليد 342: 2-343.

المعنيان، وإذا تعارضا تساقطا، فبقي إرادة معنى الأولى من المولى بلا معارض. والثاني: إنّ قوله علیه السّلام: «اللهم وال من والاه» خطاب مع الحق بعد الفراغ عن الخطاب للخلق بقوله: «من كنت مولاه...» فلا يعارض القرينة على إرادة معنى الأولوية التي هي أيضاً خطاب مع الخلق...» (1).

خامساً: قال السيد الشوشتري: «مؤخّر الخبر جملة دعائية مستأنفة ليس ارتباطه بوسط الحديث كارتباط المقدّمة به، فإشعاره بذلك لا يعارض إشعار المقدّمة بخلافه كما لا يخفى» (2).

سادساً: يرد على المثال الذي ذكره الرازي في مسألة الصلاة عند الشفق ما قيل من أنّه: «إنّما وجب في الصورة التي ذكرتها حمل ما ذكره من الشفق مطلقاً في الأوّل على ما صرّح به وذكره مفسّراً في الثاني من الشفق الأحمر من.. (3) في قوله: صلّوا عند الشفق ما يمكن حمل لفظ الشفق عليه وصرفه إليه، فلزم بحكم ضرورة الحال أن يحمل ما ذكره أخيراً بياناً لما ذكره أولاً، ويُحمل الشفق الذي ذكره أوّلاً على أنّ المراد به الشفق الأحمر الذي ذكره أخيراً، وهذا لا يشبه الخبر، لأنّ فيه مقدّمة مفسّرة غير محتملة موجبة لحمل ما ذكره علیه السّلام بعدها من القول المحتمل لمعناها ولغيره على معناها على ما بيّناه، وإنّما الذي يشبهه أن يقول قائل لجماعة: ألستم تعرفون الشفق الذي هو حمرة تظهر في الأفق الغربي بعد غيبوبة الشمس، فإذا قالوا: بلى، قال: فصلّوا عند ظهور الشفق، ثم يقول: اللهم اغفر وارحم من يصلّي عند الشفق الذي هو البياض ليثبت في الكلام المقدّمة والمؤخّرة. ومعلوم أنّه لا يجوز يريد بالشفق الذي أرسله وأطلقه إلاّ الذي قرّرهم على معرفته، وأنّه لا يبتدر إلى الخواطر إلاّ ذلك، وإنّه إنّما قال: اللهم ارحم من يصلّي عند الشفق الذي هو البياض تنبيهاً على أنّه إن فاتت فضيلة الصلاة عند الحمرة فينبغي أن يصلّي عند البياض، وأنّ من يؤخّر

ص: 212


1- عماد الإسلام، كتاب الإمامة: 344.
2- إحقاق الحق 2:495.
3- كذا في الأصل.

الصلاة إلى حين ظهور البياض جدير بأن يستغفر ويرحم له.

فإن أعاد السؤال الذي ذكره قبل هذا، وهو أنّه إنّما أوجب حمل الشفق الذي ذكر مطلقاً على معنى الشفق الذي قرّرهم على معرفته من حيث أنّه لو أراد معنى آخر لضاع تقديم تلك المقدّمة من تقريرهم على معرفة ذلك الشفق، وللغى ذلك التقرير ولم يثبت له فائدة، وليس كذلك الخبر، لأنّه وإن عنى علیه السّلام بقوله : «فعليّ مولاه» المعنى الذي ذكره في المؤخّرة من الدعاء، لما ضاع تقديم المقدّمة وثبت في المقدّمة فائدة أعدنا الصورة التي ذكرناها في جواب مثل هذا السؤال من قبل، وألحقنا به مؤخّرة لتكون مطابقة لما نتكلّم فيه ويتمّ بها مقصودنا في الجواب، وتلك الصورة هي أن نقول: إذا قال القائل: ألستم تعرفون صديقي زيداً الذي اشتريت منه عبدي مباركاً؟ فإذا قالوا: بلى، قال: فاشهدوا أنّي قد وهبت له عبدي، ثم قال: اللهم ارحم صديقي زيداً وأنقذه من النار كما أنقذ عبدي سالماً من الغرق والهلاك، ومعلوم أنّ أحداً لا يحمل قوله (عبدي) المتوسّط بين تلك المقدّمة وهذه المؤخّرة إلاّ على العبد الذي قرّرهم على معرفته في المقدّمة دون الذي ذكره في المؤخّرة، وإن كان لو أراد غير ذلك لثبت لتلك المقدّمة ولذلك التقرير فائدة، وهي تعريف زيد الذي يهب له العبد، ويفهم تلك الجملة من كلامه أنّه إنّما وهب له مباركاً، وإنّما دعا له بسبب إنقاذه عبده سالماً من الغرق (1).

3 - دلالة لفظ «أولى»:

قالوا في مقام الردّ على الشيعة في استدلالهم مجيء مولى بمعنى أولى، أنّنا لو سلّمنا ذلك ولكن من أين أنّه بمعنى أولى بالتصرّف، بل يكون بمعنى أولى بالاختصاص والقرب أو أمر من الأمور، كما في قوله تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لِلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ» وكما تقول التلامذة: نحن أولى بأستاذنا، ويقول الأتباع: نحن أولى بسلطاننا (2)

ص: 213


1- المنقذ من التقليد للحمصي الرازي 344: 2-346.
2- شرح المواقف للجرجاني 8:362، شرح التجريد للقوشجي: 369، الصواعق المحرقة للهيتمي 1:110، التحفة الاثني عشریة للدهلوي: 418، مختصر التحفة للآلوسي: 160 و روح المعاني 195: 5.

نقول في الجواب:

أولاً: نحن لا نقول أنّ معنى أولى دائماً هو أولى بالتصرّف، بل هذه اللفظة تأخذ معناها من خلال سياق الكلام والقرائن المتصلة والمنفصلة، وهذه القرائن وسياق الكلام دلّ على إرادة الأولى بالتصرّف من حديث الغدير كما مرّ.

ثانياً: إنّ التقييد بقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من أنفسهم: قد دلّ على أنّ المراد من الأولى هو الأولى بالتصرّف دون الأولويّة في أمر من الأمور، وذلك لأنّه لا معنى للأولوية من الناس بنفس الناس إلاّ الأولويّة في التصرف، نعم لو لم يوجد القيد المذكور لتمّ معارضته واستشهاده بقوله تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ» فإنّه لو كان نظم الآية مثلاً: إنّ أولى الناس بإبراهيم من نفسه، لكان المراد الأولى بالتصرف (1).

ثالثاً: إنّ الأولى في الآية اُضيفت إلى نفس إبراهيم علیه السّلام ممّا يكون قرينة على عدم إرادة الأولى بالتصرّف، أمّا في حديث الغدير فقد وردت بالقياس إلى الناس، وهذا لا ضير فيه.

رابعاً: ما ذكره ابن ميثم (ت 699) في ردّ هذه الشبهة حيث يمكن حمل الأولى فيها على الأولى بالتصرف، قال: «إنّ الذين اتبعوا إبراهيم أولى بالتصرّف في خدمته وأحواله من الكفّار الذين لم يتبعوه، وكذلك الرعية للسلطان والتلامذة للأستاذ، وهذا هو المتبادر إلى الأفهام، والتبادر إلى الذهن دليل الحقيقة» (2).

ص: 214


1- إحقاق الحق للشوشتري 2:498.
2- النجاة في القيامة: 139.

4 - حديث التهنئة:

قالوا: إنّ حديث تهنئة عمر لأمير المؤمنين علیه السّلام يوم الغدير يدلّ على معنى النصرة والمحبة، قال القاضي عبد الجبار (ت 415): «وقول عمر: أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، يدلّ على أنّ هذا (أي النصرة في الدين) هو المراد، لأنّه ما أراد إلاّ هذا الوجه» (1).

نقول في الجواب: إنّ المولى هنا جاءت بنفس المعنى التي وردت في الحديث، إذ التهنئة جاءت عقيب الحديث، ولا يُعقل أن يتحدّث النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عن شيء، ثم تأتي التهنئة لشيء آخر، والخلاصة أنّ من حمل الحديث على معنى الإمامة، جعل التهنئة من الأدلّة على ذلك حيث أنّ غير الإمامة لا يقتضي التهنئة بتلك الألفاظ، أمّا أهل السنة الذين ذهبوا إلى خلاف ذلك، فمن الطبيعي أن يجعلوا التهنئة بما يوافق معتقدهم.

5 - الردّ على الخوارج والنواصب:

قالوا: إنّ سبب حديث الغدير هو علم النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بما سيحدث من تكفير الخوارج لعلي علیه السّلام، فقال ذلك ردّاً عليهم، قال الباقلاني (ت403): «يُحتمل أن يكون بلغه صلّی الله علیه و آله و سلّم قدح قادح فيه، أو ثلب ثالب، أو اُخبر أنّ قوماً من أهل النفاق والشراة سيطعنون عليه ويزعمون أنّه فارق الدين، وحكّم في أمر الله تعالى الآدميين، ويسقطون بذلك ولايته، ويزيلون ولاءه، فقال ذلك فيه لينفي ذلك عنه في وقته وبعده، لأنّ الله تعالى لو علم أنّ علياً سيفارق الدين بالتحكيم أو غيره على ما قُرف به، لم يأمر نبيّه أن يأمر الناس باعتقاد ولايته ومحبته على ظاهره وباطنه، والقطع على طهارته، وهو يعلم أنّه يختم عمله بمفارقة الدين، لأنّ من هذه سبيله في معلوم الله تعالى، فإنّه لم يكن قط وليّاً لله ولا ممّن يستحق الولاية والمحبّة، وفي أمر رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم الموالاة عليّ على ظاهره وباطنه دليل على سقوط ما قرفه أهل النفاق والضلال» (2).

ص: 215


1- المغني، كتاب الإمامة 1:147، وانظر المجموع المغيث للمديني 3:458.
2- تمهيد الأوائل: 456 و 457، ونحوه باختلاف: ميمون النسفي في تبصرة الأدلّة: 856، المغني للقاضي عبد الجبار، كتاب الإمامة 1:146، وابن تيمية في منهاج السنة 7:324، والمقدسي رسالة في الرد على الرافضة: 220، والدهلوي في التحفة الاثني عشرية: 420، والزعبي في البينات في ردّ أباطيل المراجعات 154: 2، والقفاري في أصول مذهب الشيعة 310:2.

نقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ مدار هذا الاستدلال على ما فسّروه من عندهم - وبغير دليل من أهل اللغة - أنّ معنى المولى هو موالاة الظاهر والباطن، وقد ناقشنا هذه الشبهة فيما سبق من أنّ أهل اللغة لم يوردوا هذا المعنى ضمن معاني المولى، ولو صحّ إطلاق المعاني بحسب الأهواء والميول خارج إطار اللغة، ما كان مجال لردّ أحد على أحد، وما تمكّن أهل الحق من الردّ على أهل الباطل من سائر الفرق والديانات.

قال الشيخ الطوسي: «إنّه لا يجوز حمل اللفظة على ما لا يحتمله في اللّغة، ولاعُدّ في أقسام مولى بوجه من الوجوه، ولا عرفه أهل اللغة; لأنّهم سمّوا كلّ من تولّى نصرة غيره بأنّه مولاه من غير اعتبار الباطن، والمؤمنون يوالي بعضهم بعضاً على هذا الوجه، فما قالوه غير معروف» (1).

ثانياً: صدّر المعترض كلامه بلفظة: «يُحتمل» وهذا كاف في الرد عليه، إذ لم يستيقن بدليله وأورده مورد الاحتمالات، وهذا لا يكون حجة في مقام المناظرة أيضاً، إذ بإمكان الخصم إيراد احتمالات كثيرة أُخر تدعم موقفه.

ثالثاً: الأحاديث الدالّة على طهارة علي علیه السّلام ومحبته لله وللرسول ومحبة الله والرسول إيّاه، وأنّ حبه علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، وأنّ منزلته منزلة الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم عدا النبوّة، كما هو مثبت في حديث الراية والمباهلة والمنزلة والثقلين وغيرها من المتواترات، قد سبقت حديث الغدير وكانت على رؤوس الأشهاد ولم تخف على أحد.

رابعاً: سبق وأن نبّه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم على خطر الناكثين والقاسطين والمارقين وأنّ علياً علیه السّلام سيقاتلهم (2)، وقوله صلّی الله علیه و آله و سلّم في الخوارج: «يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية،

ص: 216


1- تمهيد الأصول للطوسي 398، نحوه المنقذ من التقليد للحمصي 2:347.
2- المستدرك للحاكم 3:140، مجمع الزوائد للهيثمي 7:238 عن الطبراني والبزار، وقال: وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثّقه ابن حبان.

يقتلون أهل الإسلام، ويدعون إلى الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد» (1). وفي رواية: «هم شرّ الخلق والخليقة» (2). فأيّ قيمة تبقى إذاً لآرائهم في المسلمين عموماً وفي علّي خصوصاً حتى يجمع الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم الناس بتلك الحالة والهيئة ليندّد بهم نصرةً لعليّ علیه السّلام وقد سبق منه ما يكفي لذلك.

خامساً: إنّ ما نذهب إليه من إرادة الإمامة والأولويّة بالتصرّف من حديث الغدير ، يحقّق لنا هذه الأغراض، إذ إنّ الإمام لابدّ من أن يكون طاهراً: ظاهراً وباطناً، وتجب موالاته ظاهراً وباطناً، ولا يجوز الخروج عليه وسبه وشتمه وتكفيره، فهذا كلّه داخل تحت معنى الإمامة.

سادساً: «إنّه لو كانت هذه الولاية من جملة الأقسام، لوجب لو أرادها أن يقول: من كان مولاي فهو مولى لعليّ، لأنّه وعلياً علیه السّلام: هما المتولّيان على الظاهر والباطن دون المخاطبين، فلمّا خرج خطابه صلّی الله علیه و آله و سلّم بعكس ذلك، استحال حمل مولى في الخبر على ولاية الباطن والظاهر لو كان ذلك شائعاً في اللغة، لأنّه يقتضي كون النبي وعليّ صلوات الله عليهما هما المتولّيان للمخاطبين على الظاهر والباطن، وهذا ظاهر الفساد» (3).

6 - حديث الشكوى من علي علیه السّلام :

لعلّ أقدم من تعرّض للقول بأنّ سبب حديث الغدير وشأن نزوله كان ما حدث من الشكوى عن أمير المؤمنين علیه السّلام هو ما نقله أبو الهذيل العلاّف (ت 226 أو 235) عن بعض العلماء، قال القاضي عبد الجبار (ت 415) نقلاً عنه: وذكر أنّ بعض العلماء حمله على أنّ قوماً نقموا على عليّ علیه السّلام بعض اُموره وظهرت معاداتهم وقولهم فيه، فأخبر علیه السّلام بما يدلّ

ص: 217


1- صحيح البخاري 8:178.
2- صحیح مسلم 3:116.
3- تقريب المعارف للحلبي: 218 - 219، نحوه غنية النزوع لابن زهرة 1:172.

على منزلته وولايته دافعاً لهم عمّا خاف فيه الفتنة» (1).

ثم جاء البيهقي (ت458) وأوضح هذا الاجمال، ونسب ذلك إلى ما حصل باليمن حيث قال: «إنّه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إيَّاه، ويحثّهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته» (2).

أما ابن كثير (ت774) فأرسل هذا إرسال المسلّمات حيث قال: «فصل: في إيراد الحديث الدالّ على أنّه علیه السّلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة يقال له غدير خم، فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنّها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرّغ علیه السّلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّن ذلك في أثناء الطريق» (3).

وفي الصواعق للهيتمي (ت 973) أنّ المشتكي كان بريدة (4)، ثم أضاف الدهلوي (ت 1239) قائلاً: «فلمّا انتشر الكلام عند الناس، ورأى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عدم الفائدة في التكلّم مع أشخاص معدودين قام وخطب خطبة عامة ليمتنع جميع الناس» (5).

ومن الطريف ما ذهب إليه أبو مريم الأعظمي حيث قال: «فلو ترك صلّی الله علیه و آله و سلّم هذا الأمر ولم يهتم به لبقيت في نفوس هؤلاء هذه العداوة وهذا البغض لعلي، وخصوصاً بعد وفاته الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، إذ أنّ كثيراً منهم كان قد سكت عن ذلك لقرابة علي من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم واستحياء منه وهو لا يزال حياً، أما بعد موته فيمكن أن يضيع حقّه خصوصاً بعد ما رأوه عنه» (6).

ص: 218


1- المغني كتاب الإمامة 1:153.
2- الاعتقاد 416، وتبعه القفاري في اُصول مذهب الشيعة 2:312.
3- البداية والنهاية 5:228.
4- الصواعق المحرقة 1:109 عنه السيرة الحلبية 3:275.
5- التحفة الاثني عشرية: 421، ومختصر التحفة للآلوسي : 162.
6- الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات: 566.

وأطرف منه ما ذكره الدكتور حافظ موسى عامر حيث قال بعد ذكر شكوى جيش اليمن: «خلاف بشري بين اجتهاد القائد الذي أراد تقديم جميع بضاعة الحملة بين يدي الرسول القائد الأعلى ليتصرّف فيها بما يراه، وبين اجتهاد أعضاء الحملة الذين رغبوا التجمّل ببعض مغانم الحملة المشاركين فيها، فما بال الشيعة يركبون وقائع التاريخ الإسلامي ويتلاعبون بها عوجاً لتدعيم أفكار زعيمهم» (1).

وقبل الإجابة على هذه الشبهة نورد نصوص الشكوى: 1 - الجند 2 - بريدة، لأنها أساس الشبهة، ثم نتكلّم عن أصل الشبهة.

قال ابن كثير فيما خصصه لواقعة الغدير: «قال محمد بن إسحاق في سياق حجة الوداع: حدّثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال : لمّا أقبل عليّ من اليمن ليلقى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بمكة، تعجّل إلى رسول الله عله صلّی الله علیه و آله و سلّم واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كلّ رجل من القوم حلّة من البز الذي كان مع عليّ، فلمّا دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم

الحلل قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك انزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، قال: فانتزع الحُلل من الناس فردّها في البزّ، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.

قال ابن إسحاق: فحدّثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن کعب بن عُجرة، عن عمته زينب بنت كعب، وكانت عند أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس علياً فقام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنّه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يُشكى.

وقال الإمام أحمد: حدّثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن أبي غنية، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على

ص: 219


1- أصول وعقائد الشيعة الاثنا عشرية تحت المجهر: 233.

رسول الله علي ذكرت علياً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول الله يتغيّر ، فقال : يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه» (1).

وفي مسند أحمد عن ابن بريدة عن أبيه قال: «بعثنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في سرية، قال: لما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً قال: فإذا النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قد احمرّ وجهه قال وهو يقول: من كنت وليه فعليّ وليه (2).

وفي رواية أخرى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه يسرد قصة الوصيفة التي أصابها علي علیه السّلام ثم ذهابه إلى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم مشتكياً فقال له النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: أتبغض علياً؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا تبغضه، وإن كنت تُحبّه فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة (3).

وفي رواية اُخرى تدلّ على نفس الواقعة بشكل تفصيلي أكثر وفيها: لا تقع في عليّ فإنّه منّي وأنا منه وهو وليكم بعدي (4).

هذا أساس الواقعتين، وجميع الروايات الواردة تدور نفس المدار، مع بعض الاختلاف من حيث التفصيل والإجمال، وإذا عرفت هذا فنقول في الجواب:

أولاً: ما رواه ابن كثير عن ابن إسحاق عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة في إقبال عليّ علیه السّلام من اليمن وإسراعه إلى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ثم إنزاع الحلل وشكوى الجيش، مرسل إذ إنّ يزيد بن طلحة توفي عام 105 في بداية ولاية هشام بن عبدالملك (5)، فمن أين علم كلّ هذه التفاصيل وأنّ الجيش شكوا ذلك و.... مع الفجوة الزمنيّة الكبيرة الموجودة؟! وعلى فرض الصحّة فالرواية ساكتة عن ردّة فعل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أمامهم، فلماذا التقوّل على النبي

ص: 220


1- البداية والنهاية لابن كثير 228: 5 و 229.
2- مسند أحمد 5:350، ونحوه 5:358،361.
3- م ن 5:350، ونحوه 5:359.
4- م ن 5:356.
5- راجع تعجيل المنفعة لابن حجر: 451.

صلّی الله علیه و آله و سلّم، وخلط الأوراق، واحتساب هذا على ذاك؟! وهو القائل: «من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (1).

مضافاً إلى أنّ الرواية عند الحافظ البيهقي تدلّ على أنّ الجيش قدّم شكواه إلى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في المدينة بعد رجوعه من حجة الوداع (2) - إذ إنّهم لم يدركوا حجة الوداع ولم يأتوا إلى مكة - وعليه انهار بنيانهم من الأساس، إذ لا ربط لشكوى الجيش بواقعة الغدير.

ثانياً: الرواية الثانية المروية عن ابن إسحاق عن أبي سعيد الخُدري، لا علاقة لها بواقعة الغدير لا من قريب ولا من بعيد، بل تدلّ على قضية في واقعة انتهت بوصية النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم الناس بعدم الشكاية من علي علیه السّلام ، فإيرادها ضمن روايات الغدير لا معنى له سوى محاولة حشد الروايات لخلط الأوراق وتقليب الأمور، ولو سلّمنا وتنزلنا وقلنا أنّ هذا كان في واقعة الغدير، فهو لنا لا علينا، إذ إنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أجاب المشتكين بقوله ذلك، فلا علاقة لهذه الشكوى بحديث الغدير، بل كانت هناك شكوى من بعض الصحابة عن علي علیه السّلام أدوها أمام الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم وأجابهم بما فيه الكفاية، ثم بعد هذا كانت واقعة الغدير لتنصيب الأمير للإمامة والخلافة.

ثالثاً: الرواية الثالثة التي رواها ابن كثير عن أحمد وفيها قضية بريدة وأنّه تنقص علياً أمام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ثم ما ذكره الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم بنفس ألفاظ حديث الغدير، فهو إن صح تأييد لنا لا علينا، إذ إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بلّغ إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام لبريدة - لاقتضاء المقام - قبل أن يبلّغها لجميع الناس، وبيّن له أنّ علياً أولى بالتصرّف في الصدقات - إذ كانت الواقعة لأجل اصطفاء علي جارية لنفسه - لأنّه الإمام بعده والخليفة له والقائم مقامه، وذلك أنّ

ص: 221


1- صحيح البخاري 1:35.
2- البداية والنهاية لابن كثير 7:332 ففيه: «فلما فرغ علي وانصرف من اليمن راجعاً، أمر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج، فلمّا قضى حجته قال له النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: ارجع إلى أصحابك [اثم يذكر رجوع علي علیه السّلام وغضبه على الجيش ونزع الحلل إلى أن يقول أبو سعيد سعد بن مالك:] فقلت: أما إنّ لله عليّ إن قدمت المدينة وغدوت إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لأذكرنّ الرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ولاُخبرنّه ما لقينا من الغلظة والتضييق، قال: فلمّا قدمنا المدينة...». ولم يغمز ابن كثير في سنده، بل روى له شواهد ومؤيدات.

بريدة رأى من جهة أنّ علياً اصطفى لنفسه الجارية وتصرّف في الخمس قبل استئذان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، ومن جهة ثانية رأى أنّه انتزع الحلي من الجيش واعترض عليهم بتصرّفهم في الغنائم قبل استئذان الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، فأدى هذا إلى تساؤل في نفسه، كان جوابه أنّ علياً أولى بالتصرف وحاله حال الرسول في ذلك بقوله لبريدة: «يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم». هذا على تسليم اتحاد الواقعتين وصحّة الروايتين، ولنا كلام يأتيك في النقطة التالية.

رابعاً: نعتقد أنّ علياً علیه السّلام ذهب إلى اليمن لعدّة مرّات، وهذا ما نستفيده من سياق الروايات، فمثلاً تدلّ إحدى روايات ابن إسحاق المروية عن عمر بن شاس الأسلمي أنّه كان مع عليّ في اليمن حيث قال: «كنت مع عليّ في خيله التي بعثه فيها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم إلى اليمن، فجفاني علي بعض الجفاء، فوجدت عليه في نفسي، فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيتُه...» (1).

فهذه الواقعة غير واقعة بريدة حين ذهب مع خالد بن الوليد إلى اليمن، وغير الواقعة الأخرى التي ذكرها ابن إسحاق أيضاً من شكوى الجيش لما رجعوا من اليمن ووافوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في مكة في حجة الوداع، ولذا قال ابن هشام (ت218) في السيرة: «وغزوة عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه اليمن، غزاها مرتين» (2).

والذي اُريد أن أصل إليه من خلال هذه الروايات المتضاربة، هو أنّ شكوى بريدة من علي علیه السّلام لما كان مع خالد بن الوليد في اليمن لما أصاب عليّ الجارية، كانت قبل واقعة الغدير، و هي حادثة مستقلّة، ولمّا رأى بريده ردّة فعل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أمسك عن النكير وأصبح علي علیه السّلام عنده من أحبّ الناس إليه، حيث قال: «فما كان أحد من الناس أحبّ إليَّ من عليّ» (3).

ثم بعد هذا حضر بريدة حجة الوداع مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، وشهد غدیر خم وروی

ص: 222


1- البداية والنهاية لابن كثير 333: 7.
2- السيرة النبوية لابن هشام 4:290.
3- مسند أحمد 5:351.

حديث الغدير حاله حال سائر من روى الحديث، وصادف هذا; شكوى الجيش الذي كان مع علىّ علیه السّلام في اليمن في بعثة اُخرى بعثه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، وسمعوا أيضاً الجواب، ورأوا موقف النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من عليّ، وليس فيه ذكر لحديث الغدير ولا ألفاظه، فهنا حصل خلط متعمّد لأغراض سياسية طائفية بين حديث شكوى بريدة الذي كان قبل حجة الوداع - كما في الإرشاد للمفيد: فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم (1) يعني بالمدينة - وبين روايته لحديث الغدير الذي حضره وشهده، وعليه لا يدلّ هذا على ما ذهبوا إليه من أنّ سبب حديث الغدير هو شکوی بريدة من علي علیه السّلام أو شكوى الجيش، ويبقى الحديث دالاً على الإمامة.

خامساً: إنّ القاضي عبد الجبار (ت 415) الذي نقل هذه الشبهة عن أسلافه، ما ارتضاها هو دليلاً على ردّ ما تدّعيه الشيعة، فلذا قال بعدما سرد مجموعة أسباب لصدور حديث الغدير: «والمعتمد في معنى الخبر على ما قدّمناه، لأنّ كل ذلك لو صحّ وكان الخبر خارجاً عليه، لم يمنع من التعلّق بظاهره وما يقتضيه، فيجب أن يكون الكلام في ذلك دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه في أنّ وجه الاستدلال بالخبر لا يتغير» (2). فهو بقوله : (لو صحّ) يغمز في صحة هذه الأخبار أولاً، وثانياً يرى أنّ ذكر الأسباب لا يغيّر من الاستدلال بالخبر على المدعى.

سادساً: إنّ رواية شكوى الجيش وشكوى بريدة، - لو سلّمنا تزامنهما مع واقعة الغدير - تدلاّن على أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عالج الموقف فوراً أمام المشتكين حيث نهى بريدة عن بغض عليّ علیه السّلام وأمره بالالتزام به، وكذلك نهى الجيش عن الشكوى، وبهذا تمّت الشكوى وعلم المشتكي أنّه على خطأ وأنّ علياً علیه السّلام على الحقّ، ثم بعد هذا حدثت واقعة الغدير، ولا علاقة ولا ترابط بين هذه الأحداث.

سابعاً: إنَّ ما ذهب إليه الدهلوي من قوله: «فلما انتشر الكلام عند الناس، ورأى

ص: 223


1- الإرشاد للمفيد 1:160.
2- المغني، كتاب الإمامة 1:154.

النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عدم الفائدة في التكلّم مع أشخاص معدودين، قام وخطب...» تخرّص محض ولا دليل على إثباته، ولا نعلم من أين استنبط هذا التحليل، فالروايات الدالّة على الشكوى ساكتة عنه، فبريدة لما سمع ما قاله رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ارتدع وكفّ وندم وتاب، أمّا الجيش فكذلك لم يعترض على كلام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في الدفاع عن عليّ علیه السّلام، والروايات لم تتعرّض لأكثر من هذا، ولا ندري على أيّ شيء استند الدهلوي في زعمه أنّ الكلام انتشر بين الناس وهم عشرات الآلاف، وأنّه رأى عدم الفائدة في التكلّم مع أصحاب الشكوى و.... وكأنّ هناك حادثة عظمى أصابت المسلمين وسبّبت قلقاً كبيراً فيهم، لا; الأمر لم يكن بهذه المثابة، إن

هو إلاّ قضية بسيطة عُولجت في موردها وانتهت.

ثامناً: إن ابن كثير قد أخطأ أيضاً حيث جيّر واقعة الغدير العظمى في حساب الشكوى لما قال: «فبيّن فيها (أي في الخطبة) فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة... ولهذا لما تفرّغ علیه السّلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيّن ذلك في أثناء الطريق» فهو كما قلنا تحميل للنصوص بما لا تتحمّله بل وتأباه، وإلاّ فحديث الشكوى اُجيب عنه في وقته ولم تتحدّث النصوص عن وجود فجوة زمنيّة بين الشكوى وبين الإجابة النبويّة، فمن أين جاء بها ابن كثير؟!

وأخيراً نقول كما قال الدكتور حافظ موسى «إنّ ذلك كان خلافاً بشرياً بين اجتهاد القائد واجتهاد أعضاء الحملة» وانتهت القضيّة بتدخل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لصالح عليّ علیه السّلام وتصويب اجتهاده، ولا علاقة له بواقعة الغدير، فلماذا يا أهل السنة هذا التلاعب بالروايات وتركيب بعضها مع بعض لإثبات ما لا يثبت؟!

7 - شكوى زيد أو أسامة:

وهناك محاولة أخرى من أهل السنة لصرف مدلول حديث الغدير عن معناه الحقيقي، وذلك ما ذهبوا إليه من أنّ سبب الحديث كان ما حصل بين زيد بن حارثة وبين عليّ علیه السّلام، حيث قال علي علیه السّلام لزيد: «أنت مولاي، فقال زيد: لست مولى لك وإنّما أنا مولى رسول

ص: 224

الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فلما بلغ ذلك النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» (1).

ثم لمّا رأوا ركاكة هذا السبب ووضوح بطلانه، قالوا: إنّ السبب هو ما حصل بين اُسامة بن زيد وبين علي علیه السّلام ، وذكروا نفس الحدث (2).

نقول في الجواب:

أولاً: قال الشيخ الصدوق (ت381): «فإن اعترض بما يدّعونه من خبر زيد بن حارثة وغيره من الأخبار التي يختصّون بها، لم يكن ذلك لهم; لأنّهم رامو أن يخصّوا معنى خبر ورد بإجماع بخبر رووه دوننا، وهذا ظلم لأنّ لنا أخباراً كثيرة تؤكّد معنى «من كنت مولاه فعلي مولاه» وتدلّ على أنّه إنّما استخلفه بذلك وفرض طاعته، هكذا نروي نصّاً في هذا الخبر عن

النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وعن علي علیه السّلام فيكون خبرنا المخصوص بإزاء خبرهم المخصوص، ويبقى الخبر

على عمومه نحتجّ به نحن وهم بما توجبه اللّغة والاستعمال فيها وتقسيم الكلام وردّه إلى الصحيح منه، ولا يكون لخصومنا من الخبر المجمع عليه ولا من دلالته ما لنا» (3).

وأضاف السيد المرتضى (ت436) وجهاً آخر حيث قال: «إنّ أسباب الأخبار يجب الرجوع فيها إلى النقل كالرجوع في نفس الأخبار، ولا يُحسن أن يُقتصر فيها على الدعاوى والظنون، وليس يمكن أحد من الخصوم أن يُسند ما يدّعيه من السبب إلى رواية معروفة ونقل مشهور، ولو أمكنهم على أصعب الاُمور أن يذكروا رواية في السبب، لم يمكن الإشارة

فيه إلى ما يوجب العلم وتتلقاه الاُمّة بالقبول على الحدّ الذي ذكرناه في خبر الغدير، وليس لنا أن نحمل تأويل الخبر الذي هو صفة; على سبب أحسن أحواله أن يكون ناقله واحداً،

ص: 225


1- ذكر هذه الشبهة وأشار إليها كلّ من القاضي عبد الجبار في المغني كتاب الإمامة 1:154، الجويني في غياث الأمم 30، الفخر الرازي في الأربعين: 299، الدواني في الحجج الباهرة: 148، وغيرهم.
2- يراجع على سبيل المثال: المغني للقاضي عبد الجبار، كتاب الإمامة 1:153، كتاب الإمامة لأبي نعيم: 220، المجموع المغيث للمديني 3:456، النهاية لابن الأثير 5:228، رسالة في الرد على الرافضة للمقدسي: 220، السيرة الحلبية 3:227.
3- معاني الأخبار: 71.

لا يوجب خبره علماً ولا يثلج صدراً» (1).

ثانياً : قال الصدوق أيضاً: «بإزاء ما يروونه من خبر زيد بن حارثة أخبار قد جاءت على ألسنتهم شهدت بأنّ زيداً اُصيب في غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب، وذلك قبل يوم غدير خم بمدّة طويلة» (2).

ثالثاً: «إنّ زيداً أو أسامة ابنه، لم يكن بالذي يخفى عليه أنّ ولاء العتق يرجع إلى بني العم فينكره، وليس منزلته منزلة من يُستحسن أن يكابر فيما يجري هذا المجرى، ولو خفي عليه لما احتمل شكّه فيه; ذلك الإنكار البليغ من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم الذي جمع له الناس في وقت ضيّق، وقدّم فيه من التقرير والتأكيد ما قدّم» (3).

رابعاً: «إنّ ما يدّعونه في السبب لو كان حقّاً لما حسن من أمير المؤمنين علیه السّلام أن يحتجّ به في الشورى على القوم في جملة من فضائله ومناقبه، وما خصّه الله تعالى به، لأنّ الأمر لو كان على ما ذكروه لم يكن في الخبر شاهد على فضل، ولا دلالة على تقدّم، ولوجب أن يقول له القوم في جواب احتجاجه: وأيّ فضيلة لك بهذا الخبر علينا، وإنّما كان سببه كيت وكيت ممّا تعلمه ونعلمه، وفي احتجاجه علیه السّلام به وإضرابهم عن ردّ الاحتجاج، دلالة على بطلان ما يدّعونه من السبب» (4).

خامساً: «إنّ الأمر لو كان على ما ادّعوه في السبب لم يكن لقول عمر بن الخطاب في تلك الحال على ما تظاهرت به الروايات الصحيحة: «أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» معنى، لأنّ عمر لم يكن مولى الرسول علي صلّی الله علیه و آله و سلّم من جهة ولاء العتق ولا جماعة المؤمنين» (5).

ص: 226


1- الشافي 2:313.
2- معاني الأخبار: 71، وانظر: الشافي للمرتضى 2:313، كنز الفوائد للكراجكي 2:95، الصراط المستقيم للبياضي 1:305.
3- الشافي للمرتضى 2:314، تلخيص الشافي للطوسي 200: 2-202.
4- م ن 2:313، نحوه كنز الفوائد للكراجكي 2:96، الصراط المستقيم للبياضي 1:305.
5- م ن م 314، تلخيص الشافي للطوسي 200: 2-202، غنية النزوع لابن زهرة 1:171.

8 - رواية الحسن بن الحسن:

ممّا تمسّكوا به لردّ تمسّك الشيعة بحديث الغدير لإثبات الإمامة، ما رووه عن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي علیه السّلام، حيث أنّه لما سُئل عن حديث الغدير ودلالته على الإمامة أنكر ذلك وقال: لو يعني بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم بذلك، فإنّ رسول الله الله كان أنصح للمسلمين... والله لئن كان الله ورسوله اختار علياً لهذا الأمر وجعله القائم به للمسلمين من بعده، ثم ترك عليّ أمر الله ورسوله لكان عليّ أوّل من ترك أمر الله وأمر رسوله (1).

نقول في الجواب:

أولاً: إنّ هذه الرواية رواها ابن سعد (ت230) في الطبقات 5:320، وابن عاصم الثقفي (ت(262) في جزئه: 126 رقم 42، وابن عساكر (ت571) في تاريخ دمشق 13:69، 71، 87، وعنهم رويت في باقي المصادر المتأخّرة، والملاحظ أن مدارها على الفضيل بن مرزوق (ت158) وعندما نرجع إلى كتب الجرح والتعديل نرى أنّ هناك من وثّقه وهناك من ضعّفه، وهناك من يقول: «يكتب حديثه ولا يُحتج به» (2).

والملفت للنظر أنّه رُمي بالتشيّع، فعن ابن معين قال: «صالح الحديث إلاّ أنّه شديد في التشيّع» (3). فهكذا شخص لا يروي ما ينقض تشيّعه المبتني على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بنص الغدير، والعجب من أهل السنة وتمسّكهم بهذه الرواية التي رواها شيعي، وهم ردّوا كثيراً من روايات الفضائل بحجة أنّ راويها من الشيعة !!

ثانياً: لو سلّمنا صحّة الرواية، فهي ليست بحجة علينا، إذ إنّ الحسن المثّلث حاله

ص: 227


1- انظر لمن استدلّ بذلك: الاعتقاد للبيهقي: 418، الصواعق المحرقة للهيتمي 118: 1، والتحفة الاثني عشرية للدهلوي: 330، والسيرة الحلبية 3:276، وروح المعاني للآلوسي 195: 5-196 ، وغيرهم.
2- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7:75 رقم 423.
3- تهذيب التهذيب لابن حجر 8:268 رقم 546.

حال غيره من بني البشر يُخطئ ويُصيب، وما كان يدعي لنفسه العصمة، ومن أخطائه وهفواته ما ذهب إليه في هذه الرواية المروية عنه، سيما لو لاحظنا ظرف صدور الرواية، حيث صدرت في احتدام سياسي وتنافس قوي على السلطة بين بني الحسن وبني العباس، حتى أنّ محمد بن عبد الله بن الحسن (ابن أخي الحسن بن الحسن المثّلث) مهدي بني الحسن أراد أن يجبر الإمام الصادق علیه السّلام على البيعة لنفسه، فمن جملة ما قال له: بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ولا تكلّفنّ حرباً... ثم لمّا لم يبايع الإمام أخذوه إلى الحبس وصودرت أمواله وأموال من لم يبايع (1). إذا اعترافهم بمدلول حديث الغدير، ودلالته على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، يعني القبول بتسلسل الإمامة من علي علیه السّلام إلى الإمام الحسن ثم الحسين ثم أولاده، ويعني هذا إمامة الإمام الصادق علیه السّلام وبطلان إمامة بني الحسن جملة وتفصيلاً، وهذا ما لم يكن ليروقهم.

ويؤيّده ما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام في حق عبد الله بن الحسن شقيق الحسن المثلّث ووالد محمد الملقّب بالمهدي، حيث قال علیه السّلام : «العجب لعبد الله بن الحسن يقول: ليس فينا إمام صدق ما هو بإمام ولا كان أبوه إماماً، ويزعم أنّ علي بن أبي طالب لم يكن إماماً ويردّد ذلك».(2) وفي لفظ آخر: «وكذب» (3).

مضافاً إلى ورود روايات كثيرة تطعن فيهم، وإن حاول السيد ابن طاوس تبريرها والدفاع عنهم، ولكن مع هذا تبقى روايات القدح أقوى، قال الشيخ الشوشتري: «بل أخبار القدح مستفيضة، وأخبار المدح شاذّة ومن طرق الزيدية، وقرّر القادحة القدماء، فرواها محمد

ص: 228


1- الكافي للكليني 1:362.
2- بصائر الدرجات للصفار: 176 ح15، عنه بحار الأنوار 26:42 ح74.
3- م ن : 180 ح 30. نعم هذا ربما لا يصدق على جميع بني الحسن، فمثلاً محمد بن عبد الله بن الحسن هذا وردت شواهد على أنه كان معترفاً بإمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، فقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره أنّه استشهد بقوله تعالى: وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض لاثبات إمامة علي علیه السّلام بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم تفسير الرازي 15:213، وفي رسالة كتبها محمد هذا إلى المنصور يقول فيها: «وإنّ أبانا علياً كان الوصي وكان الإمام» تاريخ الطبري 6:196، تجارب الأمم لمسكويه 3:395، المنتظم لابن الجوزي: 8:65.

بن الحسن الصفار ومحمد بن يعقوب الكليني ونظرائهما من الأئمة ساكتين عن تأويلها، والتاريخ أيضاً يعضدها.

وقد روي عنه (أي عبد الله بن الحسن المحض) أمور منكرة فوق عدم استبصاره، ففي خبر أنّه قال للصادق علیه السّلام : إنّ الحسين كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن. وروى الطبري في ذيله بإسناده عن سليمان بن قرم قال: قلت لعبد الله بن الحسن: أفي قبلتنا كفّار؟ قال: نعم، الرافضة» (1).

فتلخّص ممّا مضى أنّ هذا الرأي مردود عندنا، ولا يمكن التمسّك به لنفي دلالة حديث الغدير على الإمامة، ولو ثبت النصّ عن الحسن المثلث فلا عبرة برأيه وشذوذه أمام إجماع العترة وشيعتهم على خلافه.

ثالثاً: هذه الرواية رُويت من قبل بعض أهل السنة، ولا يمكن الاحتجاج بها علينا، وإلاّ لأمكننا الاحتجاج عليهم بما ورد عندنا (2).

رابعاً: لقد طعنوا في حديث الغدير المتواتر لعدم وروده عند البخاري ومسلم والواقدي وابن إسحاق - كما مرّ - فكيف هنا تمسّكوا بهذه الرواية الشاذّة التي لم ترد لا في الصحاح ولا في السنن ولا المسانيد المعتمدة عندهم؟!

9 - مقولة العباس بن عبد المطلب:

قال القاضي عبد الجبار (ت415): «إنّ الصحابة سألوا علياً في مرض رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فقالوا: كيف أصبح رسول الله يا أبا الحسن؟ فقال: أصبح رسول الله بحمد الله بارئاً، فقال له العباس: أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم كما أعرفه في وجوه بني عبد مناف، وأنّي لأرى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم سيتوفى في وجهه هذا، فانطلق بنا إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم

ص: 229


1- قاموس: الرجال: 6:316 رقم 4263.
2- عبقات الأنوار، حديث الغدير 10:454.

نسائله فإن كان هذا الأمر فينا علمنا، وإن كان في غيرنا أمرناه فوصّى الناس بنا، فقال له علي: ما كنت لأسألها رسول الله، فإنّا إن سألناه فقال ليست فيكم منعناها الناس وقالوا: رسول الله قال ليست فيكم، والله لا سألتها أبداً.

فانظر كم في هذا من بيان على صحّة ما قلنا، فهذا العباس وهذا علي وهؤلاء الصحابة، فلو كان النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قد نصّ لما جاز أن يذهب علمه عنهم... فكيف لم يقل عليّ للعباس: يا عم أما تعلم أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قد نصّ علي وجعلني حجة على العالم.

ثم قال لتقوية سند هذه الرواية: إنّ هذا كالذي جرى في السقيفة والشورى لا يرتاب بذلك أهل العلم، والعجب أنّكم تقولون أن النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وتنكرون مثل هذا وهو أصح والعلم به أقوى...»

(1).

وفي نص آخر قال العباس لعلي علیه السّلام بعد وفاة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: اخرج حتى أبايعك على أعين

الناس فلا يختلف فيك اثنان، فأبى وقال: أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا ؟ (2).

فجعلوا هذا أيضاً دليلاً على عدم النص.

ونكتفي هنا في الإجابة على هذه الشبهة بما قاله الشيخ المفيد (ت413) فيما نقله عنه السيد المرتضى (ت 436)، حيث قال الشيخ: وما رأيت أوهن ولا أضعف من تعلّق المعتزلة ومتكلّمي المجبّرة بقول العباس بن عبد المطلب ; لأمير المؤمنين علیه السّلام بعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «امدد يدك يا ابن أخي اُبايعك فيقول الناس عمّ رسول الله بايع ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان» وقد ادّعوا أنّ في هذا دليلاً على أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لم ينص على أمير المؤمنين علیه السّلام.

وقولهم: إنّه لو كان نصّ عليه لم يدعه العباس إلى البيعة لأنّ المنصوص عليه لا يفتقر

ص: 230


1- تثبيت دلائل النبوة: 255- 256، ونحوه نهاية الأقدام للشهرستاني 494، الصواعق المحرقة للهيتمي 111: 1-112، والسيرة الحلبية 3:276.
2- أنساب الأشراف للبلاذري 1:583 رقم 1180، 1185، الأحكام السلطانية للماوردي: 7.

في إمامته وكمالها إلى البيعة، فلمّا دعاه العباس إلى عقد إمامته من حيث تنعقد الإمامة التي تكون بالاختيار دلّ على بطلان النص... يقال لهم: إن كان دعاء العباس أمير المؤمنين علیه السّلام إلى البيعة يدلّ على ما زعمتم من بطلان النص وثبوت الإمامة من جهة الاختيار، فيجب أن يكون دعاء النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم الأنصار إلى بيعته في ليلة العقبة، ودعاؤه المسلمين من المهاجرين والأنصار تحت شجرة الرضوان، دليلاً على أنّ نبوته صلّی الله علیه و آله و سلّم إنّما ثبتت له من جهة الاختيار، فإنّه لو كان ثابت الطاعة من قبل الله عزّ وجل وإرساله له وكان المعجز دليل نبوته، لاستغنى عن البيعة له تارة بعد أخرى، فإن قلتم ذلك خرجتم عن الملّة، وإن أثبتموه نقضتم العلّة عليكم.

فإن قالوا: إنّ بيعة الناس لرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لم تك لإثبات نبوته، وإنّما كانت للعهد في نصرته بعد معرفة حقّه وصدقه فيما أتى به عن الله عزّ وجلّ من رسالته. قيل لهم: أحسنتم في هذا القول، وكذلك كان دعاء العباس أمير المؤمنين علیه السّلام إلى بسط اليد إلى البيعة، فإنّما كان بعد ثبوت إمامته بتجديد العهد في نصرته والحرب المخالفيه وأهل مضادته، ولم يحتج علیه السّلام إليها في إثبات إمامته.

ويدلّ على ما ذكرناه قول العباس: «يقول الناس عمّ رسول الله بايع ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان» فعلّق الاتفاق بوقوع البيعة ولم يكن لتعلّقه بها إلاّ وهي بيعة الحرب التي يرهب عندها الأعداء ويحذرون من الخلاف، ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشورى والاجتهاد لما منع ذلك من الاختلاف، بل كانت نفسها الطريق إلى تشتّت الرأي وتعلّق كلّ

قبيل باجتهاده واختياره.

أو لا ترى إلى جواب أمير المؤمنين علیه السّلام بقوله: «يا عم إنّ لي برسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أعظم شغل

عن ذلك»، ولو كانت بيعته عقد الإمامة لما شغله عنها شاغل، ولما كانت قاطعة له عن مراده في القيام برسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، أو لا ترى أنّه لما ألحّ عليه العباس في هذا الباب قال: «يا عم، إنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أوصى إليّ وأوصاني أن لا أجرّد سيفاً بعده حتى يأتيني الناس طوعاً،

ص: 231

وأمرني بجمع القرآن والصمت حتى يجصلّی الله علیه و آله و سلّم عزّ وجلّ لي مخرجاً» فدلّ ذلك أيضاً على أنّ البيعة إنّما دعا إليها للنصرة ،والحرب، وأنّه لا تعلّق لثبوت الإمامة بها، وأنّ الاختيار ليس منها في قبيل ولا دبير على ما وصفناه.

ووجه آخر: وهو أنّ القوم لما أنكروا النص، وأظهروا أنّ الإمامة تثبت لهم من طريق الاختيار، أراد العباس أن يكيدهم من حيث ذهبوا إليه، ويبطل أمرهم بنفس ما جعلوه طريقاً لهم إلى الظلم وجحد النص، فقال لأمير المؤمنين علیه السّلام: «ابسط يدك اُبايعك فإن سلّموا الحقّ لأهله لم تضرك البيعة وإن ادّعوا الشورى والاختيار وأنكروا حقك كان لك من البيعة والاختيار والعقد مثل ما لهم فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك» فأبى أمير المؤمنين علیه السّلام ذلك، وكره أن يتوصّل إلى حقّه بباطل لا يوصل إليه وبرهان أمره يقهر القلوب بظهور النص عليه.

ولأنّه كره أن يبسط يده للبيعة فيلزمه بعد ذلك تجريد السيف على دافعيه الأمر، فلا يستقيم له مع الاختيار وعقد القوم له أن يلزم التقية، وقد تقدّمت الوصية له من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بالكفّ عن الحرب مخافة بطلان الدين ودرس الإسلام، وقد بيّن ذلك في مقاله علیه السّلام حيث يقول: «أما والله لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم» فعدل عن

قبول البيعة لما ذكرناه.

فإن قال بعضهم في هذا الجواب: قد وصل إلى حقّه كما زعمتم بعد عثمان بالاختيار ودخل في الشورى، فكيف استجاز التوسّل إلى الحقّ بالباطل على ما فهمناه عنكم من الجواب؟ قيل له: يقول القوم إنّما ساغ له ذلك في الشورى وبعد عثمان الخفاء النص عليه في تلك الأحوال، واندراس أمره بمرور الزمان على دفعه عن حقّه، فلم يجد إذ ذاك من ظهور

فرض طاعته ما كان عند وفاة رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فاضطرّ إلى التوصّل إلى حقّه من حيث جعلوه طريقاً إلى التأمير على الناس.

على أنّ القوم جمعوا بين علّتين إحداهما ما ذكرناه، والأخرى ما أردفناه المذكور من

ص: 232

وجوب الجهاد عليه بعد قبول البيعة، ولم يكن في الأوّل يجوز له ذلك للوصيّة المتقدّمة من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في الكفّ عن السيف، ولما رآه في ذلك من الاستصلاح، وكانت الحال بعد عمر وبعد عثمان على خلاف ما ذكرناه، وهذا يبطل ما تعلّقتم به.

ووجه آخر وهو المعتمد عندي في هذا الجواب عن هذا السؤال، والمعوّل عليه دون ما سواه، وهو أنّ أمير المؤمنين علیه السّلام لم يتوصّل إلى حقّه في حال من الأحوال بما يوصل إليه من اختيار الناس له على ما ظنّه الخصوم.

وذلك أنّه علیه السّلام احتجّ في يوم الشورى بنصوص رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم الموجبة له فرض الطاعة

كقوله: «أفيكم أحد قال له رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من كنت مولاه فعلي مولاه غيري؟ أفيكم أحد قال له رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي غيري؟» وأشباه هذا من الكلام الموجب لإمامة صاحبه بدليله المغني له عن اختيار العباد.

ولما قتل عثمان لم يدع أحداً إلى اختياره لكنّه دعاهم إلى بيعته على النصرة له والإقرار بالطاعة، وليس في هذا من معنى الاختيار الذي يذهب إليه المخالفون شيء على كل حال، والجواب الأوّل لي خاصّة، والثاني لأصحابنا وقد نصرته بموجز من الكلام.

وقد سأل المخالفون في شيء يتعلّق بهذا الفصل عن سؤال وهو أن قالوا: إذا زعمتم أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم قد نصّ على أمير المؤمنين علیه السّلام بالإمامة وبيّن عن فرض طاعته ودعا الأمة إلى اتّباعه، فما معنى قول العباس بن عبد الطلب رحمة الله عليه لأمير المؤمنين علیه السّلام في مرض رسول الله صلى الله عليه و آله: «يا ابن أخ ادخل معي إلى النبي فأسأله عن الأمر من بعده هل هو فينا فتطمئنّ قلوبنا أم هو في غيرنا فيوصيه بنا» فدخلا عليه فسأله العباس عن ذلك فلم يجبه هل هو فيهم أو في غيرهم فقال لهم: «على رسلكم معشر بني هاشم أنتم المظلومون

وأنتم المقهورون».

فيقال لهم: أخطأتم الغرض في معنى هذا المقال، وضللتم عن المراد منه، وذلك أنّ العباس : إنّما سأل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عن كون الأمر فيهم بعده على الوجوب وتسليم الأمّة لهم،

ص: 233

وهل المعلوم عند الله عزّ وجلّ تمكينهم منه وعدم الحيلولة بينهم وبينه، فتطمئنّ لذلك نفسه ويسكن إلى وصوله إلى غرضه وعدم المنازع وتمكينهم من الأمر، أو يغلبون عليه ويحال بينهم وبينه فسأل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يوصي بهم في الإكرام والإعظام ولم يك في شك من الاستحقاق والاختصاص بالحكم.

ألا ترى إلى جواب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بأنّكم المقهورون وأنتم المضطهدون، فجميع هذه الألفاظ جاءت بها الرواية، ولولا أنّ سؤال العباس إنّما كان عن حصول المراد من التمكين من المستحق ونفوذ الأمر والنهي، لم يكن لجواب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بما ذكرناه معنى يعقل، وكان جواباً عن غير السؤال، ورسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يجلّ عن صفات النقص كلّها لانتظامه صفات الكمال.

ونظير ما ذكرناه قول الرجل لأبيه وهو يعلم أنّه وارثه دون الناس كافة: «أترى أنّ تركتك تكون لي بعد الوفاة أم تحصل لغيري، وهل ما أهّلتني له ينفرد لي أم يغلبني عليه إخوتي أو بنو عمي» فيقول له الوالد إذا لم يعلم الحال ما يغلب في ظنّه من ذلك أو يجيبه بالرجاء، وليس سؤال الولد لوالده أن يجيبه عن الاستحقاق. وأمثال هذا يكثر، وفي الجواب عنه كفاية وغنى عن الأمثال وبالله نستعين» (1).

وقد أضاف أبو الصلاح الحلبي (ت447) بعدما ضعّف الرواية واستقرب كذبها، قائلاً: «على أنّه لو كان ثابتاً (أي رواية العباس) لكان الوجه في سؤاله لعلي علیه السّلام استعلام النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عن الأمر، وهل يصير إلى المستحق له بالنص أم يُدفع عنه؟ فامتنع علیه السّلام من ذلك لعلمه بإعلام النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم له بخروج الأمر عنه إلى القوم المخالفين لما أمر به رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من خلافته عليهم، لئلاّ يخبر به النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ظاهراً فيظنّ من لا بصيرة له أنّ ذلك نص فتحصل شبهة، فلذلك ما عدل عن إجابة العباس إلى ما سأل، وليس في امتناعه عليه ولا قول العباس له، دلالة على عدم النصّ لما بيّناه من ثبوته، واحتمال قول العباس لما يوافق الثابت بالأدلّة.

وأمّا امتناعه من بيعة العباس وأبي سفيان، فلأنه علیه السّلام رأى بشاهد الحال فساداً في بيعتهم، إمّا لأنّه علیه السّلام لو بايع للزمه القيام بما لا ناصر له عليه، أو لخوف ضرر ممّن تمّ له

ص: 234


1- الفصول المختارة، للمرتضى: 249-253.

السلطان بمظاهرته بالمناقشة له في سلطانه ببيعة ذين الرجلين المعظّمين في قومهما، ألا ترى لجاجهم في بيعته خوفاً منه، وإلجائه إليها مع إظهار الإمساك ولزوم بيته، فكيف به لو علم كونه مبايعاً لنفسه، فلذلك ما عدل عن بيعتهما»

(1).

وقريب منه ما ذهب إليه المحقق الحلي (ت 676) حيث قال: «قوله: لو كان عالماً بالنصّ لما قال: امدد يدك ابايعك. قلنا: لما جحد كثير من ذوي الحظوظ في الدنيا النصّ عليه بالإمامة، وتابعهم كثير من العامة، توصّل العباس إلى علي علیه السّلام بما يوهم أنّه يكون حجّة على العامة القائلين بذلك، وهذا غير مستنكر فإنّك ترى العالم في حال الجدل يستدلّ على مناظره بالمسلّمات عند خصمه، وإن لم تكن بالمسلّمات عنده، إيجاباً للحجّة بما يكفيه مؤونة الاستدلال عليه، فما المانع أن يكون الأمر كذلك ؟!» (2).

وأخيراً استشهاد القاضي عبد الجبار (ت 415) بمقولة العباس: «إن كان هذا الأمر فينا علمنا، وإن كان في غيرنا أمرناه فوصّى الناس بنا» على عدم وجود النص، يهدم جميع ما بناه سابقاً في المغني في معنى حديث الغدير من أنّه يدلّ على أنّ ظاهر عليّ كباطنه، ووجوب موالاته ظاهراً وباطناً، وأنّ هذه المرتبة أعلى منزلةً من الإمامة، وكذا ما نسجه غيره من الترهات، إذ كان ينبغي لعليّ علیه السّلام - لو صحّت مقولة العباس - أن يذكّر عمّه بحديث الغدير، وأنّ الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم أمر الاُمّة بمحبته ونصرته وموالاته ظاهراً وباطناً قبل أيّام في غدير خم، فكما أنّ عدم استشهاده بنص الغدير أمام عمّه العباس لإثبات هذا المعنى لا يدلّ على عدم دلالة حديث الغدير عليه، كذلك عدم استشهاده بنصّ الغدير أمام عمّه العباس في الدلالة على الإمامة، لا يكون دليلاً على عدم النصّ.

وبعبارة أُخرى: لما قال العباس: «فوصّى الناس بنا» لماذا لم يقل له علي علیه السّلام: (لقد أوصى بنا في حديث الغدير وأوجب نصرتنا ومحبتنا ظاهراً وباطناً وعلى كلّ حال) فعدم استشهاده لا يدلّ على عدم دلالية نصّ الغدير، إذ إنّ ذلك تابع لظروف هو أعلم بها منّا، وإلاّ فقد

ص: 235


1- تقريب المعارف: 225، ونحوه باختصار الاقتصاد للطوسي: 214.
2- المسلك في أصول الدين: 240.

استشهد علیه السّلام بذلك يوم الشورى وفي الرحبة، ليس ذلك إلا للظروف الزمكانية التي هو أعرف بها منّا كما قلنا.

10 - عدم احتجاج علي علیه السّلام بالنص:

ومن شبهات القوم أنّ حديث الغدير لو كان نصّاً على الإمامة والاستخلاف، لاستشهد به أمير المؤمنين علیه السّلام آنذاك، فعدمه دليل على عدمه، هذه خلاصة الشبهة أوردوها بالتفصيل والإجمال في معظم كتبهم الكلاميّة (1).

نقول في الجواب:

ذكر السيد المرتضى (ت436) عدّة أجوبة عن هذه الشبهة، حيث قال: «إنّ المانع لأمير المؤمنين علیه السّلام المنازعة في الأمر لمن استبد به عليه ووعظه وتصريحه بالظلامة منه، يمكن أن يكون وجوهاً: أوّلها أنّ رسول الله صلّی الله علهی و آله أعلمه أنّ الأمة ستغدر به بعده، وتحول بينه وبين حقّه، وأمره بالصبر والاحتساب والكفّ والموادعة، لما أعلمه من المصلحة الدينية في ذلك، ففعل علیه السّلام من الكفّ والامساك ما أمر به. ثانيهما: إنّه علیه السّلام أشغف من ارتداد القوم وإظهار خروجهم من الإسلام لفرط الحمية والعصبية. ثالثها: إنّه خاف على نفسه وأهله وشيعته» (2).

وذهب أبو الصلاح الحلبي (ت447) إلى جواب آخر حيث قال بعد ما سرد شبهات القوم في ترك النكير وإظهار التسليم والمبايعة والصلاة خلفهم والنكاح من سبيهم: «هذه الاُمور أجمع غير قادحة في شيء من أدلّة النصّ، ومع ذلك فهي ساقطة على أصول المسؤول عنها والسائل، ولا شبهة في سقوط ما هذه حاله من الشبه وسقوط فرض الإجابة عنه...

أمّا

ص: 236


1- انظر على سبيل المثال: المغني للقاضي عبد الجبار، كتاب الإمامة 1:152، منهاج السنة لابن تيمية 47: 8-51، الصواعق المحرقة للهيتمي 1:111، السيرة الحلبية 3:275، رسالة في الرد على الرافضة للمقدسي: 7، نظرية الإمامة لأحمد صبحي: 223، الإمامة والنص لفيصل نور: 621-635، الإيضاح في أصول الدين لمحمد الطبري: 423، وغيرها.
2- مسائل المرتضى: 271.

سقوط هذه الاعتراضات على أصولنا، فما بيّناه من كون النص بالإمامة كاشفاً عن عصمة المنصوص عليه، ولا شبهة في سلامة أفعال المعصوم من القدح، والحكم لجميعها بالحسن وبُعد معترضها عن الصواب. وأمّا سقوطها على أصولهم، فلأنّهم قد أجمعوا أنّ علياً علیه السّلام من رؤساء المجتهدين، وممّن لا يعترض اجتهاده باجتهاد واحد سواه، ومن كانت هذه حاله فغير ملوم في شيء من اجتهاداته عند أحد منهم، ولا مأزور عند الله تعالى، فكيف يوسع لمن هذه اُصوله واعتقاداته في علي علیه السّلام أن يقدح في عدالته بما اجتهد فيه - مع قولهم بصواب كلّ مجتهد وإن بلغ غاية في التقصير - لولا قلّة الإنصاف... على أنّ هذه الأفعال إذا كانت حسنة عند الجميع، فلا منافاة بينها وبين النصّ الكاشف عندنا عن عصمة المنصوص عليه، وعن علوّ رتبته في الاجتهاد عندهم، وليس بموجب عليه عندنا ولا عندهم تقلّد الأمر على كل حال، وإنّما يتعيّن هذا الفرض بشرط التمكُّن المرتفع بالاضطرار إلى سقوطه وما تبعه من الاُمور المذكورة وغيرها، فكيف ظنّ مخالفونا في الإمامة منافاة النصّ لما ذكروه من الاُمور لولا بُعدهم عن الصواب».

ثم قال: «أمّا ترك النكير، ففرضه متعيّن بمجموع شروط يجب على مدّعي تكاملها في علي علیه السّلام إقامة البرهان بذلك وهيهات، إنّ الممكن فعله من النكير قد أدلى به، وهو التذكار والتخويف والتصريح باستحقاقه الأمر دونهم، وما زاد على ذلك من المحاربة موقوف على وجود الناصر المفقود في الحال بغير إشكال، وكيف يظنّ به علیه السّلام تمكّناً من حرب المتقدّمين على من رآه لا يستطيع الجلوس في بيته دونهم لولا قبيح العصبية وشديد العناد» (1).

وأضيف قائلاً: إنّ النكير على القوم ثابت في كتبنا ومصادرنا، من قبيل دعوته الأنصار لأربعين ليلة، واحتجاج الاثني عشر صحابياً على أبي بكر بإشارة علي علیه السّلام، وقوله علیه السّلام لأبي بكر: «اُنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي يوم الغدير أم أنت؟ قال:

ص: 237


1- تقريب المعارف: 220-222.

بل أنت» (1). وفي نص آخر: «وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن... وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع» (2).

أما عند أهل السنة فمن الواضح حذف هذه الاُمور في تدوين السيرة، سيّما لو لاحظنا الظروف التي مرّت بها عملية تدوين السيرة بعد أكثر من قرن من الزمن، حيث كانت المنافسات السياسية بين بني اُمية وبني الزبير وبني الحسن وبني العباس في ذروتها، زائداً سياسة فرّق تسد، والانشقاقات الكلاميّة المتعدّدة، وما صنعه معاوية لطمس الهوية

الإسلامية سيّما ما يتعلّق بأمير المؤمنين علیه السّلام وذويه، ففي هكذا ظروف تم تدوين السيرة، فمن الطبيعي أن تغيب الإشارة بالنص والنكير وكل ما يمتّ إلى إثبات أحقيّة الإمام علیه السّلام بصلة عن ذاكرة التاريخ، وإن كانت كامنة في النفوس تطفح وتظهر على فلتات اللسان بين الحين والآخر، وتُقيّد من قبل الرواة والمحدّثين من دون التفات إلى مغزاها ومحتواها، وإلاّ لذهبت كسائر ما ذهب.

فمن تلك الموارد الباقية ما هو في صحيح البخاري ومسلم من تأخّر علي علیه السّلام عن البيعة لستة أشهر، ومهاجرة الزهراء علیها السّلام للقوم، وأنّها ماتت وهي واجدة عليهم: «فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت. فلما توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر» (3).

وما قاله علي علیه السّلام للقوم - وإن خلطوه بموضوعات أخر -: «فاستبُدّ علينا فوجدنا في أنفسنا».(4) فانظر إلى كلمة (فاستُبدّ علينا) وما تحمل من معنى، تعرف أنّ وراء الأكمة ما وراءها. طبعاً كلّما ابتعدنا عن زمن الأزمة والفتنة الأولى، خفّت الوطئة وأثبت الرواة والمحدّثون لنا أموراً كثيرة صالحة للاستشهاد بها، كما هو الحال في أحاديث المناشدة في الشورى وفي الكوفة عند الرحبة، سيّما في فترة حكمه علیه السّلام حيث كان يُظهر أموراً تتعلّق

ص: 238


1- الخصال للصدوق: 550 ح 30، الاحتجاج للطبرسي 1:160.
2- إرشاد القلوب للديلمي 1:264.
3- صحيح البخاري 5:82 باب غزوة خيبر 8:3 كتاب الفرائض، صحیح مسلم 5:154.
4- م ن 5:83.

بالماضي تدلّ على تخطئة ما جرى، ومن تصفّح كتاب نهج البلاغة صدّق ما نقول.

وكشاهد على ذلك ما كتبه علیه السّلام في جواب معاوية، حيث كتب له هذا: «لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك واستغويت عصابة من الناس...» (1).

فكتب علیه السّلام في جوابه: «وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت وعلى كلّهم بغيت... وقلت إنّي كنت اُقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتى اُبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه...» (2).

أو ما قاله في الخطبة الشقشقية: «فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جدّاء، أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها المؤمن حتى يلقى ربه» (3).

كلمات عظيمة تستبطن معاني النص، والاستحقاق، والظلم الذي وقع عليه وعلى الاُمّة الإسلامية، وعدم وجود الناصر، وعدم الآذان الصاغية... ، فكيف يقال أنّ عدم نکیر علي علیه السّلام دليل على عدم النص؟! وهل تركوا له فرصة ليفصح عن الأمر، وهم الذين اتهموا نبيّهم قبيل ساعات بالهجر والهذيان؟!

11 - كتمان النص:

نعتقد أنّ النص على أمير المؤمنين علیه السّلام بالإمامة في حديث الغدير، كان نصّاً جلياً، كما ذهب إليه المحقق الطوسي (ت673) في تلخيص المحصّل، وقواعد العقائد: 412، 458، والإربلي (ت693) في كشف الغمة 1:62، وابن جبر (ق 7) في نهج الإيمان: 129. وحتى لو كان خفيّاً - على ما ذهب إليه بعض علمائنا - فهو لايضرّ بالمطلوب والاستدلال، إذ لا تلازم

ص: 239


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 15:186.
2- نهج البلاغة، الكتاب رقم: 28.
3- م ن، الخطبة رقم: 3.

بين نصيّة النص ودلالته على المقصود، وبين عدم دخول الشبهة، أو لزوم استعمال الاستدلال واستخدام المقدّمات المستعملة لفهم كلام الناس بعضهم بعضاً، كيف وقد وقع الخلاف في قوله تعالى : «لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ» مع كونه نصاً جلياً؟! وعلى فرض كونه خفي الدلالة إذ يحتاج إلى مقدّمات لإثبات المطلوب، لكن مع هذا لا ترد خدشة في معناه ودلالته ونصيَّته.

إذا عرفت هذا فهناك شبهة عرضت على أهل السنة وعسر عليهم هضمها، وخلفيّة هذه الشبهة ترجع إلى ما حيك حول الصحابة وقدسيّتهم، وعدم تطرّق أيّ خدش وثلم لقدسيّتهم وعلوّ مكانهم، وذلك أنّ النصّ لو كان موجوداً، فكيف قلب الصحابة له ظهر المجن؟!

وكلٌّ عبّر عن معتقده بألفاظ مختلفة، فالأشعري (ت324) قال: «إن جوّز كونه (أي النص الجلي) ثم كتمانه وخفاؤه على الوجه الذي يدّعون، لم يؤمن معه كتمان شيء من الشريعة» (1).

وقال الجويني (ت478): «إن ادعى الإمامية نصّاً جلياً على عليّ في مشهد من الصحابة ومحفل عظيم، فنعلم قطعاً بطلان هذه الدعوى، فإنّ مثل هذا الأمر العظيم لا ينكتم في مستقرّ العادة» (2).

وقال الغزالي (ت505): «وأمّا تقدير النصّ على غيره فهو نسبة للصحابة كلّهم إلى مخالفة رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، وخرق الإجماع، وذلك ممّا لا يستجرئ على اختراعه إلاّ الروافض، واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم» (3).

وقال الآمدي (ت631): «لا جائز أن يكون قطعياً، إذ العادة تُحيل الاتفاق من الأمّة على تركه» (4).

ص: 240


1- مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري لابن فورك: 188.
2- الارشاد: 354.
3- قواعد العقائد: 226- 227.
4- غاية المرام في علم الكلام: 319.

قال التفتازاني (ت793): «إنّه لو كان مسوقاً لثبوت الإمامة دالاًّ عليه، لما خفي على عظماء الصحابة، فلم يتركوا الاستدلال به، ولم يتوقّفوا في أمر الإمامة، والقول بأنّ القوم تركوا الانقياد عناداً، وعلي ترك الاحتجاج تقية، آية الغواية وهو غاية الوقاحة» (1).

نقول في الجواب:

أوّلاً: لا يمكننا أن نفرض إقداماً معيناً على شريحة المجتمع، وأن نتوقّع منه اتخاذ موقف مشخص أمام أيّ حدث من الحوادث الواقعة، وذلك أنّ اتخاذ الموقف من قبل المجتمع وشريحة الناس، يمرّ عبر آليات وعوامل وأسباب مختلفة ومتنوّعة ومتعدّدة: نفسيّة واجتماعية وسياسيّة واقتصادية، زائداً الخلفيّات الفكريّة والمعرفيّة والثقافية لذلك المجتمع.

إذاً لا يمكن فهم طبيعة ما جرى آنذاك بعد وفاة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وقبيل السقيفة وبعدها; بمعزل عن هذه الظروف والملابسات، وبإمكاننا سرد قائمة منها من قبيل: استخدام المفاجأة والبغتة في إنهاء الأمر (حتى قال عنها صانع القرار السياسي عمر: إنّها كانت فلتة) ، اندهاش المسلمين بموت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وانشغالهم بتجهيزه، تخطيط المنافقين وقد بدأ قبل وفاة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من محاولة اغتياله، كراهية البعض لعليّ علیه السّلام، الخلفيّات القبليّة لفهم مسألة الخلافة وأنّها ملك دنيوي، مضافاً إلى أنّ كثيراً منهم كان حديث عهد بالإسلام، والبعض منهم لم ير النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ولم يدخل في زمرة الصحبة إلاّ في حجة الوداع.

فلو تدبّرنا هذه العوامل علمنا أنّه ليس من الصعب أو المستحيل ترك بعض الصحابة بعض الأوامر التي لا تروقهم وتتقاطع مع مصالحهم، كما يقف عليها المتتبع لسيرتهم، من قبيل الاعتراض عليه في صلح الحديبية، الفرار من المعركة، وترك المضيق في اُحد وانكسار المسلمين، التخلّف عن جيش أسامة، حادثة الدواة والكتف وعدم إحضارهما ليكتب ما يعصم الاُمّة من الضلال، اتهامه بالهجر وغلبة الوجع، تحريم المتعتين، بدعة صلاة التراويح، اغتصاب فدك، وغيرها.

ص: 241


1- شرح المقاصد 5:274.

وهناك نصّ خطير في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب - صانع القرار السياسي - حيث يقول: «إنّه قد كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة» ثم يسرد الحكاية وذهابهما إلى السقيفة، وفي الطريق رأيا رجلين من الأنصار «فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: .... لا عليكم لا تقربوهم اقضوا أمركم» (1).

فانظر بدقّة وتمعّن في: «خالفونا واجتمعوا في السقيفة» و «تمالأ عليه «القوم» و «أقضوا أمركم» فما تجد لها من معنى؟ أليس تدلّ على اتفاق مسبق بين بعض الأنصار وبعض المهاجرين بشأن الخلافة قبل وفاة الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، فخالف بعض الأنصار ذلك الاتفاق وتمالؤوا على المهاجرين، وهنا انفصل اثنان من الأنصار، وربما أحسّا بالغبن وخرجا من هناك ونصحا أبا بكر وعمر بنقض الاتفاق المسبق وقالا لهما : «لا تقربوهم اقضوا أمركم».

ومن هنا يقول أمير المؤمنين علیه السّلام «فاستبُدّ علينا فوجدنا في أنفسنا» (2). حيث أنّ الخلافة استُلبت وأخذت استبداداً (3).

علماً بأنّ نص الغدير المتواتر، قد غاب عن ساحة الحوار والاحتجاج، نتيجة تلك الظروف والملابسات، لعدّة عقود - منذ صدوره في حجة الوداع إلى حين المناشدة به في الشورى والرحبة -، سواء بالمعنى الذي نقصده أو الذي ذهب إليه أهل السنة، رغم الحاجة إليه إبّان الأزمة السياسيّة، حتى أنّ أميرالمؤمنين علیه السّلام لما جاء إلى البيعة بعد ستة أشهر أو أكثر، قال: «كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا» (4). ولم يفصح علیه السّلام عن خلفيّة هذا المعتقد وهذه الرؤية، ومن المعلوم أنّها تعتمد على النصوص المسبقة سيما آخرها وهو نصّ الغدير، ولكن مع هذا لم يذكره علیه السّلام للظروف الصعبة التي أحدقت بالعالم الإسلامي آنذاك كما قال علیه السّلام: «حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام،

ص: 242


1- صحيح البخاري 8:27.
2- م.ن.
3- قال ابن الأثير في النهاية 1:106 «استبد بالأمر يستبد به استبداداً: إذا تفرّد به دون غيره».
4- صحيح البخاري 583، صحیح مسلم 5:155.

يدعون إلى محق دين محمد علیه السّلام، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم...» (1).

هذه الفجوة الحاصلة لغياب نصّ الغدير منذ صدوره وحتى الاستشهاد به في الشورى أو الرحبة جرّاء الظروف والملابسات الزمانية والمكانية، أدّت إلى فتح باب الشكّ والشبهة، وإلاّ فالنصّ موجود ومتواتر غاية ما هنالك كتمه قسم منهم للمصالح الشخصية، والقسم الآخر للمصالح الدينيّة وحفظاً للوحدة وعدم انهيار الأمّة الإسلاميّة الفتيّة، وقسم ثالث كان تبعاً لرؤسائه وشيوخ عشائره بحسب النظام القبلي السائد آنذاك وهم الأعمّ الأغلب، وقسم رابع وهم الأكثر والذين كانوا خارج ساحة الحدث أي خارج المدينة، لم تصل إليهم الأخبار إلاّ بعد استتباب الأمر وانقضائه، وبعد محاصرة بني هاشم وانعزالهم، فما عساهم أن يقولوا، وهم يرون أنّ أعزّ الناس على الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم بهذه الحالة، ورأوا ما آل إليه أمر مالك بن نويرة رضي الله عنه، وربما تصوّر البعض، ممّن بَعُدَ عن ساحة الحدث، حصول تغيير أو نسخ حضره القوم وغاب هو عنه، فلذا سكت أو كتم.

ثانياً: قد كتم بعض الصحابة نصّ الغدير لما استشهدهم أمير المؤمنين علیه السّلام لذلك، فكتموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته أمثال أنس وزيد، فعن زيد قال في حديث المناشدة: «فكنت فيمن كتم فذهب بصري» وكان عليّ دعا على من كتم (2)، وقال صلّی الله علیه و آله و سلّم في حق أنس لما قال له: كبرت ونسيت، فقال: «اللهم إن كان كاذباً فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة» (3). وفي لفظ أحمد: «فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته» (4).

ولذا قال ابن أبي الحديد (ت656): «ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن علي علیه السّلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم

ص: 243


1- نهج البلاغة الكتاب: 62.
2- المعجم الكبير للطبراني 5:171 ، 175.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 4:73 في المنحرفين عن علي علیه السّلام.
4- مسند أحمد 1:119.

مناقبه وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة» (1).

هذا والأمر بعيد، وعلي علیه السّلام هو الإمام والحاكم، فكتم هؤلاء الصحابة، فكيف الحال إبّان وفاة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم والفوضى السياسية، والفلتة التي صنعها صاحب القرار السياسي، ورأس المؤامرة؟ أليس كان الكتمان آنذاك سائغاً وطبيعياً؟!

ثالثاً: نقول من باب الإلزام «إن كان الأنصار عالمين بحديث الأئمة من قريش، فما كانوا عادلين لمخالفتهم قول الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم عامدين وقولهم: منّا أمير ومنكم أمير، وإن كانوا ناسين فلم لا يجوز أنّهم نسوا النصّ في عليّ علیه السّلام، ولو كان عليّ حاضراً لذكّرهم كما ذكّرهم أبو بكر بالحديث فسلّموا، ولكن عليّ علیه السّلام كان مشغولاً بأمر النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم» (2).

رابعاً: نحن لا ننسب كتمان النص إلى جميع الصحابة، بل بعضهم كان من المعترضين، وممن تجمّعوا في دار أمير المؤمنين صلّی الله علیه و آله و سلّم احتجاجاً واعتراضاً، وهناك من تاب بعد ذلك ورجع إلى الإمام وكان من ناصريه في خلافته ومن المستشهدين بين يديه، حيث تداركوا تلك المعصية بالتوبة وبذلوا النفس والنفيس لتدارك تلك الزلّة.

خامساً: نقول للأشعري حيث زعم أنّه لو جاز ذلك لجاز كتمان شيء من الشريعة، إنّ الكتمان يكون بحسب الظروف والمصالح، ولا مصلحة تتعلّق بكتمان شيء من الشريعة، بخلاف مسألة الزعامة والإمارة التي باتت مثاراً للجدل والحروب بين الأعراب أيام الجاهلية، وحتى بعد الإسلام بقيت كامنة في نفوس بعضهم، وإلاّ فقد حكموا بتحريم المتعة التي دلّ عليها وعلى حليّتها صريح القرآن والسنة ولم تنسخ بصريح روايات التي تنسب التحريم إلى عمر، وكذا الحال بالنسبة إلى البدعة الحسنة التي ابتدعها الخليفة بالنسبة إلى صلاة التراويح، فهل يا ترى كان هناك معترض ؟!

12 - عدم استخدامَ البيان الواضح:

ص: 244


1- شرح النهج 4:73.
2- التوضيح الأنوار للحبلرودي: 162.

من الشبهات التي طرحها أكثر علماء أهل السنة، أنّ حديث الغدير لو كان نصّاً على الإمامة، كان يلزم على الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يذكره بالبيان الواضح الذي لا يقبل الشك والتأويل، قال الجاحظ (ت 255): «فلابد من حديث لا يُحتمل التأويل، ولا يمنع من معرفة صحّة أصله ومخرجه» (1).

وقال الفخر الرازي (ت606): «فلو كان غرضه تقرير كونه إماماً، لذكره بلفظ صريح معلوم يعرفه كل أحد، ولما لم يذكر ذلك اللفظ الصريح، علمنا أنّه ليس الغرض من هذا الخبر ذكر أمر الإمامة» (2).

وقال ابن تيمية (ت728): «ليس في اللفظ ما يدلّ عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلّغ بلاغاً مبيناً» (3).

نقول في الجواب:

أوّلاً: قال الباقلاني (ت403) بعد ما فسّر حديث الغدير بمعنى الموالاة ظاهراً وباطناً: «فإن قالوا: فإذا كان هذا الذي أراده فلم لم يقل: عليّ مؤمن الظاهر والباطن، نقيّ السريرة وخاتم لعمله بالبر والطاعة فيزيل الاشكال؟ قيل لهم: ليس لنا الاعتراض على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في تخيّر الألفاظ، ولعلّه أوحى إليه أنّ إذاعة هذا الكلام وجمع الناس له، وتقديم التقرير لوجوب طاعته، لطف لعليّ علیه السّلام، وأنّه أجمع للقلوب على محبته وموالاته، فلا سؤال علينا في ذلك» (4).

ونحن أيضاً نقول لأهل السنة: ليس لكم الاعتراض على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في تخيّر الألفاظ، ولعلّه أوحي إليه أنّ إذاعة هذا الكلام مع علمه بتشتت القلوب وغدر الاُمّة، أجمع للشمل وأسلم

ص: 245


1- العثمانية: 149.
2- الأربعين : 300.
3- منهاج السنة 7:321، وانظر: الشيعة الاثني عشرية للعسّال: 424، نظرية الإمامة لأحمد صبحي: 223، الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات للأعظمي: 567، تبديد الظلام للجبهان: 176، وغيرها.
4- تمهيد الأوائل: 457، وتبعه النسفى في تبصرة الأدلة: 856.

للاُمّة، ولطف لهم كي لا يقعوا في إنكار الضروري والمخالفة الصريحة، فلا سؤال علينا في ذلك.

ثانياً: لا يُشترط في نصّيّة النص عدم تطرّق الاحتمالات إليه وإلا لم يبق لنا نصّ صريح، قال الغزالي (ت 505): «ولو شُرط في النصّ انحسام الاحتمالات البعيدة كما قال بعض أصحابنا، فلا يُتصوّر لفظ صريح» (1).

وعلى سبيل المثال انظر إلى حديث الاثني عشر خليفة الصحيح الثابت الصريح، وما حصل فيه من تأويلات وتفسيرات عند أهل السنة، حتى عجز بعضهم عن فهم معناه وقال: «ولم أعلم للحديث معنى ولعلّه بعض الحديث»(2) وقال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث، يعني بشيء معين... وقال ابن الجوزي في كشف المشكل، قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث، وتطلّبت مظانّه، وسألت عنه، فلم أقع على المقصود به لأنّ ألفاظه مختلفة...» (3).

ثالثاً: قال الشيخ الصدوق (ت 381) في مقام الردّ على هذه الشبهة: «لو لزم أن يكون الخبر باطلاً، أو لم يرد به النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم المعنى الذي هو الاستخلاف وإيجاب فرض الطاعة لعلي علیه السّلام لأنّه يحتمل التأويل، أو لأنّ غيره أبين وأفصح عن المعنى، للزمك إن كنت معتزلياً أنّ الله عز وجل لم يرد بقوله في كتابه: «لاَّ تُدْرِكْهُ الأَبْصَارُ» أي لا يُرى، لأنّ قولك (لا يُرى) يحتمل التأويل، وأنّ الله عز وجل لم يرد بقوله في كتابه: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ» أَنَّهُ خلق الأجسام التي تعمل فيها العباد دون أفعالهم، فإنّه لو أراد ذلك لأوضحه بأن يقول قولاً لا يقع فيه التأويل، وأن يكون الله عزّوجلّ لم يرد بقوله: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ» أَنّ كلّ قاتل للمؤمن ففي جهنّم، كانت معه أعمال صالحة أم لا; لأنه لم يبيّن ذلك بقول لا يحتمل التأويل. وإن كنت أشعرياً لزمك ما لزم المعتزلة بما ذكرناه كلّه; لأنّه لم يبيّن ذلك بلفظ يفصح عن معناه الذي هو عندك بالحق، وإن كان من أصحاب الحديث قيل له: يلزمك أن لا يكون قال النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «إنّكم ترون ربكم كما ترون القمر في

ص: 246


1- المنخول: 243.
2- عارضة الأحوذي لابن العربي الاشبيلي 9:69 عنه عبقات الأنوار، حدیث الغدير 19:427.
3- فتح الباري لابن حجر 13:182-183.

ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» لأنّه قال قولاً يحتمل التأويل ولم يفصح به، وهو لا يقول ترونه بعيونكم لا بقلوبكم، ولمّا كان هذا الخبر يحتمل التأويل ولم يكن مفصحاً; علمنا أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يعن به الرؤية التي ادعيتموها. وهذا اختلاط شديد، لأنّ أكثر الكلام في القرآن وأخبار النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بلسان عربي، ومخاطبة لقوم فصحاء على أحوال تدلّ على مراد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، وربما وكّل علم المعنى إلى العقول أن يتأمّل الكلام، ولا أعلم عبارة عن معنى فرض الطاعة أوكد من قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» ثم قوله: «فمن كنت مولاه فعليّ مولاه» لأنّه كلام مرتب على إقرار المسلمين للنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يعني الطاعة وأنّه أولى بهم من أنفسهم ثم قال: «فمن كنت أولى به من نفسه، فعلي أولى به من نفسه، لأنّ معنى «فمن كنت مولاه» هو فمن كنت أولى به من نفسه، لأنّها عبارة عن ذلك بعينه...» (1).

وأضاف السيد المرتضى (ت436): «إنّ الألفاظ إذا دلّت على معنى واحد، فإنّ المتكلّم مخيّر بينهما، ولا لفظ إلاّ وقد يجوز أن تقع الشبهة فيه للمتأمّل وأن لا يوفي النظر حقّه. ألا ترى أنّه علیه السّلام لو قال فيه: «أنت الإمام من بعدي والخليفة على أمّتي» وذلك أصرح الألفاظ، جاز أن تدخل شبهة على مبطل فيقول: إنّه علیه السّلام إنّما أراد بلفظة (بعدي) بعد عثمان، أو يقول: أنت الخليفة إن اختارتك الأمّة واجتمعت عليك» (2).

وهذا ما حصل بالفعل، فقد علّق ابن حجر الهيتمي (ت973) في الصواعق على جملة: «وهو ولي كل مؤمن بعدي» الواردة في حديث شكوى بريدة من علي علیه السّلام قائلاً: «في سندها الأجلح وهو وإن وثّقه ابن معين لكن ضعّفه غيره، على أنّه شيعي، وعلى تقدير الصحّة فيُحتمل أنّه رواه بالمعنى بحسب عقيدته، وعلى فرض أنّه رواه بلفظه، فيتعيّن تأويله على ولاية خاصّة نظير قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: (أقضاكم عليّ) على أنّه وإن لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقيّة ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيتها لأبي بكر وبُطلانها لعلي، لأنّ مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظنّي، ولا تعارض بين ظنّي وقطعي بل يُعمل

ص: 247


1- معاني الأخبار: 72-73.
2- رسائل الشريف المرتضى 3:252.

بالقطعي ويُلغى الظنّي، على أنّ الظني لا عبرة به فيها عند الشيعة» (1).

فانظر إلى هذه التأويلات لأجل صرف معنى الحديث الصريح الدال على إمامة علي علیه السّلام، وصدّق أنّ العمى ليس له دواء: «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ» (2).

رابعاً: قال السيد المرتضى أيضاً: «هذا القول الفاسد يقتضي أنّ كلّ كافر بالله تعالى وجاهل بصفاته وعدله وحكمته، وشاكّ في نبوة أنبيائه وكتبه معذور غير ملوم، ويكون اللوم عائداً على من نصب هذه الأدلّة المشتبهة التي تجوز أن تقع الشبهة في مدلولها، وهذه الطريقة الفاسدة تقتضي أن تكون المعارف كلّها ضروريّة...» (3).

خامساً: إنّ الصحابة فهموا مراد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم صريحاً ، فهذا حسان أنشد بعد واقعة الغدير قوله:

فقال له قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهادياً (4)

ففهم حسان معنى الإمامة، وأقرّه النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم على ذلك، بل دعا له بالتأييد والسداد ما دام باقياً على هذا المنهاج.

13 - عدم وجود علي علیه السّلام آنذاك:

من الشبهات الضعيفة التي طرحوها، أنّ علياً علیه السّلام لم يكن آنذاك مع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في غدير

خم، بل كان في اليمن، قال الفخر الرازي (ت 606): «إنّ الشيعة يزعمون أنّه علیه السّلام إنّما قال هذا الكلام بغدير خم في منصرفه من الحج، ولم يكن عليّ مع النبي علیه السّلام في ذلك الوقت، فإنّه كان باليمن» (5).

ص: 248


1- الصواعق المحرقة 109: 1- 110.
2- الأعراف : 179.
3- مسائل المرتضى: 260- 261.
4- انظر: المناقب للخوارزمي: 136 ح 152، نظم درر السمطين للزرندي: 113، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 33، كفاية الطالب للكنجي: 64، فرائد السمطين للحموئي 1:73 ح39، وغيرهم انظر الغدير للاميني 2:65.
5- نهاية العقول: 382، وتبعه صاحب المواقف.

نقول فی الجواب:

إنّ رجوع عليّ من اليمن وإدراك الحج مع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أمر صحيح ثابت لا مرية فيه، ولذا قال الهيتمي في الصواعق: «ولا التفات... لمن ردّه بأنّ علياً كان باليمن، لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم» (1).

والبخاري أشار في صحيحه في عدّة روايات إلى رجوع علي علیه السّلام من اليمن وإدراكه عليه الحج (2)، مضافاً إلى أنّ الروايات المتواترة الناصّة على واقعة الغدير، تثبت وجوده علیه السّلام هناك.

ولعلّ منشأ الوهم ما أشار إليه الطحاوي (ت 331) من وجود رواية تدلّ على أنّ واقعة صاد الغدير كانت عند خروج النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من المدينة، قال: «فدفع دافع هذا الحديث، وزعم أنّه مستحيل، وذكر أنّ علياً لم يكن مع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في خروج إلى الحج من المدينة الذي مرّ في طريقه بغدير خم، لأنّ غدير خم إنّما هو بالجحفة... فقال هذا القائل: فإنّ هذا الحديث روي عن سعد بن أبي وقاص في هذه القصّة، وأنّ ذلك القول إنّما كان من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بغدير خم في خروجه من المدينة إلى الحج لا في رجوعه من الحج إلى المدينة».(3) ثم قام بردّه وأثبت أنّ الصحيح بخلافه، ولكن جاء الفخر الرازي فخلط الحابل بالنابل كعادته، وأنكر ذلك رأساً، وقد عرفت بطلانه.

14 - الجمع بين الولايتين والتصرفين:

هناك شبهة أخرى ذكرها معظم أهل السنة خلفاً عن سلف وصاغراً عن كابر، وهي أنّ نصّ الغدير لو كان دالاً على الإمامة، لزم اجتماع الولايتين في آن واحد ولاية النبي وولاية علي 8، وهذا لا يقول به أحد. إذاً لابد أن يكون معنى حديث الغدير هو الحب والنصرة حيث

ص: 249


1- الصواعق المحرقة 1:107.
2- صحيح البخاري 1:104، 216، 3:62، 4:40.
3- مشكل الآثار 2:308_309.

يمكن جمع الحبين في آن واحد، وهذا ما فهمه عمر حيث قال: «أصبحت...» (1).

نقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ ما يقتضيه ظاهر الخبر من العموم، يجوز الانصراف عنه بالدلائل المتنوعة سواء كانت عقلية أو نقلية، وهنا نخصّص حال حياة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ويبقى عموم فرض طاعة أمير المؤمنين علیه السّلام ثابتة في سائر الأحوال وابتداء من وفاة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم (2).

ثانياً: العادة جارية في الاستخلاف حصول الاستحقاق في الحال ووجوب التصرّف بعد الحال، فلو نصّ الإمام على خليفة يقوم مقامه بالأمر، أو من جعل غيره وليّ عهده، فإنّه يثبت له الاستحقاق في الحال وحقّ التصرّف فيما بعده، وهذه عادة جارية وواضحة لا لُبس فيها، فيحنئذ يجب أن يكون أمير المؤمنين علیه السّلام مستحقّاً في تلك الحال، وما وليها من أحوال الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم للإمامة، والتصرّف في الأمّة بالأمر والنهي بعد وفاته» (3).

ثالثاً: إنّ فرض طاعته علیه السّلام حصلت بنص الغدير وهي عامة، وأصبح أمير المؤمنين علیه السّلام بهذا النص خليفة ومفروض الطاعة على الأمّة، ولكن لا يُسمّى إماماً، لأنّ هذا الاسم مختصّ بمن لا يد فوق يده، ولكن بعد وفاة الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم تزول تناول العلّة ويُطلق عليه اسم الإمام (4).

رابعاً: إنّ حديث التهنئة أيضاً لا يقتضي ذلك، إذ ليس في قول عمر: (أصبحت مولاي) ما يقتضي حصول الإمامة في الحال، وإنّما يقتضي ثبوت استحقاقها في حال التهنئة وإن كان التصرّف متأخّراً، وليس يمتنع أن يُهنّأ الإنسان بما يثبت له استحقاقه في الحال، وإن كان التصرّف فيه يتأخّر عنها، لأنّ أحد الملوك والأئمة لو استخلف على رعيته من يقوم بأمرهم

ص: 250


1- وردت الإشارة إلى هذه الشبهة في تمهيد الأوائل للباقلاني: 454، المغني للقاضي عبد الجبارة، كتاب الإمامة 1: 147، 154، الجويني في الإرشاد: 355، الرازي في الأربعين: 299، الآمدي في أبكار الأفكار 5: 184، ابن تيمية في منهاج السنة 7: 325، الدهلوي في التحفة الاثني عشرية : 420، روح المعاني للآلوسي 5: 196، وغيرها.
2- الشافي للمرتضى 292:2.
3- م ن 2:292 تمهيد الأصول للطوسي: 397.
4- الصواعق المحرقة 1:107.

إذا غاب عنهم أو توفّي، لجاز من رعيّته أن يهنّئوا ذلك المستخلف بما ثبت له من الاستحقاق وإن لم يغب الملك ولا توفّي (1).

15 - الإمامة بعد الثلاثة:

تتفرّع من الشبهة التي مضت، شبهة أخرى، وهي أنّ الإمامة لو ثبتت لعلي في المآل دون الحال فلتكن بعد خلافة الثلاثة، وبعبارة أخرى ثبوتها بنصّ الغدير في المآل وفيما بعد الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم لا ينافي إمامة من تقدّمه. (2).

نقول في الجواب:

أولاً: إنّ الأمّة مجمعة على أنّ إمامة الإمام بعد عثمان لم تكن بموجب نص الغدير بل حصلت بالاختيار، فلا علاقة بين نص الغدير وبين تلك البيعة، إذ إنّ كلّ من أوجب له الإمامة بنص الغدير أوجبها بعد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بلا فصل، وعليه فلا اعتبار لهذه الشبهة لأنّها خارجة عن الموضوع.

ثانياً: إنّنا أخرجنا حال حياة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من عموم النص لوجود الدليل، أما بعد حياته فلا داعي لاستمرار هذا الرفع، بل تتحقّق الإمامة مباشرة إذ لا يوجد دليل آخر على إمامة غيره علیه السّلام.

ثالثاً: لو كان مراد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ذلك، لصرّح به إذ من غير المعقول أن يترك الأهمّ - وهو حال الأمّة بعد رحيله مباشرة مع المخاطر المحدقة بالأمّة - ويبلّغ المهم - وهو إمامة عليّ علیه السّلام بعد الثلاثة -؟!.

رابعاً: إنّ أهل السنة قاطبة ينفون وجود أيّ نصّ على أيّ شخص فكيف تنزّلوا هنا

ص: 251


1- الشافي للمرتضى 2:294.
2- انظر : المغني للقاضي عبد الجبار كتاب الإمامة 1:153، شرح المقاصد للتفتازاني 5:274، شرح التجريد للقوشجي: 369، الصواعق المحرقة للهيتمي 1:111، روح المعاني للآلوسي 5:197.

ورضوا بأن يكون حديث الغدير نصّاً على الإمامة لكن بعد الثلاثة؟!.

خامساً: على فرض التسليم والاعتراف بأنّ نص الغدير دليل على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بعد الثلاثة - كما يدّعيه القوم - ولكن ما نصنع بتهنئة عمر لعلي علیه السّلام لما قال له: «أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» حيث يدلّ على كونه إماماً - لأنّهم اعترفوا أنّ المولى بمعنى الإمام لكن بعد الثلاثة - على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى جميع المؤمنين بالحال دون المآل بنص الغدير وباعتراف عمر ؟!

16 - المعارضة بفضائل أبي بكر:

هناك محاولة أخرى تمسّك بها بعض أهل السنة لنفي حديث الغدير أو نفي دلالته على الإمامة، وهي إيهام المعارضة بين ما تتمسّك به الشيعة لإثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، وما ورد من فضائل أبي بكر في كتبهم.

وأقدم من تمسّك بهذا فيما رأيت الجاحظ (ت 255) حيث قال بعدما أورد مجموعة روايات تدلّ على فضل أبي بكر: «فإن كان ما رويتم في فضيلة عليّ حقاً، وما رووا في فضيلة أبي بكر حقّاً، فأبو بكر خير من علي، وعليّ خير من أبي بكر، وهذا هو التناقض والحق لا يتناقض، وفي هذا دليل أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يتكلّم بذلك ولا قاله، لأنّ الخبر إذا خرج مخرج العام في تفضيل أبي بكر وكذلك في تفضيل عليّ، فليس له وجه إلاّ ما قلنا، إلاّ أن يكون النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم قد قال أحد القولين وصحّت به الشهادة، ولم يقل الآخر وإنّما ولّدته الرجال وصنعته حملة السير، ولا سبيل لنا إلى معرفة ذلك إذا كان الاسناد متساوياً وعند الرجال متقارباً، وليس في هذه الأحاديث كلّها حديث يضطرّ خصمه معرفة صحّته، أو يكون النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم لقد تكلّم بكثير من هاتين الروايتين، وكان معناه وقصده فيها معروفاً عند من كان بحضرته، حتى كان الجميع يعرفون خاصّه من عامّه، ولكنّ الناقلين احتملوها عن السلف مجرّدة بغير تأويل معانيها، فأدّوها على اللفظ العام فصار السامع يتناقض عنده

ص: 252

إذا قابل بعضها ببعض، لجهله بأصول مخارجها وكيف كان موقعها» (1). وقال الباقلاني (ت 403): «إنّا إنّما نعمل بخبر الواحد من الشريعة إذا لم يعارضه خبر بضد موجبه، وهذا الخبر الذي تدّعيه الشيعة فقد عارضه خبر البكرية والراوندية، وكل من قال بالنص على أبي بكر والنص على العباس، وروايتهم في ذلك أظهر وأثبت، والعمل في صدر الأمّة موافق لرواية النص على أبي بكر فهو إذاً أقوى وأثبت، فيجب إذاً ترك الأضعف بالأقوى، فإن لم نفعل فلا أقلّ من اعتقاد تعارض هذه الأخبار وتكافئها وتعذّر العمل بشيء منها، و رجوعنا إلى ما كنّا عليه من أنّ الأصل ألاّ نصّ....» (2).

وكذلك القاضي عبد الجبار (ت415) نقل عن شيخه أبي هاشم الجبائي (ت321) أنّه قال: «ولا فرق بين من استدلّ بذلك على النصّ، وبين من قال: إنّ قوله علیه السّلام لأبي بكر: أخي وصاحبي صدّقني حيث كذّبني الناس. فهو نصّ على إمامته بعد وفاته، إلى غير ذلك ممّا روي نحو قوله علیه السّلام: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبي بكر خليلاً. وقوله: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. إلى غير ذلك ممّا اشتهر في الرواية» (3).

نقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ القول بإنّ ما ورد في فضائل أبي بكر أقوى وأصحّ ممّا ورد في حق أمير المؤمنين علیه السّلام مكابرة، إذ إنّ واحداً مما ورد فيه علیه السّلام أقوى من جميع ما ورد في حق أبي بكر وأقوى دلالة، وهو حديث الغدير، وذلك باعتراف القوم أنفسهم، حتى أنّ القاضي عبد الجبار جعل مدلول حديث الغدير أعلى وأشرف من الإمامة - كما مرّ.

ثانياً: روايات فضائل أمير المؤمنين علیه السّلام - سيما حديث الغدير - تواترت عند الشيعة والسنة، وروايات فضائل أبي بكر وردت بطرق آحاد عند أهل السنة فقط، فأين التعارض.

ص: 253


1- العثمانية: 137-138.
2- تمهيد الأوائل: 450.
3- المغني، كتاب الإمامة 1:153.

ثالثاً: الروايات الواردة في فضائل أبي بكر إمّا أن تدلّ على إمامته أو تدلّ على مجرد الفضيلة، فإن كان الأوّل فنحن نجزم على بطلانها، لاستحالة أن يتكلّم النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بكلامين متنافيين، مضافاً إلى إجماع أهل السنة على عدم وجودنصّ على أبي بكر. وإن كان الثاني فنحن لا نمنع أن يقول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في حق أحد كلاماً يستميل به قلبه، فتتأكّد فيه محبة الإيمان ورسوخه، طبعاً بعد ثبوت صحّة ذلك النقل، وهذا عام في جميع الصحابة ولا يخصّ أبا بكر.

رابعاً: لو وضعنا جميع الروايات الواردة في فضائل الصحابة في كفّة، ووضعنا حديث الغدير في كفّة أخرى، لرجحها - حتى لو لم يدلّ على الإمامة - بالمرجحات والقرائن المحفوفة الحالية والمقاليّة، فلا تعارض ولا وجه لتطويل الجاحظ وتسويد الأوراق بأنّ القرائن لم تُنقل إلينا.

خامساً وأخيراً ما أجاب به السيد المرتضى (ت436) في مقام الرد على أبي هاشم في محكيّ كلامه عند القاضي عبد الجبار، حيث قال السيد :

«فأمّا الأخبار التي أوردها على سبيل المعارضة فالإضراب عن ذكرها، وترك تعاطي الانتصاف من المستدلّين بخبر الغدير لها أستر على موردها، وأوّل ما في هذه الأخبار أنّها لا تساوي ولا تداني خبر الغدير في باب الصحة والثبوت ووقوع العلم; لأنّا قد بيّنا فيما تقدّم تواتر النقل بخبر الغدير ووقوع العلم به لكلّ من صحّح الأخبار، وأنّه ممّا أجمعت الأمّة على قبوله، وإن كانوا مختلفين في تأويله وليس شيء من هذا في الأخبار التي ذكرناها; على أنّ أصحابنا قديماً قد تكلّموا على هذه الأخبار، وبيّنوا أنّ حديث الخلّة يناقض ويبطل آخره أوّله; لأنهم يروون عنه صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: (لو كنت متخذاً خليلاً لاتّخذت فلاناً خليلاً ولكن ودّاً وإخاء إيمان) فأوّل الخبر يقتضي أنّ الخلة لم تقع وآخره يقتضي وقوعها على الشرط المذكور الذي يعلم كلّ أحد أن الخلّة منه صلّی الله علیه و آله و سلّم لا تكون إلاّ عليه، لأنّه لا يصحّ أن يخالّ أحداً إلاّ في الإيمان وما يقتضيه الدِّين، ويذكرون أيضاً في ذلك ما يروونه من قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم قبل وفاته : (برئت إلى كلّ خليل من خليل، فإنّ الله عزّ وجلّ قد اتّخذ صاحبكم خليلاً) ويقولون إن كان أثبت الخلّة بينه وبين غيره فيما تقدّم فقد نفاها

ص: 254

وبرئ منها قبل وفاته وأفسدوا حديث الاقتداء بأن ذكروا أنّ الأمر بالاقتداء بالرجلين يستحيل لأنّهما مختلفان في كثير من أحكامهما وأفعالهما، والاقتداء بالمختلفين والاتباع لهما متعذّر غير ممكن، ولأنّه يقتضي عصمتهما، والمنع من جواز الخطأ عليهما، وليس هذا بقول لأحد فيهما، وطعنوا في رواية الخبر بأنّ راويه عبد الملك بن عمير وهو من شيع بني أميّة، وممّن تولّى القضاء لهم، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت أيضاً، ظنيناً في نفسه وأمانته. وروي أنّه كان يمرّ على أصحاب الحسين بن عليّ علیهما السّلام وهم جرحى فيجهز عليهم، فلما عوتب على ذلك قال: إنّما أريد أن أريحهم.

وفيهم من حكى رواية الخبر بالنصب وجعل أبا بكر وعمر على هذه الرواية مناديين مأمورين بالاقتداء بالكتاب والعترة وجعل قوله: (اللذين من بعدي) كناية عن الكتاب والعترة، واستشهد على صحة تأويله بأمره صلّی الله علیه و آله و سلّم في غير هذا الخبر بالتمسّك بهما والرجوع إليهما في قوله: (إنّي مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) وأبطل من سلك هذه الطريقة في تأويل الخبر اعتراض الخصوم بلفظ «اقتدوا» وأنّه خطاب للجميع لا يسوغ توجهه إلى الاثنين بأن قال: ليس ينكر أن يكون اقتدوا باللّذين متوجهاً إلى جميع الأمة وقوله (من بعدي أبا بكر وعمر) نداءً لهما على سبيل التخصيص لهما لتأكيد الحجة عليهما وشرح هذه الجملة موجودة في مواضعه من الكتب، وإن كان مخالفونا يدفعون ورود الرواية بالنصب أشدّ

دفع، ويدّعون أنّه ممّا خرج على سبيل التأويل من غير رجوع إلى رواية.

وممّا يمكن أن يعتمد في إبطال خبر الاقتداء، أنّه لو كان موجباً للنصّ على الوجه الذي عارض به أبوهاشم لاحتجّ به أبو بكر لنفسه في السقيفة، ولما جاز أن يعدل إلى روايته: «إنّ الأئمة من قريش» ولا خفاء على أحد في أنّ الاحتجاج بخبر الاقتداء أقطع للشغب وأخصّ بالحجّة، وأشبه بالحال لا سيّما والتقية والخوف عنه زائلان، ووجوه الاحتجاج له معرضة، وجميع ما يدّعيه الشيعة بالنصّ الذي تذهب إليه عن الرجل منتفية، ولوجب أيضاً أن

ص: 255

يحتج به أبو بكر على طلحة لما نازعه فيما رواه من النصّ على عمر، وأظهر الإنكار لفعله، فكان احتجاجه في تلك الحال بالخبر المقتضي لنصّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم على عمر ودعائه الناس إلى الاقتداء به، والاتباع له أولى وألزم من قوله: (أقول: يا ربّ ولّيت عليهم خير أهلك).

وأيضاً لو كان هذا الخبر صحيحاً لكان حاظراً مخالفة الرجلين وموجباً لموافقتهما في أقوالهما، وقد رأينا كثيراً من الصحابة قد خالفهما في كثير من أحكامهما وذهبوا جميع إلى غير ما يذهبان إليه، وقد أظهروا ذلك، فيجب أن يكونوا بذلك عصاة مخالفين لنصّ، الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم وقد كان يجب أيضاً أن ينبّه الرجلان من يخالفهما على مقتضى هذا الخبر، ويذكّر أنّهم بأنّ خلافهما محظور ممنوع منه، على أنّ ذلك لو اقتضى النصّ بالإمامة على ما ظنّوا لوجب أن يكون ما رووه عنه علیه السّلام من قوله: (أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم) موجباً لإمامة الكلّ، وإذا لم يكن هذا الخبر موجباً للإمامة فكذلك الآخر، وقد رووا أيضاً عنه علیه السّلام أنّه قال: (اهتدوا بهدي عمّار، وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد) ولم يكن في شيء من ذلك نصّ بإمامة ولا فرض طاعة، فكيف يظنّ هذا في خبر الاقتداء، وحُكم الجميع واحد في مقتضى ظاهر اللفظ.

وبعد، فلو تجاوزنا عن هذا كلّه، وسلّمنا رواية الأخبار وصحّتها، لم يكن في شيء منها تصريح بنصّ ولا تلويح إليه. أمّا خبر الخلّة وما يدعونه من قوله علیه السّلام: (اتركوا لي أخي وصاحبي) فلا شبهة على عاقل في بعدهما عن الدلالة على النصّ.

فأمّا خبر الاقتداء فهو كالمجمل لأنّه لم يبيّن في أيّ شيء يقتدى بهما ولا على أيّ وجه، ولفظة بعدي مجملة ليس فيها دلالة على أنّ المراد بعد وفاتي دون بعد حال أخرى من أحوالي، ولهذا قال بعض أصحابنا: إنّ سبب هذا الخبر أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم كان سالكاً بعض الطريق، وكان أبو بكر و عمر متأخّرين عنه جائيين على عقبه، فقال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم البعض من سأله عن الطريق الذي يسلكه في اتباعه واللّحوق به، (اقتدوا باللذين من بعدي) وعنى بسلوك الطريق دون غيره، وهذا القول وإن كان غير مقطوع به، فلفظ الخبر محتمله كاحتماله لغيره، وأين الدلالة على

ص: 256

النصّ والتسوية بينه وبين أخبارنا، ونحن حيث ذهبنا في خبر الغدير وغيره إلى النصّ لم نقتصر على محض الدّعوى بل كشفنا عن وجه الدلالة، واستقصينا ما يورد من الشبه، وقد كان يجب على من عارضنا بهذه الأخبار وادّعاء إيجابها للنصّ أن يفعل مثل ما فعلناه أو قريباً منه، وليس لأحد أن يتطرّق إلى إبطال ما ذكرناه من التأويلات بأن يدّعي أنّ الناس في هذه الأخبار بين منكر ومتقبّل فالمنكر لا تأويل له، والمتقبّل يحملها على النصّ ويدفع سائر التأويلات; لأنّ هذا القول يدلّ على غفلة شديدة من قائله أو مغالطة، وكيف يكون ادعاؤه صحيحاً ونحن نعلم أنّ كلّ من أثبت إمامة أبي بكر من طريق الاختيار وهم أضعاف من أثبتها من طريق النصّ، ينقلون هذه الأخبار من غير أن يعتقدوا فيها دلالة على نصّ عليه» (1).

17 - انعقاد الاجماع

ممّا استدلّوا به لنفي دلالة حديث الغدير على الإمامة، دعوى انعقاد الإجماع على خلافه، قال الجويني (ت478): «وإن ادعوا نصّاً خفياً غير مظهر، فنعلم أنّه لا سبيل إلى علمه، ثم نعلم بطلانه بالاجماع على خلافه، مع ثبوت الاجماع مقطوعاً به ...» (2).

وقال ميمون النسفي (ت508): «لو كان في الحديث، دليل ذلك (أي الإمامة) لما انعقد الاجماع على خلافة غيره» (3). وقال الآمدي (ت631): «ثم وإن كان ذلك محتملًا، فهو مماّ يمتنع حمل كلام النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عليه لما فيه من مراغمة الاجماع، ومخالفة اتفاق المسلمين، وهدم قواعد الدين» (4). وقال التفتازاني (ت (793): «بعد تسليم الدلالة على الإمامة، فلا عبرة بخبر الواحد في مقابلة الإجماع» (5).

ص: 257


1- الشافي 306: 2-311.
2- الارشاد إلى قواطع الأدلّة: 345.
3- تبصرة الأدلّة: 855.
4- غاية المرام: 321.
5- شرح المقاصد 5:274.

نقول في الجواب:

إن أرادوا بالإجماع الإجماع في أوّل الأمر فممنوع، وإن أرادوا في المستقبل فمسلّم ولكن لا ينفعهم، توضيح ذلك:

إنّ الإجماع لم ينعقد على أبي بكر في بداية الأمر بشهادة التاريخ والصحاح والمسانيد، كيف وقد تخلّف سعد بن عبادة وأبناؤه، وتخلّف عليّ وبنوه وزوجته وجميع بني هاشم، وتخلّف جميع من كان خارج المدينة، فأيّ إجماع هذا؟!

ولا أدلّ على نفي الإجماع من وصف عمر بن الخطاب بيعة أبي بكر بالفلتة، وذلك حينما يشرح أحداث السقيفة ويقول: «... فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وأنّها قد كانت كذلك ولكن وقى الله شرّها، وليس منكم من تُقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا، وإنّه كان من خبرنا حين توفّى الله نبيِّه صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نریدهم، فلما دنونا منهم لقينا رجلان منهم صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينّهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيّهم... فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأين يحضنونا من الأمر.. فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يديك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار... وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على ما لا نرضى، وإمّا نخالفهم فيكون فساد» (1).

ص: 258


1- صحيح البخاري 26: 8-28.

وفي نص آخر: «إنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلاّ أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر» (1).

لهذين النصين مجموعة دلالات:

1 - التعبير عن أنّ الأنصار اجتمعوا عند سعد، والمهاجرين اجتمعوا عند أبي بكر، غير دقيق إذ لا يُعقل أنّ جميع الأنصار وجميع المهاجرين يتركون جثمان النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم للتنافس على الخلافة، ولو ثبت هذا لكن أكبر طعن عليهم، ولا أظنّ أن يرتضيه أحد من أهل السنة، ولم يُعهد أنّ أبا بكر كان سيد المهاجرين حتى يجتمع عنده المهاجرون، نعم اجتمع شرذمة قليلة لا يتجاوزون أصابع اليد، وهؤلاء المجتمعون والمتآمرون لا يمثّلون شريحة المجتمع.

2 - تهديد عمر أنّ من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين بالقتل، يدلّل على أنّ بيعة أبي بكر ما كانت بإجماع المسلمين ولا بمشورتهم.

3 - قوله: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة، تأييد لما قلناه من عدم وجود الإجماع في أوّل الأمر.

4 - لا أدلّ على عدم وجود الإجماع من قول عمر: «فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف».

5 - قوله: «بايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار» غير دقيق أيضاً، إذ لم يرد ذكر لهؤلاء المهاجرين سوى أشخاص قلائل، مضافاً إلى أنّ كثيراً من الأنصار ما حضروا السقيفة، وليس كلّ الذي حضر بايع أمثال سعد وبنيه.

6 - قوله: «وخالف عنّا علي والزبير ومن معهما» أدلّ دليل على عدم وجود إجماع، مع أنّ النصّ مجمل إذ لم نعلم كم عدد من تابع علياً والزبير في الاعتزال.

7 - حضور أسلم في تلك اللحظة ملفت جداً ويُثير تساؤلات عدّة، من أين علمت؟ وكيف جاءت بعدّتها وعددها بحيث تضايقت بهم السكك ؟ لماذا لم تنحاز إلى الأنصار مثلاً أو إلى شخص آخر غير أبي بكر، مع الفراغ السياسي الحاصل آنذاك والانفلات الاجتماعي، وهناك من هو أقوى من أبي بكر وعمر وأعلى شرفاً، فكان بإمكانها خلع أبي بكر ومبايعة

ص: 259


1- تاريخ الطبري 458: 2.

غيره، وهي جاءت بجماعتها؟! لماذا أيقن عمر بالنصر بمجرّد أن رأى أسلم وقبل أن يبايعوا؟! أليس ينبئ كلّ هذا عن تآمر مسبق ؟!!

أما الإجماع الحاصل فيما بعد، فهو مسلّم ولكن لا ينفع إذ أُخذ غلبة وإجباراً، فكثير من المسلمين بايعوا كرهاً، روى الشيخ المفيد: عن زائدة بن قدامة قال: «كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها .. فأنفذ إليهم عمرو استدعاهم وقال لهم: خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله، واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه، قال: والله لقد رأيت الأعراب تحزّموا واتشحوا بالاُزر الصنعانيّة، وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطاً، وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة» (1).

أمّا فاطمة الزهراء علیها السّلام السيدة نساء العالمين، فقد قاطعت السلطة ولم تبايع إلى أن توفيت ساخطة ومهاجرة للقوم، وعدم رضاها ينبئ عن عدم رضى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وعن عدم الرضى الإلهي جلّت ،عظمته، فأيّ قيمة لهكذا خلافة!! ولو كانت 3 لوحدها في عدم البيعة لكفى في بطلان ما جرى.

أما سعد بن عبادة فلم يبايع حتى قُتل، أما أمير المؤمنين علیه السّلام وأولاده فلم يبايعوا أيضاً لستة أشهر، إلى أن تمّت البيعة حفظاً لبيضة الإسلام - كما مرّ بالتفصيل -، وبعد هذا فأيّ قيمة يبقى لهكذا إجماع مستقبلي، حصل إما طمعاً وإمّا منافسة وإمّا إكراهاً وإجباراً وإمّا حفاظاً على الدين والملّة ؟!.

ص: 260


1- الجمل: 59.

آيات الغدير

آیات الغدیر (1)

ذكرت المصادر مجموعة من الروايات الدالّة على نزول بعض الآيات أو تأويلها بمناسبة واقعة الغدير.

فأوّل ما نزل من ذلك آية التبليغ، وهي قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (2).

فقد وردت الروايات عند الفريقين بأنّ شأن نزولها كان المناسبة واقعة الغدير، وتنصيب أمير المؤمنين علیه السّلام إماماً للمسلمين، وأنّ التقصير في ذلك يساوي عدم تبليغ الرسالة، ممّا يدلّ على أهميّة تلك الواقعة.

الآية الثانية آية الإكمال، وهي قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً

(3).

إذ نزلت بعد ما نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً إماماً للمسلمين، ونصّت على أنّ الإمامة إكمال للدين وإتمام لنعمة الإسلام.

الآية الثالثة آية سأل سائل، وهي قوله تعالى: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابِ وَاقِع * تَلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ» (4).

وخلاصة القصّة أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لما نصب عليّا علیه السّلام إماماً، وأخذ له البيعة من الصحابة، جاءه أحد الصحابة وهو النعمان بن الحارث الفهري، واعترض على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم

ص: 261


1- استفدنا في هذا المبحث ممّا كتبه فضيلة الشيخ أمير التقدمي في موسوعته القيّمة حول حديث الغدير ولم تطبع بعد.
2- المائدة: 67.
3- المائدة: 3.
4- المعارج 1-3.

وطلب نزول العذاب عليه إن كان ذلك بأمر من الله تعالى، فنزلت عليه حجارة من السماء وأهلكته، ونزلت الآية.

ومن الآيات النازلة آنذاك قوله تعالى : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ» (1).

روى علي بن إبراهيم القمي قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عُمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: لما أمر الله نبيّه صلّی الله علیه و آله و سلّم أن ينصب أمير المؤمنين علیه السّلام للناس في قوله: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» في عليّ بغدير خم، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحتّوا التراب على رؤوسهم، فقال لهم إبليس: كلاّ إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني. فأنزل الله على رسوله: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ» الآية (2).

وروی نحوه السيد شرف الدين الأسترآبادي (ق11) في تأويل الآيات الظاهرة عن علي بن إبراهيم القميّ، عن زيد الشحّام ، عن قتادة بن دِعامة ... (3).

وكذلك أبو عبد الله النعماني (ق4) في كتابه في تفسير القرآن عن ابن عقدة أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجُعفي، عن إسماعيل بن مِهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله علیه السّلام، وفيه أنّ ابليس قال لهم: «لا تجزعوا من هذا، فإنّ أمّته ينقضون عهده، ويغدرون بوصيّه من بعده، ويظلمون أهل بيته، ويُهملون ذلك لغلبة حب الدنيا على قلوبهم، وتمكّن الحميّة والضغائن في نفوسهم واستكبارهم وعزّهم، فأنزل الله تعالى...» (4).

ص: 262


1- سبأ: 20.
2- تفسير القمي 2: 201، عنه البحار 37: 19 ح 9، والصافي 6: 940.
3- تأويل الآيات الظاهرة 2: 474 ح 6، وعنه البحار 37: 169 ح 45.
4- راجع البحار للمجلسى 90: 59 - 60.

وفي الكافي قال: [حدّثنا] محمد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبد الله بن محمد اليماني، عن منيع بن الحجاج، عن صباح الحذّاء، عن صباح المزني، عن جابر، عن أبي جعفر علیه السّلام قال: لمّا أخذ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بيد عليه السّلام يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة، فلم يبق منهم أحد في برّ ولا بحر إلاّ أتاه فقالوا: يا سيّدهم ومولاهم ماذا دهاك؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه. فقال لهم: فعل هذا النبي فعلاً إن تمّ لم يُعص الله أبداً، فقالوا: يا سيّدهم أنت كنت لآدم، فلمّا قال المنافقون: إنّه ينطق عن الهوى، وقال أحدهما لصاحبه: أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنّه مجنون - يعنون رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم - صرخ إبليس صرخة بطرب، فجمع أولياءه فقال: أما علمتم أنّي كنت لآدم من قبل؟ قالوا: نعم، قال: آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب، وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول، فلما قبض رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وأقام الناس غير عليّ لبس إبليس تاج الملك، ونصب منبراً وقعد في الوثبة وجمع خيله ورجله ثم قال لهم: اطربوا، لا يطاع الله حتى يقوم الإمام.

وتلا أبو جعفر علیه السّلام : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ» قال أبو جعفر علیه السّلام: كان تأويل هذه الآية: لمّا قبض رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم إنّه ينطق عن الهوى، فظن بهم إبليس ظنّاً فصدّقوا ظنّه (1).

ومنها قوله تعالى: «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِي وَلَا نَصِيرٍ * وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ تَوَلَّواْ وَّهُم مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا

كَانُواْ يَكْذِبُونَ» (2).

ص: 263


1- الكافي 8: 344 ح542، عنه البحار 28: 256 ح40، والحديث باختلاف في الألفاظ في تفسير العياشي 2: 301 ح 111، وإثبات الهداة 2:174 ح816.
2- التوبة: 74- 77.

روي في تفسير القمي عن أحمد بن بن الحسن التاجر، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن عثمان الصوفي، قال: حدّثنا زكريّا بن محمد، عن محمد بن عليّ، عن جعفر بن محمد عليل علیهما السّلام قال: لمّا أقام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين [وقد سمّاهم، فقال الثاني منهم:] أما ترون عينيه كأنّهما مجنون؟! - يعني النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم الساعة يقوم ويقول قال لي ربي. فلما قام وقال: أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله، قال: اللهم فاشهد، ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين. فنزل جبرئيل علیه السّلام وأعلم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بمقالة القوم، فدعاهم وسألهم فأنكروا وحلفوا، فأنزل الله: «يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ» إلى آخره.... (1).

وفي تفسير العياشي عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله علیه السّلام أنّه قال: لمّا نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علیاً علیه السّلام يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ضمّ رجلان من قريش رؤوسهما وقالا: والله لا نسلّم له ما قال أبداً، فأخبر النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم فسألهما عمّا قالا، فكذّبا وحلفا بالله ما قالا شيئاً، فنزل جبرئيل علیه السّلام على رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم : «يحلفون بالله ما قالوا» الآية، قال أبو عبد الله علیه السّلام: لقد تولّيا وما تابا (2).

ومنها قوله تعالى: «وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّة أَنكَاثَاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَيَ مِنْ أُمَّةَ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (3).

روى القمي في تفسيره قال: حدّثني أبي رفعه قال: قال أبو عبد الله علیه السّلام: لمّا نزلت الولاية وكان من قول رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بغدير خم: «سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين» فقالوا:

ص: 264


1- تفسير القمي 1: 301، عنه البحار 37: 119 ح8.
2- تفسير العياشي 2: 100 ح 91، عنه البحار 37: 154 ح 38.
3- النحل: 91 - 92.

أمن الله ورسوله؟ فقال لهم: نعم حقّاً من الله ورسوله، فقال: إنّه أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين، ويُقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة ويدخل أعداءه النار. وأنزل الله عز وجل: «وَلَا تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» يعني قول رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من الله ورسوله» ثم ضرب لهم مثلاً فقال: «وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّة أَنكَاثَاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ» (1).

وروى نحوه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن زيد بن الجهم الهلالي، عن أبي عبدالله علیه السّلام (2).

ومنها قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَان عَرَبيّ مُّبِين * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ» (3).

روى القمي قال: حدّثني أبي، عن حنان، عن أبي عبدالله السّلام في قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ» قال: الولاية نزلت لأمير المؤمنين عالسلام يوم الغدير (4).

وروى نحوه الصفّار قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدير، عن سالم أبي محمد عن أبي جعفر علیه السّلام (5).

ومنها قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَة أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةَ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد» (6).

ص: 265


1- تفسير القمي 1: 389، عنه البحار 37: 120 ح 11.
2- الكافي 1: 292.
3- الشعراء: 192 - 196.
4- تفسير القمي 2: 124.
5- بصائر الدرجات 73 ح6، عنه البحار 36: 95 ح 29.
6- سبأ: 46.

روی فرات قال: حدّثني عُبيد بن كثير معنعناً عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد علیه السّلام عن قول الله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَة» قال: يعني الولاية. فقلت: كيف ذلك؟ قال: أما إنّه لمّا نصبه للناس فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ارتاب الناس وقالوا: إنّ محمداً ليدعونا في كل وقت إلى أمر جديد، وقد بَدَأنا بأهل بيته يملّكهم رقابنا، فأنزل الله تعالى على نبيه: يا محمد «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَة» فقد أدّيت إليكم ما افترض عليكم ربكم، أمّا قوله : «مَثْنَى» فيعني طاعة رسول الله وأمير المؤمنين، وأما قوله: «وَفُرَادَى» فيعني طاعة الإمام من ذرّيتهما من بعده (1).

ومنها قوله تعالى: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (2).

فقد روى الاسترآبادي عن ابن الجحام قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن عبيد بن سلم، عن جعفر بن عبد الله المحمدي، عن الحسن بن جعفر بن إسماعيل الأفطس، عن أبي موسى المشرقاني قال: كنت عنده وحضره قوم من الكوفيين فسألوه عن قول الله عز وجل: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» فقال: ليس حيث تذهبون، إنّ الله عز وجل حيث أوحى إلى نبيّه صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يقيم علياً علیه السّلام للناس علماً اندسّ إليه معاذ بن جبل فقال: أشرك في ولايته الأوّل والثاني حتى يسكن الناس إلى قولك ويصدّقوك، فلمّا أنزل الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» شكا رسول الله صلى الله عليه و آله إلى جبرئيل فقال: إنّ الناس يكذّبوني ولا يقبلون منّي، فأنزل الله عز وجل: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ».

ففي هذه نزلت الآيةُ، ولم يكن الله ليبعث رسولاً إلى العالم وهو صاحب الشفاعة في العُصاة يخاف أن يشرك بربه، كان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أوثق عند الله من أن يقول له: لئن أشركت بي، وهو جاء بإبطال الشرك ورفض الأصنام، وما عُبد مع الله، وإنّما عُني أن

ص: 266


1- تفسير فرات: 345 ح470، ونحوه أيضاً ح471 عن الحسين بن سعيد معنعناً عن عمر بن يزيد، وأيضاً المناقب لابن شهر آشوب 3: 37، وشرح الأخبار 1: 236 ح239، عن محمد بن سلام، عن أبي جعفر علیه السّلام.
2- الزمر: 65.

تشرك في الولاية من الرجال، فهذا معناه (1).

ومنها قوله تعالى: «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (2).

روى الاسترآبادي عن علي بن إبراهيم القمي قال: حدّثني أبي، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمد بن الفضيل، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال :... لمّا أشهدهم يوم غدير خم وقد كانوا يقولون: لئن قبض الله محمداً لا نُرجع هذا الأمر في آل محمد، ولا نعطيهم من الخمس شيئاً، فأطلع الله نبيّه على ذلك وأنزل عليه: «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» (3).

ومنها قوله تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ» (4).

روى الاسترآبادي عن ابن الجحام قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمد بن زكريا، عن جعفر بن محمد بن عمارة، قال: حدّثني أبي، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي علیه السّلام عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لمّا نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً علیه السّلام يوم غدير خم، قال قوم: ما يألوا برفع ضبع ابن عمّه، فأنزل الله تعالى: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ» (5).

ومنها قوله تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» (6).

روى الاسترآبادي عن ابن الجحام قال: حدّثني أحمد بن القاسم، عن منصور بن العباس أبي الحسين، عن العباس القصباني، عن داود بن الحصين، عن فضل بن عبد الملك، عن أبي

ص: 267


1- تاويل الآيات الظاهرة 2: 522 ح32، عنه البحار 23: 362 ح 22 ونحوه شرح الأخبار :1 245 ح273.
2- الزخرف: 80.
3- تأويل الآيات الظاهرة 2: 588 ح 16، عنه البحار 23: 386 ح93.
4- محمد: 29.
5- تأويل الآيات الظاهرة 2: 590 ح 18، عنه البحار 23: 386 ح91.
6- النجم 1 - 4.

عبد الله علیه السّلام قال: لمّا أوقف رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الغدير، افترق الناس ثلاث فرق: فقالت فرقة ضلّ محمد، وفرقة قالت غوى، وفرقة قالت بهواه يقول في أهل بيته وابن عمّه، فأنزل الله سبحانه: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» (1)

ورواه أيضاً فرات في تفسيره باختلاف عن علي بن أحمد بن خلف الشيباني معنعناً عن نوف البكالي عن علي علیه السّلام. وفي مورد آخر أيضاً عن محمد بن عيسى بن زكريا معنعناً عن جعفر بن محمد علیهما السّلام (2).

ومنها قوله تعالى: «فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيْيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (3).

روى الاسترآبادي عن ابن الجحام قال: حدّثنا علي بن العباس، عن حسن بن محمد، عن يوسف بن كُليب، عن خالد، عن حفص بن عمر، عن حنان، عن أبي أيوب الأنصاري قال: لمّا أخذ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بيد علي علیه السّلام فرفعها وقال: «ومن كنت مولاه فعلي مولاه» قال أناس : إنّما افتتن بابن عمّه، ونزلت الآية: «فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيْيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (4).

ومنها قوله تعالى: «وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ تَلْعَالَمِينَ» (5).

روى الكليني قال: [حدّثنا] محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن الحجّال، عن عبد الصمد بن بشير، عن حسّان الجمّال قال: حملت أبا عبد الله علیه السّلام من المدينة إلى مكة، فلمّا انتهينا إلى مسجد غدير خم نظر إلى ميسرة المسجد فقال: ذلك موضع قدم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم حيث قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال: ذلك

ص: 268


1- تاويل الآيات الظاهرة 2: 623 ح6، عنه البحار 24: 323 ح 35، ونحوه شرح الأخبار 1: 243 ح265.
2- تفسير فرات 450 - 452 ح590 و592.
3- القلم: 5 - 6.
4- تأويل الآيات الظاهرة 2: 711 ح 3، عنه البحار 36: 165 ح 150، ونحوه تفسیر فرات: 496 ح650.
5- القلم : 51 - 52.

موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح، فلمّا أن رأوه رافعاً يديه قال بعضهم لبعض: انظروا إلى عينيه تدور كأنّهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل علیه السّلام بهذه الآية: «وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَّمجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ تَلْعَالَمِينَ» (1).

وقد روى نحوه أيضاً الأسترآبادي عن ابن الجحام بسنده قال: حدثنا الحسين بن أحمد المالكي، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، عن حسّان الجمّال (2).

كما رواه القاضي النعمان في شرح الأخبار، والشيخ الصدوق في من لايحضره الفقيه، وابن شهر آشوب في المناقب من دون سند (3).

ومنها قوله تعالى: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» (4).

روى القاضي النعمان عن معاوية بن وَهْب قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد علیه السّلام يقول: لمّا كان يوم غدير خم وقال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في علي علیه السّلام ما قال، قال أحد الرجلين لصاحبه: والله ما أمره الله بهذا، ولا هو إلاّ شيء تقوّله، فأنزل الله تعالى:

«وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» يعني علياً علیه السّلام «وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُكَذِّبِينَ» يعني بولايته.. (5).

ص: 269


1- الكافي 4: 566 ح2، عنه البحار 37: 172 ح 55، ونحوه الشيخ الطوسي في التهذيب 3: 290 ح746.
2- تأويل الآيات الظاهرة 2: 713 ح 6، عنه البحار 30: 259 ح122.
3- شرح الأخبار :1 240 ح 258، من لا يحضره الفقيه 1: 229، والمناقب 3: 37.
4- الحاقة: 44 - 52.
5- شرح الأخبار 1: 241 ح 259، ونحوه المناقب لابن شهر آشوب 3: 37 عن معاوية بن عمار والعياشي في تفسيره 2: 269 ح64 عن زيد بن الجهم.

ومنها قوله تعالى: «فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى» (1).

ورد في تفسير القمي: قوله: «فَلا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى» فإنّه كان سبب نزولها أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم دعا إلى بيعة عليّ علیه السّلام يوم غدير خم، فلمّا بلّغ الناس وأخبرهم في عليّ ما أراد الله أن يُخبر رجعوا الناس، فاتكأ معاوية على المغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري، ثم أقبل يتمطّى نحو أهله ويقول: ما نقرّ لعليّ بالولاية أبداً، ولا نصدّق محمداً مقالته فيه، فأنزل الله جلّ ذكره: «فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى» فصعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم المنبر وهو يريد البراءة منه، فأنزل الله: «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ

لِتَعْجَلَ بِهِ» فسكت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ولم يسمّه (2).

وهذا ما رواه مسنداً باختلاف في الألفاظ من حيث التفصيل والإيجاز كلّ من الطبري الشيعي عن البُزاري قال: حدّثنا محمد بن الحارث، عن يزيد، عن رَوح بن القاسم، عن أبي نَجيح، عن مجاهد، عن حذيفة بن اليمان (3).

وفرات الكوفي قال: حدّثني إسحاق بن محمد بن القاسم بن صالح بن خالد الهاشمي [حدّثنا أبوبكر الرازي محمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم بن نبهان بن عاصم بن زيد بن طريف مولى علي بن أبي طالب، حدّثنا محمد بن عيسى الدامغاني، حدّثنا سلمة بن الفضل، عن أبي مريم، عن يونس بن خباب، عن عطيّة» عن حذيفة بن اليمان (4).

وروى فرات أيضاً قال: [حدّثنا جعفر بن محمد بن عتبة الجعفي، حدّثنا العلاء بن الحسن،

ص: 270


1- القيامة : 31 - 35.
2- تفسير القمي 2: 397.
3- المسترشد: 586 ح 257.
4- تفسير فرات: 516 ح 675، وما بين المعقوفين مأخوذ من شواهد التنزيل للحسكاني 2: 391 ح1041.

حدّثنا حفص بن حفص الثغري، حدّثنا عبد الرزاق، عن سورة الأحول] عن عمار بن ياسر (1).

كما رواه ابن شهر آشوب عن الإمام الباقر علیه السّلام من دون سند (2).

ومنها سورة الانشراح : «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ».

روی فرات قال: حدّثني جعفر بن أحمد بن يوسف معنعناً عن أبي جعفر علیه السّلام قال: كان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لا يزال يُخرج لهم حديثاً في فضل وصيّه حتى نزلت عليه هذه السورة، فاحتج عليهم علانية حين أعلم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بموته ونعيت إليه نفسه، فقال: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ» يقول: إذا فرغت من نبوّتك فانصِب علياً من بعدك، وعليّ وصيّك فأعلمهم فضله علانية، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وقال : «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» ثلاث مرات (3).

وقد روى نحوه الاسترآبادي عن ابن الجحام قال: حدّثنا محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، وعن الحسن بن موسى، عن علي بن حسّان، عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیهما السّلام ... حدّثنا محمد بن همام بإسناده عن إبراهيم بن هاشم، عن [محمد] بن أبي عمير، عن المهلّبي، عن سليمان، عن أبي عبدالله علیه السّلام...

حدثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن جميلة، عن أبي عبد الله علیه السّلام.

حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد بإسناده إلى المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله علیه السّلام (4).

ص: 271


1- م ن : 515 ح674، وما بين المعقوفين من شواهد التنزيل 3: 390 ح1040.
2- المناقب لابن شهر آشوب 3: 38، البحار 37: 161 ح 40.
3- تفسير فرات: 574 ح738، عنه البحار 38: 142 ح 150.
4- تأويل الآيات الظاهرة 2: 811 - 812 ح 1 - 5.

كما رواه الحسكاني قال: حدّثني علي بن موسى بن إسحاق، عن محمد بن مسعود بن محمد [العياشي]، حدّثنا جعفر بن أحمد، قال : حدّثني حمدان والعُمركي، عن العُبيدي، عن يونس، عن زُرعة، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السّلام: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ» قال: يعني علياً بالولاية.

وبه عن يونس، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله علیه السّلام في قوله تعالى: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ» يعني علياً للولاية.

حدّثنا جبرئيل بن أحمد قال: حدّثني الحسن بن خُرّزاد، قال: حدّثنی غیر واحد عن أّبي عبد الله علیه السّلام: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ» قال: فإذا فرغت فانصب علياً للناس.

حدّثنا علي بن محمد، قال: حدّثني محمد بن أحمد، عن العباس، عن عبد الرحمن بن حمّاد عن الفُضيل، عن أبي عبد الله علیه السّلام في قوله تعالى: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ» يعني انصب علياً للولاية (1).

ص: 272


1- شواهد التنزيل 2: 451 - 452 ح1116 - 1119.

آية الإكمال

وهي قوله تعالى: «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً» (1).

أجمعت الشيعة وذكر بعض أهل السنة أنّ هذه الآية نزلت على رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بعد تنصيب علي علیه السّلام يوم الغدير للخلافة والإمامة، وقد ذكر هذا ورواه كلّ من:

1 - سليم بن قيس الهلالي (ق 1) في كتابه 2:828 ح39.

2 - العياشي (ق3) في تفسيره 1: 293.

3 - القمي (ق 3و4) في تفسيره 1:162.

4 - فرات بن إبراهيم (ق 3و4) في تفسيره: 117.

5 - محمد بن يعقوب الكليني (ت 329) في الكافي 1: 289، 290، 8:27.

6 - الشيخ الصدوق (ت 381) في علل الشرائع 1: 249، وعيون الأخبار 1:216، والخصال: 415.

7 - ابن مردویه (ت 410) كما في الدر المنثور للسيوطي 3:19، والاتقان 1:53، وقد ضعّفه وسنجيب عليه.

8 - أبو نعيم الأصبهاني (ت 430) ما نزل من القرآن في علي 56 : علیه السّلام.

9 - الشيخ الطوسي (ت 460) أشار إليها في التهذيب 3: 161 في الدعاء الوارد بعد صلاة الغدير.

10 - الخطيب البغدادي (ت 463) في تاريخ بغداد 8: 290.

11 - أبو سعيد السجستاني (ت 477) في كتاب الولاية، كما في الغدير للأميني 1:451.

ص: 273


1- المائدة: 3.

12 - ابن المغازلي (ت 483) في المناقب: 1918.

13 - الحاكم الحسكاني (ق5) في شواهد التنزيل 1:201 ح 211.

14 - النطنزي (ق 5و6) في الخصائص العلوية، كما في الغدير 1:104.

15 - الخوارزمي (ت 568) في المناقب: 80.

16 - ابن عساكر (ت 571) كما في الدر المنثور للسيوطي 3: 19.

17 - سبط ابن الجوزي (ت 654) في تذكرة الخواص: 30.

18 - الحمويني (ت 722) في فرائد السمطين 1:74.

19 - السيوطي (ت 911) في الدر المنثور 3:19، عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر.

سياق الآية:

توسّطت آية الإكمال بين آيات اللحوم وما يحلّ منها وما يحرم، قال تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٌ غَيْرَ مُتَجَانِف لإِثْم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

فآية إكمال الدين - مع شطرها المتقدّم عليها - أجنبية عن صدر الآية وذيلها المحيطة بها، ولو نزعناها من الآية لكان الكلام تامّاً غير متوقّف عليها، وتكون آية اللحوم آية كاملة مماثلة لما تقدّم عليها في النزول من الآيات الواقعة في باقي السور من قبيل قوله تعالى: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (1).

أمّا ما هو سبب تخلّلها بين هذه الآية، فربما يقال: إنّها أنزلت هكذا، أو يقال: إنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم هو الذي أمر بوضعها هناك، أو يقال: إنّ هذا حصل من قبل الصحابة عند

ص: 274


1- البقرة: 173، الأنعام: 145، النحل: 115.

القرآن، وأيّاً من هذه الاحتمالات كانت صحيحة، فلا يضرّ بما قلنا من انفصالها واستقلالها معنى، وعدم صحّة حملها على صدر الآية وذيلها لعدم تناسب معناها مع الصدر والذيل.

مضافاً إلى هذا، فإنّ الروايات الواردة في شأن نزولها عند الشيعة والسنة تدلّ على أنّها نزلت منفردة ومستقلة.

شرح المفردات:

(اليوم) المراد به يوم مخصوص، وهو يوم نزول الآية حيث تمّ فيه تبليغ شيء عظيم بالغ الأهميّة، بحيث لو كان نازلاً على اليهود والنصارى لاتخذوه عيداً - كما ورد في الحديث - وسنشير إلى سائر الأقوال في قسم ردّ الشبهات، فلاحظه.

(يئس) اليأس هو القنوط وقيل: اليأس نقيض الرجاء.

(الذين كفروا) الكفر هو الجحود، وهنا يعمّ المشرك والكافر، فإنّهم يئسوا تماماً تغيير الدين أو حصول خلل فيه بموت صاحب الدعوة.

(دينكم) وهو الإسلام وهو مجموعة الشرائع والأحكام التي شُرّعت من قبل الله تعالى.

«فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» الخشية هي الخوف، والمراد بها هنا نهي إرشادي بمعنى عدم وجود أيّ داع للخشية من الكفّار بعدئذ وبعد يأسهم من التعرّض للدين، فأنتم أيّها المسلمون في أمن من ناحية الكفّار، ولا ينبغي لكم أن تخشوهم على دينكم بل اخشوني، أي عليكم أن تخشوني فيما كان عليكم أن تخشوهم فيه لولا يأسهم، وهو الدين ونزعه من أيديكم، وهذا نوع تهديد للمسلمين.

(أكملت - أتممت) الإكمال والإتمام متقاربان في المعنى، فكمال الشيء حصول ما هو الغرض منه، وتمامه انتهاؤه إلى حدٍّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه والناقص يحتاج إلى شيء خارج عنه. وبعبارة أخرى: التمام هو ما يترتب أثره بعد اكتمال جميع أجزائه بحيث لو فقد شيئاً من أجزائه أو شرائطه لم يترتب عليه ذلك الأمر، والكمال هو ما لا يتوقّف حصول الأثر على اكتمال جميع أجزائه، فكلّما وُجد جزء ترتب عليه من الأثر ما هو بحسبه، ولو وجد الجميع ترتب عليه كلّ الأثر المطلوب.

ص: 275

والخلاصة أنّ الدين الذي هو مجموع المعارف والأحكام المشرّعة قد اُضيف إليه اليوم شيء آخر كمل الدين به، وأنّ النعمة كأنّها كانت ناقصة غير ذي أثر تمّت وترتب الأثر العملي المتوقّع منها.

(النعمة) هي ما يلائم طبع الشيء من غير امتناعه منه، وهي هنا نعمة الولاية، وذلك أنّ النعمة الحقيقية هي الولاية الإلهية أي تدبير الربوبية لشؤون العباد، ولا تتم هذه إلاّ بولاية رسوله، كما لا تتمّ ولاية رسوله إلاّ بولاية أُولي الأمر من بعده، وهي تدبيرهم لأمور الاُمة الدينية بإذن الله، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي

الأَمْرِ مِنكُمْ» (1).

«رَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً» الإسلام هو مجموع ما نزل من عند الله سبحانه ليتعبّد به العباد، وبعد ما كمل الدين من حيث التشريع، وتمّت نعمة الولاية، فقد رضي الله تعالى من حيث الدين: الإسلام الذي هو دين التوحيد الذي لا يُعبد فيه إلاّ الله، ولا يطاع فيه إلاّ الله ومن أمر بطاعته من رسول أو ولي (2).

الدلالة

يوجد ترابط من حيث المضمون والمفهوم بين الشطر الأوّل لآية الإكمال أي قوله تعالى: «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ» والشطر الثاني وهو قوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ.» إذ إنّ يأس الكفّار من دين المسلمين مرتبط باكمال الدين، ولم يكن ذلك إلاّ بولاية أمير المؤمنين علیه السّلام.

توضيح ذلك: إنّ الكفّار والمشركين بعد أن رأوا أنّ الإسلام يهدّد كيانهم ويذهب بسؤددهم وشرفهم وتكبرهم، ويسفّه آلهتهم، بدؤوا بمعارضته بشتى الطرق والوسائل، فأوّلاً بدؤوا بتطميع صاحب الدعوة بالمال والجاه، ثمّ بالتهديد والأذى له ولأصحابه، ثم بالحرب والقتال، فلمّا لم تنجح هذه الأمور كلّها، وبدأ الإسلام يزداد ظهوراً وتألقاً، فلم يبق عندهم سوى انتظار زوال الدين بموت صاحب الدعوة، إذ إنّه لا عقب له وحاله حال سائر

ص: 276


1- النساء: 59.
2- للمزيد راجع تفسير الميزان للطباطبائي 5:167، مواهب الرحمن للسبزواري 10:341.

الملوك والسلاطين الذين تندرس آثارهم وأعمالهم بموتهم من غير عقب وخليفة، ولذا كانوا يسمّون النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بالأبتر.

ومعلوم أنّ الشريعة لوحدها والدين لوحده، لا يقوى بنفسه على حفظ نفسه، بل يحتاج إلى من ينافح عنه ويقاتل على تأويله كما قوتل من ذي قبل على تنزيله، ويكون لسانه الناطق ومقروناً بالعصمة الإلهية ليكون كلامه حجة في مستحدثات الأمور وغيرها من المنعطفات الزمكانية، وهذا ما حصل بولاية أمير المؤمنين علیه السّلام يوم الغدير حين جعلت ولایته كولاية رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم.

ومن هنا وبعد تنصيب أمير المؤمنين علیه السّلام بالخلافة والولاية، يأس الكفر - بمعناه الواسع - تماماً من تغيير الدين أو زواله. وعليه فلا داعي حينئذ من الخشية من الكفار، إذ انقطع أملهم من زوال الدين، ولكن لابد للمسلمين من أن يخشوا من الله تعالى كما قال: «فَلاً تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي» أي اخشوا أن أنزع منكم هذا الدين وأسلب منكم هذه النعمة بسبب كفرانها وإضاعتها.

إنّ دين المسلمين صار مصوناً من جهة الكفّار، لا يتطرّق إليه من جهتهم شيء من طوارق الفساد والهلاك، ولكن يبقى الخطر قائماً من قبل المسلمين أنفسهم، فإذا كفروا بهذه النعمة الموهوبة، حلّ بهم الفشل وسُلبت عنهم، قال تعالى: «وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» (1) وقال تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيرًا نُعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (2).

والخلاصة أنّ الله تعالى في ذلك اليوم الذي يئس منه الكفار من دين المسلمين، أكمل للمسلمين دينهم بفرض الولاية، وأتم عليهم النعمة وهي الولاية التي هي إدارة أمور الدين وتدبيره إلهياً، فإنّ هذه الولاية كانت تُجرى على يد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم مادام حياً، ولا تكفي لما بعد ذلك وعند انقطاع الوحي، وبحديث الغدير انتقلت هذه الولاية إلى أمير المؤمنين علیه السّلام وصار خليفة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في تدبير الاُمور أيضاً، وبهذا التنصيب تمّت نعمة

ص: 277


1- محمد: 38.
2- الأنفال: 53.

الولاية على المسلمين، وزال الخوف، وبها رضي الله تعالى الإسلام ديناً للمسلمين، وعليهم أن يعبدوا الله ويطيعوا ولاته ولا يشركوا به شيئاً بطاعة غيره أو طاعة غير من أمر بطاعته.

شبهات في المقام:

قد انبرى أهل السنة هنا - كعادتهم - لردّ معتقد الشيعة، وصرف الآية عن محتواها ومعناها الحقيقي، فطرحوا مجموعة شبهات نوردها فيما يأتي:

1 - الشبهة الأولى: قال الفخر الرازي (ت 606) في تفسيره:

«هذه الآية أي: «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ» دالّة على بطلان قول الرافضة، ذلك لأنّه تعالى بيّن أنّ الذين كفروا يئسوا من تبديل الدين، وأكّد ذلك بقوله: «فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي» فلو كانت إمامة علي بن أبي طالب منصوصاً عليها من قبل الله تعالى وقبل رسوله الله صلّی الله علیه و آله و سلّم نصاً واجب الطاعة، لكان من أراد إخفاءه وتغييره آيساً من ذلك بمقتضى هذه الآية، فكان يلزم أن لا يقدر أحد من الصحابة على إنكار ذلك النص وعلى تغييره وإخفائه، ولما لم يكن الأمر كذلك، بل لم يجر لهذا النص ذكر ولا ظهر منه خبر ولا أثر، علمنا أنّ ادعاء هذا النص كذب» (1).

نقول في الجواب: إنّ الآية كما قلنا دلّت على يأس الكافرين من إبطال الدين وإزالته بنصب عليّ بن أبي طالب علیه السّلام إماماً وخليفة يسير بسيرة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إذ هو نفسه بنصّ القرآن وباب مدينة علمه، وعليه فلا داعي من خشية جانب الكافرين، بل عليهم الخشية منه أن لا تتغيّر النعم الإلهية بكفرانها وإضاعتها، وهذا ما حصل بكتمان النص وكاد الدين أن ينمحق ، لولا قيام علي بن أبي طالب علیه السّلام: بالواجب، ومساعدة القوم على انتظام الأمور، كما قال علیه السّلام: «فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّی الله علیه و آله و سلّم عن أهل بيته، ولا منحوه عنّي من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على

ص: 278


1- تفسير الفخر الرازي 11:139.

فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دین محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين وتنهنه» (1).

مضافاً إلى أنّه لا تلازم بين يأس الكافرين، وبين عدم قدرة الصحابة على إنكار النص، فكم من مخالفة صريحة حصلت منهم أمام النصوص النبوية، آخرها عدم تنفيذ جيش أسامة رغم حثّه صلّی الله علیه و آله و سلّم الشديد على ذلك، وأيضاً عدم إحضار الدواة والكتف ليكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً.

2 - الشبهة الثانية: ذهب أهل السنة إلى أقوال مختلفة في المراد من «اليوم» الوارد في الآية.

فقيل: «إنّه زمان ظهور الإسلام ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صلّی الله علیه و آله و سلّم ودعوته إلى التوحيد ونبذ الأنداد، فيكون المراد من قوله تعالى: إنّ الله أنزل إليكم الإسلام، وأكمل لكم الدِّين، وأتمّ عليكم النعمة، ويأس الكفّار من دينكم، فلا تخافوهم بعد ذلك.

وأشكل عليه: بأنّه يلزم من ذلك أن يكون للمسلمين دين قبل الإسلام كان المشركين يطمعون فيه، ويخشى المسلمون منهم على دينهم، فأيأس الله الكافرين بإكمال دينهم وإتمام نعمته عليهم كما هو ظاهر سياق الآية المباركة، وهو خلاف الوجدان، فإنّه لم يكن لهم قبل الإسلام دين يطمع فيه الكفّار أو يكمله الله ويتمّ نعمته عليهم.

وقيل: إنّ المراد به ما بعد فتح مكّة، فإنّه اليوم الذي أبطل الله تعالى كيد المشركين، وأذهب شوكتهم وهدم بنيانهم، فانقطع رجاؤهم، فلم يخفهم المسلمون على دينهم ولا على أنفسهم.

ويرد عليه: إنّ الآية المباركة تدلّ على كمال الدين وإتمام النعمة، وفي ذلك اليوم لم يكمل

ص: 279


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم 62.

الدين ولم تتم النعمة بعد، وقد فُرضت كثير من الشرائع والأحكام وأُنزلت مجموعة من الفرائض بعد يوم الفتح.

مع أنّ الآية الشريفة تدلّ على ايئاس جميع الكفّار من هذا الدين، ولم يكن كذلك بعد يوم الفتح، إذ أنّ بعض العادات السّيئة والشرائع الفاسدة كانت موجودة عندهم، حتى بعث فيهم النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من أبطل تلك العادات السيئّة والشرائع الفاسدة.

وقيل: إنّ المراد به ما بعد نزول سورة البراءة من الزمان حيث انبسط الإسلام على جزيرة العرب وعفيت آثار الشرك، وماتت سنن الجاهليّة، فلم يخش المسلمون من كيدهم، وقد أبدلهم الله تعالى من بعد خوفهم أمناً يعبدونه ولا يشركون به شيئاً.

ويرد عليه ما اُورد على سابقه، فإنّ الإسلام وإن أمن من مكرهم، وانبسط على الجزيرة وانقبرت سنن الجاهليّة، إلاّ أنّ الدين لم يكمل بعد، وقد نزلت فرائض وأحكام ومواثيق بعد نزول براءة كما هو معلوم، فإنّ سورة المائدة التي هي الأحكام نزلت في آخر عهد النبيّ صلّی صلّی الله علیه و آله و سلّم.

وقيل - وهو المعروف بينهم - : إنّ المراد به يوم عرفة من حجّة الوداع، كما ذكره كثير من المفسّرين ووردت به بعض الروايات.

وفيه انه إذا كان المراد به ذلك فما المراد من يأس الّذين كفروا من هذا الدين، فهل المراد به يأس مشركي قريش من الظهور عليه ؟! فهو قد كان في يوم الفتح عام ثمانية للهجرة، لا يوم عرفة من السنة العاشرة.

أو يراد به يأس مشركي العرب من الظهور على الدين؟! فقد كان عند نزول براءة في السنة التاسعة من الهجرة.

وإن كان المراد به يأس الكفّار جميعهم الشامل لليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة: «الَّذِينَ كَفَرُواْ»، فهؤلاء لم يكونوا آيسين من الظهور على المسلمين، إذ لم يكن لهم شوكة ومنعة في خارج الجزيرة.

ص: 280

على أنّ المناسب لقوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» أنّ كون الحكم الذي أنزله الله تعالى له من الأهميّة بمكان بحيث يكون به كمال هذا الدين، وبه تتمّ النعمة العظيمة، وبنزوله قد رضي الله سبحانه وتعالى أن يكون الإسلام ديناً ومنهاجاً أبدياً خالداً إلى يوم القيامة.

وما يمكن أن يقال من الاحتمالات في هذا الحكم النازل في يوم عرفة خمسة:

الأوّل: أن يكون المراد به إكمال أمر الحج بحضور النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بنفسه الشريفة وتعليمه الناس تعليماً قوليّاً وعمليّاً في آن واحد.

وفيه: إنّ حضوره صلّی الله علیه و آله و سلّم في الحجّ وإكماله بتشريع الأحكام، فيه كمال للحجّ فقط لا للدين كلّه وإتمام للنعمة، فإنّ كلّ حكم إلهي بحدّ نفسه كمال ونعمة عظيمة، كما ورد في قوله تعالى عند تشريع الوضوء والتيمّم: «وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ»، إلا أنّ ظاهر الآية المباركة في المقام أنّ ما شرّعه عزّ وجلّ من الحكم في هذا اليوم يكون موجباً لكمال الدين كله وسبباً لانقطاع رجاء الكفّار، مضافاً إلى ذلك أنّ تشريع الحجّ لم يكن موجباً لإيئاس الكفّار وانقطاع الرجاء عن هذا الدين كما هو معلوم، فتنقطع الرابطة بين الجملتين، وهو خلاف ظاهر الآية الشريفة.

الثاني: أن يكون المراد به إكمال الدين بنزول بقايا الحلال والحرام في هذا اليوم فلا حلال بعده ولا حرام، وبه استولى اليأس على الكفّار وانقطع رجاؤهم عن هذا الدين.

وفيه: مضافاً إلى ما أورد على سابقه، أنّ الأحكام لم تكمل يوم عرفة، فقد نزلت بعده أحكامٌ عدّة كآية الصيف وآيات الربا، كما دلّت عليه جملة من الأخبار.

مع أنّ الكفّار الّذين انقطع رجاؤهم واستولى اليأس على نفوسهم هل هم مشركوا قريش؟ فقد كانوا كذلك قبل نزول هذه الآية المباركة، أم مشركوا العرب؟ فقد خابوا عند نزول سورة براءة، أم الكفّار مطلقاً من غيرهم؟ وقد عرفت أنّهم لم يكونوا آيسين يومئذ من الظهور من المسلمين.

الثالث: أن يكون المراد به إكمال الدين بتخليص بيت الله الحرام من رجس الوثنيّة،

ص: 281

وبراثن الشرك، وإجلاء المشركين عنه وخلوصه لعبادة الله الواحد الأحد.

وفيه: أنّ الأمر كان كذلك بعد فتح مكّة قبل هذا اليوم بسنة، يضاف إلى ذلك أنّ تسمية مثل ذلك كمالاً للدين وإن كان فيه إتمام للنعمة مشكل، فإنّ الدين مجموعة من الاعتقادات والتوجيهات والإرشادات القيّمة التي توجّه الإنسان إلى الصراط المستقيم، وتعدّه إعداداً علميّاً وعمليّاً وعقائديّاً لنيل الكمالات الواقعيّة، وليس في فتح مكة من الأهميّة العظمى التي يكون بها إكمالاً للدين كلّه، وإن كان له أهميّة من النواحي الاُخرى التي لا يستهان بها كما هو معلوم.

على أنّ إشكال يأس الكفّار يأتي في هذا الاحتمال أيضاً، كما هو واضح.

الرابع: أن يكون المراد به إكمال الدين ببيان المحرّمات بياناً تفصيليّاً، بعد أن ذُكرت على سبيل الإجمال في بعض السور المكيّة، لئلاّ ينفر العرب من هذا الدين، ويمتنعوا عن قبوله، وليكون المسلمون على بصيرة منها فيجتنبوا عنها من علم ومعرفة واطمئنان من دون خشية من الكفّار، فإنّهم يئسوا من هذا الدِّين بعد إعزاره وظهور الدين كلّه، فالمراد من اليوم هو يوم عرفة التي نزلت فيه هذه الآية الشريفة التي بيّنت هذه الأحكام، وأبطلت بها سنن الجاهليّة، وهدم صرح الشرك بالبشارة بغلبة المسلمين، وظهورهم على المشركين ظهوراً تامّاً، وعدم الخشية منهم، فإنّهم يئسوا من إزالة هذا الدين، فأبدل الله تعالى خوف المؤمنين أمناً وضعفهم قوّة وفقرهم غنى، فالأجدر بالمسلمين أن يتوجّهوا إلى العمل بالأحكام في أمن وأمان، فلا يبالوا بالكفّار ولا إلى قوّتهم، ولا يخافوهم على دينهم ولا على أنفسهم.

ويرد عليه ما أورد على سوابقه، مضافاً إلى أنّ التدريج في المقام ليس كالتدريج في آيات الخمر، فإنّ هذه الآية المباركة لم تأت بحكم جديد، فضلاً عمّا ورد من التحريم في سورة البقرة والأنعام والنحل، إلاّ أنّ في المقام شرحاً للميتة ببيان أفرادها، فإن اُريد من التدريج خوفاً من امتناع الناس عن قبول هذا المعنى، فهو غير وجيه، إذ إنّ هذه المحرّمات ذكرت

ص: 282

في غير موضع واحد .

على أنّ تشريع حكم واحد مثل هذا الذي ورد في الآية الكريمة، وإن كان كمالاً في حدّ نفسه وتماماً للنعمة، لكنّه لم يكن كمالاً للدين كلّه - كما عرفت - كما هو شأن بقية الأحكام الإلهية التي شرّعت في أوقات متعدّدة، فلم يرد فيها مثل ما ورد في ما شرّعه الله تعالى في هذا اليوم بأنّه كمال للدين وإتمام للنعمة العظيمة، وأنّه سبب لإيئاس الكفّار من هذا الدِّين، وأنّ به رضا الله تعالى أن يكون الإسلام ديناً إلى يوم القيامة.

الخامس: أن يكون المراد بإكمال الدين هو سدّ باب التشريع، فلم يُنزلِ حكماً آخر بعد نزول هذه الآية في يوم عرفة.

وفيه: أنّه لم ينسد باب التشريع عند نزول هذه الآية الشريفة في هذا اليوم كما عرفت مكرّراً، فقد شُرّعت أحكام كثيرة بعدها أيضاً.

والحقّ أن يقال: إنّ الدين مجموعة قوانين ونظم وتوجيهات وإرشادات قيّمة تعدّ الإنسان إعداداً علميّاً وعمليّاً وعقائديّاً للوصول إلى الكمال اللائق به في الدارين، وتكون سبباً في سعادته، وهي وإن كانت مجموعات وأحكاماً متعدّدة، إلاّ أنّها مترابطة ومتكاملة، ويُعدّ كلّ واحد منها نعمة على الإنسان، كما يدلّ عليه ما ورد في تشريع الوضوء والتيمم في قوله تعالى: «وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ» (1).

كما أنّ كلّ واحد من تلك الأحكام يكون اللاحق منها مكملاً للسابق وكمالاً له، ويعدّ كلّ تشريع من التشريعات الإلهيّة دعامة من دعامات هذا الدين، وسبباً في تقويته وتثبيته ومنعته وصدّه لكيد الكافرين ومكرهم الّذين ما برحوا في تقويض هذا البنيان المنيع وإطفاء نور الله تعالى، ولهم في ذلك أساليب مختلفة كما حكى عزّ وجلّ في القرآن الكريم، وحذّر المؤمنين من كيدهم ومكرهم وخُدَعهم.

وكان جملة ما توسّلوا به في زعزعة هذا الدين هو افتتان المؤمنين، وبثّ النفاق بينهم،

ص: 283


1- سورة المائدة: الآية 6.

وإفساد دينهم بإلقاء الشبه والشكوك في نفوسهم، وقد تصدّى الرسول الكريم صلّی الله علیه و آله و سلّم الدفع ذلك، وردّ كيدهم بوحي من السماء وإمداد ربوبي فعاش فيه ثلاثاً وعشرين سنة يكابد المحن، ويكافح أعداء الدين، ويجاهد مع المنافقين، ويمدّه عزّ وجلّ بتوجيهات وإرشادات وينزل من الأحكام ما تطمئنّ نفسه الشريفة ونفوس المؤمنين، حتّى نما الإسلام، وقويت شوكته، ودخل المشركون في هذا الدين، وانمحت آثار الشرك من الجزيرة، وعلت كلمته، وظهر على الدين كلّه وإن كره الكافرون، إلاّ أنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم و إن أمن من كيدهم في حال حياتهم، ولكنّه لم يأمن منهم بعد رحيله وغيابه عن جماعتهم، وكان من أهمّ ما كان يمنّي أعداء الدِّين أنفسهم هو الانقضاض على هذه الشجرة الطيّبة بعد موته صلّی الله علیه و آله و سلّم، فكانوا يفترون عزيمة النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم والمؤمنين بشتى السبل، منها أنّهم كانوا يقولون: إنّ هذا النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أبتر ليس له عقب يحفظ له دينه بعد موته، وسينقطع أثره ويموت ذكره، ولا يبقى دينه كما هو المشهود في موت الملوك والسلاطين، فكان هذا الأمر من أهمّ ما كان يساور النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم ويهمّه ويقلق باله. ولعلّ كان يرى أنّ هذا الدين لو بقي كذلك من دون أن يكون في البين تشريع يحفظه بعد ارتحاله صلّی الله علیه و آله و سلّم يكون ناقصاً، وكان يخشى الكافرين أعداء هذا الدين من الانقضاض عليه مرّة اُخرى وإفساده وهو غائب لم يقدر على حفظه من كيدهم، وهذا هو الذي كان يخشى المؤمنون منه أيضاً، فلابدّ من تشريع يزيل هذا النقص منه وتكميله بإنزال حكم يثبت دعائمه إلى الأبد، مع العلم بأنّه دين أبدي لا يكون بعده دين أو تشريع آخر، فيكون هذا التشريع والحكم الإلهي له من المميّزات ما يفوق به علىّ أي تشريع آخر، فإنّه يزيل الخشية عن المؤمنين من كيد الكافرين فلا يخاف منهم، وبه يكمل هذا الدين وتثبت دعائمه إلى الأبد، ويؤمن من كيد أعدائه ومكرهم وخدعهم وأباطيلهم.

وهو من النّعم العظيمة على المؤمنين في حفظ دينهم من الضياع، وبه رضى الله عزّ وجلّ أن يكون الإسلام ديناً أبدياً ومنهاجاً خالداً، فأيّ تشريع عظيم هذا يكون سبباً لرضائه تعالى به ديناً كاملاً، فهو تبارك وتعالى كان راضياً بهذا الدين قبل ذلك، ولكنّه الآن رضي أن

ص: 284

يكون ديناً كاملاً وتاماً لا يخشى المسلمون من أعدائه، فهو باق ببقاء الدهر محفوظاً من كيدهم ومكرهم، فلا يخافهم المؤمنون لا على دينهم ولا على أنفسهم.

ومن ذلك يعلم أنّ المراد من اليوم في المقام هو المقطع الخاصّ من الزمان الذي شرّع فيه هذا الحكم الإلهي العظيم، فلا يختصّ بخصوص يوم عرفة أو قبله أو ما بعده حتّى ارتحاله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فإنّ لهذا التشريع مقدّمات ومعدّات لم تكن في غيره لأهميّته، فهو يختلف عن سائر الحكم والتشريعات كما عرفت.

ويشهد لهذا اُمور:

منها: أنّ سياق قوله تعالى: «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ» يدلّ على تفخيم أمر هذا اليوم وتعظيم شأنه، لما في تقديم الظرف وتعلّقه بقوله تعالى: (يَئِسَ) من الدلالة على ذلك كما هو معلوم، ولعلّ السرّ في ذلك هو ما ذكرناه من إنزال حكم الهي في هذا اليوم يكون فيه الضمان لحفظ هذا الدين وديمومته، و به خرج من الظهور والحدوث إلى مرحلة البقاء والدوام.

ومنها: أنّ يأس الكفّار وانقطاع رجائهم عن هذا الدين لم يتحقّق إلاّ بتشريع حكم يضمن بقاءه، ويحفظه من الضياع إذا مات القائم بأمره، فإنّ كلّ مذهب ونحلة لا تبقى على شوكتها وقوّتها وصفائها ونضارتها إذا مات حملتها وحفظتها والقائمون بأمرها، فلابدّ من أن يقوم بعدهم من يحفظها ويدبّر أمرها، وكان رجاء الأعداء الوحيد هو موت صاحب

هذا الدين ليقضوا عليه بعد ما لم ينفعه التهديد، والتوعيد والقهر، والجبر، والقتل والضرب في حياة صاحبه، وقد حصل لهم اليأس عندما خرج الدين من القيام بفرد معين وشخص خاصّ إلى أشخاص متعدّدين يتحمّلون الأمانة بصدق ووفاء، ويكونوا مظاهر للشريعة قولاً ،وعملاً وانقطاع رجاؤهم عندما علموا بأنّ الدين خرج من مرحلة الحدوث إلى مرحلة البقاء، ولعلّ في قوله تعالى: «وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ

ص: 285

شَيْءٍ قَدِيرٌ» (1)، إشارة إلى ذلك، فإنّ الكفّار عندما انقطع رجاؤهم من تقويض هذا الدين في حياة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، تمنّوا الانقضاض عليه وردّ المؤمنين عن إيمانهم بعد ارتحاله وموته ، ولكن الله جلّت عظمته وعد المؤمنين بأن يأتي بحكم يرفع هذا الخوف الكامن في نفوسهم، وهو الذي ذكره عزّ وجلّ في الآيات المباركة في المقام.

ومنها: أنّ سياق الآية الشريفة يختلف عن سياق مثيلتها التي ورد فيها نفس الاُسلوب، كقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ»، الذي يدلّ على تشريع حكم إرفاقي يُنبئ عن عظيم امتنانه على الأمة، حيث أحلّ لهم الطيّبات وطعام أهل الكتاب، كما ستعرف.

وأمّا المقام، فإنّ سياقه يدلّ على عظيم أمرِ «اليوم» الذي نزل فيه حكم عظيم يتضمّن البُشرى للمؤمنين بحفظ دينهم عن تلاعب أيدي الّذين كفروا، وهو يشمل اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.

وأمّا الآية الأخرى فيختصّ الحكم فيها بأهل الكتاب، كما أنّ الحكم في المقام تكويني، في حين الحكم في الآية التالية تشريعي إرفاقي، فيستفاد من جميع ذلك عظمة الحكم الوارد في المقام، وأهميّة اليوم الذي شرّع فيه ذلك الحكم.

ومنها: أنّه ورد بعض الروايات في المقام الذي يدلّ على أنّ الآية نزلت يوم غدير خُمّ في أمر ولاية علي علیه السّلام.

ومنها: قوله تعالى في الآية الكريمة: «فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي» الدال على النهي عن الخشية منهم. والظاهر أنّ النهي إرشادي، لا أن يكون مولوياً، بمعنى ارتفاع الموجب عن الخشية بعد يأس الّذين كفروا من التعرّض لدينكم، فلابدّ من أن تكون الخشية من الله تعالى فقط في عدم التعرّض لما يوجب سخطه وعقابه.

ومن البديهي أنّ الخشية منه عزّ وجلّ واجبة على كلّ تقدير، من غير أن تكون في

ص: 286


1- سورة البقرة: الآية 109.

وقت خاصّ أو حالة مخصوصة، فإنّ ذلك يشعر بأنّ الخشية المأمور بها في المقام هي خاصّة، وهي التي كانت حاصلة من الأعداء بالنسبة إلى دين الله تعالى، وبعد أن أيأسهم الله تعالى وأمن المؤمنين، فلا موجب للخشية منهم، ويجب على المؤمنين توجّه خشيتهم إلى الله تعالى لئلاً يقعوا في ما يوجب غضبه والانتقام منهم، ولا تخلو الآية المباركة من التهديد والتحذير للمؤمنين، كما هو واضح من سياقها.

قد يقال: إنّ قوله تعالى: «فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي» يكون مثل قوله تعالى: «فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» (1)، فكل ما يقال فيه يقال في المقام أيضاً.

ويرد عليه بأنّ الحكم في الآية الشريفة الثانية مولوي مشروط بالإيمان، ويكون مفادها أنّه لا يجوز للمؤمنين أن يخافوا الكافرين لا على دينهم ولا على أنفسهم، بل يجب عليهم أن يخافوا الله تعالى وحده، فإنّه العزيز القادر على كلّ شيء، بل المؤمن لا يخاف غيره جلّ شأنه، كما يشعر به التعليل في ذيل الآية المباركة.

وأمّا آية المقام، فإنّها لا تنهى عن الخشية منهم إلاّ بعد تشريع حكم خاص أوجب يأس الأعداء وانقطاع رجائهم عن نيل هذا الدين، فحينئذ لابد من أن تكون خشيتهم عن الله فقط، فهي لا تنهى عن الخشية مطلقاً كما نهت الآية الاُخرى عن الخوف، بل لأجل أنّه لا موجب للخشية بعد اليأس، ولذا كان الحكم تكوينيّاً لا تشريعيّاً.

ومن جميع ذلك تعرف عظمة هذه الآية الشريفة وأهميّتها، وأنّها تؤذن بأنّ هذا الدين في أمن وأمان من ناحية الّذين كفروا بعدما يئسوا من النيل منه، فلا يتطرّق إليه ما يوجب الخطر عليه أو فساده، إلاّ من ناحية المسلمين أنفسهم بترك العمل بالاحكام الإلهية، والإعراض عن التوجيهات الربوبيّة، فإذا تغيّروا تغيّر الله تعالى عليهم، فإنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم، فقد يسلب منهم التوفيق، ويزيل النعمة، ويذيقهم لباس الخوف والجوع، كما حكى عزّ وجلّ في مواضع عدّة من القرآن الكريم:

ص: 287


1- سورة آل عمران: الآية 175.

قال تعالى: «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ» (1) (2).

3 - الشبهة الثالثة: ما رواه البخاري (ت 256) في صحيحه عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب أنّ رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أيّ آية؟ قال: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً»، قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وهو قائم بعرفة يوم جمعة (3).

وبسند آخر عن محمد بن يوسف، عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب نحوه وفيه: إنّي لأعلم أيّ مكان نزلت، أنزلت ورسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم واقف بعرفة (4).

وروى البخاري في كتاب تفسير القرآن أيضاً عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب نحوه وفيه: إنّي لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت، وأين رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم حین أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة - قال سفيان : وأشك كان يوم الجمعة أم لا - «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (5).

وأيضاً في كتاب الاعتصام عن الحميدي عن سفيان عن مسعر وغيره عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب نحوه، وفيه أنزلت يوم عرفة في يوم جمعة (6).

وعند مسلم (ت 261) عن عبد الله بن إدريس عن أبيه عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب بنحو ما مرّ (7).

ص: 288


1- سورة النحل: الآية 112.
2- مواهب الرحمن للسبزواري 344: 10-354، ونحوه تفسير الميزان للطباطبائي 5:168.
3- صحیح البخاري 1:16، والرواية فيه غير معنعنة.
4- م ن 5:127.
5- م ن 5:186، نحوه صحیح مسلم 8:238.
6- م ن 137: 8.
7- صحیح مسلم 8:238 .

وبسند آخر عن عبد بن حميد عن جعفر بن عون عن أبي عميس عن قيس عن طارق نحوه (1).

وفي سنن النسائي (ت 303) بنفس السند الأوّل من رواية صحيح مسلم أنّها أنزلت ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بعرفات (2).

وقد وردت في باقي المصادر باختلاف قليل في الألفاظ وبنفس الأسانيد، وهي العمدة في ردّ معتقد الشيعة بنزول آية الإكمال يوم الغدير، ولا مستند لهم غيرها. ونقول في الجواب:

أوّلاً: هذه الرواية عندنا غير صحيحة إذ إنّ عمر يجرّ النار إلى قرصه، وشهادته فيما يؤول إلى صالح نفسه غير مقبولة، كما ردّوا شهادة الزهراء وعلي علیهما السّلام في مسألة فدك بنفس هذا التبرير.

ثم إنّ مدارها على قيس بن مسلم الجدلي عن طارق بن شهاب، وقيس هذا وإن وثّقه القوم، لكن قال البستي عنه: كان مرجئاً يخطئ. وأيضاً ذكره العقيلي في جملة الضعفاء، (3) وعن أبي داود عن شعبة أنّه ذكره فجعل يلينه (4). وما يدريك لعلّ هذه الرواية ممّا أخطأ فيها.

كما أنّ في سندها أيضاً الحسن بن الصباح، وقد سُئل أحمد عنه فقال: اكتب عنه ثقة صاحب سنة (5). ومع هذا قال المزي بعد صفحة: ذكره النسائي في كتاب الكنى وقال: ليس بالقوي (6)، وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء وقال : قال النسائي: ليس بالقوي، (7) وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق يهم (8).

ص: 289


1- م ن 8:239.
2- سنن النسائي 5: 251.
3- إكمال تهذيب الكمال لعلاء الدين مغلطاي 2:337.
4- تهذيب التهذيب لابن حجر 8:361.
5- تهذيب الكمال للمزي 6:193.
6- م ن 6:195.
7- المغني في الضعفاء 1:250.
8- تقريب التهذيب 1:205.

ومع قطع النظر عن هذا فإنّ وصفه بكونه صاحب سنّة يوجب التوقّف فيه والحذر منه، إذ إنّ هذا الوصف - أي صاحب السنة - أطلق وأريد منه معاني مختلفة تداخلت الأهواء فيها، فتارة يقولون: إذا رأيت البغدادي يحبّ أحمد فاعلم أنّه صاحب سنة (1).

وأخرى: أنّا لنمتحن الناس بالأوزاعي، فمن ذكره بخير عرفنا أنّه صاحب سنة (2).

وثالثة: إذا رأيت الحجازي يحب مالكاً فاعلم أنّه صاحب سنة (3).

ورابعة يقولون: من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة (4).

ولو تدرّجنا في التتبع لرأينا أنّهم يطلقون هذا الوصف على من كان عثمانياً أو فقل ناصبياً، نقل ابن حجر في ترجمة عبد الله بن إدريس عن العجلي: ثقة ثبت صاحب سنة وكان عثمانياً (5). وقال في ترجمة عثمان بن عاصم عن العجلي أيضاً: كان صاحب سنة وكان عثمانياً (6). وقال في ترجمة محمد بن عبيد عن العجلي: كوفي ثقة وكان عثمانياً، وعن ابن

سعد: صاحب سنة، وقال الدوري: سمعت محمد بن عبيد يقول: خير هذه الأُمّة بعد نبيّها أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ويقول: اتقوا لا يخدعكم هؤلاء الكوفيين (7). فإنّه لشدّة صلابته في السنة أخرج علياً علیه السّلام من عداد خيار الاُمّة، وما اكتفى بذلك بل نصح أن لا يخدعوا بالكوفيين في عدّ عليّ علیه السّلام من ضمن خيار الاُمّة.

إذا عرفت هذا فلا تبقى قيمة عندنا لما يرويه الحسن بن الصباح في صحيح البخاري من قول عمر: إنّ آية الإكمال نزلت في عرفة يوم الجمعة، فإنّه إمّا ناصبي يطعن في عليّ علیه السّلام،

ص: 290


1- تهذيب التهذيب لابن حجر 11:250.
2- م ن 218: 6.
3- مواهب الجليل للرعيني 1:37.
4- الاستيعاب لابن عبد البر 3:116.
5- تهذيب التهذيب 5:127.
6- م ن 7:116.
7- م ن 9:291، المعجم الكبير للطبراني 12: 183.

أو على أقل التقادير ممن يربع بعلي علیه السّلام، ومن الطبيعي أنّ هكذا شخص لا يروي ما ينفي خلافة الثلاثة المتقدّمين، إذ إنّ إثبات نزول الآية يوم الغدير تدعم نظرية الإمامية.

ثانياً: التناقض الموجود في يوم نزولها من يوم الجمعة إلى ليلة الجمعة إلى يوم الاثنين كما عن ابن عباس وكما هو مقتضى تشكيك سفيان الثوري - كما مرّ -، يوجب عدم الاطمئنان بقبول صحّتها، ويبقى ما أجمعت عليه الشيعة وما ذكره بعض أهل السنة سليماً من المعارض.

ثالثاً: إنّ ما رواه أهل البيت: في أنّ الآية نزلت يوم الغدير، يجب الأخذ به لوجود حديث الثقلين الناص بلزوم الالتزام بالعترة للأمن من الضلال الفكري والعقدي والسياسي والاجتماعي وغيرها.

رابعاً: إنّ مضمون الخبر متهافت، إذ إنّ اليهودي يسأل أو يذكر أهميّة يوم نزول آية الإكمال ولزوم اتخاذ ذلك اليوم عيداً، كأنّه يستغرب من المسلمين إهمال هذا الأمر العظيم، ويأتي جواب عمر وهو أجنبي تماماً عن صدر الخبر، إذ يجيب بعلمه حين نزول الآية، من دون أن يبرّر عدم اتخاذهم هذا اليوم عيداً، فصدر الخبر شيء وذيله شيء آخر، ولا توافق بينهما، فهو مضطرب منكر لا يمكن الاعتماد عليه. والقول بكون يوم عرفة عيد لم يقل به أحد من المسلمين.

خامساً: إنّهم قالوا انّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يعش بعد نزول هذه الآية إلاّ نحو 81 أو 82 يوماً، (1) كما قالوا إنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم توفي في الثاني عشر من ربيع الأول، وهذا يعارض نزول آية الإكمال يوم الجمعة في عرفة، إذ إنّها كانت في صلّی الله علیه و آله و سلّم ذي الحجة وبينها وبين 12 ربيع الأوّل أكثر من تسعين يوماً، ولا يجديهم نفعاً القول باختلاف المطالع بين أهل مكة والمدينة من حيث رؤية الهلال - كما ذهب إليه ابن كثير (2)- وذلك أنّ مكة والمدينة متفقتا الاُفق تقريباً، فيبقى التعارض على حاله.

ص: 291


1- تفسير الرازي 3:529، الدر المنثور للسيوطي 2:257، تفسير القرطبي 20:223، تفسير الطبري 4:106 وغيرها.
2- البداية والنهاية 5:256.

سادساً: وهنا احتمال آخر، ربما يكون صواباً، وهو تسمية السورة باسم أبرز ما فيها، ولما كانت آية إكمال الدين من أبرز وأهمّ الآيات في سورة المائدة، سمّيت السورة آنذاك باسمها، فلمّا يقال أنزلت : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...»، يوم الجمعة بعرفة، يراد منه نزول السورة لا خصوص هذه الآية.

ويؤيّده ما ورد في تفسير الطبري عن ابن عباس أنّه قال: أنزلت سورة المائدة يوم الإثنين: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (1) حيث يصّرح بنزول المائدة ويسمّيها بأشهر آياتها وهي الإكمال.

وممّا يدلّ أيضاً على صحة هذا الوجه ما روي عن عكرمة عن عمر أنّه قال: نزلت سورة المائدة يوم عرفة ووافق يوم الجمعة. وعن شهر بن حوشب: نزلت سورة المائدة على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وهو واقف بعرفة على راحلته، فتنوّخت لأن تدقّ ذراعها (2).

وعليه لا تنافي بين الأقوال، فالروايات الدالة على نزول آية الإكمال يوم عرفة يُقصد بها سورة المائدة من باب تسمية الكل باسم جزئه، وهذا لا ينافي نزول خصوص آية الإكمال يوم الغدير، وعندما سأل اليهودي عمر عن هذه الآية، واستغرب لعدم اتخاذهم يوم نزولها عيداً، موّه عليه عمر وقال: نزلت يوم عرفة، والحال أنّ ما نزل بعرفة هو سورة المائدة لا آية الإكمال.

4 - الشبهة الرابعة: قال ابن كثير: «فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: لما أخذ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عز وجل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً.

فإنّه حديث منكر جداً بل كذب; لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم واقف

ص: 292


1- تفسير الطبري 8:90 / سورة المائدة: 3.
2- م ن 89: 8.

بها. وكذا قوله: إنّ صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو غدير خم يعدل صيام ستين شهراً، لا يصح، لأنّه ثبت ما معناه في الصحيح أنّ صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام واحد يعدل ستين شهراً، هذا باطل. وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراد هذا الحديث: هذا حديث منكر جداً، رواه حبشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري وهما صدوقان، عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة، قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية. قال: أمّا هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله ما نزلت هذه الآية إلاّ يوم عرفة قبل غدير خم بأيّام، والله تعالى أعلم» (1).

ونقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ الأساس في ردّ هذه الرواية وتضعيفها، هو ما رووه عن عمر بن الخطاب في يوم نزول آية الاكمال يوم عرفة، وقد عرفت مواقع الخلل في سند تلك الرواية ودلالتها آنفاً، فلا يمكن الاعتماد عليه لردّ رواية أبي هريرة.

ثانياً: إنّ ضمرة وابن شوذب ومطر الوراق ممّن روى عنهم بعض أصحاب الصحاح الستة ممّا يدلّ على حسن حالهم على الأقلّ، وكون روايتهم تكون بمرتبة الصحيح (2). أما شهر بن حوشب فقد ذكر الذهبي توثيقه عن جماعة وقال: «قال أبو عيسى الترمذي: قال محمد هو البخاري: شهر حسن الحديث وقوّى أمره، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة شامي، وروى عباس عن يحيى: ثبت، وروى حنبل عن أحمد: ليس به بأس، وقال الفسوي: شهر وإن تكلّم فيه ابن عون، فهو ثقة» (3).

وعليه فلا وجه لتضعيف الألباني رواية أبي هريرة لوجود شهر ومطر حيث قال: «وهذا

ص: 293


1- البداية والنهاية 5:214.
2- عبقات الأنوار، حدیث الغدير 9:242.
3- میزان الاعتدال 2:284.

إسناد ضعيف أيضاً لضعف شهر ومطر (1).

ثالثاً: ما زعمه من عدم جواز زيادة ثواب صوم غير شهر رمضان على صيام شهر رمضان، مردود عليه ومنتقض بما ورد عندهم من مضاعفة صيام بعض الأيّام على صيام شهر رمضان بما فيها ليلة القدر التي هي ألف شهر، فعن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «ما من أيّام الدنيا أيّام أحبّ إلى الله سبحانه أن يتعبّد فيها من أيّام العشر، وإنّ صيام يوم فيها يعدل صيام سنة، وليلة فيها بليلة القدر» (2).

وعنه صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّه قال: «من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده» (3). وأيضاً: «صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم» (4).

مضافاً إلى أنّ مدار الثواب كثرة وقلّة لا يدور مدار الأعمال، إذ إنّ الإثابة من الله تعالى إنّما هي تفضّل، فربّما استحقّ عبد مثوبة على نفل أكثر من المثوبة الحاصلة من الفرض، لعلل وأسباب خفيت علينا، ربما تكون لأجل حصول شدّة الخضوع والعبودية في النفل أكثر من الفرض، إذ إنّ الإنسان مجبور على أداء الفرائض ولكن لا جبر عليه في أداء النوافل، فلو التزم بالنوافل بعد أداء الفرائض، أظهر من نفسه عبوديّة وخضوع لله تعالى، وربما يكون سرّ زيادة مثوبة بعض النوافل كزيارة الحسين 7 وصوم يوم الغدير وغيرهما على الفرائض هو هذا.

وعليه لا ضير أن يتفضّل الله تعالى على عبده بمثوبة فاضلة على مثوبات الفرائض، لما أظهره من استكانة وتذلّل وعبوديّة أمامه من غير أن تجب عليه أو يكون فيها إلزام أو وعيد بتركها، طالما كانت المثوبات تفضّلاً لا استحقاقاً.

5 - الشبهة الخامسة: أخرج ابن عساكر عن يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني، عن قيس

ص: 294


1- سلسلة الأحاديث الضعيفة 10:594 رقم 4923.
2- سنن ابن ماجة 1:551 ح1728، تاریخ بغداد 11:208.
3- م ن 1:551 نحوه سنن البيهقي 4:300.
4- شعب الإيمان للبيهقي 3:357 ح3764، الجامع الصغير للسيوطي 2:112 ح5119.

بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخُدري قال: لما نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علیاً بغدیر خم فنادى له بالولاية، هبط جبريل علیه السّلام بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...» (1).

قال الألباني: هذا موضوع، آفته أبو هارون العبدي فإنّه متهم بالكذب، وقيس بن الربيع ضعيف، ونحوه الحماني (2).

ونقول في الجواب: نعم إنّهم أجمعوا على تضعيف أبي هارون العبدي، ولكن لو علمنا سبب ذلك لهان بنا الخطب، إنّهم ما ضعّفوه إلاّ لتشيّعه (3)، ولرواية فضائل أمير المؤمنين علیه السّلام التي لا تروقهم، الدالّة على بطلان ما بنوه وأسّسوه، كما أنّه روى مثالب أعداء أمير المؤمنين علیه السّلام، فقد روى عن أبي سعيد أنّ عثمان أدخل حفرته وأنّه لكافر بالله، علماً بأنّه كان خارجياً ثم استبصر وصار شيعياً (4). فمن الطبيعي أن يضعف القوم هكذا رجل، وعليه فلا عبرة بتضعيفهم، ويبقى الرجل على وثاقته سيّما فيما وافقه غيره.

أما يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني فقد ضُعّف أيضاً لتشيّعه، وقد ذكر الكشي أنّ له كتاباً في إثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، (5) وقال عنه وقال عنه الذهبي: شيعي بغيض، (6) وقد ذكر أيضاً أنّ يحيى بن معين وغيره وثّقوه.

أما قيس بن الربيع فقد ذكره العجلي في الثقات، وقال: كان معروفاً بالحديث صدوقاً (7)، ونقل عن أبي حاتم أيضاً توثيقه وكونه صدوقاً مأموناً (8). وقال الذهبي: صدوق سّيء الحفظ، وكان شعبة يثني عليه، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق، وقال ابن عدي: عامّة رواياته

ص: 295


1- تاریخ دمشق 42:237.
2- سلسلة الأحاديث الضعيفة 10:593 ح 4923.
3- تقريب التهذيب لابن حجر 2:49 رقم 460، المجروحين لابن حبان 2:177.
4- الكامل لابن عدي 578، ميزان الإعتدال للذهبي 3:173 رقم 6018.
5- اختيار معرفة الرجال 2:616.
6- میزان الاعتدال 4:392 رقم 9567.
7- معرفة الثقات 2:220 رقم 1530.
8- المجروحين لابن حبان 2:219.

مستقيمة (1). إذا عرفت هذا فلا وجه لتضعيف هذا الحديث، سيّما وأنّه يشهد لصحّته غيره.

6 - الشبهة السادسة: إن قيل: إنّ الإمامة إن كانت ركناً في الدين، فقد أخلّ الله ورسوله بها قبل يوم الغدير، إذ فيه أنزل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» ولزم أنّ من مات قبل ذلك لم يكن مؤمناً لفوات ركن من إيمانه، وفيه تأخير البيان عن الحاجة، وإن لم تكن ركناً لم يضرّ تركها.

قلنا: هي ركن من بعد موت النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لقيامه مقامه، فلا تأخير عن الحاجة، ولا شك أنّ دين النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إنّما تكمّل تدريجاً بحسب الحوادث، أو أنّه كمل قبل فرض التكليف، والميّتون قبل الغدير كمل الدين لهم بالنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، والخطاب للحاضرين وليس فيه تكميل الدين لغيرهم، على أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم نصّ على عليّ علیه السّلام في مواضع شتى في مبدأ الأمر (2).

ص: 296


1- المغني في الضعفاء 2:221 رقم 5062.
2- الصراط المستقيم للبياضي 1:314 - 315.

آية التبليغ

قال تعالى في محكم كتابه : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (1).

آية التبليغ هذه هي التي نزلت متزامنة مع حديث الغدير ومتعلّقة به، وكان الأمر بالتبليغ فيها يتعلّق بتبليغ إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، وهذا ما تسالمت عليه الشيعة، وأشار إليه بعض أهل السنة ضمن المدوّنات الروائيّة التفسيريّة.

وفيما يأتي نذكر من روى نزولها بمناسبة حديث الغدير من الشيعة والسنة بحسب التسلسل الزمني:

1 - سُليم بن قيس الهلالي (ق1) في كتابه: 290 ح25.

2 - عطاء ت (114) في تفسيره، كما في المناقب لابن شهر آشوب 2:224.

3 - الكلبي (ت (146)، كما في المناقب لابن شهر آشوب 2:224.

4 - ابن جريح (ت 150) في تفسيره، كما في المناقب لابن شهر آشوب 2:224.

5 - إبراهيم الثقفي (ت 283)، كما في المناقب لابن شهر آشوب 2:224.

6 - محمد بن سليمان الكوفي (ت 300) في مناقب الإمام أمير المؤمنين1:140 علیه السّلام ح 78، 171: 1 ح 101، 2:380 ح 854، 2:383 ح 856، 41602 ح 896.

7 - فرات بن إبراهيم الكوفي (ق 3و4) في تفسيره 130 ح149، 151، 131 ح 150، 154.

8 - علي بن إبراهيم القمي (ق 3و4) في تفسيره: 1:171، 173 - 174، 2:201.

9 - العيّاشي (ق 3) في تفسيره 1:331 ح 152، 1:332 ح 153 و 154، 333 ح154، 334 ح155.

ص: 297


1- المائدة: 67.

10 - الصفّار (ت 290) في بصائر الدرجات: 535 ح 40.

11 - ابن أبي حاتم الرازي (ت 327)، كما في الدر المنثور للسيوطي 2:298 وفتح القدير للشوكاني 2:60.

12 - محمد بن يعقوب الكليني (ت 329) في الكافي 1:289 ح4، 290 ح6، 295 ح3.

13 - أبو عبد الله المحاملي (ت 330) في الأمالي، كما في كنز العمال للمتقي الهندي 11:603 ح32916.

14 - القاضي النعمان (ت 363) في شرح الأخبار 101: 1-104 ح25، 1:105 ح26 2:273 ح 582، 2:347 ح 698.

15 - المرزباني (ت 378) في كتابه، كما في المناقب لابن شهرآشوب 2:224.

16 - الشيخ الصدوق (ت 381) في الأمالي: 435 ح 10 مجلس 56، 582 ح 16 مجلس 74، وفي عيون أخبار الرضا 2:1387 ح10.

17 - أبو بكر الشيرازي (ت 407) فيما نزل من القرآن في أميرالمؤمنين 7 كما عن المناقب لابن شهر آشوب 2:224.

18 - الحافظ ابن مردويه ت (410) كما عن الدر المنثور للسيوطي 2:298، وفتح القدير للشوكاني 2:60.

19 - محمد بن أحمد بن شاذان (ت 412) في المائة منقبة: 89 ح56.

20 - الثعلبي (ت 427) في الكشف والبيان 4:92.

21 - أبو نُعيم الأصبهاني (ت 430) ما نزل من القرآن في علي 86 : علیه السّلام، كما عن الخصائص لابن البطريق 53 ح21.

22 - الشيخ الطوسي (ت 460) أشار إليها في التهذيب 3:143 ح 1 في الدعاء الذي يُقرأ عقيب صلاة الحاجة، وكذلك في المصباح المتهجّد : 326.

ص: 298

23 - الواحدي (ت 468) في أسباب النزول: 135.

24 - الحاكم الحسكاني (ق 5) في شواهد التنزيل 1: 294.

25 - مسعود بن ناصر السجستاني (ت 477) في دراية حديث الولاية، كما عن الطرائف لابن طاوس 1:121.

26 - الشيخ الطبرسي (ت 548) في الاحتجاج.

27 - ابن عساكر الدمشقي (ت 571) في تاريخ دمشق 12: 86 ح589.

28 - الفخر الرازي (ت 606) في تفسيره في القول العاشر من الأقوال الواردة في شأن نزول الآية.

29 - محمد بن طلحة الشافعي (ت 652) في مطالب السؤول 16، عن الواحدي.

30 - عبد الرزاق الرسعني (ت 661) كما في مفتاح النجا للبدخشاني: 34، وكشف الغمة للإربلي 1:325.

31 - أبو إسحاق الحموئي (ت 722) في فرائد السمطين 1: 158 ح 120.

32 - نظام الدين النيسابوري (ت 728) في تفسير غرائب القرآن 2:616.

33 - السيد علي بن شهاب الدين الهمداني (ت 786) في مودة القربى، كما في العبقات حديث الغدير 9:182.

34 - ابن صباغ المالكي (ت 855) في الفصول المهمة: 42 عن الواحدي.

35 - العيني (ت 855) في عمدة القاري 18:206.

36 - كمال الدين الميبدي (ت 908) في شرح ديوان أمير المؤمنين 406: علیه السّلام، عن الثعلبي.

37 - السيوطي (ت 911) في الدر المنثور 2:298، عن الواحدي وابن مردويه وابن عساكر.

ص: 299

38 - الشوكاني (ت 1255) في فتح القدير 260، عن الواحدي وابن مردويه وابن عساكر.

هذه الأقوال بمجموعها تورث الإطمئنان بنزول الآية بمناسبة يوم الغدير، وأنّ التبليغ المأمور به هو تبليغ إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، وهذا ما يتناسب مع محتوى الآية وعظمة مضمونها، إذ إنّها من أواخر ما نزل على الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، وتأمره بتبليغ شيء جديد نزل عليه من الرب جلّت عظمته، وعدم تبليغ هذه المهمّة الجديدة يساوي عدم تبليغ الرسالة أجمع، وفيها أيضاً الوعد بالحفظ والحراسة الإلهية من الناس.

ولو قطعنا النظر عن روايات أسباب النزول وقد أوصلها الفخر الرازي في تفسيره إلى عشرة (1)، واقتصرنا على معنى الآية ومدلولها، لوصلنا إلى قولين يتناسب نزول الآية فيها.

القول الأوّل أنّها نزلت في بداية الدعوة حيث كان الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم في أشدّ الحاجة إلى الناصر والمعين، حتى أنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم لما خرج من مكّة إلى الطائف لم يتمكّن من الرجوع إلى مكّة إلاّ بعد ما دخل في جوار مطعم بن عدي، فيتناسب نزول الآية في هذا الظرف العصيب تشجيعاً للنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ودعماً لموقفه; ليمضي قدماً في تبليغ الرسالة الإلهية عموماً، وليعلم أنّ العصمة من الأذى والقتل من ورائه.

ولكن يرد على هذا أنّ سورة المائدة بما فيها هذه الآية المباركة، كانت من آخر ما نزل على رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أي قبل وفاته بأشهر لا تتجاوز الثلاثة، ولم يقل أحد أنّ آيات منها نزلت قبل هذا، فالقول بنزولها في صدر الدعوة خرق للإجماع، مضافاً إلى أنّ ما لاقاه النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم من أذى وجرح وهتك قبل البعثة وبعدها، ينفي العصمة الواردة في الآية الكريمة، إذ إنّها تنصّ بأنّ الله تعالى سيعصمه من الناس وهذا لم يحصل، فتبيّن أنّها لم تكن نازلة في صدر الدعوة. هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى فإنّ الآيات الدالة على تبليغ الأنبياء: للأحكام والشرائع وكذلك تبليغ نبينا 9، تدلّ على أنّهم ما كانوا ينتظرون العصمة من الناس حتى يبدؤوا بالدعوة، بل

ص: 300


1- تفسير الفخر الرازي 11:49.

وما كانوا مبالين بتكذيب من كذّبهم أو عناد من عاندهم، بل كان شعارهم: «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (1) وكانت الآيات تشير إلى لزوم ذلك وعدم انتظار العصمة من الأذى أو القتل، قال تعالى: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً» (2).

وبالنسبة إلى نبيّنا صلّی الله علیه و آله و سلّم جاءه الأمر بإبلاغ الدعوة وهداية الناس من دون ذكر للعصمة، حيث قيل له: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» (3)، إذ فيها الأمر بالصبر ولزوم التحمّل، وهذا ما أداه صلّی الله علیه و آله و سلّم بأجود ما يكون وأحسنه.

إذاً نستخلص من هذا السرد الموجز، أنّ آية التبليغ ما نزلت في صدر الدعوة للأسباب التي مرّت، ويبقى القول الثاني صحيحاً وهو أنّها نزلت في اُخريات الدعوة، وهو الذي يؤيّده الاتفاق على أنّ سورة المائدة من آخر السور نزولاً، سيّما وأنّ الأقوال الاُخرى المطروحة في المقام لا تتناسب مع حجم الآية وأهمّيتها، من قبيل الأعرابي الذي همّ بقتل النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، أو مسألة حراسة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وأنّه بعد ما نزلت الآية منعهم من حراسته، إذ إنّ قضية الأعرابي أجنبية عن المقام، ولا تدلّ على أكثر من حماية الله تعالى نبيه من القتل، وهذا أمر فرعي بالنسبة إلى أصل الآية، وهي الأمر بالتبليغ، وكذلك مسألة الحراسة لا ربط لها بهذه الآية، مضافاً إلى أنّها حتى لو صحّت لا تنافي نزول الآية بشأن حادثة الغدير، وباقي الأقوال ينفيها واقع الحال وكون المائدة من آخر ما نزلت.

وعليه فيبقى القول المختار سالماً من المعارض، وهو كما قلنا: إنّ الآية نزلت في اُخريات الدعوة، بقي علينا أن نستنطق الآية ونفهم معناها الحقيقي، ونستفسر عن هذه المهمّة

ص: 301


1- العنكبوت 18 وغيرها من الآيات.
2- الأحزاب : 39.
3- المدثر: 1 - 7.

الجديدة التي كُلّف النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بها، وجاءت - على خلاف المعتاد - مقترنة بضمان العصمة الإلهية من الناس.

ويمكن الوصول إلى مغزى الآية إمّا من خلال سياق الآية ومعرفة ما قبلها وما بعدها، وإمّا من خلال القرائن الموجودة في نفس الآية أو خارجها من قبيل الشواهد والمؤيّدات.

أما سياق الآية، وهو الذي ذهب إليه أكثر مفسري أهل السنة، يدلّ على أنّ الأمر يتعلّق باليهود والنصارى، إذ إنّ آية التبليغ توسّطت آيات تتعلّق بهم، وعليه لابد من تفسيرها وفهمها فى ضمن هذا السياق.

قال الفخر الرازي (ت 606) في تفسيره بعدما ذكر الأقوال المختلفة في شأن نزول الآية: «واعلم أنّ هذه الروايات وإن كثرت إلاّ أنّ الأولى حمله على أنّه تعالى أمنه من مكر اليهود والنصارى وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم، وذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير، وما بعدها بكثير، لما كان كلاماً مع اليهود والنصارى، امتنع القاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبيّة عمّا قبلها وما بعدها» (1).

وإلى نحوه ذهب قبله الطبري (ت 310) في تفسيره حيث قال: «وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيّه محمداً 9 بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى من أهل الكتابين الذين قصّ الله تعالى ذکرہ قصصهم في هذه السورة، وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم... ما أنزل عليه فيهم من معايبهم، والإزراء عليهم، والتقصير بهم والتهجين لهم، وما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن لا يُشعر نفسه حذراً منهم أن يصيبوه في نفسه بمكروه...» (2).

ولكن يرد على هذا:

أوّلاً: لم يرد أيّ نصّ يدلّ على محتوى هذا الأمر المهمّ الذي يلزم على الرسول 9 تبليغه لليهود والنصارى، والذي يعادل الرسالة بأجمعها بحيث يستلزم عدمه عدمها، فهكذا أمر

ص: 302


1- تفسير الرازي 11:50.
2- تفسير الطبري 8:567، ذيل الآية.

مهم لابد من أن يُقيّد ويُذكر في المدوّنات الروائية والمفروض أنّ الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم بلّغه، فلم يبق لهم إلاّ أن يقولوا كما ذهب إليه صاحب المنار (1)، أنّ المراد تبليغ الآية التالية لهذه الآية، وهي قوله تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ».

وهذا كما ترى لا يتناسب مع حجم الآية وما فيها من الوعد والوعيد، فما كان يتوجّه للنبي صلّی الله علیه و آله و سلّم آنذاك وهو في أواخر عمره، وقد اشتدت شوكة الإسلام، خطر من قبل اليهود والنصارى حتى يحتاج إلى الوعد بالعصمة الإلهية، ولم يكن المأمور بتبليغه - حسب الفرض - أمر شديد الأهميّة حتى يهدّد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّ عدم تبليغه يساوي عدم تبليغ الرسالة رأساً، وقد صدر منه صلُّی الله علیه و آله فيما مضى من حياته الشريفة ما هو أشدّ على اليهود والنصارى من هذه الآية، بل حاربهم واستولى على بلادهم وقلاعهم من دون أن يكون وعد بالعصمة منهم،

فهذه الآية أقل بكثير ممّا صدر منه تجاههم.

ثانياً: إنّ المأمور بتبليغه إما أن يكون متعلّقاً باليهود والنصارى، أو متعلّقاً بالمسلمين، فالأوّل أبطلناه، والثاني إمّا أن يكون متعلقاً بالآداب والأحكام والشرائع، وإمّا أن يكون متعلّقاً بغيرها، فإن كان الأوّل فنحن نرى أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ما كان يبالي في تبليغ الشريعة أحداً، كيف وقد صدع بالحق في أحلك الظروف من دون أن ينتظر العصمة الإلهية، وله أُسوة بالأنبياء السابقين حيث تحمّلوا وقاسوا أنواع المحن والبلايا في سبيل انجاح الدعوة وتبليغها، وقد قيل له من ذي قبل: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» (2) مضافاً إلى أنّ أحكام العبادات والمعاملات كانت سائغة عند المسلمين، يتفّهمونها بكلّ سهولة ويعملون بها من دون اعتراض أو شيء آخر، فلا تحتاج إلى عصمة للرسول من الناس، فثبت أنّ المأمور بتبليغه شيء آخر غير الأحكام والشرائع.

ولم يكن شيء آخر غير هذه الأُمور يستحق الوعد والوعيد والعصمة والتهديد سوى

ص: 303


1- تفسير المنار لرشید رضا 6: 463.
2- الأحقاف: 35.

مسألة الخلافة وكيفية استمرار الدعوة، إذ إنّ الإسلام جاء ليبقى وليظهر على جميع الأديان، وهذا شيء خارج عن حدود العمر البشري، وكان الرسول صلّی الله عليه و آله يشير بين الحين والآخر بقرب وفاته، ممّا يعني لزوم الاهتمام بمستقبل الدعوة والتفكّر الجاد بمصيرها بعد رحيل مؤسّسها، فثبت أنّ المأمور بتبليغه لم يكن سوى أمر الإمامة.

ثالثاً: إنّ ترتيب الآيات في القرآن الكريم ربما لا يتوافق مع ترتيب نزولها، فكم من آية نزلت بمناسبة ووُضعت بين آيات لا علاقة لها بها، كما هو الحال في ترتيب السور في القرآن حيث يختلف عن ترتيب نزولها، قال السيوطي (ت 911): «وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة» (1) وكان ذلك بتوقيف من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم.

إذا عرفت هذا، فالسياق لا يقاوم أمام الروايات الواردة، كما لا يقاوم واقع الحال والنقد الصحيح الدال على أهمية الآية الكريمة، وأنّها لا يمكن أن تتعلّق بشأن اليهود والنصارى - كما عرفت - .

وعليه يبقى المجال الوحيد لمعرفة معنى الآية، الاستعانة بالقرائن الداخلية في نفس الآية من قبيل تفسير محتواها، واستنطاق ألفاظها للوقوف على أهميتها وعِظَم شأنها، زائداً القرائن الخارجية من قبيل المؤيدات والشواهد الواردة في الروايات المختلفة حيث تدعم الرأي المختار.

بقي هنا أمران يتعلّقان بالآية الكريمة:

الأمر الأوّل: تدلّ الروايات عندنا أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أخّر الإعلان عن إمامة علي علیه السّلام إلى أن وصل إلى الجحفة حيث غدير خم، فنزل الوحي عليه مؤكّداً وملزماً، ثمّ قام صلّی الله علیه و آله و سلّم فبلّغ إمامة علي علیه السّلام، وكان داعي النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في التأخير هو خوفه من قومه، وأنّهم حديثوا عهد بجاهلية، مع ما كان يعرفه منهم عنه أمير المؤمنين علیه السّلام.

فانبرى من هنا بعض أهل السنة للطعن على الشيعة بأنّها تنسب إلى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم تأخير البيان أو الخوف وما شاكل.

ص: 304


1- الإتقان 1:170.

قال محمد بن عبد الوهاب (ت 1206): من اعتقد منهم صحّته فقد هلك، إذ فيه اتهام المعصوم قطعاً من المخالفة بعدم امتثال أمر ربّه ابتداء وهو نقص، ونقص الأنبياء كفر.. (1).

وقال آخر: بئس القوم الذين ينسبون إلى نبيّهم المرسل تأخير البلاغ والتلكّؤ والتردّد في تنفيذ أمر ربه خوفاً من الناس، بئس القوم الذين يصفون نبيهم بالتسويف والمماطلة والاشتراط على ربه لحمايته قبل تنفيذ أمره وإبلاغ رسالته... (2). وذهب ثالث إلى أنّ تأخير التبليغ ينافي العصمة التي تدعيها الشيعة (3).

ونقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ مراعاة الظرف الاجتماعي والسياسي، واستخدام الأساليب والآليات الزمكانية المناسبة، لإنجاح الدعوة والوصول إلى الهدف، أمر مستحسن شرعاً ومندوب إليه، كيف وقد ورد في الحديث الشريف: «العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه» (4)، فهذا أمر يفرضه العقل العملي الخاصّ بشؤون تدبير الحياة الفردية والاجتماعية، فالتردد والتأخير انتظاراً لحصول الفرصة المناسبة لا ضير فيه، فهذا موسى علیه السّلام راجع ربه في إبلاغ أصل الرسالة وقال: «إنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ» (5) وإنّما كان قتل منهم نفساً واحدة، فكيف لا يترقّب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم في إبلاغ أمر يخصّ أمير المؤمنين علیه السّلام وقد قتل من القوم عدداً كثيراً؟!

ثانياً: إنّ قوله تعالى مخاطباً النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ» (6)، وكذلك قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي

ص: 305


1- رسالة في الرد على الرافضة: 5 - 7.
2- اصول وعقائد الشيعة الاثنا عشرية لحافظ موسی: 225 - 229.
3- الإمامة والنص لفيصل نور: 601 - 604.
4- المحاسن للبرقي 1:195 ح19، الكافي للكليني 1:20 ح 12.
5- القصص: 33.
6- الأحزاب : 37.

مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (1)،يدلّ على وجود منطقة فراغ من الله تعالى يعمل فيها رسول الله صلی الله علیه و آله بحسب ما تمليه المصلحة والظرف الاجتماعي والسياسي، كما هو الحال زوجة زيد الذي تبنّاه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ثم تزوّج زوجته بعد ما طلّقها، وكذلك تحريم الزواج على نفسه رعاية لعواطف أزواجه، وهناك شواهد اُخرى تدعم هذا الرأي من قبيل الصلاة على المنافقين والدعاء لهم وغيرها، والذي نريد أن نصل إليه من هذا العرض الموجز، أنّ تأخير البيان ريثما تحصل الفرصة المناسبة أمر شرعي تماماً وهو مقتضى العقل والحكمة.

ثالثاً: إنّ الوحي النازل على رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يكن فورياً، بل كان موسّعاً، قال الشيخ المفيد (ت 413: «وقد كان تقدّم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له، فأخّره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه» (2).

رابعاً: يؤيّد ما ذهب إليه الشيعة ما رووه في كتبهم من قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «أتتني رسالة من ربّي فضقت بها ذرعاً وخفت أن يكذِّبني قومي، فقيل لي: لتفعلنّ أو لنفعلنّ كذا وكذا» (3).

وفي لفظ آخر: «إنّ الله أرسلني برسالة فضقت بها ذرعاً، وعلمت أنّ الناس مكذّبي، فأوعدني أن أبلّغها أو يعذّبني» (4).

وبلفظ ثالث: «... كان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لا يهاب قريشاً واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية» (5) وفي لفظ الزمخشري: «وضمن لي العصمة فقويت» (6).

فهذه الأقوال والمرويّات لا تختلف كثيراً عمّا تقوله الشيعة، والجواب الجواب.

ص: 306


1- التحريم: 1.
2- الإرشاد للمفيد 1:175.
3- مسند الحميدي 2:391، ونحوه خلق أفعال العباد للبخاري 59، وذكر ابن حجر في فتح الباري 13:42 أنّ ابن حبان والحاكم صحّحا الرواية.
4- مسند ابن راهويه 1:402.
5- أسباب النزول للواحدي: 135.
6- الكشاف 1:630.

خامساً: إنّ خوف النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يكن على نفسه، كيف وسيرته الشريفة ومظاهر حياته تأبى ذلك، نعم كان يخاف الناس في أمر يرجع إلى تكذيب الرسالة، أو أن يتهموه بما يفسد الدعوة، أو يسبّب الشك والشبهة فيها، فورد الوحي بالعصمة من هذا. وهو الذي امتنع عن كتابة ما يعصم الأمة من الضلال لما دعا الدواة والقرطاس في اُخريات حياته، لمّا جوبه بكلّ جفاء بأنّه - والعياذ بالله - يهجر أو غلبه الوجع ، فلمّا رأى صلّی الله علیه و آله و سلّم ذلك وأنّ كتابته ستكون ذريعة للطعن في صحة دعوته أجمع، إذ إنّ هذا المنطق الجاهلي يبيح تكرار غلبة الوجع أو... في فترات مختلفة، وعليه سيكون باباً للطعن على جميع الرسالة، فأمسك صلّی الله علیه و آله و سلّم عن الكتابة واكتفى بما بيّنه سابقاً شفهاً في حادثة الغدير وغيرها.

فخوف النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم كان في محلّه، وتأخيره ريثما تحصل الفرصة كان صحيحاً لا ضير فيه، ولكن لما جاء الأمر الإلزامي بالتبليغ قام صلّی الله علیه و آله و سلّم لو بلّغ بأصرح لفظ وأفصح بيان.

وهذا ما فسّره أمير المؤمنين علیه السّلام لقوله تعالى في موسى علیه السّلام: «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى»، (1) حيث قال: «لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال» (2).

الأمر الثاني: إنّ حصر (الناس) الوارد في قوله تعالى: «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» بالكافرين، تمسّكاً بذيل الآية أي: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»، غير صحيح، لأنّ لفظ الناس عام يشمل الجميع سواء المسلم أو الكافر، بل إنّ مورد الآية وكونها من آخر ما نزلت ينفي اختصاصها بالكافرين، إذ إنّ الإسلام قويت شوكته آنذاك وانكسرت شوكة المشركين واليهود والنصارى، ممّا يدلّل على عدم توجّه خطر من قبلهم، بل الخطر كان متوجّهاً من قبل المنافقين ومرضى القلوب، بل إنّ ذيل الآية يشعر بأنّ هؤلاء الناس الذين وعد الله نبيّة بالعصمة منهم، يكونون بمنزلة الكفّار، إذ وصلوا إلى مرتبة خاف النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم

ص: 307


1- طه: 67.
2- نهج البلاغة، الخطبة: 4.

من فتنتهم على الإسلام.

ويظهر أيضاً أن يكون المراد بالكفر هو الكفر بآية من آيات الله وهو الحكم المراد بقوله: «ما أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» لا الكفر العام كما قلنا، ونظيره قوله تعالى في آية الحج: «لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (1) حيث يكون المراد الكفر أي الردّ للحج لا الكفر العام.

ويكون المراد بعدم هدايته تعالى هؤلاء القوم الكافرين، عدم هدايته إياهم في كيدهم ومكرهم، ومنعه الأسباب الجارية أن تنقاد لهم في سلوكهم إلى ما يرومونه من الشر والفساد، وبعبارة أخرى: عدم تخليتهم لينالوا ما يهمّون به من إبطال كلمة الحق، وإطفاء نور الحكم المنزل (2).

ص: 308


1- آل عمران: 97.
2- راجع للمزيد: تفسير الميزان للطباطبائي 536:50.

آية سأل سائل

وهي قوله تعالى في سورة المعارج: «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِج».

وقد اختلفت الأقوال في شأن نزولها، ولكن ما اتفق عليه أكثر الشيعة، وبعض أهل السنة أنّها نزلت عقيب بيعة الغدير، عندما اعترض أحد الصحابة على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم في تنصيبه علياً خليفة وإماماً.

والرواية كما نقلها صاحب مجمع البيان عن الحسكاني بسنده إلى الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: لما نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم عليّاً يوم غدير خم وقال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» طار ذلك في البلاد فقدم على النبي النعمان بن الحارث الفهري فقال: أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد وبالحج وبالصوم والصلاة والزكاة فقبلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من الله تعالى؟ فقال: بلى والله الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله. فولّى النعمان بن الحارث وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، فأنزل الله: «أَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع» (1).

وقد روى نزول الآية في المناسبة مع بعض الاختلاف في التفصيل والإجمال كلٌّ من:

1 - أبو عبيد الهروي (ت 224) في غريب القرآن، ورواه عنه أبو بكر النقاش (ت 351) في تفسيره شفاء الصدور، كما في الغدير للعلامة الأميني 1:461.

2 - فرات الكوفي (ت 352) في تفسيره: 503.

ص: 309


1- مجمع البيان، الطبرسي 10:119.

3 - الثعلبي (ت 427) في تفسيره 10:35، ورواه عنه كلّ من: منتجب الدين الرازي في الأربعين حديثاً: 82 الحكاية الخامسة، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 30، والوصابي الشافعي في الاكتفاء 240، والحموئي في فرائد السمطين 1:82 ح 53، وغيرهم.

4 - الحاكم الحسكاني (ق 5) في تفسيره شواهد التنزيل 2:383 رقم 1033.

5 - القرطبي (ت 567) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 18:181 ضمن الأقوال المطروحة.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ابن تيمية كعادته في ردّ جميع ما يتمسّك به الشيعة لاثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، قد ناقش نزول هذه الآية عقيب واقعة الغدير بوجوه عدّة ذكرها في منهاج السنة 8:45 وقد تبعه على ذلك من جاء بعده أمثال: الزعبي في البينات، وأبو مريم الأعظمي في الحجج الدامغات، والألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، ومحمد العسّال في الشيعة الإثني عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن، وغيرهم، وقد تصدّى علماؤنا أمثال السيد میرحامد حسين اللكهنوي والعلامة الأميني والعلامة الطباطبائي للإجابة عن هذه الشبهات.

وخير من توسّع في ذلك هو العلاّمة الأميني (رحمه الله) في كتابه الغدير، ونحن نورد خلاصة ما ذكره من الأوجه السبعة في ردّ ابن تيمية حيث قال الأميني (رحمه الله):

الوجه الأوّل: إنَّ قصّة الغدير كانت في مرتجع لرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم من حجّة الوداع، وقد أجمع الناس على هذا، وفي الحديث: أنَّها لمّا شاعت في البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح بمكّة، وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة فالمفتعِل للرواية كان يجهل تاريخ قصّة الغدير.

الجواب:

أولاً: ما ورد في رواية الحلبي في السيرة، وسبط ابن الجوزي في التذكرة (1)، والشيخ محمد

ص: 310


1- السيرة الحلبية: 3 / 274، تذكرة الخواص: ص30.

صدر العالم في معارج العُلى، من أنَّ مجيء السائل كان في المسجد - إن أُريد منه مسجد المدينة - ونصَّ الحلبي على أنَّه كان بالمدينة، لكن ابن تيميّة عزب عنه ذلك كلّه، فطفِق يُهملج في تفنيد الرواية بصورة جزميّة.

ثانياً: فإنّ مغاضاة الرجل عن الحقائق اللغويّة، أو عصبيّته العمياء التي أسدلت بينه وبينها ستور العمى ورّطته في هذه الغمرة، فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكّة، ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والأدب، لَوجد فيها نصوص أربابها بأنّ الأبطح: كلُّ مسيل فيه دِقاق الحصى، وقولهم في الإشارة إلى بعض مصاديقه: ومنه بطحاء مكّة، وعَرف أنّه يطلق على كلِّ مسيل يكون بتلك الصفة، وليس حِجراً على أطراف البلاد وأكناف المفاوز أن تكون فيها أباطح.

روى البخاري في صحيحه (1)، ومسلم في صحيحه (2) عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أناخ بالبطحاء بذي الحُلَيفة فصلّى بها.

وفي الصحيحين (3) عن نافع: أنَّ ابن عمر كان إذا صدر عن الحجّ أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم يُنيخ بها .

وفي صحيح مسلم (4) عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أتى في مُعرَّسه (5) بذي الحُليفة (6) فقيل له: إنَّك ببطحاء مباركة.

وفي إمتاع المقريزي (7) وغيره أنَّ النبيّ إذا رجع من مكّة دخل المدينة من معرَّس الأبطح،

ص: 311


1- صحيح البخاري 2/ 556 ح1459.
2- صحیح مسلم: 3 / 154 ح 430 كتاب الحجّ.
3- صحیح مسلم: 3 / 154 ح432 كتاب الحجّ، صحيح البخاري: 2 / 556 ح1459.
4- صحیح مسلم: 3 / 155 ح 433 كتاب الحجّ.
5- التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.
6- ذو الحُلّيفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة. معجم البلدان: 2 / 295.
7- إمتاع الأسماع: ص534.

فكان في معرَّسه في بطن الوادي، فقيل له: إنَّك ببطحاء مباركة.

وفي صحيح البخاري (1) عن ابن عمر: إنَّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم كان ينزل بذي الحُليفة حين يعتمر، وفي حجّته حين حجَّ تحت سَمُرة في موضع المسجد الذي بذي الحُليفة، وكان إذا رجع من غزو - كان في تلك الطريق - أو حجٍّ أو عمرة هبط ببطن واد، فإذا ظهر من بطن أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقيّة، فعرّس ثَمَّ حتى يصبح . وكان ثَمَّ خليجٌ يصلّي عبد الله عنده، وفي بطنه كُتُب كان رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ثَمَّ یُصلّي، فدحا فيه السيل بالبطحاء. الحديث.

وفي رواية ابن زبالة: فإذا ظهر النبيُّ من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقيّة.

وفي مصابيح البغوي (2) قال القاسم بن محمد: دخلت على عائشة فقلت: يا أُماه اكشفي لي عن قبر النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.

وروى السمهودي في وفاء الوفا (3) من طريق ابن شبّة والبزّار عن عائشة عن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم أنَّه قال: بطحان على ترعة من ترع الجنّة.

وقبل هذه الأحاديث كلّها ما ورد في حديث الغدير من طريق حذيفة بن أَسيد وعامر بن ليلى قالا: لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع ولم يحجّ غيرها، أقبل حتى كان بالجُحفة، نهى عن سَمُرات مُتقاربات بالبطحاء; أن لا ينزل تحتهنّ أحدٌ... الحديث.

وأمّا معاجم اللغة والبلدان:

ففي معجم البلدان (4) (2/ 213): البطحاء في اللغة مسيلٌ فيه دقاق الحصى، والجمع:

ص: 312


1- صحيح البخاري: 1 / 183 ح 470.
2- مصابيح السنّة: 1 / 560 ح1218.
3- وفاء الوفا: 3 / 1071.
4- معجم البلدان 1 / 444.

الأباطح والبِطاح على غير قياس، إلى أن قال: قال أبو الحسن محمد بن عليّ ابن نصر الكاتب: سمعت عوّادة تغنّي في أبيات طريح بن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان من أخواله:

أنت ابنُ مُسْلَنْطِحِ (1) البطاحِ ولم *** تطرق عليك الحنيُّ والولجُ

فقال بعض الحاضرين: ليس غير بطحاء مكّة، فما معنى الجمع؟

فثار البطحاوي العلويّ، فقال: بطحاء المدينة، وهو أجلُّ من بطحاء مكّة، وجدّي منه، وأنشد له:

وبَطْحا المدينةِ لي منزلٌ *** فيا حبَّذا ذاك من منزلِ

فقال: فهذان بطحاوان فما معنى الجمع؟

قلنا: العرب تتوسّع في كلامها وشعرها فتجعل الاثنين جمعاً، وقد قال بعض الناس: إنَّ أقلّ الجمع اثنان وممّا يؤكّد أنَّهما بطحاوان قول الفرزدق:

وأنت ابنَ بَطحاوَيْ قريش فإن تشأ *** تكن في ثقيف سيلَ ذي أدب عَفْرِ

ثمّ قال:

قلت أنا: وهذا كلّه تعسّفٌ. وإذا صحَّ بإجماع أهل اللغة أنَّ البطحاء: الأرض ذات الحصى فكلُّ قطعة من تلك الأرض بطحاء، ، وقد سُمِّيت قريش البطحاء، وقريش الظواهر، في صدر الجاهليّة ولم يكن بالمدينة منهم أحد.

وأمّا قول الفرزدق وابن نباتة، فقد قالت العرب: الرقمتان و رامتان، وأمثال ذلك كثيرٌ تمرُّ في هذا الكتاب، قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار به.

البُطاح - بالضمّ : منزل لبني يربوع، وقد ذكره لبيد، فقال:

تربعت الأشرافُ ثمّ تصيّفتْ *** حِساءَ البطاحِ وانْتجعْنَ السلائلا

ص: 313


1- المسلنطح: الفضاء الواسع.

وقيل: البُطاح ماءٌ في ديار بني أسد، وهناك كانت الحرب بين المسلمين - وأميرُهم خالد بن الوليد - وأهل الردّة، وكان ضرار بن الأزور الأسدي قد خرج طليعة لخالد بن الوليد، وخرج مالك بن نويرة طليعة لأصحابه، فالتقيا بالبُطاح فقتل ضرار مالكاً، فقال أخوه متمّم يرثيه:

سأبكي أخى مادام صوتُ حمامة *** توَرِّقُ في وادي البطاح حماما

وقال وكيع بن مالك يذكر يوم البُطاح:

فلمّا أتانا خالدٌ بلوائِهِ *** تخطّت إليه بالبطاحِ الودائعُ

وقال البطحاء: أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وقال النضير: الأبطح والبطحاء بطن الميثاء والتلعة والوادي، هو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي، وبطحاؤه مثله، وهو ترابه وحصاه السهل الليّن. والجمع الأباطح.

وقال بعضهم: البطحاء كلّ موضع متّسع، وقول عمر: بطَّحوا المسجد; أي: ألقوا فيه الحصى الصغار، وهو موضع بعينه قريب من ذي قار. وبطحاء مكّة وأبطحها ممدودٌ، وكذلك بطحاء ذي الحُليفة.

قال ابن إسحاق: خرج النبيُّ صلّی الله علیه و آله و سلّم غازياً فسلك نقب بني دينار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق، فصلّى تحتها فثمَّ مسجده.

وبطحاء - أيضاً - مدينة بالمغرب قرب تلمسان.

بُطحان - روي فيه الضمّ والفتح - واد بالمدينة وهو أحد أوديتها الثلاثة، وهي العقيق، وبطحان، وقتاة، قال الشاعر - وهو يقوّي رواية من سكّن الطاء -:

أبا سعيد لم أزل بعدكُمْ *** في كُرَب للشوق تغشاني

كم مجلس ولى بلذاتِهِ *** لم يهنني إذا غاب نُدماني

سقياً لسَلْع ولساحاتِها *** والعيشِ في أَكْنافِ بُطْحانِ

ص: 314

وعن النضر: البطحاء بطن التلعة والوادي، وهو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول، يقال: أتينا أبطح الوادي فنمنا عليه. وبطحاؤه مثله وهو ترابه وحصاه السهل الليّن.

وقال أبو عمرو : سُمّي المكان أبطح; لأنّ الماء ينبطح فيه; أي يذهب يميناً وشمالاً، الجمع أباطح وبطائح.

وفي الصحاح (1): تبطّح السيل: اتّسع في البطحاء.

وهناك شواهد كثيرة من الشعر لمن يُحتج بقوله في اللغة العربيّة، منها ما يُعزى إلى مولانا أمير المؤمنين علیه السّلام من قوله يخاطب به الوليد بن المغيرة:

يُهدِّدني بالعظيمِ الوليدُ *** فقلتُ: أنا ابنُ أبي طالبِ

نا ابنُ المُبجَّلِ بالأبطَحَينِ *** وبالبيت من سَلَفي غالبِ

وذكر المَيْيُذي في شرحه (2): أنّه علیه السّلام يريد أبطح مكّة والمدينة.

الوجه الثاني: إنَّ سورة المعارج مكيّة باتفاق أهل العلم، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين، أو أكثر من ذلك.

الجواب:

إنَّ المتيقّن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكيّاً، لا جمیع آیاتها، فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنيّاً كما في كثير من السور.

ولا يرد عليه، أنَّ المتيقّن من كون السورة مكيّة أو مدنيّة هو كون مفاتيحها كذلك، أو الآية التي انتزع منها اسم السورة; لأنّ هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف، لا ترتيب النزول، فمن الممكن نزول هذه الآية أخيراً وتقدّمها على النازلات قبلها بالتوقيف، وإن كنّا جهلنا الحكمة في ذلك كما جهلناها في أكثر موارد الترتيب في الذكر الحكيم، وكم لها من نظير، ومن ذلك:

ص: 315


1- الصحاح للجوهري : 1 / 356.
2- شرح ديوان أمير المؤمنين علیه السّلام: ص 197.

1 - سورة العنكبوت: فإنّها مكيّة إلاّ من أوّلها عشر آيات، كما رواه الطبري في تفسيره (1) في الجزء العشرين، والقرطبي في تفسيره (2) والشربيني في السراج المنير (3).

2 - سورة الكهف: فإنّها مكيّة، إلاّ من أوّلها سبع آيات، فهي مدنيّة وقوله: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ» (4). كما في تفسير القرطبي (5) وإتقان السيوطي (6).

3 - سورة هود: مكيّة، إلاّ قوله: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَي النَّهَارِ»، كما في تفسير القرطبي (7) وقوله: «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ»، كما في السراج المنير (8).

4 - سورة مريم: مكيّة إلاّ آية السجدة، وقوله : «وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا»، كما في إتقان السيوطي (9).

5 - سورة الرعد: فإنّها مكيّة إلاّ قوله تعالى: «وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا» وبعض آيها الأُخَر، أو بالعكس، كما نصَّ عليه القرطبي في تفسيره (10) (278/9) والرازي في تفسيره (11) والشربيني في تفسيره (12).

6 - سورة إبراهيم: مكيّة إلاّ قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ

ص: 316


1- جامع البيان مج 11 / ج 20 / 133.
2- الجامع لأحكام القرآن: 13 / 214.
3- السراج المنير: 3 / 123.
4- الكهف: 28.
5- الجامع لأحكام القرآن: 10 / 225.
6- الإتقان في علوم القرآن 1 / 41.
7- الجامع لأحكام القرآن: 9 / 3.
8- السراج المنير: 2 / 42.
9- الإتقان في علوم القرآن: 1 / 42.
10- الجامع لأحكام القرآن: 9 / 183.
11- التفسير الكبير: 18 / 230.
12- السراج المنير: 2 / 143.

دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ».

نصّ به القرطبي في تفسيره (1) والشربيني في السراج المنير (2).

7 - سورة الإسراء: مكيّة إلاّ قوله: «وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُونَكَ مِنَ الأَرْضِ» إِلى قوله: «وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَصِيراً»، كما في تفسير القرطبي (3) والرازي (4)، والسراج المنير (5).

8 - سورة الحجّ: مكيّة إلاّ قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف»، كما في تفسير القرطبي (6)، والرازي (7) والسراج المنير (8).

9 - سورة الفرقان: مكيّة إلاّ قوله: «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا آخَرَ»، كما في تفسير القرطبي (9)، والسراج المنير (10).

10 - سورة النحل: مكيّة إلاّ قوله : «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ» (11)، إلى آخر السورة، نص على ذلك القرطبي في تفسيره (12) والشربيني في تفسيره (13).

11 - سورة القصص: مكيّة إلاّ قوله: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ»، وقيل: إلاّ آية:

ص: 317


1- الجامع لأحكام القرآن: 9 / 222.
2- السراج المنير: 2 / 16.
3- الجامع لأحكام القرآن: 10 / 134.
4- التفسير الكبير: 20 / 145.
5- السراج المنير : 2 / 273.
6- الجامع لأحكام القرآن 12 / 3.
7- التفسير الكبير 23 / 2.
8- السراج المنیر: 2/ 535.
9- الجامع لأحكام القرآن 13 / 3.
10- السراج المنير: 2 / 646.
11- النحل: 126.
12- الجامع لأحكام القرآن: 10 / 44.
13- السراج المنير: 2 / 214.

«نّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» (1)، كما في تفسيري القرطبي (2) والرازي (3).

12 - سورة المدّثر: مكيّة غير آية من آخرها على ما قيل، كما في تفسير الخازن (4).

13 - سورة القمر: مكيّة إلاّ قوله: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» قاله الشربيني في السراج المنير (5).

14 - سورة الواقعة: مكيّة إلاّ أربع آيات كما في السراج المنير (6).

15 - سورة المطفّفين: مكيّة إلاّ الآية الأُولى، ومنها انتزع اسم السورة ، كما أخرجه الطبري في الجزء الثلاثين من تفسيره (7).

16 - سورة الليل: مكيّة إلاّ أوّلها، ومنها اسم السورة، كما في الإتقان. (8).

17 - سورة يونس: مكيّة إلاّ قوله: «فَإِن كُنتَ في شَكٍّ...» الآيتين، أو الثلاث، أو قوله:

«مِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ»، كما في تفسير الرازي (9)، وإتقان السيوطي (10) وتفسير الشربيني.

كما أنَّ غير واحد من السور المدنيّة فيها آيات مكيّة:

منها: سورة المجادلة، فإنّها مدنيّة إلاّ العشر الأوَل، ومنها تسمية السورة، كما في تفسير

ص: 318


1- القصص: 85.
2- الجامع لأحكام القرآن 13 / 164.
3- التفسير الكبير: 224/24.
4- تفسير الخازن: 4 / 326.
5- السراج المنير: 4 / 142.
6- المصدر السابق 4 / 178.
7- جامع البيان: مج 15 / ج 30 / 91.
8- الإتقان في علوم القرآن: 1 / 47.
9- التفسير الكبير: 17 / 2.
10- الإتقان في علوم القرآن: 1 / 40.

ابي السعود (1) في هامش الجزء الثامن من تفسير الرازي، والسراج المنير (2).

ومنها: سورة البلد مدنيّة إلاّ الآية الأُولى - وبها تسميتها بالبلد - إلى غاية الآية الرابعة كما قيل في الإتقان (3) وسور أُخرى لا نُطيل بذكرها المجال.

على أنَّ من الجائز نزول الآية مرّتين، كآيات كثيرة نصَّ العلماء على نزولها مرّةً بعد أخرى عظةً وتذكيراً، أو اهتماماً بشأنها، أو اقتضاء موردين لنزولها غير مرّة، نظير البسملة، وأوّل سورة الروم، وآية الروح، وقوله: «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ» (4)، وقوله: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ» (5)... إلى آخر النحل. وقوله: «مَن كَانَ عَدُوّاً لله» (6)، وقوله: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ» (7)، وقوله: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ» (8)، وسورة الفاتحة، فإنّها نزلت مرّةً بمكّة حين فرضت الصلاة، ومرّة بالمدينة حين حُوِّلت القبلة، ولتثنية نزولها سُمِّيت بالمثاني (9).

الوجه الثالث: إِنَّ قوله تعالى: «وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء» (10)نزلت عقیب بدر بالاتفاق قبل يوم الغدير بسنين.

الجواب:

كأنّ هذا الرجل يحسب أنَّ من يروي تلك الأحاديث المتعاضدة يرى نزول ما لهج به

ص: 319


1- إرشاد العقل السليم: 8 / 215.
2- السراج المنير: 4 / 219.
3- الإتقان في علوم القرآن: 1 / 47.
4- التوبة: 113.
5- النحل: 126.
6- البقرة: 98.
7- هود 114.
8- الزمر: 36.
9- راجع إتقان السيوطي 1 / 10 / 31 ، وتاريخ الخميس 1 / 11.
10- الأنفال: 32.

320

الحارث بن النعمان الكافر - من الآية الكريمة السابق نزولها، وأفرغها في قالب الدعاء - في اليوم المذكور، والقارئ لهاتيك الأخبار جد عليم بمَينه في هذا الحسبان، أو أنَّه يرى حَجراً على الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحد، فهل في هذه الرواية غير أنَّ الرجل المرتدّ - الحارث أو جابر - تفوّه بهذه الكلمات؟ وأين هو من وقت نزولها ؟ فدعها يكن نزولها في بدر أو أُحد، فالرجل أبدى كفره بها، كما أبدى الكفّار قبله إلحادهم بها. لكن ابن تيميّة يريد تكثير الوجوه في إبطال الحقِّ الثابت.

الوجه الرابع: أنَّها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكّة، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بينهم; لقوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (1).

الجواب:

لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكّة على المشركين، وبين عدم نزوله هاهنا على الرجل; فإنّ أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة، فكان في سابق علمه إسلام جماعة من أولئك بعد حين، أو وجود مسلمين في أصلابهم، فلو أبادهم بالعذاب النازل لأُهملت الغاية المتوخّاة من بعث الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم.

ولما لم يرَ سبحانه ذلك الوجه في هذا المنتكس على عقبه عن دين الهدى بقيله ذلك، ولم يكن لِيَلِدَ مؤمناً، كما عرف ذلك نوح علیه السّلام من قومه، فقال: «وَلَا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كَفَّاراً» (2)، قطع جرثومة فساده بما تمنّاه من العذاب الواقع.

وكم فرق بين أولئك الذين عوملوا بالرفق رجاء هدايتهم، وتشكيل أمّة مرحومة منهم ومن أعقابهم، مع العلم بأنّ الخارج منهم عن هاتين الغايتين سوف يُقضى عليه في حروب دامية، أو يأتي عليه الخزي المبير، فلا يسعه بثُّ ضلالة، أو إقامة عيث، وبين هذا الذي أخذته الشدّة، مع العلم بأنّ حياته مثار فتن، ومنزع إلحاد، وما عساه يتوفّق لهدايته، أو يُستفاد بعقبه.

ص: 320


1- الأنفال: 33.
2- نوح: 27.

ووجود الرسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم رحمةً تَدْراً العذاب عن الأُمّة، إلا أنَّ تمام الرحمة أن يكون فيها مكتسح للعراقيل أمام السير في لاحب الطريق المَهيع، ولذلك قمَّ سبحانه ذلك الجَذْم الخبيث، للخلاف عمّا أبرمه النبيُّ الأعظم في أمر الخلافة، كما أنَّه في حروبه ومغازيه كان يجتاح أُصول الغيّ بسيفه الصارم، وكان يدعو على من شاهد عتوّه، ويئس من إيمانه، فتُجاب دعوته:

أخرج مسلم في صحيحه (1) بالإسناد عن ابن مسعود: أنَّ قريشاً لمّا استعصت على رسول الله صلى الله عليه و آله وأبطؤوا عن الإسلام، قال: «أللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف»، فأصابتهم سنةٌ فحصّت كلّ شيء، حتى أكلوا الجِيفَ والمَيتة، حتى إنَّ أحدهم كان يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع، فذلك قوله : «يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَان مُّبِين» (2)، ورواه البخاري (3).

وفي تفسير الرازي (4): أنَّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم دعا على قومه بمكّة لمّا كذّبوه، فقال: «اللهمّ اجعل سنيّهم كسنيّ يوسف»، فارتفع المطر، وأجدبت الأرض، وأصابت قريشاً شدّة المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف، فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء کالدخان، وهذا قول ابن عبّاس ومقاتل ومجاهد واختيار الفرّاء والزجّاج، وهو قول ابن مسعود.

وروى ابن الأثير في النهاية (5): أنَّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، قال : «أللهمّ اشدد وطأتك على مضر مثل سني

«يوسف»، فجهدوا حتى أكلوا العَلْهَز.

ورواه السيوطي في الخصائص الكبرى (6) من طريق البيهقي (7) عن عروة ومن طريقه

ص: 321


1- صحیح مسلم: 342/5 ح 39 كتاب صفة القيامة والجنّة والنار.
2- الدخان: 10.
3- صحيح البخاري: 4 / 1730 ح4416.
4- التفسير الكبير: 27 / 242.
5- النهاية في غريب الحديث: 3 / 293، 5 / 200.
6- الخصائص الكبرى : 1 / 247.
7- دلائل النبوة: 2 / 324.

وطريق أبي نُعَيم (1) عن أبي هريرة.

وقال ابن الأثير في الكامل (2): كان أبو زمعة الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى وأصحابه يتغامزون بالنبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم فدعا عليه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يعمى ويثكل ولده، فجلس في ظلِّ شجرة، فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها وبشوكها حتى عمي.

وقال: دعا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم على مالك بن الطلالة بن عمرو بن غبشان، فأشار جبريل إلى رأسه، فامتلأ قيحاً فمات.

وروى ابن عبد البَرِّ في الاستيعاب (3) هامش الإصابة أنَّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم كان إذا مشى يتكفّأ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم يوماً فرآه يفعل ذلك، فقال صلّی الله علیه و آله و سلّم : «فكذلك فلتكن»، فكان الحكم مختلجاً يرتعش من يومئذ، فعيّره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:

إنَّ اللعينَ أبوكَ فارمِ عظامَهُ *** إنْ ترْمِ ترمِ مُخَلَّجاً مجنونا

يُمسي خَميصَ البطن من عمل التقى *** ويظلُّ من عمل الخبيث بَطينا

وروی ابن الأثير في النهاية (4) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر: أنَّ الحكم بن أبي العاص بن أُمية - أبا مروان - كان يجلس خلف النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم فإذا تكلّم اختلج بوجهه، فرآه فقال له: «كن كذلك»، فلم يزل يختلج حتى مات.

وفي رواية: فضرب به شهرين ثمّ أفاق خليجاً: أي صرع، ثمّ أفاق مختلجاً، قد أُخذ لحمه وقوّته. وقيل: مرتعشاً.

ص: 322


1- دلائل النبوّة لأبي نُعَيم: ص575 ح369.
2- الكامل في التاريخ: 1 / 495.
3- الاستيعاب: القسم الأوّل / 359 رقم 529.
4- النهاية في غريب الحديث والأثر: 2 / 60.

وروى ابن حجر في الإصابة من طريق الطبراني (1)، والبيهقي في الدلائل (2)، والسيوطي في الخصائص الكبرى (3) عن الحاكم (4) وصحّحه، وعن البيهقي والطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق قال:

كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم فإذا تكلّم النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم اختلج بوجهه، فقال له النبيّ: «كن كذلك». فلم يزل يختلج حتى مات. وروى مثله بطريق آخر.

وفي الإصابة أخرج البيهقي (5) من طريق مالك بن دينار:

حدّثني هند بن خديجة زوج النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: مرّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم بالحكم، فجعل الحكم يغمز

النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم بإصبعه فالتفت فرآه، فقال: «اللهمّ اجعله وزغا»، فزحف مكانه.

وفي الإصابة والخصائص الكبرى (6) ذكر ابن فتحون عن الطبري: أنَّ النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم خطب إلى الحارث بن أبي الحارثة ابنته جمرة بنت الحارث، فقال: إنَّ بها سوءاً. ولم تكن كما قال، فرجع فوجدها قد برصت.

وفي الخصائص الكبرى (7) من طريق البيهقي (8) عن أسامة بن زيد قال: بعث رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم رجلاً ، فكذب عليه، فدعا عليه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، فوجد ميّتاً قد انشقّ بطنه، ولم تقبله الأرض.

ص: 323


1- المعجم الكبير: 3 / 214 ح 3167.
2- دلائل النبوّة: 6 / 239.
3- الخصائص :الكبرى 2 / 132.
4- المستدرك على الصحيحين: 2 / 678 ح 4241.
5- دلائل النبوّة: 6 / 240.
6- الخصائص الكبرى 2 / 133.
7- المصدر السابق: 2 / 130.
8- دلائل النبوّة: 6 / 245.

وفي الخصائص (1) أخرج البيهقي (2) وأبو نُعَيم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال : أقبل لهب بن أبي لهب يسبُّ النبيّ، فقال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهمّ سلِّط عليه كلبك».

قال: وكان أبو لهب يحتمل البزَّ إلى الشام، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه، ويقول: إنَّ ابني أخاف عليه دعوة محمد فتعاهدوه. فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلى الحائط وغطّوا عليه الثياب والمتاع، ففعلوا ذلك به زماناً، فجاء سبع، فتلّه فقتله.

وبهذه كلِّها تعلم أنَّ العذاب المنفيّ في الآيتين بسبب وجوده المقّدس يراد به النفي في الجملة لا بالجملة، وهو الذي تقتضيه الحكمة، ويستدعيه الصالح العام، فإنّ في الضرورة ملزماً لقطع العضو الفاسد، اتّقاء سراية الفساد منه إلى غيره، بخلاف الجثمان الدنف(3) بعضه; بحيث لا يُخشى بِدارهُ إلى غيره، أو الُمضنى كلّه ويؤمّل فيه الصحّة، فإنّه يعالج حتى يبرأ.

وإنَّ الله سبحانه هدّد قريشاً بمثل صاعقة عاد وثمود إن مردوا عن الدين جميعاً، وقال: «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادِ وَثَمُودَ» (4)، وإذ كان مناط الحكم إعراض الجميع لم تأتِهم الصاعقة بحصول المؤمنين فيهم، ولو كانوا استمّروا على الضلال جميعاً لأتاهم ما هُدّدوا به، ولو كان وجود الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة لما صحَّ ذلك التهديد، ولَما أُصيب النفر الذين ذكرناهم بدعوته، ولَما قُتل أحدٌ في مغازيه بعضبه الرهيف، فإنَّ كلّ هذه أقسام العذاب أعاذنا الله منها.

الوجه الخامس: أنَّه لو صحَّ ذلك لكان آيةً كآية أصحاب الفيل، ومثلها تتوفّر الدواعي لنقله، ولَما وجدنا المصنِّفين في العلم من أرباب المسانيد والصحاح والفضائل والتفسير والسير ونحوها قد أهملوه رأساً، فلا يُروى إلاّ بهذا الإسناد المنكر، فعُلِم أنَّه كذبٌ باطلٌ.

ص: 324


1- الخصائص الكبرى : 1 / 244.
2- دلائل النبوّة: 2 / 3382.
3- الدَّنِف المريض.
4- فصّلت: 13.

الجواب:

إنَّ قياس هذه التي هي حادثة فرديّة لا تُحدِث في المجتمع فراغاً كبيراً يؤبه له، ووراءها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها، كما أسدلوها على نصِّ الغدير نفسه، وهملجوا وراء إبطاله حتى كادوا أن يبلغوا الأمل بصور خلاّبة، وتلفيقات مموّهة، وأحاديث مائنة، بيدَ أنَّ الله أبى إلاّ أن يُتمّ نوره.

إنَّ قياسها بواقعة أصحاب الفيل تلك الحادثة العظيمة التي عدادها في الإرهاصات النبويّة، وفيها تدمير أُمّة كبيرة يشاهد العالم كلّه فراغها الحادث، وإنقاذ أمة هي من أرقى الأمم، والإبقاء عليها وعلى مقدّساتها، وبيتها الذي هو مطاف الأُمم، ومقصد الحجيج، وتعتقد الناس فيه الخير كلّه والبركات بأسرها، وهو يؤمئذ أكبر مظهر من مظاهر الصقع

الربوبيّ.

إنَّ قياس تلك بهذه في توفّر الدواعي لِنقلها مجازفةٌ ظاهرةٌ، فإنّ من حكم الضرورة أنَّ الدواعي في الأولى دونها في الثانية، كما تجد هذا الفرق لائحاً بين معاجز النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، فمنها ما لم يُنقل إلاّ بأخبار آحاد، ومنها ما تجاوز حدّ التواتر، ومنها ما هو المتسالم عليه بين المسلمين بلا اعتناء بسنده، وما ذلك إلاّ لاختلاف موارد العظمة فيها أو المقارنات المحتفّة بها.

وأمّا ما ادّعاه ابن تيميّة من إهمال طبقات المصنِّفين لها فهو مجازفة أُخرى; لما أسلفناه من رواية المصنِّفين لها من أئمّة العلم وحملة التفسير، وحفّاظ الحديث، ونقلة التاريخ الذين تضمّنت المعاجم فضائلهم الجمّة، وتعاقب من العلماء إطراؤهم. وإلى الغاية لم نعرف المشار إليه في قوله: بهذا الإسناد المنكر، فإنّه لا ينتهي إلاّ إلى حذيفة بن اليمان الصحابيِّ العظيم، وسفيان بن عيينة المعروف إمامته في العلم والحديث والتفسير وثقته في الرواية.

وأمّا الإسناد إليهما فقد عرفه الحفّاظ والمحدِّثون والمفسِّرون المنقِّبون في هذا الشأن، فوجدوه حريّاً بالذكر والاعتماد، وفسّروا به آيةً من الذكر الحكيم من دون أيِّ نكير، ولم يكونوا بالذين يفسِّرون الكتاب بالتافهات. نعم، هكذا سبق العلماء وفعلوا، لكن ابن تيميّة

ص: 325

استنكر السند، وناقش في المتن; لأنّ شيئاً من ذلك لا يلائم دعارة خطّته.

الوجه السادس: أنَّ المعلوم من هذا الحديث أنَّ حارثاً المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلاميّة، ومن المعلوم بالضرورة أنَّ أحداً من المسلمين لم يصبه عذابٌ على العهد النبويّ.

الجواب:

إنَّ الحديث كما أثبت إسلام الحارث، فكذلك أثبت ردّته بردّه قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وتشكيكه فيما أخبر به عن الله تعالى، والعذاب لم يأته على حين إسلامه، وإنَّما جاءه بعد الكفر والارتداد، وقد روي أنَّه بعد سماعه الحديث شكّ في نبوّة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم على أنَّ في المسلمين من شملته العقوبة لمّا تجرّؤوا على قدس صاحب الرسالة كجمرة بنت الحارث، وروى مسلم في صحيحه (1) عن سلمة بن الأكوع: أنَّ رجلاً أكل عند النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم بشماله، فقال: «كُل بيمينك». قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت». قال: فما رفعها إلى فيه بعدُ.

وفي صحيح البخاري (2) إنَّ النبيّ دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبيُّ صلّی الله علیه و آله و سلّم إذا دخل على مريض يعوده قال: «لا بأس طهورٌ» قال: قلتَ: طهور، كلاّ بل هي حُمّىً تفور - أو تثور - على شيخ كبير تُزيره القبور. فقال النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: «فنعم إذاً». فما أمسى من الغد إلاّ ميّتاً.

وفي أعلام النبوّة للماوردي (3) قال : «نهى رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يُنقّي الرجل شعره في الصلاة، فرأى رجلاً يُنقّي شعره في الصلاة، فقال: «قبّح الله شعرك» فصلع مكانه.

الوجه السابع: أنَّ الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، ولم يذكره ابن عبد البَرَّ في الاستيعاب، وابن منده وأبو نُعَيم الأصبهاني وأبو موسى في تأليف ألّفوها في أسماء الصحابة، فلم نتحقّق وجوده.

الجواب:

ص: 326


1- صحیح مسلم: 4 / 259 ح 107 كتاب الأشربة.
2- صحيح البخاريى: 3 / 1324 ح 3420.
3- أعلام النبوّة: ص.134.

إنَّ معاجم الصحابة غير كافلة لاستيفاء أسمائهم، فكلّ مؤلّف من أربابها ما جمع وسعته حيطته وأحاط به اطَّلاعه، ثمّ جاء المتأخّر عنه فاستدرك على من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب وتضاعيف الآثار، وأوفى ما وجدناه من ذلك كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ومع ذلك فهو يقول في مستهلّ كتابه (1):

فإنّ من أشرف العلوم الدينيّة علم الحديث النبويّ، ومن أجلِّ معارفه تمييز أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم هل ممّن خلف بعدهم، وقد جمع في ذلك جمعٌ من الحفّاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه اطلاع كلٍّ منهم.

فأوّل من عرفته صنّف في ذلك أبو عبد الله البخاري، أفرد في ذلك تصنيفاً، فنقل منه أبو القاسم البغوي وغيره، وجمع أسماء الصحابة مضمومةً إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه، كخليفة بن خيّاط، ومحمد بن سعد، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان، وأبي بكر بن أبي خيثمة.

وصنّف في ذلك جمعٌ بعدهم كأبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، وعبدان، ومن قبلهم بقليل كمطين، ثمّ كأبي عليّ ابن السكن، وأبي حفص بن شاهين، وأبي منصور الماوردي، وأبي حاتم بن حبّان، وكالطبراني ضمن معجمه الكبير، ثمّ كأبي عبد الله بن منده، وأبي نُعَيم، ثمّ كأبي عمر بن عبد البَرّ، وسمّى كتابه الاستيعاب; لظنِّه أنَّه استوعب ما في كتب من قبله، ذلك ففاته شيءٌ كثير، فذيّل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلاً حافلاً، وذيّل عليه جماعة في تصانيف لطيفة، وذيّل أبو موسى المَدِيني على ابن منده ذيلاً كبيراً.

وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممّن صنّف في ذلك - أيضاً - إلى أن كان في أوائل القرن السابع، فجمع عزّ الدين ابن الأثير كتاباً حافلاً سمّاه أُسد الغابة، جمع فيه كثيراً من التصانيف المتقدِّمة إلاّ أنَّه تبع من قبله، فخلط من ليس صحابيّاً بهم، وأغفل كثيراً من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم.

ثمّ جرّد الأسماء التي في كتابه - مع زيادات عليها - الحافظ أبو عبد الله الذهبيّ، وعلّم

ص: 327


1- الإصابة: 1 / 2 - 4.

لمن ذكر غلطاً ولمن لا تصحّ صحبته، ولم يستوعب ذلك ولا قارب.

وقد وقع لي بالتتبّع كثيرٌ من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما، فجمعتُ كتاباً كبيراً في ذلك ميّزتُ فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العُشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زُرعة الرازي: قال: تُوفِّي النبيُّ صلّی الله علیه و آله و سلّم ومن رآه وسمع منه زيادةٌ على مئة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلّهم قد روى عنه سماعاً أو رؤيةً.

قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب بعد أن ذكر ذلك: أجاب أبو زُرعة بهذا سؤالَ من سأله عن الرواة خاصّة، فكيف بغيرهم؟! ومع هذا فجميع من في الاستيعاب - يعني بمن ذكر فيه باسم أو كنية - وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة، وذكر أنَّه استدرك عليه على شرطه قريباً ممّن ذكر.

قلت: وقرأت بخطّ الحافظ الذهبي من ظهر كتابه التجريد: لعلّ الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا. ثمّ رأيت بخطّه: أنَّ جميع من في أُسد الغابة سبعة آلاف و خمسمائة وأربعة وخمسون نفساً.

وممّا يؤيّد قول أبي زُرعة ما ثبت في الصحيحين (1) عن كعب بن مالك كعب بن مالك في قصّة تبوك: والناس كثيرٌ لا يحصيهم ديوان.

وثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب (2) بسنده الصحيح إليه قال: من قدم عليّاً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وهو عنهم راض.

فقال النووي: وذلك بعد النبيّ باثني عشر عاماً بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة والفتوح الكثير ممّن لم يضبط أسماؤهم، ثمّ مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام و عمواس وغير ذلك من لا يُحصى كثرةً، وسبب خفاء أسمائهم أنَّ أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجّة الوداع. والله أعلم. انتهى.

ثم إنَّ الحضور في حجّة الوداع مع رسول الله كانوا مائة ألف أو يزيدون، إذاً فأين لهذه

ص: 328


1- صحيح البخاري: 4 / 1603 ح 4156، صحیح مسلم: 5 / 301 ح 53 كتاب التوبة.
2- تاریخ بغداد: 4 / 29 رقم 1632.

الكتب استيفاء ذلك العدد الجمِّ؟ وليس في مجاري الطبيعة الخبرة بجميع هاتيك التراجم بحذافيرها، فإنّ أكثر القوم كانوا مبثوثين في البراري والفلوات تُقِلّهم مهابط الأودية وقُلل الجبال، ويقطنون المفاوز والحُزوم، ولا يختلفون إلى الأوساط والحواضير إلاّ لغايات وقتيّة تقع عندها الصحبة والرواية في أيّام وليال تُبطئ بهم الحاجات فيها، وليس هناك ديوانٌ تُسَجِّل فيه الأسماء، ويتعرّف أحوال الوارد والصادر.

إذاً فلا يسع أيّ باحث الإحاطةُ بأحوال أُمّة هذه شؤونها، وإنَّما قيّد المصنِّفون أسماء كَثُر تداولها في الرواية، أو لأربابها أهميّة في الحوادث، وبعد هذا كلّه فالنافي لشخص لم يجد اسمه في كتب هذا شأنها خارجٌ عن ميزان النصفة، ومتحايدٌ عن نواميس البحث. على أنَّ من المحتمل قريباً أنَّ مؤلّفي معاجم الصحابة أهملوا ذكره لردّته الأخيرة (1).

وقد تمسّك بعضهم لردّ نزول الآية في قضية الفهري، أنّ الشيخ الطوسي لم يذكرها في تفسيره، قال السالولس: «وشيخ طائفتهم الطوسي لم يقع في هذا الخطأ، ولذا قال: سورة المعارج مكية في قول ابن عباس والضحّاك وغيرهما، وفسّرها بما يتفق مع جمهور المفسّرين، ولم يشر إلى أنّ التكذيب كان بالولاية» (2).

نقول في الجواب:

إنّ عدم ذكر الشيخ الطوسي لهذه الرواية لا يدلّ على عدمها، بل ربما يكون لما كان يذهب إليه في البداية من عدم حجية الآحاد، وبما أنّ خبر الفهري هذا من الآحاد، فلم يستشهد به.

مضافاً إلى أنّه لم يعتزم على تفصيل الأمور وذكر جميع الموارد، بل كان ديدنه الاختصار والايجاز وذكر المتفق عليه عند المفسرين، ولذا قال في مقدمة تفسيره: «وأنا إن شاء الله تعالى أشرع في ذلك على وجه الإيجار والإختصار لكلّ فن من فنونه، ولا أطيل فيملّه الناظر

ص: 329


1- الغدير للأميني 1:472 - 501، وانظر عبقات الأنوار، كتاب الغدیر 10:72 - 123، الميزان للعلامة الطباطبائي 6:55، ملخصاً.
2- أثر الإمامة في الفقه الجعفري، علي أحمد السالوس: 92.

فيه، ولا أختصر اختصاراً يقصر فهمه عن معانيه» (1). وعليه فقد اكتفى لاثبات إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بذكر حديث الغدير والاستدلال عليه في كتبه الكلامية أمثال: تلخيص الشافي والاقتصاد وتمهيد الاصول والمفصح في الإمامة، ولم ير لزوم ذكر هذه الرواية التي هي من الآحاد دون المتواترات هنا.

علماً بأنّ الشيخ الطبرسي (المتوفّى في منتصف القرن السادس) قد اعترض على الشيخ الطوسي (رحمه الله) بعد ما أثنى على كتابه، فقال: «غير أنّه خلط في أشياء ممّا ذكره في الإعراب والنحو الغث والسمين... وأخلّ بحسن الترتيب، وجودة التهذيب، فلم يقع لذلك من القلوب السليمة الموقع الرضي، ولم يعل من الخواطر الكريمة المكان العليّ» (2). ولذا عزم على تأليف كتاب مجمع البيان لسدّ الخلل الذي وقع فيه الشيخ الطوسي (رحمه الله)، وعندما يصل الشيخ الطبرسي (رحمه الله) إلى هذه الآية يذكر الأقوال المطروحة ثم يتطرق إلى رواية نزول العذاب على الفهري لانكار خبر الغدير نقلاً عن الحسكاني.

وما أورده الشيخ الطبرسي من رواية الفهري، لا يتعارض مع ما ذكره في صدر السورة من أنّها مكية، كما زعمه السالوس حيث قال: «ولكن هذه الرواية تتعارض مع ما ذكره الطبرسي نفسه حيث قال: سورة المعارج مكية، وقال الحسن إلاّ قوله: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ» (3).

وذلك لما بيّنا سابقاً من وقوع بعض الآيات المدنية في السور المكية مضافاً إلى تجويز أهل السنة نزول بعض الآيات لمرّتين، وبأيّ القولين أخذت اهتديت.

وأخيراً نقول: لم يذهب أحد من علمائنا إلى تواتر هذه الرواية، بل غاية ما هنالك جعلوها من أخبار الآحاد، ومن القرائن والمؤيّدات، وعلى فرض عدم صحّتها فلا يضرّنا، إذ إنّنا أثبتنا إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بالأدلّة القطعية والمتواترة، وجعلنا هذه الآحاد من باب القرائن والمؤيّدات لا أكثر.

ص: 330


1- تفسير التبيان / مقدمة المؤلّف.
2- مجمع البيان / مقدمة المؤلّف.
3- أثر الإمامة في الفقه الجعفري: 93.

حديث المناشدة

حديث المناشدة (1)

لقد ناشد أمير المؤمنين علیه السّلام الصحابة واستشهدهم على مجموعة من فضائله، واحتج عليهم بها، وقد تكرّرت مناشدات أمير المؤمنين علیه السّلام بحسب الدواعي، ونحن نوردها كما ذكرها أصحاب التاريخ وحفظتها المدوّنات الروائية.

المناشدة بعد رحيل رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم :

روی سُليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال: لمّا أن قبض رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، وصنع الناس ما صنعوا... أتيت علياً علیه السّلام وهو يغسّل رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم [إلى أن يذكر الهجوم على بيت الزهراء علیها السّلام، وأخذ عليّ علیه السّلام إلى المسجد، فقال لهم هناك:] يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار، أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم كذا وكذا، وفي غزوة تبوك كذا وكذا؟ فلم يدع علیه السّلام شيئاً قاله فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علانية للعامة إلاّ ذكّرهم إيّاه، قالوا: اللهم نعم... (2).

المناشدة في الشورى:

ما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام:

روى الشيخ الطبرسي بسنده عن الإمام الباقر عن آبائه: قال: إنّ عمر ابن الخطاب حضرته الوفاة، وأجمع على الشورى بعث إلى ستة نفر من قريش: إلى علي بن أبي طالب علیه السّلام، وإلى عثمان بن عفّان، وإلى الزبير بن العوام، وإلى طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص، وأمرهم أن يدخلوا إلى بيت ولا يخرجوا منه حتى

ص: 331


1- استفدنا في هذا المبحث ممّا كتبه فضيلة الشيخ أمير التقدمي في موسوعته القيّمة حول حديث الغدير، ولم تطبع بعد.
2- کتاب سلیم: 577 - 599، وعنه الاحتجاج للطبرسي 1 203، ح 38، والبحار 28: 261 45، ونحوه الكافي: 8: 343 ح 514.

يبايعوا لأحدهم، فإن اجتمع أربعة على واحد وأبى واحد أن يبايعهم قتل، وإن امتنع اثنان وبايع ثلاثة قتلا، فاجتمع رأيهم على عثمان.

فلمّا رأى أمير المؤمنين علیه السّلام ما همّ القوم به من البيعة لعثمان، قام فيهم ليتخذ عليهم الحجّة، فقال علیه السّلام لهم: اسمعوا منّي كلامي، فإن يك ما أقول حقّاً فاقبلوا، وإن يك باطلاً فأنكروا، ثم قال لهم: أنشدكم بالله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم، ويعلم كذبكم إن صلى الله كذبتم... هل فيكم أحد نصبه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم بأمر الله تعالى، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» غيري؟ قالوا: لا...

راجع الاحتجاج للطبرسي 1: 320 ح 55، عنه البحار 31: 330 ح2، وقد روى نحوه مختصراً عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى: 363 ح 53.

ما روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي:

روى القاسم بن إبراهيم الرسّي بسنده عنه قال: كنّا على الباب يوم الشورى، فسمعنا عليّ بن أبي طالب يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله كنت أولى بها منه وأحق بذلك... [إلى أن قال] أفيكم من قال له رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغديري عن أمر الله ما قال لكم: «أيّها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأعزّ من أعزّه، وقال: هذا وليّكم بعدي» غيري؟ قالوا: اللهم لا...

راجع: الكامل المنير: 170 - 188.

وروى الذهبي عن الطبري بسنده عنه قال: قال عليّ لعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وابن عمر، انشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير:

«اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» غيري؟ قالوا: اللهم لا.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه: 41 ح37.

وقد ورد نحو هذا ببعض الاختلاف في: الأمالي للطوسي: 554 ح1169، عنه البحار 31: 366 ح 20، والمناقب لابن المغازلي: 122 ح 155، الشافي للمنصور بالله اليمني 3: 156، الأمالي

ص: 332

للهاروني (ضمن مجلة علوم الحديث 18 282)، الدر النظيم لابن أبي حاتم الشامي: 329، وشرح الأخبار للقاضي النعمان 2: 185 ح529.

ما روي عن أبي رافع القبطي:

روى الشيخ الطوسي بسنده عنه قال: لمّا اجتمع أصحاب الشورى... أقبل عليهم عليّ بن أبي طالب علیه السّلام فقال: أنشدكم الله أيّها النفر... هل فيكم أحد قال له رسول الله يوم غدیر خم «اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» فهل قال ذلك لأحد غيري؟ قالوا: اللهم لا...

راجع الأمالي: 556 ح1170، والرسالة الموضحة 121، والبحار 31: 369 ح21، ونحوه المحيط بأصول الإمامة للديلمي الزيدي: 147، والشافي للمنصور بالله 3: 156.

ما روي عن أبي ذر الغفاري:

روى الشيخ الطوسي بسنده عنه أنّه قال: إنّ علياً علیه السّلام وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتاً ويغلقوا عليهم بابه ويتشاوروا في أمرهم، وأجّلهم ثلاثة أيّام، فإن توافق خمسة على قول واحد وأبى قُتل ذلك الرجل، وإن توافق أربعة وأبى إثنان قُتل الإثنان.

فلمّا توافقوا جميعاً على رأي واحد، قال لهم عليّ بن أبي طالب علیه السّلام: إنّي أحبّ أن تسمعوا منّي ما أقول، فإن يكن حقّاً فاقبلوا، وإن يكن باطلاً فانكروه، قالوا: قل.... [إلى أن قال علیه السّلام:] فهل فيكم أحد قال له رسول الله علیه السّلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ، ليبلّغ الشاهد الغائب ذلك» غيري؟ قالوا: لا...

راجع: الأمالي: 545 ح1168، وارشاد القلوب للديلمي 2: 85 - 94 عنه البحار 31: 372 ح24، وإثبات الهداة للحر العاملي 2: 172 ح 797 عن البرهان في النص الجليّ على عليّ علیه السّلام للشمشاطي.

ما روي عن أبي الأسود الدئلي:

ص: 333

روى الشيخ الطوسي في الأمالي: 556 ح171 عن أبي الأسود الدئلي بنحو ما مرّ عن أبي ذر.

مناشدة يوم الرحبة:

روي عن الأصبغ بن نباتة:

صل الله روى ابن الأثير بسنده عنه قال: نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم ما قال إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول، فقام بضعة عشر رجلاً، فيهم : أبو أيّوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن مُحصن، وأبو زينب، وسهل بن حُنيف، وخزيمة بن ثابت وعبد الله بن ثابت الأنصاري، وحُبشي بن جُنادة السلولي، وعُبيد بن عازب الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فُضالة الأنصاري، وعبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: ألا إنّ الله عز وجل وليّي، وأنا وليّ المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأعن من أعانه...

راجع أسد الغابة 3: 465 رقم 3347، والمتحابين في الله لابن قدامة المقدسي: 73 ح92، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 102 ح 124، والإصابة 4: 328 رقم 5158، وتخريج الأحاديث للزيلعي 2: 240 رقم 681.

ما روي عن حبة العُرَني:

روى الدولابي بسنده عنه أنّه قال: نشد الناس عليّ في الرحبة، فقام بضعة عشر رجلاً فيهم رجل عليه جبّة عليها أزرار حضرميّة، فشهدوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: الكنى والأسماء 3: 172 رقم 2343، ونحوه: تخريج الأحاديث للزيلعي 2: 240 رقم 681 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 380 ح853.

ما روي عن زاذان الكندي الكوفي:

روی أحمد بن حنبل بسنده عنه قال : سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس: من

ص: 334

شهد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً، فشهدوا أنّهم

سمعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: مسند أحمد 2: 71 ح641، وفضائل الصحابة 2: 585 ح991، عنه صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 313 رقم 5، ومجمع الزوائد للهيثمي 9: 107، وجمع الجوامع للسيوطي 16: 271 ح7925، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 212 ح8691، ومِنَح المِدَح لابن سيد الناس: 186، والعمدة لابن البطريق: 94 ح119، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 210، وبشارة المصطفى للطبري الإمامي: 293 ح23، والسنة لابن أبي عاصم: 593 ح1372، ومعرفة الصحابة لأبي نُعيم 6: 3131 ح7213، والمناقب للكوفي 2: 408 ح890.

ما روي عن زِر بن حُبيش:

روى ابن عقدة بسنده عنه أنّه قال: شهد اثنا عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أنّهم سمعوه يقول: يوم غدير خم: «من كنت مولاه» فيهم: قيس بن ثابت بن شماس، وهاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الزهري، وحبيب بن بُديل بن ورقاء الخزاعي.

راجع: تخريج الأحاديث للزيلعي 2: 240 رقم 681، وأسد الغابة 1: 671 رقم 1038، والإصابة 2: 15 رقم 1569، والأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي: 76 ح102.

وقد رواها الكشي عنه بنحو آخر مع زيادات، قال: خرج علي بن أبي طالب من القصر، فاستقبله ركبان متقلّدون بالسيوف عليهم العمائم، فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا مولانا.

فقال علي علیه السّلام : مَنْ ها هنا من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم؟ فقام خالد بن زيد أبو أيّوب،

وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن بُدیل بن ورقاء، فشهدوا جميعاً أنهّم سمعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال علي علیه السّلام لأنس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم؟! ثم قال: اللهمّ إن كانا كتماها معاندة فابتلهما، فعمي البراء بن

ص: 335

عازب، وبرص قدما أنس بن مالك، فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلاً أبداً، وأمّا البراء بن عازب فكان يسأل من منزلة، فيقال هو في موضع كذا وكذا، فيقول: كيف يرشد من أصابته الدعوة.

راجع: إختيار معرفة الرجال 1: 242 رقم 94 و 95 .

ما روي عن زياد بن زياد الكوفي:

روی أحمد بن حنبل بسنده عنه قال: سمعت عليّ بن أبي طالب ينشد الناس، فقال: انشد الله رجلاً مسلماً

سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر بدریّا فشهدوا.

راجع: مسند أحمد 2 : 93 ح 670، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي 9: 106 ووثّق رجاله، ودرّ السحابة للشوكاني: 146 ووثّق رجاله، وفوائد أبي علي ابن الصوّاف: ح97، والمتفق والمفترق للخطيب البغدادي 2: 976 رقم 530، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 212، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي 2: 80 ح 458، والبداية والنهاية لابن كثير 7 : 348.

ما روي عن زيد بن أرقم:

روى أحمد بن حنبل بسنده عنه قال: استشهد علي الناس، فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا.

راجع: مسند أحمد 38: 218 ح23143، عنه مجمع الزوائد للهيثمي 9: 107، وفي فوائد أبي بكر البزّار 1: 168 ح126، والأمالي لابن الحُصين البغدادي ح10 الجزء الثاني، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 204 ح8678 وبغية الطلب في تاريخ حلب لابن العَديم 9: 3965، وتهذيب الكمال للمِزّي 33: 368 رقم 7407، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 346، والمعجم الكبير للطبراني 5: 175 ح4996، والمناقب لابن المغازلي: 23 ح33، وشرح الأخبار للقاضي النعمان 1: 232 ح222.

ص: 336

وورد في المعجم للطبراني بسنده عن زيد بن وهب عن زيد بن أرقم، قال ناشد عليّ الناس في الرحبة : من سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول الذي قال له، فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال زيد بن أرقم: فكنت فيمن كتم فذهب بصري [وفي بعض روايات المعجم: وكان علي دعا على من كتم].

راجع: المعجم الكبير 5: 171 ح4985، عنه مجمع الزوائد للهيثمي 9: 106، ونحوه المعجم الأوسط للطبراني 2: 576 ح1987.

ما روي عن شقيق بن سلمة:

روى البلاذري في أنساب الأشراف بسنده عنه قال: قال عليّ على المنبر: نشدت الله رجلاً سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» إلاّ قام فشهد، وتحت المنبر أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وجرير بن عبد الله، فأعادها فلم يجبه أحد، فقال: اللهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يُعرف بها. قال: فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته، فأتى السراة فمات في بيت أمة بالسراة.

راجع: أنساب الأشراف 2: 386، عنه المستدرك المختار لابن البطريق: 20، والبحار للمجلسي 37: 197 ح81.

ما روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة:

روی أحمد روی بن حنبل بسنده عنه قال: جمع عليّ الناس في الرحبة ثم قال لهم: انشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خمّ ما سمعوا لمّا قام، فقام ثلاثون من الناس فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس: أتعلمون انّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت علياً يقول

ص: 337

كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول ذلك له.

راجع: مسند أحمد 32: 55 ح19302، وفضائل الصحابة 2: 682 ح1167، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي 9: 104 وقال: رواه البزار وأحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة، ودرّ السحابة للشوكاني: 143، وفي تاريخ دمشق لابن عساکر 42: 205 ح8680، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي 2: 173 ح 553، وكفاية الطالب للكنجي: 7، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 33 ح 27، والعمدة لابن البطريق: 93 ح115، ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 257 ح470، وصحيح ابن حِبان 15: 375 ح6931، وزين الفتى للعاصمي 2: 257 470، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (المطبوع مع تاريخ بغداد) 18: 9، رقم 520، والبحر الزخّار للبزار 2: 133 ح492، والسنن الكبرى للنسائي 5: 134 ح8478، والخصائص: 135 ح92، وشرح مشكل الآثار للطحاوي 9: 178 ح 1487.

ما روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى

روى أحمد بن حنبل بسنده عن سماك بن عُبيد قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى، فحدّثني أنّه شهد علياً في الرحبة قال: أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم و شهده يوم غدير خم إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من قد رآه، فقام اثنا عشر رجلاً، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حیث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.

راجع: مسند أحمد 2: 270 964، وتاريخ دمشق لابن عساکر 42: 207 ح8684، والأحاديث المختارة للمقدسي 2: 273 ح654، وفرائد السمطين للجويني 1: 69 ح36، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 20 ح9، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 211، ونحوه كنز الفوائد للكراجكي: 233، وأطراف الغرائب لابن القيسراني 1: 99 ح352، وجمع الجوامع للسيوطي 16: 249 ح7841، والبحر الزخار للبزار 2: 235 ح632، وزين الفتى للعاصمي 1: 11 ح 1، والأمالي للمحاملي: 161 ح 133، وتالي تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي 1: 129 ح 53، وتاريخ بغداد 14: 236 رقم 7545، ومسند أبي يعلى 1: 428 ح567، وأسد الغابة لابن

ص: 338

الأثير 4: 102 رقم 3789، وذكر أخبار أصبهان لأبي نُعيم الأصبهاني 2: 227، ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 374 ح848، وزين الفتى للعاصمي 2: 252 ح469.

ما روي عن زيد بن يُثَيع:

روى ابن أبي عاصم بسنده عنه قال: قام عليّ على المنبر فقال: أنشد الله رجلاً - ولا أنشد إلاّ أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم - سمع النبي يقول يوم غدير خم، فقام ستة من هذا الجانب وستة من هذا الجانب، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: السنة: 593 ح1374، والأحاديث المختارة للمقدسي 2: 86 ح464، والسنن الكبرى للنسائي 5: 132 ح8473.

ما روي عن سعيد بن وهب:

روى أحمد بن حنبل بسنده عنه قال: نشد عليّ الناس فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم فاشهدوا أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

راجع: مسند أحمد 38: 193 ح 23107، وفضائل الصحابة 2: 598 ح1021، ودرّ السحابة للشوكاني: 143، وقال: أخرج أحمد بإسناد رجاله رجال الصحيح، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 211 ح8690، والأحاديث المختارة للمقدسي 2: 105 ح 479، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 347، والسنن الكبرى للنسائي 5: 131 ح8471، والشريعة للآجري 3: 228 ح1599، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 29 ح 22 و 23 وقال: هذا حديث على شرط مسلم فإنّ سعيداً ثقة، وزين الفتى للعاصمي 1: 12 ح2، والبحر الزخار للبزار 10: 212 ح4299.

ما روي عن عمر ذي مرّ:

روى النسائي بسنده عنه قال: شهدت علياً بالرحبة ينشد أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم أيّكم سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم ما قال؟ فقام أناس فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: من كنت مولاه فإنّ علياً مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه،

ص: 339

وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره.

راجع: السنن الكبرى للنسائي 5: 136 ح 8484، والخصائص: 142 ح99، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 27 ح 18 وقال: هذا سياق غريب جدّاً مع نظافة إسناده، والبداية والنهاية لابن كثير 5: 210، ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2: 452 ح943، وشرح مشكل الآثار للطحاوي 5: 14 ح1761، والمعجم الأوسط للطبراني 3: 69 ح2130، والكبير 5: 192 ح 5059، والشريعة للآجري 3: 228 ح1599، وفرائد السمطين للجويني 1: 68 34، والبحر الزخار للبزار 3: 34 ح 786، وكفاية الطالب للكنجي: 13، والأمالي للطوسي: 255 ح459، عنه البحار 37: 124 21، وتاريخ دمشق لابن عساكر 42: 209 ح 8687، والأمالي لابن مندة: ح 299، والمناقب لابن المغازلي: 20 ح27.

ما روي عن عميرة بن سعد الهمداني الكوفي:

روى الطبراني بسنده عنه قال: إنّ علياً جمع الناس في الرحبة - وأنا شاهد - فقال: أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فقام ثمانية عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول ذلك.

راجع: المعجم الأوسط 7: 448 ح6878، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي 9: 108 وقال: إسناده حسن، ونحوه في تاريخ دمشق لابن عساكر 42: 208، وذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم 1: 107، والمناقب لابن المغازلي: 26 ح 38 وصحّح سنده نقلاً عن أبي القاسم الفضل بن محمد، والعمدة لابن البطريق 107 ح144، وتهذيب الكمال للمزّي 22: 398 رقم 4526، وطرق حديث من كنت مولاه للذهبي: 35 ح28، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 347، والسنن الكبرى للنسائي 5: 131 ح 8470، والخصائص: 121 ح84، والأمالي للطوسي: 272 ح509، عنه البحار 37: 125 ح22، والشريعة للآجري 3: 217 ح1579، والسنة لابن أبي عاصم: 593 ح1373.

وقد روى عنه أبو نُعيم الأصبهاني في حلية الأولياء بلفظ أكثر تفصيلاً حيث قال: شهدت عليّاً على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، وفيهم : أبو سعيد، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وهم حول المنبر وعليّ على المنير، وحول المنبر اثنا عشر رجلاً هؤلاء منهم، فقال عليّ:

ص: 340

نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؟ فقاموا كلّهم فقالوا: اللهمّ نعم، وقعد رجل، فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللهمّ إن كان كاذباً فاضربه ببلاء حسن، قال: فما مات حتى رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة.

راجع: حلية الأولياء 5: 26 رقم 285، ونحوه شرح الأخبار للقاضي النعمان 1: 232 ح221، والإرشاد للمفيد 1: 351، عنه البحار 41: 204 ح20.

ما روي عن أبي مِجْلَز لاحق بن حُميد:

روى الذهبي بسنده عنه قال: إنّ علياً سألهم يوماً بالكوفة: من سمع النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول كذا؟ [فقاموا] وهم اثنا عشر فشهدوا أنّهم سمعوا النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم يقول: الله مولاي وأنا مولى علي، من كنت مولاه فعلي مولاه.

هذا إسناد جيد فيه انقطاع، لأنّ أبا مجلز لم يسمعه من عليّ ولا من هؤلاء، وعبد الملك فصدوق.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه: 22 ح11، وقال محقق الكتاب في ردّ الذهبي: ولا أدري كيف حكم المؤلّف على حديثه بالانقطاع، وقد أدرك جمعاً من الصحابة، وظاهره أنّه أدرك المناشدة وحضرها، فأين الانقطاع؟!

ما روي عن يعلى بن مُرّة:

روى الزيلعي بسنده إلى ابن عقدة عنه قال: سمعت النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فلمّا قدم عليّ الكوفة نشد الناس من سمع ذلك من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم فانتشد له بضعة عشر رجلاً فيهم: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو أيّوب الأنصاري، وسهل بن حُنيف، وناجية بن عمرو الخزاعي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، ويزيد بن شراحيل الأنصاري - ويقال: زيد - وعامر بن ليلى الغفاري.

راجع: تخريج الأحاديث 2: 241 رقم 681، وأسد الغابة 2: 362 رقم 1844، و5: 281

ص: 341

رقم 5169، والإصابة 2: 609 رقم 2908 وضعّفه، والأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي: 76 ح 102.

رواية أبي رملة عبد الله بن أمامة الكوفي:

روى الذهبي بسنده إلى الطبري عن أبي رملة قال: إنّ ركباً أتوا علياً فقالوا: السلام عليك ورحمه الله وبركاته، قال: وعليكم أنّى أقبل الركب؟ قالوا: أقبل مواليك من أرض كذا وكذا، :قال أنّى أنتم مواليّ؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقال عليّ: انشد الله رجلاً سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول ما قال هؤلاء إلاّ قام، فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا بذلك.

راجع: طرق حديث من كنت مولاه: 44 ح38، وشرح الأخبار للقاضي النعمان 1: 109 ح29.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ علماءنا استشهدوا بحديث المناشدة لما يأتي:

1 - اتخاذ حديث المناشدة كشاهد لصحة أصل الحديث، قال السيد المرتضى (قدس سره): «وقد استدلّ على صحّة الخبر بما تظاهرت به الرواية من احتجاج أمير المؤمنين علیه السّلام به في الشورى على الحاضرين في جملة ما عدّده من فضائله ومناقبه، وما خصّه الله تعالى به حين قال: «انشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بيده فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟! فقال القوم: اللهم لا».

قالوا: وإذا اعترف به من حضر الشورى من الوجوه، واتصل أيضاً بغيرهم من الصحابة ممّن لم يحضر الموضع كما اتصل به سائر ما جرى، ولم يكن من أحد نكير ولا إظهار شك فیه مع علمنا بتوفّر الدواعي إلى إظهار ذلك لو كان الخبر بخلاف ما حكمنا به من الصحّة، فقد وجب القطع على صحّته، هذا على انّ الخبر [أي خبر الغدير] لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدّعيه أمير المؤمنين علیه السّلام على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، لاسيّما في ذلك المقام الذي ذكرناه، لأنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم كان أنزه وأجلّ قدراً من ذلك» 1.

[1] الشافي 2: 265، الذخيرة: 444، وفي تلخيص الشافي للطوسي 2: 173، وتمهيد الأصول: 394.

ص: 342

2 - ردّ من زعم أنّ سبب حديث الغدير هو ما حدث بين عليّ علیه السّلام وبين أسامة، قال الكراجكي (رحمه الله): «ثم احتجاج أمير المؤمنين علیه السّلام به يوم الشورى، فلو كان ما ادعاه المنتحلون حقّاً، لم يكن لاحتجاجه عليهم به معنى، وكان لهم أن يقولوا: أيّ فضل لك بهذا علينا، وإنّما سببه كذا وكذا [أي ما وقع بينك وبين أسامة]، وقد احتج به أمير المؤمنين دفعات، واعتده في مناقبه الشراف، وكتب يفتخر به في جملة افتخاره إلى معاوية بن أبي

سفيان في قوله:

وأوجب لي الولاء معاً عليكم *** خليلي يوم دوح غدير خم

وهذا الأمر لا لبس فيه (1).

3 - الاستدلال به على الإمامة، قال الشيخ محمد حسين المظفر (رحمه الله): «ويشهد لإرادة الإمامة من الحديث فهم الناس لها منه، كما... عن ابن حجر في الصواعق عن أحمد حيث قال: وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعليّ علیه السّلام لمّا نوزع في أيّام خلافته (2).

فإنّ قوله: «لمّا نُوزع» دالّ على أنّ استشهاد أمير المؤمنين إنّما كان للاستدلال على خلافته وصحّتها، وأنّها من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم فهو صلّی الله علیه و آله و سلّم و شهوده وراوي ذلك قد فهموا من الحديث الإمامة» (3).

نعم لا يضرّنا تأخير تحقّق هذه الإمامة والخلافة إلى عقود عدّة، لغلبة الهوى وحبّ الرئاسة وتأخير من قدّمه الله ورسوله لقيادة الأمّة.

وقال أيضاً السيد مير حامد حسين اللكهنوي (رحمه الله): «إنّ كتمان بعض أجلاّء الصحابة الشهادة لحديث الغدير، ودعاء عليّ صلّی الله علیه و آله و سلّم عليهم، واستجابة دعائه عند الله تعالى، لدليل واضح وبرهان ساطع على عظمة مفاد هذا الحديث ومدلوله، إذ من الواضح عدم

ص: 343


1- كنز الفوائد 2: 96.
2- الصواعق المحرقة: 64، عن مسند أحمد 4: 370.
3- دلائل الصدق 4: 337.

وجود أيّ داع لكتمان معنى المحبة والنصرة - كما يفسّره أهل السنة - » (1).

ثم إنّ الفخر الرازي كعادته في تفريع الشبهات، ومحاولة طمس الحقائق، جاء هنا لردّ حديث المناشدة أيضاً فقال: «أمّا الوجه الثاني وهو المناشدة به في الشورى فهو ضعيف، لأنّ الحاجة إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى تصحيح أصل الحديث، بل ذاك أولى لأنّ أكثر المحدثين ينكرون تلك المناشدة، وبتقدير صحتها فلا نسلّم انتهاءها إلى الصحابة جميعهم، وبتقدير انتهائها إلى كلّهم فلانسلّم انّه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك، وبتقدير عدم النكير فلا نسلّم أنّ ذلك يدلّ على قطعهم بصحة الحديث، بل الظاهر أنّه قبلوا هذا الحديث كما قبلوا سائر الأحاديث من سائر الرواة من العدول وإن لم يقطعوا بصحتها، وبتقدير أنهم لم يعتقدوا صحة الحديث فلعلهم سكتوا عن النكير تقية وخوفاً من بني هاشم» (2).

وقد قال ابن ميثم في جوابه: قلنا: أمّا المناشدة فمعلومة بالتواتر كما علم أصل الحديث، قوله: ويتعذّر صحّتها فلا نسلّم إنهاءها إلى جميع الصحابة» قلنا: لا شك في حضور المعتبرين من الصحابة الذين يدّعون الضدّية في هذا الأمر وأنّهم أولى به، وتقدير الاعتراض أن نقول: يجوز أن يكون احتجاج عليّ علیه السّلام في الشورى بهذا الخبر لو وصل إلى كلّ الصحابة لأنكر واحد منهم، لكنّه إذا ثبت أنّ أجلّ الصحابة المتنازعين في هذا الأمر كانوا حضوراً في وقت الخبر وفي وقت احتجاج علي علیه السّلام به لم ينقل عن أحد منهم إنكاره، فبطريق الأولى أن لا ينكره أحد من غيرهم ممّن لا طمع له في هذا الأمر لو وصله، هذا مع تسليم أنّ الصحابة بأسرهم لم يكونوا حضوراً عند احتجاج علي علیه السّلام في الشورى، وهو غير مسلّم.

قوله: بتقدير تسليم إنهائها إلى كلّهم، فلا نسلّم أنّه لم يوجد فيهم من أنكر. كلنا: لا شك أنّ ذلك من الوقائع الكبار في الإسلام، والأمور العظيمة التي يجب توافر الدواعي على نقلها، فعلمنا أنّه لو كان هناك إنكار لنُقل.

ص: 344


1- عبقات الأنوار، حديث الغدير .10 153.
2- نهاية العقول 2: 383.

قوله: وبتقدير عدم النكير فلا نسلّم أنّ ذلك يدلّ على قطعهم بصحّته... قلنا: لو لم تجزموا بصحّته عند احتجاجه عليهم به لكان لهم أن ينكروه، خصوصاً وهم في محلّ الحاجة إلى دفعه عن هذا الأمر.

قوله: لعلّهم سكتوا تقية وخوفاً.

قلنا: التقيّة والخوف في حق تلك الأُمّة من نفر يسير غير جائز ولا مسموع، ولو صحّ الخوف من بني هاشم لكان الخوف منهم عند سلبهم لمنصبه على اطلاعهم على أولويّته به وطلبه لمثل تلك المناشدة وغيرها، وكذلك ردّه لشهادته ومنعهم لإرث فاطمة 3 وغير ذلك ممّا تواترت به الرواية من أفعالهم أولى وأتمّ، فهل يجوز أن يسكتوا لمثل هذا الخبر في مناشدته تقيّة لبني هاشم، ولا يجوز تقيّتهم في هذه المواضع وأمثالها (1).

وقد استدلّ بعض أهل السنة بأن سكوت علي علیه السّلام عن الاستشهاد بحديث الغدير بعد وفاة رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم، والمناشدة به أيّام الشورى دليل على عدم وجود النص، إذ لو كان لاستشهد به، وعلى فرض دلالته على الإمامة فهي الإمامة بعد الثلاثة (2).

وقد أجبنا عن هذه الشبهة بالتفصيل في دلالة حديث الغدير، ونقول هنا أيضاً: إنّ دعوى عدم الاحتجاج به بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أوّل الكلام، فقد رأيت احتجاجه علیه السّلام فيما رواه سليم على القوم، ثم هل ترك القوم فرصة للاحتجاج والمناشدة، وقد فعلوا ما فعلوا من الهجوم على الدار وما تبعه من الضرب والشتم، ومنع فدك، فأيّ مجال يبقى للمناشدة والاحتجاج، ثم بعد ما فوّتوا على الإمام الفرصة لم توجد دواعي المناشدة وقد بايع الإمام حفظاً لكيان الإسلام عن الانهيار، كما قال علیه السّلام : « فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دین محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم:، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون

ص: 345


1- النجاة في القيامة: 128 - 129، ونحوه البياضي في الصراط المستقيم 1 307.
2- انظر السيرة الحلبية 3: 338، نظرية الإمامة لأحمد صبحي: 223، الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات لأبي مريم الأعظمي: 557، أثر الإمامة للسالوس: 115 - 116.

المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه» (1).

فعليّ بن أبي طالب علیه السّلام لم يكن ليفتح على الإسلام جبهة للمعارضة ثانية تؤدّي إلى الخلاف والشقاق، وقد نهض وبايع لسد الفجوات وإصلاح الأمور ، فأي وقت يبقى له لإظهار أولويّته ؟! ففي بداية الأمر كان التهديد والإقصاء التام، وفيما بعده كانت الردّة وخوف زوال الدين نعم تكلّم علیه السّلام وناشد واحتج في أوّل ما سنحت له الفرصة وهو يوم الشورى.

أمّا ما ذهب إليه السيوطي في الحكم بوضع حديث مناشدة الشورى لوجود زافر ورجل مجهول في سندها (2) فغیر صحیح، لورود روايات ليس فيها زافر ولا رجل مجهول سيما مناشدات الرحبة، حيث قوّى سندها أعلام القوم أمثال الذهبي والهيثمي والشوكاني.

ولو سلّمنا ضعف الراوي، فإنّ الضعف في السند لا يؤّدي إلى الحكم بوضع الحديث، فكم من حديث ضعيف ورد في الصحاح والمسانيد زعماً منهم بجبره للقرائن المتوفّرة عندهم، أو إمكان الاستشهاد به بوصفه شاهداً ومؤيّداً.

وأخيراً إنّ الاختلاف في عدد الشهود يرجع إلى أنّ المناشدة قد تكرّرت، ولذا اختلفت الأعداد، أو يُحتمل أنّ الراوي ذكر من عرفه أو التفت اليه، أو من كان إلى جنبه أو أنه ذكر من كان في جانبي المنبر أو في أحدهما ولم يلتفت إلى غيرهما... (3).

ص: 346


1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 62.
2- اللالئ المصنوعة 1: 361.
3- الغدير للعلامة الأميني 1: 378.

حديث التهنئة

لقد ورد في كثير من المصادر بعد رواية حديث الغدير تهنئة عمر، وفي بعضها عمر وأبي بكر لعلي علیه السّلام بلفظ : «هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» أو «بخ بخ لك يا علي...» وما يقاربه.

وقد روى ذلك كلّ من:

1 - ابن أبي شيبة (ت 235) في المصنّف 12: 78 ح 12167.

2 - أحمد بن حنبل (ت 241) في مسنده 5: 355 ح 18011 وغيره.

3 - الاسكافي (ت 220) في المعيار والموازنة: 212.

4 - الدارقطني (ت 385) كما في الصواعق المحرقة: 44.

5 - الثعلبي (ت 427) في تفسيره سورة المائدة، الآية 67.

6 - الخطيب البغدادي (ت 463) في تاريخ بغداد 8: 284.

7 - ابن المغازلي (ت 483) في المناقب: 18 ح24.

8 - أبو حامد الغزالي (ت 505) في سرّ العالمين: 21، ونقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 19: 328 من دون أن يغمز فيه.

9 - الخوارزمي (ت 568) في المناقب 94.

10 - ابن عساكر (ت 571) في تاریخ دمشق 42: 221.

11 - الفخر الرازي (ت 606) في تفسيره 12: 50.

12 - ابن الأثير (ت 630) في أسد الغابة 4: 108 رقم 3783.

13 - الكنجي (ت 658) في كفاية الطالب: 62.

ص: 347

14 - سبط ابن الجوزي (ت 653) في تذكرة الخواص: 29.

15 - المحب الطبري (ت694) في الرياض النضرة 3: 113.

16 - الحموئي (ت 722) في فرائد السمطين 1: 77 ح44.

17 - الذهبي (ت 748) في تاريخ الإسلام 3: 632.

18 - ابن كثير (ت 774) في البداية والنهاية 5: 329.

وغيرهم من الذين رووا ذلك.

إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ أهل السنة حاولوا صرف كلام عمر هذا عن معناه الحقيقي، إلى ما يذهبون إليه من معنى النصرة والمحبّة.

فقد تمسّك الباقلاني لاثبات مدّعاه في معنى المولى; بتهنئة عمر هذه، حيث استنتج أنّ کلام عمر يدلّ على حدوث المولوية في الآن، وهذا ما لا يمكن جمعه مع معنى الإمامة، لعدم جواز جمع الإمامة والنبوة في آن واحد (1).

وقد دفع السيد المرتضى (رحمه الله) هذه الشبهة بقوله: «فإن قيل: كيف یصحّ أن يكون ما اقتضاه الخبر [أي خبر الغدير من معنى الإمامة] غير ثابت في الحال، مع ما يُروى من قول عمر: «أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» وظاهر قوله أصبحت يقتضي حصول الأمر في الحال.

قلنا: ليس في قول عمر «أصبحت مولاي» ما يقتضي حصول الإمامة في الحال، وإنّما يقتضي ثبوت استحقاقها في حال التهنئة وإن كان التصرّف متأخّراً، وليس يمتنع أن يُهنّأ الإنسان بما يثبت له استحقاقه في الحال، وإن كان التصرّف متأخّراً عنها، لأنّ أحد الملوك والأئمة لو استخلف على رعيّته من يقوم بأمرهم إذا غاب عنهم أو توفّي لجاز من رعيّته أن يهنّئوا ذلك المستخلف بما ثبت له من الاستحقاق وإن لم يغب الملك ولا توفّي» (2).

ص: 348


1- تمهيد الأوائل: 453 - 454.
2- الشافي 2: 293 - 294.

وقريب ممّا ذهب إليه الباقلاني ما قاله القاضي عبد الجبار في المغني: «وقول عمر: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» يدلّ على أنّ هذا [أي النصرة في الدين] هو المراد، لأنّه ما أراد إلاّ هذا الوجه» (1).

وقد ردّه المرتضى أيضاً بقوله: «وادعاؤه أنّ عمر أراد بقوله: «أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» ما ذهب إليه حتى; جعل قوله دليلاً على صحة تأويله طريف لأنّ عمر لم يصرّح بشيء يدلّ على ما يخالف مذهبنا ويوافق مذهبه، وإنّما شهد لأمير المؤمنين علیه السّلام بمثل ما تضمّنه لفظ الرسول صلّی الله علیه و آله و سلّم، فأيّ حجّة له في قوله، وخصومه يقولون في جوابه: إنّ عمر لم يرد بكلامه إلاّ ما ذهبنا إليه من وجوب فرض الطاعة والرئاسة...» (2).

وقال ابن ميثم (رحمه الله): «إنّ عمر قال له عقيب كلام النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: بخ بخ يا ابن أبي طالب....، وظاهر بالضرورة أنّ عمر لم يرد معتِقي ولا حليفي ولا ابن عمّي، بقي أن يقال: أراد أصبحت ناصري، لكنّه باطل لوجهين:

أحدهما: إنّ النصرة معلومة من قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعض» وأمثاله.

الثاني: إنّ نصرة علي عليه السّلام وأهله أمر في غاية الظهور، بل لا نسبة لأحد من الصحابة إليه في ذلك، وما كان كذلك فلا يكون تعظيم عمر له بذلك غبطة به لائقاً بذكاء عمر وفطنته، فلم يبق إلا أن يقال: إنّه أراد الأولى بالتصرف في الأمور، وهو المطلوب» (3).

كما كرّر هذا بعد صفحات في مقام الرد على شبهة الفخر الرازي في كتابه نهاية العقول: «قوله في قول عمر لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟ قلنا الضرورة تقتضي بأنّ كلام عمر مستلزم للغبطة، والنصرة لاشك أنّها عامة لكل المؤمنين، ولا يحصل بتنصيصها في حق علي علیه السّلام غبطة، وأيضاً: كلامه يدلّ بظاهره على حصول مرتبة لعليّ ليست لغيره، والنصرة عامة

ص: 349


1- المغني كتاب الإمامة 1: 147.
2- الشافي 2: 290 - 291.
3- النجاة في القيامة: 114.

لكلّ المؤمنين، فلا يحصل لعلي علیه السّلام بإظهارها في حقّه مرتبة له» (1).

وأخيراً تمسّك بعض السلفية بتضعيف حديث التهنئة فراراً من إلزام الشيعة، فهذا الألباني يقول: «ومثله قول عمر لعليّ: «أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة» لا يصحّ أيضاً لتفرّد علي بن زيد به» (2).

وكذلك أبو مريم الأعظمي يقول تارة : فهذا ليس له أيّ شاهد أو متابع فيبقى ضعيفاً ساقطاً. ويقول تارة أخرى : نقلها عبد الحسين [أي شرف الدين في المراجعات من ابن حجر في الصواعق المحرقة وعزاها ابن حجر للدارقطي من غير بيان إسناده أو بيان ثبوته وصحته، وهو أمر لا يمكن إثباته إلا به فلا حجّة بعد ذلك (3).

ويكفيك في ردّ كلامهما ما استفاض في المدوّنات الروائيّة من نقل هذه التهنئة وقد مرّ عليك بعضها في بداية هذا المبحث مضافاً إلى أنّ أرباب الكلام والجدل أخذوه أخذ ،المسلّمات فبدؤوا بتأويله وتبريره ولو كان فيه أيّ ضعف أو سقوط لما تحمّلوا عناء الردّ والتأويل، ولاكتفوا بتضعيفه حاله حال غيره من الأخبار التي ردّوها.

وليعلم أنّ التهنئة لم تقتصر على أبي بكر وعمر ، بل شملت جميع الصحابة والصحابيات حيث طفقوا يبايعونه السلام ،و يهنئونه وامتدت البيعة إلى الليل (4).

ص: 350


1- م ن: 138.
2- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 344.
3- الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات: 550، 576.
4- راجع في ذلك الغدير للعلامة الأميني 1: 508 عن روضة الصفا 2: 541، وحبيب السير 1: 411، مرآة المؤمنين: 41.

كتمان الشهادة

لقد ناشد أمير المؤمنين علیه السّلام الصحابة في مرّات عدّة وبمناسبات مختلفة، واستشهدهم على مجموعة من فضائله، فكانوا يشهدون له، وقد أثبتت المصادر أسماء بعض من كتم الشهادة بدواعٍ مختلفة، فدعا عليهم أمير المؤمنين علیه السّلام، فأصابتهم دعوته.

روی ابن شهر آشوب عن تاريخ البلاذري، وحلية الأولياء، وكتب أصحابنا عن جابر الأنصاري أنّه استشهد أمير المؤمنين علیه السّلام أنس بن مالك، والبراء بن عازب، والأشعث، وجرير بن عبد الله البجلي قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» فكتموا، فقال لأنس: لا أماتك الله حتى يبتليك ببرص لا تغطّيه العمامة، وقال للأشعث: لا أماتك الله حتى يذهب بكريمتك، وقال لجرير: لا أماتك الله إلاّ ميتة جاهلية، وقال للبراء: لا أماتك الله إلاّ حيث هاجرت.

قال جابر: والله لقد رأيت أنساً وقد ابتلي ببرص يغطيه بالعمامة فما تستره، ورأيت الأشعث وقد ذهبت كريمتاه وهو يقول: الحمد لله الذي جعل دعاء أمير المؤمنين عَلَيَّ بالعماء في الدنيا ولم يدع عَلَيَّ في الآخرة فأعذّب وأما جرير فإنّه لمّا مات دفنوه في منزله، فسمعت بذلك كندة فجاءت بالخيل والإبل فعقرتها على باب منزله، فمات ميتة جاهلية، وأمّا البراء فإنّه ولي من جهة معاوية باليمن، فمات بها ومنها كان هاجر، وهي السّراة (1).

والمشهور في كتب التراجم والآثار والمدوّنات الروائيّة، ما أصاب أنس بن مالك من البرص بدعوة أمير المؤمنين علیه السّلام لمّا كتم الشهادة.

قال ابن قتيبة: أنس بن مالك كان بوجهه برص، وذكر قوم أنّ عليّاً سأله عن قول رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقال: كبرت سنّي ونسيت فقال له عليّ: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة (2).

ص: 351


1- المناقب لابن شهر آشوب 2: 279، عنه البحار 41: ح206، ح23 ونحوه الأمالي للصدوق: 184 ح190.
2- المعارف : 580 / أهل العاهات.

وتوجد في طبعة كتاب المعارف بمصر إضافة جملة عن ابن قتيبة على هذا النص حيث تنفيه، فقد ورد فيه: «قال أبو محمد: ليس لهذا أصل».

وممّا يدلّ على عدم وجود هذه الجملة في أصل الكتاب، وأنّها من إضافة الناسخين أو الناشرين: أولا: إنّ ابن أبي الحديد ينقل عن ابن قتيبة حديث البرص، ولم يشر إلى هذه الجملة من قريب ولا بعيد، حيث يقول: «وقد ذكر ابن قتيبة حديث البرص، والدعوة التي دعا بها أمير المؤمنين علیه السّلام على أنس بن مالك في كتاب المعارف في باب البرص من أعيان الرجال، وابن قتيبة غير متّهم في حق علي علیه السّلام على المشهور من انحرافه عنه» (1).

وكلامه هذا يدلّ على تصديق ابن قتيبة لذلك من دون غمز فيه، مع تأكيد ابن أبي الحديد عليه إذ لو كانت تلك الجملة في المعارف آنذاك - أي القرن السادس - لم يستشهد ابن أبي الحديد لاثبات ذلك بكلام من ينفيه ولم يعتقد بصحّته.

ثانياً: قال العلاّمة الأميني في معرض الردّ على هذه الشبهة: إنّ سياق الكتاب يُعرب عن هذه الجناية ويأبى هذه الزيادة، إذ المؤلّف يذكر فيه من مصاديق كلّ موضوع ما هو المسلّم عنده، ولا يوجد من أوّل الكتاب إلى آخره حكم في موضوع بنفي شيء من مصاديقه بعد ذكره إلاّ هذه، فأوّل رجل يذكره في عدّ من كان عليه البرص هو أنس ثم يعدّ مَنْ دونه، فهل يمكن أن يذكر مؤلّفٌ في إثبات ما يرتئيه مصداقاً ثم ينكره بقوله: لا أصل له ؟! (2).

ثالثاً: المشهور بين نقلة الآثار والأخبار يدلّ على ذلك، إذ ليس دخان من دون نار، وإليك تفصیله:

قال أبو بكر الخوارزمي: أنس بن مالك، روي أنّ عليّاً سأله عن قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم: «اللهمّ وال من والاه» فقال: كبر سنّي وأُنسيت، فقال: إن كنت كاذباً فرماك الله ببيضاء وضح لا تواريها العمامة، فبرص جلده (3).

ص: 352


1- شرح نهج البلاغة 19: 217 رقم 317.
2- الغدير 1: 388 - 389.
3- مفيد العلوم ومبيد الهموم: 480.

وقال عبد الملك الثعالبي: وكان أنس بن مالك أبرص، وذكر قومٌ أنّ علي بن أبي طالب سأله عن قول النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم فيه: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» فقال: قد كبرت سنّي ونسيت، فقال عليّ علیه السّلام: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة. فأصابه برص ... (1).

وروى الديلمي أنّه قال عليّ علیه السّلام على منبر الكوفة: أيّها الناس من حضر قول رسول صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فليقم وليشهد، فقام جماعة وأنس بن مالك جالس لم يقم، فقال له: يا أنس ما منعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال علیه السّلام : اللهم إن كان كاذباً فارمه ببياض لا تواريها العمامة، فصار أبرص (2).

وقد ذكر أبو علي ابن رُسته الأصبهاني ضمن ذوي العاهات أصحاب البرص، وذكر منهم أنس بن مالك ثم قال: كان بوجهه برص، ويذكر قومٌ أنّ عليّ بن أبي طالب سأله عن شيء فقال: كبرت ونسيت، فقال علي: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة (3).

قال الراغب الأصبهاني في محاضراته: وسأل أمير المؤمنين بعض الناس فقال: هل سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: «علي منّي كهارون من موسى، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» فقال: كبرت سنّي ونسيته، فقال: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة، فصار ذا برص إلى أن مات (4).

وقال في موضع آخر في ذكر البرص: وقال أمير المؤمنين [الرجل:] إن كنت كاذباً فرماك الله ببيضاء لا تواريها العمامة، فصار به برص (5).

وقال الزمخشري: عليّ رضي الله عنه: ضربه الله ببيضاء لا تواريها العمامة. أراد البرص (6).

وقال ابن أبي الحديد: ذكر جماعة من شيوخنا البغداديّين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين

ص: 353


1- لطائف المعارف: 105.
2- إرشاد القلوب 2: 33- 39.
3- الأعلاق النفيسة: 221.
4- محاضرات الأدباء 2: 93 الحدّ السادس.
5- م ن 573:3 الحدّ السابع عشر.
6- ربيع الأبرار 2: 233.

والمحدّثين كانوا منحرفين عن علي علیه السّلام قائلين فيه السوء، ومنهم من كتم مناقبه، وأعان أعداءه ميلاً مع الدنيا وإيثاراً للعاجلة، فمنهم أنس بن مالك.

ناشد علي علیه السّلام في رحبة القصر - أ وقالوا : برحبة الجامع بالكوفة -: أيّكم سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا وأنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللهم إن كان كاذباً فارمه ببيضاء لا تواريها العمامة. قال طلحة بن عمير: فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

وروى عثمان بن مطرف: إنّ رجلاً سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب، فقال: إنّي آليت أن لا أكتم حديثاً سُئلت عنه في عليّ بعد يوم الرحبة، ذاك رأس المتقين يوم القيامة، سمعته والله من نبيّكم (1).

وقد علّق المحقق الطباطبائي (رحمه الله) على كتمان أنس: «قد جمع أنس بين كتمان الشهادة وكذبتين: كبرت ونسيت، فإنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لما هاجر إلى المدينة كان أنس طفلاً ابن عشر سنين أو ثماني سنين، أخذت أمّه بيده وذهبت به إليه صلّی الله علیه و آله و سلّم، وطلبت منه أن يقبله خادماً، والمناشدات كانت بين سنتي 36 و 40، فأنس عند المناشدة كان في الأربعينات من عمره، له دون الخمسين سنة، فأين الكبر المورث للنسيان؟! لقد جرّبنا عليه الكذب في قصّة الطير عندما دعا النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أن يأتيه الله بأحبّ الخلق إليه يأكل معه من الطير، فبعث الله وليه علياً علیه السّلام ثلاث مرّات في كلّ ذلك يقول له أنس: إنّ النبي عنك مشغول» (2).

وقد نظم السيد الحميري إصابة الدعوة عليه في لاميّته حيث يقول:

في ردّه سيّد كلّ الورى *** مولاهم في المحکم المنزل

فصدّه ذو العرش عن رشده وشانه بالبرص الأنكل (3)

وقال الزاهي:

ص: 354


1- شرح نهج البلاغة 4: 74 الخطبة 56.
2- راجع الغدير الأميني 1: 392 / الهامش.
3- المناقب لابن شهر آشوب 2: 116

ذاك الذي استوحش منه أنسأن *** يشهد الحقّ فشاهد البرص

إذ قال من يشهد بالغدير لي؟ *** فبادر السامع وهو قد نكص

فقال أنسيت، فقال كاذب *** سوف ترى ما لا تواريه القُمُص (1)

ومن الذين كتموا أيضاً زيد بن أرقم، فقد روى الطبراني عنه قال: ناشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول الذي قال له، فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يقول: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال زيد بن أرقم: فكنت فيمن كتم، فذهب بصري وكان عليّ دعا على من كتم (2).

وقد أورده الخطيب التبريزي في الإكمال وصحّح سنده (3).

و روی أحمد عن سمّاك بن عبيد قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى، فحدّثني أنّه شهد علياً في الرحبة قال: أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم و وشهده يوم غدير خم إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من قد رآه، فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته (4).

ووری نحوه ابن عساكر عن ابن أبي ليلى وفيه: وكتم قوم، فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا (5).

بقي هنا شيء وهو ما ذهب إليه ابن روز بهان حيث قال: «فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض، لأنّ خبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» كان في غدير خم، وكان لكثرة سماع السامعين كالمستفيض، فأيّ حاجة إلى الاستشهاد من أنس، وإن فرضنا أنّه استشهد ولم يشهد أنس، لم يكن من أخلاق أمير المؤمنين أن يدعو على صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم و من خدمه

ص: 355


1- راجع الغدير للأميني 3: 389.
2- المعجم الكبير 5: 171، 175.
3- الإكمال في أسماء الرجال: 72.
4- مسند احمد 1: 119، تاریخ دمشق لابن عساكر 42: 207، البداية والنهاية 5: 230 ولم يغمز في سنده.
5- تاریخ دمشق 42: 207، وكنز العمال 13: 131 ح36417.

عشر سنين بالبرص ووضع الحديث ظاهر».

نقول في الجواب:

أولاً: قوله: «فأيّ حاجة في الاستشهاد» بل الحاجة كانت قائمة، وذلك أنّ أمير المؤمنين علیه السّلام اضطر لمناشدة الناس في الكوفة وفي خلافته ليذكّرهم بفضائله ومناقبه، وأنّه على الحق وغير ذلك، صدّاً أمام شبه معاوية وفتنه التي كان يبثّها في الناس ضدّ أمير المؤمنين علیه السّلام لتشويه سمعته، فعدم شهادة أمثال أنس كان يقوّي جانب معاوية، ويوهم للناس عدم مصداقية الأمي علیه السّلام، فدعا عليه الإمام ليعرف الكلّ صدقه وكذب الكاتم، وفشل خطط معاوية، وناهيك عن فتنة الخوارج وقولهم بكفر علي علیه السّلام - والعياذ بالله - فالحاجة إذاً كانت ضروريّة.

ثانياً: قال القاضي نور الله (رحمه الله) في الردّ على ابن روز بهان: أمّا استبعاده عن أخلاق أمير المؤمنين علیه السّلام أن يدعو على صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم و خادمه بظهور البرص عليه، فهو تصوف بارد، لأنّه إذا لم يشهد أنس لإظهار حق قربى النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم بما علم به، فقد أخلّ بما وجب عليه من محبتهم بنص القرآن المجيد، وخلع ربقته عن متابعة النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم، و أحبط عمله وخدمته، فأقلّ مرتبة جزائه في الدنيا الدعاء عليه بالأمراض الساخرة، وسيذوق وبال أمره في الآخرة (1).

ومن الطريف ما ذهب إليه أبو مريم الأعظمي في مقام الردّ على صاحب المراجعات، حيث قال: «إنّ شرف الدين أورد اسم أنس ضمن رواة حديث الغدير، وهذا تناقض وكذب، فتارة يجعله من المنكرين، وتارة من المثبتين» (2).

والجواب أنّ أنساً كان من شهود الغدير وممّن روى ذلك، ولكن لأسباب سياسية أو دنيوية - كما قال ابن أبي الحديد - لم يشهد لأمير المؤمنين علیه السّلام فكتم فأصابته دعوته، وبعد هذا خاف من وصول ضرر دنيوي أكثر عليه، فلم يكتم بعد ذلك، وكان يشهد إذا سُئل كما مرّ في رواية عثمان بن مطرف التي رواها ابن أبي الحديد.

ص: 356


1- إحقاق الحق: 205.
2- الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات 1: 558، 563.

التعمّم والتتويج

قال ابن منظور ت (711) في لسان العرب:

«العِمامة من لباس الرأس معروفة، وربّما كُنّي بها عن البيضة والمغفر، والجمع عمائم وعمام.... وعمّمته: ألبسته العمامة، وهو حسن العِمّة أي التعمّم،.... وعُمّم الرجل: سُوّد، لأنّ تيجان العرب العمائم، فكلّما قيل في المعجم: توّج من التاج، قيل في العرب عُمّم، والعرب تقول للرجل إِذا سُوّد: قد عُمّم، وكانوا إذا سوّدوا رجلاً عمّموه عمامة حمراء،

وكانت الفرس تتوّج ملوكها فيقال له متوّج (1).

ولأهميّة العِمّة عند العرب آنذاك، أقرّها الشرع ووضعت لها آداب وأدعية، كما وردت بعض الروايات الدالّة على فضل التعمّم.

فقد روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم قال: العمائم تيجان العرب (2).

کما روي عن أبي جعفر علیه السّلام: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر (3).

وقد ذكر الشيخ الطوسي بعض آداب التعمم، كما ذكر دعاءاً أيضاً، حيث قال: وإذا أردت أن تتعمّم فينبغي أن تكون قائماً، ويستحب أن تتلحّى، وهو أن تدير بعض العمامة تحت ذقنك، وتقول: اللهمّ سوّمني بسيماء الإيمان، وتوّجني بتاج الكرامة، وقلّدني حبل الإسلام، ولا تخلع ربقة الإسلام من عنقي (4).

وعليه لمّا قلّد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً علیه السّلام رئاسة الأمّة وقيادتها بعده، أتمّ ذلك بالتعمّم،

ص: 357


1- لسان العرب لابن منظور 12: 425.
2- الكافي للكليني 6: 461 ح 5.
3- م ن 6: 461 ح 3.
4- الآداب الدينية للخزانة المعينية: 20.

حيث عمّمه بيده الشريفة وبعمامته المباركة.

وقد روى حديث التعمّم آنذاك كثير من أصحاب المدوّنات الروائية، نشير فيما يأتي إلى بعضها:

روى البيهقي بسنده عن علي علیه السّلام قال: عمّمني رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم الغدير بعمامة سدلها خلفي، ثم قال: إنّ الله أمدّني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمامة وقال: إنّ العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان (1).

وقد أخرج الحافظ أبو نُعيم الأصبهاني، ومحب الدين الطبري عن عبد الأعلى بن عديّ النهرواني: أن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم دعا عليّاً يوم غدير خم فعمّمه وأرخى عَذَبة العمامة من خلفه (2).

وقد استدلّ الصوفية بهذا الحديث على جواز لبس الخرقة التي هي زيّهم، قال أحمد عبد الله الرفاعي: «إنّ خرقة الصوفيّة تتصل بالخليفة الرابع أسدالملاحم والمعامع، شيخ أئمة الآل، فحل الرجال، صهر رسول الثقلين، والد الريحانتين، إمام المشارق والمغارب، أمير المؤمنين أسد الله سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه... وقد أخذنا سند الخرقة بقصد التزيّي بزيّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بالأسانيد الصحيحة التي ضبطها الحفّاظ أمناء الرسل علماء المسلمين حفظة الحديث ورجاله رضي الله عنهم، فإنّ الخرقة - أعني الزيّ الذي اختاره السادة الرفاعيّة ومضوا عليه خلفاً بعد سلف - إنّما هي بعد سلف - إنّما هي العمامة السوداء مرسلة الطرف.... وأسند الحافظ أبو موسى المديني في كتاب السنة في سدل العمامة عن أبي داود الطيالسي قال... عن عليّ قال: عمّمني رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم يوم غدير خم بعمامة سدلها من خلفي...» (3).

ص: 358


1- السننن الكبرى 10: 14، وانظر نحوه معجم الصحابة للبغوي 4: 175 ح 1678، فرائد السمطين للجويني 1: 75 ح 41، وجامع المسانيد لابن كثير 7: 240 ح5068.
2- معرفة الصحابة 1: 301، الرياض النضرة 3: 170، شرح المواهب للزرقاني 5: 10.
3- العقيدة الحقّة للرفاعي: 51 - 69.

أعمال الغدير

«بما أنّ هذا اليوم يوم أكمل الله به الدين، وأتمّ النعمة على عباده حيث رضي بمولانا أمير المؤمنين إماماً عليهم، ونصبه علماً للهدى، يحدو بالاُمّة إلى سَنَن السعادة وصراط حق مستقيم، ويقيهم عن مساقط الهلكة ومهاوي الضلال، فلن تجد بعد يوم المبعث النبوي يوماً قد اُسبغت فيه النعم ظاهرة وباطنة، وشملت الرحمة الواسعة، أعظم من هذا اليوم الذي هو فرع ذلك الأساس المقدّس، ومسدّد تلك الدعوة القدسيّة.

كان من واجب كلّ فرد من أفراد الملأ الديني القيام بشكر تلكم النعم بأنواع من مظاهر الشكر والتزلّف إليه سبحانه بما يتسنّى له من القُرب: من صلاة وصوم وبرّ وصلة رحم وإطعام واحتفال باليوم بما يناسب الوقت والمجتمع» (1).

وقد وردت بعض الأعمال المسنونة في الروايات المتعدّدة، أجمعها ما ورد في خطبة أمير المؤمنين علیه السّلام في خلافته لما وافى يوم الغدير الجمعة، فكان ممّا ذكره علیه السّلام:

«عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، والبرّ بإخوانكم، والشكر لله عزّ وجلّ على ما منحكم، وأجمعوا يجمع الله شملكم، وتبارّوا يصل الله ألفتكم، وتهانّوا نعمة الله كما هنّاكم بالصواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده إلاّ في مثله، والبرِّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهبوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشرى فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم.

واحمدوا الله على ما منحكم، وعودوا بالمزيد على أهل التأميل لكم، وساووا بكم ضعفاءكم ومن ملككم، وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم، فالدرهم فيه بمائتي ألف درهم، والمزيد من الله عزّ وجلّ.

ص: 359


1- الغدير للعلامة الأميني 1:692.

و صوم هذا اليوم ممّا ندب الله إليه، وجعل العظيم كفالة عنه، حتى لو تعبّد له عبد من العبيد في التشبيه من ابتداء الدنيا إلى تقضّيها صائماً نهارها قائماً ليلها، إذا خلص المخلص في صومه لقصرت أيّام الدنيا عن كفايته، ومن أضاف فيه أخاه مبتدئاً وبرّه راغباً، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليله، ومن فطّر مؤمناً في ليلته فكأنّما فطّر فئاماً فئاماً - يعدّها بيده عشرة -... ومن استدان لإخوانه وأعانهم، فأنا ضامن على الله إن أبقاه وإن قبضه حمله عنه، وإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم، وتهانّوا النعمة في هذا اليوم، وليبلّغ الحاضر الغائب والشاهد البائن، وليعد الغني على الفقير، والقوي على الضعيف، أمرني رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بذلك» (1).

وفي رواية أخرى عن الإمام الرضا علیه السّلام : «وهو يوم التهنئة يهنّئ بعضكم بعضاً، فإذا لقى المؤمن أخاه يقول: الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة علیهم السّلام. وهو يوم التبسّم في وجوه الناس من أهل الإيمان، فمن تبسّم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة، وقضى له ألف حاجة، وبنى له قصراً في الجنة من درّة بيضاء، ونضّر وجهه. وهو يوم الزينة، فمن تزيّن ليوم الغدير غفر الله له كلّ خطيئة عملها صغيرة أو كبيرة، وبعث الله إليه ملائكة يكتبون له الحسنات ويرجعون له الدرجات إلى قابل مثل ذلك اليوم، فإن مات مات شهيداً، وإن عاش عاش سعيداً، ومن أطعم مؤمناً كان كمن أطعم جمیع الأنبياء والصديقين، ومن زار فيه مؤمناً أدخل الله قبره سبعين نوراً ووسّع في قبره، ويزور قبره كلّ يوم سبعون ألف ملك يبشّرونه بالجنة» (2).

وعن الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إنّ العمل في يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجة يعدل العمل في ثمانين شهراً» (3).

ومن الأعمال زيارة أمير المؤمنين علیه السّلام، ففي الحديث عن الإمام الرضاء علیه السّلام: «يا ابن أبي نصر أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين علیه السّلام، فإنّ الله تبارك وتعالى يغفر

ص: 360


1- مصباح المتهجّد للطوسي: 725، إقبال الأعمال لابن طاوس 2:259.
2- الإقبال لابن طاوس 261: 2- 262.
3- ثواب الأعمال: 100، الخصال: 264.

لكلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق من شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر» (1).

ومن الأعمال أيضاً الصلوات المخصوصة، فقد ذكر السيد ابن طاوس رحمه الله عدّة صلوات منها صلاة باثنتي عشرة ركعة لا يسلّم إلاّ في اخراهنّ ويجلس بين كلّ ركعتين، ويقرأ في كلّ ركعة الحمد وقل هو الله أحد عشر مرات، وآية الكرسي مرّة، فإذا أتيت الثانية عشر فاقرأ الحمد سبع مرّات وقل هو الله أحد سبع مرات، واقنت وقل:

«لا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير».

وتركع وتسجد وتقول في سجودك عشر مرات:

«سبحان من أحصى كلّ شيء علمه، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلاّ له، سبحان ذي المنّ والنّعم، سبحان ذي الفضل والطول، سبحان ذي العزّة والكرم، أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وبالاسم الأعظم وكلماتك التامّة أن تصلّي على محمد رسولك وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأن تفعل بي كذا وكذا إنّك سميع مجيب» (2).

وهناك صلاة أخرى رواها عن الإمام الصادق علیه السّلام حيث قال: «... فمن صلّى ركعتين ثم سجد وشكر لله عز وجل مائة مرّة، ودعا بهذا الدعاء بعد رفع رأسه من السجود: اللهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد وحدك لا شريك لك... ثم تسجد وتحمد الله مائة مرّة، وتشكر الله عزّ وجل مائة مرّة وأنت ساجد، فإنّه من فعل ذلك كان كمن حضر ذلك اليوم وبايع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم على ذلك، وكانت درجته مع درجة الصادقين الذين صدقوا الله ورسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم، وكان كمن استشهد مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم وأمير المؤمنين علیه السّلام ومع الحسن والحسين علیهم السّلام، وكمن يكون تحت راية القائم صلّی الله علیه و آله و سلّم و في فسطاطه من النجباء والنقباء» (3).

وعنه علیه السّلام أيضاً: «ومن صلّى فيه ركعتين من قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة لله

ص: 361


1- الاقبال لابن طاوس 2:269.
2- م ن 2:237-238.
3- م ن 2:277-279.

عز وجل، ويقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد عشراً وقل هو الله أحد عشراً، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر عشراً، عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة، وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة كائنة ما كانت إلاّ أتى الله عز وجل على قضائها في يسر وعافية» (1).

ومنها الدعوات المأثورة وقد أشار السيد ابن طاوس إلى شطر منها تركناها روماً للاختصار.

ومنها معرفة قدره وأهميّته واحترامه، قال السيد ابن طاوس: «فينبغي أن تكون في هذا العيد على قدر فضله على كلّ يوم سعيد، فتكون عند المجالسة لشرف تلك الأوقات كما لو جالست مماليك سلطان معظمين في الحرمات والمقامات، وتكون في عيد الغدير كما لو جالست سلطان أولئك المماليك المعظّمين، وصاحبت مولاهم الذي هم علاقة عليه في أمور الدنيا والدين. فاجتهد في احترام ساعاته، والتزام حقّ حرماته وصحبته لشكر الله جلّ جلاله على تشريفك بمعرفته، وتأهيلك لكرامته، وتجميلك بتجديد نعمته...

فكن عند أواخر نهاره ذاكراً لمعرفة قدره، متأسّفاً على إبعاده تأسّف المعزم بفراق أهل وداده، متلهّفاً أن يؤهّلك الله جلّ جلاله ليوم إظهار أسراره، وأن يجعلك من أعوان المولى المذخور لرفع مناره، ويشرّفك بأن يكتب اسمك في ديوان أنصاره، ويضمّ مثل ما عملت في اليوم المذكور السعيد بلسان الحال كما يفعل المؤدّب من العبيد...» (2).

والخلاصة أنّ اهتمام الشيعة بهذا اليوم كان معروفاً على مرّ التاريخ، وقد قال القلقشندي: «والشيعة يحيون ليلة هذا العيد بالصلاة، ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال وشعارهم فيه لبس الجديد، وعتق العبيد، وذبح الأغنام، وإلحاق الأجانب بالأهل في الإكرام، والشعراء والمترسّلون يهنّئون الكبراء منهم بهذا العيد» (3).

وقال الزمخشري: «ليلة الغدير معظّمة عند الشيعة، محياة فيهم بالتهجّد» (4).

ص: 362


1- م ن 282: 2- 283.
2- م ن 2:308.
3- صبح الأعشى 2:445.
4- ربيع الأبرار 1:69.

خمّ (الموقعيّة الجغرافيّة)

ضبط الإسم:

تُضبط لفظة (خُمّ) بضمّ الخاء المعجمة وتشديد الميم (1)، ولكن ضبطها ابن منظور (ت711) بالفتح، وإن استدرك ذلك وقال:

وخَمُّ: غدير معروف بين مكّة والمدينة بالجحفة، وهو غدير خَمٍّ، وقال ابن دريد: إنّما هو خُمٌّ - بضمّ الخاء (2).

وهذا هو المتداول والمتعارف والمتسالم عليه.

الاشتقاق اللغوي:

لفظة (خُمّ) تطلق على معان كثيرة:

قال الخليل (ت 175) في باب الخاء والميم من كتاب العين: خم: اللحم المخم: الذي تغيّرت ريحه، ولما يفسد فساد الجيف. وخم مثله، وقد خم يخم خموماً. قال:

وشمة من شارف مزكوم *** قد خم أو قد همّ بالخموم

وإذا خبث ريح السقاء فأفسد اللبن قيل: أخم اللبن فهو مخم، فإذا أنتن فهو الذخر من ألبان الإبل...

والخمامة: القمامة والكناسة من خممت البيت أي كنسته، والخمامة: ريش فاسدة رديئة تحت الريش، ورجل مخموم القلب كأنّه قد نقي من الغشّ والغلّ (3).

ص: 363


1- انظر: شرح صحیح مسلم للنووي 15: 178 ، سبل الهدى والرشاد للصالحي 3: 302، شذرات الذهب لابن عماد 382:3.
2- لسان العرب 4: 223 / خمم.
3- العين 4:147 / خمم.

وقريب منه ما ذكره ابن سلام (ت224) وابن السكيت (ت244)، والجوهري (ت 393)، وعبد الملك الثعالبي (ت429)، والزمخشري (ت 538)، (1) مع بعض الاختلاف من حيث التفصيل والإجمال.

أما ابن فارس (ت 395) فقد اقتصر على معنيين فقط وقال:

(خم) الخاء والميم أصلان، أحدهما تغيّر الرائحة، والآخر تنقية شيء، فالأوّل قولهم: خم اللحم إذا تغيّرت رائحته، والثاني قولهم: خم البيت إذا كنس، وخمامة البئر: ما يخم من ترابها إذا نقيت، وبيت مخموم: مکنوس، ويقال: هو مخموم القلب: إذا كان نقيّ القلب من كلّ غشّ ودخل (2).

وقد زاد ياقوت الحموي (ت 626) إلى معاني (خم): قفص الدجاج، ونقل ذلك عن الزهري، قال: خُم في اللغة: قفص الدجاج، فإن كان منقولاً من الفعل فيجوز أن يكون ممّا لم يُسمّ فاعله من قولهم: خُم الشيء إذا ترك في الخُم وهو حبس الدجاج، وخَمّ إذا نظف، كلّه عن الزهري. (3)

وكان لابن منظور (ت711) القسط الأكبر في التوسّع بذكر معاني مختلفة لهذه الكلمة، فأضاف إلى تلك المعاني التي ذكرناها - تارة بضم الخاء وتارة بفتحها -: الثناء الطيّب، حلب الناقة ،البكاء الشديد، والقطع (4).

أما الغدير في اللغة، فهو كما قال الخليل (ت175): «مستنقع ماء المطر صغيراً كان أو كبيراً، ولا يبقى إلى القيظ إلاّ ما يتخذه الناس من عد أو حائر أو وجد أو وقط أو صهريج». (5)

ص: 364


1- انظر: غريب الحديث لابن سلام 3:118، وترتيب إصلاح المنطق لابن السكيت 150، والصحاح للجوهري 5:1915 ، وفقه اللغة للثعالبي: 121، وأساس اللغة للزمخشري: 251.
2- معجم مقاييس اللغة 2:156.
3- معجم البلدان 2:389.
4- لسان العرب 4:222 / خمم.
5- العين للخليل 4:390.

وأيضاً: «سُمّي الغدير لأن السيل غادره». (1)

قال ابن قتيبة (ت276): غادرت: خلّفت، ومنه يُسمّى الغدير، لأنّه ماء تخلّفه السيول وتمضي».(2)

وأضاف الجوهري (ت393) قائلاً: «والغدير: القطعة من الماء يغادرها السيل. وهو فعيل بمعنى مفاعل من غادره، أو مفعل من أغدره، ويقال: هو فعيل بمعنى فاعل لأنّه يغدر بأهله، أي ينقطع عند شدة الحاجة إليه، والجمع: غدران».(3)

ولذا قيل: أغدر من غدير، لأنّه يغدر بصاحبه أي يجف بعد قليل وينضب ماؤه. (4)

الموقعيّة:

اتفقت المصادر على تحديد غدير خُم بأنّه قرب الجحفة بين مكّة والمدينة، قال الجوهري في الصحاح: «وغدير خم اسم موضع بين مكة والمدينة بالجحفة» (5) أما أبو ريحان البيروني (ت 430 أو 440) فإنّه يصف غدير خم بكونه مرحلة أو منزل، قال: «سُمّي غدير غدیر خم و هو اسم مرحلة نزل بها النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم عند منصرفه من حجة الوداع، وجمع القتب والرحال وعلاها آخذاً بعضد علي بن أبي طالب علیه السّلام ....» (6).

قال البكري الأندلسي (ت487): «بين الجحفة والبحر نحو من ستة أميال، وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق». (7)

ص: 365


1- م ن 5:336.
2- غريب الحديث 1:299.
3- الصحاح 2:767.
4- جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 2:86 رقم 1307.
5- الصحاح 5:1916.
6- الآثار الباقية عن القرون الخالية: 334.
7- معجم ما استعجم 2:368.

وقال ابن شهر آشوب: (ت588): «والغدير في وادي الأراك على عشرة فراسخ من المدينة، وعلى أربعة أميال من الجحفة عند شجرات خمس دوحات عظام». (1)

وقال ابن الجوزي (ت597): «ودون الجحفة على ميل وادي غدير خم وواديه يصبّ في البحر» (2).

وقال ياقوت الحموي (ت626): «خُم... الغدير الذي هو بين مكة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة... وقال عرّام: ودون الجحفة على ميل غدير خم وواديه يصب في البحر... وقال الحازمي: خم واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير...». (3)

وقال محمد بن عبد المنعم الحميري (ت900): «بين الجحفة وعسفان غدير خم... وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق». (4)

وها هنا أمران:

الأمر الأوّل: تحديد ابن شهر آشوب بأنّ الغدير في وادي الأراك، يُحمل على الوادي الذي فيه شجر الأراك أو الشجر المجموع الذي يُستظل به، كما قال هو فيما بعد: «عند شجرات خمس دوحات عظام» ولا يقصد به وادي الأراك المعروف الذي يقع قرب مكة، ويقال أنّه بعرفة. (5)

كما أنّ تحديد محمد بن عبد المنعم الحميري بأنّه بين الجحفة وعُسفان حيث يبعد ثلاثة أميال عن الجحفة يسرة الطريق، يمكن جمعه مع سائر الأقوال، إذ أنّ عُسفان تقع بين الجحفة ومكة، قال ياقوت (ت626): «قال أبو منصور: عُسفان منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقال غيره: عسفان بين المسجدين، وهي من مكة على مرحلتين... وقال

ص: 366


1- المناقب لابن شهر آشوب 3:35.
2- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 1:146.
3- معجم البلدان 2:389/ خم.
4- الروض المعطار: 156.
5- معجم البلدان 1:135.

السكري: عسفان على مرحلتين من مكة على طريق المدينة، والجحفة على ثلاث مراحل» (1) وقيل غير ذلك.

وعليه ستكون المسافة بين الجحفة وعُسفان مرحلة، وقد قدّروا كل مرحلة بثمان فراسخ وكلّ فرسخ بثلاثة أميال، إذاً يبعد الغدير عن الجحفة بفرسخ ، وعن عسفان بسبعة فراسخ. (2)

الأمر الثاني: الاختلاف الموجود في تحديد المسافة بين الغدير والجحفة بميل أو ميلين أو ثلاثة أميال أو أربعة أميال، يعود إمّا إلى الاختلاف في حساب الميل بأنّه هل هو (4000) ذراع، أو (3500) أو (2500)، وكذلك عدّ الأذرع بالأصابع بأنّه أربعة وعشرون إصبعاً، وأنّ الأصبع سبع شعيرات أو ست عرضاً، وأنّ الشعيرة سبع شعرات من شعر البرذون (3)، وقيل غير ذلك، فالاختلاف ربما يكون ناشئاً لأجل هذا السبب. أو كما قيل: لأجل اختلاف الطرق التي تسلك من حيث وسط الوادي أو حافة الجبل أو من جهة السهل، (4) أو يكون بالقياس إلى الوادي نفسه لا الموضع المخصوص، فمثلاً لما يقول ابن الجوزي (ت597): «ودون الجحفة على ميل وادي غدير خم» فإنّه احتسب بداية الوادي مثلاً لا موضع غدير خم بالخصوص الذي يبعد ثلاثة أميال أو أربعة مثلاً، ومن المعلوم أنّ وادي الغدير يشتمل على مساحة واسعة، كيف وقد نزل فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم مع عشرات الآلاف من الصحابة في حادثة الغدير.

سبب التسمية:

قيل في سبب تسمية غدير خم بهذا الاسم عدّة أقوال:

1 - نقل ياقوت الحموي (ت 626) عن الزمخشري (ت 538) أنّه قال: خُم اسم رجل

ص: 367


1- م ن 121: 4- 122.
2- يكون كل فرسخ 5500 متر تقريباً، وكلّ ميل 1850 متر تقريباً.
3- انظر الذكرى للشهيد الأوّل 4310.
4- انظر: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب علیه السّلام في الكتاب والسنة والتاريخ 2:374.

صبّاغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة بالجحفة. (1)

2 - خُمّ اسم لغيضة كانت هناك فسمّي الغدير باسمها، والغيضة: مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر، قال البكري (ت 487): «وهي الغيضة التي تُسمّى خم» (2) وقال محمد بن أحمد المكي (ت854): «أما غدير خم الذي عند الجحفة فسمّي به لغيضة عنده يقال لها خم فيما ذكروا» (3) كما قال ياقوت (ت626): «وذكر صاحب المشارق أنّ خُمًاّ اسم غيضة هناك وبها غدير نُسب إليها». (4)

3 - خُم اسم لوادي نُسب الغدير إليه، نقل ياقوت عن الحازمي قوله: «خُم واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم. (5)

ومهما كان سبب التسمية، فالمشهور أنّ تلك المنطقة التي خطب بها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم ونصب علياً علیه السّلام إماماً تُعرف بغدير خم، ومع هذا فقد اُطلق عليها أسماء أخر، منها: وادي خم، فعن زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم و بواد يقال له وادي خم (6).

ومنها: قال السكوني: موضع غدير خم يقال له الخزار (7).

ومنها: غدير الجحفة، فعن زيد بن أرقم قال: «أقبل نبي الله صلّی الله علیه و آله و سلّم حتى إذا نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ...» (8).

ومنها: الغُرَبَة، وهو الاسم الذي يطلق عليه اليوم، قال البلادي: «ويُعرف غدير خُم

ص: 368


1- معجم البلدان 2:389.
2- معجم ما استعجم 2:368.
3- تاریخ مكة المشّرفة: 210.
4- معجم البلدان 368: 2.
5- م ن 368: 2.
6- مسند أحمد 4:372.
7- معجم ما استعجم 2: 492، 510.
8- كشف الغمة للإربلي 1:49.

اليوم باسم الغُرَبَة، وهو غدير عليه نخل قليل لاُناس من البلادية من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على (8) أكيال، وواديها واحد وهو وادي الخزار» (1).

المستوطنون في منطقة غدير خم:

يظهر أنّ منطقة غدير خم ما كانت مسكونة ومعمورة كما ينبغي رغم وجود المياه والأشجار فيها، ويبدو أنّ هذا يرجع إما لطبيعة مناخها، كما نقل عن الأصمعي أنّه قال: «ولم يولد بغدير خم مولود فعاش إلى زمن الاحتلام إلاّ أن يتحوّل عنها». (2)

وقال ابن عماد الحنبلي (ت 1089): «وهذا المكان موصوف بشدّة الوخامة وشدّة الحمّى» (3).

أو لما يقال أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم دعا أن يخرج الوباء من المدينة إلى المهيعة (أي الجحفة) وبما أنّ غدير خم قريب من الجحفة، فربما شمله الداء، ولذا قلّ من يسكنه.

ففي صحيح البخاري عن عائشة أنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم دعا ربه وقال: «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة» (4).

وفي لفظ آخر: «اللهم انقل وباءها إلى مهيعة» (5).

ولكن تحوّل هذا النص عند ابن عماد الحنبلي (ت 1089) بدل الجحفة أو المهيعة إلى خم، فقال: «ويقال: إنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم لما قدم المدينة توخّمت على أصحابه، فإنّها كانت من أكثر بلاد الله تعالى حمّى، فأمر صلّی الله علیه و آله و سلّم الحمّى أن تخرج من المدينة إلى خم، وحتى يقال: إنّ أكثر أهل خم لم يتجاوزوا الحلم لكثرة الحمى بها، وحتى أنّه قلّ من يمرّ بها ولا يحمّ» 6(6)

ص: 369


1- موسوعة الإمام علي بن أبي طالبع 3:368، عن معجم معالم الحجاز 3:159.
2- شذرات الذهب 3382.
3- شذرات الذهب 3382.
4- صحيح البخاري 7:160، كتاب الدعوات.
5- كنز العمال للمتقي الهندي 14:565، تاریخ دمشق لابن عساكر 1:388.
6- شذرات الذهب 3:382.

ومهما كان السبب، فقد سكن تلك المنطقة بعض الناس، ففي المنتظم لابن الجوزي (ت597) قال: «وبه ناس من خزاعة وكنانة» وأضاف ياقوت (ت626) عن عرّام: «غير كثير» (1).

وقال محمد بن عبد المنعم الحميري (ت900): «وبقرب غدير خم موضع خيمتي أمّ معبد الخزاعيّة، وبين خيمتي أمّ معبد وقديد ميلان» (2).

وقال البكري (ت487) في وصف غدير خم: «وهناك نخل ابن المعلّى وغيره» (3).

المناخ والطبيعة:

المصادر التي اعتمدنا عليها وصفت منطقة غدير خم بعدّة أوصاف من حيث المناخ والطبيعة، ففيها عين ماء وغدير تصب فيه العين، كما تجتمع فيه مياه الأمطار، قال البكري: «وهذا الغدير تصب فيه عين» (4) وقال ابن الجوزي: «وغدير خم لا يفارقه أبداً ماء من ماء المطر» (5).

وبسبب هذه المياه نبتت الأشجار المتنوّعة، فعند ابن شهر آشوب أنّ فيه خمس شجرات دوحات عظام (6)، وعند البكري أنّ حول الغدير شجر كثير ملتف، كما أنّ فيه نخل ابن المعلّى وغيره، (7) وعند ابن الجوزي أنّ وادي الغدير في البحر ولا ينبت إلّا المرخ والثمام والأراك.(8) ولذا سُمّي بالغيضة كما ذكرناه سابقاً، ومرّ الكلام في المناخ.

ص: 370


1- المنتظم 1:146 ، معجم البلدان 2:389.
2- الروض المعطار: 156.
3- معجم ما استعجم: 2:368.
4- معجم ما استعجم 2:386 الروض المعطار: 156.
5- المنتظم 1:146.
6- المناقب 3:35.
7- معجم ما استعجم ما استعجم 2:368.
8- المنتظم 1:146، نحوه معجم البلدان 2:389.

صوم يوم الغدير

من الأعمال المستحبة استحباباً مؤكّداً في يوم الغدير صومه، حيث وردت روايات كثيرة تحثّ عليه.

ففي الكافي للكليني عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم أعظمها حرمة، قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين علیه السّلام ... فقلت: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال: تذكرون الله عز ذكره فيه بالصيام والعبادة...(1).

وفيه عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: قلت: جعلت فداك هل للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما، قال: قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: يوم نصب أمير المؤمنين علیه السّلام فيه علماً للناس... قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه یا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآل محمد ... قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين شهراً (2).

وفي التهذيب للطوسي عن أبي اسحاق ابن عبد الله العلوي العريضي قال: وجد في صدري: ما الأيام التي تصام؟ فقصدت مولانا أبي الحسن علي بن محمد علیه السّلام وهو بصريا، ولم أبد ذلك لأحد من خلق الله، فدخلت عليه فلمآ بصر بي قال: يا أبا إسحاق، جئت تسألني عن الأيّام التي يصام فيهنّ وهي أربعة... ويوم الغدير...(3).

وفيه عن علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد الله الصادق علیه السّلام يقول: صيام يوم غدير خم... يعدل عند الله عزّ وجلّ في كل عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات

ص: 371


1- الكافي 4:149 ح3.
2- م ن 4:148 ح1 ، وانظر: المصباح للطوسي: 680 والتهذيب 4:305 ح921، من لا يحضره الفقيه للصدوق 2:54 ح 260، وثواب الأعمال 99 ح1.
3- تهذيب الأحكام للطوسي 4:305 ح922.

متقبلات...(1).

وعن الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده إلى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة (2).

وفي الخصال عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله علیه السّلام: كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد... أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة... قال: قلت: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجب عليكم صيامه شكراً لله وحمداً له أنّه أهل أن مع يشكر كلّ ساعة، وكذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي يتخذونه عيداً، ومن صامه كان أفضل من عمل ستين سنة (3).

وفيه عن زياد بن محمد عن أبي عبد الله السلام قال: قلت: للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والفطر والأضحى؟ قال: نعم، اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين علیه السّلام... ينبغي لكم أن تتقربوا إلى الله فيه بالبر والصوم والصلاة...(4)

وفيه عن أبي هارون عمار بن حريز العبدي قال: دخلت على أبي عبد الله علیه السّلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائماً، فقال لي: هذا يوم عظيم، عظّم الله حرمته... فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكراً لله، وإنّ صومه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم...(5).

وفيه عن الإمام الرضا علیه السّلام في ذكر الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين علیه السّلام عندما صادف الغدير يوم الجمعة، فقال علیه السّلام: وصوم هذا اليوم ممّا ندب الله تعالى إليه، وجعل الجزاء العظيم كفاء له عنه، حتى لو تعبّد له عبد من العبيد في الشبيبة من ابتداء الدنيا إلى تقضّيها صائماً نهارها قائماً ليلها، إذا أخلص المخلص في صومه لقصرت إليه أيام الدنيا عن

ص: 372


1- م ن 3:143 ح 317.
2- من لا يحضره الفقيه 2:55 ح241، ثواب الأعمال: 100 ح3.
3- الخصال للصدوق: 264 ح145.
4- م ن: 679.
5- م ن: 680.

كفائه، ومن أسعف أخاه مبتدئاً وبرّه راغباً، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليلته... (1).

وفي الإقبال للسيد ابن طاوس عن المفضّل بن عمر أنّه قال لأبي عبد الله علیه السّلام: سيدي تأمرني بصيامه؟ قال: إي والله إي والله إي والله، إنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم علیه السّلام فصام شكراً لله تعالى على ذلك اليوم، وإنّه اليوم الذي نجّى الله تعالى فيه إبراهيم علیه السّلام من النار فصام شكراً لله تعالى على ذلك، وإنّه اليوم الذي أقام موسى هارون علیه السّلام علماً فصام شكراً لله تعالى ذلك اليوم، وإنّه اليوم الذي أظهر عيسى وصيه شمعون الصفا فصام شكراً لله عز وجل ذلك اليوم، وإنّه اليوم الذي أقام رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً علیه السّلام للناس علماً وأبان فيه فضله ووصيه، فصام شكراً لله عز وجل ذلك اليوم، وإنّه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الإخوان ... (2).

وفي تفسير فرات عن أبي عبد الله علیه السّلام: هو يوم عبادة وصلاة... وإنّي أحبّ لكم أن تصوموه (3).

وفي روضة الواعظين قال: روي عن الأئمة علیهم السّلام أنّهم قالوا: من صام يوم غدير خم ولم يستبدل به، كتب الله له صيام الدهر (4).

وروت مصادر أهل السنة نفس المضمون في ثواب من صام يوم الغدير عن أبي هريرة، فقد روى الخطيب البغدادي (ت (463) في تاريخه بسنده إلى ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة أنّه قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لمّا أخذ النبي صلی الله علیه و آله بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (5).

ص: 373


1- م ن: 702.
2- إقبال الأعمال: 466.
3- تفسیر فرات: 12.
4- روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 350.
5- تاریخ بغداد 8:284 ح 4392 ، ونحوه شواهد التنزيل للحسكاني 1:200 ح210، 203 ح213، تاریخ دمشق لابن ص: 373 عساکر ،42:233 تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 30 ، المناقب للخوارزمي: 156 ح184 ، فرائد السمطين للحموئي 1:77 ح44.

وقد ثارت ثائرة الخط السلفي هنا، فانبروا لتضعيف هذا الحديث محتجّين تارة بضعف سنده، وتارة اُخرى مناقشةً في دلالته، وثالثة معارضته لحديث عمر في نزول آية الإكمال يوم عرفة.

قال ابن كثير (ت 774) بعد ما روى الحديث: «فإنّه حديث منكر جداً بل كذب، لمخالفته ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم واقف بها، وكذا قوله: إنّ صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو غدير خم يعدل صيام ستين شهراً، لا يصحّ لأنّه ثبت ما معناه في الصحيح أنّ صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام واحد يعدل ستين شهراً هذا باطل. وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراد هذا الحديث.... أما هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله ما نزلت هذه الآية إلاّ يوم عرفة قبل غدير خم بأيّام، والله تعالى أعلم» (1).

وقال الشيخ الألباني (ت 1420) بعد تخريج الحديث: «وهذا اسناد ضعيف أيضاً لضعف شهر ومطر. وقد جزم بضعفه السيوطي في الدر المنثور، وأشار إلى ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره... ثم قال: وأولى الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي روى عن عمر بن الخطاب أنّها نزلت يوم عرفة يوم الجمعة; لصحة سنده وهي أسانيد غيره» (2).

ونقول في الجواب:

أوّلاً: قد جعل شيخ السلفية في الجرح والتعديل سبب ضعف الحديث وجود مطر الوراق وشهر بن حوشب فيه، وخفي عليه أنّهما من رجال الصحاح الستة، فقد روى البخاري ومسلم عن مطر الوراق (3)، أما شهر بن حوشب فقد روى عنه مسلم والدارمي وابن ماجة وغيرهم، وهذا يدلّ على وثاقتهما عند أرباب الصحاح وجلالة شأنهما، مضافاً إلى ما ورد من ألفاظ التوثيق لهما، أمّا مطر فقد ذكر ابن حجر في تهذيبه ثناء أبي نعيم وابن حبان

ص: 374


1- البداية والنهاية 5:214، ونحوه السيرة الحلبية 3:275، وروح المعاني للآلوسي 5:195، وغيرها.
2- سلسلة الأحاديث الضعيفة 10 ق 2 ص 594 ح4923.
3- صحيح البخاري 8:215 كتاب التوحيد، صحيح مسلم 1:29 كتاب الإيمان 5:18 كتاب البيوع.

والعجلي والبزار عليه، (1) أما شهر بن حوشب فقد ذكر ابن حجر أيضاً الثناء عليه وتوثيقه عند أحمد والبخاري وابن معين والعجلي والطبري (2) أما مجرّد إطلاق التضعيف من دون ذكر سبب ذلك، كما صنع الطبري والسيوطي (3)، فليس من دأب العلماء، وإلّا لأمكن لكلّ أحد تضعيف ما لا يروقه، ولنا كلام في صحّة سند رواية عمر كما سيأتي لاحقاً.

ثانياً: إنّ من غير الصحيح إلقاء التعارض بين الأخبار، وتقديم بعضها على بعض من دون محاولة البحث عن أوجه الجمع بينها، كما صنع ابن كثير وغيره حيث أخذوا برواية شهراً. رمضان بعشرة أشهر، وافترضوا أنّه لا يمكن أن يكون صوم يوم واحد بستين شهراً.

ويرد عليه أوّلاً أنّه معارض بما صحّ عندهم أيضاً من أنّ صوم يوم عرفة بسنتين (4)، وثانياً: إنّ مدار الإثابة هو التفضّل الإلهي لا الاستحقاق، وعليه فلا ضير في زيادة ثواب النفل على الفرض طالما كانت الإثابة تفضّلاً، وربما تكون الحكمة في ذلك ما يعلمه الله تعالى من شدّة خضوع واستكانة وعبوديّة العبد عند إتيان هذا النفل الذي لا يجب عليه بل أتى به عبودية لله تعالى، فيتفضّل عليه في بعض الحالات بثواب أكثر من ثواب الفرائض التي يلزم على الإنسان إتيانها.

قال الفخر الرازي (ت 606) في تفسير قوله تعالى: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامِ أَمِين... فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ» ما حاصله: احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الثواب يحصل تفضّلاً من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق، لأنّه تعالى لما عدّ أقسام ثواب المتقين بيّن أنّها بأسرها إنّما حصلت على سبيل الفضل والإحسان من الله تعالى، ثم قال تعالى: «ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» واحتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحق، فإنّه تعالى وصفه بكونه فضلاً من الله، ثم وصف الفضل من الله بكونه فوزاً عظيماً، ويدلّ عليه أيضاً أنّ الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته، ثم خلع على إنسان آخر، فإنّ تلك الخلعة أعلى حالاً

ص: 375


1- تهذيب التهذيب 10:152.
2- م ن 4:324، وانظر ميزان الاعتدال للذهبي 2:284.
3- تفسير الطبري 6:54، الدر المنثور للسيوطي 2:259.
4- انظر سنن ابن ماجة 1:551، سنن البيهقي 4:300 وشعب الإيمان 3:357 ح 376، الجامع الصغير للسيوطي 5119 2:112.

من إعطاء تلك الأجرة (1).

وقال الغزالي (ت505) في قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «من ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنّة، ومن ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنّة» هذا مع أنّ تركه مبطلاً واجب، وقد جعل ثواب النفل أعظم، لأنّ السكوت عن الحق أشدّ على النفس من السكوت على الباطل، وإنّما الأجر على قدر النصب (2).

وقال العلامة الأميني رحمه الله في المقام: «إنّ المثوبة واقعة تجاه حقائق الأعمال ومقتضياتها الطبيعية لا ما يعروها من عوارض كالوجوب والندب حسب المصالح المقترنة بها، فليس من المستحيل أن يكون في طبع المندوب - في ماهيّات مختلفة أو بحسب المقارنات المحتفّة به في المتّحدة منها - ما يوجب المزيد له.

ويقال في المقام: إنّ ترتب المثوبة على العمل إنّما هو بمقدار كشفه عن حقيقة الإيمان، وتوغلّه في نفس العبد، وممّا لا شك فيه أنّ الإتيان بما هو زائد على الوظائف المقرّرة من الواجبات وترك المحرّمات من المستحبات والتجنّب عن المكروهات، أكشف عن ثبات العبد في مقام الامتثال وخضوعه لمولاه وحبّه له، وبه يكمل الإيمان» (3).

وأخيراً إنّ رواية أبي هريرة في كون صوم يوم الغدير يعادل ستين شهراً معتضدة بما روي عن العترة الطاهرة بنفس المضمون، فترجّح على غيرها عند المعارضة إن تمّت.

ثالثاً: وممّا تمسّكوا به لنفي فضل صيام يوم الغدير، وأنّ آية الاكمال لم تنزل يوم الغدير، ما رووه في الصحاح والسنن عن عمر أنّه قال عندما ذكر له اليهودي أهمية آية الإكمال، بأنّها نزلت في عرفة يوم الجمعة (4).

ونقول في الجواب: إنّ هذه الرواية لا تصح عندنا، لأنّ عمر انفرد بها، وهو يجرّ النار إلى قرصه فلا تقبل شهادته، كما ردّ هو وصاحبه من ذي قبل شهادة علي والزهراء علیها السّلام

ص: 376


1- تفسير الرازي 27:254.
2- إحياء علوم الدين 5:179، حق الأخوة في السكوت من الباب الثاني.
3- الغدير 1:703 وفي طبعة: 408.
4- صحيح البخاري ،1:16 5:127، صحیح مسلم 8:238، سنن النسائي 5:251 وغيرها.

بشأن فدك بنفس هذا التبرير.

أمّا إذا نظرنا إلى سندها فمدارها على قيس بن مسلم الجدلي عن طارق بن شهاب، كما في سندها أيضاً الحسن بن الصباح، وهؤلاء الثلاثة رغم توثيقهم عند البعض، فقد ورد ما يوجب الطعن فيهم عند البعض الآخر.

فقيس بن مسلم قال عنه البستي: كان مرجئاً يخطئ، وذكره العقيلي في جملة الضعفاء (1)، وعن أبي داود عن شعبة أنّه ذكره فجعل يلينه (2). وما يدريك لعلّ هذه الرواية ممّا أخطأ فيها.

أما الحسن بن الصباح فقد ضعّفه النسائي وقال: ليس بالقوي (3)، وقال ابن حجر: صدوق يهم (4). وممّا يوجب الريبة فيه ما وصفه به أحمد من كونه صاحب سنة، (5) وهذا اللقب يطلق غالباً على من كان متشدداً في التسنّن بمعنى أنّه كان عثمانيّاً (6)، وعلى أحسن أحواله يجعل علياً علیه السّلام رابع الخلفاء مفضّلاً غيره عليه.

هذا من جهة السند، أمّا من جهة الدلالة ففيه تناقض من حيث تحديد وقت نزولها، ففي بعض الروايات أنّها نزلت يوم الجمعة، وفي بعضها ليلة الجمعة، وعن ابن عباس يوم الاثنين، فهذا الاختلاف يوجب الشك في صحّتها.

مضافاً إلى التهافت والاضطراب الموجود بين صدر الخبر وذيله، إذ أنّ اليهودي يسأل عمر عن سبب عدم اتخاذ يوم نزول آية الإكمال عيداً، وكأنّه يستغرب من إهمال المسلمين يوم نزول هذه الآية الدالّة على إكمال الدين وإتمام النعمة، ولكن يأتي جواب عمر وهو

ص: 377


1- إكمال تهذيب الكمال، مغلطاي 2:336.
2- تهذيب التهذيب لابن حجر 8:361.
3- تهذيب الكمال للمزي 6:193، المغني في الضعفاء للذهبي 1:250.
4- تقريب التهذيب 1:205.
5- تهذيب الكمال للمزي 6:193.
6- أنظر تهذيب التهذيب لابن حجر في ترجمة عبد الله بن إدريس 5:127، وعثمان بن عاصم 7:116، ومحمد بن عبيد 9:291، حتى أنّ هذا الأخير رغم عثمانيته كان ناصبياً حيث كان يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ويقول: اتقولا يخدعكم الكوفيين.

أجنبي عن المقام تماماً، إذ يجيب بأنّه يعلم متى نزلت هذه الآية، فصدر الخبر شيء وذيله شيء آخر.

مع أنّ القول بنزول الآية يوم عرفة، وما ذهبوا إليه من أنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم لم يعش بعد نزولها إلاّ نحو 81 أو 82 سنة، لا يتوافق مع المشهور عندهم من كون وفاته صلّی الله علیه و آله و سلّم كانت في الثاني عشر من ربيع الأول، إذ أنّ المدّة من صلّی الله علیه و آله و سلّم ذي الحجة حتى 12 ربيع الأوّل تزيد على هذا بكثير.

نعم لو أحسنّا الظن وقلنا بصحة رواية عمر في نزول آية الإكمال يوم عرفة، قد يكون المراد نزول سورة المائدة لا خصوص الآية، من باب تسمية الكل باسم جزئه سيّما لو كان الجزء هامّا للغاية، كإكمال الدين، ويؤيّده ما ورد عن عمر نفسه حيث قال: نزلت سورة المائدة يوم عرفة ووافق يوم الجمعة، وعن شهر بن حوشب: نزلت سورة المائدة على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وهو واقف بعرفة على راحلته. (1) كما يؤيّد تسمية سورة المائدة باسم آية الإكمال ما روي عن ابن عباس وغيره من قوله: أنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» (2).

وعليه فلا تعارض بين الروايات، فما يدلّ على نزول آية الإكمال في يوم عرفة يراد منه نزول سورة المائدة من باب تسمية الكل باسم جزئه، وهذا لا ينافي نزول خصوص آية الإكمال يوم الغدير .

فتلخّص ممّا مضى أنّ صوم يوم الغدير مشروع، والصائم يثاب عليه ثواباً عظيماً يعادل ستين شهراً تفضّلاً من الله تعالى والله ذو الفضل العظيم، دلّ على ذلك ما ورد عن العترة الطاهرة علیهم السّلام وما رواه أبو هريرة في مصادر أهل السنة، وتبيّن أن محاولة تضعيف هذه الرواية تارة سنداً وتارة أخرى دلالة غير صحيحة، فالرواية تامّة سنداً ومتناً ولا معارض لها، إذ المعارضة فرع ثبوت التناقض، ولا تناقض في المقام كما بيّناه في الأوجه المتقدّمة.

ص: 378


1- تفسير الطبري 8:89.
2- تفسير الطبري 8:90، السيرة النبوية لابن كثير 1:198.

عيد الغدير

يوم الغدير من أعظم أعياد الاُمّة، إذ به كمل الدين وتمّت النعمة، وبُدئ الاحتفال به عقیب تنصيب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً علیه السّلام إماماً وهادياً، وقوله: «هنّئوني هنّئوني» (1) وعند ذلك نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم خيمة للبيعة والتهنئة، وفيه قال عمر بن الخطاب لعلي علیه السّلام: «هنيئاً لك - أو بخ بخ لك - يا علي، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة».

وكانت الشيعة - تبعاً لأئمّتها تحتفل بهذا اليوم المبارك وتسمّيه عيداً كلّما سنحت الفرصة وكانت الظروف مؤاتية، ولذا لم نر له أثراً مشهوداً إلاّ في فترات قليلة حكمت الشيعة فيها كزمن البويهيين والفاطميين والصفويين، وفي الفترة المعاصرة أيضاً.

وقد سُمّي هذا اليوم في لسان الروايات بتسميات مختلفة، من قبيل: عيد الله الأكبر، يوم العبادة، يوم الملأ الأعلى، أشرف الأعياد، يوم نشر العلم، يوم عيد شيعتنا، عيد أهل بيت محمد صلّی الله علیه و آله و سلّم وغيرها.

قال الشيخ المفيد (ت413): «وهو عيد عظيم بما أظهره الله تعالى من حجته، وأبانه من خلافة وصيّ نبيّه من العهد في رقاب بريّته». (2)

وقال الزمخشري (ت538): ليلة الغدير معظّمة عند الشيعة، محياة فيهم بالتهجّد، وهي اللّيلة التي خطب فيها رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم بغدير خم على أقتاب الإبل وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه». (3)

وقال ابن طلحة الشافعي (ت 652): «وصار ذلك اليوم عيداً وموسماً، لكونه كان وقتاً

ص: 379


1- المناقب لابن شهر آشوب 2:237، الغدير للأميني 1:274 عن شرف المصطفى للخركوشي.
2- مسار الشيعة: 39.
3- ربيع الأبرار 1:69.

خصّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً بهذه المنزلة العليّة، وشرّفه بها دون الناس كلّهم». (1)

وقال القلقشندي (ت821): «والشيعة يحيون ليلة هذا العيد بالصلاة، ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال، وشعارهم فيه لُبس الجديد، وعتق العبيد، وذبح الأغنام، وإلحاق الأجانب بالأهل في الإكرام، والشعراء والمترسّلون يهنّئون الكبراء منهم بهذا العيد». (2)

وفيما يلي نسرد تسلسل الأقوال والأحداث الخاصة بعيد الغدير تسلسلاً زمنيّاً لنقف على صورة واضحة من الأمر:

رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم:

روى الشيخ الصدوق عن ابن سعيد الهاشمي، عن فرات، عن محمد بن ظهير، عن عبد بن الفضل عن الصادق عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «يوم غدير خم أفضل أعياد اُمّتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي عليّ بن أبي طالب علماً لاُمّتي، يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتمّ على اُمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً». (3)

علي بن أبي طالب علیه السّلام:

روى الشيخ الطوسي (ت460): بسنده عن الإمام الرضا علیه السّلام عن آبائه عن الإمام الحسين علیه السّلام أنّه قال: اتفق في بعض سني أمير المؤمنين علیه السّلام الجمعة والغدير، فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه حمداً لم يسمع بمثله، وأثنى عليه ثناء لم يتوجّه إليه غيره، فكان ما حُفظ من ذلك: «... إنّ الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، ولا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ليكمل عندكم جميل صنعه

ص: 380


1- مطالب السؤول: 93.
2- صبح الأعشى 2:445، في أعياد المسلمين.
3- الأمالي للصدوق: 188 ح 197، عنه البحار 37:109 ح2.

ويقفكم على طريق رشده... فلا يقبل توحيده إلاّ بالاعتراف لنبيّه صلّی الله علیه و آله و سلّم بنبوّته، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته، ولا تنظّم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمه وعصم أهل ولايته، فأنزل صلّی الله علیه و آله و سلّم على نبيّه في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمّ له عصمته منهم... عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، وبالبرّ بإخوانكم، والشكر لله عزّ وجل على ما منحكم، وأجمعوا يجمع الله شملكم، وتبارّوا يصل الله اُلفتكم، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده إلاّ في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، هيّؤوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البشر فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم. والحمد لله على ما منحكم، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم، وساووا بكم ضعفاءكم في مأكلكم، وما تناله القدرة من استطاعتكم، وعلى حسب إمكانكم، فالدرهم فيه بمائة ألف درهم، والمزيد من الله عزّ وجلّ، وصوم هذا اليوم ممّا ندب الله تعالى إليه، وجعل الجزاء العظيم كَفالةً عنه حتى لو تعبّد له عبد من العبيد في الشَّبِيبة من ابتداء الدنيا إلى تَقَضّيها صائماً نهارها قائماً ليلها، إذا أخلص المُخلص في صومه لقصرت إليه أيّام الدنيا عن كفاية، ومن أسعف أخاه مبتدئاً، وبرّه راغباً، فله كأجر من صام هذا اليوم وقام ليلته. (1)

الإمام الصادق علیه السّلام:

روي في الكافي عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق علیه السّلام قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما، قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: هو يوم نصب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فيه علماً للناس، قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن، وتكثر الصلاة على محمّد وآله، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم; فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي

ص: 381


1- مصباح المتهجّد: 754، عنه البحار 94:114.

كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيداً. قال: قلت فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين شهراً».(1)

وروي في الكافي أيضاً عن سالم: سألت أبا عبد الله علیه السّلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم، أعظمها حرمة. قلت: وأيّ عيد هو جعلت فداك؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين علیه السّلام وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. قلت: وأيّ يوم هو؟ قال: وما تصنع باليوم؟ إنّ السنة تدور، ولكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة. فقلت: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟

قال: تذكرون الله عزّ ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمّد وآل محمّد، فإنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أوصى أمير المؤمنين علیه السّلام أن يتّخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء علیه السّلام تفعل; كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً (2).

وفي الخصال عن المفضّل بن عمر: قلت لأبي عبد الله علیه السّلام: كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد. قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة. فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم أمير المؤمنين علیه السّلام ونصبه للناس علماً. قال: قلت: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجب عليكم صيامه شكراً لله و حمداً له، مع أنّه أهل أن يُشكر كلّ ساعة، وكذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصيّ يتخذونه عيداً، ومن صامه كان أفضل من عمل ستين سنة. (3)

وفي الإقبال عن أبي الحسن الليثي عن الإمام الصادق علیه السّلام: أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيّد الله به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا والموالينا وشيعتنا؟ فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال: لا. :قالوا: أفيَوم الأضحى هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف

ص: 382


1- الكافي للكليني 4:148 ح1.
2- م ن 4:149 ح2.
3- الخصال للصدوق: 264 ح 145.

منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وإنّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلّم لمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خمّ أمر الله عزّ وجلّ جبرئيل علیه الّسّلام أن يهبط على النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين علیه السّلام، وأن ينصبه علماً للناس بعده، وأن يستخلفه في أمّته». (1)

وفي الأمالي للشجري عن صفوان بن يحيى: سمعت الصادق جعفر بن محمّد علیه السّلام يقول: الثامن عشر من ذي الحجّة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمس في يوم أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتمّ عليهم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وما بعث الله نبيّاً إلاّ أقام وصيّه في مثل هذا اليوم، ونصبه علماً لأمّته، فليذكر اللهَ شيعتُنا على ما منَّ عليهم بمعرفة هذا اليوم دون سائر الناس.

قال: فقلت: يابن رسول الله، فما نصنع فيه؟ فقال: تصومه; فإنّ صيامه يعدل ستّين شهراً، وتحسن فيه إلى نفسك وعيالك وما ملكت يمينك بما قدرت عليه (2).

وفي مصباح المتهجِّد عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي: دخلت على أبي عبد الله علیه السّلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، فوجدته صائماً، فقال لي: هذا يوم عظيم، عظّم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمّم عليهم النعمة، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق. فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال: إنّه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكراً لله تعالى، وإنّ صومه يعدل ستين شهراً من أشهر الحرم. (3)

و عنه علیه السّلام أيضاً قال: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا، لو عاش إنسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك... وهو عيد الله الأكبر، وما بعث الله عز وجل نبيّاً إلاّ وتعيّد في هذا اليوم وعرف حرمته، واسمه في السماء يوم العهد المعهود،

ص: 383


1- الإقبال لابن طاووس 2:279، عنه البحار 98:300 ح1.
2- الأمالي للشجري 1:146.
3- مصباح المتهجد للطوسي: 737.

وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود....(1)

الإمام الرضاء علیه السّلام:

قال الإمام علي بن موسى الرضا علیه السّلام: إذا كان يوم القيامة زفّت أربعة أيّام إلى الله كما تزفّ العروس إلى خدرها. قيل: ما هذه الأيّام؟ قال: يوم الأضحى، ويوم الفطر، ويوم الجمعة، ويوم الغدير، وإنّ يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب، وهو اليوم الذي نجّي فيه إبراهيمَ الخليل من النار، فصامه شكراً لله، وهو اليوم الذي أكمل الله به الدين في إقامة النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً أمير المؤمنين عَلَماً، وأبان فضيلته ووصايته، فصام ذلك اليوم، وإنّه اليوم الكمال، ويوم مرغمة الشيطان، ويوم تقبل أعمال الشيعة ومحبّي آل محمّد... وهو يوم تنفيس الكرب، ويوم تحطيط الوزر، ويوم الحباء والعطيّة، ويوم نشر العلم، ويوم البشارة، والعيد الأكبر، ويوم يستجاب فيه الدعاء، ويوم الموقف العظيم، ويوم لبس الثياب ونزعِ السواد، ويوم الشرط المشروط، ويوم نفي الهموم، ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أمير المؤمنين.

وهو يوم السبقة، ويوم إكثار الصلاة على محمّد وآل محمّد، ويوم الرضا، ويوم عيد أهل بيت محمّد، ويوم قبول الأعمال، ويوم طلب الزيادة، ويوم استراحة المؤمنين، ويوم المتاجرة، ويوم التودّد، ويوم الوصول إلى رحمة الله، ويوم التزكية، ويوم ترك الكبائر والذنوب، ويوم العبادة، ويوم تفطير الصائمين، فمن فطّر فيه صائماً مؤمناً كان كمن أطعم فِئاماً وفِئاماً - إلى أن عدّ عشراً. ثمّ قال: أو تدري ما الفئام؟ قال: لا. قال: مائة ألف - وهو يوم التهنئة، يهنّي بعضكم بعضاً، فإذا لقي المؤمن أخاه يقول: الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والأئمّة علیهم السّلام (2).

وعنه علیه السّلام - في بيان فضل يوم الغدير -: لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته

ص: 384


1- تهذيب الأحكام للطوسي 3:143.
2- الإقبال لابن طاووس 2:260.

لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات (1).

وفي مصباح الزائر عن الفيّاض بن محمّد الطرسوسي: أنّه شهد أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السّلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصّته قد احتبسهم للإفطار، وقد قدّم إلى منازلهم الطعام والبرّ والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال، وقد غيّر من أحوالهم وأحوال حاشيته، وجدّدت له آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم (2).

وعنه علیه السّلام عن آبائه علیهم السّلام: إنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض، إنّ لله تعالى في الفردوس قصراً، لبنة من فضّة ولبنة من ذهب فيه مائة ألف قبّة حمراء، ومائة ألف خيمة من ياقوتة خضراء، ترابه المسك والعنبر، فيه أربعة أنهار: نهر من خمر، ونهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من عسل، حواليه أشجار جميع الفواكه، عليه الطيور أبدانها من لؤلؤ، وأجنحتها من ياقوت، تصوّت بألوان الأصوات، إذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السماوات يسبحون الله ويقدّسونه ويهلّلونه، فتطاير تلك الطيور فتقع في ذلك الماء وتتمرّغ في ذلك المسك والعنبر، فإذا اجتمع الملائكة طارت فتنفض ذلك عليهم، وأنّهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة علیها السّلام، فإذا كان آخر اليوم نودوا: انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم من الخطر والزلل إلى قابل في هذا اليوم تكرمة لمحمد وعلي ...». (3)

الدولة البويهية (ق4):

نسب بعض المؤرّخين أنّ أوّل من سنّ الإجهار والتظاهر العلني لعيد الغدير هو معزّ الدولة علي بن بويه عام (352ه-).

قال النويري (ت733): «وأوّل من أحدثه معزّ الدولة أبو الحسن علي بن بويه في سنة

ص: 385


1- تهذيب الأحكام للطوسي 6:24.
2- مصباح المتهجد للطوسي: 752.
3- المناقب لابن شهر آشوب 2:243.

اثنتين وخمسين وثلاثمائة». (1)

قال الهمداني (ق 521) في حوادث سنة 352: «وفي ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة، وهو اليوم الذي تسمّيه الشيعة غدير خم، اشعلت النيران في الأسواق، ولم تغلق الدكاكين، كما يُعمل في الأعياد، وضربت الدبادب والبوقات، وبكّر المتشيّعون إلى مقابر قريش وصلّوا هناك». (2)

وقال ابن الأثير (ت630): «وفيها في الثامن عشر ذي الحجة أمره معزّ الدولة بإظهار الزينة في البلد، وأشعلت النيران بمجلس الشرطة واُظهر الفرح، وفتحت الأسواق بالليل كما يُفعل ليالي الأعياد، فعل ذلك فرحاً بعيد الغدير، يعني غدير خم، وضربت الدبادب والبوقات، وكان يوماً مشهوداً». (3)

وأضاف الذهبي (ت 748) معلومة اُخرى لم يتطرّق إليها من كان قبله ممّا يستدعي الشك في صحة نقله، وذلك أنّ الناس صلّوا آنذاك صلاة العيد، قال في حوادث سنة 352: «و فیها يوم ثامن عشر ذي الحجة عملت الرافضة عيد الغدير غدير خم، ودُقّت الكوسات وفيها وصلّوا بالصحراء صلاة العيد». (4) ولكن عند ذكر نفس المشهد في كتابه الآخر لم يتطرّق إلى صلاة العيد، حيث قال في تاريخ الإسلام: «وفي ثامن عشر ذي الحجة عمل عيد غدير خم، وضربت الدبادب، وأصبح الناس إلى مقابر قريش للصلاة هناك وإلى مشهد الشيعة» (5).

عام 354:

قال ابن الجوزي (ت597): «وفي هذه السنة جعل المسير بالحاج إلى أبي أحمد الحسين بن موسى النقيب، وعمل يوم غدير خم ببغداد ما تقدّم ذكره من إشعال النار في ليلته،

ص: 386


1- نهاية الأرب في فنون الأدب 1:185، وتبعه المقريزي ت 845 في المواعظ والاعتبار 2:116.
2- تكملة تاريخ الطبري 1:187، وأعاد ابن الجوزي نفس المضمون في المنتظم 14:151.
3- الكامل في التاريخ 8:549، ونحوه ابن كثير في البداية والنهاية 11:276.
4- العبر في خبر من غبر 2:30.
5- تاريخ الإسلام 26:11.

وضرب الدبادب والبوقات، وبكور الناس إلى مقابر قريش». (1)

وقال ابن كثير (ت774): «وفي ثاني عشر ذي الحجة منها عملت الروافض عيد غدير خم على العادة الجارية كما تقدّم». (2)

عام 357:

قال ابن الجوزي (ت597): «إنّه عمل ببغداد يوم عاشوراء... وفي غدير خم ما جرت عادتهم أيضاً».(3)

وقال الذهبي (ت 748): «وعيّدوا يوم الغدير وبالغوا في الفرح». (4)

وأضاف ابن كثير (ت774): «وفي غدير خم الهناء والسرور». (5)

عام 358:

أشار ابن الجوزي إلى الاحتفال بهذا اليوم من دون أن يعطي معلومات اُخرى، واكتفى الذهبي بقوله: «والشعار الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير». (6)

ولكن أعطانا ابن تغري بردي معلومات جيّدة عن احتفالية هذه السنة حيث قال: «وفيها توفي سابور بن أبي طاهر القرمطي في ذي الحجة، كان طالب قبل موته عمومته بتسليم الأمر إليه، فحبسوه فأقام في الحبس أياماً، ثم خرج من الحبس وعمل في ذي الحجة ببغداد غدير خم على ما جرت به العادة، ثم مات بعد مدة يسيرة». (7)

عام 360:

ص: 387


1- المنتظم 14:162.
2- البداية والنهاية 11:288.
3- المنتظم 14:189.
4- تاريخ الإسلام 26:38.
5- البداية والنهاية 11:300.
6- العبر 2:316.
7- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 4:28.

قال الذهبي (ت748): «وفيما أقامت الشيعة... عيد الغدير بالفرح والكوسات». (1)

عام 381:

احتفلت الشيعة في هذه السنة أيضاً في بغداد كعادتها، ولكن إقامة هذه الاحتفالات في السنوات الماضية والاستمرار عليها، أثارت أهل السنة ففزعوا إلى خلق فتنة آنذاك للصدّ عن إقامة هذا الاحتفال، وكانت هذه الفتنة بداية الفتن التي تلتها.

قال ابن الجوزي (ت597): «وفي يوم الثاني عشر من ذي الحجة، وهو يوم الغدير جرت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة، واستظهر أهل باب البصرة وخرقوا أعلام السلطان، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك، وصلبوا على القنطرة، فقامت الهيبة وارتدعوا ».(2)

عام 389:

هذا العام يُعدّ منعطفاً في التقابل السني الشيعي، حيث أنّ أهل السنة بدأوا في هذه السنة - مقابلة للشيعة - بالاحتفال في ذي الحجة أيضاً بعيد الغار، قال ابن مسكويه (ت 421): «وقد جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب، وتعليق الثياب، وإظهار الزينة في يوم الغدير، وإشعال النار في ليلته، ونحر جمل في صبيحته، فأرادت الطائفة الأخرى من السنة أن تعمل لأنفسها وفي محالها وأسواقها ما يكون بإزاء ذلك، فادعت أنّ اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم وأبو بكر في الغار، وعملت مثل ما تعمله الشيعة في يوم الغدير». (3)

وقال النويري (ت733): «ولمّا ابتدع الشيعة هذا العيد واتخذوه من سنتهم، عمل عوام السنة يوم السرور نظير عيد الشيعة في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيام، وقالوا: هذا يوم دخول رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم الغار هو وأبو بكر الصديق،

ص: 388


1- العبر: 320.
2- المنتظم 14:356، ونحوه الذهبي في تاريخ الإسلام 27:9، وابن كثير في البداية 11:354.
3- تجارب الأمم 7:401، نحوه المنتظم لابن الجوزي 15:14، تاريخ الإسلام 27:25.

وأظهروا في هذا اليوم الزينة، ونصب القباب وإيقاد النيران». (1)

عام 402:

قال ابن كثير (774): «وفيها عملت الشيعة بدعتهم التي كانوا يعملونها يوم غدير خم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وزيّنت الحوانيت، وتمكّنوا بسبب الوزير وكثير من الأتراك تمكّناً كثيراً».(2)

ويظهر أنّ الوزير تمكّن بالسياسة والقوّة من الحدّ أمام المنازعات الطائفية، ولذا عملت السنة والشيعة احتفالاتها من دون توتّر وفوضى، قال الذهبي (ت 748): «وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار بسكينة» (3)، وفي لفظ آخر: «بطمأنينة وسكون». (4)

عام 414:

وفي هذه السنة منعت الشيعة من إقامة مجالسها في محرم وذي الحجة، قال ابن تغري بردي: «وفيها... منع الروافض من النوح وعيد الغدير، وأيّد الله أهل السنة ولله الحمد». (5)

عام 421:

قال ابن الجوزي (ت597): «ولم يُعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة». (6)

عام 422:

قال ابن الجوزي: «وفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة كان الغدير، وقام

ص: 389


1- نهاية الأرب 1:185، ونحوه العبر للذهبي 3:42، والبداية والنهاية لابن كثير 11:373. واعترض الذهبي على أهل السنة قائلاً: «وهذا جهل وغلط فإنّ أيّام الغار كانت بيقين في شهر صفر وفي أول ربيع الأول» وقال في تاريخ الإسلام 27:25 وأقامت السنية هذا الشعار القبيح زماناً طويلاً» وقال المقريزي في الخطط 2:117 «ولهم في ذلك أعمال مذكورة في أخبار بغداد».
2- البداية والنهاية .11:398.
3- العبر 3:78.
4- تاريخ الإسلام 28:14.
5- النجوم الزاهرة 265: 4.
6- المنتظم 15:208.

العيّارون بالاشعال في ليلته، ونحر جمل في صبيحته بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك واشتد تبسّط هذه الطائفة» (1).

الدولة الفاطميّة:

الدولة الفاطميّة حكمت مصر والغرب الإسلامي لمدّة مائتي سنة تقريباً، وكان لهم مراسم خاصّة بمناسبة عيد الغدير.

قال القلقشندي (ت821): «وقد كان للخلفاء الفاطميين بمصر بهذا العيد اهتمام عظيم، ويكتبون بالبشارة به إلى أعمالهم، كما يكتبون البشارة بعيد الفطر وعيد النحر ونحوهما». (2)

وذكر المقريزي (ت 845) من ضمن الأعمال التي كانت تُعمل آنذاك: «فيه تزويج الأيامى، وفيه الكسوة، وتفرقة الهبات لكبراء الدولة ورؤسائها وشيوخها وأمرائها وضيوفها والأستاذين المحنكين والمميزين، وفيه النحر وتفرقة النحائر على أرباب الرسوم، وعتق الرقاب وغير ذلك».(3)

ويذكر المقريزي أنّ بداية الاحتفالات بعيد الغدير كان عام 362 حيث قال: «وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وهو يوم الغدير تجمّع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء لأنّه يوم عيد، لأنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم عهد إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فيه واستخلفه، فأعجب المعزّ ذلك من فعلهم، وكان هذا أوّل ما عمل بمصر». (4)

وقد وصف المقريزي هذه الاحتفالات وصفاً دقيقاً، وذكر ما كان يجري فيها من آداب وهبات وأعمال أخرى حيث قال:

«قال المسبحي: وفي يوم الغدير، وهو ثامن عشر ذي الحجة اجتمع الناس بجامع القاهرة والقراء والفقهاء والمنشدون، فكان جمعاً عظيماً أقاموا إلى الظهر، ثم خرجوا إلى

ص: 390


1- م ن 15:219.
2- صبح الأعشى 13:244.
3- الخطط المقريزية 2:355.
4- الخطط المقريزية 2:117.

القصر فخرجت إليهم الجائزة... قال ابن الطوير: إذا كان العشر الأوسط من ذي الحجة اهتم الأمراء والأجناد بركوب عيد الغدير، وهو في الثامن عشر منه، وفيه خطبة وركوب الخليفة بغير مظلة ولا سمة ولا خروج عن القاهرة، ولا يخرج لأحد شيء. فإذا كان ذلك اليوم ركب الوزير بالاستدعاء الجاري به العادة فيدخل القصر وفي دخوله بروز الخليفة

لركوبه من الكرسي على عادته. فيخدم ويخرج ويركب من مكانه من الدهليز ويخرج فيقف قبالة باب القصر، ويكون ظهره إلى دار فخر الدين جهاركس اليوم.

ثم يخرج الخليفة راكباً أيضاً فيقف في الباب، ويقال له القوس، وحواليه الأستاذون المحنكون رجالة، ومن الأمراء المطوقين من يأمره الوزير بإشارة خدمة الخليفة على خدمته، ثم يجوز زي كل من له زي على مقدار همته. فأول ما يجوز زي الخليفة، وهو الظاهر في ركوبه. فتجد الجنائب الخاص التي قدمنا ذكرها أولاً، ثم زي الأمراء المطوقين لأنّهم غلمانه واحداً فواحداً بعددهم وأسلحتهم وجنائبهم، إلى آخر أرباب القصب والعماريات، ثم طوائف العسكر أزمتها أمامها وأولادهم مكانهم لأنّهم في خدمة الخليفة وقوف بالباب طائفة طائفة، فيكونون أكثر عدداً من خمسة آلاف فارس، ثم المترجلة الرماة بالقسى بالأيدي والأرجل، وتكون عدتهم قريباً من ألف، ثم الراجل من الطوائف الذين قدمنا ذكرهم في الركوب فتكون وعدتهم قريباً من سبعة آلاف كل منهم بزمام وبنود ورايات وغيرها بترتيب مليح مستحسن.

ثم يأتي زي الوزير مع ولده أو أحد أقاربه وفيه جماعته وحاشيته في جمع عظيم وهيئة هائلة، ثم زي صاحب الباب وأجناده في عدة وافرة، ثم يأتي زي والي القاهرة، وزوى والي مصر.

فإذا فرغا خرج الخليفة من الباب والوقوف بين يديه مشاة في ركابه خارجاً عن صبيان ركابه الخاص، فإذا وصل إلى باب الزهومة بالقصر انعطف على يساره داخلاً من الدرب هناك جائزاً على الخوخ. فإذا وصل إلى باب الديلم الذي داخله المشهد الحسيني فيجد في دهليز ذلك الباب قاضي القضاة والشهود.

فإذا وازاهم خرجوا للخدمة والسلام عليه. فيسلّم القاضي كما ذكرنا من تقبيل رجله

ص: 391

الواحدة التي تليه والشهود أمام رأس الدابة بمقدار قصبة. ثم يعودون ويدخلون من ذلك الدهليز إلى الإيوان الكبير وقد علّق عليه الستور القرقوبية جميعه على سعته، وغير القرقوبية ستراً فستراً ثم يعلّق بدائرة على سعته ثلاثة صفوف، الأوسط طوارف فارسيات مدهونة، والأعلى والأسفل درق وقد نصب فيه كرسي الدعوة، وفيه تسع درجات لخطابة الخطيب في هذا العيد، فيجلس القاضي والشهود تحته والعالم من الأمراء والأجناد والمتشيعين، ومن يرى هذا الرأي من الأكابر والأصاغر. فيدخل الخليفة من باب العيد إلى الإيوان إلى باب الملك. فيجلس بالشباك، وهو ينظر القوم ويخدمه الوزير عندما ينزل ويأتي هو ومن معه. فيجلس بمفرده على يسار منبر الخطيب، ويكون قد سير لخطيبه بدلة حرير يخطب فيها وثلاثون ديناراً، ويدفع له كراس محرر من ديوان الإنشاء يتضمّن نص الخلافة من النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضى الله عنه بزعمهم.

فإذا فرغ ونزل صلّى قاضي القضاة بالناس ركعتين، فإذا قضيت الصلاة قام الوزير إلى الشباك، فيخدم الخليفة، وينفض الناس بعد التهاني من الإسماعيلية بعضهم بعضاً، وهو عندهم أعظم من عيد النحر، وينحر فيه أكثرهم.

قال: وكان الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد لما سلم من يد أبي علي بن الأفضل الملقب كتيفات لما وزر له وخرج عليه عمل عيداً في ذلك اليوم،هو السادس عشر من المحرم من غير ركوب ولا حركة، بل إنّ الإيوان باق على فرشه وتعليقه من يوم الغدير. فيفرش المجلس المحول اليوم في الإيوان الذي بابه خورنق، وكان يقابل الإيوان الكبير الذي هو اليوم خزائن السلاح بأحسن فرش، وينصب له مرتبة هائلة قريباً من باذهنجة. فيجتمع أرباب الدولة سيفاً وقلماً، ويحضرون إلى الإيوان إلى باب الملك المجاور للشباك فيخرج الخليفة راكباً إلى المجلس فيترجل على بابه، وبين يديه الخواص. فيجلس على المرتبة، ويقفون بين يديه صفين إلى باب المجلس، ثم يجعل قدامه كرسي الدعوة، وعليه غشاء قرقوبي وحواليه الأمراء الأعيان وأرباب الرتب، فيصعد قاضي القضاة ويخرج من كمّه كراسة مسطحة تتضمّن فصولاً، كالفرج بعد الشدة بنظم مليح، يذكر فيه كل من أصابه من الأنبياء والصالحين

ص: 392

والملوك شدة وفرج الله عنه واحداً فواحداً حتى يصل إلى الحافظ، وتكون هذه الكراسة محمولة من ديوان الإنشاء. فإذا تكاملت قراءتها نزل من المنبر ودخل إلى الخليفة ولا يكون عنده من الثياب أجل ممّا لبسه، ويكون قد حمل إلى القاضي قبل خطابته بدلة مميزة يلبسها للخطابة ويوصل إليه بعد الخطابة خمسون ديناراً.

وقال الأمير جمال الدين أبو علي موسى بن المأمون أبي عبد الله محمد بن فاتك بن مختار البطائحي في تاريخه: واستهل عيد الغدير يعني من سنة ست عشرة وخمسمائة، وهاجر إلى باب الأجل - يعني الوزير المأمون البطائحي - الضعفاء والمساكين من البلاد، ومن انضمّ إليهم من العوالي والأدوان على عادتهم في طلب الحلال، وتزويج الأيامي، وصار موسماً يرصده كلّ أحد ويرتقبه كل غني وفقير، فجرى في معروفه على رسمه، وبالغ الشعراء في مدحه بذلك، ووصلت كسوة العيد المذكور فحمل ما يختص بالخليفة والوزير، وأمر بتفرقة ما يختص بأزمة العساكر فارسها وراجلها من عين وكسوة، ومبلغ ما يختص بهم من العين سبعمائة وتسعون ديناراً، ومن الكسوات مائة وأربع وأربعون قطعة.

والهيئة المختصة بهذا العيد برسم كبراء الدولة وشيوخها وأمرائها وضيوفها والأستاذين المحنكين والمميزين منهم خارجاً عن أولاد الوزير وأخوته، ويفرق من مال الوزير بعد الخلع عليه ألفان وخمسمائة دينار وثمانون ديناراً، وأمر بتغليق جميع أبواب القصور، وتفرقة المؤذنين بالجوامع والمساجد عليها، وتقدم بأن تكون الأسمطة بقاعة الذهب على حكم سماط أوّل يوم من عيد النحر، وفي باكر هذا اليوم توجه الخليفة إلى الميدان وذبح ما جرت به العادة، وذبح الجزّارون بعده مثل عدد الكباش المذبوحة في عيد النحر، وأمر بتفرقة ذلك للخصوص دون العموم، وجلس الخليفة في المنظرة، وخدمت الرهجيّة، وتقدم الوزير والأمراء وسلّموا.

فلما حان وقت الصلاة والمؤذّنون على أبواب القصر يكبرون تكبير العيد إلى أن دخل الوزير فوجد الخطيب على المنبر قد فرغ. فتقدّم القاضي أبو الحجاج يوسف بن أيّوب فصلّى به وبالجماعة صلاة العيد، وطلع الشريف بن أنس الدولة وخطب خطبة العيد ثم توجّه

ص: 393

الوزير إلى باب الملك، فوجد الخليفة قد جلس قاصداً للقائه، وقد ضربت المقدمة فأمره بالمضي إليها، وخلع عليه خلعة مكملة من بدلات النحر، وثوبها أحمر بالشدة الدائمية، وقلّده سيفاً مرصّعاً بالياقوت والجوهر.

وعندما نهض ليقبل الأرض وجده قد أعدّ له العقد الجوهر وبطه في عنقه بيده، وبالغ في إكرامه، وخرج من باب الملك فتلقّاه المقربون، وسارع الناس إلى خدمته، وخرج من باب العيد وأولاده وإخوته والأمراء المميزون بحجبه، وخدمت الرهجية، وضربت العربية والموكب جميعه بزيه، وقد اصطفت العساكر، وتقدّم إلى ولده بالجلوس على أسمطته وتفرقتها برسومها وتوجّه إلى القصر، واستفتح المقرئون، فسلّم الحاضرون، وجرى الرسم في السماط الأوّل والثاني وتفرقة الرسوم والموائد على حكم أوّل يوم من عيد النحر.

وتوجّه الخليفة بعد ذلك إلى السماط الثالث الخاص بالدار الجليلة لأقاربه وجلسائه، ولمّا انقضى حكم التعييد جلس الوزير في مجلسه واستفتح المقرئون وحضر الكبراء وبياض البلدين لتهنّىء بالعيد والخلع، وخرج الرسم، وتقدّم الشعراء فأنشدوا وشرحوا الحال، وحضر متولّي خزائن الكسوة الخاص بالثياب التي كانت على المأمون قبل الخلع، وقبضوا الرسم الجاري به العادة وهو مائة دينار، وحضر متولّي بيت المال وصحبته صندوق فيه خمسة آلاف دينار برسم فكاك العقد الجوهر والسيف المرصع، فأمر الوزير المأمون الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامة كاتب الدست الشريف بكتب مطالعة إلى الخليفة بما حمل إليه من المال برسم منديل الكم، وهو ألف دينار، ورسم الإخوة والأقارب ألف دينار، وتسلّم متولّي الدولة بقية المال ليفرّق على الأمراء المطوقين والمميزين والضيوف والمستخدمين». (1)

طبعاً هذه الاحتفالات ما كانت تقتصر على فترة الحكم البويهي أو الفاطمي بل كانت تُجرى في غيرها أيضاً، ذكر الذهبي (ت 748) في مناسبات عام (529 ه-): «وفي أيّام الغدير ظهر التشيّع ومضى خلق إلى زيارة مشهد علي ومشهد الحسين». (2)

ص: 394


1- الخطط المقريزية 117: 2-121.
2- تاريخ الإسلام 36:53.

وقد ذكر ابن أبي الحديد (ت656) في شرح نهج البلاغة، قال حدّثني يحيى بن سعيد بن عليّ الحنبلي، المعروف: بابن غالية من ساكني قطفياً، بالجانب الغربي ببغداد، وأحد الشهود المعدّلين بها، قال:

كنت حاضراً عند الفخر إسماعيل بن عليّ الحنبلي الفقيه المعروف: بغلام بن المثنّى، وكان الفخر إسماعيل [بن عليّ] هذا مقدّم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف، ويشتغل بشيء في علم المنطق، وكان حلو العبارة، وقد رأيته أنا، وحضرت عنده، وسمعت كلامه، وتوفّي سنة عشر وستّمائة، قال ابن غالية: ونحن عنده نتحدّث، إذ دخل شخص من الحنابلة، قد كان له دين على بعض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبه به، فاتفّق أن حضرت زيارة يوم الغدير، والحنبليّ المذكور في الكوفة، وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من (شهر) ذي الحجّة، ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين علي علیه السّلام من الخلائق جموع عظيمة، تتجاوز حدّ الإحصاء.

قال ابن غالية: فجعل الشيخ الفخر يسأل ذلك الشخص [ما فعلت] ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقيّة عند غريمك؟ وذلك الشخص يجاوبه، حتّى قال: يا سيّدي لو شاهدت يوم الزّيارة يوم الغدير، لرأيت ما يجري عند قبر عليّ بن أبي طالب من الفضائح، والأقوال الشّنيعة، وسبّ الصّحابة جهاراً بأصوات مرتفعة، من غير مراقبة ولا خيفة، فقال إسماعيل: أيّ ذنب لهم والله ما جرّأهم على ذلك، ولا فتح لهم هذا الباب إلاّ صاحب هذا القبر، فقال ذلك الشّخص: ومن هو صاحب القبر؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قال: يا سيّدي هو الّذي سنّ لهم ذلك، وعلّمهم إيّاه، وطرّقهم إليه؟ قال: نعم والله، [قال:] يا سيّدي فإن كان محقّاً فمالنا [أن] نتولّى فلاناً وفلاناً، وإن كان مبطلاً فما لنا نتولاّه؟ ينبغي أن نبرأ [اما] منه أو منهما، قال ابن غالية: فقام إسماعيل مسرعاً، فلبس نعله، وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل بن الفاعل، إن كان يعرف جواب هذه المسألة، ودخل دار حرمه وقمنا نحن وانصرفنا. (1)

بقي هنا شيء وهو ما ذهب إليه الخط السلفي من الحكم بتحريم الاحتفال بعید

ص: 395


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 9: 307.

الغدير وجعله في خانة البدعيات، قال ابن تيمية (ت728): «إنّ اتخاذ هذا اليوم عيداً محدث لا أصل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً حتى يحدث فيه أعمالاً، إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ...». (1)

ونقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ البدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، وعيد الغدير ليس كذلك، حيث وردت عندنا روايات كثيرة عن الرسول والعترة علیهم السّلام بلزوم تعظيمه واتخاذه عيداً، وهذه الروايات حجة لنا نبتغي الأجر في العمل بمضمونها.

ثانياً: لو تنزّلنا وافترضنا عدم وجود أيّ نصّ على الاحتفال بعيد الغدير، لكن هذا لا يدخله في البدعيات، بل سيكون حاله حال سائر المباحات التي رخّص الشارع الإتيان بها ما دامت لم تقترن بمحرّم، بل إذا اقترنت هذه المباحات بما يدعو إليه الشارع ويحبّذ إتيانه - كتلاوة القرآن، وذكر فضائل أهل البيت علیهمه السّلام، والتزاور والتواصل بين الإخوان، والتوسعة على الأهل والعيال، وغيرها من المستحبات - لصارت من أفضل المستحبات والقربات، وسيكون الإنسان مأجوراً عليها.

ثالثاً: كيف تكون صلاة التراويح - مع عدم وجود أيّ نص معتبر على شرعيّتها - بدعة حسنة يؤدّيها الملايين كلّ سنة يرجون المثوبة والزلفى، ويكون عيد الغدير - مع وجود نصوص كثيرة على شرعيته - بدعة شنيعة؟! وما بال ابن تيمية حين يحكم بأنّ الأعياد شريعة من الشراع يجب فيها الاتباع لا الابتداع، سكت عن صلاة التراويح ولم ينبس عن شرعيّتها ببنت شفة، إلاّ أن تكون الصلاة عنده من غير الشرعيات !!

ص: 396


1- اقتضاء الصراط المستقيم: 294، وتبعه الشيخ أحمد البوطامي في تحذير المسلمين من الابتداع في الدين: 152، وعبد الله بن سليمان آل مهنا في الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها: 233، وأبو مريم الأعظمي في الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات 562560، وغيرهم.

مسجد الغدير

قال البكري (ت 487) في معجم ما استعجم: «بين الجحفة والبحر نحو من ستة أميال، وغدير خم على ثلاثة أميال، من الجحفة يسرة عن الطريق، وهذا الغدير تصب فيه عين، وحوله شجر كثير ملتف، وهي الغيضة التي تسمّى خمّ، وبين الغدير والعين مسجد النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم» (1).

وقال ياقوت الحموي (ت 626) في معجم البلدان نقلاً عن صاحب المشارق: «وخمّ موضع تصبّ فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما مسجد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم» (2).

وهذا المسجد هو الذي أقام فيه - أو في جنبه - رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علياً إماماً وخليفة من بعده، فعن حسّان الجمّال قال: حملت أبا عبد الله علیه السّلام من المدينة إلى مكة، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال: ذلك موضع قدم رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه... (3)

وفي روضة الواعظين للفتال النيسابوري (ت 508): «فأمر رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم عند ما جاءته العصمة منادياً فنادى في الناس بالصلاة جامعة، وتنحّى عن يمين الطريق إلى مسجد الغدير ... (4)

وقد وردت روايات تؤكّد استحباب الصلاة فيه، فعن الإمام الصادق علیه السّلام قال: يستحب الصلاة في مسجد الغدير، لأنّ النبي صلّی الله علیه و آله و سلّم أقام فيه أمير المؤمنين علیه السّلام وهو

ص: 397


1- معجم ما استعجم 2:368، ونحوه الروض المعطار للحميري: 156.
2- معجم البلدان 2:389/ خم.
3- الكافي للكليني 4:566 ح2.
4- روضة الواعظين: 90، ونحوه الاحتجاج للطبرسي 1:71.

موضع أظهر الله عز وجل فيه الحق (1).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم علیه السّلام عن الصلاة في مسجد غدير خم بالنهار وأنا مسافر، فقال: صلّ فيه فإنّ فيه فضلاً، وقد كان أبي يأمر بذلك (2).

وهذه الروايات كانت مدار فتوى علمائنا في استحباب الصلاة فيه، قال الشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381): «یستحب الصلاة في مسجد الغدير ...» (3).

وقال الشهيد الأوّل (ت 786): «إذا توجّه الحاج إلى المدينة وانتهى إلى مسجد غدير خم دخله وصلّى فيه، وأكثر فيه من الدعاء، وهو موضع النص من رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم علی أمیر المؤمنین علیه السّلام» (4).

وقال البحراني (ت 1186): «يستحب لقاصدي المدينة المشرّفة المرور بمسجد الغدير ودخوله والصلاة فيه والإكثار من الدعاء» (5).

وقال الشيخ الجواهري (ت 1266): «وكذا يستحب للراجع على طريق المدينة الصلاة في مسجد غدير خم والإكثار فيه من الدعاء» (6).

ويظهر من هذه النصوص أنّ مسجد الغدير كان في طريق الحاج من مكة إلى المدينة ذهاباً وإياباً، وهذا ما كان يغيض البعض فلذا عمدوا إلى تغيير الطريق كي لا يمرّ بالمسجد ولا يتجدّد العهد به، قال الشيخ محمد تقي المجلسي (ت 1070) «ومسجد الغدير معروف فيما بين مكة والمدينة قريباً من الجحفة على ثلاثة أميال

ص: 398


1- الكافي للكليني 4:567 ح3.
2- م ن 4:566 ح 1.
3- من لا يحضره الفقيه 1:229، ونحوه قال العلامة الحليّ في التذكرة 8:451.
4- الدروس الشرعية 2:19.
5- الحدائق الناضرة 17:406.
6- جواهر الکلام 20:75.

منها، والجحفة خربة لكن مكانها مسمّى بالرابق، والعلامات في المسجد منصوبة إلى الآن وهو طريق الحاج، لكن العامة يحرفون الطريق لئلاً ينزل القافلة فيه ويعرفوا ويسألوا» (1).

ويظهر ممّا ذكره الشهيد الأول (ت 786) في الذكرى أنّ المسجد كان آنذاك خربة لم يبق منه إلاّ الجدران، حيث قال: «من المساجد الشريفة مسجد الغدير، وهو بقرب الجحفة، جدرانه باقية إلى اليوم، وهو مشهور بيّن، وقد كان طريق الحج عليه غالباً» (2).

ولكن يبدو ممّا ذكره الشيخ النوري (ت 1320) في ترجمة السيد محمد مهدي القزويني أنّ المسجد عُمّر بعد ذلك حيث قال: «وقد كنت معه في طريق الحج ذهاباً وإياباً، وصلّينا معه في مسجد الغدير والجحفة» (3).

وهذا المسجد هو الذي كان مثار جدل محتدم بين أبي داود السجستاني وبين الطبري، حيث أنكر الأوّل قدم مسجد الغدير، ونسبه الثاني إلى إنكار أصل الغدير، وقد تمسّك بذلك نفاة الغدير محتجين بأنّ أبا داود أنكر حديث الغدير.

قال السيد المرتضى (ت 436): «إنّ ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدّماً». (4)

وقال أبو الصلاح الحلبي (ت 447): «إنّ المضاف إلى السجستاني من ذلك [أي إنكار خبر الغدير] موقوف على حكاية الطبري مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن، وقد أكذب الطبري في حكايته عنه، وصرّح بأنّه لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر أن يكون المسجد بغدير

ص: 399


1- روضة المتقين 922.
2- الذكرى: 155 عنه البحار 97:225.
3- خاتمة المستدرك 2:129.
4- الشافي للمرتضى 2:264، تمهيد الأصول للطوسي: 394، المنقذ من التقليد للحمصي 2:335.

خم متقدّماً، وصنّف كتاباً معروفاً يعتذر فيه ممّا قرفه به الطبري ويتبرّأ منه» (1).

وقد عرفت ممّا مضى قدم مسجد الغدير، وأنّه كان موجوداً زمن رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم لما صحّ عن العترة الطاهرة علیهم السّلام.

ص: 400


1- تقريب المعارف: 207-208.

يوم الغدير في التاريخ

لقد وقعت عدّة أمور وحدثت عدّة حوادث ذات أهمية في مثل يوم الغدير، دلّت عليها بعض الروايات.

قال الشيخ المفيد رحمه الله:

«وفي هذا اليوم بعينه من سنة (34) أربع وثلاثين من الهجرة قتل عثمان بن عفان، وله يومئذ اثنان وثمانون سنة، واخرج من الدار فاُلقي على بعض مزابل المدينة، لا يقدم أحد على مواراته خوفاً من المهاجرين والأنصار، حتى احتيل له بعد ثلاث فأخذ سراً، فدفن في حشّ كوكب، وهي [كانت مقبرة] لليهود بالمدينة، فلمّا ولي معاوية بن أبي سفيان وصلها بمقابر أهل الإسلام.

وفي هذا اليوم بعينه بايع الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام بعد عثمان، ورجع الأمر إليه في الظاهر والباطن، واتفقت الكافة عليه طوعاً وبالاختيار.

وفي هذا اليوم فلج موسى بن عمران على السحرة، وأخزى الله تعالى فرعون وجنوده من أهل الكفر والضلال.

[وفي هذا اليوم] نجّى الله تعالى إبراهيم الخليل علیه السّلام من النار، وجعلها عليه برداً وسلاماً كما نطق به القرآن.

وفيه نصب موسى [یوشع بن نون وصيّة، ونطق بفضله على رؤوس الأشهاد]

وفيه أظهر عيسى بن مريم علیه السّلام وصيّه شمعون الصفا.

وفيه أشهد سليمان بن داود علیه السّلام سائر رعيّته على استخلاف آصف بن برخيا وصيّه،

ص: 401

ودلّ على فضله بالآيات والبينات، وهو يوم عظيم كثير البركات» (1).

وقد روى المفضّل عن أبي عبد الله علیه السّلام أنّه قال: «إنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم علیه السّلام فصام شكراً لله على ذلك اليوم، وأنّه اليوم الذي نجّى الله تعالى فيه إبراهيم علیه السّلام من النار فصام شكراً لله تعالى على ذلك اليوم، وأنّه اليوم الذي أقام موسى هارون علیهما السّلام علماً فصام شكراً لله تعالى ذلك اليوم، وأنّه اليوم الذي أظهر عيسى علیه السّلام وصيّه شمعون الصفا فصام شكراً لله عزّ وجلّ على ذلك اليوم» (2).

وعن أمير المؤمنين علیه السّلام في خطبته لمّا صادف يوم الغدير الجمعة: «هذا يوم النصوص على أهل الخصوص، هذا يوم شيث، هذا يوم إدريس، هذا يوم يوشع، هذا يوم شمعون، هذا یوم الأمن المأمون...» (3).

ص: 402


1- مسار الشيعة للمفيد 40-41.
2- الإقبال للسيد ابن طاوس 2265.
3- مصباح المتهجّد للطوسي: 756، الإقبال لابن طاوس 2:258.

فهرس المصادر

1. العثمانية، عمرو بن بحر الجاحظ، دار الكتاب العربي بمصر.

2. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، ط أولى عام 2003، دار عالم الكتب.

3. مشكل الآثار، أحمد بن محمد الطحاوي، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية فى الهند.

4. تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، مؤسسة الكتب الثقافية.

5. المغني القاضي عبد الجبار، تحقيق عبد الحليم محمود وآخرون.

6. تثبيت دلائل النبوة، القاضي عبد الجبار، دار العربية.

7. الكشف والبيان، أحمد الثعلبي، دار إحياء التراث العربي.

8. كتاب الإمامة والرد على الرافضة، أبو نعيم الأصبهاني ط الثانية، عام 1994، مكتبة العلوم والحكم.

.9 الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، أحمد بن الحسين البيهقي، دار الفضيلة ودار الهدي النبوي.

10. الإشادة إلى مذهب أهل الحق، أبو إسحاق الشيرازي، دار الكتاب العربي.

11. كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد، أبو المعالي الجويني، مؤسسة الكتب الثقافية.

12. غياث الأمم، أبو المعالي الجويني، دار الدعوة.

ص: 403

13. تبصرة الأدلّة في أصول الدين، ميمون النسفي، تحقيق كلود سلامة.

14. نهاية الأقدام في علم الكلام، عبد الكريم الشهرستاني، مكتبة الثقافة الدينية.

15. العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي (ص)، أبو بكر بن العربي دار البشائر.

16. الكشاف - محمود بن عمر الزمخشري، مكتبة العبيكان.

17. نهاية العقول، الفخر الرازي، مخطوط.

18. مفاتيح الغيب، الفخر الرازي.

19. الأربعين في أصول في أصول الدين، الفخر الرازي، الكليات الأزهرية.

20. غاية المرام في علم الكلام، سيف الدين الآمدي، دار الكتب العلميّة.

21. أبكار الأفكار في أصول الدين، سيف الدين الآمدي، مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة بالقاهرة.

22. الإيضاح في أصول الدين، محمد بن علي الطبري، دار الحديث.

23. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين النيسابوري، دار الكتب العلميّة.

24. مجموع فتاوى ابن تيمية.

25. اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، دار الكتب العلميّة.

26. البداية والنهاية، ابن كثير الدمشقي، دار الكتب العلميّة.

27. السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي، دار إحياء التراث العربي.

28. شرح تجريد الاعتقاد، القوشجي.

29. شرح المقاصد، مسعود بن عمر التفتازاني.

30.شرح المواقف، علي بن محمد الجرجاني، مطبعة السعادة.

ص: 404

31. رسالة في الرد على الرافضة، أبو حامد محمد المقدسي، الدار السلفيّة.

32. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي.

33. الحجج الباهرة، جلال الدين الدواني، مكتبة الإمام البخاري.

34. الصواعق المحرقة، على أهل الرفض والضلال والزندقة، ابن حجر الهيتمي، دار الوطن.

35. السيرة الحلبية، علي بن إبراهيم الحلبي، المكتبة الإسلامية.

36. فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤف المناوي، دار الفكر.

37. رسالة في الردّ على الرافضة، محمد بن عبد الوهاب، مركز البحث العلمي بمكة.

38. مختصر التحفة الاثني عشرية، محمود الآلوسي.

39. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، محمود الآلوسي، دار إحياء التراث العربي.

40. النفحات القدسيّة في الرد على الإمامية، محمود الآلوسي، دار ابن عفّان ودار ابن القيم.

41. نظريّة الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، أحمد محمود صبحي، دار النهضة العربية.

42. سلسلة الأحاديث الصحيحة، ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف.

43. سلسلة الأحاديث الضعيفة، ناصر الدين الألباني مكتبة المعارف.

44. البينات في الرد على أباطيل المراجعات، محمود الزعبي.

45. أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ناصر القفاري، دار الرضا للنشر والتوزيع.

ص: 405

46. مجمل عقائد الشيعة والمراجعات في الميزان، أبو عبد الله النعماني، مكتبة الصحابة.

47. أصول وعقائد الشيعة الشيعة الاثنا عشرية تحت المجهر، حافظ موسی عامر، مكتبة الإمام البخاري.

48. الحجج الدامغات لنقد كتاب المراجعات، أبو مريم الأعظمي، دار الصديق ودار الإيمان.

49. الإمامة والنص، فيصل نور، دار الصديق.

50. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الانتشارات الإسلامية.

51. مسار الشيعة، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ضمن موسوعة الشيخ المفيد.

52. أقسام المولى، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعامن، ضمن موسوعة الشيخ المفيد.

53. المسائل العكبرية، الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، ضمن موسوعة الشيخ المفيد.

54. الذخيرة في علم الكلام، السيد المرتضى علي بن الحسين، مؤسسة النشر الإسلامي.

55. الشافي في الإمامة، السيد المرتضى علي بن الحسين، مؤسسة الصادق.

56. رسائل الشريف المرتضى، السيد المرتضى علي بن الحسين، منشورات دار القرآن الكريم.

57. مسائل المرتضى، السيد المرتضى علي بن الحسين، مؤسسة البلاغ.

58. شرح جمل العلم والعمل، السيد المرتضى علي بن الحسين، دار الأسوة.

ص: 406

59. تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي، تحقيق فارس تبريزيان.

60. كنز الفوائد، محمد بن علي الكراجكي، دار الأضواء.

61. تمهيد الأصول في علم الكلام، محمد بن الحسن الطوسي، منشورات جامعة طهران.

62. تلخيص الشافي، محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية.

63. رسائل الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن الطوسي.

64. التبيان في تفسير القرآن محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي.

65. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين، محمد بن جرير الطبري الإمامي تحقيق الشيخ أحمد المحمودي.

66. مجمع البيان لعلوم القرآن، أبو الفضل بن الحسن الطبرسي، دار التقريب.

67. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب.

68. المنفذ من التقيد، محمود الحمصي الرازي، مؤسسة النشر الإسلامي.

69. العمدة ابن البطريق، مؤسسة النشر الإسلامي.

70. بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، أحمد بن موسى بن طاوس، مؤسسة آل البيت.

71. النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة، ميثم بن علي البحراني، مجمع الفكر الإسلامي.

72. الصراط المستقيم، البياضي، مكتبة السيّد المرعشي.

73. نهج الإيمان، ابن جبر.

74. الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة، القاضي نور الله التستري.

75. عماد الإسلام في علم الكلام، السيد دلدار علي، مخطوط.

ص: 407

76. دلائل الصدق لنهج الحق، محمد حسن المظفر، مؤسسة آل البيت.

77. الميزان في تفسير القرآن، حمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي.

78. مواهب الرحمن في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي.

79. مواهب الرحمن في تفسير القرآن، السيد عبد الأعلى السبزواري.

80. الشيعة الاثني عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن، محمد العسال.

81. رسالة في معنى المولى، الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان، ضمن موسوعة الشيخ المفيد.

82. أثر الإمامة في الفقه الجعفري، علي أحمد السالوس، دار الثقافة.

83. صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، أحمد القلقشندي، دار الكتب العلميّة.

84. نهاية الأرب في فنون الأدب، أحمد النويري، وزارة الثقافة المصرية.

85. معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي.

86. الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها، عبد الله آل مهنا، دار التوحيد.

87. المعيار والموازنة، محمد الإسكافي.

88. تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي.

89. التنوير شرح الجامع الصغير، محمد بن إسماعيل الصناعاني، مكتبة دار السلام.

90. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، الحاكم الحسكاني، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

ص: 408

هذا الكتاب

الغدير شجرة غرسها رسول الله (ص) بيده المباركة وسقاها ورعاها، فأستظل بها من استظل وعزف عنها من عزف.

الغدير حلمٌ يتجدّد كلّ عام إلى أن يتحقق في آخر الأيام.

الغدير عهد في أعناق الأنام.

والغدير خارطة الطريق... للأُمة الاسلامية... ولجميع الأمم.... ولكن...

في هذا الكتاب يسلط الباحث الضوء على حديث الغدير ليثبته سنداً ودلالةً أوّلاً، ويرد الشبهات المثارة حوله ثانياً، بالاعتماد على المصادر والمراجع المعتبرة لدى الفريقين ليكون منهلاً عذباً لمن أراد الخوض في هذا المضمار والإطلاع على آراء كلا الفريقين.

المتر الإشارة للدراسات الا التحية

http://www.iicss.iq

islamic.css@gmail.com

ص: 409

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.